You are on page 1of 36

‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬

‫أصول النحو وأصول الفقه‬


‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬

‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬


‫أستاذ النحو والصرف المساعد بكلية التربية‬
‫بجامعة عين شمس‬
‫ملخص البحث‬
‫بحث العالقات التبادلية بين علم أصول النحو والعلوم اإلسالمية‪ ،‬هو بحث في النشأة‪،‬‬
‫واألصول‪ ،‬والمنهج لهذه العلوم ‪ ،‬حيث حاول إدراك عالقات التأثير والتأثر بين تلك‬
‫العلوم ‪ ،‬وقد التزم البحث المنهج الوصفي التحليلي فجمع أراء النحاة واألصوليين وقارن‬
‫بين تلك األراء‪ ،‬ليؤكد أن هذه العالقة كانت عالقة أخذ وعطاء وتأثير وتأثر‪ ،‬وأن هذه‬
‫العلوم كلها أفادت واستفادت من بعضها البعض‪ ،‬بحيث أصبح إتقان علوم العربية شرط‬
‫للمفسر والفقيه ‪ ،‬وكذلك أصبح إتقان اللغوي لعلوم الشريعة كعلوم التفسير و القراءات‬
‫وأسباب النزول ‪ ،‬وعلوم الحديث ‪ ،‬وأصول الفقهاء شرط لمن يتصدى للتحليل اللغوي‪،‬‬
‫والتنظير النحوي‪.‬‬
‫وقد ناسب ذلك أن يأتي البحث في مقدمة وتمهيد‪ ،‬أعقبهما فصول ثالثة علي النحو التالي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬بعنوان أصالة الفكر النحوي في الدرس اللغوي القديم‬
‫الفصل الثاني‪ :‬بعنوان علم أصول الفقه‪ :‬النشأة والتطور‬
‫الفصل الثالث‪ :‬بعنوان العالقة التبادلية بين أصول النحو‪ ،‬وعلم األصول في العلوم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ويشمل ثالثة محاور‪:‬‬
‫أو اًل‪ :‬تأثير أصول الفقه في نشأة علم أصول النّحو‬
‫ثانياا‪ :‬أثر العلوم اإلسالمية في الدرس النحوي‬
‫تالثا‪ :‬أثر النحو وعلوم اللغة على الفقه والعلوم اإلسالمية‬
‫وأتبع ذلك قائمة بأهم النتائج التي توصل إليها البحث‪ ،‬ثم قائمة بمصادر البحث ومراجعه‬
‫التي اعتمد عليها‬
‫الكلمات المفتاحية ‪ :‬السماع – القياس– اإلجماع ‪ -‬علم األصول‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)101‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫ والمنهج‬،‫ واألصول‬،‫دراسة في النشأة‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
Fundamentals of Grammar and Principles of Jurisprudence
A study in the Foundation - origins - and method
Preparation
Dr. Maher Mahmoud Amira
Professor of Grammar and Morphology, College of Education
Ain Shams University
Aabstract
Research the reciprocal relations between the science of grammar and
Islamic sciences, is a research in the origin, assets, and approach to these
sciences, where he tried to realize the relationships of influence and
influence between those sciences, and the research adhered to the
descriptive analytical approach and collected the opinions of grammarians
and fundamentalists and compared those opinions, to confirm that this
relationship was a relationship of give and take, influence and influence,
and that these sciences all benefited and benefited from each other, So
that mastery of Arabic sciences became a condition for the interpreter and
jurist, as well as linguistic mastery of the sciences of Sharia such as the
sciences of interpretation, readings, reasons for revelation, hadith
sciences, and the origins of jurists became a condition for those who
address linguistic analysis, and grammatical theorizing.
This was appropriate for the research to come in an introduction and an
introduction, followed by three chapters as follows:
Chapter One: Entitled The Originality of Grammatical Thought in the Old
Linguistic Lesson
Chapter Two: Entitled Usul al-Fiqh: Origin and Development
Chapter Three: Entitled The Reciprocal Relationship between the Origins
of Grammar and the Science of Origins in Science It includes three axes:
First: The impact of the principles of jurisprudence on the emergence of
the science of the principles of grammar
Second: The impact of Islamic sciences on the grammar lesson
Third: The impact of grammar and language sciences on jurisprudence
and Islamic sciences
This was followed by a list of the most important findings of the research,
then a list of research sources and references on which it was based.
Keywords:
Hearing - Measurement - Consensus - Fundamentals

2023 )‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول‬ )102( ‫ جامعة عني مشس‬-‫جملة كلية الرتبية‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬

‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬


‫أستاذ النحو والصرف المساعد بكلية التربية‬
‫بجامعة عين شمس‬
‫المقدمة‬
‫الحمد هلل ربّ ِّ العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين س ِّيّدنا محمد‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه الغر الميامين وبعد ‪...‬‬
‫فإن عالقة التأثير والتأثر بين نحاة العربية‪ ،‬واألصوليين من علماء الفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬تبدو جلية واضحة‪ ،‬وقد ظهرت تلك العالئق في أوضح صورها في بداية‬
‫القرن الرابع الهجري‪ ،‬وقد تباينت أراء الباحثين‪ ،‬بين قائل بأثر علم من هذه العلوم في‬
‫األخر‪ ،‬ومن رافض لهذا القول‪ ،‬والقول باستقالل كل علم في نشأته عن بقية العلوم‬
‫األخرى‪ .‬فمثال هذا الخالف في الرأي‪ ،‬هاج ا‬
‫سا في نفسي ودافعاا إلي البحث والمشاركة‬
‫برأي في تلك القضية‪ ،‬ومحاولة إدراك طبيعة هذه العالقة‪ ،‬خاصة مع وجود وجهة نظر‬
‫تناقض الرأي السابق وترى أن أثر النحو العربي في كل العلوم اإلسالمية‪ ،‬أثر جلي ًل‬
‫يمكن إنكاره‪ ،‬أو التغافل عن‪ ،‬وهو أثر ًليقل في درجته عن أثر علوم الفقه والمحدثين‬
‫على النحو العربي‪.‬‬
‫سبب اختيار الموضوع‪:‬‬
‫تعددت أراء الباحثين‪ ،‬حول مدى تأثير علم أصول الفقه‪ ،‬وعلم أصول النحو‪ ،‬ك ٌل على‬
‫األخر‪ ،‬فمن قائل باعتماد أصول النحو في نشأته على أصول الفقه‪ ،‬ورأي أخر يرى أن‬
‫علوم العربية هي المعين الذى اتكأت عليه كل العلوم في نشأتها‪ ،‬ومن يتوسط بين الرأيين‬
‫ويرى أن العلمين تداخال‪ ،‬وكان األثر متبادًل بينهما‪ ،‬فكان ذلك التعدد في الرأي‪ ،‬سبباا‬
‫ي لمعرفة طبيعة تلك العالقة‪ ،‬ومحاولة رد األمر إلى حقيقته‪.‬‬
‫قويا لد ا‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)103‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫وجدت دراسات سابقة على تلك الدراسة‪ ،‬تناولت نشأة هذه العلوم ودرست عالقة‬
‫التأثير والتأثر بين علم األصول عند النحاة‪ ،‬وعند األصوليين‪ ،‬وعلماء الفقه‪ ،‬والمتحدثين‪،‬‬
‫وعلوم التفسير والمتكلمين‪ ،‬ومن هذه الدراسات‬
‫‪ -‬دراسة مصطفى محمد الفكي (أثر النحو في استنباط المسائل األصولية والفقه)‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية‪ ،‬السودان المجلد ‪ ،8‬العدد ‪،10‬‬
‫‪1426/200‬هـ‬
‫‪ -‬دراسة ثروت السيد رحيم بعنوان (القضايا المشتركة بين النحاة واألصوليين –‬
‫دراسة مقارنة)‪ ،‬دار اليُسر ‪ -‬القاهرة – مصر‪2014 ،‬م‬
‫‪ -‬دراسة أحمد عبد الباسط حامد (من قضايا أصول النحو عند علماء أصول الفقه)‪،‬‬
‫مجلة الوعي اإلسالمي‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪1435،‬هـ‪2014/‬م‬
‫‪ -‬دراسة األثر العقائدي في التوجيه النحوي للنص القرآني‪ ،‬د‪ .‬حيدر مصطفى‬
‫هجر‪ ،‬جامعة ذي قار – كلية اآلداب‪ ،‬مجلة آداب ذي قار‪ ،‬العدد ‪ 2‬مجلد ‪2020 ،1‬‬
‫‪ -‬دراسة الدًللة النحوية وأثرها في استثمار األحكام الفقهية من القرآن الكريم جمع‬
‫ودراسة وتوجيه‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬عزالدين سليماني‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة سيدي محمد‬
‫بن عبد هللا‪ ،‬المغرب‪.2014 ،‬‬
‫‪ -‬دراسة التفاعل بين النحو وأصوله والفقه وأصوله‪ ،‬عبد الملك عبد الوهاب أنعم‪،‬‬
‫مجلة الشريعة والقانون‪ ،‬كلية القانون‪ ،‬جامعة اإلمارات‪ ،‬العدد‪.2011، 46،‬‬
‫ولفت انتباهي رد بعض تلك الدراسات الفضل لألصوليين‪ ،‬من المناطقة وعلماء‬
‫فكون ذلك لدي دافعا‬
‫الفقه والتفسير على النحو العربي‪ ،‬في النشأة وعلم أصول النحو‪ ،‬ا‬
‫للمشاركة برأي حول تلك القضية‪ ،‬ومحاولة الوصول إلى الحقيقة التي يرتاح إليها الباحث‬
‫وتؤكدها شواهد النقول والنصوص الثابتة‪.‬‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)104‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫المنهج المتبع‪:‬‬
‫التزم البحث المنهج الوصفي التحليلي فتتبع نشأة تلك العلوم من النشأة‪ ،‬إلى التطور‬
‫والنضوج‪ ،‬ورصد أصولهم التي اعتمدوا عليها‪ ،‬ثم أجريت النظر فيما جمعته‪ ،‬وحللته‬
‫محاوًل‪ ،‬تلمس أثر تلك العلوم على بعضها البعض‪.‬‬
‫هدف الدراسة‪:‬‬
‫تهدف الدراسة إلى بيان عالقات التأثير والتأثر بين النحاة والمناطقة‪ ،‬وأثر ذلك‬
‫على الدرس اللغوي‪ ،‬وبيان األثر العلمي لكل علم من هذه العلوم على العلوم األخر‪.‬‬
‫فصول الدراسة‪:‬‬
‫ناسب الدراسة أن تُرتب على مقدمة وتمهيد أتبعتهما ثالثة فصول‪ ،‬يعقبها إجمال‬
‫ألهم النتائج التي توصل إليها البحث‪ ،‬ثم ثبت للمراجع والمصادر‬
‫الفصل األول‪ :‬بعنوان أصالة الفكر النحوي في الدرس اللغوي القديم‬
‫الفصل الثاني‪ :‬بعنوان علم أصول الفقه‪ :‬النشأة والتطور‬
‫الفصل الثالث‪ :‬بعنوان العالقة التبادلية بين أصول النحو‪ ،‬وعلم األصول في العلوم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ويشمل ثالثة محاور‪:‬‬
‫ا‬
‫أوًل ‪ :‬تأثير أصول الفقه في نشأة علم أصول النّحو‬
‫ثانياا ‪ :‬أثر العلوم اإلسالمية في الدرس النحوي‬
‫تالثا ‪ :‬أثر النحو وعلوم اللغة على الفقه والعلوم اإلسالمية‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬السماع – القياس– اإلجماع ‪ -‬علم األصول‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫إن العالقة بين علوم اللغة‪ ،‬والعلوم اإلسالمية عالقة ظاهرة‪ ،‬وهي عالقة منطقية؛‬
‫لقرب النشأة‪ ،‬وتشابه األصول؛ فقد بدأ الدرس النحوي مرتبط بالقرآن الكريم‪ ،‬يحدوه في‬
‫ذلك دفع اللحن‪ ،‬الذي فشا على ألسنة األعاجم‪ ،‬حين زادت أعداد العجم الداخلين في‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)105‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫اإلسالم‪ ،‬ثم أستوى هذا العلم‪ ،‬ووصل إلى حد النضج والكمال على يد علماء المدرستين‪،‬‬
‫في منتصف القرن الثالث الهجري‪.‬‬
‫وبعد ذلك العصر زادت العالقات الثقافية والفلسفية‪ ،‬بين علماء العربية‪ ،‬وعلماء‬
‫العلوم األخرى‪ ،‬وبدأ األثر العقدي يظهر في أراء كثير من النحاة‪ ،‬فظهرت عبارات‬
‫المناطقة وعلماء الكالم في كتاباتهم‪ ،‬ولم يكن أثر المنطق وعلوم التفسير‪ ،‬والمتحدثين‬
‫واضحا‪ ،‬في مصنفات النحاة في عصر النشأة األولى‪ ،‬وًل في عصر التطور والنمو‪،‬‬
‫وإنما بدا أثرهما واض احا في مرحلة النضج واًلزدهار التي تبدأ في أوائل القرن الرابع‬
‫الهجري‪ ،‬واقتصر هذا األثر على ثالثة محاور فقط‪ :‬في التبويب‪ ،‬والعرض‪ ،‬والتأويل‪.‬‬
‫فرتبوا أبواب النحو‪ ،‬ترتيباا منطقيًّا‪ ،‬يشبه كثيرا طرائق األصوليين‪ ،‬ثم عرضوا مادتهم‬
‫في ترتيب منطقي يلتزم التسلسل العقلي في عرض وشرح قضاياهم؛ وانتقلوا من الكل‬
‫إلى الجزء‪ ،‬ومن المقدمات والكليات إلى النتائج والجزئيات‪ ،‬كما ظهر تأثرهم بالتأويل في‬
‫ظهور العلل النحوية‪ ،‬ونظرية العامل في ضوء المنطق األرسطي‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى كانت أصول النحاة معيناا لكثير من األصوليين‪ ،‬من الفقهاء‬
‫والمفسرين‪ ،‬والمحدثين‪ ،‬في فهم وتأويل النصوص القرآنية‪ ،‬التي تفيد بمعناها الظاهري‪،‬‬
‫ما يتعارض مع الحقائق التي قال بها علماء الكالم‪ ،‬أو ما يوحي ظاهرها بتعارض مع‬
‫نص القاعدة النحوية‪.‬‬
‫كذلك فإن النحاة قد احتذوا طريق المحدثين؛ "من حيث العناية بالسند‪ ،‬والمتن‪،‬‬
‫والجرح والتعديل‪ ،‬ثم حذوا َح ْذو المتكلمين في تطعيم نحوهم بالمنطق والفلسفة ‪ ،‬ثم حاكوا‬
‫أخيرا في أصولهم‪ ،‬وكان لهم طرازهم في بناء القواعد على السماع‪ ،‬والقياس‪،‬‬
‫ا‬ ‫الفقهاء‬
‫(‪)1‬‬
‫واإلجماع‪ ،‬وذلك أثر من آثار العلوم الدينية في علوم اللغة"‬
‫وقد وضحت تلك العالقة بين النحو وعلوم الفقه‪ ،‬فيما رواه الزبيدي (ت ‪379‬هـ) في‬
‫تلك المناظرة ا التي دارت بين الكسائي(‪189‬هـ) وأبي يوسف(‪182‬هـ) حين قال‪" :‬ما تقول‬

‫(‪ )1‬ينظر في أصول النحو؛ لسعيد األفغاني‪ ،‬ط‪ ،2‬الجامعة السورية‪ ،‬دمشق‪1964 ،‬م ص ‪.104/‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)106‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫ْ‬
‫طلقت‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫إن دخلَ ِّ‬
‫ت الدار‬ ‫ت الدار؟ قال‪ْ :‬‬ ‫في رجل قال ًلمرأته‪ :‬أنت طالق إن ْ‬
‫دخل ِّ‬
‫ب الفعل‪ ،‬وإن‬
‫أخطأتَ يا أبا يوسف‪ ،‬فقال‪ :‬كيف الصواب؟ قال‪ :‬إذا قال‪" :‬أن" فقد و َج َ‬
‫قال‪" :‬إن" فلم يجب‪ ،‬ولم يقع الطالق‪ ،‬قال‪ :‬فكان أبو يوسف بعدها ًل يدع أن يأتي‬
‫الكسائي"(‪ .)2‬فأظهرت تلك المناظرة طبيعة العالقة بين علماء النحو وعلماء الفقه‪ ،‬وكيف‬
‫أن العالم النحوي يراجع الرأي الفقهي لعلم من أعالم الفقه بحجم أبي يوسف‪.‬‬
‫كما أشار ابن جني (ت ‪ 392‬هـ) إلى تلك الصلة القوية بين أصول الفقه‪ ،‬وأصول‬
‫النحو خاصة في نوع العلل‪ ،‬وجواز القياس‪ ،‬وتعارض السماع والقياس‪ ،‬واًلستحسان‪،‬‬
‫واإلجماع‪ ،‬ومن ذلك قوله‪" :‬اعلم أن علل النحويين ‪ -‬وأعني بذلك ُحذَّاقهم المتقنين‪ً ،‬ل‬
‫ألفافهم المستضعفين ‪ -‬أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين"(‪. )3‬‬
‫ونستطيع أن نلمس هذا التأثير المتبادل بين النحو وعلوم الفقه‪ ،‬في قول ابن‬
‫األنباري(ت ‪ 577‬هـ) " إن جماعةا من الفقهاء المتأدبين‪ ،‬واألدباء المتفقهين سألوني أن‬
‫أُلخص لهم كتاباا لطيفاا‪ ،‬يشتمل على مشاهير المسائل الخالفية بين نحوي البصرة‬
‫والكوفة‪ ،‬على ترتيب المسائل الخالفية بين الشافعي وأبي حنيفة؛ ليكون أول كتاب صنف‬
‫في علم العربية على هذا الترتيب‪. )4( "...‬‬
‫وتظهر تلك العالقة الترابطية‪ ،‬بين النحو والفقه في أعلى صورها فيما ذكره ابن‬
‫هشام (ت ‪761‬هـ) من أن الكسائي كان يدير المسائل الفقهية على أصول النحو‪ ،‬فقد سأل‬
‫أبا يوسف تلميذ أبى حنيفة عن قول القائل‪:‬‬
‫َ َ (‪)5‬‬
‫َوإِ ْن ت َ ْخ ِرقِي يَا ِه ْن ُد فَال َخر ُ‬
‫ق أشْأ ُم‬ ‫ق أيمنُ ‪‬‬ ‫فَ ِإ ْن ت َ ْرفُ ِقي يَا ِه ْن ُد فَالرف ُ‬

‫وأ َ ْظلَ ُم‬ ‫أَعَقُّ‬ ‫يَ ْخرقْ‬ ‫َو َم ْن‬ ‫ثَ ٌ‬


‫َلث‪،‬‬ ‫ع َِزي َمةٌ ‪‬‬ ‫ق‬
‫والطَل ُ‬ ‫َط ََل ٌ‬
‫ق‬ ‫فَأ َ ْن ِ‬
‫ت‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬طبقات النحويين واللغويين‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2‬‬
‫(ص ‪.)127‬‬
‫(‪ )3‬ينظر الخصائص؛ البن جني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت ‪49 ،48 /1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر اإلنصاف في مسائل الخَلف بين النحويين البصريين والكوفيين؛ ألبي البركات األنباري‪ ،‬ص‪ ،1:‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫(‪ )5‬البيتان من الطويل وهما بدون نسبة في خزانة األدب ‪ ،460/1‬ومغني اللبيب ‪ ،53/1‬األشباه والنظائر‪92/3‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)107‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫فقال‪ :‬ما يلزمه إذا رفع الثالث ونصبها؟! قال أبو يوسف‪ :‬فقلت‪ :‬هذه مسألة نحوية‬
‫فقهية‪ ،‬وًل آ َمنُ الخطأ إن قلت فيها برأيي‪ ،‬فأتيت الكسائي وهو في فراشه‪ ،‬فقال‪ :‬إن رفَ َع‬
‫طلقت واحدة؛ ألنه قال‪" :‬أنت َ‬
‫ط َال ٌق"‪ ،‬ثم أخبر أن الطالق التام ثالث‪ ،‬وإن نصبها‬ ‫ْ‬ ‫ثالثاا‬
‫طلقت ثالثاا؛ ألن معناها‪ :‬أنت طالق ثالثاا‪ ،‬وما بينهما جملة معترضة"(‪ .)6‬فلم يأمن أبو‬
‫ْ‬
‫يوسف على نفسه من الخطأ‪ ،‬فيسأل الكسائي‪ ،‬كما تبين الرواية مدى اًلرتباط بين‬
‫العلمين‪ ،‬وكيف أنهما يرتبطان أشد اًلرتباط‪ ،‬في أمر الفتيا وإصدار األحكام‬
‫نظرا‬
‫ا‬ ‫والحقيقة أن العالقة بين النحو وأصوله‪ ،‬والعلوم اإلسالمية وأصولها متداخلة؛‬
‫لتتشابه األصول واألحكام بينهما‪ ،‬فإذا كان الفقهاء قد قسموا الحكم الشرعي إلى واجب‬
‫ومحرم‪ ،‬ومندوب ومكروه‪ ،‬ومباح ووضعي(‪ ،)7‬فإن النحاة قسموا الحكم إلى واجب‪،‬‬
‫وممنوع‪ ،‬وحسن‪ ،‬وقبيح‪ ،‬وجائز(‪.)8‬‬
‫يظهر مما سبق األثر المتبادل‪ ،‬بين النحو والفقه‪ ،‬وإبراز الدور الذى يلعبه العلمان‪ ،‬في‬
‫حل القضايا الشائكة التي تعرض للناس عامةا‪ ،‬فهذا ابو يوسف يعلمنا أن قضايا الفقه‪،‬‬
‫بحاجة إلى علم النحاة؛ لدقة الفهم‪ ،‬وجالء حقائقها‪ ،‬فكانت تلك العالقات التبادلية بين‬
‫النحاة‪ ،‬وعلماء العلوم اإلسالمية‪ ،‬الدافع لكتابة ذلك البحث‪ ،‬محاوًل إظهار طبيعة تلك‬
‫العالقة‪ ،‬فإن أصبت هللف الحمد والمنة‪ ،‬وإن كانت األخرى فمن الشيطان‪ ،‬ومن نفسي‬
‫وهللا من وراء القصد‬ ‫وحسبي أني حاولت واجتهدت‪،، ،‬‬

‫(‪ ) 6‬ينظر‪ :‬مغني اللبيب البن هشام ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مازن المبارك‪ ،‬ومحمد علي حمد هللا‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫السادسة‪1985 ،‬م‪ ،‬ج‪77 ،76/1‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬الحكم الشرعي عند األصوليين؛ لحسين حامد حسان‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1972 ،‬م ص‪.65/‬‬
‫(‪ )8‬ينظر االقتراح في علم أصول النحو؛ للسيوطي ص‪.10،11 /‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)108‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫الفصل األول‬
‫أصالة الفكر النحوي في الدرس اللغوي القديم‬
‫إذا حاولنا تتبع الخطوات األولى لنشأة علم النحو وأصوله‪ ،‬فإننا ًل نجد خالفاا بين‬
‫الباحثين حول صعوبة البحث‪ ،‬في تلك الفترة الزمانية المتقدمة؛ لطبيعة الدرس اللغوي‬
‫آنذاك‪ ،‬التي اعتمدت على التلقي والمشافهة‪ ،‬وهى فترة ما بين عصر أبي األسود الدؤلي‬
‫حتى ظهور كتاب سيبويه‪ ،‬ولم يُ ِّعر علماء تلك المرحلة اهتما اما بالتأليف‪ ،‬والتصنيف‬
‫النحوي؛ فكان التأريخ للمرحلة التي سبقت كتاب سيبويه فيه من الصعوبة ما فيه‪.‬‬
‫ا‬
‫معجزا‪ ،‬ومتحدياا به فصحاء‬ ‫فقد أنزل هللا كتابه العزيز‪ ،‬على قلب رسوله الكريم‬
‫العرب‪ ،‬وكثيرا ما كان يعوزهم فهم بعض مقاصده‪ ،‬مما أوجب وجود من يوضح لهم ما‬
‫استغلق عليهم من معانيه‪ ،‬ويفصل لهم مجمله‪ ،‬فتصدى رسول هللا ‪ ‬للتأويل والتحليل‬
‫واإلبانة لما خفي عليهم فهمه‪ .‬من ذلك على سبيل التمثيل ًل الحصر‪ ،‬ما روى عن النبي‬
‫َب َج َهنَّ َم أ َ ْنت ُ ْم‬
‫َّللا َحص ُ‬ ‫‪ ‬أنه لما بلغ المشركين قول هللا تعالى‪ِ :‬إنَّ ُك ْم َو َما ت َ ْعبُد َ‬
‫ُون ِم ْن د ِ‬
‫ُون َّ ِ‬
‫لَ َها َو ِارد َ‬
‫ُون ‪ {‬األنبياء‪ }98 :‬اعترضه عبد هللا بن الزبعري ‪ -‬وهو مشرك لم يسلم بعد ‪-‬‬
‫ضا المالئكة واألنبياء الذين عبدهم الناس‪ ،‬فسر المشركون‬ ‫ا‬
‫قائال‪ :‬أن هذه اآلية تشمل أي ا‬
‫باحتجاجه هذا‪ ،‬فرد ‪( :‬يا غالم‪ ،‬ما أجهلك بلغة قومك! فإني قلت وما تعبدون‪ ،‬وهي لما‬
‫ًل يعقل‪ ،‬ولم أقل‪ :‬ومن تعبدون)(‪ .)9‬وهو تأويل ًل أثر لعلوم المناطقة والفالسفة فيه‪.‬‬
‫واستمر اًلمر كذلك في عهد الصحابة والتابعين؛ فلم تكن علوم الفقه‪ ،‬وأصول‬
‫الكالم‪ ،‬قد ظهرت بعد‪ .‬فلم يكن الصحابة والتابعون في احتياج لعلوم الفقه‪ ،‬وأصوله؛ فقد‬
‫نشؤوا ورسول هللا بينهم‪ ،‬وكان الصحابة يتصدون آليات القرآن الكريم‪ ،‬ويتداولون بعض‬
‫القضايا النحوية من غير أن تكون الغاية وضع النحو‪ ،‬وإنما قاد إليها المعنى التفسيري‬
‫الذي يعالجه المفسر(‪.)10‬‬

‫(‪ )9‬ينظر‪ :‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬األلوسي‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪ ،139‬وينظر‪ :‬تفسير‬
‫الميزان ‪ ،‬الطباطبائي‪ ،‬ج ‪ - 14‬الصفحة ‪335‬‬
‫(‪ )10‬ينظر‪ :‬الحكم الشرعي عند األصوليين‪ :‬ص‪.81‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)109‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬
‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫وكان من أوائل من أ ُ ِّثرت عنهم بعض التأويالت النحوية الدالة على الفهم العميق‬
‫لدًلًلت األلفاظ ‪ ,‬ومقاصد المعاني‪ ،‬عبد هللا بن مسعود‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬ومما روى‬
‫علَ ْينَا َربُّكَ قَا َل إِنَّ ُك ْم َما ِكث ُ َ‬
‫ون‪{ ‬‬ ‫عنهما قراءتهما قوله تعالى‪َ  :‬ونَاد َْوا يَا َما ِلكُ ِليَ ْق ِ‬
‫ض َ‬
‫الزخرف‪( }77:‬أنهما قرآها‪ :‬يا ما ِّل‪ ،‬بحذف الكاف ترخي اما‪ ،‬وقد علق ابن عباس رضي‬
‫هللا عنهما على هذه القراءة قائالا‪ :‬ما أشغل أهل النار عن الترخيم)(‪ .)11‬وفي ذلك إشارة‬
‫واضحة إلى مصطلح (الترخيم)‪ ،‬وطرائقه‪.‬‬
‫ِين آ َمنُوا ِم ْن ُك ْم‬ ‫وروي عن عبد هللا بن مسعود في تفسيره قوله تعالى‪  :‬يَ ْرفَ ِع َّ‬
‫َّللاُ الَّذ َ‬
‫ير‪ { ‬المجادلة‪ }11 :‬أنه قدر ا‬
‫فعال‪ ،‬فيرى‬ ‫ون َخبِ ٌ‬
‫َّللاُ بِ َما ت َ ْع َملُ َ‬ ‫ِين أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم د ََر َجا ٍ‬
‫ت َو َّ‬ ‫َوالَّذ َ‬
‫ِين آ َ َمنُوا ِم ْن ُك ْم ‪ ،‬أما (الذين) في قوله‪َ  :‬والَّذ َ‬
‫ِين‬ ‫أن الكالم قد تم عند قوله تعالى‪  :‬الَّذ َ‬
‫أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم د ََر َجا ٍ‬
‫ت‪ ،‬فإن الكالم انتصب بفعل تقديره‪ :‬يخص الذين أوتوا العلم درجات‪،‬‬
‫(‪)12‬‬
‫فقد لجأ ابن مسعود في هذا التحليل إلى التقدير‪،‬‬ ‫فللمؤمنين رفع وللعلماء درجات)‬
‫وهو تفسير يظهر فيه أثر النحو علم التفسير‪.‬‬
‫ِين آ َمنُوا ِإ َذا قُ ْمت ُ ْم إِلَى ال َّ‬
‫ص ََل ِة‬ ‫وكان ابن عباس يقرأ اآلية الكريمة‪ :‬يَا أَيُّ َها الَّذ َ‬
‫س ُك ْم َوأ َ ْر ُجلَ ُك ْم إِلَى ا ْل َك ْعبَي ِْن ‪‬‬
‫س ُحوا بِ ُر ُءو ِ‬ ‫ام َ‬ ‫سلُوا ُو ُجو َه ُك ْم َوأ َ ْي ِديَ ُك ْم إِلَى ا ْل َم َرافِ ِ‬
‫ق َو ْ‬ ‫فَا ْغ ِ‬
‫{المائدة‪ ،}6 :‬بنصب أرجلكم‪ ،‬ثم يقول‪( :‬عاد األمر إلى الغسل) (‪ .)13‬ومعنى كالمه أن في‬
‫وتأخيرا‪ ،‬إذ أن أرجلكم معطوفة على أيديكم وتأخرت في اآلية‪ ،‬وقد اهتدى‬
‫ا‬ ‫اآلية تقدي اما‬
‫رضي هللا عنه إلى ذلك‪ ،‬بالنظر إلى الحركة اإلعرابية‪ ،‬والربط بينها وبين المعنى‪ ،‬وهنا‬
‫يتبين مدى تالقى علوم الفقه مع علم النحو لفهم الدًللة‪ ،‬فلم يهتد ابن عباس إلى هذا الفهم‪،‬‬
‫إًل بهدي من أثر العالمة اإلعرابية‪.‬‬

‫(‪ )11‬ينظر ‪:‬التحليل النحوي أصوله وأدلته فخر الدين قباوة‪ :‬ص‪ ،10‬ينظر الكشاف‪ ،‬أبو القاسم الزمخشري‪ ،‬ج‪،5‬‬
‫ص ‪.456‬‬
‫(‪ )12‬ينظر البحر المحيط‪ ،‬أبو حيان‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،235‬ونسب هذا التحليل إلى ابن عباس‪ ،‬أنظر‪ :‬الدر المصون في‬
‫علوم الكتاب المكنون‪ ،‬السمين الحلبي‪ ،‬ج‪ ،10 :‬ص ‪.272‬‬
‫(‪ )13‬ينظر‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬الطبري‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪192‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)110‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫ومن التابعين تبرز جهود مجاهد بن جبر رضي هللا عنه‪ ،‬حيث تداولت كتب التفسير‬
‫‪.‬‬
‫ضها في تفسير اإلمام مجاهد بن جبر‬
‫ومعاني القرآن وإعرابه جهوده‪ ،‬التي ُجمع بع ُ‬
‫َ‬
‫ع ْبدًا‬
‫َان َ‬ ‫ومما ورد عنه‪ ،‬أنه في قوله تعالى‪ ‬ذُ ِريَّة َم ْن َح َم ْلنَا َم َع نُ ٍ‬
‫وح إِنَّهُ ك َ‬
‫ُورا‪{‬اإلسراء‪ ،}3 :‬كان يقول‪( :‬هذا نداء يعني‪ :‬يا ذرية من حملنا) (‪ .)14‬وقول تعالى‪ :‬‬
‫شك ً‬‫َ‬
‫ث ِم ْن ُه َما‬
‫اح َد ٍة َو َخلَقَ ِم ْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّ‬ ‫يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫اس اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس َو ِ‬
‫علَ ْي ُك ْم‬ ‫َّللاَ ك َ‬
‫َان َ‬ ‫ون ِب ِه َو ْاأل َ ْر َحا َم ِإنَّ َّ‬ ‫َّللا الَّذِي ت َ َ‬
‫سا َءلُ َ‬ ‫سا ًء َواتَّقُوا َّ َ‬ ‫يرا َونِ َ‬‫اال َكثِ ً‬‫ِر َج ً‬
‫ويعلل‬ ‫َرقِيبًا‪{‬سورة النساء‪ :‬اآلية‪ ،}1‬فذكر أن المعنى (اتقوا األرحام أن تقطعوها)‬
‫(‪)15‬‬

‫النصب في األرحام بأنها معطوفة على لفظ الجاللة‪ ،‬ويبين المقصود من التقوى بأنها‬
‫اجتناب قطع األرحام‪ .‬وربما كان في ذلك التلقي إشارة متقدمة جداا إلى العلة النحوية‪.‬‬
‫فإذا انتقلنا إلى عصر ما قبل عصر التدوين‪ ،‬نجد أن كتب األخبار والتراجم قد‬
‫نقلت لنا الكثير من المالحظات‪ ،‬والتحليالت النحوية لبعض اآليات القرآنية وأبيات الشعر‬
‫العربي‪ ،‬مما كان يدور في مجالس النحويين العامة والخاصة‪.‬‬
‫فقد روي أن أبا األسود الدؤلي كان له مجلس إلعراب القرآن الكريم‪ ،‬وعنه طلب‬
‫حر بن عبد الرحمن النحوي القارئ إعراب القرآن أربعين سنة(‪ .)16‬وقد أنشد أبو األسود‬
‫ُّ‬
‫مرة أبياتاا في محبة النبي ‪ ‬منها قوله‪:‬‬
‫(‪)17‬‬
‫ولست بمخطئ إن كان غيًا‬ ‫أصبه ‪‬‬ ‫رشدًا‬ ‫حب ُهم‬ ‫يكُ‬ ‫فإن‬

‫فقالت له بنو قشير‪ :‬شككت يا أبا األسود في قولك‪ :‬فإن يكُ حبهم فرد عليهم بقوله‪:‬‬
‫َّللاُ َوإِنَّا أ َ ْو إِيَّا ُك ْم‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض قُ ِل َّ‬ ‫اوا ِ‬ ‫أما سمعتهم قول هللا تعالى‪ :‬قُ ْل َم ْن يَ ْر ُزقُ ُك ْم ِم َن ال َّ‬
‫س َم َ‬
‫ين‪ {‬سبأ‪ }24 :‬أفترون هللا شك في ضاللهم؟ ولكنه حققه بذلك‬ ‫لَعَلَى ُهدًى أ َ ْو فِي َ‬
‫ض ََل ٍل ُمبِ ٍ‬
‫(‪ )14‬ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.213‬‬
‫(‪ )15‬الطبري‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.348‬‬
‫(‪ )16‬ينظر‪ :‬بغية الوعاة‪ ،‬السيوطي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.493‬‬
‫(‪ )17‬البيت من الوافر‪ ،‬ينظر‪ :‬ديوان أبي األسود الدؤلي‪ ،‬صنعه‪ :‬أبو سعيد الحسن السكري‪ ،‬تح ‪ :‬محمد حسن آل‬
‫ياسين‪ ،‬ومكتبة الهَلل ‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1998 ،2‬م ‪ 1418 -‬هـ‪.‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)111‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫عليهم(‪.)18‬وفي رده ذلك إرهاص بالقياس‪ ،‬الذى لم يكن قد تأصلت معالمه بعد؛ ليثبت أن‬
‫هذا اًلستعمال وهذه طريقة في التأويل‪ ،‬قد يلجأ إليها المفسر إذا رأى في النص المستشهد‬
‫به‪ ،‬ما يغني عن كثير من الشرح والتفسير‪ ،‬لتوضيح معناه‪.‬‬
‫وحين سأل الحجاج يحيي بن يعمر العدواني (أتسمعني ألحن على المنبر؟ قال‪ :‬األمير‬
‫أفصح من ذلك‪ ،‬فألح عليه فقال‪ :‬حرفاا‪ ،‬قال‪ :‬أيًّا ؟ قال‪ :‬في القرآن‪ ،‬قال‪ :‬ذلك أشنع له‪ ،‬فما‬
‫يرت ُ ُك ْم َوأ َ ْم َوا ٌل‬
‫ش َ‬ ‫َان آبَا ُؤ ُك ْم َوأ َ ْبنَا ُؤ ُك ْم َوإِ ْخ َوانُ ُك ْم َوأ َ ْز َوا ُج ُك ْم َو َ‬
‫ع ِ‬ ‫هو؟ قال تقول‪ :‬قُ ْل ِإ ْن ك َ‬
‫اقت َ َر ْفت ُ ُمو َها‪ ‬إلى قوله تعالى‪{ :‬أحبَّ } فتقرؤها‪{ :‬أحبُّ } بالرفع‪ ،‬والوجه أن تقرأ بالنصب‬ ‫ْ‬
‫على خبر كان‪ ،‬قال‪ً :‬ل جرم! ًل تسمع لي لحنا أبداا)(‪.)19‬‬
‫س ْبت ُ ْم أ َ ْن ت َ ْد ُخلُوا ا ْل َجنَّةَ َولَ َّما يَأْتِ ُك ْم‬
‫وعرض أبو عمرو بن العالء لقوله تعالى‪  :‬أ َ ْم َح ِ‬
‫سو ُل َوالَّذ َ‬
‫ِين‬ ‫الر ُ‬‫سا ُء َوالض ََّّرا ُء َو ُز ْل ِزلُوا َحتَّى يَقُو َل َّ‬ ‫ستْ ُه ُم ا ْلبَأ ْ َ‬
‫ِين َخلَ ْوا ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم َم َّ‬
‫َمث َ ُل الَّذ َ‬
‫آ َمنُوا َمعَهُ َمتَى نَص ُْر َّ ِ‬
‫َّللا ‪ {‬البقرة‪ .}214:‬وفسر نصب الفعل (يقول) بأن (زلزلوا فعل‬
‫ماضي‪ ،‬ويقول فعل مستقبل‪ ،‬فلما اختلفا كان الوجه النصب)(‪ .)20‬فنصبه ليس بحتى وإنما‬
‫ًلختالف زمنه عن زمن الفعل الذي يسبقه‪.‬‬
‫من العرض السابق لبعض نماذج التأويل النحوي في عصر النبوة‪ ،‬والخلفاء‬
‫الراشدين من بعده‪ ،‬ثم في عصر التابعين‪ ،‬وعصر ما قبل التدوين‪ ،‬نجد أن النحو العربي‪،‬‬
‫لم يظهر فيه أثر لألصوليين والمناطقة‪.‬‬
‫فإذا انتقلنا إلى عصر التدوين‪ ،‬نجد النحاة‪ ،‬قد تعددت طرائقهم‪ ،‬فمنهم من أقر قاعدة‬
‫سبقت‪ ،‬أو رجح مذهباا على غيره‪ ،‬أو خالف غيره في قضية ما‪ ،‬أو ر ّد وجها لعدم إجماع‬
‫النحاة عليه‪ ،‬أو جوز مع الكراهة أو أقر للضرورة‪ ،‬وهنا تظهر بدايات التفاعل والتأثير‬
‫المتبادل بين علوم النحو‪ ،‬وعلوم الفقه والتفسير‪.‬‬

‫(‪ )18‬ينظر‪ :‬إنباه الرواة على أنباه النحاة‪ ،‬القفطي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،52‬تح‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬دار الفكر العربي‬
‫‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ومؤسسة الكتب الثقافية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1406 :1‬هـ ‪1982 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )19‬ينظر طبقات النحويين واللغوين‪ ،‬الزبيدي‪ ،‬ص ‪ ،33‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪1984 ،1‬‬
‫(‪ )20‬ينظر إعراب القرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،304‬النحاس‪ ،‬تح‪ :‬خالد العلي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المعرفة‪.‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)112‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫وقد أحصى ابن األنباري عددا من تلك المسائل في "اإلنصاف ويعد قولهم‪( :‬هذا‬
‫الغالم منطلق) شاهدا على ذلك التعدد؛ فالمطرد لديهم نصب المشتق الواقع بعد الخبر‬
‫الجامد‪ ،‬جوز لهم ذلك وقوع المبتدأ اسم إشارة‪ ،‬وعند سيبويه والخليل رفع (منطلق) على‬
‫وجهين األول‪ :‬جعل منطلق‪ ،‬خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أو هذا‪ ،‬والوجه الثاني أن‬
‫خبرا لهذا)(‪.)21‬‬
‫تجعل كال من الغالم ومنطلق ا‬
‫ويرى سيبويه أن لفظ (أسفل) يعد ظرفاا‪ ،‬مستندا إلى قوله تعالى‪ِ ‬إ ْذ أ َ ْنت ُ ْم بِا ْلعُد َْو ِة‬
‫سفَ َل ِم ْن ُك ْم ‪ {‬األنفال‪ }42 :‬فجاء الظرف مبنيا في‬ ‫ب أَ ْ‬ ‫ال ُّد ْنيَا َو ُه ْم بِا ْلعُد َْو ِة ا ْلقُص َْوى َو َّ‬
‫الر ْك ُ‬
‫محل رفع‪ .‬قال سيبويه‪( :‬وسألته عن قوله‪ :‬زيد أسفل منك‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ظرف كقوله عز‬
‫وجل‪ :‬والركب أسفل منكم‪ ،‬كأنه قال‪ :‬زيد في مكان أسفل من مكانك)(‪.)22‬‬
‫فمنهج الخليل وسيبويه في التأويل النحوي‪ ،‬أنهما يقران اللفظ على صورته التي جاء‬
‫عليها‪ ،‬التي قد تبدو غير منسجمة مع القاعدة‪ ،‬ويحاوًلن إيجاد وجه‪ ،‬أو مسوغ له ‪.‬‬
‫ثم انتقل الدرس النحوي‪ ،‬مع بداية القرن الثالث إلى الكتب والمدونات‪ ،‬وجاء مضمناا‬
‫في كتب معاني القرآن‪ ،‬إلى أن جاء أبو جعفر النحاس (ت ‪338‬هـ) ففصل بين المعاني‬
‫واإلعراب‪ ،‬في مؤلفه العظيم "إعراب القرآن" ثم تتابع التأليف في إعراب القرآن وكثر‪.‬‬
‫ومن أشهر كتب إعراب القرآن الكريم‪ ،‬التي مثلت تلك المرحلة كتاب إعراب‬
‫القرآن ألبي جعفر النحاس(ت‪338:‬هـ)‪ ،‬وإعراب ثالثين سورة من القرآن الكريم ًلبن‬
‫خالويه‪( ،‬ت‪370:‬هـ) ومشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي ( ت‪437:‬هـ)‪،‬‬
‫والملخص في إعراب القرآن للخطيب التبريزي(ت‪502:‬هـ)‪ ،‬ونكت اإلعراب في غريب‬
‫اإلعراب في القرآن الكريم للزمخشري (ت‪538:‬هـ)‪ ،‬والتبيان في إعراب القرآن‬
‫للعكبري (ت‪616:‬هـ)‪ ،‬والدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي‬
‫(ت‪756:‬هـ)(‪.)23‬‬

‫(‪ )21‬ينظر‪ :‬الكتاب‪ ،‬سيبويه‪ ،‬تحقيق عبد السَلم هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬دت‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.83‬‬
‫(‪ )22‬ينظر‪ :‬الكتاب‪ ،‬سيبويه‪،‬ج‪ ،3‬ص ‪.289‬‬
‫(‪ )23‬ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬حاجي خليفة‪ :‬ج‪ ،1‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)113‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫ثم خطت الدراسات النحوية خطوة أكثر منهجية‪ ،‬إلى أن غدت منه اجا في التناول‪،‬‬
‫فيما عرف بالتفسير النحوي للقرآن الكريم‪ ،‬كما لمسناه‪ ،‬عند أبي حيان األندلسي‬
‫(ت‪745:‬هـ) في البحر المحيط‪ ،‬فقد أقام تفسيره‪ ،‬مستندا إلى القضايا النحوية واللغوية في‬
‫شرح وتفسير اآليات‪.‬‬
‫وكان التأويل النحوي في تلك المرحلة مرتب ا‬
‫طا بالقرآن الكريم‪ ،‬فالقرآن عربي ًل‬
‫يُف َهم إًل بامتالك أدوات فهم العربية‪ ،‬وعلى رأسها عل ُم النحو‪ .‬ويظهر هنا احتياج المفسر‬
‫للنحو وعلوم اللغة‪ ،‬ويعد ذلك أثر من أثار النحو على علوم التفسير‪.‬‬
‫ولم يكن الدرس النحوي بمنأى عن قانون نشأة العلوم‪ ،‬فقد كانت نشأ وثيق الصلة‬
‫بالقرآن الكريم‪ ،‬فه اما وتدب اُّرا وخد امة له‪ ،‬وهو درس نظري‪ ،‬قد تأسس بنيانه على النظر‬
‫في القرآن الكريم وعلومه‪ ،‬وكان من أهم الغايات الدافعة على البحث فيه "الرغبةُ القوية‬
‫في معرفة أسرار التركيب القرآني"(‪.)24‬‬
‫يقول على البجاوي في مقدمة تحقيقه لكتاب التبيان في إعراب القرآن‪( :‬وهذا الفن‬
‫اإلعرابي نشأ مع النحو‪ ،‬واستعان به المفسرون في توضيح اآليات في كتبهم المفسرة‪ ،‬ثم‬
‫أخذ يستقل‪ ،‬وكان استقالًل ينمو شيئاا فشيئاا‪ ،‬حتى صار غر ا‬
‫ضا قائ اما بذاته) (‪ .)25‬وفى ذلك‬
‫إشارة إلى أثر النحو العربي على كتابات كثير من المفسرين‪.‬‬

‫لبنان‪ (،‬د ت)‪ ،‬ص‪.121‬‬


‫(‪ )24‬ينظر‪ :‬النحو والداللة مدخل لدراسة المعنى النحوي الداللي‪ ،‬محمد حماسة عبد اللطيف‪ :‬ص‪ 26‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الشروق‪ ،‬القاهرة‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )25‬ينظر‪ :‬التبيان في إعراب القرآن‪ ،‬العكبري‪ ،‬مقدمة التحقيق‪ ،‬ص‪ :‬ج‪.‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)114‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫الفصل الثاني‬
‫علم أصول الفقه النشأة والتطور‬
‫لكى نفهم طبيعة العالقة بين أصول الفقه‪ ،‬وأصول النّحو‪ً ،‬لبد أن نتعرف على‬
‫المراحل التّاريخية‪ ،‬الّتي ّ‬
‫مر بها العلمان‪ ،‬وأن نحدد متى بدأ التأليف في علم األصول‬
‫حتى نستطيع أن نحكم بموضوعية على مدى التأثير والتأثر بين العلمين‪.‬‬
‫إن ِّع ْلم أصول الفقه كان سابقاا في النشأة على الفقه نفسه ‪ ،‬فقد‬
‫فمن المسلم به‪َّ ،‬‬
‫كانت قواعده موجودة منذ عهد النبي ‪ ‬في شكل أحكام قولية أو فعلية‪ ،‬وبها تكونت‬
‫المجموعة األولى من األحكام اإلسالميَّة المستمدة من القرآن والسنة‪ ،‬ومثلت هذه المرحلة‬
‫البدايات األولى لعلم أصول الفقه متمثلة في القرآن الكريم‪ ،‬وسنة رسول هللا ‪.‬‬
‫يؤكد ذلك ما روي عن رسول هللا ‪ ،‬حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن‪ ،‬سأله‬
‫"كيف تقضي إذا عرض لك القضاء؟ قال‪ :‬أقضي بكتاب هللا‪ .‬قال‪ :‬فإن لم يكن في كتاب‬
‫هللا؟ قال‪ :‬فبسنة رسول هللا‪ .‬قال‪ :‬فإن لم يكن في سنة رسول هللا؟ قال‪ :‬أجتهد رأيي وًل‬
‫آلو‪ ،‬فضرب صدره‪ ،‬وقال الحمد هلل الذي وفّقك لما يرضي رسو َل هللا"(‪.)26‬‬
‫يتضح مما سبق أن معاذاا كان يدرك أصول الفقه التي تتمثل في القرآن والسنة ثم‬
‫القياس وكان ذلك هو المنهج الذى سار عليه الصحابة ‪ -‬رضوان هللا عليهم‪ -‬بعد ذلك‪،‬‬
‫بيد أنه قد جدت أمور فقهية‪ ،‬حتمت عليهم ضرورة إعمال العقل واًلجتهاد‪ ،‬فكانوا‬
‫يلحقون النظير بنظيره‪ ،‬عند تساويهما في العلة‪ ،‬ويُسوون بينهما في األحكام‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن استنباط الفقه كان في عصر كبار الصحابة‪ ،‬وكان منهم من‬
‫يتصدى للقضاء واإلفتاء بين الناس‪ ،‬كعمر بن الخطاب‪ ،‬وعبد هللا بن مسعود‪ ،‬وعلي بن‬
‫أبي طالب وغيرهم‪ ،‬وكانت معرفتهم بأسرار التشريع ومقاصده حاضرة‪ .‬وكان زادهم في‬
‫هذه الفترة القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬فإذا تصدوا لحكم من األحكام بحثوا في كتاب‬
‫هللا تعالى‪ ،‬ثم في سنة رسوله هللا‪ ،‬فإن لم يلتمسوا للمسألة المنشودة ن ا‬
‫صا من الكتاب أو‬

‫(‪ )26‬ينظر‪ :‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬البن عبد البر تح‪ :‬أبو األشبال الزهري‪ ،‬ج ‪ ، ،2‬دار ابن الجوزي ‪،‬الدمام‪،‬‬
‫‪ 1414‬هـ ‪1994 /‬م‪،‬ط ‪ 1‬ص ‪56-55‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)115‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫السنة‪ ،‬اجتهدوا وبحثوا عن مثيالتها وقاسوا عليها‪ ،‬ثم أفتوا بما ظهر لهم من األدلة‪ ،‬وإن‬
‫أرادوا التثبت مما ذهبوا إليه‪ ،‬طلبوا ذلك من السنة من غيرهم من أصحاب رسول هللا‪،‬‬
‫فإن وجدوا اتفاقاا على الحكم اعتبروه حجة‪ ،‬ويقصدون به اإلجماع(‪.)27‬‬
‫فهذا عمر بن الخطاب (ت‪23:‬هـ) يحدد ألبي موسى األشعري(ت‪44:‬هـ) المنهج الذى‬
‫يجب أن يتبعه في القضاء‪ ،‬لما يعرض عليه‪ ،‬حين أرسل إليه خطابا ا يوصيه يقول له فيه‪:‬‬
‫"الفهم الفهم فيما أدلي إليك‪ ،‬مما ورد عليك‪ ،‬مما ليس في قرآن وًل سنة‪ ،‬ثم قس األمور‬
‫(‪.)28‬‬
‫عند ذلك‪ ،‬واعرف األمثال‪ ،‬ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى هللا وأشبهها بالحق"‬
‫كذلك فإن اإلمام علي كرم هللا وجهه (ت‪40:‬هـ) يجتهد ويجعل حد شارب الخمر ثمانين‬
‫جلدة‪ ،‬كحد القذف ويدلل على ذلك بقوله‪" :‬أرى أن من شرب سكر‪ ،‬ومن سكر هذي‪،‬‬
‫ومن هذي افترى‪ ،‬فأرى عليه حد القذف"(‪ )29‬فاستخدم القياس على أصل موجود واستنتج‬
‫الحكم مقرونا بالعلة‪.‬‬
‫بنا اء على ما سبق فإن أصول الفقه عند الصحابة تمثلت في (السماع من القرآن والسنة‬
‫صحابة ملتزمين‪ ،‬بمناهج أصول الفقه‪ ،‬وإن لم يدونوها‪،‬‬
‫ثم القياس واإلجماع) فكان ال ّ‬
‫لكنها حاضرة في أذهانهم‪ ،‬واضحة في أراءهم واجتهاداتهم‪.‬‬
‫ثم اجتهد التَّابعون في استنباط األحكام‪ ،‬وتعددت القواعد األصوليّة‪ ،‬فكان لك ّل فقيه‬
‫صحابة‪ ،‬كسعيد بن‬
‫طريقته في اًلستدًلل واًلستنباط‪ ،‬فمنهم من استند إلى أقوال ال ّ‬
‫المسيب (ت‪94:‬هـ) بالمدينة المنورة‪ ،‬ومنهم من أكثر من القياس؛ كإبراهيم‬

‫(‪ )27‬ينظر‪ :‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬البن عبد البر؛ تح‪ :‬أبي األشبال الزهيري‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬الدمام‪1414‬‬
‫هـ ‪1994 /‬م‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص‪.301‬‬
‫(‪ )28‬ينظر‪ :‬أعَلم الموقعين‪ ،‬ابن القيم ‪،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السَلم إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية – ييروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1411‬هـ ‪1991 -‬م‪ ،‬ج‪/1‬ص‪ ،85‬ينظر‪ :‬سبل السَلم ‪ ،‬الصنعاني‪ ،‬تح‪ :‬األلباني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1427‬هـ ‪2006 -‬م‪ ،‬ج‪119/4‬‬
‫(‪ )29‬ينظر‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬الماوردي‪( ،‬ت ‪450‬هـ)‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪ ، 216:‬انظر‪ :‬المغني‪ ،‬ابن‬
‫قدامة ) ت‪620‬هـ)‪ ،‬تح‪ :‬طه الزيني وأخرين‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬ط ‪1388 ،1‬هـ ‪1968 -‬م‪.141 / 9 ،‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)116‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫النخعي(ت‪96:‬هـ)‪ ،‬الذي اهت ام باستخراج علل األقيسة‪ ،‬وضبطها‪ ،‬والتّفريع عليها‪ ،‬بتطبيق‬
‫تلك العلل على الفروع المختلفة(‪.)30‬‬
‫وحين اتسعت رقعة الدولة اإلسالمية‪ ،‬وكثر الداخلون في اإلسالم‪ ،‬جدت حوادث لم‬
‫تكن موجودة في زمن الصحابة‪ ،‬ولم يكن لها أحكام تشريعية؛ فزادت أصول الفقه‪،‬‬
‫وأضيف اًلجتهاد إلى ما كان لدى الصحابة من القياس والسماع واإلجماع‪ ،‬مع تمسكهم‬
‫نادرا‪.‬‬
‫بظاهر النصوص‪ ،‬فال يأخذون بالقياس إًل ا‬
‫وقد بُنِّي الفكر األصولي للتابعين‪ ،‬على هدي من فكر عبد هللا بن عمر(ت‪74:‬هـ)‪،‬‬
‫وكان على رأس هذه المدرسة من الصحابة‪ ،‬عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‬
‫(ت‪32:‬ه) تلميذ سيدنا عمر بن الخطاب‪ ،‬ومن علماء التابعين‪ ،‬سعيد بن‬
‫المسيب(ت‪94:‬هـ)‪ ،‬وعلقمة النخعي(ت‪61:‬هـ) تلميذ ابن مسعود‪ ،‬ثم إبراهيم‬
‫النخعي(ت‪96‬هـ)‪ ،‬الذى تخرج على فقهه علماء العراق‪.‬‬
‫فإذا انتقلنا إلى عصر األئمة المجتهدين‪ ،‬فإننا نجد إضافة إلى ما تقدم‪ ،‬مناهج‬
‫اًلستنباط‪ ،‬وقواعد استخراج الفروع الفقهية‪ ،‬فأبو حنيفة (ت‪150 :‬هـ )‪ ،‬يحدد منهجه في‬
‫استنباط األحكام فيقول‪" :‬آخذ بكتاب هللا ‪ ،‬فما لم أجده فيه‪ ،‬أخذت بسنة رسول هللا‪ ،‬وأثار‬
‫الصحاح عند الثقات‪ ،‬فإذا لم أجد في كتاب هللا وسنة رسول هللا‪ ،‬أخذت بقول أصحابه من‬
‫شئت‪ ،‬وأدع قول من شئت‪ ،‬ثم أخرج عن قولهم إلى غيرهم‪ ،‬فإذا انتهى األمر إلى‬
‫إبراهيم‪ ،‬النخعي‪ ،‬والشعبي‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬وهم‬
‫رجا ال قد اجتهدوا‪ ،‬ولي أن أجتهد كما اجتهدوا"(‪ .)31‬فكان يُحدد مصادر التشريع بالكتاب‬
‫صحابة‪ ،‬وًل يلزم نفسه بأراء التابعين؛ ألنهم رجال مثله‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫والسنة‪ ،‬ثم أقوال ال ّ‬
‫يُكثر األخذ بالقياس واًلستحسان‪.‬‬

‫(‪ )30‬السابق‪ ،‬ص‪12-11 :‬‬


‫(‪ )31‬ينظر‪ :‬تاريخ التشريع اإلسَلمي ‪:‬محمد الخضري بك‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر ‪1 ،‬ط ‪ ،1997 ،‬ص‪:‬‬
‫‪ ،132‬ينظر ‪:‬أصول الفقه‪ ،‬تاريخه ورجاله‪ ،:‬د‪ :‬شعبان إسماعيل‪ ،‬دار السَلم للطباعة والنشر ط ‪،2‬‬
‫ص‪(.22:‬د‪.‬ت)‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)117‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫ونجد عند اإلمام مالك ( ‪ 179‬هـ) منها اجا أصولياا محددا‪ ،‬يضم أصول السابقين‬
‫ٌ‬
‫أصوًل أخرى‪ ،‬فيقرر" أن أصول الفقه هي‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪،‬‬ ‫ويضيف إليها‬
‫والقياس‪ ،‬وعمل أهل المدينة‪ ،‬وقول الصحابة‪ ،‬واًلستحسان‪ ،‬وسد الذرائع والمصالح‬
‫المرسلة"(‪ .)32‬فكان يعتمد على الكتاب وال ّ‬
‫سنة‪ ،‬ثم عمل أهل‪ ،‬كما غلب عليه األخذ‬
‫بالرواية؛ و لُقبت مدرسته‪ ،‬بمدرسة الحديث‪.‬‬
‫ّ‬
‫واشتد الخالف العلمي بين فقهاء العراق‪ ،‬حتى بعث هللا لألمة اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫ووضع لألمة كتابه القيم (الرسالة) الذى جمع فيه أصول السابقين وأضاف إليها أصوًل‬
‫أخرى‪ ،‬فبين المنهج الذي يجب أن يسير عليه كل مجتهد‪ ،‬وجمع بين منهجي أهل السنة‪،‬‬
‫والرأي‪ ،‬مبينا ا الناسخ والمنسوخ‪ ،‬في الكتاب‪ ،‬والسنة والعام والخاص‪ ،‬والمطلق والمقيد‪،‬‬
‫والمجمل والمبين‪ ،‬والعام الذي أريد به ظاهره‪ ،‬والعام الذي أريد به غير ظاهره‪ ،‬وحجية‬
‫خبر األحاد‪ ،‬وبين منزلة السنة ومكانتها‪ ،‬وتكلم على القياس‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬واًلجتهاد‪،‬‬
‫وشروط المفتي‪ ،‬وغير ذلك من المباحث النفيسة(‪.)33‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫العَلقة التبادلية بين أصول النحو‪ ،‬وعلم األصول في العلوم اإلسَلمية‬
‫يعرض هذا الفصل ثالثة محاور‪:‬‬
‫ا‬
‫أوًل ‪ :‬تأثير أصول الفقه في نشأة علم أصول النّحو‪:‬‬
‫أشار النحاة األوائل إلى أصول علم النحو‪ ،‬منذ مراحل النحو األولى عند أبى‬
‫األسود وتالمذته‪ ،‬وإن لم يصرحوا بها‘ فقد أشاروا إلى هذه األصول في سياقات متعددة‬
‫سماع والقياس والعلّة‪ .‬وتذكر‬
‫وتحدّثوا عن القياس‪ ،‬ونشأته وتطوره وتكلموا كذلك عن ال ّ‬
‫بعض الروايات أن اإلمام على ّأول من سعى إلى تأسيس أصول العربية‪ ،‬يقول‪" :‬سمعت‬

‫(‪ )32‬المصدر السابق‬


‫(‪ )33‬ينظر‪ :‬التمهيد في تخريج الفروع على األصول ‪ ،‬اإلسنوي (ت ‪ 772‬هـ) ص‪ 4،3:‬تح‪:‬د‪ .‬محمد حسن هيتو‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة – بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1401 ،2‬هـ ‪1981 -‬م ‪ ،‬وينظر‪ :‬أصول الفقه تاريخه ورجاله‪ :‬ص‪،30:‬‬
‫وينظر‪ :‬أصول الفقه اإلسَلمي ‪:‬ص‪.113‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)118‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا فى أصول العربية"(‪ ،)34‬ومما عرف عن عبد هللا بن‬
‫أبي إسحاق الحضرمي (ت ‪ 117‬ه) أنه كان معنيا بالقياس(‪ ،)35‬ومما قيل في وصف كتاب‬
‫سيبويه إن "األصول والمسائل للخليل‪ ،‬وأنه جامع ألصول النحو وفروعه(‪.)36‬‬
‫وكان الخليل بن أحمد (ت ‪ 175‬هـ) الغاية في تصحيح القياس‪ ،‬واستخراج مسائل‬
‫النحو وتعليلها‪ ،‬وتبعه في ذلك كل من سيبويه والمازني والمبرد والكسائي وغيرهم من‬
‫أئمة النّحو من البصريين والكوفيين‪ ،‬الذين ألمحوا إلى وجود أصول وأدلة للنّحو؛ إًل إنّها‬
‫كانت تهتم أكثر بالضوابط والقوانين العامة لعلم النحو‪ ،‬وليس بالتّأسيس لعلم أصول‬
‫النحو‪ .‬واستمر علم أصول النحو في التطور والرقى حتّى أصبح ِّع ْلما ا راس اخا معلال‬
‫جامعاا لجهود السابقين من علماء النحو ‪.‬‬
‫ثم بدأ النّحاة يخصون علم أصول النَّحو بالتَّأليف المستقل‪ ،‬كما وضح عند ابن‬
‫سراج( ‪ 316‬هـ) في األصول‪ ،‬وابن جني (ت ‪ 392‬هـ) في الخصائص‪ ،‬وابن األنباري‬
‫ال ّ‬
‫سيوطي(ت‪ 911:‬هـ) في اًلقتراح ‪.‬‬
‫( ت‪ 577 :‬هـ) في اإلغراب‪ ،‬ولمع األدلة‪ ،‬وال ّ‬
‫ولم يكن النحاة في عزلة عن غيرهم من علماء الفقه‪ ،‬التفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬وكان من‬
‫طبيعة األمر‪ ،‬أن يفيد النّحاة من تجارب هؤًلء‪ ،‬ومصطلحاتهم‪ ،‬وعلم األصول لديهم‪،‬‬
‫واستثمارها في دارسة النّحو وتأصيله‪ ،‬فدونوا أصول الفقه‪ ،‬والتفسير‪ ،‬ثم دون النحو بعد‬
‫ذلك‪ ،‬ويقر النحاة بأنهم احتذوا في أصولهم أصول الفقه عند الحنفية خاصة"(‪ ،)37‬وكان‬
‫الخليل يحذو حذو أبي حنيفة‪ ،‬وبصرح ‪ ،‬أنه يقيس علي مذهبه(‪.)38‬‬

‫(‪ )34‬ينظر‪ :‬إنباه الرواة‪ ،‬للقفطي‪ ،‬تح‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ 1406 :‬هـ‪1986 /‬م‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ج ‪1/4‬‬
‫(‪ )35‬المصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪165‬‬
‫(‪ )36‬ينظر نزهة األلباء فى طبقات األدباء‪ ،‬البن األنباري‪ ،‬تح‪ :‬إبراهيم السامرائي‪ ،‬ط ‪ .3‬األرد‪ 1405 .‬ه ‪-‬‬
‫‪ 1985‬م ‪ ،‬مكتبة المنار ص‪.9‬‬
‫(‪ )37‬ينظر‪ :‬في أصول النحو‪ ،‬سعيد األفغاني‪ ،‬ص‪ ،84:‬والقياس النحوي بين مدرستي البصرة والكوفة‪ ،‬محمد‬
‫عاشور السويح ‪ ،‬دار الجماهبربة‪ ،‬مصراتة‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪ ،‬ص ‪100‬‬
‫(‪ )38‬ينظر كتاب العين‪ ،‬الخليل ابن أحمد‪ ،‬تحقيق‪ :‬مهدي المخزومي‪ ،‬وإبراهيم السامرائي‪ ،‬دارالهجرة‪ ،‬إيران‪،‬‬
‫ط‪1405 ،1‬هـ ‪285/1،‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)119‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫كذلك فإن سيبويه قد تأثر بأبي يوسف الشيباني (ت‪189:‬هـ)‪ ،‬تلميذ أبي حنيفة‬
‫(‪150‬هـ) الذي تأثر به كثير من النحاة منهم الفراء (ت‪207:‬هـ) (‪.)39‬وكان نتيجة هذا‬
‫التالقي العلمي بين علم النحو والعلوم اإلسالمية‪ ،‬وجود مناسبة بينهما؛ ألن النحو معقول‬
‫من منقول‪ ،‬كما أن الفقه معقول من منقول‪،‬‬
‫كما إن علم أصول الفقه الذي أرسى أصوله اإلمام الشافعي (ت‪204:‬هـ) "لم يكن‬
‫اختراعا له‪ ،‬بل كان استنباطا من فقه من سبقهوه‪ ،‬وكان يهدف إلى ضبط مناهج الفقه‪،‬‬
‫وكذلك أراد أن يفعل ابن جني؛ ألن النّحاة كانوا يقتبسون ويعللون ويستحسنون‬
‫ي"(‪.)40‬‬
‫ويعارضون وغير ذلك‪ ،‬فتحققت المناسبة بين الفقه اإلسالمي والنحو العرب ّ‬
‫كثيرا بأساليب األصوليّين وأحكامهم‪،‬‬
‫ا‬ ‫يتضح مما سبق‪ ،‬أن آراء النّحاة قد تأثرت‬
‫حتّى بعد أن استقلت تلك العلوم عن بعضها البعض‪ ،‬ظهر ذلك بجالء في الكتب النّحوية‬
‫الثّالثة الّتي تناولت األصول النّحويّة بالتّنظير‪ ،‬وهي‪ :‬الخصائص ًلبن جنى(ت‪392‬هـ)‬
‫ولُمع األدلة لالبن األنباري(ت‪577‬هـ) واًلقتراح للسيوطي (ت ‪911:‬هـ) ( حيث أشارت‬
‫جميعها إلى التّشابه وال ّ‬
‫صلة الوثيقة بين أصول النّحو وأصول الفقه؛ إذ حملت األصول‬
‫واستمر الربط بين أصول الن ّحويين وأصول الفقه منذ بداية‬
‫ّ‬ ‫النّحويّة على نظيرتها الفقهيّة‪.‬‬
‫ومرورا بابن األنباري ووصوًل إلى نهاية‬
‫ا‬ ‫الحديث عن أصول النحو على يد ابن جني‬
‫مراحل التّأليف في أصول النحو عند ال ّ‬
‫سيوطي)(‪.)41‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬أثر العلوم اإلسَلمية في الدرس النحوي العربي‪:‬‬
‫تأثر النحاة‪-‬كذلك‪ -‬بعلوم الشريعة ومنها‪ :‬علم القراءات‪ ،‬وعلم الحديث‪ ،‬وعلم‬
‫الكالم؛ فقد نشأت الدراسات اللغوية كلها لخدمة كتاب هللا‪ ،‬فكان القرآن الكريم المصدر‬
‫األول للشاهد النحوي؛ فألفاظ القرآن الكريم (هي لب كالم العرب وزبدته‪ ،‬وواسطته‬

‫(‪ )39‬ينظر‪ :‬في أصول النحو‪ ،‬سعيد األفغاني‪ ،‬ص‪ ،84:‬والقياس النحوي بين مدرستي البصرة والكوفة‪ ،‬محمد‬
‫عاشور السويح ‪،‬دار الجماهبربة ‪ ،‬مصراتة‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫(‪ )40‬نظرية األصل والفرع ‪ ،‬حسن خميس الملخ‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ :،‬ص‪58‬‬
‫(‪ )41‬انظر‪ :‬المؤثرات الفقهية في تأصيل األصول النحوية‪ ،‬طارق بومود‪ ،‬مجلة ال َم ْخبَر‪ ،‬أبحاث في اللغة واألدب‬
‫الجزائري– جامعة بسكرة‪ .‬الجزائر‪2015 ،‬م‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)120‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫وكرائمه‪ ،‬وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم‪ ،‬وإليها مفزع الشعراء‬
‫(‪)42‬‬
‫والبلغاء في نظمهم ونثرهم)‬
‫وكان ًلعتماد النحاة على القراءات القرآنية وتوجيهها‪ ،‬إثراء لقضايا النحو العربي؛‬
‫ألن "القراءات القرآنية أوثق وأصح متنا وسندا؛ ولذلك استند إليها النحاة في تقعيد‬
‫األصول وضبط كثير من الفروع‪ ،‬وقد أكسبت اللغة مرونة واتساعا" (‪.)43‬‬
‫ومما يدلنا على تأثر النحو العربي بالقراءات القرآنية‪ ،‬أن تالميذ أبي األسود الدؤلي‬
‫من القراء أمثال نصر بن عاصم (ت‪ 89:‬ه)‪ ،‬وعنبسة الفيل (ت‪100 :‬هـ) وعبد الرحمن‬
‫بن هرمز (ت‪117 :‬هـ)‪ ،‬و يحي بن يعمر (ت‪132:‬هـ)‪ ،‬وميمون األقرن‪ ،‬كانت لهمم‬
‫المالحظات األولى في النحو‪ ،‬بل إن بعض الروايات نسبت إلى بعضهم أولية وضع‬
‫النحو(‪.)44‬‬
‫فأما عنبسة فقد "تعلم النحو وروى الشعر حتى صار أبرع أصحاب أبي األسود‪،‬‬
‫وأما ميمون األقرن فرأس الناس بعد عنبسة ويروون عن أبي عبيدة قوله‪" :‬أول من‬
‫وضع العربية أبو األسود‪ ،‬ثم ميمون األقرن‪ ،‬ثم عنبسة الفيل‪ ،‬ثم عبد هللا بن أبي إسحاق‬
‫‪)45‬‬
‫الحضرمي"‬
‫ووضح تأثر النحاة بالمحدثين‪ ،‬فيما ذكره السيوطي (ت‪911‬هـ) في مقدمة المزهر‬
‫أنه اتبع فيه ترتيب المحدثين فقال‪( :‬هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه واخترعت تنويعه‪،‬‬
‫وتبوبه في علوم اللغة‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وشروط أدائها وسماعها‪ ،‬حاكيت به علوم الحديث في‬
‫التقاسيم واألنواع)(‪.)46‬‬

‫(‪ )42‬ينظر‪ :‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاني(‪502‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد سيد كيَلني‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪( ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ص ‪6‬‬
‫(‪ )43‬النشر في القراءات العشر‪ ،‬ابن الجزري ج ‪ ،215/1‬تح‪ :‬محمد الصباغ‪ ،‬منشورات دار الكتاب العلمية‪،‬‬
‫لبنان‪2016،‬‬
‫(‪ )44‬ينظر‪ :‬القياس في الدرس اللغوي‪ ،‬طاهر سليمان حمودة‪ ،‬بحث في المنهج‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،1992 ،‬ص ‪18‬‬
‫(‪ )45‬ينظر‪ :‬أخبار النحويين البصريين ص‪.25‬‬
‫(‪ )46‬ينظر‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬جَلل الدين السيوطي‪ ،‬تحقيق محمد أبي الفضل وآخرين‪ ،‬طبع‬
‫عيسى الحلبي‪ ،‬مصر ‪ ،1958‬ص ‪101‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)121‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫كثيرا من مصطلح أهل الحديث‪ ،‬كالجرح والتعديل‪ ،‬والغفلة‪،‬‬
‫ا‬ ‫كما نقل النحاة‬
‫والشذوذ‪ ،‬والتصحيف‪ ،‬والتحريف‪ ،‬والغريب‪ ،‬والمستدرك‪ ،‬والسماع‪ ،‬واإلجازة‪،‬‬
‫وغيرها(‪.)47‬‬
‫وللفرق الكالمية أثر على النحاة‪ ،‬تمثل في اقتباس بعض مصطلحات المتكلمين كـ‬
‫(الدور‪ ،‬والمنزلة بين المنزلتين‪ ،‬وترافع األحكام‪ ،‬والحكم الطارئ‪ ،‬والتقسيم‪،‬‬
‫(‪)48‬‬
‫والمعارضة‪ ،‬التناقض‪ ،‬والتعارض‪ ،‬واًلستدًلل‪ ،‬والدفع‪ ،‬والمنع‪ ،‬وغيرها)‬
‫ويؤكد أبو البركات األنباري هذا األثر ا‬
‫قائال‪ :‬أن علم الجدل في النحو وعلم أصول‬
‫النحو يعرف بهما القياس وتركيبه وأقسامه‪ ،‬من قياس العلم‪ ،‬وقياس الشبه وقياس الطرد‪،‬‬
‫على غير ذلك على حد أصول الفقه‪ ،‬فإن بينهما من المناسبة ما ًل خفاء به‪ ،‬ألن النحو‬
‫معقول من منقول‪ ،‬كما أن الفقه معقول من منقول(‪.)49‬‬
‫ومن أوجه الشبه بين اإلعراب والفقه‪ ،‬ظاهرة الخروج عن اًلطراد‪ ،‬التي تدل على‬
‫تأثر النحو بالفقه‪ ،‬فيذكر الزجاجي (ت‪ 337‬هـ) أن (األصل في اإلعراب أن يكون‬
‫حركة‪ ،‬ولكن قد يخرج عن هذا اًلطراد فيكون حرفا وهذا الخروج عن األصل ليس في‬
‫النحو فقط ولكنه موجود في سائر العلوم األخرى)(‪ ،)50‬كما في باب اإلعراب الفرعي‪،‬‬
‫وباب ظن ‪ ،‬وباب النواسخ ‪ ،‬ومنها مصطلحا ‪ :‬التعليق ‪ ،‬والناسخ‪.‬‬
‫فالتعليق في أصول الفقه يطلق على نوعين من النساء‪ ،‬المرأة المعلقة‪ ،‬وهي األرملة‬
‫التي فقدت زوجها‪ ،‬أو المطلقة ولم تستوف عدة النكاح‪ ،‬فهي معلقة(‪ ،)51‬والمصطلح عند‬

‫(‪ )47‬ينظر‪ :‬مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي عند العرب‪ ،‬شرف الدين علي دار النهضة العربية‪،‬‬
‫بيروت ‪ ، 1983‬ص ‪41‬‬
‫(‪ )48‬ينظر‪ :‬مصطلحات علم أصول النحو‪ ،‬أشرف ماهر‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2001‬ص ‪123‬‬
‫(‪ )49‬ينظر لمع األدلة في أصول النحو‪ ،‬البن األنباري‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد األفغاني ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1391 ،2‬هـ ‪-‬‬
‫‪1971‬م ‪ ،‬ص‪23:‬‬
‫(‪ )50‬أبو القاسم الزجاجي‪ :‬اإليضاح في علوم النحو‪ ،‬تحقيق مازن المبارك‪ ،‬دار العروبة‪ ،‬القاهرة ‪1960‬‬
‫(‪ )51‬سليمان الجمل‪ :‬حاشية الجمل على الجَللين‪ ،‬المطبعة التجارية الكبرى‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪122 :‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)122‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫النحاة بحث يتعلق بظن وأخواتها‪ .‬والنسخ عند الفقهاء (إبطال العمل بالحكم الشرعي‬
‫(‪)52‬‬
‫بدليل متراخ عنه‪ ،‬يدل على إبطاله صراحة أو ضمنا)‬
‫يظهر المصطلح بدًللته عند النحاة في باب األفعال النواسخ (كان‪ ،‬وكاد‪ ،‬وظن)‪،‬‬
‫والحروف النواسخ المشبه باألفعال (إن وأخواتها‪ ،‬وًل التبرئة)‬
‫كما نقل النحويون الفقه وأصوله مصطلحات أخرى منها‪ :‬القياس‪ ،‬العلة‪ ،‬اًلبتداء‪،‬‬
‫الكناية‪ ،‬الظاهر‪ ،‬الشرط‪ ،‬اللغو‪ ،‬الحال‪ ،‬اإلجماع‪ ،‬اًلستنباط‪ ،‬قياس الطرد وقياس الشبه‪،‬‬
‫وقياس العلة‪ ،‬والقياس الجلي والخفي‪ ،‬والمصطلحات الخاصة بالعلة وأنواعها‪.)53() ،‬‬
‫كما بنى النحاة مناهجهم على مناهج علماء الفقه‪ ،‬فيذكر ابن األنباري تأثره بمناهج‬
‫الفقهاء‪ ،‬فيقول‪(:‬إن جماعة من الفقهاء المتأدبين واألدباء المتفقهين المشتغلين بعلم العربية‬
‫بالمدرسة النظامية ‪ -‬عمر هللا مبانيها ‪ -‬سألوني أن ألخص لهم كتابا لطيفا يشتمل على‬
‫مشاهير المسائل الخالفية بين نحوي البصرة والكوفة على ترتيب المسائل الخالفية بين‬
‫الشافعي وأبي حنيفة)(‪)54‬؛ فأخرج لهم كتاب اإلنصاف في مسائل الخالف‪( ،‬وكان لهم‬
‫طرازهم في بناء القواعد على السماع والقياس واإلجماع‪ ،‬كما بنى الفقهاء أحكامهم على‬
‫السماع والقياس واإلجماع‪ ،‬وذلك اثر من آثار العلوم الدينية في علوم اللغة)(‪.)55‬‬
‫كثيرا‬
‫ا‬ ‫ويظهر هذا التأثير‪-‬كذلك‪ -‬في طرائق النحاة في التعامل مع النص‪ ،‬التي تشبه‬
‫طرائق الفقهاء في التعامل مع النصوص؛ فالفقيه يتلقى الحديث من المحدثين فيتصرف‬
‫سا‪ ،‬والنحوي –كذلك‪ -‬يتلقى اللغة عن أهلها ويتصرف فيها‬ ‫تعليال‪ ،‬واستنبا ا‬
‫طا وقيا ا‬ ‫ا‬ ‫فيه‬
‫تصرف الفقيه في الحديث(‪ .)56‬كما ظهر هذا التاثر في مؤلفات كثير من النحاة‪ ،‬كمعاني‬

‫(‪ )52‬ينظر‪ :‬علم أصول الفقه‪ ،‬عبد الوهاب خَلف‪ ،‬الزهراء للنشر‪ ،‬الجزائر ‪1990‬م ‪ ،‬ص ‪222‬‬
‫(‪ )53‬ينظر‪ :‬مصطلحات علم أصول النحو‪ ،‬أشرف ماهر النواجي‪ :‬ص ‪122‬‬
‫(‪ )54‬ينظر‪ :‬مقدمة اإلنصاف في مسائل الخَلف بين النحويين البصريين والكوفيين‪ ،‬ابن األنباري ‪ ،‬ص‪1:‬‬
‫(‪ )55‬ينظر‪ :‬في أصول النحو‪ ،‬سعيد األفغاني دمشق‪ ، 1951 ،‬ص ‪83‬‬
‫(‪ )56‬ينظر‪ :‬النحو العربي‪ ،‬مازن المبارك ‪،‬ص‪ ،85‬دار الفكر ‪ /‬ط ‪1984 ،2‬م‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)123‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫القرآن للفراء(ت ‪207‬هـ) ومعاني القرآن لألخفش األوسط (ت‪215‬هـ)‪ ،‬وتأويل مشكل‬
‫القرآن ًلبن قتيبة (ت ‪ 276‬هـ)(‪.)57‬‬
‫ويروى عن الفراء أنه قيل له‪ :‬يا أبا زكريا أريد أن أسألك في الفقه؟ فقال سل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما تقول في رجل سها في سجدتي السهو؟ فقال‪ً :‬ل شيء عليه‪ ،‬قال‪ :‬من أين قلت ذلك؟‬
‫قال‪ :‬قسته ( على مذاهبنا في العربية‪ ،‬وذلك أن المصغر ًل يصغر‪ ،‬وكذلك ًل يلتفت إلى‬
‫السهو في السهو(‪.)58‬‬
‫كما يتضح هذا األثر في قول الزجاجي (ت‪337‬هـ) في التعليل لمسالة الخروج عن‬
‫القاعدة‪( :‬إن الشيء قد يكون له أصل يلزمه‪ ،‬ونحو يطرد فيه‪ ،‬ثم يعترض لبعضه علة‬
‫تخرجه عن جمهور بابه‪ ،‬فال يكون ذلك ناقصا للباب‪ ،‬كما يقال باإلطالق الصالة واجبة‬
‫(‪)59‬‬
‫على البالغين من الرجال والنساء‪ ،‬ثم تجد منهم من تلحقه علة تسقط عنه فرضها)‬
‫ثالثا‪ :‬أثر النحو وعلوم اللغة على العلوم اإلسَلمية‪:‬‬
‫بعد وفاة الرسول الكريم‪ ،‬وانقضاء عصر الخالفة الراشدة من بعده‪ ،‬ظهر أثر التالقي‬
‫بين علوم اللغة‪ ،‬وعلوم الفقه والتفسير‪ ،‬وتعددت الفرق‪ ،‬والمذاهب‪ ،‬وأخذ كل فريق‬
‫ينتصر لمذهبه العقدي‪ ،‬ونشأت الفرق الكالمية‪ ،‬كالشيعة والمعتزلة‪ ،‬واألشاعرة‪،‬‬
‫والجبرية‪ ،‬والمرجئة وغيرهم‪ ،‬ومن بعدها ظهرت المذاهب الفقهية‪ ،‬وأدراك أصحاب تلك‬
‫الفرق أهمية اللغة ًلنتصار أصحاب كل مذهب لمذهبه‪.‬‬
‫وأخذ النحاة يؤولون النصوص تبعاا لمعتقداتهم الفكرية‪ ،‬يقول الزمخشري (ت‪538:‬هـ)‬
‫ض َحكَ َوأ َ ْب َكى‪{ ‬النجم‪ "،}43:‬إن الفعلين (أضحك‬
‫في تفسيره لقوله تعالى‪َ  :‬وأَنَّهُ ه َُو أ َ ْ‬
‫(‪،)60‬‬
‫وًل يخفي أثر الفكر‬ ‫وأبكى)ًل مفاعيل لها؛ ألن المراد خلق قوتي الضحك والبكاء)‬
‫المعتزلي في هذا الفهم‪ ،‬في حين ذهب بعض النحاة إلى أن الفعلين متعديان‪ ،‬والمفعول به‬

‫(‪ )57‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪85‬‬


‫(‪ )58‬ينظر‪ :‬تاريخ بغداد‪ ،151/14‬وفيات األعيان ‪ ،179/6‬والموافقات ‪84/1‬‬
‫(‪ )59‬ينظر‪ :‬اإليضاح في علوم النحو‪ ،‬أبو القاسم الزجاجي‪ ،‬ص ‪73-72‬‬
‫(‪ )60‬ينظر الكشاف‪ ،‬الزمخشري‪.509 /1 ،‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)124‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫محذوف‪ ،‬فقيل‪ :‬إن التقدير‪ :‬أضحك أهل الجنة‪ ،‬وأبكى أهل النار‪ ،‬وقيل أضحك األرض‬
‫بالنبات وأبكى السماء بالمطر(‪.)61‬‬
‫ويظهر الفكر المعتزلي الزمخشري في حديثه عن الشفاعة فيرى في قوله تعالى‪ :‬إِّ َّن‬
‫ض َال اًل‬ ‫َّللا ًَل يَ ْغ ِّف ُر أَن يُ ْش َركَ ِّب ِّه َويَ ْغ ِّف ُر َما دُونَ َذلِّكَ ِّل َمن يَشَا ُء َو َمن يُ ْش ِّر ْك ِّب َّ ِّ‬
‫اَّلل فَقَ ْد َ‬
‫ض َّل َ‬ ‫َّ َ‬
‫بَ ِّعيداا ‪ { ‬النساء‪ ،}116 :‬أن الشفاعة في اآلخرة ًل تكون ألهل الكبائر(‪.)62‬‬
‫رأينا‪-‬كذلك‪ -‬أثر المذهب العقدي عند الرازي(ت‪606:‬هـ) في فكره النحوي وتأويالته‬
‫اللغوية واًلنتصار لمذهبه (األشعري)‪ ،‬ورد آراء المخالفين‪ ،‬مستنداا إلى النحو وعلوم‬
‫اللغة‪ ،‬والمنطق والفلسفة وعلم الكالم‪ ،‬فيذهب إلى أن ما أسند إلى هللا من األفعال‪ً ،‬ل بد‬
‫ظلَ ٍل ِّمنَ ْالغَ َم ِّام‬ ‫ظ ُرونَ ِّإ ًَّل أ َ ْن يَأْتِّيَ ُه ُم َّ‬
‫َّللاُ فِّي ُ‬ ‫من تأويلها‪ .‬ففي تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ه َْل يَ ْن ُ‬

‫َو ْال َم َالئِّ َكةُ ‪{‬البقرة‪ .}210:‬والتقييد بقوله تعالى‪{ :‬إًل أن يأتيهم أمر هللا} احتج له بوجهين‪:‬‬
‫"األول‪ :‬أن قوله تعالى { يأتيهم هللا }‪ ،‬إخبار عن حال القيامة‪ ،‬والثاني‪ :‬أنه تعالى قال‪{:‬‬
‫وقضى األمر} واأللف والالم للمعهود السابق فال بد أن يكون قد جرى ذكره من قبل حتى‬
‫تكون األلف والالم إشارة إليه(‪ )63‬فال يصح إسناد اإلتيان والمجيء إلى هللا سبحانه فهو‬
‫منزه عن ذلك‪.‬‬
‫ي لَهُ قَ ْو اًل‪‬‬ ‫عةُ ِّإ ًَّل َم ْن أَذِّنَ لَهُ َّ‬
‫الرحْ َمنُ َو َر ِّ‬
‫ض َ‬ ‫وفي قوله تعالى‪  :‬يَ ْو َمئِّ ٍذ ًَل ت َ ْنفَ ُع ال َّ‬
‫شفَا َ‬
‫{سورة طه‪ :‬اآلية‪ .}109‬يقول‪" :‬اعلم أن هذه اآلية من أقوى الدًلئل على ثبوت الشفاعة‬
‫في حق الفساق ألن قوله {ورضى له قوًل } يكفي في صدقه أن يكون هللا تعالى قد رضي‬
‫له ا‬
‫قوًل واحداا وهو قوله (ًل إله إًل هللا محمد رسول هللا) فوجب أن تكون الشفاعة نافعة‬
‫له؛ ألن اًلستثناء من النفي إثبات"(‪.)64‬‬

‫(‪ )61‬المصدر السابق ‪.165/8‬‬


‫(‪ )62‬ينظر‪ :‬الكشاف‪ ،‬الزمخشري‪.509 /1 ،‬‬
‫(‪ )63‬ينظر ‪:‬التفسير الكبير ‪،‬الرازي‪.175 /21 ،‬‬
‫(‪ )64‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير‪ ،‬الرازي‪.119 /21 ،‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)125‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫أصول النحو وأصول الفقه دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬
‫كذلك فسر الرازي معنى اإلضالل في قوله تعالى‪َ  :‬وأ َ َّما الَّذِّينَ َكفَ ُروا فَيَقُولُونَ َماذَا‬
‫ُض ُّل بِّ ِّه إِّ ًَّل ْالفَا ِّس ِّقينَ ‪{ ‬سورة‬ ‫يرا َويَ ْهدِّي بِّ ِّه َكثِّ ا‬
‫يرا َو َما ي ِّ‬ ‫ُض ُّل بِّ ِّه َكثِّ ا‬ ‫أ َ َرا َد َّ‬
‫َّللاُ بِّ َه َذا َمث َ اال ي ِّ‬
‫البقرة‪ :‬اآلية‪ ،}26‬فأدخل في توضيح الدًلًلت العقدية‪ ،‬بيان معاني همزة األفعال في هذا‬
‫مشيرا إلى أنه ًل يمكن حمل معنى اإلضالل إًل على وجهين‪ :‬أحدهما أنه صيره‬
‫ا‬ ‫السياق‬
‫ا‬
‫ضاًل(‪.)65‬‬ ‫ضاًل‪ ،‬والثاني أنه وجده‬
‫لقد كان للفرق الكالمية‪ ،‬والمذاهب الفكرية‪ ،‬أثر واضح في توجيه التلقي‪ ،‬والتأويل‬
‫النحوي وجهة معينة‪ ،‬تتفق مع معتقد المحلل الفكري‪ ،‬كما وضح ذلك في تناول الزمخشري‬
‫(المعتزلي)‪ ،‬وفخر الدين الرازي (األشعري) في تناولهما لقضايا التحليل النحوي‪.‬‬
‫تتعدد مصادر أصول الفقه وتتنوع‪,،‬فيؤكد الفقهاء على مصادر ثالثة‪ ،‬هي اللغة‪،‬‬
‫والفقه‪ ،‬وعلم الكالم‪ ،‬وتعد اللغة العربية‪ ،‬أهم هذه الثالث؛ لمعرفة الحقيقة والمجاز‬
‫والعموم والخصوص واإلطالق والتقييد‪ ،‬والحذف واإلضمار والمنطوق والمفهوم‬
‫واًلقتضاء‪ ،‬واإلشارة والتنبيه واإليماء‪ ،‬وغيره مما ًل يعرف في غير علوم العربية(‪،)66‬‬
‫فال يخفى على أحد أهمية اللغة ألصول الفقه‪ ،‬وفهم مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫ويرى ابن حزم (ت‪456:‬هـ)أن الجاهل بعلوم العربية ًل يحق له ْ‬
‫أن يفتي في أمور‬
‫أن يكون نحويا ا لغويّاا‪ ،‬وإًلَّ فهو ناقص ًل يحل له ْ‬
‫أن يفتي بجهله"(‪.)67‬‬ ‫الفقه‪،‬فال بُ َّد للفقيه ْ‬
‫ويذكر إمام الحرمين‪ ،‬أبو المعالي الجويني ) ت‪478 :‬هـ) أهمية علوم اللغة يقول‬
‫"وأما األلفاظ فال بد من اًلعتناء بها‪ ،‬فإن الشريعة عربية‪ ،‬ولن يستكمل المرء اًلستقالل‬
‫بالنظر في الشرع‪ ،‬مالم يكن ريانا من النحو واللغة"(‪،)68‬‬

‫(‪ )65‬ينظر‪ :‬التحليل النحوي العقدي‪ ،‬أحمد شيخ عبد السَلم‪ ،‬مجلة إسَلمية المعرفة‪ ،‬ع‪ ،1998 ،12‬ص‪.154‬‬
‫(‪ )66‬ينظر‪:‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬لآلمدي‪ ،‬تحقيق عبد الرازق عفيفي‪ ،‬المكتب اإلسَلمي بيروت‪ ،‬ج ا ‪ ، 8 /‬ط‬
‫‪1402 ،1‬هـ‬
‫(‪ )67‬ينظر‪ :‬اإلحكام في أصول األحكام‪ :‬البن حزم‪ ،‬ص‪ ، 217 :‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة ‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط ‪ 1403، 2‬هـ‪1983 /‬م‬
‫(‪ )68‬ينظر‪ :‬البرهان‪ ،‬الجويني‪ ،‬تحقيق صَلح بن محمد بن عويضة‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬ط‪1418 -. 1‬‬
‫‪1997‬م ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪130‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)126‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫برز ذلك أيضا في فقه اإلمام الشافعي في كتابه القيم الرسالة‪ ،‬الذي نهج فيه على هدي‬
‫من منطق اللغة‪ ،‬فكانت اللغة العربية حاضرة في تأصيالته‪ ،‬وتفريعاته للمسائل‬
‫(‪)69‬‬
‫األصولية‪ ،‬كأنماهي المصدر الوحيد الذي ينهل منه علم أصول الفقه‬
‫ويبين اإلمام الغزالي (ت‪505:‬هـ) منزلة اللغة العربية‪ ،‬بين العلوم األخرى‬
‫فيصفها أنها الركن األعظم في أصول الفقه ؛ألنها" سلم ومرقاة إلى جميع العلوم‪ ،‬ومن لم‬
‫يعلم اللغة فال سبيل له إلى تحصيل العلوم‪ ،‬فال يستغني طالب علم عن أحكام اللغة‪ ،‬فعلم‬
‫اللغة أصل األصول‪ .)70("...‬ثم يبين َّ‬
‫أن المطلوب من الفقيه "القدر الذي يفهم منه خطاب‬
‫العرب وعاداتهم في اًلستعمال‪ ،‬حتى يميز بين صريح الكالم‪ ،‬وظاهره ومجمله‪ ،‬وحقيقته‬
‫ومجازه‪ ،‬وعامه وخاصه‪ ،‬وفحواه ولحنه ومضمونه"(‪.)71‬‬
‫يقول الزمخشري (ت ‪538‬هـ) مدافعا ا عن النحو ومب ِّيّنا ا أهميته "والذي يقضي منه‬
‫العجب حال هؤًلء في قلة إنصافهم‪ ،‬وفرط جورهم أنَّهم ًل يجدون علما ا من العلوم‬
‫اإلسالمية فقهها‪ ،‬وكالمها‪ ،‬وعلم ْي تفسيرها وأخبارها؛ إًلَّ افتقاره إلى العربية بيِّّن ًل‬
‫أن الكالم في معظم أبواب أصول الفقه ومسائله مبني على علم‬ ‫يُدفع‪ ،‬ويرون َّ‬
‫(‪)72‬‬
‫اإلعراب"‬
‫ويؤ ِّ ّكد ابن خلدون (ت ‪ 808:‬هـ) على المعنى ذاته فيقول‪ً" :‬ل بُ َّد من معرفة العلوم‬
‫المتعلقة باللسان لمن أراد علم الشريعة‪ ،‬والذي يتحصل َّ‬
‫أن األهم المقدم منها‪ :‬النحو‪ ،‬إذ‬
‫به تتبيَّن أصول المقاصد بالدًللة فيعرف الفاعل من المفعول‪ ،‬والمبتدأ من الخبر‪ ،‬ولوًله‬
‫لجهل أصل اإلفادة"(‪.)73‬‬

‫(‪ )69‬ينظر‪ :‬الفكر األصولي‪ ،‬دراسة تحليلية نقدية‪ ،‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬ص‪ ، 84‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الشروق – جدة‪ ،‬ط‪1402 ، 1‬هـ‬
‫(‪ )70‬ينظر ‪ :‬القصور العوالي من رسائل الغزالي ص‪ ،62:‬تح‪ :‬محمد مصطفى أبو العَل‪ ،‬مكتبة الجندي ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1970‬م‬
‫(‪ )71‬ينظر‪ :‬الموافقات‪ :‬للشاطبي‪ ،115/4 ،‬تح‪ :‬أبي عبيدة مشهور‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬د‪.‬ت‬
‫(‪ )72‬ينظر‪ :‬مقدمة المفصل‪ :‬للزمخشري‪ ،‬ص ‪ ،3‬تح‪ :‬فخر صالح قدارة‪ ،‬ط ‪ 1،1425‬هـ‪2004/‬م‬
‫(‪ )73‬ينظر‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.453‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)127‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫كما ينقل السيوطي(ت‪911:‬هـ) في كتابه اًلقتراح‪ ،‬عن الفخر الرازي قوله "اعلم‬
‫أن معرفة اللُّغة والنحو والتصريف فرض كفاية‪ ،‬أل َّن معرفة األحكام الشرعية واجبة‬
‫َّ‬
‫سنَّة‪ ،‬وهما‬
‫باإلجماع‪ ،‬ومعرفة األحكام بدون أدلتها يستحيل‪ ،‬واألدلة راجعة إلى الكتاب وال ُّ‬
‫واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم‪ ،‬فإن معرفة األحكام الشرعية وأدلتها؛ تتوقف‬
‫على معرفة اللُّغة والنحو والتصريف‪ .‬ومما يستوقف عليه الواجب المطلق وهو مقدور‬
‫للمكلف واجب‪ ،‬إذا ا معرفة اللُّغة والنحو والتصريف واجب"(‪.)74‬‬
‫يتضح من النصوص السابقة أهمية النحو‪ ،‬ووجوبه لمن يتصدى لإلفتاء واستنباط‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬كذلك فليس من العجب أن نرى األحكام الفقهية تخرج من عباءة‬
‫المسائل النحوية‪ ،‬واألمثلة على ذلك عديدة‪ ،‬حتى إن عالمين من علماء الشريعة يفردان‬
‫كتابين كاملين في تخريج المسائل الفقهية على النحو‪ ،‬أولهما الصعقة الغضبية في الرد‬
‫على منكري العربية لإلمام الطوفي (‪0‬ت‪716:‬هـ)‪ ،‬وثانيهما الكوكب الدري فيما يتخرج‬
‫على األصول النحوية من الفروع الفقهية لجمال الدين اإلسنوي (ت‪772:‬هـ)‬
‫ولعل ما ذكره الجرمي (‪225‬هـ) خير دليل على اًلرتباط الوثيق بين علوم اللغة‪،‬‬
‫وعلوم الفقه‪ ،‬فحين سئل عن رجل سها في الصالة‪ ،‬فسجد سجدتي السهو‪ ،‬فسها قال‪ً :‬ل‬
‫شيء عليه‪ ،‬فقيل له‪ :‬كيف ذلك‪ ،‬قال‪ :‬أنا رجل مكثر من الحديث‪ ،‬وكتاب سيبويه يعلمني‬
‫(‪)75‬‬
‫القياس‪ ،‬وأنا أقيس الحديث‪ ،‬وأفتي به)‬
‫وهذا ابو يوسف يعلمنا أن قضايا الفقه‪ ،‬بحاجة إلى علم النحاة؛ لدقة الفهم‪ ،‬وجالء‬
‫(‪)76‬‬
‫حقائقها‪ ،‬ولشدة تأثر الفقهاء بالنحاة نجد علماء "الحنفية موافقون لنحاة الكوفة"‬

‫(‪ )74‬ينظر‪ :‬االقتراح‪ :‬للسيوطي‪ ،‬ص ‪ 78‬تح‪ :‬عبد الحكيم عطية ‪ -‬عَلء الدين عطية‪ ،‬دار البيروتي‪ ،‬دمشق‪،‬ط‪،2‬‬
‫‪1427‬هـ‪2006/‬م‬
‫(‪ )75‬ينظر الوافي بالوفيات‪ ،‬للصفدي‪ ،145 /16 ،‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،2000 ،‬وتفسير القرطبي‪ ،‬ج‬
‫‪ ،312/21‬حقيق‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش ‪ ،‬دار الكتب المصرية ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1384 ،2:‬هـ –‬
‫‪ 1964‬م‬
‫(‪ ) 76‬ينظر ‪:‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬لبدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركشي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محمد‬
‫تامر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 /‬م‪.)438 /2( ،‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)128‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫كما تظهر تلك العالقة التداخلية بين النحو وعلوم الفقه‪ ،‬فيما رواه الزبيدي‬
‫(ت‪379‬هـ) في تلك المناظرة ا التي دارت بين الكسائي(‪189‬هـ) وأبي يوسف(‪182‬هـ)‬
‫ت الدار؟‬ ‫حين سأل الكسائي أبا يوسف "ما تقول في رجل قال ًلمرأته‪ :‬أنت طالق إن ْ‬
‫دخل ِّ‬
‫ْ‬
‫طلقت‪ ،‬قال‪ :‬أخطأتَ يا أبا يوسف‪ ،‬فقال‪ :‬كيف الصواب؟ قال‪ :‬إذا‬ ‫إن دخلَ ِّ‬
‫ت الدار‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫ب الفعل‪ ،‬وإن قال‪" :‬إن" فلم يجب‪ ،‬ولم يقع الطالق‪ ،‬قال‪ :‬فكان أبو‬
‫قال‪" :‬أن" فقد و َج َ‬
‫يوسف بعدها ًل يدع أن يأتي الكسائي"(‪.)77‬‬
‫بعد ذلك العرض يتضح أن عالقات التأثير والتأثر بين علوم الفقه‪ ،‬والعلوم‬
‫اإلسالمية من جهة‪ ،‬وعلوم اللغة من جهة أخرى‪ ،‬عالقة تبادلية‪ ،‬حيث أفاد كل علم من‬
‫األخر‪ ،‬ظهر ذلك في المنهج‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمصطلح‪ ،‬بحيث ًل نستطيع أن نسلم بأحادية‬
‫التأثير‪ ،‬أو القول بأن هذا األثر كان يسير في اتجاه واحد‪.‬‬
‫نتائج البحث‬
‫توصل البحث إلى مجموعة من النتائج منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن القول المطلق عن تأثر النحو العربي في نشأته‪ ،‬وأصوله‪ ،‬بالمناطقة وعلماء‬
‫الفقه‪ ،‬قول يعوزه الكثير من التروي‪ ،‬والتثبت‪.‬‬
‫‪ -2‬إن نشأة النحو العربي كانت نشأة عربية خالصة‪ ،‬ولم يظهر أثر المناطقة‬
‫والمفسرين‪ ،‬وغيرهم من علماء الفقه‪ ،‬والكالم‪ ،‬والحديث‪ ،‬إًل بعد أن نضج النحو‬
‫واستوى‪ ،‬في القرن الرابع الهجري‪.‬‬
‫‪ -3‬كان لكثير من الصحابة ‪ -‬رضوان هللا عليهم ‪ -‬نظرات معتبرة في التأويل‬
‫والتوجيه النحوي‪ ،‬كما لمسنا ذلك عند عمر بن الخطاب‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪،‬‬
‫وابن مسعود وابن عباس رضوان هللا عليهم جميعاا‪.‬‬

‫(‪ )77‬ينظر‪ :‬طبقات النحويين واللغويين‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2‬‬
‫(ص ‪.)127‬‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)129‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫‪ -4‬إن رسول هللا ‪ ‬أول من مارس التأويل النحوي‪ ،‬وضح ذلك فيما دار بينه‪،‬‬
‫وبين عبد هللا بن الزبعرى قبل إسالمه‪.‬‬
‫‪ -5‬التشابه الشديد الذي قد يصل إلى حد التطابق بين مصطلحات علم النحو مع‬
‫مصطلحات علم الفقه‪ ،‬مثل مصطلحات‪ :‬الناسخ والمنسوخ‪ ،‬والتعليق‪ ،‬والرتبة‪،‬‬
‫العلل‪ ،‬والسماع والقياس‪ ،‬واًلستحسان‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والواجب‪ ،‬والممنوع‪،‬‬
‫والحسن‪ ،‬والقبيح‪ ،‬والجائز‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -6‬إن النحاة األوائل قد أشاروا إلى أصول علم النحو‪ ،‬منذ مراحل النحو األولى عند‬
‫أبى األسود وتالمذته‪ ،‬وإن لم يصرحوا بها ‘ فقد أشاروا إلى هذه األصول في‬
‫سماع‬
‫سياقات متعددة وتحدّثوا عن القياس ونشأته وتطوره وتكلموا كذلك عن ال ّ‬
‫والعلّة‪.‬‬
‫‪ -7‬لم يُنكر علماء الفقه والحديث والمفسرين اتكاءهم على قواعد النحاة‪ ،‬فقد كان أبو‬
‫يوسف يلزم الكسائي وًل يكاد يفارقه‪ ،‬وهذا ما أكده الزبيدى في طبقاته‪ ،‬وأكده‬
‫اإلمام مالك‪.‬‬
‫‪ -8‬إن عالقة النحو العربي بعلوم الشريعة اإلسالمية‪ ،‬عالقة تأثير وتأثر‪ ،‬فكال‬
‫تأثيرا من األخر‪.‬‬
‫ا‬ ‫العلمين أفاد من األخر‪ ،‬دون أن يكون أحد العلمين أشد‬
‫التوصيات ‪:‬‬
‫أ‪ -‬يوصي البحث بضرورة إعادة النظر في المسلمات النقدية‪ ،‬في مجال‬
‫كثيرا منها جاء ترديدا ألقوال بعض‬
‫ا‬ ‫الدراسات اللغوية‪ ،‬خاصة أن‬
‫المستشرقين‪.‬‬
‫ب_ يوصي البحث بضرورة تكوين فرق بحثية؛ تعمل على وضع نظرية عربية‬
‫خالصة‪ ،‬تبحث في األصول‪ ،‬و النشأة في شتى علوم العربية‪.‬‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)130‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -‬القرآن الكريم‬
‫‪ -1‬األثر العقائدي في التوجيه النحوي للنص القرآني‪ ،‬د‪ .‬حيدر مصطفى هجر‪ ،‬جامعة ذي‬
‫قار – كلية اآلداب‪ ،‬مجلة أداب ذي قار‪ ،‬العدد ‪ 2‬مجلد ‪2020 ،1‬‬
‫‪ -2‬أثر النحو في استنباط المسائل األصولية والفقه‪ ،‬مصطفى محمد الفكي‪ ،‬مجلة جامعة‬
‫القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية‪ ،‬السودان المجلد ‪ ،8‬العدد ‪1426/10‬هـ‬
‫‪ -3‬األحكام السلطانية‪ ،‬الماوردي‪( ،‬ت ‪450‬هـ)‪ ،‬تح‪ :‬أحمد جاد‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‬
‫‪2006 - 1427،‬‬
‫‪ -4‬اإلحكام في أصول األحكام‪ً ،‬لبن حزم‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط ‪ 1403، 2‬هـ‪1983 /‬م‬
‫‪ -5‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬لآلمدي‪ ،‬تحقيق عبد الرازق عفيفي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‬
‫بيروت‪ ،،‬ط ‪1402 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -6‬األشباه والنظائر في النحو‪ ،‬جالل الدين السيوطي (ت‪911‬هـ ) تحقيق د‪/‬عبد العال‬
‫سالم مكرم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1406 ،1،‬هـ ‪1985-‬م‬
‫‪ -7‬أصول الفقه‪ ،‬تاريخه ورجاله‪ ،‬د‪ :‬شعبان إسماعيل‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر ط‬
‫‪(2‬د‪.‬ت)‬
‫‪ -8‬إعراب القران ألبي جعفر النحاس‪ ،‬تح‪ :‬محمد احمد قاسم‪ ،‬دار ومكتبة الهالل (بيروت‬
‫)‪ ،‬دار البحار‪ ،‬ط‪2004( ،1‬م) ‪.‬‬
‫‪ -9‬أعالم الموقعين‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬تح‪ :‬محمد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ييروت‪،‬‬
‫ط‪1411 ،1‬هـ ‪1991 -‬م‬
‫‪ -10‬اًلقتراح في علم أصول النحو؛ لجالل الدين السيوطي؛ تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود سليمان‬
‫ياقوت‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪1426 ،‬هــ‪2006 /‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬اًلقتراح‪ ،‬في أصول النحو‪ ،‬للسيوطي‪ ،‬تح‪ :‬عبد الحكيم عطية ‪ -‬عالء الدين عطية‪،‬‬
‫دار البيروتي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1427 ،2‬هـ‪2006/‬م‬
‫‪ -12‬إنباه الرواة على أنباه النحاة‪ ،‬القفطي‪ ،‬تح‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬ومؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1406 :1‬هـ ‪1982 -‬م‬
‫‪ -13‬اإلنصاف في مسائل الخالف بين النحويين البصريين والكوفيين؛ ألبي البركات‬
‫األنباري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‬
‫‪ -14‬اإليضاح في علل النحو‪ ،‬أبو القاسم الزجاجي‪ ،‬تحقيق مازن المبارك‪ ،‬دار العروبة‪،‬‬
‫القاهرة ‪.1960‬‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)131‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫‪ -15‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬لبدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركشي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد تامر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1421 ،‬هـ ‪/‬‬
‫‪2000‬م‬
‫‪ -16‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬للزركشي‪ ،‬تح‪ :‬محمد تامر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 /‬م‬
‫‪ -17‬البحر المحيط‪ ،‬ألبي حيان‪ ،‬تح‪ :‬عادل أحمد ‪ -‬علي معوض‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪ 1413‬هـ ‪1993 -‬م‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ -18‬البرهان‪ ،‬الجويني‪ ،‬تحقيق صالح بن محمد بن عويضة‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‪،‬‬
‫ط‪ 1418 ،1‬هـ‪1997‬م‬
‫‪ -19‬بغية الوعاة‪ ،‬السيوطي‪ ،‬تح‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬المكتبة العصرية ‪ -‬لبنان ‪/‬‬
‫صيدا‪ ،‬د ‪.‬ت‬
‫‪ -20‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬محمد الخضري بك‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪1 ،‬ط‪،‬‬
‫‪،1997‬‬
‫‪ -21‬التبيان في إعراب القرآن‪ ،‬العكبري (‪616‬هـ)‪ ،‬تح‪ :‬علي محمد البجاوي ‪،‬عيسى‬
‫البابي الحلبي وشركاه‪1988 ،‬م‬
‫‪ -22‬التبيان في تفسير القرآن‪ ،‬للطوسي(‪460‬هـ)‪ ،‬المطبعة العلمية‪ ،‬النجف ‪،1957‬‬
‫‪123/3‬‬
‫‪ -23‬التحليل النحوي أصوله وأدلته فخر الدين قباوة‪ ،‬ط‪ ،1‬الشركة المصرية العالمية‬
‫للنشر لونجمان‪ ،‬مصر‪2002،‬‬
‫‪ -24‬التحليل النحوي العقدي‪ ،‬أحمد شيخ عبد السالم‪ ،‬مجلة إسالمية المعرفة‪ ،‬ع‪،12‬‬
‫‪1998‬‬
‫‪ -25‬التفاعل بين النحو وأصوله والفقه وأصوله‪ ،‬عبد الملك عبد الوهاب أنعم‪ ،‬مجلة‬
‫الشريعة والقانون‪ ،‬كلية القانون‪ ،‬جامعة اإلمارات‪ ،‬العدد‪.2011، 46،‬‬
‫‪ -26‬تفسير اإلمام مجاهد بن جبر‪ ،‬تح‪ :‬محمد عبد السالم أبو النيل‪ ،‬دار الفكر اإلسالمي‬
‫الحديثة‪ ،‬ط‪ 1410 ،1‬هـ‪1989 ،‬م‬
‫‪ -27‬تفسير القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار الكتب المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1384 ،2:‬هـ – ‪ 1964‬م‬
‫‪ -28‬التفسير الكبير‪ ،‬فخر الدين الرازي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط ‪ 1401 ،1‬هـ ‪ 1981 -‬م‬
‫‪ -29‬تفسير الميزان‪ ،‬الطباطبائي‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ .‬بيروت – ‪1972‬م‬
‫‪ -30‬تقويم الفكر النحوي‪ ،‬على أبو المكارم‪ ،‬ط‪ ،1‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬
‫‪ -31‬التمهيد في تخريج الفروع على األصول‪ ،‬اإلسنوي‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬محمد حسن هيتو‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1401 ،2‬هـ ‪1981 -‬م‪.‬‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)132‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫‪ -32‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬الطبري (‪ 310‬هـ) تح‪ :‬عبد هللا بن عبد المحسن‪،‬‬
‫دار هجر‪ ،‬ط‪ 1422 ،1‬هـ ‪ 2001 -‬م‬
‫‪ -33‬جامع بيان العلم وفضله‪ً ،‬لبن عبد البر‪ ،‬تح‪ :‬أبو األشبال الزهري‪ ،‬دار ابن الجوزي‪،‬‬
‫الدمام‪ ،‬السعودية ‪ 1414‬هـ ‪1994 /‬م ‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫‪ -34‬حاشية الجمل على الجاللين‪ ،‬سليمان الجمل المطبعة التجارية الكبرى‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪،‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬الحكم الشرعي عند األصوليين؛ لحسين حامد حسان‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1972‬م‬
‫‪ -36‬خزانة األدب‪ ،‬عبد القادر البغدادي‪ ،‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة‪ 1418 ،‬هـ ‪ 1997 -‬م‬
‫‪ -37‬الخصائص؛ ًلبن جني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪1952 ،‬م‬
‫‪ -38‬الدر المصون‪ ،‬السمين الحلبي‪ ،‬تحقيق أحمد محمد الخراط ‪،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‬
‫‪ -39‬الدًللة النحوية وأثرها في استثمار األحكام الفقهية من القرآن الكريم‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ ،‬عزالدين سليماني‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫‪2014‬‬
‫‪ -40‬ديوان أبي األسود الدؤلي‪ ،‬تح‪ :‬محمد حسن آل ياسين‪ ،‬مكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪ 1998 ،2‬م ‪ 1418 -‬هـ‬
‫‪ -41‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬شهاب الدين األلوسي‪ ،‬تح‪:‬‬
‫على عبد الباري عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1415 ،‬هـ‬
‫‪ -42‬سبل السالم‪ ،‬الصنعاني‪ ،‬تح‪ :‬األلباني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬ط‪ 1427 ،1‬هـ ‪2006 -‬م‬
‫‪- -43‬طبقات النحويين واللغوين‪ ،‬الزبيدي‪ ،‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪1984 ،1‬‬
‫‪ -44‬طبقات النحويين واللغويين‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.2‬‬
‫‪ -45‬طبقات النحويين واللغويين‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.2‬‬
‫‪ -46‬ظاهرة اإلعراب في النحو‪ ،‬أحمد سليمان ياقوت‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪،‬ط‪1994 ،1‬م‬
‫‪ -47‬علم أصول الفقه‪ ،‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬الزهراء للنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬الجزائر ‪1990‬م‬
‫‪ -48‬الفكر األصولي‪ ،‬دراسة تحليلية نقدية‪ ،‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬دار‬
‫الشروق – جدة‪ ،‬ط‪1402 ،1‬هـ‬
‫‪ -49‬في أصول النحو؛ لسعيد األفغاني‪ ،‬ط‪ ،2‬الجامعة السورية‪ ،‬دمشق‪1964 ،‬م‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)133‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬
‫‪ -50‬القصور العوالي من رسائل الغزالي‪ ،‬تح‪ :‬محمد مصطفى أبو العال‪ ،‬مكتبة الجندي‪،‬‬
‫القاهرة‪1970 ،‬م‬
‫‪ -51‬القضايا المشتركة بين النحاة واألصوليين‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬ثروت السيد رحيم‪ ،‬دار‬
‫اليُسر‪ ،‬القاهرة – مصر‪2014،‬م‬
‫‪ -52‬القياس النحوي بين مدرستي البصرة والكوفة‪ ،‬محمد عاشور السويح‪ ،‬دار‬
‫الجماهبربة‪ ،‬مصراتة‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -53‬القياس في الدرس اللغوي‪ ،‬طاهر سليمان حمودة‪ ،‬بحث في المنهج‪ ،‬الدار الجامعية‪،‬‬
‫ط ‪ ،2‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ -54‬الكتاب‪ ،‬سيبويه‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‬
‫‪ -55‬الكشاف‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬شرحه وضبطه يوسف الحمادي‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪2001‬م‬
‫‪ -56‬كشف الظنون‪ ،‬حاجي خليفة‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ (،‬د ت)‬
‫‪ -57‬لمع األدلة في أصول النحو‪ً ،‬لبن األنباري‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد األفغاني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1391‬هـ ‪1971 -‬م‪.‬‬
‫‪ -58‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬تحقيق محمد أبي الفضل‬
‫وآخرين‪ ،‬طبع عيسى الحلبي‪ ،‬مصر ‪.1958‬‬
‫‪ -59‬مصادر التراث النحوي‪ ،‬محمود سليمان ياقوت‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬ط‪،1،‬‬
‫‪2000‬م‬
‫‪ -60‬مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي عند العرب‪ ،‬شرف الدين علي‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪.1983‬‬
‫‪ -61‬مصطلحات علم أصول النحو‪ ،‬أشرف ماهر النواجي‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة ‪.2001‬‬
‫‪ -62‬مغني اللبيب ًلبن هشام‪ ،‬تحقيق‪ ،‬د‪ .‬مازن المبارك‪ ،‬ومحمد علي حمد هللا‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪1985 ،1‬م‪,‬‬
‫‪ -63‬المغني‪ً ،‬لبن قدامة‪ ،‬تح‪ :‬طه الزيني وأخرين‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬ط ‪1388 ،1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1968‬م‬
‫‪ -64‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد سيد كيالني‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ -65‬المفصل‪ :‬للزمخشري‪ ،‬تح‪ :‬فخر صالح قدارة‪ ،‬دار عمار للطباعة والنشر‪ ،‬ط‬
‫‪ 1425،1‬هـ‪2004/‬م‬
‫‪ -66‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬تح‪ ،‬عبد هللا محمد الدرويش‪ ،‬دار يعرب‪ ،‬ط‪ 1425 ،1‬هـ‬
‫‪ 2004،‬م‬
‫‪ -67‬من قضايا أصول النحو عند علماء أصول الفقه‪ ،‬أحمد عبد الباسط حامد‪ ،‬مجلة‬
‫الوعي اإلسالمي‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪1435،‬هـ‪2014/‬م‬
‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)134‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫د‪ /‬ماهر محمود علي عميرة‬
‫‪ -68‬الموافقات‪ ،‬للشاطبي‪ ،‬تح‪ :‬أبي عبيدة مشهور‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن عفان‪ ،‬د‪.‬ت‬
‫‪ -69‬المؤثرات الفقهية في تأصيل األصول النّحوية‪ ،‬طارق بومود‪ ،‬مجلة ال َم ْخبَر‪ ،‬أبحاث‬
‫في اللغة واألدب الجزائري– جامعة بسكرة‪ .‬الجزائر‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -70‬النحو العربي‪ ،‬مازن المبارك‪ ،‬دار الفكر ‪ /‬ط ‪1984 ،2‬م‬
‫‪ -71‬النحو والدًللة‪ ،‬محمد حماسة عبد اللطيف‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -72‬نزهة األلباء في طبقات األدباء‪ً ،‬لبن األنباري‪ ،‬تح‪ :‬إبراهيم السامرائي‪ ،‬ط ‪ ،3‬مكتبة‬
‫المنار‪ ،‬األردن‪ 1405 .‬ه ‪ 1985 -‬م ‪،‬‬
‫‪ -73‬النشر في القراءات العشر‪ ،‬ابن الجزري‪ ،‬تح‪ :‬علي محمد الضباع‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العلمية‪ ،‬لبنان‪2016،‬‬
‫‪ -74‬نظرية األصل والفرع‪ ،‬حسن خميس الملخ‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪2001‬م‬
‫‪ -75‬نظرية السياق القرآني‪ ،‬المثنى عبد الفتاح محمود‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫ط‪.1‬‬
‫‪ -76‬الوافي بالوفيات‪ ،‬للصفدي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ 2000 ،‬م‬
‫‪ -77‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬لمحمد مصطفى الزحيلي‪ ،‬وزارة األوقاف والشئون‬
‫اإلسالمية – قطر‪ ،‬ط‪ 1427 ،2‬هـ – ‪.2006‬‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)135‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬
‫دراسة في النشأة‪ ،‬واألصول‪ ،‬والمنهج‬ ‫أصول النحو وأصول الفقه‬

‫العدد التاسع والعشرون (اجلزء األول) ‪2023‬‬ ‫(‪)136‬‬ ‫جملة كلية الرتبية‪ -‬جامعة عني مشس‬

You might also like