You are on page 1of 65

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة البليدة ‪2‬‬


‫قسم اللغة العربية و آدابها‬ ‫كلية اآلداب و اللغات‬

‫دروس تطبيقية عبرالخط‬


‫مقي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس‬

‫الدراسات اللسانية الحديثة و املعاصرة‬


‫السنة األولى ماستر – تخصص تعليمية اللغات‬

‫إعداد الدكت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور ‪ :‬علي منصوري‬

‫‪1‬‬
‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬
‫جامعة البليدة ‪2‬‬
‫قسم اللغة العربية و آدابها‬ ‫كلية اآلداب و اللغات‬

‫دروس تطبيقية عبرالخط‬


‫مقي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس‬

‫الدراسات اللسانية الحديثة و املعاصرة‬


‫السنة األولى ماستر – تخصص تعليمية اللغات‬

‫إعداد الدكت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور ‪ :‬علي منصوري‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫هذه مجموعة دروس تطبيقية في مقياس اللسانيات الحديثة و املعاصرة ‪ ،‬موجهة لفائدة‬
‫طلبة السنة األولى ماستر ‪ ،‬شعبة الدراسات اللغوية ‪ ،‬تخصص تعليمية اللغات ‪.‬‬
‫و هي تتضمن مجموعة من النصوص املختارة بعناية معدة للتحليل و النقاش ‪ ،‬تماشيا‬
‫مع البرنامج املسطر في املحاضرة و في مفردات البرنامج الرسمي الذي تم إنشاؤه لهذا التخصص‬
‫في مرحلة التدرج ‪.‬‬
‫و كما هو معلوم فإن هذا التخصص يمتاز بالدقة و الضبط في القضايا التي تعرض على‬
‫الطلبة ‪ ،‬بما يتالءم مع تطور املفاهيم التعليمية ‪ ،‬و تشعب نظرياتها ‪ ،‬و تعدد مشاربها العلمية‬
‫و املنهجية ‪ ،‬و تداخلها مع عدة مجاالت أخرى السيما علوم التربية و علم النفس و مستجدات‬
‫ميدان التنمية البشرية و نظريات تطوير الكفاءات و الذكاء البشري ‪.‬‬
‫لذلك اجتهدنا في تقص ي النصوص التي تلم بهذه الجوانب و كلنا أمل في أن يستفيد منها‬
‫طلبتنا األعزاء ‪ ،‬و يعمل زمالؤنا األكارم على تطويرها و نقدها البناء بما يعود بالنفع علينا و على‬
‫جميع املهتمين و املتخصصين في املجال ‪.‬‬
‫و شكرا ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫النص األول ‪:‬‬

‫مناهج ما قبل اللسانيات‬


‫ال يمكننا الحديث عن علم قائم بذاته بدون منهج يفصح عنه ويجلي صورته‪ .‬هذا ألن‬
‫العــلوم ال تأخذ مصداقيتها إال من تماسك مناهجها‪ ،‬ومن قدرة هذه املناهج على استخـالص‬
‫املعارف وتقنين األنساق املنتجة لها ‪ .‬إن مسألة املنهج هي عماد البحث وأساسه في كل املجــاالت‬
‫املعرفية والعلمية ‪ ،‬واختيار املنهج يرتبط أوال وأخيرا بطبيعة املوضوع محل البحث‪ .‬فإذا كان‬
‫موضوع البحث مثال يحتاج إلى تجميع املعلومات ثم املقارنة بينها والعمل على تفسيرها وتحليلها‬
‫ألجل الوصول إلى نتائج مقبولة‪ ،‬فهـذا يتطلب اعتماد املنهج الوصفي‪ .‬وإذا كان املوضوع محل‬
‫الدراسة يحتاج إلى دراسة النصوص من الداخـل لفك رموزها واستقرائها‪ ،‬تعتمد خطوات املنهج‬
‫البنيوي ‪ ،‬وإذا كان املوضوع يتطلب العودة إلى الوثائق القديمة ألجل اإلفصاح والبيان عنه‪،‬‬
‫فهذا يتطلب االستناد إلى املنهجية املتبعة في املنهج التاريخي‪.‬‬
‫واختيار املنهج حسب الدكتور أحمد أوزي ليس متروكا للباحث وإنما يتم هذا االختيار على‬
‫أساس موافقته ملوضوع البحث ‪ ،‬وقد يستند الباحث على أكثر من منهج في تحليل ظاهرة من‬
‫الظواهر كما هو الحال في العلوم اإلنسانية ‪.‬ونؤكد على أن لكل منهج أدوات بحثية يستخدمها‬
‫في التحليل أو املقابلة أو التفسير ‪ ...‬وكلما تعددت األدوات البحثية كلما كانت النتائج املحصل‬
‫عليها فعالة ‪.‬وهكذا استحق املنهج أن يعرف بأنه " الطريق املؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في‬
‫العلوم بواسطة طائفة من القواعد الهامة التي تهيمن على سير العمل وتحدد عملياته حتى يصل‬
‫إلى نتيجة معلومة "‪ ،‬وربما هو ما جعل الدكتور فريد األنصاري يعتبره ‪ ":‬نسق من القواعد‬
‫والضوابط التي تركب البحث العلمي وتنظمه ‪.‬‬
‫ومنه فاملنهج املنهج هو مجموعة العمليات العقلية االستداللية تستخدم لحل مشكلة‬
‫العلم وبناء العلم نفسه في مرحلة من تاريخه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ونشير هنا إلى أنه قد اختلف في تصنيف املناهج بين الدارسين وذلك حسب الحقول املعرفية‬
‫التي درست فيها ‪ .‬وكذلك بسبب كون بعض الدارسين قد نظروا إلى بعض املناهج على أنها‬
‫أساسية نموذجية واعتبروا أخرى جزئية متفرعة عن األولى ‪،‬مما قلص من أهميتها مقارنة مع‬
‫الرئيسية ‪ .‬فقد اقترح فريد األنصاري أربعة مناهج للبحث في مجال العلوم الشرعية ‪ ،‬مراعيا في‬
‫ذلك طبيعة الدراسات اإلسالمية‪ ،‬وخصوصياتها وهي ‪ :‬املنهج الوصفي واملنهج الحواري واملنهج‬
‫التوفيقي واملنهج التحليلي‬
‫وحينما كانت الدراسات اللسانية حقال من الحقول املعرفية املندرجة ضمن ما يسمى‬
‫بالعلوم اإلنسانية‪ ،‬فهي لتفصح في نظرتها عن هذا األمر وتؤكده‪ .‬فاللسانيات لم تتعدد مذهبا‬
‫ونظرية إال ألنها تعـددت منهجا ‪ .‬وهو ما سنحاول توضيحه من خالل هذه الدراسة بحول للا‬
‫وقوته ‪ .‬إال أنــه سنبــدأ من اللسانيات التاريخية وذلك استجابة ملطلب التأصيل الذي يستدعي‬
‫االنطالق من األسس األولى التي تنبني عليها املعرفة ‪ .‬فكان علينا بذلك أن ننطلق من املناهج‬
‫املعتمدة في اللسانيات التاريخية الــتي مهدت الطريق للسانيات الحديثة ‪ ،‬وجعلتها علما قائما‬
‫بذاته على الصورة التي هي عليها اليوم ‪ .‬فما هي إذا املناهج التي تمثل اللسانيات التاريخية ؟‪.‬‬
‫‪- 1‬مناهج اللسانيات التاريخية‪: historical linguistics‬‬
‫تطلق تسمية اللسانيات التاريخية على الدراسات اللغوية التي ظهرت في أوروبا في القرن‬
‫التاسع عشر امليالدي ‪ ،‬وتختلف الدراسات التاريخية على الدراسات النحوية التقليدية‬
‫القديمة‪ ،‬وكذلك عن اللسانيات الحديثة التي ظهرت مع مطلع القرن العشرين من حيث املنهج‬
‫والتصور وتعمل هذه اللسانيات على دراسة اللغة الواحدة في تطورها عبر املراحل املختلفة منذ‬
‫نشأتها إلى يوم الدراسة قصد تبين تاريخها ‪ ،‬مع رصد ما وقع فيها من تغيرات صوتية ومعجمية‬
‫ونحوية وداللية ‪ ،‬وبيان األسباب الكامنة وراء ذلك‪.‬وقد سماها سوسير باللسانيات التطورية‬
‫‪(linguistique diachronique ) .‬و الدراسات التاريخية للغة كانت مرفوضة وغير مرغوب فيها‬
‫بتاتا عند اللسانيين‪ .‬إذ لم يتقبلوها إال في أواخر القرن الثامن عشر امليالدي ‪ .‬وذلك راجع إلى‬
‫كون التاريخ في نظرهم ال يدرس األشياء والظواهر اللغوية ‪ ،‬وإنما يدرس حياة األمم السالفة‬
‫وتتطلب هذه اللسانيات جهدا أكبر إذ يتعين على اللساني معرفة اللغة األم‪ ،‬وجميع اللغات‬
‫املتفرعة عنها قديمة كانت أم حديثة ‪.‬إنه حسب ماريو باي عمل شبيه بعمل الشرطة السرية‬
‫‪5‬‬
‫املتمثل في التقاط املفاتيح وجمع الجزئيات وربط بعضها ببعض‪ .‬أما فيما يخص املناهج‬
‫املعتمدة في هذه اللسانيات‪ ،‬فقد أقصرها معظم الباحثين على منهجين هما ‪ :‬املنهج املقارن ‪،‬‬
‫ومنهج إعادة التركيب اللغوي (منهج إعادة التركيب الداخلي )‪ .‬ورأى بعضهم أنها ثالث مناهج ‪،‬‬
‫ومن هؤالء ميلوسكي الذي أضاف إلى املنهجين السابقين املنهج الفيلولوجي‪ ،‬يقول ‪ " :‬إن‬
‫اللسانيات التاريخية استعملت ثالت مناهج العادة بناء اللغات ‪ ،‬املنهج الفيلولوجي ‪ ،‬و منهج‬
‫إعادة التركيب الداخلي ‪ ،‬واملنهج املقارن‪.‬‬
‫مناهج اللسانيات الحديثة‬
‫حسن إدريس ي‬
‫املناقشة ‪ :‬ابحث بعمق عن مفاهيم املناهج التي مثلت اللسانيات التاريخية‬
‫املعالجة ‪:‬‬
‫‪_1_ 1‬املنهج املقارن‪: the comparalive méthode‬‬
‫ويهدف إلى الكشف عن القرابة املوجودة بين اللغات وتحديد األصل الذي تنحدر منه ‪ ،‬أو‬
‫كـما قال أحمد مومن ‪ :‬يكشف " عن القرابة املوجودة بين اللغات ومعرفة نسبها الجيني بصورة‬
‫دقي ــقة للغاية‪ ".‬واللساني املتوسل بهذا املنهج يأخذ عينات لغوية من اللغة موضع البحث ثم‬
‫يقارنها بلــغة أخرى ليتوصل بذلك إلى العالقة والصلة التي تجمع بينهما ‪ .‬فإذا وجد العينات‬
‫اللغوية املأخــوذة من اللغتين متماثلتين بشكل جلي ‪ ،‬يتأكد حينها أن اللغتين تنحدران من أصل‬
‫واحد ؛ أي أنهما تنتميان إلى لغة أم واحدة‪.‬‬
‫وفي هذه املرحلة بالذات من الضروري توخي الحيطة و الحذر من مسألة ما يسمى باالقتراض‬
‫اللغـوي إذ ال يسمح للغوي مثال أن يقيم مقارنة بين كلمة ‪ internent‬في اللغة الفرنسية وكل ــمة "‬
‫إنترنيت " في اللغة العربية فيحكم عليهما بناء على التشابه القائم بينهــما باالنتماء إلى أصل واحد‬
‫أو لغة أم واحدة ‪ .‬ألن هذا التشابه راجع إلى قضية االقتراض ‪ ،‬إذ ثم اقت ـراض كلمة ‪Internet‬‬
‫من اللغة الفرنسية من طرف اللغة العربية بالشكل الذي هي عليه من دون أدنى تعديل النعدام‬
‫وجود مقابل لها في اللغة العربية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫إن اللساني في هذا الصدد يقوم بمقارنة صيغ لغوية للغتين أو أكثر ويحدد العالقة التي تجمع‬
‫بينهما ‪ .‬وبعد أن ينتهي من جمع املعطيات الخاصة بتلك الصيغ اللغوية يحاول أن يفترض صيغة‬
‫أولية لها ويتخذها كصيغة أصل تفرعت عنها مختلف الصيغ األخرى ‪ ،‬وقد تكون هذه الصيغة‬
‫األولية مستنبطة من لغة غير موجودة على أرض الواقع ؛كاللغة الهندوأوروبية مثال‪ .‬ولتوضيح‬
‫هذه املسألة نقدم املثال الذي قدمه الهمان (‪ )Lehmann‬في هذا الصدد حيث قال ‪ " :‬إذا أردنا‬
‫أن نعرف صيغة فعل الكينونة (‪ )tobe‬في الطراز البدئي الهندوأوروبي ‪ ،‬فيمكن أن نقارنها في‬
‫بعض اللغات كالسنسكريتية ‪ ، asti‬واللثوانية ‪ ،esti‬واإلغريقية ‪ ،ésti‬وبعد هذا يمكن التوصل‬
‫إلى وضع الصيغة األصلية التالية ‪ ."ésti :‬وحتى يصل اللساني املقارن إلى الصيغة األصلية يتوجب‬
‫عليه االنطالق من أمثلة وصيغ عديدة كي تتم عملية املقارنة بكيفية منطقية وسليمة‪،‬‬
‫وللتوضيح أكثر نقدم جدوال يرصد أوجه االختالف واإلتالف بين اللغة العربية وبعض اللغات‬
‫األوروبية األخرى كالفرنسية واإليطالية واإلسبانية ‪ ،‬واإلنجليزية واألملانية ‪.‬‬
‫‪_2_1‬منهج إعادة التركيب للغوي أو الداخلي‪:themethod of internal reconstruction‬‬
‫إن هذا املنهج حسب أحمد مومن يهدف إلى " إعادة البناء دون اللجوء إلى املقارنة‪ .‬إذ أنه‬
‫يستعمل عندما تتعذر املقارنة بسبب انعدام اللغات املدونة ‪.‬ويركز على العناصر املختلفة‬
‫داخل اللغة الواحـدة ‪ ،‬ويرمي إلى تمييز العناصر اللغوية العتيقة أو املهجورة من العناصر‬
‫اللغوية الجديدة "وفي هـذا تأكيد على أن هذا املنهج يرمي إلى تحديد االختالفات الداخلية للغة‬
‫من اللغات بغية تمييز العناصر القـديمة من الحديثة ‪ .‬إنه يعيد بناء اللغات بعيدا عن املقارنة‬
‫ألنها غير مدونة ‪ .‬وهو حسب ميلوسكي يتخـذ ثالث أشكال‪:‬‬
‫أ‪ -‬يستخلص االستنتاجات على أساس التغيرات الفيلولوجية‪.‬‬
‫ب_ إنه في حالة كون صيغتان تمتلكان نفس الداللة ‪ ،‬على سبيل املثال ؛ إحداهما مطابقة‬
‫للن ــظام املورفولوجي العام ‪ ،‬واألخرى استثنائية ‪ ،‬ينظر إلى الصيغة االستثنائية منها على أنها‬
‫األقدم ألنها تنتمي إلى نظام لغوي قديم وهو ما أطلق عليه ميلوسكي منهج االستثنائية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ج_ وفي شكله الثالث يتناول الصيغ السائرة في طريق االنقراض ‪ ،‬ويعتبرها األقدم إذا وجدت‬
‫صحبة أخرى في طريق التطور ‪ .‬وفي هذه النقطة قدم لنا مثاال مؤداه )‪ (thou‬و)‪(you‬أولهما سائرة‬
‫في طريق االنقراض ‪ ،‬واألخرى في طريق الحيوية ‪ ،‬ومنه فالصيغة األولى )‪ (thou‬هي األقدم ‪.‬‬

‫وعلى العموم فهذا املنهج قد قدم نتائج جيدة ومقنعة للغاية ‪ ،‬ما يبرر ذلك ما قدمه من فرضيات‬
‫تأكدت من طرف الحفريات الحديثة فيما بعد‪.‬‬
‫‪3--1‬املنهج الفيلولوجي‪:the philological method‬‬
‫يعمل هذا املنهج على مقارنة النصوص املكتوبة داخل لغة من اللغات ‪ ،‬وذلك عبر مراحل‬
‫زمـنية مختلفة‪ ،‬فهو يهدف إلى ‪ " :‬مقارنة النصوص املكتوبة داخل اللغة الواحدة عبر مراحلها‬
‫الت ــاريخية املختـلفة ‪ ".‬وفي هذا املنهج يعمل اللساني على مقارنة العناصر اللغوية التي تقوم‬
‫بنفس الوظـيفة اللغوية في جميع مراحل هذه اللغة ( قديمة ‪ ،‬متوسطة ‪،‬أم حديثة )‪ ،‬ويسجل‬
‫بدقة كل التغيرات الواقعة بطريقة تدريجية ‪.‬ونمثل لذلك بمثال من اللغة البولونية ‪ ،‬مفاده أن‬
‫مقارنة تصريف األسماء في نصـوص هذه اللغة في القرن الرابع عشر امليالدي ‪ ،‬والخامس عشر‬
‫امليالدي ‪ ،‬مكنت من إرساء التطــور العام لألشكال البولونية خالل القرون الستة األخيرة ‪.‬‬
‫وخالصة الكالم فعلى الرغم من أننا قد تعهدنا بالحديث عن مناهج اللسانيات الحديثة‬
‫فمسألة التأصيل فرضت علينا الرجوع إلى هذه املناهج ألنه لوالها ملا قامت للسانيات الحديثة‬
‫قائمة أصــال‪ ،‬وعموما فهي مناهج علمية أثبتت جدارتها في املجال اللساني ‪ .‬إذ لقيت قبوال حتى‬
‫من لدن اللسانيات الحديثة ألنها تنسجم مع العلوم التجريبية ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫النص الثاني ‪:‬‬

‫اللسانيات البنوية‬
‫ّ‬
‫اللسانيات؛‬ ‫ّ‬
‫داخلي ضمن علم‬ ‫يتنزل ضمن مستويين متفاعلين‪ :‬مستوى‬ ‫اللسانيات علم ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتعلق ّ‬ ‫ّ‬
‫النظريات الجديدة انطالقا من املآزق التي‬ ‫اللسانية فتولد‬ ‫النظريات واملدار س‬ ‫بتطور‬
‫تمثل نقدا للسابق وإضافة جديدة ال تقطع ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫نهائيا مع‬ ‫النظريات القديمة‪ ،‬فكل نظرية‬ ‫تصل إليها‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ما قبلها من ّ‬
‫اللسانيات وسائر‬ ‫جي يتعلق بوجود صلة بين‬ ‫تصورات‪ّ .‬أما املستوى الثاني فخار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اللسانيات تتأثر بما يحدث في الفلسفة‬ ‫العلوم املجاورة وقوامها عالقة تأثر وتأثير بينهما‪ .‬ذلك ّأن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنسانية من نقد‬ ‫وعلم النفس وعلم االجتماع وغيرها وهي في نفس الوقت تؤثر في سائر العلوم‬
‫ّ‬
‫وإنشائية وأنتروبولوجيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫للبنيوية‪.‬‬ ‫ضمن هذين املستويين يمكن أن ندرس آراء دي سوسير ّ‬
‫املؤسسة‬
‫ّ‬
‫البنيوية‪:‬‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات‬ ‫ّ‬
‫والعلمية لظهور‬ ‫ّ‬
‫الفكرية‬ ‫ّ‬
‫الخلفيات‬‫‪-1‬‬
‫ّ‬ ‫األلسنية ّ‬
‫ّ‬ ‫بالعودة إلى كتاب سوسير ّ‬
‫العامة" يمكن أن نالحظ وجود مؤثرات‬ ‫املؤسس "دروس في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللسانية قبله‪ .‬وبما كان يسود في عصره‬ ‫مختلفة تتعلق من جهة أولى بما كان سائدا في الدراسات‬
‫من مناهج ومفاهيم في سائر العلوم‪.‬‬
‫أ‪ -‬نقد املنهج التاريخي املقارن‪:‬‬
‫باللسانيات التار ّ‬
‫يخية املقارنة‪ .‬والسبب في ذلك هو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات في عصر دي سوسير توسم‬ ‫كانت‬
‫ّ‬
‫الهندية‬ ‫ما ّ‬
‫توصل إليه القاض ي البريطاني السير وليامز جون من وجود تشابه صوتي بين اللغة‬
‫ّ‬
‫األروبية (‪ ، )1786‬وقد ّأدى هذا االكتشاف إلى تخلص‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السنسكريتية) واللغات‬ ‫القديمة (‬
‫اللسانيات من ارتباطها بالبعد الديني إلى نزعة ّ‬
‫علمية تعتمد املقارنة بين اللغات وتعتمد جملة‬ ‫ّ‬
‫من الخصائص يمكن إيجازها في العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬االعتماد على منهج املقارنة بين اللغات‪ .‬وقد هيمن هذااملنهج في القرن التاسع عشر و كان‬
‫منطلقه مع أعمال بروب‪(1816 Franz Bopp).‬‬

‫‪9‬‬
‫تمثل الجانب ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫املادي املحسوس من اللغة‪.‬‬ ‫الصوتي‪ .‬واألصوات اللغوية‬ ‫‪ - 2‬االهتمام بالجانب‬
‫ّ‬
‫الصوتية‬ ‫ّ‬
‫الصوتيات والوصول إلى جملة من القوانين‬ ‫تطور علم‬‫وقد ّأدى هذا االهتمام إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمية ّ‬
‫املهمة‪ .‬املتحكمة في انتقال الصوت من لسان إلى لسان‪ .‬من ذلك مثال قانون غريم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بكي ّ‬ ‫ّ‬
‫يتعلق ّ‬
‫الجرمانية وفق‬ ‫اللغوية بين اللغات‬ ‫فية انتقال األصوات‬ ‫)‪(Grimm 1785-1863‬الذي‬
‫ضوابط ّ‬
‫علمية‪.‬‬
‫تطور الصوت اللغو ّي تار ّ‬
‫يخيا عبر الزمن ّ‬
‫وتتبع املسار الزمني الذي‬ ‫‪ - 3‬التركيز على البحث في ّ‬
‫ّ‬
‫صرفية إلى صيغة جديدة ‪.‬‬ ‫يقود إلى تغيير الكلمة من صيغة‬
‫ري فحسب يغفل جانبا ّ‬
‫مهما من اللغة‬ ‫ّ‬
‫التطو ّ‬ ‫لقد اعتبر دي سوسير ّأن االكتفاء بالجانب‬
‫تطور القيمة ّ‬‫ومثل لذلك بمفهوم القيمة؛ فمثلما نستطيع البحث في ّ‬ ‫ّ‬
‫املالية لقطعة‬ ‫وهو النظام‪.‬‬
‫أ ض واختالفها من من إلى آخر ‪ ،‬يمكن كذلك أن ّ‬
‫نحدد تلك القيمة اآلن بمعزل عن تاريخ‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫كل عنصر داخل النظام‬ ‫تطورها‪ .‬وكذلك اللغة يمكن البحث عن نظامها الحالي (بنيتها) وقيمة ّ‬‫ّ‬
‫بصرف النظر عن املساار الزمني الذي قطعه ذلك النظام أو تاريخ التغيير الحاصل في قيمة ّ‬
‫كل‬
‫لكن دي سوسير لم يجعل املنهج اآلني بديال ّ‬
‫وضدا ينفي املنهج الزماني‬ ‫الزمانية)‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫عنصر‪ّ ( .‬‬
‫اآلنية‡‬
‫ّ‬
‫بل هو منهج يوازيه فاملنهج اآلني هو اقتطاع لنقطة ضمن خط الزمان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوضعية في فلسفة العلوم‪:‬‬ ‫ب – التأثربالنزعة‬
‫ّ‬
‫املوضوعية في دراسة‬ ‫ّ‬
‫العلمية املطلقة ومبدأ‬ ‫ّ‬
‫الوضعية )‪ (positivisme‬الصرامة‬ ‫تعني النزعة‬
‫الظواهر‪ .‬وقد ظهرت في فلسفة العلوم في القرن التاسع عشر على يد أوغيست كونط ‪Auguste‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والدينية في الدراسة‬ ‫الذاتية‬ ‫))‪Comte 1798-1857‬وهي تقتض ي التخلص من كل االعتقادات‬
‫كل ما هو نفس ّي‬ ‫ّ‬
‫املوضوعية الصارمة واستبعاد ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمي عن طريق‬ ‫ّ‬
‫العلمية والتركيز على الجانب‬
‫ّ‬
‫واإلنسانية جميعها قائمة‬ ‫ّ‬
‫العلمية‬ ‫أو حدس ّي أو غير قابل للمالحظة‪ .‬وتعني كذلك ّأن الظواهر‬
‫ّ‬
‫الحتمية‪ .‬ومن نتائج هذه النزعة وجود‬ ‫ّ‬
‫والتطور‬ ‫علمية صارمة مثل ّ‬
‫اآللية‬ ‫تطورها على قوانين ّ‬ ‫في ّ‬
‫املاركسية التي تربط ربطا ّ‬
‫حتميا بين البنية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املنهجية مثل الفلسفة‬ ‫ّ‬
‫نظريات تقوم على هذه املبادئ‬
‫ّ‬
‫الداروينية القائمة‬ ‫ّ‬
‫الفوقية (اإلنتاج الثقافي)‪ .‬ومنها‬ ‫ّ‬
‫الطبقي) والبنية‬ ‫ّ‬
‫التحتية للمجتمع (الصراع‬

‫‪10‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحتمي لألجناس والكائنات‪ .‬وقد أثرت هذه النزعة كذلك في أعمال دوركايم في علم‬ ‫التطور‬ ‫على‬
‫ّ‬
‫االجتماع وهو أحد املؤثرين في أفكار دي سوسير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمي الصارم وامتدادا لهذا‬ ‫للسانيات في طابعها‬ ‫الفعلية‬ ‫مثل منهج فرانس بروب البداية‬
‫الدينية ودراسة ّ‬
‫تطور اللغات واملقارنة بينها‪ .‬ويمكن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمي من خالل استبعاد االعتقادات‬ ‫املنزع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املوضوعية الصارمة‬ ‫العلمي الذي يبحث عن‬ ‫أن نعتبر آراء دي سوسير امتدادا لهذا الخط‬
‫تصوره للغة تختلف‬ ‫لكن صرامة دي سوسير في ّ‬ ‫كل االعتقادات واألحكام املعيارّية‪ّ .‬‬‫واستبعاد ّ‬
‫ّ‬
‫التطور الزماني وعلى‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات قبله فهي قائمة على مفهوم البنية ال‬ ‫عن النمط السائد في‬
‫الشكل ال ّ‬
‫املادة‪.‬‬
‫النظرية في العلوم املجاورة ّلل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سانيات‪:‬‬ ‫ج ‪ -‬التأثرباملفاهيم‬
‫ّ‬
‫انطلق دي سوسير في أفكاره من مفاهيم تعكس تأثره بالعلوم املجاورة له‪ ،‬ويمكن أن ّنتخذ‬
‫مثالين لالستدالل على وجود هذا االقتباس‪:‬‬
‫‪ - 1‬مفهوم القيمة في االقتصاد‪:‬‬
‫ّ‬
‫الشكلي من اللغة‪ .‬وهو مفهوم‬ ‫اعتمد دي سوسير على مفهوم القيمة في ّ‬
‫تصوره للجانب‬
‫مقتبس من علم االقتصاد‪ .‬فالقيمة في االقتصاد تعني مردود الش يء الذي يقاس بثمن معلوم‪.‬‬
‫األجنبية ّ‬
‫القوية مثل الدوالر‬ ‫ّ‬ ‫فمثال يقاس الدينار التونس ي بمقدار معلوم من الذهب أو العمالت‬
‫أهميته ودوره ضمن نظام اللغة؛ فمثال قيمة‬ ‫أو األورو‪ّ .‬أما عند دي سوسير فتعني قيمة العنصر ّ‬
‫ألنها ال تلعب الدور نفسه‪ .‬كما ّأن الصوتين‬
‫صوت الباء تختلف بين هاتين الكلمتين‪[ :‬بيت]‪[ ،‬بين] ّ‬
‫ّ‬
‫التونسية إذ ال فرق في املعنى بين من يستعمل عبارة [قال]‬ ‫[ق] و[ڨ] لهما نفس القيمة في اللهجة‬
‫وعبارة [ﭬال]‪.‬‬
‫ّ‬
‫األلسنية كما هو الشأن في ميدان االقتصاد السياس ّي تجابه‬ ‫يقول دي سوسير ‪ " :‬وذلك ّأن‬
‫ّ‬
‫مفهوم القيمة‪ ،‬ففي هذين العلمين يتعلق األمر بنظام من املوافقات بين أشياء من أضرب‬
‫مختلفة أي في ّ‬
‫األول بين العمل واألجر وفي الثاني بين املدلول والدال"‪[ .‬دي سوسير‪ ،‬ص‪]127‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 2‬البعد االجتماعي للغة‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫ّ‬
‫اجتماعي وهذا هو املقصود‬ ‫يعتبر دي سوسير اللغة ّ‬
‫مؤسسة تتجاوز الفرد فهي نظام ذو بعد‬
‫االجتماعية‪ .‬فاللغة عنده مجموعة من املواضعات التي ّتتفق حولها مجموعة من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باملؤسسة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتكلم نفس اللسان‪ .‬يقول دي سوسير ّ‬
‫اجتماعي‬ ‫معرفا اللغة‪ "" :‬فهي في اآلن نفسه نتاج‬ ‫الناس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مللكة الكالم‪ ،‬ومجموعة من املواضعات ّ‬
‫االجتماعي ليتمكن األفراد من ممارسة‬ ‫يتبناها الكيان‬
‫هذه امللكة" [دي سوسير‪ ،‬ص‪.]29‬‬
‫ّ‬
‫الشكلي يعكس نزعة التجريد في الفلسفة والعلوم الصحيحة‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الجانب‬
‫ّ‬
‫اللسانيات علما ّ‬
‫مهتما بالشكل‬ ‫تصور دي سوسير للغة اعتبار‬ ‫أهم املبادئ التي قام عليها ّ‬
‫من ّ‬
‫ّي ّ‬
‫يمثل نقلة كبيرة في ّ‬ ‫التصور ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللغو ّي ال ّ‬
‫تصور‬ ‫املجرد لعناصر النظام اللغو‬ ‫الصوتية‪ .‬هذا‬ ‫باملادة‬
‫ّ‬
‫التجريبية من أصوات وكلمات‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات مرتبطا فقط بالوقائع‬ ‫ّ‬
‫اللساني فلم يعد موضوع‬ ‫العلم‬
‫ّ ّ‬ ‫بل صار مرتكزا على البعد ّ‬
‫املجرد تأثرا بمقولة الشكل‬ ‫املجرد لنظام اللغة‪ .‬ويعكس هذا البعد‬
‫ّ‬ ‫التي سبقت إلى الفلسفة ّ‬
‫خاصة عند إيمانويل كانط (‪ .)1724-1804‬ويعكس كذلك التأثر بنزعة‬
‫التجريد والترييض في العلوم الصحيحة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات بمختلف العلوم‪:‬‬ ‫‪ - 4‬اتصال‬
‫ّ‬
‫اللسانيات مع سائر العلوم‪.‬‬ ‫سوسير في دروسه جملة من الصالت التي تعقدها‬ ‫ّ‬ ‫أحص ى دي‬
‫لأللسنية عالقات وثيقة ّ‬
‫جدا بعلوم أخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫باللسانيات‪ .‬يقول "ذلك ّأن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وسماها العلوم املقترنة‬
‫ّ‬
‫وهذه العلوم تقتبس منها بعض املعطيات تارة وتوفر لها بعض املعطيات تارة أخرى‪ .‬والحدود‬
‫التي تفصلها عن تلك العلوم ال تظهر دائما بوضوح"‪[ .‬دي سوسير‪ ،‬ص‪ ]25‬وكان مشروع دي‬
‫ّ‬
‫اللسانيات عن هذه االختصاصات‪ .‬ويمكن أن‬ ‫الكيفية التي يمكن أن ّ‬
‫يميز من خاللها‬ ‫ّ‬ ‫سوسير‬
‫نحص ي اعتمادا على ما ورد في دروسه جملة من الصال مع العلوم التالية‪ :‬اإلتنوغرافيا (دراسة‬
‫ّ‬
‫الثقافية)‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬علم النفس‪،‬‬ ‫طريقة حياة الشعوب)‪ ،‬األنتربولوجيا (دراسة الظواهر‬
‫الفيزيولوجيا‪ ،‬الفيلولوجيا (دراسة اللغة انطالقا من املخطوطات واآلثار التار ّ‬
‫يخية املكتوبة)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫داخلية مستقلة‬ ‫لسانيات‬ ‫اللسانيات‪:‬‬ ‫وقد أحص ى ديسوسير في ضوء هذا االتصال ضربين من‬
‫متصلة بها‪.‬‬‫جية ّ‬
‫ولسانيات خار ّ‬
‫ّ‬ ‫عن سائر العلوم‬

‫‪12‬‬
‫السؤال ‪ :‬قدم عرضا تتناول فيه على ضوء النص خصائص البنية في اللسانيات و مفهوم املهج‬
‫الوصفي السوسيري‬

‫املناقشة ‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللسانيات‪:‬‬ ‫‪- 1‬خصائص مفهوم البنية في‬
‫اللساني بفضل أفكار دي سوسير وانتقل إلى سائر العلوم‬‫ّ‬ ‫نشأت مفهوم البنية في التفكير‬
‫اللسانيات في النصف ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األول من‬ ‫اإلنسانية بعد أن تبنته مجموعة من املدارس‪ .‬ولذلك توسم‬
‫بأنها ّ‬
‫بنيوية نسبة إلى هذا املفهوم‪ .‬فما ذا نعني بالبنية؟‬ ‫القرن العشرين ّ‬
‫ّ‬ ‫البنية نظام من العناصر ّ‬
‫الداخلي بينها والترابط ولذلك ينظر إليه في كل ّيته‬
‫ّ‬ ‫يتميز باالنسجام‬
‫ّ‬ ‫ال في أجزائه‪ّ ،‬‬
‫ألن ّ‬
‫أي عنصر فيه ال يمكن أن ننظر إليه مستقال بنفسه ذلك ما ذكره دي سوسير‬
‫ّ‬
‫اللغوية وما تحمله من ترابط بين الدال واملدلول‪.‬‬ ‫في ّ‬
‫تصوره مثال للعالمة‬
‫ّ‬ ‫ألي عنصر إال من خالل ما ينسجه من عالقات مع ّ‬ ‫و ال قيمة ّ‬
‫بقية العناصر‪ .‬وتمثل تلك‬
‫مادة ذلك‬‫املهم هو ّ‬
‫شكليا قابال للوصف في شكل قواعد وتعميمات‪ ،‬فليس ّ‬ ‫ّ‬ ‫العالقات جانبا‬
‫ّ‬
‫سوسيريا قائما على اعتبار اللغة شكال ال‬ ‫النظام بل الشكل الذي ُب ِني عليه‪ .‬ويترجم ذلك مبدأ‬
‫ّ‬
‫مادة‪.‬‬
‫مستقل بذاته عن العوامل الخار ّ‬
‫جية يكتفي بنفسه‪ .‬وهو قائم على جملة من القواعد‬ ‫ّ‬ ‫النظام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الداخلية‬ ‫اللسانيات‬ ‫التي تنظم العالقات بين العناصر‪ .‬ويرتبط ذلك بحديث دي سوسير عن‬
‫اللغوية في ّ‬
‫حدذاتها وفق منهج ّ‬
‫آني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتطور التاريخي واملقارنة بل ببنية الظواهر‬ ‫التي ال ّ‬
‫تهتم‬
‫د اسة البنية يمكن أن ّ‬
‫تتحقق في مستويات مختلفة ‪ :‬التركيب‪ ،‬األصوات‪ ،‬الداللة‪ ...‬وقد‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اهتم دي سوسير بهذه املستويات وإن ركز على الكلمة دون الجملة وعلى الطابع الشكلي بدل‬
‫ّ‬
‫فاهتم بالعالقة بين الدال واملدلول وبالجانب الشكلي من الصوت وبالعالقات‬ ‫ّ‬
‫الداللي‪.‬‬ ‫الجانب‬
‫ّ‬
‫السياقية داخل الجملة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يمكن أن نمثل ملفهوم البنية بلعبة الشطرنج‪ :‬فهذه اللعبة عبارة عن مجموعة عناصر‬
‫الي عنصر إال من خالل دوره ووظيفته في اللعبة‪ .‬وليس ّ‬
‫مهما أن تكون اللعبة‬ ‫مترابطة ال قيمة ّ‬

‫‪13‬‬
‫ّ‬
‫األساسية تكمن في العالقات‬ ‫أي ّ‬
‫مادة أخرى بل القيمة‬ ‫صنعت من الخشب أو البالستيك أو ّ‬
‫ّ‬
‫الشكلية بين العناصر‪ .‬كذلك اللغة يمكن اعتبارها ظاهرة قائمة على مفهوم البنية فالكلمة‬
‫ّ‬ ‫والنص جميعها ظواهر ّ‬
‫ّ‬
‫لغوية قائمة على عناصر مترابطة‪ .‬وهذه الفكرة تمثل خروجا‬ ‫والجملة‬
‫ّ‬
‫والداللي واملقارنة بين اللغات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصوتي‬ ‫ّ‬
‫التطور‬ ‫ّ‬
‫اللغوية بمقاييس‬ ‫ّ‬
‫مهما عن ربط الظواهر‬
‫ّ‬
‫البنيوية‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات‬ ‫و قد كان ملبادئ دي سوسير املنشورة في كتابه تأثير عظيم ّ‬
‫خاصة في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األروبية‪ .‬وقد لخص جورج مونان عظم تأثير أفكار دي سوسير في عبارة "أخيرا جاء دي سوسير"‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية "ثورة‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات والعلوم‬ ‫حد اعتبار ما أحدثه دي سوسير من تأثير في‬ ‫بل ذهب إلى ّ‬
‫شك اعتبار هذا التأثير الذي أحدثته آراء دي سوسير حدثا بما ّأنه ّ‬
‫غير‬ ‫كويرنيكية"‪ .‬ويمكن بال ّ‬
‫ّ‬
‫نلخص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهم الدواعي‬ ‫اإلنسانية‪ .‬ويمكن أن‬ ‫اللسانيات وجعلها علما مؤثرا في سائر العلوم‬ ‫وجه‬
‫التي تجعل من آراء دي سوسير حدثا في العناصر التالية‪.‬‬
‫‪ - 2‬نشأة املنهج الوصفي بديل عن املقارنة والتأريخ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنسانية بأفكار دي سوسير‪ ،‬وكان من ثمار ذلك بروز املنهج الوصفي الذي ينظر‬ ‫تأثر ت العلوم‬
‫اللسانية على ّأنها بناء متكامل بين عناصر ومجموعة وظائف ّ‬
‫ّ‬
‫موزعة بينها وال قيمة‬ ‫إلى الظواهر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وامتد هذا املنهج إلى األدب واألنتروبولوجيا وسائر‬ ‫ألي عنصر إال من خالل وظيفته الشكلية‪.‬‬
‫ّ‬
‫البنيوية بين تلك‬ ‫اإلنسانية‪ :‬فكل ظاهرة هي بنية مترابطة وال ّبد من وصف العالقات‬
‫ّ‬ ‫العلوم‬
‫يهمنا منه الظروف التار ّ‬
‫يخية‬ ‫األدبي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫العناصر‪ .‬بصرف النظر عن تاريخ الظاهرة‪ .‬فمثال‬
‫ّ‬
‫النص بنية مترابطة‬ ‫تفسر اختيارات كاتبه بل ّ‬
‫يهمنا اعتبار‬ ‫النفسية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫لنشأته وال الجوانب‬
‫النص وقيمته في ذاته ال في عالقته بتاريخ الكاتب أو ّ‬
‫نفسيته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ذات عناصر متشابكة فننظر إلى‬

‫‪14‬‬
‫النص الثالث ‪:‬‬

‫مبادئ فرديناند دو سوسيراللسانية‬


‫املنهجية التي ّ‬
‫قدمها دي‬ ‫ّ‬ ‫‪- 1‬اآلنية و الزمانية ‪ (synchronie/diachronie):‬من ّ‬
‫أهم االقتراحات‬
‫ّ‬
‫اللسانيات‬ ‫ّ‬
‫اللسانية‪ .‬لقد كانت‬ ‫سوسير اقتراح مفهوم ّ‬
‫اآلنية كنمط جديد من أنماط الدراسة‬
‫تهتم فقط بتاريخ اللغة واملقارنة بين اللغات‪ .‬فاقترح أن نضيف منهجا جديدا يقوم مالحظة‬ ‫قبله ّ‬
‫يهمنا أن ننظر في مراحل ّ‬
‫تطور كلمة‬ ‫نظام اللغة اآلن ودون حاجة ملعرفة تاريخ ّ‬
‫تطوره‪ .‬فمثال ال ّ‬
‫صوتيا مثل ّ‬
‫تطور واو القسم وانتقال هذا الحرف إلى باء القسم بل يعنينا دور هذا الحرف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معينة‬
‫جر يرتبط بمجرور‪ .‬وال ّبد من التأكيد أن دي سوسير‬ ‫ّ‬
‫العربية باعتباره حرف ّ‬ ‫ّ‬
‫حاليا في نظام اللغة‬
‫ال يقيم تناقضا بين املنهجين الزماني واآلني بل يجعلهما متقابلين فال ينفي أحدهما اآلخر‪ .‬فهو‬
‫ّ‬ ‫السطحي الذي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫يقول‪ّ " :‬‬
‫األمورأنه يجب أن نختار إحداهما‬ ‫يتعمق في باطن‬ ‫يخيل إلى الناظر‬
‫ألنهما ال تتنافيان ّ‬
‫البتة "‪[ .‬دي‬ ‫دون األخرى‪ .‬والواقع ّأن مثل هذا الخيار ليس باألمر الضرور ّي ّ‬
‫سوسير‪ ،‬ص‪]147‬‬
‫‪ - 2‬اللغة والكلم‪ :‬نالحظ ّأن جميع املتكلمين يشتركون في معرفة اللغة ّ‬
‫لكن ّ‬
‫كل فرد منهم يمكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوية بعدين ‪ :‬أحدهما اجتماعي ويتعلق‬ ‫أن ينجز ما يشاء من أقوال‪ .‬هذا ما يجعل للظاهرة‬
‫مؤسسة قائمة على االتذفاق الجماعي ال يمكن الحد أن ّ‬
‫يغيرها‬ ‫بالنظام املشترك هو عبارة عن ّ‬
‫جماعي‪ّ .‬أما الثاني ففردي ويتعلق بقدرة كل فرد‬
‫ّ‬ ‫أو يضيف إليها قاعدة أو كلمة جديدة إال باتفاق‬
‫على استغالل ذلك النظام للتواصل‪ .‬فمثال جميعنا يدرك قوانين اللغة العربية مثل بنية [املبتدأ‬
‫‪+‬الخبر] لكن ال يمكن لجميع األفراد أن ينتجوا نفس الجمل واألقوال لو طلب منهم الحديث عن‬
‫نفس األمر‪ .‬يشير دي سوسير ّأن دورة الكالم بين متكلمين (أ) و(ب) تجعلهما متفقين على مبادئ‬
‫ّ‬
‫للتواصل لها طابع اجتماعي ال يمكن لهما تغييره ّأما ما يقوله كلواحد منهما فهو اجتهاد شخص ّي‬
‫االجتماعي‪ .‬وقد ّأدى القول ّ‬
‫بأن اللغة نظام اجتماعي إلى جملة من‬ ‫ّ‬ ‫ال يخرج عن ذلك النظام‬
‫ّ‬
‫السيميائية أي‬ ‫االقتضاءات أبرزها ّأن اللغة نظام من التواصل يندرج ضمن علم ّ‬
‫أعم هو علم‬
‫ّ‬
‫الشكلي‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات هو الطابع‬ ‫األهم في اختصاص‬‫ّ‬ ‫علم الدالئل‪ .‬كما أدذى إلى اعتبار الجانب‬
‫الصوتي في كالم الفرد‪" :‬وهكذا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإننا إذ نفصل اللغة‬ ‫الفيزيائي‬ ‫املجرد من نظام اللغة ال الطابع‬

‫‪15‬‬
‫ّ‬
‫فردي؛ ثانيا ما هو‬ ‫اجتماعي ّ‬
‫عما ما هو‬ ‫ّ‬ ‫عن اللفظ (الكالم) نفصل في اآلن نفسه‪ّ :‬أوال ما هو‬
‫عما هو ثانو ّي وعرض ّي بدرجة من الدرجات ‪[ ." :‬دي سوسير‪ ،‬ص‪]34‬‬
‫جوهر ّي ّ‬
‫أهمها‪ّ :‬‬
‫ثنائية‬ ‫اللغوية عند دي سوسير بجملة من الخصائص ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 3‬العلمةاللغوية‪ّ :‬‬
‫تتميز العالمة‬
‫ّ‬
‫اعتباطيةالعالقة بين الدال واملدلول‪ّ .‬أما املبدأ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للدال ومبدأ‬ ‫الدال واملدلول‪ ،‬الطابع الخطي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للدال فيرتبط بالطابع السمعي للعالمة فحين نقول "كتاب" أو "طاولة"‬ ‫الثاني فهو الطابع الخطي‬
‫ّ‬
‫من املستحيل أن ننطق بكل األصوات في نفس اللحظة فال ّبد أن يتتابع النطق بشكل خطي صوتا‬
‫ّ‬
‫الخطي نجده مثال عندما ّ‬
‫نغير ترتيب األصوات (أمل) إلى‬ ‫بعد صوت‪ .‬والدليل على هذا البعد‬
‫سمعية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإنه يجري في الزمن وحده وله بالتالي‬ ‫(ألم) يقول دي سوسير ‪":‬ملا كان الدال ذا طبيعة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خصائص الزمنفهو يمثل امتدادا ويمكن أن نقيس هذا االمتداد من حيث بعد واحد هو الخط"‪.‬‬
‫ّ‬
‫السمعية للكلمة التي يلتقطها السامع(دال)‬ ‫تعني ّ‬
‫ثنائية الدال واملدلول االرتباط بين الصورة‬
‫ّ‬
‫الصوتية‬ ‫ّ‬
‫الذهنية التي يلتقطها السامع ويربطها بتلك األصوات(مدلول) فمثال الصورة‬ ‫والصورة‬
‫ّ‬
‫الثنائية‪ .‬لكن لو‬ ‫(أمل) ترتبط بذلك الشعور بالتفاؤل كما نفهمه‪ .‬فكل عالمة قائمة على هذه‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫تصورنا كلمة (مأل) فهذا اللفظ ال يدل على ّأيمعنى ولذلك ال يمكن اعتباره داال وال يمكن أن‬
‫ّ‬
‫لغوية‪ّ .‬أما املبدأ الثالث فهو عدم وجود عالقة ضرورّية بين الدال واملدلول‬
‫يتحول إلى عالمة ّ‬
‫ّ‬
‫فاملجموعة اتفقت بمحض الصدفة على اعتبار األلفاظ (أمل) ّ‬
‫تدل على الشعور بالتفاؤل‬
‫تل على الشعور بالوجع‪ .‬لكن كان يمكن أن يكون األمر بالعكس ألن الصورة‬ ‫واأللفاظ (ألم) ّ‬
‫ّ‬
‫الذهنية وبال منطق ضروري يجعل تلك‬ ‫ّ‬
‫اعتباطيا بالصورة‬ ‫ّ‬
‫السمعية) مرتبطة‬ ‫ّ‬
‫األكوستيكية (‬
‫الصورة الصوتية ملتحمة باملعنى والدليل على ّ‬
‫ذلكأننا يمكن أن نجد نفس الصورة الصوتية‬
‫ّ‬
‫تمثل داال يرتبط بمعنى " ّ‬
‫األجلية" في‬ ‫مرتبطة بدليلين مختلفين بين لغتين ‪ :‬مثال كلمة » ‪« car‬‬
‫ّ‬
‫االنجليزية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية ومعنى "السيارة" في‬
‫‪ - 4‬اللسانيات الداخلية و للسانيات الخارجية‪ّ :‬‬
‫يميز دي سوسير بين دراسة اللغة في ذاتها‬
‫ّ‬
‫اللسانيات التي تدرس فقط‬ ‫آني وبين دراسة اللغة في عالقتها بسائر الظواهر ‪.‬‬ ‫ولذاتها بمنهج ّ‬
‫ّ‬
‫اللسانيات التي تدرس اللغة في عالقتها بسائر‬ ‫داخلية‪ّ .‬أما‬
‫ّ‬ ‫يسميها لسانيات‬‫موضوع اللغة ّ‬
‫افية اللغات ّ‬
‫جية مثل جغر ّ‬‫اللسانيات الخار ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتوزعها بين البشر‬ ‫فيسميها‬ ‫الظواهر الخارجة عنها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعية‪.‬‬ ‫اللسانيات‬ ‫النفسية أو‬ ‫اللسانيات‬ ‫أو‬

‫‪16‬‬
‫السياقية‪ :‬في دراسة تركيب الجملة يالحظ دي سوسير ّأن‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬العلقات الجدولية والعلقات‬
‫كل كلمة ّإما أن ّ‬
‫تعوض بكلمات أخرى لها نفس الدور أو أن تكون مرتبطة بما قبلها وما بعدها‬ ‫ّ‬
‫من كلمات‪ .‬فمثال هذه الجملة‪" :‬كتب الشاعر قصيدة‪".‬‬
‫جدولية مع كلمات أخرى يمكن أن ّ‬
‫تعوضها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل كلمة ترتبط بعالقات‬
‫كل كلمة مع ما قبلها وما بعدها من كلمات‪ .‬فكلمة‬ ‫ّ‬
‫السياقية فتعني عالقة ّ‬ ‫ّأما العالقات‬
‫سياقيا بالفعل (كتب) وباالسم (قصيدة) وهذا السياق هو الذي ّ‬
‫يحدد معناها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشاعر ترتبط‬
‫ّ‬
‫السياقية بسياق‬ ‫بنيويا إذا قارّنا هذه العالقات‬
‫يمكننا أن ندرك الفرق بين قيمة الفعل كتب ّ‬
‫آخر مختلف في مثل هذه الجملة املختلفة (كتب للا عليكم الصيام) حيث تختلف عالقات‬
‫السياقية ّ‬
‫فتؤدي إلى معنى جديد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الفعل‬
‫السؤال ‪ :‬بين أثر املبادئ السوسيرية في اللسانيات األوروبية و املدارس التي نشأت عن ذلك‬
‫املناقشة ‪:‬‬
‫من املالحظ ّأن دي سوسير لم يستعمل مصطلح "البنية" فلم يشر إلى هذا املفهوم باسمه‬
‫ّ‬
‫التصور مثل الشكل والنظام والعالقات‬ ‫ّ‬
‫تصب دالالتها في نفس‬ ‫بل استعمل مصطلحات أخرى‬
‫واآلنية‪ .‬وهذا ما دفع جورج مونان إلى القول إلى ّأن دي سوسير"بنيو ّي دون أن يعلم ّأنه كذلك"‪.‬‬
‫ّ‬
‫أسست ّ‬
‫كل املبادئ‬ ‫لكن ذلك ال ينقص من فضل دي سوسير شيئا فمن الثابت ّأن دروسه ّ‬
‫ّ‬
‫ومنهجيا في مجال العلوم‬ ‫الضرورّية ووضعت األسس الضرورّية ملفهوم البنية وكانت حدثا ّ‬
‫علميا‬
‫ّ‬
‫البنيوية‬ ‫اإلنسانية ّ‬
‫تسبب في نشأة الكثير من املدارس‪ .‬ويمكن أن نالحظ ارتباط أكثر املدارس‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫األروبية بتفصيل مبادئ دي سوسير‪ .‬ونحص ي مثال ّ‬
‫أهم هذه املدارس‪:‬‬
‫ّ‬
‫التمييزية عند دي‬ ‫اهتمت بمبدأ اعتبار اللغة شكال ال ّ‬
‫مادة وبمفهوم القيمة‬ ‫‪ - 1‬مدرسة براغ‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫املهتم‬ ‫ّ‬
‫الصوتمية‬ ‫ّ‬
‫الشكلي من األصوات سببا في تأسيس علم‬ ‫سوسير ‪ .‬فكان تركيزها على الجانب‬
‫ّ‬
‫التمييزية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصوتمية والقيمة‬ ‫بمفاهيم الصوتم والسمات‬
‫كل عنصر داخل نظام‬‫اهتمت بوظيفة التواصل في اللغة وبوظيفة ّ‬ ‫ّ‬
‫الوظائفية‪ّ :‬‬ ‫‪ - 2‬املدرسة‬
‫ّ‬
‫الثنائي‪(.‬لفاظم وصواتم)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫واهتمت بنظام الجملة الشكلي القائم على التقطيع‬ ‫اللغة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫اهتمت بتمييز ديسوسير بين الشكل ّ‬
‫واملادة وبين الدال واملدلول‬ ‫‪ - 3‬مدرسة الغلوسيماتيك‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫اللغوية فأعادت صياغته في مبادئ شبه ر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ياضية‪.‬‬ ‫الشكلي من العالمة‬ ‫وركزت على الجانب‬
‫ّ‬
‫وبكيفية‬ ‫ّ‬
‫اللغوية‬ ‫ّ‬
‫الذهني من العالمة‬ ‫ّ‬
‫النظامي‬ ‫اهتمت بالجانب‬ ‫ّ‬
‫النظامية‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫النفسية‬ ‫‪ - 4‬املدرسة‬
‫خاصة ّ‬
‫ثنائيتي الدال‪/‬املدلول واللغة والكالم‪.‬‬ ‫تحققه في الكالم‪ .‬فاستحضرت ّ‬‫ّ‬

‫ّ‬
‫البنيوية بين مختلف العناصر في الجملة‬ ‫ّ‬
‫السياقية‬ ‫‪ - 5‬النحو البنيو ّي عند تنيار‪ّ :‬‬
‫اهتم بالعالقات‬
‫نحوية و عالقات ّ‬
‫بنيوية ّ‬
‫داللية‪.‬‬ ‫بنيوية ّ‬
‫واستخلص وجود ضربين‪ :‬عالقات ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه املنزلة التي ّ‬
‫للسانيات الحديثة ينبغي أن ال تحجب عنا جملة من‬ ‫تبوأها وجعلته أبا‬
‫االحترازات ّ‬
‫أهمها‪:‬‬
‫لكنه لم يكن يقصد هذا التأسيس‪ ،‬فقد ّ‬ ‫للبنيوية ّ‬
‫ّ‬ ‫املؤسس ّ‬
‫ألول‬ ‫يمثل دي سوسير ّ‬ ‫ّ‬
‫عبر عن آرائه‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫ولعله لم يكن ّ‬
‫يقدر ما أحدثته من تأثير عظيم‪ .‬فهو لم‬ ‫في شكل دروس نشرها تالمذته بعد وفاته‬
‫ّ‬ ‫يستعمل مصطلح البنية ّ‬
‫وإنما ّ‬
‫األساسية‪ .‬هذا ما دفع جورج مونان إلى‬ ‫مهد له بجملة من املبادئ‬
‫القول " ّإن دي سوسير بنيو ّي دون أن يعلم ّأنه كذلك‪".‬‬
‫ّ‬
‫تمثل ّ‬ ‫األروبية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نظرية متكاملة أو مدرسة‬ ‫لكنها ال‬ ‫للبنيوية‬ ‫‪ -‬تمثل مبادئ دي سوسير أساسا متينا‬
‫علمي ّ‬ ‫ولعل تلك اآلراء كانت نتيجة ّ‬
‫بديهية لسياق ّ‬ ‫ّ‬
‫مستقلة‪ّ .‬‬
‫مهد ألفكاره‪ ،‬ولذلك يرى جورج مونان‬
‫اللسانيات ّأنه لم يكن وحيدا في صحراء‪ .‬بل امتدادا لنزعة تستعيد مشروع نحو‬
‫ّ‬ ‫في كتابه تاريخ‬
‫بورويال في تأسيس قوانين ّ‬
‫عامة للغات‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫النص الرابع ‪:‬‬

‫األسلوبية ( شارل بالي )‬


‫أسس علم‬ ‫لألسلوبية قديما عند العالم السويسر ّي فرديناند دي سوسير‪ ،‬الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫كانت البداية‬
‫ليؤسس هذا املنهج‪ ،‬وهو شارل بالي ‪– 1865‬‬ ‫اللغة الحديث‪ ،‬وفتح املجال أمام أحد تالميذه ّ‬
‫ّ‬
‫األسلوبية هي األداة‬ ‫ّ‬
‫األلسنية‪ ،‬وأصبحت‬ ‫‪19477‬م فوضع علم األ ّ‬
‫سلوبية كجزء من املدرسة‬
‫األسلوبية من الناحية التار ّ‬
‫يخية‬ ‫ّ‬ ‫الجامعة بين علم اللغة واألدب‪ ،‬وبذلك فقد ارتبطت نشأة‬
‫ارتباطا واضحا بنشأة علوم اللغة الحديثة‪.‬‬
‫ّ‬
‫األسلوبي سرعان ما نبذوا‬ ‫ألن الذين ّ‬
‫تبنوا وصايا بالي في التحليل‬ ‫األسلوبية أن تتالش ى ّ‬
‫ّ‬ ‫كادت‬
‫ّ‬
‫الوضعي فقتلوا وليد بالي في مهده‪،‬‬ ‫األسلوبي بشحنات ّ‬
‫التيار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنسانية ووظفوا العمل‬ ‫ّ‬
‫العلمانية‬
‫ّ‬
‫األسلوبية بعد عام‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية ج‪ .‬ماروزو‪ ،‬ولكن الحياة عادت إلى‬ ‫ومن أبرز هؤالء في املدرسة‬
‫‪1960‬م حيث انعقدت ندوة ّ‬
‫عاملية بجامعة آنديانا بأمريكا عن(األسلوب) ألقى فيها ر‪ .‬جاكبسون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محاضرته حول‬
‫األلسنية‬ ‫واإلنشائية فبشر يومها بسالمة بناء الجسر الواصل بين‬ ‫األلسنية‬
‫واألدب ‪.‬‬
‫ّ‬
‫األلسنية واقتناعا بمستقبل‬ ‫ّ‬
‫األلسنيون اطمئنانا في سنة ‪1965‬م إلى ثراء البحوث‬ ‫وازداد‬
‫ّ‬
‫الروسيين مترجمة إلى‬ ‫ّ‬
‫الشكليين‬ ‫ّ‬
‫املوضوعية عندما أصدر ت‪.‬تودوروف أعمال‬ ‫حصيلتها‬
‫ّ‬
‫الفرنسية‪.‬‬
‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫مبادئ‬
‫ّ‬
‫االختيار‬
‫أهم مبادئ علم األسلوب ّ‬ ‫وهو من ّ‬
‫ألنه يقوم عليه تحليل األسلوب عند املبدع‪ ،‬ويقصد بها‬
‫العملية التي يقوم بها املبدع عندما يستخدم لفظة من بين العديد من البدائل املوجودة في‬ ‫ّ‬
‫اختيار”‪ ،‬وقد ّ‬
‫يسمى‬ ‫معجمه فاستخدام هذه اللفظة من بين سائر األلفاظ هو ما يسمى “ ّ‬
‫“استبدال” أي ّإنه استبدل بالكلمة القريبة منه غيرها ملناسبتها للمقام واملوقف ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ّ‬
‫الركنية”‪ ،‬ويقصد‬ ‫يسمى بـ”محور التوزيع” أو “العالقات‬ ‫ّ‬
‫ويتصل بهذا املبدأ ش يء آخر هو ما ّ‬
‫ّ‬
‫العملية‬ ‫بها تنظيم‪ ،‬وتوزيع األلفاظ املختارة وفق قوانين اللغة‪ ،‬وما تسمح به من ّ‬
‫تصرف‪ ،‬وهذه‬
‫هي التي ّ‬
‫يسميها جاكبسون‪ :‬إسقاط محور االختيار على محور التوزيع‪.‬‬
‫العدول‬
‫سماه ابن ّ‬
‫جن ّي قديما‪ ،‬أو كما ّ‬
‫سماه جاكبسون “خيبة‬ ‫ّ‬
‫ويسمى “االنزياح”‪ ،‬أو “االنحراف” كما ّ‬
‫حتى ّ‬
‫سماه بعضهم “علم االنحرافات”‬ ‫خاصة في علم األسلوب ّ‬
‫أهم ّية ّ‬
‫االنتظار”‪ ،‬ولهذا املبدأ ّ‬

‫وهذا املبدأ ينطلق من تصنيف اللغة إلى نوعين ‪:‬‬


‫مثالية معيارّية ّ‬
‫نمطية متعارف عليها‪.‬‬ ‫‪ - 1‬لغة ّ‬

‫إبداعية مخالفة للنمط املعيار ّي السابق‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 2‬لغة‬
‫فالعدول هو‪ :‬مخالفة النمط املعيار املتعارف عليه إلى أسلوب جديد غير مألوف عن طريق‬
‫ويتضح في هذا التعبير شرط يضبط هذا العدول‬ ‫استغالل إمكانات اللغة وطاقاتها الكامنة ‪ّ ،‬‬
‫الحد املقبول وهو أن يكون العدول في حدود ما تسمح به قواعد اللغة‪ ،‬وكذلك‬ ‫حتى ال يخرج عن ّ‬ ‫ّ‬
‫يجب أن يكون هذا العدول ذا فائدة فليس العدول غاية في ذاته ّإنما املقصود منه إثارة السامع‬
‫ّ‬
‫وحفزه على التقبل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية ومناهجها‬ ‫اتجاهات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعبيرية ‪ :‬ويقصد بها طاقة الكالم الذي يحمل عواطف املتكلم وأحاسيسه حيث‬ ‫األسلوبية‬ ‫‪-1‬‬
‫بكم كبير من الدالالت التي يظهر أثرها على ّ‬ ‫ّ‬
‫املتلقي‪ ،‬وهي‬ ‫املتكلم يحاول أن يشحن كلماته ّ‬ ‫ّإن‬
‫ّ‬ ‫يسميها البعض‪ّ ،‬‬ ‫الدوال خدمة للمدلوالت كما ّ‬‫ّ‬
‫ويعد بالي رائدا لهذا االتجاه‪.‬‬ ‫ظاهرة تكثيف‬
‫البنائية ‪ :‬وهي امتداد آل اء سوسير في التفريق بين “اللغة”‪ ،‬و”الكالم” كما ّ‬
‫تعد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫‪-2‬‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫البنائيون في بعض الجوانب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الوصفية‪ ،‬وفقد طور‬ ‫ّ‬
‫التعبيرية‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫امتدادا ملذهب بالي في‬
‫ّ‬
‫األدبية ‪ ،‬وهنا يكون التحليل‬ ‫وتالفوا بعض جوانب النقص عند سابقيهم حيث عايشوا الحركة‬
‫ًّ‬
‫شعوريا ‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫عضويا‬ ‫األسلوبي خاضعا لتفسير العمل ّ‬
‫الفن ّي باعتباره كائنا‬ ‫ّ‬

‫‪20‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االتجاه يعنى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص‪ ،‬ويبني‬ ‫اللغوية في‬ ‫بالكم‪ ،‬وإحصاء الظواهر‬ ‫اإلحصائية ‪ :‬وهذا‬ ‫األسلوبية‬ ‫‪-3‬‬
‫األدبي ّ‬
‫ّ‬ ‫تفرد ّ‬ ‫ّ‬
‫االتجاه إذا ّ‬ ‫أحكامه بناء على نتائج هذا اإلحصاء‪ّ .‬‬
‫حقه‬ ‫فإنه ال يفي الجانب‬ ‫ولكن هذا‬
‫ّ‬ ‫األدبي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وإنما يحسن هذا االتجاه إذا‬ ‫والتفرد في العمل‬ ‫الخاص‪،‬‬ ‫ألنه ال يستطيع وصف الطابع‬
‫ّ‬
‫األسلوبية األخرى ‪.‬‬ ‫كان ّ‬
‫مكمال للمناهج‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الذاتية في النقد‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العلمية‪ ،‬ويتحاش ى‬ ‫يتحرى الدقة‬‫اإلحصائي أسهل طريق ملن ّ‬
‫ّ‬ ‫ويبقى ّأن املنهج‬
‫ّ‬
‫موضوعية الناقد أي بعد أن‬ ‫فيجب أن يستخدم هذا املنهج كوسيلة لإلثبات‪ ،‬واالستدالل على‬
‫ّ‬
‫النص‪.‬‬ ‫النص باملناهج األخرى التي تبرز جوانب ّ‬
‫التميز في‬ ‫ّ‬ ‫نتعامل مع‬
‫ّ‬
‫األدبي على ثالث مراحل هي‪:‬‬ ‫ّ‬
‫الفيلوجية ‪ :‬وهو منهج يقوم بدراسة العمل‬ ‫‪ - 4‬منهج الدائرة‬
‫تتكرر‬ ‫حتى يعثر على سمة ّ‬
‫معينة في األسلوب ّ‬ ‫مرة ّ‬
‫مرة بعد ّ‬ ‫ّ‬
‫النص ّ‬ ‫األولى‪ :‬أن يقرأ الناقد‬
‫ّ‬
‫مستمرة‪.‬‬ ‫بصفة‬
‫السيكلوجية التي ّ‬
‫تفسر هذه السمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخاص ّية‬ ‫الثانية‪ :‬يحاول الناقد أن يكتشف‬
‫ّ‬
‫العقلية‪.‬‬ ‫لينقب عن مظاهر أخرى لبعض الخصائص‬ ‫النص ّ‬
‫ّ‬ ‫الثالثة‪ :‬يعود ّ‬
‫مرة أخرى إلى‬
‫مرة ّ‬ ‫ّ‬
‫ويعد سبتزر‪ّ ،‬أول من‬ ‫مرة بعد ّ‬ ‫ّ‬
‫النص ّ‬ ‫فهذه املراحل الثالث تشكل في هيئتها الدوران حول‬
‫ّ‬
‫طبق هذا املنهج على أعمال ديدرو ورواية شارل لويس‪.‬‬
‫ويعرف‬ ‫ّ‬
‫العادية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية عن اللغة‬ ‫ّ‬
‫أسلوبية االنزياح ‪ :‬وهي تقوم على مبدأ انزياح اللغة‬ ‫‪-5‬‬
‫الجيد هو الذي‬‫األسلوب على ّأنه انزياح عن املعيار املتعارف عليه‪ ،‬فهم يعتقدون ّأن األسلوب ّ‬
‫ّ‬
‫االعتيادية على اختالفهم في مدى هذا االنحراف‪ ،‬واالنزياح‬ ‫ّ‬
‫األصلية‪ ،‬وطريقتها‬ ‫ينحرف عن اللغة‬
‫طبقه أهل الحداثة في أدبهم‪ ،‬واملعتدل‬‫كل قواعد اللغة‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫فمنهم من يدعو إلى الخروج عن ّ‬
‫منهم يقول‪ّ :‬إن االنزياح يكون في حدود قواعد اللغة حيث يكون اإلبداع بسلوك طرق جديدة‬
‫ّ‬
‫ويسميها كوهمين “االنتهاك” حيث‬ ‫لكنها ال تخالف قواعد اللغة أي النحو ‪،‬‬ ‫غفل عنها اآلخرون‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫املثالي في اللغة وانتهاكه‪.‬‬ ‫ّإن املبدع يعتمد في إبداعه على اختراق املستوى‬
‫ّ‬
‫واملضموني‪ ،‬ويسعى‬ ‫ّ‬
‫الشكلي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫األدبي بجانبيه‬ ‫ّ‬
‫األدبية ‪ :‬وهي تعنى بدراسة األسلوب‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫‪-6‬‬
‫ّ‬
‫االتجاه إلى اكتشاف الوظيفة ّ‬
‫ّ‬
‫األدبي‪ ،‬وذلك عن طريق التكامل‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫الفن ّية للغة‬ ‫أصحاب هذا‬

‫‪21‬‬
‫ّ‬
‫اللساني‪ .‬وهذا هو‬ ‫الوصفي اللغو ّي‬
‫ّ‬ ‫الجمالي الذي ّ‬
‫يهتم به الناقد‪ ،‬والجانب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األدبي‬ ‫بين الجانب‬
‫يهتم باملعنى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫االتجاه اللغو ّي الذي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذي ّ‬
‫وإنما بالشكل والصياغة‪.‬‬ ‫يميز هذا االتجاه عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االتجاه على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص عليه‬ ‫املتلقي‪ ،‬وقياس تأثيرات‬ ‫وينصب اهتمام هذا‬ ‫التأثرية ‪:‬‬ ‫األسلوبية‬ ‫‪-7‬‬
‫ّ‬
‫النص من خالل‬ ‫الحق في توسيع دالالت‬ ‫من خالل استجابته‪ ،‬وردود فعله‪ ،‬حيث ّإن ّ‬
‫املتلقي له ّ‬
‫تجربته هو]‪.[34‬‬
‫ّ‬
‫األسلوبية والبلغة ‪:‬‬
‫هناك أوجه ّاتفاق كثيرة بين علم األسلوب‪ ،‬وعلم البالغة كما توجد أوجه اختالف‪ّ ،‬‬
‫ولعل‬
‫ّ‬
‫الوقوف على هذه الفروق يوضح لنا ويجلي مدى العالقة‪ ،‬واالتصال بين علم األسلوب والبالغة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فأما أوجه االتفاق فهي كما يأتي ‪:‬‬
‫ًّ‬
‫‪ّ - 1‬إن كال منهما نشأ منبثقا من علم اللغة وارتبط به‪.‬‬
‫‪ّ - 2‬إن مجالهما واحد وهو اللغة واألدب‪.‬‬
‫‪ - 3‬علم األسلوب استفاد كثيرا من مباحث البالغة مثل علم املعاني‪ ،‬واملجاز‪ ،‬والبديع‪ ،‬وما‬
‫ّ‬
‫الفردية‪.‬‬ ‫ّيتصل باملوازنات بين الشعراء وأساليبهم‬
‫ّ‬
‫األسلوبية هما‪ :‬العدول واالختيار‪.‬‬ ‫‪ - 4‬كما ّأنهما يلتقيان في ّ‬
‫أهم مبدأين في‬
‫ّ‬
‫األسلوبية مع البالغة‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية وريثة البالغة‪ ،‬وهي أصل لها ‪ ،‬و تلتقي‬ ‫‪ - 5‬يرى بعض ّ‬
‫النقاد ّأن‬
‫النص ال ّ‬
‫يتجزأ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نظرية النظم‪ ،‬حيث ال فصل بين الشكل‪ ،‬واملضمون كما ّأن‬ ‫مع ّ‬
‫ّ‬
‫واألسلوبية تعتمد على “املوقف”‪ ،‬وواضح ما بين‬ ‫‪ - 6‬البالغة تقوم على “مراعاة مقتض ى الحال”‪،‬‬
‫املصطلحين من تقارب‪.‬‬
‫ّأما أوجه االختالف فهي على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪-1‬علم البالغة علم لغو ّي قديم‪ّ ،‬أما علم األسلوب فحديث‪.‬‬
‫األسلوبية ّ‬
‫فإنها تدرس مسائلها بطريقتين‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-2‬البالغة تدرس مسائلها بعيدا عن الزمن والبيئة‪ّ ،‬أما‬
‫أ ‪ -‬طريقة ّ‬
‫أفقية‪ :‬أي عالقات الظواهر بعضها ببعض في زمن واحد‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫تطور الظاهرة الواحدة على ّ‬
‫مر العصور‪.‬‬ ‫أسية‪ :‬أي ّ‬
‫ب ‪ -‬طريقة ر ّ‬
‫ّ‬
‫النص املدروس‬ ‫فإنها تحاول أن تكشف مدى نجاح‬ ‫النص ّ‬
‫الفن ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 3‬عندما تدرس البالغة قيمة‬
‫األسلوبية ّ‬
‫فإنها‬ ‫ّ‬ ‫التقييمية ‪ّ ،‬أما‬
‫ّ‬ ‫في تحقيق القيمة املنشودة‪ ،‬وترمي إلى إيجاد اإلبداع بوصاياها‬
‫النص ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املميزة له‪.‬‬ ‫خواص‬ ‫اإلبداعية بعد إثبات وجودها وإبراز‬ ‫تعلل الظاهرة‬
‫توقفت عند الجملتين ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 4‬من حيث ّ‬
‫كحد أقص ى في دراستها للنصوص‪،‬‬ ‫املادة املدروسة فالبالغة‬
‫ّ‬
‫الجزئية مرتبطة‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية فتنظر إلى الوحدة‬ ‫ّ‬
‫وتجزئها‪ّ .‬أما‬ ‫كما ّأنها تنتقي الشواهد ّ‬
‫الجيدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫النص كامال‪.‬‬ ‫بالنص الكل ّي‪ ،‬وتحلل‬
‫ّ‬
‫األسلوبية فغايتها التشخيص‪ ،‬والوصف‬ ‫تعليمية ترتكز على التقويم‪ّ ،‬أما‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬البالغة غايتها‬
‫للظواهر ّ‬
‫الفن ّية‪.‬‬
‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫واألسلوبية ّيتضح لنا ّأنه ال تعا ض بينهما‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ّ‬ ‫وبعد هذه املقارنة بين البالغة‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫ولكنها ّ‬
‫تقدمت‬ ‫إال على أكتاف البالغة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية لم تنهض‬ ‫استفادت من البالغة كثيرا‪ ،‬بل ّإن‬
‫التقدم ال يصعب على البالغة أن تحوزه إذا ما‬ ‫عليها في مجال علم اللغة الحديث‪ ،‬ولو ّأن هذا ّ‬
‫ّ‬
‫األلسنية عموما‪،‬‬ ‫استفادت من مبادئ‪ ،‬وإجراءات علم اللغة الحديث‪ ،‬وعلم األسلوب‪ ،‬واملناهج‬
‫علمية ثابتة‪ ،‬وقواعد راسخة‪ ،‬وما بذله لها علماء البالغة‬ ‫بل ّإن البالغة‪ ،‬وبما تملكه من إمكانات ّ‬
‫ّ‬
‫النظريات السابقة إذ ما التزمت‬ ‫ّ‬
‫متطورة تفوق ّ‬
‫كل‬ ‫قديما وحديثا قادرة على خلق ّ‬
‫نظرية حديثة‬
‫ّ‬
‫الجرجاني‬ ‫قدمه عبد القاهر‬ ‫العلمي الحديث‪ ،‬ويظهر هذا في ما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التطور‬ ‫بأساسها‪ ،‬واستفادت من‬
‫بنظريته املشهورة التي قفزت بالبالغة إلى درجات لم تصل إليها اللغات األخرى‬ ‫ّ‬ ‫للبالغة من ّ‬
‫تطور‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إال في هذا العصر‪ ،‬فلو وجدت البالغة من يكمل املسير الذي سار عليه عبد القاهر ملا تأخرت‬
‫ّ‬ ‫العربية وأهلها‪ّ .‬‬
‫وإن ّ‬ ‫ّ‬
‫أي علم يتخلف عن‬ ‫في هذا العصر‪ ،‬وبقيت تحت مرمى سهام الحاقدين على‬
‫وتقدمها ّ‬
‫تطور العلوم‪ّ ،‬‬‫مواكبة ّ‬
‫فإنه يتقادم‪ ،‬ويذبل أمام بهرجة الحديث‪ ،‬وإغرائه خصوصا إذا‬
‫ّ‬ ‫وجد من ّ‬
‫يتبناه من الباحثين‪ ،‬والعلماء املتمكنين‪.‬‬
‫د سهام طالب علي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية مبادئ واتجاهات‬

‫‪23‬‬
‫السؤال ‪ :‬قد تقييما لألسلوبية على ضوء النص‬
‫املناقشة ‪:‬‬
‫ّ‬
‫األسلوبية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وسلبيات‪ ،‬وهذا ينطبق أيضا على‬ ‫ّ‬
‫إيجابيات‬ ‫ّ‬
‫نقدي‬ ‫لكل منهج‬‫ال غرو أن يكون ّ‬
‫ّ‬
‫األدبي قراءة‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫ّ‬
‫وبنيوية‪ ،‬يمكن استثمارها في دراسة‬ ‫ّ‬
‫شكلية‬ ‫ّ‬
‫منهجية‬ ‫باعتبارها مقاربة‬
‫األسلوبية ّأنها بالغة جديدة‪ ،‬تمتح مفاهيمها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إيجابيات‬ ‫واستكشافا واستجالء‪ .‬ومن ث َّم‪ ،‬فمن‬
‫ّ‬
‫والتداوليات‪ ،‬والبالغة‪ ،‬والنقد‬ ‫ّ‬
‫والشعرية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التطبيقية‪ ،‬من‬ ‫ّ‬
‫النظرية‪ ،‬وتستعير ّ‬
‫آلياتها‬
‫ّ ّ‬ ‫األدبي كما ّ‬
‫الشكلي والبنيو ّي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لسانية‪ ،‬تتسم بطابعها‬ ‫منهجية ّ‬
‫نقدية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫تعد‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫وأهم ما تتسم به‬ ‫املوضوعية بشكل من األشكال‪.‬‬ ‫العلمية‬ ‫ومن ث ّم‪ ،‬فهي تميل إلى‬
‫النقدية األخرى ّأنها تدرس األسلوب بنية‪ ،‬وداللة‪ ،‬ووظيفة‪ ،‬وتعنى ّ‬
‫بأدبية‬ ‫ّ‬ ‫باملقارنة مع املناهج‬
‫بتنوعها‪ .‬كما تصف‬ ‫واإلبداعية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوية‬ ‫ّ‬
‫األدبي‪ ،‬وتصف األساليب‬ ‫بآليات التجنيس‬ ‫وتهتم ّ‬
‫النص‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تداولية‪.‬‬ ‫تركيبية‪ ،‬أم ّ‬
‫داللية‪ ،‬أم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صرفية‪ ،‬أم‬ ‫ّ‬
‫صوتية‪ ،‬أم‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية البارزة‪ ،‬سواء أكانت‬ ‫الظواهر‬
‫ّ‬
‫والنص‪ ،‬والقارئ‬ ‫املنهجية على األسلوب فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫تهتم بالكاتب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية في مقاربتها‬ ‫وال تقتصر‬
‫األدبي‪ ،‬في ضوء معطيات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للنص‬ ‫ّ‬
‫اللساني‬ ‫األسلوبية هي الوصف‬ ‫ّ‬ ‫حد سواء‪ .‬ومن هنا‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫على ّ‬
‫يخي‪ ،‬قد انتقلت من‬ ‫األسلوبية‪ ،‬في مسارها التار ّ‬‫ّ‬ ‫وشكلية‪ .‬أضف إلى ذلك‪ّ ،‬أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولسانية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بنيوية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واستقالليته‪ ،‬وانسجامه‪،‬‬ ‫األدبي في فرادته‬ ‫النص‬ ‫املؤلف‪ ،‬واملبدع إلى دراسة‬ ‫التركيز على ِ‬
‫املوضوعية ( ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص(‪ ،‬ومن الطابع النفس ّي‪،‬‬ ‫املؤلف( إلى‬ ‫ِ‬ ‫(‬ ‫ة‬ ‫الذاتي‬ ‫من‬ ‫انتقلت‬ ‫‪:‬‬‫أي‬ ‫‪.‬‬ ‫ساقه‬ ‫وات‬
‫ّ‬
‫والبنيوية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والسيميائية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫واإلحصائية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اللسانية‪،‬‬ ‫بخصوصياته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمي‬ ‫والتعبير ّي إلى الطابع‬
‫ّ‬
‫يتوضح مجالها‬ ‫ّ‬ ‫يتحدد بدقة‪ ،‬ولم‬ ‫ّ‬ ‫األسلوبية ّأن موضوعها لم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سلبيات‬ ‫ب ْيد ّأن من ّ‬
‫أهم‬
‫ّ‬
‫اللسانيات‪،‬‬ ‫األسلوبية مع مجموعة من املعارف‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫كاف؛ نظرا إلى تداخل‬ ‫التخصص ّي بشكل ٍ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫األسلوبية لم‬ ‫األدبي… ويعني هذا ّأن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والسيميائيات‪ ،‬والنقد‬ ‫ّ‬
‫والشعرية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والتداوليات‪،‬‬ ‫والبالغة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‪.‬‬ ‫الخاصة في التعامل مع الظواهر‬ ‫ومنهجيتها‬ ‫تحدد بدقة موضوعها‪ ،‬ومجال اكتمالها‪،‬‬
‫تؤرقها‪ ،‬هي املواضيع نفسها التي‬ ‫ويضاف إلى هذا‪ّ ،‬أن املفاهيم التي تشتغل عليها‪ ،‬واملواضيع التي ّ‬
‫ّ‬
‫والتخصصات األخرى‪.‬‬ ‫تناولتها العلوم‬

‫‪24‬‬
‫ّ‬
‫وقضية االنزياح‪ ،‬والحقيقة‬ ‫ّ‬
‫األدبية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫األدبية‪ ،‬وتقعيد األجناس‬ ‫ّ‬
‫قضية‬ ‫وإذا أخذنا‪ ،‬مثال‪،‬‬
‫ّ‬
‫والبنيوية‬ ‫ّ‬
‫الشعرية‪،‬‬ ‫البالغية‪ ،‬فهي االهتمامات نفسها التي ّ‬
‫اهتمت بها‬ ‫ّ‬ ‫واملجاز‪ ،‬والصور‬
‫ًّ‬
‫لسانيا‬ ‫ّ‬
‫والتداوليات… عالوة على هذا‪ ،‬فالتركيز كثيرا على األسلوب‬ ‫ّ‬
‫والسيميائيات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اللسانية‪،‬‬
‫ّ‬
‫االنطباعية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وشكلية‪ ،‬تخلو من املتعة‬ ‫وكم ّية‪،‬‬ ‫يحول الدراسة إلى وثيقة ّ‬
‫علمية‪ّ ،‬‬ ‫وإحصائيا ّ‬
‫ًّ‬
‫ّ‬
‫األولوية لألسلوب على حساب الداللة‬ ‫ّ‬
‫الذوقية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تعطي‬ ‫ّ‬
‫الجمالية‬ ‫وتفتقر إلى‬
‫واملرجع‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويخصصه‬ ‫ًّ‬
‫أسلوبيا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫عما ّ‬
‫يميز‬ ‫نظرية وتطبيق‪ ،‬والهدف منها هو البحث ّ‬ ‫األسلوبية ّ‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫األسلوبية‪ ،‬وتبيان طبيعة‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫تهتم باستكشاف خصائص‬ ‫ّ‬
‫ألسلوبية ّ‬ ‫وجماليا‪ .‬بمعنى ّأن‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫فن ّيا‬
‫مكونات هذه األساليب فهما‪ ،‬وتفسيرا‪ ،‬وتأويال‪ .‬أي‪ :‬ربط‬ ‫النص‪ ،‬وتحديد ّ‬ ‫ّ‬ ‫األساليب املوظفة في‬
‫وجماليا‪ ،‬مع تحديد رؤية الكاتب إلى العالم في ضوء‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫وفكريا‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫نفسيا‪،‬‬ ‫األسلوب بآثا ه في ّ‬
‫املتلقي‬ ‫ر‬
‫مكونات الكالم من‪ :‬أصوات‪،‬‬ ‫األسلوبية تسعى إلى دراسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسلوبه‪ .‬ويضاف إلى هذا ّأن املقاربة‬
‫ومقاطع‪ ،‬وكلمات‪ ،‬وجمل‪ ،‬وعبارات‪ ،‬وربطها بمجموعة من املقصديات املباكرة وغير املباكرة‪.‬‬
‫النص بالكاتب نفسه طبق مقولة بوفون‪“ :‬األسلوب هو‬ ‫ّ‬ ‫كما ّأن الهدف منها هو ربط أسلوب‬
‫ّ‬
‫والشعرية‪،‬‬ ‫باللسانيات‪ ،‬والبالغة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الكاتب نفسه”‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يمكن االستعانة‬
‫ًّ‬
‫أسلوبيا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫األدبي‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫وجمالية ّ‬
‫التلقي‪ ،‬في مقاربة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتداوليات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والسيميائيات‪،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫املتميزة التي‬ ‫ّ‬
‫التقنية‬ ‫الخاصة‪ّ ،‬‬
‫وآلياته‬ ‫ّ‬ ‫األدبي يمتلك أساليبه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫ويعني هذا كله ّأن‬
‫ّ‬
‫تخصصه عن النصوص األخرى‪ .‬ومن ث َّم‪ ،‬فهناك حاجة ماسة إلى تبيان تلك األساليب املوظفة‪،‬‬
‫الفن ّية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يمكن دراسة ّ‬
‫املكونات‬ ‫جمالياتها ّ‬
‫ّ‬ ‫وتحديد خصوصياتها‪ ،‬واستكشاف‬
‫النص كما يرى ذلك رومان جاكبسون‪ ،‬وال يقتصر األمر على دراسة ّ‬
‫املكونات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االستبدالية في‬
‫والتركيبية فقط‪ ،‬بل ال ّبد من دراسة البعد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الداللية‬ ‫التركيبية كما يرى ريفاتير دراسة ّ‬
‫املكونات‬ ‫ّ‬
‫النص في ّ‬
‫املتلقي أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية التي يحدثها‬ ‫ّ‬
‫الوجداني الذي يحمله األسلوب‪ ،‬أو استخالص اآلثار‬
‫القارئ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫املنهجية التي تتمثل في قراءة‬ ‫األسلوبية على مجموعة من الخطوات‬ ‫وعليه‪ ،‬تعتمد‬
‫ّ‬
‫الشعرية التي تنبني على محوري‬ ‫ّ‬
‫الجمالية‪ ،‬أو‬ ‫بنية‪ ،‬وداللة‪ ،‬وسياقا‪ ،‬مع استكشاف الوظيفة‬
‫ّ‬
‫االستبدال )الداللة)‪ ،‬واملجاورة )التركيب‪ ،‬أو النحو(‪ ،‬وجرد العديد من األساليب التي يوظفها‬
‫‪25‬‬
‫الخاصة التي ّميز‬
‫ّ‬ ‫ومقصدية‪ ،‬والبحث عن األساليب‬ ‫ّ‬ ‫املبدع‪ ،‬أو الكاتب بنية‪ ،‬وتركيبا‪ ،‬وداللة‪،‬‬
‫ثم وصف‬ ‫ّ‬
‫باللسانيات تارة‪ ،‬واإلحصاء تارة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫الكاتب عن باقي ّ‬
‫الكتاب اآلخرين‪ ،‬مع االستعانة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‪ ،‬والبحث عن بنياته االستبدالية‬ ‫األدبي في كشف خصوصياته‬ ‫النص‪ ،‬أو املؤلف‬
‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫ّ‬
‫والتداولية‪ .‬كما تتخطى‬ ‫ّ‬
‫والداللية‬ ‫ّ‬
‫اللسانية‬ ‫ّ‬
‫والتركيبية‪ ،‬وتبيان مختلف وظائفها‬
‫األدبي إلى استكشاف النفس‪ ،‬والحياة‪ ،‬والعالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫االستقراء البنيو ّي الداخلي للنص أو املؤلف‬
‫واللساني إلى الخارج النفس ّي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األسلوبية قد تنتقل من الداخل البنيو ّي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واإليديولوجيا‪ .‬بمعنى ّأن‬
‫السيكولوجية‪ ،‬أو االجتماع ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باألسلوبية‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬ضمن ما ّ‬
‫يسمى‬ ‫ّ‬

‫أسلوبيا نقوم بجرد املعجم اللغو ّي‪ ،‬وتحديد حقوله‬


‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫وعلى العموم‪ ،‬حينما نريد تحليل‬
‫املوضوعاتية املتواترة عبر ّ‬
‫عمليات اإلحصاء‪ّ ،‬‬
‫ثم دراسة أنواع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‪ ،‬واستكشاف كلماته‬
‫امي – أسلوب حوار ّي –‬
‫سردي – أسلوب در ّ‬‫ّ‬ ‫األساليب املستخدمة )أسلوب شاعر ّي – أسلوب‬
‫ثم‬ ‫ّ‬
‫السخرية – التهجين – التنضيد)‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫البوليفونية –‬ ‫املنولوج – األسلوب غير املباشر ّ‬
‫الحر –‬
‫ّ‬
‫الشعبية)‪ ،‬وجرد‬ ‫تبيان طبيعة اللغة ومستوياتها) الفصحى – الدارجة – اللغة الثالثة – اللهجات‬
‫ّ‬
‫البالغية ) صورة املشابهة – صورة املجاورة – صورة الرؤيا – صورة العالمة –‬ ‫أنواع الصور‬
‫ّ‬
‫والصرفية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الصوتية‪،‬‬ ‫صورة التآلف – صورة االختالف)‪ ،‬مع رصد االنزياحات‪ ،‬واالنحرافات‬
‫بكل ّ‬
‫مكوناته‪ ،‬وأنواعه‪ ،‬ووظائفه‪ ،‬وبنياته‬ ‫ثم دراسة الوصف ّ‬ ‫ّ‬
‫‪،‬واإليقاعية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫والتركيبية‬ ‫ّ‬
‫والداللية‪،‬‬
‫ّ‬
‫األسلوبي‪ ،‬نصل إلى مرحلة‬ ‫والتركيبية… وبعد ّ‬
‫عملية التحليل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والنحوية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والصرفية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الزمنية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملرجعية‪ .‬أي‪:‬‬ ‫الداللية‬ ‫بخصوصيات األسلوب‪ ،‬وفرادته‪ ،‬وأبعاده‬ ‫استخالص النتائج املتعلقة‬
‫ّ‬
‫واملقصدية‪.‬‬ ‫نحلل األسلوب في ضوء محطات ثالث‪ :‬البنية‪ ،‬والداللة‪،‬‬
‫ّ‬
‫األدبي إلى فقرات‪ ،‬أو مقاطع‪ ،‬أو متواليات‪ ،‬أو محاور‬ ‫ّ‬ ‫هذا‪ ،‬وقبل ذلك‪ّ ،‬‬
‫النص‪ ،‬أو العمل‬ ‫نوزع‬
‫التوقف عند مستويات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معينة‪ .‬فحينما ندرس الشعر‪،‬‬ ‫للقراءة‪ ،‬فندرسها بشكل كل ّي‪ ،‬من خالل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والبالغي‪،‬‬ ‫ثم التركيب النحو ّي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الصرفية‪ّ ،‬‬ ‫مثال‪ ،‬نركز على الصوت‪ ،‬واإليقاع‪ ،‬والتنغيم‪ ،‬فاملقاطع‬
‫عمليات ّ‬ ‫ّ‬
‫التلفظ‪ ،‬والبناء املعمار ّي‬ ‫التوقف أيضا عند ّ‬ ‫ّ‬
‫املعجمية‪ ،‬ويمكن‬ ‫والتداولي‪ّ ،‬‬
‫ثم الداللة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫السردية املوظفة‪،‬‬ ‫للنص‪ ،‬أو العمل‪ .‬وحينما ند س السرد‪ ،‬فال ّبد من اإلشا ة إلى ّ‬
‫تعدد األساليب‬ ‫ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الحر‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ننتقل‬‫مثل ‪:‬األسلوب املباشر‪ ،‬واألسلوب غير املباشر‪ ،‬واألسلوب غير املباشر ّ‬
‫ّ‬
‫إلى تحديد طبيعة اللغة‪ ،‬لرصد أنواع سجالتها‪ ،‬وتعداد وظائفها‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ّ‬
‫املتعددة في‬ ‫ويمكن د اسة بنية الزمن ترتيبا‪ّ ،‬‬
‫ومدة‪ ،‬وتواترا‪ .‬ونرصد أيضا وجهات النظر‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫عالقتها بوظائف الراوي‪ ،‬مع تحديد ّ‬
‫مكونات الوصف من خالل التوقف عند مجموعة من‬
‫ّ‬
‫السردية‪.‬‬ ‫الصور‬
‫ّ‬
‫النص‪ ،‬أو العمل الدر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫امي‪ ،‬مع‬ ‫املتعددة املوظفة في‬ ‫وعلى مستوى املسرح‪ ،‬ندرس األساليب‬
‫ّ‬
‫سجالتها تنضيدا‪ ،‬وتهجينا‪ ،‬وأسلبة‪ ،‬دون أن ننس ى ّ‬
‫عمليات‬ ‫تحديد طبيعة اللغة‪ ،‬وذكر أنواع‬
‫ّ‬
‫التواصلي‪ ،‬وطبيعة‬ ‫ّ‬
‫العاملية‪ ،‬والنظام‬ ‫ّ‬
‫الرشحية‪ ،‬والبنية‬ ‫اجية‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬
‫التلفظ‪ ،‬واإلشارات اإلخر ّ‬
‫ّ‬
‫والحجاجية…‬ ‫ّ‬
‫البالغية‬ ‫ّ‬
‫املسرحي‪ ،‬والصور‬ ‫التركيب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫هيرومنطقية )الشرح‪،‬‬ ‫األسلوبية هي دراسة كل ّية من جهة‪ ،‬ودراسة‬
‫ّ‬ ‫ويتبين لنا من هذا كله ّأن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وداللية‪.‬‬ ‫األسلوبية مقاربة ّ‬
‫شكلية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والتفسير‪ ،‬والتأويل) من جهة أخرى‪ ،‬تبحث عن املعنى‪ .‬أي‪ّ :‬إن‬
‫ّ‬
‫اللسانيات‬ ‫ّ‬
‫التخصصات‪ ،‬كمفاهيم‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية مفاهيم مجموعة من‬ ‫وبصفة ّ‬
‫عامة‪ ،‬تستثمر‬
‫ّ‬
‫النص – التجنيس)‪،‬‬ ‫أدبية‬ ‫ّ‬
‫الشعرية ) ّ‬ ‫)الصوت – الصرف – املعجم _ التركيب(‪ ،‬ومفاهيم‬
‫النص املوازي )عتبات الداخل والخارج(‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التداوليات) ّ‬
‫نظرية أفعال الكالم(‪ ،‬ومفاهيم‬ ‫ّ‬ ‫ومفاهيم‬
‫ّ‬
‫البديعية‪(….‬‬ ‫ّ‬
‫واملحسنات‬ ‫ّ‬
‫البالغية‪،‬‬ ‫ومفاهيم البالغة )الصور‬
‫ّ‬
‫األسلوبية‪،‬‬ ‫أهم مجال للدراسة‬‫املنهجي‪ ،‬يقول صالح فضل‪“ :‬أحسب ّأن ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفي هذا السياق‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫األدبي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫املتخيل‬ ‫األدبية‪ ،‬ال ّبد من أن يتعلق ببناء شبكة‬
‫ّ‬ ‫عندما تنصب على تحليل خواص اللغة‬
‫التخييلية املستغرقة للنصوص‬‫ّ‬ ‫عبر تحليل أشكال املجاز‪ ،‬وأنساق الصور‪ ،‬وتكوينهما للبنى‬
‫ّ‬
‫التصو ّرية الكل ّية لألعمال‬
‫ّ‬ ‫النوعي لت ّ‬
‫قنيات التعبير‪ ،‬وتوليدها لألبنية‬ ‫ّ‬ ‫بأكملها‪ ،‬فمثل هذا التحليل‬
‫األدبية‪ ،‬ومحاولة اإلمساك بالطوابع‬ ‫ّ‬ ‫الجزئية في النصوص‬‫ّ‬ ‫األدبية‪ ،‬هو الكفيل بتجاوز الخواص‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعندئذ تصبح ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعددة ّ‬
‫مجرد‬ ‫األسلوبية‬ ‫عمليات التقاط الظواهر‬ ‫ٍ‬ ‫املميزة ألساليبها الكل ّية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خطوة إجر ّ‬
‫املتعددة‪،‬‬ ‫النقدي الكفيل بالربط بين مستويات التعبير‬ ‫ائية‪ ،‬ال تكتمل إال بالتحليل‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫وسنرى فيما بعد ّأن الدراسة ّ‬
‫تصورا كل ًّيا ملا يطلق عليه بمكعب‬ ‫التداولية التي وضعت‬ ‫النص ّية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية في نسق التحليل الكل ّي للنصوص‬ ‫النص ّية‪ ،‬تفسح مجاال واضحا للبحوث‬ ‫البنية‬
‫األسلوبية إلى دراسة النصوص‪ ،‬والخطابات‪ ،‬واألعمال‬ ‫ّ‬ ‫األدبية‪ .]37 [”.‬وعليه‪ ،‬تستند املقاربة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملقصدية‪ ،‬مع استثمار‬ ‫األدبية بالتوقف عند ثالث محطات رئيسة هي‪ :‬البنية‪ ،‬والداللة‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫ّ‬
‫الصرفي‪ ،‬واملستوى‬ ‫ّ‬
‫واإليقاعي‪ ،‬واملستوى‬ ‫ّ‬
‫الصوتي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التحليلية‪ ،‬كاملستوى‬ ‫مجموعة من املستويات‬
‫ّ‬
‫املناص ّي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التناص ّي‪ ،‬واملستوى‬ ‫ّ‬
‫التداولي‪ ،‬واملستوى‬ ‫ّ‬
‫الداللي‪ ،‬واملستوى‬ ‫ّ‬
‫التركيبي‪ ،‬واملستوى‬
‫ّ‬
‫املرجعي…‬ ‫الوصفي‪ ،‬واملستوى املعمار ّي‪ ،‬واملستوى‬
‫ّ‬ ‫واملستوى‬
‫ّ‬
‫الغربية منذ أواخر القرن التاسع‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية قد ظهرت في الثقافة‬ ‫مما سبق ذكره‪ّ ،‬أن‬ ‫ّ‬
‫تبين لنا‪ّ ،‬‬
‫بتعدد مدارسها وفروعها‪ ،‬والهدف من ذلك هو وصف الخصائص‬ ‫اللسانيات ّ‬
‫ّ‬ ‫عشر‪ ،‬قبل ظهور‬
‫ّ‬
‫والجمالية‪ ،‬وتبيان‬ ‫مميزاته ّ‬
‫الفن ّية‪،‬‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬باستكشاف ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫ّ‬
‫األدبي‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية داخل األثر‬
‫ّ‬
‫األسلوبية من معطف البالغة‬ ‫ووجدانيا‪ .‬ومن ث َّم‪ ،‬فقد خرجت‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫املتلقي ًّ‬
‫ذهنيا‪،‬‬ ‫أثر ذلك في‬
‫ّ‬
‫والسيميائيات… ومن ث َّم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والتداوليات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والشعرية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اللسانيات‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫منهجيا مع‬ ‫املعيارّية لتتشابك‬
‫ّ‬
‫الغربية بمراحل أربع‪:‬‬ ‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫فقد ّ‬
‫مرت‬
‫ّ‬
‫األسلوبية‬ ‫مرت‬ ‫ّ‬
‫النص‪ ،‬ومرحلة القارئ‪ ،‬ومرحلة السياق‪ .‬في حين‪ّ ،‬‬ ‫مرحلة الكاتب‪ ،‬ومرحلة‬
‫ّ‬
‫العربية بمجموعة من املراحل املتداخلة‪ ،‬واملتشابكة التي يمكن تحديدها في مرحلة البيان‪،‬‬
‫ومرحلة املعاني‪ ،‬ومرحلة البديع‪ ،‬ومرحلة النظم‪ ،‬ومرحلة املحاكاة والتخييل… ومن هنا‪،‬‬
‫ّ‬
‫الهيرمونيطيقي‪ .‬أي‪:‬‬ ‫فاألسلوبية ال تقتصر على الشكل فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫تتعداه إلى الفهم‪ ،‬والتفسير‬ ‫ّ‬
‫تجمع بين الشكل واملعنى‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النص الخامس‬

‫االتجاه الوظيفي في اللسانيات‬


‫ُ‬
‫هذه‬
‫تعود بدايات الوظيفية في اللغة في الدرس اللساني الحديث إلى مدرسة (براغ) حيث تعد ِ‬
‫املدرسة منشأ الوظيفية وسميت بالوظيفية ألن الباحث فيها يحاول أن يكتشف ما إذا كانت‬
‫الوحدات اللغوية التي يحتوي عليها النص تؤدي وظيفة في التبليغ أم ال تؤدي‪ ،‬أي أنه يبحث في‬
‫الوحدات التي لها أثر في التمييز بين املعاني‪.‬‬
‫ومن أهم مبادىء هذه املدرسة‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتبار اللغة جهازا وظيفيا‪ ،‬ونظاما له وسائل تعبيرية تؤدي وظائفها بين امللقي واملتلقي‪.‬‬
‫‪ -2‬إن وظيفة اللغة األساسية هي التواصل‪.‬‬
‫‪ -3‬يعد املعنى مقياسا في تحليل النصوص اللغوية (تتغير املعاني بتغير االلفاظ)‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويجمع الوظيفيون أن الوظيفة األساسية للغة هي التواصل ويربطون بين النظام اللغوي‬
‫وكيفية استعمال هذا النظام‪ ،‬وأن طريقتهم في تعليم اللغة تستند إلى أسس منها‪:‬‬
‫‪ -1‬عالقة اللغة باملجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬املتعلم ال يخضع ملؤثرات خارجية بوصفه فردا‪ ،‬بل انسان له قدراته‪.‬‬
‫‪ -3‬غاية تعليم اللغة هي جعل املتعلم يمتلك قدرة تواصلية‪ ،‬أي قدرة على استعمال اللغة في‬
‫سياق تواصلي ألداء نوايا تواصلية معينة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الوحدة األساسية في اللغة هي الخطاب‪ ،‬وليس الجملة املعزولة عن سياقها النص ي ‪،‬‬
‫فالتعلم الوظيفي هو الذي يبنى انطالقا من تحليل الجمهور واملحيط االجتماعي الثقافي الذي‬
‫يعيش فيه املتعلم‪ ،‬والحاالت التي يتفاعل فيها بغيره‪ ،‬واألدوار االجتماعية التي أسندت إليه مهمة‬
‫القيام بها‪ ،‬والوظائف اللغوية التي ينبغي أن يكون قادرا على أدائها‪ ،‬وقد عرفه العزاوي‪:‬تعليم‬
‫اللغة وظيفيا‪ :‬إذا وجهت نشاطات املعلم ‪ ،‬واملتعلم نحو تحقيق الغايات األربع‪:‬‬
‫‪ -1‬فهم اللغة مكتوبة عند القراءة‪.‬‬
‫‪ -2‬فهم اللغة حين استقبالها منطوقة عند االستماع‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -3‬التكلم معبرا عن األفكار واملشاعر عند الحديث‪.‬‬
‫‪ -4‬رسم اللغة املعبرة عن األفكار والخواطر كتابة‬
‫إن تعليم اللغة ينبغي له أن يستند إلى أساس وظيفتها في الحياة‪ ،‬فاللغة منطوقة أو مكتوبة‬
‫لها وظيفة أساسية هي تيسير عملية االتصال بين أفراد املجتمع اإلنساني ‪ ،‬والبداية األولى في‬
‫ّ‬
‫اتجاه تعليم اللغة وظيفيا هي تحديد أهداف كل نشاط يتعلق باللغة على أن يكون ذا ٍ‬
‫صلة‬
‫بالغايات االربع أعاله‪ ،‬والخطوة الثانية‪ :‬هي التخطيط بعناية لتحقيق تلك االهداف‪ ،‬والخطوة‬
‫الثالثة هي التطبيق العملي أي التدريس الفعلي‬
‫يمثل التعليم في املراحل األولى ركنا أساسيا من أركان إعداد املتعلم للحياة‪ ،‬وتأهيله للتعامل‬
‫شك في أن أي خطة دراسية ال‬ ‫مع البيئة بصورة تسمح له باكتساب خبراتها ومعارفها‪ .‬وليس من ٍ‬
‫ّ‬
‫يمكن لها أن تحظى بالنجاح إال بإعداد الوسائل العملية الواضحة‪،‬التي من شأنها أن تفي‬
‫بأغراض هذه الخطة‪ ،‬وأن يتمكن املتعلم من االملام بما تضمنته جوانبها من ألوان املعرفة‬
‫املختلفة ‪ ،‬وتقع اللغة من هذه الوسائل موقعا فريدا‪ ،‬فاللغة في املراحل األولى من التعليم ليست‬
‫مادة دراسية فحسب ولكنها الوسيلة األساسية لدراسة املواد األخرى واستيعابها‪.‬‬
‫إبراهيم خليل عباس‬
‫التعلم الوظيفي للغة‬
‫السؤال ‪ :‬ابحث عن خصائص الوظيفية في اللسانيات و تقسيماتها‬
‫املناقشة ‪:‬‬
‫خصائص الوظيفية في اللسانيات ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعد النظرية الوظيفية اللغة وسيلة للتواصل أي نسقا رمزيا يؤدي مجموعة من الوظائف‬
‫أبرزها وظيفة التواصل‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2‬القدرة عند الوظيفيين هي معرفة املتكلم بالقواعد التي تمكنه من تحقيق االغراض‬
‫التواصلية بواسطة اللغة‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذه‬
‫‪ -3‬تعتمد النظرية الوظيفية أن بنية اللغة الطبيعية ال ترصد خصائصها إال إذا ربطت ِ‬
‫البنية بوظيفة التواصل‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4‬يفرد الوظيفيون للغة وظائف متعددة ‪ ،‬لخصها ( جاكوبسون) في ست وظائف هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الوظيفة املرجعية‪.‬‬
‫‪ -2‬الوظيفة االنفعالية‪.‬‬
‫‪ -3‬الوظيفة الطلبية‪.‬‬
‫‪ -4‬الوظيفة الشعرية‪.‬‬
‫‪ -5‬الوظيفة التنبيهية‪.‬‬
‫‪ -6‬الوظيفة اللغوية الواصفة‬
‫واللغة العربية إحدى اللغات الحية في العالم والتي تستند في أصالتها بوصفها لغة القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬كذلك هي لغة فريدة في أصواتها وتراكيبها‪ ،‬إن تعليم اللغة العربية يرتبط بصورة‬
‫أساسية بموضوعاتها‪ ،‬وكيفية استعمالها من الم تعلمين لها في الحياة اليومية في مختلف‬
‫املستويات والبيئات‪ ،‬ويلحظ أن هناك قصورا في الواقع التعليمي في التعامل مع هذه‬
‫االشكاليات‪ ،‬حيث سعة املادة العلمية وغزارتها دون تحقيق األثر املرجو عند املتعلم ‪ ،‬وضعف‬
‫ّ‬
‫مواكبة املادة العلمية لواقع الحياة املحيطة باملتعلم‪ ،‬وقد لخص االستاذ عبد الرحمن الحاج‬
‫صالح هذه االشكالية في‪:‬‬
‫‪ -1‬العناية والتركيز على الخطابات اليومية‪ ،‬واللغة الشفوية كون املتعلم يعاني ضعفا في القدرة‬
‫سته لذلك التعبير في الواقع التربوي اليومي‪.‬‬
‫على التعبير الشفاهي نتيجة ضعف ممار ِ‬
‫‪ -2‬العناية بحاجات املتعلم وذلك باالعتماد على حوارات ونصوص واقعية من البيئة التي يعيش‬
‫فيها ‪.‬‬
‫بوصفه يولي الوظيفة التواصلية للغة‬
‫ِ‬ ‫لذلك تتأتى أهمية االتجاه الوظيفي في النحو العربي‪،‬‬
‫عناية كبيرة‪ ،‬ويربط ذلك بالواقع االجتماعي‪ ،‬مما يجعل دراسة اللغة دراسة حية وعملية‪ ،‬ويعد‬
‫ُ‬
‫النحو الوظيفي من أهم االنحاء التي تعنى بالجانب الوظيفي لقواعد اللغة العربية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫النص السادس‬

‫املدارس اللسانية الوظيفية‬


‫على الرغم من اختالف املدرسة الوظيفية ‪ functionalism‬عن املدرسة البنيوية في كثير من‬
‫القضايا فإنها _ مثلها في ذلك مثل املدرسة التوليدية‪ -‬تمثل اتجاها متفرعا عن البنيوية‪ .‬ولذا‬
‫فإن بعض اللسانيين يرون أن البنيوية هي اإلطار العام الذي يشمل معظم –إن لم يكن كل‪-‬‬
‫االتجاهات التي ظهرت في القرن العشرين‪.‬‬
‫وتتميز املدرسة الوظيفية من غيرها من املدارس اللسانية"باعتقادها أن البنى الصياتية‪،‬‬
‫والقواعدية‪ ،‬والداللية محكومة بالوظائف التي تؤديها في املجتمعات التي تعمل فيها"‪،‬وفي ذلك‬
‫خروج عن املبدأ الواضح الذي أرساه دو سوسور‪ ،‬وتبعه في ذلك البنيويون من أن البنى اللغوية‬
‫ينبغي أن تدرس في حد ذاتها بغض النظر عن العناصر الخارجة عن اللغة بوصفها نظاما مجردا‬
‫مستقال‪ ،‬وتتلخص وجهة النظر الوظيفية في صعوبة الفصل بين البنية اللغوية‪ ،‬والسياق الذي‬
‫تعمل فيه‪ ،‬والوظيفة التي تؤديها تلك البنية في السياق‪.‬‬
‫وتعد مدرسة براغ ‪ Prague School‬أفضل من يمثل االتجاه الوظيفي في دراسة اللغة‪ ،‬وقد‬
‫نشأت هذه املدرسة في أحضان حلقة براغ اللسانية ‪ Prague Linguistic Circle‬التي أسسها‬
‫اللساني التشيكي فاليم ماثيوس ‪ Vilem Mathesius (1882-1945).‬ولم تقتصر املدرسة‬
‫الوظيفية في عضويتها على اللسانيين املقيمين في براغ فقط بل شملت أيضا غيرهم ممن يقيمون‬
‫في بقاع أخرى‪ ،‬وكانوا يشاركون املدرسة أصولها‪ ،‬وأفكارها األساسية‪ .‬وبعد وفاة ماثيوس قام‬
‫لسانيون آخرون أبرزهم بيتر سغال‪ ، Petr Sgall‬وإيفا هاجيكوفا ‪ Eva Hajicova‬اللذان حافظا‬
‫على مدرسة براغ في أحلك الظروف التي مرت بها إبان الحكم الشيوعي‪ ،‬وقد نجحا في إحياء حلقة‬
‫براغ اللسانية رسميا في نوفمبر ‪ 1992‬بعد سقوط الشيوعية بثالث سنوات‪ .‬اشتهر مؤسس‬
‫املدرسة ماثيوس بما يعرف بالنظرة الوظيفية للجملة‪ ،‬وهي التي سنناقشها في الفقرة التالية‪.‬‬
‫‪- 1‬النظرة الوظيفية للجملة‪:‬‬
‫تعد النظرة الوظيفية للجملة ‪ functional sentence perspective‬امتدادا للمناقشة‬
‫التقليدية الحامية التي كانت تحدث في نهاية القرن التاسع عشر حول ثنائية املوضوع‪، subject‬‬
‫واملحمول‪ ، predicate‬وكان ألستاذ الفلسفة في براغ أنتون مارتي ‪ Anton Marty‬الذي كانت‬

‫‪32‬‬
‫أفكاره مؤثرة في نشأة مدرسة براغ نشاط بارز في هذه املناقشة‪ .‬وقد عبر ماثيوس عن أفكاره في‬
‫شكل ثنائيات متمايزة تتعلق بالطرفين األساسيين للجملة‪ ،‬وتأثير كيفية ترتيبهما في الوظيفة التي‬
‫تؤديها الجملة‪ .‬وهذه الثنائيات هي ثنائية املوضوع‪ ، topic‬والتعليق‪ ، comment‬أو البؤرة ‪focus‬‬
‫ّ‬
‫وثنائية املتقدم‪ ، theme‬واملتأخر‪ ، rheme‬وثنائية املسلمة‪ ، given‬واإلضافة ‪ new.‬فاملتقدم هو‬
‫الش يء املتحدث عنه الذي يفترض املتكلم معرفة املخاطب له‪ ،‬واملتأخر هو الجزء املتمم للجملة‬
‫ّ‬
‫الذي يضيف إلى معلومات املخاطب السابقة معلومات جديدة تتصل باملتقدم‪ ،‬واملسلمة هي ما‬
‫يقدمه املتكلم من معلومات يدركها السامع من مصدر ما في املحيط (أي املقام‪ ،‬أو النص‬
‫السابق)‪ ،‬واإلضافة ما يقدمه املتكلم من معلومات ال يدركها السامع من مصادر أخرى‪،‬ففي‬
‫الجملتين‪:‬‬
‫)‪(1‬مؤسس الدولة األموية هو معاوية بن أبي سفيان‬
‫)‪(2‬معاوية بن أبي سفيان هو مؤسس الدولة األموية‬
‫ّ‬
‫والبالغيون) واحد فيهما‪،‬‬ ‫نجد أن املعنى اإلسنادي (أو النسبة الخارجية كما يقول املناطقة‪،‬‬
‫إذ كالهما يفيد أن تأسيس الدولة األموية كان على يد معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وبناء على ذلك‬
‫فهما مترادفان تقريبا‪ ،‬ولكن من الواضح أنهما يستعمالن في سياقيين مختلفين‪ ،‬واختالف‬
‫السياقين يفسر بما يعتقده املتكلم بشأن ما يعرفه املخاطب حول موضوع الجملتين‪ ،‬فكل جملة‬
‫من الجملتين تفترض أن أحد الطرفين يعرفه املخاطب‪ ،‬وهوتأسيس الدولة األموية في الجملة‬
‫األولى‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان في الثانية‪ ،‬وأن الطرف الثاني غير معروف‪ ،‬وهو من أسس الدولة‬
‫األموية في الجملة األولى؟‪ ،‬ومن هو معاوية بن أبي سفيان في الجملة الثانية؟ فاملعلومات التي‬
‫ّ‬
‫يفترض املتكلم أن املخاطب يعرفها تسمى مسلمة‪ ، given information‬واملعلومات التي يضيفها‬
‫تسمى إضافة‪ ،‬أو معلومة جديدة ‪ new information.‬وكما هو واضح فإن بنية كل جملة من‬
‫الجملتين السابقتين محكوم بالوظيفة التي يريد املتكلم أن يؤديها خطابه‪ ،‬ففي (‪ )1‬كانت‬
‫الوظيفة (أي الغرض اإلبالغي) هي اإلعالم بمن أسس الدولة األموية‪ ،‬وفي (‪ )2‬كانت الوظيفة هي‬
‫التعريف بمعاوية بن أبي سفيان‪ .‬إن الفرق األساس ي في معالجة البنيويين‪ ،‬والوظيفيين لهذه‬
‫ّ‬
‫الجملة يتمثل في أن البنيويين يصفونها كما هي في حين أن الوظيفيين يتساءلون عن سبب كونها‬
‫كذلك؛ أي أن البنيويين يحاولون اإلجابة عن كيف‪ ،‬أو ماذا‪ ،‬وأن الوظيفيين يحاولون اإلجابة‬
‫عن ملاذا‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وتختلف اللغات في مدى حرية املتكلم في ترتيب املسند إليه‪ ،‬واملسند‪ ،‬فبينما تتيح العربية‬
‫مثال احتماالت مختلفة بسبب وجود قرينة اإلعراب التي بها نستطيع أن نميز املعلومات املسلمة‬
‫من املعلومات الجديدة‪ ،‬تعد اإلنجليزية من اللغات التي تكون فيها الرتبة مقيدة إلى حد كبير؛‬
‫ولذا فهي تلجأ إلى قرينة التنغيم أكثر من غيرها في تحديد املعلومات املسلمة‪ ،‬واملعلومات‬
‫الجديدة‪ ،‬وقد تلجأ أيضا إلى استخدام صيغة املجهول الذي تتضمن األداة ‪ by‬كما في‬
‫‪The rat was eaten by the cat.‬‬
‫وهو األسلوب الذي يترجم خطأ في العربية بـ الجرذ أكل من قبل القط‪ ،‬وترجمته الصحيحة‬
‫هي الجرذ أكله القط؛ ألن هذه الترجمة تؤدي الوظيفة (أو الغرض البالغي) التي يقصدها املتكلم‪،‬‬
‫وهي إظهار العناية بالجرذ‪ ،‬وليس بالقط ألنه هو موضوع الحديث‪ ،‬وفي الوقت ذاته تحافظ على‬
‫البنية املألوفة في العربية دون اللجوء إلى بنية غريبة مستوردة (وهي "من قبل" في السياق‬
‫املذكور)‪.‬‬
‫وإضافة إلى اإلعراب تؤدي قرينة املطابقة في اللغة العربية‪ ،‬وكذلك اللغة التشيكية مهمة‬
‫التمييز بين الفاعل‪ ،‬واملفعول‪ ،‬وهو ما يتيح للمتكلم اختيار من يقدم أوال الفاعل‪ ،‬أو املفعول‬
‫حتى عند غياب قرينة اإلعراب‪ ،‬وذلك كما في املثال اآلتي‪:‬‬
‫ضربت عيس ى يسرى‬
‫ومن العناصر اللغوية األخرى التي تحدد القديم من الجديد من املعلومات أداة التعريف( كـ‬
‫ال في العربية‪ ،‬و ‪ the‬في اإلنجليزية)‪ ،‬حيث يشير العنصر املرتبط بها إلى ش يء يعرفه املخاطب‪،‬‬
‫أما غيابها‪ ،‬أو وجود أداة التنكير( كالتنوين في العربية‪ ،‬و ‪a‬في اإلنجليزية )فيفيد أن العنصر‬
‫املرتبط بها ال يعرفه املخاطب‪ .‬ومن األمثلة التي يمكن ذكرها هنا قوله تعالى‪:‬‬
‫"ولقد أرسلنا إلى فرعون رسوال‪ ،‬فعص ى فرعون الرسول"‪( .‬القرآن الكريم‪ ،‬املزمل ‪.)73 :16‬‬
‫فقد أشارت كلمة "رسوال" الخالية من أداة التعريف إلى مرجع غير معروف في حين كان دخول‬
‫ال على كلمة رسول الثانية سببا في تحديد املقصود بالرسول‪.‬‬
‫املخاطب هو الذي يقرر أي من املعلومات ينبغي أن يعد من‬
‫ِ‬ ‫ويرى اللسانيون الوظيفيون أن‬
‫املسلمات‪ ،‬وأيها ينبغي أن يعد جديدا‪ ،‬وقد أكد هاليدي ‪ Halliday‬هذه الحقيقة عندما ذهب إلى‬
‫القول بأن "الذي يحدد وضع املعلومة ليس بنية الخطاب بل املتكلم" ومن الوسائل املعينة‬

‫‪34‬‬
‫قولة ما هو أن نجعل القولة جوابا لسؤال‬
‫ملعرفة املعلومة املسلمة من املعلومة الجديدة في ٍ‬
‫نسأله بعد النظر في محتواها الداللي‪ ،‬انظر كيف يمكن أن نعرف املعلومة الجديدة من خالل‬
‫طرح األسئلة في القوالت اآلتية‪:‬‬
‫س‪ -1‬ماذا فعل القط؟‬
‫ج‪ -1‬لقد أكل الجرذ‪.‬‬
‫س‪ -2‬ماذا حدث للجرذ؟‬
‫ج‪ -2‬لقد أكله القط‪.‬‬
‫س‪ -3‬هل الكلب أكل الجرذ؟‬
‫ج‪ -3‬ال‪ ،‬بل القط هو الذي أكل الجرذ‪.‬‬
‫س‪ -4‬هل القط أكل الجرذ؟‬
‫ج‪ -4‬ال‪ ،‬بل الجرذ هو الذي أكله القط‪.‬‬
‫الحظ أن املعلومة املسلمة يشار إليها بالضمير كما في الجواب رقم (‪ )1‬حيث أشير إلى القط‬
‫بالضمير املستتر في "أكل‪".‬‬
‫ويقسم الوظيفيون ما تعورف عليه باملتقدم ثالثة أقسام‪ :‬املتقدم املوضوعي ‪topical‬‬
‫‪ ،theme‬واملتقدم الشخص ي‪ ، interpersonal theme‬واملتقدم النص ي‪ textual theme‬فمثال‬
‫املتقدم املوضوعي القط في نحو "القط أكل الجرذ"‪ ،‬ومثال املتقدم الشخص ي بصراحة في نحو‬
‫"بصراحة‪ ،‬أداؤك ال يعجبني"‪ ،‬ومثال املتقدم النص ي على أية حال في نحو "على أية حال‪ ،‬حاول‬
‫أن تعيد النظر في أدائك‪ ،‬وسترى‪".‬‬
‫‪- 2‬الدراسات الصياتية والصرفية‪:‬‬
‫كان للوظيفيين اهتمام كبير بدراسة األصوات فاق أي اهتمام آخر‪ ،‬وكان لهم الفضل في‬
‫التمييز بين علم األصوات‪ ،‬وعلم الصياتة‪ ،‬وهذا التركيز على الدراسات الصياتية لم يقتصر على‬
‫أتباع مدرسة براغ بل ينطبق أيضا على مدرسة فيرث‪ ،‬والسيما في مراحلها املبكرة ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ولعل من الجدير بالذكر هنا أنه باستثناء اإلسهامات التي قامت بها مدرسة براغ في مجالي‬
‫النظرة الوظيفية للجملة‪ ،‬ونظرية املوضوع‪ ،‬والتعليق املشار إليهما سابقا فإن أفكارهم النحوية‪،‬‬
‫والداللية تجاوزتها التطورات التي قام بها اللسانيون األمريكيون‪ ،‬أما إسهاماتهم في الصياتة فال‬
‫تزال مؤثرة في اللسانيات األمريكية املعاصرة‪ .‬ويعود تطوير النظرية الصياتية إلى رومان‬
‫ياكبسون )‪ Roman Jakobson) (1896-1982‬الذي صاغ فكرة العموميات‪ ، universals‬تلك‬
‫الفكرة التي استفاد منه التوليديون في علم الصياتة التوليدي ‪ generative phonology.‬وفي‬
‫صوغه لفكرة العموميات يعارض ياكبسون دوسوسو‪ ،‬وبواس في زعمهما بوجود نسبية بين‬
‫اللغات‪ ،‬وأن كل لغة لها نظامها الخاص‪ ،‬فقد ذهب إلى القول بوجود اثنتي عشرة سمة مميزة‬
‫موجودة في جميع اللغات‪ .‬وسنرى في الحديث عن املدرسة التوليدية أن إنكار النسبية‪ ،‬والقول‬
‫بالعموميات يوافق األسس التي تقول بها املدرسة التوليدية‪.‬‬
‫وتحدث ياكبسون أيضا عن ضوابط عامة منتظمة تتصل بكيفية اكتساب الطفل بعض‬
‫األصوات‪ ،‬وكيفية فقدها عند اإلصابة بمرض الحبسة ‪ aphasia‬الذي يؤدي إلى العجز عن نطق‬
‫األصوات‪ ،‬ومن بين ما يذكره ياكبسون في هذا املجال أن التمييز بين الصوامت االنفجارية‪،‬‬
‫ّ‬
‫واللثوية‪ ، (/b/‬و ‪/t/‬مثال )يسبق التمييز بين الصوامت اللهوية‪ ،‬واللثوية‪ ، (/k/‬و ‪/t/‬مثال)‪ ،‬وهو‬‫ِ‬
‫ما يفسر املشكلة التي يعاني منها الطفل في نطق الكاف ‪ /k/‬حين يحرفه إلى تاء ‪ /t/.‬ويتعلم‬
‫األطفال الصفات االنفجارية قبل االحتكاكية أما آخر الصوامت التي يميز بينها الطفل فهما الراء‬
‫‪ ،/r/‬والالم ‪ /l/.‬وعندما يفقد اإلنسان القدرة على النطق على نحو تدريجي تكون التمييزات‬
‫األخيرة في تدرج النمو اللغوي عند الطفل أول ما يفقده‪ ،‬فإذا استعاد قدرته على النطق مرة‬
‫أخرى كان ترتيب استعادة النطق معاكسا لترتيب الفقدان‪ ،‬وموافقا للطريقة التي يكتسب بها‬
‫الطفل القدرة على التمييز بين األصوات ابتداء‪.‬‬
‫محمد محمد يونس علي‬
‫املدارس اللسانية‬
‫السؤال ‪ :‬اختر نموذجا من أعمال رواد املدرسة الوظيفية و تحدث عن مفاهيمه بعمق‬
‫املناقشة ‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫وربما كان من أهم إنجازات مدرسة براغ في مجال الدراسات الصياتية ما يسميه اللساني‬
‫الروس ي نيكوالي تروبتسكوي )‪ Nikolai Trubetzkoy (1890-1938‬بالسمات املميزة‬
‫‪distinctive features.‬وعلى الرغم من أن تروبتسكوي‪ ،‬وأتباعه في مدرسة براغ طبقوها على‬
‫التحليل الصياتي ‪ phonological analysis‬فقد طبقها جاكبسون على علم الصرف‪ ،‬وأفاد منها‬
‫النحاة التوليديون‪ ،‬والتحويليون إلى حد كبير‪ ،‬كما أفاد منها علماء الداللة‪ ،‬والسيما في نظرية‬
‫الحقول الداللية‪. semantic fields.‬‬
‫كان تروبتسكوي عضوا في حلقة براغ اللسانية‪ ،‬وعد كتابه مبادئ الصياتة ‪Principles of‬‬
‫‪Phonology‬الذي أكمله قبل وفاته بقليل املصدر األساس ي إليضاح منهجه الوظيفي في دراسة‬
‫األصوات‪.‬‬
‫وأولى تروبتسكوي اهتماما كبيرا بالعالقات االستبدالية بين الصيتات‪ ،‬فوازن بينها معتمدا في‬
‫تمييز بعضها من بعض على السمات التي تميز إحداها من األخرى‪ .‬وأشار إلى أنواع من التقابالت‬
‫التي تقع بين الصيتات نذكر منها‪:‬‬
‫)‪(1‬التقابل الخاص‪ ، private opposition‬وذلك حين يكون املميز بين الصيتتين سمة واحدة‬
‫كما في التقابل بين التاء‪ ،‬والدال اللذين نقول في التمييز بينهما أن الدال ‪/‬د‪ /‬مجهورة‪ ،‬والتاء ‪/‬ت‪/‬‬
‫مهموسة‪.‬‬
‫)‪(2‬التقابل التدرجي‪ ، gradual opposition‬وذلك حين يكون االختالف بين الصيتات ناشئا عن‬
‫سمة التدرج كما في الفرق بين الصيتة القصيرة الكسرة العربية‪ ،‬ومقابلتها األطول ياء املد‪.‬‬
‫)‪(3‬التقابل املتكافئ‪ ، equivalent opposition‬وذلك حين يكون للصيتة سمة مميزة ليست في‬
‫الصيتات األخرى‪ ،‬كما في التاء ‪/‬ت‪ ،/‬والكاف ‪/‬ك‪/.‬‬
‫لم تكن الوظيفة التمييزية ‪ distinctive function‬الوظيفة الوحيدة التي اكتشفها‬
‫تروبتسكوي‪ ،‬وأتباعه‪ ،‬بل ثمة أيضا الوظيفة ّ‬
‫املحددة ‪ demarcative function‬التي تبين الحدود‬
‫ِ‬
‫بين مبنى لغوي‪ ،‬وآخر في السلسلة الكالمية‪ ،‬وتعزز التماسك في املبنى اللغوي الواحد كي يبدو‬
‫موحدا‪ .‬وإذا كانت الوظيفة التمييزية تنشأ عن مقابلة الصيتات بعضها ببعض‪ ،‬فإن الوظيفة‬
‫املحددة تنشأ عن استخدام السمات فوق املقطعية ‪ suprasegmental features‬التي تتعلق‬
‫بسلسلة صياتية مكونة من صيتتين فأكثر‪ ،‬وذلك كالنبر‪ ، stress‬والنغمة‪ ، tone‬والطول ‪length‬‬

‫‪37‬‬
‫فالنبر مثال يميز بين صيغة االسم في الكلمة اإلنجليزية‪ ، import‬وصيغتها الفعلية ‪( import‬حيث‬
‫يكون النبر في االسم على املقطع األول‪ ،‬وفي الفعل على املقطع الثاني)‪ .‬وهناك سببان العتبار هذه‬
‫السمة فوق مقطعية‪ ،‬أو عروضية ‪( prosodic‬كما يحلو للبعض أن يسميها)‪ :‬أوال‪ :‬أن النبر‬
‫مسألة تتعلق بطغيان (أو إبراز لـ) مقطع على املقاطع األخرى التي تشترك معه في املبنى نفسه‪ ،‬أو‬
‫في املباني املصاحبة له‪ .‬وثانيا‪ :‬أن التحقق الصوتي للنبر ال يمكن أن يوصف بأنه سابق‪ ،‬أو الحق‬
‫من الناحية الزمانية للتحقق الصوتي ملا يحاذيه من عناصر صياتية أخرى‪ ،‬وفي هذا يختلف عن‬
‫السمات املقطعية التي يمكن أن نقول فيها ذلك‪ .‬ومن القواعد فوق املقطعية في العربية التي‬
‫يمكن أن تذكر هنا أن املقطع ال يبدأ إال بصامت‪ ،‬وأنه ال يبدأ بصامتين متواليين‪ ،‬وأن النبر يقع‬
‫على نهاية املقطع في الكلمات املكونة من مقطع واحد‪ ،‬وعلى نهاية املقطع الثاني في الكلمات املكونة‬
‫من مقطعين ‪.‬‬
‫وإذا كان التقابل بين الصيتات يعبر عن اختالفها‪ ،‬واختالف معاني الكلمات بناء على ذلك‪ ،‬فإن‬
‫التقابل بين بعض ّ‬
‫التنوعات الصوتية ‪ allophones‬للصية الواحدة قد يكون له وظيفة تعبيرية‬
‫‪ .expressive function‬فكلما ضاقت فتحة الصائتين ‪ /au/‬في لهجة لندن عبر ذلك عن تدني‬
‫مكانة املتكلم االجتماعية‪ ،‬وكذا فإن نطق الضاد داال عند النساء في مصر (كما في كلمة‬
‫" ّ‬
‫تفضل") يعبر عن جنس املتكلم‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫النص السابع ( نص مساعد ) ‪:‬‬

‫التقطيع املزدوج ألندري مارتيني‬


‫يعد مارتيني الوظيفة التواصلية الوظيفية األساسية للغة بين أفراد املجتمع اللغوي‪ ،‬وهذه‬
‫الوظيفة تؤديها اللغة باعتبارها مؤسسة إنسانية رغم اختالف بنيتها من مجتمع لغوي إلى آخر‪،‬‬
‫فهي الوظيفة الجوهرية للغة عنده‪ ،‬ولكنه ال ينفي بقية الوظائف التي تؤديها اللغة‪ ،‬بل يقربها‬
‫ويعتبرها ثانوية‪ ،‬كما يرى أن اللغة ليست نسخا لألشياء ونقال آليا لها‪ ،‬بل هي بنى منظمة ومتراصة‬
‫ومتكاملة يتطلع املتكلم من خاللها إلى عالم األشياء واألحاسيس وهو ما ينتج الخبرة اإلنسانية‬
‫فتعلم لغة أجنبية مثال‪ ،‬ال يعني وضع عالمات جديدة لألشياء املألوفة‪ ،‬وإنما هو اكتساب نظرة‬
‫تحليلية مغايرة بالتعرف على البنى اللغوية لها‪ ،‬وهي تعكس الواقع بطريقة مختلفة عن اللغة‬
‫األم( ) يقول أندري مارتيني‪" :‬إن لسانا ما هو أداة لالتصال تحلل الخبرة اإلنسانية من خاللها‬
‫بطريقة تختلف من لسان إلى آخر في كل متحد اجتماعي‪ ،‬تحلل إلى وحدات ذات مضمون داللي‬
‫وتعبير صوتي‪.‬‬
‫أما غرضه من التحليل الفونولوجي‪ ،‬فيكمن في تشخيص العناصر الصوتية وتصنيفها‬
‫حسب وظيفتها في اللغة‪ ،‬وعلى هذا األساس‪ّ ،‬ميز مارتيني بين ثالث وظائف أساسية هي‪:‬‬
‫أ‪ -/‬الوظيفة التمييزية أو املضادة‪ :‬التي تمكن السامع من معرفة أن لفظة معينة عوض لفظة‬
‫أخرى قد نطق بها املتكلم‪.‬‬
‫ب‪ -/‬الوظيفة الفاصلة‪ :‬التي تمكن السامع من تحليل القول إلى وحدات متتابعة‬
‫ج‪ -/‬الوظيفة التعبيرية‪ :‬التي تعلم السامع عن الحالة العقلية أو الفكرية للمتكلم‪( ).‬‬
‫‪- 3‬التقطيع املزدوج‪:‬‬
‫أ‪ /‬التقطيع األول‪:‬‬
‫وفيه نحصل على وحدات ذات مضمون معنوي (املدلول) وصوت ملفوظ (دال) وتسمى‬
‫هذه الوحدات مونيمات مثال‪ :‬راجعـ‪/‬ـت درسـ‪/‬ي‬

‫‪39‬‬
‫نالحظ أن هذا املثال يحتوي على أربع مونيمات متتابعة‪ ،‬ويسمى معنى كل لفظة مدلوال‪،‬‬
‫وصيغتها الصوتية داال‪ ،‬وهي وحدات دنيا يستحيل تحليلها إلى وحدات دالة أصغر منها‪ ،‬ويمكن‬
‫استبدالها بوحدات أخرى ضمن قائمة مفتوحة‪.‬‬
‫ب‪ -/‬التقطيع الثاني‪:‬‬
‫يمكن تقطيع املونيمات إلى وحدات صغرى مجردة من كل داللة ولكنها مميزة تسمى‬
‫بالفونيمات وهي محصورة في كل لسان( )‪ .‬مثال ‪:‬‬
‫كتب عمر درسه‬
‫ك ت ب ‪ /‬ع ُ مـ ر ُ‪ /‬د ر سـ ُـه‬
‫انطالقا من هذا يكون التقطيع املزدوج قانونا أساسيا من قوانين اللغة البشرية‪( ).‬‬
‫يقول مارتيني‪" :‬املونيمات‪ :‬هذا التعبير الصوتي ينبني بدوره على وحدات تمييزية ومتتابعة‬
‫هي الفونيمات‪ ،‬وعدد الفونيمات محدود في كل لسان‪ ،‬وهي تختلف أيضا من حيث النوع‬
‫والعالقات املتبادلة فيما بينها من لسان إلى آخر‪"( ).‬‬
‫اعتمد مارتيني على مبادئ مدرسة براغ‪ ،‬فساهم في تطور اللسانيات في أوروبا عموما‪ ،‬وفي‬
‫فرنسا بصفة خاصة‪ ،‬وقد ركز على الوظيفة التواصلية للغة‪ ،‬واعتبر الفونيمات وحدات‬
‫تمييزية‪ ،‬عددها محدود في كل لسان‪ ،‬وهي تختلف من حيث النوع وطبيعة العالقات املتبادلة‬
‫فيما بينها من لسان آلخر كما أنها بمثابة وحدات صغرى يتكون منها املونيم‪.‬‬
‫د أمال بناصر‬
‫الل ّ‬‫ّ‬
‫سانية‬ ‫محاضرات في املدارس‬

‫‪40‬‬
‫النص الثامن ( نص مساعد ) ‪:‬‬

‫اللسانيات األمريكية‬
‫تابع علماء بعض املدارس األمريكية اللغوية ما توصلت إليه املدارس األوربية البنيوية‪،‬‬
‫وأضافوا إليها وأيدوا وعارضوا ‪ ،‬وجاء "سابير" رائد البنيوية األمريكية ومعلم األجيال من علماء‬
‫اللغة األمريكيين وتلميذ من تالمذة "بواز"‪ ،‬وكان واسع الثقافة له اهتمامات علمية وكثيرة‬
‫ومتنوعة‪ .‬ويبدو أنه قد بدأ دراسته للغة بعيده عن أفكار "سوسير" ولكن فكرة النماذج اللغوية‬
‫التي نادى بها ال تبعد كثيرا عن التفرقة التي وضعها "سوسير" بين اللغة والكالم‪ .‬وفكرة النماذج‬
‫اللغوية‪ :‬هي أن كل إنسان يحمل في داخله املالمح األساسية لنظام لغته ؛ أي‪ :‬إن جميع النماذج‬
‫الفعلية التي تقدمها اللغة لتأكيد عملية االتصال‪ ،‬هي نماذج ثابتة‪ ،‬وهي الخليقة بالدراسة؛ ألنها‬
‫األهم واألكثر حيوية في حياة اللغة‪ .‬وذلك مقابل االستخدام الفعلي للغة املتمثل في املادة اللغوية‬
‫املنطوقة‪.‬‬
‫أما بلومفيلد ‪1949‬م ‪ Bloomfield‬فيعد علما من أعالم الدراسات اللغوية في أمريكا‪ ،‬وكتابه‬
‫"اللغة" يعدونه هناك "إنجيل علم اللغة" ؛ إذ إن البحث اللغوي األمريكي ـ مهما تعددت اتجاهاته‬
‫ومناهجه ـ يدين بالفضل لهذا العالم ومبادئه‪ ،‬سواء أكان ذلك باالتفاق معه أو بمعارضته‪ .‬وقد‬
‫أفاد "بلومفيلد" من املعين السويسري؛ إذ تأثر به و أخذ عنه فكرتين مهمتين‪:‬‬
‫الفكرة األولى‪ :‬النظرة السنكرونية في التعامل مع اللغة‪.‬‬
‫واألخرى‪ :‬الفكرة البنيوية للغة في عموم معناها‪.‬‬
‫والبنيوية عند "بلومفيد" وأتباعه بنيوية من نوع خاص‪ ،‬وهي في الوقت نفسه مبدأ من‬
‫منظومة من املبادئ التي تكون منهجا عاما ؛ ال يمكن فهمه أو التعرف عليه بوجه مقبول إال‬
‫بالنظر في جملة هذه املبادئ بصورة ما ‪ ،‬فلقد التزم "بلومفيلد" باملنهج البنيوي الوصفي ولكن‬
‫بطريقة خاصة أصبحت علما عليه وعلى مدرسته‪.‬‬
‫ومما سبق يمكننا القول أن البنيوية التقليدية مرت بثالث مراحل يمكن تمييز بعضها عن‬
‫بعض على النحو اآلتي ‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫املرحلة األولى‪ :‬مرحلة دي سوسير واألوروبيين في عمومهم‪ ،‬وكان جل اهتمامهم باللغة ال‬
‫بالكالم‪ ،‬وبيان العالقات الداخلية بين وحدات الجملة‪ ،‬تلك العالقات التي تعد النواة للمعنى‬
‫التام للجملة‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬بنيوية"بلو مفيلد "وأتباعه الخلص‪ ،‬وهي تهتم بالكالم ال باللغة‪ ،‬وتحصر عملها‬
‫في البنيية السطحية على أساس من النظر الشكلي‪ ،‬دون االهتمام باملعنى‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪" :‬بنيوية " أمريكية موزعة سارت على جملة من مبادئ "بلومفيلد"‪ ،‬ولكنها‬
‫أدخلت الوظيفة أو املعنى في الحسبان‪ .‬وجاءت بعد أو مواكبة للمرحلة الثالثة نظرات "زليج‬
‫هاريس" ؛ وهي ذات سمية "بنيوية" ونظرات "بايك‪".‬‬

‫‪42‬‬
‫النص التاسع ‪:‬‬

‫اللسانيات التوليدية التحويلية و جهود نوام تشومسكي‬


‫فيد َّرس تسلسل‬‫استخدمت نماذج تشومسكي كأساس نظري في مجاالت دراسية متنوعة‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫تشومسكي الهرمي غالبا في املقررات الرسمية لعلوم الحاسب؛ ألنها تعطي نظرة ثاقبة على‬
‫مختلف أنواع اللغات الصورية‪ ،‬أما تصنيف تسلسل تشومسكي الهرمي قواعد النحو الشكلي‬
‫إلى فئات إضافة إلى كونه متصل باللسانيات‪ ،‬فإنه أصبح مهما في علوم الحاسوب وخصوصا في‬
‫البناء البرمجي ونظرية التشغيل الذاتي‪ ،‬ويوجد تكافؤ بين هذا التسلسل للغة وبين األنواع‬
‫املختلفة ألنظمة التشغيل الذاتي‪ ،‬كما اعترف عالم الكومبيوتر دونالد كانوث بقراءته كتاب البنى‬
‫التركيبية لتشومسكي‪ ،‬وتأثره به بشكل عظيم‪ ،‬يقول‪“ :‬ويجب أن أعترف بأخذي نسخة من كتاب‬
‫تشومسكي معي أثناء رحلتي… وهناك وجدت أمرا مدهشا!‪ :‬نظرية رياضية للغة‪ ،‬ومن املمكن من‬
‫خاللها أن أستخدم حدس مبرمج الكومبيوتر”‪ ،‬ولهذا التسلسل اهتمام واضح من قبل علماء‬
‫الرياضيات وخاصة املهتمين بالتوافقيات‪.‬‬
‫كذلك استخدم نيلس يرني ‪-‬الحائز على جائزة نوبل في الطب وعلم وظائف األعضاء‪ -‬نموذج‬
‫تشومسكي التوليدي لشرح نظام املناعة البشري معادال مكونات النحو التوليدي مع خصائص‬
‫متنوعة من بنيات البروتين‪ ،‬وكانت محاضرة جيرن ستوكهولم لنوبل بعنوان النحو التوليدي في‬
‫نظام املناعة‪.‬‬
‫أما في علم النفس فقد أحدثت إسهامات تشومسكي في مجال اللسانيات تأثيرات عميقة‬
‫على هذا العلم‪ ،‬وتعد اللسانيات بالنسبة لتشومسكي فرع عن علم النفس املعرفي‪ ،‬فالرؤى‬
‫األصيلة للسانيات تعبر عن فهم ذهني لجوانب العملية العقلية والطبيعة اإلنسانية‪ ،‬وقد‬
‫كتحد مباشر للنظريات السلوكية املتبعة والتي كان لها تأثير‬ ‫ُ‬
‫اعتبرت نظريته في النحو الكلي‬
‫ٍ‬
‫عظيم لفهم الطريقة التي يفهم بها األطفال اللغة‪ ،‬وماهي قدرتهم على استخدام اللغة‪ ،‬كما تدور‬
‫بعض األفكار الجدلية في علم النفس التطوري حول نتائج أبحاث تشومسكي‪.‬‬
‫في عام ‪1959‬م نشر تشومسكي نقدا مؤثرا لكتاب سكينر “السلوك اللفظي” واعتقد‬
‫تشومسكي بأن التفسير الوظيفي والذي يتقيد بأسئلة األداء الوظيفي يتجاهل األسئلة املهمة‪،‬‬
‫وركز على أسئلة تتعلق بتشغيل وتطوير البنى لتراكيب قابلة لتنظيم إبداعي مترابط وموائم يقوم‬
‫بجمع الكلمات والجمل في طرح واضح ومفهوم‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫نظريته اللغوية‪ :‬النظرية التوليدية التحويلية‪:‬‬
‫و هي في الحقيقة نظريتان متكاملتان‪ ،‬فالنظرية التوليدية عبارة عن مجموعة من القواعد‬
‫التي تعمل من خالل عدد من املفردات على توليد عدد غير محدود من الجمل‪.‬‬
‫فت ْعنى بتطبيق مجموعة من قواعد الحذف واالستبدال واإلضافة‬ ‫أما النظرية التحويلية ُ‬
‫وتغيير املوقعية على الجمل النواة للحصول على عدد غير متناه من الجمل الصحيحة‪.‬‬
‫اعتمد تشومسكي في تأسيس نظريته اللغوية على مجموعة من املبادئ والفرضيات التي تم‬
‫تعديلها وفق مقتضيات التطور النظري وآلياته‪ ،‬من هذه املبادئ ما يلي‪:‬‬
‫‪- 1‬اللغة أفضل مرآة تعكس بصورة دقيقة وأمينة آليات التفكير في عقل اإلنسان‪ ،‬وهذه نقطة‬
‫التالقي بين علم النفس وعلم اللغة‪ ،‬وبناء عليها ذهب بعض اللغويين إلى أن علم اللغة أهم مجال‬
‫علمي يكشف عن إنسانية اإلنسان‪.‬‬
‫‪- 2‬مفهوم التحويل‪ :‬وهو مفتاح نظرية تشومسكي‪ ،‬وتقوم فكرته على تطبيق مجموعة محددة‬
‫من قواعد التحويل كالحذف واإلضافة واالستبدال وتغيير املوقعية على عدد محدود من الجمل‬
‫الصحيحة األساسية (الجمل النواة أو اإلخبارية) للحصول على عدد غير متناه من الجمل‬
‫الصحيحة‪ ،‬مثل الجمل املنفية أو االستفهامية أو املبنية للمجهول أو املفيدة للحصر والقصر‬
‫‪- 3‬النموذج الذهني واإلبداع‪ :‬تبنى تشومسكي مفهوم القدرة اللغوية الفطرية لإلنسان أو ما‬
‫يسمى بالنموذج الذهني‪ ،‬وهو عبارة عن آليات وقدرات لغوية فطرية غريزية تنمو من خالل‬
‫التفاعل مع البيئة اللغوية أثناء مرحلة الطفولة‪ ،‬وتساعد على تقبل واكتساب املعلومات اللغوية‬
‫وتخزينها وتكوين قواعد اللغة األم‪ ،‬على مراحل تصاعدية‪ ،‬حتى تصل ملرحلة االكتمال والثبات‪،‬‬
‫وعندها يستطيع الطفل صياغة وفهم جمل ال متناهية لم يتكلم أو يسمع بها من قبل‪ ،‬وهذا‬
‫مفهوم اإلبداع‪ ،‬فاإلنسان يتمتع ويتميز عن غيره من الكائنات بالتفكير واللغة والذكاء‪ ،‬فأغبى‬
‫الناس يستطيع التكلم بينما أذكى الحيوانات ال يستطيع ذلك أبدا‪.‬‬
‫الحظ تشومسكي أن الطفل يختلف عن الكائنات األخرى بقدرته على التفكير االستقرائي اذا‬
‫تعرض للمعطيات اللغوية‪ ،‬حيث يكتسب القدرة على فهم وإنتاج اللغة‪ ،‬في حين أن أي كائن آخر‬
‫لن يكتسب ًّأيا منها‪ ،‬وسمى هذه القدرة اللغوية اإلنسانية الخاصة بـ”جهاز اكتساب اللغة”‪،‬‬

‫‪44‬‬
‫واقترح أن تكون إحدى مهام اللسانيات معرفة هذا الجهاز‪ ،‬وماهي القيود التي يضعها على‬
‫مجموعة محتملة من اللغات‪.‬‬
‫كما تقوم مقاربة املبادئ والوسائط في محاضراته عن (الربط العاملي) بجعل املبادئ النحوية‬
‫التي تحدد اللغة فطرية وثابتة‪ ،‬واالختالف بين لغات العالم من املمكن أن يوصف من خالل‬
‫وسائط موجودة بالضبط في الدماغ (مثل عامل الحذف أثناء النطق والذي يشير اذا كان‬
‫موضوع ما مطلوب دوما)‪ ،‬ويجادل أصحاب هذا الرأي بأن الوقت التي يتعلم فيه الطفل اللغة‬
‫سريع بنحو غير قابل للتفسير‪ ،‬مالم يملك األطفال قدرة فطرية لتعلم اللغة‪ ،‬وأنه يحتاج فقط‬
‫لخصائص معينة ومحدودة من لغته األم‪ ،‬ويسمى هذا املضمون الفطري للمعرفة اللغوية‬
‫بالنحو الكلي‪ ،‬كما أن تتبع خطوات مشابهة من قبل األطفال حول العالم حين يتعلمون اللغة‪،‬‬
‫وحقيقة وقوع األطفال في أخطاء محددة أثناء تعلمهم لغتهم األولى‪ ،‬كلها من مؤشرات الفطرية‬
‫في اكتساب اللغة‪.‬‬
‫وكان ألفكار تشومسكي تأثير قوي على البحوث املتعلقة باكتساب اللغة عند األطفال‪ ،‬على‬
‫الرغم من أن الكثير من الباحثين في هذا املجال عارضوا بشدة نظرياته مثل اليزابيث بيتس‬
‫ومايكل توماسيلو‪ ،‬حيث بدال من ذلك دعوا إلى نظريات التوالد أو االتصالية والتي تقوم على‬
‫شرح اللغة من خالل عدد من اآلليات في الدماغ التي تتفاعل مع البيئة االجتماعية الواسعة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واملعقدة التي تستخدم فيها اللغة وتعلم‪.‬‬
‫‪- 4‬البنية السطحية ‪ ، surface structure‬والبنية العميقة‪Deep structure :‬‬
‫املستوى السطحي هو الذي يحدد شكل الجمل وينظمها كظاهرة مادية‪ ،‬أما البنية العمية فهي‬
‫التي تعنى بالداللة‪ ،‬وتحتوي على عدد من الجمل النواة األساسية القابلة للتحويل‪.‬‬
‫‪- 5‬التمييز بين الكفاءة اللغوية‪ ،: Competence‬واألداء الكالمي ‪: Performance:‬‬
‫الكفاءة مصطلح يعني نظام اللغة الكلي في ذهن أبنائها جميعا‪ ،‬ويتمثله األفراد جزئيا أو ضمنيا‪،‬‬
‫وهي ملكة خاصة يمتلكها أبناء اللغة الذين نشأوا وتربوا عليها‪ ،‬أما األداء الكالمي فيعني طريقة‬
‫تنفيذ الفرد واستعماله للغة كهدف للتواصل في املواقف املختلفة‪ ،‬وبمعنى آخر فإن الكفاءة‬
‫تجسيد كامل لنظام اللغة عند جميع (مجموع) أفراد الجماعة اللغوية‪ ،‬واألداء الكالمي هو‬
‫مجموعة الجمل التي ينطقها األفراد تبعا لظروف االتصال اليومية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ُ‬
‫‪- 6‬الكليات اللغوية‪ :‬وهي أطر هيكلية لبناء القوانين التي تخضع لها قواعد اللغات عامة‪،‬‬
‫وتتضمن الشروط التي يجب توافرها لصياغة قواعد اللغات‪.‬‬
‫وتتحدى لسانيات تشومسكي اللسانيات البنيوية وتمثل مقدمة للنحو التحويلي‪ ،‬وهذا التوجه‬
‫يأخذ الكالم باعتباره متميزا بالنحو الشكلي‪ ،‬وخصوصا في النحو ذي السياق املستقل املمتد مع‬
‫قواعد تحويلية‪ ،‬ومساهمته األكثر تأثيرا في هذا املجال هو فرضية أن نمذجة معرفة اللغة‬
‫باستخدام النحو الشكلي محسوبة لصالح إنتاجية وإبداع اللغة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فالنحو‬
‫الشكلي للغة ما يمكن أن يشرح قدرة السامع واملتحدث إلنتاج وتفسير عدد ال حصر له من‬
‫الحديث – بما في ذلك الحديث الروائي‪ -‬مع مجموعة محدودة من قواعد اللغة واملصطلحات ‪.‬‬
‫السؤال ‪ :‬ابحث عن أهم املالحظات التي وجهت إلى تيار تشومسكي في اللسانيات‬
‫املناقشة ‪:‬‬
‫كان لنظريات تشومسكي تأثير كبير في مجال اللسانيات ولكنه تعرض للنقد كذلك‪ ،‬ومن‬
‫االنتقادات املتكررة لتشومسكي بخصوص التنوع في نظرية النحو التوليدي هي أنها باألصل‬
‫أوروبية املركز أو أنجلو ساسكونية املركز‪ ،‬فقد كان عمل علماء اللسانيات في مجال النحو الكلي‬
‫مبنيا على أساس عينة صغيرة من اللغات وأحيانا قد تكون واحدة‪.‬‬
‫بداية كان التمركز األوروبي واضحا في التركيز املفرط على دراسة اللغة اإلنجليزية إلى وقت‬
‫ليس بالبعيد‪ ،‬واآلن حصلت املئات من اللغات املختلفة على االهتمام‪ ،‬على األقل من قبل تحليل‬
‫تشومسكي اللغوي‪ ،‬وعلى الرغم من تنوع اللغات التي تم دراستها من قبل اشتقاقات النحو‬
‫الكلي‪ ،‬إال أن النقاد استمروا في الجدال حول أساس نظرية تشومسكي ذات التوجه‬
‫األنجلوساكسوني‪ ،‬ولن تفلح في تفسير كثير من خصائص اللغات التي تختلف بطبيعتها عن‬
‫اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ولذلك انتقد نهج تشومسكي كشكل من أشكال االستعمارية اللغوية‪ ،‬إضافة‬
‫لذلك تعتمد لسانيات تشومسكي بشكل كبير على فطرة املتحدثين بلغتهم األم بخصوص الجمل‬
‫انتقدت على أساس منهجي عام‪ ،‬وعارضه بعض علماء‬ ‫هي ذات التركيب الجيد‪ ،‬وهذه املما سة ُ‬
‫ر‬
‫النفس وعلماء اللسانيات النفسية – رغم من تعاطفهم مع برنامجه العام – بأن لسانياته تولي‬
‫اهتماما للمعطيات التجريبية ملعالجة اللغة‪ ،‬رغم أن نتائج تلك النظريات ليست مقنعة نفسيا‪،‬‬
‫وتسائل نقاد آخرون‪ :‬ما إذا كان ضروريا أن نفترض وجود نحو كلي لشرح اكتس ـ ـ ـ ـ ـ ـاب األطفال‬
‫للغة ‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫النص العاشر ‪:‬‬

‫اللسانيات التداولية‬
‫إن املتتبع لتطور البحث اللساني الحديث يمكن له أن يالحظ أن العديد من التساؤالت التي‬
‫كان يطرحها الباحثون اللسانيون و فالسفة اللغة‪ ،‬على أنفسهم‪ ،‬لم تتمكن النظريات البنيوية‬
‫)‪(Structurales‬من اإلجابة عنها‪ ،‬و قد استطاعت هذه التساؤالت أن تجد سبيلها في اتجاه‬
‫جديد‪ ،‬هو أصال مجموعة من األفكار واملالحظات اللسانية و الفلسفية‪ ،‬صادرة هنا و هناك‪،‬‬
‫كانت الغاية منها اإلجابة عن مجموعة األسئلة من نمط ‪ :‬من يتكلم؟ من يقع عليه الكالم؟ ماذا‬
‫نفعل حينما نتكلم؟ ما هي قيود الحديث؟ ملاذا التلميح أبلغ من التصريح؟ ملاذا نقول أشياء‬
‫ونصرح مباشرة بعدم قولها؟ متى يكون إقناعا؟‪...‬‬
‫و قد دفع ذلك بعض النقاد و اللغويين إلى إطالق تسمية )‪ (Poubelle Espagnole‬عليها‪،‬‬
‫ألنها استطاعت أن تحتوي على مجموعة كبيرة من األفكار و التصورات ذات مستويات و مشارب‬
‫مختلفة و متفاوتة‪ .‬و في سبيل ذلك استعانتها و توسلها ملختلف العلوم االجتماعية و اإلنسانية‬
‫األخرى‪ ،‬و هو أمر أنجر عنه اتساع أفقها املعرفي و النظري‪ ،‬و جعلها قادرة على تناول مختلف‬
‫الخطابات الصادرة عن اإلنسان‪ ،‬دون أن يشكل ذلك عائق للخروج بنتائج معتبرة‪.‬‬
‫يعتبر تحديد( شارل موريس )‪ Charles Morris‬أول محاولة لضبط ماهية التداولية‪ ،‬و قد‬
‫حصرها ضمن مجال السيمائية و أسند إليها دراسة العالقة بين العالمات و مستعملي هذه‬
‫العالمات و ذلك بعدما بين أن تفاعل العالمات فيما بينها يشكل ما نسميه علم التراكيب‪ ،‬و‬
‫تفاعل العالمة بما تل عليه يفض ي إلى علم الداللة‪.‬‬
‫فالتداولية إذن هي دراسة للجانب اإلستعمالي للغة‪ .‬و هنا تحدد( أوركيوني )‪Orecchioni‬‬
‫وظيفة التداولية "في استخالص العمليات التي تمكن الكالم من التجذر في إطاره الذي يشكل‬
‫الثالثية اآلتية ‪ :‬املرسل – املتلقي – الوضعية التبليغية‪ .‬إن أي تحليل تداولي يستلزم بالضرورة‬
‫التحديد الضمني للسياق التي تؤول فيه الجملة‪ 1.‬و هنا يتجلى العنصر الرابط بين مختلف‬
‫النظريات والتوجهات التي شكلت ما نسميه التداولية‪ ،‬و هو السياق ‪ Contexte.‬فاختالف‬
‫الزاوية التي ينظر من خاللها إلى السياق‪ ،‬هو الذي جعل تلك النظريات تختلف فيما بينها في‬
‫تحديد ماهية التداولية‪ .‬فمنهم من يرى أنها هي األقوال التي تتحول إلى أفعال ذات صبغة و‬
‫امتداد اجتماعيين‪ ،‬بمجرد التلفظ بها وفق سياقات محددة و منهم من يلخص التداولية في‬
‫‪47‬‬
‫دراسة اآلثار التي تظهر في الخطاب‪ ،‬و يدرس هؤالء أثر الذاتية في الخطاب من خالل الضمائر‬
‫و الظروف املبهمة ‪ (Déictiques).‬و منهم من يلخصها في مجموعة من قوانين الخطاب ‪Lois du‬‬
‫‪discours‬أو أحكام املخاطبة ‪Maximes contersationnelles‬على حد تعبير الفيلسوف جرايس‬
‫– التي تضفي على الخطاب صيغة ضمنية أو تلميحية و ذلك من خالل دراسة األقوال الضمنية‬
‫‪Les énonces implicités‬كاالفتراضات املسبقة ‪ Présupposes‬و األقوال املضمرة‪.‬‬
‫إن التداوليين ينظرون إلى اللغة على أنها لعبة‪ ، Jeux de langage‬و يقصد بها الصبغة‬
‫املؤسساتية للغة أثناء االستعمال‪ .‬فعندما يتكلم اإلنسان‪ ،‬فقد يخضع أقوله ملجموعة من‬
‫القواعد الضمنية تجعله يميز بين الكالم "السوي" و غيره‪ ،‬مثلما هو الحال بالنسبة لالعب‬
‫الشطرنج‪ ،‬و هذا ما يفسر استخدام مصطلح إستراتيجيات الخطاب‪ .‬و قد اختصر منقونو‬
‫)‪(Mainguneau‬التداولية وفق هذا التصور في أنماط ثالثة ‪ :‬القانون و املسرح و اللعبة‪ .‬إن‬
‫الكالم باعتباره فعال متحققا ال ينفصل عن املؤسسة إذ مجرد التلفظ باألمر‪ ،‬يضفي على املتكلم‬
‫مرتبة األمر‪ ،‬فيضع غيره في مرتبة املأمور‪ ،‬و هذا قابل للتحقيق وفق شروط تحددها أعراف كل‬
‫لغة‪ .‬و هذا يجرنا إلى الحديث عن التعاقد الذي يمكن املتكلمين من التعارف على الصيغ الكالمية‬
‫املناسبة لكل حال من أحوال الخطاب‪.‬‬
‫و نشير هنا إلى أن النمط القانوني للغة هو ذو صبغة ضمنية‪ ،‬فالذين ال يحترمون هذه‬
‫القوانين لن يتعرضوا للسجن‪ ،‬إنما العقاب يكون ضمنيا‪ ،‬كأن نجيب شخصا قد تجاوز حدود‬
‫الحديث ‪ :‬لم نرع الغنم معا‪ ،‬احترم نفسك حينما تتحدث معي‪ ...‬إلى غيرها من اإلجابات التي‬
‫يسعى املخاطب إلى إعادة مخاطبه إلى صوابه "اللغوي"‪.‬‬
‫و بالنسبة للقانون‪ ،‬يقول منقونو‪ 2‬إنه من السهل االنتقال من النسق القانوني إلى "الدور "‬
‫)‪(Rôle‬ذلك أن املسرح هو صورة مصغرة للعالم و الحياة‪ ،‬حيث توزع األدوار على كل شخص‪،‬‬
‫و بالتالي فإن خطاب املمثلين و الشخصيات املسرحية هو نفسه خطاب املتكلمين في الواقع‪.‬‬
‫فاملؤلف أو املخرج املسرحي ال يخرج إال نادرا عن األعراف الخطابية و اإلجتماعية للغة التي يكتب‬
‫فيها‪.‬‬
‫السؤال ‪ :‬التداولية اللسانية درجات ‪ ،‬ابحث عنها و اشرحها‬
‫املناقشة ‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫الدرجات الثلث للتداولية‬
‫أشرنا أعاله إلى الدور األساس ي للسياق في تحقيق النمط التداولي للغة‪ ،‬فقد أضحى هو‬
‫العامل املشترك بين مختلف النظريات املشكلة للتداولية‪ ،‬إال أن درجة تدخل السياق في كل‬
‫نظرية هو الذي يحدد ميزات كل منها‪ ،‬و أضحى هذا التصور الخطوة األولى في تنظيم و هيكلة‬
‫النظريات التداولية‪ .‬و يعد "الهوالندي هانسون" أول من جرب التوحيد بطريقة نظامية و تجزئة‬
‫مختلف املكونات التي تطورت لحد اآلن بطريقة مستقلة‬
‫أ‪ -‬التداولية من الدرجة األولى أو نظرية الحديث‬
‫إن أشهر من نظر لهذه النظرية العالم اللغوي الفرنس ي إميل بنفنسيت )‪(E.Benveniste‬‬
‫الذي أكد على ضرورة التمييز بين اللغة كسجل من األدلة ونظام تتركب فيه هذه األدلة و اللغة‬
‫كنشاط يتحقق من خالل وقائع الخطاب التي تخصصها عالمات خاصة‪ ،‬تلك العالمات التي‬
‫يسميها بنفنيست "املؤشرات"‪ ،‬يكمن دورها في تصيير اللغة خطابا فعليا‪ .‬هذا التعبير يسميه‬
‫الحديث ‪ Enonciation‬وهو إجراء اللغة و تحقيقها من خالل فعل كالمي فردي‪.‬‬
‫و يعكف الدارسون في هذا املستوى على دراسة البصمات التي تشير إلى عنصر الذاتية في اللغة‪.‬‬
‫ب‪ -‬التداولية من الدرجة الثانية أو نظرية قوانين الخطاب‬
‫و هي تتضمن دراسة األسلوب الذي يرتبط بقضية مطروحة‪ ،‬حيث تكون هذه األخيرة متباينة‬
‫عن الداللة الحقيقية للقول‪ ،‬و هي تدرس كيفية انتقال الداللة من املستوى الصريح إلى مستوى‬
‫التلميح‪ ،‬بالسعي وراء استنباط و معرفة العمليات املتسببة في ذلك فهذه النظرية تنظر إلى اللغة‬
‫باعتبارها مجموعة من االقتراحات املسبقة و من األقوال املضمرة و االحتجاج‪...‬‬
‫ج‪ -‬التداولية من الدرجة الثالثة أو نظرية أفعال الكلم ‪La théorie des actes du langage‬‬
‫تنطلق هذه النظرية من مسلمة مفادها أن األقوال الصادرة عن املتكلمين‪ ،‬ضمن وضعيات‬
‫محددة‪ ،‬تتحول إلى أفعال ذات أبعاد اجتماعية‪.‬‬
‫و ترجع هذه النظرية في أول عهدها إلى الفالسفة التحليليين اإلنجليز أمثال أوستين‬
‫)‪(Austin‬و تلميذه سيرل اللذان بينا أن اللغة ليت بنى و دالالت فقط‪ ،‬بل هي أيضا أفعال كالمية‬
‫ينجزها املتكلم ليؤدي بها أغراضا‪ ،‬فهو عمل يطمح املتكلم من خالله إلى إحداث تغيير معين في‬

‫‪49‬‬
‫سلوك املخاطب بالفعل أو بالكالم‪ .‬تقول أوركيوني في هذا اإلطار ‪" :‬إن الكالم هو بدون شك‪،‬‬
‫تبادل للمعلومات‪ ،‬ولكنه أيضا إنجاز ألفعال مسيرة وفق مجموعة من القواعد (بعضها كلية‪،‬‬
‫حسب هابرماس )‪ (Habermas‬من شأنها تغيير وضعية املتلقي و تغيير منظومة معتقداته و‪/‬أو‬
‫وضعه السلوكي‪ ،‬و ينجز عن ذلك أن فهم الكالم و إدراكه يعني تشخيص مضمونه اإلخباري و‬
‫تحديد غرضه التداولي‪ ،‬أي قيمته و قوته اإلنجازية‪"4‬‬
‫و يتكون الفعل الكالمي‪ ،‬حسب أوستين‪ ،‬من‪:‬‬
‫فعل لغوي ‪ acte locutoire :‬ال تدخن‬
‫فعل إنجازي ‪ acte illocutoire :‬و هو النهي في املثال السابق‬
‫الفعل التأثيري ‪ acte perlocutoire :‬و يتمثل في رد فعل املخاطب باالستجابة أو الرفض‪.‬‬
‫و قد وسع نظرية سيرل نظرية أفعال الكالم‪ ،‬فأوضح لكل فعل شروط إنجازه‪ ،‬ووضع‬
‫مجموعة من القواعد تتحول بها األفعال الكالمية املباشرة إلى أفعال غير املباشرة إضافة إلى‬
‫هذه التقسيمات الثالثة‪ ،‬هناك أخيرا‪ ،‬مجموعة من التحليالت اللغوية تندرج ضمن الدراسات‬
‫التداولية و تهتم بالخطاب بصفته نصا تحدده قواعد معينة سواء أكنا نهتم باملحادثة أو‬
‫باملحاجة أو بالنصوص بمختلف أنواعها‪ ،‬حيث تطورت منذ سنوات قليلة دراسات يمكن‬
‫إدراجها فيما يسمى اليوم اللسانيات النصية (‪.)La linguistique textuelle‬‬

‫‪50‬‬
‫النص الحادي عشر ‪:‬‬

‫النحو الوظيفي عند سيمون ديك‬


‫يمكن أن نؤرخ لالنطالقة األولى للنحو الوظيفي من خالل االنتقاد الذي وجهه سيمون ديك‬
‫(‪ )1968‬للتحليل الذي قدمه النموذج املعيار للبنيات العطفية‪ ،‬و هو انتقاد يكشف عن قصور‬
‫هذا النموذج و عدم كفايته في تقديم تحليالت وافية لبعض األنماط الجملية‪.‬‬
‫تجاوزا لهذا القصور قدم ديك‪ ،‬و خاصة في (‪ )1978‬و (‪ )1989‬طرحا بديال يتوخى تقديم‬
‫تحليل كاف ملجمل الظواهر اللغوية‪.‬‬
‫إذا كانت كل نظرية تؤسس نفسها انطالقا من حصرها ألوجه التقاطع و أوجه التماثل بينها و‬
‫بين النحو التوليدي التحويلي‪ ،‬فإن النحو الوظيفي هو أيضا و خاصة مع ديك (‪ )1978‬قد‬
‫حرص على ايضاح ما يجعله متميزا عن النحو التوليدي التحويلي‪.‬‬
‫يتكشف هذا التمايز من خالل اختالف اإلجابات عن أهم املساءالت اللغوية املعاصرة و التي‬
‫أوجزها ديك (‪ )1989 – 1978‬فيما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬تحديد اللغة‪ :‬يعتبر النحو التوليدي التحويلي اللغة عبارة عن مجموعة من الجمل اللغوية‬
‫التي تنحصر وظيفتها في التعبير عن الفكر‪ ،‬في حين يقدم النحو الوظيفي تعريفا أشمل للغة‬
‫بوصفها أداة للتفاعل االجتماعي و من ثمة تكون وظيفتها االجتماعية هي التواصل بأوسع معانيه‪.‬‬
‫‪- 2‬حول ثنائية قدرة‪ -‬إنجاز‪ :‬القدرة في عرف النحو التوليدي التحويلي هي مهارة املتكلم التي‬
‫تخوله إنتاج و تأويل الجمل و الحكم على نحويتها أو ال نحويتها‪ .‬إال أن النحو الوظيفي يتجاوز‬
‫هذا التعريف الضيق ليلح على أن القدرة ال يمكن تحديدها إال في إطار تواصلي‪ ،‬و ذلك انسجاما‬
‫مع الوظيفة األولية للغة‪ .‬هكذا تكون القدرة هي القدرة التواصلية أي قدرة املتكلم على التفاعل‬
‫االجتماعي عبر توسل اللغة‪ ،‬و بذلك يعتبر أن دراسة النسق اللغوي ال يمكن أن تتم إال في إطار‬
‫تصور عام حول نسق االستعمال اللغوي لوجود تماس و انصهار بينهما‪ .‬يقول ديك‪(1980 : 1):‬‬
‫" يتأسس النحو الوظيفي على منظور وظيفي لطبيعة اللغة الطبيعية‪ ،‬و هو منظور يعتبر اللغة‬
‫الطبيعية في املقام األول أداة للتفاعل االجتماعي بواسطتها يمكن للكائنات اإلنسانية أن تتواصل‬
‫(و أن تؤثر في بعضها البعض)‪...‬رغم أن النظرية الوظيفية للغة يمكن أن تميز بين نسق اللغة و‬

‫‪51‬‬
‫استعمالها‪ ،‬فإنها تتجنب دراسة إحداها في غياب األخرى‪[ :‬إنها] تهتم بالتعالق بين النص و‬
‫استعماالته املمكنة"‪.‬‬
‫و هذا يخالف النحو التوليدي التحويلي الذي يعتبر من جهة‪ ،‬أن هناك استقالال بين وصف‬
‫اللغة و األوضاع التي تنجز فيها‪ ،‬و يركز من جهة أخرى على أن دراسة القدرة لها أسبقية منطقية‬
‫و منهجية على دراسة االنجاز‪.‬‬
‫‪ – 3‬االكتساب اللغوي و الكليات اللغوية‪ :‬درج النحو التوليدي التحويلي على اعتبار أن الطفل‬
‫يكتسب اللغة من محيطه اللغوي غير املتجانس و غير املثالي‪ ،‬عبر توسله للخصائص الفطرية‬
‫املوجودة في دماغه‪ .‬يرتبط هذا االعتبار بالقول بفطرية الكليات اللغوية‪ .‬أما بالنسبة للطرح‬
‫الوظيفي‪ ،‬فإن االكتساب اللغوي يتم عبر سلسلة من االكتشافات التي يقوم بها الطفل‪،‬‬
‫ليؤسس في النهاية نسق لغته األم بذلك تتحدد الكليات اللغوية وفقا لهذا املنظور من خالل‪:‬‬
‫أ – أهداف التواصل االجتماعي‪.‬‬
‫ب – التكوين النفس ي و البيولوجي ملستعملي اللغة الطبيعية‪.‬‬
‫ج – األوضاع التي تستعمل فيها العبارات اللغوية‪.‬‬
‫‪ – 4‬العالقة بين التركيب و الداللة و التداول‪ :‬يلح تشومسكي في العديد من أعماله على استقالل‬
‫التركيب‪ ،‬في حين يقدم النحو الوظيفي نفسه بوصفه دراسة للتركيب و الداللة من منظور‬
‫تداولي ‪،‬و ذلك سعيا إلى تحقيق ثالثة أنواع من الكفاية‪:‬‬
‫أ – الكفاية النمطية‪ :‬عبر وصفه للخصائص البنيوية للغات االطبيعية من منظور وظيفي‪ .‬يقول‬
‫ديك‪(1977 : 26):‬‬
‫"تعتبر نظرية ما لقسم من التراكيب كافية نمطيا ‪،‬في حدود سماحها بوصف التراكيب املالئمة‬
‫في لغات متباينة االختالف نمطيا‪ ،‬و ذلك بواسطة نفس املبادئ األساسية بدون أن تنحاز للغات‬
‫ذات نمط خاص"‪.‬‬
‫ب – الكفاية النفسية‪ :‬و ذلك بحرسه على مطابقة النماذج النفسية للقدرة اللغوية و السلوك‬
‫اللغوي‪ .‬تندرج النماذج النفسية ضمن نماذج اإلنتاج التي تحدد الكيفية التي يصوغ بها املتكلم‬

‫‪52‬‬
‫العبارات اللغوية‪ ،‬و نماذج الفهم التي تضبط الكيفية التي يؤول بها السامع هذه العبارات‬
‫اللغوية‪ .‬يقول املتوكل‪(1986 : 10):‬‬
‫"في إطار السعي إلى تحقيق الكفاية النفسية‪ ،‬يحاول النحو الوظيفي أن يكون قدر اإلمكان‬
‫مطابقا للنماذج النفسية سواء منها نماذج اإلتاج أو نماذج الفهم‪".‬‬
‫ج – الكفاية التداولية‪ :‬بتحديده للقدرة التداولية‪ ،‬إذ قدرة املتكلم هي قدرته على فهم القواعد‬
‫التداولية املتحكمة في إنتاج أنماط جملية تتنوع بتنوع أنماط املقامات‪ ،‬و بتركيزه على كيفية‬
‫توظيف هذه القدرة في عملية التفاعل االجتماعي‪.‬‬
‫يقول ديك‪ : (1977 : 26):‬يعتبر النحو كافيا تداوليا في حدود كشفه لخصائص العبارات‬
‫اللغوية املالئمة للكيفية التي استعملت بها‪ ،‬و ذلك بشكل تترابط فيه هذه الخصائص و القواعد‬
‫املتحكمة في التفاعل الكالمي"‪.‬‬
‫ينص ديك (‪ )12 : 1989‬على أنه لتحقيق الكفاية التداولية‪ ،‬ينبغي وضع النحو الوظيفي ضمن‬
‫نظرية أوسع للتفاعل الكالمي‪ ،‬التي هي مكون من مكونات نظرية مستعمل اللغة الطبيعية(ن م‬
‫ل ط)‪.‬‬
‫تشكل هذه االختالفات في نوع اإلجابات نقاط التمايز التي تفصل النموذج الوظيفي عن‬
‫النموذج غير الوظيفي‪ .‬تحدد هذه اإلجابات الفرضيات األساسية التي ينطلق منها كل نموذج و‬
‫التي تشكل فلسفته الخاصة‪.‬‬
‫يرتبط تحقيق األنواع الثالثة من الكفايات (الكفاية التداولية‪ -‬الكفاية النفسية‪ -‬الكفاية‬
‫النمطية) بالجهد الذي تبذله األنحاء لالبتعاد عن الحسية املفرطة أو التجريد الزائد‪ .‬لتفادي‬
‫النقيصة األخيرة يضع النحو الوظيفي جملة من القيود‪ ،‬يجملها سيمون ديك (‪ )1989‬كالتالي‪:‬‬
‫‪ – 1‬تجنب التحويالت أي العمليات املغيرة للبنية عبر نزع أو استبدال أو إبدال‪.‬‬
‫‪ – 2‬تفادي آليات التصفية‪ ،‬أي استراتيجيات الوصف التي تعمد بعد تخصيصها للعبارات‬
‫اللغوية املتواجدة داخل عبارات لغوية أخرى إلى حذف كل ما ليس له عالقة بالعبارات اللغوية‬
‫املخصصة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪- 3‬تجنب املحموالت الداللية املجردة أي تحليل الزمر املعجمية بتوسل مجموعة مستقلة من‬
‫املحموالت الداللية التوليدية ‪.‬‬
‫ربيعة العربي‬
‫الرتبة بين التركيب و التداول‬
‫السؤال ‪ :‬قدم نموذجا لتحليل عبارات لغوية وفق نظرية النحو الوظيفي ‪ ،‬ثم حدد اإلضافات‬
‫التي قدمته هذه الرؤية اللسانية ‪.‬‬
‫املناقشة ‪:‬‬
‫ينطلق النحو الوظيفي في تحليله للعبارات اللغوية من بناء الحمول‪ ،‬استنادا على األساس‬
‫‪fund‬الذي يضم املحموالت و الحدود‪ .‬يصوغ ديك (‪ )54 : 1989‬بخصوص املحموالت‬
‫الفرضيات التالية‪:‬‬
‫‪-‬تحلل كل الزمر املعجمية باعتبارها محموالت‪.‬‬
‫‪-‬نقيم تمييزا بين مختلف مقوالت املحموالت و املقوالت الفرعية للمحموالت‪ ،‬انطالقا من‬
‫خصائصها الصورية و الوظيفية‪ .‬تبعا لهذا نميز بين املحموالت الفعلية و املحموالت االسمية و‬
‫املحموالت الصفية‪.‬‬
‫‪-‬تشير املحموالت دالليا إلى خاصية أو عالقة‪.‬‬
‫‪-‬تنقسم املحموالت إلى محموالت أصول و محموالت مشتقة‪.‬‬
‫‪-‬توجد املحموالت األصول على شكل قوائم في املعجم‪ ،‬في حين أن املحموالت املشتقة تشتق‬
‫بواسطة قواعد تكوين املحموالت‪.‬‬
‫‪-‬ال تشتق املحموالت األصول بواسطة قواعد إنتاجية‪.‬‬
‫‪-‬ليست املحموالت عناصر معزولة‪ ،‬و إنما هي بنيات تسمى أطراحملية يستلزم بناء الحمول‬
‫االنطالق منها‪ .‬يضطلع اإلطار الحملي بتحديد صفات املحمول الداللية و التركيبية‪ ،‬و ذلك عبر‬
‫تحديد‪:‬‬
‫أ – صورة املحمول‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ب‪ -‬مقولته التركيبية ‪ :‬فعل ‪ -‬اسم – صفة – ظرف‪.‬‬
‫ج – محالت الحدود و يرمز إليها باملتغيرات (س ‪ ،1‬س ‪... 2‬س ن)‪.‬‬
‫د – الوظائف الداللية ‪ :‬منفذ ‪ -‬متقبل ‪ -‬مستقبل ‪ -‬مستفيد‪...‬‬
‫هـ – قيود االنتقاء التي ال تفرض إال على الحدود املوضوعات‪.‬‬
‫تمثيال لإلطار الحملي يقدم املتوكل (‪ )11 : 1986‬اإلطار الحملي للفعل " شرب " و اإلطار‬
‫الحملي للصفة " فرح"‪ ،‬و ذلك في ‪ 12‬أ و ‪ 12‬ب على التوالي‪:‬‬
‫‪- 12‬أ – شرب (س‪: 1‬حي(س‪ ))1‬منف (س‪ : 2‬مشروب (س‪ ))2‬متق‪.‬‬
‫ب – فرح ص (س‪ :1‬حي (س‪.))1‬‬
‫يرتبط اإلطار األصلي في املعجم بعدد من مسلمات املعنى ‪ meaning postulates‬تربط‬
‫املحمول إلى غيره من املحموالت في اللغة‪ .‬تصبح مسلمات املعنى هاته " تحديدات" املعنى‬
‫‪ ،meaning definitions‬إذا استعملت في عملية تخصيص معنى املحموالت‪ .‬أما املحموالت‬
‫املشتقة‪ ،‬فيتم تخصيصها في قاعدة تكوين املحموالت نفسها‪.‬‬
‫‪-‬تتأسس املحموالت املشتقة انطالقا من أطر حملية (مشتقة)‪ ،‬و ذلك بواسطة قواعد تكوين‬
‫املحموالت‪.‬‬
‫‪-‬األطر الحملية غير مرتبة‪ ،‬إذ الرتبة التي تقدم بها هي محض اصطالحية‪.‬‬
‫الحدود ‪ :‬يخضع ديك (‪ )55: 1989‬الحدود للفرضيات األساسية التالية‪:‬‬
‫‪-‬تحلل كل العبارات اللغوية املستعملة لإلحالة إلى الوحدات باعتبارها حدودا‪.‬‬
‫‪-‬ترتب الحدود من الزمر األبسط فاألعقد‪.‬‬
‫‪-‬نقيم تمييزا بين البنيات الحدية األصلية التي يفترض معرفتها معرفة مسبقة و البنيات‬
‫الحدية املشتقة التي نشتقها عبر توسل قواعد إنتاجية تسمى قواعد تكوين الحدود‪.‬‬
‫‪-‬تتخذ قواعد تكوين الحدود الصورة التالية‪:‬‬
‫‪ – Ω-;---;-- 13‬س أ(‪ Ф-;---;--‬س أ( ‪): Ф-;---;--2‬س أ‪):...: Ф-;---;--‬ن(س أ)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫حيث ‪( Ω-;---;--‬س أ)= "حمل مفتوح في س أ" يعمل مقيدا لقيم س أ املمكنة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬لبناء الحمول ننطلق من األساس الذي يضم محموالت و حدود‪ .‬يقدم املحمول في صورة‬
‫إطار حملي يضم محموال و عددا من املوضوعات‪ .‬عند ملء مواقع هذه املوضوعات نحصل على‬
‫حمل نووي‪.‬‬
‫نخصص هذا الحمل بإضافة عوامل و لواحق املستوى ‪ ،1‬حيث تخصص عوامل املحمول‬
‫(تام‪ -‬غير تام ‪ )....‬التنظيم الزمني الداخلي للواقعة‪ ،‬في حين تخصص لواحقه الكيفية و األداة‪...‬‬
‫بإضافة عوامل املحمول و لواحقه (املنتمية إلى املستوى‪ )1‬إلى الحمل النووي نحصل على‬
‫حمل مركزي الذي يمثله ديك (‪ )57 : 1989‬كالتالي‪:‬‬
‫‪ – 14‬ع أ ‪[ :‬حمل مركزي] (ع أ)‪.‬‬
‫ينعت ديك (‪ )57 : 1989‬الشكل (‪ )14‬ب "حمل مدمج" و يتم تخصيص هذا الحمل بتوسل‬
‫نمطين من العناصر هي‪:‬‬
‫‪-‬عوامل الحمل املنتمية إلى املستوى‪ ،2‬و هي عبارة عن وسائل نحوية تتوسل إلحالل الواقعة في‬
‫األنساق الزمنية و املكانية و املعرفية‪ ،‬ف " مص " عامل زمني يقوم بإحالل الواقعة في زمن سابق‬
‫لزمن التكلم زه و مم (ممكن) عامل معرفي يقوم بإحالل الواقعة في مجال معرفي بوصفها واقعة‬
‫يمكن حدوثها في عالم معين‪.‬‬
‫‪-‬لواحق الحمل املنضوية في إطار املستوى ‪ :2‬هي عبارة عن وسائل معجمية يمكن بواسطتها‬
‫إحالل الواقعة في األنساق املذكورة أعاله ‪ ،‬مثال ‪ :‬البارحة ‪ ،‬الحق زمني يحل الواقعة في زمن سابق‬
‫لزمن التكلم و "الكلية" الحق مكاني يحل الواقعة في مكان محدد‪.‬‬
‫بإضافة هذه التخصيصات (أي عوامل الحمل و لواحقه ذات املستوى الثاني ‪ 2‬ننتقل إلى‬
‫الحمل املوسع ‪ extended predication‬الذي يصوغه ديك (‪ )57 : 1989‬كالتالي‪:‬‬
‫‪- Π-;---;--2 15‬ع أ ‪ [[:‬حمل مركزي]]( ])‪ (σ-;---;--2‬ع أ‪).‬‬
‫حيث يرمز ‪ Π-;---;--2‬إلى عامل (أو عوامل) الحمل و يرمز ‪ σ-;---;--2‬إلى لواحق املستوى ‪2‬‬
‫مثال‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ – 16‬أ ‪ -‬مم مض ع أ ‪ [[:‬أرضع(األم) )(الطفل)] (ع أ)‬
‫ب – أرضعت األم الطفل‪.‬‬
‫اإلضافات التي حققتها نظرية النحو الوظيفي ‪:‬‬
‫تحدد الصورة العامة التي قدمناها للنحو الوظيفي جملة من املبادئ األساسية التي اتخذها هذا‬
‫النموذج سندا يرتكز عليه في مجمل التحليالت التي قدمها للظواهر اللغوية‪ .‬و قد حصر املتوكل‬
‫(‪ )127 – 126 :1989‬هذه املبادئ في‪:‬‬
‫أ – تعتبر اللغة بنية تركيبية – صرفية و داللية تنحصر وظيفتها األساسية في التواصل‪.‬‬
‫ب‪ -‬تقوم الخصائص الوظيفية للغات الطبيعية بالدور األول في تحديد الخصائص البنيوية‪.‬‬
‫ج – تتفاعل الخصائص الداللية و الخصائص التركيبية و الخصائص التداولية في تشكيل‬
‫البنية التركيبية الصرفية‪.‬‬
‫د – تقوم بين مكونات الجملة ثالثة أنماط من العالقات عالقات داللية و عالقات تركيبية و‬
‫عالقات تداولية‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬العالقات الداللية و العالقات التداولية عالقات " كلية" ‪،‬بمعنى أنها واردة في وصف جميع‬
‫اللغات الطبيعية على النقيض من العالقات "الوجهية" التي قد ال يحتاجها وصف بعض اللغات‪.‬‬
‫و – الوظائف التركيبية و الوظائف الداللية و الوظائف التداولية مفاهيم "أولى" و ليست‬
‫مفاهيم مشتقة‬
‫ز – ال يتم االنتقال من البنية الداللية إلى البنية الصرفية – التركيبية إال عبر توسل نسق قواعد‬
‫التعبير‪.‬‬
‫ك – تشتق الجملة بدءا بالبنية الداللية و انتهاء بالبنية الصرفية التركيبية ال العكس‪.‬‬
‫ل – ألغيت قواعد التحويل من جهاز النحو الوظيفي لعدم مالءمتها ملبدأ الكفاية النفسية‪.‬‬
‫م – يمثل ملحتوى املفردات ال باللجوء إلى نسق مجرد‪ ،‬و إنما باللجوء إلى اللغة موضوع‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫ت – البنية املنطلق منها في عملية اشتقاق الجملة بنية غير مرتبة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫تؤطر هذه املبادئ العامة املشروع التأسيس ي للنحو الوظيفي الذي يروم بلورة نموذج‬
‫مستعمل اللغة الطبيعية من خالل ضبط أنواع القوالب املشكلة لهذا النموذج و تحديد نمط‬
‫العالقات القائمة بين هذه القوالب‪ ،‬و بالتالي حصر االستراتيجيات اإلجرائية الالزمة ملقاربة‬
‫اإلنجاز التواصلي ملستعملي اللغات الطبيعية‪.‬‬
‫إنجازا لهذا املشروع يتخطى النحو الوظيفي في (ديك ‪ )1989‬حدود االنشغال بالقدرة اللغوية‬
‫ليهتم بأنماط من القدرات األخرى التي يحتم بناء نموذج مستعمل اللغة الطبيعية (ن م ل ط )‬
‫منحها قسطا وافرا من االهتمام ‪ .‬تتلخص هذه القدرات فيما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬القدرة اللغوية‪ :‬التي تجعل مستعمل اللغة الطبيعية (م ل ط ) قادرا على إنتاج و تأويل‬
‫العبارات اللغوية مهما بلغت درجة تعقيدها و مهما تعددت األوضاع التواصلية التي يمكن أن‬
‫تنجز فيها‪.‬‬
‫‪ – 2‬القدرة االبستيمية‪ :‬تمكن (م ل ط ) من أن يبني و يكشف األساس املعرفي املنظم إلنتاج‬
‫العبارات اللغوية و من أن يشتق معرفة انطالقا من هذه العبارات و من أن يوظف هذه املعرفة‬
‫في إنتاج و تأويل عبارات أخرى‪.‬‬
‫‪ – 3‬القدرة املنطقية‪ :‬تؤهل (م ل ط ) ألن يشتق انطالقا من أجزاء معينة من املعرفة أجزاء‬
‫أخرى‪ ،‬و ذلك عبر توسل قواعد التعليل التي ترصدها مبادئ املنطق االستنتاجي و االحتمالي‪.‬‬
‫‪ – 4‬القدرة االجتماعية‪ :‬تجعل (م ل ط ) مدركا ملا يقول و ملا يبغيه من إنجاز ما يقوله في مختلف‬
‫السياقات التواصلية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫النص الثاني عشر‬

‫النظرية الخليلية الحديثة‬


‫اتجهت النظرية الخليلية الحديثة إلى إعادة قراءة التراث اللغوي العربي األصيل‪ ،‬والبحث‬
‫حبا للقديم في ذاته‪ ،‬وال محافظة من أجل املحافظة ‪ ،‬ولكن بغية التنبيه إلى‬ ‫عن خباياه‪ ،‬ال ّ‬
‫الطفرة التلقائية املفاجئة ‪ ،‬التي أحدثها “سيبويه” وشيوخه وتالميذه في تاريخ علوم اللسان‬
‫البشري بعد أن تحامل عليهم كثير من الدارسين الذي تأثروا باملناهج الغربية الحديثة ‪.‬‬
‫لقد سعت النظرية الخليلية منذ ظهورها إلى بعث الجديد عبر إحياء املكتسب فتجاوزت‬
‫مرحلة االقتباس السلبي عند نقلها عن الغرب‪ ،‬أو عند نشرها عن العرب ‪ ،‬وتنطلق هذه النظرية‬
‫قي قراءتها للتراث وتأصيل أفكاره من منطلقين أساسيين هما ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال يفسر التراث إال التراث‪ ،‬فكتاب “سيبويه” ال يفسره إال كتاب “سيبويه”‪ .‬ومن الخطأ أن‬
‫ُ‬
‫نسقط على التراث مفاهيم وتصورات دخيلة تتجاهل خصوصياته النوعية‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن التراث العربي في العلوم اإلنسانية عامة واللغوية خاصة ليس طبقة واحدة من حيث‬
‫األصالة واإلبداع‪ ،‬فهناك تراث وتراث!‬
‫فالتراث الذي تعلقت به النزعة الخليلية الحديثة هو التراث العلمي اللغوي األصيل الذي‬
‫تركه أولئك العلماء املبدعون الذين عاشوا في زمان الفصاحة اللغوية األولى‪ ،‬وشافهوا فصحاء‬
‫العرب‪ ،‬وقاموا بالتحريات الواسعة النطاق للحصول على أكبر مدونة لغوية شاهدها تاريخ‬
‫العلوم اللسانية‪ .‬وأما الذين جاؤوا من بعدهم فكانوا عالة عليهم‪ ،‬إذ ضيقوا حدود النحو‬
‫الواسعة‪ ،‬واستبدلوا مفاهيم القدماء اإلجرائية النشطة بمفاهيم أخرى جامدة تأملية‪ ،‬مع بقاء‬
‫نفس األلفاظ التي تدل عليها في الغالب ‪.‬‬
‫لقد اعتمد العلماء العرب‪ ،‬ورائدهم في ذلك الخليل‪ ،‬في تحليلهم للظاهرة اللغوية عددا من‬
‫املفاهيم واملبادئ اللغوية التي سيكون لها دور عظيم في تفسير العالقات املعقدة املجردة الكامنة‬
‫وراء اللغة‪ ،‬ومن ثمة في تطوير معلوماتنا حول الظواهر اللغوية‪ ،‬ومن الغريب جدا – كما يقول‬
‫الدكتور الحاج صالح – أن تكون هذه األعمال التي ال تضاهيها إال ما أبدعه العلماء الغربيون في‬
‫أحدث أعمالهم‪ ،‬مجهولة تماما في كنهها وجوهرها عند كثير من الدارسين واالختصاصيين‬
‫املعاصرين ‪ ،‬ومن ببين أهم هذه املبادئ نذكر املفاهيم اآلتية‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ – 1 – 2‬مفهوم االستقامة‪:‬‬
‫يميز “سيبويه” في الكتاب بين السالمة الراجعة إلى اللفظ‪ ،‬والسالمة الخاصة باملعنى‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫يميز أيضا بين السالمة التي يقتضيها القياس (أي النظام العام الذي يميز لغة من لغة أخرى)‬
‫والسالمة التي يفرضها االستعمال الحقيقي للناطقين‪ ،‬وذلك في قوله في باب “االستقامة من‬
‫الكالم واإلحالة” ‪» :‬فمنه مستقيم حسن‪ ،‬ومحال‪ ،‬ومستقيم كذب‪ ،‬ومستقيم قبيح‪ ،‬وما هو‬
‫محال كذب‪ ،‬فأما املستقيم الحسن فقولك‪ :‬أتيتك أمس‪ ،‬وسآتيك غدا‪ ،‬وأما املحال فأن تنقض‬
‫ْ‬
‫أول كالمك بآخره فتقول‪ :‬أتيتك غدا‪ ،‬وسآتيك أمس‪ .‬وأما املستقيم الكذب فقولك‪ :‬حمل ُت‬
‫وشربت ماء البحر ونحوه‪ ،‬وأما املستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو‬‫ُ‬ ‫الجبل‪،‬‬
‫قولك‪ :‬قد زيدا رأيت‪ ،‬وكي زيد يأتيك وأشباه هذا‪ .‬وأما املحال الكذب فأن تقول‪ :‬سوف أشرب ماء‬
‫البحر أمس ‪.‬‬
‫فواضح من هذا الكالم أن “سيبويه” يحدد مفهوم السالمة وعالقتها باللفظ واملعنى من‬
‫ناحية‪ ،‬والقياس واالستعمال من ناحية أخرى‪ .‬فهناك املستقيم الحسن‪ ،‬واملستقيم القبيح‪،‬‬
‫واملستقيم املحال‪ ،‬ويمكن صياغة هذه املعاني بشكل آخر أكثر وضوحا‪:‬‬
‫–فاملستقيم الحسن = السليم في القياس واالستعمال جميعا‪.‬‬
‫–واملستقيم القبيح = السليم في القياس وغير السليم في االستعمال‪.‬‬
‫–وأما املستقيم املحال = سليم في القياس واالستعمال‪ ،‬غير سليم من حيث املعنى‪.‬‬
‫ومن ثم جاء التمييز املطلق بين اللفظ واملعنى‪ ،‬ومعنى ذلك أن اللفظ إذا حدد أو ّ‬
‫فسر‬
‫باللجوء إلى اعتبارات تخص املعنى فالتحليل هو تحليل معنوي‪ ،‬أما إذا حصل التحديد والتفسير‬
‫على اللفظ دون أي اعتبار للمعنى فهو تحليل نحوي‪ ،‬والخلط بينهما – كما يقول الدكتور عبد‬
‫الرحمن الحاج صالح – يعتبر خطأ وتقصيرا »وقد بنى على ذلك النحاة أن اللفظ هو األول‪ ،‬ألن‬
‫هو املتبادر إلى الذهن أوال ثم يفهم منه املعنى‪ ،‬ويترتب على ذلك أن االنطالق في التحليل يجب‬
‫أن يكون من اللفظ في أبسط أحواله وهو االنفراد ‪.‬‬
‫‪ – 2 – 2‬مفهوم االنفراد‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫ينطلق النحاة األوائل في تحليلهم للغة من “االسم املفرد” باعتباره النواة أو األصل الذي‬
‫تفرع عنه أشياء أخرى‪ .‬وقد أطلق “الخليل” على هذا املفهوم مصطلح “االسم املظهر املضمر)‪،‬‬
‫كما أطلق عليه “ابن يعيش” و”الرض ي اإلسترباذي” مصطلح اللفظة‪.‬‬
‫واللفظة في اللسانيات الخليلية عمادها الوقف واالبتداء‪ ،‬فهي أقل ما ُي ُ‬
‫نطق به مما ينفصل‬
‫ُفيسكت عنده وال يلحق به ش يء‪ .‬أو ي ْبت ِدئ فال يسبقه ش يء‪ .‬فما ينفرد وينطلق‪ ،‬أو ما ينفصل‬
‫ويبتدئ هو صفة االنفراد‪ .‬ومما تجدر اإلشارة إليه‪ ،‬أن كل وحدة لغوية قابلة لالنفصال عما‬
‫قبلها أو ما بعدها من الوحدات؛ بمعنى أن كل وحدة لغوية يمكن االبتداء بها والوقوف عليها‬
‫حسب موقعها في الكالم‪.‬‬
‫فمن األلفاظ ما ينفصل ويبتدئ مثل‪“ :‬الرئيس” في نحو قولنا‪“ :‬جاء الرئيس” و”الرئيس جاء”‪.‬‬
‫ومنها ما ينفصل وال يبتدئ مثل ضمير “تاء الفاعل” و”نا املضاف إليه في نحو قولنا‪“ :‬خر ْج ُت”‬
‫و” ُ‬
‫كتابنا”‪ .‬ومنها ما يبتدئ وال ينفصل مثل حرف الجر في نحو قولنا‪“ :‬في التأني السالمة‪”.‬‬
‫ويحمل النحاة “اللفظة” على غيرها من املثل والنماذج فتفرع إلى لفظات هي نظائر للنواة‪،‬‬
‫ولكنها أوسع منها‪ ،‬من خالل تعاقب زيادات قبلية وبعدية عليها دون أن تفقد وحدتها أو تنفرد‬
‫فيها أجزاؤها‪ ،‬فال تخرج عن كونها لفظة (أي قطعة واحدة)‪ .‬وسمى النحاة هذه القابلية للزيادة‬
‫يمينا ويسارا “التمكن” والحظوا أن لهذا التمكن درجات تترتب كاآلتي‪:‬‬
‫أ – املتمكن األمكن‪ ،‬الذي يحمل معناه بداخله وال يحتاج إلى غيره‪ ،‬ويتمثل في اسم الجنس‬
‫املنصرف كرجل وفرس وشجرة‪.‬‬
‫ب – املتمكن غير األمكن‪ ،‬ويتمثل في املمنوع من الصرف‪.‬‬
‫جـ – غير املتمكن وال أمكن‪ ،‬ويتمثل في االسم املبني‪.‬‬
‫محمد صاري‬
‫املفاهيم األساسية للنظرية الخليلية الحديثة‬
‫السؤال ‪ :‬تطرق النص لبعض مفاهيم النظرية الخليلية الحديثة ‪ ،‬أثر النص بمفاهيم أخرى‬
‫املناقشة ‪:‬‬
‫مفهوم األصل والفرع‪:‬‬
‫‪61‬‬
‫مما ال شك فيه أن املفهوم الذي ينبني عليه ال النحو العربي فحسب‪ ،‬بل علوم العربية‬
‫كلها هو مفهوم األصل والفرع‪ .‬وقد جعل “الخليل” و”سيبويه” النظام اللغوي كله أصوال‬
‫وفروعا‪ ،‬والفرع هو األصل مع زيادة‪ ،‬أي مع ش يء من التحويل‪ ،‬ويحصل ذلك بتفريع بعض‬
‫العبارات عن عبارات أخرى تعتبر أبسط منها وبالتالي أصوال لها‪ .‬ويبين ذلك النحاة العرب‬
‫باللجوء إلى منهج علمي هو ما يسمونه حمل الش يء على الش يء أو إجرائه عليه بغية اكتشاف‬
‫الجامع الذي يجمعها‪ ،‬وهو البنية التي تجمع بين األنواع الكثيرة من الجمل‪ ،‬كما توضحها‬
‫املتتاليات من الجمل التي أوردها سيبويه في كتابه ‪:‬‬
‫وذاهب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اكب‬
‫برجل ر ٍ‬
‫مررت ٍ‬
‫فذاهب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اكب‬
‫برجل ر ٍ‬
‫مررت ٍ‬
‫ذاهب‪.‬‬
‫اكب ثم ٍ‬
‫برجل ر ٍ‬
‫مررت ٍ‬
‫ساجد (بمنزلة إما وإما…)‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اكع أو‬
‫برجل ر ٍ‬
‫مررت ٍ‬
‫اكع ال ساجد (إما غلط فاستدرك وإما نس ي فتذكر)…الخ‪.‬‬
‫برجل ر ٍ‬
‫مررت ٍ‬
‫وينطلقون في ذلك من أبسطها وهي التي تتكون من عنصرين؛ “زيد منطلق”‪ ،‬فيحملون عليها‬
‫جمال أخرى تكون فيها زيادة بالنسبة إلى الجملة البسيطة‪ ،‬بحيث تظهر بذلك كيفية ّ‬
‫تحول النواة‬
‫بالزوائد‪ ،‬وهي في الحقيقة مقارنة بنوية أساسها تطبيق مجموعة على مجموعات أخرى طردا‬
‫ّ‬
‫واملكبر أصل‬ ‫وعكسا‪ .‬فاملذكر مثال أصل واملؤنث فرع‪ ،‬واملفرد أصل واملثنى والجمع فرع عليه‪،‬‬
‫ّ‬
‫واملصغر فرع عليه‪ ،‬والجملة املبنية للفاعل أصل للجملة املبنية للمفعول‪ .‬وقد اعتبر شومسكي‬
‫الجملة املبنية للفاعل نواة ومنطلقا للتفريع‪.‬‬
‫واألصل عند األئمة النحاة هو ما ُبني عليه ولم يبن على غيره‪ ،‬وال يحتاج إلى عالمة ليتميز بها‬
‫عن فروعه فله العالمة العدمية‬
‫والنحو العربي العلمي‪ ،‬ال التعليمي أو الفلسفي‪ ،‬هو مجموع املثل والقواعد التي يمكن أن‬
‫تفرع بها وعليها جميع اإلمكانات التعبيرية الخاصة بالوضع العربي‪ .‬فهذا الجانب الديناميكي للغة‬
‫تجهله اللسانيات البنوية التقليدية ألنها تركز كل اهتمامها على تشخيص الوحدات في ذاتها‬
‫وباالعتماد على تقابل الصفات الذاتية التي تميزها عن غيرها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مفهوم الحركة‪:‬‬
‫مفهوم غامض في أذهان كثير من املستشرقين واللغويين العرب الذين لم يتجردوا بعد‬
‫من التصورات التي ورثها الغربيون عن الحضارة اليونانية‪ .‬ووجه الغموض في هذا املفهوم راجع‬
‫إلى عدم تمييز هؤالء بين الحركة كصوت مسموع( أي مصوت )‪=voyelle‬ال يقوم مقام الحرف‬
‫ولكنه من جنسه‪ ،‬ولذلك سميت حروفا صغيرة‪ ،‬والحركة التي تمكن من إخراج الحرف ووصله‬
‫بغيره‪ ،‬والخروج منه إلى حرف آخر‪ .‬وهذا هو املفهوم الذي يقصده القدماء من الحركة‪ .‬قال‬
‫الرماني في شرحه لكتاب “سيبويه” ‪» :‬الحركة تمكن من إخراج الحرف‪ ،‬والسكون ال يمكن من‬
‫ذلك« وقال أيضا ‪» :‬وإذا تحرك الحرف اقتض ى الخروج منه إلى حرف آخ ‪ ،‬ومعنى ذلك أن الحرف‬
‫ال يحدث إال في مدرج صوتي‪ ،‬أي في سياق متسلسل ‪.‬‬

‫ْ‬
‫وقال ابن جني ‪ …» :‬ألن أصل اإلدراج للمتحرك إذ كانت الحركة سببا له وعونا عليه ‪.‬وعلى‬
‫هذا األساس‪ ،‬فإن الحركة عند العلماء األوائل هي الدفعة والنقلة العضوية والهوائية التي تيهئ‬
‫املتكلم ملا بعدها‪ ،‬إذ يحتاج إليها لالنتقال من مخرج حرف إلى مخرج حرف آخر‪ ،‬وكذلك من كلمة‬
‫إلى كلمة أخرى ‪ ،‬فهي إطالق بعد حبس‪ ،‬عكس السكون الذي هو وقف ال يستلزم االنتقال إلى‬
‫حرف آخر‪.‬‬
‫مفهوم العامل‪:‬‬
‫يعد العامل‪ ،‬أو العمل النحوي الفكرة الجوهرية التي تتأسس عليها نظرية النحاة‬
‫العرب‪ ،‬ويعني القدماء بالعامل العنصر اللغوي الذي يؤثر لفظا ومعنى على غيره كجميع األفعال‬
‫العربية وما يقوم مقامها‪ ،‬فهو معقول من منقول ‪.‬فكل حركة من الحركات اإلعرابية التي تظهر‬
‫على أواخر الكلم‪ ،‬وكذلك كل تغيير يحدث في املبنى واملعنى إنما يجيء تبعا لعامل في التركيب‪ ،‬فال‬
‫ّ‬
‫يكون‬
‫نجد معموال إال وتصور له العلماء األوائل عنصرا لفظيا أو معنويا هاما هو العامل الذي ِ‬
‫مع معموله زوجا مرتبا ‪ (couple ordonné).‬وههنا ينطلق النحاة من العمليات الحملية اإلجرائية‬
‫(حمل الش يء على الش يء) فيحملون مثال أقل الكالم مما هو أكثر من لفظة وينطلقون من‬
‫الجملة التي تتكون من عنصرين‪ ،‬كما سبق وأن أشرنا‪ ،‬نحو ‪ :‬زيد منطلق‪ ،‬ثم يشرعون في تحويلها‬
‫بالزيادة مع إبقاء النواة (كما فعلوا باللفظة) للبحث عن العناصر املتكافئة‪ ،‬أي البنية التي تجمع‬
‫ّ‬
‫وتشترك فيها األنواع الكثيرة بل الالمتناهية من الجمل‬
‫‪63‬‬
‫هذا ويصرح “سيبويه” في “الكتاب” أن عنصرين اثنين ال تكاد تخلو منهما أبدا البنية اللفظية‬
‫للجملة‪ ،‬وهما العامل واملعمول األول‬

‫‪64‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الدرس عنوان الدرس‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪4‬‬ ‫مناهج ما قبل اللسانيات‬ ‫‪1‬‬
‫‪9‬‬ ‫اللسانيات البنوية‬ ‫‪2‬‬
‫‪15‬‬ ‫مبادئ فرديناند دو سوسير اللسانية‬ ‫‪3‬‬
‫‪19‬‬ ‫األسلوبية ( شارل بالي )‬ ‫‪4‬‬
‫‪29‬‬ ‫االتجاه الوظيفي في اللسانيات‬ ‫‪5‬‬
‫‪32‬‬ ‫املدارس اللسانية الوظيفية‬ ‫‪6‬‬
‫‪39‬‬ ‫التقطيع املزدوج ألندري مارتيني‬ ‫‪7‬‬
‫‪41‬‬ ‫اللسانيات األمريكية‬ ‫‪8‬‬
‫‪43‬‬ ‫اللسانيات التوليدية التحويلية و جهود نوام تشومسكي‬ ‫‪9‬‬
‫‪47‬‬ ‫‪ 10‬اللسانيات التداولية‬
‫‪51‬‬ ‫‪ 11‬النحو الوظيفي عند سيمون ديك‬
‫‪59‬‬ ‫‪ 12‬النظرية الخليلية الحديثة‬

‫‪65‬‬

You might also like