Professional Documents
Culture Documents
زاد الراغب في شرح دليل الطالب 1
زاد الراغب في شرح دليل الطالب 1
1
تستبدل بصفحة حقوق الطبع
اخلاصة بالناشر
2
تستبدل أيضا هذه الصفحة خبط خطاط
الكتاب إن وجد
زاد الراغب
يف شـرح دليل الطالب اجلزء األول
3
4
5 مـقـدمــة املؤلف
e E
F
إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله
إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران.]102:
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء.]1:
(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [األحزاب .]11:أما بعد:
فإن أعظم أمر ينبغي للمسلم أن يهتم به هو معرفة دين اإلسالم بأدلته وما بعث
اهلل به محمد ًا ﷺ ،وطريق هذا هو طلب العلم الشـرعي.
وهذا شـرح متوسط لكتاب دليل الطالب لنيل المطالب يف مذهب إمام أهل
السنة أحمد بن حنبل تأليف الشـيخ مرعي الكرمي $قصدت منه تقريب ما حواه
الكتاب بشرح لفظه وبيان المذهب بدليله وتعليله وتصور المسألة بال تطويل
ليكون بين يدي الراغب يف ضبط فقه مذهب اإلمام أحمد دون الخوض يف
الخالفات إال ما ال بد منه.
ويف بداية هذا الشـرح أبين بعض المقدمات:
املقدمة األوىل :العلم الشـريع من أعظم ما عمرت به األوقات ،وشغلت به
الساعات ،و ُتقرب به إلى رب الربيات وأهله عند اهلل يف المنازل العاليات ،فهم
ورثة األنبياء وحراس الشـريعة وحفظة دين اإلسالم وفضائله وشـرف أهله وثواب
طالبه كثيرة ،ذكر ابن القيم يف كتابه [مفتاح دار السعادة] أكثر من مائة وخمسين
5
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 6
6
7 مـقـدمــة املؤلف
1
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 8
6
9 مـقـدمــة املؤلف
فالتفقه يف الشـرع عبادة عظيمة؛ قال الزهري« :ما ُعبِدَ اهلل بمثل الفقه».
والفقه هو دعامة الدين و ُلب الشـريعة ،فعلى طالب العلم أن يبذل يف طلبه
وسعه ويفني فيه عمره ويقرن هذا بالدليل من الكتاب والسنة.
املقدمة اثلاثلة :انلاس جتاه كتب الفقه ىلع أصناف ثالثة:
ِنف غلوا فيها ،وتعصبوا لما ذكره أِحاب مذهبهم ولو جاءهم الحق
مخالفًا لما يف مذهبهم لردوه؛ وهذا خطأ و غلو مذموم.
وِنف جفوها وذموا المشتغلين بالفقه ،وهذا جفاء وِاحبه يحرم علمًا كثير ًا
ويأيت بأقوال شاذة لم يسبق إليها.
وِنف توسطوا بين هذين الصنفين ،ومنهاهم مبني على معالم ،وهي:
أن كتب الفقه كنز عظيم وثروة هائلة وفيها علم غزير ال يوجد يف غيرها ،ومن
َقصـر يف النظر فيها بان الخلل يف علمه.
تحديد كتاب يف الفقه ودراسة ما فيه من المسائل وتصورها واالستفادة منه.
عدم التعصب لمذهب معين ،بل إذا كان المذهب مخالفًا للنص قالوا بما وافق
الكتاب والسنة ولو خالف المذهب ،وهذا منهج أكابر العلماء؛ وطريقتهم يف
التعامل مع ما كتبه الفقهاء رحمهم اهلل مبنية على أِلين:
األول :االستفادة من كتب العلماء والفقهاء.
الثاين :عدم التعصب ألحد غير محمد ﷺ؛ كما قرر هذا أئمة هذا الشأن.
قال اإلمام مالك« :كل يؤخذ من قوله ويرتل إال ِاحب هذا القرب وأشار إلى
الحارة» .وقال الشافعي« :إذا رأيتم قولي مخالفًا للحديث ،فخذوا بالحديث،
واضـربوا بقولي الادار».
منهج العلماء ممن نشؤا بعد تدوينها
ُ واالستفادة من كتب الفقه ودراستها
كشـيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن كثير وابن مفلح وابن عبد
الرب والعز بن عبد السالم والنووي والذهبي وأئمة الدعوة وغيرهم من علمائنا،
2
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 10
وهذا هو المنهج األتم والطريقة المثلى لتحصـيل علم الشـريعة ،واهلل أعلم.
املقدمة الرابعة :للحنابلة يف الفقه كتب مهمة:
األول[ :مختصـر الخرقي] :وهو من أشهر المختصـرات يف مذهب اإلمام
أحمد ،وهو مختصـر بديع لم يشتهر متن عند المتقدمين اشتهاره ،واعتنى به
العلماء حتى قال الشـيخ عز الدين المصـري« :ضبطت للخرقي ثالثمائة شـرح».
وقال الربمكي« :عدد مسائل الخرقي ألفان وثالثمائة مسألة».
وأعظم شـروحه وأشهرها[ :المغني] لإلمام موفق الدين المقدسـي.
وطريقته يف هذا الشـرح :أنه ياعل المسألة من الخرقي كالرتجمة ،ثم يأيت على
شـرحها وتبيينها وما دلت عليه من المسائل بمنطوقها ومفهومها ،ثم يتبع ذلك ما
يشبهها مما ليس بمذكور يف الكتاب.
ويبين غالبًا روايات اإلمام هبا ،ويتصل البيان بذكر األئمة من أِحاب
المذاهب األربعة من ماتهدي الصحابة والتابعين وتابعيهم وما لهم من الدليل
ال من أولئك األقوال على طريقة فن الخالف والادل، والتعليل ،ثم يرجح قو ً
ويتوسع يف فروع المسألة فأِبح كتابه مفيد ًا للعلماء على اختالف مذاهبهم.
قال ابن مفلح« :اشتغل الموفق بتأليف المغني أحد كتب اإلسالم فبلغ األمل يف
إهنائه ،وهو كتاب بليغ يف المذهب تعب فيه وأجاد فيه ،وجمل به المذهب وقرأه
عليه جماعة ،وأثنى ابن غنيمة على مؤلفه؛ فقال :ما أعرف أحدا يف زماننا أدرل
درجة االجتهاد إال الموفق.
وقال الشـيخ عز الدين ابن عبدالسالم« :ما رأيت يف كتب اإلسالم مثل المحلى
البن حزم وكتاب المغني للشـيخ موفق الدين يف جودهتما وتحقيق ما فيهما ،ونقل
عنه أنه قال :لم تطب نفسـي باإلفتاء حتى ِارت عندي نسخة المغني».
وذكر عن الزيراين« :أنه طالع المغني ثالثًا وعشـرين مرة وعلق عليه حواشـي».
10
11 مـقـدمــة املؤلف
الثاين[ :المقنع] :البن قدامة ،وهو وسط وجامع ألكثر األحكام عارية عن
الدليل والتعليل .وقد اشتهر عند العلماء قريبًا من اشتهار مختصـر الخرقي.
وأوىف شـروحه [الشـرح الكبير] .البن أبي عمر المقدسـي فإنه شـرحه شـرحًا
وافيًا سماه بالشايف واعتمد يف جمعه على كتاب المغني ،وذكر فيه من غيره ما لم
ياده فيه من الفروع والوجوه والروايات ،ولم يرتل من كتاب المغني إال شـيئًا
يسـير ًا من األدلة.
وكتاب [اإلنصاف يف معرفة الراجح من الخالف] للمرداوي قيده على المقنع،
النكباب الناس عليه ،وذكر فيه الروايات الواردة يف المسائل عن اإلمام أحمد ،مع
بيان الراجح منها بالقياس على قواعده وأِوله ونصوِه ،وكثير ًا ما يضع تنبيهات
وفوائد وثمرات الخالف يف المذهب مما تقر به عين الفقيه.
الثالث[ :اإلقناع لطالب االنتفاع] :للعالمة موسـى الحااوي:
وقد شـرحه البهويت شـرحًا مفيد ًا بكتابه [كشاف القناع عن متن اإلقناع].
الرابع[ :الفروع] للشـيخ أبي عبداهلل محمد بن مفلح المتوىف سنة (163هـ).
قال ابن بدران« :وهذا الكتاب قل أن يوجد نظيره» .وقال الحافظ ابن حار يف
الدرر الكامنةِ« :نف ابن مفلح الفروع يف مالدين أجاد فيهما إلى الغاية ،وأورد
فيه من الفروع الغريبة ما هبر به العلماء» .وقال ابن كثير« :كان مؤلفه بارعًا فاضال
متفننًا يف علوم كثيرة والسـيما علم الفروع ،وله على المقنع نحو ثالثين مالدة».
الخامس[ :منتهى اإلرادات يف جمع المقنع مع التنقيح وزيادات] :وهو كتاب
مشهور وعمد ٌة لمتأخري الحنابلة وعليه الفتوى فيما بينهم تأليف ابن الناار ،جمع
فيه بين المقنع البن قدامة والتنقيح للمرداوي وزاد عليهما أشـياء مهمة.
وقد اعتمده المتأخرون حتى كاد ينسـي ما قبله من متون المذهب ،فعكف
الناس عليه شـرحًا وتحشـي ًة واختصار ًا وجمعًا له مع غيره ،وهو مع اإلقناع
عليهما مدار الفتيا ومرجع القضاء ،فإذا اختلفا رجع األِحاب إلى غاية المنتهى.
11
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 12
12
13 مـقـدمــة املؤلف
13
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 14
14
15 مـقـدمــة املؤلف
وقال شـيخه عبدالرزاق« :ما قدم علينا أحدٌ كان يشبه أحمد بن حنبل».
وقال الذهبي« :كان أحمد عظيم الشأن ،رأسًا يف الحديث ،ويف الفقه ،ويف التأ ّله.
أثنى عليه خلق من خصومه ،فما الظن بإخوانه وأقرانه ،وكان مهيبًا يف ذات اهلل .حتى
قال أبو عبيد القاسم بن سالم ما هبت أحد ًا يف مسألة ما هبت أحمد بن حنبل».
رأيت
ُ رأيت أحد ًا أجمع لكل خير من أحمد ،وقدُ وقال يحيى الشامي« :ما
سفيان بن عيينة ووكيعًا وعدة من العلماء ،فما رأيت مثل أحمد يف علمه ،وفقهه،
وزهده ،وورعه».
وقال يحيى بن معين« :كان يف أحمد خصال ما رأيتها يف عالم قط :كان محدثًا
وكان حافظًا ،وكان عالمًا ،وكان ورعًا ،وكان زاهد ًا ،وكان عاقالً».
وقال تلميذه أبو داود ِاحب السنن« :لقيت مائتين من مشايخ العلم ،فما
رأيت مثل أحمد بن حنبل لم يكن يخوض فيما فيه النااس من أمر الدنيا .فإذا ُذكر
العلم تكلم».
وقال أبو داود أيضًا« :كانت ماالس أحمد بن حنبل ماالس اآلخرة .ال ُيذكر
رأيت أحمد ذكر الدنيا قط».
فيها شـيء من الدنيا .ما ُ
وقال الحافظ ابن كثير« :وقد ِناف أحمد يف الزهد كتابًا حافالً عظيمًا ،لم
ُيسبق إلى مثله ،ولم َي ْلـــحقه أحدٌ فيه .والمظنون بل المقطوع به أنّه إنّما كان يأخذ
بما أمكنه منه».
املقدمة السادسة :فقه اإلمام أمحد مبين ىلع مخسة أصول ،ويه:
األول :النصوص ،فإذا وجد النّص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى من خالفه.
الثاين :ما أفتى به الصحابة ،فإناه إذا وجد لبعضهم فتوى ال ُيعرف له مخالف
منهم فيها لم َي ْعدُ ها إلى غيرها.
الثالث :إذا اختلف الصحابة تخ اير من أقوالهم ما كان أقرهبا إلى الكتاب
والسناة ،ولم يخرج من أقوال الصحابة ،فإن لم يتب اين له موافقة أحد األقوال ،حكى
15
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 16
16
17 مـقـدمــة املؤلف
11
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 18
16
19 مقدمة املـــنت
e J
F
الرمحن ه ه
اَّللِ ه
حيم).
الر ِ ِ بسم
قوهلِ ( :
ابتدأ المؤلف كتابه بالبسملة ،وهذا مستحب أن تبدأ به الرسائل والكتابات:
ال :اقتدا ًء بكتاب اهلل حيث ُبدئت كل ُس َور ِه بذلك إال التوبة.
أو ً
ثانيًا :اتباعًا لسنة رسوله ﷺ حيث كان يبتد هبا يف كتاباته كما يف كتابه لهرقل
وِلح الحديبية.
ال وتأدبًا ومراعاة؛ لقوله تعالى﴿ :ﮎ ﮏ
ثالثًا :تربكًا بذكر اسم اهلل تعالى أو ً
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الحارات.]1 :
الر ِح ْي ِمَ :أ ْق َطع»(،)1 ِ ِ ِ وأما حديثُ « :ك ُّل َأم ُر ِذي َب ُ
ال ي ْبدَ ُأ فيه بِبِ ْس ِم اهلل ا
الر ْح َم ِن ا ال َ ْ
ال َ
ال فإنه ضعيف ال تقوم بمثله حاة .ويف المسند مرفوعًاُ « :ك ُّل َكالَمَُ ،أ ْو َأم ُر ِذي َب ُ
ْ
ُي ْفت َُح بِ ِذك ِْر اهللَِ ،ف ُه َو َأ ْبت َُرَ ،أ ْو َق َالَ :أ ْق َط ُع»( .)2وهو ضعيف أيضًا.
ي). احلمد هَّلل َر ِّب العالَم َ
ُ
قوهل( :
ِ ِ
استفتح كتابه بحمد اهلل اقتداء برسول اهلل ﷺ ،فقد ِح عنه ﷺ أنه كان يبدأ يف
ِ ِ ِ خطبه بالحمد ،وأما حديثُ « :ك ُّل َأم ُر ِذي َب ُ
ع» [أخرجه ابن ال ُي ْبدَ ُأ فيه بِا ْل َ
ـــح ْمدَ ،أ ْق َط ُ ال َ ْ
ماجه]( .)3فهو حديث ضعيف ،وقد رجح بعض أهل العلم إرساله.
( )1أخرجه الخطيب البغدادي يف الاامع ألخالق الراوي وآداب السامع ( )60/2عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ.
وضعفه ابن حار يف فتح الباري ( ،)220/6واأللباين يف إرواء الغليل برقم (.)1
( )2أخرجه أحمد يف مسنده ( )6621عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ.
( )3أخرجه ابن ماجه (- )1624هبذا اللفظ ،-وعند النسائي يف الكربى ( ،)10326بلفظ« :بحمد اهلل فهو
أقطع» .وأبو داود ( ،)4640بلفظ« :بِا ْل َح ْمدُ لِله َف ُه َو َأ ْج َذ ُم» .عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ .وضعفه ابن حار يف فتح
الباري ( ،)220/6واأللباين يف إرواء الغليل حديث رقم ( .)2وقد رجح بعض العلماء أنه مرسل .انظر:
المرجع السابق ،والتلخيص الحبير (.)151/3
12
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 20
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [النساء﴿ ،]1 :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [آل عمران﴿ ،]102 :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾
[األحزاب.)1(»]11 ،10 :
قال شـيخ اإلسالم« :حديث ابن مسعود لم يخص النكاح وإنما هي خطبة لكل
حاجة يف مخاطبة العباد بعضهم لبعض».
فالبداية هبا مطلوبة ،وهي مقدا َمة على غيرها من الخطب ألمور:
ما فيها من جمع الثناء والصالة على رسول اهلل ﷺ.
أهنا ثابتة من فعله ﷺ ،كحديث ابن عباس ﭭ يف قصة ضماد أنه بدأ هبا لما
خاطبه( ،)2وحديث ابن مسعود ﭬ حيث علمها الصحابة ﭫ؛ ولذا استحب
البداءة هبا طائفة منهم شـيخ اإلسالم واأللباين.
قال شـيخ اإلسالم« :ولهذا اس ُتحبت وفعلت يف مخاطبة الناس بالعلم عمومًا،
وخصوًِا من تعليم الكتاب والسنة والفقه يف ذلك ،وموعظة الناس وماادلتهم
أن ُيفتتح هبذه الخطبة الشـرعية النبوية».
وحسنه ،والنسائي ( ،)3211وابن ماجه
ا ( )1أخرجه أبو داود ( )2116هبذا اللفظ ،والرتمذي ()1105
( ،)1622وِححه ابن الملقن يف البدر (.)530/1
( )2أخرجه مسلم يف ِحيحه (.)666
20
21 مقدمة املـــنت
إال أنه ال يؤمر اإلنسان بالتزامها يف كل خطبة وأمر ،فلم ينقل عن رسول اهلل ﷺ
التزامه هبا ،وكذا الذي سار عليه علماء اإلسالم من الصحابة ومن بعدهم لم ينقل
عنهم التزام البداءة هبا يف كل رسالة وخطاب ،واهلل أعلم بالصواب(.)1
وم ِّ
ِ
ُ َ رشيك َهلُ
َ َ َ ه هُ ُ
ين).
ِ ادل ي ِك ل ما ، ال هوحد اَّلل قوهل( :وأشهد أن ال هلإ إال
أي أقر وأعرتف بأنه ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ،وهذا األمر أعظم فريضة
على العباد علمًا وعمالً؛ ألجلها ُأرسلت الرسل ،و ُأنزلت الكتب ،و ُنصبت
الموازين ،وجردت السـيوف للاهاد ،وقامت سوق الانة والنار ،وانقسم الناس
إلى مؤمنين وكفار ،وهي حق اهلل على العبيد.
فالتوحيد الذي هو حق اهلل على العبيد :أن ُيعبد اهلل وال ُيشـرل به شـيئا ف ُيتقرب
إليه بما يحب من األقوال واألفعال الظاهرة والباطنة وال يصـرف شـيئا منها لغير اهلل؛
كما قال تعالى﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾
[النحل ،]36:وقوله﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [النساء ،]36 :وهذا األمر الخطير
هو الذي ا
زل فيه أكثر الخلق ،وحصلت الخصومة فيه بين الرسل وقومهم.
وفضائله وثماره وما أعد اهلل ألهله كثيرة ،فأهل التوحيد هم أولياء اهلل وحزبه
وأحبابه وسكان جنته يغفر اهلل به الذنوب ويعظم به األجور.
َ
ألحاك ِم َ َ
رشائ ِع ِّ ُ ه َُه ً َ ُ ُ َ ُ ُُ ُ
الم َب ِّ ُ
ين).
ِ ادل ِ ي قوهل( :وأشهد أن ُممدا عبده ورسوهل،
أي أقر وأعرتف بأن محمد ًا عبد هلل وأنه نبي مرسل ،وأنه بلغ البالغ المبين،
ومعنى الشهادة له بالرسالة ،هو «طاعته فيما أمر ،وتصديقه فيما أخرب ،واجتناب ما
عنه هنى وزجر وأال يعبد اهلل إال بما شـرع».
والمنهج الوسط فيه ﷺ هو أن ُيامع له بين العبودية لرب العالمين والرسالة
والنبوة ،وهذا هو الوسط بين أهل اإلفراأ والتفريط.
21
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 22
ِّ َ ُ َ
قوهل( :الفائ ُِز «بمنتىه اإلرادات» مِن َربه).
فالرسول ﷺ فاز بأعلى المقامات الدينية واألخروية فضالً من اهلل ،وفيه إشارة
إلى أن هذا الكتاب مختصـر من كتاب [منتهى اإلرادات يف جمع المقنع والتنقيح
وزيادات] للعالمة الفتوحي الشهير بابن الناار .وهو عمدة المتأخرين يف المذهب
وعليه الفتوى.
َ َ َ ه َ ْ
فمن تمسك بَشيعتهَ ،َ
فهو مِن الفائ ِِزين). ِ قوهل( :
أي من تمسك هبدي الرسول ﷺ ،واتبع شـرعه واقتدى بسنته فاز وناا يف الدنيا
واآلخرة ،وعلى قدر اتباعه يكون الفالح والفوز؛ كما قال تعالى﴿ :ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [طه ،]123 :وقوله سبحانه﴿ :ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ﴾ [آل عمران.]32 ،31 :
ـــانا َة إِ ا
ال َم ْن ول اهللِ ﷺ َق َالُ « :ك ُّل ُأ امتِي َيدْ ُخ ُل َ
ون ا ْل َ ويف ِحيح البخاري َأ ان َر ُس َ
ـــاناةََ ،و َم ْن َع َصانِي ِ َأبى! َقا ُلوا :يا رس َ ِ
ول اهللَ ،و َم ْن َي ْأ َبى؟ َق َالَ :م ْن َأ َطا َعني َد َخ َل ا ْل َ َ َ ُ َ
َف َقدْ َأ َبى» .
()1
ُ َ َ َ َ ه َ ه
يع األنبياءِ والمرسلي). قوهل( :صىل اَّلل وسلم علي ِه وىلع مج ِ
ال ألمر اهلل حيث أمر بذلك ،فقال تعالى﴿ :ﭲ ﭳ
ِلى على رسول اهلل ﷺ امتثا ً
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾
[األحزاب.]56:
ولألحاديث الكثيرة المرغبة هبذا األمر ،كما يف ِحيح مسلم :أن رسول اهلل ﷺ
احدَ ًة َِ الى اهلل َع َل ْي ِه َعشـرا»(.)2
قال« :من ِ الى َع َلي و ِ
ا َ َ ْ َ
22
23 مقدمة املـــنت
( )1أخرجه الرتمذي ( ،)464وقال« :حسن غريب» .وابن حبان يف ِحيحه ( ،)211وقال األلباين يف ِحيح
الرتغيب (« :)1666حسن لغيره».
ُ ُ
( )2أخرجه أبوداود ( )465من حديث أبي ُح َم ْيدَ ،أ ْو أبي ُأسـيد ْاألَن َْص ِ
اري.
( )3أخرجه مسلم ( )364عن عبداهلل بن عمرو ﭭ.
( )4انظرِ :حيح البخاري ( ،)1602/4كتاب التفسـير.
( )5الفتح (.)16/11
23
زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب 24
آله(.)4
وهل تاوز الصالة استقال ً
ال على غير األنبياء عليهم الصالة والسالم؟
24
25 مقدمة املـــنت
( )1أخرجه أبو داود ( ،)1533والنسائي يف الكربى ( ،)10256وِححه ابن حبان (.)216
( )2أخرجه البخاري ( ،)1426ومسلم (.)1016
25
كـتـاب الـطـهـارة 26
26
27 بــاب امليــاه
كِــتِــابِ
الـطِـهـارِةِ
21
كـتـاب الـطـهـارة 28
26
29 بــاب امليــاه
22
كـتـاب الـطـهـارة 30
30
31 بــاب امليــاه
َ َ ُ ََ
ث) :والخبث :هو النااسة فالبد لصحة الطهارة من إزالة ما يف
(وزوال اخلب ِ
البدن من نااسة عالقة فيه؛ كالعذرة والبول والدم ونحوها ،وهذا الشق الثاين
للطهارة ،ويبحثون مسائله يف باب إزالة النااسة.
َ ُ
وقال( :ز َوال) :ألن المطلوب زوال النااسة بأي مزيل ،ولو من غير فعل
اإلنسان ،فالنااسة متعلق حكمها بزوالها ،فمتى زالت بأي مزيل ولو بالشمس أو
المطر فإن حكمها يرتفع .ويأيت بياهنا يف باب إزالة النااسة.
وتمام الطهارة يكون باألمرين جميعًا :إذا حصال تمت طهارته وِحت
ِالته ،وإذا اختل واحد منهما :لم تكمل الطهارة ولم تصح الصالة يف الاملة.
والفرق بين رفع الحدث وزوال الخبث أمور:
أو ً
ال :أن رفع الحدث يشرتأ له الماء ،أو بدله عند العذر ،أما غير الماء فال
ياز الوضوء منه؛ مثل :البنزين والزيت والعصـير ،وأما الخبث :فإن المطلوب
زواله ،وال يشرتأ له الماء على الصحيح ،فلو زال بالحك أو الريح أو الشمس
ألجزأ.
ثانيًا :أن رفع الحدث يشرتأ لصحته النية ،وأما زوال الخبث فال يشرتأ له
ذلك.
ثالثًا :أن رفع الحدث ال يعذر فيه بالاهل والنسـيان بخالف الخبث؛ فلو ِلى
وعليه نااسة ناسـيًا لصحت ِالته؛ ألن رفع الحدث من باب األوامر وهي ال
يعذر فيها بالاهل والنسـيان ،وأما زوال الخبث فمن باب النواهي يعذر فيها
بالاهل والنسـيان ،وهذه قاعدة مفيدة يف الفرق بين األوامر والنواهي ،ولها فروع
وأمثلة عديدة قد دل لها أدلة عديدة.
َ ُ َ َ ٌَ
قوهل( :وأقسام الماءِ ثالثة).
فالطهور :هو الباقي على خلقته كمياه البحار واألهنار واآلبار وهو طاهر يف
نفسه مطهر لغيره وهو أربعة أقسام.
31
كـتـاب الـطـهـارة 32
والطاهر :وهو ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر؛ كماء الورد ويلحق به
الماء القليل المستعمل يف رفع الحدث فياز يف إزالة الخبث دون رفع الحدث.
والناس :هو ما تغير أحد أوِافه بنااسة ،ويلحق به الماء القليل إذا وقعت
فيه نااسة ولم تغيره .ودليلهم:
قوله ﴿ :ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الفرقان ،]16 :فقوله سبحانه﴿ :ﮓ﴾
يفهم منه :أن هنال ماء غير مطهر ،وهو الطاهر.
اؤه ،ا ْل ِ
ـــح ُّل َم ْي َت ُت ُه»
[أخرجه األربعة، وقول رسول اهلل ﷺ يف البحرُ « :ه َو ال اط ُه ُ
ور َم ُ ُ
وِححه الرتمذي](.)1
فكون الصحابة يسألون عن ماء البحر؛ فهذا دليل على أن هنال ماء ال يتوضأ
منه.
الر ُج ِل َأ ْو َي ْغت َِس َل ِ
وكذا قالوا إن رسول اهلل ﷺ« :ن ََهى َأ ْن َت ْغتَس َل ا ْل َـم ْر َأ ُة بِ َف ْض ِل ا
اس َت ْي َق َظ أحدكم من ن َْومِ ِه فال ِ
الر ُج ُل بِ َف ْض ِل ا ْل َم ْر َأة» [أخرجه أبوداود] ،وقال« :إذا ْ
()2
ا
ِ ِ
اإلنَاء حتى َي ْغس َل َها َث َال ًثا؛ فإنه َال َيدْ ِري َأ ْي َن َبا َت ْت َيدُ ُه» [متفق عليه] .
()3 ِ
َي ْغم ْس َيدَ ُه يف ْ ِ
وهذا دليل على أهنا تصبح غير مطهرة لغيرها؛ وإن بقيت على الطهارة.
ثان قوي :أن المياه قسمان :طهور وناس وهذا رواية عن اإلمام وفيه قول ُ
أحمد ،وهو مذهب اإلمام أبي حنيفة ،ورجحه شـيخ اإلسالم ،وابن القيم ،ويدل
له:
ال ُينَا ُس ُه شـي ٌء» .وهذا دليل قوي فرسول اهلل ﷺ الما ُء َط ُه ٌ
ور َ قوله ﷺَ « :
()4
( )1أخرجه أبو داود ( ،)63والرتمذي ( )62وقال« :حسن ِحيح» .والنسائي ( ،)52وابن ماجه ( )366وابن
خزيمة يف ِحيحه (.)111
( )2أخرجه أبو داود ( ،)61والنسائي ( ،)236قال الحافظ ابن حار يف بلوغ المرام -الحديث رقم (:-)1
«إسناده ِحيح».
( )3أخرجه البخاري ( ،)160ومسلم (- )216واللفظ له -من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )4أخرجه أبو داود ( ،)66والرتمذي ( ،)66وقال« :حديث حسن» .والنسائي ( )326من حديث أبي سعيد
=
32
33 بــاب امليــاه
جعل المياه قسمين :إما طهور ،وإما ناس ،ولم ياعل شـيئًا وسطًا بينهما.
وقوله ﷺ يف البحرُ « :ه َو ال اط ُه ُ
ور َم ُاؤ ُه» .مع أن ماء البحر متغير طعمه بالملوحة،
فدل على أن الماء إذا تغير بالطاهرات ال يخرج عن مسمى الماء الطهور ،إال إذا
غلب عليه هذا الطاهر ،فإنه ينتقل عن مسمى الماء إلى مسمى آخر؛ مثل العصـير
والشاي فيسمى باسمه وال يسمى ما ًء.
وكذا أمره ﷺ بالوضوء من الماء المتغير بالطاهرات يف أحاديث دليل على أنه
باق على طهوريته وأِله ،مثل :حديث قوله ﷺ يف الذي وقصته دابته« :ا ْغ ِس ُلو ُه ُ
بِم ُ
اء َو ِسدْ ُر» [متفق عليه](.)1 َ
ِ ِ ()2 ِ ُ ِ ُ ِ ُ ِ
وعنه ﷺ أنه« :ا ْغت ََس َل َو َم ْي ُمو َن ُة م ْن إِنَاء َواحد في َق ْص َعة ف َ
يها َأ َث ُر ا ْلـــ َعاين» .
وأما هنيه ﷺ عن الوضوء من فضل المرأة ،فهو للكراهة؛ ولو توضأ ألجزأه،
وهكذا هنيه ﷺ عن غمس المستيقظ يده يف اإلناء ليد قبل غسلها ليس ألجل
النااسة.
والمؤلف بنى باب المياه على القول أن المياه ثالثة أقسام ،وأكثر من الفروع
المبنية على هذا القول ،ولذا فإننا لن نطيل الكالم عليها ،ولكن أبين عدد ًا من
المسائل المتعلقة بالقول الراجح:
أو ً
ال :األِل يف الماء أنه طاهر ،وال ينتقل من هذا األِل إال بيقين ،فمتى شك
يف نااسته رجع إلى أِله وهو الطهارة.
واألرض والثيـــــــاب والحاـــــــارة واألِــــــل يف مياهنــــــا الطهــــــارة
=
ﭬ ،وِححه ابن الملقن يف البدر المنير ( ،)361/1ونقل تصحيحه عن عدد من األئمة كأحمد بن حنبل
ويحيى بن معين وغيرهما.
( )1رواه البخاري ( ،)1265ومسلم ( )1206من حديث ابن عباس ﭭ.
( )2أخرجه النسائي ( ،)240وابن ماجه ( ،)316وأحمد ( )26240من حديث أم هانئ ڤ ،وِححه ابن
حبان ( ،)1245وقال النووي يف خالِة األحكام (« :)61/1إسناده ِحيح».
33
كـتـاب الـطـهـارة 34
ثانيًا :إذا تغير الماء بشـيء من الطاهرات ،مثل :سدر ،أو عاين ،فله حالتان:
الحالة األولى :أال يزول اسم الماء عنه بعد خلطه ،فهذا فيه خالف:
القول األول :أنه يصبح طاهر ًا ،وال ياوز التطهر به ،وهذا المذهب ،وهو الذي
جرى عليه المؤلف ،وقد رد هذا القول شـيخ اإلسالم وفنّد أدلتهم(.)1
القول الثاين :وهو الراجح أنه طهور ،ياوز الوضوء به ،ويرتفع الحدث به مادام
يسمى ماء ،ولم يغلب عليه أجزاء غيره .وهذا مذهب اإلمام أبي حنيفة ورواية عن
اإلمام أحمد نص عليها يف أكثر أجوبته واختاره شـيخ اإلسالم.
ومن األدلة :قوله تعالى﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [المائدة ،]6 :وهذا
نكره يف سـياق النفي فيعم كل ما هو ماء.
تعطـــي العمـــوم أو ســــياق النفـــي والنكــــــرات يف ســـــــياق النهــــــي
ولقوله ﷺ يف الذي وقصته راحلته وهو محرم« :ا ْغ ِس ُلوه بِم ُ
اء َو ِسدْ ُر». ُ َ
يها َأ َثر ا ْلـــ َع ُِ ِ ِ
ين» ،ومن المعلوم أن ا ِ وكذا« :ا ْغت ََس َل الناب ِ ُّي ﷺ َو َم ْي ُمو َن ُة م ْن َق ْص َعة ف َ ُ
الماء يتغير قليالً بمخالطة السدر والعاين ومع ذلك بقي على طهوريته.
الحالة الثانية :أن يغلب عليه الشـيء المختلط به بحيث يزول اسم الماء عنه؛
فيسمى شاي أو عصـير فهذا ال ياوز الوضوء به ،وال يسمى ما ًء وال يأخذ أحكام
الماء المطلق يف القرآن ،فلو توضأ هبما لم يرتفع حدثه ،وإذا لم ياد إال عصـير ًا أو
لبنًا تيمم ،وال يصح الوضوء هبما.
ثالثًا :إذا أِاب الماء الطاهر نااسة ،فال يخلو من حالتين:
الحالة األولى :أن يتغير أحد أوِافه بالنااسة ،فيناس باإلجماع نقل اإلجماع
على ذلك :اإلمام الشافعي وابن المنذر والنووي وابن تيمية وابن حار.
ويدل له :أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ ان الماء َط ِ
ال إِ ْن َت َغ اي َر ِر ُ
يح ُهَ ،أ ْو َط ْع ُم ُهَ ،أ ْو اه ٌر؛ إِ ا َ َ
34
35 بــاب امليــاه
ث فِ ِ
اس ُة َت ْحدُ ُ
يه» [أخرجه البيهقي ،وضعفه أبوحاتم](.)1 َل ْو ُن ُه؛ بِن ََا َ
الحالة الثانية :أال يتغير شـيء من أوِافه:
فالمذهب يفرقون بين الماء القليل والكثير ،فإن كان قليالً فإنه يناس وإن لم
يتغير ،وإن كان كثير ًا فال يناس إال بالتغير ،والماء الكثير قلتان فما فوق.
القول الثاين :هو الراجح أنه ال يناس مطلقًا إذا لم يتغير أحد أوِافه هبا؛ سواء
الحديثِ،ه ورواية عن اإلمام وأهل
ن َاا َس ُة َت ْح ُد ُث ِﻓﻲ
كان قليالً أو كثير ًا ،وهذا قول أهل المدينة،
ل ْو ُن ُه؛ ِﺑ َ
أحمد ،ورجحه شـيخ اإلسالم ،وكثير من أئمة الدعوة -رحم اهلل الاميع.-
َ ُ َ َ ٌَ
قوهل( :وأقسام الماءِ ثالثة).
هذا المذهب.
َْ وهوَ : َ ُ ٌ ُ َ ُ
خلقتِه).ابل ِاِق ىلع ِ قوهل( :أحدها :طهور:
سواء نزل من السماء أو نبع من األرض كمياه البحار واألهنار واآلبار.
َ َ ُ ََ َ ُ ُ ََ َ
احلدث ،وي ِزيل اخلبث). قوهل( :يرفع
وتصح الطهارة به من الحدث األكرب واألِغر ويزيل النااسة.
أرب َع ُة َ
أنواع).
ُ َ
قوهل( :وهو
فالطهور أربعة أقسام على المذهب ،وكل قسم له حكم.
َ َ َ َ ُ ََ َ ُ ُ ََ َ ُ َ ُ َ ٌ َ ُ
احلدث وي ِزيل اخلبث .وهو :ما ليس اء َي ُرم استِعمــاهل ،وال يرفع قوهل( :م
َُ ً
مباحا).
ال بِطِ ِ
يب َن ْف ُ
س ال ي ِ
ح ُّل َم ُال ا ْم ِر ُ ُم ْسلِ ُم؛ إِ ا كالمغصوب والمسـروق؛ لقوله ﷺَ َ « :
مِنْ ُه»(.)2
( )1أخرجه البيهقي يف سننه الكربى -هبذا اللفظ ،)1152( -وقال« :والحديث غير قوي» .وأخرج ابن ماجه
نحوه ( ،)521وضعفه ابن الملقن يف البدر المنير ( ،)401/1وضعفه أبو حاتم كما نقله عنه ابن حار يف
تلخيص الحبير ( ،)15/1والبلوغ (.)4 ،3
( )2أخرجه أحمد ( ،) 20114من حديث أبي حرة الرقاشـي عن عمه ،وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم
(.)1452
35
كـتـاب الـطـهـارة 36
ال ي ِ
ح ُّل َم ُال ا ْم ِر ُ ويحرم استعماله يف الطهارة الكربى والصغرى؛ لقوله ﷺَ َ « :
س مِنْ ُه». ال بِطِ ِ
يب َن ْف ُ ُم ْسلِ ُم؛ إِ ا
فإن تطهر به :فالمذهب أنه ال يرفع الحدث لو تطهر به ألن النهي يقتضي
الفساد.
والقول الثاين :أنه يرتفع الحدث مع اإلثم ،وهو رواية عن اإلمام أحمد ،واختار
هذا شـيخ اإلسالم(.)1
َو ُي ِز ُيل َ
الخ َب َث ألن حكمها يزول بزوالها لكن مع اإلثم؛ الستعماله حق غيره
من غير رضاه.
َ َْ ُ َ ُ َ ُ َ َ َ
وماء يرف ُع َح َدث األنَث ،ال ه
الر ُجل َ
ابلال ِِغ ،واخلنَث .وهو :ما خلت ب ِه قوهلٌ ( :
ِ
َ َ َ َ َ َ َُ ُ هَ ُ َ
المرأة ،الملكفة ،ل ِطهارة اكمِلة ،عن حدث).
وهو ما يبقى يف اإلناء بعد تطهر المرأة به ،والمذهب :أنه ال ياز الرجل
الوضوء منه.
ِ
لما روى أبو داود أن رسول اهلل ﷺ« :ن ََهى َأ ْن َت ْغتَس َل ا ْل َم ْر َأ ُة بِ َف ْض ِل ا
الر ُج ِل َأ ْو
الر ُج ُل بِ َف ْض ِل ا ْل َم ْر َأ ِة». ِ
َي ْغتَس َل ا
والرواية األخرى عن اإلمام أحمد :أنه يرفع حدث الرجل ،واختاره شـيخ
اإلسالم وابن عقيل ،وهو مذهب الامهور الحنفية والمالكية والشافعية.
مسلم](.)2
ُ َان َي ْغت َِس ُل بِ َف ْض ِ
ل َم ْي ُمو َن َة» [رواه ــه ﷺ ك َ ول ال ال ِ ويدل لهَ « :أ ان َر ُس َ
وحديث ابن عباس ﭭ َق َال« :ا ْغت ََس َل َب ْع ُض َأ ْز َواجِ النابِي ﷺ فِي َج ْفن َُةَ ،ف َاا َء
ول ول ال ال ِ
ــه إِني ُكن ُْت ُجنُ ًباَ ،ف َق َال َر ُس ُ النابِي ﷺ ل ِ َيت ََو اض َأ مِن َْها َأ ْو َي ْغت َِس َل َف َقا َل ْت َل ُهَ :يا َر ُس َ
ُّ
ِ ِ
ب» [رواه أبو داود ،والرتمذي وِححه ] . ال َي ْانُ ُالما َء َاهلل ﷺ :إ ان َ
()3
36
37 بــاب امليــاه
31
كـتـاب الـطـهـارة 38
36
39 بــاب امليــاه
32
كـتـاب الـطـهـارة 40
40
41 بــاب امليــاه
قال ابن المنذر« :أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الوضوء غير جائز
بماء الورد وماء الشار وماء العصفر ،وال تاوز الطهارة إال بماء مطلق يقع عليه
اسم الماء ،وألن الطهارة إنما تاوز بالماء وهذا ال يقع عليه اسم الماء بإطالقه»(.)1
وضابطه الطاهر :على المذهب ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشـيء
طاهر ولو بقي مسماه.
الثانية :أن يتغير شـيء من أوِافه لكنه لم يغلب عليه ،فما زال يسمى ماء.
فالمذهب :أنه ال تازء الطهارة به .
.
والرواية الثانية :أنه تازء الطهارة به للعمومات ،وألنه خالطه طاهر لم يسلبه
اسمه واألِل بقاؤه على الطهورية ،وال دليل يمنع من رفعه الحدث وهذا أقوى،
واختاره ابن قدامة وشـيخ اإلسالم والسعدي ،وعليه فالماء إما طهور وإما ناس،
والحد الفاِل بينهما هو :التغير ألحد أوِافه بالنااسات.
َ ُ ه َ َ َ َ َ ُّ ُ ُ َ
وريتِ ِه).
فس ِه :اعد إىل طه ِ
ريه بِن ِ قوهل( :فإن زال تغ
فإذا زال تغير المتغير بالطاهرات بنفسه ،أو بمعاونة أحد وعاد إلى كونه ماء
مطلقًا ال يخالطه شـيء من الطاهرات ،فإنه يرجع إلى كونه طهور ًا.
وسواء زال تغيره بنفسه ،أو بمعاونة أحد بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ،فإنه
يسمى طهور ًا؛ ألن الحكم يدور مع علته وجود ًا وعدمًا.
َ َ َ ُ َ َ َ ً ه
فع حدث). قوهل( :ومِن الطاه ِِر :ما اكن قلِيال واستع ِمل يف ر ِ
هذا من المياه الطاهرة غير المطهرة عند المذهب.
والعلة :أن الماء استعمل يف طهارة فال يستعمل مرة أخرى.
وفيه قول ثان :أنه مطهر للعمومات واألِل بقاؤه على الطهورية ،وال يمنع
رفعه الحدث وهذا أقوى ،ومن األدلة :ما رواه البخاري« :أن رسول اهلل ﷺ كان إ ِ َذا
41
كـتـاب الـطـهـارة 42
ون َع َلى َو ُضوئِ ِه»( ،)1واألِل بقاؤه على الطهورية ،وال دليل يمنع
َت َو اض َأ كَا ُدوا َي ْقتَتِ ُل َ
من رفعه الحدث.
َ ً َ ً َ ُ ُ ه َ ُ ُ َ ُّ ُ ْ َ َ َ
قوهل( :أو انغمست في ِه ُك ي ِد المسلِ ِم الملك ِف ،انلهائ ِِم يلال نوما ينقض
َ َ َ َ ً ه ُ ُ َ َ َ َ
ج ٌب).
الوضوء ،قبل غسلِها ثالثا ،بنِية ،وتس ِمية ،وذل ِك وا ِ
ألن الماء استعمل يف طهارة فال يستعمل يف أخرى ،والقليل ما دون القلتين.
وفيه قول ثان ،وهو أقوى :أنه الماء باق على أِله طاهر مطهر ألمور منها:
أن األِل يف الماء الطهورية.
أنه ال ينتقل عن هذا األِل إال بتغير يف أوِافه وهذا ال يوجد.
أن الحديث هنى عن غمس اليد فيه به و لم يتعرض لحكم الماء بعد الغمس.
وقد جاءت السنة بأمر المستيقظ من النوم أال يغمس يده يف اإلناء حتى يغسلها
اإلن ِ
َاء ثالثًا كما يف الصحيحين« :إِ َذا اس َت ْي َق َظ َأ َحدُ ُكم مِ ْن ن َْومِ ِهَ :فالَ َي ْغ ِم ْس َيدَ ُه فِي ِ
ْ ْ
َحتاى َي ْغ ِس َل َها َثالَ ًثاَ ،فإ ِ ان ُه َ
ال َيدْ ِري َأ ْي َن َبا َت ْت َيدُ ُه».
ض َ ه َ ً َ ً َ ُ ُ ُ ُ
وء) :فنوم الليل ال يعلم خالف يف دخوله يف األمر (انلائ ِِم يلال نوما ينقض الو
يف الحديث إن كان ينقض الوضوء؛ لقولهَ ( :با َت ْت) ،والبيتوتة تكون يف الليل.
فإن خالف وغمسها المستيقظ قبل غسلها أصبح طاهر ًا غري مطهر.
واألظهر :أنه ال أثر على الماء من الغمس فهو باق على طهوريته يرفع الحدث
ويزيل الخبث.
والمذهب عدم دخول نوم النهار؛ ألنه ال يراد بالبيتوتة نوم النهار.
َ
ج ٌب) :فاألمر بغسل اليدين للمستيقظ قبل إدخالهما: (وذل ِك وا ِ
المذهب :أنه للوجوب لعدم وجود ِارف ،وبه قال إسحاق والحسن وابن
جرير ورجحه الشـيخ ابن إبراهيم.
وفيه قول ثان :أنه لالستحباب والنهي للكراهة ،وهو مذهب الامهور.
42
43 بــاب امليــاه
43
كـتـاب الـطـهـارة 44
( )1أخرجه الرتمذي ( ،)61وأبو داود ( ،)63والنسائي ( ،)52وابن ماجه ( ،)511وابن خزيمة يف ِحيحه
( ،)22وابن حبان يف ِحيحه ( ،)1242والحاكم يف المستدرل ( )452من حديث ابن عمر ﭬ.
44
45 بــاب امليــاه
ومثله مياه الصـرف إذا أمكن تطهيرها وتنقيتها من النااسة طعمًا ولونا ورائحة
فياوز استعمالها للطهارة ،وكذا ياوز استعمالها يف األكل والشـرب إذا ثبت
خلوها من الضـرر.
َ ْ َُ َ ُ ُ ََُ َ ً
ري :قلتان تقريبا .والي ِس ُ َ َ ه ُ َ
والكثِ ُ
ري :ما دونهما .وهما :مخس مِئ ِة ِرطل ِ ِ قوهل( :
ُ ْ
وسبعان ون ِصف ُسب ِع رطل بالق ِ ِّ ُ ُ ُ ُ ً َ ُ َ بال ِع َر ِ ِّ
دِس. ِ اِق ،وثمانون ِرطال
ُ ًْ َ ً َ ََُُ َ ٌ ُ ٌ ُ ً
وربع ،طوال ،وع ْرضا ،وعمقا). ومِساحتهما :ذِراع
ِ
َان َالما َء ُق ال َت ْي ِن َل ْم َي ْحم ْل ضابط الماء الكثير قلتان فما فوق؛ لحديث« :إِ َذا ك َ
ظَ :ل ْم َين ُْا ْس.»- لخب َث -وفِي َل ْف ُ
َ َا َ َ
ََ َ َ
جاسةِ :ف ُهو َط ُه ٌ ه َ َ
َ ه َ َ
ور كثِ ً الط ُه ُ
َ َ ُ ه َ
ور ،ولو مع ريا ،ولم يتغري بانل قوهل( :فإذا اكن الماء
ََ
بقائ ِها فِي ِه).
أي إذا كان الماء الطهور قلتين فأكثر فوقعت فيه نااسة لم تؤثر فيه ،ولو كانت
لخ َب َثَان َالما َء ُق ال َت ْي ِن َل ْم َي ْح ِم ْل َا َ
باقية فيه ما لم تتغير أحد أوِافه هبا لحديث« :إِ َذا ك َ
ظَ :ل ْم َين ُْا ْس». وفِي َل ْف ُ
َ
ٌ َ ُ َ َ َ ْ ه َ
َنس). قوهل( :وإن شك يف كرثت ِ ِه :فهو ِ
ألن وقوع النااسة متيقن واألِل القلة وبلوغه القلتين شك والقليل يناس
.
بمارد المالقاة ،فال ينتقل عن األِل بالشك هذا الوجه المرجح يف المذهب
والوجه الثاين يف المذهب أنه يحكم بطهارته؛ ألن األِل يف الماء الطهارة
والتناس هنا شك وهذا أقوى.
َ ُ ُ َ َ َ َ ه َ َ َ ُه ه َُ َ َُ ُ َََ ْ
قوهل( :وإن اشتبه ما جتوز ب ِه الطهارة بِما ال جتوز :لم يتحر ،ويتيمم بِال
َ َ
إراقة).
إن اشتبه ما جتوز به الطهارة وهو الطهور املباح بام ال جتوز به لنجاسته أو حرمته
فال يدري عن حاله فإنه ال يتحرى؛ ألن الوضوء به غير ماز ويصير للتيمم بال
إراقة للماء.
واألظهر :أنه يتحرى ويتوضأ وياز ؛ ألن عالمة تنايسه على الصحيح التغير
45
كـتـاب الـطـهـارة 46
إما تغير لونه أو ريحه أو طعمه ،وإن لم يقدر على التفريق لفقدانه بعض الحواس
اجتهد وتحرى ،وإليه ذهب الشافعية؛ لعموم قوله ﷺ يف الشك يف الصالةَ « :ف ْل َيت ََح ار
اب َف ْل ُيتِ ام َع َل ْي ِه» [متفق عليه](.)1
الص َو َ
ا
ُ َ َ َ َ َ َُ َ َُ َ َ َ َ َ َ
قوهل( :ويلزم من علِم بنجاس ِة َشء :إعالم من أراد أن يستع ِمله).
ألن استعمال النااسة ال غير ماز ،فالواجب على من رأى من يستعملها
اصـيح ُة» ُق ْلـــنَا :ل ِ َم ْن؟ َق َال« :لِله
َ إخباره ،وهو من النصـيحة لحديث« :الدي ُن الن
ِ ِِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
مسلم](.)2
ُ م» » [أخرجه ـــم ْسلمي َن َو َعا امت ِه ْ
َولكتَابِه َول َر ُسوله َوألَئ امة ا ْل ُ
46
47 بـاب اآلنـيـة
( )1أخرجه الدارقطني ( ،)164/4قال الهيثمي يف مامع الزوائد (« :)111/1ورجاله رجال الصحيح» عَ ْن
ـــخ َشنِي ﭬ.
َأبِي َث ْع َل َب َة ا ْل ُ
( )2أخرجه البخاري ( ،)5110ومسلم ( )2061عن حذيفة ﭬ.
41
كـتـاب الـطـهـارة 48
46
49 بـاب اآلنـيـة
42
كـتـاب الـطـهـارة 50
50
51 بـاب اآلنـيـة
ُ َ َ ٌ َ َ ُ ُ
وظ ُف ُر َها ،وحاف ُ َُْ َ ُ َ َ
َنس ،والِ ا: هدل ج
ِ و ها، ب ص وع ها،ِر ها، ظم الميتةِ ،وقرن قوهل( :وع
َ ِّ
طه ُر بادلب َِ ُ
اغ. ي
َ َ َ َ َ ُ ِّ
والشع ُر ،والصوف ،والريش :طاه ٌِر ،إذا اكن مِن ميتة طاه َِرة يف َ
احلياة ِ ،ولو غ َ ُ ُّ ْ ه
ري َْ ُ َ
اكله ِّر والفأ ِر).
مأكولةِ ،
أجزاء الميتة الطاهرة يف حال الحياة أقسام أربعة:
لحمها وشحمها هذه ناسة ويحرم أكلها وبيعها.
َ َ ُ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ
ظم الميتةِ ،وق ْرنها ،وظف ُرها ،وحاف ُِرها ،وعصبها) :مما ليس فيه دم.(وع
المذهب :أهنا ناسة؛ ألهنا من جملة الميتة فتكون ناسة والميتة كلها حرام؛
لعموم قوله تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [المائدة .]3 :وقوله
تعالى﴿ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [األنعام .]145 :والرجس:
الناس ،فعلى هذا لو وقع شـيء من هذه األشـياء يف الماء وتغير أحد أوِافه به
فإنه يناس.
القول الثاين :أن عظم الميتة وقرهنا وظفرها وعصبها وحافرها طاهرة وليست
بناسة .وإليه ذهب أبو حنيفة ورواية عن أحمد واختاره شـيخ اإلسالم.
ألن األِل فيها الطهارة ،وألنه ليس فيها دم مسفوح.
ً ِ َ ُ ُ ِّ َ ُ َ َ ٌ
َنس ،وال يطهر بادلباغ) :مطلقا سواء كانت مأكولة اللحم أم ال؛ جدلهاِ :
(و ِ
ألن الميتة ناسة العين.
َاب رس ِ ِ ِ
ول اهلل ﷺَ « :أ ْن َال واستدلوا :بحديث َع ْبد اهلل ْب ِن ُع َك ْي ُم َق َالَ :أ َتانَا كت ُ َ ُ
ب» [أخرجه األربعة ،وِححه ابن حبان]( .)1قال الرتمذي: اب َو َال َع َص ُالم ْيت َِة بِإِ َه ُ ِ ِ
َتنْتَف ُعوا م َن َ
«حسن ،وليس العمل على هذا عند أكثر أهل العلم» .وأعله طائفة من العلماء.
( )1أخرجه أبو داود ( ،)4121و الرتمذي ( ،)1122والنسائي ( ،)4242وابن ماجه ( ،)3613وِححه ابن
حبان (.)1211
51
كـتـاب الـطـهـارة 52
والرواية الثانية عن اإلمام أحمد :أن الدباغ ُي َطهر جلود مأكولة اللحم دون
غيرها ،واختارها ابن تيمية وابن القيم وهو األقوى وبه قال أكثر العلماء كأبي
حنيفة والشافعي.
اب َف َقدْ َط ُه َر» [رواه مسلم]. لعموم حديث ابن عباس ﭭ ،عنه ﷺ« :إِ َذا ُدبِ َغ ِ
اإل َه ُ
()1
ـــم َحب ِق َأ ان َنبِي اهلل ﷺ َق َالِ « :د َبا ُغ األَ ِد ِ
يم َذكَا ُت ُه» وحديث َس َل َم َة ْب ِن ا ْل ُ
ا
فاعل الدباغ للالد بمنزلة الذكاة ،فكما أن الذكاة تحل مأكول اللحم ،فالدباغ
يحل جلده دون سواه ،ويعضده ما رواه أبو داود بإسناد حسن« :أن رسول اهلل ﷺ
وب ج ُل ِ
ود النُّ ُم ِ
ور»(.)2 ن ََهى َع ْن ُر ُك ِ ُ
الم ْيت َِة بِإِ َه ُ
اب َو َال َع َص ُ
ب» .فيااب ِ ِ
وأما حديث ابن عكيمَ « :أ ْن َال َتنْتَف ُعوا م َن َ
عنه بأنه حديث ضعيف ،كما قاله الحافظ وغيره.
وأنه معارض لحديث ابن عباس وهو يف الصحيح فيقدم عليه.
وعلى فرض ِحته فيحمل على الالد قبل الدبغ؛ ألنه يسمى إها ًبا وأما بعد
الدبغ فال يسمى إها ًبا ،قال أبو داود :قال عقبة« :إذا دبغ ال يقال إها ًبا ،وإنما يسمى
شنًا وقربة» .وقال النضر بن شميل« :يسمى إهابًا ما لم يدبغ» .وحديث ابن عباس
اب َف َقدْ َط ُه َر». ﭭ مرفوعًا« :إِ َذا ُدبِ َغ ِ
اإل َه ُ
ِّ ُ ُّ ُ ه ْ
والريش :طاه ٌِر) :ألن اهلل ذكرها يف معرض االمتنان، (والشع ُر ،والصوف،
ويكون االمتنان أبلغ إذا حصل االنتفاع هبا يف حال الحياة والموت؛ كما يف قوله
تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
( )1أخرجه أبو داود ( ،)4125والنسائي ( )4243والحاكم يف المستدرل ( )1211وقالِ« :حيح اإلسناد»،
وابن حبان يف ِحيحه ( ،)4522والدارقطني يف سننه ( )45/1بألفاظ متقاربة وِححه ابن الملقن يف
البدر المنير (.)602/1
( )2أخرجه أبو داود ( ،)1124وأحمد يف المسند ( ،)16255وحسن إسناده النووي يف رياض الصالحين
( )611ص (.)162
52
53 بـاب اآلنـيـة
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾
[النحل.]60 :
ومن فوائد هذا التقسيم ألجزاء الميتة :أنه إذا وقع شيء من الميتة وتغير به الماء
فإن كان من القسم الناس :فيناس إذا َغ اي َره.
وإن كان من الطاهر فال يناس ولو َغ اي َره؛ ألنه طاهر كريش الحمام وشعر
الماعز وهذا كله يف الميتة الطاهرة يف الحياة أم ما كان ناسًا يف الحياة كالكلب
فبعد الموت يبقى ناسًا.
َْ َ ُ َ َ َ َ َ
اكله ِّر والفأ ِر) :فكل ما َ َ َ
(إذا اكن مِن ميتة طاهِرة يف احلياة ِ ،ولو غري مأكولةِ ،
كان طاهر ًا يف الحياة فشعر وِوف وريش ميتته طاهر ،سواء كان مأكوال كالغنم أو
غير مأكول كالهر والفأر والصقر ،وأما الناس يف الحياة كالكلب فأجزاءه تتناس
بالموت من باب أولى.
والحيوان الطاهر يف الحياة كالتالي:
الم ْؤمِ َن َ
ال َين ُْا ُس» [متفق عليه]( .)1وكذا اآلدمي ،مسلمًا أو كافر ًا؛ لحديث« :إِ ان ُ
إباحة نكاح الكتابيات ،والشك أنه سيصيبه شيء من بدهنا أو ريقها ،ومع ذلك لم
يأمر اهلل بغسله.
وكل حيوان يباح أكله ،فهو طاهر كاإلبل والغنم والبقر والغزال.
س ،إِن َاها
و ما يشق التحرز منه ،كالحمار والفأر والهر لحديث« :إِن َاها َل ْي َس ْت بِن ََا ُ
ات» [رواه األربعة وِححه الرتمذي] ( ،)2إال ما استثناه الشارع مِن ال اطوافِين َع َلي ُكم وال اطوا َف ِ
َ ا َ ْ ْ َ ا
كالكلب.
و كل ما ال نفس له سائلة ،كالذباب والاراد والصراِير وهذه طاهرة؛ لمايف
53
كـتـاب الـطـهـارة 54
54
55 بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي
55
كـتـاب الـطـهـارة 56
56
57 بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي
الروثة ولم يطلب من ابن مسعود أن يأتيه بثالث بدلها فيفهم أنه مسح بأحد
الحارين مرتين فإذا كان الحار ذا شعب ،وله ثالث اتااهات ،أو أكثر ،فقالوا
ياز المسح به ثال ًثا؛ ألن العلة معلومة ،ورجحه شـيخنا ابن عثيمين ؛ ألن العلة
معلومة ،وهي قصد اإلنقاء وتطهير المحل ،فإذا كان الحار له ثالث شعب غير
متداخلة واستامر بكل جهة منه ِح.
واألحوأ للمسلم أن ال يقل عن ثالثة أحاار فإن فعل أجزأ.
َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ ِّ َ َ َ ُّ ُ ُ َ
(واإلنقاء بالماءِ :عود خشون ِة المحل كما اكن .وظنه :اكف). قوهل:
وهذا ضابط اإلنقاء باالستنااء بالماء ،وغلبة الظن كافية.
ُ ُ َ ُ َُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ ه
باحلج ِر ،ث هم بالماءِ .فإن عكس :ك ِر َه .وَي ِزئ أحدهما، قوهل( :وسن :االستِنجاء
َ ُ َ ُ
اء أفضل). والم
فاألكمل يف االستنااء أن يبدأ بالحار أو ما يقوم مقامه ليزيل النااسة ،ثم
بالماء فإن عكس أجزأ وكرهوه لمباشرة النااسة بيده وهذا مستقذر.
واالستنااء ال يخلو من ثالث حاالت:
األولى :أن يستناي بالماء وحده ،وهذه مازئة وقد روى الرتمذي وِححه
يه ْمَ ،فإِ ان َر ُس َ
ول َعن َعائِ َش َة َقا َل ْت« :مر َن َأ ْزواج ُكنَ :أ ْن يستَطِيبوا بِالم ِ
اءَ ،فإِني َأ ْس َت ْحيِ ِ َ َْ ُ َ َ ا ُْ ْ
َان َي ْف َع ُل ُه»( .)1وهو أولى من الحاارة ألنه أبلغ يف التنظيف واختاره ال ال ِـه ﷺ ك َ
الثوري وابن المبارل والشافعي وأحمد وإسحاق.
الثانية :أن يستناي باألحاار وحدها وهذا ماز ؛ ولو مع وجود الماء؛ لما
روى النسائي وأبو داود عن عائِ َش َة َأ ان رس َ ِ
ول اهلل ﷺ َق َال« :إِ َذا َذ َه َ
ب َأ َحدُ ُك ُم َ ُ َ ْ َ
ب بِ َها َفإِن َاها ُت ْا ِز ُ َعنْ ُه»(.)2 ِ ب َم َع ُه بِ َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ ِ
ار َف ْلـ َي ْستَط ْ ا ْلـــ َغائ َط َف ْلـــ َي ْذ َه ْ
( )1أخرجه الرتمذي ( )12وقال« :حسن ِحيح» ،والنسائي ( ،)45وِححه ابن حبان (.)1443
( )2أخرجه النسائي ( ،)44وأبو داود ( ،)40وأحمد ( ،)25056وقال عنه الدارقطني يف العلل (:)201/14
«متصل ِحيح» .وحسنه النووي يف الخالِة (.)161/1
51
كـتـاب الـطـهـارة 58
( )1قال الهيثمي يف مامع الزوائد (« :)212/1رواه البزار ،وفيه( :محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري)
ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما» .وضعف الحديث ابن حار يف تلخيص الحبير ( ،)112/1والنووي يف
الخالِة ( ،)164/1والصنعاين يف سبل السالم ( ،)63/1واأللباين يف إرواء الغليل (.)63/1
( )2أخرجه البخاري (.)155
( )3أخرجه مسلم (.)262
( )4أخرجه مسلم (.)1300
( )5أخرجه البخاري ( ،)152ومسلم ( )231من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا.
56
59 بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي
َفالَ َح َرج»(.)1
الثالث :كونه منظفًا للمحل؛ ألنه المقصود ،وأما إن كان ال ينظف فال ياز ،
مثل الرتاب فإنه ال ينظف ولذا لم ترد النصوص بذكره يف االستامار.
الرابع :أن ال يكون عظمًا وال روثًا ،فاالستامار هبما ال ياوز؛ ولذا قال
ْس» .كما يف البخاري. رسول اهلل ﷺ عنهماَ « :ه َذا ِرك ٌ
ِ ِ
ول بِ َك َب ْعدي َف َأ ْخبِ ِر الن َ
ااسَ :أ ان ُه َم ْن الح َيا َة َس َت ُط ُ
وعند أبي داودَ « :يا ُر َو ْيف ُع! َل َع ال َ
اس َتن َْاى بِ َر ِجي ِع َدا اب ُة َأ ْو َع ْظ ُم؛ َفإِ ان ُم َح امدً ا ج مِنْ ُه ِ
َع َقدَ ل ْح َي َت ُهَ ،أ ْو َت َق الــدَ َو َت ًرا َأ ِو ْ
َب ِري ٌء»(.)2
فاالستامار هبما محرم لداللة هذا الحديث ،وهو قول اإلمام الثوري
والشافعي وأحمد وإسحاق.
مسألة :لو خالف فاستامر هبما ،فالمذهب أنه ال ياز ؛ ألن النهي عائد إلى
ذات المنهي عنه وروى الدارقطني َع ْن َأبِي ُه َر ْي َرةََ « :أ ان النابِ اي ﷺ ن ََهى َأ ْن ُي ْس َتن َْاى
ال ي َطهر ِ ُ
ان»( ،)3ورجحه ابن عثيمين وابن جربين. بِ َر ْوث َأ ْو بِ َع ْظ ُمَ ،و َق َال :إِ ان ُه َما َ ُ َ
ثان :أنه ياز مع اإلثم؛ ألن المقصود :زوال النااسة ،والحكم وفيه قول ُ
يدور مع علته وجود ًا وعدمًا ،واختاره شـيخ اإلسالم(.)4
ومن الحكم يف النهي عنها :أهنا طعام المسلمين من الان ،ويف البخاري أن أبا
( )1أخرجه أبو داود ( ،)35وابن ماجه ( )331من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا ،وِححه ابن حبان
( ،)1410وحسن إسناده ابن حار يف فتح الباري (.)251/1
( )2أخرجه أبو داود ( ،)36والنسائي ( ،)5061وأحمد ( )11031من حديث رويفع بن ثابت ﭬ ،وِححه
األلباين يف ِحيح سنن أبي داود.
( )3أخرجه الدارقطني يف سننه ( ،)56/1وقال« :إسناد ِحيح» .قال الذهبي يف تنقيح التحقيق يف أحاديث
التعليق (- )42/1عقب نقله كالم الدارقطني[« :-يعقوب] بن كاسب ذو مناكير ،وسلمة [بن رجاء] ضعفه
النسائي ،ومشاه غيره» .وقد وافقه ابن الملقن يف نقده؛ كما يف البدر المنير (.)350/2
( )4االختيارات ص (.)6
52
كـتـاب الـطـهـارة 60
ـانَ ،وإِ ان ُه َأ َتانِيـت :ما َب ُال ا ْلـــ َع ْظ ِم َوالر ْو َث ِة؟ َق َالُ :هما مِ ْن َط َعا ِم ا ْل ِ
َ ا هريرة قالَ « :ف ُق ْل ُ َ
ال َي ُم ُّروا بِ َع ْظ ُم
ت ال الــ َه َل ُه ْمَ :أ ْن َ ا ُّن َف َس َأ ُلونِي ا
الزا َد َفدَ َع ْو ُ َو ْفدُ ِجن نَصـيبِي َن َون ِ ْعم ا ْل ِ
َ
ال َو َجدُ وا َع َل ْي َها َط َعا ًما»(.)1 ال بِ َر ْو َث ُة إِ ا
َو َ
َ َ ُ َ َ َ ُ قوهل( :ويُ َ
ارها يف االستِنجاءِ). كرهُ :استِقبال ال ِقبل ِة واستِدب
تشريفًا وتعظيمًا لها ،ويتوجه عدم الكراهة؛ ألهنا حكم شـرعي تفتقر إلى دليل
شـرعي وال دليل هنا ،وقد انعقد سببها يف عهد رسول اهلل ﷺ ،ولم يرد عنه النهي
عنها.
ُ ُ َ َ َ ْ َ َََ َ َ َ َ وَي ُر ُمَ :َ
بروث ،وعظم ،وطعام ،ولو ِ َبل ِهيمة .فإن فعل :لم َي ِزئه بعد ذل ِك قوهل( :
ُ َ َ َ َ ََه ُ َ ه
وضع العادة ِ). ِ م ج اخلار
ِ ىد ع ت لو كما ، اء الم إال
ذكر حالتين ال ياز فيهما إال االستنااء بالماء دون الحاارة؛ وهما:
األولى :لو استناى بروث أو عظم فيلزمه غسل المحل بالماء؛ لمخالفته
النهي ،والعبادات ال تستباح بالمحرمات ،ومعاملة له بنقيض قصده لما خالف
السنة.
الثانية :لو تعدى الخارج موضع العادة وعسر إزالته بالحاارة فالبد من الماء.
ه ه َ ُ ُ ِّ َ
خارج ،إال :الطاه َِر). ِ ُِك وَي ُب االستِنجاء :ل قوهلِ ( :
االستنااء ياب لكل ما يخرج من السبيلين كالمذي والبول والغائط؛ كما قال
ﷺ يف حديث علي ﭬ يف المذيَ « :ي ْغ ِس ُل َذك ََر ُه َو َيت ََو اض ُأ» [متفق عليه](.)2
ب َم َع ُه بِ َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ
ار ِ ِ
ب َأ َحدُ ُك ْم إِ َلى ا ْلـــ َغائطَ :ف ْلـــ َي ْذ َه ْ وقوله ﷺ« :إِ َذا َذ َه َ
يب بِ ِه انَ ،فإِن َاها ُت ْا ِز ُ َعنْ ُه» [أخرجه أبو داود من حديث عائشة]. ِ
َي ْستَط ُ
ه ه
(إال :الطاه َِر) :فال ياب غسل السبيلين منه.
وكل شـيء يخرج من السبيلين فإنه ينقض الوضوء ،وليس كل خارج ياب
60
61 بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي
61
كـتـاب الـطـهـارة 62
e َفصْلٌ
F
هذا الفصل عقده المؤلف للكالم على اآلداب التي تراعى عند قضاء الحاجة،
وهي تختلف أحكامها فبعضها واجب وبعضها مستحب:
اخلالءِ :تَق ِد ُ
يم اليُ َ
رسى).
َ
خ ِل قوهل( :ي ُ َس ُّن َ
دلا ِ
ألنه محل مستقذر ،والقاعدة يف تقديم اليمين والشمال :أن كل ما كان من باب
التكريم والزينة فإنك تقدم اليمين؛ كلبس الثوب والنعل ودخول المساد وترجيل
الشعر وحلق الرأس وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخالء واألكل والسالم
واستالم الحار.
وكل ما كان بخالفه فإنك تقدم الشمال؛ كدخول الخالء ،واألماكن المستقذرة
والخروج من المساد واالستنااء وخلع الثوب والسـراويل ونحوها ،ويف
ا ُب ُه ال ات َي ُّم ُن ،فِي َتنَ ُّعلِ ِهَ ،و َت َر ُّجلِ ِه، الصحيحين َع ْن َعائِ َشةََ ،قا َل ْت :ك َ
َان النابِي ﷺُ « :ي ْع ِ
ُّ
ور ِهَ ،وفِي َش ْأن ِ ِه ُكل ِه»(.)1
َو ُط ُه ِ
ََ ُْ ُ ُ ه َ ُ
ث واخلبائ ِِث). سم اهلل ،أعوذ باَّللِ مِن اخلب ِ قوهل( :وقول :ب ِ ِ
األدب الثاين :أن يقول أذكار الدخول ،والثابت عن رسول اهلل ﷺ عند
الدخول:
ول اهللِ ﷺ َق َال: ب ﭬ َأ ان َر ُس َ أن يقول :بسم اهلل؛ لحديث َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ
ات َبنِي آ َد َم :إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُه ُم ا ْل َ
ـــخالَ َء َأ ْن َي ُق َ
ول: ـــان ،و َعور ِ
َ َْ
«ستْر ما َب ْي َن َأ ْع ُي ِن ا ْل ِ
َ ُ َ
بِ ْس ِم اهلل» .
()2
62
63 فصل
=
وِححه األلباين بماموع طرقه؛ كما يف إرواء الغليل برقم (.)50
( )1أخرجه البخاري ( ،)142ومسلم (.)315
( )2أخرجه ابن ماجه ( ،)222والطرباين يف الكبير ( )210/6( )1642من حديث أبي أمامة ﭬ مرفوعًا،
وضعفه النووي يف الخالِة ( ،)150/1والبوِـيري يف مصباح الزجاجة (.)44/1
( )3أخرجه أبو داود ( ،)30والرتمذي ( ،)1وقال« :حسن غريب» .وابن ماجه ( ،)300وِححه ابن خزيمة
( ،)20وابن حبان ( ،)1444والحاكم يف المستدرل ( ،)563وقال« :حديث ِحيح» .ووافقه الذهبي.
( )4أخرجه ابن ماجه ( )301من حديث أنس ﭬ مرفوعًا .وضعفه الدارقطني يف العلل ( ،)235/6وابن
الملقن يف البدر المنير ( ،)325/2واأللباين يف إرواء الغليل برقم (.)53
63
كـتـاب الـطـهـارة 64
64
65 فصل
الطرباين عن عبداهلل بن يزيد أن النبي ﷺ قالَ « :ال تدخل الم َالئِ َكة بيتًا فِ ِ
يه َب ْول َْ َ
منقع»(.)1
فإن وجدت حاجة وأمن التباسه فال كراهة لما روى أبو داود عن أميمة بنت
()2 ول فِ ِ
يه بِال ال ْي ِل» سـرير ِهَ ،ي ُب ُ
ِ َان لِلنابِي ﷺ َقدَ ح مِن ِعيدَ ُ
ان َت ْح َت رقيقة قالت« :ك َ
ٌ ْ
َ ٍّ
(وشق) :والشق يكون يف الحائط ،والاحر يف األرض فيكره البول فيهما لما
ول اهللِ ﷺ ن ََهى َأ ْن ُي َب َال فِي سـرج َسَ « :أ ان َر ُس َِ روى أبو داود من عن َعب ِد ال ال ِ
ــه ْب ِن ْ
ـان» .
()3 ِ
َان ُي َق ُال :إِن َاها مساك ُن ا ْل ِ
الا ْح ِرَ .ق َالَ :قتَا َدةَ :ك َ
َ َ ُ
وألنه يخشـى على البائل األذى مما يف داخل الاحر فيخرج عليه فيؤذيه.
َ َ َ
ورماد) :ألنه يورث السقم ،وخشـية تطاير الرماد ،ولم يكن من فعل (ونار،
ذوي المروءة.
ً ُ ُ َُ َ ُ
قوهل( :وال يكره ابلول قائ ِما).
لثبوته عن رسول اهلل ﷺ ففي الصحيحين عن ُح َذ ْي َف َة َق َالَ « :أ َتى الناب ِ ُّي ﷺ ُس َبا َط َة
ا ْئ ُته بِم ُ
اء َفت ََو اض َأ»(.)4 ُ ِ ِ
َق ْو ُم َف َب َال َقائ ًماُ ،ث ام َد َعا بِ َماءَ ،ف ُ َ
وثبت عن عمر وابن عمر وسهل ﭫ أهنم بالوا قيامًا ذكره ابن المنذر.
ويراعي أمرين :أن يأمن تطاير البول عليه .ويأمن انكشاف عورته للناس.
واألَولى البول جالسًا وهو أغلب هدي رسول اهلل ﷺ ،وأيسـر وآمن من
رجوع النااسة ،وقد روي عن رسول اهلل ﷺ يف النهي عن البول قائمًا أحاديث ال
تثبت ،ولكن حديث عائشة هو الصحيح فقط ،وهو قولها« :ما ب َال رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ َ َ َ ُ
( )1أخرجه الطرباين يف األوسط ( ،)2011وحسنه المنذري يف الرتغيب ( ،)62/1و الهيثمي يف المامع
(.)204/1
( )2أخرجه أبو داود ( ،)24وِححه الحاكم ( .)523وابن حبان ()1426
( )3أخرجه أبو داود ( ،)22والنسائي ( )34وأحمد ( ،)20124وِححه الحاكم يف المستدرل ()661 ،666
والنووي يف الخالِة ( ،)156/1وابن الملقن يف البدر المنير ( )321/2ونقل تصحيح ابن السكن له.
( )4أخرجه البخاري (- )222واللفظ له ،-ومسلم (.)213
65
كـتـاب الـطـهـارة 66
( )1أخرجه أحمد ( ،)25062وِححه الحاكم يف المستدرل ( ،)644وأبو عوانة يف مسنده (.)504
( )2أخرجه البخاري ( ،)141ومسلم (.)266
( )3أخرجه أبو داود ( ،)13والرتمذي ( ،)2وقال« :حسن غريب» .وابن ماجه ( ،)325وِححه ابن خزيمة
(.)56
66
67 فصل
( )1أخرجه أبو داود ( ،)11وِححه ابن خزيمة ( )60الحاكم ( ،)551وحسنه الحازمي يف االعتبار وكذا
األلباين يف تخرياه لسنن أبي داود.
61
كـتـاب الـطـهـارة 68
66
69 فصل
( )1أخرجه ابن ماجه ( )1561من حديث عقبة ﭬ مرفوعًا ،وِححه إسناده البوِـيري يف مصباح الزجاجة
( ،)41/2وقال المناوي يف تيسـير بشـرح الاامع الصغير (« :)266/2إسناده ِحيح» .وِححه األلباين
يف إرواء الغليل برقم (.)63
( )2أخرجه مسلم (.)261
( )3أخرجه مسلم (.)262
( )4أخرجه البخاري ( ،)5612ومسلم (.)265 ،264
62
كـتـاب الـطـهـارة 70
( )1أخرجه أبو داود ( ،)26والنسائي ( ،)236وِححه الحاكم ( ،)526وحسنه النووي يف الخالِة
(.)155/1
( )2أخرجه أبو داود ( ،)21وابن ماجه ( ،)304والنسائي ( ،)36والرتمذي ( ،)21وقال« :حديث غريب» من
حديث عَ ب ِدال ال ِ
ــه ْب ِن ُم َغ اف ُل ﭬ مرفوعًا .وِححه الحاكم ( .)525وابن حبان (.)1255 ْ
10
71 باب السواك
e السوَاكِ
ب ِّبا ُ
F
عقده المؤلف لذكر آداب السوال وأحكامه ،وذكر بعده فصالً يف سنن الفطرة.
ومناسبة الباب :أنه لما فرغ من أحكام االستنااء أعقبه بأحكام السوال ،وهذا
فعل بعض المحدثين كأبي داود يف السنن ووجه ذلك:
أو ً
ال :أنه غالبًا ما يعقب االستنااء الوضوء ،والسوال من سنن الوضوء فقدمه.
ثانيًا :أن كالً منهما يشتمل على اإلزالة ،فاالستنااء إزالة النااسة ،والسوال
إزالة ما علق بالفم وتنظيفه.
فائدة :للسوال فوائد دينية وطبية كثيرة أشار ابن الملقن إلى ما يقرب من ثالثين
منها ،وقد أظهرت الدراسات الطبية الفوائد الكبيرة للسوال التي ال تحصل لغيره
من المزيالت.
َََه ْ ُ َ ُّ ُ
قوهل( :يسن :بِعودَ ،رطب ،ال يتفتت).
فهو أحسن وأنفع للفم وآمن من أن يارح اللثة.
ورسول اهلل ﷺ استال بعود أرال؛ رواه أحمد عن ابن مسعود ﭬ(.)1
واستال باريد النخل؛ كما يف حديث عائشة عند البخاري( ،)2فإن تيسـرت،
وإال فأي عود ُينَظف تحصل به السنة.
ُ َ ُ ٌ ُ ًَ
قوهل( :وهو مسنون :مطلقا).
باتفاق العلماء لحث النبي ﷺ عليه ومواظبته وترغيبه فيه وسنيته تعم الرجال
والنساء على وجه سواء(.)3
( )1أخرجه أحمد ( )3221وحسنه األلباين يف إرواء الغليل عند الحديث رقم (.)65
( )2أخرجه البخاري ()4166
( )3المغني ( ،)20/1االستذكار (.)313/3
11
كـتـاب الـطـهـارة 72
وهو مستحب كل وقت؛ كما بينه ابن سـيرين وابن عبد الرب ولداللة السنة كما
ِ ِ
لرب» [أخرجه أحمد ،وعللهال َم ْط َه َر ٌة ل ْلـــ َف ِمَ ،م ْر َضا ٌة ل ا
قال رسول اهلل ﷺ« :الس َو ُ
البخاري](.)1
الول اهللِ ﷺ َق َالَ « :ت َس او ُكوا؛ َفإِ ان الس َو َ وروى ابن ماجه عن أبي أمامةَ ،أ ان َر ُس َ
ال َأوِانِي بِالسو ِ ِ ِ ِ
الَ ،حتاى َل َقدْ َ َم ْط َه َر ٌة ل ْلـــ َف ِمَ ،م ْر َضا ٌة ل الربَ ،و َما َجا َءني ِج ْب ِر ُيل إِ ا ْ َ
اف َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُأ امتِيَ ،ل َف َر ْضتُ ُه ال َأني َأ َخ ُ شـيت َأ ْن ُي ْف َر َض َع َلي َو َع َلى ُأ امتِيَ ،و َل ْو َ
ا َخ ُ
اد َم َف ِمي»(.)2 شـيت َأ ْن ُأح ِفي م َق ِ
ْ َ َ َل ُه ْمَ ،وإِني ألَ ْستَا ُلَ ،حتاى َل َقدْ َخ ُ
للصائ ِِمَ ،ف ُي َ
ه ه َ َ
كرهُ). ال
ِ و عد ه
الز َ قوهل( :إال ب
هذا مستثنى من االستحباب فيكره السوال للصائم بعد الزوال لئال تذهب
استَا ُكوا بِا ْلـــ َغدَ ِاةَ ،و َ
ال رائحة فم الصائم ورد أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ َذا ُِ ْم ُت ْم َف ْ
ورا َب ْي َن َع ْينَ ْي ِه َت ْستَا ُكوا بِا ْلـــ َعشـيَ ،فإِ ان ُه َليْ َس مِ ْن َِائِ ُم َت ْي َب ُس َش َفتَا ُه بِا ْلـــ َعشـي إِ ا
ال كَا َنتَا نُ ً
ـــق َيا َم ِة» [رواه البيهقي ،وضعفه هو والدارقطني وابن الملقن](.)3 يوم ا ْل ِ
َْ َ
والرواية الثانية عن اإلمام أحمد :ال يكره بعد الزوال ،وهذا أقوى ،ورجحه
شـيخ اإلسالم ،ويدل لذلك :عمومات األدلة اآلمرة بالسوال ،وليس فيها ما يخص
وقتًا دون وقت.
الم ْؤمِنِي َن أو َع َلى
ال َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُ
ويف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قالَ « :ل ْو َ
ال ِعنْدَ ُكل َِال َُة» وِالة الظهرين بعد الزوال. ُأمتِي ألَمر ُتهم بِالسو ِ
َ َْ ُ ْ ا
( )1أخرجه النسائي ( ،)5وأحمد ( ،)24262وعلقه البخاري مازومًا به ( ،)662/2وِححه ابن خزيمة
( ،)135وابن حبان ( ، )1061واأللباين يف إرواء الغليل برقم ( )66من حديث عائشة ڤ مرفوعًا.
( )2أخرجه ابن ماجه ( ،)262وضعفه ابن الملقن يف البدر المنير ( ،)621 ،620/1واأللباين يف ضعيف
الاامع الصغير برقم (.)2431
( )3أخرجه الطرباين يف الكبير ( )3626والدارقطني يف سننه ( ،)204/2والبيهقي يف سننه الكربى ()6121
من حديث خباب بن األرت ﭬ مرفوعًا ،وضعف الحديث الدارقطني والبيهقي وابن الملقن يف البدر
المنير ( ،)106/5وابن حار يف التلخيص الحبير (.)201/2
12
73 باب السواك
( )1أخرجه البيهقي يف سننه الكربى ( ،)116وضعفه هو والنووي يف الخالِة ( ،)66/1واأللباين يف إرواء
الغليل برقم (.)62
( )2ذكره البخاري تعليقًا ( ،)662/2والنسائي ( ،)3034وأحمد ( ،)2230وِححه ابن خزيمة ()140؛
من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا.
13
كـتـاب الـطـهـارة 74
( )1أخرجه ابن ماجه ( )221موقوفًا على علي ﭬ ،وضعفه العراقي يف المغني عن حمل األسفار (،12/1
،)60والبوِـيري يف مصباح الزجاجة ( ،)43/1وِحح األلباين حديثًا نحوه كما يف السلسلة الصحيحة
برقم (.)1213
( )2أخرجه البخاري ( ،)242ومسلم (.)255
( )3أخرجه مسلم ( )256من حديث ابن عباس ﭭ.
( )4أخرجه مسلم (.)253
14
75 باب السواك
ال ألَ ْغ ِس َل ُهَ ،ف َأبْدَ ُأ بِ ِه َف َأ ْستَا ُلُ ،ث ام َأ ْغ ِس ُل ُه َو َأ ْد َف ُع ُه إ ِ َل ْي ِه»(.)1 َالَ ،ف ُي ْعطِينِي الس َو َ ﷺ َي ْست ُ
ال َف َاا َءنِي
ويف ِحيح مسلم َع ِن اب ِن ُعمر َأ ان النابِي ﷺ َق َالَ « :أرانِي َأ َتسو ُل بِ ِسو ُ
َ َ ا َ ا ََ ْ
ال األَ ِْ َغ َر مِنْ ُه َماَ ،ف ِق َيل لِي :كَب ْر، ـــت الس َو َ اآلخ ِرَ ،فن ََاو ْل ُ َر ُجال َِن َأ َحدُ ُه َما َأ ْك َب ُر مِ َن َ
َفدَ َف ْع ُت ُه إ ِ َلى األَ ْك َب ِر مِنْ ُه َما»(.)2
ن َأبِي َب ْك ُر َع َلى النابِي ﷺ ِ
الر ْح َم ِن ْب ُ
ويف ِحيح البخاري َع ْن َعائ َشةََ « :د َخ َل َع ْبدُ ا
ول اهللِ ب َي ْس َت ُّن بِ ِهَ ،ف َأ َبدا ُه َر ُس ُ الر ْح َم ِن ِس َو ٌ ِ ِ
ال َر ْط ٌ َو َأنَا ُم ْسندَ ُت ُه إ ِ َلى َِدْ ِريَ ،و َم َع َع ْبد ا
ال َف َق َص ْم ُت ُه َو َن َف ْض ُت ُه َو َط اي ْب ُت ُهُ ،ث ام َد َف ْع ُت ُه إ ِ َلى النابِي ﷺ َف ْ
استَ ان ت الس َو َ ﷺ َبصـر ُهَ ،ف َأ َخ ْذ ُ
ول اهللِ استِنَانًا َق ُّط َأ ْح َس َن مِنْ ُهَ ،ف َما عَدَ ا َأ ْن َف َر َغ َر ُس ُ بِ ِهَ ،فما ر َأيت رس َ ِ
است اَن ْ ول اهلل ﷺ ْ َ َ ْ ُ َ ُ
يق األَ ْع َلى َثالَ ًثاُ ،ث ام َقضـى»( .)3فقصمته :أي الرفِ ِ ِ
ثم َق َال :في ا ﷺ َر َف َع َيدَ ُهَ ،أ ْو إ ِ ِْ َب َع ُه ،ا
كسـرته ،فأبنت منه الموضع الذي كان استن به عبد الرحمن .لكن إذا أراد أن
يستعمل سوال غيره فيشـرع له أن يغسله؛ كما فعله رسول اهلل ﷺ فهذا أطيب
وأنظف.
ويف أي يديه أمسك السوال حصلت السنة وأتى بالمقصود ،ولم يثبت أن
رسول اهلل ﷺ كان يتحرى فيه شـيئًا ،وإن راعى اليمين فحسن لكونه ﷺ« :ك َ
َان
ور ِه َوفِي َش ْأن ِ ِه ُكل ِه» [متفق عليه] ،زاد أبو داود:
ا ُب ُه ال ات َي ُّم ُن :فِي َتنَ ُّعلِ ِه َو َت َر ُّجلِ ِه َو ُط ُه ِ
ُي ْع ِ
«وسواكه».
( )1أخرجه أبو داود ( ،)52قال النووي يف الخالِة (« :)61/1إسناده جيد» .وكذا قال ابن الملقن يف البدر
المنير (.)45/2
( )2أخرجه مسلم ( )3003مسند ًا ،والبخاري ( )243تعليقًا.
( )3أخرجه البخاري (.)4114
15
كـتـاب الـطـهـارة 76
e ص ٌل
َف ْ F
(يف سنن الفطرة)
16
77 فصل يف سنن الفطرة
َ (وتَقلِ ُ
ار) :أي قصها ،وليس لقصها ِفة معينة.
ِ األظف يم
والسنة الثالث كلما طالت ،ويكره تركها أكثر من أربعين يومًا لما روى مسلم
اإلب ِ ِ ب َو َت ْقلِ ِ َس َق َالُ « :وق َت َلنَا فِي َقص ا
ط َو َح ْل ِ
ـــق ار َو َنتْف ِ ْ
يم األَ ْظ َف ِ الش ِ
ار ِ َع ْن َأن ُ
ال َنت ُْر َل َأ ْك َث َر مِ ْن َأ ْر َب ِعي َن َل ْي َل ًة»(.)1
ا ْلـــ َعان َِةَ :أ ْن َ
والمذهب أن تركها أكثر من أربعين يوما بال أخذ مكروه؛ لوجود التوقيت من
رسول اهلل ﷺ ،ولنهيه عن تركها أكثر من أربعين.
ويتأكد النهي إن أدى إطالة الشارب إلى التشبه بالفساق أو الكفار :لحديث ا ْب ِن
ول اهلل ﷺ قالَ « :م ْن َت َش اب َه بِ َق ْو ُم َف ُه َو مِنْ ُه ْم» [أخرجه أبوداود](.)2 ُع َم َر أن َر ُس ُ
ِ ِ ِ (وانله َظ ُر يف الم َ
ب اهلل َجم ٌيل ُيح ُّ َ ا
ن إ« ولمسلم وياملها، نفسه ليتعاهد :)ِ ة آ ر ِ
ـــقي َف َأ ْح ِس ْن ُخ ُل ِقي»
ا ْلام َال» وإذا نظر إلى المرآة فليقل« :اللهم كَما حسن َْت َخ ْل ِ
ُ ا َ َ ا َ َ
[أخرجه البيهقي وضعفه](.)3
يب) :لفعله ﷺ فقد كان يحب الطيب والرائحة الحسنة وقال:
ِّ ه َ ُّ ُ
(واتلطيب بالط ِ
ِ ِ ِ ِ ِ
الصال َة» [أخرجه يبَ ،و ُجع َل ُق ار ُة َع ْيني في ا ب إ ِ َل اي م َن الدُّ ْن َيا :الن َسا ُءَ ،والط ُ « ُحب َ
النسائي](.)4
وكان يشتد أن توجد منه رائحة كريهة ،فيتعاهد جسده بالطيب ويتأكد هذا عند
حضور الماامع العامة كصالة الامعة كما جاءت به السنة.
ُ ِّ َ َ ً َ ُ ُه َ َ
(واالكتِحال ُك يللة يف ُك عي ثالثا) :فالمذهب استحبابه يف حق الرجال،
11
كـتـاب الـطـهـارة 78
ويكون وتر ًا ،واألولى كونه باإلثمد وقد جاء فيه أحاديث أقواها ما رواه اإلمام
اإل ْث ِم ِد ُك ال َل ْي َل ُة َق ْب َل َأ ْن َينَا َمَ ،وك َ
َان َان ي ْكت ِ
َح ُل ب ِ ِ اسَ « :أ ان النابِ اي ﷺ ك َ َ أحمد عن ا ْب ِن َع اب ُ
ال»(.)1َح ُل فِي ُكل َع ْي ُن َثالَ َث َة َأم َي ُ ي ْكت ِ
َ
ْ
اإل ْث ِم ِد َفإِ ان ُه َي ْا ُلو
َح ُلوا بِ ِاسَ ،أ ان النابِي ﷺ َق َال« :ا ْكت ِ
ا
وروى الرتمذي َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
َح ُل بِ َها ُك ال َل ْي َل ُة َثالَ َث ًة فِي
الشعر ،و َأ ان النابِي ﷺ كَان َْت َله م ْكح َل ٌة ي ْكت ِ
ُ ُ ُ َ ا ال َبصـرَ ،و ُينْبِ ُت ا ْ َ َ
َه ِذ ِهَ ،و َثالَ َث ًة فِي َه ِذ ِه»(.)2
وال تخلو من مقال ،وقد حسنها جماعة بماموع طرقها وشواهدها؛ منهم
الرتمذي والحاكم وأحمد شاكر ،وهي تدل على حرِه ﷺ على الكحل،
واهتمامه به ومن ذلك.
ه َ ُّ
ار ِب) :وهو الشعر النابت فوق الشفة العليا ،فالسنة عدم إطالته وأن ِ الش ف (وح
الش َو ِار َب»
يأخذ منه كلما طال لما تقدم من األدلة فالسنة حفه لقوله ﷺَ « :أ ْح ُفوا ا
[متفق عليه].
والحف أولى من الحلق .وهو المبالغة يف األخذ من الشعر ،ويف األحاديث
التصـريح بالحف ،وهذا مذهب اإلمام أحمد ،ورجحه والنووي والطحاوي وابن
القيم.
ول اهللِ
واألخذ من الشارب سنة ويكره تركه أكثر من أربعين يومًا ،وقد قال رس ِ
َ ُ
اربِ ِه َف َل ْي َس مِناا» [رواه الرتمذي وِححه]( .)3وحديث َأن ِ
َس ْب ِن ﷺَ « :م ْن َل ْم َي ْأ ُخ ْذ مِ ْن َش ِ
اإلب ِ ِ ب َو َت ْقلِ ِ ك َق َالُ « :وق َت َلنَا فِي َقص ا مال ِ ُ
ط َو َح ْل ِ
ـــق ار َو َنتْف ِ ْ
يم األَ ْظ َف ِ الش ِ
ار ِ َ
ِ ِ ا ْلـــ َعان َِةَ :أ ْن َ
ال َنت ُْر َل َأ ْك َث َر م ْن َأ ْر َبع َ
ين َل ْي َل ًة» [رواه مسلم].
( )1أخرجه أحمد ( )3320والحاكم يف المستدرل ( ،)6242وقالِ« :حيح اإلسناد» .إال أنه أخرج الشطر
األول منه ،وقال األلباين يف إرواء الغليل حديث رقم (« :)16ضعيف جد ًا».
( )2أخرجه الرتمذي (- )1151واللفظ له -وقال« :حسن غريب» ..وِحح األلباين طرفه األول كما يف
تخرياه لسنن الرتمذي.
( )3أخرجه الرتمذي ( )2161وقال« :حسن ِحيح» .والنسائي ( )13وِححه ابن حبان ()5411
16
79 فصل يف سنن الفطرة
َ َ َ ُْ َ ُ ِّ َ
اء اللحيةِ .وح ُرم :حلقها). قوهل( :وإعف
واللحية :اسم للشعر النابت على الخدين والذقن هذا ما ذكره أئمة اللغة.
وإعفائها واجب ،ويحرم حلقها ،بداللة السنة ونقل ابن حزم اإلجماع على أن
إعفاءها فرض وكذا يحرم قصها وتخفيفها؛ كما بينه شـيخ اإلسالم ومن األدلة
على ذلك:
[متفق المشـركِي َنَ :وف ُروا الل َحىَ ،و َأ ْح ُفوا ا
الش َو ِار َب» ِ
قول النابِي ﷺَ « :خال ُفوا ُ
الش َو ِار َب َو َأ ْع ُفوا الل َحى» [متفق عليه]( .)2ولمسلمَ « :أ ْح ُفوا
عليه]( .)1ويف رواية« :أن ِْه ُكوا ا
الش َو ِار َبَ ،و َأ ْر ُخوا الل َحىَ ،خال ِ ُفوا
الش َو ِار َب َو َأ ْع ُفوا الل َحى»( .)3ولمسلمُ « :ج ُّزوا ا
ا
ا ْل َم ُا َ
وس»(.)4
وألحمد« :أعفوا اللحى ،وجزوا الشوارب ،وال تشبهوا باليهود والنصارى»(.)5
واألحاديث كثيرة ومن ماموع الروايات يحصل عندنا خمس روايات:
(اعفوا ،وأوفوا ،وأرخوا ،و ارجوا ،ووفروا) .ومعناها جميعًا األمر برتل اللحية
على حالها وتكثيرها ،وكل هذه األلفاظ أمر ،واألمر يف الشـريعة للوجوب إال
لصارف وال ِارف هنا ،فاألوامر هنا للوجوب ،وهذا ما ذهب إليه فقهاء
المذاهب األربعة.
قال ابن حار« :حقيقة اإلعفاء الرتل وترل التعرض للحية يستلزم تكثيرها
وأغرب من قال هو األخذ منها بإِالح ما شذ منها طوال وعرضا وذهب األكثر
إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب ،قال ابن دقيق العيد ال أعلم أحدا فهم
من األمر يف قوله أعفوا اللحى تاويز معالاتها بما يغزرها كما يفعله بعض
( )1أخرجه البخاري (- )5553واللفظ له ،-ومسلم ( )252من حديث ابن عمر ﭭ مرفوعًا.
( )2أخرجه البخاري (.)5554
( )3أخرجه مسلم (.)252
( )4أخرجه مسلم (.)260
( )5أخرجه أحمد يف المسند ( ،)6651وِححه األلباين يف ِحيح الاامع برقم (.)1061
12
كـتـاب الـطـهـارة 80
الناس»(.)1
وقال أيضًا :وفروا بتشديد الفاء من التوفير وهو اإلبقاء -أي اتركوها وافرة،-
وإعفاء اللحية تركها على حالها.
وأما العنفقة :وهي الشعر الذي تحت الشفة السفلى ،فاألولى تركها إال إذا
تأذى بطولها فأمرها أخف.
َ َ َ َ َ َ َ
قوهل( :وال بأس :بِأخ ِذ ما زاد ىلع القبض ِة مِنها).
بعد نص العلماء على وجوب إعفائها ،وقع خالف يف جواز أخذ ما زاد على
القبضة والمذهب جوازه لما ورد يف البخاري َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر« :أنه كان إِ َذا َح اجَ ،أ ِو
اعت ََم َر َق َب َض َع َلى ل ِ ْح َيتِ ِه َف َما َف َض َل َأ َخ َذ ُه»( .)2وكذا روي عن عدد من السلف.
ْ
والقول الثاين النهي عن أخذ شـيء منها وهو األقوى ،والدليل على ذلك:
ال :أن هدي رسول اهلل ﷺ الفعلي والقولي إرسالها وعدم أخذ شـيء منها، أو ً
ولم ينقل عنه أخذ شـيء منها ،وهو القدوة واألسوة يف ذلك ،كما قال تعالى﴿ :ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ﴾
[النساء ،]52 :وقوله﴿ :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [األحزاب.]21 :
ثانيًا :أن عدم األخذ هو ظاهر النصوص مثل :أكرموا اللحى ،أوفوا اللحى،
أرخوا اللحى ،خالفوا الماوس ،خالفوا المشـركين ،وهذا يدل على عدم األخذ
منها.
ثالثًا :أن األخذ لم ينقل عن الخلفاء األربعة ،وإنما نقل عنهم اإلعفاء
واإلرخاء ،وهذا يفسـر المراد بأحاديث رسول اهلل ﷺ.
60
81 فصل يف سنن الفطرة
رابعًا :أن الراوي إذا خالف ما روى أخذنا بروايته؛ ألهنا عن معصوم وتركنا
رأيه ،قال الشـيخ محمد بن إبراهيم :وفعل ابن عمر هذا ال يحتج به؛ ألنه روى
النهي عن التقصـير وروايته مقدمة على رأيه(.)1
خامسًا :أنه حفظ عن ابن عمر ﭭ مسائل تفرد هبا ،ولم يوافقه الصحابة
عليها.
سادسًا :أن ابن عمر إنما أثر عنه فعله يف الحج أو العمرة وليس طول العام،
وس َع هذا وأطلقه وخالف النصوص ،وعند التنازع نرجع إلى
ومن أخذ بقوله ا
األِلين.
فاألظهر :النهي عن أخذ شـيء منها.
ومع هذا فمن أخذ منها ما زاد على القبضة فله سلف ،وأمره ليس كمن حلق
لحيته أو خففها ،فقد نقل عن ابن عمر وقتادة والحسن وابن سـيرين أهنم ال يرون
بذلك بأسا.
َ ُ ُ َ َ ُ َ َ ُ َ ه َ ُ
وغ ،وقبله :أفضل). ج ٌب ىلع اذلك ِر واألنَث ع
ِند ابلُل ِ قوهل( :واخل ِتان :وا ِ
الختان :يف حق الذكر هو :قطع الالدة التي تغطي الحشفة.
ويف حق األنثى :أخذ شـيء من اللحمة التي فوق محل اإليالج.
والمذهب أنه واجب يف حق الذكر واألنثى.
يم النابِ ُّي ﷺ َو ُه َو ا ْب ُن َث َمانِي َن َسنَ ًة بِا ْلـــ َقدُ و ِم» ِ
اختَ َت َن إِ ْب َراه ُ
ومن األدلةَ :قوله ﷺْ « :
[متفق عليه](.)2
وقد قال تعالى﴿ :ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ﴾ [النحل ،]123 :وهذا من هديه وسنته ♠ .وروى أبو داود أن
61
كـتـاب الـطـهـارة 82
( )1أخرجه أبو داود ( ،)356وأحمد ( )15410من حديث كليب الاهني ﭬ مرفوعًا ،وحسنه األلباين يف
إرواء الغليل برقم (.)12
62
83 بـاب الـوضـوء
e ب الوُضُوءِ
با ُ
F
عقده لبيان أحكام الوضوء وفروضه وواجباته وسننه ونواقضه.
والوضوء :مأخوذ من الوضاءة ،وهو الحسن والنظافة.
ويف الشـرع :التعبد هلل باستعمال الماء الطهور يف األعضاء األربعة على وجه
مخصوص.
والوضوء عبادة ،وفيه أجر عظيم ومن فضائله:
أنه سبب لمحو الذنوب :وأدلة هذا كثيرة؛ ومنها ما يف ِحيح مسلم َع ْن َأبِي
الم ْؤمِ ُن َف َغ َس َل َو ْج َه ُه ِ هرير َة ﭬ َأ ان رس َ ِ
الم ْسل ُم َأ ِو ُول اهلل ﷺ َق َال« :إِ َذا َت َو اض َأ ا ْلـــ َع ْبدُ ُ َ ُ ُ َ َْ
ِ
الماءَ ،فإِ َذا َغ َس َل ِ ِ ِ ِ ُ ِ ِ
الماء َأ ْو َم َع آخ ِر َق ْط ِر َ َخ َر َج م ْن َو ْج ِهه ُك ُّل َخطي َئة نَ َظ َر إِ َل ْي َها بِ َع ْينَ ْيه َم َع َ
آخ ِر َق ْط ِر الم ِ
اءَ ،فإ ِ َذا اء َأو مع ِ ِ َيدَ ْي ِه َخ َر َج مِ ْن َيدَ ْي ِه ُك ُّل َخطِي َئ ُة ك َ
َ الم ْ َ َ َان َب َط َشت َْها َيدَ ا ُه َم َع َ
آخ ِر َق ْط ِر الم ِ اء َأو مع ِ ِ ِ ُ ِ
اء َحتاى َ الم ْ َ َ َغ َس َل ِر ْج َل ْيه َخ َر َج ْت ُك ُّل َخطي َئة َم َشت َْها ِر ْجالَ ُه َم َع َ
وب»(.)1 الذ ُن ِ َي ْخ ُر َج ن َِقيا مِ َن ُّ
ول اهلل ﷺ
وهو سبب لرفع الدرجات :كما روى مسلم عن َأبِي هرير َة َأ ان رس َ ِ
َ ُ ُ َ َْ َ ْ
الخ َطايا ،وير َفع بِ ِه الدا رج ِ ِ
ات؟ َقا ُلواَ :ب َلى َيا َ َ ال َأ ُد ُّل ُك ْم َع َلى َما َي ْم ُحو اهلل بِه َ َ َ َ ْ ُ َق َالَ « :أ َ
اج ِدَ ،وانْتِ َظ ُار
الخ َطا إ ِ َلى المس ِ ار ِهَ ،و َك ْث َر ُة ُ
الم َك ِ ِ
َ َ ـــو ُضوء َع َلى َ ول اهلل! َق َال :إِ ْس َبا ُغ ا ْل ُ َر ُس َ
اأ»( ،)2وغيرها. الصالَ ِة َف َذل ِ ُك ُم الر َب ُ ِ
الصالَة َب ْعدَ ا ا
ه َُ ُ َ
جتب فِي ِه :التس ِمية). قوهلِ ( :
يف التسمية يف الوضوء روايتان:
63
كـتـاب الـطـهـارة 84
( )1أخرجه أبو داود ( )101وابن ماجه ( ،)322وأحمد ( )2406وقد ضعفه جماعة من العلماء .انظر :البدر
المنير (.)62/2
( )2تلخيص الحبير (.)13/1
64
85 بـاب الـوضـوء
65
كـتـاب الـطـهـارة 86
واألظهر :أنه يذكرها ويبني على ما سبق ،وال يلزمه اإلعادة ،ألهنا مستحبة.
َ ْ ُ َ ُ ُ َ َ َ ُ وض ُه س هت ٌةَ :غ ْس ُل َُُ ُ
الوج ِه ،ومِنه :المضمضةُ واالستِنشاق .وغسل ِ قوهل( :وفر
َ ْ ُ ِّ َ َُ ُ ُ ِّ ه َ ُ ََ ََ ََ
ي
ان .وغسل الرجل ِ أس ُك ِه ،ومِنه :األذن ِي .ومسح الر ِ ين مع ال ِمرفق ِ ِ ايلد
ُ ُ ه
والَّتت ُ ََ َ َ
ِيب .والم َواالة). ي.ُ مع الك ٌ ِ
عب
ُ ُ ه
(وف ُروضه ِستة) :ال يصح إال هبا وال يعذر برتكها سهو ًا أو عمد ًا؛ وهي :غسل
األعضاء األربعة وهي الوجه ،واليدان ،والرجالن ،والرأس ،والمواالة ،والرتتيب.
الوج ِه) :وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع ،قال تعالى﴿ :ﭑ ( َغ ْس ُل َ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾[المائدة.]6 :
وحد الوجه :من األذن إلى األذن عرضًا ،ومن الذقن إلى منابت شعر الرأس
ال ،فيخرج األقرع واألجلح ،وأما اللحية فإن كانت كثيفة فيغسلالمعتاد طو ً
ظاهرها مع الوجه ،وإن كانت خفيفة فيغسل البشـرة التي تحتها.
َ ُ ُ َ َ َ ُ
(ومِنه :المضمضة واالستِنشاق) :فهما واجبتان يف الوضوء ،وهذا مذهب
اإلمام أحمد وهو من مفرداته عن األئمة الثالثة ،وقد رجحه غير واحد من
المحققين ،منهم شـيخ اإلسالم وابن القيم وابن المنذر والشوكاين ،ومن فقهاء
الحديث أبو عبيد وأبو ثور وإسحاق .ودليله:
ال :األحاديث الكثيرة التي وِفت وضوء رسول اهلل ﷺ ،فإهنا تذكر مداومة أو ً
رسول اهلل ﷺ عليها؛ كحديث عثمان يف الصحيحين وعلي عند األربعة ،وأبي
هريرة وعبد اهلل بن زيد وابن عباس.
ثانيًا :أهنا من تمام غسل الوجه المذكور يف القرآن.
قال الشوكاين« :وقد ثبت عن رسول اهلل ﷺ مداومته على ذلك يف كل وضوء،
ورواه جميع من روى وضوء رسول اهلل ﷺ وبين ِفته ،فأفاد ذلك أن غسل الوجه
المأمور به يف القرآن هو مع المضمضة واالستنشاق»(.)1
66
87 بـاب الـوضـوء
وقال ابن القيم« :ولهذا كان رسول اهلل ﷺ يداوم عليها ولم ينقل عنه بإسناد قط
أنه أخل هبا يومًا واحد ًا ،وهذا يدل على أهنا فرض ال يصح الوضوء بدوهنا»(.)1
ت َف َم ْض ِم ْض»(.)2
وروى أبو داود أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ َذا َت َو اض ْأ َ
والمضمضة :تحريك الماء داخل الفم ثم ماه.
واالستنشاق :جذب الماء بالنفس إلى داخل األنف.
واالستنثار :إخراج الماء من األنف بعد استنشاقه.
والسنة أن يتمضمض ويستنشق بغرفة واحدة ،وال يأخذ لكل واحدة غرفة ،هذا
هدي رسول اهلل ﷺ ،الوِل بين المضمضة واالستنشاق ويدل له ما يف
احدَ ةَُ ،ف َف َع َل
َف و ِ ِ
اس َتن َْش َق م ْن ك ن َ
الصحيحين عن عبداهلل بن زيد قالَ « :م ْض َم َض َو ْ
َذل ِ َك َثالَ ًثا»(.)3
فهذا أِح ما روي فيهما ،ولم يايء الفصل بين المضمضة واالستنشاق يف
حديث ِحيح.
ََ َ ْ ُ ََ ََ
ي) :وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع.
ين مع ال ِمرفق ِ
(وغسل ايلد ِ
فيغسل اليدين جميعا من أطراف األِابع مع المرفقين.
والمرفق :هو المفصل الذي بين الذراع والعضد.
وياب غسله مع اليد ،وهو قول األئمة األربعة ،ويدل له :قوله تعالى:
﴿ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [المائدة ،]6 :بمعنى مع المرافق ،والسنة قد دلت على
دخولهما كما روى مسلم عن أبي هريرة ﭬ« :أنه توضأ ُث ام َغ َس َل َيدَ ُه ا ْلـــ ُي ْمنَى َحتاى
شـرع فِي ا ْلـــ َع ُض ِد ،...ثم قال :هكذا ِ ِ
شـرع في ا ْلـــ َع ُضدُ ،ث ام َيدَ ُه ا ْلـــ ُيسـرى َحتاى َأ َ
َأ َ
61
كـتـاب الـطـهـارة 88
66
89 بـاب الـوضـوء
اهلل ﷺ َف َع َل هذا»( ،)1فقد رواه أبو داود وبين شذوذه أبو داود وابن المنذر ورجح
هذا ابن تيمية وابن القيم(.)2
ُ َُُ
ان) :فاألذنان داخلة يف الرأس ،ياب مسحهما معه ،وقد ورد عن (ومِنه :األذن ِ
الر ْأ ِ ِ ِ
س» [رواه أبوداود ،والرتمذي وضعفه ](.)3 رسول اهلل ﷺ أنه قال« :األُ ُذنَان م َن ا
والسنة أال يأخذ لألذنين ماء جديد ًا ،بل يمسحان بما فضل يف اليدين بعد مسح
الرأس؛ كما دل له حديث ابن عمرو ﭬ ،وفيهُ « :ث ام َم َس َح بِ َر ْأ ِس ِهَ ،ف َأ ْد َخ َل إ ِ ِْ َب َع ْي ِه
اح َت ْي ِن َباطِ َن ُأ ُذ َن ْي ِه»(.)4الس اب َ
ِ ِ ِ ِ ِ
اح َت ْي ِن في ُأ ُذ َن ْيهَ ،و َم َس َح بِإِ ْب َها َم ْيه َع َلى َظاه ِر ُأ ُذ َن ْيهَ ،وب ِ ا
الس اب َ
ا
ولم يرد عن رسول اهلل ﷺ بإسناد ِحيح أنه أخذ لهما ما ًء جديد ًا.
َ ْ ُ ِّ َ َ َ َ َ
ي) :وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء ي مع الك ِ
عب (وغسل الرجل ِ
السنة ،ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ أنه أخل بالغسل؛ ولما « َر َأى َر ُج ًال ُي َصلي َوفِي
الما ُء َف َأ َم َر ُه النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُي ِعيدَ ا ْل ُو ُضو َء ِ ِِ
َظ ْه ِر َقدَ مه ُل ْم َع ٌة َقدْ ُر الد ْر َه ِمَ ،ل ْم ُيص ْب َها َ
الص َال َة» [رواه أبوداود](.)5 َو ا
اب ﭬَ :أ ان َر ُج ًال َت َو اض َأ َفت ََر َل َم ْو ِض َع ُظ ُف ُر ويف ِحيح مسلم عن ُع َم ُر بن ا ْل َخ اط ِ
على َقدَ مِ ِه َف َأ ْبصـر ُه النبي ﷺ؛ فقالْ « :ار ِج ْع َف َأ ْح ِس ْن ُو ُضو َء َل»َ ،ف َر َج َع ُث ام ِلى(.)6
62
كـتـاب الـطـهـارة 90
( )1أخرجه ابن ماجه ( ،)412وقال ابن الملقن يف البدر المنير ( - )133/2بعد أن أورد طرقه« :-هو حديث
ضعيف بمرة ال يصح من جميع هذه الطرق» .وقد نقل تضعيف األئمة أبي حاتم وأبي زرعة والبيهقي
للحديث ،وقال يف موضع آخر (« :)215/2أما كونه (توضأ على سبيل المواالة) فصحيح ثابت يف غير ما
حديث مستفيض ،فكل من وِف وضوءه -عليه أفضل الصالة والسالم -لم يصفه إال متوال ًيا مرت ًبا».
وذكره ابن السكن يف ِحاحه ،وحسنه األلباين بماموع طرقه يف السلسلة الصحيحة برقم (.)261
20
91 بـاب الـوضـوء
مسألة :المذهب أن المواالت ال تسقط عمد ًا وال سهو ًا ،لحديث ِاحب
اللمعة.
واختار شيخ اإلسالم أهنا تسقط مع العذر ،وقال :هذا األظهر واألشبه بأِول
الشـريعة وذلك أن أدلة الوجوب ال تتناول إال المفرأ وال تتناول العاجز.
وقد أطال يف االستدالل لهذا القول فذكر سقوأ المواالة للعذر يف ِـيام
الكفارة والعقود والطواف والسعي وغيرها ،وأما حديث ِاحب اللمعة فلعله
تركها تفريطًا(.)1
َْ ُ ُ هُ ُ ُُ َ ُ ُ ُ ُ ُ َ ٌَ
جبه .وانلية .واإلسالم .والعقل. و
َ ِ ي ما اع ط ق
ِ ان : ةقوهل( :ورشوطه ثمانِي
َ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ُ ُ ُ ُ َ ُ ه
الطهور المباح .وإزالة ما يمنع وصوهل .واالستِنج ُ
اء). واتلهميِـزي .والماء
ُ ُ ُ ُ َ ٌَ
ورشوطه ثمانِية) :لما ذكر فروض الوضوء ذكر شـروطه ،وهي :ما يلزم من (
عدمها العدم ،وال يلزم من وجودها وجود وال عدم لذاهتا.
ُ ُُ َ ُ
جبه) :كالبول والغائط فال يبدأ بوضوئه إال بعد انقطاع موجبه،
(ان ِقطاع ما يو ِ
لكن يعفى يف ذلك عمن حدثه مستمر كالمستحاضة ،ومن به سلس بول ونحوه،
فلهم الوضوء ولو كان الدم أو البول ينزل.
هُ
(وانلية) :ألهنا شـرأ لكل عبادة فلو غسل أعضاءه بال نية لم يازء.
اتَ ،وإِن َاما ل ِ ُ
كل ا ْم ِر ُ َما ن ََوى» [متفق
لحديث عمر ﭬ« :إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ
ا َ َ
عليه]( ،)2وهي القصد والعزم على فعل الشـيء ،ومحلها القلب ،وال تعلق لها
باللسان ،ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ وال عن الصحابة يف النية لفظ يقال.
ـزي) :وهذه شـروأ يف كل عبادة؛ إال يف الزكاة ،فال والع ْق ُل .واتلهمي ُ
َ ُ
(واإلسالم.
ِ
يصح وضوء الكافر والمانون وغير المميز وضابط التمييز على المذهب :أن يبلغ
الصال َِة َو ُه ْم َأ ْبنَا ُء َس ْب ِع ِسنِي َنَ ،واضـر ُب ُ
وه ْم ال َد ُك ْم بِ ا
سبع سنين؛ لحديثُ « :م ُروا َأ ْو َ
21
كـتـاب الـطـهـارة 92
َع َل ْي َها َو ُهم َأ ْبنَاء َعشـر ِسنِي َنَ ،و َفر ُقوا َب ْينَ ُهم فِي الم َض ِ
اج ِع»(.)1 َ ْ ْ ُ
ُ َ ُ ه ُ ُ َُ
(والماء الطهور المباح) :فيشرتأ يف الماء أن يكون طهور ًا مباحًا وإال لم يصح
الوضوء هذا المذهب.
فيشرتأ فيما يتوضأ به ثالثة شروأ:
األول :أن يكون ما ًء وغير الماء ال تصح الطهارة به كالخل والمرق والنبيذ ،وماء
الورد ،والمعتصر من الشار ،ل ِ َق ْول ِ ِه َت َعا َلى﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ فأوجب التيمم
على من لم ياد ماء.
الثاين :طهور ًا هو الباقي على خلقته ويشمل ما نزل من السماء وما نبع من
األرض فهو طاهر يف نفسه مطهر لغيره وتقدم بيان الطهور وأقسامه يف باب المياه.
طاه ُر فياوز ُ
بشـيء ِ كثير من لونه أو طعمه أو ريحه
وأما الطاهر وهو ما تغير ٌ
استعماله يف غير رفع الحدث وزوال الخبث.
الثالث :مباحًا يخرج المسـروق والمغصوب ونحوها مما ال يباح استخدامه
فال يصح وضوء وال غسل فيه ،ألنه استعمل يف شرأ العبادة ما يحرم استعماله فلم
يصح ،وألن الصالة قربة وهي منهي عنها على هذا الوجه فال يتقرب بما هو عاص
به أو يؤمر بما هو منهي عنه.
والرواية الثانية أنه يصح الوضوء بغير المباح مع اإلثم ،ألن التحريم ال يعود
إلى الصالة فلم يمنع ِحتها ،كما لو أو ِلى من عليه عمامة حرير واختاره
شيخنا ابن عثيمين ،وهو األظهر.
َُ َ َُ ُ َ
(وإزالة ما يمنع وصوهل) :إلى البشـرة من العاين والطالء وغيرها من العوازل
وأِباغ أظافر النساء؛ ألنه ال يطلق عليه أنه أتم الوضوء ،وبقي عضو لم يصبه
اب النابِي ﷺَ « :أ ان النابِ اي ﷺ َر َأى َر ُجالً ُي َصلي َوفِي َظ ْه ِر
ض َأ ِْ َح ِ
الماء؛ لحديث َب ْع ِ
( )1أخرجه أبو داود ( ،)425والحاكم يف المستدرل ( )106من حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص ﭭ
وحسن إسناده النووي يف الخالِة ( ،)252/1وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (.)236/3
مرفوعًا .ا
22
93 بـاب الـوضـوء
23
كـتـاب الـطـهـارة 94
وأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه كان ملبد ًا رأسه يف حاة الوداع ،وتلبيد الرأس يمنع
من مباشـرة الماء عند المسح للشعر والبد أن يتوضأ ولم ينقل أنه أزاله.
وأنه ثبت عن رسول اهلل ﷺ المسح على العمامة مع إمكان رفعها ومسح رأسه
لكن هذا من باب التخفيف واختاره ابن باز وابن عثيمين(.)1
فإن أزيل الحناء ولم يبق إال لونه ،فال يمنع من ِحة الوضوء ،وهو مما ال
يع َلم فيه خالف للعلماء؛ ألنه ليس بحائل ،وال ِجرم له.
َ
نج ُ
اء) :أي لمن خرج منه نااسة من بول أو غائط لينظف المحل. (واالستِ
( )1ماموع فتاوى ابن باز ( ،)161/10فتاوى نور على الدرب البن عثيمين (.)111 /1
24
95 بـاب الـوضـوء
e َفصْلٌ
F
النية هي القصد والعزم على فعل الشـيء ،وب اين يف هذا الفصل القصد الذي
يازء يف الطهارة.
والنية شـرأ لصحة الوضوء ويكفي يف المايء هبا أن يقصد أحد ثالثة أمور:
أن ينوي رفع الحدث .أو يقصد ما تاب له الطهارة؛ كالصالة .أو يقصد ما
تسن له الطهارة؛ كقراءة القرآن أو ذكر اهلل ،فإذا قصد به أحد هذه األمور أِبحت
النية مازئة يف الطهارة الكاملة.
أما لو لم ينو شـيئًا أو نوى هبا التربد فإهنا ال تازئه؛ ألن النية شـرأ يف ِحة
الوضوء ،والوضوء عبادة ال يصح بدون نية.
ث) .
ََ هُ َُ َ ُ َ
احلد ِ فع
قوهل( :فانلية هنا :قصد ر ِ
األِغر أو األكرب.
َ ِّ ُ َ َ ُ ُ ه َُ َ َ َ ْ ُ
هارة ،كصالة ،وط َواف ،ومس مصحف). جتب هل الط ِ ما د قوهل( :أو :قص
فإذا قصدا بوضوءه فعل شيء مما تاب له الطهارة أجزء.
َ َ ٍّ َ َ َ َ ْ قوهل( :أوَ :ق ْص ُد ما ت ُ َس ُّن َهلَُ ،ك ِق َر َ
فع شك ،وغضب، اءة ،وذِكر ،وأذانَ ،ونوم ،ور ِ
ْ َ َ ُ ُ َُ
ُم ه َ
يس عِلم ،وأكل). در ِ
ِ وت ، د ج ِ س بم وس ل وج ، مر م ولَك
فإنه إذا توضأ وقصد به أحد هذه األمور التي تستحب لها الطهارة أجزئته النية.
ََ َ َ َُُ َ ً َ َ َ
قوهل( :فمَت ن َوى شيئا من ذل ِك :ارتفع حدثه).
وأجزئه هذا القصد يف النية ،فإن لم ينو شـيئًا لم يازئه وضوئه وال غسله؛ ألن
النية شـرأ للطهارة ،فال تصح بدون نية.
ََ َ َ ُّ َ ُ َ
ري ما نوى).ِ غ ِ ب ه
ِ ِ ن ا ِس قوهل( :وال يَض :سبق ل
ألن النية عمل قلبي فالمعول على ما يف قلبه.
25
كـتـاب الـطـهـارة 96
َ ه َ َ َ َ َ ُ ِّ َ ه َ ُّ
اغ ُك عِبادة .وإن شك فيها يف قوهل( :وال :شك ُه يف انلِّـيةِ ،أو يف فرض ،بعد فر ِ
َ ََ َ
األثناءِ :استأنف).
بين أن شكه يف المايء بالنية على حالتين:
األولى :إن كان بعد الفراغ لم يضـر سواء كانت ِال ًة أو ِومًا أو طهارة؛ ألن
األِل أهنا تمت بنية.
والثانية :إن كان الشك أثناء العبادة ،فال يدري هل نوى أم ال فعليه إعادة
العبادة.
والشك ال يلتفت إليه يف ثالثة مواضع:
األول :أن يكون وقوعه بعد الفراغ من العبادة.
الثاين :أن يكون اإلنسان كثير الشك؛ ألنه يصـير كالوسواس فيرتكه.
الثالث :أن يكون مارد وهم.
26
97 فصل يف صفة الوضوء
21
كـتـاب الـطـهـارة 98
َ َ ُ َُ ُ ُ ه
ُ َ
اخ أذني ِه ،ويمسح بـإبهامي ِه ظاه َِرهما).خل َسبابَتَي ِه يف ِص َم ِقوهل( :ويد ِ
واألذنان من الرأس.
ه َ َ َ َُ َ َ ََ َ ُه َ َ
ان).
ان انلات ِئ ِ
غسل ِرجلي ِه مع كعبي ِه ،وهما :العظم ِ قوهل( :ثم ي ِ
عضو منها ثالث مرات إال ُ وهذه ِفة الوضوء باختصار ،والسنة أن يغسل كل
الرأس فيمسحه مرة واحدة .وهاهنا تنبيهات:
األول :غسل اليدين يف أول الوضوء مستحب ،و ُنقل اإلجماع عليه ،وليس
بواجب؛ ألنه لم يذكر يف اآلية وكذا بعض األحاديث إال يف المستيقظ من نوم الليل
فإنه ياب غسلهما.
الثاين :االستنشاق يف الوضوء واجب ،وهو أن ياذب الماء داخل األنف ثم
يخرجه ،ويتأكد الوجوب عند القيام من النوم؛ لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َع ِن النابِي
اس َت ْي َق َظ َأ َحدُ ُك ْم مِ ْن َمنَامِ ِه َفت ََو اض َأَ ،ف ْلـــ َي ْستَنْثِ ْر َثالَ ًثاَ ،فإِ ان الشـي َط َ
ان َيبِ ُ
يت ﷺ َق َال« :إِ َذا ْ
َع َلى َخ ْي ُشومِ ِه» [متفق عليه] (.)1
الثالث :السنة يف الوضوء أن يقدم المضمضة واالستنشاق على غسل الوجه؛
كما جاء يف ِفة وضوء رسول اهلل ﷺ يف حديث عثمان وغيره ،ولو قدم غسل
الوجه عليهما لصح الوضوء ،ولكنه خالف السنة؛ ألن كلها فرض واحد.
الرابع :حد الوجه الذي ياب غسله :من منابت شعر الرأس المعتاد إلى الذقن
طو ً
ال ومن األذن إلى األذن عرضًا.
الخامس :اللحية الخفيفة التي تبين البشرة ورائها ياب إيصال الماء إلى ما
تحتها ً ،وأما اللحية الكثيفة فيكفي غسل ما ظهر منها ،وتخليلها سنة ،واألحاديث
الواردة يف األمر بالتخليل فيها كالم ،لكن قواها بعض العلماء بماموعها ،ومنهم
الرتمذي.
26
99 فصل يف صفة الوضوء
22
كـتـاب الـطـهـارة 100
e ص ٌل
فَ ْ F
(يف سنن الوضوء)
100
101 فصل يف سنن الوضوء
عثمان وغيره.
وتقديم غسل الوجه عليها جائز؛ ألهنما كالعضو الواحد لكنه خالف السنة.
َ ُ ََ ُ
ِيهما) :فيستحب المبالغة يف المضمضة واالستنشاق ليحصل (والمبالغة ف ِ
التنظيف على وجه الكمال.
ه َ
ري الصائ ِِم) :فال تستحب له المبالغة يف االستنشاق؛ لئال يدخل الماء لاوفه؛ (ل ِغ ِ
اق إ ِ ا
ال َأ ْن ِ ِ ِ
االستِن َْش ِ
ولحديث لقيط بن ِربة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قالَ « :و َبال ْغ في ْ
ون َِائِ ًما» [أخرجه األربعة ،وِححه الرتمذي](.)1 َت ُك َ
ُ ًَ َ َ ُ َ
ُ َ
(والمبالغة يف سائ ِِر األعضاءِ مطلقا) :فيسبغ غسل أعضاء الوضوء؛ لقول
اق؛ إال َأ ْن رسول اهلل ﷺَ « :أسبِ ْغ ا ْل ُو ُضوءَ ،و َخل ْل بين ْاألَ َِابِعَِ ،وبال ِ ْغ يف ِاالستِن َْش ِ
ْ َ َ ْ
ون َِائِ ًما»(.)2 َت ُك َ
ار ِه».
الم َك ِ ِ
ـــو ُضوء َع َلى َوقوله ﷺ« :إِ ْس َبا ُغ ا ْل ُ
والمبالغة المستحبة تشمل :دلك العضو .والزيادة على غسلة واحدة.
ومااوزة محل الفرض يف غسل اليدين والرجلين ،وقد روى البيهقي َع ْن َع ْب ِداهلل
أن النابِ اي ﷺ ُأتِ َي بِ ُث ُل َث ْي ُمدن َ ،ف َا َع َل َيدْ ُل ُك ذِ َرا َع ْي ِه»(.)3 ْب ِن َز ْي ُد ﭬ « :ا
الوج ِه) :ألن فيه غضونًا وشعور ًا ،فيزيد يف الماء ويدلك الوجه ادةُ يف ماءِ َ
ِّ َ َ
(والزي
ويغسل الشعر وهذا من اإلسباغ فيه ،ويف حديث علي ﭬَ « :ف َأ َخ َذ بِ ِه َما َح ْفنَ ًة من
ضـرب هبا على َو ْج ِه ِهُ ،ث ام َأ ْل َق َم إِ ْب َها َم ْي ِه ما َأ ْق َب َل من ُأ ُذ َن ْي ِه»(.)4 م ُ
اء َف
َ َ
( )1أخرجه الرتمذي ( )166وقال« :حسن ِحيح» .وأبو داود ( ،)2366والنسائي ( ،)61وابن ماجه ()401
وِححه ابن خزيمة ( )150وابن حبان ( ،)1061واأللباين يف إرواء الغليل برقم (.)235
( )2هو حديث لقيط بن ِربة ﭬ السابق تخرياه يف الحاشية السابقة.
( )3أخرجه البيهقي يف سننه الكربى ( )626وِححه ابن خزيمة ( )116وابن حبان ( ،)1063والحاكم
(.)502
( )4أخرجه أحمد يف المسند ( ،)625وأبو داود ( .)111وِححه ابن خزيمة ( ،)153وابن حبان (،)1060
وحسنه األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)21
101
كـتـاب الـطـهـارة 102
َ َ َ ُ ِّ َ
(وِّتلِيل اللحي ِة الكثِيف ِة) :وقد ورد يف األمر بتخليل اللحية أحاديث ال تخلو
وض اع َفها اإلمام أحمد وابن أبي حاتم ،لكن
من مقال ،وساقها الزيلعي وبين عللهاَ ،
لكثرة طرقها وتباين مخارجها قواها بعض العلماء منهم الرتمذي ،ومنها حديث
ْ َ َ ول اهللِ ﷺ ك َ
َان إِ َذا َتو اض َأ َأ َخ َذ كَفا مِن م ُ
اءَ ،ف َأ ْد َخ َل ُه َت ْح َت َحنَكِ ِه، َس ﭬَ « :أ ان َر ُس َ َأن ُ
ان ﭬَ « :أ ان النابِي ﷺ ــل بِ ِه ل ِ ْح َي َت ُه َو َق َالَ :ه َك َذا َأ َم َرنِي َربي .)1(»وحديث ُع ْث َم َ
َف َخ ال َ
ا
كَان ي َخل ُل لِحي َته فِي الو ُض ِ
وء»(.)2 ُ َْ ُ ُ
وقال ابن باز« :والحق أن أحاديث التخليل يشد بعضها بعضًا ،وتدل على
شـرعية التخليل وأنه سنة ،وإن كان النبي ﷺ ال يفعله دائمًا.»...
وقال ابن القيم« :وكان ﷺ يخلل لحيته أحيانًا ،ولم يكن يواظب على
ذلك.»...
فيستحب تخليل اللحية الكثيفة ،وهو مذهب الامهور ،وأما اللحية الخفيفة
فياب غسل البشـرة التي تحتها إن كانت ظاهرة.
َ ُ
ت َف َخل ِل (وِّتلِيل األصاب ِ ِع) :لحديث لقيط بن ِربة ﭬ ،عنه ﷺ« :إِ َذا َت َو اض ْأ َ
األَ َِابِ َع»(.)3
ت َف َخلل َب ْي َن َأ َِابِ ِع َيدَ ْي َك ول اهللِ ﷺ َق َال« :إِ َذا َت َو اض ْأ َ وع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
اس َأ ان َر ُس َ َ
ـــم َأ ان ُه ُي َخل ُل و ِرج َلي َك»( .)4قال الرتمذي« :وا ْلـــعم ُل َع َلى َه َذا ِعنْدَ َأ ْه ِل ا ْل ِ
ـــع ْل ِ َ َ َ َ ْ ْ
( )1أخرجه أبو داود ( )145والحاكم يف المستدرل ( ،)522وِحح إسناده ابن الملقن يف البدر المنير
( )166/2وكذا ابن القطان كما نقله عنه ،واأللباين يف إرواء الغليل برقم ( ،)22بينما ضعفه ابن حار يف
التلخيص الحبير (.)66/1
( )2أخرجه الرتمذي ( ،)31وقال« :حسن ِحيح» .وابن ماجه ( ،)430وِححه ابن خزيمة ( )152وابن
حبان ( ،)1061والحاكم ( ،)521وحسنه ابن الملقن يف البدر المنير (.)165/2
( )3هو طرف من حديث لقيط بن ِربة ﭬ الذي سبق تخرياه ص(.)101
( )4أخرجه الرتمذي (- )32واللفظ له -وقال« :حسن غريب» .وذكر الرتمذي يف العلل الكبير ص( )34أنه
سأل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال« :هو حديث حسن» .وأخرجه ابن ماجه ( ،)441والحاكم يف
المستدرل ( )646وقد ذكره شاهد ًا لحديث لقيط بن ِربة ﭬ ،وِححه األلباين يف السلسلة الصحيحة
=
102
103 فصل يف سنن الوضوء
=
برقم (.)1306
( )1أخرجه البيهقي يف سننه الكربى ( )313وقالِ« :حيح اإلسناد» .وتعقبه األلباين بأنه حديث شاذ -كما يف
السلسلة الضعيفة أثناء كالمه على الحديث رقم (.-)225
( )2أخرجه مسلم ( )236من حديث عبداهلل بن زيد ﭬ.
103
كـتـاب الـطـهـارة 104
الر ْأ ِ ِ ِ
س» .فمقتضـى كوهنما منه أنه يكفي ولقول رسول اهلل ﷺ« :األُ ُذنَان م َن ا
لمسحهما ماء الرأس.
ولم يثبت يف حديث ِحيح أنه ﷺ أخذ لهما ما ًء جديد ًا.
َ ُ ُ َ
من ىلع اليُ َ
رسى) :يف غسل أعضاء الوضوء من اليدين والرجلين، (وتق ِديم ايل
ور ِه َوفِي
ا ُب ُه ال ات َي ُّم ُن فِي َتنَ ُّعلِ ِه َو َت َر ُّجلِ ِه َو ُط ُه ِ
َان النابِي ﷺ ُي ْع ِ
ُّ
كما قالت عائشة ڤ« :ك َ
َش ْأن ِ ِه ُكل ِه».
وكل من وِف وضوء رسول اهلل ﷺ يذكرون أنه قدم اليمين على الشمال ،فإن
قدم الشمال خالف السنة وِح وضوءه ،نقل ابن المنذر وابن الملقن اإلجماع
على ذلك.
ُ َ َ ُ َ َ ِّ َ
رض) :عند غسل اليدين والرجلين؛ لحديث أبي هريرة ﭬ: (وُماوزة ُمل الف ِ
ِ ِ
شـرع في ا ْلـ َع ُضدُ ،ث ام َيدَ ُه ا ْلـ ُيسـرى َحتاى َأ َ
شـرع «أنه توضأ فغسل َيدَ ُه ا ْل ُي ْمنَى َحتاى َأ َ
اقُ ،ث ام َغ َس َلشـرع فِي الس ِ ِ
في ا ْل َع ُضدُ ،ث ام َم َس َح َر ْأ َس ُهُ ،ث ام َغ َس َل ِر ْج َل ُه ا ْلـ ُي ْمنَى َحتاى َأ َ
ِ
ا
ول اهللِ ﷺ َيت ََو اض ُأ» شـرع فِي الس ِ
اقُ ،ث ام َق َالَ :ه َك َذا َر َأ ْي ُت َر ُس َ ا ِر ْج َل ُه ا ْل ُيسـرى َحتاى َأ َ
ون يوم ا ْل ِـقيام ِة مِن إِسبا ِغ ا ْلو ُض ِ
وء»(.)2 الم َح اا ُل َ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ مسلم] .وقوله ﷺَ « :أ ْن ُت ُم ال ُغ ُّر ُ
()1
ُ ُ [رواه
104
105 فصل يف سنن الوضوء
من رآه ،هذا مذهب اإلمام مالك ورواية عن أحمد ،ورجحه ابن تيمية وابن القيم
وابن بطال ومحمد بن إبراهيم وابن باز.
فالزيادة على ذلك فغير مشروع لعدم وروده عن رسول اهلل ﷺ.
وقد توضأ رسول اهلل ﷺ ولم يتااوز ما ورد؛ وقالَ « :ه َك َذا ا ْل ُو ُضو ُء َف َم ْن َزا َد
ص َف َقدْ َأ َسا َء َو َظ َل َم»(.)1َع َلى َه َذا َأ ْو َن َق َ
اع مِنْ ُكم َف ْل ُيطِ ْل ُغر َت ُه َو َت ْح ِ
اي َل ُه»( .)2فإهنا مدرجة من كالم ا ْ وأما زيادةَ « :ف َم ِن ْ
اس َت َط َ
أبي هريرة ﭬ؛ كما نص عليه غير واحد من الحفاظ منهم :ابن تيمية وابن القيم
والمنذري ،وابن حار وقال« :ولم أر هذه الاملة يف رواية أحد ممن روى هذا
الحديث من الصحابة وهم عشرة ،وال ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم
المامر هذا»(.)3فيستحب مااوزة محل الفرض بالغسل؛ سواء لليدين والرجلين،
أو للرأس والوجه.
َ ْ َُ ه َُ ه َُ
اثلة) :فيسن أن يزيد يف غسل األعضاء على مرتين أو
(والغسلة اثلانِية واثل ِ
ِ
ومرتين مرتين، ثالث ،وهذا أكمل الحاالت ،ورسول اهلل ﷺ توضأ مر ًة مرة،
وثالثًا ثالثًا ،فالوضوء له أربع حاالت:
األولى :مر ًة مرة يف كل عضو ،وهذا أقل المازىء.
ِ
ومرتين مرتين. الثانية:
الثالثة :وثالثًا ثالثًا وهذا أكمل الحاالت.
الرابعة :ينوع بين األعضاء كما يف الصحيحين من حديث عبداهلل بن زيد ﭭ.
والقاعدة :أن العبادة إذا وردت على ِفات متنوعة فياوز فعل أي واحد منها.
( )1أخرجه أبو داود ( ،)135والنسائي ( ،)140وابن ماجه ( ،)422من حديث عيد اهلل بن عمرو ﭭ،
وِححه ابن خزيمة ( ،)114وقال النووي يف الخالِة (« :)161/1إسناده ِحيح».
( )2أخرجه مسلم (.)246
( )3الفتح (.)265/1
105
كـتـاب الـطـهـارة 106
وقد قرر هذه القاعدة شيخ اإلسالم وقال« :وهذا أِل مستمر له يف جميع
ِفات العبادات أقوالها وأفعالها ،ويستحسن كل ما ثبت عن النبي ﷺ من غير
كراهة لشـيء منه» .وهو مثل أنواع التشهدات واالستفتاحات وِـيغ األذان
وِفات التحميد وِالة الخوف(.)1
ُ ُ ه َ ُ
الوضوءِ) :بأن يكون مستحضر ًا يف كل عضو خ ِرِكر انلي ِة إىل آ ِ
(واستِصحاب ذ ِ
أنه يريد الوضوء لتكون أفعاله مقرتنة بالنية فإن استصحب حكمها أجزأه ،ومعنى
استصحاب حكمها أن ال ينوي قطعها فإن عزبت عنه لم يؤثر يف وضوءه ،والنية
شـرأ لصحة الوضوء ،وهي عمل قلبي فما دام لم يأت بمناقض لها فهي موجودة،
والتشدد يف النية يفتح على العبد أبواب الوساوس؛ كما هو حاِل عند بعض
المتوضئين ،فال ينبغي أن يفتح على نفسه الوساوس.
َ ه َ َ ْ ُ
ي) :وهو أول الشـروع يف العبادة.
(واإلتيان بها عِند غس ِل الكف ِ
فوقت النية المستحب عند غسل اليدين ،والواجب أال يؤخرها عن أول
الواجبات وهو المضمضة واالستنشاق.
ُّ ُ
طق بها ِ ًّ
ِسا) :ليكون أحوأ له وأبلغ يف طرد وسوسة الشيطان فيها. (وانل
واألقرب عدم استحباب النطق هبا ال جهر ًا وال سر ًا ،ولم يكن النبي ﷺ وال
أِحابه ينطقون هبا ال جهر ًا وال سر ًا ،ومحل النية القلب ،وقد نقل شـيخ اإلسالم
االتفاق عليه(.)2
َ ُ ه ُ ه ً َ ُ
بدهُ َ َ َ َ
وحدهُ ََ ه هُ َ ُ ْ َ ُ
رشيك هلُ ،وأشهد أن ُممدا ع ِ ال ، اَّلل إال إهل ال أن د أشه : ول (وق
ِ ُ ِ ِ ِ وهل) :لما روى مسلم عن رس ِ َ ُ ُ
ول اهلل ﷺَ « :ما منْ ُك ْم م ْن َأ َحد َيت ََو اض ُأ َف ُي ْبل ُغ َأ ْو َ ُ ورس
ال ال اهلل ،و َأ ان محمدً ا َعبدُ ال ال ِ
ــه َو َر ُسو ُل ُه؛ إ ِ ا ال إ ِ َل َه إ ِ ا َف ُي ْسبِ ُغ ا ْل ُـو ُضو َءُ ،ث ام َي ُق ُ
ولَ :أ ْش َهدُ َأ ْن َ
ْ َ ُ َ ا
106
107 فصل يف سنن الوضوء
101
كـتـاب الـطـهـارة 108
الزيادة« :ثم رفع بصـره» منكرة تفرد هبا ابن عم أبي عقيل وهو ماهول ،وضعفها جملة من العلماء](.)1
فائدة :ولم يرد عن رسول اهلل ﷺ يف استقبال القبلة عند الوضوء شـيء ،فلذا ال
تثبت فيه سنة ،وال يتقصد خالف حاله التي هو عليها أثناء الوضوء.
فائدة :وأما الدعاء عند كل عضو؛ فعند الوجه يقول :اللهم حرم وجهي على
النار ،وعند غسل اليدين يقول :اللهم آتني كتابي بيميني ،وهكذا ،فقد قال ابن
الصالح والنووي وابن حار« :طرق الحديث ضعيفة جد ًا ،وال أِل له ،فعلى هذا
ال يعمل به»(.)2
َ ُ ََ َ َ ه ُ ُ َُ َ
عاونة) :ألنه أغلب هدي رسول اهلل ﷺ، ري م ِ غ ِنم ه ِ فس
ِ ن(وأن يتوىل وضوءه ب ِ
ور ُه إ ِ َلى َأ َح ُد، ول اهللِ ﷺ َ ِ وما روى ابن ماجه َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
ال َيك ُل ُط ُه َ َان َر ُس ُ
اس َق َال« :ك َ
ال َها بِنَ ْف ِس ِه»([ )3فهو حديث ضعيف]. ون ُهو ا ال ِ
ــذي َيت ََو ا ِ
ال َِدَ َق َت ُه ا الــتي َيت ََصدا ُق بِ َهاَ ،ي ُك ُ َ
َو َ
وأما معاونة غيره له ،فال تخلو من حاالت ثالث:
األولى :االستعانة بالغير يف إحضار الماء فهذا جائز بال كراهة ،وقد دلت السنة
عليه كما يف حديث المغيرة وابن عباس وأنس وعثمان ﭫ وأجمع العلماء عليه.
الثانية :االستعانة بمن يصب عليه الماء جائز أيضًا بال كراهة ،كما فعله المغيرة
مع رسول اهلل ﷺ.
الثالثة :االستعانة بمن يباشـر أعضاءه بالغسل ،فهذا إن كان لحاجة فال بأس به،
وإن كان لغير حاجة فإنه خالف السنة ،ويدل على التكرب والغرور والرتفع ،ولم
يكن الصحابة والسلف يفعلونه؛ ولذا ينهى عنه.
106
109 باب مسح اخلفني
e ُفيْنِ
ب مَس ِح اخل َّ
با ُ F
عقد هذا الباب لبيان أحكام المسح على الخفين وشـروطه ومبطالته.
ومناسبة الباب لكتاب الطهارة :أنه يتعلق بأحد أعضاء الوضوء وهما القدمان
إذا كان عليهما خف ،فااء لبيان ِفة تطهيرهما.
وجواز المسح على الخفين دليل على يسـر الشـريعة وسماحتها ،وأن الضـرر
فيها مرفوع؛ كما قال رسول اهلل ﷺ« :إِ ان الدي َن ُيسـرَ ،و َل ْن ُي َشا اد الدي َن َأ َحدٌ إ ِ ا
ال
الس ْم َح ِة»( .)2وهو من الرخص الدالة على َغ َلبه .)1(»...وقال« :ب ِع ْث ُت بِ ِ ِ ِ
الحنيف اية ا
َ ُ َُ
كمال الدين اإلسالمي ويسـر تشـريعاته ،و ُبعدها عن الحرج ،فإن اإلنسان يحتاج
للمسح على الخفين ،ال سـيما يف الشتاء ،ويف البالد الباردة.
وقد تكلم العلماء على أحكام المسح على الخفين وجمعوا أدلته وأفردوه
بالتصنيف ،وجمعوا األحاديث واألحكام المتعلقة بذلك ،فاإلمام ابن المنذر جمع
أحاديثه عن ثمانين ِحابيًا .وقال ابن المبارل« :ليس يف المسح على الخفين
اختالف».
وقال اإلمام أحمد« :ليس يف قلبي من المسح على الخفين شـيء ،فيه أربعون
حديثًا عن رسول اهلل ﷺ» .وقد تتبع أحاديث المسح على الخفين الزيلعي يف
نصب الراية ،وأوِلها إلى ستة وخمسـين حديثًا ،وذكر أماكنها وطرقها وتكلم
عليها.
102
كـتـاب الـطـهـارة 110
والمسح على الخفين ثابت يف السنة المتواترة عن رسول اهلل ﷺ ،وقد أجمع
عليه المسلمون.
أما السنة :فقد ثبت جواز المسح على الخفين عن رسول اهلل ﷺ قو ً
ال وفعالً،
حضـر ًا وسفر ًا ،وبلغت األحاديث يف ذلك حد التواتر.
قال شـيخ اإلسالم« :وقد تواتر عن النبي ﷺ المسح على الخفين».
واإلجماع :منعقد على مشـروعيته ،نقله ابن المنذر وابن هبيرة وابن تيمية
والنووي.
وإنما أنكره أهل البدع كالرافضة والخوارج ،وخالفهم ليس معترب ًا ،فقد خالفوا
أهل اإلسالم فيما هو أعظم من ذلك.
ومن نقل عنه إنكاره يف أول األمر من السلف؛ فهؤالء كانوا قد خفيت عليهم
روي عنه من أِحاب
َ السنة ،فلما علموا هبا رجعوا .قال البيهقي(« :)1كل من
رسول اهلل ﷺ أنه كره المسح على الخفين ،فقد روي عنه غيره».
وقد ذكر جملة من العلماء مشـروعية المسح على الخفين يف كتب العقائد ،مع
أن المسح على الخفين من المسائل العملية ،وذلك ألمرين:
األول :لبيان معتقد أهل السنة والاماعة ،والرد على من خالف يف ذلك من
أهل البدع؛ كالرافضة والخوارج ،فصار المسح شعار ًا ألهل السنة ،ومنعه شعار ًا
لغيرهم من أهل البدع.
الثاين :بيان أن أحاديث المسح بلغت حد التواتر الذي ال ينكره إال معاند.
وحقيقة المسح على الخفين :هو إمرار اليد المبلولة بالماء على الخفين.
والمراد بالخفين :ما يلبس على القدم من الالد ساتر ًا لها ،ويقاس عليه ما
يلبس على القدم من غير جلد كالخرق وشبهها ،أو ما يلحق هبا ويف سنن أبي داود
ول اهللِ ﷺ سـر اي ًة َف َأ َِا َب ُهم ا ْلـــ َبر ُدَ ،ف َلما َق ِدموا َع َلى رس ِ
ول ان َق َالَ « :ب َع َث َر ُس ُ
َع ْن َث ْو َب َ
َ ُ ُ ا ْ ُ
( )1يف السنن (.)221/1
110
111 باب مسح اخلفني
ب والتاس ِ
اخ ِ ِ
ين»( .)1وهي تعم كل ما يسخن اهلل ﷺ َأ َم َر ُه ْم َأ ْن َي ْم َس ُحوا َع َلى ا ْلـــ َع َصائ ِ َ َ
القدم.
َ ْ ُ ُ َ َ َ ِّ َ الط َه َ َ َ َ ُ ُ ْ ُ َ َ ُ
وز ب ُ ُ ُ َ
هارة ِ بالماءِ .وسَّتهما ل ِمحل ال
ِ َشوط سبعة :لبسهما بعد كم ِ قوهلَ( :ي
َ ُُ َُُ َ َ ًُْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ
فس ِهما. َش ب ِ ِهما عرفا .وثبوتهما بِن ِ الم ن وإماك ا. م ه ط
ِ
ِ ِ ب ر ب و ول ، رض ِ الف
ََُُ َ َُ َ َ َ َ ُ َ ِ َ َ َ ََ
وإباحتهما .وطهارة عينِ ِهما .وعدم وص ِف ِهما البَشة)
َ َ وز ب ُ ُ َُ ُ
َشوط سبعة) :وبعضها األظهر عدم اشرتاطه؛ كما سـيأيت بيانه. (َي ِ
َ الط َ ه َ ََ ُْ ُ ُ َ
هارة ِ بالماءِ) :لقوله ﷺَ « :د ْع ُه َما َفإِني َأ ْد َخ ْلـــ ُت ُه َما ال
ِ م ك بعد ا م (ل ب س ه
اه َر َت ْي ِن» [متفق عليه]( .)2وعليه أكثر العلماء. َط ِ
َ
(بالماءِ) :يخرج الطهارة بالتيمم ،فلو لبسهما على طهارة التيمم لم يمسح
للر ْج ِل هبا ،فال يتحقق قوله: عليهما عند وجود الماء؛ ألن طهارة التيمم ال تعلق ّ
اه َر َت ْي ِن»؛ ألن الطهارة بالماء هي المرادة عند اإلطالق وهذا قول « َأد َخ ْلـــ ُتهما َط ِ
ُ َ ْ
الامهور.
مسألة :لو لبس اليمنى قبل غسل اليسـرى ففي جواز المسح عليها ،روايتان:
األولى :ال يصح ،وهو قول مذهب اإلمام مالك ،والشافعي ألن طهارته لم
تكتمل.
والثانية :أنه يصح المسح عليها ،وهذا قول الحنفية ،واختاره شـيخ اإلسالم؛
وابن القيم ،والشوكاين؛ ألنه إذا غسل وجهه ويديه ومسح رأسه وغسل إحدى
رجليه فقد طهرت رجله التي غسلها ،فإذا أدخلها يف الخف فقد أدخلها وهي
طاهرة ،ثم إذا غسل األخرى من ساعته ولبس الخف فقد أدخلها وهي طاهرة.
( )1أخرجه أبو داود ( ،)146وأحمد ( ،)22431والحاكم يف المستدرل ( .)602وقال الذهبي يف سـير أعالم
النبالء (« :)421/4إسناده قوي» .وِحح إسناده األلباين يف ِحيح أبي داود ،بينما ضعفه جماعة من
العلماء كالحافظ ابن حار وغيره ،فقد قال يف الدراية يف تخريج أحاديث الهداية ( )12/1فقال« :وإسناده
منقطع ،وضعفه البيهقي ،وقال البخاري :حديث ال يصح».
( )2أخرجه البخاري ( ،)203ومسلم ( )214من حديث المغيرة ﭬ.
111
كـتـاب الـطـهـارة 112
واالحتياأ عدم فعله حتى تكتمل الطهارة ليصدق عليه الحديث بال شك؛ ألنه
لو لم يغسل اليسـرى لم يصدق عليه أنه طاهر حتى يغسلها ويتم الوضوء ،لكن لو
فعل خالف السنة وأجزأ فالمسألة فيها سعة(.)1
َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ ِّ َ
رض ،ولو ب ِ َرب ِط ِهما) :فيشرتأ كوهنما ساترين لمحل الغسل
َّتهما ل ِمحل الف ِ(وس
وهو القدم إلى الكعب ،وقد ِـرح بذلك أئمة المذاهب األربعة ،فالخفاف
المعروفة :هي ما تسرت القدم إلى ما فوق الكعب ،وما ظهر ففرضه الغسل وال
يمكن الامع بينه وبين المسح.
مسألة :حكم المسح على الخف المخرق:
المذهب أنه ال يازء المسح عليه ،وال ياوز المسح إال على ما يسرت جميع
محل الفرض ،فإن ظهر محل الفرض وجب غسله.
واألظهر جواز المسح عليه ،مادامت لم تخرجه عن مسمى الخف ،ولم تمنع
االنتفاع به ،ويغطي أكثر القدم .وهذا قول ابن المنذر وأبي ثور والثوري وإسحاق
بن راهويه ويزيد بن هارون ورجحه شـيخ اإلسالم(.)2
ويدل لهذا :أن رسول اهلل ﷺ أباح المسح على الخفين إباحة عامة ،فيشمل كل
ما يسمى خفًا ،ولو كان فيه خروق ما لم يخرج عن هذا المسمى.
وهذا ظاهر حال الصحابة فإن غالبهم فقراء وكانوا يطؤون هبا الشول
والحاارة ،والبد أن تخرقها ،ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ أنه هناهم عما تخرق؛
وألن المشقة حاِلة بنزعه كغيره.
َ ُ ً َ ُ َ ْ
َش ب ِ ِهما ع ْرفا) :فإن كان يسقط من القدم لسعته ،أو ثقله لم ياز
(وإماكن الم ِ
المسح عليه ألنه ال يحمل ِفات الخف.
وألن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يمكن متابعة المشي فيه.
112
113 باب مسح اخلفني
113
كـتـاب الـطـهـارة 114
قوي ،وإن كان األول أحوأ خروجًا من النزاع ،لكن لو مسح عليهما ألجزأه.
هذه الشـروأ السبعة عند الحنابلة البد من توفرها لصحة المسح على الخفين،
وأقواها ثالثة ،وهي :لبسهما على طهارة ،وسرتهما لمحل الفرض ،وطهارة
عينهما.
ً َ ً ُّ ْ ََ َ َ َ َ َ َ ُ ُ
المق ُ َ
بس :-يوما ويللة.
ث بعد الل ِ
اِص بسف ِره ِ -مِن احلد ِ يم ،والع ِ قوهل( :فيمسح ِ
ه َ ََ ه َََ ُ َ
والمساف ُِر :ثالثة أيام بلي ِايل ِهن).
فالمسح مؤقت وتوقيته يوم وليل ٌة للمقيم وثالثة أيام بلياليهن للمسافر ،وهذا
مذهب الامهور الحنفية والشافعية والحنابلة ،وهو الذي دلت عليه السنة،
ـــم َسافِ ِرَ ،و َي ْومًا َو َل ْي َل ًة ِ ِ
النبي ﷺ َثالَ َث َة َأ ّيا ُم َو َل َيال َي ُه ّن ل ْل ُ َ َ َ
كحديث علي ﭬ قالَ « :ج َعل ُّ
ول اهللِ ﷺ َي ْأ ُم ُرنَا إِ َذا ُكنّا َس ْفر ًاَ :أ ْن َان َر ُس ُ ال« :ك َ يم»( .)1وحديث َِ ْف َوان ْبن َعس ُ
ا لم ِق ِِ
ل ُ
ال َننْزع ِخ َفا َفنَا َثالَ َث َة َأيا ُم و َليالِيهن إال من جنَاب ُة ،و َلكِن من َغائِ ُ
ط َو َب ْو ُل َون َْو ُم»(.)2 َ َ َ ْ ّ َ َ َُ ّ َ َ
مسألة :إذا وجدت حاجة لعدم خلعة بعد مضي المدة ،فقد ذهب شـيخ اإلسالم
إلى أنه« :إن احتاج فإنه ياوز له عدم النزع أكثر من ثالثة أيام ،مثل خشـية إدرال
العدو أو نحوه ،واستدل بما رواه ابن ماجه َع ْن ُع ْق َب َة ْب ِن َعامِ ُرَ ،أ ان ُه َق ِد َم َع َلى ُع َم َر
الا ُم َع ِةَ ،ق َال: ِ
الا ُم َعة إ ِ َلى ُ
ِ ِ ِ
م ْن مصـرَ ،ف َق َالُ « :من ُْذ ك َْم َل ْم َتن ِْز ْع ُخ اف ْي َك؟ َق َال :م َن ُ
َأ َِ ْب َت ُّ
السنا َة»( .)3فيحمل على الحاجة عند شـيخ اإلسالم(.)4
َ َ َ
(والع ِ
اِص بسف ِره ِ) :وسفر المعصـية :ما أنشأ لقصد محرم؛ كارتكاب فاحشة أو
( )1أخرجه مسلم (.)216
( )2أخرجه الرتمذي (- )26واللفظ له -وقال« :حسن ِحيح» .والنسائي ( ،)121وابن ماجه (،)416
وِححه ابن خزيمة ( ،)11وابن حبان ( ،)1100وابن الملقن يف البدر المنير ( )11/3ونقل تصحيح
الخطابي له ،وحسنه األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)104
( )3أخرجه ابن ماجه ( ،)556والدارقطني يف سننه ( ،)126/1وقال« :وهو ِحيح اإلسناد» .والحاكم يف
المستدرل ( )262/1( )641وقالِ« :حيح على شـرأ مسلم» .وِححه ابن تيمية يف ماموع الفتاوى
( ،)116/21واأللباين يف السلسلة الصحيحة برقم (.)2622
( )4الفتاوى (.)215/21
114
115 باب مسح اخلفني
ل ُ
عقد محرم أو لقطع طريق.
فهل يرتخص برخص السفر؟
المذهب والشافعية :أن سفر المعصية كالحضر ،ألن ما زاد يستفاد بالسفر،
وهو معصية فلم ياز أن يستفاد به الرخصة ،فال يمسح مسح مسافر ،وال يقصـر
الصالة ،وال يفطر يف هنار رمضان؛ فال يعان على سفره ،والرخص ال تستباح
بالحرام.
القول الثاين :أنه يرتخص هبا وال تعلق بين نوع السفر والرخصة ،وهو مذهب
اإلمام أبي حنيفة واختاره شـيخ اإلسالم( ،)1وابن حزم( ،)2وابن عثيمين ،وهو قول
قوي ،واستدلوا:
بإطالق نصوص الرخص ،كقوله تعالى﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [البقرة ﴿ .]164 :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
ﰇ ﴾ [النساء.]101 :
ان َنبِي ُك ْم ﷺ فِي
وحديث ابن عباس ﭭَ « :ق َالَ :فر َض اهلل الصالَ َة َع َلى لِس ِ
َ ُ ا َ
الخو ِ ِ ِ
ف َر ْك َع ًة»( .)3وحديث علي وِفوان: الس َف ِر َر ْك َع َت ْي ِنَ ،وفي َ ْ
الحضـر َأ ْر َب ًعاَ ،وفي ا
َ
سفر وسفر. الم َسافِ ُر َثالَ َث َة َأ ايا ُم» ،ولم يفرق رسول اهلل ﷺ بين ُ « َو ُ
وأما العاِـي يف سفره :وهو من يقصد سفر ًا مباحًا ،ثم تطرأ عليه معصـية
يرتكبها ،فقد اتفق الفقهاء على أنه يرتخص يف سفره؛ ألنه لم يقصد السفر
للمعصـية ،وألن سبب ترخصه وهو السفر مباح قبلها وبعدها ،وفرق بين العاِـي
بسفره والعاِـي يف سفره.
115
كـتـاب الـطـهـارة 116
ْ َ َ َ َ ُّ
بس) :فمدة المسح تبدأ من أول حدث بعد اللبس ،فإذا
ث بعد الل ِ
(مِن احلد ِ
أحدث بدأت المدة؛ ألن المسح عبادة مؤقتة ،فاعترب وقتها من وقت جواز فعلها،
وألن ما بعد الحدث وقت ياوز له المسح فيه ،فكان أول مدة المسح منه هذا
المذهب وهو مذهب اإلمام أبي حنيفة ،والشافعي.
والرواية الثانية :أهنا تبدأ من أول مسح بعد الحدث؛ لحديث علي ﭬ قال:
يم» [أخرجه مسلم]. لم ِق ِ ِ ِ
ـــم َساف ِرَ ،و َي ْومًا َو َل ْي َل ًة ل ُ
ِ ِ
النبي ﷺ َثالَ َث َة َأ ّيا ُم َو َل َيال َي ُه ّن ل ْل ُ َ
« َج َعل ُّ
وحديث ِفوانَ « :ي ْأ ُم ُرنَا إ ِ َذا ُكناا ُم َسافِ ِري َن َأ ْن ن َْم َس َح َع َلى ِخ َفافِنَا َو َ
ال َنن ِْز ُع َها َثالَ َث َة
َأ ايا ُم» [أخرجه الرتمذي ،وِححه] .فظاهره أن ابتداء المدة من مباشـرة المسح ،فالنصوص
جاءت بلفظ المسح وهذا قول األوزاعي ،وأبي ثور ،ورجحه ابن المنذر والنووي
وشـيخ اإلسالم والسعدي وابن باز وابن عثيمين.
وتظهر ثمرة الخالف يف ِور؛ منها:
لو َج َم َع َج ْمع تقديم بين الظهر والعصـر ،ثم أحدث ولم يمسح إال بعد دخول
العشاء لامعه تأخير ًا ،على القول األول :يحسبه بعد الظهر.
وعلى القول الثاين :من حين يتوضأ فلو لم يتوضأ إال بعد دخول وقت المغرب
ال يحسب إال من هذا الوقت وهذا قوي.
وعلى هذا :فيمسح المقيم أربعًا وعشـرين ساعة تبدأ من أول مسح بعد
حدث ،والمسافر يمسح اثنتين وسبعين ساعة ،فالعربة بالزمن ال بعدد الصلوات.
روى عبدالرزاق عن أبي عثمان النهدي قال :حضـرت سعد ًا وابن عمر
يختصمان إلى عمر يف المسح على الخفين ،فقال عمر« :يمسح عليها إلى مثل
ساعته من يومه وليلته»(.)1
116
117 باب مسح اخلفني
َ َ ه َ َ َ ُ ه َ ُه َ َ َ َ َ َ
َض ث هم ساف َر .أو :شك يف ابتِدا ِء
ِ احل يف أو: . ام أق م ث ر
ِ ف الس يف ح قوهل( :فلو مس
ُ َ َ َ َ
يم).
سح الم ِق ِسح :لم ي ِزد ىلع م ِ
الم ِ
ذكر هنا عدد ًا من الصور ،يرون أن حكمها واحد يتم مسح مقيم.
والعلة عندهم :أنه اجتمع حاظر ومبيح فيغلب جانب الحظر ،وألهنما عبادة
يختلف حكمها يف الحضر والسفر ،فإذا وجد أحد طرفيها يف الحضر غلب حكم
الحضر كالصالة.
َ َ ُ َ ه َ َ َ َ
(فلو مسح يف السف ِر ث هم أقام) :فإنه يتم مسح مقيم إن كان بقي من المدة شـيء
ألنه أِبح مقيمًا وزالت رخصة السفر.
َ َ َ ُ
َض ث هم ساف َر) :فهل يتم مسح مقيم أم مسح مسافر قوالن :فالمذهب
(أو :يف احل ِ
أنه يتم مسح مقيم؛ ألنه المتيقن ،وما زاد لم يتحقق شـرطه ،وقد اجتمع حاظر
ومبيح فغلبوا جانب الحظر احتياطًا للصالة.
وفيه قول ُ
ثان :أنه يتم مسح مسافر؛ ألن األحاديث ذكرت المسافر وأطلقت،
فيصدق على كل مسافر ،فلو مسح أربعة أوقات ،ثم سافر ،فيبقي له يومان ووقت،
والعربة بحاله وقت المسح ورجحه شـيخنا ابن عثيمين.
َ َ َ ه
(أو :شك يف ابتِداءِ الم ِ
سح) :يف السفر أم الحضـر ،فالمذهب :أنه يبني على
اإلقامة؛ ألهنا اليقين.
وعلى القول الثاين :يبني على حالته التي هو فيها سفر ًا أو إقامة.
َ ُ ُ َ ْ ُ َ َ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ِّ
أكرث أىلع اخلف .وال َي ِزئ :مسح أسفلِ ِه ،وع ِقبِ ِه .وال ِ وَيب :مسح قوهلِ ( :
ُ َ ُّ
يسن).
خف َأ ْو َلى ب ِ َ
الم ْسحِ الر ْأ ِىَ :ل َك َ
ان َأ ْس َف ُل ال ُ َان الدي ُن ب ِ ا لحديث َعلِي ﭬ َق َالَ « :ل ْو ك َ
ول اهللِ ﷺ يمسح َع َلى َظ ِ
اه ِر ُخ اف ْي ِه»(.)1 مِ ْن َأ ْعالَ ُهَ ،و َقدْ َر َأ ْي ُت َر ُس َ
َْ َ ُ
( )1أخرجه أبو داود (- )162واللفظ له ،-وأحمد ( )131نحوه ،وقال ابن حار يف فتح الباري (:)122/4
«رجال إسناده ثقات» .وقال يف تلخيص الحبير (« :)160/1إسناده ِحيح» .وكذا قال أحمد شاكر يف
=
111
كـتـاب الـطـهـارة 118
=
تحقيقه لتفسـير الطربي ( )56/10برقم ( ،)11466وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)103
( )1أخرجه الرتمذي (- )26واللفظ له -وقال« :حديث حسن» ،و أبو داود ( ،)161وِححه األلباين يف
تخرياه لمشكاة المصابيح برقم (.)522
ولَ ...و َس َأ ْل ُت َأ َبا زُ ْرعَ َة َو ُم َح امدَ بن إسماعيل [البخاري]
يث َم ْع ُل ٌ ِ
( )2أخرجه الرتمذي ( )21وقالَ « :و َه َذا َحد ٌ
حيحُ » .وأبو داود ( )165وقال« :وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث عن هذا الحديث؟ َف َقاال :ليس بِص ِ
َ
من رجاء» .وابن ماجه ( ،)163/1( )550وأبان عن علله ابن الملقن يف البدر المنير ( )20/3ونقل
تضعيف األئمة له كأحمد والبخاري وغيرهما.
( )3أخرجه البخاري ( ،)356ومسلم (.)214
116
119 باب مسح اخلفني
ول اهللِ ﷺ َي ْأ ُم ُرنَا إ ِ َذا ُكناا ُم َسافِ ِري َنَ :أ ْن ن َْم َس َح َع َلى ِخ َفافِنَاَ ،و َ
ال َنن ِْز َع َها َثال َ َث َة َان َر ُس ُ
«ك َ
ال مِ ْن َجنَا َب ُة»(.)1 َأيا ُم مِن َغائِ ُ
ط َو َب ْو ُل َون َْو ُم إِ ا ْ ا
َ َ َ َ ُ َ َ ِّ َ
رض) :بعد المسح عليها انقضت مدة المسح ولزمه أال (أو :ظهر بعض ُمل الف ِ
يمسح عليها إال إذا أدخلهما طاهرتين لقولهَ « :أد َخ ْلـــ ُتهما َط ِ
اه َر َت ْي ِن». ُ َ ْ
مسألة :وهل خلع الخف ينقض الوضوء؟
المذهب :أنه ينتقض وضوؤه ،ألن حكم ِ
الرجل يف األِل ال َغ ْسل ،وإنما انتقل
إلى المسح بد ً
ال عن الغسل لتغطية القدم ،فإذا خلع الخف فقد عاد الحكم إلى
وجوب الغسل واختاره الشـيخ ابن باز.
القول الثاين :أن خلع الخف ال ينقض الوضوء ،بل هو ُ
باق على طهارته،
واختاره ابن حزم ورجحه شـيخ اإلسالم ابن تيمية وابن عثيمين :ألن نقض الطهارة
بخلع الخف يحتاج إلى دليل ،وال دليل يف نقضه هنا ،واألِل بقاء الطهارة؛ ألن
الطهارة ثبتت بمقتضـى دليل شـرعي فال تنتقض إ ّ
ال بدليل شـرعي.
ض ُُ ه ُ ََ َ ُ ُ َ َ
وء) :فانقضاء المدة ناقض للوضوء ،ولو لم ت المدة :بطل الو
(أو :انقض ِ
يحدث على المذهب.
واختار شيخ اإلسالم أن الطهارة ال تبطل بانتهاء المدة ،ولكن ال يمسح عليها،
والدليل:
أو ً
ال :أن أحاديث التوقيت تضمنت وقت ابتداء وانتهاء المسح ،ولم تتكلم عن
الطهارة.
ثانيًا :أن هذا تطهر بمقتضـى الكتاب والسنة ،فال تنتقض طهارته إال بدليل وال
دليل هنا.
ثالثًا :أن الطهارة ال ينقضها إال حدث وما يلحق به مما دل عليه الكتاب
112
كـتـاب الـطـهـارة 120
120
121 فصل يف أحكام اجلبرية
e ص ٌل
فَ ْ F
(يف أحكام اجلبرية)
هذا فصل عقده لبيان أحكام الابيرة؛ وهي :األخشاب ونحوها توضع موضع
الكسـر أو الارح لكي ينارب أو يربأ:
ويلحق بالابيرة اللفافة على الارح يخاف الضرر بغسله.
ومذهب األئمة األربعة أن المسح على الابيرة مشـروع إذا توفرت شـروطه،
اب َر ُجالً مِناا ِ
ودليلهم :حديث ِاحب الشاةَ :ع ْن َجابِ ُر َق َالَ :خ َر ْجنَا في َس َف ُر َف َأ َِ َ
ون لِي ُر ْخ َص ًة فِي هل َت ِادُ َ قالْ :ِحا َب ُه؛ َف َ فس َأ َل َأ َ ثم اح َت َل َمَ ،
ِ ِ
َح َا ٌر َف َش اا ُه في َر ْأسه ،ا
ِ لك رخص ًة و َأن َْت َت ِ
اتَ ،ف َل اما اغت ََس َل َف َم َ الماءَ ،ف ْ قد ُر ع َلى ال ات َي ُّم ِم؟ َف َقا ُلواَ :ما نَادُ َ ُ َ َ
َق ِد ْمنَا َع َلى النابِي ﷺ ُأ ْخبِ َر بِ َذل ِ َكَ ،ف َق َالَ « :ق َت ُلو ُه ق َت َل ُه ُم اهلل! َأ ا
ال َس َأ ُلوا إِ ْذ َل ْم َي ْع َل ُموا،
ِ ـــعي الس َؤ ُال ،إِنما ك َ ِ ِ َفإِناما ِش َفاء ا ْل ِ
ب َ -ش اك َان َي ْكفيه َأ ْن َيت َي ام َم َو َي ْعصـرَ ،أ ْو َي ْعص َ َ ُّ ُ َ
ِ ِ ()1 ِ ِ ِ ِ
مس َح َع َل ْيهاَ ،و َي ْغس َل َسائ َر َج َسده» . ثم َي َُموسـى -ع َلى ُج ْرحه خ ْرقةً ،ا
علي ﭬ على ما فيهما من وقالوا :إن حديث جابر ﭬ بطريقيه مع حديث ن
الضعف يتعاضدان على شـرعية المسح على الابائر.
وقياسًا على المسح على الخفين ،وعلى المسح على الشعر والعمامة.
( )1أخرجه أبو داود ( ،)336والدارقطني ( )162/1من حديث جابر وأعله وقال« :لم يروه عن عطاء عن
جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي» .وقال البيهقي (« :)226/1وال يثبت عن النبي ﷺ يف هذا الباب
شـيء ،وأِح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح -الذي قد تقدم -وليس بالقوي» .وقال ابن حار يف
بلوغ المرام حديث رقم (« :)136رواه أبو داود بسند فيه ضعف ،وفيه اختالف على رواته» .وله شاهد من
حديث ابن عباس أخرجه أبو داود ( ،)331ابن ماجه ( ،)512والحاكم يف المستدرل ( ،)631وابن خزيمة
( ،)213وابن حبان (.)1314
121
كـتـاب الـطـهـارة 122
وألنه قول ابن عمر ولم يعرف له يف الصحابة مخالف فقد روي عنهَ « :أ ان ُه َت َو اض َأ
ابَ ،و َغ َس َل ِس َوى َذل ِ َك»(.)1 و َك ُّفه معصوب ٌة َفمسح َع َليها و َع َلى ا ْل ِ
ـــع َص ِ َ ُ َْ ُ َ َ َ َ َْ َ
قال ابن المنذر« :وأكثر أهل العلم يايزون المسح على الابائر ،ولست أحفظ
عن أحد أنه منع من المسح على الابائر ،وهذه كاإلجماع من أهل العلم يف باب
المسح على الابائر ،إال ما ذكرته من أحد قولي الشافعي ،وما روي عن ابن
سـيرين ،فالمسح على الابائر جائز.»...
وقال شـيخ اإلسالم« :الابيرة يمسح عليها وإن شدها على حدث عند أكثر
العلماء ،وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو الصواب».
وقال أيضًا« :فإن مسح الابيرة يقوم مقام غسل نفس العضو ،فإهنا لما لم
يمكن نزعها إال بضـرر ِارت بمنزلة الالد وشعر الرأس وظفر اليد والرجل،
بخالف الخف فانه يمكنه نزعه وغسل القدم ،ولهذا كان مسح الابيرة واجبًا
ومسح الخفين جائز ًا ،إن شاء مسح وان شاء خلع».
فالمسح على الخفين يقوي القول بالمسح على الابائر؛ ألن المسح على
الخفين مسح لغير ضـرورة ،بل هو من باب اإلرفاق ورحمة اهلل تعالى بعباده
واإلحسان إليهم ،والتيسـير عليهم ،فإذا جاز المسح على الخفين من غير ضـرورة،
فاوازه على الابائر التي هي موضع ضـرورة من باب أولى.
ُ َ َ ْ َ َ
ض َع َها ىلع َط َه َ َ
ارة). حب اجلبرية ِ :إن و
قوهل( :وصا ِ
هذه الرواية األولى :أنه يشرتأ وضع الابيرة على طهارة قياسًا على الخفين.
والرواية الثانية أنه ال يشرتأ وضعها على طهارة ورجحها ابن تيمية؛ ألمور:
ال :أن المسح عليها عزيمة. أو ً
ثانيًا :أهنا تأيت غالبًا فاأة ويصعب يف تلك اللحظة أن يتطهر المصاب.
ثالثًا :أنه ال يوجد دليل على اشرتاأ وضعها على طهارة.
122
123 فصل يف أحكام اجلبرية
123
كـتـاب الـطـهـارة 124
تتااوز محل الحاجة فإن اختل أحدهما لزمه غسل الصحيح ويمسح على الابيرة
ويتيمم للعضو الذي لم تتوفر فيه شروأ الرخصة.
وتقدمت الرواية الثانية يف الشرطين وأن وضعها على طهارة ليس شرطًا ،وكذا
إن شق نزع الزائد وتضـرر ،كفاه المسح عليه.
مسألة :عضو الوضوء الذي أِـيب بارح ونحوه له حالتين:
األولى :أن يكون مستور ًا ،فيكفي المسح على الابيرة.
الثانية :أن يكون مكشوفًا ،فله ثالث حاالت:
فإن كان ال يضـره الغسل ،وجب غسله.
وإن كان يضـره الغسل وجب مسحه.
وإن كان يضـره الغسل والمسح ،فيتيمم.
مسألة :ويفارق مسح الابيرة مسح الخف يف أشـياء ،وهي:
األول :أن المسح على الابيرة عزيمة ،والمسح على الخف رخصة.
الثاين :أن المسح على الابيرة غير مؤقت ،فله على الصحيح أن يمسح عليها
حتى يزول العذر ولو بقيت شهر ًا ،والمسح على الخف مؤقت.
الثالث :أن المسح على الابيرة يف الطهارتين الكربى والصغرى ،أما المسح
على الخف ففي الصغرى فقط.
الرابع :الابيرة ال بد من مسحها كلها أعالها وأسفلها ،أما الخف فيمسح أعاله
فقط.
الخامس :الابيرة اختلف يف اشرتاأ تقدم الطهارة على روايتين ،والخف
يشرتأ له ذلك.
السادس :المسح على الخفين متعلق بالقدمين فقط وأما الابيرة فقد تكون يف
الرجلين أو غيرهما(.)1
124
125 باب نواقض الوضوء
e ض الوُضُوءِ
ب نَواقِ ِ
با ُ F
َ ََ ٌَ
ويه ثمانِية).
قوهلِ ( :
عادة العلماء أن يذكروا الوضوء وأحكامه ،ثم يعقبوه بنواقضه ،وذكر هنا أهنا
ثمانية.
والوضوء ال يبطل إال بناقض دل عليه الشـرع؛ ولذا فالنواقض نوعان:
ناقض دل عليه الكتاب والسنة.
وناقض مختلف فيه ،وال يوجد دليل يعضده فاألِل عدم النقض.
ً َ اكن أو َكثِ ً
ريا ،طاه ً َ َ ً ه َ َ ُ َ ُ َ
َنسا). ِ أو اِر يالِ ل ق ، ي
ارج مِن السبيل ِ
قوهل( :أحدها :اخل ِ
الخارج من السبيلين ناقض للوضوء سواء كان من القبل أو الدبر قليالً أو كثير ًا
طاهر ًا أو ناسًا؛ مثل البول والمني والمذي والحيض والريح.
والدليل :استقراء النصوص؛ ومنها :قوله تعالى﴿ :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾
[المائدة .]6 :وحديث ِفوان بن عسال ﭬ« :و َلكِن مِن َغائِ ُ
طَ ،و َب ْو ُ
لَ ،ون َْو ُم» [أخرجه ْ ْ
الرتمذي ،وِححه].
وقول رسول اهلل ﷺ« :إِ َذا َو َجدَ َأ َحدُ ُك ْم فِي َب ْطن ِ ِه شـي ًئاَ ،ف َأ ْش َك َل َع َل ْي ِهَ :أ َخ َر َج مِنْ ُه
يحا» [متفق عليه](.)1 ادَ ِر ً ا ِد َحتاى َيسم َع َِ ْو ًتا َأ ْو َي ِ ال؟ َفالَ َي ْخر َج ان مِ َن المس ِ
شـي ٌء َأ ْم َ
ْ َ َ ْ ُ
وقول رسول اهلل ﷺ يف المذيَ « :ي ْغ ِس ُل َذك ََر ُه َو َيت ََو اض ُأ».
ونقل ابن المنذر اإلجماع على انتقاضه بالبول والمني والمذي.
واختلفوا يف األحداث الدائمة كاالستحاضة وسلس البول هل تنقض الوضوء
( )1أخرجه مسلم (- )362واللفظ له -من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا ،وأخرجه البخاري (،)131
ومسلم ( )361من حديث عبد اهلل بن زيد ﭬ مرفوعًا.
125
كـتـاب الـطـهـارة 126
أم ال؟
فالمذهب :أهنا تنقض وياب فيها الوضوء لوقت كل ِالة ،وهو مذهب
الحنفية والشافعية وبه أفتت اللانة الدائمة.
لما رواه البخاري من حديث عائشة أن رسول اهلل ﷺ قال لفاطمة بنت أبي
ِ حبيشُ « :ثم َت َو اضئِي ل ِ ُكل َِال َُة َحتاى َي ِ
اي َء َذل َك ا ْل َ
ـــو ْق ُت»( .)1واألِل يف األمر ا
الوجوب إال لصارف.
والقول الثاين :أهنا ال تنقض والوضوء منها مستحب ،وهو مذهب اإلمام مالك
وربيعة ورجحه ابن عبد الرب وابن عثيمين.
واحتاوا بأن من به حدث دائم لو تطهر لم يرتفع حدثه ،فإذا كان كذلك
فوضوئه لالستحباب.
وبأن رواية البخاري أعلها مسلم والنسائي والبيهقي وأبو داود وابن رجب
والزيلعي ،وحكموا عليها باإلدراج.
وأن خروج الدم ليس من فعل اإلنسان ،والشـرع ال يؤاخذه على ما ليس من
فعله وال قصده.
وأن األِل عدم الوجوب إال لدليل ِـريح ِحيح والدليل هنا غير متوفر.
وهذا القول قوي ،وإن كان يف المحافظة على الوضوء لوقت كل ِالة
احتياأ؛ ألن الحديث خرجه البخاري.
ً ََ َ ْ َ َ ً َ ه ََ َ َ ُ ُ ه
قوهل( :اثل ِاين :خ ُروج انلهجاس ِة مِن ب ِقي ِة ابلد ِن .فإن اكن بوال أو اغئ ِطا :نقض
ُ ِّ َ َ ََ َ ْ َ ُ َ َ ه ْ َ َ ََُ ُ ًَ
فس ُك أحد ريهما ،اكدل ِم والَقءِ :نقض إن فحش يف ن ِ مطلقا .وإن اكن غ
َ
حبَسبِ ِه).
فخروج النااسة من غير السبيلين ،مثل الفم واألنف المذهب أهنا قسمان.
ال أو غائطًا فإهنا تنقض الوضوء لدخولها يف عمومات النصوص. إن كانت بو ً
126
127 باب نواقض الوضوء
وإن كانت غير بول وال غائط؛ كالدم والقيء فينقض إن فحش ،وال ينقض إن
كان يسير ًا.
ول اهللِ ﷺ َقا َءَ ،فت ََو اض َأ»(.)1
واستدلوا :بحديثَ « :أ ان َر ُس َ
والقول الثاين :أن الخارج من غير السبيلين ال ينقض مطلقًا قل أو كثر إال البول
والغائط ،وهذا رواية عن اإلمام أحمد وهو مذهب المالكية والشافعية واختاره
شـيخ اإلسالم ،،والشوكاين واأللباين و ابن عثيمين( ,)2والدليل:
ال :أن األِل عدم النقض إال بدليل.أو ً
ثانيًا :أن طهارته ثبتت بدليل شـرعي فال تنقض إال بدليل شـرعي.
ـــم ْس َو ِر ْب ِن َم ْخ َر َم َةَ « :أ ان ثالثًا :أنه وجدت أدلة تخالف هذا ،ففي الموطأ َع ِن ا ْل ِ
ب َد ًما»(.)3 ُع َم َر َِ الــى َو ُج ْر ُح ُه َي ْث َع ُ
ول اهلل ﷺَ ...فن ََز َل النابِي ﷺ
ويف سنن أبي داود عن جابِ ُر َق َالَ « :خرجنَا مع رس ِ ِ
ُّ َ ْ َ َ َ ُ َ
ار... اج ِري َن َو َر ُج ٌل مِ َن األَن َْص ِ الَ ،ف َق َال :م ْن ر ُج ٌل َي ْك َل ُؤنَا؟ َفا ْنتَدَ َب ر ُج ٌل مِ َن الم َه ِ
ُ َ َ َ َمن ِْز ً
ار ُّي ُي َصلي، اج ِر ُّي َو َقا َم األَن َْص ِ اض َط َا َع الم َه ِ
ُ ب ْ الر ُجال َِن إ ِ َلى َف ِم الش ْع ِ َق َالَ :ف َل اما َخ َر َج ا
ف َأ ان ُه َربِي َئ ٌة ل ِ ْلـــ َق ْو ِم(َ ،)4ف َر َما ُه الر ُج ُل -أي المشـرلَ -ف َل اما َر َأى َش ْخ َص ُه َع َر َ َو َأ َتى ا
اح ُب ُه،يهَ ،فن ََز َعه حتاى رماه بِ َثالَ َث ِة َأسه ُمُ ،ثم ركَع وسادَ ُ ،ثم ا ْن َتبه ِ ِ بِسه ُم َفو َضعه فِ ِ
ا ََ َ ا َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ َ ْ َ َُ
اري مِ َن الدا مِ، اج ِر ُّي َما بِاألَن َْص ِ ف َأ ان ُهم َقدْ ن َِذروا ب ِ ِه َهر َبَ ،و َلما ر َأى الم َه ِ
ُ ا َ َ ُ ْ َف َل اما َع َر َ
ب َأ ْن ِ ال َأ ْنبهتَنِي َأو َل ما رمى؟ َق َالُ :كن ُْت فِي س ُ َق َال :سبح َ ِ
ورة َأ ْق َر ُأ َهاَ ،ف َل ْم ُأح ا ُ َ ا َ َ َ ان اهلل! َأ َ َ ْ َ ْ َ
ُ
شـيء يف هذا ( )1أخرجه الرتمذي ( )61وقال« :وقد َج او َد ُحسـي ٌن ا ْل ُم َعل ُم هذا الحديث َو َح ِد ُ
يث ُح ُ
سـين َأ َِ ُّح
ب» .وأبو داود ( ،)2361والنسائي يف الكربى ( ،)3120وِححه ابن خزيمة ( ،)1256وابن حبان ا ْل َبا ِ
( ،)1021واأللباين يف إرواء الغليل برقم ()111
( )2االختيارات ص ( ،)16السـيل الارار ( ،)26/1الممتع (.)224/1
( )3أخرجه مالك يف الموطأ ( ،)62وعبدالرزاق يف المصنف ( ،)560وابن أبي شـيبة يف المصنف (،)6366
والدارقطني يف سننه ( ،)224/1وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)202
( )4وهو الرقيب الذي يشـرف على المرقب ينظر العدو من أي وجه يأيت فينذر أِحابه.
121
كـتـاب الـطـهـارة 128
َأ ْق َط َع َها»(.)1
وروى البخاري معلقًا عن ابن عمر ﭭ :أنه عصـر بثرة يف وجهه وخرج منها
شـيء من الدم ولم يتوضأ(.)2
ول اهللِ ﷺ َقا َء َفت ََو اض َأ» .فعلى التسليم
وأما حديث أبي الدرداء ﭬَ « :أ ان َر ُس َ
بصحته ،فإنه ال يدل على النقض؛ ألنه مارد فعل ،واألِل أن الفعل ال يدل على
الوجوب ،بل يدل على مشـروعية التأسـي به ،وأما الوجوب فالبد لـه من دليل
آخر ،وخاِة أنه وجدت أدلة تخالف كما سبق.
ُ َ ُ َ َ َ ُ َ ه ُ َ َ ُ َ
قل ،أو تغ ِطيته بـإغماء أو نوم ،ما لم يك ِن انلهوم ِ الع قوهل( :اثلال ِث :زوال
َ ً ُ ً
ريا ع ْرفا مِن جال ِس وقائ ِم).ي ِس
هذا الناقض الثالث :ألن العبد لو خرج منه شـيء لم يشعر به ،وتغطية العقل
قسمان:
األول :أن يكون بانون أو إغماء ،فهذا ينقض قليله وكثيره؛ وقد نقل ابن
المنذر إجماع العلماء على :أن من زال عقله بانون أو أغمي عليه بمرض ونحوه
أن عليه الوضوء؛ ألنه لو خرج منه شـيء لم يشعر به ،ورسول اهلل ﷺ لما أغمي
عليه وأراد القيام للصالة أغتسل(.)3
الثاين :أن يكون بالنوم ،فالمذهب أن النوم الذي يزول معه اإلحساس ينقض
الوضوء ،وأما النوم اليسـير عرفًا من جالس وقائم فال ينقضه وبه تاتمع األدلة.
ان ْب ِن فيحمل ما جاء من األدلة على نقض الوضوء بالنوم يف حديث َِ ْف َو َ
ال مِ ْن َجنَا َب ُة،ال َنن ِْز َع ِخ َفا َفنَا َثالَ َث َة َأ ايامُ ،إِ ا
َان النابِي ﷺ َي ْأ ُم ُرنَا َأ ْن َ
ُّ
َعس ُ
ال ﭬ َق َال« :ك َ ا
( )1أخرجه أبو داود ( ،)126وأحمد ( ،)14145وِححه ابن خزيمة ( ،)36وابن حبان ( ،)1026والحاكم
( ،)551وقالِ« :حيح اإلسناد».
( )2ذكره البخاري معلقًا ( ،)16/1وابن أبي شـيبة يف المصنف ( ،)1462والبيهقي يف سننه الكربى (،)650
قال الحافظ ابن حار يف فتح الباري (« :)262/1وِله ابن أبي شـيبة بإسناد ِحيح».
( )3هذا المعنى هو طرف من حديث عائشة ڤ؛ أخرجه البخاري ( ،)655ومسلم (.)416
126
129 باب نواقض الوضوء
122
كـتـاب الـطـهـارة 130
فالنوم إن كان يسـير ًا يشعر بما يخرج منه لم ينقض ،و إن كان كثير ًا مستغرقًا
فإنه ينقض ،ورجحه شـيخ اإلسالم(.)1
َ ِّ ُ ه َ َْ َ ُ ُ ه ُ َ ُّ ُ َ
يم ،المت ِصل ،بِال حائ ِل ،أو الرابِــع :مسه بِي ِده ِ -ال ظف ِره ِ -فرج اآلد ِقوهل( :
َ َ ُّ َ َ ِّ َ ُ ْ ََ َ ُّ َ َْ َ ُُ
رج ابلائ ِِن).
ي .وال :مس ُمل الف ِ حلقة دب ِره .ال :مس اخلصيت ِ
فمس الذكر باليد بال حائل ينقض الوضوء مطلقًا لشهوة أو لغير شهوة ،هذا
المذهب ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وطائفة من أهل
الحديث ،واختاره ابن القيم ،واللانة الدائمة.
ولَ « :م ْن ول اهلل ﷺ َي ُق ُ ان َأن َاها َس ِم َع ْت َر ُس َ
ْت َِ ْف َو َواستدلوا :بحديث بسـر َة بِن ِ
ُ
َم اس َذك ََر ُه َف ْل َيت ََو اض ْأ» [رواه األربعة ،وِححه الرتمذي](.)2
ـــق ْب ِن َعلِ ني ﭬ قالَ :ق ِد ْمنَا على َنبِي اهلل ﷺ َف َاا َء َر ُج ٌل ك ََأ ان ُه وأما حديث َط ْل ِ
الر ُج ِل َذك ََر ُه َب ْعدَ ما َيت ََو اض ُأ؟ فقال« :هل هو َبدَ ِو ٌّي؛ فقال :يا َنبِ اي اهلل! ما َت َرى يف َمس ا
إال ُم ْض َغ ٌة منه ،أو قالَ :ب ْض َع ٌة منه»(.)3
فحديث بسـرة مقدم عليه وجوه:
األول :أن حديث بسرة أِح وحديث طلق بن علي ضعفه اإلمام الشافعي وأبو
حاتم وأبوزرعة والدارقطني والبيهقي وابن القيم لحال قيس بن طلق.
130
131 باب نواقض الوضوء
( )1أخرجه ابن ماجه ( ، )461والبيهقي يف سننه الكربى ( ، )611قال ابن حار يف الدراية يف تخريج أحاديث
الهداية (« :)36/1ورجاله ثقات» .ونقل يف التلخيص الحبير ( )142/1تصحيح أحمد وأبي زرعة
والحاكم وابن السكن للحديث؛ وذكر أيضا من ضعفه ،وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)111
131
كـتـاب الـطـهـارة 132
ظاهر المذهب أن عليها الوضوء؛ ألهنم يرون النقض مطلقًا؛ ألن النص وارد
باإلطالق ،ويف حكم ذلك مس اإلنسان ذكره ولو تكرر ،وبنا ًء عليه فإنه ينتقض
وضوؤها يف جميع هذه الصور ،وبه أفتى الشـيخ محمد بن إبراهيم واللانة
الدائمة.
وقيل بالتخفيف يف هذا وهو قوي لعدم قصد اللذة ولعموم البلوى به ،ومع
ذلك لم يبين النبي ﷺ فيه شـيئًا ،وما سكت عنه فهو عفو ،وهذا اختيار شـيخ
اإلسالم وابن عثيمين وابن جربين ،وهؤالء ألهنم يرونه مستحبًا ،وال يرون
الوجوب إال مع الشهوة وهي معدومة هنا.
وكذا فرج البهيمة ال ينقض مسه الوضوء ألنه ليس منصوًِا عليه وال يف
معناه.
َ َْ َ ُُ
(أو حلقة دب ِره) :الحقوها بمس الذكر؛ لعموم حديثَ « :م ْن َم اس َف ْر َج ُه،
َف ْلـــ َيت ََو اض ْأ».
رج َ َ ُّ َ َ ِّ َ ُ ْ ََ َ ُّ
ابلائ ِِن) :فال ُيلحق بالذكر غيره مما ي .وال :مس ُمل الف ِ
(ال :مس اخلصيت ِ
جاوره من األعضاء فالحكم يختص بالعضو دون غيره؛ ألن الحديث جاء بمس
الذكر ،فمس الخصـيتين ال ينقض الوضوء.
ْ َ َ َ ه
نَث اذلك َر؛ ل ِش َ َ ُ َ ُ َ ُ َْ ُ ََ َ ه َ
ري
ِ غ ِن
م ، ة هو األ أو ، نَث األ ر
قوهل( :اخلام َِس :لمس بَش ُة ِ اذل ِّ ً ِ
ك
َْ ُ َ ْ ُ َ ََْ ً َ ُ ً َ َ َ ُ
حائ ِل ،ولو اكن الملموس ميتا ،أو عجوزا ،أو ُمرما .ال :لمس من دون
َ هْ ُ َ ْ ٍّ ُ َُ َ
سبع .وال :ملس ِسن ،وظفر ،وشعر .وال اللمس بذل ِك).
ف لمس بشـرة الذكر األنثى أو العكس لشهوة من غير حائل ينقض الوضوء ،ولو
كان الممسوس ميتًا أو َمحرمًا أو عاوز ًا.
وأما مسها لغير شهوة فال ينقض الوضوء ،وهذا المذهب والحنابلة.
واستدلوا :بقوله تعالى ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [النساء ،]43 :وفسـروها باللمس
والقبلة ،كما روي ذلك عن ابن مسعود ،وحملوه على ما كان بشهوة.
132
133 باب نواقض الوضوء
القول الثاين :أن مس المرأة ال ينقض مطلقًا ولو كان لشهوة؛ وبه قال ابن
عباس ،وهو مذهب أبي حنيفة ،واختاره ابن تيمية ،واللانة الدائمة وهو األظهر
فإن خرج منه مذي انتقض الوضوء للمذي ال للمس.
والدليل :قوله تعالى ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ﴾ فسـره علي وابن عباس بالاماع،
ورجح ذلك شـيخ اإلسالم لعدة قرائن ،وليس هنال نص ِريح يدل على النقض
بالمس مع عموم البلوى به واألِل عدم النقض وهنال نصوص تدل على لمس
الرسول زوجته أو العكس ولم يتوضأ.
وثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه مس امرأته ولم يتوضأ ،كما روى مسلم َع ْن َعائِ َش َة
اشَ ،فا ْلـــت ََم ْس ُت ُهَ ،ف َو َق َع ْت َي ِدي َع َلى ول اهلل ﷺ َلي َل ًة مِن ا ْل ِ
ـــف َر ِ َ ْ ڤ َقا َل ْتَ :ف َقدْ ُت َر ُس َ
ال مِ ْنول« :ال الــ ُه ام َأ ُعو ُذ بِ ِر َض َ ب ْط ِن َقدَ مي ِه و ُهو فِي المس ِا ِد و ُهما منْصوبت ِ
َان؛ َو ُه َو َي ُق ُ َ َ َ ُ َ َ ْ َْ َ َ َ
ال ُأ ْحصـى َثنَا ًء َع َل ْي َكَ ،أن َْت ك ََما َس َخطِ َكَ ،وبِ ُم َعا َفاتِ َك مِ ْن ُع ُقو َبتِ َكَ ،و َأ ُعو ُذ بِ َك مِن َْك َ
َأ ْثنَ ْي َت َع َلى َن ْف ِس َك»(.)1
ول اهلل ﷺ
ويف الصحيحين :عن ع ِائ َش َة ڤ َقا َلتُ « :كنْت َأنَام بين يدَ ي رس ِ ِ
ُ َْ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ ْ َ
َو ِر ْجال ََي فِي قِ ْب َلتِ ِهَ ،فإِ َذا َس َادَ َغ َم َزنِيَ ،ف َق َب ْض ُت ِر ْج َل ايَ ،فإِ َذا َقا َم َب َس ْط ُت ُه َماَ ،قا َل ْت:
يح»( .)2ويف سنن أبي داود والنسائي َع ْن َعائِ َشةَ: يها َم َصابِ ُ
ِ ُِ
وت َي ْو َمئذ َليْ َس ف َ َوا ْلـــ ُب ُي ُ
« َأ ان النابِ اي ﷺ َق اب َل َها َو َل ْم َيت ََو اض ْأ»(.)3
قال شـيخ اإلسالم« :وليس يف نقض الوضوء من مس النساء ال كتاب وال سنة،
133
كـتـاب الـطـهـارة 134
وقد كان المسلمون دائمًا يمسون نساءهم ،وما نقل مسلم واحد عن النبي ﷺ أنه
أمر بالوضوء من مس النساء»(.)1
َ هْ ُ َ ْ ٍّ ُ َُ َْ ُ َ ْ ُ َ َ
(ال :لمس من دون سبع .وال :ملس ِسن ،وظفر ،وشعر .وال اللمس بذل ِك) :أي
فال ينتقض الوضوء بلمس من دون سبع ولو بشهوة لعدم دخولها يف قوله تعالى:
﴿ﭴ ﭵ ﭶ﴾.
وكذا ال ينتقض الوضوء بلمس شعر المرأة أو ظفرها ولو بشهوة وكذا ال
ينتقض الوضوء بالمس بدون شهوة.
َ َ َ َ ًَ ََُ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ ُ ُ ُ َْ ُ
وس بدنه ،ولو وجد شهوة): وس فرجه ،أو الملم ِ وء الممس ِ (وال ينت ِقض :وض
نقض الوضوء من المس لشهوة ،أو مس الفرج مطلقًا يف حق الماس دون
ذكر ُهَ ،ف ْلـــ َيت ََو اض ْأ»،
الممسوس بدنه أو فرجه ألن النص متوجه للماسَ « :م ْن َم اس َ
وقوله تعالى ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ﴾.
َ ِّ َ ِّ َ ُ ُ َ ْ ُ َ ه ُ َ ْ ُ َ ِّ
عض ِه .والغا ِسل :هو من يقل ُب الميت و ت ،أو ب ِ قوهل( :السادِس :غسل المي ِ
الم َ
اء).
َ ْ ُ ُّ َ
بارشه ،ال من يصب يُ ِ ُ
فالمذهب أن مباشـرة الميت بالتغسـيل ينقض الوضوء؛ لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة َأ ان
المي َت َف ْلـــ َي ْغت َِس ْلَ ،و َم ْن َح َم َل ُه َف ْلـــ َيت ََو اض ْأ»(.)2
ول اهلل ﷺ َق َالَ « :م ْن َغ اس َل َ
َر ُس َ
ولوروده عن عمر وابن عباس ﭫ :أهنما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء
وقال أبو هريرة :أقل ما فيه الوضوء ،ألنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع
الحدث.
134
135 باب نواقض الوضوء
وال فرق بين الميت المسلم ،والكافر ،والصغير والكبير يف ذلك ،لعموم األمر
والمعنى.
وفيه قول ُ
ثان :أن الوضوء مستحب غير واجب وهذا أظهر وكالم أحمد يدل
عليه ،فإنه قال :أحب إلي أن يتوضأ ،وهو قول األئمة الثالثة وعلل نفي وجوب
الغسل من غسل الميت بكون الحديث موقوفا على أبي هريرة والوضوء كذلك،
وألنه ليس بمنصوص عليه ،وال هو يف معنى المنصوص ،واألِل عدم وجوبه،
فيبقى عليه ،وما عدا هذا ال ينقض بحال.
َ ْ ُ ُّ َ
الم َ َ ُ ُ َ ْ ُ ِّ ُ َ ِّ َ
ت و يُ ِ ُ
اء) :فهذا من يتوجه بارشه ،ال من يصب (والغا ِسل :هو من يقلب المي
له الحكم يف األمر بالوضوء إياابًا أو استحبابًا ألنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه
كالنوم مع الحدث.
َ َ ه َ َ َ َ ً ْ
ــع :أكل حلم اإلبل ،ولو ن ِيئا .فال نقض :ببقي ِة َ َ ُ ُ ه
أجزائ ِها ،ككبِد، ِ ِ ِ ِ ِ اب الس قوهل( :
َ َ َ َ َ َ ُ َ َِ ْ َ َ َ
وارع،
ِ وك ، ام ن وس ، أس ور ، ان ِس ول ، ةي وُك ، م ح وش ، ش ر
َ ِوك ، ال ِح طو ، لب وق
َ ُ ُ َْ ً َ َ ْ َ ََ َ َ ُ َ ُ
َصان ،وم َر ِق حلم .وال َينث بذل ِك من حلف :ال يأكل حلما). وم َ
(السابع :أكل حلم اإلبل ولو نيئا) :لصـريح السنة يف ذلك ،وقد دل له حديثان
ِحيحان:
ــه ﷺ َأ َأ َت َو اض ُأ مِ ْن ُل ُحو ِم ول ال ال ِحديث َجابِ ِر ْب ِن َس ُم َرةََ « :أ ان َر ُجالً َس َأ َل َر ُس َ
ا ْلـــ َغن َِم؟ َق َال :إِ ْن ِش ْئ َت َفت ََو اض ْأَ ،وإِ ْن ِش ْئ َت َفالَ َت َو اض ْأَ .ق َالَ :أ َت َو اض ُأ م ِ ْن ُل ُحو ِم ِ
اإلبِلِ؟
ض ا ْلـــ َغن َِم؟ َق َالَ :ن َع ْمَ .ق َال:اإلبِلَِ .ق َالُ :أ َِلي فِي َم َراب ِ ِ َق َالَ :ن َعمَ ،فت ََو اض ْأ مِ ْن ُل ُحو ِم ِ
ْ
اإلبِلِ؟ َق َال :ال» [رواه مسلم](.)1 ار ِل ِ ُأ َِلي فِي َم َب ِ
وء مِ ْن ُل ُحو ِمول اهللِ ﷺ َع ِن الو ُض ِ بَ ،ق َالُ « :سئِ َل َر ُس ُ وحديث ال َب َر ِاء ْب ِن َع ِ
از ُ
ُ
وء مِ ْن ُل ُحو ِم ال َغن َِم؟ َف َق َالَ :
ال َتت ََو اضئُوا اإلبِلِ؟ َف َق َالَ :تو اضئُوا مِنْها ،وسئِ َل َع ِن الو ُض ِ ِ
ُ َ َ ُ َ
135
كـتـاب الـطـهـارة 136
مِن َْها»(.)1
وقال به جمع من أهل العلم؛ منهم فقهاء الحديث:
وهذا من مفردات اإلمام أحمد ،ورجحه ابن المنذر وابن تيمية وابن القيم
والبيهقي والنووي ،واختارته اللانة الدائمة.
َان ِ
آخ ُر وأما األئمة الثالثة فقالوا :بعدم النقض مستدلين بحديث َجابِ ُر َق َال« :ك َ
ت الن ُاار»( .)2وهذا على فرض ول اهللِ ﷺ َتر َل ا ْلـــو ُض ِ
وء مِما َغير ِ األَمر ْي ِن مِ ْن رس ِ
ا اَ ُ ْ َ ُ َْ
ثبوته يستثنى منه لحم اإلبل؛ لصـراحة السنة يف الحديثين السابقين.
َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ قض :ب َبق هي ِة َ َ َ َ
أجزائ ِها ،ككبِد ،وقلب ،وطِحال ،وك ِرش ،وشحم ،وُكية، ِ ِ (فال ن
َ َ ْ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ
ول َِسان ،ورأس ،وسنام ،وكوارع ،وم َ
َ َ
َصان ،ومر ِق حلم .وال َينث بذل ِك من ِ
َ ُ ُ َْ ً َ ََ
حلما) :المذهب :أن النقض خاص بلحم اإلبل ،دون بقية أجزائها حلف :ال يأكل
من كبد وقلب وطحال وشحم وكلية ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصـران ألهنا
اإلبِ ِل» تخصيصه باللحم، ال تسمى لحما ،وظاهر الحديثَ « :ن َعم َفت ََو اض ْأ مِ ْن ُل ُحو ِم ِ
ْ
ِ
وأخرجوا ما سواه ،وقالوا إن الكبد تسمى دما ال لحما؛ لحديث ا ْب ِن ُع َم َر َق َالَ :ق َال
وتَ ،و َأ اما انَ ،ف َأما ا ْلمي َتت ِ َان ودم ِ ِ ِ رس ُ ِ
َانَ :فا ْل َا َرا ُد َوا ْل ُح ُ ا َْ ول َاهلل ﷺُ « :أح ال ْت َلنَا َم ْي َتت َ َ َ َ ُ
الدا َما ُنَ :فالط َح ُال َوا ْل َكبِدُ » [أخرجه أحمد ،وابن ماجه ،وفيه ضعف].
ثان :أن بقية األجزاء تنقض ،وهو رواية عن اإلمام أحمد ،ورجحه وفيه قول ُ
السعدي وابن عثيمين وابن جربين ،وقالوا :إن إطالق اللحم يف الحيوان يدخل فيه
جميع أجزائه ،وإنما يذكر اللحم خاِة؛ ألنه أغلب األجزاء.
وقالوا كل شـيء يؤكل يف اإلبل فإنه ينقض الوضوء ،وأما الذي يشـرب وال
يؤكل كاللبن والمرق فإنه ال ينقض ،واهلل أعلم.
( )1أخرجه الرتمذي ( ،)61وأبو داود ( ،)164وابن ماجه ( ،)424وِححه ابن خزيمة ( ،)32وابن حبان
( ،)1126واأللباين يف ِحيح أبي داود برقم (.)116
( )2أخرجه أبو داود ( ،)122والنسائي ( ،)165وِححه ابن خزيمة ( ،)43وابن حبان ( ،)1134والنووي يف
الخالِة ( ،)144/1وابن الملقن يف البدر المنير (.)412/2
136
137 باب نواقض الوضوء
131
كـتـاب الـطـهـارة 138
e ص ٌل
فَ ْ F
(فيما حيرم على احملدث)
ََه َ ََ َ َ ه ََ َ ََه َ ه ََ َ ه
احلدث وشك يف ث .أو :تيقن
احلد ِ هارة وشك يف قوهل( :من تيقن الط
ََه ه َ َ َ
هارة ِ :ع ِمل بما تيقن). الط
من الطهارة أو الحدث وهذه قاعدة مهمة ،عند حصول الشك يف العبادة وجود ًا
أو عدد ًا أن يرجع إلى اليقين ،واليقين ال يزول بالشك ،فال ينتقل من اليقين بشك،
وهذه تقطع الوساوس عن العبد وتريحه من عناء كثير.
َ ََ ُ َ ُّ َ ه ُ ه ُ ُ َ ُُ
ث :الصالة .والطواف .ومس المصح ِف بِبَشت ِه بِال قوهل( :وَيرم ىلع المح ِد ِ
َ ُّ ْ َ َ ُ ُ ْ ٌ َ ُ َ َ َ َ
ج ِد بِال ث يف المس ِ رآن .واللب ِ حائل .وي ِزيد من علي ِه غسل :ب ِقراءة ِ الق ِ
ُ
ُوضوء).
يحرم على المحدث أمور منها ثالثة يف حق من حدثه أِغر وخمسة يف من
حدثه أكرب يشرتكان يف ثالث منها:
ه ُ
(الصالة) :فرضًا ونفالً :فتحرم وال تصح بغير طهارة بالنص واإلجماع ويف
الصحيحين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َع ِن النابِي ﷺ َق َال« :ال َي ْق َب ُل اهلل َِالَ َة َأ َح ِد ُك ْم إ ِ َذا
ث َحتاى َيت ََو اض َأ»(.)1َأ ْحدَ َ
يم َها الت ْاكبِ ُيرَ ،و َت ْحلِي ُل َهاوضابط الصالة التي تحرم بغير طهارة :ما كان « َت ْح ِر ُ
يم» .فيدخل يف ذلك الصلوات الخمس والانازة واالستسقاء والنوافل ونحوها. ِ
الت ْاسل ُ
ويخرج ساود الشكر والتالوة على الصحيح؛ فال يشرتأ لها الطهارة،
واختاره ابن تيمية ،وابن القيم .ويدل له:
أن رسول اهلل ﷺ كان يساد للتالوة ويساد من حضـره ،ولم ينقل أنه كان يأمرهم
بالوضوء.
( )1أخرجه البخاري (- )6554واللفظ له ،-ومسلم (.)225
136
139 فصل فيما حيرم على احملدث
وأيضًا النبي ﷺ ساد يف سورة النام ،وساد معه من حضـر وفيهم مشـركون(.)1
وروى البخاري تعليقًا عن ابن عمر ﭭ أنه ساد للتالوة بغير وضوء(.)2
وأما المذهب فقالوا بوجوب الطهارة لساود التالوة والشكر(.)3
ه ُ
(والطواف) :فتشرتأ الطهارة لصحة الطواف سواء كان فرضًا أو نفالً ،وبه قال
جمهور العلماء.
ُ
شـيء َبدَ َأ بِ ِه ِحي َن َق ِد َم واستدلوا :بما يف الصحيحين عن عائشة ڤَ « :أ ان َأ او َل
افاسَ ،ق َال« :ال اط َو ُ اف»( ،)4وبما رواه الرتمذي َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ النابِ ُّي ﷺ َأ ان ُه َت َو اض َأُ ،ث ام َط َ
ون فيه َف َم ْن َت َك ال َم فيه فال َي َت َك ال َم ان إال الص َال ِة إال َأ ان ُك ْم َت َت َك ال ُم َ ِ ِ
َح ْو َل ا ْل َب ْيت م ْث ُل ا
بِ َخ ْي ُر»(.)5
القول الثاين :أن الطهارة يف الطواف مستحبة غير واجبة ،واختاره شـيخ اإلسالم
وابن عثيمين؛ ألن األِل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على حرمة هذا الفعل بال
وضوء.
وأما وضوء رسول اهلل ﷺ قبل طوافه فيدل على األفضلية واالستحباب ال
االيااب.
132
كـتـاب الـطـهـارة 140
وأما قوله ﷺَ « :أ َحابِ َس ُتنَا ِه َي؟»( .)1لما أخرب أن ِفية حاضت يف الحج.
فالحائض منعت من الطواف؛ ألهنا ممنوعة من دخول المساد واللبث فيه ،وال
يمكن الطواف إال بذلك.
وأما حديث ابن عباس ﭭ ُفأعل بالوقف عليه ،وعلى فرض ِحته ،فإن
الطواف ال يأخذ أحكام الصالة من كل وجه ،فهو يخالفها يف غالب األحكام،
فليس فيه تكبيرة اإلحرام والتشهد والتسليم والفاتحة.
قال شـيخ اإلسالم« :ولم ينقل أحد عن النبي ﷺ ال بإسناد ِحيح وال ضعيف
أنه أمر بالوضوء للطواف ،مع العلم أنه حج معه خالئق عظيمة ،وقد اعتمر عمر َاً
متعددة ،والناس معه ولو كان الوضوء فرضًا للطواف لبينه النبي ﷺ بيانًا عامًا
ولنقل إلينا ،وأما وضوؤه عند إرادة الطواف فال يدل على الوجوب ،فإنه كان
يتوضأ لكل ِالة».
واألحوأ للمسلم أن يتوضأ عند الطواف وال يطوف إال بطهارة.
َشت ِه بِال حائل) :فال ياوز للمحدث أن يمس المصحف
َ صح ِف ببَ َ َ
َ ُّ ُ َ
(ومس الم
ِ
بال حائل حتى يتوضأ هذا المذهب وبه قال األئمة األربعة واختاره شيخ اإلسالم
آن إِ ا
ال ال َي َم ُّس ا ْلـــ ُق ْر َ
ويف يف الكتاب الذي كتبه رسول اهلل ﷺ لعمرو بن حزمَ « :،و َ
اه ٌر»( .)2قال اإلمام أحمد :أرجوا أن يكون ِحيحًا .وقال أيضًا :ال شك أن َط ِ
النبي ﷺ كتبه له .وهذا قول سلمان الفارسـي وعبداهلل بن عمرو وغيرهما ،وال
يعلم لهما من الصحابة مخالف ،فالصحيح أن مس المصحف ياب الوضوء له(.)3
140
141 فصل فيما حيرم على احملدث
َ
(بِال حائل) :فمس القرآن بحائل بدون طهارة جائز.
والمراد بالمصحف الذي يحرم مسه بال طهارة «المكتوب والحواشـي
والالد» فكلها تابعة للمصحف؛ ألن التابع تابع ،وكذا الالد الذي يحفظه.
وأما كتابة رسول اهلل ﷺ لهرقل فيدل على أن اآليات التابعة لكتاب ال تسمى
مصحفًا وياوز مسها بال طهارة ككتب الحديث ونحوها والحكم لألغلب.
فالكتاب إن كان كتاب تفسـير وكالم اهلل فيه أكثر من كالم البشـر ألحق
بالمصحف مثل تفسـير الااللين؛ ألنه اجتمع هنا حاظـر ومبيح فيغلب جانب
الحظـر ،وأما إن كانت اآليات يسـيرة وأقل من كالم الناس فيها ،فال بأس بلمسه.
ذكره ابن عثيمين(.)1
وأما األجهزة الكفية مما يوجد فيها مصاحف وغيرها فوقع خالف يف مس
الشاشة بال وضوء فمنع منها بعض العلماء وقالوا إهنا حال فتح المصحف تأخذ
حكمه.
وذهب آخرون إلى التخفيف يف مسها من وراء الشاشة بال طهارة وتعترب
الشاشة حائالً ياوز أن يمسها؛ ألهنا ليست تابعة للمصحف فتأخذ حكمه بل هي
تابعة للاهاز يعرض من خاللها القرآن وغيره مما هو أكثر منه فال يمنع المحدث
من لمس الزجاج ولو كان المصحف مفتوحًا ،وهذا قول له وجاهته.
َ َ ُ َ ُ َ َ َ ُ ْ ٌ
رآن) :قراءة القرآن للمحدث ال تخلو من (وي ِزيد من علي ِه غسل :ب ِقراءة ِ الق ِ
حالتين:
األولى :أن يكون حدثه أِغر فياوز له القراءة بشـرأ أال يمس القرآن إال من
وراء حائل ونقل ابن حار إجماع العلماء عليه(.)2
الثانية :أن يكون حدثه أكرب.
141
كـتـاب الـطـهـارة 142
فمذهب األئمة األربعة :أنه ال ياوز للانب قراءة القرآن ،وهو المروي عن
عمر وعلي وجماعة.
الخال َِء
َان َي ْخ ُر ُج مِ َن َ
ول اهلل ﷺ ك َ واستدلوا :بحديث َعلِي ﭬ َق َال« :إِ ان َر ُس َ
ن
آن ،وي ْأ ُك ُل معنَا ال الــحم ،و َلم ي ُكن يحابهَ ،أو َق َال :يحا ُزه َع ِن ا ْلـــ ُقرآنِ
ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُُُ ْ ََ َف ُي ْق ِر ُئنَا ا ْلـــ ُق ْر َ َ َ
الانَا َب َة» [أخرجه األربعة ،وِححه الرتمذي]( .)1ففيه أن النبي ﷺ كان يمتنع من شـي ٌء َل ْي َس َ
قراءة القران حال الانابة وتركه تشـريع كما أن فعله تشـريع.
ال الانُب شـي ًئا مِن ا ْلـــ ُقر ِ ِ
آن» [أخرجه الرتمذي وضعفه](.)2 ْ َ ال َت ْق َر ُأ َ
الحائ ُض َو َ ُ ُ وحديثَ « :
ثان :باواز قراءة القرآن للانب ،وهو قول ابن عباس وطائفة منهم: وفيه قول ُ
ابن المسـيب وابن المنذر والطربي وابن حزم.
ابي ﷺ َي ْذ ُك ُر ال الــ َه َع َلى نال واستدلوا :بالرباءة األِلية ،وبقول َعائِ َش َة ڤ« :ك َ
َان
ُّ
ُكل َأ ْح َيان ِ ِه»( .)3والذكر عام يشمل القرآن وأحيانًا عام يشمل الانابة.
واألظهر منع الانب من قراءة القرآن ،ويكفي فيه حديث علي السابق ،وقد
ِححه الرتمذي وابن خزيمة وابن حبان ،وثبت عن عمر وعلي هني الانب عن
قراءة القرآن ،كما ذكره ابن المنذر.
فعلى المسلم أن يمتنع من قراءة القرآن حال الانابة.
مسألة :وأما المرأة الحائض؟ فالمذهب أنه يحرم عليها قراءة القرآن.
واألظهر أنه ياوز لها القراءة بال مس المصحف ،واختاره شـيخ اإلسالم وابن
( )1أخرجه أبو داود ( )222واللفظ له ،وابن ماجه ( ،)524والنسائي ( ،)265والرتمذي ( )146وقال:
«حسن ِحيح» .وأحمد ( ،)632وِححه ابن خزيمة ( ،)206وابن حبان ( ،)122والحاكم ()1063
وقالِ« :حيح اإلسناد» .وقال ابن حار يف فتح الباري (« :)406/1والحق أنه من قبيل الحسن يصلح
للحاة» .بينما ضعفه جماعة من العلماء كالشافعي وأحمد والنووي وغيرهم ،انظر :البدر المنير
( ،)551/2والتلخيص الحبير ( ،)132/1وإرواء الغليل برقم (.)465
( )2أخرجه الرتمذي ( )131وضعفه ،وابن ماجه ( ،)526والبيهقي يف سننه ( )1315وضعفه؛ من حديث ابن
عمر ﭭ مرفوعًا ،وضعفه ابن حار يف فتح الباري ( ،)402/1األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)122
( )3أخرجه مسلم ( ،)313وذكره البخاري تعليقًا (.)221/1
142
143 فصل فيما حيرم على احملدث
ال َت ُطوفِي
اج َغ ْي َر َأ ْن َ القيم ،وهذا رأي اإلمام مالك؛ لحديث« :ا ْف َعلِي َما َي ْف َع ُل َ
الح ُّ
ت َحتاى َت ْط ُه ِري» [متفق عليه]( .)1وأدلة النهي عن قراءة القرآن للحائض ال تصح. بِا ْلـــبي ِ
َْ
مسألة :ويف مس الصبيان ألواحهم التي فيها القرآن ،وجهان:
أحدهما :الاواز؛ ألنه موضع حاجة ،فلو اشرتطنا الطهارة أدى إلى تنفيرهم
عن حفظه.
والثاين :المنع؛ لعموم النص.
واألظهر :اإلباحة وبه قال جمهور العلماء من األئمة الثالثة ووجه عند الحنابلة
من أجل التعلم والحفظ وألن الصبيان ال يخاطبون بالطهارة ولكن أمروا به تخلقا
واعتيادا فال يمنع ِبي مميز من مس وحمل مصحف أو لوح يتعلم منه لحاجة
تعلمه ومشقة استمراره متطهرا ،وعسر الوضوء لها.
ُ َ ُّ ْ
ج ِد بِال ُوضوء) :فيحرم على الانب :اللبث يف المساد حتى
ِ س الم يف ث
ِ ب (والل
يتوضأ ،وله أن يمر فيه بال مكث هذا المذهب وبه قال الامهور ،ويدل له:
لقوله تعالى﴿ :ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [النساء.]43 :
ب»(.)2 ال ُجنُ ُ ض َو َ ادَ ل ِ َحائِ ُ ال ُأ ِح ُّل المس ِ
َ ْ وحديثَ « :
ال مِ ْن َأ ِْ َح ِ
اب ار َق َالَ « :ر َأ ْي ُت ِر َجا ً
اء ْب ِن َي َس ُ وروى سعيد بن منصور َعن َع َط ِ
ْ
الصال َِة»(.)3
ون؛ إِ َذا َت َو اض ُئوا ُو ُضو َء اا ِد َو ُه ْم ُم ْان ِ ُب َ
ون فِي المس ِ
َ ْ ول اهللِ ﷺ َي ْالِ ُس َ
رس ِ
َ ُ
143
كـتـاب الـطـهـارة 144
e F
ب ال ُغسْلَ
بابُ ما يُو ِج ُ
ذكر هنا الغسل وِفته وشـروطه وما يوجبه وما يتعلق به.
وال ُغسل :هو استعمال الماء يف جميع البدن على وجه مخصوص.
وقد جاء يف الغسل وِفته نصوص منها:
كقوله تعالى﴿ :ﭣ ﭤﭥ ﭦ﴾ [المائدة.]6 :
ول اهللِ ﷺ إِ َذا ا ْغت ََس َل مِ َن َان َر ُس ُ ويف الصحيحين عن َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت« :ك َ
ـــانَا َب ِة َيبْدَ ُأ َف َي ْغ ِس ُل َيدَ ْي ِهُ ،ث ام ُي ْف ِر ُغ بِ َي ِمين ِ ِه َع َلى ِش َمال ِ ِه َف َي ْغ ِس ُل َف ْر َج ُهُ ،ث ام َيت ََو اض ُأ ا ْل َ
الش ْع ِرَ ،حتاى إِ َذا َر َأى َأ ْن َق ِد ول ا لصال َِةُ ،ثم َي ْأ ُخ ُذ الماء َف ُيدْ ِخ ُل َأ َِابِ َع ُه فِي ُأ ُِ ِ
َ َ ا
ِ
ُو ُضو َء ُه ل ا
اض َع َلى َسائِ ِر َج َس ِد ِهُ ،ث ام َغ َس َل َاتُ ،ث ام َأ َف َ اس َتبر َأ؛ ح َفن َع َلى ر ْأ ِس ِه َثال ََث ح َفن ُ
َ َ ْ َْ َ َ
ِر ْج َل ْي ِه»(.)1
ول اهللِ ﷺ ُغ ْس َل ُه مِ َن ويف الصحيحين عن م ْيمو َن َة ڤ َقا َل ْتَ « :أ ْد َن ْي ُت لِرس ِ
َ ُ َ ُ
َاءُ ،ثم َأ ْفر َغ بِ ِه َع َلى َفر ِجهِ اإلن ِ
الانَا َب ِة َف َغس َل َك اف ْي ِه مر َت ْي ِن َأ ْو َثالَ ًثاُ ،ثم َأ ْد َخ َل َيدَ ُه في ِ
ِ
ْ ا َ ا َا َ َ
ضرب بِ ِش َمال ِ ِه األَ ْر َض َفدَ َل َك َها َد ْل ًكا َش ِديدً اُ ،ث ام َت َو اض َأ ُو ُضو َء ُه َ َو َغ َس َل ُه بِ ِش َمال ِ ِهُ ،ث ام
َات مِ ْل َء كَف ِهُ ،ث ام َغ َس َل َسائِ َر َج َس ِد ِهُ ،ث ام َتن اَحى لِلصال َِةُ ،ثم َأ ْفر َغ َع َلى ر ْأ ِس ِه َثال ََث ح َفن ُ
َ َ ا َ ا
َع ْن َم َقامِ ِه َذل ِ َك َف َغ َس َل ِر ْج َليْ ِهُ ،ث ام َأ َت ْي ُت ُه بِا ْل ِمن ِْدي ِل َف َر اد ُه»(.)2
واإلجماع :منعقد على مشـروعيته.
ُ ٌََْ
قوهل( :وهو سبعة).
ياب الغسل عند حصول واحد منها.
144
145 باب ما يوجب الغسل
َ َ َ َ َ َ ُ َ َْ َ ُ َ ِّ َ َ ه َ ُ
ين .فلو أحس بانتِق ِاهلِ فحبسه ،فلم َي ُرجَ :وج َب ِ قوهل( :أحدها :انتِقال الم
ُ ْ َ َه َ ُ َ َ َُ ُه َ َ ُ ْ ُ َ
خرج بال ذلة :لم ي ِع ِد الغسل). الغسل .فلو اغتسل هل ،ثم
فإذا انتقل المني من محله وخرج وجب الغسل.
وإن انتقل فأمسك ذكره وحبسه فلم يخرج ففي وجوب الغسل روايتان:
األولى :أنه ياب الغسل؛ ألنه خرج من مقره ،أشبه ما لو ظهر ،ولوجود اشتداد
الشهوة وال يمكن رجوعه فإذا انتقل البد أن يخرج.
الثانية :ال غسل عليه ،ومارد االنتقال ال يوجب الغسل إذا لم يخرج الماء،
ورجحها ابن قدامة وابن أبي عمر.
والدليل :ما يف الصحيحين« :أن أم سليم سألت رسول اهلل ﷺ َف َقا َل ْتَ :يا َر ُس َ
ول
ِ ِ ِ
الم ْر َأة م ْن ُغ ْس ُل إِ َذا ْ
اح َت َل َم ْت؟ َف َق َال ال َي ْست َْحيِى م َن َ
الحقَ ،ف َه ْل َع َلى َ اهلل! إِ ان اهلل َ
ِ
الما َء»( .)1فقيد وجوب الغسل بخروج الماء. ول اهلل ﷺَ :ن َع ْم إِ َذا َر َأت َ َر ُس ُ
ِ ِ
مسلم]( ،)2ويشهد له إجماع العلماء :أن ُ الماء» [رواه ومثله قوله ﷺ« :إِن َاما َ
الما ُء م َن َ
الوضوء ال ياب بمارد اإلحساس بتحرل الريح يف البطن كالقرقرة ،ما لم تخرج،
كما قال رسول اهلل ﷺ« :إِ َذا َو َجدَ َأ َحدُ ُك ْم فِي َب ْطن ِ ِه شـي ًئاَ ،ف َأ ْش َك َل َع َل ْي ِه َأ َخ َر َج مِنْ ُه
يحا» [متفق عليه](،)3 ادَ ِر ً ا ِد َحتاى َيسم َع َِ ْو ًتا َأ ْو َي ِ ال؟ َفالَ َي ْخر َج ان م ِ َن المس ِ
شـي ٌء َأ ْم َ
ْ َ َ ْ ُ
فكذا الغسل ال ياب بانتقال المني ما لم يخرج.
ُ ْ َ َه َ ُ َ َ َُ ُه َ َ َ
خرج بال ذلة :لم ي ِع ِد الغسل) :لو اغتسل لمارد االنتقال (فلو اغتسل هل ،ثم
قبل خروج المني ،ثم خرج المني بعد ذلك بال لذة لم يعد الغسل ألن الغسل تعلق
بانتقاله ،على الرواية األولى وقد اغتسل له.
فخروج المني المحتقن يف الفرج بعد الغسل يوجب الوضوء وال يوجب
145
كـتـاب الـطـهـارة 146
الغسل.
َ َ ُ َ َه ُ َ ُ َ ً َ َ َ ُ ُ ُ ُ ه
ج ِه ،ولو دما .ويشَّتط :أن يكون بَِلة ،ما لم قوهل( :اثلاين :خر َوجه مِن ُمر ِ
ْ َ ُ ْ ً
يكن نائ ِما ،وَن َوهُ).
فخروج المني من دفقًا بلذة موجب للغسل ،وهو قول عامة الفقهاء ،وال يعلم
الما َء َفا ْغت َِس ْل»(.)1
خ َت َ فيه خالف؛ لقول رسول اهلل ﷺ لعلي ﭬَ « :فإِ َذا َف َض ْ
فإذا خرج المني دفقًا بلذة وجب الغسل سواء خرج بمباشـرة أو استمناء ،أو نظر
أو تفكير.
ْ َ ْ ً ُ َ َ
(ما لم يكن نائ ِما ،وَن َوهُ) :خروج المني ال يخلو من حالتين:
األولى :أن يكون حال اليقظة فيشرتأ لوجوب الغسل خروجه دفقًا بلذة ،فإن
سال بدون ذلك لمرض أو نحوه فال غسل عليه.
الثانية :أن يكون خروجه حال النوم فإذا استيقظ ورأى المني وجب الغسل،
حتى ولو لم يذكر احتالمًا وال لذة ،حكى ابن المنذر اإلجماع عليه.
ودليله :قول رسول اهلل ﷺ« :إِناما الماء مِن الم ِ
اء». َ َ ُ َ َ
والمستيقظ من النوم له مع االحتالم حاالت:
األولى :أن يذكر احتالمًا ويرى منيًا فيلزمه الغسل باإلجماع.
الثانية :أن يرى منيًا وال يذكر احتالمًا فيلزمه الغسل باإلجماع كما نقله ابن
المنذر؛ لقوله ﷺ« :إِناما الماء مِن الم ِ
اء». َ َ ُ َ َ
الثالثة :أن يرى احتالمًا وال ياد منيًا ،فال يلزمه غسل؛ لقول رسول اهلل ﷺ:
َان مِنْ َها َما
الر ُج ُل فِي َمنَامِ ِه َف َق َال« :إِ َذا ك َ ِ ِ ِ
لما سئل َع ِن َ
الم ْر َأة َت َرى في َمنَام َها َما َي َرى ا
ون مِن الرج ِل َف ْلـــ َت ْغت َِس ْل»( .)2ويف حديث آخرَ « :نعم َف ْلـــ َت ْغت َِس ْل إِ َذا وجدَ ِ
ت َ َ َ ْ َي ُك ُ َ ا ُ
( )1أخرجه أبو داود ( ،)206والنسائي ( ،)123وأحمد ( ،)666وِححه ابن خزيمة ( ،)20وابن حبان
(.)1101
( )2أخرجه مسلم ( )312من حديث أنس بن مالك ﭬ مرفوعًا.
146
147 باب ما يوجب الغسل
الما َء»(.)1
َ
َ َْ ُ َ َ َ ُ ِّ ه ُ َ
احلشف ِة ُكها ،أو قد ِرها -بِال حائ ِل -يف ف ْرج ،ولو: قوهل( :اثلال ِث :تغيـيب
َ َ ُ ُ ُ ه َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ ِّ
ابن عَش،
ِ ىلع إال سل الغ ب َي
ِ ال : ن ك
ِ ـ دب ًرا ،ل ِميت ،أو ب ِهيمة ،أو طري .ل
ْ ْ
ت ت ِسع).وبِن ِ
فإذا غيب الحشفة يف الفرج وجب عليه الغسل وإن لم يحصل إنزال ،وهذا
مذهب جماهير العلماء.
ويدل له :ما يف الصحيحين عن أبي هريرة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ َذا
ب ا ْلـــ َغ ْس ُل»( .)2زاد مسلمَ « :وإِ ْن َل ْم
َج َل َس َب ْي َن ُش َعبِ َها األَ ْر َبعُِ ،ث ام َج َهدَ َهاَ ،ف َقدْ َو َج َ
ُين ِْز ْل».
اء» فهذا كان يف أول اإلسالم ،ثم نسخه وأما حديث« :إِناما الماء مِن الم ِ
َ َ ُ َ َ
باإليااب بمارد اإليالج .ويمكن حمله على حال المنام فال يلزم الغسل إال من
خروج الماء.
وأما حال اليقظة فبمارد اإليالج ياب الغسل لصـراحة السنة بذلك.
َ َ َ
احلشف ِة) :وهي رأس الذكر الذي عليه الالدة التي تقطع يف الختان ،وتغييب (
نحو من أربعمائة حكم يف الطهارة والصـيام
الحشفة ذكر العلماء أنه يتعلق به ٌ
والحج والنكاح والطالق والحدود وغيرها.
َ
(بِال حائ ِل يف ف ْرج) :لو أولج الحشفة بحائل كبعض األدوات المستخدمة ،فال
يخلو من حالتين:
األولى :أن يحصل اإلنزال فياب عليه الغسل بال خالف؛ لقول النبي ﷺ:
«إِناما الماء مِن الم ِ
اء». َ َ ُ ْ َ
الثانية :إذا لم يحصل إنزال ،فاختلف العلماء يف هذا على ثالثة أقوال:
141
كـتـاب الـطـهـارة 148
القول األول :أنه ال ياب الغسل مطلقًا ،وهو مذهب الحنابلة كما ذكره
المؤلف؛ ألنه ال تحصل المالقاة مع وجود الحائل.
القول الثاين :وجوب الغسل على الرجل والمرأة مطلقًا ،سواء كان الحائل
غليظًا أو رقيقًا ،وهو مذهب الشافعي ألن األحكام متعلقة باإليالج وقد حصل
وجوب الغسل ولو كان بحائل ،وكذا يثبت فيه الحد؛ ألن رسول اهلل ﷺ علق
الغسل بالتقاء الختانين.
قال النووي« :ولو لف على ذكره خرقة وأولاه بحيث غابت الحشفة ولم ينزل
فالصحيح :وجوب الغسل عليهما؛ ألن األحكام متعلقة باإليالج وقد حصل»(.)1
القول الثالث :إذا كان الحائل رقيقًا بحيث ياد الحرارة واللذة وجب الغسل
وإال فال ،وهو مذهب المالكية وبعض الحنفية.
قال ابن عثيمين« :وهذا أقرب ،واألَ ْو َلى واألحوأ :أن يغتسل».
ُُ
(ولو :دب ًرا) :فيلزمه الغسل يف اإليالج فيه مع حرمة الفعل كوجوبه يف القبل ألنه
يسمى فرجًا.
وأتى بـ (لو) إشارة للخالف فيه .وعبارات اإلشارات للخالف يف المذهب التي
يستخدمها ثالث (ولو ،وإن ،حتى) وغالبًا يقولون (ولو) للخالف القوي و(إن)
للمتوسط و(حتى) للضعيف وهذا ليس مطرد ًا.
َ َ َ َ ِّ
(ل ِميت ،أو ب ِهيمة ،أو طري) :ألنه إيالج يف فرج شبه اآلدمية ،وإن كان غير فرج
اآلدمية حرامًا لكن الكالم هنا على لزوم الغسل أو عدمه ،وهذا قول جمهور العلماء.
ْ ْ َ َ ُ ُ ُ ه َ ْ َ
ت ت ِسع) :إذا وأء الذكر وهو ن
ِ ِ وب ، َش ع ابن
ِ ىلع إال سل الغ ب َي
ِ ال : ن ك
ِ ـ (ل
دون عشـر سنوات ،ووطئت البنت دون تسع سنوات:
فالمذهب :ال ياب عليه الغسل وال ينسب الولد إليه؛ ألن البلوغ ال يكون قبل
هذه السن.
( )1الماموع (.)150/2
146
149 باب ما يوجب الغسل
ومعنى وجوب الغسل أنه شـرأ لصحة ِالته وطهارته وجواز مسه
المصحف وقراءة القرآن؛ ألن عليه جنابة وهي تحصل بمارد اإليالج وإن لم
ينزل فإذا كان دون عشر وكانت دون تسع لم يلزمهم الغسل.
ُ َ ًّ ُ َ ُ قوهل ( :ه
الرابِـــع :إسالم الاكف ِِر ،ولو مرتدا).
فإذا أسلم الكافر لزمه الغسل سواء كان كتابيًا أو مشـركًا أو مرتد ًا ثم عاد
لإلسالم ،وهذا مذهب اإلمام مالك وأحمد وأبي ثور ورجحه ابن القيم والشوكاين
وابن عثيمين.
ول اهللِ ﷺ« :ا ْذ َهبوا بِ ِه إِ َلى حائِ ِ
ط َبنِي ويدل لهَ :أ ان ُثمام َة ْب َن ُأ َث ُ
ال َأ ْس َل َمَ ،ف َق َال َر ُس ُ
َ ُ َ َ
ُفال َُنَ ،ف ُم ُرو ُه َأ ْن َي ْغت َِس َل» [وهذا لفظ أحمد ،وِححه ابن خزيمة وابن حبان] .
()1
( )1أخرجه أحمد ( ،)6024والبيهقي يف سننه ( ،)116من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا ،وِححه ابن خزيمة
( ،)253وابن حبان ( ،)1236وابن الملقن يف البدر المنير ( ،)663/4واأللباين يف إرواء الغليل -أثناء
تخرياه لحديث رقم ( -)126فقد ذكر رواية البيهقي وقال« :وهذا سند ِحيح على شـرأ الشـيخين».
( )2أخرجه أبو داود ( ،)355والرتمذي ( )605وقال« :حديث حسن» .والنسائي ( ،)166وأحمد (،)20630
وِححه ابن خزيمة ( ،)254وابن حبان ( ،)1240وابن الملقن يف البدر المنير ( )661/4ونقل تصحيح
ابن السكن له.
( )3التلخيص الحبير البن حار (.)66/2
142
كـتـاب الـطـهـارة 150
تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا يف هذا الدين؟ قاال -أي مصعب بن ُع َمير وأسعد بن
ُزرارة :-تغتسل فت اط اهر و ُتطهر ثوبيك ،ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي»(.)1
القول الثاين :أن األمر لالستحباب ،وهو مذهب أبي حنيفة ،وِارف الوجوب
عندهم أنه أسلم العدد الكثير ولم يأمرهم رسول اهلل ﷺ بالغسل فدل على عدم
وجوبه ،قال الرتمذي« :والعمل على هذا عند أهل العلم :يستحبون للرجل إذا
أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه» .ورجح ابن باز« :أن غسله سنة».
واألول أولى فإذا دخل يف اإلسالم أمر بالغسل ،كما أمر رسول اهلل ﷺ قيس بن
عاِم.
ه ُ ُ ُ ُ َ ِّ َ وج َُ ُ ُ َ ُ
اس). يض .السادِس :خروج د ِم انلف ِ احل ِ قوهل( :اخلامِس :خر
وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع ،ونقله ابن جرير والنووي.
ُ َ ُ َ َ ُّ ً ه
قوهل( :السابِــع :الموت؛ تعبدا).
فإذا مات المسلم وجب تغسيله ،وقد دلت السنة على وجوبه؛ ومنها قوله ﷺ:
وراَ ،أ ْو شـي ًئا م ِ ْن «ا ْغ ِس ْلـــنَها ِو ْتراَ :ثالَ ًثاَ ،أو َخمسًا ،واجع ْلـــن فِي َ ِ ِ
الخام َسة كَا ُف ً َ ْ َ َ ْ ْ ً ً َ
ور»(.)2 كَا ُف ُ
وأما شهيد المعركة :فال ياب تغسـيله وإنما يدفن بدمه ،وهذا مذهب جماهير
العلماء .ويأيت يف أحكام الانائز.
َ َ ُّ ً
(تعبدا) :فالحكمة من تغسـيل الميت:
امتثال أمر اهلل تعالى وأمر رسوله ﷺ.
ولتطهيره وتنظيفه؛ كما يف حديث أم عطية« :ا ْغ ِس ْلـــنَ َها ِو ْت ًراَ :ثالَ ًثاَ ،أ ْو َخ ْم ًسًا،
ور» .وهذا التكرار لتتم الطهارة وراَ ،أ ْو شـي ًئا مِ ْن كَا ُف ُ واجع ْلـــن فِي َ ِ ِ
الخام َسة كَا ُف ً َ ْ َ َ
والنظافة ،واهلل أعلم.
( )1السـيرة النبوية البن هشام ( ،)265 ،264/2ودالئل النبوة للبيهقي (.)432/2
( )2أخرجه البخاري ( ،)1126ومسلم (.)232
150
151 فـصل شروط الغسل وسننه وصفته
e ص ُل
فَ ْ
F
(شروط الغسل وسننه وصفته)
151
كـتـاب الـطـهـارة 152
152
153 فـصل شروط الغسل وسننه وصفته
الحالة األولى :يف غسل الانابة ،ال ياب نقض الشعر ،وهذا مذهب أكثر
العلماء ،بل نقل ابن القيم :االتفاق عليه؛ إال ما يحكى عن ابن عمرو ﭭ
()1
153
كـتـاب الـطـهـارة 154
154
155 فـصل شروط الغسل وسننه وصفته
155
كـتـاب الـطـهـارة 156
َذل ِ َك َف َغ َس َل ِر ْج َل ْي ِه» ،وإال يكتفي بالغسل األول كما يف حديث عائشةُ « :ث ام َأ َف َ
اض
َع َلى َسائِ ِر َج َس ِد ِهُ ،ث ام َغ َس َل ِر ْج َل ْي ِه» ،وهبذا يامع بين الروايات الواردة يف هذا.
وِفة غسل النبي ﷺ جاء من حديث عائشة وميمونة ﭭ ،وبينهما بعض
الفروق يف الصفة ،وهذا كثير يف العبادات؛ يفعلها النبي ﷺ على وجوه متنوعة،
فيكون يف ذلك توسعة على األمة ،فعلى أي وجه فعلوها مما ورد أدركوا السنة،
وتمام السنة أن يفعلها على الوجوه كلها ،تارة على هذا وتارة على الوجه اآلخر.
مسألة :التنشف بالمنديل بعد الغسل أو الوضوء ،فقالت ميمونةُ « :ث ام َأ َت ْي ُت ُه
ـــمن ِْدي ِل َف َر اد ُه» ،ومذهب الامهور إلى أن التنشف مباح يستوي فعله وتركه؛ ألنه
بِا ْل ِ
لم يثبت عن الرسول ﷺ النهي عن التنشف؛ وألنه ﷺ جعل ينفض الماء بيده ولم
َينْ َه عنه ،وأما رده المنديل يف حديث ميمونة فهي واقعة حال يتطرق إليها االحتمال،
إما لسبب يف المنديل ،أو لكونه كان مستعاالً أو غير ذلك.
وقيل :إن هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف ،ولوال ذلك لم تأته بالمنديل.
وقال ابن دقيق العيد« :نفضه الماء بيده دليل على أنه ال كراهة يف التنشـيف؛
ألن كال منهما إزالة».
وقال النخعي :كانوا ال يرون بالمنديل بأسًا ،ولكن كانوا يكرهون العادة ،والمعنى
أن السلف ال يرون بالمنديل بأسًا ،ولكنهم يكرهون أن يصـير عادة بعد الوضوء.
فيحسن بالعبد أن يرتل التنشف أحيانًا؛ كما ورد عن النبي ﷺ عن ميمونة
خ ْر َق ُة َف َل ْمـــمن ِْدي ِل َفرده»( ،)1ويف رواية البخاري َقا َل ْتَ « :ف َأ َتي ُته بِ ِ
ْ ُ َ اُ
قالتُ « :ثم َأ َتي ُته بِا ْل ِ
ا ْ ُ
ُي ِر ْد َها َف َا َع َل َينْ ُف ُض بِ َي ِد ِه»( ،)2وألن ما على أعضاء الوضوء والغسل من أثر العبادة.
ت ت الصالَ ُة و ُعد َل ِ ويشهد له ما يف الصحيحين َعن َأبِي ُهرير َة ﭬ َق َالُ « :أقِيم ِ
َ ا َ َ َْ ْ
ِ ِ وف قِ َيا ًماَ ،ف َخ َر َج إِ َل ْينَا َر ُس ُ
ب َف َق َال ول اهلل ﷺ ج َف َل اما َقا َم في ُم َصالا ُهَ ،ذك ََر َأ ان ُه ُجنُ ٌ الص ُف ُ
ُّ
156
157 فـصل شروط الغسل وسننه وصفته
َلنَاَ :م َكا َن ُك ْم ُث ام َر َج َع َفا ْغت ََس َل ُث ام َخ َر َج إِ َل ْينَا َو َر ْأ ُس ُه َي ْق ُط ُر َف َك اب َر َف َص الــ ْينَا َم َع ُه»(.)1
َ ََ َ َ ً ُ ْ ً َ ُ ً َ َ
جبا :أجزأ عن اآلخ ِر. ِ قوهل( :ومن ن َوى غسال مسنونا ،أو وا
ُ ْ ُ َُ ُ ه ْ ْ ََ ََ ْ ََ َ َ ََ َ
ث وأطلق .أو :أم ًرا ال يباح إال ب ِ ُوضوء وغسل: احلد ِ ي .أو: وإن نو َى رفع احلدث ِ
َ َ ُ
أجزأ عنهما).
هذه المسألة متعلقة بالنية المازئة يف غسل الانابة وكذا بتداخل العبادات.
والقاعدة :أنه إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد ،وإحداهما ليست مقصودة
لذاهتا فتاز إحداهما عن األخرى.
وذكر عدد ًا من الحاالت وكلها تاز عن غسل الانابة:
َ ً َ ََ ُ ْ ً َ ُ ً
جبا) :كالانابة.( َومن نوى غسال مسنونا) :كغسل اإلحرام أو الامعة( .أو وا ِ
َ َ َ
أجزأ عن اآلخ ِر) :فياز غسل واحد عنهما. (
ْ ََ َ َ ََ َ
ي) :جميعًا األِغر واألكرب؛ أجز عنهما. (وإن نوى رفع احلدث ِ
ْ ََ ََ
ث وأطلق) :دون تحديد أجز عن األِغر واألكرب. (أو) :نوى بغسله رفع( .احلد ِ
ََ َ ُ ُ ْ ْ ً َُ ُ ه ُ ُ
(أو) :نوى بغسله( .أمرا ال يباح إال بِوضوء وغسل) :كالصالة( .أجزأ عنهما):
عن األِغر واألكرب؛ ألن من الزم نية الصالة ارتفاع الحدثين.
فإذا نوى شيئًا من ذلك أجزأ غسله عن الواجب ورفع األِغر واألكرب.
ََُ َ َ ِّ ُ ه َ ٌ ُُ ٌ ُ َ ُّ ُ ُ ُ ُ ٍّ ُ
ان وأربعة أسباع ُُ ِ ت ِي قووأ ، اِق
ِ ر ع
ِ بال ث وء بِمد ،وهوِ :رطل وثل قوهل( :ويسن :الوض
َ ِّ َ ُْ ٌ َُ َ َ ُ َ َ ُ َ ُ
بالق ِ ِّ
دِس .واالغتِسال بِصاع ،وهو :مخسة أرطال وثلث بال ِعر ِاِق ،وعَش
ُ
بالق ْد ِ ِّ ُ َُ َ
ِس). ان
أواق وسبع ِ
ول اهلل ﷺ َيت ََو اض ُأ بِال ُمدَ ،و َي ْغت َِس ُل َان َر ُس ُ
ويف الصحيحين عن أنس ﭬ قال« :ك َ
بِالصا ِع إلى َخمس ِة َأمدَ ُ
اد»(.)2 ْ َ ْ ا
وقد ورد عن رسول اهلل ﷺ يف مقدار الماء الذي توضأ واغتسل فيه روايات عدة
151
كـتـاب الـطـهـارة 158
( )1أخرجه أبو داود ( ، )26وابن ماجه ( ،)3664وأحمد ( ،)16641وِححه ابن حبان ( ،)6164والحاكم
يف المستدرل ( .)1212و النووي يف الماموع ( ،)220/2واأللباين يف ِحيح سنن أبي داود برقم (.)66
يب َو َل ْي َس إِ ْسنَا ُد ُه بِا ْل َق ِوي» .وابن ماجه ( ،)421وقال أبو زرعة ( )2أخرجه الرتمذي ( ،)51وقالَ « :ح ِد ٌ
يث غَ ِر ٌ
-كما نقل عنه ابن أبي حاتم يف العلل (« :)53/1رفعه إلى النبي ﷺ منكر» .وضعفه ابن الاوزي يف العلل
المتناهية ( ،)345/1وابن حار يف التلخيص الحبير (.)101/1
156
159 فـصل شروط الغسل وسننه وصفته
( )1أخرجه ابن ماجه ( ،)425وأحمد ( ،)1065وضعفه البوِـيري يف مصباح الزجاجة ( ،)62/1وابن حار
يف التلخيص الحبير (.)144/1
( )2أخرجه أحمد ( ،)23136والبيهقي يف السنن الكربى ( ،)6362وقال الهيثمي يف مامع الزوائد (:)21/2
«رواه أحمد وإسناده حسن».
152
كـتـاب الـطـهـارة 160
160
161 فصل يف األغسال املستحبة
161
كـتـاب الـطـهـارة 162
( )1أخرجه البيهقي ( )1356موقوفًا ومرفوعًا؛ وضعف المرفوع .وكذا األلباين يف السلسلة الضعيفة
( ،)6304ورواه الدارقطني مرفوعًا ( ،)16/2وكذا الحاكم يف المستدرل ( )1426وقالِ« :حيح على
شـرأ البخاري» .وساق ابن حار رواية البيهقي المرفوعة وحسنها؛ كما يف التلخيص الحبير (.)136/1
( )2أخرجه الدارقطني ( ،)12/2والبيهقي يف سننه الكربى ( ،)1363قال ابن حار يف تلخيص الحبير
(« :)136/1إسناده ِحيح» .وكذا قال األلباين يف تمام المنة ص(.)121
( )3أخرجه مالك يف الموطأ ( ،)521وعبدالرزاق يف المصنف ( ،)6123قال ابن الملقن يف البدر المنير
(« :)232/6وهذا منقطع» .وضعفه األلباين يف تمام المنة ص(.)121
( )4أخرجه ابن ماجه ( ،)1315والبيهقي يف سننه الكربى ( ،)5221وضعفه النووي يف الخالِة (،612/2
،)620والبوِـيري يف مصباح الزجاجة ( ،)156/1وابن حار يف الدراية يف تخريج أحاديث الهداية
( ،)50/1واأللباين يف إرواء الغليل برقم ( ،)146وِحح األلباين إسناد الرواية الموقوفة على علي ﭬ؛
وهي عند البيهقي يف سننه (.)5212
162
163 فصل يف األغسال املستحبة
163
كـتـاب الـطـهـارة 164
164
165 فصل يف األغسال املستحبة
ضعيف ،وروي عن ابن عمر وعلي وابن مسعود ﭫ كما يف مصنف ابن أبي شـيبة
أهنم اغتسلوا ثم راحوا إلى عرفة».
َ ُ َ َ َ َْ َ َ َ
وط َ واف زيَ َ َ
يم ِمجار) :أي فيستحب
ِ ور .ةِف لزد بم بيتوم .اع ود اف
ِ و .ة ار ِ ِ وط (
االغتسال لهذه األنسال األربعة طواف الزيارة ،وهو طواف اإلفاضة ،وطواف
الوداع ،والمبيت بمزدلفة ،ورمي الامار؛ ألهنا أنسال ياتمع لها الناس فاستحب
لها الغسل كاإلحرام ودخول مكة ،وهذه أمور ذكر استحباب االغتسال لها ويف هذا
نظر؛ ألن االستحباب يحتاج إلى دليل.
ولم يثبت عن الرسول ﷺ وال عن الصحابة تحري االغتسال أو األمر به ،وإنما
قاله بعض العلماء قياسًا.
واألظهر :أنه مباح غير مستحب
قال ابن القيم :يف حاة رسول اهلل ﷺ« :ومنها تركه االغتسال بمزدلفة ولرمي
الامار ولطواف الزيارة ولصالة االستسقاء والكسوف ومن هنا يعلم أن القول
باستحباهبا خالف السنة».
قال شـيخ اإلسالم« :ولم ينقل عن النبي ﷺ وال عن أِحابه يف الحج إال ثالثة
أغسال :غسل اإلحرام ،والغسل عند دخول مكة ،والغسل يوم عرفة .وما سوى
ذلك كالغسل لرمي الامار وللطواف والمبيت بمزدلفة فال أِل له ال عن النبي
ﷺ وال عن أِحابه ﭫ ،وال استحبه جمهور األئمة ال مالك وال أبو حنيفة وال
أحمد ،وإن كان ذكره طائفة من متأخري أِحابه بل هو بدعة؛ إال أن يكون هنال
سبب يقتضـي االستحباب مثل أن يكون به رائحة يؤذي الناس أو للتربد»(.)1
َ ُ َ ُّ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ه ُ َ َ ه ُ ُ ِّ َ َ
وء ،إن تعذ َر). حلاجة .ول ِما يسن هل الوض
قوهل( :ويتيمم :ل ِلُك؛ ِ
أمر اهلل بالتيمم عند تعذر استعمال الماء يف الطهارة الكربى والصغرى.
ولألغسال مع التيمم حالتان:
165
كـتـاب الـطـهـارة 166
األولى :الغسل الواجب كغسل الانابة والطهارة من الحيض إذا تعذر استعمال
الماء لها فإنه يصـير للتيمم.
الثانية :الغسل المستحب مثل غسل اإلحرام أو لدخول مكة أو عند غسل
الميت ،المذهب استحباب التيمم لها عند عدم الماء.
واختار ابن قدامة وشيخ اإلسالم أنه ال يشـرع التيمم للغسل المستحب؛ ألن
هذه األغسال شـرعت للتنظف ،والتيمم ال نظافة فيه(.)1
وهنال فروق بين الغسل الواجب والمستحب:
ومنها أن الغسل الواجب يراد إلباحة الصالة ،والتيمم يقوم مقامه.
وأما الغسل المسنون فيراد للتنظيف وهذا ال يحصل بالتيمم.
والمسألة هنا اجتهادية ومحتملة ،فلكل قول وجهه وتعليله.
مسألة :وأما التيمم للوضوء المستحب عند تعذره ،فمشروع كالتيمم للذكر،
ـــا ْه ِم قال: ورد السالم ،كما فعله رسول اهلل ﷺ فيما رواه البخاري عن َأبي ا ْل َ
ول اهلل ــم َع َل ْي ِهَ ،ف َل ْم َي ُر اد َر ُس ُ ِ ِ
ول اهلل ﷺ م ْن ن َْح ِو بِ ْئ ِر َج َملَُ ،ف َلق َي ُه َر ُج ٌل َف َس ال َ « َأ ْق َب َل َر ُس ُ
ِ ِ ِ ِ
السال َم»(.)2 ﷺ َع َل ْيه َحتاى َأ ْق َب َل َع َلى ا ْلـــادَ ِار َف َم َس َح َو ْج َه ُه َو َيدَ ْيهُ ،ث ام َر اد َع َل ْيه ا
ول، اج ِر ْب ِن ُقنْ ُف ُذَ « :أ ان ُه َأ َتى النابِي ﷺ َو ُه َو َي ُب ُ ويف سنن أبي داود وغيره َع ِن الم َه ِ
ُ
ا
ــم َع َل ْي ِه َف َل ْم َي ُر اد َع َل ْي ِه َحتاى َت َو اض َأُ ،ث ام ا ْعت ََذ َر إ ِ َل ْيه؛ َف َق َال« :إِني ك َِر ْه ُت َأ ْن َأ ْذ ُك َر ال الــ َه
ِ
َف َس ال َ
ال َع َلى ُط ْه ُرَ .أ ْو َق َالَ :ع َلى َط َه َار ُة». إِ ا
وهذا مما يقوي قول المذهب يف التيمم للغسل المستحب.
مسألة :حكم نوم الانب قبل الغسل والوضوء؟
دلت األدلة على جواز نوم الانب قبل الغسل ،لكن يستحب له الوضوء قبل أن
ول اهللِ ﷺَ :أ َي ْر ُقدُ َأ َحدُ نَا
ينام؛ كما يف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َرَ « :أ ان ُع َم َر َس َأ َل َر ُس َ
166
167 فصل يف األغسال املستحبة
161
كـتـاب الـطـهـارة 168
e َممِ
التي ُّ
بَابُ َّ
F
166
169 بـاب الــتيـمم
162
كـتـاب الـطـهـارة 170
شيء من السبيلين كبول أو غائط أو مذي فيلزمه قبل التيمم إزالة النااسة
باالستنااء أو االستامار.
وأما إن كان حدثه بخروج ريح فال يلزمه االستنااء.
َ َ َ ُّ َ َ َ ُّ ه ه ُ ُ ُ ُ
قت الصالة ِ .فال ي ِصح اتلهيم ُم ل ِصالة قبل َوقِتِها .وال
قوهل( :السادِس :دخول َو ِ
َ ْ َ َ
ِنلاف ِلة َوقت نه).
فيشرتأ لصحة التيمم دخول وقت الصالة فال يصح التيمم قبل دخول وقت
الفريضة ،وهذا مبني على أن التيمم مبيح للصالة ال رافع للحدث وهذا المذهب.
واختار شـيخ اإلسالم وابن القيم أنه رافع للحدث مطلقًا ويصح التيمم قبل
دخول الوقت إن كان العذر باقيًا وهذا مذهب اإلمام أبي حنيفة ،وعليه فال يشرتأ
لصحة التيمم دخول وقت الصالة ،وهو األظهر ويقويه أنه بدل عن الماء فيأخذ
حكم المبدل.
وج ِع َل ْت ُت ْر َب ُت َها ِ ِ ِ
وقوله ﷺَ « :و ُجع َل ْت ل َي األ َ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً
ورا» .وقوله ﷺُ « :
ِِ
الما َء»( .)1فتأخذ أحكام الماء. ورا إِ َذا َل ْم نَاد َ
َلنَا َط ُه ً
وأن اهلل لما ذكر التيمم قال﴿ :ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [المائدة .]6 :فدل أنه مطهر.
وعلى هذا يكون التيمم كالماء عند مشروعيته ،فال يشرتأ له دخول الوقت،
وال يبطل بخروج الوقت فال ُيلزم بتاديد التيمم لكل ِالة إذا لم يحدث وكان
العذر قائمًا حتى يأيت بناقض آخر ،كذلك يتيمم حتى يف أوقات النهي ،فالراجح أن
هذا الشـرأ غير ِحيح.
قال شـيخ اإلسالم« :التيمم يقوم مقام الماء مطلقًا ويستبيح به ما يستباح
بالماء ،ويتيمم قبل الوقت ،كما يتوضأ قبل الوقت ،ويبقى بعد الوقت كما تبقى
110
171 بـاب الــتيـمم
طهارة الماء بعده ،وإذا تيمم لنافلة ِ ّلى به الفريضة ،كما أنه إذا توضأ لنافلة ِ ّلى
به الفريضة ،وهذا قول كثير من أهل العلم ،وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد يف
الرواية الثانية ،وقال أحمد :هذا هو القياس ...وهذا القول هو الصحيح ،وعليه
يدل الكتاب والسنة واالعتبار .»...
وقال« :فالتيمم رافع للحدث ،مطهر لصاحبه ،لكن رفعه مؤقت إلى أن يقدر
على استعمال الماء ،فإنه بدل عن الماء ،فهو مطهر ما دام الماء متعذر ًا».
َ َ ه ََ َ
ال الماءِ؛ إما ل ِعدمِه ،أو ِخلوف ِ ِه باستِعم ِاهل
َ
عم تاس ـــعَ :ت َع ُّذ ُ
ر
ُ ه
ِ ِ قوهل( :الساب ِ
ه َ
الَض َر).
فيشرتأ لصحة التيمم أن يتعذر عليه استعمال الماء ،ويكون ذلك بأحد أمرين:
ه ََ
(إما ل ِعدمِه) :أي لعدم وجود الماء ،كما قال تعالى﴿ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [النساء.]43 :
ويف حديث عائشة ڤ« :و َليسوا َع َلى م ُ
اءَ ،و َل ْي َس َم َع ُه ْم َما ٌء» [متفق عليه]. َ َ ُْ
الَض َر) :كأن يكون به جروح ،أو يخشـى ضـرر الربد ،أو عم ِاهل ه َ
َ َ
(أو ِخلوف ِ ِه باستِ
يخاف من الهالل ،أو ال ياد ماء ليشـرب إال هذا فيخشـى من الهالل إن توضأ به،
فياوز له التيمم.
لقوله ﷺ« :ال ضـرر وال ضـرار»( .)1ولحديث عمرو بن العاص ﭬ« :لما بعثه
رسول اهلل ﷺ فاحتلم يف ليلة باردة فأشفق على نفسه من الهالل إن اغتسل ،فتيمم
وأقره رسول اهلل ﷺ على ذلك»(.)2
( )1أخرجه ابن ماجه ( ،)2341وأحمد ( ،)2661من حديث ابن عباس ﭭ مرفوعًا ،وروي عن غيره من
الصحابة ،ورواه مالك يف الموطأ مرسالً ( ،)1422وحسنه النووي يف األذكار ص( ،)325وابن رجب يف
جامع العلوم والحكم ص( ،)302وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)626
( )2أخرجه أبو داود ( ،)334وِححه الحاكم ( ،)626واأللباين يف إرواء الغليل برقم (.)154
111
كـتـاب الـطـهـارة 172
ْ َ ٍّ َ َ َ ُ َ ُُْ َ َ
يم أو ب ِهيمة).
ان ،مِن آد ِ
قوهل( :وَيب :بذهل للعطش ِ
لو كان معه ماء أعده لوضوئه ووجد إنسانًا عطشانًا معصوم الدم فياب بذله
له وال ياوز له أن يبقيه لوضوئه ويرتل هذا اإلنسان يموت؛ ألن العطش ال بديل
عن لماء لسده ،وأما الوضوء فهنال بديل له وهو التيمم.
وكذا لو احتاجه هو لدفع العطش فيشـربه ويتيمم لصالته؛ ألن اهلل تعالى قال:
﴿ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [النساء.]22 :
َ َ
(أو ب ِهيمة) :أي لو وجد هبيمة أو طير ًا عطشانًا فيلزمه أن يؤثره بالماء ويتيمم.
(محرتمين) :أي أن الذين ياب عليه أن يؤثرهم بالماء لعطشهم على وضوئه
من كانوا محرتمين من اآلدميين أو البهائم.
فاآلدمي المحرتم هو معصوم الدم :ويشمل المسلم ،والذمي ،والمعاهد،
والمستأمِن ،وأما المحارب فلو تركه يموت فال شـيء عليه؛ ألنه غير محرتم ،ولذا
ياوز قتله ولو قدم سقياه على الوضوء جاز.
وغير المحرتم من الحيوانات :من أمرنا بقتله كالفأرة والحية ،فظاهر كالمه أن
له تركها تموت عطشًا إن لم ياد إال الماء الذي يتوضأ به.
واألظهر :أهنا حتى ولو كانت غير محرتمة كالكلب األسود والحية والفأرة،
بفإنه يقدم سقيها على الوضوء ،ويف الصحيحين عن رسول اهلل ﷺ قالَ « :ب ْين ََما َك ْل ٌ
يف بِ َركِ اي ُة كَا َد َي ْق ُت ُل ُه ا ْل َع َط ُش؛ إِ ْذ َر َأ ْت ُه َب ِغ ٌّي من َب َغا َيا َبنِي إ ِسـرائِ َيل َفن ََز َع ْت ُمو َق َها
ُيطِ ُ
َف َس َق ْت ُه َف ُغ ِف َر لها بِ ِه»( .)1ويف كل كبد رطبة أجر واآلدمي أولى ،ونقل ابن المنذر
اإلجماع على ذلك.
ُ ُ ً هُ َ َ َُ َ َ َ َ َ َ ً َ َ َ َ
كِف ،وجوبا ،ثم
كِف ل ِطهارت ِ ِه :استعمله فِيما ي ِ
قوهل( :ومن وجد ماء ال ي ِ
ََه
تيم َم).
من وجد ماء ال يكفي للوضوء كامالً فيكفي مثالً لغسل الوجه واليدين ،وجب
112
173 بـاب الــتيـمم
عليه أن يستعمل هذا الماء يف غسلهما ثم يتيمم للباقي ،ودليل هذا قوله تعالى:
﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن .]16 :ويف الصحيحين عن رسول اهلل ﷺَ « :وإِ َذا
ِ
اس َت َط ْع ُت ْم»( ،)1ورجحه مشايخنا ابن عثيمين وابن جربين(.)2 َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ
ََ ه َ َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ َ
الوقت ،أو :علِ َم أن انلهوبة ال قوهل( :وإن َوصل المساف ُِر إىل الماءِ ،وقد ضاق
َُ َ ُ َ َ ُّ َ َ َ عد ُخ ُه َ َ َ ُ
الوقت). ريهُ :ال ،ولو فاته
وغ ُ ج ِه :عدل إىل اتلهيم ِم.
ِ و ر ت ِصل إيل ِه إال ب
لو كان مسافر ًا وال ماء معه وخشـي إذا انتظر الماء أن يخرج الوقت :لبعد الماء،
أو ضـيق الوقت ،أو كثرة الزحام على الماء ،فهل يتيمم محافظة على الوقت أم
ينتظره ولو خرج الوقت؟ ال يخلو من حالتين:
األولى :أن يكون غير نائم وال ناس :فإنه يتيمم؛ ألن مراعاة وقت الصالة التي
ال بدل لها أولى من مراعاة الوضوء الذي له بدل شـرعي وهو التيمم.
وهذا المذهب؛ ألن مراعاة الوقت أولى يف هذه الحالة ورجحه النووي وشـيخ
اإلسالم.
الثانية :إذا كان نائمًا أو ناسـيًا ثم استيقظ أو تذكر قرب خروج الوقت ولم
يقدر أن يامع بين الوضوء بالماء والصالة يف الوقت لكلفة الوِول للماء ببعد
محله أو وجود زحام فإذا شـرع يف الوضوء خرج الوقت وإن تيمم أدركه،
فالمذهب أنه يتيمم مراعا ًة للوقت.
واختار شـيخ اإلسالم :أنه يتوضأ وال يتيمم حتى لو خرج الوقت وفرق بينه
وبين المستيقظ والذاكر؛ ألن رسول اهلل ﷺ قالَ « :م ْن نَا َم َع ْن َِال َُة َف ْلـــ ُي َصل َها إِ َذا
يط َع َلى َم ْن َل ْم ُي َصل اس َت ْي َق َظ»( .)3ولمسلمَ « :أ َما إِ ان ُه َل ْي َس فِي الن ْاو ِم َت ْف ِر ٌ
يط ،إِن َاما ال ات ْف ِر ُ ْ
113
كـتـاب الـطـهـارة 174
الصال َِة األُ ْخ َرىَ ،ف َم ْن َف َع َل َذل ِ َك َف ْلـ ُي َصل َها ِحي َن َينْ َتبِ ُه َل َها،اي َء َو ْق ُت ا الصالَ َة َحتاى َي ِ ا
َان ا ْل َغدُ َف ْلـ ُي َصل َها ِعنْدَ َو ْقتِ َها»(.)1
َفإِ َذا ك َ
ومسألة التيمم خشـية فوات العبادة :شـيخ اإلسالم :يطردها فيقول« :ياوز
التيمم محافظة على الصالة التي تفوت مثل الانازة لو خشـي فواهتا وِالة العيد
والكسوف والامعة».
ومن األدلة :أن رسول اهلل ﷺ تيمم لرد السالم خشـية فواته()2؛ ألن فواهتا ال
يوجد لها بدل وهذا قول قوي ،واهلل أعلم(.)3
َ ُ ََُ ُ ُ ُ َ َُ ه َ َ َ َ َ َ ْ
َيد
ِ ال ه اء ،أو :م هر ب ِه ،وأمكنه الوضوء ،ويعلم أن
الم َ قت أراق
قوهل( :ومن يف الو ِ
َ ه َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ْ ََه
ريهُ :ح ُرم .ث هم إن تيم َم وصىل :لم ي ِعد).غ
من دخل عليه وقت الصالة وهو على غير طهارة ومعه ماء فأراقه مع علمه أنه
لن ياد غيره يف الوقت حرم عليه ذلك لوجوب الوضوء وتفريطه فيه.
فإذا تيمم بعد ذلك وِلى ِحت ِالته لعدم وجود ماء آخر.
وكذلك لو مر بماء بعد دخول الوقت ويعلم أنه ال ياد غيره فياب عليه
الوضوء منه فإن ذهب وتركه حرم عليه ذلك لتفريطه ،ثم إذا تيمم وِلى ِحت
ِالته وال إعادة عليه يف الحالتين.
َ َ َ َ ْ ُ َ ٌ َ َ َ
وإن َو َج َد ُُم ِد ٌث -ب َب َدن ِ ِه وثوب ِه َنَاسةَ -م ً
ْ
كِف :وجب غسل ِ اء ال ي ِ قوهل( :
ُ ه ْ َ َ َ َ ٌ َ َ َ َِ َ َ ُ ه ْ َ َ َ َ ٌ َ َ ه َ ه َ
ثوب ِ ِه .ثم إن فضل َشء :غسل بدنه .ثم إن فضل َشء :تطهر .وإال:
ََه
تيمم).
إذا اجتمع يف اإلنسان حدث ونااسة يف ثوبه وبدنه ،فيقدم غسل النااسة على
رفع الحدث ،ألن التخلية قبل التحلية ،وألن النااسة ال يرفعها التيمم على
الصحيح وال يشـرع لها ،وأما رفع الحدث فيشـرع له التيمم ،فإن فضل ماء توضأ به
114
175 بـاب الــتيـمم
115
كـتـاب الـطـهـارة 176
116
177 بـاب الــتيـمم
بايل ِد) :فإن لم يكن ترابًا له غبار فال ياز التيمم به على ( َهلُ ُغ َب ٌ
ار يَعلَ ُق َ
ِ ِ المذهب؛ لقوله ﷺِ « :
ورا إِ َذا َل ْم نَاد َ
الما َء»(.)1 وجع َل ْت ُت ْر َب ُت َها َلنَا َط ُه ً
ُ
وقوله تعالى﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾
[المائدة ،]6 :فلو كان الرتاب رطبًا ليس فيه غبار لم ياز التيمم به؛ ألنه لن يصـيب
الوجه واليدين.
وفيه قول ُ
ثان :أن الرتاب ال يشرتأ ،وأنه ياوز التيمم بكل ما تصاعد على
األرض من السباخ واألحاار له غبار أم ال ،وهو قول مالك وأبي حنيفة ورجحه
شـيخ اإلسالم وابن القيم ،وهذا األظهر؛ ألدلة منها:
الم ْسلِ ِم َو َل ْو إِ َلى َعشـر ِسنِي َنَ ،فإِ َذا
ب َو ُضو ُء ُ الصعيدُ ال اطي ُ
قول رسول اهلل ﷺِ « :
ا
الما َء َف َأمِ اس ُه ِج ْلـدَ َل َفإِ ان َذل ِ َك َخ ْي ٌر».
ت َ َو َجدْ َ
ِ ِ ِ
ورا»( ،)2فاألرض عام يشمل وقوله ﷺَ « :و ُجع َل ْت ل َي األَ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً
الرتاب وغيره .ورسول اهلل ﷺ تيمم بالادار لرد السالم ،ومعلوم أنه ال غبار له.
ولقوله ﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ﴾ ،والصعيد :هو كل ما تصاعد على األرض
سواء كان تراب له غبار أو حار أو طين.
والنبي ﷺ وأِحابه يف سفرهم وغزوهم لم ينقل عنهم أهنم كانوا يحملون
الرتاب ،وكانوا يمرون باألراضـي الطويلة من الرمال والسبخة ونحو ذلك ،ولم
يكونوا يحملون من الماء ما يكفيهم ،ولم ينقل عنهم أهنم كانوا يحملون الرتاب،
فهذا ظاهر أهنم كانوا يتيممون بما يمرون عليه من األراضي.
ادُ ُه َو ِعنْدَ ُه
الصالَ ُة َف ِعنْدَ ُه مس ِ
َ ْ
ِ ِ وقال ﷺَ « :ف َأ ْين ََما َأ ْد َرك ْ
َت َر ُجال ً م ْن ُأ امتي ا
َط ُه ُ
ور ُه»(.)3
111
كـتـاب الـطـهـارة 178
=
أحمد ثقات» .وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (.)152
( )1سبق تخرياه ص (.)110
( )2سبق تخرياه ص (.)166
116
179 فصل
e َفصْلٌ
F
ه َُ َ ُ
سق ُط َس ً َ ُّ
هوا). ج ُب اتلهيم ِم :التسمية ،وت
قوهل( :وا ِ
التسمية واجبة يف التيمم كوجوهبا يف الوضوء؛ ألنه بدل الوضوء فيأخذ حكمه
هذا المذهب.
واألقرب أهنا مستحبة وتقدم بيانه يف الوضوء وهذا مثله.
ُ َ َ ُ ََ سح َ ُ ُ ُ َ َ ٌ َ ُ
ي.ِ وع الك إىل ين د ايل سح وم . ه
ِ ج الو قوهل( :وفروضه مخسة :م
َ َ َُ ِ َ ْ ُْ ُ ُ َ َ ُّ َ ه ه ُ ُ
عض أعضاءِاثلالث :الَّتتِيب يف َ الطهارة ِ الصغرى .فيلزم من جرحه بِب ِ
ً َ َ َ َ ْ َََه َ َُ َ َ ََ ه ُ
حيحا. ُوضوئ ِ ِه -إذا توضأ -أن يتيمم هل عِند غسلِه لو اكن ص ِ
َ ُ ِّ َ َ ُّ ُ ُ ُ ََ َ ُُ ْ ُ َ َ ْ َ ه ه
يح عِند ُك تيمم. ح ِ
ِ لزمه أن ي ِعيد غسل الص الرابِـــع :المواالة .في
هُ ََ َ َ َ َ َ ُ ه َ َ َه ُ َُ َ ُ َ
كِف نِية
اخلامِس :تعيِـي انلي ِة ل ِما يتيمم هل ،م َِن حدث أو َناسة .فال ت ِ
اه َماَ : ْ ََ ُ َ َ َ
أجزأ). أح ِدهِما عن اآلخ ِر .وإن نو
(وفروضه مخسة) :أي فروض التيمم التي ال يصح إال هبا خمسة.
(مسح الوجه) :وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع فيمسح وجهه بباطن
كفيه يف التيمم؛ لقوله تعالى﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ول بِ َيدَ ْي َك َه َك َذاُ ،ث ام َان َي ْك ِف َ
يك َأ ْن َت ُق َ ﮀ﴾ ،ولقول رسول اهلل لعمار ﭬ« :إِن َاما ك َ
اه َر َك اف ْي ِه
ين ،و َظ ِ ِ ِ ِ
ضـرب بِ َيدَ ْيه األَ ْر َض ضـر َب ًة َواحدَ ةًُ ،ث ام َم َس َح الش َم َال َع َلى ا ْلـــ َيم ِ َ
َ
َو َو ْج َه ُه» .
()1
112
كـتـاب الـطـهـارة 180
160
181 فصل
قال يف اإلنصاف« :وقال الشيخ تقي الدين :ال يلزمه الرتتيب ،وهو الصحيح من
مذهب أحمد وغيره .وقال :الفضل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة».
هُ ََ َ َ َ َ َ انلي ِة ل َِما يَ َ ه ُ َ ُ
ُ ه َ ُ َ
كِف نِية
تيمم هل ،مِن حدث أو َناسة .فال ت ِ ََ ـيِ عي (اخلامِس :ت
ْ ََ َُ َ َ َ
أح ِدهِما عن اآلخ ِر .وإن نواهما :أجزأ) :وجود النية للتيمم فرض لصحته؛ ألنه عبادة.
فإذا نوى رفع الحدث األكرب ارتفع الحدث األِغر على الصحيح واختاره
شـيخ اإلسالم ،وإن نوى رفع األِغر فقط لم يرتفع األكرب.
وأما تعيين النية لرفع حدث أو إزالة خبث ،فالمذهب فرضـيته بناء على أنه
يشـرع التيمم للنااسة ،وسبق بيان أن الراجح عدم مشـروعيته.
ُ ُ َ ُ ُ َ َ َ ُ ُ ُُ َ َ ٌ ُ
وءَ .و ُوجود الماءَِ .وخ ُروج الو ِ
قت. ض َ قوهل( :ومب ِطالته مخسة :ما أبطل الو
َ َ ُْ َ َ َ َ َ ُ ُ
يح هلُ .وخلع ما مسح علي ِه).وز َوال المبِ ِ
ُُ َ َ ٌ ُ
(ومب ِطالته مخسة) :أي ومفسدات الطهارة فيه.
ض ََ َ ُ ُ
وء) :فكل ناقض للوضوء فإنه ناقض لطهارة التيمم؛ ألن البدل (ما أبطل الو
يأخذ حكم المبدل فلو أحدث أو أكل لحم إبل انتقضت طهارته وتيممه.
ُ ُ َ
( َو ُوجود الماءِ) :فإذا تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده بطل تيممه؛ لقوله ﷺ:
ـــما َء َف َأمِ اس ُه الم ْسلِ ِم َو َل ْو إ ِ َلى َعشـر ِسنِي َنَ ،فإِ َذا َو َجدْ َ
ت ا ْل َ ب َو ُضو ُء ُ
« ِ
الصعيدُ ال اطي ُ
ا
ِج ْلـــدَ َلَ ،فإِ ان َذل َك َخ ْي ٌر» .ولحديث عمران ﭬ يف الرجل الذي تيمم فلما جاء ()1 ِ
ب َف َأ ْف ِر ْغ ُه َع َل ْي َك»(.)2
الماء قال له رسول اهلل ﷺ« :ا ْذ َه ْ
مسألة :إذا ِلى الانب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الغسل ،ونقل إجماع
العلماء عليه لألحاديث الصحيحة المشهورة يف أمره ﷺ للانب بغسل بدنه إذا
الم ْسلِ ِم َو َل ْو إِ َلى َعشـر ِسنِي َنَ ،فإِ َذا وجد الماء ،كقولهِ « :
الصعيدُ ال اطي ُ
ب َو ُضو ُء ُ ا
الما َء َف َأمِ اس ُه ِج ْلـــدَ َلَ ،فإِ ان َذل ِ َك َخ ْي ٌر» .ولحديث عمران ﭬَ ...« :وك َ
َان ت َ َو َجدْ َ
161
كـتـاب الـطـهـارة 182
( )1أخرجه أبو داود ( ،)336والنسائي ()433؛ وأعل بعض العلماء الحديث باإلرسال ،كأبي داود ،وابن
حار -كما يف الدراية ( -)10/1وغيرهما ،بينما ِححه الحاكم ( )632وقالِ« :حيح على شـرأ
الشـيخين» .واأللباين يف ِحيح أبي داود برقم (.)366
162
183 فصل
163
كـتـاب الـطـهـارة 184
عمار اإلطالق فإن فرج أِابعه فحسن وإن لم يفعل فال بأس.
َ ً َ ًَْ
حدة) :ألهنا الثابتة كما يف الصحيحين عن عمار ﭬ مرفوعًاُ « :ث ام َضبة وا ِ (
ضـرب بِيدَ ي ِه األَر َض ضـرب ًة و ِ
احدَ ًة»( .)1وكذا يف قصة أبي جهيم يف تيمم رسول اهلل َ َ ْ َ َ ْ
ﷺ من الادار(.)2
َ َ َُ
ان) :خروجًا من الخالف لحديث« :التيمم ضـربتان»( ،)3وهو ِ ِنت ث : ط (واألحو
ضعيف مرفوعًا وقد ِح عن ابن عمر موقوفًا عليه كما قال البيهقي والنووي.
َ َ َ َ َ
زع خاتم وَن ِوه) :ليصل الرتاب والغبار لما تحته وهذا ليس على سبيل عد ن ِ (ب
اإللزام؛ ألن رسول اهلل ﷺ كان يتيمم وخاتمه يف يده ولم ينقل عنه خلعه ،وكذا
خلفاؤه من بعده.
َ ََ َه َ َ َ َ َُ َ
(فيمسح وجهه بِباط ِِن أصاب ِ ِع ِه ،وكفي ِه بِراحتي ِه) :ليمسح كل عضو بما علق
من الرتاب ،والسنة البداية بوجهه ثم كفيه براحتيه.
ضـرب النابِي ﷺ بِ َك اف ْي ِه األَ ْر َض َو َن َف َخ فِ ِ
يه َما ُث ام َم َس َح بِ ِه َما َ لما يف الصحيحينَ « :ف
ُّ
َو ْج َه ُه َو َك اف ْي ِه»( .)4وهي الموافقة للقرآن يف قوله تعالى﴿ :ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ﴾.
والموافق للرتتيب يف الوضوء حيث قدا م غسل الوجه على غسل اليدين ،وألن
أكثر الروايات يف حديث عمار بتقديم الوجه.
والسنة أن يمسح وجهه بيديه جميعًا؛ لحديث عمار مسح وجهه بيديه ورجحه
ابن عثيمين.
( )1سبق تخرياه ص(.)112
( )2سبق تخرياه ص (.)166
( )3أخرجه الدارقطني ( ،)160/1والطرباين يف الكبير ( ،)13366والحاكم ( ،)634عن ابن عمر ﭬ
مرفوعًا؛ وهو ضعيف ،وقد ِح عن ابن عمر موقوفًا عليه؛ كما قال النووي يف الخالِة (،)216/1
والبيهقي يف سننه ( .)201/1وانظر :البدر المنير ( ،)644/2التلخيص الحبير (.)151/1
( )4سبق تخرياه ص (.)114
164
185 فصل
ُ َ َ ُ ه َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َ ُّ
ار).
قت المخت ِ ري اتلهيم ِم إىل آ ِ
خ ِر الو ِ خقوهل( :وسن ل ِمن يرجو وجود الماءِ :تأ ِ
إذا دخل عليه وقت الصالة وهو ال ياد الماء ،فال يخلو من حالتين:
األولى :أن يغلب على ظنه أنه لن ياد الماء يف الوقت ،فإنه يقدم الصالة ويبادر
هبا ،وكذلك إذا كان مرتبط ًَا باماعة يخشـى أن تفوت فله تعايلها ولو تيمم مع
علمه أنه سـياد الماء يف آخر الوقت.
الثانية :أن يغلب على ظنه أنه سـياد الماء آخر الوقت بال مشقة وال كلفة،
فاألولى انتظار الماء حتى يؤدي ِالته بطهارة الوضوء.
الر ُج ُل فِي
َب اويدل له :ما رواه الدارقطني والبيهقي وضعفه عن َعلِ ني« :إِ َذا َأ ْجن َ
ِ ِ ِ ِ
ـــو ْقتَ ،فإِ ْن َل ْم َياد َ
الما َء َت َي ام َم َو َِ الــى»( .)1والتلوم الس َف ِر َت َل او َم َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن آخ ِر ا ْل َ
ا
هو التأخير واالنتظار.
وال ياب عليه ذلك فله التيمم خشية فوات الوقت المختار
ْ َ حد :ما َش َ َ ُ ُ َ ِّ َ َ َ ُّ
رض وانلهف ِل).
اء مِن الف ِ يل بتيمم وا ِ قوهل( :وهل أن يص
مادام يف وقت واحد.
َ َ َ َ َ ْ َ ه َ ه َ
فل :لم يستبِ ِح الفرض).
ِ للن م يم ت لو ن ك
ِ ـ قوهل( :ل
ألن التيمم مبيح على المذهب ،ولذا فلو تيمم لعبادة استباحها وما دوهنا ولم
يستبح ما فوقها ،فإذا تيمم لنفل لم يستبح الفرض ،وإذا تيمم لفرض استباح النفل
والفرض.
واألظهر :أنه لو تيمم لنفل استباح به الفرض؛ ألنه رافع وهو كالوضوء عند
فقده؛ ألن اهلل سماه طهور ًا ،فقال تعالى﴿ :ﮉ ﮊﮋ﴾ [المائدة.]6 :
( )1أخرجه الدارقطني ( ،)166/1والبيهقي يف سننه ( ،)1036ثم ضعفه؛ ألن يف سنده (الحارث األعور) ال
يحتج به.
165
كـتـاب الـطـهـارة 186
166
187 باب إزالة النجاسة
فالنااسة المغلظة :نااسة الكلب إذا ولغ يف اإلناء فيغسل سبعًا أوالهن
بالرتاب.
والنااسة المخففة :نااسة بول الغالم الذي لم يأكل الطعام يكفي فيه النضح،
وألحق بعض العلماء المذي هبا.
والنااسة المتوسطة :كل ما عدا المغلظة والمخففة ،وتكلم هنا على كيفية
تطهيرها.
َ ُ ََ ُ َ ِّ ِّ ُ ُ ََُ
شَّتط ل ُِك متنجس :سبع غسالت) :هل يشرتأ العدد لتطهير النااسة (ي
المتوسطة؟
المذهب :يشرتأ لتطهيرها سبع غسالت ،ألثر ابن عمر« :أمرنا بغسل
األنااس سبعًا»(.)1
والرواية الثانية :أنه ال يشرتأ لها عدد محدد فتغسل حتى يغلب على الظن
زوالها بغسلة أو أكثر ،واختاره شيخ اإلسالم وابن القيم وابن قدامة والسعدي وهو
مذهب أبي حنيفة ،وهو األظهر؛ ألدلة منها:
قول رسول اهلل ﷺ يف دم الحيض يصـيب الثوبَ « :تح ُّته ُثم َت ْقرِه بِالم ِ
اء ُث ام ُ ُ ا ُ ُ ُ َ
َتن َْض ُح ُه ُث ام ُت َصلي فيه» [متفق عليه]( .)2ولم يذكر عدد ًا .وقصة غسل بول األعرابي يف
المساد( ،)3ولم يذكر عدد ًا .والحكم يدور مع علته وجود ًا وعدمًا.
َ ُ َ ِّ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َُ َ
بَّتاب طاهِر ،أو صابون وَن ِوه ِ ،يف متنجس بكلب قوهل( :وأن يكون إحداها
َنير).
خ ِأو ِ
هذا يف النااسة المغلظة ،وهي الحاِلة بولوغ الكلب يف اإلناء وهذه نااسة
161
كـتـاب الـطـهـارة 188
مغلظة.
وتطهيرها أن يغسل اإلناء الذي ولغ فيه الكلب سبعًا وجوبًا ،وهذا قول
جماهير العلماء؛ لحديث أبي هريرة وابن المغفل وهي ِريحة ،ولفظ حديث َأبِي
يه ا ْل َك ْلب َأ ْن ي ْغ ِس َله سبع مر ُ ِ
َاء َأح ِد ُكم إ ِ َذا و َل َغ فِ ِ
اب» ال ُه ان بِالت َُّر ِ
ات ُأو َ ُ َ ْ َ َا ُ َ ور إِن َ ْ َ ُه َر ْي َر َةُ « :ط ُه ُ
َاء َفا ْغ ِس ُلوه سبع مر ُ اإلن ِ ب يف ِ
ات مسلم] .وحديث ا ْب ِن ا ْل ُم َغ اف ِل« :إِ َذا َو َل َغ ا ْل َك ْل ُ
()1
ُ َ ْ َ َا ُ [رواه
مسلم](.)2
ُ اب» [رواه َو َعف ُرو ُه ال اثامِنَ َة يف الت َُّر ِ
اب»َ « ،و َعف ُرو ُه ال اثامِنَ َة بَّتاب َطاهِر) :لحديثُ « :أو َ
ال ُه ان بِالت َُّر ِ اها ُ َ ْ َ ُ َ َ َ
(وأن يكون إحد
اب». يف الت َُّر ِ
َ َ ُ
(أو صابون وَن ِوه ِ) :أي وياز غير الرتاب مما يقوم مقامه كالصابون
واألشنان ونحوه وهو المذهب واختاره شـيخ اإلسالم ومراعاة الرتاب أولى.
وهذا الحكم عام يف كل كلب حتى المأذون به ،وأن إخراج الكالب المأذون
هبا تخصـيص للنص بال دليل ظاهر وبه قال جمهور العلماء.
َ ُ َ ِّ
َنير) :المذهب أن الخنزير كالكلب يف هذا الحكم
خ ِ
(يف متنجس بكلب أو ِ
الشرتاكهما يف الحام والنااسة ،وإنما ذكر الكلب لكونه الغالب عندهم.
واألظهر :أنه ال يقاس الخنزير بالكلب ألمور:
أو ً
ال :أن النص إنما جاء بالكلب فقط.
ثانيًا :أن العلة ليست منصوًِا عليها وال مقطوعًا هبا حتى يقاس عليها.
ثالثًا :أن تعيين الكلب دليل على إخراج ما سواه وهذا قول كثير من العلماء.
مسألة :ورد يف بعض الروايات ذكر الغسلة الثامنة وبعضها لم يذكرها ،فاألظهر
عدم وجوهبا وتحمل رواية الثمان على االستحباب ،واألولى يف هذا أن ياعل
األولى بالرتاب ثم يلحقها بسبع غسالت ،وهذا عمل بما يف الروايات ،ولو اقتصـر
166
189 باب إزالة النجاسة
على سبع إحداهن بالرتاب ألجزأه كما دلت له رواية مسلم ،وهذا قول جماهير
العلماء.
مسألة :ال ياب الغسل سبعًا إال بولوغ الفم ،وأما إدخال اليد أو الرجل فال
ياب.
قال النووي يف شـرح مسلم« :ولغ الكلب :إذا شـرب بطرف لسانه هكذا قال
غير واحد من أهل اللغة ،وال يقال :ولغ ألي شـيء من الاوارح إال اللسان».
مسألة :العلة يف الغسل سبعًا :يحتمل إهنا تعبدية ،ويحتمل أهنا ألجل النااسة
ويحتمل أهنا ألجل ما فيه من أمراض وال يمنع اجتماع هذه العلل.
ْ َ َُ َ َ َ ُ ُّ َ َ ُ َ
عم انلهجاسةِ .ال :لون ِها ،أو ِر َيِها ،أو هما؛ عج ًزا).
اء ط ِ قوهل( :ويَض :بق
النااسة لها طعم ولون وريح ،فمتى بقي شـيء من هذه األوِاف فالنااسة
باقية وياب أن تزال آثار النااسة الثالث ليطهر المحل الذي وقعت فيه سواء
بالماء أو الحك أو نحوها ،فمتى زالت عين النااسة ووِفها وغسلها بالماء،
وبقي أثر خفيف ال يقدر على إزالته كاللون أو الريح اليسير فإنه يعفى عنه ،كما قال
ال َثوب و ِ ِ
احدٌ َ ،و َأنَا ول اهلل! إِ ان ُه َل ْي َس لي إِ ا ْ ٌ َ
رسول اهلل ﷺ لخولة لما َقا َل ْتَ « :يا َر ُس َ
يه ُثم ِ ّلي فِ ِ
ِ ِ ِ يض فِ ِ
َأ ِح ُ
يهَ ،ف َقا َل ْتَ :فإِ ْن َل ْم ف َأ ِْنَ ُع؟ َق َال :إِ َذا َط ُه ْرت َفا ْغسلِ ا َ يهَ ،ف َك ْي َ
ضـرل َأ َث ُر ُه»( ،)1وهذا تيسـير وتخفيف. ِ ي ْخرجِ الدا م؟ َق َال :ي ْك ِف ِ
يك َغ ْس ُل الدا مَِ ،و َ
ال َي َ ُ َ ُ
وذكر المؤلف أن لون النااسة وريحها يعفى عنه إذ أزال ما يقدر عليه دون
ِ
ضـرل َأ َث ُر ُه). طعمه ،ولعله استأنس بقوله( :ي ْك ِف ِ
يك َغ ْس ُل الدا مَِ ،و َ
ال َي َ
مرهُ َ َ ُْ َ َ ً َ َ َ ْ ُ ُ ُ
وهوَ :غ ُ ُ َ ُ ُ
ول غالم لم يأكل طعاما ل ِشهوة :نضحه، قوهل( :وَيزئ يف ب ِ
َ
بالماءِ).
بين هنا النااسة المخففة وضابطها وكيفية تطهيرها.
( )1أخرجه أبو داود ( ،)365وأحمد ( ،)6226والبيهقي ( ،)3220وضعفه النووي يف الخالِة (،)164/1
وابن الملقن يف البدر المنير (.)524 -522/1
162
كـتـاب الـطـهـارة 190
َ َ ُْ َ َ ً ُ َ
ول غالم لم يأكل طعاما) :وهذا يخرج عذرته وبول الاارية،
وهي نااسة (ب ِ
وبول الغالم الذي أكل الطعام فليست مخففة.
َ َ ُْ َ َ ً
اما ل َِش َ
هوة) :هذا ضابط الغالم الذي ياز يف بوله النضح مالم (لم يأكل طع
يأكل طعامًا لشهوة ،وليس المراد امتصاص ما يوضع يف فمه ،وإنما لم يشتهه
ويطلبه ويتغذى به عوضًا له عن الرضاعة ،وهذا اختيار ابن القيم وابن الملقن
ومحمد بن إبراهيم.
فإذا توفر ذلك فالنااسة مخففة ،وهذا مذهب الحنابلة والشافعية وأِحاب
الحديث.
ْت مِ ْح َص ُنَ « :أن َاها َأ َت ْت بِا ْب ُن َل َها َِ ِغ ُير س بِن ِ
والدليل :ما يف الصحيحين َع ْن ُأم َق ْي ُ
ول اهللِ ﷺ فِي ِح ْا ِر ِهَ ،ف َب َال َع َلى ول اهللِ ﷺَ ،ف َأ ْج َل َس ُه َر ُس ُ َلم َي ْأ ُك ِل ال اط َعام إِ َلى رس ِ
َ ُ َ ْ
اء َفن ََض َح ُهَ ،و َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه»( .)1ولحديث َعلِ نيَ :أ ان َنبِ اي اهللِ ﷺ َق َال فِي َب ْو ِل َثوبِ ِهَ ،فدَ َعا بِم ُ
َ ْ
ار َي ِة»(.)2
الا ِ
الرضي ِعُ « :ين َْض ُح َب ْو ُل ا ْل ُغالَمَِ ،و ُي ْغ َس ُل َب ْو ُل َ ا
َ ْ ُ ُ ُ َ ُُ َ
(نضحه ،وهو :غمره بالماءِ) :فياز يف تطهيره أن يرش الثوب بالماء دون فرل
وال يبلغ جريان الماء.
والحكمة من هذا التفريق :يحتمل أهنا تعبدية ،ويحتمل أن بول الصبي يقع يف
موضع واحد ،وبول الاارية ينتشر ،ويحتمل أن بول الاارية أخبث وأناس
وأنتن ،بخالف بول الغالم وهذا أمر مشاهد ويحتمل غيرها.
واألظهر :إلحاق المذي بالنااسة المخففة لمشقة التحرز منه.
الم ْذ ِي ِشدا ًة َو َعنَا ًء، ِ ُ
ويدل له :حديث َس ْه ِل ْب ِن ُحنَ ْيفَ ،ق َالُ :كن ُْت َأ ْلـــ َقى م َن َ
ول اهللِ ﷺَ ،و َس َأ ْلـــ ُت ُه َعنْ ُهَ ،ف َق َال« :إِن َاما
َف ُكن ُْت ُأكْثِر مِنْ ُه ال ُغس َلَ ،ف َذكَر ُت َذل ِ َك لِرس ِ
َ ُ ْ ْ ُ
120
191 باب إزالة النجاسة
( )1أخرجه الرتمذي (- )115واللفظ له ،-وقال« :حسن ِحيح» .وأبو داود ( ،)210وابن ماجه (،)506
وِححه ابن خزيمة ( ،)506وابن حبان (.)1103
( )2سبق تخرياه ص(.)62
( )3أخرجه أبو داود (- )650واللفظ له ،-وأحمد ( ،)11625وِححه ابن خزيمة ( ،)166وابن حبان
( )2165من حديث أبي سعيد ﭬ.
121
كـتـاب الـطـهـارة 192
ان ا ْل َق ِذ ِر؟ َف َقا َلت أم ولما قيل ألم س َلمةَ :إِني امر َأ ٌة ُأطِ ُيل َذيلِي و َأمشي فِي الم َك ِ
َ ْ َ ْ َْ َ َ
ول اهلل ﷺُ « :ي َطه ُر ُه َما َب ْعدَ ُه» .
()1
سلمة :قال َر ُس ُ
ِ ِ
ور»(.)2 وقال ﷺ« :إِ َذا َوط َئ َأ َحدُ ُك ْم بِنَ ْع َل ْيه األَ َذىَ ،فإِ ان الت َُّر َ
اب َل ُه َط ُه ٌ
ول َو ُت ْقبِ ُل َو ُتدْ بِ ُر فِيَت ا ْلكِال َُب َت ُب ُ ويف البخاري عن ابن عمر ﭭ َق َال« :كَان ِ
ون شـي ًئا مِ ْن َذل ِ َك»(.)3 ول اهللِ ﷺَ ،ف َل ْم َي ُكو ُنوا َي ُر ُّش َ ان رس ِ ِ ِ ِ ِ
الم ْساد في َز َم َ ُ
َ
فدل على :أهنم اكتفوا بإزالة غير الماء لها ،وأما قصة األعرابي فهذا كان مراده
تعايل الطهارة ،ولعله احتاج إلى المكان للصالة وال يمكن انتظاره حتى يستحيل،
ومثل هذا زوال النااسة بالنار ،وهذا مذهب رواية عن اإلمام أحمد ومذهب أبي
حنيفة ورجحه شـيخ اإلسالم وابن القيم والماد فالحكم يدور مع علته وجود ًا
وعدمًا.
ْ َ َ َ َ ًّ َ َ ُُ َ َُ
فسها).
قوهل( :وتطهر اخلمرة بـإنائ ِها :إن انقلبت خال بن ِ
الخمرة ناسة حتى ولو كان مصدرها طاهر ًا كالعنب؛ لقوله تعالى﴿ :ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾
[المائدة ،]20 :وهذا قول جمهور العلماء.
وإذا تحولت الخمر إلى خل ،فال تخلو من حالتين:
األولى :أن يكون تحولها بنفسها فتطهر وياوز االستفادة منها ،ونقل شـيخ
اإلسالم اإلجماع على ذلك.
( )1أخرجه الرتمذي ( ،)143وأبو داود ( ،)363وابن ماجه ( ،)531ومالك يف الموطأ ( ،)45وِححه
األلباين يف ِحيح أبي داود برقم (.)402
( )2أخرجه أبو داود ( )365من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا ،وهذا الحديث قد اختلف العلماء فيه :فقد
ِححه ابن خزيمة ( ،)222وابن حبان ( ،)1403والحاكم يف المستدرل ( ،)520واأللباين يف ِحيح أبي
داود برقم ( ،)411وضعفه ابن القطان والبيهقي والمنذري والنووي وابن حار؛ انظر :البدر المنير البن
الملقن ( ،)121/4والتلخيص الحبير البن حار (.)216 ،211/1
( )3أخرجه البخاري (.)112
122
193 باب إزالة النجاسة
الثانية :أن تتخلل بالمعالاة فال ياوز له شـرهبا أو بيعها لما روى مسلم َع ْن
َسَ « :أ ان النابِي ﷺ ُسئِ َل َع ِن َ
الخ ْم ِرُ :تت َاخ ُذ َخال؟ َف َق َال :ال»(.)1 َأن ُ
َ َ َ َ َ ه َََه َ َ ا
َ َ َ ُ
وضع انلهجاسةِ :غسل حَت يتيق َن غسلها). قوهل( :وإذا خ ِِف م ِ
إذا وقعت النااسة على ثوب أو بقعة خفي عليه موضعها فعليه أن يغسل
المكان الذي يغلب على ظنه أهنا فيه حتى يتيقن أهنا زالت ،مثل لو تيقن أهنا على
كمه وال يدري أي الكمين ،فيلزمه غسل الكمين جميعًا ،فالبد أن يتيقن أو يغلب
على ظنه أن النااسة زالت وغلبة الظن تنزل منزلة الظن يف الشريعة ،واهلل أعلم.
123
كـتـاب الـطـهـارة 194
e َفصْلٌ
F
(يف النجاسات)
124
195 فصل يف النجاسات
125
كـتـاب الـطـهـارة 196
126
197 فصل يف النجاسات
﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭﮮﮯ﴾ [األنعام ،]145 :ويستثنى من ذلك ثالث ميتات:
ال َين ُْا ُس» [متفق عليه] (.)1 الم ْؤمِ َن َ ميتة اآلدمي :لقوله ﷺ« :إِ ان ُ
اؤه ا ْل ِ
ـــح ُّل َم ْي َت ُت ُه» [أخرجه األربعة](.)2 ور َم ُ ُوميتة البحر :لقوله ﷺُ « :ه َو ال اط ُه ُ
وميتة ما ال نفس له سائلة :كالاراد والخنفساء والقمل؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا َو َق َع
الا َرا ُد»(.)4
وتَ ،و َ الح ُ ِ اب .)3(»...وقوله ﷺُ « :أ ِح ال ْ
ــت َلنَا َم ْي َتتَانُ : ُّ
الذ َب ُ
ُ َ ُُ ُ ُ َ َ ََ َ ُْ ُ َ َ ُ ْ َُ َ َ ُ
أكرث عل ِف ِه انلهجاسة؛ فبوهلَُ ،و َروثه ،وقيئه، قوهل( :وما أكِل حلمه ،ولم يكن
ٌ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُّ ُ َ َ ُ
طاهر). وبلنه: ومذيه ،ووديه ،ومنِيه،
الضابط الرابع :كل ما أباح الشـرع أكله من حيوان أو طير فإنه طاهر ،وفضالته
ٌ َ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُّ ُ َ َ ُ
طاهر). وبلنه: طاهرة (فبوهل ،وروثه ،وقيئه ،ومذيه ،ووديه ،ومنِيه،
ويدل لذلك :أن رسول اهلل ﷺ« :أذن للعرنيين أن يشـربوا من ألبان اإلبل
ار ِل ْ ِ
اإلبِ ِل وأبوالها»( .)5كما يف الصحيحين ،وأما قول الرسول ﷺ« :ال ُت َص ُّلوا يف َم َب ِ
ين» [متفق عليه]( ،)6فليس ألجل النااسة ،وإنما ألهنا مأوى َفإِ ان َها من الشـياطِ ِ
الشـياطين وخشـية نفورها.
قال شـيخ اإلسالم« :وبول ما يؤكل لحمه وروثه لم يذهب أحد من الصحابة
إلى نااسته ،بل القول بنااسته قول محدث ال سلف له من الصحابة» وأطال يف
121
كـتـاب الـطـهـارة 198
126
199 فصل يف النجاسات
( )1أخرجه أحمد ( ،)26101وابن خزيمة يف ِحيحه ( ،)224وِحح إسناده المناوي يف التيسـير بشـرح
الاامع الصغير (.)216/2
( )2أخرجه مسلم (.)266
( )3ذكره الرتمذي عقب حديث عائشة ( )111من دون إسناد إلى ابن عباس ،وروى نحوه عبد الرزاق يف
المصنف ( ،)1431والدارقطني يف سننه ( ،)125/1والبيهقي يف معرفة السنن واآلثار ( )244/2ثم قال:
«هذا هو الصحيح موقوف».
( )4أخرجه البيهقي يف سننه ( ،)3260والشافعي يف مسنده ص(.)345
( )5أخرجه الدارقطني يف سننه (- )124/1واللفظ له ،)146/11( -والبيهقي يف سننه ()3216؛ من حديث
ابن عباس مرفوعًا .ورواه ابن أبي شـيبة موقوفًا ( ،)224وقد ِحح البيهقي وقفه على ابن عباس -عقب
الرواية المرفوعة.-
122
كـتـاب الـطـهـارة 200
َََ ُ َ َ
وبلنه ،فطاه ٌِر) :فلبن اآلدمي والحيوان المأكول طاهر بال نزاع. (
ولبن الحيوان الناس ناس.
ولبن الحيوان الطاهر غير المأكول فيه روايتان :األولى :ناس.
والثانية :طاهر ،وحكم بيضه حكم لبنه ،وعلى القول بطهارهتما ال يؤكالن.
وأما بول اآلدمي ،وعذرته ،ومذيه ،فهي ناسة ،كما دلت على ذلك النصوص.
ه ُ َ ٌ ه ُ َ ُ
َنس).قوهل( :والقيح ،وادلم ،والصديدِ :
فالقيح والصديد كالدم يف النااسة لكوهنا متولدة عنه ،لكنها أسهل وأخف منه
حكما عند اإلمام أحمد لوقوع االختالف فيه ،فإنه روي عن ابن عمر والحسن أهنم
لم يروا القيح والصديد كالدم.
وقال مااهد وعطاء وعروة والشعبي والزهري وقتادة والحكم والليث :القيح
بمنزلة الدم .فلذلك خف حكمه عنده ،واختياره مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل
حكمه فيه ،ولكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذي يفحش من الدم.
والدم ناس وأطلقوا ذلك يعني أن كل دم ناس.
والدم الخارج من اآلدمي أنواع :منه الطاهر ومنه الناس.
فالدم الخارج من السبيلين ناس بإجماع العلماء كدم الحيض والنفاس.
وأما الدم الخارج من غير السبيلين كدم الاروح فاختلفوا فيه:
فالمذهب :أنه ناس قليله وكثيره ،وهو مذهب الامهور من الحنفية والمالكية
والشافعية؛ لعموم قوله تعالى﴿ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﴾ [األنعام .]145 :وبقول اهلل
﴿ :ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮓﮔﮕﮖﮗ﴾ [البقرة.]113 :
وفيه قول ُ
ثان :أن الدم طاهر ،إال ما خرج من السبيلين ،واختاره الشوكاين
وقواه ابن عثيمين.
وِديق حسن خان واأللباين ا
واحتاوا بأمور منها:
200
201 فصل يف النجاسات
األول :أنه لم يثبت عن رسول اهلل ﷺ أمر بغسل الدم إال دم الحيض مع كثرة ما
يصـيب اإلنسان من جروح ورعاف وحاامة وغير ذلك فلو كان ناسًا لبينه لدعاء
الحاجة إليه واألِل يف األشـياء الطهارة حتى يقوم دليل على النااسة.
الثاين :أن الصحابة كانوا ُي َص ُّلون باراحاهتم يف الاهاد ومعلوم أن الدماء كانت
تسـيل عليهم ولم ينقل أن رسول اهلل ﷺ أمرهم بالتحرز منها.
ات الر َقا ِع َف ُرمِ َي
َان فِي َغ ْزو ِة َذ ِ
َ قال البخاريَ :و ُي ْذك َُر َع ْن َجابِ ُرَ « :أ ان النابِي ﷺ ك َ
ا
ِ ِ ()1 ِ
َر ُج ٌل بِ َس ْه ُم َفن ََز َف ُه الدا ُم َف َرك ََع َو َس َادَ َو َمضـى في َِال َته» .ولو كان ناسًا للزمه
إزالة الدم أو قطع الصالة.
ِ
بالثالث :يف الموطأ َع ِن ا ْلـــم ْس َو ِر ْب ِن َم ْخ َر َمةََ « :أ ان ُع َم َر َِ الــى َو ُج ْر ُح ُه َي ْث َع ُ
َد ًما»(.)2
أن المسلمين مازالوا ُيص ُّلون يف جراحاهتم يف القتال ،وقد يسـيل منهم الرابع :ا
األمر بغسله ،ولم َي ِر ْد أهنم ُ الدا ُم الكثير ،الذي ليس محال للعفو ،ولم يرد عنه ﷺ
يتحرزون عنه؛ بحيث يحاولون التخلي عن ثياهبم التي أِاهبا الدا م متى ا كانوا
وجدوا غيرها.
احاتِ ِه ْم»(.)3 ون يص ُّل َ ِ
ون في ِج َر َ ـــم ْسلِ ُم َ ُ َ
ـــح َس ُنَ « :ما َز َال ا ْل ُ
َق َال ا ْل َ
أن أجزاء اآلدمي طاهرة ،فلو ُقطِ َعت يده لكانت طاهرة مع أناها تحمل الخامس :ا
ور ابما يكون كثير ًا ،فإذا كان الازء من اآلدمي الذي ُيعترب ُركنًا يف ُبنْ َية ال َبدَ ن دمًا؛ ُ
طاهر ًا ،فالدا م الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى.
ه ُ َ ٌ ه ُ َ ُ
َنس) :والدم من حيث النااسة ،والطهارة أقسام: (والقيح ،وادلم ،والصديدِ :
فالدماء الطاهرة تشمل :دم حيوان البحر طاهر ،والدم السائل مما ال نفس له
201
كـتـاب الـطـهـارة 202
سائلة كالبق والقمل والرباغيث ،والذباب ،ودم الشهيد ،طاهر مطلقا سواء كان
عليه أو يف الثياب على الصحيح ويستحب بقاؤه ،ودم الكبد والطحال وال خالف
يف طهارهتما ،والدم الباقي يف جسم الحيوان المذكى ولو ظهرت حمرته؛ ألن
العروق ال تنفك عنه .فيسقط حكمه؛ ألنه ضرورة.
والمحرم هو الدم المسفوح ،فأما الدم الذي يبقى يف خلل اللحم بعد الذبح،
وما يبقى يف العروق فمباح.
وقال شيخ اإلسالم فيه :ال أعلم خالفا يف العفو عنه ،وأنه ال يناس المرق ،بل
يؤكل معها.
وأما الدم الناس فيشمل :دم الحيض والنفاس كما دل له حديث أسماء
وعائشة ڤ.
والدم السائل من ميتة ناسة ناس ،مثل الكلب والحمار.
وأما الدم السائل من بني آدم كالسائل من األنف والاروح فهذا فيه خالف
تقدم ،والقيح والصديد أخف من الدم.
َ
ُ َُْ ْ َ َ ه َ ْ ُ َ
كن يعَف يف الصالة ِ :عن يسري مِنه لم ينقض).
قوهل( :ل ِ
العفو عن اليسير :محله يف باب الطهارة دون المائعات.
ويعفى عن يسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ،وهو أخف من الدم.
وأما كثيره فالمذهب ياب غسل الثوب منه
وقال شيخ اإلسالم :وال ياب غسل الثوب والاسد من القيح والصديد .ولم
يقم دليل على نااسته.
َ َ ََ َ ََ َ
قوهل( :إذا اكن مِن حيوان طاهِر يف احلياة ِ ،ولو مِن د ِم حائ ِض).
وبين أن الدم الناس يعفى عن اليسـير منه ،بشـروأ:
األول :أن يكون يسـير ًا وال يكون كثير ًا فاحشًا.
الثاين :أن يكون من حيوان طاهر يف الحياة كالشاة ونحوها يخرج الناس
202
203 فصل يف النجاسات
كالكلب.
ال َثوب و ِ َان ِ ويدل له :ما رواه البخاري عن َعائِ َش َة قالتَ « :ما ك َ
احدٌ إل ْحدَ انَا إِ ا ْ ٌ َ
يهَ ،فإِ َذا َأ َِا َب ُه شـي ٌء مِ ْن َدمَُ ،قا َل ْت بِ ِر ِيق َها َف َق َص َع ْت ُه بِ ُظ ْف ِر َها»(.)1
يض فِ ِ
َت ِح ُ
وذهب اإلمام أبو حنيفة واختاره شـيخ اإلسالم أن العفو عن يسـير النااسة
ليس خاًِا بالدم بل سائر النااسات ،إذا شق إزالتها.
ري ُم َت َف ِّر ٌق ب َثوب ال َ َ
أكرث). ض ُّم :ي َ ِس ٌ
ُ َ
قوهل( :وي
ِ
أي أن اليسـير إذا كان ماموع النقط كثيرة ،فإن كانت يف ُ
ثوب واحد فإهنا تؤثر،
وإن كانت يف ثوبين فال ُتضم وال تؤثر ،مثل لو كانت نقطة يف الغرتة وأخرى يف
الثوب فمثل هذا ال يامع بعضه إلى بعض؛ ألن لكل ثوب حكمه.
ٌ َ ٌَ ُ ه ْ َ َ ُ ُ َ
وريق مِن طاهِر :طاه ٌِر).
ِ ق ر وع ه،ت ارع ظنت َناس
قوهل( :وطِي ش ِ
فالماء الذي يف الشوارع إن اختلط بعضه ببعض وشك يف نااسته فإنه يعفى عن
ذلك ،وترد إلى أِلها وهو الطهارة ،وال يشدد يف هذا ،وقد كان الصحابة
يخوضون يف المطر يف شوارع المدينة وال يغسلون أرجلهم وهذا قول عامة
العلماء ،فمياه الشوارع والطرقات مبنية على األِل وهو الطهارة حتى يتحقق
نااستها ،واألولى أال يتشدد يف السؤال عن الماء الذي أِابه ،وأثر عمر ﭬ أنه
كان يسـير مع ِاحب له فأِاهبم ماء من فوق حائط ،فسأل ِاحبه ِاحب البيت
عن مائه؟ فأنكر عليه عمر وقال« :يا ِاحب الميزاب ال تخربنا»(.)2
ٌ َ ٌَ
وريق مِن طاهِر :طاه ٌِر) :فعرق وريق الحيوان والطير الطاهر طاهر،
(وعرق ِ
كبهيمة األنعام والطيور الطاهرة وأبلغ منه عرق وريق اإلنسان فإنه طاهر.
203
كـتـاب الـطـهـارة 204
ْ ٌ ََ َ
اس ًةُ ،ث هم َرش َب مِن مائع :لَم يَ ُ ه َ ُّ َ
وَن ُوهُ َ
َض). ِ َن ، ل ِف
ط أو ، ِر
ه أكل و قوهل( :ول
فما يشق التحرز منها كالهر ،إذا شـرب من الماء ال يناسه ولو كانت تأكل
الايف أو تالمس النااسة ،وال يناس الماء الذي شـربت منه حتى يتغير أحد
س ،إِن َاها مِ َن ال اط اوافِي َن
أوِافه الثالثة بنااسة؛ لقوله ﷺ يف الهر« :إِن َاها َل ْي َس ْت بِن ََا ُ
َع َلي ُكم وال اطوا َف ِ
ات» [أخرجه األربعة ،وِححه الرتمذي](.)1 ْ ْ َ ا
وهكذا الطفل لعموم البلوى به فال يضـر شـربه من الماء إال إذا تغير الماء
بنااسة.
َ َ
وهو :فضل ُة طعا ِم ِه َ َ
ُ ُ ُ ََ ُ
ورشاب ِ ِه). ؤر حيوان طاهِر، قوهل( :وال يكره :س
الحيوان الطاهر سؤره طاهر ،فإذا شـرب البعير أو الشاة أو الخيل من الماء
فسؤره طاهر وياوز شـرب الماء واستعماله بعده.
والطاهر يشمل اآلدمي ،وكل ما أبيح أكله ،وحيوان البحر ،وما ال نفس له
سائلة وما يشق التحرز منه إال الكلب.
وأما الحيوان الناس ،مثل الذئب واألسد فإن سؤره ناس؛ لقول رسول اهلل
ﷺ لما سئل عن الماء وما ينوبه من السباع؟ قال« :إِ َذا َب َل َغ َ
الما ُء ُق الــ َت ْي ِن َل ْم ُينَا ْس ُه
شـي ٌء» [أخرجه األربعة](.)2
ولكن إذا شـرب من ماء أو إناء :فالصحيح أنه ال يؤثر يف إناء إال إذا تغير أحد
أوِافه الثالثة بنااسة ،إال الكلب فإنه يناس اإلناء الذي شـرب منه ولو لم يظهر
فيه شـيء؛ لحديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا« :إذا شـرب ا ْل َك ْلب يف إِن ِ
َاء َأ َح ِد ُك ْم ُ َ
َف ْل َي ْغ ِس ْل ُه َس ْب ًعا» [متفق عليه](.)3
ويف لفظ لمسلم« :إِ َذا و َل َغ ا ْلـــ َك ْلـــب فِي إِن ِ
َاء َأ َح ِد ُك ْم َف ْلـــ ُي ِر ْق ُه ُث ام ْلـــ َي ْغ ِس ْلـــ ُه َسبْ َع ُ َ
204
205 فصل يف النجاسات
مِ َر ُار»(.)1
الضابط الخامس :كل جزء انفصل عن حيوان وهو حي فإنه يأخذ حكم ميتته،
كما لو انقطعت يد شاة أو طير وهي حية فيأخذ حكم ميتتها.
يم ِة َو ِه َي َح اي ٌة ِ ِ
لحديث أبي واقد ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قالَ « :ما ُقط َع م َن ا ْلـــ َب ِه َ
َف ِه َي َم ْي َت ٌة» خرجه أبو داود والرتمذي وقال حسن غريب(.)2
وتلقى الفقهاء الحديث بالقبول ،وقالوا :ما قطع من البهيمة مع بقاء حياهتا فهو
ناس حرام األكل ويأخذ حكم ميتتها .قال شـيخ اإلسالم« :وهذا متفق عليه بين
العلماء».
ويستثنى من ذلك:
الشعر والصوف والوبر والريش ،فهي طاهرة من الحيوان الطاهر يف الحياة؛
لقوله تعالى﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [النحل.]60 :
حيث ساقها مساق االمتنان ،ويتم هذا حينما تحل منه حال الحياة والموت.
وألحق شـيخ اإلسالم هبا القرن والظفر؛ ألهنا ال تحلها الحياة.
وكذا ما قطع من الطريدة إذا لم يقدر على ذكاهتا فيقطعون منها حتى يقتلوها
قال شـيخ اإلسالم :وهذا باالتفاق فما قطع منها فهو حالل.
وكل ما خرج من محرم األكل فهو ناس :ألهنا ناسة والمتولد من الناس
ناس كعرق الذئب وبوله ،ويستثنى من ذلك ،ريق وعرق اآلدمي ،وما يشق
التحرز منه ،وماال نفس له سائلة ،وأما البول فناس وأما المني ففيه خالف
واألظهر طهارته.
205
كـتـاب الـطـهـارة 206
e حليْضِ
با َ
با ُ
F
عقد هذا الباب لبيان األحكام المتعلقة بالحيض من طهارة وِالة ونحوها.
وباب الحيض مهم وهو من أدق أبواب الفقه ،ال من جهة األحكام المرتتبة
عليه ،فكثير منها اتفاقي واضح ،وإنما ذلك ألن المرأة ينزل منها دماء غير دم
الحيض ،فيشتبه األمر عليها وعلى المفتي ،وألن الحيض قد يتقدم وقد يتأخر ،وقد
يزيد وقد ينقص ،مع ما ظهر يف هذا العصـر من أسباب ،وأهمها استعمال وسائل
منع الحمل ومنع الحيض ،وغير ذلك مما ِار له أثر كبير على اضطراب الحيض
وكثرة اإلشكاالت عند النساء مما يحير المفتي ،ولذا روي عن اإلمام أحمد قوله:
«كنت يف كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته».
فائدة :وللحيض أسماء عديدة جمعها بعضهم بقوله:
ضــحك عــرال فــرال طمــث إكبــار حيض نفـاث دراس طمـس إعصـار
والدماء الخارجة من ُق ُبل المرأة ثالثة( :حيض ونفاس واستحاضة).
وتعريف الحيض :لغة :السـيالن.
واِطالحًا :دم طبيعة ِ
وجبِ الــة يخرج من قعر الرحم يف أوقات معلومة.
ومن حكم خروجه :أن المرأة يتعلق هبا عدد من األمور؛ كالعدة والطالق
واإلحداد ،فاعل اهلل هذا الدم للتعرف على المدة التي تالسها.
وهو أيضًا :عالمة على براءة الرحم وخلوه من الانين.
وعندما تحمل المرأة يتحول هذا الدم إلى غذاء للانين؛ ولذا يندر أن تحيض
حامل.
واألِل يف مسائل الحيض :الكتاب والسنة واإلجماع.
206
207 بـاب الـحيـض
201
كـتـاب الـطـهـارة 208
والرواية الثانية :إن تكرر هبا الدم بعد الخمسين فهو حيض ،ألنه قد وجد ذلك،
ورجحه ابن قدامة وهو األظهر.
فلو رأت المرأة دمًا على ِفة دم الحيض وهيئته ووقته بعد الخمسـين
منضبطًا بوِفه وهيئته ووقته؛ فإهنا تأخذ أحكام الحائض ،وهذا رواية عن يف
المذهب واختاره ابن قدامة وشـيخ اإلسالم؛ ألن اهلل علق األحكام على وجود
الدم ولم يحدد سنًا معينًا ،وتحديد السن يحتاج إلى دليل وال دليل هنا .ولقوله
تعالى﴿ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ﴾ [الطالق ،]4 :فعلق سبحانه هناية الحيض باليأس ولم يعلقه بسن معين ولو
كان لليأس سن معين لبينه.
وقال الشـيخ محمد بن إبراهيم« :والصحيح أن الحيض ال يحد بخمسـين إذا
استمر بوقته وِفته وترتيبه ،أما إذا اضطرب بعد هذا السن فال يعترب حيضًا بل
يعترب دم فساد»(.)1
َ َ
(وال :مع محل) :فالحامل ال تحيض فما تراه الحامل من الدماء يعترب دم فساد
ال دم حيض؛ ألن الدم ينصـرف غذا ًء للانين ،وقد روى البيهقي َع ْن َعائِ َش َة ڤ:
يض َو َأنَا ُح ْب َلى؟ َف َقا َل ْت َعائِ َش ُة ڤ :ا ْغت َِسلِي َو َِلي
« َأ ان ا ْم َر َأ ًة َأ َتت َْها َف َقا َل ْت :إِني َأ ِح ُ
ال َت ِ
يض»( .)2فإذا رأت الدم يف حالة الحمل فإنه دم فساد ،تتوضأ ح ُ الح ْب َلى َ َفإِ ان ُ
وتصلي وال ُيمنع زوجها منها.
والرواية الثانية :أن الحامل يمكن أن تحيض ،وهذا مذهب المالكية والشافعية
=
ولعله يف بعض كتبه التي لم نقف عليها» .وقد ذكر ابن تيمية نحوه يف شـرح العمدة ( )461/1وعزاه
للدارقطني بلفظ« :لن ترى المرأة يف بطنها ولد ًا بعد خمسـين سنة».
( )1فتاويه (.)26/2
( )2أخرجه البيهقي يف سننه ( ،)15210والدارمي ( ،)245وِحح إسناده األلباين أثناء كالمه على الحديث
رقم (.)161
206
209 بـاب الـحيـض
ورواية عن اإلمام أحمد ورجحها شـيخ اإلسالم وابن مفلح والشـيخ محمد بن
إبراهيم وابن عثيمين وابن جربين ،وقالوا :إنه قد وجد ذلك وال مانع شـرعي منه.
فاألِل يف الحامل أهنا ال تحيض ،وهذا الغالب أن النساء يعرفن الحمل
بانقطاع الدم ،فإن رأت دمًا مضطربًا فهو دم فساد وإن كان منضبطًا ويف وقته
المعتاد وِفته من غير اضطراب فهو حيض؛ ألن األِل فيما يصـيب المرأة من
الدم أنه حيض ،وليس يف الكتاب والسنة ما يمنع حيض الحامل ،وأما األشـياء
المضطربة فإهنا تلحق بدم الفساد واالستحاضة.
ٌّ ُ َ َ َ ً َ َُ َ َ َ ٌ َ ٌَ َ ُّ َ ْ
ِ
واغبلهِ :ست ،أو عَش يوما. وأكرثهُ :مخسة احلي ِض :يوم ويللة. قوهل( :وأقل
ٌَْ
سبع).
َُُ َ َ َ َ َ َ ً َ ٌ َ ٌَ َ ُّ َ ْ
عَش يوما) :وهذا الصحيح من احلي ِض :يوم ويللة .وأكرثه :مخسة (وأقل
مذهب اإلمام أحمد رجوعًا إلى العرف الغالب وأما أقل من يوم وليلة فمشكول
فيه فال تدع الصالة ،وما زاد عن أكثر الحيض فمشكول فيه فال تدع الصالة إال إذا
انضبط واطرد فأقل الحيض يوم وليلة فما كان دونه فإنه يعترب دم فساد ،وأكثره
خمسة عشـر يومًا فما زاد على ذلك ولو كان على ِفته وهيئته فإنه استحاضة،
وأخذوا بعدد من اآلثار يف ذلك.
القول الثاين :أنه ال حد ألقل الحيض وال ألكثره فلو رأت الدم أقل من يوم
وليلة فإهنا تاعله حيضًا ولو رأته أكثر من خمسة عشـر يومًا ،فإنه يكون حيضًا
وإليه ذهب اإلمام مالك والشافعي ورجحه شـيخ اإلسالم ،وهذا القول أقوى.
األول :كونه على ِفة وهيئة دم الحيض.
الثاين :أن يكون عادة مستمرة لها؛ ألن اهلل علق على الحيض أحكامًا متعددة يف
الكتاب والسنة ،ولم يقدر ألقله وال أكثره مقدار ًا مع عموم البلوى به واحتياج
األمة له ،واللغة ال تفرق بين قدر وقدر ،فمن قدر يف ذلك حد ًا فالبد من دليل.
وأما الدماء المضطربة يف ِفتها ولوهنا وهي أقل من يوم وليلة أو أكثر من
202
كـتـاب الـطـهـارة 210
210
211 بـاب الـحيـض
ُُ َ هُ ه َ ََ َ َ َ ً ُّ ُ ْ َ َ َ َ َ
هر .وال
ِ الش ة يقِ ب : ه ِ
واغبل ا. وم ي عَش ة الث ث : ي
وأقل َالطه ِر بي احليض ِ
ت قوهل( َ :ه َ
حد ألكرثه ِ).
َ ََ َ َ َ ً ُّ ُ ْ ِ َ َ َ َ َ
ي :ثالثة عَش يوما) :لما بين أقل مدة نزول الدم (وأقل الطه ِر بي احليضت ِ
وأكثره ،تكلم هنا على أقل مدة الطهر بين الحيضتين ،فذكر أنه ثالثة عشـر يومًاَ،
فلو طهرت المرأة ثم بعد اثني عشـر يومًا رأت دمًا ،فإهنا تعده دم فساد ،ولو كان
بصفة دم الحيض ال يعترب دم حيض عندهم.
ت ا ْم َر َأ ٌة إ َلىواستدلوا :بما رواه ابن أبي شـيبة والدارمي َعن َعامِ ُر َق َال« :جاء ِ
َ َ ْ
ضَ ،و َط ُه َر ْت ِعنْدَ ُكل َث ِح َي ُ اض ْت فِي َش ْه ُر َثال َ َعلِ ني َط الــ َق َها َز ْو ُج َهاَ ،ف َز َع َم ْت َأن َاها َح َ
يهاَ ،ف َق َال شـر ْي ٌح :إِ ْن َجا َء ْت َبينَ ٌة مِ ْن بِ َطان َِة ِ ِ
ــتَ ،ف َق َال َعلِ ٌّي لشـر ْي ُحُ :ق ْل ف َ ُق ْر ُء َو َِ ال ْ
َث ِح َي ُ
ض اض ْت فِي َش ْه ُر َثال َ ون َأن َاها َح ََأ ْهلِ َها مِ ام ْن ُي ْرضـى بِ ِدين ِ ِه َو َأ َمانَتِ ِه َي ْش َهدُ َ
َاذ َبةٌَ ،ف َق َال َعلِ ٌّي :قالون»(.)1 ال َف ِهي ك ِ ــت َف ِهي ِ ِ
اد َقةٌَ ،وإِ ا َ ْ َو َط ُه َر ْت ِعنْدَ ُكل ُق ْر ُء َو َِ ا
ل
َ َ
أي جيد بالرومية .وذكره البخاري تعليقًا بصـيغة التمريض ،ويف هذا التحديد نظر،
وهذا اتفاق منهما على إمكان ثالث حيضات يف شهر ،وال يمكن إال بما ذكرنا من
أقل الحيض ،وأقل الطهر.
والرواية الثانية :أقله خمسة عشر؛ وبه قال الامهور مالك والشافعي وأبو
حنيفة.
والرواية الثالثة :عن أحمد أنه ال حد ألقله ،واختاره شيخ اإلسالم والمرداوي
وابن عثيمين ،فمتى طهرت المرأة طهر ًا ِحيحًا ،ثم رأت بعد ذلك دمًا على
ِفة دم الحيض فإنه حيض؛ لعموم قوله تعالى﴿ :ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [البقرة .]222 :ولم تقيد الحيض بزمن.
( )1أخرجه ابن أبي شـيبة ( ،)12226والدارمي ( ،)655والبيهقي يف سننه ( ،)15162وذكره البخاري
( )123/1تعليقًا بصـيغة التمريض بلفظ( :و ُيذكر) ،وذكره مختصـر ًا.
211
كـتـاب الـطـهـارة 212
وهذه التقديرات لم يرد فيها نص مع الحاجة إليها وتعلق أحكام كثيرة هبا.
والحيض هو إقبال الدم ،والطهر هو انقطاعه إما بالافاف والنشوف التام أو
بالقصة البيضاء ،ويف الصحيحين :أن الرسول ﷺ قال لفاطمة بنت حبيشَ « :فإِ َذا
الصالَةََ ،وإِ َذا َأ ْد َب َر ْت َفا ْغ ِسلِي َعن ِْك الدا َم ُث ام َِلي»(.)1 ِ ِ
َأ ْق َب َل ْت َح ْي َض ُتك َفدَ عي ا
وأما أثر علي فهو اتفاق منهما على إمكان ثالث حيض يف شهر ،وليس منع
وقوعه يف أقل وال تحديد المدة به وهو قوي إن انضبط معها وإال رجعت لتحديد
العلماء فيه.
ُُ َ هُ ه
هر) :الغالب أن المرأة تحيض وتطهر يف الشهر مرة واحدة، ( ِ
واغبله :ب ِقية الش ِ
فإذا حاضت ستة أيام طهرت أربعة وعشـرين يومًا هذا األغلب ،وقد يوجد من
النساء من تزيد أو تنقص ،فمن النساء من تحيض كل شهرين مرة أو كل ثالثة
أشهر ،ومنهن من تحيض يف الشهر مرتين ،إال أن غالبًا ما يكون طهرها إتمامًا
للشهر.
َ َ َ ه
كرثه ِ) :فال حد ألكثر الطهر بين الحيضتين ،ولذا فمن النساء من
(وال حد أل ِ
تالس شهرين ال تحيض ومنهن من ينقطع عنها الحيض.
ٌّ ُ َُُ َ َ َ َ َ َ ً َ ٌ َ ٌَ
واغبلهِ :ست، عَش يوماِ . فالمذهب أن الحيض أقله (يوم ويللة .وأكرثه :مخسة
ٌَْ
أو سبع).
َ ه ُُ َ هُ ه َ ََ َ َ َ ً
هر .وال حد ِ الش ةيقِ ب : ه ِ
واغبل ا. وم والطهر بين الحيضتين أقله (ثالثة عَش ي
َ َ
كرثه ِ).
أل ِ
ه ُ ه ُ َ َ َ ُ َ
رج .والطالق .والصالة. طء يف الف ِ اء ،مِنها :الو ُ يض أشي ُ َ
باحل ِ قوهل( :وَي ُرم
َ ُّ ُ َ ُّ ُ ْ َ َ َُ ُ ه ُ ه ُ
ج ِد. رآن .ومس المصح ِف .واللبث يف المس ِ والصوم .والطواف .وق ِراء َة الق ِ
ْ َ ْ َ َُ َ ُ
الم ُر ُ
لويثه).
ِ ت ت اف خ إن ه
ِ ِي ف ور وكذا:
الحائض تختلف عن الطاهرات ولذا فإنه يحرم عليها أو معها تسعة أمور ،هي:
212
213 بـاب الـحيـض
َ ( َ
الو ُ
رج) :فيحرم جماع الحائض بداللة الكتاب والسنة واإلجماع:
طء يف الف ِ
قال تعالى﴿ :ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ﴾ [البقرة.]222 :
ُ
شـيء إِ ا اِنَ ُعوا ُك ال
ال الن َك َ
اح»(.)1 ولمسلم عن رسول اهلل ﷺْ « :
واإلجماع :منعقد على حرمته كما نقله ابن المنذر وابن تيمية وابن كثير.
مسألة :وأما مباشـرهتا واالستمتاع هبا فيما دون الفرج ،فله حالتان:
األولى :مباشـرهتا فيما فوق السـرة وتحت الركبة :كتقبيلها فهذا جائز باإلجماع
نقله ابن قدامة.
الثانية :مباشـرهتا فيما بين السـرة والركبة :فالمذهب وقول الامهور جوازه وال
يحرم إال الاماع يف الفرج فله أن يستمتع منها بالقبلة واللمس والمباشـرة فيما دون
ُ
شـيء إِ ا اِنَ ُعوا ُك ال
اح».ال الن َك َ الفرج؛ لقوله ﷺْ «:
ولما سئلت عائشة ڤ ماذا يحل للرجل من زوجته الحائض؟ أفتت بإباحته
فيما دون الفرج ،وهي أعلم الناس هبذه المسائل.
الحائِ ِ
ض شـي ًئا ِ
َان إِ َذا َأ َرا َد م َن َ
اج النبي ﷺَ « :أناه ك َ
ض َأ ْز َو ِ
وأخرج أبو داود َع ْن َب ْع ِ
َأ ْلـــ َقى َع َلى َف ْر ِج َها َث ْو ًبا»(.)2
ه ُ
(والطالق) :فيحرم تطليق المرأة وهي حائض ،ونقل اإلجماع على أن طالق
الحائض محرم ومخالف للسنة.
والدليل :قوله تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [الطالق- ]1 :أي مستقبالت عدهتن ،-وهذا ال يكون إال
( )1أخرجه مسلم ( )302من حديث أنس ﭬ مرفوعًا.
( )2أخرجه أبو داود ( ،)212قال ابن رجب يف فتح الباري (« :)141/1إسناده جيد» .وقال ابن حار يف فتح
الباري (« :)404/1إسناده قوي» .وِححه األلباين يف ِحيح الاامع برقم (.)4663
213
كـتـاب الـطـهـارة 214
يف طهر لم ياامعها فيه ،ويف الصحيحين :عن َع ْبدَ اهللِ ْب َن ُع َم َر ﭭَ « :أ ان ُه َط ال َ
ــق
يه رس ُ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ثم َق َال: ول اهلل ﷺ ،ا ا ْم َر َأ َت ُه َوه َي َحائ ٌضَ ،ف َذك ََر ُع َم ُر ل َر ُسول اهلل ﷺَ ،ف َت َغيا َظ ف َ ُ
اجعهاُ ،ثم يم ِس ْكها حتاى َت ْطهر ُثم َت ِ ِ
يض َف َت ْط ُه َرَ ،فإ ِ ْن َبدَ ا َل ُه َأ ْن ُي َطل َق َها َف ْلـــيُ َطل ْق َها
ح َ َُ ا ل ُي َر ِ ْ َ ا ُ ْ َ َ
ـــعدا ُة ك ََما َأ َم َر ُه اهلل»( .)1فالطالق حال الحيض محرم ـــك ا ْل ِ
اه ًرا َق ْب َل َأ ْن َي َم اس َهاَ ،فتِ ْل َ
َط ِ
وهو طالق بدعي.
مسألة :هل يقع طالق الحائض؟ مذهب األئمة األربعة أنه يقع مع التحريم.
ويدل له :إطالق القرآن الطالق من غير تفريق بين طهر وحيض كما يف قوله
تعالى﴿ :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [البقرة ،]226 :وقوله﴿ :ﮦ
ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [البقرة .]222 :وقوله﴿ :ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
،]230فاآليات مطلقة تدل على وقوع الطالق [البقرة: ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾
مطلقًا ،ولم تفرق بين الطهر والحيض وال يوجد دليل ِـريح يخرج الحيض من
وقوعه فيه.
ــق امر َأ َت ُه َو ْهي َحائِ ٌض فِي َع ْه ِد رس ِ
ول َ ُ ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َرَ :أ ان ُه َط ال َ ْ َ
ول اهلل ﷺُ « :م ْر ُه ول اهلل ﷺ َع ْن َذل ِ َك؟ َف َق َال َل ُه َر ُس ُ ــه ﷺَ ،ف َس َأ َل ُع َم ُر َر ُس َ ال ال ِ
اجعهاُ ،ثم ْلـــيتْركْها حتاى َت ْطهرُ ،ثم َت ِ
يضُ ،ث ام َت ْط ُه َرُ ،ث ام إِ ْن َشا َء َأ ْم َس َك َب ْعدُ ، ح َ َُ ا َف ْلـــ ُي َر ِ ْ َ ا َ ُ َ َ
ــق َل َها ـــعدا ُة ا الــتِي َأ َم َر اهلل َ أ ْن ُي َط ال َ ـــك ا ْل ِ
ــق َق ْب َل َأ ْن َي َم اسَ ،فتِ ْل َ َوإِ ْن َشا َء َط ال َ
الن َسا ُء»( .)2والمراجعة تكون بعد وقوع الطالق.
ِ ِ ِ ِ
َان َع ْبدُ اهلل َط الــ َق َها َت ْطلِي َق ًة َواحدَ ًة َف ُحس َب ْت م ْن َطالَق َها َو َر َ
اج َع َها ولمسلمَ « :وك َ
ول اهلل ﷺ»( .)3ويف البخاريَ :ع ِن ا ْب ِن ُع َم َر َق َالُ « :ح ِس َب ْت َع ْبدُ اهلل ،ك ََما َأ َم َر ُه َر ُس ُ
214
215 بـاب الـحيـض
ت ال ات ْطلِي َق ُة؟ َق َال: ـــت لِنَافِعُ :ما ِنَع ِ َع َل اي بِ َت ْطلِي َق ُة»( .)1ويف مسلمَ :ق َال ُع َب ْيدُ اهللُ « :ق ْل ُ
َ َ َ
اعتَدا بِ َها»(.)2
احدَ ٌة ْ و ِ
َ
وكان ابن عمر يفتي بوقوعها وهو ِاحب القصة ،ف َع ْن نَافِ ُعَ « :أ ان ا ْبن ُع َم َر ك َ
َان
ولَ :أما َأن َْت َط الــ ْقتَها و ِ
احدَ ًة َأ ِو ِ ِ
َ َ هي َحائ ٌض؟ َي ُق ُ ا ََ َ
الر ُج ِل ُيطل ُق ا ْم َرأت ُه َو َ إِ َذا ُسئ َل َع ِن ا
يض َح ْي َض ًة ُأ ْخ َرىُ ،ث ام يرج َع َهاُ ،ث ام ُي ْم ِه َل َها َحتاى َت ِح َ
ول اهلل ﷺ َأمر ُه َأ ْن ِ
ََ ا ْثنَ َت ْي ِن .إِ ان َر ُس َ
صـيت
َ ُي ْم ِه َل َها َحتاى َت ْط ُه َرُ ،ث ام ُي َطل َق َها َق ْب َل َأ ْن َي َم اس َهاَ ،و َأ اما َأن َ
ْت َط الــ ْقت ََها َثالَ ًثا َف َقدْ َع
يما َأ َم َر َل بِ ِه مِ ْن َطال َِق ا ْم َر َأتِ َكَ ،و َبان َْت مِن َْك»( .)3فهذه نصوص تدل على ِ
َر اب َك ف َ
وقوعه مع التحريم وأنه يؤمر بمراجعتها.
القول الثاين :أنه ال يقع ورجحه شـيخ اإلسالم وابن القيم وابن باز.
واستدلوا :بأنه طالق بدعي ،ويف الحديثَ « :م ْن َع ِم َل َع َمالً َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا
َف ْه َو َر ٌّد»(.)4
وأيضًا ورد عند أبي داودَ « :ف َر اد َها َع َل اي َو َل ْم َي َر َها شـي ًئا»(.)5
وقالوا :األِل بقاء النكاح فال يفسخ إال بيقين واهلل أعلم.
ه ُ
(والصالة) :فالحائض ال ياوز لها الصالة وال تصح منها؛ ألنه يشرتأ لها
ِ
الطهارة وإزالة النااسة وهي غير قادرة ،ويف الصحيحينَ « :فإِ َذا َأ ْق َب َلت َ
الح ْي َض ُة
ت َفا ْغت َِسلِي َو َِلي»(.)6
الصالَةََ ،وإِ َذا َأ ْد َب َر ْ ِ
َفدَ عي ا
ونقل اإلجماع عليه ابن المنذر وابن عبد الرب والنووي وغيرهم.
215
كـتـاب الـطـهـارة 216
فائدة :وال يشرع لها إذا حضـرت الصالة أن تالس يف مسادها وتستغفر اهلل
وتذكره ،فال أِل للالوس أثناء وقت الصالة للحائض.
قال النووي« :مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف :أنه ليس
على الحائض وضوء وال تسبيح وال ذكر يف أوقات الصلوات وال يف غيرها».
ه ُ
(والصوم) :فيحرم عليها الصـيام حال الحيض باإلجماع ،ويف الصحيحين:
اض ْت َل ْم ُت َصل َو َل ْم َت ُص ْم»(.)1 « َأ َل ْي َس إِ َذا َح َ
ه ُ
(والطواف) :فإذا كانت حائضًا لم ياز لها أن تطوف ،وإن طافت لم يصح.
اج َغ ْي َر َأ ْن لما يف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قال لعائشة« :ا ْف َعلِي َما َي ْف َع ُل َ
الح ُّ
ت َحتاى َت ْط ُه ِري»(.)2 ال َت ُطوفِي بِا ْلـــبي َِ
َْ
ويف الصحيحين لما قيل للرسول ﷺ :إن ِفية قد حاضتَ ،ف َق َالَ « :أ َحابِ َس ُتنَا
ِه َي»( .)3فدل أن الحائض يحرم عليها الطواف ،فإن اضطرت للطواف فاختار شيخ
اإلسالم ِحته للضـرورة ويقدر الضرورة أهل العلم.
َ َُ ُ
رآن) :فتمنع الحائض من قراءة القرآن مطلقا على الصحيح من (وق ِراءة الق ِ
ال َت ْق َر ُأ المذهب وبه قال الامهور؛ لحديث ا ْب ِن ُعمر َع ْن رس ِ
ول اهلل ﷺ َق َالَ « : َ ُ ََ
ال الانُب شـي ًئا مِن ا ْلـــ ُقر ِ ِ
آن» [أخرجه الرتمذي وضعفه] . الحائ ُض َو َ ُ ُ
()4
ْ َ َ
القول الثاين :أهنا ال تمنع لكن ال تمس المصحف إال من وراء حائل ،وهذا
مذهب ورواية عن أحمد ومذهب اإلمام مالك واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن
حزم والبخاري وابن المنذر وابن باز ،ويدل له:
ال :أنه لم يأت نص ِحيح يمنع الحائض من ذلك مع عموم البلوى به أو ً
( )1أخرجه البخاري ( ،)1650ومسلم ( )60من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ مرفوعًا.
( )2سبق تخرياه ص (.)143
( )3سبق تخرياه ص (.)140
( )4سبق تخرياه ص (.)142
216
217 بـاب الـحيـض
211
كـتـاب الـطـهـارة 218
َ ً ُ َ ً ار َة َ َ
والك هف َ ُ َ ُ ْ َ ُ
كرها ،أو نا ِسيا، بالوطءِ فِي ِه ،ولو م ج ُب :الغسل .وابلُلوغ. قوهل( :ويو ِ
َ ُ
ِصف ُه ،ىلع اتله ِين ٌ َ احليض واتله أو جاه َِل َ
خيـري .وكذا: ِ ار ،أو ن ويه :ديمِ ، حر ِِ ِ
َ ْ َ َ ْ
طاوعت). ِيه إن
ذكر هنا أمور ًا تاب وتلزم بالحيض.
ُ ْ َ
(الغسل) :بعد الطهر من الحيض ،فياب على المرأة إذا انقطع الدم أن تغتسل
بداللة:
لقوله تعالى﴿ :ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
216
219 بـاب الـحيـض
212
كـتـاب الـطـهـارة 220
220
221 بـاب الـحيـض
( )1أخرجه أبو داود ( ،)236والرتمذي ( ،)113وأحمد ( ،)26236وِححه األلباين يف السلسلة الصحيحة
برقم (.)2663
( )2أخرجه مالك يف الموطأ ( ،)126والبخاري ( )121/1تعليقًا ،والبيهقي يف سننه ( ،)1466وِححه
=
221
كـتـاب الـطـهـارة 222
=
النووي يف الخالِة ( ،)233/1واأللباين يف إرواء الغليل برقم (.)126
( )1أخرجه البخاري (.)320
( )2أخرجه أبو داود ( ،)301والحاكم ( )621وقالِ« :حيح على شـرأ الشـيخين» .والبيهقي يف سننه
(.)1423
( )3أخرجه البخاري ( ،)315ومسلم (.)335
222
223 بـاب الـحيـض
وفيه تخفيف على المرأة ،فالصالة تتكرر يف اليوم مرات ويشق قضاؤها
بخالف الصوم فإنه أيام معدودات.
وأيضًا فالصالة لها نظائر تتكرر يف اليوم مرات ،فيمكن تحصـيل نظائر ما فات
بما تؤديه.
وأما الصوم فإنه شهر واحد يف العام ،فإذا فات لم يمكنها تداركه.
مسألة :لو حاضت المرأة بعد دخول الوقت ولم تصل ،فهل ياب عليها قضاء
الصالة؟
فيه خالف ،واختار شـيخ اإلسالم أنه ال ياب عليها القضاء حتى يبقى وقت ال
يسع إال الصالة؛ ألمور:
األول :أن تأخير الصالة إلى آخر الوقت مأذون فيه ،وما ترتب على المأذون
غير مضمون.
الثاين :أن هذا يقع من نساء الصحابة ولو كان واجبًا لبينه رسول اهلل ﷺ.
َان َق ْب َل ُك ْم بِ ُس َؤال ِ ِه ْمالثالث :عموم حديثَ « :د ُعونِي َما َت َر ْك ُت ُك ْم ،إِن َاما َه َل َك َم ْن ك َ
اجتَن ِ ُبو ُهَ ،وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا مِنْ ُه ُ ِ و ْ ِ ِ
اختالَف ِه ْم َع َلى َأ ْنبِ َيائ ِه ْمَ ،فإ ِ َذا ن ََه ْي ُت ُك ْم َع ْن شـيء َف ْ َ
اس َت َط ْع ُت ْم» [متفق عليه] .
()1
َما ْ
مسألة :المذهب وبه قال جمهور العلماء ورجحه ابن باز ،وهو األظهر
للتعليل ،واألثر أن الحائض إذا طهرت ِلت الصالة التي أدركت وقتها وما يامع
معها ،وهو مروي عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أهنما قاال :إذا طهرت
الحائض قبل مغيب الشمس ِلت الظهر والعصر ،وإذا رأت الطهر قبل أن يطلع
الفار ِلت المغرب والعشاء .رواه أحمد ،وألن وقت الثانية وقت لألولى للعذر
والصالة التي قبلها إن كانت تامع إليها والشارع نزل وقتي الماموعتين حال
العذر منزلة الوقت الواحد ،وما نحن فيه أقوى األعذار.
( )1سبق تخرياه ص(.)113
223
كـتـاب الـطـهـارة 224
224
225 فصل يف املستحاضة
225
كـتـاب الـطـهـارة 226
فهذه حاالت المستحاضة :أن ترد إلى عادهتا إن كانت منضبطة ،فإن لم توجد
فإلى تمييزها ،فإن لم يوجد لها تمييز ،فرتد إلى عادة أغلب نسائها ،وهذا مذهب
الامهور واختاره شـيخ اإلسالم والزركشـي وابن المنذر وابن رجب وغيرهم(.)1
َ َ ِّ َ ُ َ ُ ُ ُ ِّ َ َ َ ْ ُه َ
عصيبِه).
قوهل( :ثم تغتِسل ،وتصوم ،وتصيل بعد غس ِل المحل وت ِ
إذا انتهت المستحاضة من حيضها حسب الحاالت السابقة فإهنا تغتسل من
الحيض؛ ألهنا أتمت الحيض وإن كان ينزل معها الدم ،وتغسل فرجها وتعصبه.
ِ َ ِ ِ
ِلي» [متفق
ودليل غسل فرجها :قوله ﷺ للمستحاضة« :فا ْغسل ْي َعنْك الدا َم َو َ ْ
عليه](.)2
ودليل عصب الفرج :قوله ﷺ يف شأن المستحاضةَ « :ف ْلـــ َت ْغت َِس ْلُ ،ث ام لِت َْس َت ْث ِف ْر
بُ ،ث ام ل ِ ُت َصل فِ ْي ِه»(.)3بِ َث ْو ُ
واالستثفار :هو شد الفرج بخرقة أو قطنة تحتشـي هبا المرأة ،أو ما يقوم مقامها
مما ِنع حديثًا لئال يلوث الدم الثياب.
قال شـيخ اإلسالم :وإن غلب الدم وخرج بعد إحكام الشد والتلام لم يضـر؛
ألن هذا أقصـى ما يمكنها ،وال يكلف اهلل نفسًا إال وسعها وال إعادة عليها؛ ألهنا
فعلت ما أمرت به ،وألنه عذر يتصل هبا ويدوم ،ففي إيااب اإلعادة عليها مشقة،
ويدل له:
ول اهللِ ﷺ ا ْم َر َأ ٌة مِ ْن ما رواه البخاري َعن َعائِ َش َة َقا َل ِ
ت« :ا ْع َت َك َف ْت م َع رس ِ
َ َ ُ ْ
=
يحَ .و َه َك َذا قال َأ ْح َمدُ بن َحنْ َبلُ :هو َح ِد ٌ
يث َح َس ٌن ِ البخاري] عن هذا الحديث فقال :هو َح ِد ٌ
يث َح َس ٌن َِح ٌ
يح» .وابن ماجه ( ،)621وأحمد ( ،)21514والحاكم يف المستدرل (.)615 ِ
َِح ٌ
( )1الفتح البن رجب (.)56/2
( )2أخرجه البخاري ( ،)300ومسلم (.)333
( )3أخرجه أبو داود ( ،)214والنسائي ( ،)206وابن ماجه ( ،)623وِححه النووي يف الخالِة
( ،)2236/1وابن الملقن يف البدر المنير (.)121/3
226
227 فصل يف املستحاضة
221
كـتـاب الـطـهـارة 228
226
229 فصل يف املستحاضة
عثيمين.
وأما خروج الدم فهي معذورة فيها؛ ألنه فوق طاقتها.
َ َ َ َ ُ ُ ُّ َ ْ َ َ ُ ُ َ
قوهل( :وكذا يفعلُ :ك من حدثه دائ ٌِم).
أي ويلحق هبذا الحكم من حدثه دائم؛ كمن به سلس بول أو سلس ريح ،فإنه
يتوضأ لوقت كل ِالة على الخالف يف وجوبه ،ثم ال يضـره ما خرج بعد ذلك منه
حتى يدخل وقت العبادة األخرى ،وال يضـره ما نزل على ثيابه بعد الوضوء؛ لقول
الح ِ
صـير»(.)1 رسول اهلل ﷺَِ « :لي َوإِ ْن َق َط َر الدا ُم على َ
لكن بعد حلول الوقت الثاين تزيل النااسة وتتوضأ ،فإذا أرادت الوضوء فعليها
غسل الدم؛ ألنه دم ناس وتاعل على فرجها شـيئًا إن كان الدم كثير ًا؛ لقول
ِ رسول اهلل ﷺَ « :أ ْنع ُت َل ِ
فَ ،فإِ ان ُه ُي ْذه ُ
ب الدا َم» [رواه أبو داود ،والرتمذي ك ا ْلـــ ُك ْر ُس َ
()2
َ
وِححه].
وذكر شـيخ اإلسالم :أنه لو لم يعد الدم فال بأس أن تتوضأ بال غسل الفرج،
واختار هذا ابن عثيمين.
َه ََ َ ُُ َ ُ ُ َ َ َ
قوهل( :وَيرم :وطء المستحاضةِ .وال كفارة).
هذا الفرق الثاين :بين المستحاضة والطاهرات:
فالمذهب :أنه يحرم وأء المستحاضة.
والعلة :أنه أذى يف الفرج أشبه دم الحيض وال كفارة فيه ألنه ليس حيضًا.
والرواية الثانية عن اإلمام أحمد :أنه ياوز وطئها ،وهو مذهب األئمة الثالثة،
ورجحها ابن حزم وابن المنذر وابن عثيمين.
ويدل له :أن األِل الاواز واإلباحة ،وال يوجد دليل ِحيح على المنع وقد
222
كـتـاب الـطـهـارة 230
( )1أخرجه أبو داود ( ،)310والبيهقي يف سننه ( ،)1452وحسن إسناده النووي يف الخالِة (.)232/1
( )2أخرجه الرتمذي ( ،)126وِححه ونقل تصحيح البخاري وابن حنبل للحديث .وأبو داود (،)261
وأحمد يف المسند ( ،)21514والحاكم يف المستدرل (.)615
230
231 فصل أحكام النفساء
e F
فصل أحكام النفساء
َُُ َ ُ َ َ ً َ ُ ُ ُ ُ ُ َ َ ه َ ِّ َ ُ
ضع ما
وأكرثهَ :أربعون يوما .ويثبت حكمه :بِو ِ قال( :وانلِّفاس :ال حد ألقل ِه.
كن :يُ َ
كرهُ اءَ :ف ُهو ُط ٌ
ي َن َق ٌ ربع ََ ََ هَ َ ُْ َ َ هَ
هر .ل ِ تبي فِي ِه خلق إنسان .فإن ِّتلل األ ِ
َ ُ
َ . ه
ِ ِي ف ها طؤ و
َ َ َُ َ اس :من ه َ ُه ُ َ َ
وم ْن َوضعت ََ َ َ
األول .فلو اكن بينهما فأكرث ،فأ هول مدة ِ انلِّف ِ َ ين
ِ ودل
فساءِ :ما يف َوطءِ َ ُّ َ َُ َ َ ً َ َ َ ه
احلائ ِِض). أربعون يوما :فال ن ِفاس للثاين .ويف َوطءِ انل
ذكر أحكام النفاس؛ والنفساء كالحائض يف األحكام حكى ابن جرير اإلجماع
عليه.
والنفاس :مأخوذ من النفس وسمي هبذا؛ ألنه يعقبه خروج النفس.
وتعريفه :هو الدم الذي يخرج من المرأة حال الوالدة أو قبلها بزمن يسـير.
َ ه َ ِّ َ ُ
(وانلِّفاس :ال حد ألقل ِه) :فمتى انقطع الدم طهرت ،ولو لم يالس إال أيامًا
معدودات:
ألنه لم ينقل عن الشارع تحديده والعربة بالدم متى انقطع طهرت.
وقد روى البخاري يف التاريخ الكبير :أن عائشة ڤ رأت امرأة ولدت فلم تر
دمًا ،فقالت :أنت امرأة طهرل اهلل(.)1
وهذا مذهب اإلمام أحمد ومالك والشافعي ،واختاره شـيخ اإلسالم.
َُ َ َ ً ( َُ
وأكرثهُ :أربعون يوما) :وما زاد عليه فهو دم استحاضة تتطهر وتصلي هذا
المذهب وبه قال سفيان وابن المبارل والشافعي وإسحاق ورجحه ابن باز.
والدليل :أنه لم ينقل عن الصحابة ﭫ خالف يف ذلك؛ كما قالت ُأ ُّم َس َل َم َة
231
كـتـاب الـطـهـارة 232
ين َي ْو ًما َأ ْو ِ ِ ِ َت النُّ َفساء َع َلى َع ْه ِد رس ِ ڤ« :كَان ِ
ول اهلل ﷺ َت ْق ُعدُ َب ْعدَ ن َفاس َها َأ ْر َبع َ َ ُ َ ُ
ـــك َل ِ
ـــو ْر َس َي ْعنِي مِ َن ا ْل َ ِ ِ
ف»(.)1 ين َل ْي َلةًَ ،و ُكناا َن ْطلِي َع َلى ُو ُجوهنَا ا ْل َ
َأ ْر َبع َ
قال الرتمذي« :أجمع أهل العلم من أِحاب النبي ﷺ ومن بعدهم على :أن
النفساء تدع الصالة أربعين يومًا إال أن ترى الطهر قبل ذلك».
واجتهاد الصحابة مقدم على اجتهاد غيرهم.
وألنه البد من جعل ضابط ترجع إليه النساء.
َ ُْ َ كم ُه :ب َوضع ما تَ ه َ
َ ُ ُ ُ ُ
بي فِي ِه خلق إنسان) :إذا أسقطت المرأة ما يف ِ ِ (ويثبت ح
بطنها ،فال يخلو من حاالت ثالث:
األولى :أن يخرج الانين وقد تبين فيه خلق إنسان إما يد أو رجل أو رأس،
فتعترب الدم الخارج معه دم نفاس.
الثانية :أن يخرج الانين ولم يتخلق فإنه ال يعترب دم نفاس ،بل دم فساد فتأخذ
أحكام المستحاضات.
الثالثة :إن جهلت المرأة حاله ،ولم تعلم أتخلق أم ال؟
أمرناها أن تتحرى أمره حسب مدة الحمل ،وهذا الضابط مذهب األئمة
الثالثة أحمد والشافعي وأبو حنيفة ،ورجحه ابن رجب(.)2
مسألة :متى يتخلق الانين ،ومتى ال يتخلق؟
من ( )60 - 1يومًا :ال يتخلق فيها الانين؛ ألنه يف األربعين األولى نطفة ،ويف
الثانية علقة (قطعة دم) ،وال يتخلق يف هذه المدة ،كما دل له حديث ابن مسعود
ِ ِ ِ ِ ِ
ﭬ« :إِ ان َأ َحدَ ُك ْم ُي ْا َم ُع في َب ْط ِن ُأمه َأ ْر َبعي َن َي ْو ًما نطفة ُث ام َع َل َق ًة م ْث َل َذل َك ا
ثم َي ُكو ُن
( )1أخرجه أبو داود ( ،)311والرتمذي ( ،)132وابن ماجه ( ،)646وأحمد ( ،)26603والحاكم يف
المستدرل ( ،)622وقال ابن الملقن يف البدر المنير (« :)131/3هذا الحديث جيد» .وحسن األلباين يف
إرواء الغليل برقم (.)201
( )2الفتح (.)116/2
232
233 فصل أحكام النفساء
233
كـتـاب الـطـهـارة 234
وأخرج عبدالرزاق أن عثمان بن أبي العاص ﭬ كان يقول للمرأة من نسائه إذا
نفست« :ال تقربيني أربعين ليلة»(.)1
وقيل ال يكره جماعها؛ ألن الحكم يدور مع علته وجود ًا وعدمًا ،وهذا الدم قد
انقطع وِحت عبادهتا فكذلك جماعها ورجحه ابن باز وابن عثيمين.
وما ورد عن عثمان بن أبي العاص فهو محمول على أنه :اجتهاد منه خالفه فيه
غيره من الصحابة ،فنرجع إلى ما يعضده النص ،ولم ناد ما يدل على قول عثمان،
أو يحمل على التنزيه ال التحريم.
َ ض َعت َ َ
اس :من ه
األول) :من وضعت توأم َ ًا
َ ُه ُ ََ
فأكرث ،فأ هول مدة ِ انلِّف ِ ين ودل
َ ْ َ َ
(ومن و
ِ
فتحسب بداية النفاس من خروج الولد األول؛ ألن الدم يخرج عادة بعد الوالدة.
َُ َ َ ً َ َ َ ه َ َ َُ َ
(فلو اكن بينهما أربعون يوما :فال ن ِفاس للثاين) :لو تأخر خروج الانين الثاين
أربعين يومًا ،فيكون الدم الخارج معه دم فساد هذا المذهب ألن النفاس واحد
وقد زاد على األربعين.
وذكره ابن قدامة عن بعض العلماء ،أن الثاين تعترب مدة نفاسه من يوم خروجه
أربعين أخرى إال إن رأت الطهر قبل ذلك ورجحه ابن جربين.
ُّ َ
فساءِ :ما يف َوطءِ َ
احلائ ِِض) :النفساء حكمها كحكم الحائض، (ويف َوطءِ انل
وقد حكى ابن جرير اإلجماع على ذلك ،ولذا لو جامع النفساء فالمذهب أن عليه
الكفارة كما تقدم بيانه يف وأء الحائض.
َ َ َ ُ ُ ه ُ ُ ْ ُ َ َ ُ َ َ َُ
جلماع).قوهل( :وَيوز للرجل :رشب دواء مباح يمنع ا ِ
شـرب الرجل دواء يمنعه من الاماع ويسكن الشهوة ال يخلو من حاالت:
األولى :أن يشـرب ما يقطع الشهوة بالكلية فهذا ال ياوز؛ ألنه لم يأت به
الشـرع ،والنكاح من سنن المرسلين.
ول اهللِ ﷺ َع َلى ُع ْث َم َ
ان ْب ِن ويف الصحيحين عن َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو اق ُ
اص قالَ « :ر اد َر ُس ُ
234
235 فصل أحكام النفساء
( )1أخرجه البخاري ( ،)4166ومسلم ( )1402من حديث سعد بن أبي وقاص ﭬ مرفوعًا.
( )2اآلداب الشـرعية (.)231/2
235
كـتـاب الـطـهـارة 236
236
237 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
كــتــاب
الــصـالة
231
كـتـاب الـصـالة 238
236
239 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
232
كـتـاب الـصـالة 240
240
241 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
( )1رواه البيهقي يف السنن ( ،)621/1وعبدالرزاق يف المصنف ( ،)466/1وابن أبي شـيبة يف المصنف
(.)204 -203/1
( )2رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (.)203/1
( )3رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (.)204/1
( )4انظر :فتح الباري البن رجب ( ،)224/5االستذكار (.)316/1
( )5رواه البخاري ( ،)626ومسلم ( )614من حديث مالك بن الحويرث ﭬ.
( )6رواه البخاري ( ،)2243ومسلم ( )362من حديث أنس بن مالك ﭬ.
241
كـتـاب الـصـالة 242
أذان وال إقامة؛ كما قال ابن عمر وابن عباس ﭭَ « :ليس َع َلى النس ِ
اء ليس عليهن ٌ
َ ْ َ ُ
ان َو َال إِ َقا َم ٌة»(.)1
َأ َذ ٌ
َ َ
ار) :فاألر اقا َء ليسوا مخاطبين باألذان واإلقامة؛ الشتغالهم بخدمة (األحر ِ
ُم االكهم.
َ َ َ ِّ َ ُ َ َ ه َ ُ َ َُ ه
فع صوت). ان :للنساءِ ،ولو بِال ر ِ
ان :ل ِلمنف ِردِ ،ويف السف ِر .ويكره ِ
قوهل( :ويسن ِ
ُ ُ َ َُ ه
مكان وحدَ ه ال ان :ل ِلمنف ِر ِد) :فالمنفرد إذا أرا َد إقام َة الصالة وهو يف
(ويسن ِ
ُ
األذان واإلقام ُة، ُيوجد معه أحدٌ ،كما لو كان يف البحر ،أو يف مزرعته؛ فإنه يسن لـه
ِ
يابان عليه. وال
س َشظِ اي ُةاعي َغن َُم فِي َر ْأ ِ ومن األدلة على ذلك :قوله ﷺ« :يعاب رب ُكم مِن ر ِ
َ ْ َ ُ َ ُّ ْ ْ َ
ِ ِ الصال َِة َو ُي َصليَ ،ف َي ُق ُ
يماهلل :ا ْن ُظ ُروا إِ َلى َع ْبدي َه َذا ُي َؤذ ُن َو ُيق ُ ول ُ بِ َا َب ُل ُي َؤذ ُن بِ ا
ت ل ِ َعبْ ِدي َو َأ ْد َخ ْل ُت ُه الـ َْانا َة»(.)2
اف مِنيَ ،ف َقدْ َغ َف ْر ُ الصالَ َة َي َخ ُ
ا
ُ َ ه
النبي ﷺ لم َيدَ ِع أن كثيرة َ
أحاديث ويف ، مشـروع
ٌ للمسافر ُ
األذان : ) ر
ِ ف الس (ويف
ا
أكثر أهل العلم. قول ِ سفرا ،وهو ُ حضـرا وال ً ً األذان وال اإلقام َة َ
رسول اهلل ﷺْ « :ار ِج ُعوا ُ الحويرث ﭬ قال :قال مالك ِِ
بن ُ ويف الصحيحين عن
ِ يموا فِ ِ ِ ِ
وه ْمَ ،فإِ َذا َحضـرت ا
الصالَ ُة َف ْل ُي َؤذ ْن َل ُك ْم وه ْم َو ُم ُر ُيه ْم َو َعل ُم ُ إِ َلى َأ ْهلي ُك ْم َف َأق ُ
ُ
حافظ عليه يف السفر َأ َحدُ ُك ْم ُث ام ْل َي ُؤ ام ُك ْم َأ ْك َب ُر ُك ْم»( .)3ورسول اهلل ﷺ كان ُي
كمحافظته عليه يف الحضـر.
إثم عليه ،وهو ُ
والمذهب :استحباهبما يف حق المسافر لكل ِالة ،ولو تركه فال َ
( )1أما أثر ابن عباس ﭭ :فرواه عبدالرزاق يف المصنف ( .)5024وأما أثر ابن عمر ﭭ :فرواه عبدالرزاق
يف المصنف ( .)5022وِححه ابن الملقن يف البدر المنير ( ،)421/3وابن حار يف التلخيص الحبير
(.)521/1
( )2رواه أبو داود ( ،)1203والنسائي يف الماتبى ( ،)20/2ويف الكربى ( ،)1630وأحمد ( )11443من
حديث عقبة بن عامر ﭬِ .ححه األلباين يف اإلرواء (.)214
( )3سبق تخرياه ص(.)241
242
243 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
243
كـتـاب الـصـالة 244
عليه](.)1
ُ ً ََُ َ
ي ع ْرفا) :فيشرتأ المواال ُة بين ُج َم ِل األذان واإلقامة؛ ألن هذا هو
(متو ِايل ِ
ُ
األذان واإلقام ُة إال متواليًا بين ِ ِ
رسول اهلل ﷺ ُ
األذان الشـرعي ،فلم ينقل عن مؤذين
جمله.
الرتتيب والمواال ُة ُ
شرتأ فيها ُ
أجزاء ُي ُ
مركبة من ُ
عبادة والقاعد ُة يف هذا :أن كل
ُ
القصـير ُ
الفاِل ِ
بوجود الفاِ ِل الطويل ُعر ًفا ،وأما ُّ
وتختل المواال ُة إال لدليل،
ُ
كطلب أو ِ
تنبيه ُ ُ
لحاجة؛ بأس به ،ال سـيما إذا كان قط ُعه
الذي ال ُيخل بتواليها فال َ
طويال ُعر ًفا
ً ُ
الفاِل وإن كانبأسْ ، قليال ال يخل بتواليه فال َ ُ
الفاِل ً محتاج ،وكانُ
فإنه َي َلز ُمه إعاد ُته.
ِـرد ﭬ تكلم يف ُ البخاري يف باب الكالم يف األذان أن ُس َل ْي َم َ
ان ْب َن وذكر
ُ
أذانه(.)2
ِ
بالحاجة يف ِ
العسكر ،فيأمر غال َم ُه ووِله البخاري يف تاريخه« :أنه كان يؤذ ُن يف
أذانه»(.)3
بأس أن يضحك وهو يؤذ ُن أو ُي ُ
قيم»(.)4 وقال الحس ُن« :ال َ
والحسن وقتادة ،وبه قال ِ ُ
وعطاء الاواز مطل ًقا ع ْن ُعرو َة المن ِ
ْذر
َ وحكى اب ُن ُ
ُ
مالك الف األولى ،وعليه َيدُ ُّل كال ُم أحمد ،وعن أبي حنيفة وِاحبيه أنه ِخ ُ
والشافعي.
َ ُ ْ َ
شخص واحد ،فلو أ اذن ٌ
ِ
األذان با َمل حد) :فيشرتأ أن يأيتَ ُ (وأن يكونا مِن َوا ِ
244
245 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
245
كـتـاب الـصـالة 246
ُ
سقوأ فالمذهب:
ُ المميز،
ُ سبع سنين ،فلو أ اذن والمميز على المذهبَ :من ب َلغ َ ُ
أن إمامتَه للكبار ِ
تص ُّح ،فهذا مث ُله. الواجب فيه ،كما ا
ً
يصح من ُّ الناطق ،فال
ُ األذان الشـرعي ال ُيمك ُن أن يأيت به إال َ (ناطِقا) :ا
ألن
ألفاظ األذان وإنما ُ فاألبك ُم الذي يؤذن عن طريق اإلشارة أو ال َتبِي ُن منه َ ِ
غيره،
أيضا أدا َء ُج َملِ ِه،
يستطيع ً
ُ النطق باألذان ،وال ِ قدر على يتَمتِم ال يصح أذا ُنه؛ ألنه ال ي ِ
َ ُ ُ
داخل يف قوله تعالى: ٌ بأبكم مثلِه فهو َ ُ
يؤذن األبكم وحدَ ه أو
ُ لكن إذا كان هذا
﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن.]16 :
َ ًْ َ
(عدال ،ولو ظاه ًِرا) :وهي أال يظهر عليه ما يفسق ويارح به يف دينه ف ُيشرتأ
المؤذن َعدْ ًال ،فال يعتد بأذان ظاهر الفسق ِ األذان على المذهب ُ
كون ِ ِ
فرض ِ
لسقوأ
والفاسق
ُ وِف المؤذنين باألمانة، َ الرسول ﷺ َ وال يسقط الوجوب بأذانه؛ ألن
اإل َما ُم َضامِ ٌنَ ،وال ُم َؤذ ُن ُم ْؤ َت َم ٌن ،ال ال ُه ام َأ ْر ِش ِد األَئِ امةََ ،وا ْغ ِف ْر غير أمين؛ لقوله ﷺِ « :
ُ
ل ِ ْل ُم َؤذنِي َن» ،وأما مستور الحال فيصح أذانه. ()1
أذان الفاسق ُياز ثان :وهو رواية أخرى عن اإلمام أحمد :أن َ قول ُ وفيه ٌ
وأفضل وأحق ُ العدل أولى َ أرجح مع االتفاق أن ُ ويسقط به الوجوب ،وهذا
أذان الفاسق ،وغاي ُة ما فيها ا إبطال ِ ِ ُ
أن هذا هو ِـريحة يف باألذان؛ ألن أدل َة ُ
غير
ُ
األكمل واألفضل.
ه َ َ َ ْ َ َ ُّ َ َ ه بل َ َ َ َ ه
يل).ِ الل ِصف
ِ ن عد ب ح ص
ِ ي ف ، ر
ِ ج الف ان أذ : إال ، قتِ الو ق : ان
ِ حقوهل( :وال ي ِص
ِحة األذان كو ُنه يف وقتِ ِ قت) :أي ومن شـروأِ بل الوََ َ َ ه
ِ ان :ق (وال ي ِصح ِ
=
ڤ .قال الرتمذي« :سألت محمد ًا عن هذا الحديث؟ فقال :أرجو أن يكون محفوظًا» ،والحديث ا
ِححه
جمع من أهل العلم :كابن خزيمة ،وابن حبان ،والحاكم ،والذهبي ،وابن دقيق العيد ،واأللباين يف اإلرواء
ٌ
(.)4/2
( )1رواه الرتمذي ( ،)201وأبو داود ( ،)511وأحمد ( )6202من حديث أبي هريرة ﭬ .وِححه ابن
حبان ،واأللباين يف اإلرواء (.)211
246
247 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
241
كـتـاب الـصـالة 248
مسعود ﭬ قال :قال رسول اهلل ﷺَ « :ال َي ْمنَ َع ان ُ ويف الصحيحين عن ِ
ابن
ور ِه؛ َفإ ِ ان ُه ُي َؤذ ُن ل ِ َي ْر ِج َع َقائِم ُك ْمَ ،و ُينَب َه نَائِ َم ُك ْم»(.)1
ان بِال َُل مِ ْن َس ُح ِ
َأ َحدَ ُك ْم َأ َذ ُ
وقت العشاء
مسألة :ويبدأ وقت األذان األول ،بعد نصف الليل؛ ألنه قد خرج ُ
المختار فيصح من هذا الوقت.
وقيل :من ابتداء وقت الفار الكاذب ،وإلى هذا مال اإلما ُم أحمد يف رواية
واألمر يف ذلك يسـير؛ ألنه ال ُيوجد نص ِـريح يف المسألة،ُ وقواه اب ُن رجب، ا
ِ
يرتتب على األذان الثاين ،فال
ُ أحكام كما
ٌ وألنه ال َيرت ات ُ
ب على تقد ِم األذان األول
ُ
إيقاظ ا
وألن المقصو َد منه: ُ
إمسال الصائم، وقت ِالة الفار ،وال ياب يدخل به ُ
الص اوام ،والمبادر ُة للسحور ،والسن ُة أال يكون بينهما مد ٌة طويلة كما َف ُّ الن اُّوام ،وك ُّ
المنقول عن بالل ﭬ؛ ففي ِحيح مسلم عن ابن عمر ﭭ قال :كان لرسول ُ هو
بالل واب ُن أم َم ْك ُتو ُم ْاألَ ْع َمى ،فقال رسول اهلل ﷺ« :إِ ان بِ َال ًال ُي َؤذ ُن
َان ٌاهلل ﷺ م َؤذن ِ
ُ
بِ َل ْيلَُ ،ف ُك ُلوا َواشـر ُبوا َحتاى ُي َؤذ َن ا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم» ،قال :ولم يكن بينهما إال أن َي ِنز َل
هذا و َي ْر َقى هذا(.)2
وليس المرا ُد نزو َله بعد أذانه مباشـرة ،وإنما معناه أن بالال كان يؤذن قبل
ابن أم
قارب طلوعه نزل فأخرب َ ب الفار ،فإذا َص بعد أذانه َي ْر ُق ُ الفار ،ويرت اب ُ
مكتوم ،فيتأهب اب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم بالطهارة وغيرها ،ثم َير َقى و َي ُ
شـرع يف األذان مع أول
طلو ِع الفار ،واهلل أعلم(.)3
األذان الثاين ،بل ال ُبدا مِ َن األذان الثاين عند
ِ األول ِ
عن ُ ُ
األذان فائدةٌ :ال َيكفي
َ
األذان فرع ،بل لو ا
أن أحدً ا َترل ِ دخول وق ِ
ِ
الفار؛ ألنه هو األِل ،واألول ٌ ت ِالة
ُ
األذان ِ
أذانان: ِ
رسول اهلل ﷺ نكر عليه إال أنه ترل سنةً ،وقد كان يف ِ
زمن َ
األول لم ُي َ
246
249 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
واألذان الثاين ويقو ُم عليه اب ُن أم مكتوم ﭬ. ُ بالل ﭬ، األول ويقوم عليه ٌ ُ
ؤذن ِ َ َ ُ ِّ الصوتُ :ر ٌ َ ُ ه
اَض).
حل ِ كن ،ما لم ي ِ قوهل( :ورفع
َ
األذان األذان إال به ،فلو أ اذن لم يصح؛ ألن ُ يصح
كن ،ال ُّ رفع الصوت باألذان ُر ٌ ُ
عبادةٌ ،وقد قال رسول اهلل ﷺَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»( ،)1واألذان
األذان ،ورف ِع الصوت به ،ما لم ِ بسماع ُ
يكون إال َ إعالم بدخول الوقت ،وهذا ال َ
األذان لحاضـر فليس بركن. ُ ي ُك ِن
مقدار الواجب مِ ْن رف ِع الصوت باألذان ،ال يخلو من حالتين: ُ مسألة :و
اإلتيان باألذان المشـروع يف حقهم إال برف ِع ُ يحصل يؤذن للناس :فال ُ األولى :أن َ
كربات
ُ يرفع ِو َته ُجهدَ ه ،و ُم وكمال السنة أن َ ُ قدر طاقتِه،
بعضهم َ
الصوت لي ِ
سم َع َ ُ
ِ
الصوت تؤدي الغرض. ِ
ِ َ ِ َ ِ
الصوت؛ رفع
واألفضل يف حقه ُ يؤذن لنفسه :ف ُياز ُئه أن ُيسم َع َ
نفسه، الثانية :أن
روى ِ ِ لي ِ
يوم القيامة ،وقد َ واإلنس؛ لتشهدَ لـه َ الشار والان سم َع من حوله من ُ
بن ِعصع َة« :إِني َأر َ ِ سعيد ﭬ أنه قال لعبداهلل ِ ُ
ب ال َغن ََم ال ُتح ُّ َ البخاري عن أبيُّ
الصال َِة َف ْار َف ْع َِ ْو َت َك بِالندَ ِاءَ ،فإِ ان ُه ِ ِ ِ ِ ِ
َوال َباد َيةََ ،فإِ َذا ُكن َْت في َغنَم َكَ ،أ ْو َباد َيت َكَ ،ف َأ اذن َْت بِ ا
الق َيا َم ِة» ،قال ال شـيء ،إِ اال َش ِهدَ َله يوم ِ
ُ َْ َ ٌ ال إِن ٌْس َو َ الم َؤذ ِن ِج ٌّن َو َ ِ
ال َي ْس َم ُع َمدَ ى َِ ْوت ُ َ
أبو سعيد :سمعته من رسول اهلل ﷺ(.)2
وأعظم أبلغ يف إعالمه، َ
ليكون َ ِ
الصوت باألذان؛ رفع
َ ستحب ُُّ قال اب ُن قدامة« :و ُي
لثوابه كما ُذكر يف خرب أبي سعيد ،وال ُياهد َ
نفسه يف رفع ِوته زياد ًة على طاقته؛
لئال يضـر بنفسه وينقط َع ِو ُته»(.)3
242
كـتـاب الـصـالة 250
َ ً ً ُ َ َ ِّ َ ً ُ ه َ ُ ُ َ ِّ ً َ ً
ِيهما). قت ،متطهرا ،قائ ِما ف ِ قوهل( :وسن كونه :صيتا ،أمِينا ،اعل ِما بالو ِ
أكثر ِ ِ
توفرها يف المؤذن؛ فما كان منها يف المؤذن َ ستحب ُ ُّ شـرع يف األمور التي ُي
ِحيحا:
ً األذان مع فِقدانِها
ُ وأكم َل ،وإن كان َ كان أولى
ً ِّ ُ َ
وحسنُه ،كما قال ِ
يدخ ُل فيه قو ُة ِوت المؤذنُ ، وس هن كون ُهَ :صيتا) :وهذا ُ ُ
(
بن زيد ﭫ لما ر َأى األذانَ « :ف ُق ْم َم َع بِ َال ُل َف َأ ْل ِق َع َل ْي ِه َما لعبداهلل ِ رسول اهلل ﷺ ِ ُ
َ
ليكون مطلوب :قو ُة الصوت ٌ َر َأ ْي َتَ ،ف ْل ُي َؤذ ْن بِ ِهَ ،فإِ ان ُه َأنْدَ ى َِ ْو ًتا مِن َْك» ،وكالهما
األذان ُحسنًا وطالوة. َ أعظم يف التأثير ،وألنه يزيدُ
َ َ
ليكون أقوى يف التبليغ ،وحسنُه
روى أبو رسول اهلل ﷺ ،فقد َ ِ المستمر لمؤذين الهدي
ُ فع الصوت باألذان هو ور ُ
ُّ َ
زيد ﭬَ « :ف ُق ْم َم َع بِ َال ُل َف َأ ْل ِق َع َل ْي ِه بن ُ رسول اهلل ﷺ قال ِ
لعبداهلل ِ َ والرتمذي أن
ُّ داود
َما َر َأ ْي َتَ ،ف ْل ُي َؤذ ْن بِ ِهَ ،فإِ ان ُه َأنْدَ ى َِ ْو ًتا مِن َْك»(.)1
قيل :معناه أرفع ِو ًتا.
وقيل :أطيب؛ فيؤخذ منه استحباب كون المؤذن رفيع الصوت وحسنه ،وهذا
متفق عليه(.)2 ٌ
ً َ
ُ
يؤذن يف غير عبادة ،وهي الصالة ،فقد ُ ِ
أعظم مؤتمن على (أمِينا) :ألن المؤذن
ٌ
رسول اهلل ﷺ إلى هذا فقال: ُ الوقت ف َي ُغ ُّرهم ،وقد ي اطلع على َع ْوراهتم ،ولذا أشار
اإل َما ُم َضامِ ٌنَ ،وا ْل ُـم َؤذ ُن ُم ْؤ َت َم ٌن ،ال ال ُه ام َأ ْر ِش ِد ْاألَئِ ام َة َوا ْغ ِف ْر ل ِ ْل ُم َؤذنِي َن»( ،)3فهي أمانة
« ِْ
ااس َع َلى َِالت ِ ِه ْم» فهو
ون ُأ َمنَا ُء الن ِ ال يوالها غير أهلِها ،وأما حديث« :الـ ُْم َؤذ ُن َ
مرسل(.)4
( )1رواه أبو داود ( ،)422والرتمذي ( ،)162وابن ماجه ( ،)106وأحمد ( )16416من حديث عبداهلل بن
زيد ﭬ .وِححه الرتمذي ،وابن خزيمة ،وابن حبان ،وقال النووي يف الماموع (« :)16/2إسناده
ِحيح».
( )2شـرح النووي على مسلم (.)11/4
( )3سبق تخرياه ص(.)246
( )4رواه البيهقي يف السنن الكربى ( )626/1من حديث أبي محذورة ﭬ .ويف إسناده يحيى الحماين؛
=
250
251 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
=
مختلف فيه [التلخيص الحبير ( .])461/1ورواه البيهقي ( )626/1من طريق يونس ،عن الحسن مرسال.
قال الدارقطني يف العلل (« :)252/6والصحيح عن يونس ،عن الحسن مرسال ،عن النبي ﷺ».
( )1الشـرح الممتع (.)41/2
( )2رواه أبو داود ( ،)11والنسائي يف الماتبى ( ،)36وأحمد ( ،)12034وابن خزيمة ( ،)206وابن حبان
( )603و ( ،)606والحاكم ( )161/1من حديث المهاجر بن قنفذ ﭬ .وِححه األلباين يف ِحيح أبي
=
251
كـتـاب الـصـالة 252
=
داود (.)13
( )1رواه الرتمذي ( )200من حديث أبي هريرة ﭬ ،وأعله .وقال األلباين يف إرواء الغليل (:)240/1
فالحديث ال يصح ،ال مرفوعً ا وال موقو ًفا».
ُ «وبالاملة
( )2رواه البخاري ( )525من حديث أبي قتادة ﭬ.
( )3اإلجماع البن المنذر ص (.)36
( )4السنن الكربى للبيهقي ( .)511/1وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)242/1
( )5مصنف ابن أبي شـيبة (.)124/1
( )6رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف ( .)123/1وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)242/1
( )1ذكره الحافظ ابن حار يف التلخيص الحبير (.)505/1
252
253 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
َُُ َْ ْ ُ َُ َ ُ ُ ْ
ث ،بل :إقامته).
كن ال يكره :أذان المح ِد ِ
قوهل( :ل ِ
خالف األولى ،وأما اإلقام ُة ِ
المحدث ال كراه َة فيه ،وإن كان المذهب :أن َ
َ أذان ُ ُ
فقالواُ :يكره؛ ألنه يؤدي إلى ال َف ْصل بين الصالة واإلقامة ،ولخروجه من المساد
بعد اإلقامة.
أِغر أو أكربُ ِحيحان ،إال أن األَولى الطهار ُة؛ ُ ٌ
حدث أذان وإقام ُة َمن عليه ف ُ
اهلل إِ اال لحديث الم ِ ِ
رسول اهلل ﷺ قال« :إِني ك َِر ْه ُت َأ ْن َأ ْذ ُك َر َ َ قيس أن ُ هاج ِر ِ
بن ُ
غير طهارة مكرو ٌه ،والكراه ُة هنا ذكر اهلل على ِ َع َلى ُط ْه ُر» ،وهذا يدل على أن َ
للتنزيه ال للتحريم.
اهلل َع َلى ُكل ويف الصحيحين عن عائش َة ڤ قالت« :كان النبي ﷺ َي ْذ ُك ُر َ
َأ ْح َيان ِ ِه»(.)1
ً ٍّ ْ َ ُ َ َ ُ ُ ه َ ُّ ُ َ ُ َ ُّ َ َ ُ َ ه َ
قت .والَّتسل فِي ِه .وأن يكون ىلع علو .راف ِعا قوهل( :ويسن :األذان أول الو ِ
هَ َ َ َ ُ َ ً ُ َْ َ َُُ ً َ ه ََ ْ ََ
َوجهه .جاعِال سبابتي ِه يف أذني ِه .مستقبِل ال ِقبلةِ .يلت ِفت ي ِمينا لـَ« :ح
َْ َ ُ ْ ُ ُ ََ َ
الح» وال ي ِزيل قدمي ِه ،ما لم يكن
َ
َح ىلع الف ِ وش َم ًاال لـ َ « :ه َ ه
ىلع الصالة ِ»ِ ،
الصالةُ َخ ٌ ه َ ْ ْ َُ َ َ َ َ ََ َ ب َم َن َ
وم»، ري مِن انله ِ ان الفج ِر« : ِ ارة .وأن يقول بعد حيعل ِة أذ ِ
ٌ ََ َ َ َََ ه ه ْ َ ُ ُّ ه ُ َهَ
حد ،ما لم ي ،ويسَّم :اتلث ِويب .ويسن :أن يتوىل األذان واإلقامة وا ِ مرت ِ
َُ ه
يشق).
ذكر تسعة أمور ُيستحب مراعا ُتها عند األذان.
ِ َ ُ َ ُّ َ َ ُ َ ه َ
األذان يف أول الوقت. َ قت)ُ :ي َس ُّن للمؤذن أن يؤدي (ويسن :األذان أول الو ِ
ُ
واألذان ال يخلو من حالتين:
العام الذي يكون يف المساجد ،أو لاماعة متفرقين يف بيوهتم ُّ ُ
األذان األُولى:
أول الوقت ل ُيمكِنَهم المبادر ُة إلى اإلتيان للصالة ،وهذا
يكون َ
َ وأماكنهم ،فالسن ُة أن
األِل ،كما هو ظاهر فع ِل مؤذين رسول اهلل ﷺ. ُ هو
253
كـتـاب الـصـالة 254
254
255 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
حديث َجابِ ُر ﭬ عند الرتمذي أن رسول اهلل ﷺ قال لبالل ُ للصالة ،وورد يف ذلك
ِ ِ
ﭬَ « :يا بِ َال ُل ،إِ َذا َأ اذن َْت َفت ََر اس ْل في َأ َذان َكَ ،وإِ َذا َأ َق ْم َت َف ْ
احدُ ْر.)1(»...
يكون َ َ ِ
المؤذن يف مكان مرتف ُع ل ستحب ُ ْ َ ُ َ َ ُ ُ ٍّ
أبلغ كون (وأن يكون ىلع علو) :أي ُي َ
بالل ﭬ عدد ُممكن؛ وهذا قول عامة العلماء ،وقد كان ٌ إيصال الصوت ألكرب ُ ِ يف
امرأة من بني الناار قالت :كان بيتي مِن َأ ْطو ِل بي ُ ُ روى أبو داو َد ِ
ت ْ َ َْ عن َيفع ُله ،كما َ
ِ
البيت بس َح ُر ،ف َيالِ ُس على بالل ُي ُ المساد ،وكان ٌ ِ َ
ؤذن عليه الفار ،فيأيت َ حول
َين ُظر إلى الفار(.)2
مر ﭭ قال :كان عن ِ رسول اهلل ﷺ كما يف الصحيحين ِ ِ
ابن ُع َ هدي مؤذين ُ وهو
َان :بِ َال ٌل َوا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم ْاألَ ْع َمى ،فقال رسول اهلل ﷺ« :إِ ان لرسول اهلل ﷺ م َؤذن ِ
ُ
بِ َال ًال ُي َؤذ ُن بِ َل ْيلَُ ،ف ُك ُلوا َواشـر ُبوا َحتاى ُي َؤذ َن ا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم» ،قال :ولم يكن بينهما إال
أن ينزل هذا و َي ْر َقى هذا(.)3
مكان مرتفع، ُ دليل على أهنم يؤذنون على ابن أم مكتوم ٌ فنزول بالل وِعو ُد ِ ُ
وألن العلو أبلغ يف اإلعالم ،والعلو :إما بذاتِه؛ كأن يص َعد على مكان مرتفع؛ منارة ا
أو جدار أو بيت.
أو بصوتِه كالمكربات التي ُترفع فوق المنارة ،ويكون المؤذن يف داخل
يحصل به المقصو ُد. عال ،فهذا ُ المساد ،وِوته ُ
ً َ ْ ََ
وجهه إلى السماء أثناء األذان إشار ًة إلى َ ستحب أن ير َف َع (راف ِعا وجهه) :أي ُي َ
بعض العلماء ،استحسانًا منهم ،وال ذهب ُ أبلغ يف التبليغ ،وإلى هذا َ التوحيد ،وألنه ُ
يثبت فيه شـي ٌء عن رسول اهلل ﷺ.
( )1رواه الرتمذي ( )125من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ .وإسناده ضعيف؛ فيه عبدالمنعم منكر الحديث.
قال الرتمذي« :حديث جابر هذا حديث ال نعرفه إال من هذا الوجه من حديث عبد المنعم ،وهو إسناد
ماهول».
( )2رواه أبو داود ( )512من حديث امرأة من بني الناار ڤ .وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)246/1
( )3سبق تخرياه ص(.)246
255
كـتـاب الـصـالة 256
َُُ ً َ ه ََ
وِححه ،عن أبي ا الرتمذي
ُّ (جاعِال سبابتي ِه يف أذني ِه) :ويدل لذلك :ما رواه
اهنَاَ ،وإِ ِْ َب َعا ُه فِي
اهنَاَ ،و َه ُ ُج َحيف َة ﭬ قالَ « :ر َأ ْي ُت بِ َال ًال ُي َؤذ ُن َو َيدُ ورَ ،و َي ْت َب ُع َفا ُه َه ُ
ُ
المؤذن ستحبون أن ي ِ
دخ َل العمل عند أهل العلم؛ ي ِ ُ الرتمذي« :وعليه ُأ ُذ َن ْي ِه»( .)1قال
ُ ُّ َ ُّ
النووي ،ونقل عن المحاملي أنه
ُّ إِب َعيه يف أذنيه يف األذان» ،وكذا أشار إلى هذا
قول ِ
عامة أهل العلم(.)2 ُ
وروى عبدالرزاق عن سويد بن غفلة قال« :كان ٌ
بالل وأبو محذورة ياعلون
أِابعهما يف اذاهنما باألذان»( .)3وعن الحسن وابن سـيرين« :أن المؤذن يضع
سبابته يف أذنيه»(.)4
عن ِ
ابن ُع َم َر أنه لم بعض العلماء إلى أنه ال ُيشـرع وض ُعهما ،وروي ِ وذهب ُ
بعض العلماء ،ورأوا أنهوضع اإلِبعين فقد أع الها ُ
َ يفعله ،قالوا :أما زياد ُة الرتمذي
البخاري
ُّ تفرد هبا عبدُ الرزاق دون تالميذ الثوري ،ولهذا لم يخرج الزياد َة مسند ًة ا
البخاري بصـيغة
ُّ أِل الحديث ،وإنما ع القها َ مسلم ،مع أهنم أخرجوا ٌ وال
الل َأ ان ُه َج َع َل إِ ِْ َب َع ْي ِه فِي ُأ ُذ َن ْي ِه» .قال اب ُن رجب:
التمريض فقالَ « :و ُي ْذكَر َع ْن بِ ُ
ُ
دقة نظره و ُمبالغته يف البحث عن العلل والتنقيب عنها» .
()5 ِ «وهذا مِن ِ
لكن ُيقوي زياد َة الرتمذي أن عبدَ الرزاق لم َينفر ْد هبا ،بل رواها ُمؤمل قال:
والحاكم ،والبيهقي ،واأللباين.
ُ الرتمذي،
ُّ ِحح الزيادةَ:
حدثنا سفيان به ،ولذا ا
المؤذن بزيادة الرتمذي فقدُ واسع؛ ْ
فإن أخذ ٌ واألمر يف وضع اإلِبعين
ُ
ِححها ُجمل ٌة من األئمة ،وله سلف ،وهذا أحسن ،وقد قال هبا عام ُة العلماء ،وإن
( )1رواه الرتمذي ( ،)121وابن ماجه ( ،)111وأحمد ( ،)16152وابن خزيمة ( ،)366والحاكم يف المستدرل
( )316/1من حديث أبي جحيفة ﭬ.
ابن قدامة يف المغني ( ،)301/1والشوكاين يف النيل (.)46/2
( )2الماموع ( ،)16/2وكذا نقله ُ
( )3مصنف عبدالرزاق (.)466/1
( )4مصنف عبدالرزاق (.)466/1
( )5فتح الباري البن رجب (.)316/5
256
257 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
تركها فال بأس؛ ولذا قال البخاريَ « :و ُي ْذك َُر َع ْن بِال َُل َأ ان ُه َج َع َل إِ ِْ َب َع ْي ِه فِي ُأ ُذ َن ْي ِه،
ال َي ْا َع ُل إِ ِْ َب َع ْي ِه فِي ُأ ُذ َن ْي ِه»( ،)1ففيه التوسعة يف هذا ،واهلل أعلم. َوك َ
َان ا ْب ُن ُع َم َر َ
مسألة :و ِِف ُة وض ِع اإلِبعين؟
أن ُيدخل إِبعيه السبابتين يف أذنيه ،وهو رواي ٌة عن اإلما ِم أحمدَ ،وهو قول
الامهور وهي الواردة يف حديث أبي جحيفة.
فتح أِابِ َعه وياع ُلها على أذنيه يف األذان. ُ
ويف رواية أخرى عنه :أنه َي ُ
مسألة :ولم َي ِرد تعيي ُن اإلِبع ،وهو المذهب أهنا السبابة.
ُ ِ
حديث ورد يف ذلكومن ح َكم وضع األِابع يف األذن :أنه أر َف ُع للصوت ،وقد َ
وألن من رآه من ُ
بعيد يع َلم أنه ُيؤذن وإن لم عبدالرحمن ِ
ا َ ضعيف،
ٌ بن سعد ،ولكنه
يسم ْعه(.)2
َ
َ َ ْ َ ُ
ُ
المنقول حال أذانِه القبلةَ ،وهذا هو (مستقبِل ال ِقبل ِة) :أي ُيستحب أن َيستقبِ َل َ
َ ِ أهل العلم على أن مِ َن أجم َع ُ ِ
يستقبل السنة أن فع ُله عن السلف؛ قال ابن المنذرَ « :
القبل َة يف األذان»(.)3
لكن ات َف َق العلما ُء على استحبابه ،وأما ولم َيث ُبت عن مؤذين النبي ﷺ فيه شـي ٌءِ ،
مرسل(.)4 ٌ فاستقبل القبل َة» ،فهو َ ُ
حائط حديث عبداهلل بن زيد ﭬ« :فقام على ِج ْذ ِم ُ
َ وش َماال لـ َ « :ه ً ه َ ينا لـ َ « :هَ َ ُ َ ً
الح») :ويدل لـه: َح ىلع الف ِ َح ىلع الصالة ِ»ِ ، (يلت ِفت ي ِم
الال ُي َؤذ ُنَ ،ف َا َع ْل ُت َأ َت َت اب ُع َفا ُه ما يف الصحيحين عن أبي ُج َح ْي َف َة ﭬَ « :أ ان ُه َر َأى بِ ً
ول: اهنَا َ -ي ُق ُ اهنَا َو َه ُ ان» .ويف رواية مسلمَ « :ف َا َع ْل ُت َأ َت َت اب ُع َفا ُه َه ُ اهنَا بِاألَ َذ ِاهنَا َو َه ُ َه ُ
الص َال ِةَ ،ح اي َع َلى ا ْل َف َال ِح»(.)5 ولَ :ح اي َع َلى ا َي ِمينًا َو ِش َم ًاالَ -ي ُق ُ
(ِ )1حيح البخاري -كتاب األذان /باب :هل يتتبع المؤذن فاه ها هنا وها هنا ،وهل يلتفت يف األذان.
( )2تحفة األحوذي ( ،)611/1والفتح البن رجب (.)315/5
( )3اإلجماع البن المنذر ص (.)36
ً
موِوال بغير ذكر استقبال القبلة اإلرواء (.)232 ورد
( )4مرسل ،ورجاله ثقات ،وقد َ
( )5رواه البخاري ( ،)634ومسلم ( )503من حديث أبي جحيفة ﭬ.
251
كـتـاب الـصـالة 258
( )1أخرجه الدارقطني يف أفراده ،وإسناده ضعيف .فتح الباري البن رجب ( ،)312/5نصب الراية
( ،)211/1التلخيص الحبير ( ،)501/1إرواء الغليل (.)251/1
256
259 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
( )1رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف ( ،)162/1وابن خزيمة ( ،)366والدارقطني ( ،)454/1والبيهقي يف
السنن الكربى ( )623/1من حديث أنس ﭬ.
( )2رواه أبو داود ( ،)500وأحمد ( ،)15316وابن خزيمة ( ،)365وابن حبان ( ،)1662والبيهقي يف السنن
الكربى ( )512/1من حديث أبي محذورة ﭬ .وِححه األلباين يف اإلرواء (.)515
( )3رواه أبو داود ( )536من حديث ابن عمر ﭭ .وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)236
( )4رواه أبو داود ( ،)514والرتمذي ( ،)122وابن ماجه ( ،)111وأحمد ( )11531من حديث زياد بن الحارث
مداره على عبدالرحمن ابن أن ُعم
والبيهقي؛ ألن َ
ُّ والرتمذي ،وأبو حاتم،
ُّ اإلمام أحمد،
ُ الصدائي ﭬ .وقد ض اعفه
اإلفريقي ،وهو ضعيف اإلرواء (.)231
252
كـتـاب الـصـالة 260
260
261 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
المغرب»(.)1 َ ويف الصحيحين« :أنه ﷺ ِلى العصـر ،ثم ِلى بعدها
َ ََ َُ ه ُ َ ْ َُ َ ُ ه َ َ َ ُ َ ِّ َ
يم :أن يقول مِثله ،إال يف احليعلةِ، قوهل( :وسن ل ِمن س ِمع المؤذن ،أو الم ِق
َ َ َ َ ْ َ باَّلل» ،ويف اتله ه َ َ َ ُهَ ه َُ ُ
يب« :صدقت وب ِررت» ،ويف ِ ِ ثو إال ة و ق ال و ول ح ال « : ول فيق
ََ َ ه َ ِّ َ ُ ه ُ َ َ ُ ه َ َ َ
ِب ﷺ إذا فرغ، فظ اإلقامةِ« :أقامها اَّلل وأدامها» ،ثم يصيل ىلع انل ِّ ِ ل
َُه ً َ ِ َ ه ه ه ه َ ه ه َ ُ ه ُ ُ َ
آت ُممدا ويقول« :اللهم رب ه ِذه ِ ادلعوة ِ اتلامةِ ،والصالة ِ القائ ِمةِِ ،
َ ْ ََ ُ َ ُ َُ َ ُ ََ ً َ ُ ً َ ََ َ ََ
الو ِسيلة والف ِضيلة ،وابعثه مقاما ُممودا اذلي َوعدته» ،ث هم يدعو هنا،
َ َ
وعِند اإلقام ِة).
َ
لمؤذن. ذكر ما الذي يشـرع قو ُله لمن ِ
سمع ا ُ
ُ َ ْ َُ َ َُ ُ ه َ َ َ ُ َ ِّ َ
(وسن ل ِمن س ِمع المؤذن ،أو الم ِقيم :أن يقول مِثله) :متابعة المؤذن مستحبة،
و َمن تركها فاته الفضل ولم يأ َث ُم واألمر يف قوله ﷺ« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َءَ ،ف ُقو ُلوا مِ ْث َل
جماهير العلماء، ِ محمول على االستحباب؛ عند ٌ الم َؤذ ُن» [متفق عليه](،)2 ول ُ َما َي ُق ُ
ِوارف ،منها: َ ِ
لوجود
رسول اهلل ﷺ ُي ِغ ُير إِ َذا َط َل َع ُ مالك ﭬ قال« :كان ُ أنس ِ
بن مسلم عن ِ ٌ روى ما َ
ول: انَ ،فإِ ْن َس ِم َع َأ َذانًا َأ ْم َس َك َوإِ اال َأ َغ َارَ ،ف َس ِم َع َر ُج ًال َي ُق ُ َان َي ْست َِم ُع ْاألَ َذ َ
ا ْل َف ْا ُرَ ،وك َ
ِ ِ اهلل َأ ْكبر اهلل َأ ْكبرَ ،ف َق َال رس ُ ِ
ول اهلل ﷺَ « :ع َلى ا ْلف ْط َرة»ُ ،ث ام َق َالَ :أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ
اهلل َ ُ ُ َُ ُ َُ
اار»َ ،فنَ َظ ُروا َفإِ َذا ُه َو ِ
ول اهلل ﷺَ « :خ َر ْج َت م َن الن ِ ِ اهللَ ،ف َق َال َر ُس ُ َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ
اعي مِ ْع َزى»(.)3 ر ِ
َ
ويرثَ « :فإِ َذا حضـرتِ ِ الح ِ
رسول اهلل ﷺ قال لمالك ِ َ
َ بن ُ البخاري :أن
ُّ وروى َ
الصالَ ُة َف ْليُ َؤذ ْن َل ُك ْم َأ َحدُ ُك ْمَ ،و ْل َي ُؤ ام ُك ْم َأ ْك َب ُر ُك ْم»(.)4
ا
تعليم ،ولم يأمره باإلجابة فدل على عدم وجوهبا. ُ المقام مقا ُم
َ و
261
كـتـاب الـصـالة 262
ْ َُ َ َ
يقول المؤذن تما ًما؛ لقول ِه ﷺ« :إِ َذا يقول مث َلما ُ (أن يقول مِثل ُه) :الذي ُيايب ُ
الم َؤذ ُن».ول ُ َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َءَ ،ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ
ه ُ َ ه َ َ َ ََ َُ ُ ه
احليعلةِ ،فيقول« :ال حول َوال ق هوة إال باَّلل») :لقوله ﷺُ « :ث ام َق َالَ :ح اي (إال يف
الص َالةَِ ،ق َالَ :ال َح ْو َل َو َال ُق او َة إِ اال بِاهللُِ ،ث ام َق َالَ :ح اي َع َلى ا ْل َف َالحِ َ ،ق َالَ :ال َح ْو َل َع َلى ا
َو َال ُق او َة إِ اال بِاهللِ» [رواه مسلم](.)1
َ َ َ َ ْ َ ه
يب« :صدقت وب ِررت») :أي يف قول الصالة خير من النوم يف تثويب ثو ِ (ويف اتل ِ
واألذكار توقيفية .قال الحافظ ابن ُ ابن سـيرين، عن ِ الفار يقول ذلك وهو وار ٌد ِ
حار« :وليس لصدقت وبررت أِل».
المؤذن؛ ل ُعمومَِ « :ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ
ول ُ واألظهر :أن يقول عندها مث َلما يقول
غير الحيعلتين ف َيبقى ما عداهما على أِله ،وما الم َؤذ ُن» ،ولم ُي ْس َت ْثن يف السنة ُ
ُ
مرفوعا إلى النبي. ً ت» فال َيصح رر َُروي أنه َيقولَِ « :دَ ْق َت َوبَ ْ
ِ هُ َ َ َ َ َ
المؤذن فظ اإلقامةِ« :أقامها اَّلل وأدامها») :المذهب أهنا ُتشـرع إجاب ُة (ويف ل ِ
ومتابع ُته يف اإلقامة.
الم َؤذ ُن»،
ول ُ واستدلوا :بعموم حديث« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َءَ ،ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ
أذان؛ كما قال ﷺَ « :ب ْي َن ُكل َأ َذا َن ْي ِن َِالَةٌ- ، واإلقامة من كالمه المشـروع ،بل هي ٌ
يقول ،إال يف الحيعلة ،ورجح هذا اب ُن قدامة(.)3 َثالَ ًثا -ل ِ َم ْن َشا َء»()2؛ فيقول مث َلما ُ
منصـرف
ٌ الخطاب الوار ُدُ وقيل :إنما تشـرع إجاب ُة األذان دون اإلقامة؛ ألن
ُ
المؤذن :اهلل حديث عمر ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال« :إذا قال ُ لألذان ،و َيشهد لهذا
ون اإلقامة( ،)5وكذلك لم ُينقل عن رسول األذان ُد َ ِ َ
ألفاظ أكرب اهلل أكرب ،)4(»...فذكَر
( )1سبق تخرياه ص (.)254
( )2رواه البخاري ( ،)624ومسلم ( )636من حديث عبداهلل بن مغفل المزين ﭬ.
( )3المغني ( ،)61/2وينظر :فتاوى اللانة الدائمة (.)62/6
( )4سبق تخرياه ص (.)254
بن إبراهيم ( ،)136/2الشـرح الممتع (.)62/2
( )5فتاوى ا ُ
262
263 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
الشـيخ محمدُ ب ُن إبراهيم يف فتاويه وشـيخنا ُ ورجح هذا أجاب اإلقام َة ا َ اهلل ﷺ أنه
اب ُن عثيمين.
ن» [متفق الم َؤذ ُ ول ُ وأما حديث أبي سعيد« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َءَ ،ف ُقو ُلوا مِثْ َل َما َي ُق ُ
آخر األذان دون اإلقامة؛ منها :ما جاء يف ِ ُ أمورا ُتقوي أن المرا َد هبذا عليه] ،ا
فإن هنال ً
يقول« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم ا ْل ُم َؤذ َنَ ،ف ُقو ُلواسمع النبي ﷺ ُ
ا
حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ أنه ِ
اهلل َع َل ْي ِه بِ َها َعشـراُ ،ث ام ولُ ،ث ام َِ ُّلوا َع َل اي؛ َفإ ِ ان ُه َم ْن َِ الى َع َل اي َِ َال ًة َِ الى ُ مِ ْث َل َما َي ُق ُ
اد اهللَِ ،و َأ ْر ُجو َأ ْن س ُلوا اهلل لِي ا ْلوسـي َلةَ؛ َفإِناها من ِْز َل ٌة فِي الان ِاةَ ،ال َتنْب ِغي إِ اال لِعب ُد مِن ِعب ِ
َْ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
الش َفا َع ُة» ،وهذا إنما يشـرع بعد ()1 ِ
ون َأنَا ُه َوَ ،ف َم ْن َس َأ َل ل َي ا ْل َوسـي َل َة َح ال ْت َل ُه ا َأ ُك َ
األذان ،واهلل أعلم.
َ َ هُ َ َ َ
داو َد
وردت عند أبي ُ فظ اإلقامةِ« :أقامها اَّلل وأدامها») :وهذه الكلم ُة َ (ويف ل ِ
بَ ،ع ْن َأبِي ُأ َما َم َةَ :أ ان بِ َال ًال َأ َخ َذ يف الشا ِم َع ْن َش ْه ِر ْب ِن َح ْو َش ُ عن َر ُج ُل مِ ْن َأ ْه ِل ا
ِ ِْ ِ
اهلل َو َأ َدا َم َها»الص َال ُةَ ،ق َال النابِ ُّي ﷺَ « :أ َقا َم َها ُ اإل َقا َمةَ ،ف َل اما َأ ْن َق َالَ :قدْ َقا َمت ا
()2
263
كـتـاب الـصـالة 264
داخل الصالة. الصالة ،ومن َث ام فهي ممنوع ٌة كالمن ِع من َرد السال ِم وهو ُ
ول سعيد ﭬ« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َءَ ،ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ ُ حديث أبيِ وأما عمو ُم
الم َؤذ ُن»( ،)1فهو من العام المخصوص بأمور؛ منها: ُ
الرسول ﷺ َترل ر اد ُ الصال َِة ُش ْغ ًال» ،فإذا كان ِ
حال الصالة؛ لقوله ﷺ« :إِ ان في ا ُ
ِ
المؤذن أل ْن َيرتُ َل إجاب َة واجبَ ،ف َ أن ر اده يف غيرها ِ
الصالة مع ا السال ِم وهو يف
ٌ
المسنو ِنة مِن ِ
باب َأو َلى.
ايب فإذا الحاجة ،أو يف َ ِ ِ
الخالء ،فال ُي ُ قضاء الذكر؛ ك ُ كره فيهاوكذا الحاالت التي ُي َ
َفرغ قضاها.
واحد ،وال مانع من ُ ِ
بإجابة َحصل السنة مسألة :إذا سمع أكثر من مؤذن ،فت ُ
الم َؤذ ُن»(.)2 ول ُ حديث« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َءَ ،ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ
ِ إجابة الثاين؛ ل ُعمو ِم
شـيخ اإلسالم ،ورجحه شيخنا اب ُن ُ كراره ،واختاره وهذا ِذكْر وال مانِ َع من َت ِ
عثيمين(.)3
ُ
استدرال ما فاته؛ سوا ٌء كان يف أوله أو ِ
األذان ،فهل له بعض مسألة :إذا ِ
سمع َ
ِ
آخره؟
الم َؤذ ُن» أنه ُي ُ
ايب ما ول ُ حديث« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َءَ ،ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ
ِ ظاهر
ُ
ِ
الشـيخ محمد بن إبراهيم. اختيار سمع ،وأما ما مضـى فإناه قد فات مح ُّله ،وهذا ِ
ُ
ه ول« :الله ُه هم َر هب هذه ِ ه
ادل َ
عوة ِ اتلهامةِ،
ََ َ َُ ُ
ِب ﷺ إذا فرغ ،ويق
ُ ه ُ َ ِّ َ
ىلع انله ِّ (ثم يصيل
ِ
َ ُ ََ ً َ ُ ً َ ََ ِ َُه ً َ ََ َ َ ه
آت ُممدا الو ِسيلة والف ِضيلة ،وابعثه مقاما ُممودا اذلي والصالة ِ القائ ِمةِِ ،
خمس ُسنَن ُيشـرع له المحافظ ُة عليها؛ األذان فهنال َ المسلم َو َع ْدتَ َه») :إذا ِ
سمع
ُ ُ
خمس وعشـرون ُسناة يف اليوم ٌ خمس َم ارات ،فتكون َ ُ
األذان يف اليو ِم ويتكرر
264
265 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
ِ
اإلبراهيمية ِفة ،ولو ِلى بالصالة ُ رسول اهلل ﷺ بأي ِ الثانية :ثم ُيصلي على
أكم ُل.
فهي َ
اهلل للرسول ﷺ الوسـيل َة والفضـيلةَ؛ لحديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع ْم ُرو سأل َ الثالثة :ثم َي ُ
ولُ ،ث ام َِ ُّلوا ول« :إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم ا ْل ُم َؤذ َنَ ،ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُﭭ َأ ان ُه َس ِم َع النابِي ﷺ َي ُق ُ
ا
ِ ِ
اهلل ل َي ا ْل َوسـي َلةَ؛ َع َل اي؛ َفإِ ان ُه َم ْن َِ الى َع َل اي َِ َال ًة َِ الى اهلل َع َل ْيه ب َها َعشـراُ ،ث ام َس ُلوا َ
ِ
ون َأنَا ُه َوَ ،ف َم ْن اد اهللَِ ،و َأ ْر ُجو َأ ْن َأ ُك َ َفإِ انها من ِْز َل ٌة فِي ا ْلان ِاةَ ،ال َتنْب ِغي إِ اال لِعب ُد مِن ِعب ِ
َْ ْ َ َ َ َ َ
الش َفا َع ُة» [رواه مسلم](.)2 َس َأ َل لِي ا ْل َوسـي َل َة َح ال ْت َل ُه ا
البخاري َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد
ُّ سؤال اهللِ الوسـيل َة والفضـيل َة جاءت فيما رواه ِ وِف ُة
ول اهللِ ﷺ َق َالَ « :م ْن َق َال ِحي َن َي ْس َم ُع الندَ ا َء :ال ال ُه ام َر اب َه ِذ ِه الدا ْع َو ِة التاا ام ِة، اهلل َبأ ان َر ُس َ
آت ُم َح امدً ا ا ْل َوسـي َل َة َوا ْل َفضـي َلةََ ،وا ْب َع ْث ُه َم َقا ًما َم ْح ُمو ًدا ا ال ِذي َوعَدْ َت ُه،والصال َِة ال َقائِم ِة ِ
َ َ ا
ِ ()3 ح ال ْت َله َش َفا َعتِي يوم ِ
الق َيا َمة» . َْ َ ُ َ
265
كـتـاب الـصـالة 266
حديث ُ
جابر ﭬ؛ ِ ف ا ْل ِمي َعا َد) :فإهنا لم َت ِر ْد يف فائدةٌ :وأما زياد ُة( :إِن َاك َال ُت ْخلِ ُ
ُ
رواية عند البيهقي، دت يف ور ْ ِ ِ
الصحيح ،وإنما َ سائر ألفاظ ال يف البخاري وال يف
ِ
بالشذوذ ،وحديث جابر له طريقان: وقد أع الها جمل ٌة من ُ
الح افاظ
جابر عند أحمدَ وغيره ،ولم ِتر ْد فيه. الزبير عن ُ ِ أحدُ هما :عن أبي
طريق علي بن عياش ،ورواه عنه اثنا عشـر ،أحدَ عشـر لم ِ وثانيهما :من
وج ْم ٌع ،وانفرد ِ
والبخاري يف ِحيحهَ ، ُّ المسند، يذكروها؛ منهم :اإلما ُم أحمد يف
السنن الكربى ،فلذلك ِ
الطائي كما يف رواية البيهقي يف ُّ ُّ بذكرها محمدُ ب ُن َع ْوف
حكم عليها بالشذوذ.
ول اهلل ﷺ
اص ﭬ ،عن رس ِ ِ حديث َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو اق ُ ِ ورد يف الرابعة :ثم ُ
َ ْ َ ُ يقول ما َ
ِ
شـريك َل ُه،
َ الم َؤذ َنَ :أ ْش َهدُ َأ ْن َال إ ِ َل َه إِ اال ُ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َأ ان ُه َق َالَ « :م ْن َق َال حي َن َي ْس َم ُع ُ
اإل ْس َال ِم ِدينًاُ ،غ ِف َر ضـيت بِاهللِ َرباَ ،وبِ ُم َح ام ُد َر ُس ً
والَ ،وبِ ْ ِ ُ َو َأ ان ُم َح امدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُهَ ،ر
بأس ،أو بعدَ ال َفرا ِغ مِ َن ِ
َل ُه َذ ْن ُب ُه» [رواه مسلم] ،وهذه إن قالها عند َسما ِع التشهد فال َ
()1
266
267 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
ه ُ ُ ُ َ ُُ ُ َ ُُ َ َ ََ
ج ِد بِال عذر ،أو نِي ِة رجوع). ان :اخلروج مِن المس ِ قوهل( :وَيرم بعد األذ ِ
خرج منه. أن َي ُ دخل المسادَ الذي ُأذن فيه ْ المؤذن َح ُرم على َمن َ ُ إذا أ اذن
الم ْس ِا ِد َم َع َأبِي ِ ويدُ ل لـه :ما رواه مسلم َعن َأبِي ا ِ
الش ْع َثاء َق َالُ « :كناا ُق ُعو ًدا في َ ٌ ْ َ
ِ
الم ْس ِاد َي ْمشـي َف َأ ْت َب َع ُه َأ ُبو ُه َر ْي َر َة َبصـر ُه ِ
ُه َر ْي َر َة ﭬَ ،ف َأ اذ َن ُ
الم َؤذ ُنَ ،ف َقا َم َر ُج ٌل م َن َ
اس ِم ﷺ»(.)1 حتاى َخرج مِن المس ِا ِدَ ،ف َق َال َأبو ُهريرةََ :أما َه َذاَ ،ف َقدْ َعصـى َأبا ا ْل َق ِ
َ ُ َ َْ ا َ َ َ َ ْ َ
قال الرتمذي :وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أِحاب النبي ﷺ ،ومن
عذر :أن يكون على غير بعدهم :أن ال يخرج أحدٌ من المساد بعد األذان ،إال من ُ
أمر ال بد منه(.)2 وضوء ،أو ُ ُ
المساد بعد ِ الخروج مِ َن ِ (بِال ُعذر ،أو ن هِي ِة ُر ُجوع)ُ :يستثنى مِن عدَ ِم َج ِ
واز
ِ
أمران: ِ
األذان
حصل له لمساد َ ُ ذر يف الخروج؛ كأن َي َ
آخ َر ،أو َ كون إما ًما األولَ :من كان لـه ُع ٌ
ُعذر َيمن ُعه مِن الصالة يف هذا المساد ،فياوز له الخروج.
رعف ،أو كان حاقنًا. كإنسان ُيريدُ الوضو َء ،أو َ ُ الرجوع؛ خرج ونوى
َ الثاين :إذا َ
الصالَ ُة الشـيخان َعن َأبِي ُهرير َة ﭬ َق َالُ « :أقِ ِ ِ
يمت ا َ َ َْ ْ ويدل لذلك :ما رواه
ام فِي ُم َص اال ُهَ ،ذك ََر َأ ان ُه وف قِياماَ ،ف َخرج إِ َلينَا رس ُ ِ ِ
ول اهلل ﷺَ ،ف َل اما َق َ َ َ ْ َ ُ الص ُف ُ َ ً َو ُعد َلت ُّ
بَ ،ف َق َال َلنَاَ « :م َكا َن ُك ْم»ُ ،ث ام َر َج َع َفا ْغت ََس َلُ ،ث ام َخ َر َج إِ َل ْينَا َو َر ْأ ُس ُه َي ْق ُط ُرَ ،ف َك اب َر ُجنُ ٌ
َف َص ال ْينَا َم َع ُه»(.)3
وقد جاء يف ذلك وعيدٌ كما عند ال اط َب َرانِ ّيَ ،عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬَ ،ع ِن النابِي ﷺ،
ثم َال َيرج ُع إ ِ َل ْي ِه إ ا
ال اجة -ا
ادي ثم يخرج مِنْه -إِ اال لح ُ
َ َ ُ ُ ا
َو َلف ُظهَ « :ال َيسم ُع النداء فِي مس ِ
َ ْ َ
261
كـتـاب الـصـالة 268
ُمنَافِق»(.)1
أكثر ِ ِ والنهي ُمتعل ٌق باألذان ،وتعلي ُقه
للنصوص ،وعلى ذلك ُ مخالف
ٌ أيضا
باإلقامة ً ُ
أهل العلم.
المؤذن على أذانِه من المال ،له حالتان: ُ مسألة :ما َي ُ
أخذه
األذان ُقربةٌ ،وال َي ُ
اوز َ اوز؛ ألن ِ
اإلجارة ،فإنه ال َي ُ باباألُولى :إن كان مِن ِ
بن أبي العاص ﭬ: لعثمان ِ
َ ِ
رسول اهلل ﷺ جرة على ال ُقرب؛ ول ِ
قول أخذ األُ ِ ُ
َ
خ ْذ ُم َؤذنًا َال َي ْأ ُخ ُذ َع َلى َأ َذان ِ ِه َأ ْج ًرا»(.)2
«وا ات ِ
َ
ِ
المساد شخصَ :من أ اذن هبذا الاعالة جاز؛ كأن َ
يقول
ٌ الثانية :إن كان من باب ُ
بيت المؤذن على أذانه مِن ِ
ُ الرزق وهو ما ُيع َطى فله كذاُ ِ ،
بغير عقد وال إلزامُ ،وكذا ا
جائز.
اليوم بالراتب ،فهذا ٌ
َ المال ،و ُيسمى
كره» ،وقال يف [الشـرححرم وال ُي َ ُ
الشـيخ محمدُ ب ُن إبراهيم« :وال َي ُ قال
َعلم فيه ِخالفًا».
الكبير]« :ال ن ُ
مسألة :لألذان ِِ ِ
فتان:
المشهور يف بالدنا. بالل ﭬ ،وهو أذان ُ
األولىُ :
ُ
ُ
وألفاظ اإلقامة فيه إحدى عشـر َة خمس عشـر َة جملةً.
َ ُ
وألفاظ األذان فيه
جمل ًة(.)3
الثاني ُةُ :
أذان أبي َمحذور َة ﭬ.
( )1رواه الطرباين يف المعام األوسط ( )3642من حديث أبي هريرة ﭬ .قال الطرباين« :لم يرو هذا الحديث
ً
موِوال عن أبي هريرة ،عن ِفوان وأبي حازم إال ابن أبي حازم ،تفرد به :أبو مصعب» .وِححه األلباين يف
السلسلة الصحيحة (.)56/6
( )2رواه أبو داود ( ،)531والنسائي يف الماتبى ( ،)23/2وأحمد ( ،)16210وابن خزيمة ( ،)423والحاكم يف
المستدرل 314/1من حديث عثمان بن أبي العاص ﭬ .وِححه ابن خزيمة ،والحاكم ،وابن عبدالهادي يف
تنقيح التحقيق ( ،)163/4واأللباين يف اإلرواء (.)1422
( )3سبق تخرياه ص(.)250
266
269 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
262
كـتـاب الـصـالة 270
ِ
اإلقامة؟ ال تخلو المسأل ُة من حاالت: ِ
للصالة عند مسألة :متى َيقو ُم المأمو ُم
ِ ِ
اإلقامة ،فال يقوموا للمساد ويراه المأمومون َ
قبل خرج اإلما ُم األُولى :أن َي ُ
ِ
اإلقامة. لمارد رؤيتِه بال خالف ،وإنما َيقومون عند َسما ِع ِ
عن ِ
تأخ َر اإلما ُم ِ
ِ
الخروج. القيا ِم أو عن الثانية :أن ُت َ
قام الصال ُة و َي ا
اختيار ِ
ابن رجب(.)1 ُ ذره ،وهذا فرغ مِن حاجتِه و ُع ِ فال يقومون حتى َي ُ
ول اهلل ﷺ« :إِ َذا قالَ :ق َال َر ُس ُ ويدل له :ما يف الصحيحين عن َأبِي َقتَا َد َة ﭬ َ
َس ب ِن مال ِ ُ ِ الصالَ ُةَ ،فالَ َت ُقو ُموا َحتاى َت َر ْونِي»( ،)2ويف ُأقِ ِ
كﭬ الصحيحين َع ْن َأن ِ ْ َ يمت ا َ
ادَ ،ف َما َقا َم إِ َلى ِ ب المس ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الصالَ ُة َوالناب ِ ُّي ﷺ ُينَاجي َر ُج ًال في َجان ِ َ ْ يمت ا َق َالُ « :أق َ
لوسا؛ إذ لو كانوا قِيا ًما لكان الصالَة َحتاى نَا َم ال َق ْو ُم» ،ونَو ُمهم َيدُ ل أهنم كانوا ُج ً
()3 ِ
ا
وأهو ُن ،إال إن كانت حاج ُته قصـيرةً. َ وأيضا هو أر َف ُق هبم النو ُم بعيدً ا عنهمً ،
قام الصال ُة بعد ُدخوله المسادَ وإقبالِه، ِ
يقوم اإلما ُم مع اإلقامة ،أو ُت َ الثالثة :أن َ
اإلقامةْ ،أو معِ فإن قام مع ِ
أول نص يف تحديد اللفظة التي يقام عندهاْ ، فال يوجد ٌّ
اإلقامة؛ مِن
ِ راغه مِ َنقبل َف ِ
قوم َ أن األَو َلى أن َي َ حس ٌن ،إال ا لفظ ( َقدْ َقا َم ْت) ف ُك ُّل ذلك َ
ِ
والحس ِن ِ
بن تكبير اإلمام ،وقد ُر ِوي عن ُ
أنس ِ االستعداد وتعدي ِل الصف قبل ِ أج ِل
َ ْ
أن ال حسن ْ علي ﭫ أهنما كانا يقومان مع قوله( :قد قامت) ،وهما ِحابيان ،ف َي ُ
()4
210
271 ن وَاإلِقَامَةِ
ب األَذَا ِ
بَا ُ
ِ
اثنتان ،فيااب عنه بما ورد عند ُم ُ
سلم أنه ِ
التكبير أرب ًعا يف أول األذان ،وأما ما َ
ُ وفيها
يلي:
مسلم أرب ًعا. ُ بعض ِ
نسخ ِ ورد يف أنه َ
ِ
االثنتين(.)1 لألحاديث األخرى ،ف ُتقدا م على ِ ثقة موافق ٌةأن األربع زياد ُة ُ و ا
َ
ِ
األذان: يب يف مسألة :الت ِ
اطر ُ
البخاري: النوع مكروه ،وقد َخ ار َج ونحوه ،وهذا ِ الغ ِ
ناء أوزان ِ
ِ وهو َت ْل ِحينُه على
ُّ ُ
فطر َب يف أذانِه ،فقال له« :أذ ْن أذانًا َس ْم ًحا وإال بن عبدالعزيز أ اذن ا
أن مؤذنًا لعمر ِ ِ
ُ ََ ا
بغ ُضك يف اهلل؛ إنك َت ِ لمؤذن« :إين ُأ ُِ
بغي ابن ُع َم َر ﭭ أنه قال عن ِ وروي ِ فاعت َِز ْلنا»ُ ،
والتطريب فيه ،وقال ِ المشـروع بت َْمطيطِه
َ تااو ُز الحدا شـير إلى أنه َي َ يف أذانك»ُ ،ي ُ
ِ
ِ ث؛ يعني لم ي ُكن على ِ
رسول اهلل عهد ْ اإلما ُم أحمدُ يف التطريب يف األذان :هو ُمحدَ ٌ َ
ُ
وإسحاق(.)2 والشافعي، مالك، كرهه ٌ ﷺ ،وكذا ِ
ُّ
لوقت واحد ،ولذا قال ُ ُ
واحد ُ
مساد ظاهر السنة أنه ال يشـرع إعاد ُة األذان يف و ُ
ادُ وا إِ اال َأ ْن الصف األَ او ِلُ ،ثم َلم َي ِ ِ ِ
ا ْ ااس َما في الندَ اء َو ا رسول اهلل ﷺَ « :ل ْو َي ْع َل ُم الن ُ ُ
َ
األذان ال دليل على ا
أن ال ْست ََه ُموا» [متفق عليه]( .)3قال اب ُن رجب« :هذا ٌ َي ْست َِه ُموا َع َل ْي ِه َ
أذان الفار ،وإال فلو شـرعت إعاد ُته لما ِ ُيشـرع إعاد ُته مر ًة بعد مرة ،إال يف
جماعة وقد ُأذن فيه ُ ِ
مساد واحد»( ،)4فإذا جئت إلى ُ است ََهموا ،وأل اذن واحدٌ بعد
باإلقامة فقط.ِ وفا َتتْك الاماع ُة ،فال ُيشـرع لك إعاد ُة األذان ،ولكن َتكتفي
والمأثور عن السلف عند سماع األذان تأمل ألفاظه ،ومتابعته والتأثر به ،ولهم يف
ٌ
أحوال: ذلك
211
كـتـاب الـصـالة 272
212
273 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
e ط الصَّالةِ
بابُ شُرُو ِ
F
ٌ
وأركان، ٌ
شـروأ، ِ
شـروأ الصالة وأحكامها ،والصال ُة لها ع َقد هذا الباب ِ
لبيان َ
ومستحبات ،ويأيت ُ
بيان ذلك كله. ٌ وواجبات،
ٌ
ِ
والشـروأ: ِ
األركان وال َف ُ
رق بين
األركان ف ُك الما َفرغ
ُ ِ
الصالة ،أ اما الشـروأ ال ُبدا مِ ِن استِ ِ
مرارها إلى َفرا ِغ َ أوال :ا
أن ً
كن َ
آخ َر. َقل إلى ُر ُ مِن ُ
ركن انت َ
ُ ِ
سـيان وال َع ِ ِ
األركان فال از ،أ اما الاملة قد َتس ُقط َ
بالاه ِل والن ُ
الشـروأ يف ُ ثان ًيا:
َتس ُقط ُمطل ًقا.
تكون قب َلها ،وأ اما أركا ُنها ففي أثنائها. ُ ِ
الصالة ُ
شـروأ ثال ًثا:
َ ه َُ َ ُ
الق َ
درة ِ). زي ،وكذا :الطهارة مع والع ْق ُل ،واتلهمي ُ
َ ُ ٌَ
ويه ت ِسعة :اإلسالم، قوهلَ ِ ( :
ِِ
ُ ٌَ ( َِ
ويه ت ِسعة :اإلسالم) :فال تصح ِالة الكافر.
َْ ُ
(والعقل) :فال تصح ِالة المانون.
زي) :وهو من عمره سبع سنين فال تصح ِالة من دوهنا ولذا أمر النبي (واتلهمي ُ
ِِ
بأمره بالصالة إذا بلغ سبعًا.
التمييز يف الحج فإناه ال َ تص ُّح بدُ ونِها ،اإال ُ
عبادة فال ِ شـروأ يف كل ٌ وهذه الثالث ُة
غير ُ ِ
مميز كما يأيت بيا ُنه يف كتاب الحج ،ولذا حج الصبي ولو كان َ ُيشرت َُأ بل يص ُّح ُّ
ِ لمعرفتِها َ ِ ا
واشتهارها. الشـروأ الثالث َة َ العلماء ال َيذ ُكرون هذه بعض فإن َ
درة ِ) :فالطهار ُة مِن الحدَ ِ ُ
مع الق َ ه َ َُ َ
ث األكربِ واألِ َغر شرأ َ (وكذا :الطهارة
لصحة الصالة؛ لحديث أبي ُهرير َة ﭬ أن النابِي ﷺ َق َالَ « :
ال َي ْق َب ُل ُ
اهلل َِالَ َة
213
كـتـاب الـصـالة 274
ِ
وحديث ِ
ابن ُع َم َر ﭭ مرفوعًاَ « :ال ث َحتاى َيت ََو اض َأ» [متفق عليه](،)1 َأ َح ِد ُك ْم إِ َذا َأ ْحدَ َ
ِ
الطهارة ورَ ،و َال َِدَ َق ٌة مِ ْن ُغ ُل ُ
ول» [رواه مسلم]( .)2وس َبق ُ
بيان ُت ْق َب ُل َِ َال ٌة بِ َغ ْي ِر ُط ُه ُ
ِ
الطهارة. ِ
كتاب وأحكامِها يف
قت). ُ ُ َ َ ُ
قوهل( :اخلامس :دخول الو ِ
ِ
الصالة. دخ َل ُ
وقت أن َي ُ فيشرتأ ْ
ويدُ ُّل لـه أدل ٌة كثيرةٌ :كقوله تعالى﴿ :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾
[اإلسـراء ،]16 :وقوله﴿ :ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [النساء.]103 :
الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َها»(.)3 ِ
لص َالة َو ْق ٌت ك ََو ْقت ا ْل َحجَ ،ف َص ُّلوا ا
ِ ِ ُ
َق َال ا ْب ُن َم ْس ُعود ﭬ« :ل ا
ربيل حي َن حديث ِج َ ِ المب اين يف ِ
اهلل ال تص ُّح إال به وهو ُ وقت شـرطه ُ فالصال ُة لها ٌ
الخمس ،ثم قال« :ا ْل َو ْق ُت َبيْ َن َه َذ ْي ِن»(.)4
ِ ِ
بالصلوات أم النبي ﷺ
ا ا
قبلالمغرب َ
َ غير جمعُ ،فلو ِ الى الصالة على وقتِها يف ِ ِ تقديم
ُ ياوز
ُ فال
ِ
األئمة تص اح ِال ُته و َي َلز ُمه اإلعاد ُة ،وهذا قول الزوال لم ِ
ِ قبلالظهر َ ِ
الغروب أو
َ
ِ
األربعة.
فرائضها ،وأهنا ِ الصالة مِن
ِ وقت
أن َ خالف بين الع ِ
لماء ا عبد ال َبر« :الوقال ابن ِ
َ َ ُ ُ
قبل وقتِها»(.)5 از ُ َ ال ُت ِ
214
275 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ِّ َُ ْ َ َ ُّ ُ ِّ َ َ ه َ َ ُ ُّ
ري ظِ ل ُك َشء مِثلهِ ،س َوى ظِ ل وال ،إىل أن ي ِصهر :مِن الز ِ ِ الظ قوهل( :فوقت
ال). ه َ
الزو ِ
خرج؟ ُ الوقت َف ْر ٌض ب اين هنا :متى َي ُ لما ب اين ا
وقت كل ِالة ومتى َي ُ دخل ُ َ أن ا
ِ
العلماء؛ َقا َله ابن ا ْلمن ِْذ ِر وابن َعبدِ ِ
فوقت الظهرَ :يبدأ إ َذا َزا َلت ا
الش ْم ُس بإجما ِع ُ
َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ ُ
نحوا ْل َبر ؛ لقولـه تعالى﴿ :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [اإلسـراء ،]16 :أي ميلِها َ
()1
ِ
األول جابر ﭬ« :أن جربيل ڠ ِ الى بالنبي ﷺ يف اليو ِم ُ ِ
ولحديث ال ُغ ِ
روب،
الشمس.)2(»... حين زا َل ِ
ت
ُ َ
ت ا
الش ْم ُس»(.)3 ول اهللِ ﷺ َق َال« :و ْق ُت ال ُّظه ِر إِ َذا َزا َل ِوروى مسلم َأ ان َر ُس َ
ْ َ
ِّ ه َ ُ َ َ ْ َ َ ُّ ُ ِّ َ
ِ
الظهر ال) :أي ويخرج ُ
وقت (إىل أن ي ِصري ظِ ل ُك َشء مِثلهِ ،سوى ظِ ل الزو ِ
ُ
شـيء مِث َله. ظل كلإذا ِار ُّ
ه َ ِّ َ
ال) :وهو القدر الباقي من الظل عند الزوال ،فإذا ضبطت الظل ( ِسوى ظِ ل الزو ِ
الذي زالت عليه الشمس وبلغت الزيادة عليه قدر الشاخص ،فقد انتهى وقت
َان ظِ ُّل
الش ْم ُس َوك َت ا الظهر ودخل وقت العصـر؛ لقوله ﷺ« :و ْق ُت ال ُّظه ِر إِ َذا َزا َل ِ
ْ َ
مالك،ُ قول اإلما ِمالر ُج ِل َك ُطول ِ ِهَ ،ما َل ْم َي ْحضـر ا ْل َعصـر» [رواه مسلم]( ،)4وهذا ُ ا
والشافعي ،وأحمد.
َ ه َ َ ُّ ُ ِّ َ ُ ُ َ ُ َ ُ َ
صري ظِ ل ُك َشء مِثلي ِهِ ،س َوى َص ،حَت ي ِ ِ ار للع قوهل( :ث هم يلِي ِه :الوقت المخت
وب). ُُ الز َو ُ ه ُ َ ُ َ ُ َ ظِ ِّل ه
ال .ثم هو وقت َضورة ،إىل الغر ِ ِ
ظل الرج ِل مِث َله ،وهذا الظهر ،أي إذا ِار ُّ ِ خروج ِ
وقت ِ وقت العصـرَ :يبد ُأ مِن ُ
215
كـتـاب الـصـالة 276
وأحمدُ . َ والشافعي، مالك، العلم؛ منهمٌ : ِ أكثر أه ِل قول ِ ُ
ُّ
اليومين ،ويف اليو ِم ِ رسول اهللِ ﷺ يف ِ ِ
ِالة جابر ﭬ« :يف ُ ُ
حديث و َيدُ ُّل لـه:
ظل الرج ِل مِث َله». األول ِ الى العصـر حين ِار ُّ ِ
َض َ قت َ ُ ِّ ه َ ُ ه ُ َ ُ َ َ ه َ َ ُّ ُ ِّ
ورة ،إىل ال .ثم هو و صري ظِ ل ُك َشء مِثلي ِهِ ،سوى ظِ ل الزو ِ (حَت ي ِ
ِ الغ ُروب) :لِلعصـر و ِ ُ
راري.
اختياري واضط ٌّ ٌّ قتان: َ ِ
ُ
كراهة. ؤخ َر الصال ُة إليه مِن ِ
غير ياوز أن ُت ا ُ فاالختياري:
ُّ
ُ
حاجة. راري :ينهى عن تأخيرها إليه ِ
لغير ِ
واالضط ُّ
أن يصير ظل كل شيء الظهر إلى ْ ِ ِ
وقت ِ
خروج ختار :ف َيبد ُأ مِن الم ُ أما وق ُتها ُ
ه َ َ ُّ ُ ِّ ُ
صري ظِ ل ُك َشء أن ُيؤد َيها يف أي وقت منه ،وعرب عنه بقوله( :حَت ي ِ مثليه ،فله ْ
للسن ِاة. ب أقر كان هبا ر ا
ك ب وكلما ،) ال و مِثلَيه ،س َوى ظِ ل ه
الز َ ِّ
َ َ ُّ َ ِ ِ ِ
أن يصير ظل كل شيء مثليه إلى الغروب، حين ْ ِ فمن الضـرورةِ :ِ وقت
وأما ُ
ِ
بغروب خر ُج إال الوقت أدا ٌء ال َقضا ٌء؛ ا ِ
وقت العصـر ال َي ُ َ ألن فالصال ُة يف هذا
البخاري أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ َذا َأ ْد َر َل َأ َحدُ ُك ْم َس ْادَ ًة مِ ْن ُّ الشمس؛ ل ِ َما َرواه ِ
الش ْم ُسَ ،ف ْل ُيتِ ام َِالَ َت ُه»(.)1 َِال َِة ال َعصـر َق ْب َل َأ ْن َت ْغ ُر َب ا
ذر؛ لغير ُع ُ الشمس ِ ِ اِف ِ
رار ِ ِالة العصـر إلى ما بعدَ ِ ِ
تأخير نهى عن لكن ُي َ
ْ
ِ ِ لو ِ
ب رسول اهلل ﷺ« :ت ْل َك َِ َال ُة ا ْلمـُنَاف ِق؛ َي ْالِ ُس َي ْر ُق ُ ِ جر عن ذلك يف ِ
قول الز ِ رود ا ُ
يها إِ اال ِ ِ
اهلل ف َ الش ْم َس َحتاى إِ َذا كَان َْت َب ْي َن َق ْرن َِي الشـي َطانَ ،قا َم َفنَ َق َر َها َأ ْر َب ًعاَ ،ال َي ْذ ُك ُر َ ا
َقلِ ًيال» [رواه مسلم]( ،)2ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليه ،وجعله عالمة النفاق.
محر ٌم أم مكرو ٌه؟
وهل تأخيرها لما بعد االِفرار لغير عذر ا
ُ
رسول اهلل ﷺ وِفها ِ
قوالن :هما روايتان يف المذهب؛ األظهر أنه ال ياوز؛ إذ َ
216
277 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
211
كـتـاب الـصـالة 278
( )1حديث أبي موسـى ﭬ سبق تخرياه ص( ،)214وحديث جابر ﭬ سبق تخرياه ص( .)215وأما
حديث بريدة ﭬ :رواه مسلم (.)614
( )2رواه البخاري ( ،)541ومسلم ( )641من حديث أبي برزة األسلمي ﭬ.
( )3رواه البخاري ( )664من حديث عائشة ڤ.
( )4رواه البخاري ( )512من حديث أنس ﭬ.
216
279 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ف ال ال ْي ِل»( ،)1وهذا مذهب اإلما ِم أبيﷺ َق َالَ « :فإِ َذا ِ الي ُتم ا ْل ِع َشاء َفإ ِ انه و ْق ٌت إ ِ َلى نِص ِ
ْ َ ُ َ َ ْ ُ
وإسحاق ،والبخاري. َ وأحمدَ ،
َ حنيفةَ ،والشافعي،
ِ
للناس؛ ألنه ُ
يكون ذلك ُمراعا ًة ثلث الليلِ ،فقد وما نقل أنه كان يصليه إلى ِ
ُ
ت ياوز التأخير بعدَ ه ،وقد د ال ِ
ُ النصف ،وليس فيها أنه ال ِ ِ
التأخير إلى أر َف ُق هبم مِ َن
ُ
األخذ بما د الت عليه مِ ِن ُ التأخير إلى النصف ِ
فلزم ِ ِ
إثبات األحاديث األخرى على ُ
نصف الليلِ. ِ الوقت إلى ِ ِ
امتداد
ه ْ الف ْجر ،إىل ُ ُ َ ُ َ ُه َ
وق الشم ِس). ِ رش ِ قت و : ه
ِ يِ ل قوهل( :ثم ي
الحاكم الصادق ،وقد َروى ِ ِ
الفار دخ ُل إال بطلو ِع الف ال َي ُ الفار :بال ِخ ُ ِ وقت
ُ
ُ
ول ال ال ِـه ﷺ َق َال« :ا ْل َفار َفار ِ
انَ :ف ْا ٌر َي ْح ُر ُم اس ﭭ َأ ان َر ُس َ عن ا ْب ِن َع اب ُ وِححه ِ
ُْ َْ ا
ِ ِ ِ ِ
الص َال ُة َو َيح ُّل فيه ال اط َعا ُم» ،و ُنق َل ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الص َال ُةَ ،و َف ْا ٌر َت ْح ُر ُم فيه ا فيه ال اط َعا ُم َو َتح ُّل فيه ا
()2
ِ
الصادق(.)3 ِ
الفار الفار إال بطلو ِع ِ ِ
ِالة دخ ُل ُ
وقت اإلجماع على هذا ،وأنه ال َي ُ ُ
ِ ْ ه ُ ُ
الشمس ،وعليه وق الشم ِس) :ينتهي وقت ِالة الفار بشـروق (إىل رش ِ
وخ َل ًفا.العلماء َس َل ًفا َ ِ مهور
ُج ُ
مسلم َأ ان َنبِ اي اهلل ﷺ قال« :إِ َذا َِ ال ْيتُ ُم ا ْل َف ْا َر َفإِ ان ُه َو ْق ٌت إِ َلى َأ ْن ٌ ويدُ ُّل لـه :ما َرواه
س ْاألَ او ُل»(.)4 الش ْم ِ َي ْط ُل َع َق ْر ُن ا
ٌ
ِادق. وفار
ٌ كاذب،
ٌ فار
فائدةٌ :الفار فارانٌ :
أما الفار الكاذب فهو الذي ال يدخل به الوقت وال يحرم به الطعام على
الصوام.
وأما الفار الصادق فهو الذي يدخل به الوقت ويحرم به الطعام على الصوام،
212
كـتـاب الـصـالة 280
ٌ
فروق: وبينهما
متصال من مطلع الشمس إلى العلو ،وأما
ً فالفار الصادق يكون بياضه ونوره
الفار الكاذب فبينه وبين األفق ظلمة.
والفار الصادق يطلع ثم يبدأ نوره باالزدياد شـي ًئا فشـي ًئا حتى تطلع الشمس،
وأما الفار الكاذب فيخرج ثم يزول ،ثم يخرج بعده الفار الصادق.
معرتض بين الشمال والانوب.
ٌ والفار الصادق
هذا هو وقت الصلوات الخمس ،فال ياوز أداؤها قبل دخول وقتها وال بعد
لعذر يبيح له ذلك؛ كالامع بين الصالتين. خروج وقتها إال ُ
َ
اإلحر ِام). قت :ب َتكب َ
رية ِ
ُْ َ ُ َ ُ
قوهل( :ويدرك الو
ِ ِ
ِ ِ
خروجه؛ لحديث َعائ َش َة ِ قبل ِ
در ُل بإدرال تكبيرة اإلحرا ِم َِ المذهب :ا
الوقت ُي َ َ أن ُ
ول اهللِ ﷺَ « :م ْن َأ ْد َر َل مِ َن ا ْل َعصـر َس ْادَ ًة َق ْب َل َأ ْن َت ْغ ُر َب ڤ َقا َل ْتَ :ق َال َر ُس ُ
الص ْبحِ َق ْب َل َأ ْن َت ْط ُل َعَ ،ف َقدْ َأ ْد َرك ََها» [رواه مسلم](.)1 ِ
الش ْم ُسَ ،أ ْو م َن ُّ
ا
خروج الوقت ،وهذا ِرواي ٌة عن ِ ركعة َ
قبل ُ ِ
بإدرال درل واألقرب :ا
الوقت ُي َ َ أن
ِ
الامهور. مذهبُ أحمدَ وهو اإلمام َ
ول اهللِ ﷺ َق َالَ « :م ْن ين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َأ ان َر ُس َ الصحيح ِ
َ ويدُ ُّل لـه :ما يف
الص ْب َحَ ،و َم ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة مِ َن
الش ْم ُسَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ُّ
الص ْبحِ َق ْب َل َأ ْن َت ْط ُل َع ا ِ
َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ُّ
الش ْم ُسَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ا ْل َعصـر»(.)2 ا ْل َعصـر َق ْب َل َأ ْن َت ْغ ُر َب ا
ب أول الوقت ،فهل ِ الوقت ،كما لو حاضت امرأة َ ِ إدرال ِ ُ
يا ُ أول مسألةٌ :وأ اما
عليها ال َقضا ُء؟
ِ ِ َت مِ َن
إن َأدرك ْ
المذهب :أناها ْ
العذر
ُ مقدار تكبيرة اإلحرا ِم ،ثم َ
حصل َ الوقت ُ
ِ ِ
بق َيت يف ذ امتها حتى َت ُ
طهر.
260
281 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
حيض ،فال ُ نون أو الوقت ثم َطر َأ مانع مِن ج ُ ُ دخل عليها أن َمن َ القول الثاين :ا ُ
ٌ ْ ُ َ
لك، قول اإلما ِم ما ُ الوقت ،وهذا ُ ُ أخ َر ْتها حتى َتضا َي َق قضا َء عليها إال إذا كانت ا
ِ
وسع ،وما أخ َر ْتها بإذن الشارعِ ،فوق ُتها ُم ا قوةٌ؛ ألناها ا شـيخ اإلسالمِ ،وفيه ا ُ واختاره
َ
ُ ِ
مضمون. َتر اتب على المأذون ُ
غير
أحو ُأ و َأ َبر ُأ للذ ام ِة. ِ
والمذهب ب ُلزو ِم ال َقضاء َ
ََ َ ُُ َ ُ ه
از).
قت اجلو ِ ري الصالة ِ عن َو ِ خ
قوهل( :وَيرم :تأ ِ
رسول َ ياوز؛ ا
ألن ُ غير ُ
عذر ال والعشاء عن الوقت المختار مِن ِ ِ تأخير العصـر َ
الصالة ِلى يف يومين ُث ام َأ اخ َر ا ْل َعصـر يف اليوم ِ ِ
واقيت لما َس َأله رجل عن َم ِ
اهلل ﷺ ا
الش ْم ُسُ ،...ث ام َأ اخ َر ا ْل ِع َشا َء ت ا ول َق ِد احمر ِ
ْ َا ْصـرف مِن َْهاَ ،وا ْل َقائِ ُل َي ُق ُ َ الثاين َحتاى ان
السائِ َلَ ،ف َق َال« :ا ْل َو ْق ُت َب ْي َن َه َذ ْي ِن»(،)1 َان ُث ُل ُث ال ال ْي ِل ْاألَ او ُلُ ،ث ام َأ ِْ َب َح َفدَ َعا ا َحتاى ك َ
ف ال ال ْي ِل» [رواه مسلم]. ولقولهَ « :فإِ َذا ِ الي ُتم ا ْل ِع َشاء َفإِ انه و ْق ٌت إ ِ َلى نِص ِ
ْ َ ُ َ َ ْ ُ
ِ ِ
ب وقال عن تأخير العصر بعد اإلِفرار« :ت ْل َك َِ َال ُة ا ْلمـُنَاف ِق؛ َي ْالِ ُس َي ْر ُق ُ
يها إِ اال ِ ِ
اهلل ف َ الش ْم َس َحتاى إِ َذا كَان َْت َبيْ َن َق ْرن َِي الشـي َطانَ ،قا َم َفنَ َق َر َها َأ ْر َب ًعاَ ،ال َي ْذ ُك ُر َ ا
َقلِ ًيال» [رواه مسلم].
ََ َ َ َ َُ ُ َ ُ ْ
قت مع الع ْز ِم علي ِه). َ
ري ف ِعلِها يف الو ِ خ
قوهل( :وَيوز :تأ ِ
وقت الصالة ألن َ آخ َره؛ ا الوقت أو ِ ِ إن شاء ف َعل الصال َة َ
أول المصلي ُمخ اير ْ ُ
وسع ،فإن عزم على تأخيرها عن أول الوقت فيلزمه العزم على أدائها يف الوقت ما ُم ا
ذركنزول ُع ُ ِ ماعة ،أو حصول مانع وات واجب كصالة الا ِ لم يؤد تأخيرها إلى َف ِ
َ ُ
وقت الضـرورةِ. خول ِ كالحيض واإلغماء ،أو ُد ِ ِ َيمن َُع
َ ُ ه ُ ه ََ
قت :أفضل). قوهل( :والصالة أول الو ِ
َديالطاعة واقتدا ًء هب ِ ِ ألن فيه مبادر ًة إلى فِع ِل الوقت؛ ا ِ أول ِ
الصالة َ ُ
األفضل أدا ُء
رسول اهللِ ﷺ القولي والفعلي يف ذلك. ِ
261
كـتـاب الـصـالة 282
262
283 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
َ
األفضل.
عارض عبد ال َبر وال َبيهقي ،فال ُي ِ ضعيف ،ضعفه ابن ِ ٌ ُ
الحديث وقيل :هذا
ُّ ُ ا
ِ
التغليس. َ
األحاديث الثابت َة يف
أحاديث الم ِ
بادرة، ِ ِ
مومات استحباب تعاي ِل أدائها؛ ل ُع ُ
فاألِل الظهر: وأ اما
ُ ُ ُ
اج َر ِة»( .)1وعن َجابِ ِر ْب ِن اله ِ َان النابِ ُّي ﷺ ُي َصلي ال ُّظ ْه َر بِ َ جابر ﭬ« :ك َ حديث ُ ُ ومنها:
الش ْم ُس»(.)2 ت ا َان النابِي ﷺ يصلي ال ُّظهر إِ َذا دح َض ِ َس ُم َر َة ﭬ َق َال« :ك َ
َ َ َْ ُ َ ُّ
تأخيرها واإلبرا ُد هبا حتى َتنكسـر ُ
فاألفضل ِ
الصـيف إال عند اشتداد الحر يف
ُ
الحر مِ ْن ِ
الصالَة؛ َفإِ ان شدا َة َ
ِ
الح ُّر َف َأ ْب ِر ُدوا َع ِن ا
ِ
حد ُة الحر وشد ُته؛ لحديث« :إِ َذا ْاشتَدا َ
َف ْيحِ َج َهن َام»(.)3
ِ مهور الع ِ
َس لحديث َأن ِ لماء؛ ِ ُ قول ُج التعايل ،وهذا ُ ُ فاألفض ُل فيها َ وأ اما العصـر:
يه ْماءَ ،ف َي ْأتِ ِ اهب مِناا إ ِ َلى ُقب ُ ك ﭬ َق َالُ « :كناا نُصلي العصـرُ ،ثم ي ْذ َهب ا ِ ب ِن مال ِ ُ
َ الذ ُ ا َ ُ َ َ ْ َ
وحديث رافِ ِع ْب َن َخ ِديجُ تقالُ « :كناا ُن َصلي ا ْل َعصـر م َع رس ِ الش ْم ُس ُم ْر َت ِف َع ٌة»(،)4
ول َ َ ُ ُ َ َو ا
َضـياا َق ْب َل ورَ ،ف ُت ْق َس ُم َعشـر قِ َس ُمُ ،ث ام ُت ْط َب ُخَ ،فن َْأ ُك ُل َل ْح ًما ن ِ
ً اهلل ﷺُ ،ث ام ُتن َْح ُر ا ْل َا ُز ُ
س»(.)5 الش ْم ِ يب ا َم ِغ ِ
غيم ،فقال: غزوة يف يو ُم ذي ُ ُ ويف البخاري عن أبي المليح قال :كنا مع بريدة يف
بكروا بصالة العصـرَ ،فإِ ان النابِ اي ﷺ َق َالَ « :م ْن َت َر َل َِالَ َة ال َعصـر َف َقدْ َحبِ َط
َع َم ُل ُه»(.)6
تأخيرها حتى َتش َتبِ َك الناو ُم؛ خالف ،ويكر ُهُ فالسنا ُة تعاي ُلها بال الم ِ
ُ غر ُبُّ : وأما َ
263
كـتـاب الـصـالة 284
رسول اهللِ ﷺ قالَ « :ال َت َز ُال ُأ امتِي بِ َخيْ ُر َ وِححه اب ُن ُخزيم َة ا
أن ا داو َد
كما َروى أبو ُ
َما َل ْم ُي َؤخ ُروا ا ْل َم ْغ ِر َب إِ َلى َأ ْن َت ْش َتبِ َك الن ُُّاو ُم»(.)1
اب النابِي ﷺ َاس مِ ْن َأ ِْ َح َِان ال ُم َؤذ ُن إِ َذا َأ اذ َن َقا َم ن ٌ
أنس ﭬ َق َال« :ك َ ُ وعن
الر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل
ون ا الس َو ِار َيَ ،حتاى َي ْخ ُر َج النابِي ﷺ َو ُه ْم ك ََذل ِ َكُ ،ي َص ُّل َ ون ا َي ْبت َِد ُر َ
ُّ
اإل َقا َم ِة شـي ٌء»(.)2
ان َو ِ ب ،و َلم ي ُكن بين األَ َذ ِ
الم ْغ ِر ِ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ
كثر ِ فاألفض ُل فيها وأما ِ
ين ،وبه قال أ ُ يشق على المأموم َ التأخير ما لم ا ُ َ العشا ُء:
ِ
العلماء.
شاء َم ار ًة ،ثم قال: الع ِ أخر ِال َة ِ رسول اهللِ ﷺ ا َ ويدُ ُّل لذلك :ما يف الصحيحين ا
أن
فإن َش اق عليهم فالسن ُة ُمراعا ُة حالهم «إِ ان ُه َل َو ْق ُت َها َل ْو َال َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُأ امتِي»(ْ ،)3
جابر ﭬ قال« :و ِ
الع َشا َء َأ ْح َيانًا َو َأ ْح َيانًا ،إِ َذا َر ُ الشـيخان عن ُ ِ
آه ُم َ قديمها؛ لما َرواه و َت ُ
آه ْم َأ ْب َط ُؤوا َأ اخ َر»(.)4 اجت ََم ُعوا َع اا َلَ ،وإِ َذا َر ُ
ْ
ُّ ه ُ َ َ ً َ ه ُ َ
ــاء الصـــالة ِ الفائ ِت ِة م َرتبة ف ً ه َ َ
قوهل( :وَيــب :قض ُ ُ َ
ورا .وال ي ِصــح :انلفل ِ
َ ِّ َ ُ ه َ ُ ُ ُ َ ُ َ ْ
قت ،ولو ان ،وب ِ ِضيِ ِق الو ِ المطلــق إذن .ويسقط الَّتتِيب :بالنسي ِ
َ
ار).
ل ِالختِي ِ
أحكام: الفريضة حتى خرج وقتها تر اتب عليها ِ ت العبدَ ِال ُة إذا فا َت ِ
ٌ
ِ َ َ ُ َ َ ُ ه
الفريضة حتى ــاء الصـــالة ِ الفائ ِت ِة) :من فاتته ِال َة وَيــب :قض األولِ ( :
حالتين: ِ خرج وقتها ،فال يخلو مِن َ
ُ ِ
ب قضاؤها ض أو نسـيان ،ف َي ِا ُ مر ُ ذر ،كنَو ُم أو َ يكون َفوا ُتها ل ُع ُ َ األُولى :أن
ال َك اف َار َةرسول اهلل ﷺَ « :م ْن نَسـي َِالَ ًة َف ْل ُي َصلها إِ َذا َذك ََر َهاَ ، ِ ِ
لقول بإجما ِع العلماء؛
264
285 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
از ْ ولم َتربَأ ذم ُته سواء واختار شيخ اإلسالم أنه ال َيقضـيها ،ولو َقضاها لم ُت ِ
تص ُّح منه، الصالة َعمدً ا ال يشـرع له قضاؤها ،وال ِ ِ كثر عددها أو قل وقالُ « :
تارل
ُ ُ
التطو ِع»(.)3
ُّ بل ُيكثِ ُر مِ َن
رسول اهللِ ﷺَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال ُ واقيت ،وقد قال ِ الم
أحاديث ََ ومما احتاوا به
خول وقتِها قبل ُد ِ بالقياس ،فكما أهنا ال ُتق َب ُل َ ِ َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»( .)4وقالوا
الوقت الذي ِ تقرير أهم اي ِة
ِ روجه ،وقد أطال ُ
شـيخ اإلسال ِم يف فكذلك ال ُتق َب ُل بعد ُخ ِ
الناس يف زمانِنا. ِ كثير مِ َن
أضاعه ٌ
ِ ب َقضاؤها مرتبةً؛ لعمو ِم ِ وات ال َفائت ُة ِ ً َ ه َُ
الرسول قول ُ يا ُ الص َل ُ الثاين( :مرتبة) :ا
ِ
شم ُل َ
عين ﷺَ « :م ْن نَسـي َِ َال ًة َف ْل ُي َصل َها إِ َذا َذك ََر َهاَ ،ال َك اف َار َة َل َها إِ اال َذل َك» ،وهذا َي َ
الرسول ﷺ لما ش َغله الكفار عن ِالةِ َ ِ
الصحيحين « :ا
أن الصالة وكيفيتَها ،ويف ِ
ُ
265
كـتـاب الـصـالة 286
266
287 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ِ
التأخير ،فإن كثرت الفرائض الفوائت ،فاألولى ترل سننها وينشغل بقضاء
الفرائض.
َ َ َ ِّ ُ ه ُ ُ َ
ار) :يسقط قت ،ولو ل ِالختِي ِ
ان ،وب ِ ِضيِ ِق الو ِ
الخامس( :ويسقط الَّتتِيب :بالنسي ِ
ِ
الفوائت بثالثة أمور: ِ
قضاء الرتتيب يف وجوب
ُ
ِّ َ
ِحيح؛ ل ُعمو ِم قولِه
ٌ ِ
الظهر ناسـيا ف َقضاؤه ان) :فلو قدا م العصـر على(بالنسي ِ
تعالى﴿ :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [البقرة.]266 :
ِ ِ َ َ
الحاضـرة فإذا خاف خروج الصالة ار) :ألداء قت ،ولو ل ِالختِي ِ
(وب ِ ِضيِ ِق الو ِ
ِ وقتِها لو َت َ
وأح ُّق ،لئال َت َ
صـير كال ب َ شاغ َل بال َقضاء :ف ُيقدم الحاضـرةَ؛ ألنه َ
أوج ُ
الصال َت ِ
ين َقضا ًء.
َ
ار) :أي فيسقط وجوب الرتتيب خشـية خروج الوقت المختار (ولو ل ِالختِ ِ
ي
للصالة الحاضـرة.
ِ
النسـيان يف عذر ،والاه ُل أخو ِ
بالوجوب ف ُي َ وكذا بالاهل :فلو لم يرتب َج ْه ًال
قال َتعالى﴿ :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [البقرة ،]266 :وهذا كتاب اهللِ؛ كما َ
ِ
واختاره ُ
شـيخ اإلسال ِم واب ُن ُعثيمين. َ عن اإلما ِم َ
أحمدَ ، ِرواي ٌة ِ
ِ
ِالة العصـر؛ ِ
الظهر ،والاماع ُة يف ِ
المسادَ وعليه ِال ُة دخلمسألةٌ :لو َ
واختالف الن اي ِة ال َيضـر على الصحيح.
ُ ِ
الظهر، دخل معهم بن اي ِة ف َي ُ
َ ُ َ َ ََ َ َ ُ
الق َ ه ُ َ ُْ َ
الع َ
َشة). درة ِ -بَِشء ال ي ِصف الب ورة ِ -مع قوهل( :السادِس :سَّت
الصالة أن ُيغط َي المصلي َعور َته باإلجما ِع( .)1ومن األدلة على ِ ِ
لصحة ف ُيشرت َُأ
ذلك:
قو ُله َتعالى﴿ :ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [األعراف.]31 :
اهلل َِ َال َة َحائِ ُ
ض إ ِ اال ِ
وحديث َعائ َش َة ڤَ ،ع ِن النابِي ﷺ َأ ان ُه َق َالَ « :ال َي ْق َب ُل ُ
261
كـتـاب الـصـالة 288
( )1رواه أبو داود ( ،)641والرتمذي ( ،)311وابن ماجه ( )655من حديث عائشة ڤ.
( )2رواه البخاري ( ،)352ومسلم ( )516من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )3التمهيد (.)312/6
266
289 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
َ ُّ
الرسة ِه َُه َ ً ََ الم َم ِّ َ
ُه ُ ابلال ِِغ َع ْ ً اذل َكر َ َ َُ ه
زية ِ ،واألمةِ ،ولو مبعضة :ما بي َشا ،واحلرة ِ ِ (فعورة
ُّ َ
األول :وهي َعور ُة الذك َِر البالغ عشر ًا. ُ القسم
ُ والركب ِة) :هذا
كبة؛ ألناها عور ٌة َي َلزم السـرة والر ِ ِ بين ياب ْ ِ
ُّ أن ُيغط َي ما َ ُ الصالة: ف َحدُّ َعورته يف
ِ
مهور. الا
مذهب ُ ُ باب َأ ْو َلى ،وهذا الصالة ،ففيها مِ ْن ِ ِ خارج
َ َتغطي ُتها
ب ،عن أَبِ ِيه ،عن جد ِ خ ُذ َع ْو َر ٌة»(،)1 ويدُ ُّل لـه :حديث« :ال َف ِ
ِّه َْ َ وحديث َع ْم ِرو ابْ ِن ُش َعْي ٍ َ ْ ُ َ
اد َم ُه َ -عبْدَ ُهَ ،أ ْو َأ ِج َير ُهَ -ف َال َينْ ُظ ْر إِ َلى ﭭَ ،ع ِن النابِي ﷺ َق َال« :إِ َذا َزوج َأحدُ ُكم َخ ِ
ا َ َ ْ
ِ ِ الر ْك َب ِة»( .)2وحديث« :ما بي َن ِ
والركبة َعور ٌة»(.)3 السـرة ون السـرةَ ،و َف ْو َق ُّ َما ُد َ
اح ِد َل ْي َسب ا ْلو ِ ِ
ويؤمر بتغطية المنكبين؛ لقوله ﷺَ « :ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم في الثا ْو ِ َ
َع َلى َعاتِ َق ْي ِه مِنْ ُه شـي ٌء».
ِ
الصالة. ب تغطي ُته يف الحدُّ الذي ِ
يا ُ هذا هو َ
ِ ِ
الكاملة ،لك ْن لو أناه لم ُي َغط إال الثياب بس األكم َل هو التز ُّي ُن لها و ُل ُ َ وال َش اك ا
أن
كبة والعات َق ِ السـرة والر ِ ِ
لح ْقه ٌ
إثم. لصحت ِال ُته ،ولم َي َ ا ين ُّ بين
ما َ
فإذا ِ الى ولم يسرت عورته بال عذر فله حاالت:
وءتين بطلت ِالته. ِ الس
َشف ا األولى :إن ك َ
ين بطلت ِالته على الصحيحِ . خ َذ ِ َشف ال َف ِ الثالثة :إن ك َ
الم َم ِّ َ
ُ
النساء فالمذهب إلحاقها بالعورة ِ زية ِ) :أي َمن لم َتب ُل ْغ مِ َن واحل هرة ِ
( ُ
( )1رواه البخاري معلقًا بصـيغة التمريض -كتاب الصالة /باب ما يذكر يف الفخذ ،قال :ويروى عن ابن
عباس ،وجرهد ،ومحمد بن جحش ،عن النبي ﷺ« :الفخذ عورة».
( )2رواه أبو داود( ،)426وأحمد ( ،)6156والبيهقي يف السنن ( )320/2من حديث عمرو بن شعيب ،عن
أبيه ،عن جده ﭭ .قال البيهقي « :اختلف يف متنه ،فال ينبغي أن يعتمد عليه يف عورة األمة ،وإن كان يصلح
االستدالل به وبسائر ما يأيت عليه معه يف عورة الرجل» .وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)1603
( )3سبق يف حديث عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده ﭭ .ورواه الدار قطني يف السنن ( ،)432/1والبيهقي
يف السنن ( )324/2من حديث أبي أيوب ﭬ مرفوعا بلفظ« :ما فوق الركبتين من العورة ،وما أسفل من
السـرة من العورة» .وضعفه ابن حار يف التلخيص ( ،)666/1واأللباين يف اإلرواء (.)210
262
كـتـاب الـصـالة 290
( )1رواه أبو داود ( )640من حديث أم سلمة ڤ .وضعفه األلباين يف اإلرواء ( ،)214وقال ابن حار يف
=
220
291 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
إن كان موقو ًفا ف َف َتوى الصحابي ُحاة إذا لم ُيخال ِ ْفه وما روي عن أم س َلم َة لو ْ
النساء ،وهي أع َل ُم به. ِ غيره ،خاِة أناها متعلق ٌة بما هو مِن ِ
شأن ُ ا ُ
ِ
الصالة ما فة َسرتُ جمي ِع بدنِها يف رة المك ال ِ المرأة الح ِ ِ الواجب على باز« : قال اب ُن ُ
ُ ُ ُ
فإن ِ ال ْت وقد بدا شـي ٌء مِن عورتِها والكفين؛ ألناها عور ٌة ك ُّلهاْ ، ِ عدا الوج َه
وجب تص اح ِال ُتها؛ ْ بعضه لم ِ والرأس أو ِ ِ كالساق والقدَ ِم ِ
أجنبي َ ٌّ فإن كان عندَ ها
وجهها و َك اف ْيها»(.)1 ِ أيضا سرتُ عليها ً
عام يف كل الحديث ٌّ َ بالحرة إذا كانت بالغةً؛ ا
ألن ا إلحاق األَ َم ِةُ واألقر ُب يف هذا َ
واختاره اب ُن حزمُ. تخصـيص بال دليلُ، ِ
وإخراج األَ َمة منه حائض، ُ
َ ٌ ُ
َ ِّ َ َ َ َ ُْ َ الر ُجل َ رض ه َ ُ َ ُ
اس). َّت أح ِد اعت ِقي ِه بَِشء مِن اللب ِ ابلال ِِغ :س ِ ِ ف يف ط ورش
ِ ( : قوهل
ِ ِ ُ
ياب على الرج ِل البال ِغ سرتُ أحد عات َق ْيه بشـيء م َن اللباس يف الفريضة؛ لما ِ أي
ُ
ب ول اهللِ ﷺ َق َالَ « :ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم فِي الثا ْو ِ الصحيحين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َرةََ ،أ ان َر ُس َ ِ يف
الح َر ِم مِ َن
كثيرا يف َ التفريط فيه ً ُ حص ُل ِ ِ ِ
ا ْل َواحد َليْ َس َع َلى َعات َق ْيه منْ ُه شـي ٌء» ،وهذا َي ُ
()2 ِ ِ
ِ
الحديث. نهي عنه يف هذا ُ ُ ُ ِ
المحرمين تادُ ه ُيصلي بإزار دون رداء ،وهذا َم ٌّ
ُ
أقوال: ِ
الصالة على تغطية الرج ِل عات َقه يف ِ َلف العلما ُء يف ُح ِ
كم وقد اخت َ
ون النافلِ. الفرض ُد َ ِ ب يف يا ُ فالمذهب :أناه ِ
اح ِد َل ْي َس َع َلى ب ا ْلو ِ ِ
واستدلوا :بقول رسول اهلل ﷺَ « :ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم في ال اث ْو ِ َ
ف به، المك ال ُ الفريضة؛ ا ِ ِ َعاتِ َق ْي ِه مِنْ ُه شـي ٌء» ،وحملوه على
الفرض هو ُ َ ألن ِالة
ِ
التخفيف. إن ِال َة النف ِل َمبناها على وقالوا :ا
ب يف الفريضة والنافلة ،وهذا األقرب ،وهو قول اإلمام يا ُوالرواية الثانية :أنه ِ
ُ حا ُر ،واب ُن مالك ورجحه ابن الم ِ
رجب ،واب ُن خاري ،واب ُن َب اطال ،واب ُن َ ُّ نذر وال ُب ُ ُ ا
=
التلخيص (« :)666/1أعله عبدالحق بأن مالكًا وغيره رووه موقوفًا ،وهو الصواب».
( )1ماموع فتاوى ابن باز (.)402/10
( )2سبق تخرياه ص(.)266
221
كـتـاب الـصـالة 292
ُقدام َة.
اح ِد َل ْي َس
ب ا ْلو ِ ِ
واستَد ُّلوا :بعموم النهي يف قوله ﷺَ « :ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم في ال اث ْو ِ َ
ألن ما ث َبت يف والنفل؛ ا َ الفرض
َ شم ُل عام ،ف َي َ
والحديث ٌُّ َع َلى َعاتِ َق ْي ِه مِنْ ُه شـي ٌء»،
الفرض ث َبت يف النا ْف ِل إال بدليلُ. ِ
ِ
الصالة. وجوب سرتِ العاتِ ِق يف ِ التحريم ،فدَ ال على ِ
النهي ُ
واألِل يف
ُ
ول اهللِ ﷺ ُي َصلي الصحيحين َع ْن ُع َم َر ْب ِن َأبِي َس َل َم َة ﭬ قالَ « :ر َأ ْي ُت َر ُس َ ِ ويف
اض ًعا َط َر َف ْي ِه َع َلى َعاتِ َق ْي ِه»( ،)1وهذه ت ُأم س َلم َة و ِ
َ َ َ
اح ُد م ْشت َِم ًال بِ ِه فِي بي ِ
َْ ُ
بو ِ
في َث ْو ُ َ
ِ
جابر ﭬ لحديث ُ ِ الوجوب؛ الثوب ضـي ًقا فإناه َيس ُقط عنه نافلة ،إال إذا كان ِال ُة ُ
ُ ُ
اشت ََم ْل ُت بِ ِه َو َِ ال ْي ُت إِ َلى احدٌ َ ،ف ْجئت النبي ﷺ َفوجدْ ُته يصلي ،و َع َلي َثوب و ِ
َ ا ْ ٌ َ َ َ ُ ُ َ قالُ :
َان ضـي ًقا َفا ات ِز ْر بِ ِه»(.)2 ف بِ ِهَ ،وإِ ْن ك ََح ْ اسعا َفا ْلت ِ جانِبِ ِه ...،ف َق َالَ « :فإِ ْن ك َ ِ
َان َو ً َ
ً َ َ ه ً َ َ ُ َ َ ه ُ
قوهل( :ومن صىل يف مغصوب ،أو ح ِرير ،اعل ِما ذاك ِرا :لم ت ِصح).
الم َح ار ِم ِ ِ ِ ِ أشار هنا إلى ُح ِ
المغصوب ،أو المسـروق ،أو ُ الثوب الصالة يف كم َ
كالحرير للرجلِ؛ وهو على حالتين: ِ
األولى :إن كان ناسيًا ،أو جاهالً ِحت ذكره الماد إجماعًا.
الثانية :إن كان عالمًا عامد ًا فاختلف يف ِحة ِالته.
وبَ ،أو ح ِر ُير عالمًا عامد ًا لم ِ
تص اح ثوب َم ْغ ُص ُ ْ َ
إن ِ الى يف ُ فالمذهب :أنه ْ
الصالة ،والعباد ُة إذا و َقعت على ُ ِ ِ
منهي
ن وجه شـرأ حرم يف
الم ا
َعمل ُ ِال ُته؛ ألناه است َ
ينَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال َليْ َس
الصحيح ِ
َ أمر اهللِ ورسولِه ،ويف
غير ِ
عنه فقد و َقعت على ِ
َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(.)3
ِ
العبادة، ِ
لذات أن الصال َة ِحيح ٌة مع التحريم؛ والنهي ليس والرواية الثانية :ا
( )1رواه البخاري ( ،)356ومسلم ( )511من حديث عمر بن أبي سلمة ﭬ.
( )2رواه البخاري ( )361من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ.
( )3سبق تخرياه ص(.)215
222
293 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
223
كـتـاب الـصـالة 294
ه
(أو ف ِضة) :المذهب تحريم ما نسج مِن فِ اض ُة للرجال وبه.
الاواز ومما احتج به: شـيخ اإلسال ِم َ ِ واختار
الف اضة فلم َت ِر ْد به ،وإناما جاءت الذهب ،وأما ِ ِ بسبتحريم ُل ِ ِ النصوص جاءت أن ا
َ
واز.الا ِ بس على َ كم ال ُّل ِ الشـرب واألك ِل فيها ،ف َيب َقى ُح ُ ِ بالنهي عن ِ
رسول اهلل ﷺ
ُ ِ جال ،كما ف َعله اتخاذ الخا َت ِم مِن فِ اض ُة للر ِ ِ أن النص جاء بإبا ِ
حة و ا
ا
بكر ،ثم مع رسول اهللِ) ،ثم كان مع أبي ُ ُ نقشه (محمدٌ فضة ُ ُ إذ كان عليه خا َت ٌم مِن
ثمان ﭫ(.)3 ُع َمر ،ثم مع ُع َ
رسول اهللِ ﷺ قالَ « :و َلكِ ْن َع َل ْي ُك ْم َ أن ري ا ِ
المنذ ُّ وِححه ُ ا داو َد
وروى أبو ُ َ
واز ،ا بالا ِ ِ بِا ْل ِف اض ِةَ ،فا ْلعبوا بِها»( ،)4وهذا يدُ ُّل على ُق ِ
حرم يف وأن الفض َة ال َي ُ القول َ وة َ َُ َ
وياوز ما عدا ذلك مِ َن ُ والشـرب،
ُ ُ
األكل استِعمالِها إال ما هنى عنه الشارع وهو
( )1رواه الرتمذي ( ،)1120والنسائي يف الماتبى ( ،)5265وأحمد ( )12502من حديث أبي موسـى ﭬ.
قال الرتمذي« :حديث حسن ِحيح».
( )2رواه ابن ماجه ( )3521من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ .ويف إسناده اإلفريقي -وهو عبدالرحمن بن زياد
ابن أنعم -وشـيخه عبدالرحمن ابن رافع ضعيفان.
( )3رواه البخاري ( ،)65ومسلم ( )2022من حديث أنس ﭬ.
( )4رواه أبو داود ( ،)4236وأحمد ( )6210من حديث أبي هريرة ﭬ .قال األلباين يف آداب الزفاف ص
(« :)224وهذا سند جيد ،»...وقال المنذري يف الرتغيب (« :)213/1إسناده ِحيح».
224
295 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ِ
ستعماالت كال ُّل ِ
بس. ِاال
وقال ِاحب «الفروع» فيه :وال أعرف على تحريم لبس الفضة نصا عن
أحمد ،وكالم شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال ،إال ما دل الشرع على تحريمه.
وقال الشيخ تقى الدين أيضا :لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم ،لم
يكن ألحد أن يحرم منه إال ما قام الدليل الشرعي على تحريمه ،فإذا أباحت السنة
خاتم الفضة ،دل على إباحة ما يف معناه ،وما هو أولى منه باإلباحة ،وما لم يكن
كذلك ،فيحتاج إلى نظر يف تحليله وتحريمه ،والتحريم يفتقر إلى دليل ،واألِل
عدمه .ونصره ِاحب «الفروع» ،ورد جميع ما استدل به األِحاب(.)1
ُ َ َ اح :ما ُس ِّد َي َ ُُ َ ٌ ُ َ ُ ُ ُّ ُ ُْ ُ
ريه). ِ ِغ ب ِم حل وأ ير
ِ ِ ر باحل ـب وي . ير ر
ِ ح ، ه ِ
اغبل أو ، ه ُك ما س قوهل( :ولب
يحرم على الرجال لبس ما كله أو غالبه حرير باالتفاق؛ َسوا ٌء كانت ُق ُم ًصا أو
ور ُأ امتِي، ب َع َلى ُذ ُك ِ الح ِر ِير َو ا
الذ َه ِ اس َ
ِ
نحوها؛ لقوله ﷺُ « :حر َم ل َب ُ ثيا ًبا أو ِردا ًء أو َ
ِ
إلنَاثِ ِه ْم» [رواه الرتمذي وِححه](.)2
َو ُأ ِح ال ِ
ح َرَ ،وا ْل َح ِر َيرَ ،وا ْل َخ ْم َر،ون ا ْل ِ ولقوله ﷺَ « :لي ُكونَن مِن ُأمتِي َأ ْقوام يست ِ
َح ُّل َ َ ٌ َْ ا ْ ا َ
ف»(.)3 َوا ْل َم َع ِ
از َ
فحرام على الرجال باالتفاق،
ٌ قال شـيخ اإلسالم« :وأما لبس الرجال الحرير:
ُ
ضـرورة على على األجناد وغيرهم ،لكن تنازع العلماء يف لبسه عند القتال لغير
قولين :أظهرهما اإلباحة ،وأما إن احتاج إلى الحرير يف السالح ولم يقم غيره
مقامه ،فهذا ياوز بال نزاع»(.)4
225
كـتـاب الـصـالة 296
( )1رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف ( ،)152/5والطحاوي يف شـرح معاين اآلثار ( )246/4من طريق سعد بن
إبراهيم ،عن أبيه قال« :دخل عبدالرحمن بن عوف ،ومعه ابن له على عمر ،عليه قميص حرير ،فشق
القميص».
( )2رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (.)152/5
( )3ماموع الفتاوى ( ،)143/22زاد المعاد (.)12/4
( )4سبق تخرياه ص (.)224
( )5االختيارات الفقهية ص(.)436
( )6رواه البخاري ( ،)2220ومسلم ( )2016من حديث أنس ﭬ.
226
297 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ثَ ،أ ْو َأ ْر َب ُع»( ،)1والمرا ُد بذلك ال َع ْر ُض كما ب اين العلما ُء. َث َال ُ
والمرا ُد أن ُيش َب َك الحرير بالوبرِ، ُ َ َ َ اح :ما ُس ِّد َ ُ َ ُ
ريه)ُ : ِ ِغ ب ِم حل وأ ير
ِ ِ ر باحل ي (ويـب
جائز.
مستورا ،فهذا ٌ ً الحرير
ُ َ
ويكون
ب ول اهللِ ﷺ َع ِن ال اث ْو ِ اس ﭭ َق َال« :إِن َاما ن ََهى َر ُس ُ حديث ا ْب ِن َع اب ُ ُ ويدُ ُّل لـه:
ب َف َال َب ْأ َس بِ ِه»(.)2 ت مِ َن ا ْل َح ِر ِيرَ ،ف َأ اما ا ْل َع َل ُم مِ َن ا ْل َح ِر ِيرَ ،و َسدَ ى الثا ْو ِا ْلمصم ِ
ُ ْ َ
ُ ِ بسه عن ِ
ورجح الصحابة ﭫ» ،ا غير واحد م َن ا وقال الماد« :وقد َِ اح ُل ُ
()3
221
كـتـاب الـصـالة 298
( )1رواه أبو داود ( ،)650وأحمد ( ،)11153وابن خزيمة ( ،)166وابن حبان ( ،)2165والحاكم
( ،)321/1والبيهقي يف السنن ( )563/2من حديث أبي سعيد ﭬ .قال ابن حار يف التلخيص الحبير
(« :)663/1واختلف يف وِله وإرساله ،ورجح أبو حاتم يف العلل الموِول» .وِححه األلباين يف
اإلرواء (.)264
( )2رواه البخاري ( ،)221ومسلم ( )221من حديث أسماء ڤ.
( )3رواه البخاري ( ،)212ومسلم ( )264من حديث أنس ﭬ.
226
299 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
222
كـتـاب الـصـالة 300
ِ
الصالة؛ ف َي َلز ُمه َقط ُعها؛ عا َز أن ُيزي َلها إال ب َقط ِع الثالث ُة :أن ُتصـي َبه النااس ُة و َي ِ
ِ
الصالة. ِ
ِحة ِ
شـروأ شـرأ مِن ٌ ب النااسةَ ،و َتخ الف َصح َ
ألناه است َ
ِ
أثناء الصالة ،و َيع َل َم أناها كانت معه ِ فراغه مِ َن ِ أن َيرى نااس ًة بعدَ الرابع ُةْ :
تص ُّح الصالة ثم نَسـيها ،فهل ِ ِ قبل فراغه ،أو كان رآها َ ِ لكن لم َيع َل ْم إال بعدَ ِ
ِالته ْ
ِ
العلم: قوالن أله ِل ِ ِال ُته؟
ِ
للصحة. ٌ
شـرأ ِ
النااسة ألن َز َ
وال الصالة؛ ا ِ أن عليه إعاد َة المذهب :ا ُ
جهل أو نسـي ُوجو َدها يف أن ِال َته ِحيح ٌة وال إعاد َة عليه إذا ِ القول الثاين :ا ُ
والدليل على ذلك قو ُلـه َتعالى﴿ :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ ُ ِ
العبادة، ِ
أثناء
ف ين فيهما نااس ٌة ثم َنزعهما ولم يستأنِ ِ
َ ورسول اهللِ ﷺ َِ الى بنع َل ِ ُ [البقرة،]266 :
ُ
وشـيخ الصالةَ ،وإذا لم َيب ُط ْل أو ُلها لم َيب ُطل باقيها ،واختار هذا :اب ُن ُقدامةَ،
مالك وأحمدَ والشافعي؛ ُ عن اإلما ِم والسعدي ،واب ُن ُعثيمين ،وهو ِرواي ٌة ِ اإلسالمِ،
ُّ
المنهي عنه. باب فع ِل َ ألن هذا مِن ِ ا
والسن ِاة
الكتاب ُّ ِ إثم عليه يف نه اي عنه ناسـيا فال َ الم ِ شـيخ اإلسالمِ« :و َمن ف َع َل َ قال ُ
ِ وفيم ْن َتك الم يف َ فيم ْن أك ََل يف
الصالة ناسـيا، َ رمضان ناسـيا، كما جاءت به السنا ُة َ
و َمن َتط ايب ولبِ َس ناسـيا»(.)1
َ َ َُ َ ََُ َ َ ُ َ َ َ ُّ ه ُ
رض المغصوبةِ .وكذا :المقَبة ،والمجزرة، قوهل( :وال ت ِصح الصالة :يف األ ِ
َ ُ َه ُ َ ُ ه َ ُ ُ ُّ َ ََُ
واحلمام .وأس ِطحة يق، ِ ِ ر الط ة ع وقار
ِ ، ل ِِ اإلب ان وأعط ، ش واحل ، ة والمزبل
َُْ
ه ِذه ِ :مِثلها).
الصالة فيها. ِ األماكن التي ال تصح ِ ذكر
َ ُ َ َ
بغير َح نق؛ سوا ٌء كان وب ِة) :وهيُ :ك ُّل ما ُأ ِخ َذ مِن مالكِه َق ْه ًرا ِ رض المغص (األ ِ
قد أو بدونه ،ومِث ُلها المسـروق ُة ،فال تاوز الصال ُة فيها إال ِ
بإذن ورة َع ُ أخذها بص ِ ُ
ُ
تص ُّح فيها. مالكِها األِلي؛ فإذا ِ الى فيها عالما ،فالمذهب أناها ال ِ
ُ ً
300
301 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
أمر
والنهي هنا ُمتعل ٌق بالغصب وهو ٌ ِ
اإلثم، والرواية الثانية :أ انها ِحيح ٌة مع
ُ
ِ
الصالة. ُ
خارج
وراَ ،و َأ ُّي َما ِ ِ ِ ِ ِ
قول رسول اهلل ﷺَ « :و ُجع َل ْت لي األ َ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً شهدُ لهذاُ : و َي َ
ِ ِ
َر ُج ُل م ْن ُأ امتي َأ ْد َر َك ْت ُه ا
الصالَ ُة َف ْل ُي َصل» [متفق عليه](.)1
السعدي واب ُن ُعثيمين(.)2 ورجحه ِ ِ
ُّ مذهب األئمة الثالثة ،ا ُ وهو
َ َ ََُ
َفال. رضا وال ن ً تاوز الصال ُة فيها ال َف ً ُ المو َتى ،فال (وكذا :المقَبة) :وهي َمد َف ُن َ
ِ
ويدُ ُّل لـه :قوله ﷺ« :األَ ْر ُض ُك ُّل َها َم ْسادٌ إِ اال َ
الم ْق َب َر َة َو َ
الح اما َم»(.)3
كم ولو لم يكن فيها إال قربٌ واحدٌ ؛ ف َياري عليها أحكا ُم الح ُ
والمقرب ُة لها هذا ُ
شـيخ اإلسال ِم ُ
وغيره. رجحه ُ ِ
المقابر كما ا
رسول اهلل ﷺ« :حينما ُ نازة فيها؛ كما ف َعله ويستثنَى مِن ذلك :الصال ُة على الا ِ
َ ُ
سادَ » [متفق عليه](.)4 المرأة التي كانت َت ُقم الم ِِ ِ الى على قربِ
ُّ َ
والحكمة من النهي عن الصالة يف المقابر سد الذريعة؛ لئال يؤدي إلى اتخاذ
القبور مساجد والوقوع يف الشـرل ،ولئال يعتقد الناس أن الصالة إلى جنب قرب
الرجل الصالح أفضل ،فيدخل يف الغلو ،ولذا قال رسول اهلل ﷺَ « :ل َع َن ُ
اهلل ال َي ُهو َد
التحريم ليس خاِا بما بين ا ات َخ ُذوا ُق ُبور َأ ْنبِ َيائِ ِهم مس ِ
اجدَ » [متفق عليه]( ،)5وهذا
ُ ْ َ َ َ
ِ
المق َبرة ،حتى الفضا ُء الذي لم ُيق َب ْر فيه أحدٌ ما دام ِ دخ ُل فيه ُّ بور ،بل َي ُال ُق ِ
كل ُمحيط َ
301
كـتـاب الـصـالة 302
ِ
المقربة. داخال يف ُس ِ
ور ً
القبور ودفن الميت يف مساد ال ياو ُز باالتفاق؛ قال ِ ِ
ساجد على الم
مسألةٌ :بنا ُء َ
فن
ياوز َد ُ
ُ اتفق العلما ُء على أناه ال ُيبنَى مسادٌ على قربُ ،وأناه ال شـيخ اإلسالمَِ « : ُ
ُ
مساد ن َظرنا: فإن ُو ِجد قربٌ يف
مساد»ْ ،ُ ميت يفُ
َبشه إن كان َجديدً ا ،أو بتسويتِه إن
قبل القربِ ُغير القربُ؛ إما بن ِ
فإن كان المسادُ َ ْ
خش الفتن ُة ِ
بآثاره. ديما ،ولم ُت َكان َق ً
زال ُِور ُة القربِ(.)1 وإن كان القربُ اأو ًال :فإ اما أن ُيهدَ َم المسادُ ،أو ُت َ
هبيمة األنعا ِم. ِ وض ُع َذ ِ
بح جز َرةُ) :وهي م ِ والم َ َ
(
َ
ِ ِ نا ِسها ِ ِ ِ
المسفوحة ،وطهار ُة بالدماء وع ال ُة النهيِ :عن الصالة فيها أناها مظن ُة َت ُّ
ِ
الصالة. ِ
ِحة ِ
شـروأ المص الى عليها مِن ِ
ال ُبقعة ُ
ِ ِ َ ََُ
والمزاب ِل واألوساخِ . (والمزبلة) :وهي َموض ُع ال ُقمامة َ
ِ المكان المعدُّ ل َق ِ ُ ُّ
اآلن دورات المياه ،فال الحاجة ،ومث ُله َ ضاء ُ ُ َ واحلش) :وهو (
ِ ِ ِ
تسمى ُحشا. تصح الصال ُة فيها سوا ٌء ُأعدا ت للغائط أو للبول ما دامت ا ُّ
ِ ِ ِ
قول َر ُسول اهلل ﷺ« :األَ ْر ُض ُك ُّل َها َم ْسادٌ ؛ إِ اال َ
الم ْق َب َر َة َو َ
الح اما َم» ؛ ودلي ُلهُ :
()2
َ ُ
قيم فيها و َتأوي إليها ،فالصال ُة فيها ال (وأعطان اإلب ِ ِل) :وهي األماك ُن التي ُت ُ
302
303 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ول اهللِ حديث أبي ُهرير َة ﭬَ :ق َال َر ُس ُ ِ الرسول ﷺ كما يف ِ ِ
لصـراحة ِ
هني تاوز؛
ُ
ان ِ
اإلبِ ِل»(.)1 ض ال َغن َِم ،و َال ُتص ُّلوا فِي َأ ْع َط ِﷺُّ َِ « :لوا فِي َم َراب ِ ِ
َ َ
ول ال ال ِ
ــه ﷺ َأ َأ َت َو اض ُأ وروى مسلم عن جابر بن سمرة ﭬَ « :أ ان َر ُجالً َس َأ َل َر ُس َ
ض ا ْلـــ َغن َِم؟ َق َالَ :ن َع ْمَ .ق َالُ :أ َِلي فِي مِ ْن ُل ُحو ِم ا ْلـــ َغن َِم؟َ ،...ق َالُ :أ َِلي فِي َم َرابِ ِ
اإلبِلِ؟ َق َال :ال». ار ِل َِم َب ِ
رسول اهللِ ﷺ هنى عنها، َ مبارل اإلب ِل ال تصح على المذهب؛ ا
ألن ِ والصالة يف
غير َهديِه؛ لقولِه ﷺ: وعم َل على ِ رسول اهللِ ﷺِ ، ِ أمر فإذا ِ الى فيها فقد خا َل َ
ف َ
« َم ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»( ،)2وقولِه تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾.
ِ
اإلثم. تص ُّح معوذهب الامهور إلى أ ان الصال َة ِ
ُ
بعض ما َيغلِب على ِ ِ
النهي فذكَروا َ ِ بعض العلماء الحكم َة م َن لمس ُ فائدةٌَ :ت ا
ُ
ِحيح(،)3 ُ
بسند الشـياطين كما رواه اإلما ُم أحمدُ ِ اإلبل ُخلِقت مِ َن
أن َ الظن؛ فمنها ا
المصلي وشغلِه عن ِ شدة ُن ِ ِ
فورها وإزعاجها ُ صح َبها الشـياطي ُن يف أن َت َ فال َيب ُعد ْ
وغيرها
ُ واله َياان؛ فقد َت ِنف ُر على المصلي فتَش َغ ُله، النفور َ ِ ِالتِه ،ولما فيها مِ َن
ِ بالنهي ِ
ِ
الصالة فيها، عن أمرنا وتع ابدَ ناواهلل َلتمسةٌُ ، مما هو ظني ،والحكم ُة هنا ُم َ
ظهرت لنا الحكم ُة ْأو ال. ِ
النهي؛ سوا ٌء َ ُ
امتثال ب ِ
فيا ُ
الناس و ُع ِ
ِ ُ َ ُ ه
بورهم. مكان َممشـى وس ُطه؛ ألنهيق) :أي َ وقارعة الط ِر ِ ( ِ
َه ُ
واحلمام) :وهو المكان المعد لالغتسال؛ لعموم النهي يف قوله ﷺ« :األَ ْر ُض (
( )1رواه الرتمذي ( ،)346وابن ماجه ( ،)166وأحمد ( ،)2625وابن خزيمة ( ،)125وابن حبان ()1364
من حديث أبي هريرة ﭬ .قال الرتمذي« :حديث حسن ِحيح».
( )2سبق تخرياه ص (.)215
( )3رواه أبو داود ( )164و ( ،)423والرتمذي ( ،)61وابن ماجه ( ،)424وأحمد ( ،)16536وابن خزيمة
( )32من حديث الرباء بن عازب ﭭ .وِححه أحمد ،وإسحاق ،وابن خزيمة ،واأللباين يف ِحيح أبي
داود (.)116
303
كـتـاب الـصـالة 304
ِ
ُك ُّل َها َم ْسادٌ ؛ إِ اال َ
الم ْق َب َر َة َو َ
الح اما َم».
ِ
الوارد يف ِ
النهي تص ُّح؛ ل ُعمو ِم المذهب أن الصالة فيها ال ِ وهذه المواط ُن
َ ُ
ابن ُع َم َر ﭭَ « :أ ان َر ُس ْول اهلل ﷺ ن ََهى َأ ْن ُي َص الى فِي َس ْب َع ِة َم َواطِ َن :فِي حديث ِِ
الحمامَِ ،وفِي م َعاطِ ِن ِ ِ الم ْزب َل ِة ،والما َزر ِة ،والم ْقبر ِة ،و َق ِ ِ
اإلبِلِ، َ ار َعة ال اط ِر ِيقَ ،وفي َ ا َ َ َ َ ْ َ َ َ ََ َ
ت اهللِ»(.)1 و َفو َق َظه ِر بي ِ
ْ َْ َ ْ
نااسة ،إالُ الكراهة إذا لم ُي َصل على ِ تص ُّح مع وذهب جمهور العلماء إلى أناها ِ
ضعيف كما ٌ َ
الحديث الوار َد والسعدي؛ ا
ألن ُّ المقربة والحمام ،واختاره اب ُن ُقدام َة
التحر ُز
ُّ الم ِ
سلم لكن على ُ واألِل اإلباح ُةْ ، ُ الرتمذي والساجي واأللباين، ُّ ذكَره
روجا ُ
ونااسةُ ، منها حتى لو كانت طاهرةً؛ ألناها مواطِن ال َتس َلم غالبا مِن َق ُ
وخ ً ذارة ُ ً ُ َ
الف َمن لم ُي َصح ْحها. مِن ِخ ِ
ْ
غيره فال ِ ِ ِ ِ وأما قارع ُة
المارة وهو يادُ َمكانًا َ ا التضـييق على الطريق فإن أ ادى إلى
حق(.)2 بغير ن أذية المسلمين ِ رمة لما فيه مِن ِ القول بالح ِ ُ َيب ُعد
ُ
ِ ُ
ْ َ َ ُ
الصالة فيها عناألماكن المنهي ِ ِ سطح
َ المذهب :ا
أن ُ (وأس ِطحة ه ِذه ِ :مِثلها):
تابع لل َق ِ
رار. ألن الهوا َء ٌالنهي؛ اِ لح ٌق هبا يفُم َ
ِ ِ
ور َد فيه، واختار ابن قدامة ِح ُة الصالة يف أس ُطحها؛ َقصـرا للنص على ما َ
ورجح هذا اب ُن ُقدامةَ ،وقال :والصحيح ،إن شاء اهلل ،قصر النهي على ما تناوله، ا
وأنه ال يعدى إلى غيره؛ ألن الحكم إن كان تعبديا فالقياس فيه ممتنع ،وإن علل
ابن ُعثيمين(.)3 اختيار ِ
ُ فإنما تعلل بكونه للنااسة ،وال يتخيل هذا يف سطحها ،وهذا
( )1رواه الرتمذي ( ،)346وابن ماجه ( )146من حديث ابن عمر ﭭ .قال الرتمذي« :حديث ابن عمر
إسناده ليس بذال القوي ،وقد تكلم يف زيد بن جبيرة من قبل حفظه» .وضعفه األلباين يف اإلرواء (.)261
( )2المغني ( ،)413/2مختارات السعدي ص (.)42
( )3المغني البن قدامة ( ،)54/2والممتع (.)243/2
304
305 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ََ َ َ ه َ َ عب ِة -واحل ِْج ُ َ َ َ ُّ َ ُ
هرها ،إال إذا لم ِ ظ ىلع وال - ِنها م ر الك يف : رض قوهل( :وال ي ِصح الف
ََْ َ َ َ
اءهُ َش ٌء). يبق ور
تصح ،وأما النافل ُة ِ
فتص ُّح. ِ ِ ِ
الفرض َ المذهب :ا
داخل الكعبة ال ُّ أن ِال َة ُ
ابن ُع َم َر ِ ِ
داخل الكعبة؛ كما يف حديث ِ َ ِ
رسول اهلل ﷺ ِ الى النافل َة َ ودلي ُلهم :ا
أن
ﭭ(.)1
الفرض فقد قال َتعالى﴿ :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [البقرة،]142 : ُ وأ اما
واختار ِ
البيت خل َفه، بعض شطره؛ ا
ألن َ ِ
َ وجهه َ
َ سمى ُمول ًيا
والمصلي يف جوفها ال ُي اُ
هذا اب ُن تيم اي َة(.)2
مذهب أبي ونفال ،وهذا
فرضا ً ِ
الكعبة ً َ
داخل ِ
العلماء إلى ِحتِها بعض
وذهب ُ
ُ
ُ ِ
وشـيخنا اب ُن ُعثيمين(.)3 االختيارات، السعدي يف
ُّ حنيف َة والشافعي ،ا
ورجحه
َ ِ
ِح يف النف ِل ا
ِح يف رسول اهلل ﷺ ِ الى فيها النافلةَ ،وما ا ويدُ ُّل لذلك :ا
أن
الفرض إال لدليلُ ،وأ اما قو ُلـه َتعالى﴿ :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [البقرة،]142 : ِ
جزء منها ،كما َفسـر ذلك الكعبة ،أو ُ ِ َ
استقبال جمي ِع شم ُل ِ َ
طره أي ج َه ُته وهذا َي َ فش ُ
ِ
الكعبة. ِ
جوف رسول اهللِ ﷺ يفِ ِال ُة
رسول اهللِ ﷺ لم ُيصلها فيها ،ولو َ خارجها؛ ا
ألن َ أن ُيصلي الفريض َة واألَولى ْ
بيت اهللِ
هر ِفوق َظ ِ ِ النهي ِ
الصالة َ عن ِ ُ
حديث ِحت ،وال َي َلز ُمه اإلعاد ُة ،وأما ِ الى ا
حا ُر](.)4
والرتمذي واب ُن َ
ُّ ُ
حاتم ماج ْه ،وض اعفه أبو خرجه اب ُن َ اة؛ [ َأ َ ضعيف ال َتقو ُم به ُح ا ٌ فهو
ْ
ِ
الكعبة؛ ألناه ِ
جوف ِ
كالصالة يف الح ْار داخل ِ َ أن الصال َة (واحل ِج ُر مِنها) :أي ا
دخلوا ِ ريش لما أعادوا بناءها لم ي ِ
الح ْا َر معها(،)5 ُ َ منها ،وعندَ ما َقصـرت النفق ُة ب ُق ُ ا
( )1رواه البخاري ( ،)2266ومسلم ( )1322من حديث ابن عمر ﭭ.
( )2االختيارات ص (.)45
ِ
االختيارات ص ( ،)43الممتع (.)251/2 ()3
( )4سبق تخرياه ص (.)264
( )5رواه البخاري ( ،)1564ومسلم ( )1333من حديث عائشة ڤ.
305
كـتـاب الـصـالة 306
ِ ِ
ِحيح يفض ِل
ٌ وجدُ ٌ
دليل فمن ِلى يف الح ْا ِر ،فكأناه ِ الى يف جوفها ،وال ُي َ َ
الحرمِ، ِ ِ ِ
كسائر َ الصال َة يف جوف الكعبة على سائر المساد الحرام يف العدد ،فهو
دخل وِ الى يف جوفِها خشـي ْ
أن َي َ
كون قد َش اق على ورد عنه أناه لما َ ِ
ورسول اهلل ﷺ َ
وجد َسع ًة ُأمتِه إذا أرادوا ِاالقتداء به يف ذلك( ،)1فالمسلِم ال ي ِ
زاحم عليه ،إال ْ
إن َ ُ ُ َ
فل ُي َصل فيه ،واهلل أعلم.
ََ َ َ
هرها) :أي وال يصح الفرض فوق سطح الكعبة؛ ولم ينقل عن (وال ىلع ظ ِ
الرسول ﷺ ،والصحابة فعله ،وألنه ال يمكنه أن يتوجه إلى شـيء منها ،وهذا
تعليل ،وال يوجد نص يمكن معه إبطال الفرض يف سطح الكعبة.
القول الثاين :أنه ياوز ذلك؛ ألنه مساد ،وألنه محل لصالة النفل ،فكان محال
للفرض كخارجها ،وهذا أقرب ،وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
ِ النهي عن ِالةِ ِ ٌ ه َ َ ََْ َ َُ َ
الفريضة داخلَ ِ (إال إذا لم يبق وراءه َشء) :يستثنى م َن
خلفَ الباب وجعلِه
ِ الكعبة ،مث ِل ِ
فتح ِ حالة لم َيستدبِ ْر شـي ًئا مِ َن ِ ِ
الكعبة إذا كان يف
ِ
ظهره.
ُ َ ُ َ ُّ َ َ َ ُّ ه ُ َ َ َ
ذر فِيها ،وعليها .وكذا :انلهفل ،بل يسن فِيها). قوهل( :وي ِصح انل
ِ
رسول الكعبة بل تسن؛ ِلفع ِل
ِ ِ
جوف تص ُّح يف وغيرها ،فالنافل ُة ِ ِ ِ
الفريضة بين
افرق َ
ونحوها ،وكذا فوق ظهرها. ُ لح ُق هبا المنذور ُة اهلل ﷺ لما َِ االها ،و ُي َ
َ ْ َ ْ ُْ ُ َ َ َ َ ْ ََ ُ َ َ ُ َ ه ُ
َبهُ عنها بِي ِقي:َيد من َي ِ قوهل( :اثلامِن :استِقبال ال ِقبل َ ِة َمع القدرة ِ .فإن لم ِ
ََ َ َ َ ه
صىل باالجتِهادِ .فإن أخطأ :فال إاعدة).
الصالة ،و َيدُ ُّل لذلك: ِ ِ
لصحة ٌ
شـرأ استقبال القبلة
الكتاب يف قوله َتعالى﴿ :ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ُ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [البقرة.]150 :
( )1رواه أبو داود ( ،)2022والرتمذي ( ،)613وابن ماجه ( ،)3064وأحمد ( )25056من حديث عائشة
ڤ ،وقال الرتمذي« :هذا حديث حسن ِحيح».
306
307 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
301
كـتـاب الـصـالة 308
306
309 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ََ َ َ َ َ َ ه ْ َ َ ْ َ ْ ُْ ُ َ َ َ
َبهُ عنها بِي ِقي :صىل باالجتِهادِ .فإن أخطأ :فال إاعدة): َيد من َي ِ (فإن لم ِ
حرى بال ُط ُر ِق ِ
تحرى ِجه َة القبلة؛ ألناها
فإن َت ا
شـرأْ ، ٌ أن َي ا واجب عليه ْ ٌ المصلي ُ
غير القبلة ،فصال ُته ِحيح ٌة وال إعاد َة ِ ِ المعروفة وِ الى ،ثم َتب اين له أنه ِ الى إلى ِ ِ
قدر طاقتِه. ِ ِ
عليه؛ ألناه َأتى بما عليه عندَ القيا ِم بالعبادة ،واجت ََهد َ
بن َربيع َة ﭬ قالُ :كناا َم َع النابِي عامر ِ ودليل ذلك :ما َرواه الرتمذي وضعفه عن ِ ُ
الق ْب َل ُةَ ،ف َص الى ُك ُّل َر ُج ُل مِناا َع َلى ِح َيال ِ ِه، ﷺ فِي س َف ُر فِي َلي َل ُة م ْظلِم ُةَ ،ف َلم نَدْ ِر َأين ِ
ْ َ ْ ْ ُ َ َ
َف َل اما َأ ِْ َب ْحنَا َذك َْرنَا َذل ِ َك لِلنابِي ﷺَ ،فن ََز َل﴿ :ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ﴾ [البقرة.)1(]115:
بلة متنوعةٌ ،وهي: الق ِ وال ُّطر ُق التي يستدَ ُّل هبا على ِ
ُ ُ
مشاهد ُتها إن كان الشخص مقابِ ًال للكعبةِ.
ُ ُ ُ
أخذ بقولـه ُ
عن اجتهاد؛ فإناه َي ُ يقين أو ِ عدل باهة القبلة؛ سوا ٌء عن ُ ِ ِ وأن ُيخبِ َره ثق ٌة ٌ
ِ ِ
إن وث َق به ،وتص ُّح ِال ُته حتى لو َتب اين له بعدَ ذلك أنه ُم ٌ
خطئ.
ِ ِ ِ ِ المساجد؛ فإناها ٌ ِ
زاع يف دليل على جهة القبلة ،وقد و َقع ن ٌ حاريب التي يف ُ الم
و َ
ِ
حاريب. الم كم َ ُح ِ
النهي عنها ضعيفةٌ ،وهي ِ ُ
واألحاديث الوارد ُة يف أحمدَ إباحتها، ومذهب اإلما ِم َ
لغيرها ،وهذا لة وليست مقصود ًة لذاتِها ،وإناما هي مقصود ٌة ِ صالح المرس ِ
ِ ُ َ الم
م َن َ
ِ
غير ُ
نكير. المسلمين مِن ِ ُ
منذ أزمان ُمتطاولة عندَ ُ
ُ العمل ُ ُ الذي عليه
وضعوها يف منذ أن َ المسلِمين ُ بلة؛ ا الق ِ جهة ِ دليل ِحيح على ِ المحاريب ٌ
ألن ُ ٌ َ ف
جهة ِ
القبلة. المساجد كانوا ياعلوهنا إلى ِ ِ
َ َ
ِ والقمر ،فيستدل هبما على ِ ِ الق ِ ومعرف ُة ِ
القبلة ،وكل جهة ِ ُ ِ
الشمس طريق بلة عن
ختلف عالمات َت الشمس ،ولهم يف ذلك ِ توجه ِ بلد َيعرفون القبل َة ُ
ُ ٌ بالنظر إلى ُّ
صول العامِ. ِ لدان و ُف باختالف الب ِ ِ
ُ
( )1رواه الرتمذي ( )345من حديث عامر بن ربيعة ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث ليس إسناده بذال ،ال
نعرفه إال من حديث أشعث السمان ،وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف يف الحديث».
302
كـتـاب الـصـالة 310
ِ
كانت السما ُء ِافيةً، خفي ال َيراه إال حديدُ البصـر إذانام ٌّ
طب؛ وهو ٌ وكذا ال ُق ُ
بلة ،ويختلف مكانه الق ِ
جهة ِ ِ والقطب ال َيتغ اير عن مكانِه ،ولذا ُيستدَ ُّل به علىُ
حسب البلدان.
ِ
الدقيقة التي ُيستدَ ُّل هبا اآلالت الحديث ُة التي ُتحدد القبل َة ،فهي مِ َن الوسائ ِل
ُ و
ِ
القبلة. ِ
تحديد على
ِ
القبلة فله أن أن هذه جه ُة الطرق ،وغ َلب على ظنه ا ِ فإذا ن َظر إلى ِ
أحد هذه َ
الوس ِع فصال ُته ِ
أخطأ بعد االجتهاد و َب ِ َ ِ
أِاب فالحمدُ هللْ ، ُيصليْ ،
ذل ُ وإن َ فإن
بن َربيع َة عندَ الرتمذي. حديث ِ
عامر ِ ُ ِحيحةٌ ،وال َي َلز ُمه إعاد ُتها ،كما َد ال ل ُه
القبلة ال َيخلو مِن حالت ِ
َين: ِ التوجه إلىُّ مسألةٌ:
ِ
االنحراف عنها؛ الق ِ
بلة وعد ِم إن كان يشاهد الكعبة؛ فالمذهب :وجوب معاي ِنة ِ
ُ ُ َ
قريب.
ٌ قادر على ذلك ،وهو منها
ألنه ٌ
بلة؛ لقولـِه َتعالى﴿ :ﮭ ﮮ ﮯ الق ِ
جهة ِ وإن كان بعيدً ا ،فيكفيه التوجه إلى ِ
ُّ َ
أن َياتهدَ يف التحري ،وأ اما ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [البقرة ،]144 :وا ُلمسلِم َيكفيه ْ
ِ ِ
رسول اهلل ﷺ والتدقيق الذي ُيفضـي إلى النزا ِع فليس مِ ْن َه ِ
دي ُ المبالغ ُة
ُ
وِححه َع ْن النبي ﷺ أنه قال« :ما ب ْي َن الم ِ
شـرق والصحابة ،بل ث َبت عند الرتمذي ِ
َ َ َ ا
ب قِ ْب َل ٌة»(.)1الم ْغ ِر ِ
َو َ
نحراف القلي ِل ِجدا، ِ ألج ِل ِاال ِ
المساجد ْ الناس من هد ِم َ
ِ ِ بعضوأ اما ما َيف َع ُله ُ
ِ ِ ِ ِ حصل مِ َن ِ
ألج ِلالبعض م َن النزا ِع واالختالف ْ أمر ُمبا َل ٌغ فيه ،ومث ُله ما َي ُ فهذا ٌ
ُ
وحديث ف ،فهذا ال َينبغي، واآلخ ُر ُيخال ِ ُ
َ سـيرا
ف َي ً انح ِر ْ
قولَ : سـير ،فهذا َي ُ انحراف َي ُ ُ
ب الم ْغ ِر ِ ِ ُ
المشـرق َو َ رسول اهلل ﷺَ « :ما َب ْي َن َ توسـيع حين قال
ٌ أبي ُهرير َة ﭬ فيه
القبلة ،ولوِ المدينة ومن على سمتِهم؛ فيكفيهم التوجه إلى ِ
جهة ِ قِ ْب َل ٌة» ،وهذا أله ِل
ُ َ َ ْ َ
( )1رواه الرتمذي ( ،)344وابن ماجه ( )1011من حديث أبي هريرة ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث حسن
ِحيح».
310
311 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
قدر
الصواب َ
َ تحرى األمر فإناه مما ُيتسا َمح فيه ،ف َي ا ِ سـير يف واق ِع انحراف َي ٌٌ كان فيه
أعلم. ُ طاقتِه مِن ِ
واهلل ُ غير تشديد يف هذاُ ،
تحر ،فال َيخلو مِن حالتين: بغير اجتهاد وال ن
ُ مسألةٌ :لو ِ الى ِ
ذر. ُ
بشـرأ بال ُع ُ خطؤه ،ف َي َلز ُمه اإلعاد ُة إلخاللِه ُ أن َيتب اين لـه األولىْ :
أن يتبين لـه أنه أِاب ِ
القبل َة. َ الثانية َ ْ :ا
ِ ِ
ب عليه. وج َأن عليه اإلعاد َة لتفريطه يف َترل ما َ فالمذهب :ا ُ
نفسه ،وقد ُ
تطمئن لها ُ
ُّ واألقرب :أناه ال َي َلز ُمه اإلعاد ُة؛ ألنه لم ُي َصل إال إلى جهة
شـيخنا اب ُن ُعثيمين(.)1 ُ ورجح هذا تب اين له ِوا ُبه ،ا
ُ َ َ
َ ُ َ ُّ َ َ ُ َ ُ
قوهل( :اتلهاس ُع :انلية ،وال تسق ُط حبَال .وُملها :الق ُ ه
لب .وح ِقيقتها :العزم ىلع ِ
ه ْ
ف ِع ِل الَشءِ).
تص اح ِالت ُه باإلجما ِع كما نية لم ِالصالة ،فمن ِ الى بال ُ ِ ِ
لصحة ٌ
شـرأ الني ُة
َ
والنووي( .)2ويدُ ُّل لـه: نذر ن َقله ابن الم ِ
ُّ ُ ُ
القرآن؛ كما قولـِه َتعالى﴿ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [البينة.]5 : ُ
()3
اتَ ،وإِن َاما ل ِ ُ
كل ا ْم ِر ُ َما ن ََوى» [متفق
والسن ُة؛ كما قوله ﷺ« :إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ
ا َ َ
عليه].
ُ َ ُ ُّ ََ
شـيء مِ َن شـرع التال ُّف ُظ هبا يف
(وُملها :القلب) :فالني ُة عباد ٌة قلب ايةٌ ،وال ُي ُ
الله ام إين أريدُ غيرها ،فال َي ُ ِ
الوضوء وال ِ ِ
الصالة وال الصـيا ِم وال ِ
قولُ « : العبادات؛ ال
أعمل كذا» ،فهذا مِن المحدَ ِ
ثات. أن أِلي أو أِوم أو أتوضأ أو َ
َ ُ
اهلل أكربُ ولم ي ُق ْل ِ ِ
النبي ﷺ إذا قام إلى الصالة قالُ : قال اب ُن القيم« :وقد كان ُّ
بعض ونحوه مما ابتدَ َعه ُُ بالنية ،وال قالُ :أِلي هللِ كذا،
ِ شـي ًئا قب َلها ،وال َتل اف َظ
311
كـتـاب الـصـالة 312
ِ ُ ِ ِ ِ ِ
بعضَحسنه ُ الناس ،فلم ُين َق ْل عن رسول اهلل ﷺ وال عن أحد م َن الصحابة ،وال است َ
أن التل ُّفظ هبا
المحققين إلى ا ِ التابِعين ،وال األئم ُة األربع ُة» ،وقد َ
جمع م َن ُ ٌ ذهب
ِ
القيم(.)1 بدعةٌ؛ منهم ُ
شـيخ اإلسال ِم واب ُن
يكون يف ِ ه ْ َ ُ َ َُ
قلب ُ أمر
عزم فقد ن ََوى وهذا ٌ (وح ِقيقتها :العزم ىلع ف ِع ِل الَشءِ)َ :
فمن َ
العمل ،ويقبل عليه. َ العبد حين ُيريدُِ
ُ قل ،واتلَ َ ُ ُ َ ُ
ميـزي). قوهل( :ورشطها :اإلسالم ،والع
ُ
يشرتأ لصحة النية للصالة (اإلسالم) :ألن الكافر وإن نوى الصالة لم تقبل منه.
َ ُ
(والعقل) :ألن المانون ال قصد له ،وليس من أهل التكليف.
ميـزي) :ألن غير المميز ال تصح ِالته ،ولذا لم يأمر الرسول ﷺ اآلباء ُ (واتلَ
بأمر أبنائهم بالصالة إال بعد بلوغهم سبعًا(.)2
رن َها باتله َ ُ َ ُ ُ ََ َ َ هُ َ َُ
ري).
ِ ِ بك ق : ل واألفض ، سري بي ا ه بيل ق أو: ِ، ة باد ع
ِ ال ل قوهل( :وزمنها :أو
صاح ًبا ل َبداءتِها؛
بالعبادة؛ إما م ِ
ا ُ
ِ قبل الب ِ
داءة تكون َ َ َ ِ
للنية ْ
أن المشـروع
ُ فالزم ُن
بزمن َي ُ ُ قبل الب ِ ِ
سـير ،وأ اما تقدُّ ُم داءة هبا يكون َ َ َ تكبيرة اإلحرامِ ،أو قبل فينوي الصال َة َ
بساعة نواها؛ فهذا فيه ُ أن ُيصلي قبل ْيكون ََ بزمن طويلُْ ،
كأن ُ ِ
العبادة ِ
النية على
قوالن:
ِ ِ ِ
المنوي. لوجود ال َف ْص ِل بينها وبين َظاهر كال ِم المؤلف عد ُم الصحة؛ ُ
ُ
َ
فسخها ،وال صل ما دام لم َي ِ
نو وإن طال ال َف ُ ِ
العلماء إلى إجزائهاْ ، بعض
وذهب ُ َ
واختاره اب ُن ُعثيمين(.)3 ِ
الحنابلة، ورجح هذا ُجمل ٌة مِ َن
َ َي َلز ُم تاديدُ ها ،ا
312
313 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
ات»( ،)1والني ُة هنا موجود ٌة. حديث« :إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ ِ ودلي ُله :عمو ِم
ا َ َ
رجال حتى نا َم ت الصال ُة لـه ُثم قام ُيناجي ً رسول اهللِ ﷺ ُأقيم ِ َ شهدُ لـه :ا
أن
َ و َي َ
ِ
بتاديد طويل ،ولم َيأ ُم ْرهمٌ َ
الفاِل أنالمساد ،ثم قام وِ الى مع ا ِ بعض َمن يف ُ
ِ
النية(.)2
شـيخ اإلسالمِ: ف؛ فهي كما قال ُ النية ووجودها ال يحتاج إلى تك ُّل ُ وشأن ِ ُ فائدةٌ:
َ ُ ُ ُ
ِ ِ
قصدَ ه ونَواه ضـرور ًة»( ،)3ولذا قيل« :لو فمن علِ َم ما ُيريدُ فع َله َ لمَ ، «الني ُة َتت َب ُع الع َ
عم ًال وهو ٌ لك ال َفنا ما ال ُن ُ مال بال ُ
عاقل فقد نَواه. قصد َألن َمن َ طيق»؛ ا نية َ ك ال َفنا ُ
اهلل َع ً
ْ َ ْ ُ ِّ ُ َ ُ َ ه َ ه ُ َ
عيـي ما يصلي ِه ،مِن ظهر ،أو عَص ،أو ِوتر، ورشط ،مع نِي ِة َ الصالة ِ :ت قوهل( :
َ ُ هُ ه َِ ه
أو رات ِبة .وإال :أجزأته نِية الصالة ِ).
ب تعيي ُن الصالة إذا كانت فريضة أو راتبة مقيدة أهي فرض أم نفل أهي يا ُ ف ِ
ظهر أم عصـر ،والنف ِل أهو الفرض َينوي أهي ٌ ِ ظهر أم عصر أهي راتبة أم وتر ،ف
ظهرا، الظهر وقد نَواها ِال ًة ولم َي ِ ِ ِ قضاء وتر أم ُض ًحى ،فلو َ
نوها ً ِالة دخل يف
َفال ُمطل ًقا. تص ُّح ن ً فالمذهب أهنا ِ
ُ
ِ
الصالة، عن اإلما ِم أحمدَ أناه َيكفي ني ُة لكن إن كانت الفريضة يف وقتها ف ُروي ِ
وال ُيشرت َُأ تعيي ُن النوعِ ،ورجحه شيخنا ابن عثيمين وقال« :إناها َتتع اين بتع ُّي ِن
الظهر فالصال ُةُ وغاب عن ذهنِه أناها َ الظهر ،ثم ِلى ِ ِ
لصالة وضأقت ،فإذا َت ا الو ِ
َ
ِ
الصالة؟ ِحيحةٌ؛ ألناه لو ُسئِل :ماذا ُتريدُ هبذه
غيب عن ِ
الناس َي ُ كثيرا مِ َن
ألن ً العمل إال به؛ ا ُ الظهر ،وهذا ما ال َي َس ُع َ لقالُ :أريدُ
راكع»(.)4 ِ
الظهر أو العصـر ال سـيما إذا جاء واإلما ُم ٌ أذهانهم أناها َ ُ
َ ُ هُ ه ه
هرا أم ً ُ
ظ ها نوع
َ نْ عي ي
ُ ولم ق َ َ
ل وأط ة
ً ِال َواها
ن لو أي
ْ : )ِ ة ال الص ة ِي ن ته أأجز : وإال (
( )1سبق تخرياه ص (.)21
( )2سبق تخرياه ص (.)210
( )3االختيارات ص (.)42
( )4الممتع (.)261/2
313
كـتـاب الـصـالة 314
فالمذهب أهنا ِحيح ٌة لكناها الظهر ومع اإلمامِ، ِ وقت َعصـرا حتى ولو كانت يف ِ
ُ
َفال ُمطل ًقا ،وتقدم بيانه. ُ
تكون ن ً
َ ً َ َ ًَ ه ُ َ ُ ََُ َ
اء ،أو ف ْرضا). ض ً حاَضة ،أو ق ون الصالة ِ ِ قوهل( :وال يشَّتط :تعيـي ك ِ
أن َي ِ
نو َيها نو َيها قضا ًء أو أدا ًء ،وكذا َيكفي ْ أن َي ِ هرا ألَ ْجز َأ ،وال َي َلز ُمه ْ فلو نَواها ُظ ً
اختيار ِ هرا علِم أهنا ٌ ِ دون ِ ُظهرا مِن ِ
ابن ُ فرض ،وهذا الفرض؛ ألناه إذا نَواها ُظ ً نية ً
وغيرهما(.)1 ِ ابن تيم اي َة َجد شـيخِ اإلسالمِ، والماد ِ ِ ُقدامةَ،
َ ِ َ ُ َ َ ُ ََُ هُ
أم ِ
وم). ام ،واالئتِمام للم لإلم ِ شَّتط :نِية اإلمام ِة قوهل( :وت
نو َي اإلما ُم اإلمامةَ ،فإذا لم َي ِ
نو أن َي ِ
الصالة جماع ًة ْ ِ ِ
لصحة المذهب :أناه ُيشرت َُأ ُ
ُ
ِحيحة. إمام فصال ُة المأمو ِم ُ
غير أناه ٌ
وياوز أن
ُ ِ
الصالة جماعةً، ِ
لصحة شرتأ ذلك ُ وهنال قول يف المذهب :أناه ال ُي
مذهب
ُ أول الصال ِة ،وهذا اإلمامة مِن ِ ِ نو اإلمامة ،وكذا ال ُتشرت َُأ ني ُة بمن لم َي ِ يأ َت ام َ
وشـيخنا اب ُن ُعثيمين. ُ واختاره اب ُن ُقدام َة واب ُن تيم اي َة َ المالك اي ِة والشافع اي ِة،
رسول اهللِ ﷺ قام ُيصلي وحدَ ه ثم ائت اَم به َ أنعدة وقائِ َع ا ودلي ُله :أنه ح ِفظ يف ِ
ُ
اهم ائت َُّموا به َ ُ ِ ِ بعض أِحابه يف ِ
قبل رسول اهلل ﷺ َيع َل ُم أن ُ الصالة ،ولم ي ُك ْن أثناء ُ
وغيرهم ﭫ ،فإذا ن ََوى ِ ُ
وجابر، ُ
عباس، ِ
وابن قصة ُحذيفةَ، ِ مثلالشـرو ِع فيها؛ َ
الاماعة دونِ ِحت ،وللمأمو ِم ني ُة نو اإلما ُم اإلمام َة االئتمام ولم َي ِ مأموم
ا َ ٌ
اإلما ِم(.)2
أن َي ِ ِ
الصالة جماع ًة ْ ِ َ ِ َ ُ
نو َي المأمو ُم لصحة وم) :أي و ُيشرت َُأ أم ِ (واالئتِمام للم
ِ ِ ِ وإال أِ َب َح ُم ِ ِ
األربعة. األئمة باتفاق نفر ًدا ،وهذا الاماعة ا حص َل له ُ
أجر االئتمام ل َي ُ
َ
َُ ُ ُ ُ َ َ َ َ ٍّ ُ َ َ ُ
َ ُّ ه ُ
قوهل( :وت ِصح :نِية المفارق ِة ل ُِك مِنهما؛ ل ِعذر يبيح ترك اجلماع ِة).
ِ
الصالة ،أو واحتاج إلى قط ِع أثناء ِالتِه َخ َ
لف اإلما ِم لو طرأ للمأمو ِم ُعذر يف ِ
َ ٌ
314
315 ط الصَّالةِ
ب شـرو ِ
با ُ
315
كـتـاب الـصـالة 316
ِاال ِ
نفراد.
َ َ ُ ُّ ُ ُ ُ ْ ُ َ َ َ َ َُ َ ُ ٌ َ َ
الفاحتةِ :هل الركوع يف ِ قوهل( :ويقرأ مأموم :فارق يف قِيام ،أو :يك ِمل .وبعد
ال). َ
احل ِ
ِ
الفاتحة فإن كان َفرغ مِ َن حيث و َقف إما ُمه؛ ْ ُ كمل مِن فارق إمامه فإناه ي ِ أي َمن َ
ُ َ
ذر حصل لإلما ِم ُع ٌ لم ْن َخل َفه ،وهكذا إذا َ ألن قراء َة اإلما ِم قراء ٌة َ فال ُي َلزم بإعادتِها؛ ا
وإن كان راكِ ًعا حيث و َقف إما ُمهْ ، ُ كمل مِن فاستَناب أحدَ المأمومِين عنه ،فإناه ي ِ
ُ َ َ
كثير مِن الع ِ في ِ
لماء. مذهب ُ َ ُ ُ كم ُل ما بعدَ الركوعِ ،وهذا ُ
ه َ َ ه َ َ ُ َ ه ه َ ً َ ُ َ َ َ ه ُ َ ََ َ
الوقت ،وإال :لم ي ِصح، إن اتسع ن أحرم بِفرض ثم قلبه نفال :صح ِ قوهل( :وم
ََ َ َ ُ ُ
وبطل فرضه).
ِ
حالتان: َفال فله أن َيقلِ َبها ن ً فريضة فأرا َد ْ ُ من أحرم يف
الوقت ُمت ِاس ًعا وقد أمِ َن ُ إن كان َفال ْ اوز لـه َقل ُبها ن ً قبل السالمِ ،ف َي ُ إن كان َ األُولىْ :
ِ مثل ْ ِحيح؛ َ ِ
الفرض وحدَ ه شـرع يف أن َي َ ٌ غر ٌض خاِ ًة إذا كان لـه َ روج الوقت؛ ا ُخ َ
ِ
الاماعة ل َي َ قام جماعةٌ ،فله َقل ُبها ن ً
نال ثوا َبها. دخل مع َفال ل َي ُ ثم ُت َ
ِ ِ ِ
تمت. الثاني ُة :إن كان بعدَ الفرا ِغ م َن الصالة فال يص ُّح قل ُبها؛ ألناها قد ا
َ ُ ً ه َ َ ه ََ َ َ ُ ُ
ب َ ل ق لو بحيث ا ق ضـي الوقت
ُ كان لو أي : ) ه (وإال :لم ي ِصح ،وبطل فرض
الصالة؛ ألنه ِ قلب ِ الوقت َ
مر ًة ثانيةً ،لم ياز لـه ُ قبل ِالتها ا ُ لخرج
َ َفال
الفرض ن ً
َ
َفال مع ِح قل ُبها ن ً ِ وإن ق َل َبها َ الصالة عن وقتِهاْ ، ِ ِ
قبل فراغه منها ا تأخير ُيؤدي إلى
تأخيره الصالةَ. ِ ِ
اإلثم على
مسأل ٌة :حكم االئتمام بالمسبوق؟
المذهب أنه ياوز االئتمام بالمسبوق إال أن تكون جمعة واختاره شيخ
اإلسالم وابن باز وابن عثيمين.
316
317 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
e ب الصَّالةِ
كِتَا ُ F
(بابُ أركا ِن الصَّالةِ)
ِ
ِفة فصوال ل ِ ِ
بيان ً ِ
الصالة ،وأحكامها ،ثم ذكَر ِ
أركان ع َقده للكال ِم على
ِ
النقص ِ
وجوابر ِ
وأنواعها ،و ُمكمالهتا، وسنَنِها ،و ُمبطِالتِها، ِ ِ
الصالة ،وواجباتهاُ ، ا
ِ
المتعلقة هبا.
بالتكبير مختت ُ وأفعال مفتت ُ
ُ ُ
ِ
بالتسليم. َمة ِ ُ َحة ُ بأقوال والصال ُة :هي التع ُّبدُ هلل
األمم السابق ُة لها ِ َل ٌ
وات مفروض ٌة ،كما ِ
األمة ،ب ِل والصال ُة ليست خاِ ًة هبذه
ُ
د الت األدل ُة على ذلك:
كما يف قو ُله تعالى﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [آل عمران.]32 :
الصبِ اي َف َط َع َن فِي قائما ُيصلي ،ثم َأ َتى ا
ِ
وكما يف قصة ُجريجُ العابد« :حينما كان ً
ِ
اعي»( ،)1لكناها ليست ُمماثِل ًة لص َلواتِنا ول؟ َق َالُ :ف َال ٌن الر ِ
ا َب ْطن ِ ِهَ ،و َق َالَ :يا ُغ َال ُم َم ْن َأ ُب َ
شـيخ اإلسال ِم .$ وجه كما ب اينه ُ مِن كل ُ
فرائض اإلسال ِم وأركانِه ِ
العظامِ ،ومن فضائلها: ِ والصال ُة مِن
الانة ،كما يف الصحيحين قال ﷺَ « :م ْن َِ الى ال َب ْر َد ْي ِن َد َخ َل ِ ِ
لدخول باب
أناها ٌ
الانا َة»(.)2
َ
لما سألهَ « :أ ُّي ُ اإليمان ،كما قال ﷺ ِ ِ ِ ُ
البن مسعود ﭬ ا األعمال بعدَ أفضل وهي
الصالَ ُة ل ِ َو ْقتِ َها» [متفق عليه](.)3 األَ ْعم ِ
ال َأ ْف َض ُل؟ َق َال « :ا َ
311
كـتـاب الـصـالة 318
ِ
ور»(.)1 نور لصاحبِها يف الدُّ نيا واآلخرة ،كما قال ﷺَ « :و ا
الص َال ُة ُن ٌ وهي ٌ
ورا َو ُب ْر َهانًا الص َال َة َي ْو ًماَ ،ف َق َالَ « :م ْن َحا َف َظ َع َل ْي َها كَان َْت َل ُه ُن ً و َذك ََر رسول اهلل ﷺ ا
ورا َو َال ُب ْر َهانًا َو َال ن ََااةًَ ،و َي ْأتِي ِ ِ ِ
َون ََاا ًة َي ْو َم ا ْلق َيا َمةَ ،و َم ْن َل ْم ُي َحاف ْظ َع َل ْي َها َل ْم َت ُك ْن َل ُه ُن ً
ان و ُأبي ب ِن َخ َل ُ يوم ا ْل ِقيام ِة مع َقار َ ِ
ف» [رواه أحمد](.)2 ون َوف ْر َع ْو َن َو َها َم َ َ َ ْ َْ َ َ َ َ َ ُ
رسول اهلل ﷺ
ِ ُ ـيئات ،كما قال الدرجات ،وحط الخطايا والس ِ ِ وهي سبب ِلر ِ
فعة
َ ٌ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الس ُاود ل اله؛ َفإِن َاك َال َت ْس ُادُ ل الـه َس ْادَ ةً ،إِ اال َر َف َع َك ُ
اهلل وبان ﭬَ « :ع َل ْي َك بِ َك ْث َرة ُّ ل َث َ
بِ َها َد َر َجةًَ ،و َح اط َعن َْك بِ َها َخطِي َئ ًة» [رواه مسلم](.)3
ول اهللِ ﷺَ ،ف َأ َت ْي ُت ُه يت م َع رس ِ
ب ْاألَ ْس َلمي ﭬ َق َالُ :كن ُْت َأبِ ُ َ َ ُ
ِ وعن َربِي َع َة ْب ِن َك ْع ُ
اجتِ ِه َف َق َال لِيَ « :س ْل»َ ،ف ُق ْل ُتَ :أ ْس َأ ُل َك ُم َرا َف َقت ََك فِي ا ْل َان ِاةَ .ق َالَ « :أ ْو َغ ْي َر ِِ
بِ َو ُضوئه َو َح َ
ود» [رواه مسلم](.)4 الَ .ق َالَ « :ف َأ ِعني َع َلى َن ْف ِس َك بِ َك ْثر ِة السا ِ َذل ِ َك»ُ ،ق ْل ُتُ :ه َو َذ َ
َ ُّ ُ
للمحافِظين عليها ال ُيمكِ ُن حصـرها. اهلل ُ وثواب أهلها ،وما َأ َعدا ُ
ُ ِ وفضائ ُلها
ُ َه ُ ِّ ُ ُ َ
جت ُب :ىلع ُك مسلِم ،ملكف). قوهلِ ( :
أو رجال ِ سلم مكلف وهو البالغ ،العاقل؛ ً الخمس واجب ٌة على ُكل ُم ُ ُ لواتفالص ُ ا
المسلم فإناها ال ِ مريضا ،مسافر ًا أو مقيمًا وأ اما ُ
غير ً ِحيحا أو
ً امرأةًُ ،حرا أو عبدً ا،
وإن كان ُمعاق ًبا على تركِها؛ كما قال تعالى عنهم﴿ :ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ُتق َبل منهْ ،
ﰛﰜﰝﰞﰟ﴾ [المدثر.]43 -42 :
والمانون ال ُيطا َلبون هبا؛ لقوله ﷺُ « :رفِ َع ا ْل َق َل ُم َع ْن َث َال َث ُةَ :ع ِن
ُ الصبي
ُّ وكذا
ِ ِ ِ ِ ا ْلمانُ ِ
الصبِيوب َع َلى َع ْقلِه َحتاى ُيف َيقَ ،و َع ِن الناائ ِم َحتاى َي ْس َت ْيق َظَ ،و َع ِن ا
ون ا ْل َم ْغ ُل ِ َ ْ
316
319 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
312
كـتـاب الـصـالة 320
ِ
الصلوات ِ
إيااب باإلجماع؛ ألناه مكذب هللِ ورسولِه وإلجما ِع المسلمين يف
الخمس على المسلمين. ِ
ِ
إقراره بوجوبِها ،فهذا اتفق العلماء أنه وكسال مع
ً الحال ُة الثاني ُة :أن َيرتُكَها ُ
هتاونًا
فرهخروي؟ ويف ُك ِ
للعقاب الدُّ نيوي واألُ َ
ِ نفسه
عظيما ،و ُمعر ٌض ًَ مرتكب ذن ًبا
ٌ
روايتان يف المذهب:
ُ
شـيخ ورجحها
ا أن تركَها ِر اد ٌة ِ
عن اإلسالمِ، الرواية األولى :وهي المذهب ا
باز ،واب ُن ُعثيمين ،وهي األرجح ،ويدل القيم ،واب ُن حزمُ ،واب ُن ُ
ِ اإلسالمِ ،واب ُن
لذلك:
قولـُه َتعالى﴿ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ
ِ
القرآن مواض َع مِ َن ِ ِ
القيم تسع َة ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [التوبة .]11 :وذكَر اب ُن
فره(.)1 تدُ ُّل على ُك ِ
ِ
ول اهلل ﷺ قال« :ال َع ْهدُ ا الذي َب ْينَنَا َو َب ْينَ ُه ُم ا
الص َال ُة، أن َر ُس َ
وحديث ُب َر ْيدَ َة ﭬ ،ا
ُ
َف َم ْن َت َرك ََها َف َقدْ َك َف َر» [رواه الرتمذي وِححه](.)2
الر ُج ِل ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ
ولَ « :ب ْي َن ا وحديث َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِداهللِ ﭬ قالَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ ُ
الص َال ِة»(.)3 ِ
َو َب ْي َن الشـرل َوا ْل ُك ْف ِر َت ْر ُل ا
ح ام ُد ﷺ اب ُم َ الرتمذي َع ْن َع ْب ِدال ال ِـه ْب ِن َش ِق ُ
يق ال ُع َق ْيلِي َق َال« :ك َ
َان َأ ِْ َح ُ ُّ وروى
َ
ِ ()4 َال َير ْو َن شـي ًئا مِ َن األَ ْعم ِ
الص َالة» . ال َت ْر ُك ُه ُك ْف ٌر َغ ْي َر ا َ َ
(ُ )1ينظر :كتاب الصالة البن القيم ص (( ،)61-42دار عالم الفوائد).
( )2رواه الرتمذي ( ،)2621وابن ماجه ( ،)1012وأحمد ( ،)22231وابن حبان ( ،)1454والحاكم
( )46/1من حديث بريدة ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث حسن ِحيح غريب» .وقال الحاكم« :هذا
حديث ِحيح اإلسناد ،ال تعرف له علة بوجه من الوجوه» .وِححه األلباين يف ِحيح الاامع (.)4143
( )3رواه مسلم ( )62من حديث جابر ﭬ.
( )4رواه الرتمذي ( .)2622وِححه النووي يف خالِة األحكام ( ،)660وابن الملقن يف البدر المنير
( ،)326/5واأللباين يف مشكاة المصابيح (.)512
320
321 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
321
كـتـاب الـصـالة 322
ِ
اجتهاد اإلمامِ؛ ْ المرتد راجع ٌة إلى شـيخ اإلسال ِم ا ُ ِ
فإن أن استتاب َة ُ رجحالصالة ،وقد ا
وإن رأى عد َم استتابتِه َ
قبل قتلِه فله ذلك. الصالة فله ذلكْ ، ِ رأى استتاب َة ِ
تارل
َ ًْ َ ُ ُ َ ً
مدا ،وال َس ً أرب َع َة َع َ َ
َ َ ُ ه ُ
هوا ،وال جهال). َش .ال تسقط ع قوهل( :وأرَكن الصالة ِ:
ُ
والفرق بينها: وسن ٌَن؛وواجبات ُ ٌ ٌ
أركان الصال ُة لها
هال ،وال َس ْه ًوا. اإلتيان هبا ،وال َتس ُقط ال َج ً ُ ياب ُ َ
األركان ا
أن
سهوا
وإن َتركها ً فإن َتركها َع ْمدً ا ب َطلت الصال ُةْ ، اإلتيان هبا؛ ْ ُ ب يا ُ والواجبات ُِ
ِ
السهو. ِ
بساود وجبِرت ِحت ُ جهال ا أو ً
ِ
اإلتيان هبا ،وال َتب ُط ُل الصال ُة بتَركها عمدً ا وال ً
سهوا. ُ والسن ُن َيتأ اكدُ ُّ
ْ َ َ ُ َ ً َ ُ َ ً َ َ َ ُ َ ُ َ ُ
رض -ىلع القاد ِِر -منت ِصبا .فإن وقف منحنِيا ،أو قوهل( :أحدها :ال ِقيام يف الف ِ
َ ُ ُّ َ ْ ُ َ ه ً َ ُ ْ يث ال ي ُ َس ه ً َ ُ
َض خفض َرأ ِس ِه. ري عذر :لم ت ِصح .وال ي ِغ ل ا، ِم ئ قا َّم مائ ِال ِحب
َ َ ِ ُ ْ ْ ُُ وكر َُ
ري عذر). َ ِ ِغ ل ة د حِ وا ل ج ر ىلع ه ِيام ق : ه
ُ َ ً َِ َ ُ
َِ
َ ُ
رض -ىلع القاد ِِر -منت ِصبا) :فالقيام مع القدرة يف ِالة (أحدها :ال ِقيام يف الف ِ
تص اح. فإن ِ الى قاعدً ا مع ُقدرتِه على القيا ِم لم ِ الفريضة ركن؛ ْ
ودلي ُله :قولـُه َتعالى﴿ :ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [البقرة ،]236 :وقول رسول اهلل ﷺ:
ْب» [رواه البخاري](.)1 اعدً اَ ،فإِ ْن َل ْم َت ْستَطِ ْع َف َع َلى َجن ُ
«ِل َقائِماَ ،فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ
ْ ْ ْ ً َ
الفرض ما يلي:ِ ِ
وجوب القيام يف ِ
و ُيستَثنى من
حبس؛ لقولِه ﷺ :ف ُيصلي ُ خوف ،أو ِ عن القيا ِم لمرض ،أو العاجز ِ
ُ ُ
األول:
اعدً ا» ،ولقوله ﷺَ « :وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا مِنْ ُه قاعدً ا؛ لقوله ﷺَ « :فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ
ْ ْ ْ
اس َت َط ْع ُت ْم» [متفق عليه](.)2
َما ْ
ونالصفَ ،و ُيومِ ُئ َ ِ
ريان ف ُيصلي قاعدً ا ،والعراة يكون إِ َما ُم ُه ْم َم َع ُه ْم في ا الثاين :ال ُع ُ
322
323 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
ُ
عباس ﭭ(.)1 علي واب ُن إِ َ
يما ًء ،وهبذا قال ُّ
عن القيامِ؛ ف ُيصلي خل َفه قاعدً ا اقتدا ًء به؛ عاجز ِ ُ خلف إما ُم
َ المصلي ُ
الثالثُ :
رسول اهللِ ﷺ بالص ِ
حابة قاعدً ا ُ لما ِ الى ُ ِ
ا أنس ﭬ ا لحديث هكذا دلت السنة؛
ون» [متفق
ِ الوا خل َفه ُقعودا ،وفيه :قال« :وإِ َذا ِ الى َق ِ
اعدً ا َف َص ُّلوا ُق ُعو ًدا َأ ْج َم ُع َ َ َ ً
عليه](.)2
قادرا ِ ِ ِ مسألة :والقيام يف ِالة ال ِ
فرضا ،فتص ُّح م َن القاعد ولو كان ً نافلة ليس ً
رسول اهللِ ﷺ« :ك َ
َان ُي َصلي َل ْي ًال َط ِو ًيال َقائِ ًما، َ لحديث عائش َة ڤ ا
أن ِ على القيامِ؛
و َلي ًال َط ِو ًيال َق ِ
اعدً ا» [رواه مسلم](.)3 َ ْ
القائم؛ روى ِ نصف ِ
أجر ُ إن ِ الى قاعدً ا وهو ٌ
قادر على القيامِ ،فله لكن ْ ْ
البخاري عن عمران قال :سألت رسول اهلل ﷺ عن ِالة الرجل قاعد ًا ،فقال« :إِ ْن
ف َأ ْج ِر ال َقائِ ِمَ ،و َم ْن َِ الى نَائِ ًماَ ،ف َل ُه
اعدً اَ ،ف َل ُه ن ِ ْص ُ
ِ الى َقائِما َفهو َأ ْف َض ُل ومن ِ الى َق ِ
َ َ ْ َ ً َُ َ
اع ِد»(.)4
ف َأج ِر ال َق ِ
ن ْص ُ ْ
ِ
وروى مسلم من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قالَ َِ « :ال ُة
الص َال ِة»(.)5 ِ ِ ِ
الر ُج ِل َقاعدً ا َع َلى ن ْصف ا
ا
وعليه فالصالة مع القيام نوعانِ :الة الفريضة ،فالقيام فيها مع القدرة ركن.
وِالة النافلة ،فالقيام فيها مستحب.
ه َ ْ ُ َ ً ُ
يث ال ي َس ه ً َ ُ ْ َََ ُ َ ً
أيري عذر :لم ت ِصح)ْ : ِ ِغ ل ا، ِم ئقا َّم حب
ِ ِال ئ ما أو ا، ي(إن وقف منحنِ
يكون قِيا ًما تاما َيصدُ ق عليه ُ
لفظ َ ِ
القادر ْ
أن الفريضة مِ َن
ِ ِ
ِالة ِ
لصحة القيا ِم يف ال ُبدا
ِ ِ ِ
الناس؛ ْ
فإن سمى قيا ًما عندَ والضابط فيه َيرج ُع إلى ال ُعرف؛ وهو ما ُي ا ُ «ِ الى ً
قائما»،
ِ
الرزاق (.)564/2 ( )1مصنف ِ
عبد
( )2رواه البخاري ( ،)662ومسلم ( )411من حديث أنس ﭬ.
( )3رواه مسلم ( )130من حديث عائشة ڤ.
( .)4ورواه البخاري يف ِحيحه ()1115
( )5رواه مسلم (.)135
323
كـتـاب الـصـالة 324
يأت بالقيا ِم المشـرو ِع ،وال يازئه ذلك، ذر لم ِ لغير ُع ُ ظاهرا ِ كان ُمنحن ِ ًيا انحنا ًء
ً
ويكون َترل ُركنًا. ُ
ِ ِ رأسه َ َ ُ ُّ َ ْ ُ َ
اإلطراق كهيئة حال القيا ِم المصلي َ (وال يَض خفض رأ ِس ِه) :إذا خ َفض ُ
القيامِ. ألن الرأس ليس لـه َعالق ٌة بمسمى ِ سمه وظهره ُمنتص ًبا؛ ا ِ
ُ ا َ لم َيضـره ما دام ج ُ
ُ َ َ ُ ْ ْ ُُ وكر َ ُ
واحدة ور َفع ري عذر) :فلو قام على ِر ْج ُل ِ ِغ ل ة د ح
ِ وا ل ج ر
ِ ىلع ه ِيام ق : ه ( ِ
ِ ِ خرى بال ُع ُ
قائما.
سمى ً خالف سن َة رسول اهلل ﷺ و ُتاز ُ ِال ُته؛ ألناه ُي ا َ ذر ،ف َقدْ األُ َ
ُ ُُ َ َُ َُ ُ اَّلل َ ُ هُ َ َُ َ ه ُ
أكَب» ،ال َي ِزئه غريها .يقوَلا: اإلحر ِام .ويه« : قوهل( :اثلاين :تك َبِرية
َ ه َ ً ابت َدأها ،أو َأت همها َغ َ َ ً
ري قائ ِِم :صحت نفال. قائ ِما .فإن
َ َ َْ مز َة « َ اَّلل» ،أو َه َ ْ َه َ ََ ه َ َ ُ ْ َه ه َ
أكَب» ،أو قال :أكبار، وتنع ِقد إن مد الالم ،ال إن مد همزة «
َ
األكَب. أو:
ُ ُ َ َ ُ َ ٌ َ ْ َ ُ ِّ ُ ْ َ ُ َ
جب بِقد ِر ما يس ِمع نفسه :فرض). وجهره بِها ،وبِكل ركن ووا ِ
ِ َ َُ َ ه
الصالة إال هبا؛ لقوله ﷺ دخ ُل يف اإلحر ِام) :وهي ركن ال َي ُ (اثلاين :تكبِرية
ِ ِ ِ
الصالَة َف َكب ْر» [متفق عليه] .ولقوله ﷺ«:م ْفت ُ
َاح للمسـيء ِال َته« :إِ َذا ُق ْم َت إِ َلى ا
()1
ُ
ِ ِ ِ
يم» [أخرجه أبو داود ،والرتمذي] . يم َها الت ْاكبِ ُيرَ ،و َت ْحلي ُل َها الت ْاسل ُ ورَ ،و َت ْح ِر ُ الص َالة ال ُّط ُه ُ
()2
ا
ِ ُ َُ َ ُ ُ هُ َُ
اهلل أك َب ُر» ،فلو قال: غير لفظُ « : (ويه« :اَّلل أكَب» ،ال َي ِزئه غريها) :فال ُياز ُ ُ
العلماء؛ ألناه لم ُين َق ْل عن ِ قول عا ام ِة الرحمن أكرب ،أو اهلل العظيم لم ياز ،وهذا ُ
واز،الا ِ ِ ِ ِ ِ
غيره لقاله ولو مر ًة لبيان َ التكبير ،ولو كان ُياز ُ ُ غير
رسول اهلل ﷺ أناه قال َ
اهلل َأ ْك َب ُر ،وقد ذكَر نعقدُ ِ أن الصال َة ال َت ِ والعبادات توقيفيةٌ ،فدَ ال ذلك على ا
بغير لفظ ُ ُ
خمس ُح َا ُج على ذلك(.)3 َ ِ
القيم اب ُن
المعنَى يف أن العبدَ إذا استَحضـر هذا َ بـ(اهلل أك َب ُر) :ا ُ ِ
االفتتاح ومن الحكمة يف
ف أما َمه أن ِيق َ قلبِه ،وأناه ال شـي َء أكربُ مِ َن اهللِ أعطى الموقف حقه واستَح َيا مِ َن اهللِ ْ
324
325 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
325
كـتـاب الـصـالة 326
326
327 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
321
كـتـاب الـصـالة 328
ان ال ال ِـهَ ،وا ْل َح ْمدُ لِلهَ ،و َال إِ َل َه إِ اال ال الـ ُهَ ،وال الـ ُه َأ ْك َب ُرَ ،و َال َح ْو َل َو َال ُق او َةَف َق َالُ :ق ْلُ :س ْب َح َ
إِ اال بِاهللِ»(.)1
القرآنْ -
فإن ِ عاز قر َأ ما تيسـر لـه مِ َن فإن َ
ِ
الفاتحة ْ - ثالث :قراء ُة ٌ ب ِ
فالمرات ُ
ِ
الشـريعة. فالتسبيح والتحميدُ على ما ُذكِر ،وهذا مِن ُيسـر عاز
َ ُ َ َُ ْ َ َ َ ْ َ ُ ُ َ ً َ ه َ ً َ َ َ َ
اءته قائ ِما ،صىل قاعِدا وقرأ). قوهل( :ومن امتنعت ق ِر َ
ِ
ِ
وِ الى قاعدً ا؛ ا ِ ِ ِ
ألن إذا عاز عن الام ِع بي َن القيا ِم وقراءة الفاتحةَ ،قدا م القراء َة َ
الفاتحة آ َكدُ وال بدل لها من جنسها. ِ قريب منه وهو ال ُقعو ُد ،وقِراء ُة يام له َبدَ ٌل ِ
ٌ الق َ
خلف َ ياب على المأمو ِم قِراء ُتها ُ عن المأمومِ ،أو تحم ُل اإلما ُم الفاتح َة ِ وهل َي ا
إمامِه؟
ِ
األقوال فيها ثالثةٌ: وأشه ُر
َ اخ َت َلف العلما ُء فيها
ِ
السـرية ب على المأمومِ؛ يف المذهب :أن اإلمام يتحملها عن المأموم فال ِ
تا ُ
ِ
المالكية. مذهب والاه ِ
رية ،وهذا
ُ َ ْ
لقوله َتعالى﴿ :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األعراف:
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه؛ َفإِ َذا َك اب َر َف َكب ُرواَ ،وإِ َذا َق َر َأ َف َأن ِْص ُتوا»
.]204وقوله ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ْ ِ
َ
[رواه مسلم] .و َق ْولهَ « :وإِذا َق َر َأ فأنصتوا» [ِححها :أحمد ،ومسلم ،وابن حزمُ ،وأعلها :يحيى بن
()2
علي النيسابوري ،والدارقطني ،والبيهقي](.)3 معين ،وأبو حاتم ،وأبو داود ،وأبو ُ
( )1رواه النسائي يف الماتبى ( ،)224وأبو داود ( ،)632وأحمد ( ،)12110وابن خزيمة ( ،)544وِححه
ابن حبان ( ،)1602والحاكم ( ،)361/1من حديث ابن أبي أوىف ﭬ .وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)303
( )2رواه مسلم ( )404من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ.
( )3البدر المنير (.)462/4
سنده َجابِ ٌر ا ْل ُا ْع ِف ُّي ،وهو
( )4رواه ابن ماجه ( ،)650وأحمد ( )14643من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ .ويف ِ
والصحيح َوق ُفه .قال البيهقي« :والمحفوظ عن جابر يف هذا الباب من قوله غير مرفوع» .نصبُ وح،
َم ْا ُر ٌ
الراية ( ،)1/2التلخيص الحبير (.)566/1
326
329 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
السـرية والا ِ
هرية. ِ ب على المأمو ِم ُمطل ًقا؛ يف والقول الثاين :أهنا ِ
َ تا ُ
ِ
ُّصوص: ِ
مومات الن واستَد ُّلوا ب ُع
َاب» [متفق عليه](.)1 ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ كحديثَ « :ِ
ِ ِ ِ ِ
اج» َث َال ًثاَ « ،غ ْي ُر َت َما ُم» يها بِ ُأم ا ْل ُق ْرآن َف ِه َي خدَ ٌ وحديثَ « :م ْن َِ الى َِ َال ًة َل ْم َي ْق َر ْأ ف َ
[رواه مسلم](.)2
ول اهللِ وحسنه عن ُعباد َة ﭬ قال َِ :الى بِنَا َر ُس ُ والرتمذي وما َرواه أبو داو َد،
ا ُّ
يها بِا ْل ِق َرا َء ِةَ ،ق َالَ :فا ْل َت َب َس ْت َع َل ْي ِه ا ْل ِق َرا َء ُةَ ،ف َل اما ِ ِ ِ
الص َل َوات ا التي َي ْا َه ُر ف َ ﷺ َب ْع َض ا
ت بِا ْل ِق َرا َء ِة؟»َ ،ف َق َال َب ْع ُضنَا: ْصـرف َأ ْق َب َل َع َل ْينَا بِ َو ْج ِه ِهَ ،و َق َالَ « :ه ْل َت ْق َر ُء َ
ون إِ َذا َج َه ْر ُ َ ان
ُ
شـيء م ِ َن آنَ ،ف َال َت ْق َر ُءوا بَِاز ُعنِي ا ْل ُق ْر ُولَ :ما لِي ُين ِ إِناا ن َْصن َُع َذل ِ َكَ ،ق َالَ « :ف َالَ ،و َأنَا َأ ُق ُ
ِ ()3 ا ْل ُقر ِ
قطني :إسنا ُده حسن]. الدار ُّ ِـريح[ ،وقال َ ٌ نص ت إِ اال بِ ُأم ا ْل ُق ْرآن» ،وهذا ٌّ آن إِ َذا َج َه ْر ُ ْ
شـريك أنه سأل عمر عن ُ وروى الدارقطني وِححه الحاكم عن يزيد بن
القراءة خلف اإلمام ،فقال« :اقرأ بفاتحة الكتاب ،قلت :وإن كنت أنت؟ قال :وإن
كنت أنا ،قلت :وإن جهرت؟ قال :وإن جهرت»(.)4
خاري ،والشوكاينُّ، رطبي ،وال ُب ُ
ُّ ورجحه اب ُن حزمُ ،والق ُّ
مذهب الشافعي ،ا ُ وهذا
ِ
حديث ُعباد َة وأبي ُهرير َة ﭬ ِ
لصـراحة شاكر ،واب ُن ُ
باز ،واب ُن ُعثيمين؛ وأحمدُ
ٌ
الساب َق ِ
ين.
ِ
الفاتحة ُ
وتكون سور ُة ِ
الفاتحة، األول على ِ
غير ِ ِ
القول َ
أحاديث وحملوا
خاري ِ
بحديث ُعباد َة وأبي ُهرير َة وقد أ الف فيها ال ُب ِ
باإلنصات ِ
األمر مخصوِ ًة مِ َن
ُّ
الوجوب ُمطل ًقا.
َ ورجح
ُجز ًءا ُمفر ًدا ،ا
( )1سبق تخرياه ص (.)326
( )2سبق تخرياه ص (.)326
( )3رواه أبو داود ( ،)624والرتمذي ( )311من حديث عبادة ﭬ .قال الرتمذي« :حديث عبادة حديث
حسن» .وضعفه األلباين يف ضعيف أبي داود (.)141
( )4رواه الدارقطني ( ،)25/2وقال« :رواته كلهم ثقات».
322
كـتـاب الـصـالة 330
الاهرية ،وهذا رواي ٌة عن ِ ب يف السـرية وال ِِ والقول الثالث :أهنا ِ
تا ُ ب يفتا ُ
بين
جمع َ القول له وجاهته وفيه َ ُ شـيخ اإلسالمِ ،وهذا ُ ورجحه
ا اإلمام أحمدَ ،
القولين الساب َق ِ
ين. ِ ِ
صوص ُن
ف إمامِه ،ويحتاأ لصالته و َيتح اي ُن ِ
الفاتحة حتى َخ ْل َ فعلى المأمو ِم قراء ُة
تات إمامه ،فإ ْن لم َي ْقر ْأها يف الاهرية فصال ُته ِحيحةٌ ،قال اإلما ُم أحمدُ « :ما سك ِ
َ
از ُ ِال ُة َمن راءة ال ُت ِبالق ِ
إن اإلمام إذا جهر ِ علِمنا أحدً ا مِن أه ِل اإلسال ِم ُ
يقول :ا
َ َ
قر ْأ»(.)1
خل َفه إذا لم َي َ
ََ ُ ُ ُ ُ َ ُّ ْ ُّ َ ُ ُ
ينِ ،حبَيث يمكِنه مس ُركبتي ِه وع .وأقل ُه :أن َين َح ِ َ ُ ُّ ُ
الرابِــــع :الرك قوهل ( :ه
َ ُ ه َ َُ ُ َ ً َ َ َ َ ُ َ َ َ ُُ َ ه
حياهلُ). بِكفي ِه .وأكمله :أن يمد ظهره مستويا ،وَيعل رأسه ِ
ُ ُّ ُ ُ ( ه
الركوع) :ويدل له قوله َتعالى﴿ :ﮕ ﮖﮗ ﮘ الرابِــــع:
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحج.]11 :
الصال َِة َف َكب ْرُ ،ث ام ا ْق َر ْأ َما َت َيسـر ِ ِ
المسـيء يف ِالته ،وفيه« :إِ َذا ُق ْم َت إ ِ َلى ا حديث ُ ُ و
آنُ ،ث ام ْارك َْع َحتاى َت ْط َمئِ ان َراكِ ًعا .)2(»... مع َك مِن ال ُقر ِ
َ ْ ََ
فرضا(.)3 اإلجماع على كونِه ً َ ون َقل اب ُن حز ُم
وأكمل ُه :أن َي ُم هد َظ َ ُ َ ه َ ُّ
هرهُ َ ََ ُ ُ ُ ُ َ ُّ
ينِ ،حبَيث يمكِنه مس ُركبتي ِه بِكفي ِه. (وأقل ُه :أن َي ْن َح ِ َ
ُ َ ً َ ََ َ ُ َ َ
حياهلُ) :للركوع ِفتان :مازئةٌ ،ومستحب ٌة. مستويا ،وَيعل رأسه ِ
المعت َِد ِل
يكون إلى الركو ِع ُ َ بك افيهْ ،
وأن ويمس ركبتيه َ ا أن َينحن ِ َي فالماز ُئةْ : ُ
أقر َب منه إلى القيا ِم الم ِ
عتدل. ُ َ
ستو ًيا ،و َيا َع َل ظهره ُم ِ ِ
رسول اهلل ﷺ َيف َع ُلهاْ :
أن َي ُمدا ُ والمستح اب ُة :التي كان
َ ُ
ِ ُ
أخ ال بشـيء من فإن َ ِ
لظهره ،ويقبض ركبتيه بكفيهُ ،م َف ار َجت َِي األِابعِْ ،ِ ِ رأسه ُم ِ
ساو ًيا َ
330
331 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
الركو ِع ُع ْر ًفا.
اسم ُّذلك َأ ْجزأه ما دام َيصدُ ق عليه ُ
رب بِ ْاألَ ُكف َع َلى ِ ُ
قالُ « :أم ْرنَا َأ ْن نَضـ َ سعد ﭬ َ ُ
حديث ودليل هذه الهيئة:
ميد ﭬ« :كان إ ِ َذا َرك ََع َأ ْم َك َن َيدَ ْي ِه مِ ْن ُر ْك َب َتيْ ِه، وحديث أبي ح ُ
ُ ُ َب» [متفق عليه](.)1 الرك ِ
ُّ
ِ ُ ُث ام َهصـر َظ ْه َر ُه» [رواه البخاري](.)2
ص وحديث عائش َة ڤ« :وكان إذا ركَع لم ُيشخ ْ
رأسه ولم ُيصو ْبه ،ولك ْن بي َن ذلك» [رواه مسلم](.)3
َ
َ َ َ ُ َ َُ َ َ َ َ َ َ َ ً ُ ه ُ َ ُ ُ
قصد غريه .فلو رفع فزاع مِن َشء :لم قوهل( :اخلامِس :الرفع مِنه .وال ي ِ
َ ْ
يك ِف).
ركن ،ويشرتأ أن يقصد الرفع؛ ألنه عباد ٌة تفتقر إلى النية، والرفع من الركوع ٌ
فزعا ولم ينو الرفع من الركوع لم يكف ،فيرجع إلى الركوع ويتمه. فلو رفع رأسه ً
َ ُ ُ ْ َ َ ً َ ُ ه ُ ُ
قوهل( :السادِس :االعتِدال قائ ِما .وال تبطل إن طال).
تص ُّح الصال ُة بدُ ونِه؛ وهو ُ
قول عتدال قائمًا بعدَ الرفع من الركوع ركن ال ِ ُ ِ
فاال
ٌ
ِ
مهور. الا
ُ
سـيء ِال َتهُ « :ث ام ْار َف ْع َحتاى َت ْعت َِد َل َقائِ ًما» [رواه مسلم](.)4 ِ للم ِ ِ
لقول رسول اهلل ﷺ ُ
الر ُكوعَِ ،ل ْم َي ْس ُادْ َحتاى َي ْست َِو َي ِ
َان إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ
ولحديث عائش َة ڤَ « :وك َ
الر ُج ُل َ -ي ْعنِي ُِ ْل َب ُه-يها ا
َقائِما» [رواه مسلم]( .)5ولقوله ﷺَ « :ال ُتا ِز ُ ِ َال ٌة َال ي ِق ِ
يم ف َ ُ ُ َ ْ ً
ِ ِ
الس ُاود» [رواه أبوداود ،والرتمذي وِححه] . الر ُكو ِع َو ُّفي ُّ
()6
( )1رواه البخاري ( ،)120ومسلم ( )535من حديث سعد بن أبي وقاص ﭬ.
( )2رواه البخاري ( )626من حديث أبي حميد الساعدي ﭬ.
( )3رواه مسلم ( )426من حديث عائشة ڤ.
( )4سبق تخرياه ص (.)301
( )5رواه مسلم ( )426من حديث عائشة ڤ.
( )6رواه الرتمذي ( ،)265وأبو داود ( ،)655وابن ماجه ( ،)610وابن خزيمة ( )521من حديث أبي مسعود
ﭬ .قال الرتمذي« :حديث حسن ِحيح».
331
كـتـاب الـصـالة 332
اق« :من َال ي ِقيم ِ ْلبه فِي الر ُكو ِع والسا ِ َق َال اإلمام ا ِ ِ
ود َ ُّ ُ ُّ الشافع ُّيَ ،و َأ ْح َمدُ َ ،وإِ ْس َح ُ َ ْ ُ ُ ُ َ ُ ُ
ِ
َف َص َال ُت ُه َفاسدَ ٌة».
َ ُ ُ ْ َ
االعتدال بعدَ الرف ِع مِ َن الركو ِع لم َتب ُط ْل ِال ُته؛ َ أطالبطل إن َطال) :فلو َ (وال ت
رسول اهللِ ﷺ ،كما يف ِ وثناء على اهللِ ،وإطال َة القيا ِم فيه ثبتت عن ُ موضع ُ
ذكر ُ ألناه
ال آ ُلو َأ ْن ُأ َِل َي بِ ُك ْم ك ََما َر َأ ْي ُت النابِ اي ك ﭬ َق َال« :إِني َ َس ب ِن مال ِ ُ ِ
الصحيحين َع ْن َأن ِ ْ َ
َان َأنَس بن مال ِ ُ
ك َي ْصن َُع شـي ًئا َل ْم َأ َر ُك ْم َت ْصنَ ُعو َن ُه -ك َ
َان ﷺ ُي َصلي بِنَا َ -ق َال َثابِ ٌت :ك َ ُ ْ ُ َ
ِ ِ
الس ْادَ َت ْي ِن َحتاى ول ال َقائ ُلَ :قدْ نَسـيَ ،و َب ْي َن ا ام َحتاى َي ُق َ الر ُكو ِع َق َ إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ
ول ال َقائِ ُلَ :قدْ نَسـي»(.)1 َي ُق َ
ُ ََ ه َ ُ َ َ َ ُ
َ ُ ُ ُّ ُ ُ ه ُ
وركبتي ِه، ِي جبهتِ ِه ،وأن ِف ِه ،وكفيِه، قوهل( :السابِــع :السجود .وأكمله :تمك
ُ ِّ ُ ُ َ ُّ ُ َ َ ِّ ُ ُ ََ َ
ــع قدمي ِه ،مِن ُمل سجودِه .وأقلهَ :وضع جزء مِن ُك اف أصاب ِ ِ وأطر ِ َ
ُ ْ
. و ض ع
َ َ ُْ َ ُ َ َ َ َ َ ََ ُّ ُ ُ َ َ ُ َ َ ُّ َ َ
ويعتَب :المقر ألعضاءِ السجودِ ،فلو وضع جبهته ىلع َن ِو قطن منفوش ،ولم
ه َ َ ْ
ينكبِس :لم تصح.
َ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ وذيلِ ِه .ويُ َ ُ ِّ َ َ ُّ ُ ُ ُ
باجلبهةِ :لم كرهُ بِال عذر .ومن عج َز وي ِصح :سجودهُ ىلع كم ِه
ُ ُ ُ ُُ َ َ ُْ َ
ِئ ما يمكِنه). ريها ،ويوم يلزمه بِغ ِ
ُ ُّ ُ ُ ه
ركن؛ لقولـِه َتعالى﴿ :ﮘ ﮙ﴾ [الحج: (السابِــع :السجود) :وهو ٌ
سـيء يف ِالتِهُ « :ثم اس ُادْ َحتاى َت ْطمئِ ان س ِ
اجدً ا»(.)2 ِ للم ِ ِ ِ
َ َ ا ْ ،]11وقول رسول اهلل ﷺ ُ
رسول اهللِ ﷺ َيفع ُلها: ُ الساود التي كان ِ وِف ُة
َ َ َ َ َ َ ه َ
ِي َجبهته ،وأنفه ،وكفيهُ ، َ َ
أكمل ُه :تمك ُ ُ َ
ــع قدمي ِه، اف أصاب ِ ِ وأطر ِ وركبتي ِه، ِ ِِ ِِ (
ت َأ ْن َأسادَ َع َلى سبع ِة َأ ْع ُظ ُمَ :ع َلى الابهةِ، ِ ُ ُ َ َ ِّ
ََْ َ َْ ْ ُ مِن ُمل سجودِه) :لقوله ﷺُ « :أم ْر ُ
اف ال َقدَ مي ِن ،و َ ِ و َأ َشار بِي ِد ِه َع َلى َأن ِْف ِه ،واليدَ ي ِن والر ْكب َتي ِن ،و َأ ْطر ِ
اب ال َن ْكف َت الث َي َ َْ َ َ َ ْ َ ُّ َ ْ َ َ َ َ َ
332
333 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
َو ا
الش َع َر» [متفق عليه](.)1
لحديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن ِ ؤذ أحدً ا؛ ياض إبطيه ما لم ي ِ
ُ بدو َب ُ ْ عضدَ يه حتى َي َ
وأن ياايفَ ُ ِ
ُ
اض إ ِ ْب َط ْي ِه» [متفق عليه](.)2 َان إِ َذا َِ الى َف ار َج َب ْي َن َيدَ ْي ِه َحتاى َيبْدُ َو َب َي ُ
كَ « :أ ان النابِي ﷺ ك َ
ا
مال ِ ُ
َ
بان، وابن ِح َ ِ ابن ُخزيمةَ، ِحيح ِ ِ َين ،ويف ين و َياع َلهما قائمت ِ وأن َي ُض ام القد َم ِ ْ
َان َم ِعي ول اهللِ ﷺ َوك َ والحاكم عن َع ِائ َش َة ڤ َز ْو ِج النابِي ﷺ قالتَ :ف َقدْ ُت َر ُس َ ِ
اف َأ َِابِ ِع ِه ا ْل ِق ْب َلةََ ،ف َس ِم ْع ُت ُه اجدً ا راِا َع ِقبي ِه مس َت ْقبِ ًال بِ َأ ْطر ِ
َ َْ ُ ْ َ
َع َلى فِراشـيَ ،ف َو َجدْ ُت ُه س ِ
َ َ
ِ ِ ِ ِ
ال م ْن َس َخط َكَ ،وبِ َع ْف ِو َل م ْن ُع ُقو َبت َكَ ،وبِ َك من َْكُ ،أ ْثن َي َع َل ْي َك َال ِ ِ ولَ « :أ ُعو ُذ بِ ِر َض َ َي ُق ُ
يك»(.)3 َأ ْب ُل ُغ ُك ال َما فِ َ
ُ ِّ ُ ْ ُ ُ َ ُّ ُ
يضع جز ًءا َ أن ِ
الساود ْ (وأقلهَ :وضع جزء مِن ُك عضو) :فأقل ما ُياز ُ مِ َن
ِ
األرض األرض ،وأ اما تمكينُها مِ َن ِ السبعة على ِ ِ
األعضاء ضو مِ َنمِ ْن ُكل ُع ُ
ب. ستح ٌّفم َ ُ
ِ ِ وال َتكفي الابه ُة ِ
أحمدَ ؛ لقوله مذهب اإلما ِم َ األرض ،وهو َ األنف يف َمس عن
الا ْب َه ِةَ ،و َأ َش َار بِ َي ِد ِه َع َلى َأن ِْف ِه»؛ ففيه ِ
ت َأ ْن َأ ْس ُادَ َع َلى َس ْب َعة َأ ْع ُظ ُمَ :ع َلى َ ﷺُ « :أمِ ْر ُ
ضوا واحدً ا. الوجوب ،وإن َأط َل َق عليهما ُع ً ِ إشار ٌة إلى أناه تابِ ٌع لها يف
َ َ ُْ َ ُ َ َ َ َ َ ََ ُّ ُ ُ َ َ ُ َ َ ُّ َ َ
(ويعتَب :المقر ألعضاءِ السجودِ ،فلو وضع جبهته ىلع َن ِو قطن منفوش ،ولم
ِ الساود كو ُنه قارا م ِ ِ تصح) :فيعتبر يف ِ ه َ َ ْ
سادَ فلو ،باألرض ال
ً تص ُ ِ
ع موض ُ َُ لم : س ينكبِ
ِ شـيء ِ ُ
األرض.ِ سادْ على قار ولم َينكبِ ْس لم تص اح؛ ألناه كأناه لم َي ُ غير ن على
ْ ُ َ ُ
ودهُ ىلع ك ِّم ِه وذيلِ ِه .ويُ َ َ ُّ ُ ُ ُ
ِ
الساود ْ
أن كرهُ بِال عذر) :السن ُة يف (وي ِصح :سج
حائال متصالً به إال ً ِ
األرض وبين الساود ،وال َي َ
اعل بينَها ِ ِ
بأعضاء األرض
َ ُيباشـر
َ
333
كـتـاب الـصـالة 334
ين مِن حارةً ،أو فيها ما ُيؤذي الابه َة أو اليدَ ِ األرض ا ُ َ
تكون كأن ِ
الحاجة؛ ْ عندَ
ِ
ونحوه ،ويدُ ُّل لذلك: اارة أو َش ُ
ول ِح ُ
ْف النابِي ﷺ َو َأ ْر َن َبتِ ِه»
ين َع َلى َأن ِ يد ﭬَ « :أ انه ر َأى َأ َثر ا ْلم ِ
اء َوالط ِ يث َأبِي س ِع ُ
َح ِد ُ
َ َ ُ َ َ
[متفق عليه](.)1
َس ﭬ َق َالُ « :كناا ُنصلي مع النابِي ﷺ َفي َضع َأحدُ نَا ال اثوب مِن ِشدا ةِ يث َأن ُوح ِد ُ
ْ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ
َان إ َذا َس َادَ َو َع َل ْي ِه
ود» [متفق عليه] َ .و َع ْن نَافِعَُ « :أ ان ا ْب َن ُع َم َر ك َ
) 2 ( ان السا ِ
ُّ ُ
ا ْلحر فِي م َك ِ
َ َ
ا ْل ِع َما َم ُة َي ْر َف ُع َها َحتاى َي َض َع َج ْب َه َت ُه بِ ْاألَ ْرض» .
ِ ()3
ِ
والطين. ِ
الماء كثيرا ،وعلى ِ
األرض ً رسول اهللِ ﷺ َيسادُ على ُ وقد كان
الساود ثالث ُة أقسامُ: ِ ِ
وأعضاء ِ
األرض بين ُ
الحائل َ و
كأن يسادَ على ِ ِ ِ األَ اول :أن
اوزيده ،فهذا ال َي ُ يكون من أعضاء الساود؛ ْ َ ُ َ
رسول اهللِ ﷺ. ِ خالف ِ
أمر ُ الساود ،وألناهِ ِ
أعضاء تداخ ِلإلفضائِه إلى ُ
تصل با ُلمصلي ككمه أو ُغرتتِه الساود ،وهو ُم ٌ ِ ِ
أعضاء يكون مِن ِ
غير َ الثاينْ :
أن
أو ِعمامتِه:
رسول اهللِ
ِ لمخالفتِه ُ ُ
هدي
َ فإن كان لحاجة فال كَراهة؛ وإن كان ل َغ ِير حاجة ُكره ُ
ِ
األرض. ِ
باشـرة ﷺ يف ُم
قال شـيخ اإلسالم« :فاألحاديث واالثار تدل على أهنم يف حال االختيار كانوا
يباشـرون األرض بالاباه ،وعند الحاجة؛ كالحر ونحوه يتقون بما يتصل هبم من
( )1رواه البخاري ( ،)2040ومسلم ( )1161من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ.
( )2رواه البخاري ( ،)365ومسلم ( )620من حديث أنس ﭬ.
( )3رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف ( ،)240/1والبيهقي يف السنن (.)152/2
( )4رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف ،240/1والبيهقي يف السنن (.)152/2
334
335 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
ُ
وقلنسوة؛ ولهذا كان أعدل األقوال يف هذه المسألة أنه يرخص ُ
وعمامة طرف ُ
ثوب
يف ذلك عند الحاجة ،ويكره الساود على العمامة ونحوها عند عدم الحاجة ،ويف
ٌ
وتفصـيل ليس هذا موضعه»(.)1 المسألة نزاع
بالمصلي :مثل السااد ،فال كراهة لحاجة غير متص ُل ُ ُ
الحائل َ َ
يكون ُ
الثالث :أن
مرة( ،)2وعلى َح ُ
صـير(،)3 رسول اهللِ ﷺ أنه ساد على ُخ ُ ِ ولغيرها؛ وقد ث َبت عن
َ
ِ ُ ()4 ُ
للرافضة، شعار
ٌ ساد عليه؛ ألناه ص جبهتَه بما َي ُ وعلى َف ْروة مدبوغة ؛ ْ
لكن ال َي ُخ ُّ
عن التش ُّب ِه هبم.
نهى ِ ف ُي َ
ِئ ما يُمك ُِن ُه) :من ِ لز ْم ُه ب َغريها ،ويُوم ُ َ
بهةِ :لم يَ َ َ ْ َ َ َ َ َ
عا َز عن وض ِع ِ ِ (ومن عجز باجل
األرض ،فال َيخلو مِن حالت ِ
َين: ِ ِ
الساود على ِ
أعضاء ِ
بعض
ِ
الابهة فقط. عا َز عن وض ِع األُولى :أن َي ِ
ألن الابه َة هي بغيرها ،ويومئ ما يمكنه؛ ا فالمذهب أنه ال َي َلز ُمه الساو ُد ِ
الحديثَ « :س َادَ َو ْج ِهيِ رسول اهللِ ﷺ يف ُ تبع ،ولذا قال األِل واألعضا ُء لها ٌ ُ
اهلل َأ ْح َس ُن ا ْل َخال ِ ِقي َن ،)5(»...
ل الذي َخ َل َق ُهَ ،و َِ او َر ُهَ ،و َش اق َس ْم َع ُه َو َبصـر ُهَ ،ت َب َار َل ُ
ِ ِ
ُ
األِل. دليل على أناه هو بالذكر ٌِ فتخصـيصه
ُ
وضع أحدُ كم وج َهه سادُ الوج ُه؛ فإذا َ ِ إن اليدَ ِ ولقوله ﷺ « :ا
سادان كما َي ُ ين َي ُ
فل َي َض ْع يدَ ِيه ،وإذا ر َفعه ف ْل َي ْر َف ْعها»(.)6
335
كـتـاب الـصـالة 336
بحيث ُ ستطيع أن ُيومِ َئ ُ تعقيب على هذا ،قال« :إذا كان َي ٌ ابن ُعثيمين ِ
ولشـيخنا ِ
ِ
ببقية سادَ ِ ِ ُ
الالوس التام ،ف َي َلز ُمه أن َي ُ أقر َب منه إلى يكون إلى الساود التام َ
الرسول ﷺ: ِ يض ُع يدَ ِيه؛ ل ُعمو ِم ِ
قول بقدر ما ُيمكِنُه ،ثم َ األرض ِ ِ ِ
األعضاء ،ف َيدنو مِ َن
ُ اس َت َط ْع ُت ْمَ ،وإِ َذا ن ََه ْي ُت ُك ْم َع ْن ِ ُ
شـيء َفدَ ُعو ُه». « َفإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِشـيء َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ
ين ،ف َي َلز ُمه ين أو القد َم ِ الابهة مث ِل إحدى اليدَ ِ ِ عا َز عن وض ِع ِ
غير أن َي ِ والثانيةْ :
األعضاء؛ لقولِـه َتعالى﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن،]16 : ِ أن يسادَ على ِ
بقية َ ُ
اس َت َط ْع ُت ْمَ ،وإِ َذا ن ََه ْي ُت ُك ْم َع ْن ِ ُ ِ ِ ِ
وقول رسول اهلل ﷺَ « :فإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِشـيء َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ
شـيء َفدَ ُعو ُه» [متفق عليه](.)1 ُ
ُّ ُ ه ُ هُْ ُ
الرفع مِن السجو ِد). قوهل( :اثلامِن:
رسول اهللِ ﷺ َي ُ
فعل. ُ اوده ،كما كان أن يقوم وير َفع رأسه مِن س ِ
ْ ُ أي ْ َ َ َ َ َ
ُّ ه ُ ََ َ َ َ َ َ ُُ ُ َ َ ه ََ ُ ُ
ي .وكيف جلس :كَف .والسنة :أن ِ قوهل( :اتلها ِسع :اجللوس بي السجدت
َ َ َ ُ َ ُ ِّ َ َ فَّت ًشا ىلع رجلِ ِه اليُ َ َ َ ُ َ
ايلمن ،ويوجهها إىل ال ِقبل ِة). نصب رسى ،وي ِ َيلِس م ُ ِ ُ َ ِ
ِ ِ ِ ِ َ َ ه َ ُ ه ُ
للمسـيء يف ِالته: قول رسول اهلل ﷺ ُ ي) :ل ُ (اتلا ِسع :اجللوس بي السجدت ِ
االستقرار. طمئنان معناه ُ « ُثم ار َفع حتاى َت ْطمئِن جالِسا»(ِ ،)2
واال
ُ َ ا َ ً ا ْ ْ َ
ِ ِ ولقوله ﷺَ « :ال ُتا ِز ُ ِ َال ٌة َال ي ِق ِ
الر ُكو ِع الر ُج ُل َ -ي ْعني ُِ ْل َب ُه -في ُّ يها ا يم ف َ ُ ُ َ ْ
ِ
الذكر الواجب هو ب َق ِ
در ِ الا ِ
لوس (ِ )3 ِ
قدار ُ الس ُاود» [رواه أبو داود ،والرتمذي وِححه ] ،وم ُ َو ُّ
الواجب بينَهما ،وتطمئن فيه األركان ،ويقوم فيه الصلب معتد ً
ال. ِ
َ َ َ َ َ ََ
(وكيف جلس :كَف) :للالوس بين السادتين ِفتان :مازئة ومستحبة.
ورد
فالمازئة كل ما يصدق عليها الالوس مفرتشًا أو مرتبعًا أو مقعيًا ،وقد َ
الالوس ُمرتب ًعا ،و ُم ْق ِع ًيا ،و ُمفت َِر ًشا.
ُ فورد عنه رسول اهللِ ﷺ ِِ ٌ
فات ُمتعددةٌ؛ َ
ِ عن
ْ
336
337 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
ُ ِّ َ َ َ َ ُ َ فَّت ًشا ىلع رجلِ ِه اليُ َ َ َ ُ َ ُّ ه ُ
ايلمن ،ويوجهها إىل نصب رسى ،وي ِ ِ ِ م س ِ ل َي أن : ة (والسن
ِ ِ َ
ُ
االفرتاش، رسول اهلل ﷺ وهي ب َهدْ ِي َ َ
ل وأغ ِ
الالوس يف لاألكم
َ وهذه : ) ة
ِ ال ِقبل
ب ِر ْج َل ُه ا ْل ُي ْمنَى»(.)1 ِ
َان َي ْف ِر ُش ِر ْج َل ُه ا ْل ُيسـرى َو َينْص ُ فعن عائش َة ڤ قالتَ « :وك َ
ثم َج َل َسَ ،فا ْفت ََر َش ِر ْج َل ُه ا ْل ُيسـرىَ ،و َأ ْق َب َل بِ َصدْ ِر ا ْل ُي ْمنَى ُ
وعن أبي ُح َميد ﭬ « :ا
َع َلى قِ ْب َلتِ ِهَ ،و َو َض َع َك اف ُه ا ْل ُي ْمنَى َع َلى ُر ْك َبتِ ِه ا ْل ُي ْمنَىَ ،و َك اف ُه ا ْل ُيسـرى َع َلى ُر ْك َبتِ ِه ا ْل ُيسـرى،
ب ِر ْج َل َك ِ ِ َو َأ َش َار بِإِ ِْ َب ِع ِه»(.)2
الصالَة َأ ْن َتنْص َ ابن ُع َم َر ﭭ قال« :إِن َاما ُسنا ُة ا وعن ِ ِ
ال ُي ْمنَى َو َت ْثن ِ َي ال ُيسـرى» [رواه البخاري](.)3
ُ ِّ ْ َ َ ُّ ُ ُ ُ
يل).وإن ق هل -يف ُك ُركن ف ِْع ِ ٍّ ويه :السكون -
َ ُ ُّ َ َ ُ
ارش :الطمأن ِينةِ . قوهل( :الع ِ
ِ
جمهور مذهب والالوس ،وهو ِ ِ
والساود ْن فِ ْعلِ ني كالركو ِع فِي ُكل ُرك ُ
ُ
ِ
العلماء.
سـيء يف ِالتِهُ « :ث ام ْارك َْع َحتاى َت ْط َمئِ ان َراكِ ًعاُ ،ث ام ِ للم ِ ِ ودليلهُ :
قول رسول اهلل ﷺ ُ
اجدً اُ ،ث ام ْار َف ْع َحتاى َت ْط َمئِ ان َجال ِ ًسا، ار َف ْع َحتاى َت ْعت َِد َل َقائِماُ ،ثم اس ُادْ َحتاى َت ْطمئِ ان س ِ
َ َ ً ا ْ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
يم في َها َوا ْف َع ْل َذل َك في َِالَت َك ُكل َها» [متفق عليه] .وقوله ﷺَ « :ال ُت ْا ِز ُ َِ َال ٌة َال ُيق ُ
) 4 (
ود» [رواه أبوداود ،والرتمذي وِححه](.)5 الرج ُل -يعنِي ِ ْلبه -فِي الر ُكو ِع والسا ِ
َ ُّ ُ ُّ َْ ُ َُ ا ُ
سـرق مِ ْن َِ َالتِ ِه»َ ،قا ُلواَ :يا ااس سـر َق ًة ا ال ِذي َي ُ ولقول َر ُسول اهللِ ﷺ« :إِ ان َأ ْس َو َأ الن ِ
سـرق مِ ْن َِ َالتِ ِه؟ َق َالَ « :ال ُيتِ ُّم ُر ُكو َع َها َو َال ُس ُاو َد َها»(.)6 ف َي ُ ول اهللَِ ،و َك ْي َ َر ُس َ
سكن كون إال إذا َ العرب ال َي ُ ِ شـيخ اإلسالمِ« :والركوع والساود يف ِ
لغة ُ قال
ُ ُ
331
كـتـاب الـصـالة 338
الخفض والرف ِع عنه فال ِ األرض ،فأ اما مار ُد ِ وجهه على ِ وحين َو ْض ِع
َ حين انحنائِه َ
ِ
العربية»(.)1 وساو ًدا فقد غلِط على كوعا ُ كوعا وال ُساو ًدا ،و َمن َس اماه ُر ً ُيس امى ُر ً
ْ ِّ ُ ه َ ْ ُ ُ ُّ
ِ
الطمأنينة الواجب مِ َن
ُ والقدر
ُ يل): ويه :السكون -وإن قل -يف ُك ُركن ف ِع ِ ٍّ ( َِ
إن كان منفر ًدا وما يحصل به الواجب عليه ْ ِ ِ
الذكر بم ِ
قدار ركن هو( :السكون ِ يف ُكل ُ
إن كان إماما فإناه يزيدُ ِ
ب على قدار ما َيغلِ ُ بم ِ َ ً سكون األعضاء يف ذلك الركن ،وأ اما ْ
الواجب) ،كما ب اينه المادُ ابن تيمي َة(.)2 ِ ين أ َت ْوا بالذكر أن المأمومِ َظنه ا
َ َ
َ َ َه ُ ِّ ُ َ ه ُ ُ ه َ ُّ ُ احلادِي َع َ َ ُ
ري .وه َو« :الله هم صل ىلع ُممد» ،بعد خ
َش :التشهد األ َِ قوهلَ ( :
ه ُ ه َ ٌ ُ ْ ُ ُ ه َ ُّ َ ُ ُ َ
ان بِما َي ِزئ مِن التشه ِد األ هو ِل ،والمج ِزئ مِنه« :اتلهحيات َّللِ ،سالم ِ اإلتي
َ ُ ه ه َ ٌ َ َ َ َ ُّ ه ُّ َ َ ُ
احل ِي ،أشهد ورمحة اهلل ،سالم علينا ،وىلع عِبا ِد اَّلل الص ِ عليك أيها انلِب
ُ
اَّلل» .والاكمِل َمشه ٌ ُ َ ه ُ ه ً ُ ُ ه َ ه هُ ْ
ور). ُممدا َرسول وأن
ه َ ُّ ُ َ اَّلل إال هلإ ال أن
الصالة تشهدانِ: ِ خري) :يف ُ َش :التشهد األ ِ احلادِي َع َ َ ( َ
ُّ
فإن تركه َع ْمدً ا ب َطلت ِال ُته ،وإن الصالةْ ، ِ ِ
واجبات األول :وهو مِ ْن ُ التشهدُ
رسول َ السهو ،كما ث َبت يف الصحيحين « :ا
أن ِ تركه نِسـيانًا ِحت ،وجبره بس ِ
اود َ ََ ُ ا َ
فدل على وجوبِه ،وعد ِم ُركن ايتِه ،وأنه للسهو»( ،)3ا ِ وساد
َ اهللِ ﷺ نسـيه ،فأ َت ام ِال َته،
ِ
السهو. اودتتِم الصال ُة بدونِه لمن تركه سهوا لكن يابر بس ِ
ُ َ ُ َ ْ َ َ ًْ ُّ
ِ
الحنابلة قولتص اح ِال ُته ،وهو ُ والتشهدُ الثاين :وهو ركن ،ومن تركه لم ِ
ُ ٌ َ َ
ول َق ْب َل َأ ْن ُي ْف َر َض ود ﭬ َأ ان ُه َق َالُ « :كناا َن ُق ُ حديث اب ِن مسع ُ والشافعية ،ويدُ ُّل له: ِ
ُ ْ َ ْ ُ
َع َل ْينَا الت َاش ُّهدُ .)4(»...
ُ ِ ِ ِ ِ
رسول اهلل ﷺ لما ج َبره فدَ ال على فرضـيته ،وأخرج التشهد األول بدَ اللة السنة ا
336
339 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
ِحت ِالته وجربها بساود السهو. هوا تص اح الصال ُةْ ، ِ
ْ وإن َتركها َس ً
ورجحه اب ُن حز ُم والشوكاينُّ واب ُن ا وأما جمهور العلماء فقالوا باستحباهبا؛
ِ
الوجوب. الموجبون ال َتدُ ُّل على األحاديث التي استدَ ال هبا ُ
ُ ُعثيمين ،قالوا:
أجدُ الدا الل َة موجود ًة يف أقول؛ ألين ال ِ الوجوب ُ ِ نذر« :وبعد ِم وقد قال ابن الم ِ
ُ ُ
ِ
اإلعادة عليه». ِ
إيااب
األدلة :ما َرواه أبو داود الطيالسـي َأ ان النابِ اي ﷺ َأ َخ َذ بِ َي ِد ِه َف َع ال َم ُه الت َاش ُّهدَ : ِ ومِ َن
الس َال ُم َع َل ْي َك َأ ُّي َها النابِ ُّيَ ،و َر ْح َم ُة اهللِ َو َب َركَا ُت ُه،
ات ،ا الص َل َو ُ
ات َوال اطي َب ُ احي ُ ِ ِ
ات ل الهَ ،و ا
ِ
«الت ا
ِ ِ ِ ِ ِ
اهللَ ،و َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا الصالحي َنَ ،أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ الس َال ُم َع َل ْينَا َو َع َلى ع َباد اهلل ا
ا
رسول اهلل ﷺ ،ثم قالَ « :فإِ َذا ُق ْل َت َذل ِ َك ِ ِ َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه» ،ولم َيذ ُكر فيه الصال َة على
332
كـتـاب الـصـالة 340
َف َقدْ َت ام ْت َِ َال ُت َكَ ،فإِ ْن ِشئْ َت َف ُق ْمَ ،وإِ ْن ِش ْئ َت َفا ْق ُعدْ »(.)2()1
َ ٌ ه ُّ َ َ ُ ه ُ ه َ ٌ َ َ ُّ ُ ْ ُ ُ
ورمحة اهلل ،سالم (والمج ِزئ مِنه« :اتلهحيات َّللِ ،سالم عليك أيها انلِب
ه هُ ه ُ ه ً ُ ُ ه َ ُ ْ ه ه َ َ
احل ِي ،أشهد أن ال هلإ َ إال اَّلل وأن ُممدا َرسول اَّلل». علينا ،وىلع عِبا ِد اَّلل الص ِ
سم ِ ِ َ ُ َ ُ ٌ
ين: قسم التشهدَ إلى ق َ والاكمِل مشهور) :ا
األول ماز ٌ :وهو ما جمع التحية والتسليم ،كما ذكره المؤلف :سال ٌم عليك ُ
سالم علينا وعلى عباد اهلل الصالحين ،أشهد أن ال
ٌ أيها النبي ورحمة اهلل [وبركاته]،
إله إال اهلل ،وأن محمدً ا رسول اهلل .فإن كان يف التشهد األول اكتفى بذلك ،وإن كان
يف التشهد الثاين جمع مع التحية الصالة على النبي ﷺ.
وورد ُ ِ الرسول ﷺ عد ُة ِـي ُغ ِ وقد َورد ِ
المصلي هبا َ فأي ِـيغة جاء ُ للتشهد؛ ُّ ُّ عن
حسب ما َورد يف الشـرعِ؛ َ ِ
لإلنسان ْ الرسول ﷺ َأجز َأ ،واألَولى ِ ِ
الصـيغ َ أن ُينوع عن
جوهها- والعمل هبا على جمي ِع و ِ ُ ِ
السنة، تطبيق
العلم -و ُ ِ ُ
حفظ ويف هذا فوائدُ ؛ منها:
ُ
وأكم ُل الصـي ِغ اعتيادها ،فإذا غ اير الصف َة تد ابر، ِ ِ
لكثرة العباد ُة عاد ًة تكون ِ َ وحتى ال
َ
وغيرهم ُ تشهدُ ِ
ذهب اإلما ُم أحمدُ ،وأبو َحنيفةَُ ، مسعود ﭬ ،وإلى هذا َ ابن ُّ
المشهور. ُ
مسعود تشهدُ ِ
ابن والثاين ٌ
ُ ستحب :وهو ُّ ٌّ كامل ُم
رسول اهللِ ﷺ مِن ِ فات ِعدا ةٌ ،و ُك ُّل ما َِ اح عن رسول اهللِ ﷺ ِِ ٌ ِ ورد عن وقد َ
الخالف يف ُ اإلجماع على هذا ،وإناما و َقع ُ وحكِ َى التشهد تص ُّح الصال ُة بهُ ،
ِ ِ
ُّ ِـي ِغ
تشهدُ ِ ِ أحمدَ ،وأك َث ِر أه ِل
ابن أفض َلها ُّ أن َ الحديث :ا أفضل ،ومذهب اإلمام َ ُ أ ُّيها
ول اهللِ ﷺَ ،وكَفي َب ْي َن ين أناه قالَ :ع ال َمنِي َر ُس ُ الصحيح ِ
َ المشهور يف
ُ مسعود ﭬ ُ
الص َل َو ُ احي ُ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ات ات ل الهَ ،و ا ور َة م َن ال ُق ْرآن« :الت ا الس َ َك اف ْيه ،الت َاش ُّهدَ ،ك ََما ُي َعل ُمني ُّ
اد اهللِ ات ،السالَم َع َلي َك َأيها النابِي ،ورحم ُة اهللِ وبركَا ُته ،السالَم َع َلينَا و َع َلى ِعب ِ
َ َ ََ ُ ا ُ ْ َ ُّ َ َ ْ َ َوال اطي َب ُ ا ُ ْ ُّ َ
( )1رواه أبو داود الطيالسـي يف مسنده ( )213من حديث ابن مسعود ﭬ .قال النووي يف شـرح مسلم (:)116/4
«وقد جاء يف رواية من هذا الحديث يف غير مسلم زيادة (فإذا فعلت ذلك فقد تمت ِالتك) ولكن هذه الزيادة
ليست ِحيحة عن النبي ﷺ».
( )2المغني ( ،)222/2الفتح البن رجب ( ،)354/1الروض ( ،)400/2الممتع (.)425/3
340
341 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
الصال ِ ِ
اهللَ ،و َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َعبْدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»(.)1 ال إ ِ َل َه إِ اال ُ حي َنَ ،أ ْش َهدُ َأ ْن َ ا
ُ تشهدَ ِ ِ ُ
مسعود ﭬ على ابن تقديم اإلما ِم أحمدَ ُّ سبب َ شـيخ اإلسال ِم وقد ذكَر
ا
وألن ف يف ألفاظِه، أِحها ،وألناه لم ُيخ َت َل ْ ُّ وازها جمي ًعا فقال :ألنُّه غيره مع َج ِ ِ
والعمل به ُ التشه ِد،
ُّ حديث يف ُ أِ ُّح الرتمذي« :هو َ ُّ غال ِ َبها ُيوافِ ُق ألفا َظه( .)2وقال
ين»(.)3 ِ ِ ِ ِ أكثر أه ِل عندَ ِ
العلم م َن الصحابة والتابع َ
َ ه
ري جال ِس ،أو سل َم يم َتي .فلو ت َ َش هه َد َغ َ َ
ِ ل س
ه
وللت ، وس َهلُ ُُ ُ
ل اجل : َش
َ َ
ع اين
ه
اثل ( :
ُ
قوهل
ِ ُ َ
ري جال ِس :لم تصح). واثلان َِي َة َغ َ ه ً
األوىل جال ِسا،
فإن ف َعل لم قائمْ ، يم َت ْي ِن ٌ ِ ِ ِ ِ
ركن ،فال يأيت هبا وهو ٌ األخير َوللت ْاسل َ للتشهد الالوس
ُ
تصح ِال ُته.
وداو َم عليه ،وقد قال ﷺُّ َِ « :لوا ك ََما الرسول ﷺ ف َعله َ َ ويدُ ُّل على ركنيته :ا
أن
َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» [رواه البخاري](.)4
بادات توقيفيةٌ ،وقالَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(.)5 والع ُ ِ
ه ُ َ ُ َُ َ َهَ ُ ََ ه َ َ َ َ ه ُ
ي« :السالم عليكم ِ ت ر م ول ق ي أن و: وه .ان ِ ت يم ِ ل س الت : َش ع ِث ل ا اثل ( : قوهل
َ ٌَ ه َ َ َ ُُ َ َ َ َ ْ َ َُ ه
فل :تسلِيمة ِ انل يف كِف ِ وي ». ه ت رَك وب « : يد ز
ِ ي ال أن ورمحة اَّلل» .واألوىل:
َ َ َ ٌَ
اجلنازة ِ). حدة .وكذا :يف وا ِ
ِ َ َ ه َ َ ه َ
نصـرف
ُ الصالة ،فال َي للخروج مِ َنِ ركن
التسليم ٌ ُ ان): (اثلال ِث عَش :التسلِيمت ِ
َ
ث َ شهد وأحدَ َ ِ ِ َ
قبل السال ِم لم مهور العلماء ،فلو َت ا مذهب ُج ُ قبل أن َيأيتَ به ،وهذا
تص اح ِال ُته. ِ
341
كـتـاب الـصـالة 342
ِ ِ ِ ِ
قول رسول اهلل ﷺَ « :و َت ْحلي ُل َها الت ْاسل ُ
يم»(.)1 ودليل ذلكُ :
ُ
ِ
تسليمتان أم واحدةٌ؟ مسألةٌ :هل الواجب
ُ
ألدلة منها: ِ
تسليمتان، ِ
الفرض الواجب يف المذهب :ا
أن
َ ُ
بن َس ُمر َة ِ
وجابر ِ ُ
وسعد ُ
مسعود مسلم عن ِ
ابن ٌ رسول اهللِ ﷺ كان ُيسلم تسليمت ِ
َين» [ َرواه َ « ا
أن
ﭫ](.)2
وسفرا ،وقد قال: ً َين حضـر ًا رسول اهلل ﷺ كان ُيحافِ ُظ على التسليمت ِ َ ا
وألن
عن النبي ﷺ مِن ِ
غير « َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» .قال اإلما ُم أحمدُ « :ث َبت عندنا ِ
عرف عن بياض َخده ،وال ُي َ وعن ِشمالِه حتى ُي َرى ُ ْ عن َيمينِه
وجه أناه كان ُيسل ُم ْ
ُ
الز ْهري ِ
عن هاب ُّ البن ِش ُِ رس ٌل ٌ
حديث ُم َ
ِ
الواحدة إال ِ
التسليمة رسول اهللِ ﷺ يف ِ
الرسول ﷺ». ِ
ِ
وغيرهما يف ُ
وسعد ُ
مسعود عن ِ
ابن الصحاح ِ ُ
ألحاديث يلي« :ا َ
ُ وقال ال ُعق ُّ
ُ ِ َين» .وقد ُروي ِ تسليمت ِ
عن النبي ﷺ أنه كان ُيسل ُم تسليم ًة واحدةً ،من وجوه ْ
لكن
يص ُّح منها شـي ٌء ،كما بينه ابن المديني ،واألثرم ،والبزار، ك ُّلها معلول ٌة وال ِ
رجب ،وغيرهم(.)3 ُ والعقيلي ،وابن عبدالرب ،والنووي ،وابن القيم ،وابن
وقال الرتمذي« :أِح الروايات عن النبي ﷺ تسليمتان ،وعليه أكثر أهل العلم
من أِحاب النبي ﷺ ،والتابعين ،ومن بعدهم»(.)4
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الواجب تسليم ٌة واحد ٌة والثانية سن ٌة.
رسول اهللِ ﷺ بالليلُِ « :ث ام ُي َسل ُم
ِ ِ
ِالة ِ
ِفة بحديث عائش َة ڤ يف ِ واستدلوا
والاواب عنه:
ُ يم ًة َي ْر َف ُع بِ َها َِ ْو َت ُه َحتاى ُيوقِ َظنَا»(.)5ِ
َت ْسل َ
( )1سبق تخرياه ص (.)30
(ِ )2حيح مسلم (.)562 ،561 ،431
( )3الفتح البن رجب ( ،)361/1القواعد النورانية (.)216/1
( )4سنن الرتمذي (.)23/2
( )5رواه أبو داود ( ،)1341وأحمد ( )25261من حديث عائشة ڤ.
342
343 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
343
كـتـاب الـصـالة 344
ِحيحه].
ِ سلم يف
و ُم ٌ
مانع ِ ُ ُ
ثبوت هذه الزيادة ،وال َ ُ فاألقر ُب َ ِحيح،
ٌ حار :إسنا ُده الحافظ اب ُن وقال
ِ ِ
داومة ِ ُ مِن فِعلِها أحيانًا مِن ِ
الرسول ﷺ ،بل كان عن داومة؛ لعد ِم نق ِل ُ
الم غير ُم َ
ِ
تطبيقها ،أو ذكرها ،فإن َخشـي َمفسد ًة فل ُيبي ْن ثبو َتها َ
قبل عدم ِ ب َهدْ يِه ﷺ َ أغ َل ُ
واهلل َتعالى أع َل ُم. ِ ِ لِ َ ِ
تحاش من فعلها يف ذلك المكانُ ،
ِ َ َ َ ٌَ َ ٌَ ه َ
النافلة :الحنابلة اجلنازة ِ) :ففي حدة .وكذا :يف فل :تسلِيمة وا ِ كِف يف انل ِ (وي ِ
ِ
لحديث أن التسليمة الثاني َة ُمستح اب ٌة ولو سلم واحدة أجزأ؛ مهور على ا الا َ يوافقون ُ
ماج ْه َأ ان وحديث عائش َة ڤ عندَ ِ ِ ِ عائش َة ڤ عندَ ُم ُ
ابن َ ِالة الليلِ، سلم يف
احدَ ًة ت ِ ْل َقا َء َو ْج ِه ِه»(.)1 َان يسلم َتسلِيم ًة و ِ رس َ ِ
ول اهلل ﷺ« :ك َ ُ َ ُ ْ َ َ َ ُ
ِ أن ُيسل َم اثنت ِ
ب عن الهدْ ُي األغ َل ُ َين يف النافلة؛ ألناه هو َ واألكم ُل ْ َ واألفض ُل
َ
جماهير الع ِ
لماء. ِ ُ رسول اهللِ ﷺ ،وهذا ُ
قول ِ
أن ُيسل َم واحد ًة عن يمينِه ،وقد قيل لإلما ِم نازة :فالسن ُة ْ ِالة الا ِ
َ
ِ وأ اما يف
نازة تسليمتين؟ قال: الصحابة أناه كان يسلم على الا ِ ِ أحد مِ َن ف عن ُ أحمدَ « :أ َت ِ
عر ُ
َ ُ ُ َ
ولكن عن ستة م َن الصحابة أناهم كانوا ُيسلمون تسليم ًة واحد ًة خفيف ًة عن ِ ِ ُ ال،
ْ
ِ
الواحدة(.)2 ِ
التسليمة ِ
الصحابة يف اآلثار ِ
عن الحاكم هذه ِحح ِ
َ ُ يمينه» ،وقد ا
ِ ()3 وقد َورد ِ
وحسنه األلباينُّ يف أحكا ِم الانائز ا مرفوعا عندَ البيهقي، ً عن النبي ﷺ
وس الم تسليم ًة ُ َ ِ حديث أبي ُهرير َة ﭬ « :ا ِ مِن
رسول اهلل ﷺ ك ابر على َجنازة أرب ًعاَ ، أن
=
ِحيح» .وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (.)215
( )1رواه ابن ماجه ( ،)212والرتمذي ( )226من حديث عائشة ڤ .وال يصح مرفوعًا ،وِوب الدارقطني
رواية الوقف ،وذكر ابن حار أن الرواية المرفوعة وهم ،وكذا رجح رواية الوقف الرتمذي والبزار وأبو
حاتم ،وقال يف المرفوع :إنه منكر ،وقال ابن عبدالرب :ال يصح مرفوعًا (التلخيص الحبير .)644/1
( )2المستدرل للحاكم (.)513/1
( )3أحكام الانائز ص (.)122
344
345 ن الصَّالةِ
ب أركا ِ
با ُ
نازة؛ لخرب ِالة الا ِ ِ العلماء من يرى جواز التسليمتين أحيانًا يف ِ واحد ًة»( .)1ومن
َ
ااس :إ ِ ْحدَ ُاه ان َان رس ُ ِ ِ ُ ِ
ول اهلل ﷺ َي ْف َع ُل ُه انَ ،ت َر َك ُه ان الن ُ ابن َم ْس ُعود ﭬ َق َال« :خ َال ٌل ك َ َ ُ
الص َال ِة» [رواه البيهقي]( ،)2فلو ف َعل هذا أحيانًا ِِ ِ ِ ِ َتسلِيم ْ ِ ِ
اإل َما ِم في ال َان ََازة م ْث َل َت ْسلِيمه في ا ْ ُ
ِ
أعلم.
واهلل ُ لكان له س َلف ،وإن كان األَولى عد َم فعلهاُ ،
َ َ َ َ َ َ َ ًََ َ َ َ عَش :تَرت ُــــع َ َ َ ُ
قوهل ( :ه
ِيب األرَك ِن ،كما ذكرنا .فلو سجد -مثال -قبل ابالر
َ ً َ َ ُّ ُ ُ َ َ َ ُ ه َ ُ َ ُ ُ ِ َ ً ََ َ
ركو ِع ِه عمدا :بطلت .وسهوا :ل ِزمه الرجوع؛ لريكع ثم يسجد).
الوزير اب ُن ُهبير َة
ُ تص ُّح الصال ُة بدُ ونِه؛ ون َقل األركان ركن ال ِ
ُ ٌ
ِ فالرتتيب بي َن
ُ
الصالة؛ لقولِه َتعالى﴿ :ﮕ ﮖﮗ ِ ِ
الرتتيب يف ِ
فرضـية َ
االتفاق على
ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحج.]11 :
أخ ال به يو ًما ،وقد قالُّ َِ « :لوا ك ََما وقد ِ الى النبي ﷺ ُمرت ًبا ،ولم ُين َقل عنه أنه َ
ُّ
َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» ،وقالَ « :م ْن َعمل َع َم ًال ل ْي َس َعل ْيه أ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» .
()4 َ ِ َ َ َ ِ ()3
( )1رواه الدارقطني ( ،)432/2والحاكم ( ،)513/1والبيهقي يف السنن ( )10/4من حديث أبي هريرة ﭬ.
وحسنه األلباين يف أحكام الانائز ص (.)122
( )2رواه البيهقي يف السنن ( )11/4من حديث ابن مسعود ﭬ .قال النووي يف خالِة األحكام (:)262/2
«رواه البيهقي بإسناد جيد» .وحسنه األلباين يف أحكام الانائز ص (.)121
( )3سبق تخرياه ص(.)341
( )4سبق تخرياه ص(.)215
345
كـتـاب الـصـالة 346
e ص ٌل
فَ ْ F
ت الصالةِ)
(يف واجبا ِ
ُ َ َ َ ْ ً َ ُ ُ َ ً َ ًْ َ ُ َ ٌَ َ ُ ُ ُ
هوا ،وجهال : جباتها ثمانِية ،تبطل الصالة بَّتك ِها عمدا ،وتسقط س ِ قوهل( :ووا
َ َ َ َ َ َُ َ ُ َ َ ْ َ ه ُ َ
اإلحر ِام: كبرية ِ وق اليت بعد ت ِ رية المسب كن تك ِب ري اإلحر ِام .ل ِ ِغ اتلكبري ل
َ ُ ُ َ ُ َ َ ُ َ َ ُ ِ َ َ هُ َ َ ُه
وم .وقول: ام والمنف ِردِ ،ال ل ِلمأم ِ سنة .وقول« :س ِمع اَّلل ل ِمن محِده» ،لإلم ِ
ُّ ُ َ ً ه َ َ َ َ ُ ْ ُ ِّ َ ُ ُ َ َ َ ِّ َ َ
وع .و: الرك ِ يم» ،م هرة يف «ربنا ولك احلمد» ،ل ِلُك .وقول« :سبحان رِّب ِ ِ
ظ الع
َ َ ه ََ ْ ِّ ُّ ُ َ َ ً ُ َ َ ِّ
ي. اغف ِر ِل َ» ،بي السجدت ِ «سبحان َر َِّب األىلع» ،م هرة يف السجودِ .وَ « :رب
ُُ ُ ُّ ُ ه ُ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ
واجللوس هلُ). ري من قام إمامه سه ًوا. ىلع غ ُ ِ والتشهد األول،
َ ًْ ً َ ُ ُ َ ُ َ َ َ ْ ً َ ُ َ ٌَ َ ُ
جباتها ثمانِية ،تبطل الصالة بَّتك ِها عمدا ،وتسقط سهوا ،وجهال): (ووا ِ
الواجب جهال و ُيا َب ُر الواجبات تسقط َس ْه ًوا و ً ِ أن ِ
األركان :ا الفرق بين الواجبات و و ُ
ُ
ِ
باإلتيان تص ُّح الصال ُة إال جهال وال ِ السهو ،وأ اما الرك ُن فال يسقط سهو ًا وال ً ِ ِ
بساود
به.
َ َ ه ُ
اإلحر ِام) :األول :كل تكبيرات الصالة غير تكبيرة اإلحرام من ري
(اتلكبري ل ِغ ِ
ِ
ِوتكبيرات ِ
وتكبيرة الركوعِ؛ الساود ،والرف ِع منه، ِ واجبات الصالة كتكبيرة
رسول اهللِ ﷺُّ َِ « :لوا ك ََما ُ داو َم عليها ،وقد قال َ ِ
رسول اهلل ﷺ َ نتقال؛ ا
ألن ِاال ِ
َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» [متفق عليه]( ،)1و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َأ ان ُه ك َ
َان ُي َكب ُر ُك ال َما َخ َف َض
عن ِ
ابن وِح ِ ا ول اهللِ ﷺ ك َ
َان َي ْف َع ُل َذل ِ َك» [متفق عليه](،)2 ثَ « :أ ان َر ُس َ َو َر َف َعَ ،و ُي َحد ُ
عود»خفض ورف ُع وقيا ُم و ُق ُ ُ رسول اهللِ ﷺ ُيكب ُر يف كل ُ مسعود ﭬ أنه قال« :كان ُ
ركن والذي َيليه.بين كل ُ فواِل َُ [رواه الرتمذي وِححه]( ،)3وألناها
346
347 ت الصالةِ
فصلٌ يف واجبا ِ
َ ُه َ َ َ َ َُ َ ُ َ ْ َ
اإلحر ِام :سنة) :المسبوق إذا جا َء كبرية ِ وق اليت بعد تكن تكبِرية المسب ِ (ل ِ
للركوعِ ،قالين :واحد ًة لإلحرا ِم و ُأخرى ُّواإلمام راكع يستحب له أن يأيت بتكبير َت ِ
ين ليس فيه إن ك ابر تكبير َت ِ
ب إليك؟ قالْ : أح ُّ قلت ألحمدَ ُ :يكبر مر َت ِ
ين َ داو َدُ :
أبو ُ
اختالف(.)1
ٌ
ويازئه أن ُيكربَ تكبير ًة واحدةً ،كما هو المذهب؛ َسوا ٌء نَوى هبا تكبير َة اإلحرا ِم
لماء ،وهو مروي عن ِ
زيد ِ قول كثير من الع ِ والركوع ،وهذا ُ أو نَواها ِ
بن َ ٌّ ُ عن اإلحرا ِم ُّ
ُ
بتكبيرة ِ
الصحابة ،بل لو َدخل مخالف مِ َن عرف لهما ثابت ِ ُ
ٌ وابن ُع َم َر ﭭ ،ولم ُي َ
ُ
رجح اإلما ُم أحمدُ اإلجزا َء ،وقال: لالفتتاح أم للركو ِع فقد ا
ِ واحدة ولم ُيعي ْن أهي
ُ
الحافظ اب ُن ورجحه ِ ِ «ما علِمنا ا
االفتتاح»؛ َيعني م َن السلف ،ا َ أن أحدً ا قالَ :ينوي هبا
روجه ،فال ُيكبررجب ،و ُعلل بأناه خرج مِن بيتِه وهو ُيريدُ الصالةَ ،فالني ُة معه مِن ُخ ِ ُ
َ
للصالة إال بتلك ِ
النية(.)2 ِ
الصالة ركن وواجب ومستحب:ِ والتكبيرات يف
ُ
هوا وال َعمدً ا. تص ُّح الصالة إال هبا ،وال َت ُفالركن :تكبير ُة اإلحرامِ ،ال ِ
سقط َس ً
يرة اإلحرا ِم َتب ُط ُل الصال ُة بتَركِها عمدً ا،
غير تكب ِ ِ
التكبيرات ِ سائر
ُ والواجب:
هوا. ِ
السهو ْ ِ
إن َتركها َس ً بساود وتا َب ُر
والمستحب :تكبيرة الركوع للمسبوق بالركوع ،فلو كرب واحدة عن اإلحرام
والركوع أجزأ وإن أتى هبما جميعًا فهو أكمل.
ُ َ َ َ ِ ُ َ ُ َ َ هُ َ َ َ
سمعوم) :الثاين :قول ِ أم ِ ام والمنف ِردِ ،ال ل ِلم (وقول« :س ِمع اَّلل ل ِمن محِدهُ» ،لإلم
اهلل ل ِ َم ْن ِ
ولَ « :سم َع ُ حمده ،عندَ الرف ِع مِ َن الركوعِ؛ ألن رسول اهلل ﷺ كان َي ُق ُ اهلل لمن ِ
ُ
ِ ِ ِ ِ
ح ْمدُ » [متفق ول َو ُه َو َقائ ٌمَ :ر ابنَا َو َل َك ا ْل َالر ُكوعُِ ،ث ام َي ُق ُ
َحمدَ ُه حي َن َي ْر َف ُع ُِ ْل َب ُه م َن ُّ
=
«حديث حسن ِحيح» .وِححه األلباين يف اإلرواء (.)330
( )1المغني (.)162/2
( )2الفتح البن رجب ( ،)313/6المغني (.)163/2
341
كـتـاب الـصـالة 348
عليه](.)1
َ ُ ُ َ َ
وم) :فقول سمع اهلل لمن حمده إنما تاب على أم ِ ام والمنف ِردِ ،ال ل ِلم لإلم ِ (
التسميع؛ لقوله ﷺَ « :وإِ َذا َق َال: ُ اإلمام والمنفرد دون المأموم ،فال ُيشـرع يف حقه
ِ س ِمع ِ
الح ْمدُ » [متفق عليه](.)2 اهلل ل َم ْن َحمدَ ُهَ ،ف ُقو ُلواَ :ر ابنَا َو َل َك َ َ َ ُ
ه َ َ َ َ ُ ْ ُ ِّ َ ُ
الح ْمدُ على اإلما ِم الثالثَ :ق ْو ُل َر ابنَا َو َل َك َ ُ (وقول« :ربنا ولك احلمد» ،ل ِلُك):
اهلل ل ِ َم ْن َح ِمدَ ُهَ ،ف ُقو ُلوا: ِ ِ ِ ِ ِ ِ
والمنفرد؛ لقول رسول اهلل ﷺَ « :وإِ َذا َق َالَ :سم َع ُ والمأمو ِم
ِ
العلم(.)4 أكثر أه ِل قول ِ اإلخالل به ،وهو ُ ُ الح ْمدُ » ،ولم ُين َقل عنه ﷺ
()3
َر ابنَا َو َل َك َ
ُ ِ
فيفعل هذا تار ًة وهذا المصلي بينها؛ أربع ِـي ُغ مشـروعةٌُ ،ينو َع ُ وورد للتحميد ُ َ
الح ْمدُ » [متفق عليه] . الح ْمدُ » [متفق عليه] َ « -ر ابنَا َل َك َ تارةًَ « :ر ابنَا َو َل َك َ
()6 ()5
الح ْمدُ » [متفق عليه](.)8 الح ْمدُ » [رواه البخاري] « -ال ال ُه ام َر ابنَا َل َك َ «ال ال ُه ام َر ابنَا َو َل َك َ
()7
346
349 ت الصالةِ
فصلٌ يف واجبا ِ
=
اإلرواء (.)334
( )1رواه مسلم ( )112من حديث حذيفة ﭬ.
( )2الفتح البن رجب (.)115/1
( )3رواه البخاري ( ،)124ومسلم ( )464من حديث عائشة ڤ.
( )4المغني (.)160/2
342
كـتـاب الـصـالة 350
ِ
الذكر، استحباب هذا ِ
العلماء ب ِ
أكثر ا ْغ ِف ْر لِيَ ،رب ا ْغ ِف ْر لِي» [رواه أبو داود](.)1
ُ ومذه ُ
َ
رسول اهللِ ﷺ لم ُيعل ْمه المسـي َء يف ِالتِه.َ ب؛ ا
ألن وال ِ
يا ُ
ِ
السادتين: ِ
الساود والركو ِع وبين واألذكار يف
ُ
أقل الماز منها أن يقولها مر ًة واحدةً. ُّ
رسول اهللِ ﷺ« :ك َ
َان إِ َذا َد َعا َد َعا َ أن ُيكر َرها ثال ًثا؛ لما روى مسلم ا
أن ُ
واألفضل ْ
َث َال ًثاَ ،وإِ َذا َس َأ َل َس َأ َل َث َال ًثا»( ،)2وهذا منه.
ان َربي ا ْل َعظِ ِ
يم َث َال ًثاَ ،فإِ َذا وع ِهُ :س ْب َح َ
ولقوله ﷺ« :إِ َذا ركَع َأحدُ ُكم َف ْلي ُق ْل فِي ر ُك ِ
ُ َ َ َ ْ َ
َ
ان َرب َي ْاألَ ْع َلى ود ِهُ :س ْب َح َ
َفع َل َذل ِ َك َف َقدْ َتم ر ُكو ُعه ،وإِ َذا سادَ َأحدُ ُكم َف ْلي ُق ْل فِي سا ِ
ُ ُ ُ َ َ َ َ ْ َ ا ُ َ
َث َال ًثاَ ،فإِ َذا َف َع َل َذل ِ َك َف َقدْ َت ام ُس ُاو ُد ُهَ ،و َذل ِ َك َأ ْدنَا ُه» [رواه أبو داود ،والرتمذي]( ،)3قال
مسعود ليس إسناده بمتصلُ ،والعمل على هذا عند أهل ُ الرتمذي« :حديث ابن
ُ
تسبيحات»، العلم؛ يستحبون أن ال ينقص الرجل يف الركوع والساود من ثالث
تسبيحات لكي ُ وروي عن ابن المبارل أنه قال« :أستحب لإلمام أن يسبح خمس
ُ
تسبيحات». يدرل من خلفه ثالث
ُّ ُ َ ُ
ُ
األول. (والتشهد األ هول) :السابع :التشهدُ
داو َم عليه ،وقالُّ َِ « :لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»(.)4 َ ِ ُ
والدليل :ا
رسول اهلل ﷺ َ أن
وِححاه؛ قال« :كناا َن ُق ُ
ول والدار ُقطني مسعود ﭬ عندَ البيهقي ُ وحديث ِ
ابن ُ
ا َ
الس َال ُم َع َلى َج ْب َرائِ َيل ِِ ِ
َق ْب َل َأ ْن ُي ْف َر َض َع َل ْينَا الت َاش ُّهدُ :ا
الس َال ُم َع َلى اهلل َق ْب َل َخ ْلقه ،ا
( )1رواه أبو داود ( ،)614وابن ماجه ( ،)621وأحمد ( )23315من حديث حذيفة ﭬ .وِححه األلباين
يف اإلرواء (.)335
( )2رواه مسلم ( )1124من حديث ابن مسعود ﭬ.
( )3رواه أبو داود ( ،)666والرتمذي ( ،)261وابن ماجه ( )620من حديث ابن مسعود ﭬ .وقال الرتمذي:
«حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل؛ عون بن عبداهلل بن عتبة لم يلق ابن مسعود» ،وضعفه النووي يف
خالِة األحكام ( ،)321/1واأللباين يف ضعيف أبي داود (.)155
( )4سبق تخرياه ص (.)341
350
351 ت الصالةِ
فصلٌ يف واجبا ِ
351
كـتـاب الـصـالة 352
رج ُعرض أناه َيمضـي فيه ،وال َي ِ أن َمن َتل ابس ب َف ُ رجب « :ا ُ ُ
واألِل كما قال اب ُن
رض مث ُله»(.)1 إال إلى ما هو َف ٌ
الر ْك َع َت ْي ِن َف َل ْم َي ْستَتِ ام َقائِ ًما َف ْل َي ْالِ ْسَ ،فإِ َذا ِ
ويدُ ُّل له :قوله ﷺ« :إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م َن ا
الس ْه ِو» [رواه أبو داود]. ِ ِ
اس َتت اَم َقائ ًما َف َال َي ْال ْسَ ،و َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ِي ا
ْ
ُ ُ ُ َُ
(واجللوس هل) :الثامن :أن يأيت به جالسًا؛ ألن رسول اهلل ﷺ هكذا ِلى وعلم،
وقال « َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي».
352
353 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
353
كـتـاب الـصـالة 354
354
355 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
التصـريح
ُ وإن جاء الفرائض والنوافلِْ ، ِ االستفتاحات ك ُّلها مشـروع ٌة يف ُ وهذه
الفريضة إال لدليلُ؛ قال ِ ِح يف ِ ِ ِ
ِح يف النافلة ا ببعضها أناها يف ِالة الليلِ ،فما ا
ِ
االستفتاح كان عن النبي ﷺ مِ َن ببعض ما ُروي ِ ِ رجال استَفتَح أن ً اإلما ُم أحمدُ « :لو ا
َح َسنًا»(.)2
ُ ُ استفتاح ِ ُ
واحدة، ِالة ين يف َ بين
ام ُع َ لكن ال َي َ أخ َذ بواحد منها َألجز َأْ ، فلو َ
ِ َ ِ
رسول ورد عناالستفتاحات الطويل ُة يف ِالة ِالليلِ؛ كما َ ُ تكون ص على أن ويحر ُ
والقراءة إذا كان إما ًما ،ولو ف َعل فال ِ ِ
تكبيرة اإلحرا ِم يطول سكو ُته بين َ اهللِ ﷺ ،ول ِ ا
ئال
بأس. َ
ِ قال اب ُن رج ُ
افتتاح وهو تكبير ُة ٌ هور ،ولها فتاح وهو ال ُّط ُ ب« :الصال ُة لها م ٌ
ِ
االستفتاح»(.)3 استفتاح وهو دعا ُء
ٌ اإلحرامِ ،ولها
َ ُ
قراءة الفاتحة من سنن الصالة؛ ل ُعمو ِم قولـِه َتعالى: ِ (واتلهع ُّوذ) :فاالستعاذ ُة َ
قبل
﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [النحل.]26 :
َ
أحاديث. رسول اهللِ ﷺ يف
ِ ووردت االستعاذ ُة عن َ
ِ
ولالستعاذة ِِ ِ
فتان:
خ ِه،
يم؛ مِن َهم ِز ِه ،و َن ْف ِ يم مِن الشـي َط ِ ِ ِ
َ الرج ِ ْ ْ
ان ِ
ا السمي ِع ا ْل َعلِ ِ َ
يقولَ « :أ ُعو ُذ بِاهلل ا
أن َ ْ
داو َد والرتمذي(.)4 ُ ُ َو َن ْفثِ ِه» ،دل لها
حديث أبي سعيد ﭬ عند أبي ُ
ِ الر ِج ِ ِ ِ ِ
اآلية﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ يم»؛ ل ُعمو ِم يقولَ « :أ ُعو ُذ بِاهلل م َن الشـي َطان ا َ أو
355
كـتـاب الـصـالة 356
356
357 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
أنس ﭬ ِ
كحديث ُ ِ
الاهر هبا عند القراءة؛ ِ
مشـروعية وغاي ُة ما فيها أناها تدُ ُّل على
رسول اهللِ ﷺ(.)2
ِ ِ
قراءة ِ
وِف ِ
السنن يف عند البخاري( ،)1وأم َس َل َم َة ڤ يف
مثل أحاديث ضعيفةٌ؛ ُ ُ الاهر هبا وهي ِ ِ
مشـروعية أحاديث ِـريح ٌة يف ُ الثاني ُة:
الر ِح ِ ِ ول اهللِ ﷺ ك َ ِ
يم»(،)3 َان َي ْا َه ُر بِبِ ْس ِم اهلل ا
الر ْح َم ِن ا اس ﭭَ « :أ ان َر ُس َ حديث ا ْب ِن َع اب ُ
يص ُّح منها شـي ٌء ،وذكَر ِع َل َلها ،وقال الفتح ،وبين أناه ال ِ
ا ِ ُ
رجب يف وقد ساقها اب ُن
بح َث ٌ ِ ِ العقيلي والدار ُقطني« :ال ِ
حديث ُمسنَدٌ » ،وقد َ بالبسملة الاهر يص ُّح يف َ ُّ ُ ُّ
وأجاب عن َ َ
األقوال فتح الباري ،وذكَر وس ًعا يف ِ رجب بح ًثا ُم ا ُ ُ
الحافظ اب ُن المسأل َة
ِ
المسألة أن ُتقرأ ورجح ا ِ ِ
ولكن
ْ التحقيق يف
َ أن الاهر هبا ،وأناه ال حا َة فيها ،ا أدلة
سـر ًا(.)4
سورة «النم ِل» ،واختَلفوا هل ِ آية مِن بعض ُ أن البسمل َة ُ فق العلما ُء على ا وقد ا ات َ ِ
قولين هما روايتان يف المذهب: ِ الفاتحة؟ ،على ِ هي آي ٌة مِ َن
الفاتحة ،وإناما هي آي ٌة م ِ
ستق الة، ِ أن البسمل َة ليست آي ًة مِ َن المذهب :ا األولى وهي
ُ ُ
بار ِل وأبي َحنيفةَ ،ورواي ٌة مذهب ِ ِ ُكتِبت لل َف ْصل والترب ُِّل
الم َ ابن ُ ُ واالبتداء هبا ،وهو
تاتم ُع األدل ُة»(.)5 ِ القول بهَ إن هذا عن أحمدَ ،واختاره اب ُن تيميةَ ،وقال « :ا
مسلم عن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬَ ،ع ِن النابِي ﷺ قالَ « :ق َال ُ
اهلل َت َعا َلى: ٌ والدليل :ما رواه ُ
( )1رواه البخاري ( )5046من طريق قتادة ،قال :سئل أنس كيف كانت قراءة النبي ﷺ؟ فقال« :كانت مدا» ،ثم
قرأ :بسم اهلل الرحمن الرحيم ،يمد ببسم اهلل ،ويمد بالرحمن ،ويمد بالرحيم» .ومن حديث أنس ﭬ ،وفيه
ِ
ور ٌة»؛ َف َق َر َأ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﮋ ﮆ ﮇ ﮈﮊ ،»...وسبق أن النبي ﷺ قالُ « :أن ِْز َل ْت عَ َل اي آن ًفا ُس َ
تخرياه ص(.)356
( )2سبق تخرياه ص (.)356
( )3رواه الدارقطني ( ،)66/2و الحاكم ( )326/1من حديث ابن عباس ﭭ .وضعفه ابن رجب يف الفتح
(.)412/6
( )4فتح الباري (.)362/6
( )5الفتاوى (.)216/22
351
كـتـاب الـصـالة 358
الص َال َة َب ْينِي َو َب ْي َن َع ْب ِدي ن ِ ْص َفيْ ِنَ ،ول ِ َع ْب ِدي َما َس َأ َلَ ،فإِ َذا َق َال ا ْل َعبْدُ ﴿ :ﭖ َق َس ْم ُت ا
اهلل َت َعا َلىَ :ح ِمدَ نِي َع ْب ِديَ ،وإِ َذا َق َال﴿ :ﭛ ﭜ﴾َ ،ق َال ﭗ ﭘ ﭙ﴾َ ،ق َال ُ
اهلل َت َعا َلىَ :أ ْثنَى َع َل اي َع ْب ِدي.)1(»... ُ
القراءة الواجبةِ،
ِ ِ
أن البسمل َة ليست م َن ِ
ولم َيذ ُك ِر البسمل َة يف أولها ،فدَ ال على ا
أن البسمل َة ليست مِ َن أوض ُح ما ُيحت َُّج به على ا الحديث ََ إن هذا النووي « :ا ُّ قال
ِ
الفاتحة»(.)2
ِ ِ َان َر ُس ُ حديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت« :ك َ
ول اهلل ﷺ َي ْس َت ْفت ُح ا
الص َال َة ُ و ُيؤيدُ ه:
بِال ات ْكبِ ِيرَ ،وا ْل ِق َرا َء ِة ،بِـ ا ْل َح ْمدُ ل ِ ال ِه َرب ا ْل َعا َل ِمي َن» [رواه مسلم](.)3
الفاتحة ،وهو قول الشافعي. ِ ِ
سورة أن البسمل َة آي ٌة مِن الرواية الثانية :ا
َان ياهر بِبِس ِم اهللِ عباس ﭭَ « :أ ان رس َ ِ ُ ِ
بحديث ِ واستدَ ُّلوا:
ول اهلل ﷺ ك َ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ابن
الر ِح ِ
يم». الر ْح َم ِن اا
غيرها م َن السور إال ِ ِ ِ ِ
واألظهر :القول األول ،وأهنا ليست آي ًة م َن الفاتحة وال من ِ
ِ
بدون ألن الصحاب َة ﭫ كتبوها وتوا َت َر عنهم ذلك النمل ،وإنما هي آي ٌة مستقلةٌ؛ ا َ
ِ
القرآن. المصحف ما ليس مِ َن ِ العلم بأناهم كانوا ال َيك ُتبون يف ِ ُ
نكير ،مع
دليل على أناها ليست منها. السورة التي بعدَ ها ٌ ِ فصلوها ِ
عن وكو ُنهم َ
الفاتحة و ُأعطِ َي ْت َر ْق ًما،
ِ أول ُ
آية يف اآلن مِ َن أناها ُ المصاحف َ ِ وجدُ يف بعض وما ُي َ
ِ
المسألة. ِ
القولين يف فهذا مبني على ِ
أحد ٌّ
ُ
ترقيم. ِ ِ ِ ِ
وأ اما يف بقية السور فلم ُت َعدا من آيات السورة ،ولذا ُتركت بال ِ ِ
تاب ِ
الفاتحة قال: إن البسمل َة آي ٌة مِ َن ِ
المسألةَ :من قال :ا ِ
الخالف يف هذه وثمر ُة
ُ
الفاتحة ،قال :ال َت َلزم قراء ُتها يف الصالة ِ قراء ُتها يف الصالة ،و َمن قال :ليست آي ًة مِ َن
356
359 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
وهو األظهر.
َ ُ
(وقول« :آمِي») :فالتأمي ُن بعد قراءة الفاتحة مستحب لإلما ِم والمأمومِي َن
جمي ًعا ،وهو من سنن الصالة؛ لقول النابِي ﷺ« :إِ َذا َأم َن ِ
اإل َما ُم َف َأمنُوا؛ َفإِ ان ُه َم ْن َوا َف َق ا
الم َالئِ َك ِة ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه» [متفق عليه](.)1 ِ ِ
َت ْأمينُ ُه َت ْأمي َن َ
مذهب اإلما ِم أحمدَ والشافعي ِ ِ
ُ ين ،وهو الاهر هبا لإلما ِم والمأموم َ والسنة
ِ
باإلسـرار. والحنفية ،إذ قالواِ ِ
للمالكية وإسحاقِ ،خال ًفاَ
خلف اإلمامِ: َ ِ
بالتأمين ِ
الاهر ِ
لمشـروعية ويدُ ُّل
ول اهللِ ﷺ إِ َذا َق َر َأ ﴿ﭲ ﭳ﴾ َق َال: حديث َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ َق َال« :ك َ
َان َر ُس ُ ُ
«آمِي َن»َ ،و َر َف َع بِ َها َِ ْو َت ُه» [رواه أبوداود والرتمذي وحسنه](.)2
ول اهللِ ﷺ إِ َذا َت َال ﴿ﭯ ﭰ ﭱ َان َر ُس ُ وع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال« :ك َ َ
ِ ِ ِ
[رواه أبو داود وفيه ﭲﭳ﴾ َق َال« :آمي َن»َ ،حتاى َي ْس َم َع َم ْن َيلِيه م َن ا
الصف ْاألَ او ِل»
ضعف](.)3
ا ِد َل َل اا ًة»(.)4 الز َب ْي ِر َوم ْن َوراء ُه؛ َحتاى إِ ان ل ِ ْلمس ِ ُ
عطاء َق َالَ « :أ ام َن ا ْب ُن ُّ وعن
َ ْ َ َ َ
محمد ﷺ؛ إذا قال اإلما ُم :وال ُ ِ
أِحاب َين مِن
أدركت مائت ِ ُ عطاء قال« : ُ وعن
البيهقي َع ْن ِع ْك ِر َم َة َأ ان ُه َق َالَ « :أ ْد َرك ُ
ْت َه َذا ُّ عت لهم َض اا ًة»( ،)5وروى سم ُ الضالين ِ
َ
352
كـتـاب الـصـالة 360
360
361 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
[متفق عليه](.)1
فالسنة المحافظة على قراءة ما تيسر بعد الفاتحة يف الركعتين األوليين ،وأن
أخ ال به ،وقد قال رسول اهللِ ﷺ الذي لم ُين َقل عنه أناه َ ِ هدي
ُ لعبادتِ ِه ،فهذا حتاأ ِ
َ َي
ِ لكن ِ ِ
الفاتحة فصالته لو اقتصـر على ﷺُّ َِ « :لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُموني ُأ َِلي» [متفق عليه] ْ ،
()2
361
كـتـاب الـصـالة 362
ِ
الصالة»( ،)1وألناه لم ُين َقل ِ
القراءة يف [األعراف ،]204 :قال اإلما ُم أحمدُ َ « :نزلت يف
السلف .ô ِ فع ُله عن
َُهُ ُ َ ُ
إسماع َمن
ُ ِ
الاهر ألن المقصو َد مِ َن ِ
واإلسـرار؛ ا ِ
الاهر ري المنف ِرد) :بي َن(وَي
جهر ْ
وإن إن شا َء َ وس واإلما ُم أحمدُ ْ « : او ٌ خل َفه ،والمنفر ُد ال يأ َت ُّم به أحدٌ ،قال َط ُ
شا َء خا َف َت»(.)2
حصل ِ ِ واألَولى يف حقه إذا ِ الى ُم ِ
نفسه و َي ُنفر ًدا أن ياهر يف الاهرية ل ُيسم َع َ
الوجوب ،وإنما على ِ برسول اهللِ ﷺ ،ويسـر يف السـرية ،وهذا ليس على ِ االقتدا ُء
فعي(.)3 والشا أحمد ِ
م اإلما مذهب وهذا ، ِ
األفضلية سبي ِل
َ ه ُّ َ ُ َ
رض ،وم َ ِلء الس َماءِ ،وم َ عد اتلهح ِمي ِد« :م َ َ ُ ِ َ َ
ِلء ما ِلء األ ِ ري المأموم ،ب
(وقول غ ِ
ِ َ َ ُ َ
للمصلي بعدَ الرف ِع م َن الركو ِع إذا قال« :ر ابنا ولك ب ُ ِشئت مِن َشء بعد»)ُ :ي َ
ستح ُّ
ُ
شـيء َب ْعدُ »، ضَ ،ومِ ْل َء َما ِشئْ َت مِ ْن اتَ ،ومِ ْل َء ْاألَ ْر ِ يقول« :مِ ْلء السماو ِ أن َ الحمد» ْ
َ ا َ َ
فالمؤلف يرى أناه ال يستحب ُ والمنفرد ،وأ اما المأمو ُمِ مشـروع يف حق اإلما ِم وهذا
ٌ
يف حقه ألنه متابع إلمامه.
صل؛ إما ًما أو مأمو ًما أو منفر ًدا ،وهو رواي ٌة واألقرب يف هذا :أنه يستحب لكل ُم ن ُ
ومذهب اإلما ِم الشافعي(.)4 ُ الخ اط ِ
اب، تيار أبي َ
عن اإلما ِم أحمدَ ،واخ ُ ِ
الر ُكو ِع َق َالَ « :ر ابنَا َل َك ا ْل َح ْمدُ مِ ْل ُء ِ
َان إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ
و َيدُ ُّل لـهَ :أ ان النابِي ﷺ ك َ
ا
َ ِ ِ َ ُ ِ ِ ِ
ضَ ،وم ْل ُء َما ش ْئ َت م ْن َش ْيء َب ْعدُ ،أ ْه َل ال اثنَاء َوا ْل َم ْاد ،أ َح ُّق َما َق َال ات َو ْاألَ ْر ِ السماو ِ
ا َ َ
ِ ِ ِ ِ
ا ْل َع ْبدُ َ ،و ُك ُّلنَا َل َك َع ْبدٌ :الل ُه ام َال َمان َع ل َما َأ ْع َط ْي َتَ ،و َال ُم ْعط َي ل َما َمنَ ْع َتَ ،و َال َينْ َف ُع َذا
ا ْل َاد مِن َْك ا ْل َادُّ » [رواه مسلم]( ،)5وقد قال ﷺُّ َِ « :لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي».
362
363 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
363
كـتـاب الـصـالة 364
ول اهللَِس ﭬ :ما َِ ال ْي ُت َوراء َأ َح ُد َب ْعدَ رس ِ داو َد والنسائي ع ْن َأن ُ
َ ُ َ َ َ ُّ وقد َروى أبو ُ
ول اهللِ ﷺ مِ ْن َه َذا ا ْل َفتَى َ -ي ْعنِي ُع َم َر ْب َن َع ْب ِدا ْل َع ِز ِيزَ -ق َال:
ﷺ َأ ْش َب َه َِ َال ًة بِرس ِ
َ ُ
ات»(.)1 ود ِه َعشـر َتسبِيح ُ ات ،وفِي سا ِ وع ِه َعشـر َتسبِيح ُ
« َفح َزرنَا فِي ر ُك ِ
ْ َ َ ُ ُ ْ َ ُ َ ْ
ِ
السادتين: ِ
الساود والركو ِع وبين فاألذكار يف
ُ
أقل الماز منها أن يقولها مر ًة واحدةً. ُّ
رسول اهللِ ﷺ« :ك َ
َان إِ َذا َد َعا َد َعا َ أن ُيكر َرها ثال ًثا؛ لما روى مسلم ا
أن ُ
واألفضل ْ
َث َال ًثاَ ،وإِ َذا َس َأ َل َس َأ َل َث َال ًثا»( ،)2وهذا منه.
َ َ َََ ُ ه ُ َ َ ه ُّ ه ُ
يهم): آهلِ علي ِه السالم .والَبكة علي ِه وعل ِ خري -ىلع ِ (والصالة -يف التشه ِد األ ِ
األخير:
ُ والتشهدُ
ات اح اي ُ السنة؛ كما سبق بيا ُنه ،وهي «الت ِ ِ التحيات المعروف ُة؛ وهي ركن لدَ ِ
اللة ُ فيه
َ
ِ ِ ِ
الس َال ُمالس َال ُم َع َل ْي َك َأ ُّي َها النابِ ُّي َو َر ْح َم ُة اهلل َو َب َركَا ُت ُه ،ا
ات ،ا ات َوال اطيبَ ُ الص َل َو ُ
ل الهَ ،و ا
ِ ِ ِ ِ ِ
الصالحي َنَ ،أ ْش َهدُ َأ ْن َال إ ِ َل َه إِ اال ُ
اهللَ ،و َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َعبْدُ ُه َع َل ْينَا َو َع َلى ع َباد اهلل ا
َو َر ُسو ُل ُه» [متفق عليه](.)3
رسول اهللِ ﷺ.
ِ وفيه الصال ُة على
ومذهب اإلما ِم أحمدَ أهنا ركن ال تصح الصالة إال هبا وتقدم بياهنا يف الواجبات. ُ
كمالتِ السنن؛ ألناها مِن م ِ ِ ِ
رسول اهلل ﷺ ،وهي م َن ِ ِ وفيها الصال ُة على ِ
آل
ُ
ب ْب ِن ُع ْا َر َة ﭬ قال: ين عن َك ْع ِ الصحيح ِ
َ رسول اهللِ ﷺ ،كما يف ِ ِ
الصالة على
ف ُن َصلي َع َل ْي َك؟ َق َالُ :قو ُلوا: ول اهللَِ ،قدْ َعلِ ْمنَا َك ْي َ
ف ُن َسل ُم َع َل ْي َكَ ،ف َكيْ َ « ُق ْلنَاَ :يا َر ُس َ
يم ،إِن َاك َح ِميدٌ ِ ِ ُ ِ ُ
ال ال ُه ام َِل َع َلى ُم َح امدَ ،و َع َلى آل ُم َح امد ،ك ََما َِ ال ْي َت َع َلى آل إِ ْب َراه َ
( )1رواه أبو داود ( ،)666والنسائي ( ،)1135وأحمد ( )12661من حديث أنس ﭬ .ويف سنده ماهول،
وحسنه النووي يف خالِة األحكام ( ،)414/1وضعفه األلباين يف اإلرواء (.)346
( )2رواه مسلم ( )1124من حديث ابن مسعود ﭬ.
( )3سبق تخرياه ص(.)341
364
365 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
365
كـتـاب الـصـالة 366
ُ
مأثور -فال تبطل به الصالة؛ ألهنا إنما تبطل بكالم االدميين»( ،)1والدعاء أي غير
ليس من جنس كالمهم ،بل هو كما لو أثنى على اهلل ثنا ًء لم يرد ،وقد أثنى بعض
الصحابة يف عهد رسول اهلل ﷺ على اهلل ُ
بثناء لم يرد يف ذلك المكان ،ولم يبطل
ِالهتم ﷺ.
َ ايل َدينَ :م َع تَكب َ فع َ َ ُ َ األفعال ،وت هُ َ وس َ ُ ُ ُ
اإلحر ِام، رية ِ ِ ُ َ ِ ر : ات
ِ اَليئ سَّم ِ نن ( : قوهل
ُ ُ َ َ َ َ ُ َ ُّ ه َ َ ُ
فع مِنــه .وحطهما ع ِقـب ذل ِك .ووضــع ايلمن وع ،وعِند الر ِ ِند الرك ِ وع
َ َُُ ُ ُ َ ُ َ َ ت ُ ه َ َ َ ُ ُ َ ِّ
فرقته وض ِع سجو ِده ِ .وت ُ ِ ِست ِ ِه .ونظ ُره إىل م ِ مــال ،وجعلهما حت ِ ىلع الش
َ ُ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َ َ ََ َ
ي قدمي ِه قائ ِما .وقبض ُركبتي ِه بيدي ِه مف هرجيت األصابِـــ ِع يف ُركو ِع ِه. ب
كبتَيهُ ،ثمه ُ َ َ ُ ُ َُ َُ َُ َ ُ َ ُّ َ
ِ ضع ر حياهل .وابلداءة يف سجو ِده ِ َبو ِ هره ِ فِي ِه ،وجعل رأ ِس ِه ِ ومد ظ
ُ ُّ ُ َ ُ َ ُ هِ َ َ ََ
رض .ومبارشتها يدي ِه ،ثم جبهتِ ِه وأن ِف ِه .وتمكِي أعضاءِ السجو ِد مِن األ ِ
َ َ َُ َ ُ َ ُ َ ُ ُّ َ َ ُ َ ِّ
كرهُ .وُمافاة عضدي ِه عن جنبي ِه، في َ ي، ِ ملحل السجودِِ ،س َوى الركبت
َُ ََ يق ُه بَ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ
ي ُركبتي ِه .وإقامة فر
ِ وت . ه
ِ َ ي ساق عن ه
ِ ي ذ خِ وف يه، ذ خ ِ ف عن ه
ِ ِ ن ط وب
ضع يَ َدي ِه َح ْذوَ َُهًَ َ ُ َ َ ُ ُُ ََ َ
رض مفرقةَ .وو ون أصاب ِ ِع ِهما ىلع األ ِ ِ ط ب عل وج ، ه ِ ي م قد
هً َُْ ََ َْ َ َ ُ َ ً َ ُ ََ
ـــع .ورفع يدي ِه أوال يف قِيا ِم ِه إىل منكِبي ِه مبسوطة مضمومة األصاب ِ ِ
ََ ُ ََ َ ُ ََ َ ُ ُ ُ ه َ
ور قدمي ِه .واعتِماده ىلع َركبتي ِه بِيدي ِه. ِ الركعةِ .وقِيامه ىلع صد
ُ ه َ ُّ َ َ ه ََ ُُ َ ُ
ي السجدتي ،ويف التشه ِد األ هو ِل .واتله َو ُّرك يف وس ب اجلل ِ واالفَّتاش يف ِ
وم َيت األصابــع ،بَيَ َ ُ َ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ََ ه
ِ ِ ِ ين مبسوطتي ،مضم ِ ين ىلع الف ِخذ ِ اثلاين .ووضع ايلد
وابل ْن ُ َ َص ُ من اخلُ ْن ُ َ ه َ ُّ ه ه َ ُ َ ُ َ َ ه ََ
َص، ي .وكذا :يف التشه ِد ،إال أنه يقبِض مِن ايل السجدت ِ
َ ُُ َ ً َ ْ ه ُ ُ ه َ َ ُ ْ َ ُ ِّ ُ َ َ
وَيلق إبهامها مع الوسطى ،ويشري بسبابتِها عِند ذِك ِر اَّللِ .واتل ِفاته ي ِمينا
ُ ِّ َ َ ه ُُ َ هُُ َ ً
ال ىلع ِ م الش يل فض
ِ وت ِ. ة ال الص ِن م وج ر اخل ه ِ ب ه ت ِي ن و . ه ِ ِِم ي ل س ت يف ماال وش
ِ
َ َ
ات). ي يف االتل ِف ِ ِ ايل ِم
ِ السنن القولي َة ذكر السنن ات) :لما ذكَر
َ ُ ه َ ُ َُ
الفعلية َ ال ،وتسَّم اَليئ ِ (وسنن األفع ِ
الصالة ،وهي: ِ التي يستحب المحافظ ُة عليها يف ِ
أثناء ُ َ ُّ
ُ َ ُّ ُ ِند ه َ ُ َ َ ايل َدينَ :م َع تكب َ َ فع َ َ ُ
فع مِنــه .وحطهما الر ِ وع ،وع ِند الرك ِ اإلحر ِام ،وع رية ِ ِ ِ (ر
( )1الفتاوى (.)414/22
366
367 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
عدد مِ َن
التكبير يف ُ َ َ َ
المواضعِ،ِ ِ أن َير َف َع يدَ ِيه عندَ للمصلي ْ ب ُ ستح ُّ ع ِقـب ذل ِك)ُ :ي َ
رسول اهللِ ﷺ: ِ لماء ،كما د الت عليه السن ُة الثابت ُة الصـريح ُة عن وهذا عليه أكثر الع ِ
ُ ُ
ث ﭬ إِ َذا َِ الى َك اب َر، ين عن أبي قِالب َة :أناه رأى مال ِ َك بن ا ْلحوي ِر ِ الصحيح ِ ففي
ْ َ ُ َْ َ َ
الر ُكو ِع َر َف َع َيدَ ْي ِه، ِ ِ ِ
ُث ام َر َف َع َيدَ ْيهَ ،وإِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي ْرك ََع َر َف َع َيدَ ْيهَ ،وإِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ
َان َي ْف َع ُل َه َك َذا»(.)1 ول اهللِ ﷺ ك َ ث « َأ ان َر ُس َ َو َحدا َ
ابن عمر ﭭ قال« :ر َأيت رس َ ِ
الص َال َة ول اهلل ﷺ إِ َذا ا ْف َتت ََح ا َ ْ ُ َ ُ ين عن ِ َ الصحيح َِ ويف
ِ ِ ِ ِ ِ
الر ُكوعَِ ،و َال َي ْر َف ُع ُه َما َب ْي َن َر َف َع َيدَ ْيه َحتاى ُي َحاذ َي َمنْك َب ْيهَ ،و َق ْب َل َأ ْن َي ْرك ََعَ ،وإِ َذا َر َف َع م َن ُّ
الر ْك َع َت ْي ِن َر َف َع َيدَ ْي ِه»(،)2 ِ
َان إِ َذا َقا َم م َن االبخاريَ « :أ ان ا ْب َن ُع َم َر ﭭ ك َ ُّ الس ْادَ َت ْي ِن» ،زاد ا
أِحاب النبي ﷺ َير َفعون أيد َيهم إذا ك ابروا ،وإذا ركَعوا، ِ رأيت
الحس ُنُ « : وقال
َ َ
راو ُح»(.)3 الم ِ رؤوسهم؛ كأناها َ َ وإذا ر َفعوا
الصالة أربع: ِ ين يف مواض ُع رف ِع اليدَ ِ مسألة :و ِ
نذر واب ُن ُقدام َة(.)4 الف ،كما ن َقله ابن الم ِ تكبيرة اإلحرا ِم بال ِخ ُ ِ األول :مع ُ
ُ ُ
الثاين :عندَ الركوعِ.
ث ﭫ يف وير ِ الح ِ ومالك ِ ِ حديث ِ ِ الثالث :عندَ الرف ِع منه؛ لدَ ِ ُ
بن ُ مر
ابن ُع َ اللة
ين. الصحيح ِ َ
األول ،وهذا َد ال لـه ما رواه البخاريَ « ،أ ان ا ْب َن ِ التشه ِد
ُّ الراب ُع :عندَ القيا ِم مِ َن
الر ْك َع َت ْي ِن َر َف َع َيدَ ْي ِه»(.)5 ِ
َان إِ َذا َقا َم م َن ا ُع َم َر ﭭ ك َ
قر ُب مِن سبعة عشـر ِحابيا ،كما ذكَر ين ما َي ُ أحاديث رف ِع اليدَ ِ َ وقد َر َوى
361
كـتـاب الـصـالة 368
البخاري(.)1
ُّ
فاتُ ،كلها جائزةٌ: ثالث ِِ ُ ُ ِ
السابقة له ِ
المواض ِع مسألة :ورف ُع اليدَ ِ
ين يف
مر ﭭ يف البخاري: لحديث ِِ ِ الرفع ُم ِ َ األُولىْ :
ابن ُع َ للتكبير؛ قارنًا ُ يكون أن
« َف َر َف َع َيدَ ْي ِه ِحي َن ُي َكب ُر»(.)2
ابن ُع َم َر ﭭ عندَ ُم ُ
سلمَ « :ر َف َع لحديث ِ ِ ِ
التكبير؛ الرفع َ
قبل َ
يكون الثاني ُة :أن
ُ
َيدَ ْي ِهُ ،...ث ام َك اب َر»(.)3
ث ﭬ عند مسلم وير ِ
الح ِ مالك ِ لحديث ِ ِ َ الثالث ُةْ :
بن ُ التكبير؛
ُ يكون الرفع بعد أن
أنهَ « :ك اب َر ُث ام َر َف َع َيدَ ْي ِه»(.)4
رفعهما إلى فرو ِع أذنيه أو إلى َح ْذ ِو َمنكِبيه ،ومعناه: مسألة :والمصلي مخير يف ِ
اٌ ُ
رسول اهللِ ﷺ:
ِ روي عن ين َم ٌّ األمر ِ ِ ِ ِ
أن َيب ُل َغ بأطراف أِابِعه َمنكبيه؛ وكال َ
ِ ْ
ِ المنكِبين جاء يف
ابن ُعمر ﭭ( ،)5وأبي ُح َميد ﭬ(.)6 حديث ِ فالرفع إلى َح ْذ ِو َ ُ
سلم(،)7 بن ُح ْار ﭬ كما عند ُم ُ َين جاء يف حديث وائ ِل ِ والرفع إلى فرو ِع األذن ِ ُ
ِ بن الحو ِير ِ ِ
وميل اإلما ِم أحمدَ إلى األَ اول ُ
أكثر؛ جائزُ ، ث ﭬ ،وكالهما ٌ ومالك ِ ُ َ
)8 (
رسول اهللِ ﷺ وأكثر مالزمة له(.)9 ِ أقر ُب إلى ألن ُروا َته َ ا
ت ُ ه َ َ َ َُ ُ ِّ َ ُ ( َ
قبض ِست ِ ِه) :السن ُة يف القيا ِم ُ مــال ،وجعلهما حت ِ ووضــع ايلُمن ىلع الش
كالم مفيد.
( )1فتح الباري البن رجب ( ،)260/2وفيه ٌ
(ِ )2حيح البخاري ( )136من حديث ابن عمر ﭭ.
(ِ )3حيح مسلم ( )320من حديث ابن عمر ﭭ.
( )4رواه مسلم ( )321من حديث مالك بن الحويرث ﭬ.
( )5سبق تخرياه ص(.)361
( )6سبق تخرياه ص(.)331
( )1رواه مسلم ( )401من حديث وائل بن حار ﭬ أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل يف الصالة كرب -
وِف همام حيال أذنيه ،-ثم التحف بثوبه ،ثم وضع يده اليمنى على اليسـرى.
( )6سبق تخرياه ص (.)361
( )2المغني (.)131/2
366
369 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
اليدَ ِ
ين ال إرسا ُلهما ،وهدي رسول اهلل حال القيام يف الصالة القبض ال اإلرسال،
ومنها:
ون َأ ْن َي َض َع ااس ُي ْؤ َم ُر َ
َان الن ُ البخاري َع ْن َس ْه ِل بْ ِن َس ْع ُد ﭬ َق َال« :ك َ ُّ ما َرواه
ازمَُ :ال َأ ْع َل ُم ُه الص َال ِة»َ ،ق َال َأبُو َح ِ ِ ِ ِِ
الر ُج ُل ال َيدَ ال ُي ْمنَى َع َلى ذ َراعه ال ُيسـرى في ا ا
إ ِ اال َين ِْم ي َذل ِ َك إِ َلى الناب ِي ﷺ(.)1
ول اهللِ ﷺ َي ُؤ ُّمنَاَ ،ف َي ْأ ُخ ُذ َان َر ُس ُب َق َال« :ك َ وحسنه َع ْن ُه ْل ُ ا الرتمذي
ُّ وما َرواه
اب الع ْل ِم مِ ْن َأ ِْ َح ِ ِشما َله بِي ِمين ِ ِه»( ،)2قال الرتمذي« :والعم ُل َع َلى َه َذا ِعنْدَ َأ ْه ِل ِ
ُّ َ َ َ َ ُ َ
الر ُج ُل َي ِمينَ ُه َع َلى ِش َمال ِ ِه فِي ينَ ،و َم ْن َب ْعدَ ُه ْم؛ َي َر ْو َن َأ ْن َي َض َع ا
ِ
النابِي ﷺَ ،والتاابِع َ
الص َال ِة».
ا
ين ورد له ِفتان: قبض اليدَ ِ مسألةٌُ :
حديث َس ْه ِل ا ْب ِن ُ دل لـه ذراعه ال ُيسـرى ،كما ا ِ يضع يدَ ه ال ُيمنى على أناألُولىْ :
َ
الر ُج ُل ال َيدَ ال ُي ْمنَى َع َلى ون َأ ْن َي َض َع ا ااس ُي ْؤ َم ُر َ َس ْع ُد ﭬ يف البخاري َقا َل« :ك َ
َان الن ُ
الص َال ِة». ِ
ذ َراعه ال ُيسـرى في ا
ِ ِِ
ِ
والساعد؛ لما َرواه يضع ك افه ال ُيمنى على كفه ال ُيسـرى ُّ
والر ْس ِغ َ الثاني ُةْ :
أن
رسول اهللِ ﷺ وقالُ « :ث ام َو َض َع ِ وِف ِال َة بن ُح ْار ﭬ أناه َ النسائي عن وائ ِل ا ِ
ُّ
فالمصلي مخ اي ٌر بين ها َتينِ ِ ِ ()3 ِ
الساعد» ُ . الر ْس ِغ َو ا َيدَ ُه ا ْل ُي ْمنَى َعلى كَفه ال ُيسـرى َو ُّ
ْ َ
( )1رواه البخاري ( )140من حديث سهل بن سعد ﭬ .وروى مسلم ( )401من حديث وائل بن حار ﭬ
أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل يف الصالة كرب -وِف همام حيال أذنيه ،-ثم التحف بثوبه ،ثم وضع
يده اليمنى على اليسـرى.
( )2رواه الرتمذي ( ،)252وابن ماجه ( ،)602وأحمد ( )21214من حديث هلب الطائي ﭬ .قال
الرتمذي« :حديث هلب حديث حسن».
( )3رواه أبو داود ( ،)121والنسائي ،126/2وأحمد ( )16610من حديث وائل بن حار ﭬ.
قال النووي يف الماموع (« :)312/3رواه أبو داود بإسناد ِحيح» .وقال ابن القيم يف زاد المعاد (:)65/1
«حديث ِحيح» .وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (.)111
362
كـتـاب الـصـالة 370
الصفت ِ
َين.
ِ
القبض: مسألةٌ :مكان وضع اليدين ِ
أثناء
علي(،)2 ِ
وروي عن ن تحت سـرته-؛ ُ َ ِدره(- )1أو َيض ُعهما أن َيض َعهما على
وض َعها تحت سـرتِه واختاره المؤلف أو إن شاء َ وأبي ُهرير َة ﭬ( ،)3وهو ُمخ اي ٌر ْ
نذر؛ وقال« :ليس يف الم ِ
ِدره ،وهو رواي ٌة عن اإلما ِم أحمدَ ،واختاره اب ُن ُ ِ على
وض َعهما فإن شاء َ رسول اهللِ ﷺ؛ ْ ِ حديث َيث ُبت عن ٌ المكان الذي َي َض ُع فيه اليدَ ِ
الصدْ ر». وإن شاء على ا تحت سـرتِهْ ، َ
ِ
السـرةَ ،و َر َأى َب ْع ُض ُه ْم َأ ْن الرتمذيَ « :و َر َأى َب ْع ُض ُه ْم َأ ْن َي َض َع ُه َما َف ْو َق وقال
ُّ
اس ٌع ِعنْدَ ُه ْم»(.)4السـرة ،و ُك ُّل َذل ِ َك و ِ
َ َ
ِ َي َض َع ُه َما َت ْح َت
السن ِاة َو ْض ُع ا ْل َكف َع َلى ا ْل َكف ِ ِ
داو َد ﭬ َأ ان َعليا ﭬ َق َال« :م َن ُّ وأ اما ما َرواه أبو ُ
حار والزيلعي ُ ِ
وابن السـرة» ،فقد ض اعفه العلما ُء ،كالنووي ِ الص َال ِة َت ْح َت ِ
في ا
ضعيف
ٌ إسحاق الواسطي ،وهو َ الرحمن ِ
بن ِ رواية ِ
عبد ِ وغيرهم؛ ألنه مِن
ِ واأللباين
الارح والتعدي ِل(.)5
ِ باتفاق ِ
أئمة ِ
( )1رواه ابن خزيمة ( )412من حديث وائل بن حار ﭬ قالِ« :ليت مع رسول اهلل ﷺ ،ووضع يده اليمنى
على يده اليسـرى على ِدره» .ويف إسناده مؤمل بن إسماعيل سـيء الحفظ .وروى أبو داود ( )152من
حديث طاوس قال« :كان رسول اهلل ﷺ يضع يده اليمنى على يده اليسـرى ،ثم يشد بينهما على ِدره وهو
يف الصالة» وهو مرسل.
( )2رواه أبو داود ( ،)156وأحمد ( )615من حديث علي ﭬ قال« :إن من السنة يف الصالة وضع األكف
على األكف تحت السـرة» .ويف إسناده عبدالرحمن بن إسحاق ضعيف .وضعفه النووي يف شـرح مسلم
( ،)115/4وابن عبد الهادي يف تنقيح التحقيق ( ،)146/2وابن حار يف فتح الباري ( ،)224/2واأللباين
يف اإلرواء (.)353
( )3رواه أبو داود ( )156من حديث أبي هريرة ﭬ قال« :أخذ األكف على األكف يف الصالة تحت السـرة».
ويف إسناده عبدالرحمن بن إسحاق ضعيف .قال أبو داود« :سمعت أحمد بن حنبل :يضعف عبدالرحمن بن
إسحاق الكويف» .وضعفه األلباين يف ضعيف أبي داود (.)131
( )4سنن الرتمذي (.)252( ،)32/2
( )5إرواء الغليل ( ،)62/2وانظر :المغني (.)141/2
310
371 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
ُ ُ َ ََ ُ
السنة على ذلك؛ فعن ِ أخشع لقلبِه ،ولدَ ِ
اللة وض ِع سجو ِده ِ) :ألناه َ ُ (ونظ ُره إىل م ِ
ود ِه
ف بصـره مو ِضع سا ِ عائش َة ڤ قالت« :د َخ َل رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ ا ْل َك ْع َبةَ؛ َما َخ َل َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ ُ َ
َحتاى َخ َر َج مِن َْها»(.)1
ب ل ِ ْل ُم َصلي َأ ْن َال اهيم الن َاخ ِعيَ « :أ انه ك َ ِ
َان ُيح ُّ ُ
ِ
وأخرج اب ُن أبى شـيب َة َع ْن إِ ْب َر َ َ
سـيرينَ « :أ انه ك َ ِ ود ِه»(،)2او َز بصـره مو ِضع سا ِ
ب َأ ْن َان ُيح ُّ ُ أيضا َع ِن ا ْب ِن ِ َ وأخرج ً َ ُي َا ِ َ ُ َ ْ َ ُ ُ
العلماء :أبي ِ ِ
جمهور مذهب ود ِه»( ،)3وهذا ي َضع الرج ُل بصـره ِح َذاء مو ِض ِع سا ِ
ُ ُ ُ َ َْ َ َ ا ُ َ ُ
َحنيفةَ ،والشافعي ،وأحمدَ .
لحديث ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ ،وفيه: ِ ااو َز بصـره سبابتَه؛ أن ال ُي ِ التشه ِد :السن ُة ْ وعندَ
ُّ
صـره إِ َل ْي َهاَ ،أ ْو ن َْح َو َهاُ ،ث ام َق َال:ِ ام فِي ا ْل ِق ْب َل ِةَ ،و َر َمى بِ َب ِِ ِ ِ ِ
« َو َأ َش َار بِإِ ِْ َبعه ا التي َتلي ْاإل ْب َه َ
الس ابا َب ِة ِ ه َك َذا ر َأيت رس َ ِ
الز َب ْي ِر ﭭَ « :و َأ َش َار بِ ا ول اهلل ﷺ َي ْصن َُع»( .)4وعن َع ْب ِداهلل ْب ِن ُّ َ ْ ُ َ ُ َ
او ُز َبصـر ُه إِ َش َار َت ُه»(.)5 َال ُي َا ِ
حال القيامِ، يه باألُخرى َ لص َق إحدى قدم ِ ي َق َد َمي ِه قائ ًِما) :فال ي ِ (وتَفر َق ُت ُه بَ َ
َ ُ ِ
ولكن بين يه ،وال َي َم ُّس إحداهما باألُخرى وكان ابن ُعمر ﭭ ال يفرج بين قدم ِ
ْ َ ُ ُ ََ
ِ
قار ُب وال ُيباعدُ . ذلك؛ ال ُي ِ
ـــع يف ُركو ِع ِه) :لحديث ُم ْص َع ِ
ُ ََ ََ َُ َ َ َْ ُ
ب ْب ِن (وقبض ُركبتي ِه بيدي ِه مف هرجيت األصاب ِ ِ
ْب َأبِيَ ،ق َالَ :و َج َع ْل ُت َيدَ اي َب ْي َن ُر ْك َبت اَي، ين َق َال َِ « :ال ْي ُت إِ َلى َجن ِ الصحيح ِ
َ َس ْع ُد يف
( )1رواه ابن خزيمة ( ،)3012والحاكم ( )652/1من حديث عائشة ڤ .قال ابن أبي حاتم عن أبيه :هذا
حديث منكر (العلل ،)310/3وِححه األلباين يف اإلرواء (.)13/2
( )2مصنف ابن أبي شـيبة (.)64/2
( )3مصنف ابن أبي شـيبة (.)64/2
( )4رواه النسائي ( ،)1160وابن خزيمة ( ،)112وابن حبان ( )1241من حديث ابن عمر ڤ .وِححه
األلباين يف اإلرواء (.)65/2
( )5رواه النسائي ( ،)1215وأبو داود ( ،)220وأحمد ( )16100من حديث عبداهلل بن الزبير ﭬ .وِححه ابن
الملقن يف البدر المنير ( ،)11/4واأللباين يف ِحيح أبي داود ( .)210وأِله يف ِحيح مسلم ( )512دون
قوله« :ال يااوز بصـره إشارته».
311
كـتـاب الـصـالة 372
اضـرب بِ َك اف ْي َك َع َلى ُر ْك َب َت ْي َكَ ،ق َالُ :ث ام َف َع ْل ُت َذل ِ َك َم ار ًة ُأ ْخ َرى، ْ َف َق َال لِي َأبِي:
َب»(.)1الرك ِ َضـرب بِ ْاألَ ُكف َع َلى ُّ َ ضـرب َيدَ اي َو َق َال :إِناا ُن ِهينَا َع ْن َه َذاَ ،و ُأمِ ْرنَا َأ ْن ن َ َف
ِ ِ ِ َ ُّ َ
رسول ِالة ِفة لحديث أبي ُح َميد ﭬ يف ال ُبخاري يف ُ هره ِ فِي ِه):
ِ ظ (ومد
اهللِ ﷺ ،وفيهَ « :وإِ َذا َرك ََع َأ ْم َك َن َيدَ ْي ِه مِ ْن ُر ْك َب َت ْي ِهُ ،ث ام َهصـر َظ ْه َر ُه»(.)2
َ َ ُ
ِ
رسول اهلل ِ
ِالة ِ
ِفة مسلم يفُ حياهلُ) :لحديث عائش َة ڤ عند (وجعل رأ ِس ِه ِ
ص َر ْأ َس ُهَ ،و َل ْم ُي َصو ْب ُهَ ،و َلكِ ْن َب ْي َن َذل ِ َك»(.)3 ِ
َان إِ َذا َرك ََع َل ْم ُي ْشخ ْ ﷺ ،وفيهَ « :وك َ
فالسنة يف الركوعِ:
ستو ًيا. الظهر ُم ِ
ُ َ
يكون ْ
أن
خفضه وال َير َفعه عنه. لظهره ،فال ي ِ ِ رأسه ُم ِ
ساو ًيا َ ْ
َ يكون ُ وأن
ِ
جتي األِاب ِع. فر ِ تكون َك افاه على ُركبتَيه ُم ا َ ْ
وأن
ؤذ أحدً ا. وأن ياافِي يديه عن جنبِه ما لم ي ِ
ُ َ ُ َُ
َ َ ُ َ َ ُ َ َ ُ ُ (وابلُ َد َ
ضع ُركبتي ِه ،ث هم يدي ِه ،ث هم جبهتِ ِه وأن ِف ِه) :فالسنة لل ُه ِوي َ
اءة يف سجو ِده ِ بو ِ
مذهب
ُ األرض ،ثم يدَ ِيه ،ثم جبهتَه وأن َفه ،وهذا ِ أوال على َيه ً يضع ركبت ِ
أن َ َ ُ للساودْ :ِ
أبي َحنيف َة وأحمدَ والشافعي واختاره شيخ اإلسالم وابن القيم.
حديث َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ َق َالَ « :ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ إِ َذا َس َادَ َو َض َع ُر ْك َب َت ْي ِه َق ْب َل ُ ل
َيدَ ْي ِهَ ،وإِ َذا ن ََه َض َر َف َع َيدَ ْي ِه َقبْ َل ُر ْك َب َت ْي ِه» [رواه األربعة ،وقال الرتمذي :حسن غريب](.)4
قبل ركبت ِ ِ
َيه وهو قول اإلمام مالك. وقيل ُيقدم يدَ يه َ ُ
312
373 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
ول اهللِ ﭬ« :إِ َذا َس َادَ َأ َحدُ ُك ْم َف َال َي ْب ُر ْل حديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َالَ :ق َال َر ُس ُ ِ ل
ك ََما َي ْب ُر ُل ا ْل َب ِع ُيرَ ،و ْل َي َض ْع َيدَ ْي ِه َق ْب َل ُر ْك َب َت ْي ِه» [رواه أبوداود](.)1
َان َي َض ُع َيدَ ْي ِه َق ْب َل ُر ْك َب َت ْي ِه»(.)2عمر ﭭ« :أناه ك َ ابن َ عن ِ و يف البخاري ِ
ِ
مهور: الا ِ
مذهب ُ ُ المسألة: واألقرب يف هذه ُ
الخطابي حديث أبي ُهرير َة ﭬ كما ذكَره ِ حديث وائ ُل ﭬ أقوى مِن َ أل ان
ُّ
وغيره(.)3 ُ
اليدين أقرب إلى برولِ ِ وتقديم ِ ِ
أقرب لطبيعة اإلنسان، ِ
الركبتين تقديم وأل ان
ُ ُ َ ُ َ
ول ا ْل َب ِع ِير ُه َو
وف مِن بر ِ ِ
البعير ،وقد قال ﷺَ « :ف َال َي ْب ُر ُل ك ََما َي ْب ُر ُل ا ْل َبع ُير» ،وا ْل َم ْع ُر ُ ْ ُ ُ ِ
يم ا ْل َيدَ ْي ِن َع َلى الر ْج َل ْي ِن. ِ
َت ْقد ُ
ومن أهل العلم من قال :إن النهي عن الهوي الشديد إلى األرض فهو المراد
بربول البعير ،وأما تقديم اليدين أو الركبتين فيوسع فيه ويراعي األرفق به إذا كان
هويه برفق ،ولهذا وجاهته ،واهلل أعلم.
الص َال ِةَ ،فن ََهى َع ِن ِ ِ ِ ِ
فائدةٌَ :ث َب َت َع ِن النابِي ﷺ ْاألَ ْم ُر بِ ُم َخا َل َفة ا ْل َح َي َوان في َه ْي َئات ا
بَ ،و َن ْق ُر اء كَإِ ْقع ِ
اء ا ْل َك ْل ِ اش السب ِع ،وإِ ْقع ُ ِ بَ ،وا ْفتِ َر ُ ات كَا ْلتِ َف ِ
ات ال اث ْع َل ِ ا ْلتِ َف ُ
َ اش كَا ْفت َر ِ ا ُ َ َ
الس َال ِم ك ََأ ْذن ِ ِ َكنَ ْق ُر ا ْل ُغ َر ِ
سَ ،و َي ْا َم ُع َها َق ْو ُل َاب َخ ْي ُل ُش ْم ُ ابَ ،و َر ْف ِع ْاألَ ْيدي َح َال ا
الناظم:
يهــــا بِ ِســــت ُاة ِ ِ ـــن ْ ِ
اإل ْت َيــــان ف َ ُن ِهينَــــا َعـ ِ ــال ِة َفإِ اننَـــا ِ
إ َذا ن َْحـــ ُن ُق ْمنَـــا فـــي ا
الصـ َ
يضـ ِـة اب فِــي ســا ِ
ود ا ْل َف ِر َ ُ ُ َو َن ْقـ ِـر ُغـ َـر ُ ــــات َك َث ْع َل ُ
ــــب يــــر وا ْلتِ َف ُ ِ ِ
ــــرول َبع ُ َ ُب ُ
( )1رواه أبو داود ( ،)640والنسائي ( ،)201/2وأحمد ( )6255من حديث أبي هريرة ﭬ .قال النووي يف
خالِة األحكام (« :)403/1رواه أبو داود ،والنسائي بإسناد جيد ،ولم يضعفه أبو داود» .وِححه
األلباين يف اإلرواء (.)16/2
(ِ )2حيح البخاري -كتاب األذان /باب يهوي بالتكبير حين يساد.
( )3معالم السنن (.)206/1
313
كـتـاب الـصـالة 374
احيـ ِ
ِ ِ ِ اعـ ِ
ـــط ِذر ِ
ـــب َأو َكبسـ ِ ِ
ــة َو َأ ْذ َنـ ِ
ــاب َخ ْيـــ ُل عنْـــدَ ف ْعـــ ِل الت ا ـــه َ َوإِ ْق َعــــاء َك ْلـ ُ ْ َ ْ
يفعل ما ذكَره بقوله: الساود أن َ ِ ومن السن ُة يف
َ ُّ ُ َ (وتَمك ُ
رسول اهللِ ﷺُ « :أمِ ْر ُت َأ ْن َأ ْس ُادَ
ِ ِ
لقول رض): ِي أعضاءِ السجو ِد مِن األ ِ
اف َع َلى سبع ِة َأ ْع ُظ ُم :ا ْلابه ِة ،و َأ َشار بِي ِد ِه إلى َأن ِْف ِه ،وا ْليدَ ي ِن ،والرج َلي ِن ،و َأ ْطر ِ
َ ْ ْ َ َ َ َ ْ ََْ َ َ َ َ َْ
ِ ِ
الش َع َر» [متفق عليه] ،فكلما َم اكن هذه األعضا َء م َن ابَ ،و َال ا ا ْل َقدَ َم ْي ِنَ ،و َال َن ْكف َت الث َي َ
()1
314
375 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
ََ يق ُه بَ َ َ ُ
يض ام ركبتيه ،بل ُيفرق بينهما؛ ِ
الساود اأال ُ ُ
فاألفضل يف ي ُركبتي ِه): فر
(وت ِ
خ َذ ْي ِه َغ ْي َر َحام ِ ُل ميد ﭬ قال« :وإِ َذا سادَ َفرج بين َف ِ
َ َ َ ا َ َْ َ
لما روى أبوداود عن أبي ح ُ
ُ َ
خ َذ ْي ِه»(.)1 شـيء مِن َف ِ ُ َب ْطنَ ُه َع َلى
َ ْ
َُ ًَ َ َ ُ ُُ َُ ََ َ
حديث أبي ِ رض مف هرقة) :ل ون أصاب ِ ِع ِهما ىلع األ ِ (وإقامة قدمي ِه ،وجعل بط ِ
ش َو َال رسول اهللِ ﷺَ « :فإِ َذا َس َادَ َو َض َع َيدَ ْي ِه َغ ْي َر ُم ْفت َِر ُ ِ ِ
ِالة ِ
ِفة ميد ﭬ يف ح ُ
ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
داو َدَ « :و َي ْفت َُحاس َت ْق َب َل بِ َأ ْط َراف َأ َِابِ ِع ِر ْج َل ْيه الق ْب َل َة» ،ويف رواية أبي ُ َقابِض ِه َماَ ،و ْ
)2 (
315
كـتـاب الـصـالة 376
ِ
لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ ِ
األرض؛ يه ،ويعتمدَ بيدَ ِيه على ركبت ِ
َيه وال يعتمدَ على قدم ِ
ُ َ
[رواه أبوداود وضعفه ابن ور َقدَ َم ْي ِه»
الص َال ِة َع َلى ُِدُ ِ ِ
َان النابِ ُّي ﷺ َين َْه ُض في ا َق َال« :ك َ
بن ُح ْار ﭬ قالَ « :وإِ َذا َن َه َض َن َه َض َع َلى ُر ْك َب َت ْي ِه َوا ْعت ََمدَ ِ
ولحديث وائ ِل ِ حار](.)1
خ ِذ ِه» [رواه أبوداود وضعفه النووي](.)2
َع َلى َف ِ
ِ
العلم. العمل عندَ ِ
أكثر أه ِل ُ وهذه ِف ٌة للقيامِ ،وعليها
الرتمذي« :وحديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم؛ يختارون أن
ُّ قال
ينهض الرجل يف الصالة على ِدور قدميه»(.)3
ِ
وابن وعلي َ
عثمان عن ويور ، ُ
مسعود عن ِ
ابن رجب« :وقد َِ اح ِ ُ وقال اب ُن
ن ُ
ِ
القيم يف ِ
الصالة»( ،)4وأشار اب ُن سعيد ﭫ ،وقالوا :هو ُسن ُة ُ ُ
عباس وأبي عمر ِ
وابن َ
التشهد
ُّ ِ
النهوض؛ سوا ٌء يف القيا ِم بعدَ رسول اهللِ ﷺ يف ِ هدي
ُ أن هذا هوزاد المعاد ا
ِ ِ
ِحت عند البخاري(.)5 األول أو من ِو ْت ُر ،فهذه الصف ُة ثابت ٌة كما ا
األرض ،وهذهِ لالسرتاحة ،ويعتمدَ بيديه على ِ يالس أن والصف ُة الثاني ُة للقيامِْ :
َ
وح اا ُتهم:
ستحبُ ، ُ ِ
المذهب أنّها ال ُت المشهور مِ َن
ُ الالس ُة على
َ
ِ ِ ِ
المسـيء يف ِالته. أناها لم ِتر ْد يف حديث ُ
رسول اهللِ ﷺ« :أناه كان إذا قام مِ َن ِ ِ
ِالة ِ
ِفة بن ُح ْا ُر ﭬ يف ِ
ولحديث وائ ِل ِ
ضعيف فيه محمد بن حار؛ قال الذهبي :له قائما»( ،)6لكن سنده ِ
ٌ الساود است ََوى ً
( )1رواه الرتمذي ( )266من حديث أبي هريرة ﭬ .وفيه خالد بن إياس ،ضعيف .وضعفه ابن حار يف الفتح
،303/2واأللباين يف اإلرواء (.)362
( )2رواه أبو داود ( )136من حديث وائل بن حار ﭬ .وضعفه النووي يف خالِة األحكام (،)403/1
واأللباين يف ضعيف أبي داود (.)122
( )3سنن الرتمذي (.)266( ،)60/2
( )4سنن الرتمذي (.)266( ،)60/2
( )5زاد المعاد ( ،)61/1الفتح البن رجب ( ،)222/1تحفة األحوذي ( ،)141/2األجزاء الحديثية ص
(.)222
( )6قال ابن حار يف التلخيص الحبير (« :)624/1هذا الحديث ذكره النووي يف الخالِة يف فصل الضعيف».
316
377 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
311
كـتـاب الـصـالة 378
316
379 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
ِ ِ ِ
السنا ُةَ ،ف ُق ْلنَا َل ُه :إِناا َلن ََرا ُه َج َفا ًء بِ ا
الر ُجلَِ ،ف َق َال ا ْب ُن ْاإل ْق َعاء َع َلى ا ْل َقدَ َم ْي ِنَ ،ف َق َال :ه َي ُّ
عمرابن َ رأيت العبادل َة َيف َعلونهَ : طاووسُ « : ٌ اسَ :ب ْل ِه َي ُسنا ُة َنبِي َك ﷺ»( ،)1وقال َع اب ُ
ِ الز ِ
يب َمن ف َعله»(،)2 بير» ،ولذا قال اإلما ُم أحمدُ « :ال أف َع ُله وال َأع ُ وابن ُّ عباس َ ُ وابن
َ
االفرتاش ،فهو أغلب هديه كما يف حديث عائشة وأبي حميد. ُ ُ
واألفضل
ه ُ
ِ
السنة ِ
لثبوت التشهد الثاين التورل ِ (واتله َو ُّرك يف اثلاين) :السن ُة يف الالوس يف
ميد تقال« :فإذا مالك والشافعي وأحمدَ ؛ لحديث أبي ح ُ ُ ِ
الامهور: فيه ،وهذا ُ
قول
ُ
أخرج ِرج َله ال ُيسـرى وج َلس ُمتوركًا على ِشقه َ التسليم
ُ كانت الساد ُة التي فيها ِ
األيسـر وق َعد على َمق َعدتِه»(.)3
رسول اهلل ﷺ مشـروعةٌ: ِ ِفات ،ك ُّلها ثابت ٌة عنُ ُ
ثالث ورد للتورل وقد َ
األيم ِن ،ويا َع َل
َ ِ
الاانب خرج ال ُيسـرى مِ َن ب رج َله ال ُيمنى و ُي ِ األُولىِ ْ :
أن َينص َ
ميد ﭬ يف البخاريَ « :وإِ َذا َج َل َس فِي حديث أبي ح ُ
ُ ُ دل لها ِ
األرض ،ا مقعد َته على
ب األ ُ ْخ َرى َو َق َعدَ َع َلى َم ْق َعدَ تِ ِه»(.)4 ِ ِ ِ
الر ْك َعة اآلخ َرة َقدا َم ِر ْج َل ُه اليُسـرىَ ،ون ََص َ
ا
ُ
وتكون األيم ِن،
َ ِ
الاانب خر َجهما مِ َن ين جمي ًعا و ُي ِ فر َش القد َم ِ أن َي ِ
الثاني ُةْ :
داو َد« :فإذا كان يف ُ ُ األرض ،اِ مقعد ُته على
حديث أبي ُحميد ﭬ عند أبي ُ ودل لها
الرابعة أفضـى بوركه اليسـرى إلى األرض ،وأخرج قدميه من ناحية واحدة»(.)5
فخ ِذه وساقه ،و َي َ
اعل دخ َل اليسـرى بين ِ
ُ
فر َش رج َله اليمنى وي ِ
ُ أن َي ِ
الثالث ُةْ :
بير ﭭ قال« :كان رسول اهلل الز ِ عبداهللِ ِ
بن ُّ حديث ُِ ودل لها ِ
األرض ،ا َمقعد َته على
ﷺ إذا قعد يف الصالة جعل قدمه اليسـرى بين فخذه وساقه ،وفرش قدمه اليمنى»(.)6
312
كـتـاب الـصـالة 380
ِ
الظهر والعصـر ِ
الصالة :يف ِ
التشهد الثاين يف التور ُل إال يف مسألةٌ :وال ُيشـرع
ُّ
والضحى فال ُيشـرع فيه ُّ ِ
كالفار ِ
والعشاء ،وأ اما ما فيه تشهدٌ واحدٌ ِ
والمغرب
يقول يف كل ركعت ِ
َين التحيةَ، مسلم« :وكان ُ ُ ِ
ِحيح لحديث عائش َة ڤ يفِ ُ
التورل؛
ِ ُ ِ وكان َي ِ
االفرتاش إال ما ُ التشهد فاألِل يف ب ال ُيمنى»(،)1 فر ُش رج َله ال ُيسـرى و َينص ُ
ُ
التورل(.)2 الدليل وهو التشهدُ الثاين ،ف ُيشـرع لـه ُ َد ال عليه
وم َيت األصابــع ،بَ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ ُ ََ
ي ِ ِ ِ ضم م ي، ت وط بس م ينِ ذ خ
ِ الف ىلع ين ِ د(ووضع ايل
أن تكونَا مبسوطت ِ ِ ِ ه ََ
َين وال السادتين ْ بين
اليدين َ ي) :السنة يف وض ِع السجدت ِ
التشهد ،فيبقى ِ أن هذا يف النصوص التي فيها َض ُّم األِاب ِع ُمصـرح ٌة ا يقبضهما؛ ا
ألن
َ
ما سواها مبسوطًا.
ه َ ُّ َ
(وكذا :يف التشه ِد) :ففي التشهد يضع يديه على فخذيه أو ركبتيه.
َ ُ ْ َ ُ ْ ُ َ ُ ْ ُ َ ُ ِّ ُ َ َ َ ه ه َ ُ
الوسطى): َص ،وَيلق إبهامها مع (إال أنه يقبِض م َِن ايلُمن اخلنَص وابلن
الخنْصـر التشهد أن يبسط الشمال ويقبض مِن ا ْليمنَى ِ ِ اليد َ
حال فالسنة يف وض ِع ِ
َ ُْ
ِ
حديث َوا ْلبِنْصـرَ ،و ُي َحل ُق إِ ْب َها َم َها َم َع ا ْل ُو ْس َطى؛ كما د الت عليه األدل ُة ،كقولِه يف
يه َمااإل ْب َها ِم َوا ْل ُو ْس َطىَ ،و َر َف َع ا التِي َتلِ ِ
َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ« :ر َأ ْي ُت النابِي ﷺ َقدْ َح ال َق ب ِ ْ ِ
َ
ا
َيدْ ُعو بِ َها فِي الت َاش ُّه ِد» [أخرجه ابن ماجه] .
()3
=
اليسـرى بين فخذه وساقه ،وفرش قدمه اليمنى».
( )1سبق تخرياه ص(.)331
( )2المغني (.)221/2
( )3رواه ابن ماجه ( )212من حديث وائل بن حار ﭬ .وِححه النووي يف خالِة األحكام (.)421/1
360
381 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
361
كـتـاب الـصـالة 382
362
383 ن الصَّالةِ
فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ
ول اهللِ ﷺ ُي َسل ُم َع ْن مسلم عن َس ْع ُد ﭬ َق َالُ « :كن ُْت َأ َرى َر ُس َ ُ ِ
ِحيح ﭫ؛ ففي
اض َخد ِه»( ،)1قال اإلما ُم أحمدُ « :ث َبت عندَ نا مِن ِ
غير ار ِهَ ،حتاى َأ َرى َب َي َ َي ِمين ِ ِهَ ،و َع ْن َي َس ِ
بياض َخده»(.)2 وشماله حتى ُيرى ُ عن النبي ﷺ أناه كان يسلم عن يمينِه ِ وجه ِ ُ
َ ُ
ِ ه ُُ َ هُُ
الصالة، الخروج مِ َنَ فالمصلي َينوي بسالمِه (ون ِيته ب ِه اخلروج مِن الصالة ِ)ُ :
الصالة؛ مِنِ جميع
َ شملت الصالة مِن ابتدائها قد ِ ِ ِحيح؛ ا
ألن ني َة ٌ ينو فسالمه فإن لم ِ ْ
المنصوص عن أحمدَ ، النية األُولى وهو داخل يف ِ وساود ،ومنها السال ُم ،فهو ٌ ُ ركو ُع
ُ
ِ
العبادات. ِ
كسائر ِ
للخروج منها، ب الني ُة تا ِ واختاره اب ُن ُقدام َة( .)3وألناها عبادةٌ ،فلم ِ
َ
ِ َ َ َ ِّ ُ َ
أن ُيبال َغ يف التفاته يف سن ْ أي ُي ُّات)ْ : ي يف االتل ِف ِ ال ىلع ايل ِم ِ فضيل الشم ِ (وت ِ
ول اهللِ اليمين؛ لحديث َس ْع ُد ﭬ َق َالُ « :كن ُْت َأ َرى َر ُس َ ِ أكثر مِ َن ِ
السال ِم على الشمال َ
ُ
الحديث اض َخد ِه» [أخرجه مسلم] ،وهذا ار ِهَ ،حتاى َأ َرى َب َي َ ﷺ ُي َسل ُم َع ْن َي ِمين ِ ِهَ ،و َع ْن َي َس ِ
ِ
التسليم. ِفة التفاتِه يفبيان ِ رسول اهللِ ﷺ يف ِ ِ هدي إثبات ِ ِ كاف يف ُ
وِححه َع ْنا الرتمذي
ُّ ترل إطالتِه وعدم َمده؛ لما َروى ب يف السال ِم ُ ستح ُّ
والم َ
ُ
الس َال ِم ُسنا ٌة»( ،)4قال ابن المبارل :يعني :أن ال تمده مدً ا.
ف ا َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َالَ « :ح ْذ ُ
قال الرتمذي« :وهو الذي يستحبه أهل العلم».
جزم» (.)5
جزم ،والسالم ٌ
وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال« :التكبير ٌ
363
كـتـاب الـصـالة 384
364
385 فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ
365
كـتـاب الـصـالة 386
366
387 فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ
361
كـتـاب الـصـالة 388
ال ُص َ َ ُ
ورة) :ألهنا تشغل المصلي؛ لما فيه من التشبه ب ُع اباد األوثان، (واستِقب
ال َت َز ُال َت َص ِ
او ُير ُه وألن رسول اهلل ﷺ قال لعائشة ڤَ « :أمِيطِي َعناا قِرام ِ
ك َه َذاَ ،فإِ ان ُه َ َ َ
َت ْع ِر ُض فِي َِالَتِي» [رواه البخاري](.)1
وألن النبي ﷺ لم يدخل الكعبة حتى ُم ِح َي ما فيها من الصور(.)2
لكن ِالته ِحيحة؛ ألن النبي ﷺ لم يعد ِالته كما يف حديث عائشة ڤ
السابق ،واختار هذا شـيخ اإلسالم.
َ َ ْ َ
آد ِ ٍّ
يم) :ويكره استقبال وجه آدمي أثناء الصالة؛ ألنه يشغله ويلهيه ،وقد (ووج ِه
يضحكه.
َ ُ َ َ ِّ
(ومتحدث ،ونائ ِم) :أي ويكره أن يستقبل من يتحدث أو من هو نائم يف أثناء
ف الناائِ ِم و َال ا ْلمتَحد ِ
ث»(.)3 الصالة؛ لقوله ﷺَ « :ال ُت َص ُّلوا َخ ْل َ
ُ َ َ
والرواية األخرى :أنه ال كراهة يف ذلك إن كان ال يشغله ،وهذا هو الراجح،
وهو رواية عن اإلمام أحمد؛ ألنه ثبت عن رسول اهلل ﷺ فعله ،ففي حديث عتبان
[أخرجه أبوداود ،وهو ﭬ أن رسول اهلل ﷺِ« :لى والصحابة يتحدثون بين يديه»
ضعيف](.)4
اش ِه،َان النابِي ﷺ يصلي و َأنَا راقِدَ ٌة معت َِر َض ٌة َع َلى فِر ِ
َ ُْ َ َ ُ َ ُّ
وع ْن َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت« :ك َ َ
الصال َِة
اب ا ت» [متفق عليه] ،وبوب عليه البخاري [ َب ُ
()5
َفإِ َذا َأ َرا َد َأ ْن ُيوتِ َر َأ ْي َق َظنِي َف َأ ْو َت ْر ُ
ف الناائِ ِم] ،والنهي الوارد يف حديث ابن عباس ﭭ ضعيف ،كما بين ذلك َخ ْل َ
366
389 فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ
362
كـتـاب الـصـالة 390
320
391 فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ
وأما بعد الفراغ من الصالة ،فال يكره تشبيكها حتى ولو كان داخل المساد؛
ألن الصالة فرغت ،ويف الصحيحين يف حديث ذي اليدين ﭬ ،وفيهَ « :ف َقا َم إِ َلى
ا ِدَ ،فا ات َك َأ َع َل ْي َها ك ََأ ان ُه َغ ْض َب ُ
انَ ،و َو َض َع َيدَ ُه ال ُي ْمنَى َع َلى وض ُة فِي المس ِ
َ ْ َخ َش َب ُة َم ْع ُر َ
ال ُيسـرىَ ،و َش اب َك َب ْي َن َأ َِابِ ِع ِه»(.)1
َ َ ُّ
(ومس ِحليتِ ِه) :واالنشغال هبا داخل الصالة؛ ألنه من العبث المشغل عن
الخشوع.
َ ُّ َ
(وكف ثوبِه) :أي يكره طيه وجمعه؛ لنهي رسول اهلل ﷺ عنه ،كما يف
ِ
الش ْع َر»( ،)2وجمهور العلماء ابَ ،و َال االصحيحين َع ِن النبي ﷺ قالَ « :و َال َن ْكف َت الث َي َ
قالوا :بكراهة طي الثوب يف الصالة ،سواء فعله أثناء الصالة ،أو خارجها إن فعله
ألجل الصالة.
ويلحق بكف الثوب عقص الشعر ،وهو إدخال أطرافه يف أِوله ،وكذا جمعه
وشده بشـيء حتى ال ينحل ،فهذا مكروه؛ لحديث ابن عباس ﭭَ « :و َال َن ْك ِف َت
ابَ ،و َال ا
الش ْع َر». الث َي َ
ث ُي َصلي اس ﭭ َأ ان ُه َر َأى َع ْبدَ اهللِ ْب َن ا ْل َح ِ
ار ِ ويف ِحيح مسلم َع ْن ا ْب ِن َع اب ُ
ْصـرف َأ ْق َب َل إِ َلى ا ْب ِن َع اب ُ ِِ ِ
اس، َ ام َف َا َع َل َي ُح ُّل ُهَ ،ف َل اما ان
وص م ْن َو َرائهَ ،ف َق َ َو َر ْأ ُس ُه َم ْع ُق ٌ
ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ
ول« :إِن َاما َم َث ُل َه َذاَ ،م َث ُل َف َق َالَ :ما َل َك َو َر ْأسـي؟َ ،ف َق َال :إِني َس ِم ْع ُت َر ُس َ
وف»(.)3ا ال ِذي ُي َصلي َو ُه َو َم ْك ُت ٌ
والحكمة :أن الثوب يساد معه إذا ساد ،فقد روى ابن أبي شـيبة عن ابن
=
(« :)423/3ويف إسناده اختالف كثير واضطراب» .وقال ابن حار يف فتح الباري (« :)566/1ويف إسناده
اختالف ،ضعفه بعضهم بسببه».
( )1رواه البخاري ( ،)462ومسلم ( )513من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )2سبق تخرياه ص (.)333
( )3رواه مسلم ( )422من حديث ابن عباس ﭭ.
321
كـتـاب الـصـالة 392
ْصـرف
َ يه َر ُج ٌل ُي َصلي َعاقِ ًصا َش ْع َر ُهَ ،ف َل اما ان مسعود ﭬَ « :أ انه د َخ َل ا ْلمس ِادَ َ ،فإِ َذا فِ ِ
َ ْ ُ َ
ص َش ْع َر َلَ ،فإِ ان َش ْع َر َل َي ْس ُادُ َم َع َكَ ،و َل َك بِ ُكل ِ ِ
َق َال َع ْبدُ اهلل :إِ َذا َِ ال ْي ُت َف َال َت ْعق ْ
اف َأ ْن َيت َْر َبَ ،ف َق َالَ :تت ِْري ُب ُه َخ ْي ٌر َل َك»( ،)1و«ك َ الر ُج ُل :إِني َأ َخ ُ ُ
َان ا ْب ُن َش ْع َرة َأ ْج ٌرَ ،ف َق َال ا
ض»(.)2 اس إِ َذا َِ الى َو َق َع َش ْع ُر ُه َع َلى ْاألَ ْر ِ َع اب ُ
َ ُ ً ََ َ ََ ُ
(ومَت كرث ذل ِك عرفا :بطلت) :فإذا كثرت الحركة يف الصالة حتى أخرجتها
عن هيئة الصالة ،فإن الصالة تبطل ،وقد ذكر المؤلف أن العمل المتوالي الكثير
يبطل الصالة.
َُ ه َ ََ َ َ ُ ُ َ
(وأن َيص جبهته بِما يسجد علي ِه) :وهذا مكرو ٌه.
شعارا للرافضة يف تخصـيص الابهة بالساود
ً والعلة يف الكراهة :أن هذا أِبح
بوضع شيء فال يتشبه بأهل البدع ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ.
وأما وضع شـيء للوجه كله ،فال كراهة فيه؛ لثبوته عن رسول اهلل ﷺ ،ففي
الخ ْم َر ِة»(.)3
َان النابِي ﷺ ُي َصلي َع َلى ُ
ُّ
البخاري َع ْن َم ْي ُمو َن َة ڤ َقا َل ْت« :ك َ
والخمر ُة شـيء منسوج على قدر ما يساد عليه المصلي أو قريبًا منه ،فإن
عظم حتى يكفي الرجل لاسده كله ،فهو حينئذ حصـير ،ذكره أبو عبيد(.)4
َس ﭬ وكذا ياوز تخصـيص الابهة عند الحاجة؛ لما يف الصحيحين َع ْن َأن ُ
ب مِن ِشدا ِة الحر فِي م َك ِ َق َالُ « :كناا ُن َصلي َم َع النابِي ﷺ َف َي َض ُع َأ َحدُ نَا َط َر َ
ان َ َ ف الثا ْو ِ ْ
ود»( ،)5ومع عدم الحاجة فعليه أن يتانب تخصـيص الابهة؛ ألنه من شعار السا ِ
ُّ ُ
الرافضة.
ََ ُ ُ َ َ َ
(وأن يمسح فِيها أثر سجو ِده ِ) :ويكره مسح ما علق بابهته من آثار الساود
( )1رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف ( ،)124/2وعبدالرزاق يف المصنف (.)2226
( )2رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (.)124/2
( )3سبق تخرياه ص (.)335
( )4فتح الباري البن رجب (.)23/3
( )5سبق تخرياه ص (.)334
322
393 فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ
( )1رواه أبو داود ( )246من حديث أم قيس بنت محصن ﭬ .وِححه األلباين يف اإلرواء (.)363
( )2سبق تخرياه ص (.)263
323
كـتـاب الـصـالة 394
ﷺَ « :وا ال ِذي َن ْفسـي بِيَ ِد ِهَ ،ل َقدْ ا ْبتَدَ َر َها بِ ْض َع ٌة َو َث َال ُث َ
ون َم َل ًكاَ ،أ ُّي ُه ْم َي ْص َعدُ بِ َها»( ،)1فدل
على أنه ال كراهة يف ذلك ،فلو حمد اهلل فال بأس؛ إلقرار رسول اهلل ﷺ قول ذلك
العاطس واألولى تركه.
قال الرتمذي« :وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه يف التطوع؛ ألن غير
ُ
واحد من التابعين قالوا :إذا عطس الرجل يف الصالة المكتوبة إنما يحمد اهلل يف
نفسه ،ولم يوسعوا بأكثر من ذلك».
َ ُ ُّ ُ َ َ َ ُ ُ
واسَّتجاعه إذا َوجد ما يغمه) :اسرتجاعه عند المصائب ،وشكره عند( ِ
حصول النعم أثناء الصالة ال يشـرع؛ ألنه لم يثبت فعله عنه ﷺ ،والصالة عبادة،
وإن يف الصالة شغالً(.)2
مسألة :ومن المكروهات أن يصلي وهو حاقن أو بحضـرة طعام؛ لما فيه من
اشتغال قلب المصلي عن الخشوع ،ولما يلحق المصلي من الضـرر من انحباس
ِ ضـرة ال اط َعامَِ ،و َال ُه َو ُيدَ افِ ُع ُه ْ
األ َ ْخ َب َثان» [أخرجه
أحدهما؛ لقوله ﷺَ « :ال ِ َال َة بِح ِ
َ َ
مسلم](.)3
فينهى أن يصلي وهو حاقن -أي محتبس البول ،-أو حاقب -أي محتبس
الغائط ،-أو حازق -أي محتبس الريح ،-وإلى الكراهة ذهب الامهور ،وإن
ِلى فصالته ِحيحة.
والحكمة من كراهة ِالة الحاقن :أنه يؤدي إلى ذهاب الخشوع؛ النشغاله
ضـررا بدن ًيا عليه.
ً بمدافعة ذلك عن الخشوع ،وألن يف هذا
وإذا كان يدافعه األخبثان ولم يكن عنده ماء ،فإنه يقضـي حاجته ويتيمم؛ ألن
( )1رواه أبو داود ( ،)113والرتمذي ( ،)404والنسائي ( )231من حديث رفاعة بن رافع ﭬ .وحسنه
الرتمذي .وأِله يف البخاري ( )122لكن ليس فيه ذكر العطاس .ومن حديث أنس ﭬ ،وقد سبق تخرياه
ص (.)354
( )2سبق تخرياه ص (.)263
( )3رواه مسلم ( )560من حديث عائشة ڤ.
324
395 فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ
منهي
ٌ الصالة بالتيمم ال تكره باإلجماع ،والصالة مع مدافعة األخبثين مكروهة
عنها ،واختار ذلك شـيخ اإلسالم.
وإن كان قضاؤه لحاجته يؤدي إلى فوات الاماعة ،فيقضـي حاجته ولو فاتته
ضـرة ال اط َعامَِ ،و َال ُه َو ُيدَ اف ِ ُع ُه
الاماعة؛ لعموم النهي يف الحديثَ « :ال ِ َال َة بِح ِ
َ َ
ان» ،ولم يفرق بين حال وحال ،وهو معذور يف فواهتا ،وما ترتب على ْاألَ ْخب َث ِ
َ
المأذون غير مضمون.
ولو خشـي إن قضـى حاجته أن يخرج الوقت ،فال يخلو من حالتين:
األولى :إذا كانت الصالة تامع مع ما بعدها ،فإنه يقضـي حاجته ولو خرج
الوقت؛ ألن الامع يف حال الحضـر جائز عند الحاجة ،وال يقيد ذلك بالمرض أو
المطر أو الريح الشديدة ،ونحو ذلك ،بل هو مشـروع عند الحاجة إليه.
والثانية :إذا كانت الصالة ال تامع مع ما بعدها ،فيصلي يف الوقت ولو كانت
المدافعة شديدة ،فإن قضـى حاجته وخرج الوقت فال إثم عليه ،واهلل أعلم.
وجماع هذا الباب :أن على المصلي إحضار قلبه ،وفعل أسباب الخشوع،
وإزالة كل الموانع والمشغالت ،ومما يعين على الخشوع:
ظاهرا وباطنًا ،وتفريغ القلب من الشواغل ،والتبكير إلى
ً مالزمة التقوى
المساد ،وإحسان الوضوء ،وتدبر ما يقرأ من القرآن واألذكار ،واستحضاره عظمة
من يقف بين يديه ،وسؤال اهلل الخشوع.
نسأل اهلل أن يرزقنا قل ًبا خاش ًعا ،وأن ياعل الصالة قرة لعيوننا ،وطمأنينة
ومفزعا لنا عند الشدائد ،كما كان األنبياء والصالحون.
ً لنفوسنا،
325
كـتـاب الـصـالة 396
326
397 فصلٌ فيما يُبطل الصالة
321
كـتـاب الـصـالة 398
األولىِ :الة النافلة على الراحلة يف السفر ،فياوز فعلها ولو كان وجهه إلى
غير القبلة؛ لما يف الصحيحين عن ابن عمر ﭭ قالَ « :ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ ُي َصلي َع َلى
اح َلتِ ِه َح ْي ُث َت َو اج َه ْت بِ ِه»(.)1
ر ِ
َ
الثانية :العاجز عن استقبالها مكرهًا كالمربوأ لغير جهتها؛ ألن اهلل ال يكلف
نفسا إال وسعها ،والواجبات تسقط بالعاز.
ً
الثالثة :المريض الذي ال يقدر على استقبالها ،فله أن يصلي على حسب حالته،
ولو كان إلى غير القبلة.
الرابعة :للضـرورة ونحوها ،كأن يكون يف شدة الحرب ،أو هار ًبا من عدو ،أو
سبع ،أو نار ،فله الصالة ،ولو كان وجهه إلى غير القبلة.
كما يف ِحيح البخاري عن ابن عمر ﭭ يف ِالة الخوف قالَ « :فإِ ْن ك َ
َان
الق ْب َل ِة
ف ُهو َأ َشدا مِن َذل ِ َك ِ ،الوا ِرج ًاال قِياما َع َلى َأ ْقدَ امِ ِهم َأو ر ْكبانًا ،مس َت ْقبِلِي ِ
ْ ْ ُ َ ُ ْ َ ً َ ْ َ ْ َخ ْو ٌ َ
َأ ْو َغ ْي َر ُم ْس َت ْقبِلِ َ
يها»(.)2
ال) :فإذا وقعت عليه نااسة وجب اس ِة ب ِه ،إن لَم يُز َْلا يف َ
احل
ِّ َ ُ ه َ َ
(واتصال انلج
ِ ِ
إزالتها ليأيت بشـرطها ،أو يقطع ِالته؛ ألن إزالة النااسة شـرأ لصحتها ،وكذا:
إذا علم أثناء الصالة أن على ثوبه نااسة فيلزمه إزالتها بمسحها أو خلع ثوبه
وإتمام الصالة ،فإن لم يقدر قطع ِالته.
َ َ
نسها ل ِغري َ ُ
َض َ َ ََُ َ ُ ًَ
ورة) :فالعمل الذي يبطل ِ ِ جِ ري
ِ غ ِن
م (والعمل الكثِري اعدة
الصالة ما توفرت فيه ثالثة قيود:
كثيرا عاد ًة -ومن غير جنسها كالمشـي والقفز -ولغير ضـرورة ومع
أن يكون ً
الضرورة ياوز مثل الحرب والهرب.
عمال كثير ناسـيا ،فالمذهب أن الصالة تبطل.
مسألة :لو عمل ً
326
399 فصلٌ فيما يُبطل الصالة
وقيل ال يبطل ،وهذا اختيار الماد ،ورجحه شـيخنا ابن عثيمين()1؛ والقاعدة:
أن فعل المحظور يعذر فيه بالاهل والنسـيان وهذا يف العمل البدين.
مسألة :وأما العمل القلبي ،فال يخلو من حالتين:
يسـيرا ،فال َت ْب ُطل الصالة باإلجماع.
ً األولى :أن يكون
كثيرا يغلب على أكثر ِالته.
الثانية :أن يكون ً
فالثواب ليس له من ِالته إال ما عقل ،ويف سنن أبي داود َع ْن َع ام ِ
ار ا ْب ِن َياسـر
ب َل ُه إِ اال ُعشـر ِ ﭬ َق َالَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ
ْصـرف َو َما ُكت َ
ُ ول« :إِ ان ا
الر ُج َل َل َين ول اهلل ﷺ َي ُق ُ
َِ َالتِ ِهُ ،ت ْس ُع َهاُ ،ث ْمنُ َهاُ ،س ْب ُع َهاُ ،سدْ ُس َهاُ ،خ ْم ُس َهاُ ،ر ْب ُع َهاُ ،ث ُل ُث َها ،ن ِ ْص ُف َها»(.)2
وأما اإلجزاء :فال يؤمر بإعادهتا يف قول األئمة األربعة ،ويف حديث أبي هريرة
ال َيدْ ِري
الر ُج ُل َ ﭬ المتفق عليه يف إقبال الشـيطان قال رسول اهلل ﷺَ « :حتاى َي َظ ال ا
ك َْم َِ الى»( ،)3ولم يأمره باإلعادة.
َ ُ َ ًّ َ ُ ْ
ري عذر) :االستناد يف الفريضة أقسام:
(واالستِناد ق ِويا ل ِغ ِ
إن كان لحاجة ،فال يكره.
وإن كان خفيفًا لغير حاجة ،بحيث لو أزيل لم يسقط ،كره.
وإن كان قويًا لغير حاجة ،بحيث لو أزيل لسقط ،بطلت ِالته؛ ألن القيام
ركن ،وهذا ال يصدق عليه أنه أتى بالقيام الواجب.
وع يف ال ِق َر َ ه َ ُّ َ َ
عد ُّ ُ ً ُ ُ ُ ُ
اءة ِ) :إذا نسـي التشهد الَش ِ ورجوعه -اعل ِما ذاك ًِرا -للتشه ِد ب (
قائما رجع إليه وساد للسهو. األول ،فإن ذكره قبل أن يستتم ً
ِ
قائما ،لم ياز له الرجوع؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م َن ا
الر ْك َع َت ْي ِن وإن استتم ً
322
كـتـاب الـصـالة 400
400
401 فصلٌ فيما يُبطل الصالة
401
كـتـاب الـصـالة 402
اب َل ُك ْم»( ،)1وهذا عام ،ولم يعين لهم ما يدعون به ،فدل على أنه أباح لهم
ُي ْست ََا َ
كل الدعاء ،إال ما خرج منه بالدليل .ولذا قال اإلمام أحمد« :ال بأس أن يدعو
الرجل باميع حوائاه؛ من حوائج دنياه واخرته» .قال ابن قدامة« :وهذا هو
الصحيح إن شاء اهلل تعالى؛ لظواهر األحاديث» ،وهذا قول اإلمام الشافعي،
ورواية عن اإلمام أحمد ،ورجحه شـيخ اإلسالم ،وهذا ال يعد كالما ،بل هو ذكر
ودعاء هلل .)2(
ُ
إلنسان بعينه يف ِالته ،وهو رواية يف المذهب، مسألة :وياوز أن يدعو
واختاره ابن المنذر.
قال اإلمام أحمد البن الشافعي« :أنا أدعو لقو ُم منذ سنين يف ِاليت؛ أبول
أحدهم» .وقد روي ذلك عن ُ
علي ،وأبي الدرداء؛ ويف الصحيحين أن النبي ﷺ قال
يف قنوته« :اللهم أنج الوليد بن الوليد ،وعياش بن أبي ربيعة ،وسلمة بن هشامُ،
والمستضعفين من المؤمنين»(.)4()3
ََ ُ ه َ َ َ َ
وهلِ أمحد) :فيبطل الصالة؛ ألنه كالم اَّلل َو َرس ِ
ري ِ اب ل ِغ ِ
اف اخل ِط ِ ان بِك ِ (وباإلتي ِ
لآلدميين ،ولو كان بصـيغة دعاء كقوله :رحمك اهلل يا أبي ،أو لعنك اهلل يا شـيطان.
ََ ُ ه َ
وهلِ أمحد) :وأما إن توجه الخطاب هلل كقوله أحمدل ربي أو اَّلل َو َرس ِ ري ِ (ل ِغ ِ
لرسوله كقوله السالم عليك أيها النبي فهو مشروع.
وقد ورد عن الرسول ﷺ أنه استعاذ من الشـيطان داخل الصالة ،فقالَ « :أ ُعو ُذ
بِاهللِ مِن َْكُ ،ث ام َق َالَ :أ ْل َعنُ َك ب ِ َل ْعن َِة اهللَِ ،ث َال ًثا» [رواه مسلم]( ،)5وهذا من باب الدعاء ،فلو
فعله لم تبطل ِالته.
( )1رواه مسلم ( )412من حديث ابن عباس ﭭ.
( )2المغني ( ،)231/2الفتاوى (.)414/22
( )3رواه البخاري ( ،)604ومسلم ( )615من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )4ينظر :المغني (.)236/2
( )5رواه مسلم ( )542من حديث أبي الدرداء ﭬ.
402
403 فصلٌ فيما يُبطل الصالة
403
كـتـاب الـصـالة 404
بِالس ُك ِ
وتَ ،و ُن ِهينَا َع ِن ا ْل َك َال ِم» [متفق عليه](.)1 ُّ
ً َ
(ولو سهوا) :أشار للخالف فإذا حصل سهو ًا ففي المذهب روايتان:
األولى :ما ذكره أنه مبطل.
الثانية :أنه إن تكلم جاهال بالحرمة ،أو ناسـيا أنه يف ِالة ،أو ظانًا أن ِالته
تمت ،فإهنا ال تبطل ورجحه شيخ اإلسالم وهذا أقوى(.)2
جاهال ولم
ً والدليل :ما روى مسلم أن معاوية بن الحكم ﭬ تكلم يف الصالة
يبطل رسول اهلل ﷺ ِالته ،وكذا تكلم الرسول ﷺ يف حديث ذي اليدين ناسـيا
بعض ِالته ظانًا أهنا تمت ،فلما تبين له أهنا لم تتم بنى عليها ولم يبطلها(،)3
جاهال أو ناسـيا.
ً والمحظورات ال يؤاخذ عليها المكلف إذا كان
َ ُ َ
أم ِ
وم ىلع إما ِم ِه) :تقدم المأموم على إمامه يف الصف ال ياوز، يم الم
(وبِتق ِد ِ
وهو من مبطالت الصالة يف قول جمهور العلماء :أبي حنيفة ،والشافعي ،وأحمد؛
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه»(.)5()4
لقول رسول اهلل ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ِ
َ
ويستثنى الصالة حول الكعبة :فياوز لمن يف غير جهته أن يكون أقرب إليها
منه ،ال لمن كان يف جهته؛ ألن التقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الاهة.
َ ُ
طالن صالة ِ إما ِم ِه) :أي فتبطل ِالة المأموم إذا بطلت ِالة إمامه سواء
ِ (وبِب
كان بطالن ِالة اإلمام لعذر كسبق ريح ،أو لغير عذر كأن يتعمد الحدث وليس له
االستخالف ويلزم المأموم االستئناف .وتبطل ِالة اإلمام بأمور ،منها:
أن يسبقه الحدث بأن يخرج منه ريح ،أو بول أثناء الصالة.
أو يبني ِالته على غير طهارة ،فيتذكر أثناء الصالة أنه ليس على طهارة فتبطل
( )1رواه البخاري ( ،)4534ومسلم ( )532من حديث زيد بن أرقم ﭬ.
( )2الفتاوي (.)160/21
( )3سبق تخرياه ص (.)321
( )4سبق تخرياه ص (.)323
( )5الفقه على المذاهب األربعة (.)316/1
404
405 فصلٌ فيما يُبطل الصالة
ِالته.
ففي هاتين الحالتين قالوا :ليس له االستخالف ،وتبطل ِالة المأمومين معه.
ثان يف المذهب وهو األقرب :أن اإلمام إذا بطلت ِالته لم تبطلوفيه قول ُ
ِالة المأمومين ،فيتموها جماعة مع غيره أو فرادى فيستخلف أحدهم ل ُيتم
الصالة لهم ،وهو مذهب الشافعي.
ون َل ُك ْمَ ،فإِ ْن َأ َِا ُبوا َف َل ُك ْمَ ،وإِ ْن َأ ْخ َط ُئوا َف َل ُك ْم َو َع َل ْي ِه ْم»
ويدل له :قوله ﷺُ « :ي َص ُّل َ
[رواه البخاري](.)1
ولفعل عمر ﭬ« :لما طعن استخلف عبدالرحمن بن عوف ﭬ»(.)2
وكان استخالف عمر ﭬ بمحضـر من الصحابة ولم ينكر.
َ َ َ ً َ ُ َ ً َ َ َ
هوا ولم ي ِعدهُ بعدهُ) :فلو سلم عامد ًا قبل (وبِسالمِه عمدا قبل إمامِه .أو س
إمامه بال عذر بطلت ِالته ،فإن كان ناسـيًا لزمه إعادة السالم بعده ،فإن لم يعده
بطلت ِالته.
ً ُ َ ُّ
والَشب ،س َ َ
ري عرفا ِنلَاس وجاهِل) :األكل والشـرب داخل
ِ سِ الي ىو ِ ِ ، كل
(وباأل ِ
الصالة:
فإن كان متعمد ًا فالكثير واليسير يبطلها فرضًا كانت أو نفالً.
وإن كان جاهالً أو ناسـيًا فإن كان يسـير ًا عرفًا لم تبطل؛ ألن المحظورات
يعذر فيها العبد بالاهل والنسـيان .وإن كان كثير ًا عرفًا فالمذهب بطالهنا.
َ ْ ََ َ ََ َ ُ ُ
بي أسنان ِ ِه بِال مضغ) :ألنه ليس ً
أكال ،ويشق التحرز (وال تبطل إن بلع ما
منه ،والداخل للبطن منه يسـير عادة فال يؤثر.
ََ َ ََ َ َ َ َ ًَ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ
(وَكللَك ِم :إن تنحنح بال حاجة .أو :انتحب ال خشية .أو :نفخ فبان حرف ِ
ان):
التنحنح والنفخ بال حاجة إذا بان منه حرفان ،يبطل الصالة على المذهب،
405
كـتـاب الـصـالة 406
والضابط عندهم :إن كان بال حاجة وبان حرفان فصاعدً ا بطلت ِالته ،سواء كان
ُمفهما أو ال.
وعللوا :أن الحرفين تكون كلمة.
واستدلوا :بما يروى َع ْن ُأم َس َل َم َة ڤَ ،ع ْن النابِي ﷺ َأ ان ُه َق َال« :إن َم ْن َن َف َخ فِي
الص َال ِة َف َقدْ َت َك الم» [رواه النسائي]()1؛ قال شـيخ اإلسالمَ :لكِن مِ ْث ُل َه َذا ا ْلح ِد ِ
يث َال َ ْ َ ا
الص َال ِة ك ََال ٌم» .
()2 ِ
اس ﭭ« :النا ْف ُخ في ا وعاَ ،ف َال ُي ْعت ََمدُ َع َل ْي ِهَ ،
وع ْن ا ْب ِن َع اب ُ َي ِص ُّح َم ْر ُف ً
واألقرب يف هذا :ما حققه شـيخ اإلسالم( :)3أن النحنحة ال تبطل الصالة سواء
كانت حرفين أو أكثر؛ ألهنا ال تسمى كالمًا ،وال يسمى فاعلها متكلما ،وإنما يفهم
مراده بقرينة اإلشارة ،ورسول اهلل ﷺ إنما حرم الكالم.
وأما النفخ فإنه ليس كال ًما وال يدل على معنى يف الوضع ،فال يبطل الصالة،
وفِي ا ْل ُم ْسن َِد َو ُسن َِن َأبِي َد ُاود َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع ْم ُرو ﭬَ « :أ ان النابِ اي ﷺ فِي َِ َال ِة
فَ ،رب َأ َل ْم َت ِعدْ نِي َأ ْن َال ف ُأ ن ود ِهَ ،ف َق َالُ :أ ن
ف ُأ ن آخ ِر سا ِ
ُ ُ
س َن َف َخ فِي ِ الش ْم ِوف ا ُكس ِ
ُ
َ ِ ِ ()4
ُت َعذ َب ُه ْم َوأنَا فيه ْم» .
ول اهللِ ﷺ َمدْ َخ َال ِنَ :مدْ َخ ٌل بِال ال ْيلِ، َان لِي مِ ْن رس ِ
َ ُ وورد عن علي ﭬ قال« :ك َ
ارَ ،ف ُكن ُْت إِ َذا َد َخ ْل ُت بِال ال ْي ِل َتن َْحن ََح لِي» [رواه النسائي](.)5
َو َمدْ َخ ٌل بِالن َاه ِ
( )1رواه النسائي يف الكربى ( ،)553والرتمذي ( ،)361وأحمد ( ،)26144بنحوه من حديث أم سلمة ڤ.
وهو ضعيف ،راجع السلسلة الضعيفة (.)5465
( )2رواه عبدالرزاق يف المصنف ( ،)3016وابن أبي شـيبة يف المصنف (.)61/2
( )3الفتاوي (.)616-615/22
( )4رواه أبو داود ( ،)1124والنسائي يف الكربى ( ،)552وأحمد ( ،)6163وابن خزيمة ( )1322من حديث
عبداهلل بن عمرو ﭭ .وِححه األلباين يف اإلرواء (.)326
( )5رواه النسائي يف الماتبى ( ،)1212وابن ماجه ( )3106من حديث علي ﭬ .قال ابن الملقن يف البدر
المنير (« :)166/4قال البيهقي :هذا الحديث مختلف يف إسناده ومتنه ،ومداره على عبداهلل بن ناي
الحضـرمي؛ قال البخاري :فيه نظر .قلت :وقال الدارقطني :ليس بالقوي» .وضعفه األلباين يف مشكاة
المصابيح (.)4615
406
407 فصلٌ فيما يُبطل الصالة
ويلحق هبذا التثاؤب والعطاس ،فإهنا ال تبطل الصالة ،وال دليل على إبطالها،
وهذا قول أبي يوسف ،ورجحه شـيخ اإلسالم والسعدي ،وقد ذهب اإلمام أحمد
وإسحاق إلى عدم إبطال النفخ للصالة(.)1
ََ َ ََ َ َ َ َ ًَ َ َ َ
ان) :إذا انتحب ورفع ِوته بالبكاء
(أو :انتحب ال خشية .أو :نفخ فبان ح ِ
رف
داخل الصالة:
فإن كان خشـية هلل فال تبطل به الصالة ،بل هو زينة الصالة وجمالها ،وقد كان
أبو بكر وعمر ﭭ يبكيان فيها( ،)2وكان عمر ﭬ يسمع نشـياه من وراء
الصفوف(.)3
أمرا فأبكاه:
وإذا لم يكن من خشـية اهلل مثل تذكر ً
فالمذهب :قالوا :تبطل إن كان نحي ًبا ،كما ذكره المؤلف.
واألقرب :أنه ال يبطل الصالة؛ ألنه ليس كال ًما وال يف معناه ،وهذا مذهب
اإلمام مالك ،وأبي ثور ،وأبي يوسف ،واختاره شـيخ اإلسالم(.)4
َ ََُ ُ َ ٌ َ
حال ق َِر َ َ ََ َ َ ْ َ َ َه
اءت ِ ِه .أو :غلبه سعال ،أو (ال :إن نام فتلكم .أو :سبق ىلع ل ِسان ِه
ُ َ
ك ٌ ََ ُ ٌ ُ َ ٌ
اء) :هذه األمور إذا حصلت من المصلي من غير قصد عطاس ،أو تثاؤب ،أو ب
فال تبطل الصالة ،وهذا مذهب الامهور ،نقله عنهم شـيخ اإلسالم يف الفتاوى()5؛
ذاكرا عامدً ا ،فلو تثاءب أو
عالما ً
ً ألنه يشرتأ للبطالن عند من قال به :أن يكون
عطس فبان حرفان فأكثر لم تبطل ِالته عند من قال ببطالهنا ،وكذا لو غلبه البكاء
401
كـتـاب الـصـالة 408
عند من قال إنه مبطل ،حتى لو كان البكاء لغير خشـية اهلل ،وقد « َق َر َأ النابِي ﷺ
ُّ
ون َ -أ ْو ِذك ُْر ِعيسـىَ -أ َخ َذ ْت ُه
ون فِي ال ُّص ْبحِ َ ،حتاى إِ َذا َجا َء ِذك ُْر ُموسـى َو َه ُار َ
الم ْؤمِنُ َ
ُ
َس ْع َل ٌة َف َرك ََع» [رواه مسلم] ،فما يغلب على المصلي من بكاء وعطاس وتثاؤب ،ال ()1
يبطل الصالة ،قال شـيخ اإلسالم« :الصحيح عند الامهور أنه ال يبطل الصالة،
وهو المنصوص عن أحمد»(.)2
406
409 ب سجو ِد السهوِ
با ُ
402
كـتـاب الـصـالة 410
410
411 ب سجو ِد السهوِ
با ُ
411
كـتـاب الـصـالة 412
( )1رواه البخاري ( ،)622ومسلم ( )510من حديث عبداهلل ابن بحينة ﭬ.
( )2رواه مسلم ( )511من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ.
( )3رواه البخاري ( ،)401ومسلم ( )512من حديث ابن مسعود ﭬ.
( )4سبق تخرياه ص (.)341
( )5المغني ( ،)433/2الفتاوى (.)26/23
( )6الفتاوى ( ،)34/23الفتح البن رجب (.)415/2
412
413 ب سجو ِد السهوِ
با ُ
السالم أو بعده ،وهذا المذهب ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وقال« :ال بد من اإلتيان
هبذا الساود ،أو إعادة الصالة؛ ألن رسول اهلل ﷺ أمر به لتمام الصالة ،فال تربأ
الذمة إال به ،وال فرق بين ما كان قبل السالم أو بعده»(.)1
سهوا ،فال تبطل الصالة به ،ويلزمه اإلتيان به إذا ذكره وهذا
الثانية :أن يرتكه ً
مذهب الامهور :أبي حنيفة ،والشافعي ،وأحمد(.)2
فإذا طال الفصل ولم يأت به :فالامهور يرون أنه يسقط ،وال إعادة عليه فيها.
واختار شـيخ اإلسالم أنه يأيت به متى ذكره حتى ولو طال الفصل كالصالة
المنسـية حتى ولو خرج من المساد(.)3
ََْ َ َ َ ُ ه ْ َ َ
قوهل( :إال إن ت َرك ما وج َب بِسال ِم ِه قبل إتمامِها).
فلو كان سبب ساود السهو خطأه يف السالم ،لم تبطل ِالته برتل ساود
السهو؛ ألن الصالة ختمت ،والساود هنا جربٌ للعبادة خارج عنها ،فلم تبطل
كاربان الحج وهذا مستثنى من بطالن الصالة بتعمد ترل ساود السهو.
ويف المذهب :رواية أن ساود السهو الذي بعد السالم ال تبطل الصالة برتكه،
وهذا مروي عن اإلمام أحمد ،وأبي ثور ،نقله الحافظ ابن رجب(.)4
َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ه ََْ ه ُ
الم ،أو بعدهُ).
هو قبل الس ِ
ِ الس َت جد س دجس : اء ش وإن( : قوهل
فساود السهو قبل السالم وبعده على االستحباب ال اإليااب والمذهب أنه
مخير يف ذلك؛ لورود هذا عن رسول اهلل ﷺ ،وأما المواضع التي ثبت عن رسول
اهلل ﷺ فعلها قبل السالم أو بعده ،فمحمولة على األفضلية والندب ال على
الوجوب ،واألفضل أن يراعي ما فعله الرسول ﷺ فما ساده بعد السالم ياعله
بعده وما سواه ياعله قبله.
( )1الفتاوى (.)34/23
( )2المغني (.)432/2
( )3الفتاوى (.)34/23
( )4المغني ( ،)434/2الفتح (.)411/4
413
كـتـاب الـصـالة 414
فاألولى أن ياعل الساود قبل السالم إال المواضع التي ثبت عن رسول اهلل
ﷺ أنه سادها بعد السالم فتفعل بعد السالم اقتدا ًء به ﷺ ،وإلى هذا ذهب اإلمام
أحمد ،وعامة أِحابه ،وطائفة من فقهاء الحديث ،كسليمان بن داود ،وأبي
خيثمة ،وابن المنذر ،واختاره ابن باز؛ ألمور منها:
أوال :أن ساود السهو من تمام الصالة وجرب لنقصاهنا ،فناسب كونه داخلها ً
كسائر أفعالها.
ثان ًيا :أن يف هذا عمالً بما ثبت عن رسول اهلل ﷺ من الساود قبل السالم
وبعده.
ثال ًثا :أن العمل هبذا أضبط للناس ،فيحفظ المواضع الثالث التي ثبت عن
رسول اهلل ﷺ أنه ساد لها بعد السالم ،فإن كان منها وإال ساد قبل السالم.
والمواضع التي ثبت عنه ﷺ الساود لها بعد السالم ثالث ،وهي:
األول :إذا سلم من ركعتين يف الرباعية ،كما يف قصة ذي اليدين ﭬ ،والحديث
متفق عليه( ،)1وال بأس أن يلحق به لو نقص ركعة تامة ،مثل :لو ِلى ثال ًثا يف
الرباعية أو واحدة يف الثنائية ،وقد ِلى رسول اهلل ﷺ ثالث ركعات ،فساد بعد
السالم ،كما يف حديث عمران ﭬ(.)2
الثاين :أن يزيد ركعة يف الصالة؛ لحديث ابن مسعود ﭬ يف البخاري أن رسول
خمسا فساد للسهو بعد السالم(.)3
ً اهلل ﷺ ِلى
الثالث :إذا شك يف ِالته ،فلم يدر كم ِلى ،ثم تحرى الصواب ،فإنه يساد
للسهو بعد السالم.
اب َف ْل ُيتِ ام َع َل ْي ِهُ ،ث ام ِِ ِ
ويدل له :قوله ﷺ« :إِ َذا َش اك َأ َحدُ ُك ْم في َِالَتهَ ،ف ْل َيت ََح ار ا
الص َو َ
414
415 ب سجو ِد السهوِ
با ُ
415
كـتـاب الـصـالة 416
( )1رواه أبو داود ( ،)1031والرتمذي ( ،)365وأحمد ( )16163من طريق زياد بن عالقة قالِ :لى بنا المغيرة بن
شعبة فنهض يف الركعتين ،قلنا :سبحان اهلل ،قال :سبحان اهلل ومضـى ،فلما أتم ِالته وسلم ،ساد ساديت
السهو ،فلما انصـرف ،قال« :رأيت رسول اهلل ﷺ يصنع كما ِنعت» .قال الرتمذي« :هذا حديث حسن ِحيح،
وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة عن النبي ﷺ» .وِححه ابن الملقن يف البدر المنير
( ،)223/4واأللباين يف ِحيح أبي داود (.)250
( )2الفتاوى ( ،)45/23الفتح البن رجب (.)421/2
( )3الفتاوى (.)34/23
416
417 ب سجو ِد السهوِ
با ُ
ذلك»( ،)1لكنه يف هذا الحديث لم ينس الساود وحده ،بل أتى به وبما نسـي من
الصالة ،وقول الامهور له وجاهته إال أن األولى أن يأيت بالساود إذا ذكره ،فإن
تركه ألحد المسقطات الثالث لم تبطل ِالته(.)2
َ َ َ َ ُ َ َ َ هَ ه ُ ُ َ ُ
أول الصالة ِ ،إذا سها يف صالت ِ ِه). قوهل( :وال سجود ىلع مأموم دخل
إذا سها المأموم يف ِالته فال يخلو من حالتين:
األولى :أن يكون دخل مع اإلمام من أول الصالة ،فال ساود عليه فيما سها به
واإلمام يتحمل عنه ذلك؛ ألنه متابع إلمامه ،وهذا قول عامة أهل العلم.
ِ ويدل له :قول النبي ﷺِ ْ « :
أبوداود اإل َما ُم َضام ٌنَ ،وا ْل ُم َؤذ ُن ُم ْؤ َت َم ٌ
ن» [رواه
والرتمذي](.)3
وقد ورد يف ذلك حديث ابن عمر ﭭ أن رسول اهلل ﷺ قال« :ليس على من
خلف اإلمام سهو ،فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه» [رواه الدارقطني وضعفه](.)4
الثانية :إن كان المأموم مسبو ًقا وسها فيما لم يدرل إمامه فيه ،فإنه يساد
للسهو(.)5
ه ُ ُ َ َ َ ُُ َ َ ُ ََُُ ُ
هو).
قوهل( :وإن سها إمامه :ل ِزمه متابعته يف سجو ِد الس ِ
إذا سها اإلمام يف ِالته ثم ساد للسهو ،فال يخلو من حالتين:
األولى :أن يكون ساوده قبل السالم ،فياب على المأموم متابعته ،أدرل معه
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام ب ِ ِه،
السهو أم ال؛ وال ياوز التخلف عنه؛ لعموم قوله ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ِ
َ
411
كـتـاب الـصـالة 418
َفإِ َذا َك اب َر َف َكب ُرواَ ،وإِ َذا َرك ََع َف ْار َك ُعواَ ،وإِ َذا َس َادَ َف ْ
اس ُادُ وا» [متفق عليه](.)1
الثانية :أن يكون الساود بعد السالم:
فإن كان المأموم غير مسبوق وجب عليه المتابعة يف ساود السهو؛ ألن هذا من
تمام الصالة ،ولارب ما حصل فيها.
وإن كان مسبو ًقا وعليه قضاء ،فاألولى أن يتابع إمامه بالساود سواء كان قبل
السالم أو بعده ،وسواء كان مسبو ًقا أم ال ،فإذا ساد تابعه ،ثم قام ليقضـي.
فإن قام للقضاء ،ثم ساد إمامه ،فإن كان ساود إمامه قبل انتصابه للقيام رجع،
وإن انتصب قائما لم يرجع ،ثم يساد للسهو ،وألحق هذا بالقيام عن التشهد
األول؛ ألن كليهما واجب ،وهذا القول قوي ،وإليه ذهب اإلمام أحمد ،واختاره
ابن قدامة ،وابن باز(.)2
َ ُ ُُ َ ْ َ ُ ُ
قوهل( :فإن لم يسجد إمامهَ :وج َب علي ِه ه َو).
إذا ترل اإلمام ساود السهو ،وجب على المأموم أن يساد؛ ألن ِالة
المأموم نقصت بسهو اإلمام ولم تارب بساود السهو ،فيلزم المأموم جربها ،وهذا
قول جمهور العلماء ،ومنهم :اإلمام مالك ،والشافعي ،وأحمد(.)3
َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ ُ
قوهل( :ومن قام ل َِركعة زائ ِدة :جلس مَت ذك َر).
أي لو زاد ركعة يف الصالة ،فإنه متى ذكر رجع عنها على أي حال كان؛ ألهنا
ركعة زائدة ال اعتبار لها ،لكن إن لم يذكر إال بعد اإلتيان هبا ،وقد جلس للتشهد،
فإنه يتم التشهد ،ثم يساد للسهو بعد السالم(.)4
416
419 ب سجو ِد السهوِ
با ُ
َ ه َ ً َ َ ُّ ُ ُ َ َ َ ه َ ُ
وكرهَ: ه َ ُّ ْ َ َ َ َ ُ
ِ .ده ش ت يل
ِ وع جالر ه مزِ ل ا: يسِ ا ن ل
ِ واأل د
ِ ه ش الت ركِ ت ن ع ض نه وإن( : قوهل
ً ْ ََ
إن استت هم قائ ِما).
التشهد األول من الواجبات ،فإذا تركه المصلي فال يخلو من حالتين:
األولى :أن يرتكه متعمدً ا ،فصالته غير ِحيحة؛ ألنه ترل واج ًبا من غير عذر،
وقد قال ﷺَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق عليه](.)1
الثانية :أن يرتكه ناسـيا ،فصالته ِحيحة باإلجماع ،كما دل له فعل رسول اهلل
ﷺ( ،)2فإذا تذكره فال يخلو من حالتين:
قائما ،فيلزمه أن يرجع ويأيت به ،ويساد للسهو
األولى :أن يذكره قبل أن يستتم ً
يف آخر الصالة ،وهذا مذهب اإلمام أحمد ،والشافعي.
الثانية :أال يذكره إال بعد أن استتم قائما ،فيكره له الرجوع للتشهد األول ،وهذا
مروي عن األئمة األربعة.
الر ْك َع َت ْي ِن َف َل ْم َي ْستَتِ ام َقائِ ًما ِ
ودلت عليه السنة :يف قوله ﷺ« :إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م َن ا
الس ْه ِو» [رواه أبو داود](.)3 ِ ِ ِ
َف ْل َي ْال ْسَ ،فإِ َذا ْ
اس َتت اَم َقائ ًما َف َال َي ْال ْسَ ،و َي ْس ُادْ َس ْادَ َتيِ ا
جاهال لم تبطل ِالته هبذا،
ً قائما ناسـيا أو
مسألة :لو أنه رجع بعد أن استتم ً
لكن يبقى عليه ساود السهو.
َ َُ َ ُ َ َُ ََُ ُ
قوهل( :وتلزم المأموم متابعته).
قائما ،فإنه يتم قيامه ،ويلزم إذا لم يذكر اإلمام التشهد األول إال بعد أن استتم ً
المأموم متابعته ،وال ياوز للمأموم الالوس للتشهد؛ لعموم قوله ﷺ« :إِن َاما ُج ِع َل
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه»( ،)4ولما نسـي رسول اهلل ﷺ التشهد األول قام الناس معه( ،)5وكذا
ِ
412
كـتـاب الـصـالة 420
المغيرة ﭬ لما نسـيه وسبح به الناس أشار إليهم بيده أن قوموا( ،)1فيؤخذ منه أن
اإلمام إذا نسـيه حتى قام لم يرجع إليه ،ويلزم المأموم متابعته ،ويثبت تب ًعا ما ال
ً
استقالال. يثبت
َ
رشع يف ال ِق َر ََ ُ َ ُ
قوهل( :وال يرجع :إن َ
اءة ِ). ِ
إذا لم يعلم المصلي برتل التشهد األول إال بعد أن شـرع يف قراءة الفاتحة ،فال
ياوز له الرجوع إليه؛ ألنه تلبس بالركن الذي يليه كما مر معنا.
والمذهب أن من نسـي التشهد األول له ثالث حاالت:
قائما ،فيرجع ويأيت به ،ويساد للسهو.
األولى :أن يذكره قبل أن يستتم ً
الثانية :أن يذكره بعد أن استتم قائما وقبل القراءة ،فيكره له الرجوع.
الثالثة :أن يذكره بعد أن شـرع يف قراءة الفاتحة ،فال ياوز له الرجوع.
ه
الصالة َِ :ب َن ىلع َ ُ
وه ُ َ َ ََ َ ُ ْ َ ْ َ ه ُ
ي،
ِ ق
ِ ايل يف و ، ات ع ك ر د
ِ دع أو ، ن ك ر يف ك ش ن وم( : قوهل
ُ َ َ ُّ َ َ َ ه
وهو األقل ،وسجد للسهو).
إذا شك المصلي يف ركن أو عدد الركعات أثناء الصالة ،فال يخلو من حالتين:
األولى :أن يكون عنده غلبة ظن يرجح أحد االحتمالين ،فإنه يرجع إليه ،ثم
يساد للسهو؛ لما روى الشـيخان أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ َذا َش اك َأ َحدُ ُك ْم فِي
اب َف ْليُتِ ام َع َل ْي ِهُ ،ث ام ل ِ ُي َسل ْمُ ،ث ام َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ْي ِن»(.)2 ِِ
َِالَتهَ ،ف ْل َيت ََح ار ا
الص َو َ
والسنة كون ساود السهو يف هذه الصورة بعد السالم.
الثانية :أن يستوي عنده االحتماالن ،وال مرجح ،فيرجع إلى اليقين وهو األقل،
فيحذف المشكول فيه ،ويأيت ببدله ،ثم يساد ساديت السهو قبل السالم.
والدليل :ما رواه مسلم عن أبي سعيد ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ َذا َش اك
َأ َحدُ ُك ْم فِي َِ َالتِ ِهَ ،ف َل ْم َيدْ ِر ك َْم َِ الى َث َال ًثا َأ ْم َأ ْر َب ًعاَ ،ف ْل َي ْط َرحِ ا
الش اك َو ْل َي ْب ِن َع َلى َما
420
421 ب سجو ِد السهوِ
با ُ
421
كـتـاب الـصـالة 422
422
423 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
وبين شـيخ اإلسالم أن هذا يختلف باختالف النااس فيما َي ْق ِد ُرون عليه ،وما
َاسب أوقاهتم ،فال ُيمكن فيه جواب جامع ُم َف اصل ل ُكل أحد ،فقد يكون كل نوع ين ِ
ُ
مما سبق أفضل من غيره يف بعض األحوال ،ولبعض األشخاص دون غيرهم،
وعند تساوي األمور :فالعلم كما قال اإلمام أحمد« :ال يعدله شـيء لمن ِحت
نيته» ،وهو نوع من الاهاد الذي به قوام الدين ،وهو من أفضل ذكر اهلل(.)1
ولصالة التطوع فضائل ،منها:
باس ُ أهنا تارب الخلل الحاِل يف الفريضة ،كما دل له قوله ﷺ« :إِ ان َأ او َل َما ُي َح َ
ت الق َيا َم ِة مِ ْن َع َملِ ِه َِ َال ُت ُهَ ،فإِ ْن َِ ُل َح ْت َف َقدْ َأ ْف َل َح َو َأن َْا َحَ ،وإِ ْن َف َسدَ ْ
بِ ِه العبدُ يوم ِ
َْ َْ َ
الر ُّب :ا ْن ُظ ُروا َه ْل ل ِ َع ْب ِدي يضته شـي ٌءَ ،ق َال ا
َف َقدْ َخاب و َخسـرَ ،فإِ ْن ا ْن َت َقص مِن َف ِر َ ِ ِ
َ ْ َ َ
ك» [رواه يض ِةُ ،ث ام َي ُكو ُن َسائِ ُر َع َملِ ِه َع َلى َذل ِ َ
ص مِ َن ال َف ِر َ ِ
م ْن َت َط ُّو ُع َف ُي َك ام َل بِ َها َما ا ْن َت َق َ
األربعة](.)2
وهي سبب لرفع الدرجات ،كما قال ﷺ لثوبان ﭬَ « :ع َلي َك بِ َك ْثر ِة السا ِ
ود َ ُّ ُ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
ْك ب ِ َها َخطي َئ ًة» [رواه ل الهَ ،فإِن َاك َال َت ْس ُادُ ل اله َس ْادَ ةً ،إِ اال َر َف َع َك ُ
اهلل بِ َها َد َر َجةًَ ،و َح اط َعن َ
مسلم](.)3
ب ﭬ حين سأله ُم َرا َف َقتَه وهي سبب لدخول الانة ،كما قال ﷺ َلربِي َع َة ْب ِن َك ْع ُ
ود» [رواه مسلم](.)4 فِي ا ْلان ِاةَ .ق َالَ « :ف َأ ِعني َع َلى َن ْف ِس َك بِ َك ْثر ِة السا ِ
َ ُّ ُ َ
يمواَ ،و َل ْن ُت ْح ُصواَ ،وا ْع َل ُموا َأ ان ول اهللِ ﷺِ « : ان ﭬ َق َالَ :ق َال َر ُس ُ و َع ْن َث ْو َب َ
استَق ُ ْ
423
كـتـاب الـصـالة 424
َخير َأ ْعمال ِ ُكم الص َال ُة ،و َال يحافِ ُظ َع َلى ا ْلو ُض ِ
وء إِ اال ُم ْؤم ِ ٌن» [رواه ابن ماجه](.)1 ُ َ ُ َ َْ َ ُ ا
و َل اما َعلِ َم هذا سلف األمة ،وأدركوا هذه الفضائل حرِوا أن يكون لهم
نصـيب من نوافل الصلوات يف الليل والنهار ،فحري بالمسلم أن يحافظ على هذه
النوافل لما فيها من األجر العظيم.
ُ ه ََ َ ً َ ُ ُ
قوهل( :وأفضلها :ما سن مجاعة).
سبب ،ومنها :ما
ِالة التطوع أنواع كثيرة :منها :ما له سبب ،ومنها :ما ليس له ٌ
يشـرع فرادى ،ومنها :ما يشـرع له الاماعة.
والمذهب أن التطوعات التي تشـرع لها الاماعة آكد من غيرها وأفضل.
ُ ُ ُ َ ُ َ ُ
قوهل( :وآكدها :الكسوف).
ألن رسول اهلل ﷺ أمر هبا وأكد عليها ،وفزع إلى أدائها ،وألن لها سببًا يفوت،
وهي مفزع العباد عند حصول هذا التغير يف الشمس والقمر.
ُ
قوهل( :فاالستِ ْس َق ُ
اء).
عند حصول سببه؛ ألنه داخل يف فضائل التطوعات ،ولما فيه من إظهار االفتقار
إلى اهلل ،و َبث الشكوى إليه ،واقتداء برسول اهلل ﷺ ،ولتعدي خيره إلى عموم
المسلمين إذا نزل الغيث.
هَ ُ ُ
اويح).
ِ فالَّت ( : قوهل
وهي قيام الليل يف رمضان جماعة ،وقد فعلها رسول اهلل ﷺ والصحابة ،ثم
عمر ﭬ ،واستمر العمل عليها يف
تركها خشـية أن تفرض عليهم ،ثم أظهرها ُ
مساجد المسلمين حتى يومنا هذا.
والرتاويح :هي قيام الليل يف رمضان ،وسميت هبذا االسم؛ ألهنم كانوا يطيلون
القيام ،فإذا ِلوا أرب ًعا اسرتاحوا ،ثم أرب ًعا ثم اسرتاحوا ،ثم يكملون البقية،
ومستندهم يف هذا :قول عائشة ڤ« :كان ُي َصلي َأ ْر َب ًعاَ ،فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان
( )1رواه ابن ماجه ( ،)211وأحمد ( )22316من حديث ثوبان ﭬ .وِححه األلباين يف اإلرواء (.)412
424
425 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
[متفق َو ُطول ِ ِه انُ ،ث ام ُي َصلي َأ ْر َب ًعاَ ،فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان َو ُطول ِ ِه انُ ،ث ام ُي َصلي َثالَ ًثا»
عليه](.)1
َ ٌ َ َ َ َ ََ َ َُ ٌَ َ ُّ ُ ُ ُ
ال :ثالث ِ َشة .وأدَن الكم وأكرثهُ :إحدى ع فالوتر :وأقلهَ :ركعة. ِ ( : قوهل
ُ ُ َ َ َ َ َ ُ َ ًْ َ َُ ُ َ َ
وطلوعِ حد ِسدا .ووقته :ما بي صالة ِ ال ِعشاءِ ي ،وَيوز بِوا ِ بسالم ِ
َ ْ
الفج ِر.
ه َ َ َ َ ُّ ُ ه َََ ََ َ َ ُّ ُ ِ َ ْ ً َ ُ ُ
وع:الرك ِ ورفع يدي ِه ،ثم قنت قبل وع؛ ندبا .فلو كَب ويقنت في ِه :بعد الرك
جاز).
ُ
فالوتر) :وهو سنة مؤكدة ،وبه قال اإلمام مالك ،والشافعي ،وأحمد ،وأدلة ( ِ
اهلل َأ َمدا ُك ْم ب ِ َص َال ُة ِه َي َخ ْي ٌر َل ُك ْم مِ ْن ُح ْم ِر فضله واألمر به كثيرة ،منها :قولـه ﷺ« :إِ ان َ
الع َش ِ
الو ْتر ،جع َله اهلل َل ُكم فِيما بين ِ َال ِة ِ
اء إ ِ َلى َأ ْن َي ْط ُل َع ال َف ْا ُر»(.)2 النا َع ِمَ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ِ :
ودليل عدم الوجوب :ما رواه أبو داود أن عبادة بن الصامت ﭬ ُأ ْخبِ َر عن
ولَ « :خ ْم ُس ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ رجل يقول الوتر واجبَ ،ف َق َال ُع َبا َد ُة :ك ََذ َبَ ،س ِم ْع ُت َر ُس َ
استِ ْخ َفا ًفا ضـيع منْ ُه ان شـي ًئا ْ
ِ ِ ِ
اهلل َع َلى ا ْلع َبادَ ،ف َم ْن َجا َء بِ ِه ان َل ْم ُي ْ َِ َل َوات َك َت َب ُه ان ُ
ُ
ت بِ ِهن َف َليس َله ِعنْدَ اهللِ َان َله ِعنْدَ اهللِ َعهدٌ َأ ْن يدْ ِخ َله ا ْلاناةَ ،ومن َلم ي ْأ ِ
ا ْ َ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ ُ ْ بِ َحق ِه ان ،ك َ ُ
َع ْهدٌ ،إِ ْن َشا َء َع اذ َب ُهَ ،وإِ ْن َشا َء َأ ْد َخ َل ُه ا ْل َانا َة»(.)3
ات فِي ال َي ْو ِم َوال ال ْي َل ِة»، اإلسالَمَِ ،ف َق َالَ « :خمس ِ َلو ُ
ْ ُ َ َ ِ
وقوله ﷺ لمن سأله َع ِن ْ
ال ،إِ اال َأ ْن َت َط او َع» [متفق عليه](.)4 َف َق َالَ :ه ْل َع َلي َغ ْي ُر َها؟ َق َالَ « :
ا
425
كـتـاب الـصـالة 426
ول اهللِ
الم ْك ُتو َب ِةَ ،و َلكِ ْن َس ان َر ُس ُ ِ وقال َعلِي ﭬِ :
الو ْت ُر َل ْي َس بِ َحت ُْم ك َ
َص َالت ُك ُم َ ٌّ
ِ ()1 ِ ِ ِ ِ
ُ َ َ َ َ ْ
ب الوت َر ،فأ ْوت ُروا َيا أ ْهل الق ْرآن» . ْ ﷺَ ،و َق َال« :إِن َ
اهلل وت ٌر ُيح ُّ ا
فحري بالمسلم المحافظة عليه ،قال اإلمام أحمد« :من ترل الوتر عمدً ا فهو
رجل سوء ،وال ينبغي أن تقبل شهادته»؛ لما ورد فيه من األحاديث الحاثة عليه،
حضـرا
ً فال يرتكها من له رغبة يف الدرجات العالية ،وقد كان رسول اهلل ﷺ ال يرتكه
سفرا ،وكان إذا غلبه نوم أو وجع ولم يقدر على فعله بالليل قضاه يف النهار. وال ً
َ ُّ ُ َ َ ٌ
(وأقله :ركعة) :أقل الوتر ركع ٌة واحدة ،وهذا ثبت عن عشـرة من الصحابة،
منهم :أبو بكر وعمر وعثمان ﭫ ،وهو قول جمهور العلماء ،وهو قول اإلمام
مالك ،والشافعي ،وأحمد.
ويدل له :قوله ﷺ« :ا ْل ِو ْتر ر ْكع ٌة مِن ِ
آخ ِر ال ال ْي ِل»(.)3()2 ُ َ َ ْ
ول اهللِ ﷺ َي ِزيدُ فِي َان َر ُس ُ
َشة) :لقول عائشة ڤَ « :ما ك َ
َ ََ َ ( َُ
وأكرثهُ :إحدى ع
ال فِي َغ ْي ِر ِه َع َلى إِ ْحدَ ى َعشـر َة َر ْك َع ًة» [متفق عليه]( ،)4وهذا أغلب هديه ﷺ. َر َم َض َ
ان َو َ
َان ُي َصلي بِال ال ْي ِل َثال ََث َعشـر َة َر ْك َع ًة»( .)5وله
ويف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ« :ك َ
محمالن:
أحدهما :أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر ،كما يف رواية مسلم عن عائشة ڤ
ث َعشـر َة َر ْك َع ًة بِ َر ْك َعت َِي ا ْل َف ْا ِر»(.)6
َان ُي َصلي َث َال َ قالتَ « :أ ان َر ُس َ
ول اهلل ﷺ ك َ
ثانيهما :أن يحمل على مشـروعية األمرين؛ لحديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت« :ك َ
َان
( )1رواه الرتمذي ( ،)453وأبو داود ( ،)1416وابن ماجه ( ،)1162والنسائي ( ،)1615وأحمد ()1262
من حديث علي ﭬ .وحسنه الرتمذي.
( )2رواه مسلم ( )152من حديث ابن عمر ﭭ.
( )3ينظر :المغني (.)516/2
( )4رواه البخاري ( ،)1141ومسلم ( )136من حديث عائشة ڤ.
( )5رواه البخاري ( ،)1140ومسلم ( )131من حديث عائشة وابن عباس ﭫ.
( )6رواه البخاري ( )1140ومسلم ( )136من حديث عائشة ڤ.
426
427 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
ِ رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ ُي َصلي بِال اليْ ِل َثال ََث َعشـر َة َر ْك َعةًُ ،ث ام ُي َصلي إِ َذا َسم َع الندَ ا َء بِ ُّ
الصبْحِ َ ُ
َر ْك َع َت ْي ِن َخفي َف َت ْين» ،إال أن الهدي الغالب عنه أحد عشـر ركعة.
ِ ()1 ِ
والسنة يف ِفة أداء الوتر :أن يفصل كل ركعتين بسالم ،وأن ال يصل الوتر بما
قبله ،بل ياعله بسالم َو ْحدَ ه؛ لقوله ﷺَِ « :الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى َم ْثنَىَ ،فإِ َذا َخشـي
احدَ ًة ُتوتِ ُر َل ُه َما َقدْ َِ الى»(.)2 َأحدُ ُكم الصبح ِ الى ر ْكع ًة و ِ
َ َ َ َ ُ ُّ ْ َ َ
ول اهلل ﷺ يصلي فِيما بين َأ ْن ي ْفر َغ مِن ِ َالةِ ِ ان َر ُس ُ ولمسلم عن عائشة ڤَ « :ك َ
ْ َ َ َْ َ َ ُ ُ َ
احدَ ُة»(.)3 اء إ ِ َلى ا ْل َفا ِر إِحدَ ى َعشـر َة ر ْكعةً ،يسلم بين ُكل ر ْكع َتي ِن ،ويوتِر بِو ِ ا ْل ِع َش ِ
َ َ ْ َُ ُ َ َ َ ُ َ ُ َْ َ ْ ْ
َ ًْ َُ ُ َ َ ٌ َ َ َ َ َ
ِسدا) :أدنى الكمال يف ِالة حد ي ،وَيوز بِوا ِ ِ الم بس الث ث : ال
(وأدَن الك ِ
م
ووترا ،وله ِفتان مشـروعتان: الليل أن يصلي ثالث ركعات شف ًعا ً
أحدها :أن يصليها بسالمين؛ لقوله ﷺَِ « :الَ ُة ال اليْ ِل َم ْثنَى َم ْثنَىَ ،فإِ َذا َخشـي
احدَ ًة ُتوتِ ُر َل ُه َما َقدْ َِ الى». َأحدُ ُكم الصبح ِ الى ر ْكع ًة و ِ
َ َ َ َ ُ ُّ ْ َ َ
الثانية :أن يسـردها بسالم واحد وتشهد واحد ،فقد روى الحاكم عن َعائِ َش َة
آخ ِر ِه ان»َ ،و َه َذا ِو ْت ُر َأمِ ِير
ث َال يسلم إِ اال فِي ِ ول اهللِ ﷺ يوتِر بِ َث َال ُ َان َر ُس ُ
ڤ َقا َل ْت« :ك َ
َُ ُ ُ ُ
ين ُع َم َر ﭬَ « :و َعنْ ُه َأ َخ َذ ُه َأ ْه ُل ا ْل َم ِدين َِة»(.)4 ِِ
ا ْل ُم ْؤمن َ
وال يشـرع أن يصليها كصالة المغرب ،بتشهدين وسالم واحد ،فقد ورد النهي
سَ ،أ ْو بِ َس ْبعَُ ،و َال َت َش اب ُهوا بِ َص َال ِةثَ ،أ ْوتِ ُروا بِ َخ ْم ُ عنها يف قوله ﷺَ « :ال ُتوتِروا بِ َث َال ُ
ُ
ب»(.)5 ا ْل َم ْغ ِر ِ
421
كـتـاب الـصـالة 428
ُ ُ ِ َ ْ َ َ َ َ َ ُ
وع الفج ِر) :يبدأ وقت الوتر من بعد ِالة ي صالة ِ ال ِعشاءِ وطل ووقته :ما ب(
العشاء إلى طلوع الفار باإلجماع ،نقله ابن المنذر وابن رشد(.)1
ويدل له :قوله ﷺَ « :أ ْوتِ ُروا َق ْب َل َأ ْن ُت ْصبِ ُحوا» [رواه مسلم](.)2
اهلل َأ َمدا ُك ْم ب ِ َص َال ُة ِهي َخ ْي ٌر َل ُك ْم مِ ْن ُح ْم ِر النا َع ِمِ :
الو ْت ُرَ ،ج َع َل ُه ُ
اهلل وقولـه ﷺ« :إِ ان َ
َ
اء إ ِ َلى َأ ْن َي ْط ُل َع ال َف ْا ُر» [رواه أبو داود ،والرتمذي](.)3 الع َش ِ
َل ُكم فِيما بين ِ َال ِة ِ
ْ َ َْ َ َ
ومن طلع عليه الفار ولم يوتر لعذر ،شـرع له قضاؤه ،وله حالتان:
األولى :أن يقضـيه بين طلوع الشمس إلى الزوال وياعله شف ًعا ،وهذا األولى؛
ار ثِنْت َْي
َان إِ َذا َغ َل َب ُه ن َْو ٌمَ ،أ ْو َو َج ٌع َع ْن قِيَا ِم ال ال ْي ِل َِ الى مِ َن الن َاه ِ
لقول عائشة ڤَ « :وك َ
َعشـر َة َر ْك َع ًة» [رواه مسلم](.)4
الثانية :أن يصليه قبل ِالة الفار.
وترا إذا لم يتقصد تأخيره ،وهذا مذهب اإلمام مالك والشافعي
فله أن يصليه ً
وأحمد ،وقد فعله جماعة من الصحابة ،منهم :ابن مسعود ،وابن عمر ،وابن
عباس ،وحذيفة ،وأبو الدرداء ،وعبادة ،وعائشة ،وفضالة بن عبيد ،وغيرهم ﭫ.
قال ابن عبدالرب« :وال يعلم لهؤالء مخالف» ،لكن ال ينبغي ألحد أن يتعمد
ترل الوتر حتى يصبح؛ لقوله ﷺَ « :أ ْوتِ ُروا َق ْب َل َأ ْن ُت ْصبِ ُحوا»(.)5
ل» [رواه
وأفضل أوقات أداء الوتر آخر الليل؛ لقوله ﷺ« :ا ْل ِو ْتر ر ْكع ٌة مِن ِ
آخ ِر ال ال ْي ِ ُ َ َ ْ
مسلم]( ،)6وهو أكثر فعل الرسول ﷺ كما َقا َل ْت َعائِ َش ُة ڤ« :مِ ْن ُكل ال ال ْي ِل َقدْ َأ ْو َت َر
426
429 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
رس ُ ِ
ول اهلل ﷺَ ،فا ْن َت َهى ِو ْت ُر ُه إِ َلى ا
الس َحرِ» [متفق عليه](.)1 َ ُ
اف َأ ْن َالفإذا خاف أنه ال يقوم آخر الليل فليوتر قبل النوم؛ لقوله ﷺَ « :م ْن َخ َ
آخ َر ال ال ْيلَِ ،فإِ ان َِ َال َةآخره َف ْليوتِر ِِ ِ ِ ِ ِ
َي ُقو َم م ْن آخ ِر ال ال ْي ِل َف ْليُوت ْر َأ او َل ُهَ ،و َم ْن َطم َع َأ ْن َي ُقو َم َ ُ ُ ْ
آخ ِر ال ال ْي ِل َم ْش ُهو َدةٌَ ،و َذل ِ َك َأ ْف َض ُل» [رواه مسلم](.)2 ِ
وأوِـى رسول اهلل ﷺ بذلك أبا هريرة ،وأبا الدرداء ،وأبا ذر ﭫ ،وقال أبو
وتِ :ـيا ِم َثالَ َث ِة َأ ايا ُم مِ ْن ُكل ال َأ َد ُع ُه ان َحتاى َأ ُم َ هريرة ﭬَ « :أوِانِي َخلِيلِي بِ َثال ُ
َث َ ْ َ
ِ
الض َحىَ ،و َأ ْن ُأوت َر َق ْب َل َأ ْن َأنَا َم» [متفق عليه] .
()3
َش ْه ُرَ ،و َر ْك َعت َِي ُّ
اج َع ُلوا
والسنة أن تكون آخر ِالة اإلنسان بالليل وترا؛ لقول رسول اهلل ﷺْ « :
آخ َر َِالَتِ ُك ْم بِال ال ْي ِل ِو ْت ًرا»( ،)4فيصلي ما شاء ،ثم يختم بوتر.
ِ
لكن لو أوتر أول الليل ثم قام آخره ،فال يشـرع يف حقه أن يوتر ثانية؛ لقوله ﷺ:
ان فِي َل ْي َل ُة» [رواه أبو داود ،والرتمذي وحسنه](.)5
« َال ِو ْتر ِ
َ
والمستحب يف حقه أن يصلي مثنى مثنى ،وهذا مروي عن جمع من الصحابة:
كأبي بكر ،وعمار ،وسعد ،وابن عباس ،وأبي هريرة ،وعائشة ﭫ ،وهو قول
جملة من فقهاء الحديث :كمالك ،واألوزاعي ،وأحمد ،وأبي ثور ،وقد ورد أن
رسول اهلل ﷺِ« :لى بعد الوتر شف ًعا»( ،)6وهذا يدل على جواز الصالة بعد الوتر،
إال أنه ليس هو الهدي المعروف عن الرسول ﷺ ،لكن لو استيقظ بعد أن أوتر،
422
كـتـاب الـصـالة 430
430
431 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
431
كـتـاب الـصـالة 432
وقال األثرم :كان أبو عبداهلل يرفع يديه يف القنوت إلى ِدره ،واحتج بأن ابن
مسعود رفع يديه يف القنوت إلى ِدره ،وروي ذلك عن عمر وابن عباس(.)1
َ هُ ه ََ بما َش َ َ ُُ َْ ُ َ َ ُ
ورد« :الله هم اه ِدنا فِيمن اء .ومِما قوهل( :وال بأس أن يدع َو يف قنوت ِ ِه
َ ْ َ َه َ َ ََه َْ َ َ َْ ََ َ
وبارك نلا فيِما ، ت يل تو ن ِيم ف ا نلو وت ، ت ياعف ن م ِي ف ا ِن ف واع ، يت هد
َ ُّ َ َ ِ ه ُْ َ َ َ َ ه َ َ ه َ َ َ َ
قَض وال يقَض عليك ،إنه ال ي ِذل أعطيت ،وق ِنا رش ما قضيت ،إنك ت ِ
هُه ه َُ ُ ََ َ َ َ َ َ َ َ َه َ َ َ ْ َ َ
من وايلت ،وال ي ِع ُّز من اعديت ،تباركت ربنا وتعايلت ،اللهم إنا نعوذ
ِنك ،ال َُن ِِص َث َن ً
اء
َ َ ْ ُُ َ َ
فوك مِن عقوبتِك ،وبِك م
َ
ع وب ك، ط
ِ خ
َ َ ْ َ َ
بِرضاك مِن س
ِ ِ
َ َ َ َ َ َ َ َ
فسك»). عليك ،أنت كما أثنيت ىلع ن ِ
الدعاء يف القنوت ليس محصور ًا بدعاء معين ال يتعداه العبد ،فله أن يدعو بما
شاء من خير الدنيا واآلخرة ،لكن ينبغي عليه مراعاة ما ورد يف السنة ،فمن ذلك:
اتول ﷺ كَلِم ُ ما علمه رسول اهلل ﷺ الحسن بن علي ﭬ قالَ :ع ال َمنِي َر ُس ُ
َ
ِ ِ ِِ ِ ِِ ِ ِ
يم ْن َعا َف ْي َتَ ،و َت َو الني ف َ
يم ْن يم ْن َهدَ ْي َتَ ،و َعافني ف َ َأ ُقو ُل ُه ان في ا ْل ِو ْت ِر «ال ال ُه ام ْاهدني ف َ
ضـيت ،إِن َاك َت ْقضـي َو َال ُي ْقضـى َ يما َأ ْع َط ْي َتَ ،وقِنِي شـر َما َق َتو الي َت ،وب ِ ِ ِ
ار ْل لي ف َ ََ َ ْ
ت» [رواه َع َل ْي َكَ ،وإِ ان ُه َال َي ِذ ُّل َم ْن َوا َل ْي َتَ ،و َال َي ِع ُّز َم ْن َعا َد ْي َتَ ،ت َب َارك َ
ْت َر ابنَا َو َت َعا َل ْي َ
أبوداود والرتمذي وحسنه](.)2
آخ ِر ِو ْت ِر ِه« :ال ال ُه ام إِني
ول فِي ِ
َان َي ُق ُ
ول ﷺ ك َ ب ﭬ َأ ان َر ُس َ وع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ
َ
ال مِ ْن ُس ْخطِ َكَ ،وبِ ُم َعا َفاتِ َك مِ ْن ُع ُقو َبتِ َكَ ،و َأ ُعو ُذ بِ َك مِن َْكَ ،ال ُأ ْحصـي َأ ُعو ُذ بِ ِر َض َ
َثنَا ًء َع َل ْي َك َأن َْت ك ََما َأ ْثنَ ْي َت َع َلى َن ْف ِس َك» [رواه األربعة ،وقال الرتمذي حسن غريب](.)3
432
433 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
ف ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ اط ِ
اب ويف مصنف عبدالرزاق َع ْن ُع َب ْي ِد ْب ِن ُع َم ْي ُر َق َال َِ :ال ْي ُت َخ ْل َ
ا ْل َغدَ اةََ ،ف َق َال فِي ُقنُوتِ ِه« :ال ال ُه ام إِناا ن َْست َِعينُ َكَ ،ون َْس َت ْغ ِف ُر َلَ ،و ُن ْثنِي َع َل ْي َك ا ْل َخ ْي َرَ ،و َال
ال نَ ْع ُبدُ َو َل َك ُن َصلي َون َْس ُادُ َ ،وإ ِ َليْ َك َن ْك ُف ُر َلَ ،ون َْخ َل ُع َو َنت ُْر ُل َم ْن َي ْف ُا ُر َل ،ال ال ُه ام إِ اي َ
ن َْس َعى َون َْح ِفدُ َ ،ون َْر ُجو َر ْح َمت ََكَ ،ون َْخشـى َع َذا َب َك ،إِ ان َع َذا َب َك بِا ْل َكافِ ِري َن ُم ْل َح ٌق»(.)1
ه ُ َ ِّ َ ُ
ِب ﷺ). ىلع انله ِّ قوهل( :ثم يصيل
عند ختم دعاء القنوت لما رواه الرتمذي عن عمر ﭬ« :إِ ان الدُّ َعا َء َم ْو ُق ٌ
وف َب ْي َن
ض َال َي ْص َعدُ مِنْ ُه شـي ٌء َحتاى ُت َصل َي َع َلى َنبِي َك ﷺ»( ،)2وهذا عام يشمل السم ِ
اء َواألَ ْر ِ ا َ
القنوت وغيره.
وقد جاءت آثار عن بعض الصحابة يف ِالهتم على رسول ﷺ يف آخر دعائهم،
فاالقتداء هبم حسن ،وختم دعاء القنوت بالصالة على الرسول ﷺ وإن لم يثبت فيه
شـيء مرفوع خاص إال أنه وارد عن بعض الصحابة كما بينه الشـيخ األلباين :يف
إرواء الغليل( ،)3وإن لم يختم به فال بأس .وأما رواية النسائي يف ختم دعاء القنوت
اهلل َع َلى النابِي ُم َح ام ُد»( )4فضعيف ٌة.
بـ َِ « :الى ُ
َ ُ ُ ُ َ ِّ ُ
قوهل( :ويؤم ُن المأموم).
إذا دعا اإلمام فيسن للمأموم التأمين على دعاء إمامه إذا كان يسمعه.
قال ابن قدامة« :ال نعلم فيه خال ًفا».
=
وقال النووي يف خالِة األحكام (« :)563/1رواه الثالثة بإسناد حسن أو ِحيح» .وِححه األلباين يف ِحيح أبي
داود (.)1262
( )1رواه عبدالرزاق يف المصنف ( ،)4266وابن أبي شـيبة يف المصنف (.)106/2
( )2رواه الرتمذي ( )466موقوفًا على عمر ﭬ .قال ابن كثير يف مسند الفاروق (« :)116/1وهذا إسناد
جيد».
( )3إرواء الغليل (.)111/2
( )4ذكرها النسائي يف الماتبى ( )1146من حديث الحسن بن علي ﭭ .وقال ابن حار يف التلخيص الحبير
(« :)605/1منقطع» ،وضعفه األلباين يف اإلرواء (.)431
433
كـتـاب الـصـالة 434
فإذا لم يسمع قنوت إمامه فإنه يشتغل بالدعاء بنفسه ،وال يبقى ساكتًا ،وإليه
ذهب اإلمام أحمد(.)1
َ ه َُ ُ ُه َ َ ُ َ َُ ََ
وخارج الصالة ِ).
ِ ا، نه : ه
ِ ي د قوهل( :ثم يمسح وجهه بِي
مسح الوجه باليدين بعد الدعاء اختلف العلماء يف مشـروعيته:
المذهب :مشروعية ذلك بعد الدعاء يف القنوت وخارج الصالة.
ُ
رسول اهلل واستدلوا بأحاديث إال أهنا ضعيفة ،ومنها :حديث عمر ﭬ« :كان
ِ ِ
ﷺ إذا َر َف َع َيدَ ْيه يف الدُّ َعاء لم َي ُح اط ُه َما حتى َيمسح بِ ِهما َو ْ
ج َه ُه» [رواه الرتمذي ،وضعفه أبو
434
435 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
السابقين ،وال يصح القول بأن أحدهما يقوي اآلخر بماموع طرقهما؛ لشدة
ضعفهما.
ويؤيد عدم مشـروعية المسح بعد الدعاء :أن رفع اليدين يف الدعاء قد جاء يف
أحاديث كثيرة ِحيحة ،وليس يف شـيء منها مسحهما بالوجه ،وهذا يدل على
نكارته وعدم مشـروعيته(.)1
ْ َ ُ َ ُُ ُ ُ
الوت ِر).
ِ ِ ريغ يف وت نالق : هر
ِ وك( : قوهل
اختلف العلماء يف القنوت يف غير الوتر ،هل يشـرع أم ال؟ وسبب الخالف أنه
ثبت يف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قنت يف الفار(.)2
فقيل :القنوت يف الفرائض مشـروع مطل ًقا ،و المداومة عليه سنة يف ِالة
أنس ﭬ قال« :ما ز َال رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ الفار؛ لما روى اإلمام أحمد يف المسند عن ُ
َ َ َ ُ
َي ْقنُ ُت فِي ا ْل َف ْا ِر َحتاى َف َار َق الدُّ ْن َيا»(.)3
القول الثاين :وهو المذهب كراهة القنوت يف الفرائض إال إذا نزلت بالمسلمين
نازلة ،وهذا هو الراجح؛ ألن رسول اهلل ﷺ قنت يف الفرائض لسبب ثم تركه عند
عدم ذلك السبب ،وهذا هو المروي عن رسول اهلل ﷺ عدم القنوت إال يف نازلة،
ك األَ ْش َا ِعي وهو فعل الخلفاء الراشدين ،كما روى الرتمذي وِححه َعن َأبِي مال ِ ُ
َ ْ
ِ ف رس ِ ِ ِ
ول اهلل ﷺ َو َأبِي َب ْك ُر، ﭬ َق َالُ :ق ْل ُت ألَبِيَ :يا َأ َبت« :إِن َاك َقدْ َِ ال ْي َت َخ ْل َ َ ُ
س ِسنِي َنَ ،أكَانُوا اهنَا بِال ُكو َف ِة ن َْح ًوا مِ ْن َخ ْم ِ انَ ،و َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ
بَ ،ه ُ َو ُع َم َرَ ،و ُع ْث َم َ
435
كـتـاب الـصـالة 436
436
437 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
431
كـتـاب الـصـالة 438
ين»(.)1 ِ ِ
الراشد َ
ا
ِ ِ ِ ِ
يم ْن وال يبدأ دعاء قنوت النوازل بقولـه« :ال ال ُه ام ْاهدنَا ف َ
يم ْن َهدَ ْي َت َو َعافنَا ف َ
َعا َفيْ َت»؛ ألن هذا دعاء علمه رسول اهلل ﷺ الحسن بن علي ﭭ يف الوتر ،ولم
يكن هدي رسول اهلل ﷺ الدعاء به يف النوازل ،وكان هديه الدعاء بما يناسب
الحال ،فمرة دعا لقوم من المستضعفين حتى قدموا( ،)2ومرة دعا على قوم من
كامال ،فيدعو حسب النازلة التي تحل بالمسلمين من دفع عدو ،أو
ً شهرا
الكفار ً
فك أسـير ،أو كشف فتنة ،أو فك حصار ،أو هالل باغُ ،أو نصـرة قوم.
واختلف العلماء من الذي يقنت؟ وهل يشـرع إذن اإلمام؟
فالمذهب :أن القنوت يشـرع لإلمام أو نائبه فقط؛ ألن الذي كان يقنت هو
رسول اهلل ﷺ فقط ،ويف هذا نظر.
والراجح :أن قنوت النوازل يشـرع لكل مساجد المسلمين ،بل يشـرع لكل
مص ُل جماعة أو منفر ًدا؛ لعموم قول النبي ﷺَ « :و َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»(.)3
واألظهر :أنه ال يشرتأ إذن اإلمام يف هذا؛ ألنه عبادة ودعاء ال افتيات فيه ،فإذا
حلت النازلة شـرع دعاء اهلل فيها؛ ألنه ال دليل على اشرتاأ إذن اإلمام ،واختاره
شـيخ اإلسالم وابن باز.
لكن لو تقدم منع من السلطان لذلك من باب الضبط فامتثال أمره حسن،
ويدعو يف مواطن الدعاء يف الصالة كالساود والتشهد ،ويحصل المقصود.
436
439 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
ُهُ َ ْ وأفض ُل ه
الر َ َ
ِب :سنة الفج ِر) :ألن رسول اهلل ﷺ كان يتعاهدها أكثر من ِ ت او (
ُ
اهدً ا َع َلى َر ْك َعتَيِ غيرها ،فـَ « :ل ْم َي ُك ِن النابِ ُّي ﷺ َع َلى شـيء مِ َن الن َاوافِ ِل َأ َشدا مِنْ ُه َت َع ُ
ال َف ْا ِر» [متفق عليه](.)5
وهما خير من الدنيا وما فيها ،ففي ِحيح مسلم عنه ﷺ قالَ « :ر ْك َعتَا ا ْل َف ْا ِر
432
كـتـاب الـصـالة 440
440
441 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
الثالث :أنه يشـرع االضطااع بعدهما؛ لحديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت« :ك َ
َان النابِ ُّي
اض َط َا َع َع َلى ِشق ِه األَ ْي َم ِن» [متفق عليه]( ،)1وهو متأكد يف
ﷺ إِ َذا َِ الى َر ْك َعت َِي ال َف ْا ِر ْ
حق من قام الليل ،كما اختاره شـيخ اإلسالم.
اء) :ألنه جاء األمر هبا يف حديث خاص ،ففي المسندَ « :ع ْن المغربُ ،ث هم َس َو ٌ ه َ
(ثم
ِ ِ
ول اهللِ ﷺ َي ْأ ُم ُر بِ َص َال ُة َب ْعدَ َان َر ُس ُ َر ُجلَُ ،ع ْن ُع َب ْي ُد َم ْو َلى النابِي ﷺ َق َالُ :سئِ َلَ :أك َ
ب وا ْل ِع َش ِ ِ ِ ِ
اء»( ،)2لكن سنده ا ْل َم ْك ُتو َبةَ ،أ ْو س َوى ا ْل َم ْكتُو َبة؟ َق َالَ :ن َع ْم َب ْي َن ا ْل َم ْغ ِر ِ َ
ضعيف؛ لاهالة الراوي عن عبيد.
َ ََ َ َ َ َ ََ َ َ ُّ َ َ ه َ ُ َُه َ ُ َ ْ ٌ َ ََ
ان بعد ِ ت كع ور ا. ه عد ب ان
ِ ت كع ور .هرِ الظ بل ق ان
(والروات ِب المؤكدة عَش :ركع ِ
ت
َ َ َ ْ َ ََ َ َ َ َ ََ َ
ان قبل الفج ِر) :المذهب أن السنن ان بعد ال ِعشاءِ .وركعت ِ غر ِب .وركعت ِ الم ِ
ات: الرواتب عشـر؛ لحديث اب ِن ُعمر ﭭ َق َال« :ح ِف ْظ ُت مِن النابِي ﷺ َعشـر ر َكع ُ
َ َ َ َ ََ ْ
ِ ِ ِ الم ْغ ِر ِ
ب في َب ْيتهَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل ال ُّظ ْه ِرَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َهاَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َ
ِ ِ ِ ِ ِِ
الص ْب ِح»(.)3 الع َشاء في َب ْيتهَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل َِالَة ُّ
ول اهللِ وقيل :إهنا اثنتا عشـرة ركعة؛ لحديث ُأم َحبِي َب َة ڤ َقا َل ْتَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ
يض ُة، ولَ « :ما مِ ْن َع ْب ُد ُم ْسلِ ُم ُي َصلي ل ِ ال ِه ُك ال َي ْو ُم ثِنْت َْي َعشـر َة َر ْك َع ًة َت َط ُّو ًعا َغ ْي َر َف ِر َ ﷺ َي ُق ُ
اهلل َل ُه َب ْيتًا فِي ا ْل َان ِاةَ ،أ ْو إِ اال ُبن ِ َي َل ُه َب ْي ٌت فِي ا ْل َان ِاة» [رواه مسلم](.)4 إِ اال َبنَى ُ
وورد تفسـيرها عند الرتمذيَ « :م ْن َِ الى فِي َي ْو ُم َو َل ْي َل ُة ثِنْت َْي َعشـر َة َر ْك َع ًة ُبن ِ َي َل ُه
الم ْغ ِر ِ ِ ِ
بَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن الاناةَ :أ ْر َب ًعا َق ْب َل ال ُّظ ْه ِرَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َهاَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َ
َب ْي ٌت في َ
اءَ ،و َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل َِ َال ِة ا ْل َف ْا ِر َِ َال ِة ا ْل َغدَ ِاة»( .)5وهذا دليل على أهنا اثنتا الع َش ِ
بعدَ ِ
َْ
عشـرة ركعة.
441
كـتـاب الـصـالة 442
ال َيدَ ُع َأ ْر َب ًعا َق ْب َل ال ُّظ ْه ِر، وحديث عائشة ڤ عند البخاريَ « :أ ان النابِي ﷺ ك َ
َان َ
ا
َو َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل ال َغدَ ِاة»(.)1
فمن أخذ بحديث ابن عمر ﭭ قال :الرواتب عشـر ،ومن أخذ بحديث عائشة
وأم حبيبة ڤ قال :هي اثنتا عشـرة.
وكال األمرين ثابت عن رسول اهلل ﷺ ،فكان تارة يصليها عشـرا ،وتارة اثنتي
عشـرة ،واألخذ بالزيادة أولى؛ ألهنا أكمل وأكثر ،وألنه ورد فضل خاص عظيم
مقيد باإلتيان باالثنتي عشـرة ركعة.
ْ اء ه
الر َ ُ َ ُّ َ َ
ض ُ
والوت ِر) :إذا فاتت لعذر كما ثبت عن الرسول ﷺ وال
ِ ِب
ِ ت او (ويسن :ق
يرتكها ليحصل ثواهبا كما فعل رسول اهلل ﷺ لما نام عن ِالة الفار حتى طلعت
الشمس فقضـى الراتبة قبل الصالة ولما شغله الوفد عن راتبة الظهر فقضاها بعد
العصـر.
وكان ﷺ إذا غلبه نوم أو وجع عن ِالة الليل وفيها الوتر قضاها يف النهار.
وإذا ترل الرواتب والوتر حتى ذهب وقتها ،فال يخلو من حالتين:
األولى :أن يكون لتفريط منه وبال عذر ،فال يشـرع قضاؤها؛ ألهنا سنة فات
وقتها.
الثانية :أن تفوته لعذر من نسـيان ،أو نوم ،أو مرض ،أو انشغال ،فيشـرع له
ال َك اف َار َة َل َها إِ اال َذل ِ َك
قضاؤها؛ للعمومات ،مثلَ « :م ْن نَسـي َِالَ ًة َف ْل ُي َصل إِ َذا َذك ََر َهاَ ،
﴿ﭟ ﭠ ﭡ﴾»( ،)2وقد ورد عن رسول اهلل ﷺ قضاؤها(.)3
مسألة :وقضاء الوتر :تقدم أنه على حالتين :بعد طلوع الشمس يصليه شف ًعا
وترا.
وهو األولى ،وقبل ِالة الفار يصليه ً
442
443 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
ول اهللِ ﷺَ « :م ْن نَا َم َع ْن وقد خرج أبو داودَ ،عن َأبِي س ِع ُ
يد ﭬ َق َالَ :ق َال َر ُس ُ َ ْ
ِو ْت ِر ِهَ ،أ ْو نَسـي ُهَ ،ف ْل ُي َصل ِه إِ َذا َذك ََر ُه»(.)1
وأما الرواتب :فيقضـيها ولو يف وقت النهي ،كما فعل رسول اهلل ﷺ لما نام عن
ِالة الفار حتى طلعت الشمس قضـى الراتبة قبل الصالة(.)2
ويف حديث أم سلمة ڤ أن رسول اهلل ﷺ لما ِلى العصـر ِلى بعدها
ركعتين ،فلما قيل له يف ذلك أخرب أنه انشغل بالوفد عنها فلم يصلها ،فقضاها(.)3
فراتبة الفار مثالً إذا فاتت :إن شاء قضاها بعد ارتفاع الشمس وهو أولى؛
لحديثَ « :م ْن َل ْم ُي َصل َر ْك َعت َِي ال َف ْا ِر َف ْل ُي َصل ِه َما َب ْعدَ َما َت ْط ُل ُع ا
الش ْم ُس»(.)4
قال الرتمذي« :وقد روي عن ابن عمر :أنه فعله ،والعمل على هذا عند بعض
أهل العلم ،وبه يقول سفيان الثوري ،وابن المبارل ،والشافعي ،وأحمد،
وإسحاق».
وإن شاء قضاها بعد ِالة الفار مباشـرة ،فتكون من ذوات األسباب.
ول اهلل ويدل له :ما رواه الرتمذي وأعله ،عن قيس بن عمرو ﭬ قالَ :خ َر َج َر ُس ُ
ْصـرف النابِ ُّي ﷺ َف َو َجدَ نِي ُأ َِلي، َ الص َال ُةَ ،ف َص ال ْي ُت َم َع ُه ُّ
الص ْب َحُ ،ث ام ان يمت ا
ﷺ َف ُأقِ ِ
َ
ِ
ول اهلل ،إِني َل ْم َأ ُك ْن َر َك ْع ُت َر ْك َعت َِي ِ
َف َق َالَ « :م ْه ًال َيا َق ْي ُسَ ،أ َِ َال َتان َم ًعا»ُ ،ق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
( )1رواه أبو داود ( ،)1431والرتمذي ( ،)465وأحمد ( )11264من حديث أبي سعيد ﭬِ .ححه
النووي يف خالِة األحكام ( ،)561/1واأللباين يف ِحيح أبي داود (.)1265
( )2سبق تخرياه ص (.)266
( )3سبق تخرياه ص (.)432
( )4رواه الرتمذي ( ،)423وابن خزيمة ( ،)1111وابن حبان ( ،)2412والحاكم ( ،)406/1والبيهقي يف
السنن ( )661/2من حديث أبي هريرة ﭬ.
قال الرتمذي« :هذا حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه ،..وال نعلم أحد ًا روى هذا الحديث عن همام
هبذا اإلسناد نحو هذا إال عمرو ابن عاِم الكالبي».
قال البيهقي« :تفرد به عمرو بن عاِم ،واهلل تعالى أعلم ،وعمرو بن عاِم ثقة» .وِححه األلباين يف
الصحيحة (.)2361
443
كـتـاب الـصـالة 444
ال َف ْا ِرَ ،ق َالَ « :ف َال إِ َذ ْن»( .)1قال الرتمذي« :وقد قال قو ٌم من أهل مكة هبذا الحديث،
بأسا أن يصلي الرجل الركعتين بعد المكتوبة قبل أن تطلع الشمس».لم يروا ً
َْ َ َ ُُ َ َُ َ َ َ َ ه
رض ِه وكرث ،فاألوىل تركه) :ألنه لم ينقل هذا عن النبي ﷺ،
(إال :ما فات مع ف ِ
َ
رسول اهلل ﷺ عد ٌد من الصلوات لم ينقل عنه أنه ِلى معها ففي الخندق لما فات
النوافل ،فيؤخذ منه ذلك أنه إذا كانت الفوائت كثيرة فإنه يرتكها ،ولحصول المشقة
بقضائها.
ُ َ ِّ ُ ُْ
(وف ِعل الُك بِبيت :أفضل) :فاألفضل يف ِالة النوافل والوتر أداء وقضاء
كوهنا يف البيت ،وهذا هديه ﷺ يف الرواتب ،كما نقل ذلك ابن عمر وعائشة
وحفصة ﭫ.
اج َع ُلوا فِي ُبيُوتِ ُك ْم مِ ْن ففي الصحيحين عن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭَ ،ع ِن النابِي ﷺ َق َالْ « :
ال َتت ِ
َِالَتِ ُك ْمَ ،و َ
وها ُق ُب ً
ورا». اخ ُذ َ
الصال َِة ف ِيويف الصحيحين عن زيد بن ثابت ﭬ أن النبي ﷺ قالَ « :ف َع َل ْي ُك ْم بِ ا
الصالَ َة ا ْل َم ْك ُتو َب َة».
ال اُب ُيوتِ ُك ْم َفإِ ان َخ ْي َر َِال َِة ا ْل َم ْر ِء فِي َب ْيتِ ِه إِ ا
الصالَ َة فِي ول اهلل ﷺ« :إِ َذا َقضـى َأ َحدُ ُك ُم ا ولمسلم َع ْن َجابِ ُر َق َالَ :ق َال َر ُس ُ
اع ٌل ف ِي َب ْيتِ ِه مِ ْن َِالَتِ ِه َخ ْي ًرا». ا ِد ِه َف ْلياع ْل لِبيتِ ِه نَصـيبا مِن ِالَتِ ِه َفإِ ان اهلل ج ِ
َ َ ً ْ َ َ ْ َ َْ مس ِ
َ ْ
وِالة النافلة يف البيت فيها فوائد ،منها:
تمام الخشوع واإلخالص والبعد عن الرياء.
وتربية أهل البيت على الصالة وكيفيتها وتنشـيطهم.
وامتثال أمر الرسول ﷺ.
وعمارة البيت بالطاعة.
( )1رواه الرتمذي ( ،)422وأبو داود ( ،)1261وابن ماجه ( ،)1154وأحمد ( )23160من حديث قيس بن
عمرو ﭬ .قال الرتمذي« :وإنما يروى هذا الحديث مرسالً ،...وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل؛ محمد
ابن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس» .وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (.)1151
444
445 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
َ َ ُ ه ُ َ ُّ َ ْ ُ َ َ َ
رض وسنتِ ِه ب ِ ِقيام ،أو لَكم) :إذا ِلى الفريضة فالسنة
(ويسن :الفصل بي الف ِ
أن ال يصلها بنافلة ،ويؤمر أن ياعل بينهما فاِالً ،إما بتغيير المكان ،أو بكالم بعد
ب ْب ِن السائِ ِ
السالم ،وهذا يشمل الذكر والدعاء والقرآن وكالم البشـر؛ لحديث ا
اإل َما ُم ُق ْم ُت فِي َي ِزيدَ قال َِ « :ال ْي ُت م َع معاوية ا ْل ُام َع َة فِي ا ْلم ْق ُصورةَِ ،ف َلما س الم ْ ِ
ا َ َ َ َ ُ َ
َم َقامِيَ ،ف َص ال ْي ُتَ ،ف َل اما َد َخ َل َأ ْر َس َل إِ َل ايَ ،ف َق َالَ :ال َت ُعدْ ل ِ َما َف َع ْل َت ،إِ َذا َِ ال ْي َت ا ْل ُا ُم َع َة
ِ َف َال َت ِص ْلها بِص َال ُة حتاى َت َك الم َأو َت ْخرجَ ،فإِ ان رس َ ِ
وِ َل ول اهلل ﷺ َأ َم َرنَا بِ َذل َكَ ،أ ْن َال ُت َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ
َِ َال ٌة بِ َص َال ُة َحتاى َن َت َك ال َم َأ ْو ن َْخ ُر َج» ،وهذا يف النافلة بعد الفريضة.
()1
وأما النوافل :فله أن يصل بينها من غير فاِل ،إال السالم بين كل نافلتين ،وقد
دل على ذلك قول رسول اهلل ﷺ ،وفعله يف أحاديث ،ومنها:
قول عائشة ڤ«:كان رسول اهلل ﷺ ُي َصلي َأ ْر َب ًعاَ ،فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان
َو ُطول ِ ِه انُ ،ث ام ُي َصلي َأ ْر َب ًعاَ ،فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان َو ُطول ِ ِه ان[ »...متفق عليه](.)2
ْ َ قتها :ما بَ َ ُ َ َ ًَ َ َ َ َ َ ُ هَ ُ ُ
والوت ِر).
ِ ِ ء ا ش ع
ِ ال ي وو .ان ض م ر ِ ب ة كع ر ون َِش ع : اويحوالَّت ( : قوهل
قيام رمضان جماعة سنه رسول اهلل ﷺ ،فقد كان يرغب يف قيام رمضان من غير
احتِ َسا ًباُ ،غ ِف َر َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن ان إِ َ
يمانًا َو ْ أن يأمرهم فيه بعزيمة ،فيقولَ « :م ْن َقا َم َر َم َض َ
َذ ْنبِ ِه» [متفق عليه] ،فتويف رسول اهلل ﷺ واألمر على ذلك ،ثم كان األمر على ذلك يف
خالفة أبي بكر ،وِدرا من خالفة عمر على ذلك(.)3
وقد ِلى رسول اهلل ﷺ ذات ليلة يف المساد ،فصلى بصالته ناس ،ثم ِلى
من القابلة ،فكثر الناس ،ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ،فلم يخرج إليهم
رسول اهلل ﷺ ،فلما أِبح قالَ « :قدْ َر َأ ْي ُت ا ال ِذي َِنَ ْع ُت ْمَ ،و َل ْم َي ْمنَ ْعنِي مِ َن ُ
الخ ُروجِ
445
كـتـاب الـصـالة 446
446
447 ب صالةِ التطوُّعِ
با ُ
441
كـتـاب الـصـالة 448
e َفصْلٌ
F
أفض ُل مِنَ
َ َ ُ هَ َ َ ُ َ ُ ه ُ
خريُ:ار .وانلِّـصـف األ ِ ِ ه انل ِ ة ال ص ِن م ل أفض : يل الل الة وص( : قوهل
َ ه َ ُّ ُ ِ َ َ َ َ
األ هو ِل .واتلهجد :ما اكن بعد انل ِ
وم. ه
هُُ َ َ ُ ُ َ ََ َ ََ ُ َ ُّ َ ُ ه
ِند انله ِ
وم. ي .ون ِيته ع ِ تيف ف خ
ِ ِ ي ت كع بر ه اح تويسن :قِيام الل ِ ْ ِ
تواف . يل
َ ُّ ه َ ُّ ُ َ َ
بركعة). وي ِصح :اتلطوع
هَ َ َ ُ َ ُ ه
ار) :لورود النص بتفضـيلها يف قوله ﷺ: ِ ه انل ِ ة ال ص ِنم ل أفض : يل
(وصالة الل ِ
« َأ ْف َض ُل الص َال ِة بعدَ الص َال ِة ا ْلم ْك ُتوب ِة ،الص َال ُة فِي جو ِ
ف ال ال ْي ِل» [رواه مسلم](.)1 َ ْ ا َ َ ا َْ ا
وألن شواغل القلب بالليل أقل من النهار ،والقلب أحضـر للقراءة والتدبر.
وألهنا أقرب إلى اإلخالص حيث تعمل يف الخفاء بعيدا عن الناس.
وألن يف الليل ساعة التنزل اإللهي.
وألهنا دليل على قوة إيمان ِاحبها وِدقه يف محبة ربه.
ه َ ُ َ َ َ ُ
خري :أفضل مِن األو ِل) :فالليل ليس كله بمنزلة واحدة ،كما ُ (وانلِّـصـف األ ِ
شهدت به النصوص ،فآخره أفضل من أوله ،ولذا قال رسول اهلل ﷺَ « :م ْن َط ِم َع َأ ْن
ض ُل» [رواه آخ ِر ال ال ْي ِل َم ْش ُهو َدةٌَ ،و َذل ِ َك َأ ْف َ
آخر ال اليلَِ ،فإِ ان ِ َال َة ِ
َ
ِ ِ ِ
َي ُقو َم آخ َر ُه َف ْل ُيوت ْر َ ْ
مسلم](.)2
وألن اهلل جل وعال ينزل إلى السماء الدنيا يف الثلث األخير ،كما يف الصحيحين
ول اهللِ ﷺ قالَ « :ين ِْز ُل َر ُّبنَا َت َب َار َل َو َت َعا َلى ُك ال َل ْي َل ُة إِ َلى َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬَ :أ ان َر ُس َ
يب َل ُهَ ،م ْن ول :م ْن َيدْ ُعونِي َف َأست ِ ِ ِ ِ
َا َ ْ الس َماء الدُّ ْن َيا حي َن َي ْب َقى ُث ُل ُث ال ال ْي ِل اآلخ ُر َي ُق ُ َ
ا
446
449 فصـــل
442
كـتـاب الـصـالة 450
450
451 فصـــل
ااس ن ِ َيا ٌم»( .)1وقال اب ال َك َال َمَ ،و َأ ْط َع َم ال اط َعا َمَ ،و َأ َدا َم الصـيا َمَ ،و َِ الى بِال ال ْي ِل َوالن ُ
َأ َط َ
ااس ن ِ َيا ٌم»(.)2 الس َالمَِ ،وإِ ْط َعا ُم ال اط َعامَِ ،و ا
الص َال ُة بِال ال ْي ِل َوالن ُ ات إِ ْف َشا ُء ا ﷺَ « :والدا َر َج ُ
حي َن َق ْب َل ُك ْمَ ،و ُه َوور اغب فيه ،فقال ﷺَ « :ع َلي ُكم بِ ِقيا ِم ال اليلَِ ،فإ ِ انه د َأب الصال ِ ِ
ُ َ ُ ا ْ ْ ْ َ َ َ
اتَ ،و َمن َْها ٌة لِإلِ ْث ِم»( .)3وغيرها كثير. ُقرب ٌة إِ َلى رب ُكم ،وم ْك َفر ٌة لِلسـي َئ ِ
َ ْ َ َ َ َْ
فقيام الليل غبطة ألهله يف الدنيا واآلخرة ،وفيه من السعادة واألنس لمن فتح
عليه فيه ما يفوق الوِف ،وهو شـرف للمؤمن ،وقراءة القرآن يف ِالة الليل
غنيمة للمؤمن.
ومواقف السلف يف هذا تطول حيث كان الصالحون من الصحابة ومن بعدهم
أهل قيام وقرآن.
فيســــــفر عــــــنهم وهــــــم ركــــــوع إذا مـــــا الليـــــل أظلـــــم كابـــــدوه
وأهــــل األمــــن يف الــــدنيا هاــــوع أطــــار الخــــوف نــــومهم فقــــاموا
أنــــــين منــــــه تنفــــــرج الضــــــلوع لهــم تحــت الظــالم وهــم ســاود
علــيهم مــن ســكينتهم خشــــــــــوع وخرس بالنهـار لطـول ِمـــــــــت
قال ابن كثير عن ليل عمر بن الخطاب ﭬ« :كان أحيانًا يصلي بالناس العشاء،
ثم يدخل بيته ،فال يزال يصلي إلى الفار ،وكان يقول لمعاوية بن خديج :لئن نمت
بالنهار ألضـيعن الرعية ولئن نمت بالليل ألضـيعن نفسـي ،فكيف بالنوم مع هذين
يا معاوية».
( )1رواه الرتمذي ( ،)1264وأحمد ( )1336من حديث علي ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث غريب»،
وضعفه العراقي يف تخريج أحاديث اإلحياء ص (.)651
( )2رواه الرتمذي ( ،)3233وأحمد ( )3464من حديث ابن عباس ﭭ (حديث اختصام المأل األعلى).
وِححه البخاري والرتمذي.
( )3رواه الرتمذي ( )3542من حديث أبي أمامة ﭬ .قال الرتمذي« :وهذا أِح من حديث أبي إدريس عن
بالل» .وحسنه العراقي يف تخريج اإلحياء ص ( ،)421واأللباين يف اإلرواء ( .)452قال ابن أبي حاتم يف
العلل ( )242/1عن أبيه« :هو حديث منكر؛ لم يروه غير معاوية».
451
كـتـاب الـصـالة 452
وكان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج إلى الاهاد مع الناس ،فال يتحارسون
لكثرة ِالته وقيامه فكان يكفيهم ،فلما مات دخل بعض أِحابه على أخته فقال:
أخربينا عنه ،فقالت« :قام ليلة فاستفتح قول اهلل ﴿ :ﭤ﴾ ،فأتى على هذه اآلية:
﴿ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭰ﴾ [غافر ،]16 :فما زال يرددها ويبكي حتى أِبح».
وعلي بن بكار اإلمام الرباين المااهد العابد كانت جاريته تفرش له الفراش
ب ِ
بارد ،وواهلل ما علوتك ليلتي» ،فيصلي إلى فيلمسه بيده ويقول« :واهلل إنك ل َطي ٌ
الفار ،وكان يقول« :منذ أربعين سنة ما أحزنني إال طلوع الفار» -فرحمهم اهلل
رحمة واسعة.-
وكانت بعض الصالحات ِاحبة قيام بالليل فقيل لها :إنك ال تنامين ،فبكت
وقالت« :ربما اشتهيت أن أنام فال أقدر عليه ،وكيف يقدر على النوم من ال ينام عنه
هنارا».
ليال وال ً
حافظه ً
وأخبارهم يف الحرص على قيام الليل والتهاد ،ومناجاة رب العالمين ،وتعفير
وجوههم بين يدي اهلل ،وسكب عرباهتم على خدودهم ،وتلذذهم بطول القيام
يطول ذكرها ،نقل بعضها المروزي يف قيام الليل ،ويف كتاب رهبان الليل شـيء
كثير ،فحري بالعبد أن يحرص على القيام ،وأن يااهد نفسه على تحصـيله ،فإن
فتح عليه فهني ًئا له هذه الكرامة من ربه حيث اِطفاه ليكون ممن يناجون رهبم
باألسحار ،فقد قال اهلل فيهم﴿ :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [السادة.]16 :
وليعلم المسلم أن قيام الليل يحتاج إلى مااهدة ومصابرة حتى يناله.
قال ثابت البناين« :جاهدت نفسـي على قيام الليل عشـرين سنة ،وتلذذت به
عشـرين سنة أخرى».
452
453 فصـــل
فليااهد اإلنسان نفسه ،وليقصـر أمله ،وليبادر إلى اغتنام شبابه ونشاطه وفراغه
وعمره ،ولينفض عنه غبار الكسل ،فالعمر قصـير ،وليشمر ليلحق بالصالحين
الذين قال اهلل فيهم﴿ :ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾
[الذاريات .]16-11 :وليتذكر قوله تعالى﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ﴾ [العنكبوت.]62 :
َ ََ َ ُ ُ َ ََ
ي) :يسن افتتاح قيام الليل بركعتين ،يخفف فيهما ي خ ِفيفت ِ (وافتِتاحه بركعت ِ
ول اهللِ ﷺ إ َذا
َان َر ُس ُ والركوع والساو َد؛ لفعل رسول اهلل ﷺ وقوله ،فقد «ك َ َ القراء َة
َقا َم مِ َن ال ال ْي ِل ل ِ ُي َصل َي ا ْف َتت ََح َِ َال َت ُه بِ َر ْك َع َت ْي ِن َخ ِفي َف َت ْي ِن»(.)1
وقال ﷺ« :إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم مِ َن ال ال ْيلَِ ،ف ْل َي ْفتَتِ ْح َِ َال َت ُه بِ َر ْك َع َت ْي ِن َخ ِفي َف َت ْي ِن»(.)2
َ هُُ
وم) :فيسن إذا أراد النوم أن ينوي القيام يف الليل ليعان عليه ِند انله ِ (ون ِيته ع
ويكتب له أجر نيته ،فإن غلبته عيناه فلم يستيقظ أعطاه اهلل أجر القيام؛ لقوله
اهلل َل ُه َأ ْج َر َِ َالتِ ِه، َب ُ ﷺَ « :ما مِ َن ا ْم ِر ُ َت ُك ُ
ون َل ُه َِ َال ٌة بِ َل ْي ُل َف َغ َل َب ُه َع َل ْي َها ن َْو ٌم إِ اال َكت َ
َان ن َْو ُم ُه َِدَ َق ًة َع َل ْي ِه»(.)3
َوك َ
ولقوله ﷺَ « :م ْن َأ َتى فِ َر َاش ُه َو ُه َو َين ِْوي َأ ْن َي ُقو َم ُي َصلي مِ َن ال ال ْي ِل َف َغ َل َب ْت ُه َع ْينَا ُه َحتاى
َان ن َْو ُم ُه َِدَ َق ًة َع َل ْي ِه مِ ْن َرب ِه .)4(» ب َل ُه َما ن ََوىَ ،وك َ ِ
َأ ِْ َب َح ُكت َ
َ ُّ ه َ ُّ ُ َ ْ َ
بركعة) :التطوع بركعة واحدة له حالتان: (وي ِصح :اتلطوع
األولى :أن يكون يف الليل :وهذا الوتر؛ لقوله ﷺ« :ا ْل ِو ْتر ر ْكع ٌة مِن ِ
آخ ِر ْ ُ َ َ
453
كـتـاب الـصـالة 454
ال ال ْي ِل»(.)1
الثانية :وأما يف النهار:
فالمذهب :قالوا :ياوز :واستدلوا :بقوله ﷺَِ « :الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى َم ْثنَىَ ،فإِ َذا
احدَ ًة ُتوتِ ُر َل ُه َما َقدْ َِ الى»( ،)2فدل أن ِالة َخشـي َأحدُ ُكم الصبح ِ الى ر ْكع ًة و ِ
َ َ َ َ ُ ُّ ْ َ َ
النهار بخالف ذلك.
القول الثاين :المنع منه ،وهذا رواية عن اإلمام أحمد نصـرها ابن قدامة يف
المغني ،ورجحها شـيخنا ابن عثيمين.
ألن العبادات توقيفية ،ولم ينقل عنه ﷺ أو الصحابة التطوع بالنهار بركعة ،فلو
جائزا لفعلوه ،ولو فعلوه لنقل ،وكذا النوافل المأمور هبا يف النهار كلها شفع
كان ً
كالضحى ،واالستخارة ،وركعتي الطواف ،وتحية المساد ،والرواتب ،ولو كان
أقل من ذلك ياز لبينته السنة.
وأما قول رسول اهلل ﷺَِ « :الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى َم ْثنَى» ،فاستداللهم بمفهومه على
الاواز فيه نظر؛ ألن المراد به هنا ركعتان ركعتان ،وأما النهار فلك أن تصليها أرب ًعا
مقابال لهذا؛ ألنه لم ينقل عن رسول اهلل ﷺ فعله وال مرة
ً أو ستًا ،وأما اإلفراد فليس
واحدة.
وأيضا هذه داللة مفهوم ،وبرد هذا األمر إلى هدي رسول اهلل ﷺ وأمره نرى
ً
عدم وروده عنه البتة ،فدل على عدم مشـروعيته ال سـيما وأن العبادات توقيفية.
وعليه فاألظهر :المنع من التطوع بركعة يف النهار.
ُ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُ َ ُ
ور :-ن ِصف أج ِر القائ ِِم).ري المعذ ِ
قوهل( :وأجر القا ِع ِد -غ ِ
ياوز أن يصلي النافلة قاعدً ا وهو قادر على القيام ،ونقل النووي اإلجماع على
454
455 فصـــل
ذلك(.)1
ويدل لذلك :فعل رسول اهلل ﷺ كما روى مسلم عن عائشة ڤ قالتَ « :وك َ
َان
َان إِ َذا َق َر َأ َو ُه َو َقائِ ٌم َرك ََع َو َس َادَ َو ُه َو يصلي َلي ًال َط ِو ًيال َقائِما ،و َلي ًال َط ِو ًيال َق ِ
اعدً اَ ،وك َ ً َ ْ ْ ُ َ
اعدٌ .)2(»... اعدً ا ركَع وسادَ و ُهو َق ِ َقائِم ،وإِ َذا َقر َأ َق ِ
َ َ َ َ َ َ َ َ ٌ َ
ف َأ ْج ِر اعدً اَ ،ف َل ُه ن ِ ْص ُ
ويكون له نصف أجر القائم؛ لقوله ﷺ« :ومن ِ الى َق ِ
َ َ ْ َ
ال َقائِ ِم» [رواه البخاري](.)3
لعذر فهي ِحيحة وأجره تام؛ لقول ُ وإن كانت ِالته قاعدً ا ،أو مضطا ًعا
ِ ب َل ُه مِ ْث ُل َما ك َ ِ
يماَان َي ْع َم ُل ُمق ً رسول اهلل ﷺ« :إِ َذا َم ِر َض ال َعبْدُ َ ،أ ْو َسا َف َرُ ،كت َ
يحا»( ،)4وألنه أتى بما يقدر عليه حسب طاقته. ِ
َِح ً
مسألة :وأما التطوع مضطا ًعا مع القدرة على القيام أو القعود.
فذهب الامهور إلى عدم الاواز؛ لعدم النقل فيه ،ورجحه شـيخ اإلسالم،
وقال :التطوع مضطاعا لغير عذر لم ياوزه إال طائفة قليلة من أِحاب الشافعي
وأحمد ،ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه ِلى مضطاعا بال عذر ،ولو كان هذا
مشـروعا لفعلوه(.)5
القول الثاين :جواز ذلك؛ لورود السنة فيه ،ففي البخاريَ « :و َم ْن َِ الى نَائِ ًماَ ،ف َل ُه
اع ِد»( ،)6وهذا لغير عذر.
ف َأج ِر ال َق ِ ِ
ن ْص ُ ْ
كامال وهذا قول الحسن واختيار ابن حزم ،،وابن
وأما المعذور فإن له األجر ً
455
كـتـاب الـصـالة 456
456
457 فصـــل
أيام من كل شهر ،وِالة الضحى ،وبأن ال أنام حتى أوتر» [رواه مسلم]( ،)1والوِـية
للرجل الواحد وِـية لألمة جمي ًعا إال إذا دل الدليل على اختصاِه هبا.
وقد روى مسلم يف ِحيحه َع ْن َأبِي َذ نر ﭬَ ،ع ِن النابِي ﷺ َأ ان ُه َق َالُ « :ي ْصبِ ُح
يح ُة َِدَ َقةٌَ ،و ُك ُّل َت ْح ِميدَ ُة َِدَ َقةٌَ ،و ُك ُّل ِ ِ
َع َلى ُكل ُس َال َمى م ْن َأ َحد ُك ْم َِدَ َقةٌَ ،ف ُك ُّل َت ْسبِ َ
وف َِدَ َقةٌَ ،ون َْه ٌي َع ِن ا ْل ُمنْ َك ِر َِدَ َقةٌ، َتهلِي َل ُة ِدَ َقةٌ ،و ُك ُّل َت ْكبِير ُة ِدَ َق ٌة ،و َأمر بِا ْلمعر ِ
َ ٌْ َ ُْ َ َ َ َ ْ
الض َحى» ،والسالمى هي :العظام ()2
َان َي ْر َك ُع ُه َما مِ َن ُّويا ِز ُ مِن َذل ِ َك ر ْكعت ِ
َ َ ْ َُ ْ
ِ ُ ِ
ا ْزني م ْن َأ ْر َب ِع َر َك َعات في ِ ول اهلل َ :يا ا ْب َن آ َدمَ ،ال ُت ْع ِ
َ والمفاِل ،وقال ﷺَ « :ي ُق ُ ُ
ار َلَ ،أك ِْف َك ِ
آخ َر ُه»(.)3 َأ او ِل ن ََه ِ
اهلل َحتاى َت ْط ُل َع ا ُ ِ
الش ْم ُسُ ،ث ام وقال ﷺَ « :م ْن َِ الى ال َغدَ ا َة في َج َما َعةُ ،ث ام َق َعدَ َي ْذ ُك ُر َ
ول اهللِ ﷺَ « :تا ام ُة َتا ام ُة َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن كَان َْت َل ُه ك ََأ ْج ِر َح اا ُة َو ُع ْم َر ُة»َ ،ق َالَ :ق َال َر ُس ُ
َتا ام ُة» [رواه الرتمذي ،وقال :حسن غريب](.)4
قال النووي« :هذه األحاديث كلها متفق ٌة ال اختالف بينها عند أهل التحقيق،
وحاِلها أن الضحى سن ٌة مؤكد ٌة»(.)5
(غ ًِّبا) :المذهب :أن السنة ِالهتا غبا ،وال يداوم عليها؛ لحديث َأبِي س ِع ُ
يد َ ً
ولَ :ال َيدَ ُع َهاَ ،و َيدَ ُع َها َحتاى َن ُق َ
الض َحى َحتاى َن ُق َ َان رس ُ ِ
ول: ول اهلل ﷺ ُي َصلي ُّ ﭬ« :ك َ َ ُ
451
كـتـاب الـصـالة 458
َال ُي َصل َ
يها» [رواه الرتمذي](.)1
وقيل :إهنا سنة مؤكدة ،وتشـرع مطل ًقا ،والمداومة عليها مطلوب ال سـيما لمن
ليس من أهل الصالة يف الليل ،وهذا رواية عن اإلمام أحمد قال هبا كثير من
األِحاب منهم اآلجري وابن عقيل والماد وابن الاوزي ،واختاره ابن باز وابن
عثيمين وهو األظهر ،ويدل لذلك:
ال َأ َد ُع ُه ان
َث َما يف الصحيحين َعن َأبِي ُهرير َة ﭬ َق َالَ :أوِانِي َخلِيلِي بِ َثال ُ
ْ َ َ َْ ْ
الض َحىَ ،ون َْو ُم َع َلى ِو ْت ُر» ،وقول وتْ َِ « :و ِم َثالَ َث ِة َأ ايا ُم م ْن ُكل َش ْه ُرَ ،و َِالَة ُّ
ِ ِ َحتاى َأ ُم َ
ثَ ،ل ْن َأ َد َع ُه ان َما ِع ْش ُت» فذكرها. َأبِي الدا رد ِاءَ ،ق َالَ « :أوِانِي حبِيبِي ﷺ بِ َث َال ُ
َ ْ َ ْ َ
وحديث أبي ذر ﭬ عند مسلم أن رسول اهلل ﷺ َق َالُ « :ي ْصبِ ُح َع َلى ُكل ُس َال َمى
يح ُة َِدَ َقةٌَ ،و ُك ُّل َت ْح ِميدَ ُة َِدَ َقةٌَ ،و ُك ُّل َت ْهلِي َل ُة َِدَ َقةٌ، ِ
م ْن َأ َحد ُك ْم َِدَ َقةٌَ ،ف ُك ُّل َت ْسبِ َ
ِ
وف َِدَ َقةٌَ ،ون َْه ٌي َع ِن ا ْل ُمنْ َك ِر َِدَ َقةٌَ ،و ُي ْا ِز ُ مِ ْن و ُك ُّل َت ْكبِير ُة ِدَ َقةٌ ،و َأمر بِا ْلمعر ِ
َ ٌْ َ ُْ َ َ َ
الض َحى» ،وغيرها من األحاديث التي تدل على األمر هبا، ان َي ْر َك ُع ُه َما مِ َن ُّ
َذل ِ َك ر ْكع َت ِ
َ َ
وكون رسول اهلل ﷺ لم يداوم عليها ال يدل على عدم سنيتها ومشـروعية المداومة
عليها؛ ألسباب منها أنه قد يرتكها لبيان عدم وجوهبا.
ولكونه يدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشـية أن يداوم الناس عليه فيفرض
عليهم ،وقد ثبت الحث عليها من قولـه ﷺ ،والفعل تتطرق له االحتماالت.
واختار ابن تيمية المداومة عليها لمن لم يقم من الليل وله قاعدة وهي (ما ليس
براتب ال يداوم عليه كالراتب)(.)2
ََ َ ُّ َ
(وأقلها :ركعتان) :أقل حد لصالة الضحى ركعتان ،كما دلت له األدلة حيث
أوِـى أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر ﭫ بركعتي الضحى ،ويف حديث أبي ذر
َان َي ْر َك ُع ُه َما مِ َن ُّ
الض َحى» [رواه مسلم]. ﭬ« :ويا ِز ُ مِن َذل ِ َك ر ْكعت ِ
َ َ ْ َُ ْ
( )1رواه الرتمذي ( ،)411وأحمد ( ،)11155ويف إسناده عطية العويف؛ وهو ضعيف.
( )2اإلنصاف (.)203/4
456
459 فصـــل
َُ َ ََ
وأكرثها :ثمان) :ثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه ِالها: (
الض َحى َأ ْر َب ًعاَ ،و َي ِزيدُ َان رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ ُي َصلي ُّ أرب ًعا :كما قالت عائشة ڤ« :ك َ َ ُ
َما َشا َء ُ
اهلل» [رواه مسلم](.)1
وستًا :كما قال جابر وأنس ﭭ« :إن رسول اهلل ﷺ ِلى الضحى ست
ركعات»(.)2
وثمان ًيا :كما ذكرت أم هانئ ڤَ « :أ ان الناب ِ اي ﷺ َد َخ َل َب ْيت ََها َي ْو َم َفتْحِ َم اكةََ ،ف َص الى
ف مِنْهاَ ،غير َأ انه ك َ ِ ُ ِ
الر ُك َ
وع َان ُيت ُّم ُّ َْ ُ َث َماني َر َك َعاتَ ،ما َر َأ ْي ُت ُه َِ الى َِ َال ًة َق ُّط َأ َخ ا َ
الس ُاو َد» [متفق عليه](.)3
َو ُّ
والمؤلف ذهب إلى أنه ال تشـرع الزيادة على ثماينَ ركعات؛ لحديث أم هانئ
ڤ.
ول اهللِ ﷺ ُي َصلي
َان َر ُس ُ
والصحيح أنه ال حد ألكثرها؛ لقول عائشة ڤ« :ك َ
اهلل» ،ولم تقيده بعدد ،فلو ِلى عشـر ركعات بنيةالض َحى َأ ْر َب ًعاَ ،و َي ِزيدُ َما َشا َء ُ
ُّ
الضحى ِح ،وأما حديث أم هانئ ڤ فليس فيه دليل على التحديد؛ ألن بعض
أهل العلم قال :إن هذه ِالة الفتح ،وليست ِالة الضحى ،فيستحب للقائد إذا
شكرا هلل ،وهذا اختيار ابن كثير(.)4
فتح بلدً ا أن يصلي فيه ثمان ركعات ً
وأيضا اقتصاره على ثمان قضـية عين وليست حصـرا ،وال يمنع من الزيادة،
ً
أرأيت لو لم يصل إال ركعتين هل نقول ال تزيد على ركعتين؟ فهذه مثلها(.)5
452
كـتـاب الـصـالة 460
ال) :وقت ِالة الضحى يبدأ ه َ َ َُ وج َو ْقت انله وو ْق ُتها :مِن ُخ ُ
( َ
يل الزو ِ
ِ ب ق إىل ه، ِ ِ ر
من ارتفاع الشمس قيد رمح ،ويستمر إلى قبيل الزوال هذا كله وقتها ،ويف حديث
الصبْحِ ُ ،ث ام َأ ْقصـر َع ِن عمرو بن عبسة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قالَِ « :ل َِ َال َة ُّ
الشمس حتاى َتر َت ِفعَ ،فإِناها َت ْط ُلع ِحين َت ْط ُلع بين َقرنَي شـي َط ُ ِ
ان، ُ َْ َ ْ ْ َ ُ َ ْ َ الص َالة َحتاى َت ْط ُل َع ا ْ ُ َ ا
ور ٌة َحتاى َي ْست َِق ال الظ ُّل ِ ُِ
َوحينَئذ َي ْس ُادُ َل َها ا ْل ُك اف ُارُ ،ث ام َِل َفإِ ان ا
الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ
الر ْمحِ ُ ،ث ام َأ ْقصـر َع ِن ال اص َال ِةَ ،فإِ ان ِحينَئِ ُذ ُت ْس َا ُر َج َهن ُام»(.)1
بِ ُّ
اشت هد َ َ َ ُُ
احل ُّر) :لما روى مسلم عن زيد بن أرقم ﭬ أن رسول اهلل (وأفضله :إذا
ﷺ قالَ َِ « :ال ُة ْاألَ اوابِي َن ِحي َن َت ْر َم ُض ا ْل ِف َص ُال»( ،)2ومعنى َت ْر َم ُض :أي حين تحرتق
أخفاف الفصال وهي الصغار من أوالد اإلبل من شدة حر الرمل.
ُ َ ُّ َ ه ُ َ ُ
ج ِد).
قوهل( :وتسن :حتِية المس ِ
يسن لداخل المساد أال يالس حتى يصلي ركعتين تحي ًة للمساد ،وقد أمر
رسول اهلل ﷺ هبا ،وهنى عن الالوس قبل فعلها ،وأنكر على من لم يفعلها ،ففي
ادَ َ ،فالَ َي ْالِ ْس َحتاى ُي َصل َي الصحيحين أن النابِي ﷺ قال« :إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُكم المس ِ
ُ َ ْ ا
َر ْك َع َت ْي ِن»(.)3
ِ
ول اهلل ﷺ وع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َالَ :جا َء ُس َل ْي ٌك ا ْل َغ َط َفانِي َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِةَ ،و َر ُس ُ
ُّ َ
بَ ،ف َا َل َسَ ،ف َق َال َل ُهَ « :يا ُس َل ْي ُك ُق ْم َف ْارك َْع َر ْك َع َت ْي ِنَ ،و َت َا او ْز فِ ِ
يه َماُ ،ث ام َق َال :إِ َذا َي ْخ ُط ُ
يه َما» [متفق بَ ،ف ْل َي ْرك َْع َر ْك َع َت ْي ِنَ ،و ْل َيت ََا او ْز فِ ِ َجاء َأ َحدُ ُكم َي ْوم ا ْل ُام َع ِةَ ،و ْ ِ
اإل َما ُم َي ْخ ُط ُ ُ ْ َ َ
عليه](.)4
وذكر المؤلف أن تحية المساد سنة مؤكدة ،وعليه الامهور.
460
461 فصـــل
قال ابن حار« :واتفقت أئمة الفتوى على أن األمر يف ذلك للندب ونقل ابن
بطال عن أهل الظاهر الوجوب ،والذي ِـرح به ابن حزم عدم الوجوب»( ،)1وقال
النووي« :وهي سنة بإجماع المسلمين»(.)2
ومن الصوارف عن الوجوب:
اب الن ِ
ااس َي ْو َم َخ اطى ِر َق َ ما رواه أبو داود عن َع ْب ِداهلل ْب ِن ُبسـر قالَ :جا َء َر ُج ٌل َيت َ
اجلِ ْس َف َقدْ آ َذ ْي َت َوآ َن ْي َت»(،)3 ِ
بَ ،ف َق َال َل ُه النابِ ُّي ﷺْ « :ا ْل ُا ُم َعةَ ،والنابِ ُّي ﷺ َي ْخ ُط ُ
ومعنى آذيت :أي الناس بتخطيك ،وآنيت :أي أخرت المايء وأبطأت ،ولم يأمره
بصالة تحية المساد مع أنه دخل وتخطى الرقاب.
الصال َِة؟ َف َق َال: ِ ِ
وقول رسول اهلل ﷺ لمن قالَ :أ ْخبِ ْرني َما َذا َف َر َض ُ
اهلل َع َل اي م َن ا
الخ ْم َس إِ اال َأ ْن َت اط او َع شـي ًئا» [متفق عليه](.)4
ات َ«الص َلو ِ
ا َ
ومع ذلك فاألورع للمسلم عدم تركها إال لعذر؛ ألمر رسول اهلل ﷺ ،وهنيه عن
الالوس قبل فعلها ،حيث أمر ُس َل ً
يكا بالقيام وأدائها وهو يخطب.
وتحية المساد من ذوات األسباب ،وقد اختلف العلماء يف فعلها أوقات النهي:
فالمذهب حرمة التنفل أوقات النهي إال ما استثناه النص وما سواه يبقى على
التحريم وما استثني كركعتي الطواف ،وسنة الظهر البعدية إذا جمعها مع العصـر،
وإعادة جماعة أقيمت وهو يف المساد ،ومثلها قضاء الفرائض يف أوقات النهي،
وفعل المنذورة فيها لعموم أحاديث النهي ،ومنها:
461
كـتـاب الـصـالة 462
( )1رواه البخاري ( ،)566ومسلم ( )621من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ.
( )2رواه مسلم ( )631من حديث عقبة بن عامر ﭬ.
( )3رواه أبو داود ( ،)1624والرتمذي ( ،)666وأحمد ( ،)16136وابن خزيمة ( ،)2141وابن حبان
( ،)1552والحاكم ( )611/1من حديث جبير بن مطعم ﭬ .قال الرتمذي« :حديث حسن ِحيح»،
وِححه ابن الملقن يف البدر المنير ( ،)212/3واأللباين يف اإلرواء (.)461
( )4رواه مسلم ( )646من حديث أبي ذر ﭬ.
462
463 فصـــل
ُ
وِالة ،وهذا هو الصحيح يف مذهبنا»(.)1
مع أن إعادة الصبح والعصـر يلزم منه كون اإلعادة يف وقت النهي ،وهنال أدلة
عديدة تدل على جواز فعل ذوات األسباب يف أوقات النهي ،وهذا مذهب اإلمام
الشافعي ،ورواية عن أحمد ،ورجحه شـيخ اإلسالم ،وابن القيم ،والنووي،
والسعدي ،وابن باز ،وابن عثيمين.
مسائل تابعة لتحية المساد:
جاهالَ ،و َل ْم يطل ا ْل َف ْصل شـرع له ً األولى :من ترل تحية المساد ناسـيا أو
تداركها؛ لما يف الصحيحين أن س َليكًا ا ْل َغ َط َفانِي جاء يوم ا ْلامع ِة ،ورس ُ ِ
ول اهلل ﷺ َ َ َْ َ ُ ُ َ ََ ُ ُ ْ
يه َما».بَ ،ف َا َل َسَ ،ف َق َال َل ُهَ « :يا ُس َل ْي ُك ُق ْم َف ْارك َْع َر ْك َع َت ْي ِنَ ،و َت َا او ْز فِ ِ
َي ْخ ُط ُ
ويف روايةَ :ف َق َال َل ُهَ « :أ َر َك ْع َت َر ْك َع َت ْي ِن؟ َق َالَ :الَ ،ف َق َالْ :ارك َْع»( .)2فأمره الرسول
ﷺ باإلتيان هبا بعد أن جلس ،واختاره النووي ،والعراقي ،وابن حار ،وترجم له
ابن حبان :أن تحية المساد ال تفوت بالالوس(.)3
الثانية :تحية المساد تشـرع ،ولو تكرر الخروج إذا طال الفصل ،إال إذا كان
االنسان هو ق ّيم المساد وخادمه فال يكررها للمشقة الحاِلة ،وكذا غيره إذا كان
الفاِل قري ًبا عر ًفا ،واختار هذا شـيخ اإلسالم ،وابن مفلح ،وابن الملقن(.)4
الثالثة :إذا دخل المساد ولم ُي ِرد الالوس.
فالراجح :أنه ال يؤمر بتحية المساد؛ ألن األمر إنما هو لمن أراد الالوس،
ادَ َف ْل َي ْرك َْع َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل َأ ْن َي ْالِ َ
س» [متفق حيث قال ﷺ« :إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُكم المس ِ
ُ َ ْ
عليه]( ،)5وهذا مذهب اإلمام مالك ،وأحمد ،وإسحاق ،وروى ابن أبي شـيبة عن ابن
( )1شـرح النووي على مسلم (.)146/5
( )2سبق تخرياه ص (.)460
( )3شـرح مسلم للنووي ( ،)164/6طرح التثريب ( ،)162/3الفتح (.)640/1
( )4اإلعالم ( ،)336/3حاشـية الروض (.)235/2
( )5سبق تخرياه ص (.)460
463
كـتـاب الـصـالة 464
عمر ﭭ أنه كان يمر يف المساد وال يصلي فيه( ،)1وكذا قال زيد بن أسلم ﭬ:
«كان أِحاب رسول اهلل ﷺ يدخلون المساد ثم يخرجون وال يصلون»( ،)2وهذا
قول كثير من العلماء.
اجتِ ِه»( ،)3فأِل وأما رواية أبي داودُ « :ثم لِي ْقعدْ بعدُ إِ ْن َشاءَ ،أو لِي ْذ َه ِ
ب ل َح َ
َ ْ َ ْ ا َ ُ َْ
الحديث متفق عليه ،وهذه الزيادة عند أبي داود قال عنها ابن رجب« :لعلها
مدرجة»(.)4
الرابعة :المساد الذي تشـرع له تحية المساد :ما أعد للصلوات الخمس،
وأما المصلى فال يدخل يف هذا؛ ألن الصحابة ما كانوا يصلوهنا يف مصلى العيد.
ادَ ) و "أل" للتعريف ،وهو يف المساجد المعهودة ،وإال وألنه قال( :المس ِ
َ ْ
لشـرعت يف كل بقعة يراد الصالة هبا؛ ألن األرض كلها مساد ألمة محمد ﷺ؛
ِ ِ ِ
لقوله ﷺَ « :و ُجع َل ْت لي األ َ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً
ورا» [متفق عليه](.)5
ومن أهل العلم من قال :إن مصلى العيد المو َق َ
ف لذلك يأخذ أحكام
المساجد؛ ألن «النبي ﷺ أمر النساء أن يخرجن إلى ِالة العيد ،وأمر الحيض أن
يعتزل َن المصلى» [متفق عليه]( ،)6والمرأة ال تعتزل إال المساد ،أما مصالها يف بيتها،
فال مانع أن تمكث فيه ،وهذا قول له وجاهة يف مصليات األعياد التي أوقفت
وحارت ،وهو قول يف المذهب ،رجحه ابن مفلح ،والمرداوي ،وابن عثيمين.
قال المرداوي« :مصلى العيد :مسادٌ على الصحيح من المذهب»(.)7
464
465 فصـــل
وقال ابن مفلح« :والصحيح أن مصلى العيد مسادٌ ؛ ألنه أعد للصالة
حقيق ًة»(.)1
وقال شـيخنا ابن عثيمين« :مصلى العيد مساد له أحكام المساجد ،وإذا دخله
اإلنسان ال يالس حتى يصلي ركعتين»(.)2
الخامسة :دلت األدلة على أن تحية المساد ال تحصل بأقل من ركعتين،
بأكثر من ركعتين؛ ألنه أتى بالمأمور وأكثر منه ،وقد كان رسول اهلل ﷺ وياز
يصلي الفريضة ،ثم يالس ،وبعضها أرب ًعا وثال ًثا ،وال تكفي ركعة.
ُهُ ُ ُ ُ
الوضوءِ). قوهل( :وسنة
والصالة عقب الوضوء سنة مؤكدة يف أي وقت من ليل أو هنار؛ لقول النبي ﷺ:
ف نَ ْع َل ْي َك َب ْي َن َيدَ اياإل ْسالَمَِ ،فإِني َس ِم ْع ُت َد ا « َيا بِال َُل َحد ْثنِي بِ َأر َجى َعم ُل َع ِم ْل َت ُه فِي ِ
َ ْ
ِ
ورا في َسا َعة َل ْي ُل َأ ْو ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الاناةَ ،ق َالَ :ما َعم ْل ُت َع َم ًال َأ ْر َجى عنْديَ :أني َل ْم َأ َت َط اه ْر َط ُه ً في َ
ب لِي َأ ْن ُأ َِل َي» [متفق عليه](.)3 ِ
ور َما ُكت َ ار ،إِ اال َِ ال ْي ُت ب ِ َذل ِ َك ال ُّط ُه ِ
ن ََه ُ
يه َما َن ْف َس ُه،ث فِ ِ ال ُي َحد ُ وقال ﷺَ « :م ْن َت َو اض َأ ن َْح َو ُو ُضوئِي َه َذاُ ،ث ام َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن َ
اهلل َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه» [متفق عليه]( .)4وقال ﷺَ « :ما مِ ْن ُم ْسلِ ُم َيت ََو اض ُأ َف ُي ْح ِس ُن َغ َف َر ُ
ُو ُضو َء ُهُ ،ث ام َي ُقو ُم َف ُي َصلي َر ْك َع َت ْي ِنُ ،م ْقبِ ٌل َع َل ْي ِه َما بِ َق ْلبِ ِه َو َو ْج ِه ِه ،إِ اال َو َج َب ْت َل ُه ا ْل َانا ُة»
[رواه مسلم](.)5
مسألة :وسنة الوضوء من ذوات األسباب التي تصلى يف أوقات النهي إذا كان
بالل ﭬَ « :ما َع ِم ْل ُت َع َم ًال َأ ْر َجى ِعن ِْديَ :أني َل ْم َأ َت َط اه ْر ُ محاف ًظا عليها؛ لقول
ب لِي َأ ْن ُأ َِل َي» ،وهو ِ ار ،إِ اال َِ ال ْي ُت بِ َذل ِ َك ال ُّط ُه ِ
ور َما ُكت َ ورا ،فِي َسا َع ِة َل ْي ُل َأ ْو ن ََه ُ
َط ُه ً
( )1الفروع (.)263/1
( )2الممتع (.)154/5
( )3رواه البخاري ( ،)1142ومسلم ( )2456من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )4رواه البخاري ( ،)164ومسلم ( )226من حديث عثمان بن عفان ﭬ.
( )5رواه مسلم ( )234من حديث عقبة بن عامر ﭬ.
465
كـتـاب الـصـالة 466
466
467 فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ
ذكر أحكام ساود التالوة والشكر وأدخلها يف ِالة التطوع؛ ألنه يأخذ
حكمها.
ُ َ َ َ ْ الوة َِ ،م َع ق َ ُ َ ُّ ُ ُ ُ
ود اتلِّ َ ُ
ئ والمست ِم ِع). ار
ِ ِ للق ، ل
ِ ص الف َِص
ِ جس : ن س وي( : قوهل
ساود التالوة سنة مؤكدة وهو مذهب اإلمام أحمد والشافعي ومالك يف
رواية.
ول اهللِ ﷺ فِي( :إِ َذا فقد روى مسلم َع ْن َأبِي ُهر ْير َة ﭬ َق َال« :س َادْ نَا م َع رس ِ
َ َ ُ َ َ َ
اس ِم َرب َك)». الس َما ُء ان َْش اق ْت) ،و( :ا ْق َر ْأ بِ ْا
ِ
الس ُاودَ ،و َقدْ َر َأ ْي ُت ِ ِ َو َع ْن ا ْب ِن َع اب ُ
اس ﭭ َق َال(« :ص) َل ْي َس ْت م ْن َع َزائ ِم ُّ
يها» [رواه البخاري]. ِ رس َ ِ
ول اهلل ﷺ َي ْس ُادُ ف َ َ ُ
َو َعنْ ُهَ « :أ ان النابِ اي ﷺ َس َادَ بِالن ْاا ِم» [رواه البخاري].
وِارف األمر عن الوجوب ثبوت تركه من رسول اهلل ﷺ أحيانًا ،ففي
ت َع َلى النابِي ﷺ َوالن ْاا ِم َف َل ْم َي ْس ُادْ ت ﭬ َق َالَ « :ق َر ْأ ُ الصحيحين َعن َزي ِد ب ِن َثابِ ُ
ْ ْ ْ
يها»(.)1 ِ
ف َ
ور ِة ِ ِ
الا ُم َعة َع َلى المنْ َب ِر بِ ُس َاب ﭬ َق َر َأ َي ْو َم ُ الخ اط ِوروى البخاري أن ُع َم َر ْب ِن َ
ِ
ااسَ ،حتاى إِ َذا كَانَت ُ
الا ُم َع ُة الس ْادَ َة ن ََز َلَ ،ف َس َادَ َو َس َادَ الن ُ الن ْاح ِل َحتاى إِ َذا َجا َء ا
ودَ ،ف َم ْن َس َادَ ال َقابِ َل ُة َقر َأ بِها حتاى إِ َذا جاء السادَ َة َق َال« :يا َأيها النااس إِناا َنمر بِالسا ِ
ُ ُّ ُّ ُ ُ َ ُّ َ َ َ ا ْ َ َ َ
ابَ ،و َم ْن َل ْم َي ْس ُادْ َفالَ إِ ْث َم َع َل ْي ِهَ ،و َل ْم َي ْس ُادْ ُع َم ُر ﭬ». َف َقدْ َأ َِ َ
461
كـتـاب الـصـالة 468
466
469 فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ
ت الس ْادَ ُة َع َلى َم َن َج َل َس َل َهاَ ،فإِ ْن َم َر ْر َ اس ﭭ َق َال« :إِن َاما ا وع ِن ا ْب ِن َع اب ُ َ
َف َس َادُ وا َف َل ْي َس َع َل ْي َك ُس ُاو ٌد»(.)2()1
َ ُ ََُ ََ َ ُ ُ
َب لها. قوهل( :وهو :اكنلهاف ِل ِة فِيِما يعت
َ ُّ َ َ َ ُ ُ َ ِّ َب إذا َس َج َد بال تَكب َ ُ َ
ك ِّ ُ
إحرام ،وإذا َرفع ،وَيلِس ويسل ُم بِال تشهد. رية ِ َ
ِ ِ ي
َ ْ ً ََ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ
ري إما ِم ِه ،عمدا :بطلت صالته. فس ِه ،أو ل ِ ِقراءة ِ غ وإن سجد المأموم ل ِ ِقراءة ِ ن ِ
ََ َ ُ َََ َ ْ ً َِ ْ َ َُ َ ُ َ ُ ََُ
لزم المأموم متابعة إما ِم ِه يف صالة ِ اجله ِر .فلو ترك متابعته عمدا: وي
َ
بطلت.
ُ َ َ ْ ُ ُ َ َ ً ُ ُ ُ َ َ ُ ََُ َ ُ
ئ يصلح إماما للمست ِم ِع .فال يسجد إن لم يسجد ،وال ِ ار
ِ الق ون ويعتَب :ك
َ َ ُ ُ ِّ َ َ ََ ُه َُ
. ه
ِ ِ نيمِ ي و ل خ ع م ِ ه ار
ِ س ي ن ع وال ، ه قدام
ُ َ ِّ َ ُ ِّ ٍّ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ ٌُ
وال يسجد رجل ِتل ِالوة ِ امرأة وخنَث .ويسجد ِتل ِالوة ِ أيم ،وزمِن ،وممزي).
َ ُ ََُ ََ َ ُ
َب لها) :المذهب :أن ساود التالوة كصالة النافلة (وهو :اكنلهاف ِل ِة فِيِما يعت
يعترب له من الشـروأ ما يعترب لها من الطهارة ،وسرت العورة ،واستقبال القبلة،
والنية ،وبه قال جمهور العلماء ،وقالوا :هو داخل يف قوله ﷺَ « :ال ُت ْق َب ُل َِ َال ٌة بِ َغ ْي ِر
ور» [رواه مسلم](.)3 ُط ُه ُ
القول الثاين :أنه ليس ِالة ،وال يشرتأ له شـروطها.
وهو األقرب ،وبه قال كثير من السلف ،حكاه عنهم ابن بطال ،وهو مروي عن
عثمان ،وابن عمر ،وابن المسـيب ،وأبي عبدالرحمن السلمي( ،)4ورجحه ابن
حزم ،وابن تيمية ،وابن القيم ،والصنعاين ،والشوكاين ،وابن باز ،وابن عثيمين ،وهو
ظاهر ِنيع البخاري ،وحا ُة هذا:
=
«والطريقان ِحيحان».
( )1رواه عبدالرزاق يف المصنف ( ،)344/3وابن أبي شـيبة يف المصنف (.)361/1
( )2المغني ( ،)361/2الفتح (.)556/2
( )3سبق تخرياه ص (.)214
( )4المغني ( ،)356/2تحفة األحوذي (.)212/3
462
كـتـاب الـصـالة 470
ً
أوال :أنه ال يوجد دليل ِـريح على اشرتاأ الطهارة واستقبال القبلة فيه.
ثان ًيا :أنه ال يقاس بالصالة؛ لوجود الفارق ،وال ينطبق عليه تعريفها.
ثال ًثا :أن رسول اهلل ﷺ ساد ،وساد معه من حضـره لما قرأ االنشقاق
والنام ،ولم ينقل أنه ﷺ أمرهم بالوضوء أو نبه عليه ،فلو كانت الطهارة واجبة
ألمرهم هبا مسب ًقا ،أو سألهم بعد الفراغ من الساود ليبين لهم وجوهبا ،ولم يقع
ذلك منه ﷺ.
وأيضا كان رسول اهلل ﷺ يساد يف الماامع العامة ،ومع ذلك لم يكن يأمرهم
ً
بالطهارة كالصالة ،فدل على عدم اشرتاأ ذلك لصحتها.
وال ريب أن كونه على طهارة أفضل؛ ألنه ذكر ،وكذا توجهه إلى القبلة أولى(.)1
ََ َب إذا َس َج َد بال تَكب َ ُ َ
ك ِّ ُ
إحرام ،وإذا َرفع) :التكبير يف ساود التالوة ال
رية ِ َ
ِ ِ (ي
يخلو من حالتين:
األولى :أن يكون داخل الصالة :فيكرب عند الخفض والرفع باتفاق األئمة
َان ُي َصلي َل ُه ْم َف ُي َكب ُر ُك ال َما َخ َف َضَ ،و َر َف َع،
األربعة؛ لعموم حديث أبي ُه َر ْي َر َة ﭬ« :ك َ
ول اهللِ ﷺ» [متفق عليه](.)2 و َق َالَ :واهللِ إِني َأل َ ْش َب ُه ُكم َِ َال ًة بِرس ِ
َ ُ ْ
الثانية :أن يكون خارج الصالة :فالمذهب ،أنه يكرب عند الخفض والرفع
أيضًا(.)3
ول اهللِ ﷺ َي ْق َر ُأ واستدلوا :بما رواه أبو داود َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭬ َق َال« :ك َ
َان َر ُس ُ
الس ْادَ ِة َك اب َرَ ،و َس َادَ َ ،و َس َادْ نَا َم َع ُه»(.)4
آنَ ،فإِ َذا َم ار بِ ا
َع َل ْينَا ا ْل ُق ْر َ
410
471 فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ
ُ َ ِّ َ ُ
(وَيلِس ويسل ُم) :فالمذهب يرون مشـروعية السالم بعد ساود التالوة
كصالة النافلة.
واألقرب :عدم مشـروعية السالم؛ ألنه لم ينقل عن رسول اهلل ﷺ أنه كان يسلم
لساود التالوة.
َ ُّ
(بِال تشهد) :فال يشـرع التشهد بعد الرفع من ساود التالوة؛ لعدم وروده عن
رسول اهلل ﷺ ،وال تحريم فيها فال تشهد.
َ ْ ً ََ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ
ري إما ِم ِه ،عمدا :بطلت فس ِه ،أو ل ِ ِقراءة ِ غ ِ
اءة ِ ن ِ(وإن سجد المأموم ل ِ ِقر
َ ُ
صالته) :المأموم ال ياوز له أن يساد ساود التالوة لقراءة نفسه ،أو قراءة غير
ناس َب َط َل ْت َِ َالته؛ ُ إمامه ،فإن ساد المأموم أثناء الصالة لقراءته متعمدً ا غير
اإل َما ُم لِيُ ْؤ َت ام بِ ِهَ ،فالَ َت ْختَلِ ُفوا
لمخالفته إمامه ،ومسابقته له ،وقد قال ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ِ
َ
َع َل ْيه» [متفق عليه]( ،)1وإن ساد ناس ًيا رجع للمتابعة وِحت ِالته.
َ َ ُ َََ َ ْ ً َْ َ َُ َ ُ َ ُ ََُ
اجله ِر .فلو ت َرك متابعته عمدا: لزم المأموم متابعة إما ِم ِه يف صالة ِ (وي
َ
بطلت) :إذا ساد اإلمام للتالوة يف الصالة الاهرية لزم المأموم متابعته ،وإن
تخلف حرم وبطلت ِالته.
وأما يف الصالة السـرية :فالمذهب أن المأموم مخير بين متابعته وعدمها؛ ألنه
ال يسن لإلمام قراءة آية فيها سادة يف السـرية.
واختار ابن قدامة أنه يلزم المأموم متابعة اإلمام يف الساود مطل ًقا ،حتى يف
اإل َما ُم لِيُ ْؤ َت ام بِ ِهَ ،فالَ َت ْختَلِ ُفوا
السـرية؛ لعموم قول رسول اهلل ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ِ
َ
=
مقال ،ورواه بنحوه الحاكم من رواية أخيه عبيد اهلل المتفق على عدالته ،وقال ِحيح على شـرأ
الشـيخين» .فخالفه أخوه الثقة ولم يذكر التكبير.
( )1رواه البخاري ( ،)122ومسلم ( )414من حديث أبي هريرة ﭬ.
411
كـتـاب الـصـالة 472
412
473 فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ
413
كـتـاب الـصـالة 474
ْ َ َ َ َ
اع انلِّقم .وإن سجد هل -
َ َ
عم ،وان ِدف ِ َ َ َ ُّ ِّ ُ َ ُّ ُ ُ ُ ُّ ْ ُ
قوهل( :ويسن :سجود الشك ِر عِند جتد ِد انل ِ
جو ِد اتلِّ َ َ ُُ َ ُ ُ َُُ َ ً
الوة ِ). وصفته ،وأحاكمه :كس بطلتِ . اعل ِما ذاك ًِرا -يف صالة:
ِّ َ َ
عم ،وان ِدف ِ ِّ َ َ َ ُّ ُ َ ُّ ُ ُ ُ ُّ ْ
اع انلقم) :لثبوته عنه ﷺ (ويسن :سجود الشك ِر عِند جتد ِد انل ِ
والصحابة ﭫ.
[رواه أبو داود، اجدً ا َشاكِ ًرا ل ِ ال ِه»
سـرورَ ،أ ْو ُبشـر بِ ِه َخر س ِ
ا َ ُ فقد كان ﷺ« :إِ َذا َجا َء ُه َأ ْم ُر
والرتمذي وقال حسن غريب](.)1
ول اهلل ﷺ بإسالم همدانَ ،ف َق َر َأ كِتَا َب ُه َك اب َر َجال ِ ًساُ ،ث ام ولما كتب علي إِ َلى رس ِ
َ ُ ٌ
ِ ِ َ ِ ْ ُ َ َ
ِ َ ً َ َ َس َادَ َ ،ف َق َال « :ا
الس َال ُم َعلى َه ْمدَ ان» ث َالثا ،ف َتتَا َب َع أ ْهل ال َي َمن َعلى اإل ْس َالم» .
()2
( )1رواه أبو داود ( ،)2114والرتمذي ( )1516من حديث أبي بكرة ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث حسن
غريب ،ال نعرفه إال من هذا الوجه من حديث بكار بن عبدالعزيز ،وبكار مقارب الحديث» .وحسنه األلباين
يف اإلرواء (.)414
( )2رواه البيهقي يف السنن ( )516/2من حديث الرباء بن عازب ﭭ .قال البيهقي يف معرفة السنن واآلثار
(« :)311/3هذا إسناد ِحيح ،قد أخرج البخاري ِدر الحديث ،ولم يسقه بتمامه ،وساود الشكر يف
تمام الحديث ِحيح على شـرطه» .وِححه النووي يف خالِة األحكام ( ،)626/2واأللباين يف اإلرواء
(.)222/2
( )3رواه البخاري ( ،)4416ومسلم ( )2162من حديث كعب بن مالك ﭬ.
414
475 ت النَّهيِ
فصلٌ يف أوقا ِ
e ت النَّهيِ
َفصْ ٌل يف أوقَا ِ
F
ذكر يف هذا الفصل األوقات التي ُنهي عن الصالة فيها ،وبعض األحكام
المتعلقة هبا ،ثم ذكر الصلوات التي يرخص يف أدائها يف هذه األوقات.
واألِل أن ِالة التطوع مشـروعة يف كل وقت:
لعموم قولـه تعالى﴿ :ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحـج.]11 :
ود ل ِ ال ِهَ ،فإِن َاك َال
ولحديث ثوبان ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قالَ « :ع َلي َك بِ َك ْثر ِة السا ِ
َ ُّ ُ ْ
اهلل بِ َها َد َر َجةًَ ،و َح اط َعن َْك بِ َها َخطِي َئ ًة» [رواه مسلم](.)1 ِ ِ
َت ْس ُادُ ل اله َس ْادَ ةً ،إِ اال َر َف َع َك ُ
اود» [رواه
وقوله ﷺ لربيعة بن كعب ﭬَ « :ف َأ ِعني َع َلى َن ْف ِس َك بِ َك ْثر ِة الس ِ
ُّ ُ َ
مسلم](.)2
وسفرا إال يف أوقات النهي. ً وهنارا حضـرا ً ليال
فاألِل مشـروعيتها ً
ْ ه َ َ ُ
ْ َ َ
اع الشم ِس قِيد ُرمح .ومِن صالة ِ وع الف ْج ِر ،إىل ارت ِف ِ ويه :مِن ُطل ِ قوهلَ ِ ( :
َ َ َ َ ه َُ َ ه ْ ُ ُ َ ْ
وب الشم ِس .وعِند قِيامِها ،حَت تزول). َص ،إىل غر ِ ِ الع
َ ْ ه َ ْ َ ُ ُ
اع الشم ِس قِيد ُرمح) :هذا الوقت األول؛ لقوله وع الفج ِر ،إىل ارت ِف ِ (مِن طل ِ
ِ الص ْبحِ َحتاى َت ْر َت ِف َع ا
ال َِالَ َة َب ْعدَ ال َعصـر َحتاى َتغ َ
يب الش ْم ُسَ ،و َ ال َِالَ َة َب ْعدَ ُّ ﷺَ « :
الش ْم ُس» [متفق عليه](.)3ا
ِ
الص ْبحِ َحتاى
الصالَة َب ْعدَ ُّ ويف الصحيحين عن عمر ﭬَ « :أ ان النابِ اي ﷺ ن ََهى َع ِن ا
415
كـتـاب الـصـالة 476
416
477 ت النَّهيِ
فصلٌ يف أوقا ِ
مسلم]( ،)2ويقدر الوقت من طلوعها إلى ارتفاعها (ما بين عشـر إلى خمس عشـرة
دقيقة تقري ًبا).
ْ ه ُ ُ َ ْ ْ َ
وب الشم ِس) :هذا الوقت الثاين؛ لما يف َص ،إىل غر ِ (ومِن صالة ِ الع ِ
ِ
الص ْبحِ َحتاى الصحيحين عن عمر ﭬ قالَ « :أ ان النابِ اي ﷺ ن ََهى َع ِن ا
الصالَة َب ْعدَ ُّ
الش ْم ُسَ ،و َب ْعدَ ال َعصـر َحتاى َت ْغ ُر َب» ،وحديث عمرو بن عبسة ﭬ عند شـرق ا َت َ
ور ٌة َحتاى ُت َصل َي ا ْل َعصـر، مسلمَ « :فإِ َذا َأ ْق َب َل ا ْل َف ْي ُء َف َصلَ ،فإِ ان ا
الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ
انَ ،و ِحينَئِ ُذ
الشمسَ ،فإِناها َت ْغرب بين َقرنَي شـي َط ُ
َ ُ ُ َْ َ ْ ْ
ِ
الص َالة َحتاى َت ْغ ُر َب ا ْ ُ ُث ام َأ ْقصـر َع ِن ا
َي ْس ُادُ َل َها ا ْل ُك اف ُار» ،وكذا حديث أبي سعيد ،وعقبة ابن عامر ﭭ وتقدما.
َ َ َ َ ه َ َ
(وعِند قِيامِها ،حَت ت ُزول) :هذا الوقت الثالث ،وهو من قيام الشمس يف كبد
السماء حتى تزول .وقد ثبتت األدلة يف النهي عن الصالة يف هذا الوقت:
كحديث ُع ْق َب َة ْب ِن َعامِ ُر ﭬ قال :وفيهَ « :و ِحي َن َي ُقو ُم َقائِ ُم ال اظ ِه َير ِة َحتاى َت ِم َيل
الش ْم ُس» [رواه مسلم](.)3 ا
الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ
ور ٌة ثم َِلَ ،فإِ ان ا وحديث عمرو بن عبسة ﭬ ،وفيه « :ا
الص َالةَِ ،فإِ ان ِحينَئِ ُذ ُت ْس َا ُر َج َهن ُامَ ،فإِ َذا َأ ْق َب َل ِ
َحتاى َي ْستَق ال الظ ُّل بِ ُّ
الر ْمحِ ُ ،ث ام َأ ْقصـر َع ِن ا
411
كـتـاب الـصـالة 478
416
479 ت النَّهيِ
فصلٌ يف أوقا ِ
412
كـتـاب الـصـالة 480
َ َََ ُ ه ُّ ْ ُه َ ْ َ ََ َ ََ ه
وركعيت الط َو ِ
اف .وسن ِة الظه ِر إذا مجع .وإاعدة ِ ى :سن ِة الفج ِر قبلها.
ُ قوهلِ ( :س َو
َ ُ َ ََ َ
ج ِد.مجاعة أق َِيمت وهو بالمس ِ
َ ََ ُْ َ ُ َ ُ َ َ ُ
ورة ِ ،ولو نذ َرها فِيها).
نذ َ اء الف َرائ ِض .وف ِعل الم وَيُوز فِيها :قض
المذهب حرمة التنفل أوقات النهي إال ما استثناه النص وما سواه يبقى على
التحريم والذي استثني كركعتي الطواف ،وسنة الظهر البعدية إذا جمعها مع
العصـر ،وإعادة جماعة أقيمت وهو يف المساد ،ومثلها قضاء الفرائض يف أوقات
النهي ،وفعل المنذورة.
فالتطوع بغير ما ذكر يف األوقات الخمسة نوعان:
األول :ما ال سبب له وهو التطوع المطلق فالمذهب أنه ال ياوز ولو ِالها لم
تصح ولو كان جاهالً للوقت والتحريم ألهنا وقعت يف غير محلها والنهي يقتضي
الفساد.
والثاين :ماله سبب كتحية المساد وقضاء الرواتب ،ففي المذهب روايتان:
أحدها :أنه ال ياوز وال يرخص إال فيما جاء فيه نص وهي المذكورات السابقة
وهي المذهب وعليها أكثر األِحاب.
والثانية :ياوز فعلها لوجود سبب ،واختارها أبو الخطاب وشيخ اإلسالم
واألظهر :إلحاق كل ما له سبب من الصلوات فياوز فعلها يف أوقات النهي،
وهو إحدى الروايتين عن أحمد ،ومذهب الشافعي ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وابن
القيم ،والنووي ،والسعدي ،وابن باز ،وابن عثيمين()1؛ لداللة أحاديث خاِة،
منها:
ول اهللَِ ،ف ُأقِيم ِ
ت ما رواه الرتمذي عن قيس بن عمرو ﭬ قالَ « :خ َر َج َر ُس ُ
َ
=
وبأن األكثر من الرواة عن حماد لم يذكروا فيه الزيادة ،فهي شاذة».
( )1الفتاوى ( ،)210/23شـرح مسلم للنووي ( ،)356/6فتح الباري البن حار ( ،)52/2المختارات الالية
للسعدي ص (.)51
460
481 ت النَّهيِ
فصلٌ يف أوقا ِ
ْصـرف النابِ ُّي ﷺ َف َو َجدَ نِي ُأ َِليَ ،ف َق َالَ « :م ْه ًال َيا
َ الص َال ُةَ ،ف َص ال ْي ُت َم َع ُه ُّ
الص ْب َحُ ،ث ام ان ا
ول اهللِ ،إِني َل ْم َأ ُك ْن َر َك ْع ُت َر ْك َعت َِي ال َف ْا ِرَ ،ق َال:
ان َم ًعا» ُق ْل ُتَ :يا َر ُس ََقيسَ ،أِ َال َت ِ
َ ْ ُ
« َف َال إِ َذ ْن»( .)1فهو قضاها بعد الفار مع أنه وقت هني ،لكن لما كانت ذات سبب لم
ينهه.
وروى أبو داود ،والرتمذي وِححه َع ْن ُج َب ْي ِر ْب ِن ُم ْط ِع ُم ﭬ أن النابِ اي ﷺ قال:
ت َو ُي َصلي َأ اي َسا َع ُة َشا َء مِ ْن َل ْي ُل
وف بِه َذا ا ْلبي ِ
َْ
ُ ِ ِ
« َيا َبني َع ْبد َمنَافَ ،ال َت ْمنَ ُعوا َأ َحدً ا َي ُط ُ َ
ار»(.)2َأ ْو ن ََه ُ
ويف حديث أم سلمة ڤ أن رسول اهلل ﷺ لما شغله الوفد عن السنة بعد الظهر
قضاها بعد العصـر مع أنه وقت هني.
ف َأن َْت إِ َذا كَان َْتول اهللَِ :ك ْي َ وروى مسلم َع ْن َأبِي َذ نر ﭬ َق َالَ « :ق َال لِي َر ُس ُ
الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟َ ،ق َال:
ون ا الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ َ -أ ْوُ -ي ِمي ُت َ ون ا َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ
الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َهاَ ،فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها َم َع ُه ْمَ ،ف َصلَ ،فإِن َاها َل َك ِ
تَ :ف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َالَِ :ل ا ُق ْل ُ
نَافِ َل ٌة»(.)3
وهذا عام حتى يف العصـر والفار ،ورسول اهلل ﷺ قاله حتى يف شأن ِالة
الفار.
ويف الصحيحين عن أبي قتادة ﭬ أن النبي ﷺ قال« :إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُك ُم
ادَ َ ،فالَ َي ْالِ ْس َحتاى ُي َصل َي َر ْك َع َت ْي ِن»( ،)4وهذا عام يف جميع األوقات ،وهبذا
المس ِ
َ ْ
القول يحصل التوفيق بين األدلة.
وخالف يف ذلك كثير من العلماء ،وقالوا :ال يصلي يف أوقات النهي ال ذوات
461
كـتـاب الـصـالة 482
462
483 ت النَّهيِ
فصلٌ يف أوقا ِ
463
كـتـاب الـصـالة 484
َ ُ َ َ ْ ُ ُ
رآن :فرض ك ِفاية) :حفظ القرآن ً
كامال من فروض الكفايات التي ِ الق ح فظ
(و ِ
ياب أن يكون يف المسلمين من يقوم به ،وهذا أمر تكفل اهلل به وبحفظه ،ومن
حفظه إيااد من يحفظه من األمة ،وقد رتب على حفظه وتعلمه من األجور ما لم
يرتب على أي علم ،فخير األمة من تعلم القرآن وعلمه( ،)1وحملة القرآن هم
المقدمون يف محاريب الناس للصلوات( ،)2ويف القبور عند االزدحام(،)3
والماهرون به مع السفرة الكرام الربرة( ،)4وال تزال السكينة تتنزل على ماالسهم
والمالئكة تحفهم(.)5
ه َ ُ َََه ُ
َي ُب يف الصالة ِ) :ياب على المسلم أن يحفظ من القرآن
حفظ ما ِ (ويتعيِ :
ما ال تصح ِالته إال به ،وهي سورة الفاتحة ،وهذا أمر واجب على كل مسلم؛
قدرا زائدً ا عليها من
ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ،ويندب له أن يحفظ ً
السور ليمكنه الصالة هبا.
وتدبرا،
ً وفهما،
ً وتعلما ،وتالوةً،
ً وعلى المسلم أن يحرص على القرآن حف ًظا،
وعمال ،ففيه النااة والفالح ،وقد تضافرت النصوص بذلك ،وبيان فضائله،
ً
وفضائل أهله:
آنآن َوع الم ُه» [رواه البخاري] .وقال ﷺ« :ا ْق َر ُؤا ال ُق ْر َ فقال ﷺَ « :خير ُكم َم ْن َت َع ال َم ال ُق ْر َ
ألِحابِ ِه» [رواه مسلم](.)6 ِ ِ
فإِ ان ُه َي ْأيت َي ْوم القيامة َشفيعًا ْ
ون بِ ِه يف الدُّ ن َيا َتقدُ م ُه آن و َأ ْهلِ ِه ِ
الذين كا ُنوا ي ْع َم ُل َ ِ ِ ِ
وقال ﷺُ « :ي ْؤتى ْيو َم القيامة با ْل ُق ْر َ
464
485 ت النَّهيِ
فصلٌ يف أوقا ِ
465
كـتـاب الـصـالة 486
466
487 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
أو ً
ال :أن اهلل أمر هبا وبالمحافظة عليها حال الخوف والحرب ،كما قال
تعالى﴿ :ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [النساء.]102 :
فلو كانت الاماعة سنة لكان أولى األعذار بسقوطها حال الخوف والقتال،
ولو كانت فرض كفاية ألسقطها اهلل عن الاماعة الثانية بقيام األولى هبا ،فدل على
أهنا فرض عين.
هم بتحريق بيوت المتخلفين عن الاماعة ،فلو لم تكن
ثانيًا :أن رسول اهلل ﷺ ا
فرض عين عليهم لم يهدد رسول اهلل ﷺ تاركها بالتحريق ،كما يف الصحيحين عن
الص َال ِة َف ُت َقا َمُ ،ث ام آ ُم َر
أبي هريرة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قالَ « :ل َقدْ َه َم ْم ُت َأ ْن آ ُم َر بِ ا
الص َالةََ :ف ُأ َحر َق َع َل ْي ِه ْم ُب ُيو َت ُه ْم
ون ا ااسُ ،ث ام َأنْ َطلِ َق إ َلى َق ْو ُم َال َي ْش َهدُ َ
َر ُج ًال َف ُي َصلي بِالن ِ
َ
اار»(.)1 بِالن ِ
ثالثًا :أن رسول اهلل ﷺ لم يرخص لألعمى البعيد الدار يف التخلف عنها ،مع
األعذار المذكورة من العمى ،وفقدان القائد ،وبعد الدار ،ووجود ُ
واد بينه وبين
المساد ،وكثرة السباع والهوام ،فهذا دليل ِـريح على وجوهبا على األعيان ،كما
ولروى مسلم عن أبي هريرة ﭬ قالَ « :أ َتى النابِي ﷺ َر ُج ٌل َأ ْع َمىَ ،ف َق َالَ :يا َر ُس َ
ا
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ
ص ل ُه، اهلل ،إِ ان ُه َل ْي َس لي َقائدٌ َي ُقو ُدني إِ َلى ا ْل َم ْس ِادَ ،ف َسأل َر ُسول اهلل ﷺ أن ُي َرخ َ
ْ َ َ َ َ
الص َالةِ؟»ص َل ُهَ ،ف َل اما َو الىَ ،د َعا ُهَ ،ف َق َالَ « :ه ْل َت ْس َم ُع الندَ ا َء بِ ا
ِ ِِ
َف ُي َصل َي في َب ْيتهَ ،ف َر اخ َ
ب»(.)2 َق َالَ :ن َع ْمَ ،ق َالَ « :ف َأ ِج ْ
رابعًا :أن التخلف عن الاماعة من عالمات النفاق والضالل ،كما قال ابن
يض، الص َال ِة إِ اال ُمنَافِ ٌق َقدْ ُعلِ َم نِ َفا ُق ُهَ ،أ ْو َم ِر ٌ
ف َع ِن ا
مسعود ﭬَ « :ل َقدْ َر َأ ْي ُتنَا َو َما َيت ََخ ال ُ
َان ا ْلم ِريض َليمشـي بين رج َلي ِن حتاى ي ْأتِي الص َال ِة» ،و َق َال« :إِ ْن رس َ ِ
ول اهلل ﷺ َ ُ َ َْ َ َ ُ ْ َ َ َ ا إِ ْن ك َ َ ُ َ ْ
461
كـتـاب الـصـالة 488
466
489 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
َ
القادِر َ
ين) :أي القادرين على أدائها جماعة وأما العاجز لمرض أو خوف فال ِ (
تلزمه ،كما سـيأيت يف األعذار المبيحة لرتل الامعة والاماعة.
َ َ ً َ َ
َضا وسف ًرا) :فهي واجبة يف الحضـر والسفر؛ لعمومات األدلة ،ولمحافظة (ح
الرسول ﷺ عليها حضـر ًا وسفر ًا إال أن المسافرين إن كانوا جماعة فيخفف لهم يف
الصالة يف رحالهم وال يلزمهم المايء لمساد الاماعة لما روى الرتمذي وِححه
ِ
عن َي ِزيدَ ْب ِن األَ ْس َودَ ،ق َالَ « :ش ِهدْ ُت َم َع النابِي ﭭ َح اا َت ُهَ ،ف َص ال ْي ُت َم َع ُه َِالَ َة ُّ
الص ْب ِح
ف َفإِ َذا ُه َو بِ َر ُج َل ْي ِن فِي ُأ ْخ َرى ال َق ْو ِم َل ْم فَ ،ف َل اما َقضـى َِالَ َت ُه ان َْح َر َ الخي ِ ِ
في َم ْس ِاد َ ْ
ِ
ُي َصل َيا َم َع ُهَ ،ف َق َالَ :ع َل اي بِ ِه َماَ ،ف ِاي َء بِ ِه َما ُت ْرعَدُ َف َرائِ ُص ُه َماَ ،ف َق َالَ :ما َمنَ َع ُك َما َأ ْن ُت َصل َيا
اهلل ،إِناا ُكناا َقدْ َِ ال ْينَا فِي ِر َحالِنَاَ ،ق َالَ :فالَ َت ْف َعالَ ،إِ َذا َِ ال ْي ُت َما فِي ول ِ الَ :يا َر ُس َ َم َعنَاَ ،ف َقا َ
اع ُة َف َصل َيا َم َع ُه ْمَ ،فإِن َاها َل ُك َما نَافِ َل ٌة».
ِر َحال ِ ُك َما ُث ام َأ َت ْي ُت َما َم ْس ِادَ َج َم َ
َ ُّ َ َ ٌ َ ُ ٌ َ ُ َ
قوهل( :وأقلها :إمام ومأموم ،ولو أنَث).
تنعقد الاماعة باثنين إمام ومأموم؛ بإجماع العلماء ،نقله الوزير ابن هبيرة،
وابن قدامة( .)1لقوله ﷺ لمالك بن الحويرث ﭬ وِاحبه« :إِ َذا َأ ْن ُت َما َخ َر ْج ُت َما،
يماُ ،ث ام ل ِ َي ُؤ ام ُك َما َأ ْك َب ُر ُك َما» [متفق عليه](.)2 ِ
َف َأذنَاُ ،ث ام َأ ُق َ
َ َ
أيضا مع المرأة إذا كانت محر ًما عند الخلوة ،وما ثبت يف (ولو أنَث) :وتنعقد ً
حق الذكر يثبت يف حق األنثى ،إال لدليل.
َ ُ َ ِّ َ َ ُ ُ
قوهل( :وال تنع ِقد :بالممزيِ ،يف الف ْر ِض).
المذهب :أن الاماعة تنعقد بالصبي يف النافلة دون الفريضة.
والرواية الثانية ،وهي األظهر :أن الاماعة تنعقد بالصبي المميز ،وتصح
مصا افته يف الفرض والنفل.
ِ ِ ِ
ويدل له :إمامة َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ بقومه وهو ا ْب ُن ست َأ ْو َس ْب ِع سن َ
ين كما يف
462
كـتـاب الـصـالة 490
البخاري( ،)1وهذا ِـريح يف ِحة مصا افة الصبي إذا عقل ،فمن ِحت إمامته
ِحت مصا افته من باب أولى ،ومثله مصا افة ابن عباس رسول اهلل ﷺ لما بات عند
خالته ميمونة كما يف الصحيحين( ،)2وألنه متنفل وقد قال ﷺ يف الرجل الذي فاتته
الاماعة« :أال َر ُجل يتصدق َع َلى َه َذا فيصلي َم َع ُه» [أخرجه أبوداود].
ِّ َ َ ِّ َ ُ َ َ ُ َ ُّ َ َ َ ُ َ ُ
ال).
ِ ج الر ن ع ات در
ِ نفم ِ ء ا س ِلن ول .دِ ج
ِ س بالم : ةاع م اجل ن س وت( : قوهل
َ ُ َ ُّ َ َ َ ُ
ج ِد) :المذهب :أن أداء ِالة الاماعة يف المساد (وتسن اجلماعة :بالمس ِ
سنة ،وياوز أن تكون الاماعة يف البيت بال عذر.
والراجح :أن ِالهتا يف المساد واجبة ،إال لعذر كالمرض والخوف ،وكذا
يخفف للمسافرين إن كانوا جماعة يف حضور المساد ماال يخفف يف غيرهم لما
تقدم.
الص َال ِة َفتُ َقا َمُ ،ث ام آ ُم َر َر ُج ًال َف ُي َصل َي
ويدل لذلك :قوله ﷺَ « :ل َقدْ َه َم ْم ُت َأ ْن آ ُم َر بِ ا
اار» [متفق الص َالةََ :ف ُأ َحر َق َع َل ْي ِه ْم ُبيُو َت ُه ْم بِالن ِ
ون ا ااسُ ،ث ام َأ ْن َطلِ َق إ َلى َق ْو ُم َال َي ْش َهدُ َ
بِالن ِ
عليه]( ،)3وهذا ِـريح يف هذه المسألة ،فالصالة ُمقا َمة يف المساد ،لكن هؤالء لم
يحضـروها .وروي عن جماعة من الصحابة حديثَ « :م ْن َس ِم َع الندَ ا َء َف َل ْم َي ْأتِ ِهَ ،ف َال
َِ َال َة َل ُه ،إِ اال مِ ْن ُع ْذ ُر» ،منهم :ابن مسعود ،وابن عباس ،وأبو موسـى ﭫ،
واألرجح وقفه(.)5()4
420
491 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
قال الرتمذي« :وقال بعض أهل العلم :هذا على التغليظ والتشديد ،وال رخصة
عذر»(.)1ألحد يف ترل الاماعة إال من ُ ُ
ار ا ْل َم ْس ِا ِد إِ اال فِي وروى ابن أبي شـيبة َع ْن َعلِي ﭬ َق َالَ « :ال َِ َال َة ل ِ َا ِ
ن
ا ْل َم ْس ِا ِد ،قِ َيلَ :و َم ْن َج ُار ا ْل َم ْس ِا ِد؟ َق َالَ :م ْن َأ ْس َم َع ُه ا ْل ُمنَادي» .
()2 ِ
اهلل َغدً ا ُم ْسلِ ًما،
وروى مسلم عن ابن مسعود ﭬ قالَ « :م ْن سـر ُه َأ ْن َي ْل َقى َ
شـرع لِنَبِي ُك ْم ﷺ ُسن ََن ِ ِ ِ
َ الص َل َوات َح ْي ُث ُينَا َدى بِ ِه انَ ،فإ ِ ان َ
اهلل َف ْل ُي َحاف ْظ َع َلى َه ُؤ َالء ا
ا ْل ُهدَ ىَ ،وإِ ان ُه ان َم ْن ُسنَ َن ا ْل ُهدَ ىَ ،و َل ْو َأ ان ُك ْم َِ ال ْي ُت ْم فِي ُب ُيوتِ ُك ْم ك ََما ُي َصلي َه َذا
ف فِي َب ْيتِ ِهَ ،لت ََر ْك ُت ْم ُسنا َة َنبِي ُك ْمَ ،و َل ْو َت َر ْك ُت ْم ُسنا َة َنبِي ُك ْم َل َض َل ْل ُت ْم»(.)3
ا ْل ُمت ََخل ُ
وروى مسلم عن أبي هريرة ﭬ قالَ « :أ َتى النابِ اي ﷺ َر ُج ٌل َأ ْع َمىَ ،ف َق َالَ :يا
ول اهللِ ،إِ انه َليس لِي َقائِدٌ ي ُقودنِي إِ َلى ا ْلمس ِا ِدَ ،فس َأ َل رس َ ِ
ص ول اهلل ﷺ َأ ْن ُي َرخ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َر ُس َ
ص َل ُهَ ،ف َل اما َو الىَ ،د َعا ُهَ ،ف َق َالَ « :ه ْل َت ْس َم ُع الندَ ا َء ِِ ِ
َل ُهَ ،ف ُي َصل َي في َب ْيتهَ ،ف َر اخ َ
ِ
ب»(.)4 الص َالة؟» َق َالَ :ن َع ْمَ ،ق َالَ « :ف َأ ِج ْ بِ ا
قال ابن القيم« :ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها يف المساد فرض
على األعيان ،إال لعارض ياوز معه ترل الامعة والاماعة ،فرتل حضور
المساجد لغير عذر كرتل أِل الاماعة لغير عذر (أي يف التحريم) ،وهبذا تتفق
جميع األحاديث واآلثار ،فالذي ندين اهلل به أنه ال ياوز ألحد التخلف عن
421
كـتـاب الـصـالة 492
422
493 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
يه ان الصف َأ ْست َُر َل َها؛ ِألَن َاها َت ْستَتِ ُر بِ ِه ان مِ ْن َجانِ َب ْي َهاَ ،فإِ ْن َِ ال ْت َب ْي َن َأ ْي ِد ِ ِ
في َو َسط ا
ِ
خالفت السنة ،وِحت ِالهتا(.)1
اس ﭭَ « :ت ُؤ ُّم ا ْل َم ْر َأ ُة الن َسا َء َت ُقو ُم فِي َو َسطِ ِه ان»(.)2 قال اب ُن َع اب ُ
ْ َ ََ ْ ه َ َ ُّ َ ٌ َ َ َُ ْ َُه َ ُ
جد هلُ إمام رات ٌِب .فال ت ِصح :إال مع إذن ِ ِه ،إن ك ِر َه قوهل :وحرم :أن يؤم بِمس ِ
َ ُ ْ َ َ
الوقت ) ذل ِكَ ،ما لم ي ِض ِق
َ َ ٌ َ َ َُ ْ َُه َ ْ
جد هلُ إِمام َرات ٌِب) :إذا كان المساد له إمام راتب ،فهو (وحرم أن يؤم بِمس ِ
األحق باإلمامة ،فال ياوز االفتئات عليه من غير إذنه؛ ألنه األحق باإلمامة؛ لقوله
الر ُج َل فِي ُس ْل َطان ِ ِهَ ،و َال َي ْق ُعدْ فِي َب ْيتِ ِه َع َلى َت ْك ِر َمتِ ِه إِ اال بِإِ ْذن ِ ِه» الر ُج ُل اﷺَ « :و َال َي ُؤ ام ان ا
[رواه مسلم]( ،)3وهذا مساده داخل فيما هو من سلطانه ،فال يفتات عليه فيه ،ومثله
بيته ومزرعته.
اع ُة مِ َنفَ ،أ ْو َج َم َ بهَ ،أ ِو ا ْلواقِ ِ
َ
انَ ،أو نَائِ ِ
ْ
واإلمام الراتب :هو المولى من الس ْل َط ِ
ُّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اضـرينَ ،وإِن وجد منهم َ الصالَة َع َلى َغ ْي ِره م َن ا ْل َح ين ،وهو مقدم في إِ َما َمة ا ا ْل ُم ْسلِم َ
وع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َأ ان ُه َأ َتى َأ ْر ًضا َل ُه ون َأ ْع َل َم مِنْ ُه َأ ْو َأ ْق َر َأ مِنْ ُهَ ،
أفضل منه ،ك ََأ ْن َي ُك َ
ُ
يه مو ًلى ِ ِ ِ ِ
ال ْب ِن ُع َم َرَ ،ف َص الى َم َع ُه ْمَ ،ف َس َأ ُلو ُه َأ ْن ُي َصل َي بِ ِه ْم َوعنْدَ َها َم ْس ِادٌ ُي َصلي ف َ ْ
ب ا ْل َم ْس ِا ِد َأ َح ُّق»(.)4 ِ
َف َأ َبىَ ،و َقالَِ « :اح ُ
َ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ُّ ه َ َ ْ
الوقت) :من افتات على (فال ت ِصح :إال مع إذن ِ ِه ،إن ك ِر َه ذل ِك ،ما لم ي ِض ِق
اإلمام الراتب مع كراهة اإلمام وعدم إذنه لم تصح ِالته على المذهب ،إال إن
أذن له ،أو ضاق الوقت؛ ألهنم يرون أن النهي يقتضـي الفساد مطلقًا ،ويف هذا نظر.
وقيل :الصالة ِحيحة ،لكنه يأثم؛ لتعديه على حق اإلمام بغير إذنه ،ومخالفته
423
كـتـاب الـصـالة 494
أمر رسول اهلل ﷺ؛ ألن النهي ألمر خارج عن العبادة ،وهذا هو األقرب ،وإليه
ذهب الشافعية ،وبعض الحنابلة كابن حمدون.
ياوز التقدم على اإلمام الراتب يف حالتين:
ْ َ َ َ ه ََ ْ
األولى( :إِال مع إِذن ِ ِه إِن ك ِر َه ذل ِك) :لقولـه ﷺ« :إِ اال بِإِ ْذن ِ ِه» ،وكما فعل رسول
اهلل ﷺ مع أبي بكر ،وابن أم مكتوم ﭭ ،وغيرهما حين أناهبم للصالة يف غيابه ،أو
يعلم من حاله أنه ال يكره ذلك منه ،فاإلذن العريف كاإلذن اللفظي.
ْ ْ ُ َ َْ َ
الثانية( :ما لم ي ِض ِق ال َوقت) :فإذا ضاق الوقت عن الفرض أو تأخر اإلمام
تأخرا يشق على المأمومين انتظاره ،فال بأس بالتقدم عليه ،كما ثبت« :أن رسول اهلل
ً
ﷺ تأخر مرة فقدم الناس أبا بكر» .
()1
424
495 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
( )1رواه الرتمذي ( ،)220وأبو داود ( ،)514وأحمد ( ،)11406وابن خزيمة ( ،)1632وابن حبان ()2322
من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ .قال الرتمذي« :حديث حسن» .وِححه األلباين يف اإلرواء (.)535
425
كـتـاب الـصـالة 496
والشافعية؛ لقوله ﷺَ « :ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلواَ ،و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا» [متفق عليه](.)1
القول الثاين :أنه ال يدرل الاماعة إال بإدرال ركعة مع اإلمام ،وهذا هو
األقرب ،وهو مذهب اإلمام مالك ،واختاره شـيخ اإلسالم( ،)2والسعدي.
ِ ِ
الصالَةَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ا
الصالَ َة» ول اهلل ﷺ قالَ « :م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ا
أن َر ُس َ
ويدل له :ا
[متفق عليه]( ،)3فدل بمفهومه أن من لم يدرل ركعة لم يدرل الصالة أي الاماعة.
والنبي ﷺ علق األحكام بإدرال الركعة يف أمور عديدة ،فقالَ « :م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة
الصبْ َحَ ،و َم ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة مِ َن ا ْل َعصـر َقبْ َل
الش ْم ُسَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ُّ
الصبْحِ َق ْب َل َأ ْن َت ْط ُل َع ا ِ
م َن ُّ
الش ْم ُسَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ا ْل َعصـر» [متفق عليه](.)4
َأ ْن َت ْغ ُر َب ا
وِالة الامعة ال تدرل إال بركعة ،كما أفتى هبذا الصحابة ،منهم :ابن عمر،
وابن مسعود ،وأنس ﭫ ،وال يعلم لهم يف الصحابة مخالف ،والتفريق بين إدرال
الامعة والاماعة يف هذا محل نظر.
َ ه ُ َ ََ َ َ َ َ َ َ ُّ ُ َ َ َ َ ٍّ َ
أدرك الركعة ،واطمأن ،ث هم تابع) :أي ري شاك:- (ومن أدرك الركوع -غ
ويصدق عليه أنه أدرل الركعة مع اإلمام بأن يدرل الركوع وهو غير شال ويطمئن
قبل أن يرفع اإلمام فإن لم يحصل فاتته الركعة.
َ َُ َ َ ُ ه ُ ُ ُ َ ُ ِ ََ َ
وم مع إما ِم ِه كيف أدركه) :السنة للمأموم أن يدخل مع (وسن :دخول المأم
جالسا لينال األجر
ً قائما ،أو ساجدً ا ،أو
اإلمام على أي هيئة كان ،سواء كان اإلمام ً
يف ذلك ،لكن ال يعتد بركعة لم يدرل ركوعها.
ولو جاء واإلمام يف التشهد األخير ،فظاهر السنة أن يدخل معه ،وهذا هو
المذهب ،وهو قول جمهور العلماء؛ لقوله ﷺَ « :ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلواَ ،و َما َفا َت ُك ْم
426
497 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
َف َأتِ ُّموا» ،ولم يكن الصحابة ينتظرون سالم اإلمام ليصلوا جماعة أخرى ،وإنما
يدخلون على أي حال أدركوه.
ومن أتى المساد فرأى الاماعة قد انصـرفوا :فإن كان من غير تفريط أعطاه
وفضال؛ لقوله ﷺَ « :م ْن َت َو اض َأ َف َأ ْح َس َن ُو ُضو َء ُهُ ،ث ام ً اهلل مثل أجر من أدركها كر ًما
ضـرها َال
َ اهلل َج ال َو َع از مِ ْث َل َأ ْج ِر َم ْن َِ اال َها َو َح
ااس َقدْ َِ ال ْوا َأ ْع َطا ُه ُ اح َف َو َجدَ الن ََر َ
ص َذل ِ َك مِ ْن َأ ْج ِر ِه ْم شـيئًا»(.)1 َينْ ُق ُ
َ ََ َْ ً َ َ ه َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ ُ
جع :انقلبت نفال). قوهل( :وإن قام المسبوق قبل تسلِيم ِة إما ِم ِه اثلانِيةِ ،ولم ير ِ
ياب على المسبوق أال يقوم إلى الفائتة إال بعد تسليمة اإلمام الثانية ،فلو قام
قبل سالم اإلمام الثانية انقلبت ِالته نافلة؛ ألنه شـرع باالنفراد بال عذر ،ولم ِ
تنته
ِالة اإلمام بعد ألن التسليمتين واجبة ،كما تقدم تقريره ،وال ياوز للمأموم
مفارقة إمامه قبل الفراغ من ِالته.
لكن يستثنى من ذلك:
إذا نوى االنفراد لعذر ،فصالته الفريضة ِحيحة ،كقصة الرجل مع معاذ
ﭬ(.)2
جاهال بعدم جوازه ،أو ناسـيًا.
ً وكذا لو كان
ومثله لو كان ال يرى وجوب التسليمة الثانية ،كمذهب اإلمام مالك والشافعي،
فقام بعد سالم اإلمام األول ،فصالته ِحيحة ،واهلل أعلم.
421
كـتـاب الـصـالة 498
َ َ ُ َ ِّ َ َ ُ ُ ُ ه ُ َ ُ
اليت ي ِريـــد أن يصلـــى مــــع إمامِهـــا:ِ ــالة الص ــت
ِ ِيـم قأ وإذا ( : قوهل
َ ً ه ُ ُ َ َُُ َ َ
لم تنع ِق ِد ناف ِلته .وإن أقِيمت وهو فِيها :أتمها خفيفة).
إذا أقيمت الصالة فصالته النافلة ال تخلو من حالتين:
األولى :إن أقيمت الصالة قبل الشـروع هبا :لم ياز له أن يستفتح نافلة بعد
الص َال ُة َف َال َِ َال َة إِ اال ا ْل َم ْك ُتو َب ُة» اإلقامة؛ لصـراحة النهي يف قوله ﷺ« :إِ َذا ُأقِ ِ
يمت ا َ
[رواه مسلم]( ،)1حتى ولو كانت سنة الفار على الصحيح ،وسواء كان داخل المساد
أو خارجه إذا كانت اإلقامة يف المساد الذي سـيصلي فيه ،وهذا قول كثير من
العلماء ،منهم :اإلمام ابن المبارل ،والشافعي ،وأحمد ،وإسحاق ،وابن حزم(.)2
والمذهب أهنا ال تنعقد لو كرب هبا بعد اإلقامة؛ ألهنم يرون أن النهي يقتضـي
الفساد مطلقًا.
الثانية :إن كان شـرع هبا قبل اإلقامة فإنه يتمها خفيفة ،وحديث النهي متوجه
إلى افتتاحها ال إلى إتمامها ،فيخير بعد اإلقامة بين اإلتمام والقطع ،وإتمامها
خفيفة أولى .وكيفية القطع له أن يقطعها بال سالم ألن السالم يكون إلتمام
الصالة ،وله أن يسلم ولو لم تتم لما جاء عند مسلم يف قصة تطويل معاذ يف ِالة
ْصـرف».
َ ف َر ُج ٌل َف َس ال َم ُث ام َِ الى َو ْحدَ ُه َوان
العشاء ،وفيهَ « :فان َْح َر َ
ُ ُ َ َ ُ ََ َ ُ ه ْ ُ َ ُ ُ
َ َ ه ُه َ ُ
اجلماعة :سن أن ي ِعيد ،واأل ْوىل ف ْرضه). تقوهل( :ومن صىل ،ثم أقِيم ِ
من ِلى الفرض وحده ،أو مع جماعة ،ثم أدرل الاماعة األولى يف مساد
ُس ّن له أن يصلي معهم ،ولو كان يف وقت هني؛ لصـراحة األدلة يف ذلك ،وتكون
ف َأن َْت إِ َذا كَان َْت األولى فرضه ،والثانية نافلة يف حقه؛ لقوله ﷺ ألبي ذر ﭬَ « :ك ْي َ
الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ َق َالُ :ق ْل ُت:
ون ا الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ َأ ْو ُي ِمي ُت َ َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ
ون ا
الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َهاَ ،فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها َم َع ُه ْمَ ،ف َصلَ ،فإِن َاها َل َك نَافِ َلة» ِ
َف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َالَِ « :ل ا
( )1رواه مسلم ( )110من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )2تحفة األحوذي (.)500/2
426
499 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
[رواه مسلم](.)1
ولحديث يزيد بن األسود ﭬ أن رسول اهلل ﷺ َِ الى ،فإِ َذا َر ُج َال ِن َل ْم ُي َصل َيا
َاح َي ِة ا ْل َم ْس ِا ِدَ ،فدَ َعا بِ ِه َماَ ،ف ِا َئ بِ ِه َما ُت ْرعَدُ َف َرائِ ُص ُه َماَ ،ف َق َالَ « :ما َمنَ َع ُك َما َأ ْن
فِي ن ِ
ُت َصل َيا َم َعنَا؟» َق َاالَ :قدْ َِ ال ْينَا فِي ِر َحالِنَاَ ،ف َق َالَ « :ال َت ْف َع ُلوا ،إِ َذا َِ الى َأ َحدُ ُك ْم فِي
اإل َما َم َو َل ْم ُي َصلَ ،ف ْل ُي َصل َم َع ُه َفإِن َاها َل ُه نَافِ َل ٌة» [رواه أبو داود ،والرتمذي]، ر ْحلِ ِه ُثم َأ ْدر َل ْ ِ
ا َ َ
ِ ()2 ُ وزادُ « :ثم َأ َت ْي ُتما مس ِ
ادَ َج َما َعة َف َصل َيا َم َع ُه ْمَ ،فإِ ان َها َل ُك َما نَاف َل ٌة» . ا َ َ ْ
وهذا قول كثير من العلماء ،منهم :الثوري ،وابن المبارل ،والشافعي ،وأحمد،
وإسحاق.
مسألة :إذا ِلى المغرب وحده ثم أدرل جماعة ،فإنه يدخل معهم ويشفع
بركعة؛ لما روى ابن أبي شـيبة عن علي وحذيفة ﭭ« :إِ َذا َأ َعا َد ا ْل َم ْغ ِر َب َي ْش َف ُع
بِ َر ْك َع ُة» ،وهو قول عطاء ،وإبراهيم النخعي ،ومسـروق(.)3
ود اتلِّ َُ ُ َ َ ََ ُ ُ َ ه َ ُ َ ُ َ ََ َ ه ُ ُ
الوة ِ. هو .وسج الس ود ج وس .ة اءر ق
ِ ال : ِ
وم أمالم ن ع ام اإلم ل م ح ت وي( : قوهل
ُ َ َ َ ِ َُ ه ه َ ُّ َ َ ه َ ُُ ِ
ُّ ْ َ َ ُ َ
وت .والتشهد األول ،إذا سبِق بركعة يف رباعِية). َّتة .وداع َء القن ِ والس
ذكر ستة أمور يتحملها اإلمام عن المأمومين:
َ ََ
اءة) :أي قراءة الفاتحة ،فال ياب على المأموم قراءهتا يف السـرية (ال ِقر
ِ
والمالكية ،وتقدمت ِ
الحنابلة، مذهب تحملها إما ُمه عنه ،وهذا
ُ والاهرية ،و َي ا
المسألة يف أركان الصالة.
مذهب الشافعي، السـرية والا ِ
هرية ،وهذا ِ ب على المأمو ِم ُمطل ًقا يف وقيلِ :
ُ َ تا ُ
تفسـيره ،واب ُن ُ
باز ،واب ُن ُعثيمين؛ ِ رطبي يف ُ
ورجحه اب ُن حزمُ ،والق ُّ ا وال ُبخاري
422
كـتـاب الـصـالة 500
500
501 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
إمامهم ،فال يضـرهم ما مر أمامهم ،وقد كان رسول اهلل ﷺ يصلي بالصحابة ،ولم
يأمرهم باتخاذ سرتة يف حال ائتمامهم خلفه.
ُُ ُ َ
(وداع َء القن ِ
وت) :ففي دعاء القنوت يكتفي المأموم بالتأمين خلف إمامه ،وله
مثل دعائه.
ويدل له :قولـه تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [يونس ،]62 :مع أن الداعي موسـى ڠ ،وأما هارون ڠ فكان
يؤمن ،وهكذا حال الصحابة ،فإهنم كانوا يؤمنون خلف رسول اهلل ﷺ يف دعاء
النوازل ،ولم يكونوا يرددون ما يقول.
َ ه ُ َ َ َ ه َ ُّ َ َ َ
بركعة يف ُرباعِية) :أي ويسقط التشهد األول (والتشهد األ هول ،إذا سبِق
للمسبوق بركعة ،فيتابع إمامه إذا قام للركعة الثالثة ،وهي بالنسبة له الثانية وال
يالس للتشهد األول ،ويتحمله اإلمام؛ لئال يختلف على إمامه ،ويثبت تب ًعا ما ال
ال.يثبت استقال ً
َ َ َ ََ ُ ًَ َ َ ه َ َ َ َََهَ ُ ه َ ُ ُ
هريةِ .ويقرأ الف ِ
احتة ،وسورة اجل
َ َ ِ يف ذ و ع توي ، ح ِ تف ست ي أن : ِ
وم أمِلم ل ن وس ( : قوهل
َ َ َ َ َ َ َ َ َ
ات إما ِم ِهَ ِ ، َ ََ َ ُ ُ َ
الفاحتةِ ،وبعدها ،وبعد فر ِ
اغ ِ ويه :قبل رشعت ،يف سكت ِ حيث ِ
ال ِق َر َ
اءة ِ).
َ ه َ َ َ َََهَ ُ ه َ ُ
هري ِة) :يسن للمأموم يف الصالة وم :أن يستفتِح ،ويتعوذ يف اجل ِ أم ِ (وسن ل ِلم
السـرية أن يقرأ االستفتاح ،ويتعوذ ،ويبسمل قبل قراءة الفاتحة.
أما يف الصالة الاهرية :فإن جاء قبل شـروع اإلمام يف القراءة ،فإنه يستفتح،
ويتعوذ ،ويبسمل ،ويقرأ الفاتحة ،ويتحين لقراءهتا سكتات إمامه إن تيسـر.
وإن جاء بعد شـروع اإلمام يف القراءة يف الاهرية :فال يستفتح؛ ألنه سنة
مستقلة ،والسماع للقراءة واجب ،فيسقط عنه االستفتاح ،ولكنه يتعوذ ،ويبسمل،
ويقرأ الفاتحة؛ ألهنا تابعة للقراءة.
501
كـتـاب الـصـالة 502
َ َ ََ َ ََ َ َ َ ُ َ ً َ ُ ُ َ
ات إما ِم ِه) :يتحين المأموم
رشعت ،يف سكت ِ احتة ،وسورة حيث ِ (ويقرأ الف ِ
القراءة يف سكتات اإلمام إن تيسـر ،وإن لم يتيسـر له ذلك فقرأ الفاتحة واإلمام يقرأ
جاز لألدلة المخصصة لها دون ما زاد عليها.
َ َ َ َ َ َ َ َ َ
اغ ال ِق َر َ
اءة ِ) :ذكر أن سكتات اإلمام يف عد ف َر ِ الفاحتَةِ ،وبعدها ،وب
ِ ويه :قبل
( ِ
الصالة الاهرية ثالث:
األولى :بين تكبيرة اإلحرام والفاتحة ،وهذه ثابتة مستحبة عند جمهور العلماء،
وهي بمقدار ما يقرأ اإلمام دعاء االستفتاح؛ لما يف الصحيحين من حديث أبي
الص َال ِةَ ،س َك َت ُهنَ اي ًة َق ْب َل َأ ْن َي ْق َر َأ، ِ َان رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ إِ َذا َك اب َر في ا هريرة ﭬ قال« :ك َ َ ُ
ول؟ ول اهللِ بِ َأبِي َأن َْت َو ُأمي َأ َر َأ ْي َت ُس ُكو َت َك َب ْي َن ال ات ْكبِ ِير َوا ْل ِق َرا َءةَِ ،ما َت ُق ُ
تَ :يا َر ُس َ َف ُق ْل ُ
شـرق َوا ْل َم ْغ ِر ِ ت ب ْي َن ا ْلم ِ ِ ِ َق َالَ :أ ُق ُ
ب، َ اي ك ََما َباعَدْ َ َ ول :الل ُه ام َباعدْ َب ْيني َو َب ْي َن َخ َطا َي َ
س ،الل ُه ام ا ْغ ِس ْلنِي مِ ْن اي ك ََما ُينَ اقى الثا ْو ُب ْاألَ ْب َي ُض م ِ َن الدا َن ِ ِ ِ
الل ُه ام نَقني م ْن َخ َطا َي َ
َخ َطاياي بِال اث ْلجِ وا ْلم ِ
اء َوا ْل َب َر ِد»(.)1 َ َ َ َ
الثانية :بين الفاتحة والقراءة األخرى ،وورد فيها حديث سمرة ﭬ ،وفيه:
ن ق َرا َءة ﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾» [رواه أبوداود ،والرتمذي
«وس ْك َت ًة إِ َذا َفر َغ مِ ِ ِ
ْ َ َ َ
وحسنه ،وِححه ابن خزيمة وابن حبان ،وقواه ابن القيم وابن حار]( ،)2وذهب الستحباب هذه
السكتة اإلمام األوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وهي سكتة لطيفة ليرتاد إليه
نفسه ،وليفصل بين القراءتين ،ولينظر ما يقرأ بعد الفاتحة.
الثالثة :بعد الفراغ من القراءة ،وقبل تكبيرة الركوع ،وهي سكتة قصـيرة بمقدار
ما يرتاد إليه النفس.
502
503 ب صَال ِة اجلَماعةِ
با ُ
ويشهد لها :ما رواه أبو داود ،والرتمذي وحسنه من حديث ا ْل َح َس ِن َق َالَ :ق َال
الص َال ِة :س ْك َت ًة إِ َذا َك ابر ْ ِ
اإل َما ُم َحتاى َي ْق َر َأَ ،و َس ْك َت ًة إِ َذا ِ ِ
َس ُم َر ُة ﭬَ « :حف ْظ ُت َس ْك َت َتيْ ِن في ا
َ َ
ان ْب ُن الر ُكو ِع»َ ،ق َالَ :ف َأ ْن َك َر َذل ِ َك َع َل ْي ِه ِع ْم َر ُ َاب ،وس ُ ِ ِ ِ ِ
َف َر َغ م ْن َفات َحة ا ْلكت ِ َ ُ َ
ورة عنْدَ ُّ
ِ
صـينَ ،ق َالَ :ف َك َت ُبوا فِي َذل ِ َك إ ِ َلى ا ْل َم ِدين َِة إ ِ َلى ُأ َب ني َف َصدا َق َس ُم َر َة» ،ويف رواية: ُ ُح
« َو َس ْك َت ًة إِ َذا َف َر َغ مِ َن ا ْل ِق َرا َء ِة»(.)1
قال الرتمذي« :وهو قول غير واحد من أهل العلم :يستحبون لإلمام أن يسكت
بعدما يفتتح الصالة ،وبعد الفراغ من القراءة ،وبه يقول أحمد ،وإسحاق،
وأِحابنا».
َ ََ ُ َ ْ ُ َ َ َُ
َ
(ويقرأ فِيما ال َيهر فِي ِه مَت شاء) :أي وللمأموم أن يقرأ يف السـرية ما شاء من
القرآن مع الفاتحة.
( )1رواه أبو داود ( ،)111والرتمذي ( ،)251وابن ماجه ( ،)645وأحمد ( ،)20245وابن خزيمة ( ،)1516وابن
حبان ( ،)1601والحاكم ( )335/1من حديث الحسن ،عن سمرة بن جندب ﭬ .قال الرتمذي« :حديث
حسن» .وضعفه األلباين يف اإلرواء ( ،)505قال الدارقطني« :الحسن مختلف يف سماعه من سمرة ،وقد سمع منه
حديثًا واحد ًا وهو حديث العقيقة» .ويف سماع الحسن من سمرة ثالثة مذاهب:
المذهب األول :أنه سمع منه مطلقًا ،وهو قول ابن المديني ،ذكره عنه البخاري.
الثاين :أنه لم يسمع منه مطلقًا ،واختاره ابن حبان.
الثالث :أنه لم يسمع منه إال حديث العقيقة ،قاله النسائي ،وإليه مال الدارقطني يف سننه (نصب الراية ،62/1
البدر المنير ،62/4التلخيص الحبير .)164/2
503
كـتـاب الـصـالة 504
e َفصْلٌ
F
للمأموم مع إمامه أربع حاالت :المتابعة ،والمسابقة ،والموافقة ،والتخلف.
ذكر المؤلف عد ًدا من المسائل المتعلقة بمتابعة المأموم إلمامه.
َ َ َ َ ْ ََْ َ
إتما ِم ِه ِتلَكب َ ََ ََ َ ْ ُ
اإلحر ِام :لم تنع ِقد رية ِِ ل بق أو ، ه
ِ م
ِ إما عم مأحر ن وم( : قوهل
َ ُُ
صالته).
ألنه يشرتأ لصحة تكبيرة اإلحرام من المأموم أن تكون بعد فراغ اإلمام من
النطق هبا ،فال ينعقد ائتمامه إال بعد اإلتيان بالتكبير بعد فراغ اإلمام منه ،فلو كرب
لإلحرام قبل إمامه ،أو وافقه لم تنعقد ِالة المأموم ،ويلزمه أن يعيد التكبيرة ،فإن
ِحت ِالته نفالً. لم يفعل ا
َ َ ه َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ
قوهل( :واأل ْ
ال الصالة ِ بعد إما ِم ِه).
ِ أفع يف ع َش ي أن : ِ
وم أمللم ىل و
المشـروع للمأموم متابعة إمامه ،وهي :أن يأيت بأفعال الصالة بعد تلبس إمامه
هبا؛ فال يسابق اإلمام ،وال يوافقه يف أفعال الصالة ،وإنما يتابعه ويأيت هبا بعد إتيان
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِهَ ،فإِ َذا َك اب َر َف َكب ُرواَ ،وإِ َذا َرك ََع
اإلمام هبا؛ لقوله ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ِ
َ
اس ُادُ وا» [متفق عليه] ،ويف حديث أبي موسـى ﭬَ « :فإِ ان )1 (
َف ْار َك ُعواَ ،وإِ َذا َس َادَ َف ْ
ِْ
اإل َما َم َي ْر َك ُع َق ْب َل ُك ْمَ ،و َي ْر َف ُع َق ْب َل ُك ْم» [رواه مسلم](.)2
ُ ه ْ ََ ُ
الم :ك ِره). قوهل( :فإن َوافقه فِيها ،أو يف الس ِ
أي ويكره للمأموم موافقة إمامه أثناء نطقه يف ألفاظ االنتقال يف الصالة يف
الركوع والساود والرفع والسالم ،فيكرب مع تكبيره ويسلم مع سالمه ،والموافقة
على قسمين:
504
505 فـصل
األول :موافق ٌة يف األقوال :فإن وافقه يف تكبيرة اإلحرام لم تنعقد ِالته ،وإن
وافقه يف السالم ،أو يف تكبيرات االنتقالُ ،كره ألنه مخالف لالئتمام ،ولقوله ﷺ:
« َفإِ َذا َك اب َر َف َكب ُروا.)1(»...
جائز.
وإن وافقه يف التسبيحات يف الركوع والساود ونحوها ،فهو ٌ
الثاين :موافق ٌة يف األفعال :وهي مكروهةٌ ،كأن يركع أو يساد مع اإلمام؛ لقوله
ﷺَ « :فإِ َذا َك اب َر َف َكب ُرواَ ،و َال ُت َكب ُروا َحتاى ُي َكب َرَ ،وإِ َذا َرك ََع َف ْار َك ُعواَ ،و َال َت ْر َك ُعوا َحتاى
اس ُادُ واَ ،و َال َت ْس ُادُ وا َحتاى َي ْس ُادَ [ »...رواه أبو داود](.)2 َي ْرك ََعَ ،وإِ َذا َس َادَ َف ْ
ََ ُ َ َ ُ
قوهل( :وإن سبقه :ح ُرم).
مسابقة المأموم إلمامه محرمة باتفاق العلماء ،كما نقله شـيخ اإلسالم(.)3
وهي أن يسبق المأموم إمامه يف شـيء من أفعالها أو أقوالها الواجبة ،كالركوع،
أو الساود ،أو التكبير أو السالم ،فيساد أو يركع أو يسلم قبل إمامه ،ومن فعله
أثم واستحق العقوبة التي تردعه وأمثاله .ويف الصحيحين عن أبي هريرة ﭬ أن
ِ ِِ ِ ِ
رسول ﷺ قالَ « :ما َي ْأ َم ُن ا الذي َي ْر َف ُع َر ْأ َس ُه في َِ َالته َق ْب َل ْاإل َما ِم َأ ْن ُي َحو َل ُ
اهلل
ار»(.)4 ور ِة ِح َم ُ ِ
ور َت ُه في ُِ َ
ُِ َ
َ َ َ ْ ً َََ ََ َ َ َ َ
ََ ْ َ َ ُ
ج َع ِ َيل ِ َ
أَت ب ِه
َ
قوهل( :فمن ركع ،أو سجد ،أو رفع قبل إما ِم ِه عمدا :ل ِزمه أن ير ِ
ََ
مع إما ِم ِه).
إن سبق إمامه إلى ركوع أو ساود أو رفع ،وهو متعمد حرم فعله ،ولزمه أن
يرجع ويتابع اإلمام ،فإن أبى المتابعة فله حالتان:
ً َ ْ ً ََ َ َ ُ ْ َ
األولى( :فإن أَب اعل ِما عمدا :بطلت صالته) :لمخالفته واجب المتابعة وفعله
المسابقة.
505
كـتـاب الـصـالة 506
َ َ ُ َ
الثانية( :ال :صالة ناس وجاهِل) :وإن سابق إمامه بركوع أو ساود ناسـيا أو
جاهال ،فال تبطل ِالته ،ويلزمه الرجوع لمتابعة إمامه إذا ذكر؛ فإن لم يذكر أو لم
ً
يعلم الحكم حتى فرغ من الصالة أو فات موضع المتابعة ِحت ِالته لقوله
اس ُت ْك ِر ُهوا َع َل ْي ِه»(.)1 َ
سـيانَ ،و َما ْاهلل َو َض َع َع ْن ُأ امتِي ا ْل َخ َط َأَ ،والن
ﷺ« :إِ ان َ
والحالة الرابعة :التخلف عن إمامه ،وهو نوعان:
األول :أن يكون لعذر ،كسهو ،أو جهل ،أو انقطاع ِوت اإلمام ،فال إثم على
المأموم ،فإذا زال عذره أتى بالركن الذي تخلف فيه ،ثم تابع إمامه.
إال إذا وِل اإلمام إلى الركن الذي هو فيه من الركعة الثانية ،فإنه يتابع إمامه
يف الثانية وتصبح له ركعة ملفقة ،فإذا سلم اإلمام قام وأتى بما فاته يف تخلفه ،وهذا
نقله الحافظ ابن رجب يف الفتح عن اإلمام الزهري ،واألوزاعي ،وأحمد ،واختاره
شـيخنا ابن عثيمين(.)2
الثاين :أن يكون تخلفه لغير عذر ،فله حالتان:
اإلمام يف الركن الذي تخلف عنه فيه قبل أن يفارقه،
َ األولى :إن أدرل المأمو ُم
فصالته ِحيحة إال أنه خالف السنة يف ترل متابعة اإلمام المشـروعة.
الثانية :إن فارق اإلما ُم الركن الذي تخلف عنه المأموم فيه ،لم ياز ذلك.
َ ُ ََ ُ َ ُّ َ ُ
اإلتم ِ
ام). ام :اتلهخ ِفيف مع
لإلم ِ قوهل( :ويسن
السنة تخفيف اإلمام ِالته مع إتمامها وكمالها؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا َأ ام َأ َحدُ ُك ُم
( )1رواه ابن ماجه ( ،)2045وابن حبان ( ،)1212والحاكم يف المستدرل ( )2601من حديث ابن عباس
اووي يف
وحسنه الن ُّ
ا ِححه :ابن حبان ،والحاكم ،واأللباين يف إرواء الغليل (،)62
ﭬ مرفوعًا .والحديث ا
األربعين رقم ( .)32وقد أنكر الحديث :اإلمامان أحمد وأبو حاتم ،وقد ن َق َل ا ُ
بن رجب يف جامع العلوم
وابن حار يف التلخيص ( )262/1عن محمد بن نصـر المروزي قوله« :ليس لهذا
ُ والحكم (،)365/2
حتج بمثله» .وللحديث شواهد :منها :حديث أبي ذر ،وعقبة بن عامر ،وابن عمر ،وثوبان،
الحديث إسنا ٌد ُي ُّ
وأبي الدرداء ،وأم الدرداء ﭫ ،لكنها ضعيفة.
( )2الفتح ( ،)144/6الممتع (.)264/4
506
507 فـصل
501
كـتـاب الـصـالة 508
506
509 فـصل
( )1رواه أبو داود ( ،)612وأحمد ( )21646من حديث زيد بن ثابت ﭬ .ورواه البخاري يف ِحيحه
( )164أن مروان بن الحكم قال :قال لي زيد بن ثابت« :ما لك تقرأ يف المغرب بقصار ،وقد سمعت النبي
ﷺ يقرأ بطولي الطوليين».
( )2رواه النسائي ( ،)263وأحمد ( ،)6366وابن خزيمة ( ،)520وابن حبان ( )1631من حديث أبي هريرة
ﭬ .وِححه ابن عبد الهادي يف المحرر (.)236
502
كـتـاب الـصـالة 510
والمذهب :استحبابه .وأما تأخير اإلقامة مراعا ًة الجتماع الاماعة ،فثابت من
فعل الرسول ﷺ أنه يف « ِ ِ
آه ْم اجت ََم ُعوا َع اا َلَ ،وإِ َذا َر ُآه ُم ْ الع َشاء َأ ْح َيانًا َو َأ ْح َيانًا ،إِ َذا َر ُ
َأ ْب َط ُؤوا َأ اخ َر» [رواه البخاري](.)1
يتهاَ :خ ٌ َ ُ ُ َ ُ َ َُُ َ َ َ ُ ََ ُ ُ َ ُ
ري ج ِد :ك ِر َه منعها ،وب ِ س الم إىل ، ه ت أم أو ، ه قوهل( :ومن استأذنته امرأت
َ
َلا).
إال إن خشـى الفتنة هبا ،أو عليها ،أو خاف عليها الضـرر؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا
ا ِد َفالَ َي ْمنَ ْع َها» [متفق عليه](.)2 َت امر َأ ُة َأ َح ِد ُكم إِ َلى المس ِ
َ ْ ْ
ِ
است َْأ َذن ْ َ
ْ
وعلى المرأة إذا أرادت الخروج أن تراعي أمور ًا:
ا ِد ت امر َأ ُة َأ َح ِد ُكم إ ِ َلى المس ِ
َ ْ ْ
ِ
است َْأ َذ َن ْ َ األول :أن تستأذن زوجها؛ لقولـه ﷺ« :إِ َذا ْ
َفالَ َي ْمنَ ْع َها» ،فلو لم يكن له إذن يف لما كان الستئذانه معنى.
قال ابن رجب« :وال نعلم خال ًفا بين العلماء :أن المرأة ال تخرج إلى المساد
إال بإذن زوجها ،...لكن من المتقدمين من كان يكتفي يف إذن الزوج بعلمه
بخروج المرأة من غير منع»( ،)3وهذا من باب اإلذن العريف ،وهو يقوم مقام اإلذن
اللفظي.
الثاين :أن تخرج بال زينة ،وال طيب ،وال تربج ،فإن حصل شـيء من هذه
األمور لم ياز لها الخروج ،ووجب على وليها منعها؛ لقوله ﷺَ « :ال َت ْمنَ ُعوا إِ َما َء
ت»( .)4ولقوله ﷺَ « :أ ُّي َما ا ْم َر َأ ُة َأ َِا َب ْت اجدَ اهللَِ ،و َلكِ ْن ل ِ َي ْ
خ ُر ْج َن َو ُه ان َت ِف َال ٌ اهللِ مس ِ
َ َ
510
511 فـصل
ورا َف َال َت ْش َهدْ َم َعنَا ا ْل ِع َشا َء ْاآل ِخ َر َة» [رواه مسلم] .ويف الصحيحين عن عائشة ڤ
خ ًَب ُ
()1
511
كـتـاب الـصـالة 512
ِ
بالمفضول ما يقدمه على الفاضل إذا كان َف
للمرأة وسرتًا لها ،إال أنه قد َي ْحت ُّ
كالم نفيس يف الحوادث والبدع( )1يف التحذير من
بالضوابط الشـرعية ،وألبي شامة ٌ
حضور النساء إلى المساجد إذا أدى إلى مفسدة.
ويستثنى من ذلك :الصلوات التي ال تقام يف البيوت ،فحضورها مرغب فيه
بالضوابط الشـرعية ،كالعيد ،واالستسقاء ،ونحوه؛ لحديث أم عطية ڤ قالت:
ورَ ،أ ِو خدُ ِ «أمرنا رسول اهلل ﷺ ن َْخرجَ ،فنُ ْخ ِرج الحي َض ،والعواتِ َق ،و َذو ِ
ات ال ُ َ َ َ ََ ُا َ ُ َ
ِ
الم ْسلِمي َنَ ،و َد ْع َو َت ُه ْم، الخدُ ِ العواتِ َق َذو ِ
ورَ ،ف َأ اما ال ُح اي ُضَ :ف َي ْش َهدْ َن َج َما َع َة ُ ات ُ َ ََ
َو َي ْعت َِز ْل َن ُم َص اال ُه ْم» [متفق عليه](.)2
=
النووي يف خالِة األحكام ( ،)616/2واأللباين يف ِحيح أبي داود (.)512
( )1الحوادث والبدع ص (.)45
( )2سبق تخرياه ص (.)211
512
513 فصلٌ يف اإلمامةِ
َ َُ َ ًَ ََ ُ َْ َ
(األوىل بها :األجود ق ِراءة ،األفقه ) :بال خالف .
()2
513
كـتـاب الـصـالة 514
تالوة ،وإن كان أحدهما أكثر حف ًظا واآلخر أقل لحنًا وأجود قراءة فهو أولى.
فمن جمع جودة القراءة وكثرة الحفظ فهو األقرأ ،وإال قدم األحفظ.
عالما بأحكام الصالة ليأيت هبا على وجهها.
والبد أن يكون األقرأ ً
فإذا استووا يف القراءة فأعلمهم بالسنة وأفقههم فيها :لقوله ﷺَ « :فإِ ْن كَانُوا فِي
السن ِاة» ،فإن الفقه يحتاج إليه يف الصالة ونحوها ،ويقدم من ِ ِ
ا ْلق َرا َءة َس َوا ًءَ ،ف َأ ْع َل ُم ُه ْم بِ ُّ
كان أفقه بأحكام الصالة على غيره لالحتياج إليه.
السن ِاة َس َوا ًءَ ،ف َأ ْقدَ ُم ُه ْم ِه ْا َر ًة»، ِ
ثم أقدمهم هارة :لقوله ﷺَ « :فإِ ْن كَا ُنوا في ُّ
والمراد أن يكون أحدهما أسبق هارة من دار الكفر إلى دار اإلسالم.
ِ َ ْ َ ِ ِ ْ ِ ْ ِ َ ُّ ُه ََ
(ثم :األسن) :لقوله ﷺ« :فإن كَا ُنوا في اله ْا َرة َس َوا ًء ،فل َي ُؤ ام ُه ْم أ ْك َب ُر ُه ْم سنا»،
ولقول رسول اهلل ﷺ لمالك بن الحويرث ﭬُ « :ث ام ل ِ َي ُؤ ام ُك َما َأ ْك َب ُر ُك َما»( ،)1وألن
المسن أحق بالتوقير والتقديم ،كما قال رسول اهلل ﷺ لعبدالرحمن بن سهل يف
قصة القسامة «كَب ْر كَب ْر».
فالمراتب :األقرأ ،ثم األعلم بالسنة ،ثم األقدم هارة ،ثم األقدم إسال ًما ،ثم
األكرب سنًا.
ُ َ َ ُ ُ َ
ْ
ُ ُ ُ َ
رشف .ث هم :األتَق واأل ْو َرع .ث هم :يق َرع) :عند التساوي يف األمور ( ُث هم :األ َ
الخمسة ذكر أنه يقدم األشـرف يف اإلمامة؛ لحديثَ « :قد ُموا ُق َر ْي ًشا َو َال َت َقدا ُم َ
وها»
[رواه النسائي]( ،)2ويف هذا نظر من وجهين:
أن الحديث ضعيف؛ ألنه مرسل.
وعلى فرض ثبوته ،فالمراد هنا التقديم يف اإلمامة الكربى ،ولذا فقد ذهب
جمهور العلماء إلى أنه ال يقدم يف اإلمامة يف الصالة بالنسب ،كما اختاره أبو
514
515 فصلٌ يف اإلمامةِ
حنيفة ،ومالك ،وأحمد ،ورجحه شـيخ اإلسالم ،وعليه فإن استووا يف هذه
الخصال ،قدم أتقاهم وأورعهم؛ ألنه أشرف يف الدين ،وأفضل وأقرب إلى
اإلجابة ،وألن شرف الدين خير من شرف الدنيا ،كما قال تعالى﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ﴾ [الحارات ،]13 :وهذا المعروف عن الرسول ﷺ يف تقديم ابن أم مكتوم
واستخالفه إذا خرج عن المدينة ،وِالة سالم مولى أبي حذيفة بالصحابة وفيهم
عمر وغيره ﭫ.
فإذا استووا يف هذا كله أقرع بينهم نص عليه أحمد؛ ألن سعد بن أبي وقاص
ﭬ أقرع بينهم يف األذان( ،)1فاإلمامة أولى ،وألهنم تساووا يف االستحقاق ،وتعذر
الامع ،فأقرع بينهم كسائر الحقوق(.)2
وهذا الرتتيب على االستحباب ال على الوجوب ،فلو قدم المفضول فهو
خالف السنة وِحت الصالة وبه قال عامة العلماء.
َ ُّ ح ُب َ َ
يت ...أحق) :إذا أقيمت الاماعة يف بيت أو ملك أو سلطان، ابل ِ (وصا ِ
فصاحبه أحق باإلمامة إن كان ممن تصح الصالة خلفه ،ولو كان فيهم من هو أقرأ
الر ُج َل فِي ُس ْل َطان ِ ِهَ ،و َال َي ْق ُعدْ فِي َب ْيتِ ِه َع َلى َت ْك ِر َمتِ ِه
الر ُج ُل ا
منه؛ لقوله ﷺَ « :و َال َي ُؤ ام ان ا
إِ اال بِإِ ْذن ِ ِه» [رواه مسلم](.)3
ولقوله ﷺَ « :م ْن َز َار َق ْو ًما َف َال َي ُؤ ام ُه ْمَ ،و ْل َي ُؤ ام ُه ْم َر ُج ٌل مِنْ ُه ْم»(.)4
قال الرتمذي« :والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أِحاب النبي ﷺ
( )1علقه البخاري -كتاب األذان /باب االستهام يف األذان ،قال :ويذكر« :أن أقواما اختلفوا يف األذان فأقرع
بينهم سعد».
( )2المغني ( ،)131/2االختيارات ص (.)10
( )3سبق تخرياه ص (.)423
( )4رواه أبو داود ( ،)526والرتمذي ( ،)356وأحمد ( ،)15602وابن خزيمة ( )1520من حديث مالك بن
الحويرث ﭬ .قال الرتمذي« :حديث حسن ِحيح» ،ويشهد له حديث أبي مسعود األنصاري ﭬ.
515
كـتـاب الـصـالة 516
516
517 فصلٌ يف اإلمامةِ
( )1رواه عبدالرزاق يف المصنف ( ،)10462وابن أبي شـيبة يف المصنف ( ،)30/2والبيهقي يف السنن
( .)112/3وِححه األلباين يف اإلرواء (.)523
( )2سبق تخرياه ص (.)513
( )3سبق تخرياه ص (.)500
( )4المغني (.)44/3
511
كـتـاب الـصـالة 518
516
519 فصلٌ يف اإلمامةِ
512
كـتـاب الـصـالة 520
520
521 فصلٌ يف اإلمامةِ
521
كـتـاب الـصـالة 522
522
523 فصلٌ يف اإلمامةِ
َ َ َ ه َ َ ُ ُ َ ً ُْ َ َ ُ
قوهل( :ومن صىل خلفه معت ِقدا بطالن صالت ِ ِه :أاعد).
فمن ِلى خلف من يعتقد بطالن ِالته لم تصح ِالته؛ ألنه ائتم بمن يعتقد
بطالن ِالته .وإن ِلى خلف من يعتقد ِحت ِالته ولو أخل بواجب ناسـيًا
أو مقلد ًا ِحت ِالته.
َ َ َ َ َ ُ
ار يف مسائ ِِل االجتِها ِد). قوهل( :وال إنك
المسائل التي لالجتهاد فيها ماال ،وتختلف فيها أنظار العلماء وكل له مستنده
الشـرعي ال ُيلزم المخالف الماتهد برأي آخر ،وإنما يبين الحق له بدليله يف نظر
المخالف ،وتتسع ِدور العلماء للمخالف فيها.
وأما قول البعض« :ال إنكار يف مسائل الخالف» فغير ِحيح ،فإن هنال مسائل
ال ماال لالجتهاد فيها ،كمسائل االعتقاد ،واألمور التي هي نص من الشارع ،فهذه
ينكر على المخالف فيها.
أما المسائل التي تحتاج إلى استنباأ ،والنصوص فيها محتملة ،فالناس على
قسمين:
األول :ماتهدون :وهؤالء ال إنكار عليهم يف اختيارهم وال تعنيف.
الثاين :عامة :وهؤالء ُي َردون إلى رأي علمائهم.
والمسائل المختلف فيها قسمان:
األول :مسائل ال يسوغ االختالف فيها :وهي التي فيها نص من كتاب اهلل
أوسنة رسوله ﷺ ،أو فيها إجماع ثابت ،كمسائل االعتقاد ،ووجوب الصالة،
وحرمة الفواحش ،ونحو ذلك ،فهذه ينكر على المخالف.
الثاين :مسائل يسوغ االجتهاد فيها :وهي التي ال نص فيها ِـريح ،وال إجماع،
فال ينكر على المخالف فيها إذا كان من أهل االجتهاد.
قال ابن القيم« :وكل مسألة ليس فيها سنة وال إجماع ولالجتهاد فيها مساغ لم
523
كـتـاب الـصـالة 524
524
525 فصلٌ يف اإلمامةِ
إمام ُت ُه يف انله
َ َ ُّ َ َ َُ ُ
الم َم ِّزي َ ُ
فل .ويف
ِ : ح صِ وت .رض
ِ الف يف ِغ
ِ لا بابل ِ ة ام إم وال:( : قوهل
َ
رض :ب ِ ِمثلِ ِه).
الف ِ
المميز إذا كان دون سن البلوغ فإمامته على ثالث حاالت:
األولى :إمامته بغير البالغ ِحيحة.
الثانية :إمامته بالبالغ يف النافلة ِحيحة.
الثالثة :إمامته بالبالغ يف الفريضة .المذهب :عدم ِحتها.
والرواية الثانية ،وهي األظهر :أهنا ِحيحة فِي ال َف ِ
رض والنفل ،وهذا مذهب
الشافعي ،واختاره ابن باز ،وابن عثيمين وهو الذي دلت عليه السنة.
أم قومه زمن رسول اهلل ﷺبن َس َل َم َة ﭬ ّ
فقد ثبت يف البخاري أن َعمرو َ
وعمره سبع سنين وكان أكثرهم قرآنا( ،)1فلو كانت ِالهتم باطلة لبينه رسول اهلل
ﷺ وهذا نص ِـريح.
ولعموم قول رسول ﷺَ « :ي ُؤ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ
َاب اهلل»(.)2
وأما اآلثار التي استدل هبا من منع من إمامة الصبي بالبالغ ،كقول ابن مسعود
ﭬ« :ال يؤمن الغالم حتى تاب عليه الحدود»( ،)3وقول ابن عباس ﭭ« :ال
يؤمن الغالم حتى يحتلم»( ،)4فعلى ما فيها من ضعف هي معارضة بما هو أقوى
منها ،وهو حديث َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ يف البخاري ،فهؤالء جماعة من الصحابة
مخالف
ٌ اقتدوا بالغالم ،قال ابن حار« :وقد نقل ابن حزم أنه ال ُيعلم لهم يف ذلك
منهم»( ،)5فاألخذ بحديث َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ أولى؛ للقطع بصحته ،وألنه يف حياة
525
كـتـاب الـصـالة 526
526
527 فصلٌ يف اإلمامةِ
ﯪ ﯫ﴾ [البقرة ،]266 :ورسول اهلل ﷺ ِلى بنعلين وفيهما نااسة ،فلما علم
نزعهما ولم يعد أو يستأنف الصالة( ،)1فمن فعل المنهي عنه ناسـيا فال إثم عليه،
كما دل له الكتاب والسنة ،وقد تقدم بيان هذا يف شـروأ ِحة الصالة ،وهذا
اختيار ابن قدامة ،وابن تيمية ،والسعدي ،وابن عثيمين(.)2
وإن علم اإلمام بالنااسة أثناء الصالة وجهل المأموم ،لزم اإلمام إزالتها أو
تقديم غيره ،فإن لم يفعل وأتم الصالة مع جهل المأمومين ،فإن ِالهتم ِحيحة
وِالته باطلة.
وإن علم المأموم وجهل اإلمام ،فصالة الاميع ِحيحة؛ ألن اإلمام معذور.
ََ ه ُ ُ ُ َ ِّ َ ُّ َ َ ُ ُ ِّ ُ
ِ
قوهل( :وال ت ِصح :إمامة األيم -وهو :من ال َي ِسن الفاحتة -إال ب ِ ِمثلِ ِه).
األمي :من ال يحسن القراءة والكتابة.
ويف اِطالح الفقهاء :هو من ال يحسن قراءة الفاتحة ال حف ًظا وال تالوة ،أو
يلحن هبا لحنًا يحيل المعنى ،أو يبدل حر ًفا بغيره ،كاأللثغ الذي يبدل الراء غينًا أو
ال ًما والسين ثا ًء ،فصالته لنفسه ِحيحة إذا لم يقدر على إزالة ُأميته؛ ألن اهلل
قال﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [التغابن.]16:
وأما إمامته بغيره فال تصح إال بمثله ممن ال يحسن الفاتحة؛ ألهنم غير قادرين.
وأما إمامته بالقادر على اإلتيان هبا ،فال تصح عند جمهور العلماء.
[متفق ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ
َاب» والدليل :قول رسول اهلل ﷺَ « :
عليه]( ،)3فالفاتحة ركن ،والقراءة مقصود عظيم يف الصالة ،ولذا يقدم األقرأ فيها،
واألولى المنع؛ لمخالفته قول رسول اهلل ﷺَ « :ي ُؤ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ
َاب اهلل»(.)4
521
كـتـاب الـصـالة 528
مسألة :فإن ِلى خلف إمام ولم يعلم أنه ال يحسن الفاتحة إال بعد الشـروع،
فهل يتم أو يقطع؟
هذه محل خالف ،ولو قيل بصحتها هنا وعدم القطع لكان له وجه ،وهبذا قال
عطاء ،وقتادة ،وأبو ثور ،وابن المنذر ،وأحمد يف رواية(.)1
َ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ ُّ ُ
رض ،وال عكس). قوهل( :وي ِصح :انلهفل خلف الف ِ
ِالة النافلة خلف من يصلي الفريضة ِحيحة بال خالف.
واألدلة على هذا كثيرة ،منها :ما رواه مسلم َع ْن َأبِي َذ نر ﭬ َق َالَ :ق َال لِي
الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ َأ ْو ُي ِمي ُت َ
ون ون اف َأن َْت إِ َذا كَان َْت َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ ول اهللَِ « :ك ْي َ َر ُس ُ
الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َهاَ ،فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها ِ ِ
الص َال َة َع ْن َو ْقت َها؟» َق َالُ :ق ْل ُتَ :ف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َالَِ « :ل ا ا
ِ ()2
َم َع ُه ْمَ ،ف َصلَ ،فإِن َاها َل َك نَاف َل ٌة» .
َ ْ َ
(وال عكس) :المذهب :أن الفريضة خلف النافلة ال تصح؛ لحديث« :إِن َاما
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِهَ ،فالَ َت ْختَلِ ُفوا َع َل ْي ِه»(.)3
ُج ِع َل ِ
والرواية األخرى ،وهي األظهر :أن الفريضة خلف النافلة ِحيحة؛ لما يف
ول اهللِ ﷺ ا ْل ِع َشا َء ْاآل ِخ َرةَُ ،ث ام َان ُي َصلي م َع رس ِ
َ َ ُ الصحيحينَ « :أ ان ُم َعا َذ ْب َن َج َب ُل ك َ
ِ ِِ
الص َال َة»( ،)4والثانية له نافلة ،ولم ينكر عليه َي ْر ِج ُع إِ َلى َق ْومهَ ،ف ُي َصلي ب ِ ِه ْم ت ْل َك ا
رسول اهلل ﷺ.
وروى أبو داود ،يف ِالة الخوف أن رسول اهلل ﷺ َِ « :الى بِ ِه ْم َر ْك َع َت ْي ِنُ ،ث ام
َس ال َمُ ،ث ام َجا َء ُأو َلئِ َك َف َص ال ْوا َخ ْل َف ُهَ ،ف َص الى بِ ِه ْم َر ْك َع َت ْي ِنُ ،ث ام َس ال َم»( ،)5والثانية يف حقه
526
529 فصلٌ يف اإلمامةِ
نفل؛ ألن الفرض تم بسالمه .وروى البخاري عن َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ« :أنه كان
يؤم قومه وهو ا ْب ُن ِس نت َأ ْو َس ْب ِع ِسنِي َن»( ،)1وهي يف حقه نافلة؛ ألنه لم يبلغ ،وهذا
مذهب اإلمام الشافعي ،ورواية عن أحمد ،واختاره شـيخ اإلسالم(.)2
َ ُ ُ َ ُ َ ََ َ َ ُّ َ ْ ه ُ َ ْ َ ُ
سم).
ِ ِالا يف ا ت ساو ت يث ح هكسوع ِ، ة احلاَض
ِ ف قوهل( :وت ِصح :المق ِضية خل
كظهر مقضـية خلف ظهر حاضـرة ،وعصـر خلف عصـر؛ ألن الصالة واحدة،
فكلها متفقة يف االسم ،وإنما اختلف الزمن.
وأما إن اختلف االسم ،مثل :ظهر خلف عصـر:
فالمذهب :عدم ِحة ذلك.
والراجح :أهنا ِحيحة ،وال مانع يف الشـرع منه ،وهذا اختيار شـيخ اإلسالم،
وجد ِه الماد ،والصنعاين ،وابن إبراهيم ،وابن باز.
َ
وإذا ِلى المغرب خلف من يصلي العشاء ،فيصح على الراجح ،فإذا قام
اإلمام إلى الركعة الرابعة جلس هو للتشهد ،وينتظره حتى يسلم ويغتفر هذا
التخلف؛ ألنه معذور شـرعا ،واهلل أعلم.
وأما إذا اختلفت الصلوات يف الهيئة اختالفا كبيرا ،مثل :الظهر خلف ِالة
الانازة ،فال يصح االئتمام.
=
ِحيح أبي داود (.)1135
( )1سبق تخرياه ص (.)321
( )2الفتاوى ( ،)362/23فتاوى ابن إبراهيم ( ،)306/2الممتع (.)352/4
522
كـتـاب الـصـالة 530
530
531 ف اإلمامِ
فصلٌ يف وُقو ِ
َُ ً َ َ ُ ه ُ ُ َ ُ َ َ ُ
حد :عن ي ِمينِ ِهُ ،ماذِيا هلُ).
قوهل( :وي ِقف الرجل الوا ِ
متأخرا عنه؛ لحديث ابن عباس ﭭ« :فقام النبي ﷺَ ،ف ُق ْم ُت َع ْن ً ال متقد ًما وال
ار ِهَ ،ف َا َع َلنِي َع ْن َي ِمين ِ ِه»( .)1وروى مسلم إدارة الرسول ﷺ لاابر ﭬ لما وقف َي َس ِ
عن يساره.
َ َ ُ ُ ِّ َ ََ َ ُّ َ َ ُ
اره مع خلو ي ِمينِ ِه). ِ س ي عن وال: ه،لف خ : حصِ ت وال( : قوهل
ال ياوز وقوف المأموم الواحد خلف اإلمام ،وال عن يسار إمامه مع خلو
اليمين ،فإن فعل فالمذهب أن ِالته ال تصح؛ إلدارة رسول اهلل ﷺ ابن عباس
وجابر ًا ﭫ ،فلو كانت ِحيحة ألبقاهما ،ولم ينشغل بإدارهتما.
القول الثاين :أن ِالته عن يسار إمامه ِحيحة ،إال أهنا خالف السنة؛ ألن
جابرا وابن عباس ﭭ أديا جزء ًا من الصالة عن يساره ،ولم يأمرهما الرسول ﷺ
ً
باإلعادة ،ولم يقل لهما ال تعودا لهذا ثانية ،وهو مذهب األئمة الثالثة ،ورجحه
السعدي ،وابن باز ،وابن عثيمين(.)2
فينبغي للمصلي تانب اليسار قدر الطاقة ،وعدم التهاون به مع خلو اليمين،
خاِة أن قول الحنابلة له وجاهته ،وإن كنا ال نقول بإعادة الصالة عن يسار اإلمام
مع خلو يمينه.
وأما ِالته خلفه من غير عذر ،فال تصح للنصوص الصـريحة كما سـيأيت.
َ ُ َ َُ َ َْ ُ ُ
قوهل( :وت ِقف المرأة :خلفه).
رجال ِفت خلفه ولو كانت وحدها؛ إذا كان المأموم امرأة ،فإن كان اإلمام ً
وز مِ ْن َو َرائِنَا» [متفق عليه].
لحديث أنس ﭬ قالَ « :وال َع ُا ُ
قال ابن عبدالرب« :أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل وحدها
531
كـتـاب الـصـالة 532
532
533 ف اإلمامِ
فصلٌ يف وُقو ِ
533
كـتـاب الـصـالة 534
ُّ َ ُ َ َ َ َ ُ المسج ِد :لم ت ُ َ َ
َ ْ َ َ ُ َ ُ ُ
الرؤية ،وكَف سماع شَّت ِط ِ قوهل( :وإن اكن اإلمام والمأموم يف
ري). ه
اتلكبِ ِ
فإن كان المأموم داخل المساد الذي فيه إمامه لم يشرتأ رؤية اإلمام
والمأمومين ،ويكتفي بسماع ِوت إمامه.
اإلمام أو
َ وإن كان المأموم خارج المساد ،فيشرتأ مع سماع الصوت أن يرى
بعض المأمومين.
الثانية :أن يكونوا يف مكان واحد كالمساد ،فيصح االقتداء ،ولو لم تتصل
الصفوف ،ولو كان بينهم مسافة طويلة ،ولولم يره ويكفي سماع ِوته وإمكان
االقتداء والسنة تتابع الصفوف.
الثالثة :أن يكون بين المأمومين واإلمام حائل يمنع مشاهدته كالادار ،وليس
بينهما طريق يمشـي الناس فيه ،فإن أمكنهم متابعته بسماع ِوته ،فيصح االقتداء
به ،وبه قال اإلمام أحمد ،واختاره ابن تيمية ،وشـيخنا ابن عثيمين؛ لحديث َعائِ َش َة
ِ ِِ ِ ِ
الح ْا َرة َق ٌ
صـير، ول اهلل ﷺ ُي َصلي م َن ال ال ْي ِل في ُح ْا َرتهَ ،و ِجدَ ُار ُ َان َر ُس ُڤ َقا َل ْت« :ك َ
ون بِ َصالَتِ ِهَ ،ف َأ ِْ َب ُحوا َفت ََحدا ُثوا ب ِ َذل ِ َك، َاس ُي َص ُّل َص النابِي ﷺ َف َقا َم ُأن ٌ ااس َش ْخ َ َف َر َأى الن ُ
ن َأ ْو َثال َ ًثا» [رواه ون بِ َصالَتِ ِهَِ ،نَ ُعوا َذل ِ َك َل ْي َل َت ْي ِ
َاس ُي َص ُّل َ ِ
َف َقا َم ال ال ْي َل َة ال اثان َيةََ ،ف َقا َم َم َع ُه ُأن ٌ
نصا ،لكن يستأنس هبذا الحديث. البخاري] ،وإن لم يكن ً
()1
َ ٌ َ َ ه ُّ ُ ْ َ َ ََُ َ ٌ َ
هر جت ِري فِي ِه السف ُن ،أو ط ِريق :لم ت ِصح). قوهل( :وإن اكن بينهما ن
هذه الحالة الرابعة إذا كان بين اإلمام والمأموم طريق تاري فيه المراكب ،أو
هنر تاري فيه السفن ،ففي ِحة االئتمام وجهان يف المذهب:
األول :ما ذكره المصنف أنه ال يصح ،وهو المذهب؛ ألن الطريق ليست محال
للصالة ،فأشبه ما يمنع االتصال وهو مذهب أبي حنيفة.
الثاين :أنه يصح ،وهو مذهب مالك والشافعي؛ ورجحه ابن قدامة ،والسعدي،
534
535 ف اإلمامِ
فصلٌ يف وُقو ِ
وابن باز؛ ألنه ال نص يف منع ذلك ،وال إجماع ،وال هو يف معنى ذلك ،وألنه ال
يمنع االقتداء ،فإن المؤثر يف ذلك ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت ،وليس هذا
بواحد منهما ،فإذا كان يمكنهم االقتداء به إما بسماع ِوته ،أو رؤية بعض
المأمومين ِح ذلك ال سـيما عند الحاجة ،وهو األظهر.
والعالمة ابن باز قال :البد من رؤية اإلمام والمأمومين ،ولو انقطعت
الصفوف.
وأما السعدي فقال :يكفي القدرة على االقتداء ،وإن لم يرهم ،وهذا مذهب
ُ
مالز: هنر» ،وقال أبو
بعض السلف ،قال الحسن« :ال بأس أن تصلي وبينك وبينه ٌ
جدار إذا سمع تكبير اإلمام»(.)2()1 ٌ طريق أو
ٌ «يأتم باإلمام وإن كان بينهما
ُ ُ َ َ ُ
أم ِ اإلم ُِ َ ُ ُ ُّ َ ُ
وم ،ال :عكسه). ام عن الم قوهل( :وك ِره :علو
علو اإلمام عن المأمومين وارتفاعه عليهم أثناء الصالة مكروه ،لحديث حذيفة
ان َأ ْر َف َع م ِ ْن
ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال« :إِ َذا َأم الرج ُل ا ْل َقومَ ،ف َال ي ُقم فِي م َك ُ
َ َ ْ ْ َ ا ا ُ
َم َقامِ ِه ْم»(.)3
وروى أبو داود َعن َهما ُم َأ ان ح َذي َف َة ﭬ َأم بِا ْلمدَ ِائ ِن َع َلى دك ُ
اانَ ،ف َأ َخ َذ َأ ُبو ُ ا َ ُ ْ ْ ا
يص ِه َف َا َب َذ ُهَ ،ف َل اما َف َر َغ مِ ْن َِ َالتِ ِه َق َالَ « :أ َل ْم َت ْع َل ْم َأن ُاه ْم كَا ُنوا ُين َْه ْو َن َع ْن
ود بِ َق ِم ِمسع ُ
َ ْ ُ
ِ ()4 ِ ِ
ين َمدَ ْد َتني» .ويستثنى من الكراهة حالتان: َذل َك؟» َق َالَ « :ب َلىَ ،قدْ َذك َْر ُت ح َ
( )1رواهما البخاري تعليقًا– كتاب األذان /باب إذا كان بين اإلمام وبين القوم حائط أو سرتة.
( )2المغني (.)153/2
( )3رواه أبو داود ( ،)526والبيهقي يف السنن ( )155/3من حديث حذيفة ﭬ .قال ابن عبد الهادي يف تنقيح
التحقيق (« :)426/2يف إسناد هذا الحديث رجل مبهم ،وأبو خالد ليس بمعروف ،ويحتمل أن يكون
الداالين ،وفيه كالم» ،وضعفه النووي يف خالِة األحكام ( ،)122/2واأللباين يف اإلرواء (.)544
( )4رواه أبو داود ( ،)521والحاكم ( ،)322/1والبيهقي يف السنن ( .)154/3وِححه النووي يف خالِة
األحكام ( ،)122/2وقواه ابن حار يف التلخيص الحبير ( ،)111/2واأللباين يف ِحيح أبي داود (.)610
وأعله الدارقطني وأبو حاتم.
535
كـتـاب الـصـالة 536
األولى :أن يرتفع بقصد التعليم ،فال كراهة ،وقد فعله رسول اهلل ﷺ كما يف
حديث سهل ﭬ أن رسول اهلل ﷺ ِلى على المنرب َو َك اب َر َو ُه َو َع َل ْيهُ ،ث ام َرك ََع َو ُه َو
َع َليهُ ،ثم ن ََز َل ال َقه َقرىَ ،فسادَ فِي َأِ ِل ِ
المنْ َب ِر ُث ام َعا َدَ ،ف َل اما َف َر َغ َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ
ااس، ْ َ َ ْ َ ْ ا
ااس ،إِن َاما َِنَ ْع ُت َه َذا لِت َْأ َت ُّمواَ ،ول ِ َت َع ال ُموا َِالَتِي»(.)1
َف َق َالَ « :أ ُّي َها الن ُ
الثانية :أن يكون مع اإلمام يف المكان المرتفع بعض المأمومين ،فإنه يزول
المنع؛ ألنه لم ينفرد يف المكان.
َ ُ ُ
(ال :عكسه) :فال كراهة يف علو بعض المأمومين على اإلمام ،فقد روى
ا ِد بِ َصال َِة ِ
اإل َما ِم»( ،)2وكذا البخاري« :أن أبا هريرة ﭬ ِ الى َع َلى س ْق ِ
ف المس ِ َ
َ ْ َ
روي عن ابن عمر ﭭ ،وما دام أنه ثبت عن أبي هريرة ﭬ من غير نكير من
الصحابة فهو حاة ،وهذا المذهب ،واختاره ابن باز ،وابن عثيمين(.)3
ُ ْ ً َ َُ ُ ُ ُ َ َ َ َ ً ُ َ َ ُ
ج ِد).
قوهل( :وك ِره ل ِمن أكل بصال أو فجال وَنوه :حضور المس ِ
أكل البصل والثوم حالل ،وعلى هذا جماهير العلماء ،ولذا قرهبا رسول اهلل ﷺ
َاجي» [متفق عليه](.)4 َاجي م ْن َال ُتن ِ إلى بعض أِحابه ،وقالُ « :ك ْل َفإِني ُأن ِ
َ
الم ْس ِا ِد ،وكان رسول اهلل ﷺ إذا ور َ وينهى من أكل الثوم أو البصل عن ُح ُض ِ
وجد ريحها من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع؛ وقال ﷺَ « :م ْن َأك ََل مِ ْن َه ِذ ِه
ادَ نَاَ ،فإِ ان ا ْلم َالئِ َك َة َت َأ اذى ،مِما َيت ََأ اذى مِنْ ُه ْ ِ
الش َار ِة ا ْلمنْتِن َِةَ ،ف َال َي ْقر َب ان مس ِ
ْس» [متفق اإلن ُ ا َ َ َ ْ ا َ ُ
536
537 ف اإلمامِ
فصلٌ يف وُقو ِ
عليه](.)1
يح َها» ب ِر ُ اجدَ نَاَ ،حتاى َي ْذ َه َ وقال ﷺ« :م ْن َأك ََل مِ ْن َه ِذ ِه ا ْل َب ْق َل ِة َف َال َي ْقر َب ان مس ِ
َ َ َ َ
اث َف َال َي ْق َر َب ان وم [متفق عليه]( ،)2وقال ﷺ« :من َأك ََل ا ْل َب َص َل َوال ُّثو َم َوا ْل ُك ار َ ِ
َي ْعني :ال ُّث َ
ادَ نَاَ ،فإِ ان ا ْل َم َالئِ َك َة َتت ََأ اذى مِ اما َيت ََأ اذى مِنْ ُه َبنُو آ َدمَ» [رواه مسلم](.)3
مس ِ
َ ْ
ون َش َا َر َت ْي ِن َال َأ َر ُاه َما إِ اال َخبِي َث َت ْي ِنَ ،ه َذا
ااس إنكم َت ْأ ُك ُل َ
وقال عمر ﭬَ « :أ ُّي َها الن ُ
ا ِد، يح ُهما مِ َن الر ُج ِل فِي ا ْلمس ِ ا ْلبص َل وال ُّثومَ ،ل َقدْ ر َأيت رس َ ِ
َ ْ ا ول اهلل ﷺ إِ َذا َو َجدَ ِر َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ
َأ َم َر بِ ِه َف ُأ ْخ ِر َج إ ِ َلى ا ْل َبقيعَِ ،ف َم ْن َأ َك َل ُه َما َف ْل ُيم ْت ُه َما َط ْب ًخا» [رواه مسلم] .
()4 ِ ِ
والمذهب :أن النهي للكراهة.
وذهب بعض العلماء أنه للتحريم ،واختاره ابن جرير ،وابن رجب ،وأهل
الظاهر ،قال اإلمام أحمد« :إن أكل ودخل المساد أثم»(.)5
مسألة :من أكلها فليصل الفريضة يف بيته ،وال يخلو من حالتين:
تحايال لرتل الاماعة ،فهو آثم.
ً األولى :إن أكلها
الثانية :وإن أكلها لرغبته فيها ،فال إثم عليه ،ولكن ليس له أجر الاماعة يف
المساد؛ ألنه ليس كالمريض الذي حصل له المرض بغير اختياره ،وينبغي
للمسلم أن يتحرى يف أكلها وقتًا تزول فيه رائحتها ،أو يطبخها حتى ال يتخلف عن
الاماعة.
وكون رسول اهلل ﷺ نص على الثوم والبصل والكراث هذا قيد أغلبي ،ويلحق
به ما كان رائحته كريهة تزعج المصلين ،كالدخان ،فال يحضـر المساجد ،وهو
531
كـتـاب الـصـالة 538
آثم(.)1
مسألة :إمام العراة نص أهل العلم أنه يكون وسطهم؛ ألنه أسرت له(.)2
مسألة :السنة أن تسوى الصفوف وتعدل ،وظاهر النصوص وجوب تسويتها،
ولذا توعد رسول اهلل ﷺ فقالَ « :ل ُتسو ان ِ ُفو َف ُكمَ ،أو َلي َخال ِ َفن اهلل بين وج ِ
وه ُك ْم» ا ُ َْ َ ُ ُ ْ ْ ُ َ ُّ ُ
[رواه مسلم](.)3
ول اهللِ ﷺ َي ْم َس ُح َمنَاكِ َبنَا فِي َان َر ُس ُ
ود ﭬ َق َال« :ك َ وروى مسلم َعن َأبِي مسع ُ
َ ْ ُ ْ
ِ ِ ِ
ف ُق ُلوبُ ُك ْم ،ل َيلِني منْ ُك ْم ُأو ُلو ْاأل َ ْح َال ِماست َُوواَ ،و َال َت ْختَلِ ُفواَ ،فت َْختَلِ َ الص َال ِةَ ،و َي ُق ُ
ولْ « : ا
والنُّهى ُثم ا ال ِذين ي ُلو َنهمُ ،ثم ا ال ِذين ي ُلو َنهمَ ،ق َال َأبو مسع ُ
ودَ :ف َأ ْن ُت ُم ا ْل َي ْو َم َأ َشدُّ ُ َ ْ ُ َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ ا ا َ َ
اختِ َال ًفا»(.)4ْ
الص َال ِة» [متفق عليه](،)5 ِ
وقال ﷺَ « :س ُّووا ُِ ُفو َف ُك ْمَ ،فإِ ان َت ْس ِو َي َة ا
الصف م ْن َت َما ِم ا
واألحاديث يف األمر هبا كثيرة ،ورجح الوجوب ابن حزم ،وشـيخ اإلسالم ،وابن
رجب ،وشـيخنا ابن عثيمين ،فعلى اإلمام االهتمام هبذا كما كان رسول اهلل ﷺ
وِحابته يفعلون ،وقد قال كعب« :إن كنت ألدع الصف المقدم من شدة قول
عمر استووا ،فإذا لم يسوي الاماعة ِفوفهم فهم آثمون»(.)6
الحرص على الصف األول لما له من فضائل منها: ُ وينبغي
ف ْاألَ او َل َع َلى مِ ْث ِل َِف أنه على مثل ِف المالئكة؛ لقوله ﷺَ « :وإِ ان ا
الص ا
ا ْل َم َالئِ َك ِةَ ،و َل ْو َعلِ ْم ُت ْم َما َفضـي َل ُت ُه َال ْبتَدَ ْر ُت ُمو ُه»(.)7
536
539 ف اإلمامِ
فصلٌ يف وُقو ِ
532
كـتـاب الـصـالة 540
540
541 ف اإلمامِ
فصلٌ يف وُقو ِ
مسألة :السنة يف ترتيب الصفوف تقديم الرجال على الصبيان؛ لقوله ﷺ« :ل ِ َيلِنِي
مِنْ ُك ْم ُأو ُلو ْاأل َ ْح َال ِم َوالن َُّهىُ ،ث ام ا ال ِذي َن َي ُلو َن ُه ْمُ ،ث ام ا ال ِذي َن َي ُلو َن ُه ْم» [رواه مسلم](.)1
فإذا سبق الصبيان خلف اإلمام ،فروي عن بعض السلف إقامة الصبيان،
وتقديم الكبار ،كما فعله أبي بن كعب مع قيس بن عباد(.)2
وهو قول الثوري وأحمد ،كما نقله ابن رجب عنهم(.)3
واألظهر :أن الصبي المميز إذا سبق إلى الصف األُول ،فال يؤخر من مكانه؛
وذلك:
ألنه سبق إلى ما لم يسبق إليه غيره.
ال ي ِقيم الرج ُل الرج َل مِن مالِ ِس ِه ُثم يالِس فِ ِ
يه» ا َ ْ ُ ْ َ ْ ا ُ ولعموم قول رسول اهلل ﷺ ُ ُ َ « :ا ُ
[متفق عليه]( ،)4وأما حديث« :ل ِ َيلِنِي مِنْ ُك ْم ُأو ُلو ْاأل َ ْح َال ِم َوالن َُّهىُ ،ث ام ا ال ِذي َن َي ُلو َن ُه ْمُ ،ث ام
ِ
أمرا بتأخير الصغار ا الذي َن َي ُلو َن ُه ْم» ،فهو حث الكبار على التقدم والمبادرة ،وليس ً
وأيضا هذا يؤدي إلى تنفير الصغار ،واختار هذا جماعة من العلماء، إن تقدمواً ،
منهم :أبو الربكات جد شـيخ اإلسالم ،والمرداوي يف اإلنصاف ،وابن باز،
وشـيخنا ابن عثيمين(.)5
541
كـتـاب الـصـالة 542
e َفصْلٌ
F
عقد هذا الفصل لذكر األعذار التي تسقط هبا ِالة الامعة والاماعة عن
العبد ،وهي داخلة يف قاعدة" :المشقة تالب التيسـير" ،و "الضـرر يزال" ،وهي
دليل على يسـر الشـريعة ورحمتها بالعباد حيث خففت عنهم الواجبات عند
حصول الضـرر والمشقة عليهم.
َ َ ُ ُ ُ َ ُ َ َ ََ ُُ َ ُْ َُ َ ُ
واجلماعةِ :الم ِريض .واخلائ ِف حدوث الم َر ِض. اجلمع ِة كِ َّتِ ب رذ ع ي ( : قوهل
ََ ُ َ َ َ ُ ْ َ ْ َُ َ ٌ َ ُ ُ َ ُ َ َ َ ََ
ي .ومن هل ضائ ِع يرجوه .أو َياف ضياع ِ
ماهلِ ،أو والمداف ِع أحد األخبث
َ َ ُ َ ُ َ ْ َ َِ َ ُ َف َواتَ ُه ،أو َ َ
َض ً
جر ِحل ِف ِظ ِه ،كنِطارة ِ بستان .أو ِ ؤ است ال م ىلع اف َي أو فيه. ار
َْ َ َ َ ُ َ َ َْ َ ََ َ
يل و
ِ ِ ط ت أو ، ة مِ ل ظم ةيل ل ب
ِ ِة د بار يح ور
ِ ، يد ِ ل وج ، ج أذ ًى بِمطرَ ،و َوحل ،وثل
َ
إمام).
اجلماعةِ :الم ِريض) :فالمرض عذر لرتل الامعة
َ ُ ُُ َ َ ََ َ
َّتكِ اجلمع ِة و (ي ْع َذ ُر ب َ ْ ُ
ِ
والاماعة؛ لقولـه تعالى﴿ :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ﴾ [النور ،]61 :وقولـه تعالى﴿ :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [البقرة.]266 :
ِ
ضـرت ات فِ ِ
يه َف َح ويف الصحيحين :أن رسول اهلل ﷺ َل اما َم ِر َض َم َر َض ُه ا ال ِذي َم َ
س»( ،)1مع أن بيته إلى جنب الصالَ ُةَ ،ف ُأذ َنَ ،ف َق َالُ « :م ُروا َأ َبا َب ْك ُر َف ْل ُي َصل بِالناا ِ
ا
المساد.
الص َال ِة إِ اال ُمنَافِ ٌق َقدْ ُعلِ َم
ف َع ِن اَخ ال ُوقال ابن مسعود ﭬَ « :ل َقدْ َر َأ ْي ُتنَا َو َما َيت َ
الص َال ِة»(.)2 ِ
يض َل َي ْمشـي َب ْي َن َر ُج َل ْي ِن َحتاى َي ْأت َي ا نِ َفا ُق ُهَ ،أ ْو َم ِر ٌ
يض ،إِ ْن ك َ
َان ا ْل َم ِر ُ
542
543 فصـــل
عذرا :هو ما يلحق ِاحبه بحضوره حرج ً وضابط المرض الذي يكون
ومشقة ،إما لعدم قدرته على المشـي ،أو إذا جاء للمساد شق عليه الصالة مع
الاماعة ،أو يخشـى زيادة المرض يف حضوره.
اع ِة.
الا َم َ ِ
الا ُم َعة َو َ
وأما إن لم يلحقه مشقة ،فليس بعذر لرتل ُ
َ ُ ُ ُ َ َ
(واخلائ ِف حدوث الم َر ِض) :فإذا خاف حدوث المرض لوجود أسبابه؛ ألنه يف
معنى المريض ،كأن يكون به جرح ويخشـى إن حضـر أن يزداد من الهواء ،أو
الربد ،أو المشـي ،ونحوه ،فهو عذر.
ُ َ ُ َ َ َ ََ
ي) :فإن كان يدافعه أحد األخبثين ،وهما البول (والمداف ِع أحد األخبث ِ
والغائط ،فإنه يذهب لقضاء حاجته ،ولو أدى إلى فوات ِالة الاماعة ،وهو
ِ ضـرة ال اط َعامَِ ،و َال ُه َو ُيدَ افِ ُع ُه ْ
األ َ ْخ َب َثان» [أخرجه
معذور هبذا؛ لقوله ﷺَ « :ال ِ َال َة بِح ِ
َ َ
مسلم](.)1
والحكمة من ذلك :أنه يشغل القلب عن الخشوع الذي هو لب الصالة.
وألنه يلحق المصلي ضـرر بحبسه البول والغائط.
و ُيلحق هبما :انحباس الريح والقيء ،فإذا كان يدافعهما وأقيمت الصالة
فليخرجها ثم يصلي.
ولو ِلى الحاقن فصالته ِحيحة عند جمهور العلماء ،خال ًفا البن حزم.
ولو خشـي أال ياد ما ًء ،فصالته بالتيمم بال احتقان أولى من ِالته بالوضوء
باالحتقان؛ ألن الصالة مع مدافعة أحد األخبثين منهي عنها ،ويف ِحتها نزاع،
وأما ِالته بالتيمم فصحيحة ال كراهة فيها باالتفاق ،وهذا مذهب اإلمام مالك،
وأحمد ،واختاره شـيخ اإلسالم(.)2
543
كـتـاب الـصـالة 544
اس ﭭ بلفظَ « :م ْن َس ِم َع الندَ ا َء َف َل ْم َي ْأتِ ِهَ ،ف َال وورد من طريق آخر َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
َِ َال َة َل ُه إِ اال مِ ْن ُع ْذ ُر»(.)2
وروى البخاري أن ابن عمر ﭭ ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل،
وكان بدريا ،مرض يف يوم جمعة ،فركب إليه بعد أن تعالى النهار ،واقرتبت
الامعة ،وترل الامعة(.)3
( )1رواه أبو داود ( )551من حديث ابن عباس ﭭ .وسنده ضعيف؛ فيه أبو جناب الكلبي ،وهو ضعيف،
وضعفه النووي هبذا يف خالِة األحكام ( ،)655/2وابن عبد الهادي يف تنقيح التحقيق (.)456/2
( )2سبق تخرياه ص (.)420
( )3رواه البخاري يف ِحيحه (.)3220
544
545 فصـــل
َ َ َ ُ َ َ َْ َ ً ََ َ َ َ
باردة بِليلة مظلِمة) :فإذا وجد
ِ يح ور
ِ ، يدِ ل وج ، جل وث ، ل ح (أو أذى بِمطر ،وو
مطر ،أو وحل ،أو ثلج ،أو ريح شديدة يحصل يف الخروج فيها مشقة ،فهي عذر
لرتل الاماعة.
ول اهللِ ﷺ ك َ
َان َي ْأ ُم ُر ا ْل ُم َؤذ َن إِ َذا كَان َْت ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ :اأن َر ُس َ
ولَ « :أ َال َِ ُّلوا فِي ِر َحال ِ ُك ْم»(.)1
الس َف ِر َأ ْن َي ُق َ ِ
ات َم َط ُر في ا َل ْي َل ٌة َب ِ
ار َدةٌَ ،أ ْو َذ ُ
قال ابن بطال« :ففيه دليل على أن التخلف عن الاماعة يف شدة المطر
والظلمة ،والريح ،وما أشبه ذلك مباح»(.)2
اس ﭭ َأ ان ُه َق َال ل ِ ُم َؤذنِ ِه فِي َي ْو ُم َمطِ ُير« :إِ َذا ُق ْل َت: ويف الصحيحين َع ْن ا ْب ِن َع اب ُ
الص َال ِةُ ،ق ْل: َأ ْشهدُ َأ ْن َال إِ َله إِ اال اهللَ ،أ ْشهدُ َأ ان محمدً ا رس ُ ِ
ول اهللَ ،ف َال َت ُق ْلَ :ح اي َع َلى ا ُ َ ا َ ُ َ ُ َ َ
ون مِ ْن َذاَ ،قدْ َف َع َل
الَ ،ف َق َالَ :أ َت ْع َا ُب َ اس َتن َْك ُروا َذ َ ااس ْ
ِ ِ
َِ ُّلوا في ُب ُيوت ُك ْمَ ،ق َالَ :ف َك َأ ان الن َ
َذا َم ْن ُه َو َخ ْي ٌر مِني ،إِ ان ا ْل ُا ُم َع َة َع ْز َمةٌَ ،وإِني ك َِر ْه ُت َأ ْن ُأ ْح ِر َج ُك ْم َفت َْم ُشوا فِي الط ِ
ين
ض»(.)3 َوالدا ْح ِ
ول اهللِ ﷺ فِي َس َف ُرَ ،ف ُمطِ ْرنَا، وروى مسلم َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َالَ :خر ْجنَا م َع رس ِ
َ َ ُ َ
َف َق َال« :ل ِ ُي َصل َم ْن َشا َء مِنْ ُك ْم فِي َر ْحلِ ِه»(.)4
وكذلك الاليد إذا كان هنال مشقة بالخروج فيه ،بل هو أولى من المطر.
َ َ َ ُ َ
باردة بِليلة مظلِمة) :المذهب :أن الريح الباردة إنما تكون عذر ًا إن وريح ِ ( ِ
ات َم َط ُر فِي كانت يف الليل؛ لحديث ابن عمر ﭭ« :إِ َذا كَان َْت َل ْي َل ٌة َب ِ
ار َدةٌَ ،أ ْو َذ ُ
الس َف ِر».
ا
545
كـتـاب الـصـالة 546
هنارا
واألقرب :عدم اشرتاأ الليل ،فمتى وجدت المشقة هبا ولو كانت الريح ً
جاز الرتخص هبا ،قال ابن حار« :ولم أر يف شـيء من األحاديث الرتخص بعذر
ِـريحا ،لكن القياس يقتضـي إلحاقه»( ،)1واختاره ابن عثيمين(.)2
ً الريح يف النهار
َ َْ
خارجا
ً يل إمام) :أي ومن األعذار أن يطول اإلما ُم يف الصالة تطويالً
ِ وِ ط(أو ت
عن السنة يشق عليه متابعته ،فيعذر برتل الاماعة؛ لقصة الرجل الذي ِلى مع
معاذ ﭬ ،فلما قرأ البقرة انحرف فصلى وحده( ،)3فلم يوبخه رسول اهلل ﷺ ،وإنما
َو اب َخ معا ًذا ﭬ على تطويله ،فإذا لم ياد جماعة أخرى سقط عنه وجوب
الاماعة.
مسألة :لو طرأت هذه األعذار أثناء الصالة ،فله أن ينفرد عن اإلمام ،ويكملها
ُ
معاذ ﭬ ،إال إذا كان ال يستفيد من االنفراد شـي ًئا، منفر ًدا ،كما يف قصة الرجل مع
مثل :أن يكون اإلمام يف آخر الصالة.
546
547 باب صالة أهل األعذار
541
كـتـاب الـصـالة 548
جدار من غير مشقة لزمه ذلك ،ويقدمه على القعود؛ ألنه قادر على القيام من غير
ِ
ضـرر؛ لقول رسول اهلل ﷺَ « :وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ
اس َت َط ْع ُت ْم» [متفق عليه](.)1
ول اهلل ﷺ
ْت مِحص ُن ڤَ « :أ ان رس َ ِ س بِن ِ وثبت عند أبي داود من حديث ُأم َق ْي ُ
َ ُ ْ َ
خ َذ َع ُمو ًدا فِي ُم َص اال ُه َي ْعت َِمدُ َع َل ْي ِه»(.)2 َل اما َأ َس ان َو َح َم َل ال ال ْح َم ا ات َ
َ َ َ ْ ََ ً
(فإن لم يست ِطع فقاعِدا) :إن شق عليه القيام وضـره ِلى قاعدً ا باإلجماع،
اعدً اَ ،فإِ ْن َل ْم َت ْستَطِ ْع َف َع َلىكما نقله ابن قدامة()3؛ لقوله ﷺَ « :فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ
ْ ْ ْ
ب َف َر ًسا، ِ ِ ْب» ،ويف الصحيحين من حديث أنس ﭬَ « :أ ان َر ُس َ َجن ُ
ول اهلل ﷺ َرك َ
اعدٌ َ ،ف َص ال ْينَاات و ُهو َق ِ ح َش ِش ُّقه األَيمنَ ،فص الى ِالَ ًة مِن الص َلو ِ َفصـرع َعنْه َفا ِ
َ َ َ ا َ َ ُ َْ ُ َ َ ُ ُ
َو َرا َء ُه ُق ُعو ًدا»( ،)4وال يكلف اهلل نفسا إال وسعها.
مسألة :ولم يبين يف حديث عمران ِفة القعود ،فدل على أنه كيفما قعد جاز،
سواء تربع ،أو افرتش ،أو اتكأ ،أو احتبى.
واستحب الفقهاء أن يكون مرتب ًعا؛ لقول َعائِ َش َة ڤَ « :ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ ُي َصلي
ُمت ََرب ًعا»( ،)5فإن أمكنه هذا فهو أولى ،وإن شق عليه فعل األيسـر يف حقه من التورل،
أو االفرتاش؛ لدخوله يف حديثَ « :فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ
اعدً ا.»... ْ ْ ْ
ويف حال القيام يضع يديه على ِدره ،كحال القيام يف الصحة.
وعند الركوع ياعل يديه على ركبتيه ويحني ظهره.
546
549 باب صالة أهل األعذار
والساود على األرض إن قدر عليه فهو الواجب ،وإن لم يقدر حنى ظهره،
ِ
وجعل يديه على ركبتيه من بابَ « :وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ
اس َت َط ْع ُت ْم» ،فإن لم
يقدر اكتفى باإليماء.
ْ َ َ َ ْ َ َ َ
(فإن لم يست ِطع فعىل جنبِه) :إن شق عليه الصالة قاعدً ا ِلى على جنبه.
أفض ُل) :فاألفضل كونه على جنبه األيمن« :ألن النابِي ﷺ كان ُي ْع ِ َ َ ُ َ
ا ُب ُه ا (واأليمن
ور ِهَ ،وفِي َش ْأن ِ ِه ُكل ِه» [متفق عليه](.)1
ال ات َي ُّم ُن ،فِي َتنَ ُّعلِ ِهَ ،و َت َر ُّجلِ ِهَ ،و ُط ُه ِ
فإن شق عليه ِلى على شقه األيسـر ،وجعل وجهه إلى جهة القبلة.
َ َ ُُ َ َ ُّ ُ ُ ُ ُّ ُ
بالرك ِ
وع وبالسجو ِد وَيعله أخفض) :من ِلى مستلقيًا على ظهره، (ويومِئ
أو جنبه يومئ بالركوع والساود برأسه إلى جهة ِدره ،وياعل الساود أخفض
من الركوع.
فإن لم يقدر على جنبه ِلى مستلق ًيا على ظهره ورجاله إلى القبلة ،ويومئ
بالركوع والساود إلى جهة ِدره؛ لقوله ﷺَ « :وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا مِنْ ُه َما
اس َت َط ْع ُت ْم».
ْ
َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ََ َ ْ َ
َ َ َ ْ َ َ
(فإن عجز أومأ بطرف ِ ِه واستحَض ال ِفعل بقلبِ ِه ،وكذا :القول إن عجز عنه
َ َ َْ ُُ َ ً َْ ُ ُ َ
بِلِسان ِ ِه .وال تسقط :ما دام عقله ثابِتا) :إن عاز عن الصالة على جنبه وظهره،
فهل يومئ بطرفه أو تسقط عنه الصالة؟
المذهب :أنه يومئ بطرفه ،وال تسقط عنه الصالة ما دام عقله ثابتًا ،فتسقط عنه
األفعال دون األقوال ،فياب أن يأيت بما يقدر عليه ،وينوي الركوع والساود،
ويأيت بأذكار الركوع والساود يف مواضعها؛ لقولـه تعالى﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾
ِ
[التغابن ،]16 :ولقولـه ﷺَ « :وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ
اس َت َط ْع ُت ْم» .وهذا أحوأ
للمسلم؛ لعمومات النصوص ،وهو قول الامهور :المالكية ،والشافعية،
542
كـتـاب الـصـالة 550
550
551 باب صالة أهل األعذار
وقيل :يصلي مع الاماعة قاعدً ا أفضل إذا كان ال يشق عليه ،وال يخرج من ذلك.
واستدلوا :بأن رسول اهلل ﷺ ِلى قاعدً ا يف مرضه كما يف الصحيحين(،)1
ِ
الر ُج ُل ُي ْؤ َتى بِه ُي َها َدى َب ْي َن ا
الر ُج َل ْي ِن َحتاى ُي َقا َم َان اوبقول ابن مسعود ﭬَ « :و َل َقدْ ك َ
الصف» [رواه مسلم]( ،)2وألنه قد ينشط إذا رأى الاماعة ،واختاره السعدي، ِ
في ا
وشـيخنا ابن عثيمين(.)3
َ ََ ُ َ َ ََ َ ُّ َ ه َ َ ْ َ َ ه َ
فس ِه
ووحل .أوَ :ياف ىلع ن ِ حو مطر، بن حل ِة ل ِمن يتأذى قوهل( :وت ِصح :ىلع الرا ِ
َ ُ ُ َ ْ َِ ُ َ َ ُ َ َ ُ
وهل .وعلي ِه :االستِقبال ،وما يق ِدر علي ِه .ويومِئ :من بالماءِ مِن ن ُز ِ
ِّ
َ ي).ِ والط
َ ََ ُ َ َ ََ َ ُّ َ ه َ َ ْ َ ه َ
فس ِه مِن ووحل .أوَ :ياف ىلع ن ِ حل ِة ل ِمن يتأذى بنح ِو مطر، (وت ِصح :ىلع الرا ِ
ُ
وهل)ِ :الة الفريضة ال تاوز على الراحلة ،ومثلها السـيارة؛ ألنه ال يقدر على ن ُز ِ
الركوع والساود الصحيح ،إال إذا كان يف مكان ال يقدر على النزول إلى األرض،
كأن يخاف على نفسه من إدرال العدو له ،أو كانت األرض فيها طين ووحل جاز
له أن يصلي على الراحلة؛ لقولـه تعالى﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن.]16 :
وروى الرتمذي عن َي ْع َلى ْب ِن ُم ار َة ﭬَ « :أ ان ُه ْم كَانُوا َم َع النابِي ﷺ فِي َس َف ُر،
الس َما ُء مِ ْن َف ْوقِ ِه ْمَ ،والبِ ال ُة مِ ْن َأ ْس َف َل ِ
الص َال ُةَ ،ف ُمط ُروا ،ا
ِ
ضـيقَ ،ف َحضـرت ا َفا ْن َت َه ْوا إِ َلى َم ُ
اح َلتِ ِهَ ،ف َص الى بِ ِه ْم ول اهللِ ﷺ و ُهو َع َلى ر ِ
اح َلتِ ِه ،و َأ َقامَ ،فتَ َقدا م َع َلى ر ِ مِنْ ُه ْمَ ،ف َأ اذ َن َر ُس ُ
َ َ َ َ َ َ َ
ِ ِ
الس ُاو َد َأ ْخ َف َض م َن ُّ
الر ُكو ِع»(.)4 ُيوم ُئ إِ َ
يما ًءَ :ي ْا َع ُل ُّ
اء َوطِ ُ ك ﭬَ « :أ انه ِ الى فِي م ُ َس ب ِن مال ِ ُ ِ
ين َ ُ َ قال الرتمذي« :وك ََذل َك ُر ِو َي َع ْن َأن ِ ْ َ
551
كـتـاب الـصـالة 552
552
553 فصل يف صالة املسافر
553
كـتـاب الـصـالة 554
وهذا مذهب جماهير العلماء ،ألن القصـر سنة رسول اهلل ﷺ ،فلم يثبت عنه
اإلتمام يف السفر ،وكذا خلفاؤه الراشدون ،وقد قال رسول اهلل ﷺَ « :ع َل ْي ُك ْم بِ ُسناتِي
اج ِذ»(.)1 اش ِدي َنَ ،تمس ُكوا بِ َهاَ ،و َع ُّضوا َع َل ْي َها بِالن َاو ِ وسن ِاة ا ْل ُ ِ
اء ا ْلمه ِديين الر ِ
َ ا خ َل َف َ ْ َ ا َ ُ
ب َأ ْن ُت ْؤ َتى ُر َخ ُص ُه ،ك ََما َي ْك َر ُه َأ ْن ُت ْؤ َتى ِ
وألنه رخصة من اهلل « :واهلل ُيح ُّ
َم ْعصـي ُت ُه»( ،)2فهو سنة مؤكدة ،ومن أتم ِحت ِالته لكنه خالف السنة ،ونص
طائفة على كراهة اإلتمام ،كما هو رواية عن اإلمام مالك ،وأحمد ،واختاره شـيخ
اإلسالم(.)3
ومما يشهد لاواز اإلتمام يف السفر:
أن األئمة األربعة نصوا على أن المسافر إذا ائتم بمقيم لزمه اإلتمام ،ولو كان
الواجب ركعتين لما جازت الزيادة.
وأن عائشة ڤ كانت تتم يف السفر بعد موت رسول اهلل ﷺ(.)4
وكذا عثمان ﭬ أتم بمنى ،وتابعه الصحابة ،كما رواه مسلم( ،)5إال أن متابعة
رسول اهلل ﷺ يف فعله هو األكمل.
ثم ب اين شروأ السفر الذي يقصـر فيه ،والمذهب أنه البد من ثالثة شروأ:
َُ ً َ َ َ ْ َ
األول( :ل ِمن ن َوى سف ًرا ،مباحا) :فسفر المعصـية ال يرتخص فيه برخص
السفر ،وهذا مذهب جمهور العلماء؛ ألن الرخص تسهيل على المكلف،
( )1رواه أبو داود ( ،)4601والرتمذي ( ،)2616وابن ماجه ( ،)42وأحمد ( ،)11144وابن حبان ( )5من
حديث العرباض بن سارية ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث حسن ِحيح».
( )2رواه أحمد ( ،)5666وابن خزيمة ( ،)250وابن حبان ( ،)2142والبيهقي يف السنن ( )200/3من
حديث ابن عمر ﭭ .قال النووي يف خالِة األحكام (« :)122/2رواه البيهقي بإسناد جيد» ،وِححه
األلباين يف اإلرواء (.)564
( )3الفتاوى (.)2/24
( )4رواه مسلم (.)665
( )5رواه مسلم ( )624من حديث ابن عمر ﭭ.
554
555 فصل يف صالة املسافر
َ َ ٍّ ُ َ ه
الثاين( :لمحل معي) :فلو لم يقصد مكانًا معينًا لم يقصـر على المذهب فال
ُ
وسائح ،ال يقصد مكانًا معينًا -أي أنه ال بد أن يقصد جهة قصر لِهائِ ُم ،وتائِ ُه،
َ
معينة.-
مسافرا ،فله
ً وقيل :إن بلغ مسافة َق ْص ُر َق َص َر ،وكذا سائح وتائه فما دام أنه خرج
القصـر ،ولو لم يحدد المكان ،وهذا له وجاهته.
َ َ َ ُ َ َ َ َ ُُ هَ َ َ َ َْ َ ً
ري
ِ ِس ب ل د
ِ عت م ن مز يف اند
ِ ِ ِقاص ان وم ي : ويه
ِ ا، خ الثالث( :بلغ ِستة عَش فرس
َ َ َْ
يب األقد ِام) أن يبلغ المسافة المحددة.
ِ ِ ب ود ، ال
األث ِ
ق
الامهور قالوا :السفر الذي يقصـر فيه محدد بمسافة ،وهذا مذهب المالكية،
والشافعية ،والحنابلة ،والمذهب حدها بأربعة برد ،والربيد مسـيرة نصف يوم،
555
كـتـاب الـصـالة 556
ميال ،وبالكيلوات قريب من ثمانين كيلو، ثمان وأربعين ً ُ واألربعة ُب ُرد قريب من
اس ﭫ َان ا ْب ُن ُع َم َرَ ،وا ْب ُن َع اب ُ
ورجحه ابن باز( .)1ودليلهم :ما يف البخاريَ « :وك َ
ان فِي َأ ْر َب َع ِة ُب ُر ُدَ ،و ِه َي ِس ات َة َعشـر َف ْر َس ًخا»(.)2
صـران ،وي ْفطِر ِ
َُ َ
ِ َي ْق
القول الثاين :أن السفر ال يحدد بمسافة ،وإنما يرجع إلى العرف ،فما تعارف
الناس أنه سفر فله القصـر فيه ،ولو كان أقل من ثمانين كيلو ،وما لم يتعارفوا على
أنه سفر لم يقصـر ولو كان أكثر ،وهذا اختيار ابن قدامة ،وابن حزم ،وابن تيمية،
وابن القيم ،والسعدي ،وشـيخنا ابن عثيمين( ،)3وهذا أقوى ،واهلل أعلم؛ ألن
النصوص مطلقة يف السفر ،وما روي من التحديد ليس من باب التقييد ،وإنما هو
حكاية حال.
سـير َة َث َال َث ِة َان رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ إِ َذا َخ َر َج َم َ وروى مسلم عن أنس ﭬ قال« :ك َ َ ُ
ِ ِ ُ
طويالً َأ ْم َيالَ ،أ ْو َث َال َثة َف َراس َخ َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن» ،وهذا يحتمل أنه كان إذا سافر ً
سفرا ()4
ِ
المسافة يقصـر إذا بلغ ثالثة أميال ،فيكون معناه الشـروع يف القصـر بعد تااوز هذه
سفرا
وهو األولى ،ويحتمل أنه إذا قصد هذا القدر من المسافة قصـر ولو لم يكن ً
طويال ،كما اختاره الصنعاين.
ً
سفر أم ال؟
لكن لو اضطرب العرف ولم يعلم هل هذا ٌ
رجع إلى قول الامهور يف تحديد المسافة؛ ألنه أضبط.
َ َ َ َ ُُ َ َ َ
فارق بيوت قريتِ ِه العام َِرة) :المسافر ال يرتخص برخص السفر حتى (إذا
يفارق بنيان بلده ،وهذا مذهب األئمة األربعة ،وهو قول علي ﭬ ،ورواية عن ابن
عمر ﭭ ،ويدل له:
( )1المغني (.)115/3
( )2رواه البخاري معلقا -كتاب أبواب تقصـير الصالة /باب يف كم يقصـر الصالة .ووِله :البيهقي يف السنن
(.)126/3
( )3المغني ( ،)106/3ماموع الفتاوى (.)36/24
( )4رواه مسلم ( )621من حديث أنس ﭬ.
556
557 فصل يف صالة املسافر
551
كـتـاب الـصـالة 558
ُ
واحدة مرتين. ُ
ِالة فعل ما يلزمه يف وقته ،ولم يأمره اهلل بفعل
َ ْ َ ْ َ ه َ َ َ ُ ُ َ
إن َد َخل َ ْ َ َ ُُ َ ُ ه ُ
َض .أو صىل خلف من احل يف و وه ها قت و ِ: ة ال الص ام إتم ه ملز وي ( : قوهل
َ َ ً ُِ َ َ ً َ َ الق ْ َ َ َ َ ُ
اإلحر ِام .أو ن َوى إقامة مطلقة َ .أو أكرث مِن
َ َ َص عِند نو
ِ يتِ ُّم .أو لم ي
ه ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ه ْ ََ ه
ِض إال بعد األربعةِ .أو أخ َر نق ِ َ حلاجة وظن أن ال ت أربع ِة أيام .أو أقام ِ
َ ُْ َ َ ُ ْ َ ه ه َ
الصالة بِال عذر حَت ضاق َوقتها عنها).
َ َ ُُ َ ُ ه
لزمه إتمام الصالة ِ) فيها: ذكر خمس حاالت (ي
الح ْظر
َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ
َض) :ثم سافر ،فيتم تغليبًا لاانب َ األولى( :إن دخل وقتها وهو يف احل ِ
واحتياطًا للصالة.
وقيل وله وجاهته يصليها قصـرا؛ ألن العربة بوقت فعل الصالة ،وهو قول أكثر
العلماء ،ورجحه شيخنا ابن عثيمين(.)1
َ ه َ َْ َ ْ ُ
الثانية( :أو صىل خلف من يتِ ُّم) :فيلزمه اإلتمام ،وبه قال جمهور العلماء:
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه»( ،)2ولمسلم
الحنفية ،والشافعية ،والحنابلة؛ لقوله ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ِ
َ
أن ا ْب َن ُعمر ﭭ« :كان إِ َذا َِ الى م َع ْ ِ
اإل َما ِم َِ الى َأ ْربَ ًعاَ ،وإِ َذا َِ اال َها َو ْحدَ ُه َِ الى َ ََ
َر ْك َع َت ْي ِن»(.)3
ولعموم قوله ﷺَ « :ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلواَ ،و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا» [متفق عليه](.)4
والمذهب ،وهو قول أكثر العلماء :أنه يلزمه اإلتمام ،ولو لم يدرل مع اإلمام
اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِهَ ،فالَ
ركعة؛ ألنه دخل معه يف الصالة؛ لعموم قوله ﷺ« :إِناما ُج ِع َل ِ
َ
َت ْختَلِ ُفوا َع َل ْي ِه» [متفق عليه](.)5
اس ﭭ كان بِ َم اكةََ ،فقيل له« :إِناا إِ َذا ُكناا َم َع ُك ْم َِ ال ْينَا
وروى أحمد أن ا ْب َن َع اب ُ
556
559 فصل يف صالة املسافر
اس ِم ﷺ»(.)1 َأربعا ،وإِ َذا رجعنَا إ ِ َلى ِرحالِنَا ِ الينَا ر ْكع َتي ِنَ .ق َال :تِ ْل َك سنا ُة َأبِي ا ْل َق ِ
ُ َ ْ َ َ ْ َ ًَْ َ َ َ ْ
ومن السلف من قال :إِ ْن َأ ْد َر َل َم َع ُه َر ْك َع ًة َأ َت امَ ،وإِ ْن َأ ْد َر َل َم َع ُه َأ َقل مِ ْن َر ْك َع ُة
الز ْه ِريَ ،والن َاخ ِعيَ ،و َقتَا َدةَ ،واألول أرجح(.)2 َقصـر ،وهو قول ا ْل َح َس ِنَ ،و ُّ
َ َ ْ َ َ َ َ
اإلحر ِام) :فالمذهب أنه يلزمه إتمام الصالة. َص عِند نو القالثالثة( :أو لم ي ِ
واألظهر :أنه يصليها قصـرا؛ ألن األِل القصـر ،فكما أن المقيم ال تلزمه نية
اإلتمام ،فالمسافر كذلك ال تلزمه نية القصـر من أولها ،وهذا مذهب اإلمام مالك،
وأبي حنيفة ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وشـيخنا ابن عثيمين ،ولم ينقل أن رسول اهلل
ﷺ كان يأمر أِحابه بنية القصـر عند االفتتاح.
َ ً ُ ََ ً َ
الرابعة( :أو ن َوى إقامة مطلقة) :غير مقيدة بزمن ،وال ينتقل منها إال لسبب
عارض ،فحكمه حكم المقيم ،و ُن ِق َل االتفاق عليه.
َ َ َ َ َ َ َ ه ْ َ َ
نق ِ َ ََ ه الخامسة( :أو َ َ
ِض إال بعد أكرث مِن أربع ِة أيام .أو أقام ِحلاجة وظن أن ال ت
َ ََ
األربع ِة) :فالمذهب أنه يتم وإن كانت أقل قصـر.
القول الثاين :إن نوى اإلقامة أربعة أيام أتم ،وأما دوهنا فله القصـر ،وهذا مذهب
اإلمام مالك ،والشافعي ،ورواية عن أحمد.
اجر بِم اك َة بعدَ َق َض ِ
اء ُن ُسكِ ِه َث َال ًثا» ِ
[رواه يم ا ْل ُم َه ِ ُ َ َ ْ
بدليل قول رسول اهلل ﷺُ « :يق ُ
مسلم]( ،)3فدل على أن الثالث يف حكم السفر.
فالامهور قالوا بالتحديد ،وأكثرهم حددها بأربعة أيام ،واختار هذا ابن باز؛
ألن األربعة إقامة النبي ﷺ يف حاة الوداع ،وما زاد عليها مختلف فيه ،وألن يف
التحديد ضب ًطا للناس.
واستدلوا :باآلثار التي تحدد إقامة رسول اهلل ﷺ كما ِلى يف تبول ،ونحوها.
552
كـتـاب الـصـالة 560
القول الثالث وهو األقرب :أن المدة ال تحدد بزمن ،وإنما يرجع إلى حاله ،فما
دام لم ُي ْا ِم ِع اإلقامة ،ويريد الرجوع إلى بلده بعد قضاء حاجته ،فله الرتخص حتى
ولو نوى أكثر من أربعة أيام.
ومن األدلة على ذلك :عموم نصوص القصـر يف السفر ،ولم تحده بأيام ،بل
اس ﭭ َق َال: ثبت أنه ﷺ قصـر يف مدة أطول من أربعة ،ففي البخاري َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
ِ ِ
اس ﭭ: « َأ َق ْمنَا َم َع النابِي ﷺ في َس َف ُر ت ْس َع َعشـر َة َن ْقصـر ا
الصالَ َة»َ ،و َق َال ا ْب ُن َع اب ُ
« َون َْح ُن َن ْقصـر َما َب ْينَنَا َو َب ْي َن تِ ْس َع َعشـرةََ ،فإِ َذا ِز ْدنَا َأ ْت َم ْمنَا»( ،)1ولم يقل لألمة ال
يقصـر الرجل إذا أقام أكثر من ذلك ،وإنما اتفقت إقامته هذه المدة.
ويف هذا دليل على أنه ياوز لإلنسان القصـر ،وإن أقام أكثر من أربعة أيام ما دام
لم ينو االستيطان واإلقامة.
مسافرا ،أو باقيًا يف
ً وهذا الراجح :أنه ال يحدد ،وإنما يضبط بضابط :فإن كان
بلد ولم ينو االستيطان ،ويصدق عليه أنه على سفر ،فإنه يقصـر ولو كانت المدة
أكثر من أربعة أيام ،واختار هذا القول شـيخ اإلسالم ،وابن القيم.
وأما من أقام يف بلد مدة طويلة ولم ينو االستيطان ،كحال الطلبة الذين يتغربون
للدراسة سنوات يف بلد آخر ،فاألحوأ يف حقهم أن يتموا وإن لم يامعوا اإلقامة:
خروجا من خالف أهل العلم واحتياطًا للصالة.
ً
وهؤالء ال يصدق عليهم أهنم مسافرون ،أو على سفر ،وإنما مستوطنون.
وإذا أتموا ِحت ِالهتم عند الاميع ،وأما إن قصـروا فصالهتم غير تامة
على مذهب جماهير العلماء(.)2
َ ُْ َ َ ُ ْ َ ه ه َ ه
السادسة( :أو أخ َر الصالة بِال عذر حَت ضاق َوقتها عنها) :فالمذهب يرون
أنه يتم الصالة وتكون قضاء.
560
561 فصل يف صالة املسافر
561
كـتـاب الـصـالة 562
562
563 فصل يف اجلمع
563
كـتـاب الـصـالة 564
ذلك ،وهذا قول عطاء ،وجمهور أهل المدينة ،والشافعي ،وإسحاق ،وابن المنذر،
ورجحه ابن باز ،وشـيخنا ابن عثيمين.
ول اهللِ ﷺ فِي
اذ ﭬ َق َالَ « :خر ْجنَا م َع رس ِ
َ َ ُ َ
والدليل :ما رواه اإلمام مسلم َعن مع ُ
ْ َُ
ان ُي َصلي ال ُّظ ْه َر َوا ْل َعصـر َج ِمي ًعاَ ،وا ْل َم ْغ ِر َب َوا ْل ِع َشا َء َج ِمي ًعا». َغ ْز َو ِة َت ُب َ
ولَ ،ف َك َ
قال ابن قدامة« :ويف هذا الحديث أوضح الدالئل ،وأقوى الحاج يف الرد على
من قال :ال يامع بين الصالتين إال إذا جد به السير؛ ألنه كان يامع وهو نازل غير
سائر ،ماكث يف خبائه ،يخرج فيصلي الصالتين جميعا ،ثم ينصرف إلى خبائه،
واألخذ هبذا الحديث متعين؛ لثبوته ،وكونه ِريحا يف الحكم ،وال معارض له،
وألن الامع رخصة من رخص السفر ،فلم يختص بحالة السير ،كالقصر والمسح،
ولكن األفضل التأخير؛ ألنه أخذ باالحتياأ ،وخروج من خالف القائلين بالامع،
وعمل باألحاديث كلها»(.)1
لم َش هق ِة َك َ
رثة ِ
َ ُ َ َ ه ٌ َ َ ُ ُ َ َ ُ ُ ُ
قوهل( :ويـباح :ل ِمقيم م ِريض ،يلحقه بَِّتك ِ ِه مشقة .و :ل ِم ْر ِضع
ُ ْ ُ ُ َ َ ُ ْ ه َ َ ُ ِّ َ َ َ ه َ
ارة ِ ل ُِك صالة .و :ل ِعذر ،أو شغل ،يبيح ترك جز عن الطه انلجاسةِ .و :ل ِعا ِ
َ َ ُُ َ
واجلماع ِة). اجلمع ِة
هذا القسم الثاين :وهو الامع يف الحضـر واألِل يف ِالة الحضـر وجوب
أدائها يف وقتها المحدد إال أنه يباح الامع يف الحضـر عند حصول أعذار:
َ َ ه ٌ َ َ ُ ُ َ َ ُ
األول( :ل ِمقيم م ِريض ،يلحقه بَِّتك ِ ِه مشقة) :وهذا مذهب اإلمام مالك،
وأحمد؛ لقوله تعالى﴿ :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾.
ول اهللِ ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر، اس ﭭ َق َالَ « :ج َم َع َر ُس ُ ولحديث ا ْب ِن َع اب ُ
فَ ،و َال َم َط ُر» َق َال َس ِعيد بن جبيرَ « :ف ُق ْل ُت اء بِا ْلم ِدين َِة ،فِي َغي ِر َخو ُ ب وا ْل ِع َش ِ
ْ ْ َ َوا ْل َم ْغ ِر ِ َ
اسَ :ما َح َم َل ُه َع َلى َذل ِ َكَ ،ق َالَ :أ َرا َد َأ ْن َال ُي ْح ِر َج ُأ ام َت ُه». ِال ْب ِن َع اب ُ
وثبت أن رسول اهلل ﷺ :أمر سهلة بن سهيل وحمنة بنت جحش لما
564
565 فصل يف اجلمع
استحيضتا بتأخير الظهر وتعايل العصـر ،ويامع بينهما بغسل واحد ،فقالْ « :
فإن
يت َع َلى َأ ْن ُت َؤخ ِري ال ُّظ ْه َر َو ُت َعالِي ال َعصـرُ ،ث ام َت ْغت َِسلِي َن ِحي َن َت ْط ُه ِري َنَ ،و ُت َصلي َنَق ِو ِ
الع َشا َءُ ،ث ام َت ْغت َِسلِي َن،
ال ُّظهر والعصـر ج ِميعاُ ،ثم ُت َؤخ ِرين الم ْغ ِرب و ُتعالِين ِ
َ َ َ َ َ َ ا َ ً َْ َ َ
الص َال َت ْي ِنَ ،فا ْف َعلِي»(.)2()1 ِ
َو َت ْا َمعي َن َب ْي َن ا
مسألة :وضابط المرض المبيح للامع :هو ما يلحقه برتل الامع مشقة ،قيل
ألبي عبداهلل« :المريض يامع بين الصالتين؟ فقال :إين ألرجو له ذلك ،إذا ضعف
وكان ال يقدر إال على ذلك»(.)3
رثة ِ انلهجاس ِة) :قال شـيخ اإلسالمَ « :و َي ُا ُ
وز ل ِ ْل ُم ْر ِض ِع
َ لم َش هق ِة َك َ َ ُ
الثاين( :ول ِم ْر ِضع
َص َع َل ْي ِه َأ ْح َمدُ ،وقد ُ
ب في ُكل َِ َالة ،ن ا
َان ي ُش ُّق َع َليها َغس ُل ال اثو ِ ِ
ْ َْ ْ َأ ْن َت ْا َم َع إ َذا ك َ َ
ب وا ْل ِع َش ِ
اء بِا ْل َم ِدين َِة ،فِي َغ ْي ِر «جمع رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـرَ ،وا ْل َم ْغ ِر ِ َ َ َ َ َ ُ
اسَ :ما َح َم َل ُه َع َلى َذل ِ َكَ ،ق َال: فَ ،و َال َم َط ُر» َق َال َس ِعيد بن جبيرَ :ف ُق ْل ُت ِال ْب ِن َع اب ُ َخو ُ
ْ
َأ َرا َد َأ ْن َال ُي ْح ِر َج ُأ ام َت ُه»(.)4
ه َ َ ُ ِّ َ َ َ
ارة ِ ل ُِك صالة) :كالمستحاضة ومن به سلس ،أو جز عن الطه الثالث( :ول ِعا ِ
جرح ال يرقأ دمه ،أو رعاف دائم ونحوه.
قال شـيخ اإلسالم« :فاألحاديث كلها تدل على أنه جمع يف الوقت الواحد
لرفع الحرج عن أمته ،فيباح الامع إذا كان يف تركه حرج قد رفعه اهلل عن األمة،
وذلك يدل على الامع للمرض الذي يحرج ِاحبه بتفريق الصالة بطريق األولى
واألحرى ويامع من ال يمكنه إكمال الطهارة يف الوقتين إال بحرج كالمستحاضة،
( )1رواه الرتمذي ( ،)126وأبو داود ( ،)261وأحمد ( )21414من حديث حمنة بنت جحش ڤ .قال
الرتمذي« :هذا حديث حسن ِحيح ،وسألت محمد ًا عن هذا الحديث ،فقال :هو حديث حسن .وهكذا
قال أحمد بن حنبل :هو حديث حسن ِحيح» .وانظر :العلل البن أبي حاتم ( ،)564/1اإلرواء (.)166
( )2المغني ( ،)135/3فقه السنة ( ،)221/1الممتع (.)554/4
( )3المغني (.)135/3
( )4الفتاوى الكربى (.)31/2
565
كـتـاب الـصـالة 566
566
567 فصل يف اجلمع
معه مشقة جاز الامع بين الظهرين ،والحكم يدور مع العلة وجو ًدا وعد ًما(.)1
ٌ ٌ َ ٌَ َ َ ٌ َ ٌ ٌَْ
باردة) :الامع بسبب ِ ة يد د
ِ ش حي
ِِ ر و: .ل ح و و: .يد ِ ل ج و: .ج الخامس( :ثل
الز َل ُق والطين ،فإذا تأثرت األسواق بالمطر ،وشق على الناس المشـي الوحل وهو َ
فيها جاز الامع يف المساد؛ ألن المشقة تلحق فيه ،ويتأذى الناس به يف ثياهبم
وأقدامهم ،وقد يتعرض اإلنسان للزلق فيؤذي نفسه ،ويقذر ثيابه ،وهذا أعظم من
المطر يف العذر برتل الامعة والاماعة ،فدل على
َ ُ
الوحل البلل ،وقد ساوى
تساويهما يف المشقة المرعية يف الحكم ،وهذا مذهب اإلمام مالك ،والحنابلة،
ورجحه ابن قدامة(.)2
ول اهللِ ﷺ ك َ
َان َي ْأ ُم ُر ا ْل ُم َؤذ َن إِ َذا كَان َْت ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ :ا
أن َر ُس َ
ولَ « :أ َال َِ ُّلوا فِي ِر َحال ِ ُك ْم» ،ولمسلم« :إين الس َف ِر َأ ْن َي ُق َ ِ
ات َم َط ُر في ا َل ْي َل ٌة َب ِ
ار َدةٌَ ،أ ْو َذ ُ
الز َل ِل»(.)3
ض َو ا ك َِر ْه ُت َأ ْن َت ْم ُشوا فِي الدا ْح ِ
وقرر شـيخ اإلسالم أن الامع ألجل الوحل الشديد أو الريح الشديدة الباردة
ال جائز يف أِح قولي العلماء ،كما هويف الليلة المظلمة وإن لم يكن المطر ناز ً
مذهب اإلمام مالك ،وأحمد ،قال« :وذلك أولى من أن يصلوا يف بيوهتم»(.)4
َ َ َ ُ ُّ ِّ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ َ ه ٌ
السادس( :و :مط ٌر يبل اثلياب ،وتوجد معه مشقة) :الامع بسبب المطر
وهذا جائز ،وبه قال جماهير العلماء ،كمالك والشافعي ،وأحمد ،وإسحاق،
والوحل ،والريح الشديدة
َ واألوزاعي ،والفقهاء السبعة ،ويلحق به الثلج والاليد
الباردة.
ول اهللِ ويدل لمشـروعيته :ما يف الصحيحين عن ا ْب ِن َع اب ُ
اس ﭭ َق َالَ « :ج َم َع َر ُس ُ
561
كـتـاب الـصـالة 568
ب وا ْل ِع َش ِ
اء بِا ْلم ِدين َِة ،فِي َغي ِر َخو ُ
فَ ،و َال َم َط ُر». ْ ْ َ ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـرَ ،وا ْل َم ْغ ِر ِ َ
قال سعيد بن جبير« :فقلت البن عباس :ما حمله على ذلك ،قال :أراد أن ال
يحرج أمته».
وثبت أن ابن عباس وابن عمر ﭫ كانا يامعان بسبب المطر ،وكان األمراء
إذا جمعوا بين الصالتين؛ المغرب والعشاء يف المطر جمع ابن عمر معهم(.)1
وعن هشام بن عروة أن أباه عروة ،وسعيد بن المسيب ،وأبي بكر بن
عبدالرحمن بن الحارث بن هشام :كانوا يامعون بين المغرب والعشاء يف الليلة
المطيرة إذا جمعوا بين الصالتين ،وال ينكرون ذلك(.)2
فالامع بين المغرب والعشاء لعذر المطر جماهير العلماء على جوازه؛
لحديث ابن عباس ﭭ ،واآلثار عن الصحابة والتابعين من غير نكير.
قال شـيخ اإلسالم« :فهذه االثار تدل على أن الامع للمطر من األمر القديم
المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين مع أنه لم ينقل أن أحدً ا من الصحابة
ٌ
منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك.)3(»... والتابعين أنكر ذلك ،فعلم أنه
وقال أيضًا« :الصالة جم ًعا يف المساجد أولى من الصالة يف البيوت مفرق ًة
ُ
كمالك ،والشافعي ،وأحمد»(.)4 باتفاق األئمة الذين ياوزون الامع:
وضابط المطر الذي يامع فيه :ما يحصل معه مشقة من الخروج.
قال ابن قدامة« :هو ما يبل الثياب ،وتلحق المشقة بالخروج فيه ،وأما ال اطل
والمطر الخفيف فالامع ال ياوز فيه ،والثلج كالمطر يف جواز الامع»(.)5
( )1رواه مالك يف الموطأ ( ،)362وعبدالرزاق يف المصنف ( ،)4436وابن أبي شـيبة يف المصنف (،)44/2
والبيهقي يف السنن (.)232/3
( )2رواه البيهقي يف السنن ( ،)240/3وابن أبي شـيبة يف المصنف (.)44/2
( )3ماموع الفتاوى (.)63/24
( )4ماموع الفتاوى (.)30/24
( )5المغني (.)132/2
566
569 فصل يف اجلمع
َ َ َْ َ َ ُ ُْ َ َ
ريه ِ).
خ ِمع ،أو تأ ِ
قوهل( :واألفضل :ف ِعل األرف ِق ،مِن تق ِدي ِ ِم اجل ِ
ياوز جمع التقديم والتأخير.
والقاعدة يف الامع :أن يراعي حاجته ،واألرفق به من التقديم أو التأخير،
وليس أحدهما بأولى من اآلخر ،وإنما يرجع إلى الحاجة والمصلحةَ ،ف َقدْ َي ُك ُ
ون
اء ،و ُهو َظ ِ ِ ب ُج ْم ُه ِ
اه ُر ور ا ْل ُع َل َم َ َ ون َه َذا َأ ْف َض َلَ ،و َه َذا َم ْذ َه ُ
َه َذا َأ ْف َض َلَ ،و َقدْ َي ُك ُ
ص َعنْ ُه َو َغ ْي ِر ِه ،كما قرره شـيخ اإلسالم ،وعليه فما ثبت عن ب َأ ْح َمد ا ْل َمن ُْصو ِ
َم ْذ َه ِ
رسول اهلل ﷺ فالسنة متابعته ،كالامع يف عرفة فالسنة جمع التقديم ،ويف مزدلفة
السنة جمع التأخير ،وما لم يثبت فيه شـيء مقيد ،فيفعل األيسـر واألرفق يف حقه
َان إِ َذا ْار َت َح َل َق ْب َل َأ ْن َت ِز َ
يغ وحق الاماعة ،وكان رسول اهلل ﷺ يراعي هذا ،فقد« :ك َ
الشمس َأ اخر ال ُّظهر إ ِ َلى و ْق ِ
ت ال َعصـرُ ،ث ام َي ْا َم ُع َب ْينَ ُه َماَ ،وإِ َذا َزا َغ ْت َِ الى ال ُّظ ْه َر ُث ام َ َْ َ ا ْ ُ
ب»( .)1وبنحوه عن معاذ ﭬ عند أبي داود(.)2 ِ
َرك َ
مسألة :هل الامع يف الحضـر مختص هبذه األعذار ،أم أنه مضبوأ بالحاجة
والمشقة ،ولو من غيرها؟ هذا موطن نزاع.
والراجح :أن الامع جائز عند الحاجة إذا لم يتخذ عادة ،واختاره ابن المنذر،
وشـيخ اإلسالم ،وشـيخنا ابن عثيمين.
ول اهللِ ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر،
اس ﭭ َق َالَ « :ج َم َع َر ُس ُ ويدل له :حديث ا ْب ِن َع اب ُ
فَ ،و َال َم َط ُر»َ .ق َال َس ِعيد بن جبيرَ « :ف ُق ْل ُت ب وا ْل ِع َش ِ
اء بِا ْلم ِدين َِة ،فِي َغي ِر َخو ُ
ْ ْ َ َوا ْل َم ْغ ِر ِ َ
اسَ :ما َح َم َل ُه َع َلى َذل ِ َكَ ،ق َالَ « :أ َرا َد َأ ْن َال ُي ْح ِر َج ُأ ام َت ُه» ،وهذه قاعدة عامة ِال ْب ِن َع اب ُ
عند حصولها ياوز الامع ،وهذا يدل على أن أسباب الامع مضبوطة وليست
معدودة محدودة.
562
كـتـاب الـصـالة 570
ْ ُ َ ه ُ ُ َ
ِند َ لص هح ِة َ ُ َ ْ َََ َ ً ُ
إحر ِام األوىل .وأن مع :ن ِـيـتـه عاجل ِ اشَّتط ِ ا يم د
ِ ق ت عمج فإن ( : قوهل
ْ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ ِ َ َ َُ َ َ ََُ َ
حو ناف ِلة ،بل :بِقد ِر إقامة ،ووضوء خ ِفيف .وأن يوجد ِ ال يف ِّرق بينهما بِن
ََ ِ ه َ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ
اغ اثلانِي ِة).ح ِهما .وأن يست ِم هر إىل فر العذ ُر عِند افتِتا ِ
المذهب :أنه يشرتأ لامع التقديم مراعاة أربعة أمور:
ُ َ ِند َ َ ه ُ ُ
إحر ِام األوىل) :أن ينوي الامع عند تكبيرة اإلحرام األول( :ن ِـيـتـه ع
لألولى ،مثل الظهر يامع معها العصـر ،والمغرب يامع معها العشاء.
ويف هذا نظر ،واألظهر أنه ال يشرتأ ذلك ،لكن ينوي الامع عند إحرام الثانية؛
ألن رسول اهلل ﷺ لم يرد أنه أمر الصحابة به ،ولو كان واج ًبا ألمرهم بالنية قبل
الصالة ،وإنما يشرتأ وجود سبب الامع عند الامع ،ونسبه شـيخ اإلسالم
للامهور ،واختاره هو وابن عثيمين.
َ ُ ُ َ ْ َ َ َ ُ َ ِّ َ َ َ ُ َ َ ْ
حو ناف ِلة ،بل :بِقد ِر إقامة ،ووضوء خ ِفيف):
ِ نِ ب ا مهين ب ق ر ف ي ال وأنالثاين( :
فتشرتأ المواالة بين األولى والثانية ،وأن ال يفرق بينهما بفاِل طويل ،فإن أطال
الفصل بينهما بطل الامع ،والمرجع يف الفصل اليسـير والطويل العرف ،كما هو
الشأن يف األمور التي ال ضابط لها يف الشـرع أو يف اللغة ،كالحرز ،والقبض،
وغيرهما .قال ابن عثيمين« :وهذا األحوأ».
وشـيخ اإلسالم يخالف يف هذا ،واختار أنه ال تشرتأ المواالة بين الصالتين،
نصوِا عن اإلمام أحمد تدل على ما ذهب إليه(.)1
ً ونقل
َ َ َ ْ ُ َ َ ُ ْ
الثالث( :وأن يوجد العذ ُر عِند افتِتا ِ
ح ِهما) :وقيل يشرتأ وجود العذر عند
افتتاح الثانية فقط ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وشـيخنا ابن عثيمين.
ََ ِ ه َ ْ َ َ
اغ اثلانِي ِة) :فإن زال العذر أثناء الصالة الثانيةالرابع( :وأن يست ِم هر إىل فر
ِحت نفالً.
واألظهر :أنه يكفي استمرار العذر لحين الشـروع يف الثانية ،كما ذكره ِاحب
510
571 فصل يف اجلمع
الزاد ،واختاره ابن قدامة ،وما ترتب على المأذون غير مضمون(.)1
مسألة :لو جمع بين الصالتين جمع تقديم ،ثم زال العذر قبل دخول وقت
الثانية ،فال إعادة عليه؛ ألهنا وقعت مازئه على الوجه الشـرعي ،فربئت الذمة،
وألنه أدى فرضه حال العذر ،فلم يبطل بزواله بعد ذلك ،وما ترتب على المأذون
غير مضمون ،كالمتيمم إذا أدى الصالة ثم وجد الماء(.)2
ُ َ ََْ ْ َ َ ُ اشَّت َط :ن هِي ُة َ ْ َ
ً ُ ْ َََ
قت األوىل ،قبل أن ي ِضيق َوقتها اجلم ِع بِو ِ ِ خرياقوهل( :وإن مجع تأ ِ
اثلان َِيةِ .الَ :غ ُ
ري).
ه
ول َو ِ
قت
ُ ُ ََ ُ ُ ْ َ
عنها .وبقاء العذ ِر إىل دخ ِ
أي يشرتأ لامع التأخير شـرطان:
ُ َ ََْ ْ َ َ َ ُ َ األول( :ن هِي ُة َ ْ َ
قت األوىل ،قبل أن ي ِضيق وقتها عنها) :ألنه ال ياوز أن اجلم ِع بِو ِ
ئذ قضاءيؤخر الصالة عن وقتها بال عذر إال بنية الامع حيث جاز؛ ألهنا تصـير حين ُ
ال أدا ًء.
ه َ ُ ُ ْ ََ ُ ُ
ول َو ِ
قت اثلانِي ِة) :فإن لم يستمر فالامع ال ياوز؛ الثاين( :وبقاء العذ ِر إىل دخ ِ
ألن تأخير الصالة عن وقتها بال عذر حرام.
(الَ :غ ُ
ري) :إشارة إلى عدم اشرتاأ المواالة يف جمع التأخير ،فلو ِ ّلى األولى
يف أول وقت الثانية ،ثم ِ ّلى الثانية بعدها بساعة ِح.
والمذهب :اشرتاأ المواالة يف جمع التقديم ،دون جمع التأخير.
واختار شـيخ ِ
اإلسالم أن المواالة ال تشرتأ ال يف جمع التقديم وال التأخير.
مسألة :هل تامع ِالة العصـر مع الامعة يف السفر والحضـر؟
مذهب جمهور العلماء أنه ال ياوز الامع بينهما؛ ألن األِل يف العبادات
المنع إال بدليل ،ولم يرد عن رسول اهلل ﷺ أنه جمع بين العصـر والامعة ،وقد
511
كـتـاب الـصـالة 572
512
573 فصل يف اجلمع
مسألة :إذا جمع يف وقت األولى ،فله أن يصلي راتب َة الثانية منهما ،ويوتر قبل
دخول وقت الثانية؛ ألهنا تابعة للصالة ،وكذا الوتر؛ ألن وقته ما بين ِالة العشاء
والفار.
مسألة :إذا جمع إمام المساد لعذر عام فيتبعه المأموم؛ ألن العذر إذا وجد من
ً
استقالال ،واهلل البعض يف حكم يعم روعي األضعف ،ويثبت تب ًعا ما ال يثبت
أعلم(.)1
513
كـتـاب الـصـالة 574
514
575 فصل يف صالة اخلوف
وتخفيف ،ثبتت للدفع عن نفسه يف أمر مباح ،فال يتمتع هبا العصاة؛ ألن يف ذلك
ٌ
إعان ًة على المعصـية ،وإنما يؤمرون بالكف عن القتال.
ِ َ َ ً َ ًَ
(حَضا ،وسفرا)ِ :الة الخوف مشـروع ٌة حضـر ًا وسفر ًا إذا احت َ
يج إليها ،وال
تختص بالسفر؛ لعموم اآلية يف قوله تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[ ﴾...النساء ،]102:وهذا قول اإلمام أحمد ،ومالك،
واألوزاعي ،وغيرهم ،واآلية عامة يف كل حال ،وإنما لم ُينقل عن رسول اهلل ﷺ
فعلها يف الحضـر لغناه عنها ،وقد كانت حروبه خارج المدينة ،إال ما كان من غزوة
الخندق ،وهي قبل شـرع ِالة الخوف(.)1
َ َ َ ه َ َ ََ َ َ َ َ َ ُ
ات الصالة ِ ،بل :يف ِصفتِها، ِ ع ك ر د
ِ دع ري
ِِِ غي ت يف : وف
ِ ِلخ ل ِري ث أت وال( : قوهل
رشوطِها). وب ْع ِض ُ ُ
َ
اإل َما ِم َوا ْل َم ْأ ُمو ِم َج ِمي ًعا يف قول األئمة
ات فِي َحق ْ ِ ف َال ي َؤثر فِي َعدَ ِد الر َكع ِ
ا َ ا ْل َخ ْو َ ُ ُ
األربعة ،وهو قول ابن عمر ﭭ فلو ِلوها يف حضـر لم يقصـروا(.)2
ُ
طائفة ركعةً ،وتتم سفر يبيح القصـر ِ ّلى هبم ركعتينّ ،
بكل فإذا كانوا يف ُ
ألنفسها أخرى.
ُ
طائفة ركعتين ،وتتم ألنفسها وإذا كانوا يف الحضـر ِ ّلى هبم أربعًاّ ،
بكل
أخرى .هذا قول أكثر العلماء.
ألن ِالة الخوف مبنية على التّخفيف، الصالة؛ ّ واألولى أن يخ ّفف هبم اإلمام ّ
ُ
خفيفة. ُ
بسورة وكذلك ال ّطائفة ا ّلتي تفارقه تص ّلي لنفسها ،تقرأ
َُ َ َ َ َ ً َ ْ وفَ :صلهوا ر َج ًاال ُ
َه َ ُ َ ُ
لزم ريها ،وال ي
ِ وغ ة
ِ بل ق
ِ لل ا، ان ب ك ور ِ اخل د اشت اوإذ ( : قوهل
َ َ ُْ ُْ َ َ ََُ ْ َ َ ُ َ
افتِتاحها إيلها ،ولو أمكن ،يومِئون طاقتهم).
ال وركبانًا عند اشتداد الخوف والتحام الصفين :يصلون كيفما أمكنهم ،رجا ً
515
كـتـاب الـصـالة 576
إلى القبلة ،وإلى غيرها حسب الطاقة ،ويتقدمون ويتأخرون ،ويضـربون ويطعنون،
و َيكِ ُّرون ويفرون ،وال يؤخرون الصالة عن وقتها ،وهذا قول أكثر أهل العلم.
والدليل عليه :قول اهلل ﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
َان َخ ْو ًفا ُه َو ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ ،قال ابن عمر ﭭَ « :فإِ ْن ك َ
َأ َشدا مِ ْن َذل ِ َك َِ ال ْوا ِر َجاال قِ َيا ًما َع َلى َأ ْقدَ امِ ِه ْمَ ،أ ْو ُر ْك َبانًا ُم ْس َت ْقبِلِي ا ْل ِق ْب َلةََ ،و َغ ْي َر
ال ُأ َرى َع ْبدَ اهللِ ْب َن ُع َم َر َذك ََر َذل ِ َك إِ اال َع ْن يها» ،زاد البخاريَ :ق َال نَافِ ٌعَ « : ُم ْس َت ْقبِلِ َ
ول اهلل ﷺ»(.)1 رس ِ
َ ُ
الخوف وردت على عدة أوجه ،وكل ِفة من هذه جائزةٌ ،فيراعي ِ وِال َة
المصلي الحالة التي هو فيها(.)2
َ َ َ ُ َْ ْ َ ُ َ َ َ َ َ ُ
قوهل( :وكذا :يف حال ِة اله َر ِب مِن عد ٍّو ،أو :سيل ،أو :سبع ،أو :نار ،أو :غ ِريم
ْ َ َ َ ََََ ُُ َْ َْ َ
فس ِه ،أو أهلِ ِه،
ِ ن ىلع اف خ أو: ، ة فر عِ ب وف
ِ قالو ت
تو ِ
ق وف فو ِ
ظال ِم ،أو :خ ِ
َ َ َ َْ َ ٍّ َ
ريه ِ).
ِ غ س ِ ف ن ن وع ، ِك ذل ن ع أو ِ
ماهل ،أو :ذب
ِ
أي تاوز َِ َال ُة ا ْل َخ ْوف يف غير قتال الكفار عند االحتياج إليها ،كالهرب خوفًا
ال أو مِ ْن َس ُب ُع َأ ْو سـي ُل َأ ْو َح ِر ُيق ،أو دافع عن نفسه أو أهله أو ماله فيصلوهنا رجا ً
ركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ويومئون قدر طاقتهم.
قال ابن المنذر« :أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن المطلوب يصلي
على دابته وأنه يومئ إيما ًء»(.)3
وكذا ل َخوف فوت وقت الوقوف بعرفة فله ِالة الفريضة على الراحلة.
وأما إن كان طالبًا :فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه ينزل إلى األرض ،فيصلي
عليها إال إن خاف فوات الطلب ،وقال الشافعي« :إال أن يخاف أن ينقطع عن
516
577 فصل يف صالة اخلوف
511
كـتـاب الـصـالة 578
ِ
ُم ْس َت ْقبِلِي ا ْلق ْب َلةََ ،و َغ ْي َر ُم ْس َت ْقبِلِ َ
يها»(.)1
ُ ُ َ َ َ َ َ ُ َ ُ
حلاجة :محل َنَس ،وال ي ِعيد). قوهل( :وجاز ِ
ال ياوز للمصلي عند االختيار أن يحمل النااسة.
فإن وجدت الحاجة لحملها أثناء ِالة الخوف جاز حملها ،وال إعادة عليه،
كأن يحتاج لحمل السالح ،وفيه دم ناس يشق غسله.
مسألة :يشـرع للمقاتل حمل بعض السالح أثناء الصالة ليأخذ العدة لو باغته
العدو ،وليكون أهيب لئال يتارأ عليه العدو يف ِالته؛ ألنّهم ال ْيأمنون أن يفاأهم
عدوهم ،فيميلون عليهم ،كما قال اهلل تعالى﴿ :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ّ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ ،ومذهب اإلمام أحمد ،وأبي حنيفة:
أن حمل السالح أثناء ِالة الخوف مستحب.
القول الثاين :أنه ياب ،وهذا مذهب اإلمام الشافعي ،ومالك مع القدرة ،وإليه
مال ابن هبيرة وابن قدامة؛ ألمر اهلل به ،وتأكيده بقوله تعالى﴿ :ﭩ ﭪ
ﭫ﴾ ،ثم قال﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ ،فنف ُي الحرج
عند األذى دليل أنه مع عدمه يلزم ،فظاهر األمر يف اآلية الوجوب ،وحتى على
القول باالستحباب إذا خشوا مباغتة العدو وجب عليهم أن يأخذوا ما يدافعوا به
عن أنفسهم ،وإنما قولهم باالستحباب عند عدم خشـية مباغتة العدو لهم ،واهلل
أعلم.
وأما مع وجود األذى كمطر ومرض ،فال ياب عليهم حمل السالح أثناء
ف ،لكن يأخذوا حذرهم؛ لقوله تعالى﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ الصالة بِ َغي ِر ِخ َال ُ
ْ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ﴾.
516
579 فصل يف صالة اخلوف
512
كـتـاب الـصـالة 580
منهما ،فيكون له أربعًا ولهم ركعتين ،وهذه متفق عليها من حديث جابر ﭬ(.)1
الصفة الثالثة :أن يصلي بالطائفة األولى ركعتين ويسلم هبم ،ثم يصلي
باألخرى ركعتين ويسلم ،فيكون قد ِلى بكل طائفة ِال ًة مستقلة ،وهذه
أخرجها النسائي من حديث جابر ﭬ( ،)2وأبو داود من حديث أبي بكرة ﭬ(،)3
قال ابن قدامة« :وهذه ِفة حسنة ،قليلة الكلفة ،ال يحتاج فيها إلى مفارقة إمامه،
وال إلى شـرح كيفية الصالة»(.)4
الصفة الرابعة :أن ياعلهم اإلمام فرقتين :فرقة أمام العدو ،وفرقة تصلي معه،
فالفرقة التي معه تصلي ركعة ،ثم تنصـرف يف ِالهتا إلى مكان الفرقة األخرى،
وهم ما زالوا يف الصالة ،وتأيت الفرقة األخرى إلى مكان الفرقة األولى ،فتصلي مع
اإلمام الركعة الثانية ثم يسلم ،وتقضـي كل طائفة ركعة بعد السالم ،وهذه متفق
عليها من حديث ابن عمر ﭭ( ،)5وهبا قال أبو حنيفة.
الصفة الخامسة :أن يصلي بطائفة ركعة فتسلم وتذهب ،وال تقضـي شـيئًا،
وباألخرى ركعة وال تقضـي شـيئًا ،فيكون له ركعتان ولهم ركعة ركعة [أخرجه أحمد،
560
581 فصل يف صالة اخلوف
ال وركبانًا إلى القبلة ،وإلى غيرها حسب الطاقة؛ لقوله تعالى﴿ :ﭚ ﭛ
رجا ً
ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [البقرة:
.]232
ويلحق هبذه الحالة :الهارب من عدو أو سبع ،أو الخائف من التخلف عن
ول اهللِ س ﭬ َق َالَ « :ب َع َثنِي َر ُس ُ رفقته ،أو يفوته الطلب ،كما يف قصة ع ْب ِدال ال ِـه ْب ِن ُأ َن ْي ُ
ب َفا ْق ُت ْل ُهَ ،ق َال: ُ ان ا ْل ُه َذلِيَ ،وك َ ﷺ إِ َلى َخال ِ ِد ْب ِن ُس ْفيَ َ
َان ن َْح َو ُع َر َن َة َو َع َر َفاتَ ،ف َق َال :ا ْذ َه ْ
ون َب ْينِي َو َب ْينَ ُه َما إِ ْن ُأ َؤخ ِر
اف َأ ْن َي ُك َ ت :إِني َأ َخ ُ ضـرت َِ َال ُة ا ْل َعصـرَ ،ف ُق ْل ُْ َف َر َأ ْي ُت ُه َو َح
ِ
يما ًء ،ن َْح َو ُه»(.)1الص َالةََ ،فانْ َط َل ْق ُت َأ ْمشـي َو َأنَا ُأ َِليُ ،أوم ُئ إِ َ ا
الحالة الخامسة :إذا اشتد الخوف تمامًا فلم يستطيعوا اإليماء جاز تأخيرها،
وعلى هذا يحمل فعل الصحابة عند فتح مدينة تسرت.
قال ابن رشد« :ومن باشـر الحروب ،وانشغل القلب والاوارح فيها عرف
كيف يتعذر اإليماء» ،ورجح هذا شـيخنا ابن عثيمين(.)2
وهذه الصفات ِالها رسول اهلل ﷺ يف أيام مختلفة ،بأشكال متباينة ،فيتحرى
فيها األحوأ للصالة ،واألبلغ للحراسة ،فهي على اختالف ِورها متفقة المعنى.
( )1رواه أبو داود ( ،)1242وأحمد ( ،)16046وابن خزيمة ( ،)262والبيهقي يف السنن ( )65/2من حديث
عبداهلل بن أنيس ﭬ .حسنه ابن حار يف الفتح ( ،)431/2وضعفه األلباين يف اإلرواء (.)562
( )2المغني ( ،)302/2فتح الباري ( ،)434/2الشـرح الممتع (.)412/4
561
كـتـاب الـصـالة 582
( )1رواه مسلم ( )665من حديث عبداهلل بن عمر وأبي هريرة ﭫ.
( )2رواه أبو داود ( ،)1052والرتمذي ( ،)500والنسائي ( ،)1362وابن ماجه ( ،)1125وأحمد (،)15426
وابن خزيمة ( ،)1656وابن حبان ( ،)2166والحاكم ( )415/1من حديث أبي الاعد الضمري ﭬ.
وحسنه الرتمذي ،وِححه ابن الملقن يف البدر المنير ( ،)563/4واأللباين يف ِحيح أبي داود (.)265
( )3رواه النسائي ( )1311من حديث حفصة ڤ .وِححه النووي يف خالِة األحكام (،)156/2
واأللباين يف ِحيح الاامع (.)3521
( )4اإلجماع البن المنذر ص (.)40
( )5المحلى ( ،)45/5فتح الباري ( ،)353/2حاشـية الروض (.)416/2
562
583 باب صالة اجلمعة
وليوم الامعة فضائل وخصائص ذكر ابن القيم منها ثالثًا وثالثين:
ون َي ْو َم السابِ ُق َ اآلخ ُر َفهو اليوم الذي هدانا اهلل له ،كما قال ﷺ« :نَحن ِ
ون َون َْح ُن ا ْ ُ
َاب مِ ْن َق ْبلِنَا َو ُأوتِينَا ُه مِ ْن َب ْع ِد ِه ْمُ ،ث ام َه َذا ا ْل َي ْو ُم ُ ِ ِ ِ ِ ِ
ا ْلق َيا َمةَ ،بيْدَ َأ ان ُك ال ُأ امة ُأوت َيت ا ْلكت َ
يه َت َب ٌع ،ا ْل َي ُهو ُد َغدً ا َوالن َاص َارى َب ْعدَ َغ ُد» ا ال ِذى َك َتبه اهلل َع َلينَا َهدَ انَا اهلل َلهَ ،فالنااس َلنَا فِ ِ
ُ ُ ُ َُ ُ ْ
[متفق عليه](.)1
الش ْم ُس وهو خير يوم طلعت عليه الشمس ،كما قال ﷺَ « :خ ْي ُر َي ْو ُم َط َل َع ْت َع َل ْي ِه ا
يه ُأ ْخ ِر َج مِن َْها» [رواه مسلم](.)2 يه ُأد ِخ َل ا ْلاناةَ ،وفِ ِ
َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ
َي ْو ُم ا ْل ُا ُم َعة ،فيه ُخلِ َق آ َد ُمَ ،وف ْ
وهو يوم المزيد ألهل الانة ،كما قال ﷺ« :إِ ان فِي ا ْل َان ِاة َل ُسو ًقا َي ْأ ُتون ََها ُك ال
ون ُح ْسنًا َو َج َم ًاال» وه ِه ْم َوثِ َياب ِ ِه ْم َف َي ْز َدا ُد َ
الَ ،فتَح ُثو فِي وج ِ
ُ ُ ْ الشم ِ
يح ا َ ب ِر ُ
ُ
ُج ُم َعةَ ،ف َت ُه ُّ
[رواه مسلم](.)3
ال ُي َوافِ ُق َها
وفيه ساعة تااب فيها الدعوات ،كما قال ﷺ« :إِ ان فِي ا ْل ُا ُم َع ِة َل َسا َع ًة َ
ال َأ ْع َطا ُه إِ ايا ُه» [متفق عليه](.)4
اهلل َخ ْي ًرا إِ ا ِ ِ
ُم ْسل ٌم َقائ ٌم ُي َ َصلى َي ْس َأ ُل َ
َ َ ُ َ ُ ْ َ ُ ُ ه ُ ِّ َ َ ُ ُ
جت ُب :ىلع ُك ذكر ،مسلِم ،ملكف ح ٍّر ،ال عذ َر هلُ .وكذا :ىلع مساف ِر ال ِ ( : قوهل
َ َ ََُ َ َ ُُ َ َ َ ََ َ ُ ُ َُ ُ َُ َ ْ
ارج ابلدلِ ،إذا اكن بينهما وبي اجلمع ِة - ىلع َ ُّم ِقيم خ ِ َصَ ،وَ ٌ : يباح هل الق
َ َ ْ َ
َوقت ف ِعلِها -فرسخ فأقل).
فصالة الامعة تاب إذا توفرت شـروطها الخمسة ،وهي:
ُ ِّ َ َ
(ىلع ُك ذكر) :فال تاب على النساء باإلجماع ،كما نقله ابن المنذر( ،)5ويف
ب َع َلى ُكل ُم ْسلِ ُم فِي َج َما َع ُة، حديث طارق بن شهاب مرفوعًا« :ا ْل ُام َع ُة َح ٌّق َو ِ
اج ٌ ُ
563
كـتـاب الـصـالة 584
( )1رواه أبو داود ( ،)1061والحاكم ( )425/1من حديث طارق بن شهاب ،وِححه النووي يف خالِة
األحكام ( ،)151/2واأللباين يف اإلرواء (.)522
( )2الممتع (.)2/5
( )3سبق تخرياه ص (.)420
( )4سبق تخرياه ص (.)461
( )5رواه أبو داود ( )1056من حديث عبداهلل بن عمرو مرفوعًا .قال أبو داود« :روى هذا الحديث جماعة ،عن سفيان،
مقصور ًا على عبداهلل بن عمرو ،ولم يرفعوه ،وإنما أسنده قبيصة» ،وقال ابن رجب يف الفتح (« :)156/6وروي
=
564
585 باب صالة اجلمعة
ً
استقالال. وهذا المذهب ،وبه أفتى ابن باز ،ويثبت تب ًعا ما ال يثبت
َُ ُ َُ َ
الق ْ ُ
َص) :كمن سفره محرم ،أو ال يريد جهة معينة فتاب عليه (ال يباح هل
الامعة.
وتقدم الراجح يف هؤالء وأن لهم حكم المسافر يف القصـر ،وكذلك هنا.
َ َ َ ٌ ْ َ َ َ ََُ َ َ ُُ َ َ َ ََ َ ُ
اجلمع ِة َ -وقت ف ِعلِها -فرسخ ابلدلِ ،إذا اكن بينهما وبي ارج
َ َ ُّ(و :ىلع م ِقيم خ ِ
فأقل) :إذا نودي للامعة ،فال يخلو المقيم من حالتين:
األولى :أن يكون داخل البلد فتلزمه الامعة ،ولو كان البلد مرتامي األطراف ال
يسمع النداء يف موضعه؛ ألن البلد كالشـيء الواحد.
مقيما خارج البلد فإن كان يف موض ُع يسمع فيه النداء إذا كانت الثانية :أن يكون ً
الرياح ساكنة والعوارض منتفية لزمه الحضور؛ ألثر« :ا ْل ُا ُم َع ُة َع َلى ُكل َم ْن َس ِم َع
الص َال ِة؟ َق َالَ :ن َع ْمَ ،ق َال:
الندَ ا َء» ،و يشهد له قوله ﷺ لألَ ْع َمىَ « :ه ْل َت ْس َم ُع الندَ ا َء بِ ا
َف َأ ِج ْ
ب» [رواه مسلم](.)1
وإن لم يمكنه السماع فال يلزمه الحضور.
َ ُ َ َ َُ ُ َُ َ
الق ْ ُ ُ
َص). جتب :ىلع من يباح هل
قوهل( :وال ِ
وهو المسافر ،لكن إن كان ً
نازال يف بلد وسمع النداء لها فيشـرع له أن يشهدها،
ولو ِالها مع رفقته جماعة قصـرا جاز.
ََ َُه َ َْ ُ
وامرأة). قوهل( :وال :ىلع عبد ،ومبعض،
فالمرأة ال تاب عليها الامعة ،وكذا العبد فالمذهب عدم وجوهبا ،وقد تقدم.
ْ َ ْ َ َ َ ُ ََ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ َ ُ
أهل
ِ ِن م يس ل ن م وال و ه - ب س َي م ول ، هت أأجز م: ِنه م ا ه َض ح ن وم ( : قوهل
َ ُّ َ ُ ُ َ َ َ ََ
تصح إمامتهم فِيها). دل -مِن األرب ِعي .وال ِ ابل ِ
فالذين ال تلزمهم ِالة الامعة ،كالمرأة ،والمسافر لو ِلوها جمعة مع
=
موقوفا ،وهو أشبه».
( )1سبق تخرياه ص (.)461
565
كـتـاب الـصـالة 586
566
587 باب صالة اجلمعة
أرب َع ُة ُ ُ
َ ُُ َ ه ُ َ ُ
رشوط: اجلمع ِة ورشط ل ِِصح ِةِ ( : قوهل
وجتبُ:َ ُّ ْ َ َ ه ْ ُ َْ ُ َ ُ
قت الظه ِرِ . خ ِر و ِ قت ال ِعي ِد ،إىل آ ِ أحدها :الوقت .وهو :مِن أو ِل و ِ
َْ َ ْ َ ُ
وال ،وبعدهُ :أفضل. ِ
ه
بالز
َ َ َ َ َ َُ َُ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ه
اثلاين :أن تكون بِق ْرية ،ولو مِن قصب ،يستوطِنها أربعون ،استِيطان إقامة،
الص َ ه َ َ َ َ َ َ ً َ ُّ َ َُ َ َ ً
حراءِ. قارب ابلُنيان مِن اء .وت ِصح :فِيما ال يظعنون صيفا وال ِشت
أن ُفوا ُظ ً
َ َ ْ َ ُ ََْ َ َ أربع َ ه ُ ُ ُ ُ َ
هرا. ي .فإن نقصوا قبل إتمامِها :است اثلال ِث :حضور ِ
ه ُ َ َ ُّ ُ ُ َ َ
ي).الرابِــع :تقدم خطبت ِ
ذكر هنا شـروأ ِحة ِالة الامعة ،وأهنا أربعة:
َْ ُ َ ُ
الوقت) :فيشرتأ أن تكون يف الوقت بال خالف. (أحدها:
َْ َ َ ُّ ْ ْ ه ُ
وال ،وبعدهُ: ِ
وجت ُب :ه
بالز قت الظه ِرِ . خ ِر َو ِ قت ال ِعي ِد ،إىل آ ِ (وهو :مِن أو ِل َو ِ
ْ َ ُ
أفضل) :واختلفوا يف دخوله.
فالمذهب :أنه يدخل من أول وقت العيد ،وهو ارتفاع الشمس قيد رمح إلى
اخر وقت الظهر ،واستدلوا :بحديث ضعيف رواه الدارقطني عن عبداهلل بن
سـيدان السلمي(.)1
َْ َ ْ َ ُ
(وبعدهُ :أفضل) :فاألفضل أداؤها بعد الزوال ألنه أغلب هديه ﷺ خروجًا من
الخالف.
واختار الامهور أنه ال يدخل إال بعد زوال الشمس كالظهر؛ لما رواه البخاري
َان ُي َصلي ا ْل ُا ُم َع َة ِحي َن َت ِم ُيل ا
الش ْم ُس»(.)2 َس ﭬَ « :أ ان النابِي ﷺ ك َ
ا
َع ْن َأن ُ
ويف الصحيحين عن سلمة بن األكوع ﭬ قالُ « :كناا ن َْا َم ُع َم َع رسول اهلل ﷺ إِ َذا
( )1رواه عبدالرزاق ( ،)5210وابن أبي شـيبة ( ،)444/1والدارقطني ( .)330/2قال النووي يف خالِة
األحكام (« :)113/2واتفقوا على ضعفه ،وضعف ابن سـيدان» ،وقال ابن حار يف فتح الباري (:)361/2
«عبداهلل بن سـيدان تابعي كبير ،إال أنه غير معروف العدالة ،قال ابن عدي :شبه الماهول ،وقال البخاري :ال
يتابع على حديثه ،بل عارضه ما هو أقوى منه» ،وضعفه األلباين يف اإلرواء (.)525
( )2رواه البخاري ( )204من حديث أنس ﭬ.
561
كـتـاب الـصـالة 588
لش ْم ُسُ ،ث ام ن َْر ِج ُع َن َتتَ اب ُع َا ْل َف ْي َء»( ،)1وروى ابن أبي شـيبة عن سويد بن غفلة: َزا َل ِ
ت َا ا
«أنه ِلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس»( .)2وهذه األدلة أقوى من خرب ابن
سـيدان.
واألظهر :قول الامهور ،إال أنه يخفف فيها ،فياوز أن تصلى قبيل الزوال
بمدة قصـيرة؛ لداللة حديث سلمة ﭬُ « :كناا ُن َصلي م َع رس ِ
ول اهلل ﷺ َا ْل ُا ُم َعةَُ ،ث ام َ َ ُ
ان ظِ ٌّل ن َْستَظِ ُّل بِ ِه» [متفق عليه]. حي َط ِ ْصـرف و َليس ل ِ ْل ِ
ُ َ ْ َ َنن
وحديث سهل ﭬَ « :ما ُكناا ن َِق ُيل َو َال َن َت َغدا ى إِ اال َب ْعدَ َا ْل ُا ُم َع ِة يف عهد رسول اهلل
ب إِ َلى َان ُي َصلي -أي النبي ﷺ ُ ،-ث ام ن َْذ َه ُ ﷺ» [متفق عليه]( .)3وحديث جابر ﭬ« :ك َ
الش ْم ُس» [رواه مسلم](.)4 ول ا يح َها ِحي َن َت ُز ُ ِ
ِج َمالنَا َفنُ ِر ُ
قال اإلمام أحمد« :روي عن ابن مسعود ،وجابر ،وسعد ،ومعاوية أهنم ِلوا
قبل الزوال» ،فياوز فعلها قبيل الزوال بيسـير بحيث ينصـرف منها عند الزوال ،إال
خروجا من الخالف ،وهو أغلب هدي
ً أن األحوأ أن ال تصلى إال بعد الزوال
رسول اهلل ﷺ كما نقله سلمة ﭬ ،وإلى جواز فعلها قبل الزوال وبعده مع تقديم
كوهنا بعد الزوال ذهب اإلمام أحمد يف رواية ،كما قال عبداهلل بن اإلمام أحمد:
« سئل أبي وأنا أسمع عن الامعة هل تصلى قبل أن تزول الشمس؟ فقال :حديث
ابن مسعود ﭬ« :أنه ِلى هبم الامعة ضحى وأنه لم تزل الشمس» ،وحديث أبي
حازم عن سهل بن سعد ﭬَ « :ما ُكناا ن َِق ُيل َو َال َن َت َغدا ى إِ اال َب ْعدَ َا ْل ُا ُم َع ِة يف عهد
رسول اهلل ﷺ» [متفق عليه].
فهذا يدل على أنه قبل الزوال ،ورأيته كأنه لم يدفع هبذه األحاديث أهنا قبل
566
589 باب صالة اجلمعة
الزوال ،وكان رأيه على أنه إذا زالت الشمس فال شك يف الصالة ،ولم أره يدفع
حديث ابن مسعود وسهل بن سعد على «أنه كان قبل الزوال» ،وهذا اختيار عدد
من علمائنا ،منهم :ابن باز ،واأللباين ،وابن عثيمين(.)1
مسألة :وآخر وقت الامعة هو آخر وقت ِالة الظهر حين يصـير ظل الشـيء
كطوله بعد يفء الزوال ،فإذا أدرل ركعة قبل خروج وقتها فقد أدرل الامعة ،وإال
ِ ِ
الصالَةَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ا
الصال َ َة» [متفق ِالها ظهر ًا أربعًا؛ لحديثَ « :م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ا
عليه]( ،)2وهذا اختيار ابن قدامة ،وشـيخنا ابن عثيمين(.)3
َ َ َ َ َ َُ َُ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ه
(اثلاين :أن تكون بِق ْرية ،ولو مِن قصب ،يستوطِنها أربعون ،استِيطان إقامة،
َ َُ َ َ ً
يفا وال ِش َت ً
اء) :فال تاب الامعة إال على المستوطنين يف بلد ،أو ال يظعنون ص
مكان ال يظعنون عنه ِـي ًفا وال شتا ًء إذا كان مبن ًيا بما جرت به عادهتم من طين ،أو
أسمنت ،أو خشب ،أو قصب ،أو جريد ،أو نحوه ،هذا مذهب أكثر أهل العلم،
وأما المسافرون فال جمعة عليهم ،وكذا البدو الرحل الذين يتنقلون بخيامهم ال
جمعة عليهم.
والدليل على ذلك :أن رسول اهلل ﷺ لم ينقل عنه أنه ِالها يف سفره مع أنه
ظهرا قصـرا ،وكذا يف عرفة يف حاة
كان يسافر معه الخلق الكثير ،وإنما كان يصليها ً
ظهرا.
الوداع لم يصلها جمعة ،وإنما ِالها ً
وقد كانت قبائل العرب حول المدينة ،فلم يقيموا جمعة ،ولم يأمرهم النبي ﷺ
يام ُع فيها ،كما ثبت يف بإقامتها كما أمرهم بإقامة الصالة ،وأما القرى فقد كانت ا
اس ﭭ َأ ان ُه َق َال« :إِ ان َأ او َل ُج ُم َع ُة ُجم َع ْت َب ْعدَ ُج ُم َع ُة فِي َم ْس ِا ِد
البخاري َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
562
كـتـاب الـصـالة 590
520
591 باب صالة اجلمعة
وقد ساقها الدارقطني ،والبيهقي ،والحافظ ابن حار ،واأللباين ،وبينوا عللها،
وليس يف عدد األربعين حديث ثابت ،إال حديث كعب بن مالك ﭬَ « :أ او ُل َم ْن
اض َة فِي ن َِقي ُع ُي َق ُال َل ُه ن َِقي ُع
يت مِ ْن َح ار ِة َبنِى َب َي َ جمع بِنَا أسعد بن زرارة ف ِي َه ْز ِم النابِ ِ
َ ا َ
ون» [رواه البخاري] ،وهذه واقعة عين ال اتُ .ق ْل ُت ك َْم َأ ْن ُت ْم َي ْو َمئِ ُذ؟ َق َالَ :أ ْر َب ُع َ
ا ْل َخ ِضم ِ
َ
تدل على شـرطية العدد ،وإنما حصل العدد اتفا ًقا ،وال يوجد دليل ِحيح ِـريح
على اشرتاطه(.)1
والرواية الثانية :أنه ال يشرتأ لصحتها حضور أربعين ،فتصح بثالثة :واحدٌ
إمام ،واثنان معه جماعة ،وقد روى أبو داود قوله ﭬَ « :ما مِ ْن َثالَ َث ُة فِي َق ْر َي ُة َو َ
ال
انَ ،ف َع َل ْي َك بِا ْل َا َما َع ِة»(.)2
است َْح َو َذ َع َل ْي ِه ُم الشـي َط ُ يهم الصالَ ُة إِ ا ِ
ال َقد ْ
ِ فِي بَدْ ُو َ
ال ُت َقا ُم ف ِ ُ ا
وكما أن ِالة الاماعة ال يشرتأ لها هذا العدد ،فالامعة كذلك.
[الامعة: واألِل وجوهبا على المقيمين ،وقد قال تعالى﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾
،]2وهذا بصـيغة الامع ،وأقل الامع ثالثة ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وابن باز،
وابن عثيمين(.)3
ه ُ َ َ ُّ ُ ُ َ َ
ي) :يف قول عامة أهل العلم؛ ألن رسول اهلل ﷺ واظب (الرابِــع :تقدم خطبت ِ
ِ
عليها ،ولم ينقل عنه اإلخالل هبا ،وقال ﷺُّ َِ « :لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُموني ُأ َ
ِلي» [متفق
عليه] ،وقال ﷺَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق عليه] ،والعبادات
توقيفية ،ولو كانت تاز بدوهنا لرتكها ولو مرة لبيان الاواز ،قال عمر ﭬ:
خ ْط َب ِة»(.)4
َت ا ْل ُا ُم َع ُة َأ ْر َب ًعاَ ،ف ُا ِع َل ْت َر ْك َع َت ْي ِن مِ ْن َأ ْج ِل ا ْل ُ
«كَان ِ
521
كـتـاب الـصـالة 592
ظهرا،
فلو لم يخطبوا قبل ِالة الامعة لعذر أو لغير عذر ،فإهنم يصلوهنا ً
ويشرتأ كوهنما خطبتين كما كان رسول اهلل ﷺ يفعل ،ففي الصحيحين عن ابن
َان النابِ ُّي ﷺ َي ْخ ُط ُ
ب ُخ ْط َب َت ْي ِن َي ْق ُعدُ َبيْنَ ُه َما»( ،)1ولو خطب واحدة عمر ﭭ قال« :ك َ
فال تاز ،وهذا مذهب الامهور(.)2
ِّ ه ُ ُ ُ ُ
وع ُه َما َح َ ً ه َ َ َ ُ َ َ َْ ُ قوهل( :مِن َ ْ
َضا. الوقت .وانلـية .ووق رش ِط ِصحتِ ِهما مخسة أشياء:
َ ُ َ ه َ ُّ َ ُ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ
وحضور األرب ِعي .وأن يكونا مِمن ت ِصح إمامته فِيها).
َْ ُ
الوقت) :فتكون يف وقت ِالة الامعة؛ ألهنا تابعة لها ،فتأخذ حكمها يف (
الوقت ،والتابع تابع ،وألهنا بدل الركعتين فياب أن تكون يف وقت الصالة،
ومضـى بيانه.
فالمذهب :أنه وقت ِالة العيد ،وتقدم أن السنة دلت على أنه بعد الزوال،
قليال.
وياوز تقدمها على الزوال ً
هُ
(وانلِّـية) :بأن ينوي أهنا خطبة الامعة؛ ألهنا عبادة مخصوِة ،فالبد من
اتَ ،وإِن َاما ل ِ ُكل ا ْم ِر ُ َما ن ََوى» [متفق عليه].
تعيينها؛ لحديث« :إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ
ا َ َ
ً ُُ ُ َُ َ َ
ووقوعهما حَضا) :فلو خطبوا يف السفر وِلوها جمعة ،فصالهتم غير (
مسافرا والاماعة
ً ِحيحة؛ ألن من شـروطها االستيطان ،وأما لو كان الخطيب
مقيمين.
فالمذهب :ال تصح.
والراجح :أن إمامة المسافر بالمقيمين يف الامعة ِحيحة ،والخطبة مثلها،
ً
استقالال. ولكنها ليست واجبة عليه بانفراده ،وإنما يثبت تب ًعا ما ال يثبت
ُ ُ ُ َ َ
ربع َ
ي) :شـرأ لصحة الامعة والخطبة على المذهب ،فإن نقصوا (وحضور األ ِ
لم تاز .
522
593 باب صالة اجلمعة
من ثالثة ،كما قرره شـيخ وتقدم أن هذا العدد ليس شـر ًطا ،وأهنا تاز
اإلسالم.
َُُ َ َ ُ َ ه َ ُّ
(وأن يكونا مِمن ت ِصح إمامته فِيها) :فال تصح خطبة المسافر والعبد على
المذهب؛ لعدم ِحة إمامتهم فيها ،وسبق أن الراجح ِحة إمامة هؤالء يف
ِحت إمامته إال لدليل ،وإنما أخرجنا المرأة ا ِحت ِالته ا الامعة ،ومن
للدليل ،وأما هؤالء فتصح.
َ َُ َ ْ َ َ ُ ه ُ هٌ َ ُ ُُ
اب
ول اهلل .وق ِراءة آية مِن ك ِت ِ
قوهل( :وأرَكنهما ِستة :محد اهلل .والصالة ىلع رس ِ
ُ ُ ُ َْ ُ َُُ ََ ه ه َ هُ َ ه
واجله ُر ِحبَيث يس ِمع قوى اَّللِ .ومواالتهما مع الصالة ِ.بت َ اَّللِ .والو ِصية
َ َ َ َ ُ َََ َ ُ
َب ،حيث ال مان ِع). العدد المعت
ال تصح الخطبة إال هبا على المذهب ،وهي:
( َمح ُد اهلل) :لحديثُ « :ك ُّل ك ََال ُم َال يبدَ ُأ فِ ِ
يه بِا ْل َح ْمدُ ل ِ ال ِه َف ُه َو َأ ْج َذ ُم»(.)1 ُْ
وألن رسول اهلل ﷺ كان يخطب ،فيحمد اهلل ،ويثني عليه بما هو أهله(،)2
ومذهب جمهور العلماء استحباب حمد اهلل من غير اشرتاأ ،فلو لم يحمد اهلل لم
تبطل خطبته؛ ألن ما نقل فعل يدل على االستحباب ال على اإليااب ،وهذا قول
الحنفية ،والمالكية ،ورجحه السعدي ،وهو األظهر.
َ ُ ه ُ
ول اهلل) :المذهب يرون ركنيته ،وخالف فيه جملة ،وقالوا:
(والصالة ىلع رس ِ
تصح بدونه؛ إذ ال دليل على اشرتاطه ،وهذا اختيار ابن القيم ،وشـيخنا ابن
عثيمين ،فهي مشـروعة يف الخطبة ومن كمالها ال من أركاهنا.
ه َ َُ َ ْ َ
اب اَّللِ) :وقد ِح أن رسول اهلل ﷺ كان يقرأ آيات من(وق ِراءة آية مِن ك ِت ِ
( )1رواه أبو داود ( )4640من حديث أبي هريرة ﭬ .ورواه ابن ماجه ( )1624بلفظ« :كل أمر ذي بال ،ال
يبدأ فيه بالحمد أقطع» ،وعند النسائي يف الكربى ( ،)10255وابن حبان يف ِحيحه ( )1بلفظ« :بحمد اهلل
فهو أقطع» .وضعفه ابن حار يف فتح الباري ( ،)220/6واأللباين يف إرواء الغليل ( ،)2وقد رجح بعض
العلماء أنه مرسل .انظر :المرجع السابق ،والتلخيص الحبير (.)323/3
( )2رواه مسلم ( )661من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ.
523
كـتـاب الـصـالة 594
524
595 باب صالة اجلمعة
كثير من العلماء ،كما نقله النووي عنهم( ،)1منهم :الحنفية ،والمالكية ،وإليه يميل
السعدي حيث قال« :وأما اشرتاأ تلك الشـروأ يف الخطبتين :الحمد هلل ،والصالة
على رسول اهلل ،وقراءة آية من كتاب اهلل ،فليس على اشرتاأ ذلك دليل ،والصواب
أنه إن خطب خطبة يحصل هبا المقصود والموعظة أن ذلك ُ
كاف ،وإن لم يلتزم
بتلك المذكورات ،أما كون هذه شـر ًطا ال تصح إال هبا سواء تركها عمدً ا ،أو خ ًطا،
سهوا ،ففيه نظر ظاهر»(.)2
أو ً
لكن على الخطيب أن يراعي هذه األمور المذكورة ،وأن يحرص على أن
تشتمل الخطبة على الحمد والثناء على اهلل ،والتشهد والصالة على رسول اهلل
ﷺ ،وشـي ُء من القرآن ،وشـي ُء من حديث رسول اهلل ﷺ ،والوِـية بالتقوى،
والوعظ والتذكير ،هكذا كانت خطب رسول اهلل ﷺ ،وخير الهدي هديه ﷺ ،قال
ُ
خطبة من الخطبتين أن يحمد اهلل تعالى ،ويصلي الشافعي« :وأقل ما يقع عليه اسم
ً
معقوال أن الخطبة جمع على النبي ﷺ ،ويوِـي بتقوى اهلل ،ويدعو يف االخرة؛ ألن
بعض ،وهذا أوجز ما يامع من الكالم»(.)3ُ ُ
وجوه إلى بعض الكالم من
وذكر العالمة ابن القيم ِفة خطبة رسول اهلل ﷺ فقال« :وكان مدار خطبه على
حمد اهلل والثناء عليه باالئه وأوِاف كماله ومحامده ،وتعليم قواعد اإلسالم،
وذكر الانة والنار والمعاد ،واألمر بتقوى اهلل ،وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه،
ُ
وقت بما تقتضـيه حاجة فعلى هذا كان مدار خطبه ،وكان يخطب يف كل
المخاطبين ومصلحتهم ،ولم يكن يخطب خطب ًة إال افتتحها بحمد اهلل ،ويتشهد
فيها بكلمتي الشهادة ،ويذكر فيها نفسه باسمه العلم»(.)4
525
كـتـاب الـصـالة 596
للمسلم َ ُّ َ ُ ُ َ َ َُ ه َُ َ ُْ َ
الع َ ُ َُُ
ي. ِِ ورة ِ .وإزالة انلهجاسةِ .وادلاعء قوهل( :وسننهما :الطهارة .وسَّت
ْ ه َ َ َ َ ٌ َ ُ ه َ ه ْ َََه َُ
بهما حس َب الطاقةِ .وأن ِ وت
ِ الص فعور .د ح
ِ وا ِ، ة ال الص مع ا، م وأن يتواله
َ َ َ َُ َ ً َ ُ ََ ُ َ ً ً َ ُ
َيط َب قائ ِما ىلع مرتفع ،معت ِمدا ىلع سيف ،أو عصا .وأن َيلِس بينهما
ً َ َ َ َ ََُ َ َ َ َ ْ َ َ ً
قلِيال .فإن أَب ،أو خط َب جال ِسا :فصل بينهما بسكتة.
واثلان َِي ُة َ ُ
ه ُ ه َ ْ ُ ُ
أقَص). َصهما، وسن :ق
ذكر ما يستحب للخطيب أن يأيت به عند خطبة الامعة ،وال ياب.
ه َُ
(الطهارة) :أثناء الخطبة؛ لما فيها من األذكار والقرآن ،وقد كان رسول اهلل ﷺ
يحرص على الطهارة حين يريد ذكر اهلل ،ولئال يحتاج للخروج للوضوء بين
الخطبة والصالة.
َ ُْ َ
الع َ
ورة ِ) :وسرت العورة إن أريد من السـرة إلى الركبة فواجب. (وسَّت
وإن أريد فوق ذلك وهو الظاهر ،فهذا من السنن المؤكدة ،وهو من الزينة التي
أمر اهلل هبا بقوله﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ﴾ [األعراف.]31 :
َ َ َُ
(وإزالة انلهجاس ِة) :عن بدنه وثوبه ،وليس ذلك شـر ًطا لصحة الخطبة ،لكنها
من السنن المتأكدة خاِة وقد ُأمر القادم للامعة باالغتسال.
للمسلم َ ُّ َ ُ ُ
ي) :ألهنا ساعة ترجى فيها اإلجابة ،فيدعو باوامع الدعاء له ِِ (وادلاعء
وللمسلمين ،وال ينبغي اإلطالة يف الدعاء؛ ألنه لم يكن هد ًيا معرو ًفا عن الرسول
ﷺ ،وإنما يأخذ جوامع الدعاء ،وقد جاء يف شأن ساعة الامعة قوله ﷺِ « :ه َي َما
َب ْي َن َأ ْن َي ْالِ َس ْ ِ
اإل َما ُم إِ َلى َأ ْن ُت ْقضـى ا
الص َال ُة» [رواه مسلم](.)1
َان يس َت ْغ ِفر ل ِ ْلم ْؤمِنِين وا ْلم ْؤمِن ِ ِ وع ْن َس ُمرة ﭬَ « :أ ان َر ُس َ
َات، َ َ ُ ول اهلل ﷺ ك َ َ ْ ُ ُ َ
ات ُك ال ُج ُم َع ُة»(.)2
وا ْلمسلِ ِمين وا ْلمسلِم ِ
َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ
526
597 باب صالة اجلمعة
ٌ َ ه ْ َََه َُ
حد) :كما كان الرسول ﷺ وخلفاؤه يخطبون(وأن يتوالهما ،مع الصالة ِ ،وا ِ
ويصلون بالمسلمين الامعة ،فإن ِلى غير الخطيب خالف السنة ،وِالهتم
ِحيحة؛ ألنه ال يشرتأ اتحاد الخطيب والمصلي ،وما نقل مارد فعل دال على
السنية ال الوجوب ،قال اإلمام أحمد يف اإلمام يخطب يوم الامعة ويصلي األمير
بالناس :ال بأس إذا حضـر األمير الخطبة؛ ألنه ال يشرتأ اتصالها هبا ،فلم يشرتأ
أن يتوالهما واحد ،كصالتين(.)1
ه َ َ َ َ َ ُ ه
بهما حس َب الطاق ِة) :وهذا أبلغ وأوقع يف النفس ،وأقرب إلى وت ِ (ورفع الص ِ
ت َع ْينَا ُهَ ،و َع َال َِ ْو ُت ُه،
اح َم ار ْ
ب ْالسنة ،كما ثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه« :إِ َذا َخ َط َ
َو ْاشتَدا َغ َض ُب ُهَ ،حتاى ك ََأ ان ُه ُمن ِْذ ُر َج ْي ُ
ش َي ُق ُ
ول َِ « :اب َح ُك ْم َو َم اسا ُك ْم» [رواه مسلم](.)2
ً ْ َ ُ
(وأن َيط َب قائ ِما) :وهذا أبلغ يف التأثير ،وهو هدي الرسول ﷺ ،وسنة خلفائه
الراشدين ،كما قال تعالى﴿ :ﭿ ﮀ﴾ [الامعة.]11 :
ب َقائِ ًماُ ،ث ام وروى مسلم عن جابر بن سمرة ﭬ قال« :كان النبي ﷺ َي ْخ ُط ُ
ب َجال ِ ًساَ ،ف َقدْ ك ََذ َبَ ،ف َقدْ ب َقائِ ًماَ ،ف َم ْن َن اب َأ َل َأ ان ُه ك َ
َان َي ْخ ُط ُ َي ْالِ ُسُ ،ث ام َي ُقو ُمَ ،ف َي ْخ ُط ُ
واهلل َِ ال ْي ُت َم َع ُه َأ ْك َث َر مِ ْن َأ ْل َف ْى َِال َُة»(.)3
ُ ََ
(ىلع مرتفع) :ألنه ثابت عن رسول اهلل ﷺ ،فبعد ما وضع له المنرب كان يخطب
الامعة عليه ،وأما قبل فكان يخطب إلى جنب جذع نخلة يف مقدمة المساد(،)4
ااس َويسمعوا ُخ ْط َبتَه( ،)5فكان يقف على ُ وقد كان منربه ﷺ َث َال َ
ث َد َر َجات ليراه الن ُ
=
اللفظ إال عن سمرة هبذا اإلسناد» ،وقال ابن حار يف بلوغ المرام (« :)430رواه البزار بإسناد لين» ،وقال
الهيثمي يف مامع الزوائد (« :)121/2ويف إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي ،وهو ضعيف».
( )1الكايف يف فقه اإلمام أحمد (.)326/1
( )2سبق تخرياه ص (.)524
( )3رواه مسلم ( )662من حديث جابر بن سمرة ﭬ.
( )4رواه البخاري ( )3563من حديث عبداهلل بن عمر ﭭ.
( )5رواه مسلم ( )544من حديث سهل بن سعد ﭬ.
521
كـتـاب الـصـالة 598
الدرجة الثالثة ويالس يف مسرتاحه ،وهكذا خلفاؤه من بعده خطبوا على منربه،
وإنما عرفت المبالغة يف رفع المنرب يف دولة بني أمية ،فال ينبغي المبالغة يف رفعه(.)1
َ ً َ ُ َ ً
(معت ِمدا ىلع سيف ،أو عصا) :فمن السنة أن يتكئ الخطيب على عصا ،أو
قوس؛ لحديث الحكم بن َح ْز ُن ﭬ أهنم وفدوا على رسول اهلل ﷺ قالَ « :ش ِهدْ نَا
اهلل َو َأ ْثنَى ِ
سَ ،ف َحمدَ َول اهللِ ﷺَ ،ف َقا َم ُمت ََوك ًئا َع َلى َع ًصاَ ،أ ْو َق ْو ُيها ا ْل ُام َع َة م َع رس ِ
ُ َ َ ُ ف َ
ِ
ات مبارك ُ ُ ِ ِ ُ ِ ُ
َات»(.)2 َع َل ْيه ،كَل َمات َخفي َفات َطي َب ُ َ َ
َان النابِ ُّي ﷺ َي ُقو ُم َع َلى َع ًصا وروى البيهقي َع ِن اب ِن جري ُج َق َالُ « :ق ْل ُت لِع َط ُ
اءَ :أك َ َ ْ َُْ
ِ ِ
اعت َما ًدا» ،ولم يرد هذا إال يف حديث َان َي ْعتَمدُ َع َل ْي َها ْب؟ َق َالَ :ن َع ْم .ك َإِ َذا َخ َط َ
()3
526
599 باب صالة اجلمعة
ً َ َ َ َ ََُ َ َ َ َ ْ َ
(فإن أَب ،أو خط َب جال ِسا :فصل بينهما بسكتة) :أي إذا لم يالس بين
الخطبتين ،فيلزمه أن يفصل بين الخطبتين بسكوت ،وال يسـردها خطبة واحدة،
فالخطبتان واجبة ،ويفصل بينهما بفاِل حتى تتميزا ،والسنة أن يالس ،فإن لم
يالس فليسكت بينهما.
واثلان َِي ُة َ ُ
ه ُ ه َ ْ ُ ُ
أقَص) :فالسنة اختصار الخطبة من غير إخالل؛ ألن َصهما، (وسن :ق
يف هذا اتباعًا للسنة ،وعدم إمالل للسامعين ،وأدعى لفهم الحاضـرين لها
ول ول« :إِ ان ُط َ ول اهلل ﷺ َي ُق ُ وحفظها ،وروى مسلم عن َع امار ﭬ قالَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ
خ ْط َبةََ ،وإِ ان ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الصالَ َة َوا ْقصـروا ا ْل ُ الر ُج ِل َوقصـر ُخ ْط َبته َمئنا ٌة م ْن ف ْق ِههَ ،ف َأطي ُلوا ا َِالَة ا
ان ِس ْح ًرا»(.)1 مِن ا ْلبي ِ
َ ََ
ب»(.)2 خ َط ِ ول اهلل ﷺ بِإِ ْق َص ِ
ار ا ْل ُ وروى أبوداود عن َع امار ﭬ َق َالَ « :أ َم َرنَا َر ُس ُ
ول اهللِ ﷺَ ،ف َكان َْت َِ َال ُت ُه وع ْن َجابِ ِر ْب ِن سمر َة ﭬ َق َالُ « :كن ُْت ُأ َِلي م َع رس ِ
َ َ ُ َ َُ َ
ال ُيطِ ُيل ا ْل َم ْو ِع َظ َة َي ْو َم
ول اهلل ﷺ َ َان َر ُس َُق ْصدً اَ ،و ُخ ْط َب ُت ُه َق ْصدً ا» [رواه مسلم](« .)3وك َ
ات»(.)4 سـير ٌ
ات َي َ ا ْل ُا ُم َع ِة ،إِن َاما ُه ان كَلِ َم ٌ
َ َ َ ُ َ َ ُ
حيفة). قوهل( :وال بأس :أن َيطب مِن ص ِ
أما رسول اهلل ﷺ وخلفاؤه الراشدون ،فقد كانوا يخطبون من ِدورهم بال
ِحف ،لكن لو احتاج الخطيب أن يخطب من أوراق أو ما يقوم مقامها من
األجهزة الحديثة فال بأس به وال كراهة ،وكذا الصالة لو احتاج لإلمسال
بالمصحف فال بأس به ،والخطبة من باب أولى.
522
كـتـاب الـصـالة 600
ومن السنة إذا ِعد المنرب أن يسلم على المأمومين قبل الخطبة ،فعن َع َط ُ
اء َأ ان َ ْ
الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم»(.)1 َان إِ َذا َِ ِعدَ ا ْل ِمنْ َب َر َأ ْق َب َل بِ َو ْج ِه ِه َع َلى الن ِ
ااسَ ،ف َق َال « :ا النابِي ﷺ ك َ
ا
ويشهد للحديث ويقويه جريان عمل الخلفاء عليه ،فقد ورد عن أبي بكر،
وعمر ،وعثمان ﭬ أهنم كانوا يفعلونه(.)2
ومن السنة أن يقبل الخطيب على المأمومين يف جميع خطبته.
وأال يكثر فيها من الحركة ورفع اليدين ،فليس من السنة كثرة تحريك اليدين
أثناء خطبة الامعة ،إال إذا استسقى ،وروى مسلم َع ْن ُع َم َار َة ْب ِن ُر َؤ ْي َب َة ﭬ َق َال:
ِ ِ ِ
ان َع َلى ا ْلمنْ َب ِر َراف ًعا َيدَ ْيهَ ،ف َق َالَ :ق اب َح ُ
اهلل َها َت ْي ِن ا ْل َيدَ ْي ِنَ ،ل َقدْ َر َأ ْي ُت « َر َأى بِشـر ْب َن َم ْر َو َ
ول بِ َي ِد ِه َه َك َذاَ ،و َأ َش َار بِإِ ِْ َب ِع ِه ا ْل ُم َسب َح ِة»(.)3 ول اهلل ﷺ َما َي ِزيدُ َع َلى َأ ْن َي ُق َ َر ُس َ
مسـروق :أنه راهم رافعين أيديهم يوم الامعة ،واإلمام ُ وروى عبدالرزاق عن
يخطب ،فقال« :اللهم اقطع أيديهم»(.)4
وعن الزهري« :أنه قال عن رفع اليدين يف يوم الامعة :محدث»(.)5
وينبغي كون الخطبة فصـيحة ،بليغة ،مرتبة ،واضحة المعاين ،من غير تقعر يف
ول اهللِ ﷺ َال ُيطِ ُيل ا ْل َم ْو ِع َظ َة َي ْو َم َان َر ُس ُ
األلفاظ ،وال إطالة يف الكالم ،وقد« :ك َ
ول اهللِ ﷺ َت ْرتِ ٌيلَ ،أ ْو َان فِي ك ََال ِم رس ِ
َ ُ ات» ،و«ك َ
سـير ٌ ا ْل ُا ُم َع ِة ،إِن َاما ُه ان كَلِ َم ٌ
ات َي َ
600
601 باب صالة اجلمعة
( )1رواه أبو داود ( ،)4636من حديث جابر ﭬ ،ويف سنده ماهول.
( )2رواه أبو داود ( )4632من حديث عائشة ڤ .ورواه الرتمذي ( )3632بلفظ« :ما كان رسول اهلل ﷺ
يسـرد سـردكم هذا ،ولكنه كان يتكلم بكالم يبينه ،فصل ،يحفظه من جلس إليه» ،قال الرتمذي« :هذا حديث
حسن ِحيح ،ال نعرفه إال من حديث الزهري».
601
كـتـاب الـصـالة 602
e َفصْلٌ
F
602
603 فَصْلٌ
آخ َر َها»(.)1 وجع َل يعلمن ِي مِما َع المه اهللُ ،ثم َأ َتى ُخ ْطب َته َف َأ َتم ِ
َ ُ ا َ ُ ُ ا ا َ َ َ َُ ُ
ابالا ُم َع ِة مِ ْن َب ُ
َس ْب ِن َمالك ﭬَ « :أ ان َر ُج ًال َد َخ َل َي ْو َم ُ
ِ ُ ويف الصحيحين عن َأن ِ
ول اهللِ ﷺ َقائِ ًماَ ،ف َق َال: اس َت ْق َب َل َر ُس َبَ ،ف ْ
ِ المنْب ِر ،ورس ُ ِ
ول اهلل ﷺ َقائ ٌم َي ْخ ُط ُ
ِ
َان ِو َجا َه َ َ َ ُ ك َ
اهلل ُي ِغي ُثنَاَ ،ق َالَ :ف َر َف َع ِ ِ يا رس َ ِ
الس ُب ُلَ ،فا ْد ُع َ الم َواشـيَ ،وا ْن َق َط َعت ُّ ول اهللَ :ه َل َكت َ َ َ ُ
اس ِقنَا»(.)2 ول اهلل ﷺ يدَ ي ِهَ ،ف َق َال« :ال الهم اس ِقنَا ،ال الهم ِِ
اسقنَا ،ال ال ُه ام ْ ُ ا ْ ُ ا ْ َ ْ َر ُس ُ
ضـرير ،أو غاف ُل من الوقوع هبلكة. ُ وكذا يباح ألمر ضـروري ،كتحذير
َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ََُ َُ ُ ُ
رشع يف داعء). قوهل( :ويباح :إذا سكت بينهما ،أو
يباح الكالم أثناء السكوت بين الخطبتين ،وال يقال :ال جمعة له؛ ألنه ال يصدق
ُ
حينئذ ،والنهي عن الكالم إنما جاء حال تكلم الخطيب. عليه أنه يخطب
والسنة السكوت حتى بين الخطبتين ،كما ورد عن الصحابةَ « :أن ُاه ْم كَا ُنوا
ِ ِ ِ
ون َي ْو َم ا ْل ُا ُم َعة َو ُع َم ُر َجال ٌس َع َلى ا ْلمنْ َب ِرَ ،فإِ َذا َس َك َت ا ْل ُم َؤذ ُن َق َ
ام ُع َم ُر َف َل ْم َيت ََحدا ُث َ
ِ ِ
َيت ََك ال ْم َأ َحدٌ َح اتى َي ْقضـي ا ْل ُخ ْط َب َت ْي ِن ك ْل َت ْي ِه َماَ ،فإِ َذا َقا َمت ا
الص َال ُة َون ََز َل ُع َم ُر
َت َك ال ُموا»(.)3
ُ َ َ َ َ
رشع يف داعء) :ويباح الكالم إن شـرع الخطيب يف الدعاء آخر الخطبة؛ (أو
ألنه ليس من أركاهنا.
واألقرب :أنه ينهى عن الكالم ،ولو لم يكن من أركاهنا؛ لعموم النهي يف قوله
الام َع ِةَ :أن ِْص ْتَ ،و ِ ِ ِ
ت» ،فكلهابَ ،ف َقدْ َل َغ ْو َ
اإل َما ُم َي ْخ ُط ُ ﷺ« :إِ َذا ُق ْل َت ل َصاحبِ َك َي ْو َم ُ ُ
داخلة يف اسم الخطبة ،واختاره السعدي ،وشـيخنا ابن عثيمين(.)4
603
كـتـاب الـصـالة 604
َ ََ ه َ وإقام ُة ال ِعي ِد -يف َ َ
َ َُ ُُ َ َ ُ ُ
ابلدلِ ،إال وضع مِن
أكرث مِن م ِ اجلمع ِة- قوهل( :وحتُرم :إقامة
َ َ ُْ َ َ َ
وف ف ِتنة). حلاجة ،ك ِضيق ،وبعد ،وخ ِ ِ
يحرم تعدد إقامة الامعة يف البلد الواحد بال حاجة ،قال ابن قدامة« :ال نعلم
فيه مخال ًفا»( ،)1وكذا العيد ،واألِل يف الامعة والعيد أن تقام يف موضع واحد يف
البلد ،ولم يكن يقام جمعة يف المدينة يف زمن رسول اهلل ﷺ إال يف مساده ،وكذا
ِحابته والتابعون كان يف كل بلد مساد واحد للامعة؛ لما يف ذلك من اجتماع
الكلمة وإظهار كثرة المسلمين ،وأول ما تعددت يف بغداد عام (216هـ)؛ لصعوبة
إقامتها يف مساد واحد.
َ َ ُْ ه َ َ َ
وف ف ِتنة) :فإذا كان هنال حاجة لتعددها جاز،
ِ وخ ، د ع وب ، يقض(إال ِحلاجةِ ،
ك
وذكر ثالثة أنواع من الحاجة:
َ
(ك ِضيق) :كأن يضـيق المكان فيكثر الزحام فيه ،فياوز ِالهتا يف محل آخر.
ُْ
(وبعد) :كأن يكون البلد واسعًا ،ويشق المايء لبعده ،فياوز تعددها.
َ َ
وف ف ِتنة) :كأن توجد شحناء ،فيخشـى من الفتنة عند االجتماع ،وجواز (وخ ِ
تعددها عند الحاجة قال به األئمة األربعة ،وهذا يشمل الامعة والعيدين.
ودليله :أن عل ًيا ﭬ استخلف من يصلي بضعفة الناس يف المساد ِالة
العيد ،وهو يصلي بالناس خارج الصحراء بالكوفة( ،)2ولم يكن هذا يفعل من قبل،
وعلي ﭬ من الخلفاء الراشدين ،فدل على جواز التعدد للحاجة.
وما زالت تفعل يف األمصار العظيمة حين احتيج إليها من غير نكير من أهل
العلم ،وقد قرر هذا شـيخ اإلسالم ،وبين أن أكثر أهل العلم أجازوا ذلك
للحاجة(.)3
( )1المغني (.)246/2
( )2رواه البيهقي يف السنن ( .)434/3قال النووي يف خالِة األحكام (« :)625/2رواه الشافعي بإسناد
ِحيح».
( )3الفتاوى (.)206/24
604
605 فصـــل
وجعل أهل العلم اإلذن يف تعدد الامعة يف البلد راجع للسلطان ،أو من ينيبه
لضبط الناس؛ لئال يحصل الخلل ،فإن لم يأذن لهم لم ياز إقامتها.
َ ُ َ َ ه ه َ ُ َ َ ْ ََه َ ُ
حيحة). ري ذل ِك :فالسابِقة باإلحر ِام ِ
يه الص ِ ِ ِغ ل ت د دع ت فإن ( : قوهل
إذا تعددت الامعة من غير حاجة.
فالمذهب :أن التي مع اإلمام هي الصحيحة ،واألخرى باطلة.
فإن لم يكن معهم اإلمام ،فالتي أذن فيها ،فإن لم يكن أذن فاألسبق منها ،قال
ظهرا؛ ألن
ابن قدامة« :فإن لم يعلم األولى أو كيفيتهما بطلتا ،ولزمهم أن يصلوها ً
إحداهما ظهر واألخرى جمعة مازئة ،وال يعلم ما هي»(.)1
ويف أمر من ِلوا بال إذن السلطان باإلعادة نظر ،وال دليل عليه.
واألظهر :أن ِالهتم ِحيحة سواء كان التعدد لعذر أو لغيره ما دام أهنم
فعلوها مع إمام معترب ،وال إعادة عليهم سواء ِلوا مع المتأخر أو المتقدم.
وعلى السلطان إذا علم باماعة يف جمعة ال حاجة لها ،فعليه إيقافها ،وأما
ِالهتم فصحيحة ،واختار هذا السعدي(.)2
وهذا دليل على اهتمام اإلسالم بالامعة ،وأهنا تصلى كما فعلها رسول اهلل ﷺ
يف مكان واحد؛ ليحصل المقصود من االجتماع واأللفة ،ويف عدد من بالد اإلسالم
تقام الامعة يف كل مساد من غير حاجة ،وال يفرقون بين الامعة والظهر ،وهذا
ال شك أنه خطأ ومخالف لمقصد الشارع.
َ َ َ َ َ ًَ َه ًَُُ َ َ ْ ََ ُ َ ُ
باجل ُمع ِة يف َوقتِها ،وأدرك مع اإلم ِ
ام ركعة :أتم مجعة. قوهل( :ومن أحرم
َ َ ه
أقل :نَ َوى ُظ ً
هرا). وإن أدرك
الشافِ ِع ُّيَ ،و َأ ْح َمدُ :فالامعة ال تدرل إال بإدرال
وهذا مذهب الامهور ،ومنهم ا
ركعة مع اإلمام ،ومن لم يدرل ركعة ِالها ظهر ًا أربع ركعات .ويدل له:
605
كـتـاب الـصـالة 606
ِ ِ
الصالَةَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ا
الصالَ َة» [متفق عليه]( .)1وقوله قوله ﷺَ « :م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ا
ِ ِ ِ
ﷺَ « :م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م ْن َِالَة ا ْل ُا ُم َعة َأ ْو َغ ْي ِر َهاَ ،ف َقدْ َأ ْد َر َل ا
الصالَةَ»(.)2
وأخرج ابن أبي شـيبة عن ابن مسعود ﭬ قال« :إذا أدركت ركعة من الامعة
فأضف إليها أخرى ،فإذا فاتك الركوع فصل أرب ًعا»(.)3
ْت مِ َن ا ْل ُا ُم َع ِة َر ْك َع ًة َف َأ ِض ْ
ف وأخرج البيهقي َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َق َال« :إِ َذا َأ ْد َرك َ
إِ َل ْي َها ُأ ْخ َرىَ ،فإِ ْن َأ ْد َر ْك َت ُه ْم ُج ُل ً
وسا َف َصل َأ ْر َب ًعا»(.)4
ظهرا أربع ركعات ،وهذا مذهب فإذا أدرل أقل من ركعة فاتته الامعة ،فيتمها ً
الشافِ ِع ُّي َو َأ ْح َمدُ ؛ لمفهوم حديثَ « :م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة مِ َن
جمهور العلماء ،ومنهم :ا
ِ
الصالَ َة» ،فدل أن من لم يدرل ركعة لم يكن مدركًا للصالة، الصالَة َف َقدْ َأ ْد َر َل ا
ا
ولثبوته عن ابن مسعود وابن عمر ﭭ أهنما قاال« :فإذا فاتك الركوع فصل أرب ًعا»،
أي بعد سالم اإلمام.
هٌ َُ َ َ ََ ُّ ُّ ه َ َ ُ
وأكرثهاِ :ستة). ان.
ِ ت كع ر ها: عد ب ة
ِ نالس وأقل ( : قوهل
التنفل بعد الامعة مستحب ،وقد ورد ثالث ِفات:
َان ُي َصلى َب ْعدَ ا ْل ُا ُم َع ِة َر ْك َع َت ْي ِن ف ِي َب ْيتِ ِه» [متفق عليه](.)5
وردَ « :أ ان النابِي ﷺ ك َ
ا
ِ
وورد قوله ﷺ« :إ َذا َِ الى َأ َحدُ ُك ُم ا ْل ُا ُم َع َة َف ْل ُي َصل َب ْعدَ َها َأ ْر َب ًعا» [رواه مسلم] .
()6
606
607 فصـــل
وورد عن ابن عمر ﭭ موقوفًا أهنا ست ركعات ،كما روى َأ ُبو َد ُاو َد َع ْن اِ ْب ِن
َان إِ َذا ك َ
َان بِ َم اك َة َف َص الى ا ْل ُا ْم َع َة َت َقدا َم َف َص الى َر ْك َع َت ْي ِنُ ،ث ام َت َقدا َم َف َص الى ُع َمر َبأ ان ُه ك َ
َان بِا ْل َم ِدين َِة َِ الى ا ْل ُا ْم َعةَُ ،ث ام َر َج َع إِ َلى َب ْيتِ ِه َف َص الى َر ْك َع َت ْي ِنَ ،و َل ْم ُي َصل
َأ ْر َب ًعاَ ،وإِ َذا ك َ
ول اهللِ ﷺ َي ْف َع ُل َذل ِ َك»(.)1 فِي ا ْل َم ْس ِا ِدَ ،ف ِق َيل َل ُه فِي َذل ِ َكَ ،ف َق َال« :ك َ
َان َر ُس ُ
قوال ،وأما الست فعال وأربع ً وقال النووي« :ثبت عنه ﷺ ركعتان بعد الامعة ً
ِـريح ،وإنما ثبتت عن ابن عمر ﭬ من فعله، ُ ُ
ِحيح ُ
بحديث فلم تثبت عنه ﷺ
وروي عن ُ
علي أنه أمر هبا».
وقال العراقي عن حديث ابن عمر ﭭ« :إنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب؛
ألنه لم يصح أنه ﷺ ِلى الامعة بمكة»
وموقف العلماء من هذا التنوع يف عدد ركعات الراتبة بعد الامعة ما يلي:
ذهب بعض العلماء إلى أنه اختالف تنوع يف العبادة ،فأحيانًا يصلي اثنتين
وأحيانًا أرب ًعا ،وكلها تحصل هبا السنة ،وهذا قول اإلمام أحمد ،وقالٌ « :
كل
حسن»( ،)2ومال لهذا شـيخنا ابن عثيمين.
وذهب بعض العلماء إلى أنه اختالف حاالت ،فتحمل كل ِفة على حالة:
فإن ِلى يف بيته ِالها ركعتين؛ لحديث ابن عمر ﭭَ « :أ ان النابِي ﷺ ك َ
َان ا
ُي َصلى َب ْعدَ ا ْل ُا ُم َع ِة َر ْك َع َت ْي ِن فِي َب ْيتِ ِه».
وإن ِلى يف المساد ِالها أرب ًعا؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا َِ الى َأ َحدُ ُك ُم ا ْل ُا ُم َع َة
َف ْل ُي َصل َب ْعدَ َها َأ ْر َب ًعا» ،وهذا األولى ،ورجحه شـيخ اإلسالم ،وابن القيم( ،)3وهو
عام بمكة وغيرها ،وإن ِالها أحيانا بمكة ستًا نحو ما روي عن ابن عمر ﭭ،
( )1رواه أبو داود ( )1130من حديث ابن عمر ﭭ .وِححه النووي يف خالِة األحكام (،)612/2
ِ ِ
واأللباين يف ِحيح أبي داود ( ،)1035وقال العراق ُّي« :إِ ْسنَا ُد ُه َِح ٌ
يح».
( )2المغني (.)262/2
( )3زاد المعاد (.)440/1
601
كـتـاب الـصـالة 608
فله مستند.
قال النووي« :واألولى بالعمل عندي أن يصلي الرجل بعد الامعة أرب ًعا؛ ألنه
قد ثبت عنه ﷺ ً
قوال ،وأمرنا به ،وحثنا عليه ،واهلل تعالى أعلم»(.)1
وأما التنفل قبل ِالة الامعة :فليس قبلها سنة راتبة محددة ،فإن النبي ﷺ كان
بالل يف أذان الامعة ،ثم خطب ،لكن يشـرع يخرج من بيته ،فإذا ِعد المنرب أخذ ٌ
التنفل المطلق قبل الامعة؛ لقوله ﷺَ « :م ِن ا ْغت ََس َل ُث ام َأ َتى ا ْل ُا ُم َعةََ ،ف َص الى َما ُقد َر
َل ُهُ ،ث ام َأن َْص َت َحتاى َي ْف ُر َغ مِ ْن ُخ ْط َبتِ ِهُ ،ث ام ُي َصل َى َم َع ُه ُغ ِف َر َل ُه َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ا ْل ُا ُم َع ِة
األُ ْخ َرىَ ،و َف ْض َل َثالَ َث ِة َأ ايا ُم» [رواه مسلم](.)2
واختاره شـيخ اإلسالم ،وابن القيم(.)3
َ َ ُ ه َ َُ ُ َ َ ْ ُ
ورة ِ الكه ِف يف يومِها). قوهل( :وسن :ق ِراءة س
يد ﭬَ « :م ْن فيستحب أن يقرأ سورة الكهف يف يوم الامعة؛ لحديث َأبِي س ِع ُ
َ
يق» ،ويف ِ ِ ف فِي َي ْو ِم ا ْل ُا ُم َع ِة َأ َضا َء َل ُه م ِ َن الن ِ
ُّور َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ا ْل َب ْيت ا ْل َعت ِ َقر َأ سور َة ا ْل َكه ِ
ْ َ ُ َ
روايةَ « :ما َب ْي َن ا ْل ُا ُم َع َت ْي ِن»( ،)4فاألولى أن يقرأها حتى على ترجيح وقفه ،فإن هذا ال
يقال من قبيل الرأي.
اثلان َِيةِ{ :هل أَت} .وتُ َ ه ه ََ َ َ َ ََ ُ
كرهُ: جرها{ :الم} السجدة ،ويف ِ ف يف أقر ي وأن( : قوهل
َُ َ َُُ َ َ َ
يهما).
مداومته عل ِ
ومن السنة أن يقرأ اإلمام هاتين السورتين يف ِالة فار يوم الامعة؛ لما يف
الر ْك َع ِة ِ ِ
الص ْبحِ َ ،ي ْو َم ا ْل ُا ُم َعة :بِألم َتن ِْز ُيل في ا
ِ الصحيحينَ « :أ ان النابِي ﷺ ك َ
َان َي ْق َر ُأ في ُّ ا
606
609 فصـــل
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْاألُو َلىَ ،وفي ال اثان َيةَ :ه ْل َأ َتى َع َلى ْاإلن َْسان حي ٌن م َن الدا ْه ِر َل ْم َي ُك ْن شـي ًئا َم ْذ ُك ً
ورا»(.)1
وإن تركها أحيانًا فحسن ،وأما نصه على كراهة المداومة ،ففيه نظر؛ ألن
الكراهة تحتاج إلى دليل شـرعي ،وقد ورد عند الطرباين« :يديم ذلك»( ،)2قال ابن
حار« :رجاله ثقات ،إال أن أبا حاتم ِحح إرساله»(.)3
مسألة :يف الامعة ساعة إجابة ال يوافقها مسلم يدعو اهلل فيها إال أعطي سؤاله،
واختلف يف تحديدها وأرجحها قوالن:
القول األول :أهنا من جلوس اإلمام على المنرب إلى انقضاء الصالة.
ول اهلل ﷺ ودليل هذا :ما رواه مسلم َع ْن َأبِي ُموسـى ﭬ َق َالَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ
اإل َما ُم إِ َلى َأ ْن ُت ْقضـى ا
الص َال ُة»(.)4 ولِ « :هي ما َب ْي َن َأ ْن َي ْالِ َس ْ ِ َي ُق ُ
َ َ
وقد بحثها ابن رجب( )5ومال إلى هذا القول مستشهد ًا بما يف الصحيحين أن
ِ ِ ِ ِ ِ
النبي ﷺ قال« :إِ ان في ا ْل ُا ُم َعة َل َسا َعةًَ ،ال ُي َواف ُق َها ُم ْسل ٌمَ ،قائ ٌم ُي َصليَ ،ي ْس َأ ُل َ
اهلل َخ ْي ًرا،
إِ اال َأ ْع َطا ُه إِ ايا ُه» َو َق َال بِ َي ِد ِهُ :ي َقل ُل َها ُي َزهدُ َها(.)6
نص يف موضع الخالف ،فال يلتفت إلى غيره». وقال القرطبي« :هو ٌ
مرفوعا
ً أيضا بكونه
وقال النووي« :هو الصحيح ،بل الصواب ،ورجحه ً
ِـريحا ،ويف أحد الصحيحين»(.)7
ً
602
كـتـاب الـصـالة 610
( )1رواه أبو داود ( ،)1046والنسائي ( )1362من حديث جابر ب .وِححه النووي يف خالِة األحكام
( ،)155/2واأللباين يف ِحيح أبي داود ( ،)263وحسنه ابن حار يف فتح الباري (.)420/2
( )2رواه أبو داود ( ،)1046والرتمذي ( )421من حديث أبي هريرة ﭬ .وِححه الرتمذي.
( )3رواه الرتمذي ( )462من حديث أنس ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث غريب من هذا الوجه ،...ومحمد
بن أبي حميد يضعف ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه ،ويقال له حماد بن أبي حميد ،ويقال :هو أبو
إبراهيم األنصاري وهو منكر الحديث» ،وضعفه النووي يف خالِة األحكام ( ،)155/2وابن حار يف
التلخيص الحبير (.)420/3
( )4زاد المعاد ( ،)362/1فتح الباري البن حار (.)422/2
610
611 فصـــل
611
كـتـاب الـصـالة 612
والدليل على هذا :قوله ﷺَ « :ق ِد اجتَمع فِي يومِ ُكم َه َذا ِعيدَ ِ
انَ ،ف َم ْن َشا َء َأ ْج َز َأ ُه َْ ْ ْ َ َ
فطر على عهد جمعة ،ويوم ُ ُ ون»( .)1وقال عطا ٌء :اجتمع يوم مِ َن ا ْل ُا ُم َع ِةَ ،وإِناا ُم َام ُع َ
واحد» ،فامعهما جمي ًعا ،فصالهما ُ ابن الزبير ،فقال« :عيدان اجتمعا يف يو ُم
ركعتين بكرةً ،لم يزد عليهما حتى ِلى العصـر(.)2
قال ابن باز« :هذه تدل على أنه ال بأس أن يرتل الامعة من حضـر ِالة العيد،
ظهرا ،فقد غلط ،وهو كاإلجماع من أهل
ظهرا ،ومن قال :ال يصلي ً
لكن يصلي ً
العلم»(.)3
وما روي عن ابن الزبير حينما ترل الظهر اكتفاء بصالة العيد ،فهذا اجتهاد منه،
ولعله ِالها يف بيته ،والصواب أنه البد من ِالة الظهر ،والرخصة يف ترل
حضور الامعة فقط ،بل ِح يف حديثه ما يدل على أن المسلمين ِلوا الظهر،
الزبي ِر فِي يو ِم ِع ُ ِ
يد، َْ فقد روى أبو داود َع ْن َع َطاء ا ْب ِن َأبِي َر َباحُ َق َال َِ « :الى بِنَا ا ْب ُن ُّ َ ْ
ارُ ،ث ام ُر ْحنَا إِ َلى ا ْل ُا ُم َع ِةَ ،ف َل ْم َي ْخ ُر ْج إِ َل ْينَا َف َص ال ْينَا ُو ْحدَ انًا،
فِي َي ْو ِم ُج ُم َع ُة َأ او َل الن َاه ِ
ِ ِ ِ ِ
السنا َة»(.)4 اب ُّ اس بِال اطائفَ ،ف َل اما َقد َم َذك َْرنَا َذل َك َل ُهَ ،ف َق َالَ :أ َِ َ َان ا ْب ُن َع اب َُوك َ
مسألة :يسن االغتسال لصالة الامعة ،وهو سنة مؤكدة عند جماهير العلماء؛
ب َع َلى ُكل ُم ْحتَلِ ُم، لألحاديث الكثيرة ،منها :قوله ﷺ« :ا ْل ُغس ُل َي ْوم ا ْل ُام َع ِة َو ِ
اج ٌ ُ َ ْ
َو َأ ْن َي ْس َت انَ ،و َأ ْن َي َم اس طِي ًبا إِ ْن َو َجدَ » [متفق عليه] .
()5
( )1رواه أبو داود ( ،)1013وابن ماجه ( )1311من حديث أبي هريرة ﭬ.
قال ابن حار يف التلخيص الحبير (« :)210/2ويف إسناده بقية ،...وِحح الدارقطني إرساله ،...وكذا
ِحح ابن حنبل إرساله» ،وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (.)264
( )2رواه أبو داود ( ،)1012وعبدالرزاق يف المصنف ( .)5125وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (.)263
( )3سبل السالم ( ،)162/3فتاوى اللانة الدائمة (ِ ،)23/1الة المؤمن ص (.)163
( )4رواه أبو داود ( .)1011وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (.)262
( )5رواه البخاري ( ،)660ومسلم ( )646من حديث أبي سعيد ﭬ.
612
613 فصـــل
613
كـتـاب الـصـالة 614
الثالث :أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب؛ لقوله ﷺَ « :م ِن ا ْغت ََس َل َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِة
ِ ِ ِ
اهلل َل ُه
َب ُ ور ُهَ ،و َلبِ َس م ْن َأ ْح َس ِن ث َيابِهَ ،و َم اس َما َكت َ َف َأ ْح َس َن ُغ ْس َل ُهَ ،و َت َط اه َر َف َأ ْح َس َن ُط ُه َ
يب َأ ْهلِ ِهُ ،ث ام َأ َتى ا ْل ُا ُم َع َة َو َل ْم َي ْل ُغ َو َل ْم ُي َفر ْق َبيْ َن ا ْثنَ ْي ِنُ ،غ ِف َر َل ُه َما َب ْينَ ُه َو َبيْ َن
مِ ْن طِ ِ
ا ْل ُا ُم َع ِة ْاألُ ْخ َرى»(.)1
الرابع :التبكير إلى الامعة قدر طاقته؛ لما تقدم.
الخامس :أن يكثر من الدعاء خاِة يف وقت اإلجابة ،وتقدم بيان وقتها.
السادس :أن ال يتخطى رقاب الناس ،وال يفرق بين اثنين عند دخوله المساد
يم ان َأ َحدُ ُك ْم ِ
لصالة الامعة ،وال يقيم أحدً ا من مكان سبقه إليه؛ لقوله ﷺَ « :ال ُيق َ
ول ا ْف َس ُحوا»(.)2 يهَ ،و َلكِ ْن َي ُق ُف إِ َلى م ْقع ِد ِهَ ،في ْقعدَ فِ ِ
َ ُ َ َ َأ َخا ُه َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِةُ ،ث ام ْل ُي َخال ِ ْ
الر ُج ُل َأ َخا ُه مِ ْن
يم ا
ِ
ويف الصحيحين عن ابن ُع َم َر ﭭ قال« :ن ََهى النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُيق َ
ِ ِ ِ ِ ِِ
الا ُم َعةَ؟ َق َالُ :
الا ُم َع َة َو َغ ْي َر َها»(.)3 َم ْق َعدهَ ،و َي ْالِ َس فيهُ ،ق ْل ُت لنَافعُُ :
ِ ِ
س اب الناا ِ وروى أبو داود عن َع ْبداهلل ْب ِن ُبسـر ﭬ :قال َجا َء َر ُج ٌل َيت ََخ اطى ِر َق َ
اجلِ ْس َف َقدْ آ َذ ْي َت»(.)4 ِ
بَ ،ف َق َال َل ُه النابِ ُّي ﷺْ « : َي ْو َم ا ْل ُا ُم َعةَ ،والنابِ ُّي ﷺ َي ْخ ُط ُ
السابع :إذا دخل المساد واإلمام يخطب ،فال يالس حتى يصلي ركعتين؛
بَ ،ف ْل َي ْرك َْع َر ْك َع َت ْي ِنَ ،و ْل َيت ََا او ْز لقوله ﷺ« :إِ َذا َجاء َأ َحدُ ُكم َي ْوم ا ْل ُام َع ِةَ ،و ْ ِ
اإل َما ُم َي ْخ ُط ُ ُ ْ َ َ
فِ ِ
يه َما» [متفق عليه](.)5
احضـروا الذك َْرَ ،وا ْدنُوا مِ َن الثامن :أن يدنو من اإلمام ويقرب منه؛ لقوله ﷺْ « :
=
داود (.)313
( )1رواه ابن ماجه ( ،)1021وأحمد ( )21532من حديث أبي ذر ﭬ .وِححه البوِـيري يف مصباح
الزجاجة ( ،)131/1واأللباين يف ِحيح الاامع (.)6064
( )2رواه مسلم ( )2116من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ.
( )3رواه البخاري ( )211من حديث ابن عمر ﭭ.
( )4سبق تخرياه ص (.)461
( )5سبق تخرياه ص (.)460
614
615 فصـــل
الر ُج َل َال َي َز ُال َي َت َباعَدُ َحتاى ُي َؤ اخ َر فِي ا ْل َان ِاةَ ،وإِ ْن َد َخ َل َها»(.)1 ِ
ْاإل َمامَِ ،فإِ ان ا
مسألة :حاز المكان يف المساد ال يخلو من حاالت:
الحالة األولى :أن يحاز وهو يف بيته أو سوقه قبل أن يأيت ،فيأمر من يضع له
ساادة ،فال ياوز له ذلك ،ونقل شـيخ اإلسالم اتفاق الفقهاء على النهي عنه(،)2
كثير من الناس من تقديم مفارش إلى المساد يوم الامعة أو
وقال« :ما يفعله ٌ
محرم،
ٌ منهي عنه باتفاق المسلمين؛ بل
ٌ غيرها قبل ذهاهبم إلى المساد ،فهذا
وِاحبه قد خالف الشـريعة من وجهين:
مأمور بالتقدم.
ٌ من جهة تأخره ،وهو
ُ
لطائفة من المساد ،ومنعه السابقين إلى المساد أن يصلوا ومن جهة غصبه
فيه ،وأن يتموا الصف األول فاألول ،ثم إنه يتخطى الناس إذا حضـروا.
ول اهللِ ﷺ وروى ابن ماجهَ :أ ان َر ُج ًال َد َخ َل ا ْل َم ْس ِادَ َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِةَ ،و َر ُس ُ
اجلِ ْسَ ،ف َقدْ آ َذ ْي َت َوآ َن ْي َت». ول اهلل ﷺْ « : ااسَ ،ف َق َال َر ُس ُ بَ ،ف َا َع َل َيت َ
َخ اطى الن َ يخ ُط ُ
ْ
خ َذ ِجسـرا الا ُم َع ِة ا ات َ اب الن ِ
ااس َي ْو َم ُ َوفي الرتمذي بإسناد ضعيفَ « :م ْن َت َخ اطى ِر َق َ
ِ
إِ َلى َج َهن َام»(.)3
الص َال ُة َم َكا َن ُه على ومن قدم فوجد من حاز على هذا النحو ،فله َر ْف ُع ُه َو ا
الصحيح من أقوال العلماء ،واختاره شـيخ اإلسالم؛ ا
ألن المساد لمن سبق ال
مأمور
ٌ لمن حاز؛ وألن هذا السابق يستحق الصالة يف ذلك الصف المقدم ،وهو
أيضا ،وهو ال يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء هذا الحق إال برفع ذلك
بذلك ً
( )1رواه أبو داود ( ،)1106وأحمد ( )20116من حديث سمرة بن جندب ﭬ .وِححه األلباين يف ِحيح
أبي داود (.)1015
( )2ماموع الفتاوى (.)162/22
( )3رواه الرتمذي ( ،)513و ابن ماجة ( ،)1116وأحمد ( )15602من حديث معاذ بن أنس ﭬ .قال
الرتمذي« :حديث غريب ،ال نعرفه إال من حديث رشدين بن سعد» ،وضعفه النووي يف خالِة األحكام
( ،)166/2وابن الملقن يف البدر المنير (.)663/4
615
كـتـاب الـصـالة 616
616
617 باب صالة العيدين
عقد هذا الباب للكالم على أحكام ِالة العيد ،وِفتها ،وشـروطها،
وحكمها ،وسننها ،وما يتعلق هبا من مسائل ،وناسب ذكرها بعد الامعة؛
الشرتاكهما يف كثير من األحكام.
وتعريف العيد لغ ًة :اسم لما يعود ويتكرر مرة بعد مرة.
والمراد بالعيد شـرعًا :يوم الفطر ،واألضحى.
واألعياد يف اإلسالم ثالثة :عيد الفطر ،واألضحى ،والامعة.
ويوم النحر أفضل من يوم الفطر ،فهو أفضل أيام العام ،ويوم الامعة أفضل
أيام األسبوع ،وكان المشـركون لهم أعياد قبل اإلسالم فأبطلها اهلل ،وشـرع هذه
يه َما، ول اهللِ ﷺ ا ْل َم ِدينَ َة َو َل ُه ْم َي ْو َما ِن َي ْل َع ُب َ
ون فِ ِ َس ﭬ َق َالَ :ق ِد َم َر ُس ُ بدلها ،ف َع ْن َأن ُ
ول اهلل ﷺ: اهلِ اي ِةَ ،ف َق َال َر ُس ُ يهما فِي ا ْلا ِ
َ
ان؟ َقا ُلواُ :كناا َن ْلع ِ
بف ِ َ َ ُ
ان ا ْليوم ِ
َْ َ
َف َق َال :ما َه َذ ِ
َ
اهلل َقدْ َأ ْبدَ َل ُك ْم بِ ِه َما َخ ْي ًرا مِنْ ُه َماَ :ي ْو َم ْاألَ ْض َحىَ ،و َي ْو َم ا ْلف ْطر» .
ِ ِ ()1
«إِ ان َ
وال ياوز إقامة أعياد غير هذه الثالثة ،وما سواها بدعة ،كأعياد الميالد ،وعيد
المولد ،وعيد الحب ،وكذا أسبوع المساجد ،ذكر شـيخنا ابن عثيمين أنه بدعة؛
لتكرره على ِفة معينة ،والرتباطه بعبادة(.)2
وأما ح َفالت تخريج الطلبة لحفظ القرآن والسنة ،فال تدخل يف األعياد؛ ألمور:
( )1رواه أبو داود ( ،)1134والنسائي ( ،)1556وأحمد ( )1362من حديث أنس ﭬ .وِححه البغوي يف شـرح
السنة ( ،)222/4والنووي يف خالِة األحكام ( ،)612/2وابن حار يف فتح الباري ( ،)442/2واأللباين يف
ِحيح أبي داود (.)1032
( )2الممتع (.)146/5
611
كـتـاب الـصـالة 618
616
619 باب صالة العيدين
612
كـتـاب الـصـالة 620
ل ِ ْل ُ ِ
ب َف ْليَ ْذ َه ْ
ب»(.)1 خ ْط َبة َف ْل َي ْالِ ْسَ ،و َم ْن َأ َح ا
ب َأ ْن َي ْذ َه َ
الرابع :االستيطان :فالمسافر ال تصح منه العيد إال َت َب ًعا للمستوطن ،كما قررناه
يف ِالة الامعة.
قوهل( :وت ُ َس ُّن :بالص َ
ه ُ
حراءِ).
السنة يف ِالة العيد أن تكون يف المصليات ال يف المساجد إظهار ًا لهذه
يخرج يوم ِ
الف ْط ِر َواألَ ْض َحى إِ َلى الشعيرة؛ ولفعل رسول اهلل ﷺ ،فقد «كَان ْ ُ ُ َ ْ َ
ِ ُ
ْصـرفَ ،ف َي ُقو ُم ُم َقابِ َل الن ِ
ااس» [متفق عليه](.)2 ُ الم َص الىَ ،ف َأ او ُل شـيء َي ْبدَ ُأ بِه ا
الصالَ ُةُ ،ث ام َين ُ
وهذا عام يف األمصار ،ويف مساد رسول اهلل ﷺ ،حيث كان يفعله وهو
بالمدينة ،وهذه السنة الماضـية منذ الزمن األول .وإن كان هنال مشقة يف الخروج
إلى المصلى ،لوجود مطر ،أو خوف ،أو دحض يف األرض ،أو زحام شديد،
فتصلى يف المساجد ،وإذا ِلوا يف المساد ِلوا تحية المساد قبل الالوس إن
كان اإلمام لم يشـرع يف الصالة.
وأما يف مكة فإهنا تصلى يف المساد الحرام؛ ألن فيه الكعبة ،وهي قبلة
المسلمين ،فكيف يخرج عنها ،وألن الخروج يف مكة شاق؛ لكثرة جبالها
وأوديتها ،وكثرة الناس فيها ،وهذا المنقول منذ الزمن األول ،كما نقله النووي،
ورجحه ابن باز(.)3
َ َ ََْ ُ ََ ُ َ ه ُ َ َ ُ
قوهل( :ويُ َ
فارق ِة المصىل). كرهُ :انلهفل قبلها ،وبعدها قبل م
إذا ِلوا العيد يف المصلى ،فال يصلوا قبلها وال بعدها شـي ًئا ،ال اإلمام وال
( )1رواه أبو داود ( ،)1155وابن ماجه ( )1220من حديث عبداهلل ابن السائب ﭬ .قال أبو داود« :هذا مرسل عن
عطاء ،عن النبي ﷺ» ،ورجح اإلرسال :أبو زرعة ،وابن معين (علل الحديث البن أبي حاتم ،460/2تاريخ ابن
معين رواية الدوري .)56
( )2رواه البخاري ( ،)256ومسلم ( )662من حديث أبي سعيد ﭬ.
( )3شـرح مسلم (ِ ،)421/6الة المؤمن ص (.)640
620
621 باب صالة العيدين
621
كـتـاب الـصـالة 622
=
والبوِـيري يف مصباح الزجاجة ( ،)153/1واأللباين يف إرواء الغليل (.)100/3
( )1سبق تخرياه ص (.)460
( )2رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم -كتاب أبواب العيدين/باب التبكير إلى العيد .ووِله أبو داود ( ،)1135وابن
ماجه ( )1311من حديث عبداهلل بن بسـر ﭬ .وِححه النووي يف خالِة األحكام ( ،)621/2واأللباين يف
ِحيح أبي داود (.)1040
( )3رواه أبو داود ( ،)1151والنسائي ( ،)1551وابن ماجه ( ،)1653وأحمد ( .)20512وِححه البيهقي
( ،)442/3وابن الملقن يف البدر المنير ( ،)25/5واأللباين يف إرواء الغليل ( ،)634وقال ابن حار يف
التلخيص الحبير (« :)206/2وِححه ابن المنذر ،وابن السكن ،وابن حزم».
622
623 باب صالة العيدين
623
كـتـاب الـصـالة 624
ِ ُ
َواألَ ْض َحى إ ِ َلى ُ
الم َص الىَ ،ف َأ او ُل شـيء َي ْبدَ ُأ بِه ُ ا
الصالَ ُة[ »...متفق عليه](.)1
ُُ َُ َ َ َض يف َطريق َر َج َع يف أ َ َ َ
اجلمعة) :متابع ًة لرسول خرى .وكذا: الثالث( :وإذا م
اهلل ﷺ يف هديه ،وليشهد له الطريقان وسكاهنما ،وليظهر شعار اإلسالم(« ،)2وقد
َان يوم ِع ُ
ف ال اط ِر َيق» [رواه البخاري](.)3 يد َخا َل َ َان النابِ ُّي ﷺ إِ َذا ك َ َ ْ ُ
ك َ
الرابع :أن يذهب لصالة العيد ماشـيا إن تيسـر إال من عذر ،كبعد المساد
يد َماشـياَ ،و َي ْر ِج ُع َماشـيا»(.)4 ول اهللِ ﷺ ي ْخرج إِ َلى ا ْل ِع ِ َان َر ُس ُ
ونحوه« :وقد ك َ
َ ُ ُ
الع ِ
يد َماشـياَ ،و َأ ْن َت ْأ ُك َل شـي ًئا َق ْب َل َأ ْن و َق َال علي ﭬ« :مِن السن ِاة َأ ْن َت ْخرج إِ َلى ِ
ُ َ َ ُّ
َت ْخ ُر َج»( .)5قال الرتمذي« :والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم:
عذر». يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشـيا ،وأن ال يركب إال من ُ
سـيرا َء ِعنْدَالخامس :أن يتزين ويلبس أحسن الثياب؛ ألَ ان ُع َم َر ﭬ َر َأى ُح ال ًة َ
الا ُم َع ِة َول ِ ْل َو ْف ِد إِ َذا ِِ اب المس ِا ِدَ ،ف َق َال« :يا رس َ ِ
ول اهلل َل ِو ْاشت ََر ْي َت َهذهَ ،ف َلبِ ْست ََها َي ْو َم ُ َ َ ُ َب ِ َ ْ
َق ِد ُموا َع َل ْي َك» [متفق عليه](.)6
قال ابن قدامة« :وهذا يدل على أن التامل عندهم يف هذه المواضع كان
مشهورا»( ،)7وقال اإلمام مالك« :سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة يف
ً
كل عيد» .قال ابن حار :روى ابن أبي الدنيا بإسناد ِحيح إلى ابن عمر ﭭ:
624
625 باب صالة العيدين
625
كـتـاب الـصـالة 626
( )1رواه البخاري ( ،)260ومسلم ( )666من حديث ابن عباس ،وجابر ﭫ.
( )2رواه مسلم ( )666من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ.
( )3زاد المعاد (.)421/1
626
627 باب صالة العيدين
( )1رواه النسائي ( ،)1512وابن ماجه ( ،)1266وأحمد ( )11506من حديث أبي سعيد ﭬ.
( )2رواه النسائي ( ،)1420وابن ماجه ( ،)1063وأحمد ( )251من حديث عمر ﭬ .وانظر :التلخيص
الحبير ( ،)163/2والعلل البن أبي حاتم ( ،)224/2وعلل الدارقطني (.)111/2
( )3رواه البخاري ( ،)263ومسلم ( )666من حديث ابن عمر ﭭ.
( )4رواه مسلم ( )62من حديث أبي سعيد ﭬ.
( )5رواه أبو داود ( ،)1142وابن ماجه ( )1260من حديث عائشة ڤ .وإسناده فيه ابن لهيعة ،وهو ضعيف،
وضعفه البخاري كما يف علل الرتمذي ص ( ،)23قال الدارقطني يف العلل (« :)110/14واالضطراب فيه
من ابن لهيعة».
621
كـتـاب الـصـالة 628
َو َع ْن ابن عمرو ﭭ َق َالَ :ق َال َنبِ ُّي َاهللِ ﷺَ « :ال ات ْكبِ ُير فِي َا ْل ِف ْط ِر َس ْب ٌع فِي َا ْألُو َلى،
َو َخ ْم ٌس فِي َا ْآل ِخ َر ِةَ ،وا ْل ِق َرا َء ُة َب ْعدَ ُه َما كِ ْل َت ْي ِه َما»(.)1
وخمسا يف الثانية ،وهذا مذهب
ً وأكثر الصحابة واألئمة يكربون سب ًعا يف األولى
اإلمام أحمد ،ومالك ،واختاره شيخ اإلسالم وابن القيم(.)2
ُك تَكب َ َ َ ُ ِّ َ َُ ََ
رية) :أي يسن رفع اليدين يف كل تكبيرة ،وهذا مذهب ِ (يرفع يدي ِه :مع
األئمة الثالثة :مالك ،والشافعي ،وأحمد ،ورجحه ابن باز ،وشـيخنا ابن عثيمين(.)3
ول اهللِ ﷺ َي ْر َف ُع َيدَ ْي ِه َم َع
لعموم حديث َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ َق َالَ « :ر َأ ْي ُت َر ُس َ
ال ات ْكبِ ِير»( ،)4قال أحمد« :أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله»(.)5
وعن عمر ﭬ« :أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة يف الانازة والعيدين»(.)6
وعن الوليد بن مسلم قال« :سألت مالك بن أنس عن ذلك -يعني الرفع يف
التكبيرات الزوائد؟ -فقال :نعم ارفع يديك مع كل تكبيرة ،ولم أسمع فيه شـي ًئا».
ُ َ َ ه ُ ًَ
ريا ،وسبحان اَّللِ بكرة مد هَّللِ َكثِ ً
َ ُ أكَب َكب ً
ريا ،واحل
هُ
اَّلل َ ُ َُ ُ ََُ
(ويقول بينهما« :
ِ
َ ه َ ً َُه َ ه هُ ً
انلِب وآهلِ وسل َم تسلِيما») :فيستحب هذا الذكر، ِّ وأصيال ،وصىل اَّلل ىلع ُممد
وهو أولى من السكوت بين التكبيرات ،وليس فيه شـيء مرفوع إلى رسول اهلل ﷺ،
لكن ورد عن ابن مسعود بمعناه ،ومع ذلك لو أثنى على اهلل وحمده ،وِلى على
رسول اهلل ﷺ بغيرها ِح ،ولو قال ما ذكره المصنف لكان حسنًا؛ ألنه جامع لما
( )1رواه أبو داود ( ،)1151وابن ماجه ( ،)1216وأحمد ( )6666من حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ .قال ابن
حار يف التلخيص الحبير (« :)200/2وِححه أحمد ،وعلي ،والبخاري ،فيما حكاه الرتمذي» ،وينظر:
إرواء الغليل (.)106/3
( )2ماموع الفتاوى ( ،)220/24زاد المعاد ( .)443/1راجع كال ًما جيدً ا للشـيخ ابن عثيمين يف أدب الخالف
بعد كالمه على هذه المسألة يف الممتع (.)116/5
( )3المغني ( ،)263/2الممتع (.)161/5
( )4رواه أحمد ( )16646من حديث وائل بن حار ﭬ .وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)641
( )5المغني (.)263/2
ِ
( )6رواه البيهقي يف السنن ( .)412/3وضعفه األلباين يف إرواء الغليل ( ،)640و ُأع ال باالنقطاع.
626
629 باب صالة العيدين
ذكره ابن مسعود ﭬ ،ولم يحفظ عن رسول اهلل ﷺ فيها ذكر معين.
اهللَ ،و ُت ْثنِي
اهلل َأ ْك َب ُرَ ،و َت ْح َمدُ َ
ولُ : فروى الطرباين عن ابن مسعود ﭬ قالَ « :ت ُق ُ
اهللَ ،و ُت ْثنِي َع َل ْي ِهَ ،و ُت َصلي ِ
َع َل ْيهَ ،و ُت َصلي َع َلى النابِي ﷺَ ،و َتدْ ُعو َ
اهللُ ،ث ام ُت َكب ُرَ ،و َت ْح َمدُ َ
اب( ،)1وقول َع َلى النابِي ﷺُ ،ث ام ت َكب ْر ،»...وعنده ُح َذ ْي َف ُةَ ،و َأ ُبو ُموسـى ،فقاالَ :أ َِ َ
الصحابي حاة إذا لم يخالفه غيره.
قرأُ َج ً
هرا) :أي بعد التكبيرة السابعة يف األولى يستعيذ باهلل، يذُ ،ث هم يَ َ
ُه َ َ ُ
(ثم يست ِع
ثم يبسمل ،ثم يقرأ الفاتحة وسورة بعدها ،والسنة جهر اإلمام بالقراءة ،وهذا قول
أكثر أهل العلم ،كما نقله ابن المنذر(.)2
ويدل لذلك :األحاديث التي نقل فيها الصحابة السور التي كان رسول اهلل ﷺ
يقرؤها يف ِالة العيد ،فإهنا دليل على أنه كان ياهر بالقراءة ،ولذا عرفوا قراءته،
وهي شبيهة بصالة الامعة التي ياهر هبا ،فالظاهر منها أن النبي ﷺ كان ياهر
هبما ،ولذلك عرفوا أنه قرأ هبما.
قال ابن قدامة« :ال نعلم خال ًفا بين أهل العلم أنه يسن الاهر هبا»(.)3
ه َ َ ُ َ َ ِّ َ ُ
الغاشي ِة» :يف اثلانِية) :السنة يف ِالة ِ الفاحتَة ،ث هم بِـ«سبح» :يف األوىل ،و « ( ِ
العيد أن يقرأ فيها ما كان رسول اهلل ﷺ يقرأه ،وقد ثبت عنه القراءة بِـاألعلى،
الا ُم َع ِة :بِ َسبحِ ِ ِ ِ
َان َي ْق َر ُأ في العيدَ ْي ِن َوفي ُ
َوالغاشـية ،كما روى مسلم أن النبي ﷺ« :ك َ
اح ُد َف َي ْق َر ُأ
اشـية ،وربما اجتَمعا فِي يو ُم و ِ
َْ َ َُاَ ْ َ َ
يث ال َغ ِال َح ِد ُ
اس َم َرب َك األ َ ْع َلىَ ،و َه ْل َأ َت َ
ْ
ور َت ْي ق ،والقمر(.)5 بِ ِه َما» ،وثبت أنه كان يقرأ بِ ُس َ
()4
( )1رواه الطرباين يف المعام الكبير( ،)2515والبيهقي يف السنن الكربى ( .)410/3وقال« :وهذا من قول
عبداهلل بن مسعود ﭬ موقوف عليه» ،وِححه األلباين يف اإلرواء (.)642
( )2األوسط (.)264/4
( )3المغني (.)261/2
( )4رواه مسلم ( )616من حديث النعمان بن بشـير ﭬ.
( )5رواه مسلم ( )621من حديث أبي واقد الليثي ﭬ.
622
كـتـاب الـصـالة 630
فيشـرع لإلمام أن يقرأ هبذا مرة وهبذا مرة ،ويراعي األحوال؛ إحيا ًء للسنة ،ولو
قرأ غيرها جاز(.)1
والحكمة من قراءة هذه السور يف الماامع الكبار :ما تضمنته من تقرير
التوحيد ،وقصص األنبياء ،والمبدأ والمعاد ،وعاقبة المؤمنين والمكذبين(.)2
َ هَ َ َ َ ُ ََ
ي) :الواجب أن تكون خطبتا العيد بعد الصالة هذا (فإذا سلم :خطب خطبت ِ
الثابت عن رسول اهلل ﷺ ،والصحابة الكرام ﭫ ،ولم يعلم فيه خالف إال عن
بعض أمراء بني أمية ،وقد أنكره عليهم الصحابة؛ لمخالفته السنة ،واإلجماع
ول اهللِ ﷺَ ،و َأ ُبو َب ْك ُر، َان َر ُس ُ السابق ،ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َق َال« :ك َ
الخ ْط َب ِة»(.)3 ون ِ
العيدَ ْي ِن َق ْب َل ُ َو ُع َم ُر ﭭ ُي َص ُّل َ
خ ْط َب ِة َي ْو َم
اب ﭬ َق َالَ « :أ او ُل َم ْن َبدَ َأ بِا ْل ُ ار ِق ْب ِن ِش َه ُ ويف ِحيح مسلم َع ْن َط ِ
خ ْط َب ِةَ ،ف َق َالَ :قدْ ُت ِر َل ِ الص َال ِة َم ْر َو ُ
انَ .ف َقا َم إِ َل ْيه َر ُج ٌلَ ،ف َق َال :ا
الص َال ُة َق ْب َل ا ْل ُ ِ ِ
ا ْلعيد َق ْب َل ا
َما ُهنَال ِ َك ،فأنكر عليه أبو سعيد»(.)4
والمنقول عن أهل العلم أن للعيد خطبتين ،واألحاديث الصحيحة لم تصـرح
بأهنما خطبتان ،وإنما اعتمد الفقهاء على ما جاء عن عبيد اهلل بن عبداهلل بن عتبة،
وهو أحد الفقهاء السبعة زمن التابعين أنه قال« :السنة أن يخطب اإلمام يف العيد
خطبتين ،يفصل بينهما بالوس»( ،)5قال الشوكاين وابن باز« :ويعضد هذا :القياس
على خطبة الامعة»(.)6
ِ وقد ورد يف هذا حديث عند ابن ماجه َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َالَ « :خ َر َج َر ُس ُ
ول اهلل ﷺ
630
631 باب صالة العيدين
ب َقائِ ًماُ ،ث ام َق َعدَ َق ْعدَ ةًُ ،ث ام َقا َم»(.)1 ِ
َي ْو َم ف ْط ُر َأ ْو َأ ْض َحىَ ،ف َخ َط َ
ُُ َ َ َُُ َ ُ ْ ََ
اجلمع ِة) :أي أحكام خطبتي العيد كأحكام خطبتي (وأحاكمهما :كخطبيت
الامعة ،ما يستحب وما ياب ،وفيه تفصـيل:
أما الحضور :فإهنا تفارق خطبة الامعة ،فيباح االنصـراف بعد الصالة يف
العيد؛ لقوله ﷺ« :إِناا ن َْخ ُطبَ ،فمن َأحب َأ ْن يالِس ل ِ ْل ُ ِ
بخ ْط َبة َف ْل َي ْالِ ْسَ ،و َم ْن َأ َح ا َ ْ َ ُ َ ْ َ ا
َأ ْن َي ْذ َه َ
ب َف ْل َي ْذ َه ْ
ب» [رواه أبو داود](.)2
وأما تحريم الكالم :فالمذهب قالوا :إن جلس فيحرم عليه الكالم ،فاالستماع
واجب ما دام حاضـرا ،فعلى المسلم أن ال يتكلم حال الخطبة ،وقد كره ذلك
جملة من السلف ،منهم :الحسن ،وابن سـيرين(.)3
ه ََ َ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ ُّ
كن يسن :أن يستفتِح األوىل بِتِس ِع تكبِريات ،واثلانِية بِسبع) :أي يسن (ل ِ
للخطيب أن يبدأ الخطبة بالتكبير ال بالحمد ،فيبدأ األولى بتسع تكبيرات والثانية
بسبع ،هذا المذهب ،وفيه نظر؛ ألنه ال دليل عليه ،وإنما احتاوا بما ذكره عبيد بن
عبداهلل بن عتبة أنه يكرب قبل الخطبة تسع تكبيرات( ،)4وبحديث َس ْع ُد ا ْل ُم َؤذ ِن َق َال:
خ ْط َب ِةُ ،ي ْكثِ ُر ال ات ْكبِ َير فِي ُخ ْط َب ِة ا ْل ِعيدَ ْي ِن»(.)5 َان النابِي ﷺ« :ي َكبر بين َأ ْضع ِ
اف ا ْل ُ ُ ُ َْ َ َ ُّ
ك َ
َان َي ْفتَتِ ُح َها بِ ِه.
َو َهو َال َيدُ ُّل َع َلى َأ ان ُه ك َ
واألولى أن تبدأ خطبة العيد بالحمد ،كما هو هديه ﷺ يف سائر خطبه ،وال بأس
إشعارا بمشـروعية التكبير يف مثل هذا الموسم ،كما
ً أن يكرب بعدها ،أو أثناءها
( )1رواه ابن ماجه ( )1262من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ .يف إسناده إسماعيل بن مسلم ،وهو ضعيف،
وضعفه األلباين يف الضعيفة (.)5162
( )2سبق تخرياه ص (.)612
( )3المغني ( ،)261/2الممتع (.)123/5
( )4رواه البيهقي يف السنن (.)420/3
( )5رواه ابن ماجه ( ،)1261والحاكم ( ،)103/3والبيهقي يف السنن ( .)420/3وإسناده ضعيف؛ لضعف
عبدالرحمن بن سعد ،وجهالة والده (إرواء الغليل .)120/3
631
كـتـاب الـصـالة 632
632
633 باب صالة العيدين
أخل هبا مرة واحدة ،وهكذا خلفاؤه الراشدون ،وقد قال ﷺُّ َِ « :لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي
ُأ َِلي» [متفق عليه]( ،)1وقالَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق عليه](.)2
فياب على اإلمام إقامة الخطبة لتقوم ِالة العيد وفق السنة ،ولكن دلت
السنة على الرخصة يف عدم حضورها ،وهذا اختيار ابن عقيل ،ومال إليه شـيخنا
ابن عثيمين ،وهو األقرب إال لمن فاتته مع اإلمام ،فيصليها بال خطبة(.)3
َ َ
عد ه
الز َ َ ُ َ َ ُ َ ُ ُّ َ
ال) :من فاتته ِالة العيد فلم يدركها ِ و ب ولو ا، ه (وسن ل ِمن فاتته :قضاؤ
مع اإلمام ،فيسن له قضاؤها ،وهذا مذهب كثير من العلماء ،منهم :اإلمام مالك،
والشافعي ،وأحمد ،وأبو ثور ،وابن المنذر ،والبخاري؛ لفعل أنس ﭬ« :حين َأ َم َر
المصـر َو َت ْكبِ ِير ِه ْم». يه ،وِ الى كَصال َِة َأ ْه ِل ِ ِ ِ ال ُهم بِ ا ِ
َ الز ِاو َية َف َا َم َع َأ ْه َل ُه َو َبن َ َ َم ْو َ ْ
ِ ِ
يد م َع ْ ِ
اإل َما ِم َج َم َع َأ ْه َل ُه َف َص الى بِ ِه ْم َان« :إِ َذا َفا َت ْت ُه َِ َال ُة ا ْلع َ
ويف رواية البيهقي َأ ان ُه ك َ
اإلما ِم فِي ا ْل ِع ِِ ِ ِ
يد»(.)4 م ْث َل َِ َالة ْ َ
واختار شيخ اإلسالم أنه ال يستحب قضاؤها؛ ألن ذلك لم يرد عن رسول اهلل
()5
ﷺ ،وألهنا ِالة ذات اجتماع معين ،فال تشـرع إال على هذا الوجه
واألظهر :أن من فاتته لعذر فقضاها ،فله سلف ،وهو ثابت عن بعض الصحابة
ﭫ ،ولم ينقل هني يف ذلك ،وال يعرف لهم مخالف.
فإن قضاها فاألولى له أن يقضـيها على ِفتها :سبع تكبيرات يف األولى،
وخمس يف الثانية قبل الفاتحة ،كما يصلي اإلمام ،كما نقل عن أنس ﭬ ،وبه قال
633
كـتـاب الـصـالة 634
634
635 باب صالة العيدين
e َفصْلٌ
F
ََ ِ ُ َ َ َ ََ المطلَ ُقَ ،
واجل ُ ُ ُ َ ُّ ه ُ ُ
اغ اخلطبةِ، هر ب ِه :يف يلليت ال ِعيدين إىل فر قوهل( :يسن :اتلكبري
ه ُ ِّ َ
َش ذِي احل ِجةِ. ويف ُك َ ه ِ
ع
ْ ََ َ ْ َ َ َ ُ ِّ َ َ َ ه ه ُ ُ ُ
ري المقيدِ :يف األضَح ،ع ِقب ُك ف ِريضة صالها يف مجاعة ،مِن صالة ِ واتل َكبِ
َ َ ُ
المحر َم فيك ِّ ُُ ه ه ه ْ َ َ َ َ َ
َب مِن صالة ِ ِ َشيق ،إال
ِ خ ِر أي ِ
ام الت َص آ ِوم عرفة إىل ع ِ جر ي ِ ف
ه ُ ِ َ
وم انلحر. هر ي ِ ُ ظ ِ
ه ُ ُ َِ َ وي ه ُ
اس. كَب اإلمام مستقبِل انل ِ
ََ ه هُ هُ َُ هُ َُ ه َُ هُ
اَّلل َ ُ ه َُُ َ ْ ً
أكَب وَّلل أكَب ،ال إهل إال اَّلل واَّلل أكَب ،اَّلل وصفته شفعا« :اَّلل أكَب ِ
َ ََهَ هُ ه َ َ َ َ َْ ُ
ريه :تقبل اَّلل مِنا ومِنك). وهلِ ل ِغ ِ احلمد» .وال بأس :بِق ِ
عقده للكالم على التكبير أيام العيد ،وبيان أنواعه ،وِفته ،وبدايته ،وهنايته.
ُ َ ُّ ه ُ ُ َ ُ
كبري المطلق) :يسن التكبير المطلق أيام العيد عند جماهير العلماء؛ (يسن :اتل
لقولـه تعالى﴿ :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ﴾ [البقرة ،]165:وهذا يف تكبير عيد الفطر ،ولقولـه تعالى﴿ :ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾
[الحج ،]26 :وهذا يف عيد األضحى ،وعشـر ذي الحاة.
وقولـه تعالى﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [البقرة ،]203 :وهذا يف أيام
التشـريق .قال ابن عباس ﭭ« :المعلومات أيام العشـر ،والمعدودات أيام
التشـريق»(.)1
( )1رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم– كتاب أبواب العيدين /باب فضل العمل يف أيام التشـريق .ووِله البيهقي
يف السنن الكربى ( .)313/5قال ابن الملقن (« :)430/6رواه البيهقي عنه بإسناد ِحيح ،وِححه ابن
السكن ،وهذا هو المشهور عنه».
635
كـتـاب الـصـالة 636
( )1رواه أحمد ( )5446من حديث ابن عمر ﭭ .وِححه أحمد شاكر ،واأللباين.
( )2رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم– كتاب أبواب العيدين /باب فضل العمل يف أيام التشـريق.
( )3رواه الشافعي يف مسنده ص ( ،)13وابن أبي شـيبة يف المصنف ( ،)461/1والبيهقي يف السنن الكربى
( .)324/3قال النووي يف خالِة األحكام (« :)642/2هذا هو الصحيح موقوف على ابن عمر».
( )4رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (.)466/1
( )5رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (.)466/1
636
637 فصـــل
ه ُ ِّ َ
َش ذِي احل ِج ِة) :يسن التكبير المطلق يف األضحى من أول عشـر
ِ ع (ويف ُك
ذي الحاة إلى آخر أيام التشـريق ،ودليله يف العشـر:
قوله تعالى﴿ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الحج ،]26 :قال ابن
عباس ﭭ« :هي أيام العشـر».
يه ان مِ ْن َه ِذ ِه
ب إ ِ َل ْي ِه مِ َن ا ْل َع َم ِل فِ ِ ِ ِ ِ
ولقوله ﷺَ « :ما م ْن َأ ايا ُم َأ ْع َظ ُم عنْدَ اهللَ ،و َال َأ َح ُّ
يهن مِن التاهلِيلِ ،وال ات ْكبِ ِير ،والتاح ِم ِ ِ ِ
يد» [رواه أحمد] ،وهذا َ ْ َ ْاألَ ايا ِم ا ْل َعشـرَ ،ف َأكْث ُروا ف ِ ا َ ْ
الوارد عن علي ،وابن عمر ،وأبي هريرة ﭬ.
ودليله يف أيام التشـريق :قولـه سبحانه﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾
[البقرة ،]203 :قال ابن عباس ﭭ« :أيام التشـريق».
شـرب َو ِذك ُْر لِله» [رواه مسلم](.)1ُ ِ
اشـريق َأ ايا ُم َأ ْك ُل َو ولقوله ﷺَ « :أ ايا ُم الت
ْ ََ َ ه َ َ َ ِّ ُ ْ َ َ ه ُ َُهُ
ري المقيدِ :يف األضَح ،ع ِق َب ُك ف ِريضة صالها يف مجاعة ،مِن قوهل( :واتلكبِ
ه ه ْ َ َ َ َ ََ
َشيق).
ِ ام الت خ ِر أي ِ
َص آ ِوم عرفة إىل ع ِ جر ي ِ صالة ِ ف ِ
المذهب أن التكبير يف األضحى نوعان :مطلق .ومقيد.
محال
فالمطلق :يف كل وقت و مكان ،ولكل مسلم ،إال يف األماكن التي ليست ً
لذكر اهلل تعالى ،وهذا يبدأ من أول ذي الحاة إلى ِالة العيد.
والتكبير المقيد :الذي يتأكد أدبار الصلوات ،وياهر به يف ذي الحاة من ِالة
فار يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق لغير المحرم.
الم ْح ِرم :فيبدأ المقيد له من ِالة الظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشـريق.
وأما ُ
وهذا التقسـيم إلى مقيد ومطلق ليس فيه شـيء مرفوع إلى رسول اهلل ﷺ ،لكن
ورد عن جملة من الصحابة التكبير عقب الصلوات من بعد فار عرفة إلى آخر أيام
التشـريق ،منهم :عمر ،وعلي ،وابن عباس ،وابن مسعود ﭫ ،وقد ِحح
631
كـتـاب الـصـالة 638
636
639 فصـــل
( )1رواه البيهقي يف السنن الكربى ( .)441/3وانظر :المغني ( ،)223/2الفتاوى لشـيخ اإلسالم
( ،)220/24سبل السالم (.)241/3
632
كـتـاب الـصـالة 640
640
641 فصـــل
وأما هتنئة الظلمة بالواليات :فينبغي تانبه ،وإن بلي به فليدع بالسداد والتوفيق
للخير .قال ابن القيم« :كان أهل الورع من أهل العلم يتانبون هتنئة الظلمة
بالواليات ،وهتنئة الاهال بمنصب القضاء والتدريس واإلفتاء تان ًبا لمقت اهلل،
وإن بـلي الرجل بذلك فتعاطاه دف ًعا لشـر يتوقعه منهم ،فمشـى إليهم ولم يقل إال
خيرا ،ودعا لهم بالتوفيق والتسديد ،فال بأس بذلك ،وباهلل التوفيق»(.)1
ً
مسألة :التعريف باألمصار :وهي أن ياتمع من لم يحج يف المساجد عشـية
عرفة للذكر والدعاء حتى تغرب الشمس ،كما يفعل أهل الموقف ،وهذا:
أجازه طائفة ،وقالوا :ورد عن ابن عباس ،وعمرو بن حريث ﭭ أهنما فعاله،
وهما ِحابيان ،وهذا مروي عن طائفة من السلف.
والراجح :المنع من التعريف لغير أهل الموقف ،وإليه ذهب كثير من العلماء
ألن العبادات توقيفية.
وألن رسول اهلل ﷺ لم يفعله ،وكذا خلفاؤه الراشدون ،وسائر الصحابة.
وأول من ِنع ذلك ابن عباس ﭭ ،كما قاله الحسن البصـري ،وإلى المنع
منه ذهب اإلمام أبو حنيفة ،ومالك ،وسئل عنه الحكم ،وحماد ،وإبراهيم ،فقالوا:
«محدث» ،وقال شـيخ اإلسالم« :إنه بدعة» ،وكذا قال ابن إبراهيم ،وشـيخنا ابن
عثيمين -رحم اهلل الاميع.-
وأما فعل ابن عباس ﭭ :فإن ِح ،فلعله فعله يف البيت مع أهله ،وأما فعله يف
المساجد بحيث ياتمع الناس ويلزمون المساجد ،فليس له أِل ،والراجح المنع
منه(.)2
641
كـتـاب الـصـالة 642
َ ُهٌ
ويه :سنة)ِ :الة الكسوف سنة مؤكدة عند األئمة األربعة ،كما بينه النووي(
وابن قدامة()2؛ ألن رسول اهلل ﷺ بادر إلى فعلها عند انعقاد سببها ،كما يف حديث
ابن عباس وعائشة ﭫ ،وحث عليها بقولـه ﷺَ « :فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم َذل ِ َكَ ،فا ْف َز ُعوا إِ َلى
الصال َِة» [متفق عليه](.)3
ا
642
643 باب صالة الكسوف
وقيل :إهنا فرض كفاية؛ ألمر رسول اهلل ﷺ بذلك ،وألنه ﷺ« :خرج فز ًعا خائ ًفا
وقواه ابن القيم ،وابن عثيمين(.)2وِلى ِالة طويلة» [متفق عليه] ّ ،
()1
ُ َ ْ َ
ري خطبة) :ذكر أنه ال يشـرع لصالة الكسوف خطبة ،وهذا مذهب ِ غ (مِن
الحنابلة ،والحنفية ،والمالكية؛ ألن رسول اهلل ﷺ لم يقصد لها الخطبة
بخصوِها ،وإنما أراد أن يبين خطأ ما ُي ْع َت َقدُ أن الكسوف لموت أحد ،ولذا لم
يأمر بالخطبة لما أمر بالصالة عند الكسوف.
القول الثاين :مشـروعية الخطبة للكسوف ،وهذا مذهب الشافعي ،وإسحاق،
وأكثر أِحاب الحديث ،واختاره ابن دقيق العيد ،وشـيخ اإلسالم ،وابن القيم،
والشوكاين ،وشـيخنا ابن عثيمين ،وغيرهم؛ لثبوته عن رسول اهلل ﷺ ،وقد ورد يف
حديث عائشة وأسماء ﭭ« :أن رسول اهلل ﷺ خطب لها» [متفق عليه]( ،)3ويف حديث
عائشة ڤ« :ثم قام ،فأثنى على اهلل بما هو أهله[ »...متفق عليه](.)4
فالسنة دلت على مشـروعية التذكير بعدها بخطبة واحدة قصـيرة من غير ِعود
للمنرب ،فيذكرهم ويعظهم بما يناسب الحال ،واألِل مشـروعية االتباع،
والخصائص ال تثبت إال بدليل ،والموعظة التي يلقيها اإلمام بعد الصالة هي
الخطبة المرادة ،فيشـرع لإلمام تذكير الاماعة بعد ِالة الكسوف ،فإن فعل فقد
أحسن ،وإن لم يفعل فال حرج(.)5
َ َ ُ ُ َ ُ
( َو َوقتها :مِن ابتِدا ِء الكس ِ
وف إىل ذهابِه) :يبدأ وقت ِالة الكسوف من بداية
الكسوف ويستمر إلى ذهابه ،فإن ِالها أوله ،أو وسطه ،أو آخره ،فكله وقتها؛
( )1رواه البخاري ( ،)1052ومسلم ( )212من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ.
( )2الممتع (.)236/5
( )3رواه البخاري ( ،)1053ومسلم ( )205من حديث أسماء ڤ.
( )4رواه البخاري ( ،)1046ومسلم ( )201من حديث عائشة ڤ.
( )5المغني ( ،)315/2الفتح البن حار ( ،)620/2الممتع (.)241/5
643
كـتـاب الـصـالة 644
اهلل َو َِ ُّلوا َحتاى َين َْالِ َي» [متفق عليه](.)1 لقوله ﷺَ « :فإِ َذا َر َأ ْي ُت ُم ُ
وه َماَ ،فا ْد ُعوا َ
مسألة :إذا انالى الكسوف وهو يف الصالة ،فال يقطعها ،ولكن يتمها خفيفة؛
ألن السبب الذي ألجله شـرعت قد زال؛ لقوله ﷺَ « :فإِ َذا َر َأ ْي ُت ُم ُ
وه َماَ ،فا ْد ُعوا َ
اهلل
َو َِ ُّلوا َحتاى َين َْالِ َي» ،واألولى أن يتمها على هيئتها ،وإن أتمها على هيئة النافلة
جاز.
مسألة :لو انتهت الصالة والكسوف ال يزال باق ًيا ،فالسنة اإلكثار من الذكر،
والدعاء ،واالستغفار؛ لقوله ﷺَ « :فا ْف َزعوا إلى ذكر اهلل تعالى ،ودعائه ،واستغفاره»
[متفق عليه](.)2
ْ َ ُ َ
(وال تقَض إن فاتت) :إذا فاتت ِالة الكسوف حتى خرج وقتها لم يشـرع
قضائها باتفاق األئمة ،كما ذكره ابن مفلح؛ ألهنا سنة شـرعت لسبب فتزول بزواله،
والقاعدة يف هذا« :أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشـروعيتها».
َ َ ُ َ ً َ َ ً ُ ه َ َُ وىل َج ً ُ َ َ َُ َ ََ ُ
ِ
الفاحتة ،وسور ُة طويلة .ثم :يركع هرا: قرأ يف األ ان ،ي
ِ تكع ر : ويه
ِ ( : قوهل
ُ ًَ َ ََ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ ً ُ ه َ َ ُ ُ َ ِّ ُ َ ْ َ
احتة» ،وسورة طويال .ثم :يرفع فيسمع وَيمد ،وال يسجد ،بل يقرأ «الف ِ
ُ ه ُ َ ِّ َ ًَ ُ ه َ َ ُ ُ ه َ َ ُ ُ ه َ ُ ُ َ َ َ َ ََ
ي ط ِويلتي .ثم :يصيل ط ِويل َة .ثم َُ :يرك ُع .ثم :يرفع .ثم ِّ :يسجد سجدت ِ
َ َ ه ُ َُ ه َ
اثلانِية اكألوىل .ث هم :يتشهد ،ويسل ُم).
هذه ِفة ِالة الكسوف يف حديث عائشة ڤ ،وخالِته أن يكرب لإلحرام،
ثم يقرأ سورة الفاتحة ،وسورة طويلة جهر ًا ،ثم يركع ويطيل ،ثم يرفع رأسه ويقرأ
طويال ،ثم يرفع رأسه ويقول الذكر
ً ركوعا
ً سورة الفاتحة وسورة طويلة ،ثم يركع
الوارد بعد الركوع ،ويثني على اهلل بما هو أهله ،ثم يساد سادتين يطيل فيهما ،ثم
يقوم ويقرأ الفاتحة وسورة بعدها ،ثم يركع ويطيل ،ثم يرفع رأسه ،ثم يقرأ الفاتحة
وسورة بعدها ،ثم يركع ،ثم يرفع رأسه ،ثم يساد سادتين ويسلم.
644
645 باب صالة الكسوف
645
كـتـاب الـصـالة 646
َ َْ َ ُ َ ُ ِّ َ َ َ ْ َ
الث ُركواعت ،أو أربع ،أو مخس :فال بأس) :ورد
(وإن أَت يف ُك ركعة بِث ِ
لصالة الكسوف ِفات عديدة مع أن رسول اهلل ﷺ لم يصلها يف حياته إال مرة
واحدة ،فورد أهنا ركعتان كالنافلة المعتادة [أخرجه أبو داود](.)1
وأِحها يف كل ركعة ركوعين [متفق عليه](.)2
ُ
ثالث ركوعات [رواه مسلم](.)3 وورد يف كل ركعة
وورد يف كل ركعة أربع ركوعات [رواه مسلم](.)4
خمس ركوعات [خرجه أبو داود](.)5
ُ وورد يف كل ركعة
وألهل العلم تااه هذه الصفات مسلكان:
مسلك الامع ،وأن كل ما ورد جاز العمل به ،ويخير بينها كصالة الخوف،
وهو مذهب الحنابلة ،وبه قال إسحاق ،وابن خزيمة ،والخطابي ،وابن المنذر.
ومسلك الرتجيح بين هذه الروايات ،ويقدم حديث عائشة ڤ المتفق عليه،
وهبذا قال اإلمام مالك ،والشافعي ،وأحمد يف رواية ،والبخاري ،واختاره شـيخ
اإلسالم ،وابن القيم ،وهو األرجح.
ويشهد له :أن رسول اهلل ﷺ لم يصل الكسوف إال مرة واحدة ،فكيف تعددت
الصفات ،فدل على وجود خطأ يف النقل ،واإلمام البخاري أعرض عن كل
الروايات ما عدا حديث عائشة ڤ ،وشـيخ اإلسالم يرى أن كل ما خالف ِفة
=
(.)242/5
( )1رواه أبو داود ( ،)1124وأحمد ( )6463من حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ.
( )2من حديث عائشة ڤ :وقد سبق تخرياه قريبًا ،ومن حديث ابن عباس ﭭ :رواه البخاري (،)1052
ومسلم (.)202
( )3رواه مسلم ( )201من حديث عائشة ڤ.
( )4رواه مسلم ( )206من حديث ابن عباس ﭭ .ومن حديث علي ﭬ :رواه أحمد (.)1216
( )5رواه أبو داود ( ،)1162وأحمد ( )21225من حديث أبي بن كعب ﭬ .وضعفه النووي يف خالِة
األحكام ،656/2واأللباين يف اإلرواء (.)661
646
647 باب صالة الكسوف
حديث عائشة ڤ فهو غلط ،ولأللباين رسالة خلص فيها إلى أن كل ما عدا ِفة
الصالة يف حديث عائشة ڤ ضعيف ،أو شاذ(.)1
ه َُ ُ َ ُ ُهٌ ه َ َ َ
(وما بعد األو ِل :سنة ،ال تدرك ب ِه الركعة) :الركعة يف ِالة الكسوف إنما
تدرل بالركوع األول ال الثاين؛ ألن األول هو الركوع األِلي وما بعده سنة ،ولذا
ورد عن بعض الصحابة أنه ِالها كالنافلة ،فلو دخل مسبوق بركعة لزمه أن
يقضـي ركعة كاملة ،ورجح هذا ابن باز ،وابن عثيمين(.)2
َ ُ َ ِّ َ َ ُّ
(وي ِصح :أن يصليها اكنلهاف ِل ِة) :لورودها يف حديث ابن عمرو ﭭ ،وكذا كل
زيادة وردت يف حديث ِحيح ،أو فعلها بعض الصحابة هذا المذهب ،واختار
هذا طائفة من أهل الحديث ،كإسحاق ،وابن خزيمة ،والخطابي.
واألولى االقتصار على الصفة المشهورة يف حديث عائشة ڤ؛ لسالمتها من
اإلعالل ،وألن الرسول ﷺ لم يصل الكسوف إال مرة واحدة ،وكبار األئمة ُيع ّلون
ما خالف حديث عائشة ڤ ،كاإلمام أحمد ،والبخاري ،والشافعي ،وقد أعرض
عنها البخاري ،فلم يخرج شـيئا منها يف الصحيح؛ غير حديث عائشة وابن عباس
أهنا أربعًا وقال :أِح الروايات عندي يف ِالة الكسوف أربع ركعات يف أربع
سادات.
والذي ذهب إليه الشافعي ،والبخاري ،وأحمد يف رواية من ترجيح األخبار
أولى؛ ألن األخبار كلها ترجع إلى حكاية ِالته ﷺ يوم تويف ابنه(.)3
مسألة :وقع خالف يف ِالة الكسوف يف أوقات النهي؟
فقيل :إهنا ال تصلى ،وإنما يكثر من االستغفار ،والذكر ،والدعاء.
641
كـتـاب الـصـالة 648
والراجح :أهنا تصلى يف أوقات النهي ،وأن عموم النهي عن الصالة أوقات
النهي مخصوص بذوات األسباب ،فتباح فيها ،كما قال ﷺَ « :فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم َذل ِ َك،
الصال َِة» ،وهذا مذهب اإلمام الشافعي ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وابن َفا ْف َز ُعوا إ ِ َلى ا
القيم ،والسعدي ،وتقدم ذكر األدلة على فعل ذوات األسباب يف أوقات النهي،
وهذه منها(.)1
مسألة :إذا غابت الشمس كاسفة ،أو غاب القمر خاسفًا ،ولم يشـرعوا
بالصالة ،فإهنم ال يصلون الكسوف؛ ألن وقت االنتفاع به قد ذهب ،وقد زال
سلطاهنا ،وألهنا غابت ،فنرجع لألِل وهو عدم الكسوف.
وإن غابت بعد أن شـرعوا يف ِالة الكسوف ،فإهنم يتموهنا خفيفة.
مسألة :تشـرع ِالة الكسوف جماعة وفرادى يف الحضـر والسفر ،وال يشتـرأ
الصال َِة» ،وألهنا ِ
لها إذن اإلمام؛ لعموم قولـه ﷺَ « :فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم َذل َكَ ،فا ْف َز ُعوا إ ِ َلى ا
نافلة أشبهت سائر النوافل ،وهذا مذهب اإلمام مالك ،والشافعي ،وأحمد(.)2
قال ابن رجب« :والشغل بالصالة فرادى يف البيوت أكثر الناس على استحبابه،
وهو مروي عن ابن عباس ،وابن مسعود ،وجماعة»(.)3
مسألة :وتشـرع ِالة الكسوف يف حق النساء؛ ألن عائشة وأسماء ﭭ ِلين
مع رسول اهلل ﷺ( ،)4فيشـرع لهن شهود ِالة الكسوف مع اإلمام ،فإذا لم تصل
المرأة مع اإلمام فتصليها يف بيتها وحدها؛ ألنه ال يشرتأ لها الاماعة.
الص َال ُة َجامِ َع ٌة» ،ويف الصحيحين َع ْن ا ْب ِن
مسألة :ويسن أن ينادى لها بقوله « :ا
ِ الشمس ع َلى عه ِد رس ِ ِ َعم ُرو ﭭَ « :لما كَس َف ِ
ول اهلل ﷺ ُنود َي إِ ان ا
الصالَ َة َْ َ ُ ت ا ْ ُ َ ا َ ْ
646
649 باب صالة الكسوف
َجامِ َع ٌة»(.)1
ول اهللِ
الشم َس َخس َف ْت َع َلى َع ْه ِد رس ِ ِ
َ ُ َ ويف ِحيح مسلم َع ْن َعائ َش َة ڤَ :أ ان ا ْ
الص َال ُة َجامِ َع ٌة»(.)2 ِ
ﷺَ ،ف َب َع َث ُمنَاد ًيا « :ا
وليس لهذه اللفظة عدد معين يف التكرار ،وإنما يكرر بمقدار ما يغلب على ظنه
أنه أبلغ الناس لياتمعوا ،وهذا يختلف بحسب اختالف الليل والنهار ،ووقت
غفلة الناس وانتباههم ،ووجود المكربات من عدمها.
مسألة :اختلف العلماء هل تشـرع هذه الصالة لغير الكسوف من اآليات،
كالزالزل ،والرباكين ،والرياح الشديدة؟
واألظهر :مذهب اإلمام أحمد ،وإسحاق ،وأبي ثور أنه يصلى للزلزلة دون ما
اسسواها من الصواعق والرياح؛ لثبوته عن بعض الصحابة :فقد ثبت َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
وت ،فلما فرغ قالَ :ه َك َذا َِ َال ُة ِ
صـرةَ ،ف َأ َط َال ا ْل ُقنُ َ الز ْل َز َل ِة بِا ْل َب
ﭭَ « :أ ان ُه َِ الى فِي ا
ات»( ،)3وثبت عن حذيفة ﭬ« :أنه ِالها بالمدائن بأِحابه»( ،)4وفعل ْاآلي ِ
َ
الصحابة حاة إذا لم يخالفه غيره .واهلل أعلم.
وقيل :ال يصلى لغير الكسوف؛ ألن النبي ﷺ لم يصل لغيره ،وكذا خلفاؤه
الراشدون ،وهذا مذهب اإلمام مالك ،والشافعي.
وقيل :يصلي لكل آية خارجة عن المعتاد من ِواعق ،ورياح ،وبراكين،
ونحوها؛ لعموم قولـه ﷺ« :إهنما آيتان من آيات اهلل يخوف اهلل هبما عباده،»...
وقالوا :يحصل أحيانًا يف بعض اآليات كربة أشد من الكربة التي تحصل يف
الكسوف ،وهذا مذهب اإلمام أبي حنيفة ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وابن حزم،
642
كـتـاب الـصـالة 650
650
651 ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ
با ُ
651
كـتـاب الـصـالة 652
خمسا ،وتشـرع يف المصلى؛ لقولً ففي الصفة :يكرب يف األولى سب ًعا ،ويف الثانية
ابن عباس ﭭَ « :ف َص الى َر ْك َع َت ْي ِن ك ََما ُي َصلي فِي ا ْل ِعيدَ ْي ِن»(.)1
وأما وقت ِالة االستسقاء :فاألولى أن تكون أول النهار؛ ألن «رس َ ِ
ول اهلل ﷺ َ ُ
سَ ،ف َق َعدَ َع َلى ا ْل ِمنْ َب ِر» .وهذا للندب ال للوجوب، الش ْم ِ ب ا اج ُ خرج ِحي َن َبدَ ا َح ِ
فياوز فعلها يف غير هذا الوقت من سائر النهار ،إال أوقات النهي فتمنع بغير
خالف؛ ألهنا ال تفوت ،فلهم ِالهتا آخر الصبح أو الظهر ،واألولى عدم فعلها يف
وج ْم ُع الناس
ليالَ ،
هنارا ال ً
الليل؛ ألن هدي رسول اهلل ﷺ وأِحابه الخروج لها ً
ليال يشق ،وهو سبب المتناع أكثرهم ،إال إن لم يصلح لهم إال الليل ،فيباح ذلك
ً
لعدم المانع الشـرعي منه(.)2
مسألة :والسنة كون الصالة يف المصلى ،كما فعله رسول اهلل ﷺ « حين َش َكا
ول اهللِ ﷺ ُق ُح َ
وأ ا ْل َم َط ِرَ ،ف َأ َم َر بِ ِمنْ َب ُرَ ،ف ُو ِض َع َل ُه فِي ا ْل ُم َص الىَ ،و َوعَدَ ااس إ ِ َلى رس ِ
َ ُ الن ُ
يه» [رواه أبو داود] ،ونقل ابن رجب اإلجماع عليه( ،)3ولو ون فِ ِ
ااس َي ْو ًما َي ْخ ُر ُج َ
الن َ
ِلوها يف المساجد ِحت ،والسنة كوهنا يف المصليات.
مسألة :ولالستسقاء حاالت ثالث:
األولى :أن يكون يف ِالة االستسقاء ،وهذا ثابت عن رسول اهلل ﷺ ،كما يف
حديث عبداهلل بن زيد ﭬ المتفق عليه ،وعائشة ڤ عند أبي داود.
الثانية :أن يكون يف خطبة الامعة ،وهذا مشـروع عند ورود سببه ،وقد فعله
اس َت ْق َب َل َر ُس َ ِ رسول اهلل ﷺ حين دخل عليه رجل ورس ُ ِ
ول بَ ،ف ْ ول اهلل ﷺ َقائ ٌم َي ْخ ُط ُ ََ ُ
اهلل ُي ِغي ُثنَا، ِ ِ اهللِ ﷺ َقائِماُ ،ثم َق َال :يا رس َ ِ
ول اهللَ ،ه َل َكت األَ ْم َو ُال َوا ْن َق َط ْعت ُّ
الس ُب ُلَ ،فا ْد ُع َ َ َ ُ ً ا
( )1رواه أبو داود ( ،)1165والرتمذي ( ،)556والنسائي ( ،)1506وأحمد ( ،)2032وابن حبان ( )2662من حديث
ابن عباس ﭭ .قال الرتمذي« :هذا حديث حسن ِحيح» ،وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (،)143/5
وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)665
( )2انظر :الفتح البن رجب (.)202/2
( )3الفتح البن رجب (.)202/2
652
653 ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ
با ُ
ول اهللِ ﷺ َيدَ ْي ِهُ ،ث ام َق َال« :ال ال ُه ام َأ ِغ ْثنَا ،ال ال ُه ام َأ ِغ ْثنَا ،ال ال ُه ام َأ ِغ ْثنَا» [متفق عليه](.)1 َف َر َف َع َر ُس ُ
ُ
شـيء مِ ْن ُد َعائِ ِه إ ِ اال ال َي ْر َف ُع َيدَ ْي ِه فِي وإذا استسقى رفع يديه؛ ألن «النبي ﷺ ك َ
َان َ
اض إ ِ ْب َط ْي ِه» [متفق عليه](.)2 فِي ِاالستِس َق ِ
اءَ ،وإِ ان ُه َي ْر َف ُع َحتاى ُي َرى َب َي ُ ْ ْ
ِالة ،وهذا جائز ،ويشهد لهذا: ُ الثالثة :أن يكون الدعاء يف غير
اس ِقنَا ِ ِ
ما رواه أبو داود َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َالَ :أ َتت النابِ اي ﷺ َب َواكيَ ،ف َق َال« :ال ال ُه ام ْ
آج ُل»َ ،ق َالَ :ف َأ ْط َب َق ْت َع َل ْي ِه ُم اج ًال َغ ْير ِ َغ ْي ًثا م ِغي ًثا ،م ِري ًئا م ِري ًعا ،نَاف ِ ًعا َغ ْير َضارَ ،ع ِ
َ ن َ َ َ ُ
الس َما ُء .
()3
ا
قال شـيخ اإلسالم« :وياوز االستسقاء بالدعاء تب ًعا للصلوات الراتبة» ،وقال
ابن القيم« :ومنها أنه استسقى وهو جالس»(.)4
ُ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ ََ َ َ َ ُ
وجأراد اإلمام اخل ُروج لهاَ :وعظ انلهاس ،وأم َرهم باتلهوبةِ ،واخل ُر ِ قوهل( :وإذا
َ ُ ُ ُ َ َ ً ُ َ ِّ ً َََ ه ُ َََ ه ُ ََ َ َ
اضعا ،متخشعا، مِن المظال ِِم .ويتنظف لها ،وال يتطيب .وَيرج متو ِ
ُّ ُ ُ ُ َ ُ ُ ُ ه أهل ِّ ََُ ُ ُ َ َ ِّ ً ُ َ َ ِّ ً
الح ،والشيوخ .ويباح :خ ُروج والص ِ ين ادل هع وم .اع مت َذلال ،متَض
َ ه ه ُّ ِ ُ َ
والعجائ ِز َ َ َ
وابلهائ ِِم ،واتلوسل بالصاحل ِي). ِ ال،
األطف ِ
أشار هنا إلى ما يستحب فعله عند الخروج لالستسقاء ،وهي:
ُ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ ََ َ َ َ
وج مِن أراد اإلمام اخل ُروج لهاَ :وعظ انلهاس ،وأم َرهم باتلهوبةِ ،واخل ُر ِ (وإذا
َ َ
المظال ِِم) :ألن الذنوب هي سبب القحط والادب ،ونقص األرزاق ،كما قال
تعالى﴿ :ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ
653
كـتـاب الـصـالة 654
ﰌ﴾ [الروم ،]41 :فإذا تابوا كان هذا سب ًبا لنزول الغيث ،كما قال تعالى﴿ :ﭑ ﭒ
ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﭡ ﭢ﴾ [األعراف.]26 :
ون فِ ِ
يه. ااس َي ْو ًما َي ْخ ُر ُج َ
وأن يحدد يو ًما للخروج ،كما َو َعدَ الرسول ﷺ الن َ
ب ين َبدَ ا َح ِ ِ وأن يكون الخروج أول النهار ،كما َخرج رس ُ ِ
اج ُ ول اهلل ﷺ ح َ َ َ َ ُ
الش ْم ِ
س. ا
َََ ه ُ ََ
(ويتنظف لها) :لئال تكون به رائحة كريهة.
َََ ه
(وال يتطي ُب) :ألنه لم ينقل عن الرسول ﷺ ،وألنه يوم سكينة وافتقار.
َض ًاع) :كما « َخرج رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ تخ ِّش ًعاُ ،م َت َذلِّ ًالُ ،م َت َ ِّ
َ ُ ُ ََُ ً ُ َ
اضعا ،م
(وَيرج متو ِ
َ َ َ ُ
متَو ِ
اض ًعا ُم َت َبذ ًال ُمت ََخش ًعا ُمت ََرس ًال ُمتَضـر ًعا»(.)1 ُ َ
وأن تكون الصالة يف المصلى ،كما فعل النابِ ُّي ﷺ حين « َخ َر َج إِ َلى ُ
الم َص الى
است َْس َقى» ،ولو ِلى يف المساد جاز. َف ْ
ُّ ُ ُ ه ِّ ُ َ َُ
الح ،والشيوخ) :ألهنم أحرى باإلجابة ،كما فعل عمر والص ِ ين
(ومعه أهل ادل ِ
مع العباس ابن عبد المطلب ﭫ.
َ َ َ َُ ُ ُ ُ ُ َ َ
ال ،والعجائ ِِز وابلهائ ِِم)َ :وأما البهائم فلم ينقل عن
(ويباح :خروج األطف ِ
الرسول ﷺ والصحابة تقصد الخروج هبا.
وال يشـرع لها أذان وال إقامة ،قال ابن قدامة« :وال نعلم فيه خال ًفا»؛ ألن رسول
اهلل ﷺ لم يفعله ،وال خلفاؤه الراشدون(.)2
وحث الصالحين على الدعاء واإللحاح على اهلل ،كما فعل عمر مع العباس
ﭫ ،وكما استسقى معاوية ﭬ بيزيد بن األسود(.)3
654
655 ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ
با ُ
واالجتهاد يف الدعاء وتكثير االستغفار ،وقد كان عمر ﭬ إذا خرج يستسقي
غفارا حتى يأيت المصلى»(.)1
لم يزل يقول« :اللهم اغفر لنا إنك كنت ً
ه
بالصاحل َ ُّ ُ
ِي) :ومراده أن يحثهم على الدعاء؛ ألهنم أقرب إجابة ،كما (واتلهوسل
فعل عمر مع العباس ،ومعاوية مع يزيد بن األسود ﭫ ،ويف البخاريَ :أ ان ُع َم َر
بَ ،ف َق َال« :ال ال ُه ام إِناا ُكناا َنت ََو اس ُلالم اطلِ ِ ِ
اس ْب ِن َع ْبد ُ است َْس َقى بِال َع اب ِ َان إِ َذا َق َح ُطوا ْ
ﭬك َ
اس ِقنَا»َ ،ق َالَ :ف ُي ْس َق ْو َن(.)2 ِ
إِ َل ْي َك بِنَبِينَا َفت َْسقينَاَ ،وإِناا َنت ََو اس ُل إِ َل ْي َك بِ َعم َنبِينَا َف ْ
وليس مقصوده التوسل بسؤال اهلل هبم ،فهذا من البدع المحرمة.
والتوسل بالصالحين نوعان:
األول :التوسل بدعائهم له ،فهذا جائز ،وقد دل له طلب عمر ﭬ من أويس
بن عامر( ،)3والعباس بن عبد المطلب ﭬ أن يدعوا لهم ،لكن ينبغي أال يتخذ
ٌ
واتكال على دعائهم. سؤالهم عادة؛ ألنه فتنة للداعي والمدعو له،
الثاين :التوسل بذواهتم وسؤال اهلل هبم ،فهذا من البدع المحدثة ،وهي مسألة
مشـروعا لما عدل عمر
ً خطيرة زل فيها أقوام ،ولو كان التوسل بذوات الصالحين
والصحابة ﭫ عن التوسل بذات رسول اهلل ﷺ إلى التوسل بالعباس ﭬ ،ويف
عهد عمر ﭬ جماعة من الصحابة أفضل من العباس ،كعثمان وعلي ﭫ ،وكان
قرب رسول اهلل ﷺ قري ًبا منهم ولم يتوسلوا به ،ولكن الصحابة أعلم الناس هبذه
المسألة ،وأبعد الناس عن اإلحداث يف الدين ،وقد أكثر أهل البدع االستدالل
بحديث العباس ﭬ باواز التوسل بذوات الصالحين ،وهذا خطأ فليس فيه إال
التوسل بدعائه.
=
واأللباين يف اإلرواء (.)140/3
( )1رواه ابن شبه يف تاريخ المدينة ( ،)136/2وابن المنذر يف األوسط (.)315/4
( )2رواه البخاري (.)1010
( )3رواه مسلم ( )2542من حديث عمر ﭬ.
655
كـتـاب الـصـالة 656
ُ َ فتت ُح َها باتله َ ً َ َ ُ َ ُ َ ِّ ُ ه َ ْ ُ ُ ُ َ ً
ري كخطب ِة ال ِعي ِد. ِ ِ ب ك َ ِ ي ، ة د ح
ِ وا ة قوهل( :فيصيل ،ثم َيطب خطب
ََُْ ََ ُ َ ََ َ َ
غف َ ويُ ِ ُ
ار ،وق ِراءة آيات فِيها األمر ب ِه .ويرفع يدي ِه كرث ف َِيها االستِ
َ ُ ُ ُ َ ِّ دعو ب ِ ُد َاعءِ انله ِّ َ ه َ ََ ُ َُ ُ ُ
ِب ﷺ ،ويؤم ُن المأموم. هورهما َنو السماءِ .في وظ
ََ ُ َ َ هُ ه َ ُ ُ َ
ثم يَستقبل ال ِقبلة يف أثنا ِء اخلطبةِ ،فيقول ِ ًّ
َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ ه
ِسا« :اللهم إنك أمرتنا بِداعئ ِك، ِ
َ َ َ ْ ََ َ ْ ََ َ َ َ َ َ َ ََ َ ََ َ َ ْ ََ
جب َنلَا كما َوعدتنا». ِ ووعدتنا إجابتك ،وق َد دعوناك ك َما أم ْرتن َا ،فاست
ُ َ َ َ يرس ،واأل َ َ يم َن ىلع األ َ َ ُ ه ُ َ ِّ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ
يرس ىلع األيم ِن .وكذا :انلهاس. ِ األ ل ثم َيول رداءه ،فيجع
َ ُ ُِ َ ُ َ ه َ ُ ُ َ َ َ
َنعوه مع ثِيابِهم. ْ وي َُّتكونه ه حَت ي ِ
ً َ ً ُ ُ
اثلا). فإن سقوا :وإال اعدوا ثانِيا ،وث ِ
َ ُ َ ِّ ُ َ ْ ُ
(فيصيل ،ث هم َيط ُب)ِ :الة االستسقاء قبل الخطبة ،وهذا قول الامهور،
ومنهم :اإلمام أحمد ،ومالك ،والشافعي ،واختاره ابن إبراهيم ،وابن باز ،وابن
عثيمين ،ومال إليه ابن قدامة؛ لحديث أبي هريرة ﭬِ« :لى ركعتين ،ثم
خطبنا»(.)1
اض ًعا ُم َت َبذ ًالُ ،مت ََخش ًعا، ول اهللِ ﷺ متَو ِ ولقول ابن عباس ﭭَ « :خ َر َج َر ُس ُ
ُ َ
ب ُخ ْط َب َت ُك ْم َه ِذ ِه»(،)2 ِ ِ
ُمتَضـر ًعاَ ،ف َص الى َر ْك َع َت ْي ِن ك ََما ُي َصلي في ا ْلعيدَ ْي ِنَ ،و َل ْم َي ْخ ُط ْ
فيفعل فيها كما يفعل يف ِالة العيد تمامًا ،فإذا حضـر اإلمام ِلى وإذا فرغ خطب.
وقيل :الخطبة قبل الصالة؛ لحديث عائشة ڤ« :أن رسول اهلل ﷺ خطب قبل
الصالة»(.)3وحديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن َز ْي ُد ﭬَ « :خ َر َج الناب ِ ُّي ﷺ َي ْست َْس ِقيَ ،فت ََو اج َه إ ِ َلى
الق َرا َء ِة»(.)4
يهما بِ ِ ِ ِ ِ
الق ْب َلة َيدْ ُعو َو َح او َل ِر َدا َء ُهُ ،ث ام َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن َج َه َر ف ِ َ
وقالوا :حديث أبي هريرة ﭬ السابق معلول ،كما بين ذلك الدارقطني ،وابن
( )1رواه ابن ماجه ( ،)1266وأحمد ( )6321من حديث أبي هريرة ﭬ ،وأع ّله الدارقطني يف العلل (،)24/2
وضعفه األلباين يف السلسلة الضعيفة ( ،)5630وِححه البوِـيري يف مصباح الزجاجة (.)150/1
( )2سبق تخرياه ص (.)652
( )3سبق تخرياه ص (.)651
( )4سبق تخرياه ص (.)651
656
657 ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ
با ُ
651
كـتـاب الـصـالة 658
ِاالستِس َق ِ
اءَ ،وإِ ان ُه َي ْر َف ُع َحتاى ُي َرى َب َيا ُض إِبْ َط ْي ِه». ْ ْ
ويف رواية البخاري« :فرفع النبي ﷺ ورفع الناس أيديهم»( ،)1وإلى هذا ذهب
اإلمام مالك ،وأحمد .وأما بعد الفراغ من المواعظ :فلم يكن هدي الرسول ﷺ أن
يرفع يديه عند الدعاء فيها ،كما بينه ابن باز(.)2
وورد لرفع اليدين يف االستسقاء عدة ِفات:
األولى :أن ياعل بطوهنما إلى السماء(.)3
الثانية :أن ياعل ظهورهما للقبلة ،وبطوهنما إلى وجهه(.)4
الثالثة :أن يقلب الكفين وياعل ظهورهما إلى السماء وبطوهنما لألرض ،ويف
مسلم « َأ ان النابِي ﷺ استَس َقىَ ،ف َأ َشار ب ِ َظه ِر َك افي ِه إِ َلى السم ِ
اء»(.)5 ا َ ْ َ ْ ْ ْ ا
وقيل يف معناه :ياعل ظهورها إلى السماء ابتدا ًء ،وبه قال حماد بن سلمة،
والحميدي ،ومالك ،ورجحه ابن رجب.
وقيل :لشدة رفعهما واجتهاده يف الدعاء كان الرائي يرى ظهورها نحو السماء،
وهذا اختيار شـيخ اإلسالم ،وابن باز ،وشـيخنا ابن عثيمين.
الرابعة :اإلشارة بإِبع واحدة إلى السماء.
ودل لها :حديث سعد ﭬ عند الطرباين ،ويف سنده ضعف(.)7()6
656
659 ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ
با ُ
َ ُ ُ ُ َ ِّ دعو ب ِ ُد َاعءِ انله ِّ ََ ُ
ِب ﷺ ،ويؤم ُن المأموم) :السنة الدعاء بما ثبت عن رسول (في
اس ِقنَا َغ ْي ًثا ُم ِغي ًثاَ ،م ِري ًئا َم ِري ًعا ،نَاف ِ ًعا اهلل ﷺ ،وله الزيادة عليه ،ومنه :قوله ﷺ« :ال ال ُه ام ْ
آج ُل»(.)1 اج ًال َغ ْير ِ َغ ْير َضارَ ،ع ِ
َ ن َ
ينَ ،ال إ ِ َل َه إِ اال
ك َي ْو ِم الد ِ يم مال ِ ِ وقوله ﷺ« :ا ْلحمدُ ل ِ ال ِه رب ا ْلعا َل ِمين الرحم ِن ِ
الرح ِ َ َ ا ْ َ ا َ َ َ ْ
اهللَ ،ال إ ِ َل َه إِ اال َأن َْت ا ْل َغن ِ ُّي َون َْح ُن ا ْل ُف َق َرا ُءَ ،أن ِْز ْل َع َل ْينَااهللَ ،ي ْف َع ُل َما ُي ِريدُ ،ال ال ُه ام َأن َْت ُ
ُ
ِ ُ ()2
اج َع ْل َما َأن َْز ْل َت َلنَا ُق او ًة َو َب َال ًغا إ ِ َلى حين» . ا ْل َغ ْي َثَ ،و ْ
وقوله ﷺ« :ال ال ُه ام ْاس ِق ِع َبا َد َل َو َب َهائِ َم َكَ ،وانْشـر َر ْح َمت ََك َو َأ ْح ِي َب َلدَ َل ا ْل َم اي َت»(.)3
ََ ُ َ َ هُ ه َ ول ِ ًّ ُ َ ََُ ُ َ ََ ه َ َْ ُ
ِسا« :اللهم إنك أمرتنا بِداعئ ِك، ثم يستقبِل ال ِقبلة يف أثناءِ اخلطبةِ ،فيق (
َ ْ َ ََ َ َ ْ ََ ََ َ َ َ َ َ َ ََ َََْ َ َ ْ ََ
جب نلا كما وعدتنا») :السنة ووعدتنا إجابتك ،وقد دعوناك كما أمرتنا ،فاست ِ
للخطيب بعد الخطبة ،والدعاء فيها ،وقبل النزول أن يتوجه للقبلة ،ويدعو ربه سـر ًا
أن يغيثهم.
وقد دل على مشـروعيته :حديث عبداهلل بن زيد ﭬ يف البخاريَ « :ق َالَ :ف َح او َل
ااس َظهره ،واس َت ْقب َل ِ
الق ْب َل َة َيدْ ُعوُ ،ث ام َح او َل ِر َدا َء ُه.)4(».. إِ َلى الن ِ ْ َ ُ َ ْ َ
ويف حديث عائشة ڤ عند أبي داود ،وفيه بعد الدعاءُ « :ث ام َر َف َع َيدَ ْي ِهَ ،ف َل ْم َي َز ْل
بَ ،أ ْو َح او َل ِر َدا َء ُه، اض إِب ِ َط ْي ِهُ ،ث ام َح او َل إ ِ َلى الن ِ
ااس َظ ْه َر ُهَ ،و َق َل َ الر ْف ِع َحتاى َبدَ ا َب َي ُفي ا
ِ
َو ُه َو َرافِ ٌع َيدَ ْي ِهُ ،ث ام َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ
ااس َون ََز َلَ ،ف َص الى َر ْك َعتَ ْي ِن»(.)5
652
كـتـاب الـصـالة 660
قال ابن رجب« :وتولية الظهر إلى الناس واستقبال القبلة؛ ألن الدعاء إلى
القبلة أفضل ،وأجمع لقلب الداعي حيث ال يرى أحدً ا من الناس ،وأما يف الامعة
فال يفعله؛ ألنه خطاب للحاضـرين»( .)1فإن ذكر ما ذكره المؤلف فحسن ،وإن قال
غيره فله ذلك وال تثبت ِفة معينة مرفوعة يف ذلك حيث كان دعاؤه ﷺ سـر ًا.
ََ َ َ َ يم َن ىلع األَ َ
يرس ،واأل َ َ ُ ه ُ َ ِّ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ
يرس ىلع األيم ِن .وكذا: ِ (ثم َيول ِرداءه ،فيجعل األ
ُ
انلهاس) :السنة أن يحول اإلمام رداءه بعد الفراغ من الدعاء ،ويحول الناس
أرديتهم؛ لحديث عبداهلل بن زيد ﭬُ « :ث ام َح او َل ِر َدا َء ُه» ،وتحويل الرداء عام لإلمام
والمأموم يف قول أكثر أهل العلم.
ويشهد له :ما رواه اإلمام أحمد« :وحول الناس معه»(.)2
َ ُ ُ َُ َ ه َ ُ ََ َ
َنعوهُ مع ثِيابِهم) :ذكر أن األولى أال يعيد الرداء على هيئته
(ويَّتكونه حَت ي ِ
حتى ينزع ثيابه ،وليس يف ذلك سنة خاِة.
والعلة :ألنه أبلغ يف التذلل ،وله أن يعيده إلى هيئته بعد الخروج من المصلى؛
ألن تطبيق السنة حصل بالقلب بعد الدعاء ،ولم يرد نص ينهى عن نزعه ،أو يأمر
بإبقائه ،أو يحدد مدة يف ذلك ،فاألمر فيه واسع.
والحكمة من قلب الرداء :التفاؤل بتحول الحال عما هي عليه.
والمرأة إذا كانت تتكشف بتحويل الرداء ،فإهنا ال تفعله؛ لما يف ذلك من
تبذلها ،وحصول الفتنة بذلك ،وأما إذا كانت يف مكان ال يراها الرجال فحكمها
حكم الرجل.
ً َ ً ُ ه ُ ْ ُ
اثلا) :إذا استمر القحط ولم ينزل المطر
(فإن سقوا :وإال اعدوا ثانِيا ،وث ِ
استحب تكرار االستسقاء؛ ألنه دعاء ،فال ييأسوا من رحمة اهلل ،وهو أبلغ يف
التضـرع واالفتقار ،وهذا مذهب الامهور :مالك ،والشافعي ،وأحمد؛ ألن اهلل
660
661 ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ
با ُ
( )1رواه الطرباين يف الدعاء ( ،)20والعقيلي يف الضعفاء ( )452/4من حديث عائشة ڤ .قال أبو حاتم كما يف
العلل البنه (« :)423/5هذا حديث منكر» ،وقال األلباين يف اإلرواء (« :)611موضوع».
( )2المغني (.)326/2
( )3رواه مسلم ( )626من حديث أنس ﭬ.
( )4رواه البيهقي يف معرفة السنن ( ،)1232قال الشافعي :وروي عن ابن عباس ﭭ.
661
كـتـاب الـصـالة 662
662
663 ب اجلَنَائِزِ
كِتَا ُ
كــتــاب
الـجـنـائـز
663
كـتـاب الـجـنائـز 664
664
665 ب اجلَنَائِزِ
كِتَا ُ
e جلنَائِزِ
با َ
كِتَا ُ
F
ْ َ
واإلكث ُ َ ُ َ ُ ُ َ ُّ
ار مِن ذِك ِره ِ. وت. ِ قوهل( :يسن َ :االستِعداد للم
َْ ه َ ُ َ َ ِّ َ ُ ْ
وف ف ِتنة. وت ،إال ِخل ِ ِ ِي .وتمين الم ويك َرهُ :األن
َ ه ه َ ً َ ُُ َ َْ ُ ُ َ ُّ َ َ ُ َ
يض المسلِ ِم .وتل ِقينه عِند موت ِه« :ال إهلَ إال اَّلل» م هرة .ولم وتسن :عِيادة الم ِر ِ
َ َ ُُ اءةُ « ِ َ تلك ه َم .وق َِر َ
َ َ َ ْ ه
جيهه إىل ال ِقبلةِ ،ىلع الفاحت هة» َ ،و «يس» .وتو ِ ي ِزد إال َأن ي
َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ
هره ِ.ِ ظ ىل ع ف : وإال ، ن
ِ اك جنبِ ِه األيم ِن ،مع سع ِة الم
ه َ ُ َ ََ ُ َ َْ َ ُ َ َ َ ُ ه َ
ول اَّلل».
ِ س ر ِ ة ــا فو وىلع اهلل، سمِ ب « : ول وق .هِ ي ين ع يض مِ غ فإذا ْمات ،سن :ت
َ َ َ َِ هَ َ َ َ
وال بأس :بِتقبيلِ ِه ،وانلظ ِر إيل ِه ،ولو بعد تك ِفينِ ِه).
عقد هذا الباب لبيان ما يتعلق بالميت من تلقين ،وتغسـيل ،وتكفين ،وِالة،
ودفن ،وتعزية ،وأحكام أخرى.
ْ َ
واإلكث ُ َ ُ َ ُ َ ُّ
ار مِن ذِك ِره ِ) :ينبغي للعبد أن يكون الموت وت.
(يسن :االستِعداد للم ِ
نصب عينيه ،ويوقن أنه مهما طالت غيبته فالبد من الورود عليه ،ا
فإن تذكر الموت
يردع عن المعاِـي ،ويلين القلب القاسـي ،ويمنع النفوس عن القبائح ،ويحمل
على اإلقبال على اآلخرة ،والتزود من الطاعات ،ويكسـر النفوس عن الكرب ،فال
ينبغي للعبد أن يغفل عن الموت وإال قسا قلبه وتمرد ،وقصـر يف الطاعة وعصـى.
ويكثر اإلنسان من تذكره ،ويستدعي األسباب لذلك من زيارة القبور ،وشهود
الانائز ،وحضور المحتضـرين؛ ليكون ذلك حامالً له على تقصـير األمل ،وإتقان
العمل ،وترل الكسل ،وهار المعاِـي التي هي سبب لسوء الخاتمة ،والندامة
عند نزول السكرات ،قال تعالى﴿ :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾.
ويتذكر اختالف الناس عند نزوله ،ففريق يبشـرون بالرضـى والانة ،وفريق
665
كـتـاب الـجـنائـز 666
( )1رواه الرتمذي ( ،)2301وابن ماجه ( ،)4256وأحمد ( )1225من حديث أبي هريرة ﭬ .قال الرتمذي:
«هذا حديث حسن غريب» ،وِححه النووي يف خالِة األحكام ( ،)621/2وابن الملقن يف البدر المنير
( ،)161/5واأللباين يف اإلرواء (.)662
( )2رواه البخاري ( )6416من حديث ابن عمر ﭭ.
وجود إسناده العراقي يف تخريج
( )3رواه ابن ماجه ( ،)4252والحاكم ( )562/4من حديث ابن عمر ﭭّ .
اإلحياء ص ( ،)1626وحسنه األلباين يف السلسلة الصحيحة (.)1364
( )4رواه البخاري ( ،)2136ومسلم ( )1621من حديث ابن عمر ﭭ.
666
667 ب اجلَنَائِزِ
كِتَا ُ
661
كـتـاب الـجـنائـز 668
( )1رواه الرتمذي ( )2465من حديث أنس ﭬ .وحسنه األلباين يف الصحيحة (.)242
( )2رواه البخاري ( )5666من حديث عائشة ڤ.
( )3رواه البخاري ( ،)6351ومسلم ( )2660من حديث أنس ﭬ.
( )4رواه أحمد ( ،)26614والحاكم وِححه ( )462/1من حديث أم الفضل ڤ.
( )5رواه الرتمذي ( ،)3233وأحمد ( )3464من حديث ابن عباس ﭭ .ورواه الرتمذي ( )3235من
حديث معاذ ﭬ ،وِححه البخاري والرتمذي.
666
669 ب اجلَنَائِزِ
كِتَا ُ
فإن المسلم إذا عاش سليمًا من الفتن ثم ُقبِ َض قبل وقوعها كان ذلك نااة له
من الشـر كله ،وقد دعا بذلك الصحابة والتابعون والصالحون لما خشوا الفتن،
فهذا عمر ﭬ يف آخر حاة حاها رفع رأسهَ ،ف َق َال« :ال ال ُه ام َك ُب َر ِسنيَ ،و َض ُع َف ْت
أ» .فما انسلخ ذو َشـرت ر ِعيتِيَ ،فا ْقبِ ْضنِي إِ َلي َك َغير مضـي ُع و َال م َفر ُ
ُق اوتِيَ ،وا ْنت
َ ُ َْ ُ ْ ْ َ ا
الحاة حتّى قتل عمر ﭬ( .)1ودعا علي ﭬ ربه أن يريحه حين سئم من رعيته
ّ
فقتل عن قريب.
ولما ضار عمر بن عبدالعزيز من رعيته ،وثقل عليهم قيامه فيهم بالحق طلب
من رجل معروف بإجابة الدعوة أن يدعو له بالموت ،فدعا له ولنفسه فماتا.
ودعي طائفة من السلف إلى والية القضاء ،فاستمهلوا ثالثة أيام ،فدعوا
ألنفسهم بالموت فماتوا( .)2فينبغي للعبد أن يقيد الدعاء بالموت ألنه ال يدري ما
َت ا ْلحيا ُة َخيرا لِي ،و َتو افنِي إِ َذا كَان ِ
َت يستقبل من أمره ،ويقول« :ال الهم َأحيِنِي ما كَان ِ
َ َ َ َ ًْ َ ُ ا ْ
ا ْل َو َفا ُة َخ ْي ًرا لِي».
ُ ُ َ ُّ َ َ ُ َ
يض المسلِ ِم) :وفيها أجر عظيم ،وكلما كان له حق من علم (وتسن :عِيادة الم ِر ِ
أو دين أو جيرة أو قرابة كان أولى ،ويف الصحيحين أن من حق المسلم على أخيه:
«أن يعوده إذا مرض»(.)3
يضا َل ْم َي َز ْل فِي ُخ ْر َف ِة ا ْل َان ِاة َحتاىوروى مسلم عن رسول اهلل ﷺَ « :م ْن َعا َد َم ِر ً
ير ِجع» قِ َيل :يا رس َ ِ
ول اهلل َو َما ُخ ْر َف ُة ا ْل َان ِاة؟ َق َالَ :جن َ
َاها»(.)4 َ َ ُ َْ َ
وروى الرتمذي عن رسول اهلل ﷺَ « :ما مِ ْن ُم ْسلِ ُم َي ُعو ُد ُم ْسلِ ًما ُغدْ َو ًة إِ اال َِ الى
ك َحتاى ُي ْمسـيَ ،وإِ ْن َعا َد ُه َعشـي ًة إِ اال َِ الى َع َل ْي ِه َس ْب ُع َ
ون َأ ْل َ
ف ف م َل ُ َع َل ْي ِه َس ْب ُع َ
ون َأ ْل َ َ
662
كـتـاب الـجـنائـز 670
( )1رواه الرتمذي ( ،)262وأبو داود ( ،)3022وأحمد ( )612من حديث علي ﭬ .قال الرتمذي« :هذا
حديث حسن غريب ،وقد روي عن علي هذا الحديث من غير وجه ،منهم من وقفه ولم يرفعه» ،وِححه
األلباين يف السلسلة الصحيحة (.)1361
( )2رواه البخاري ( ،)1360ومسلم ( )24من حديث سعيد بن المسـيب ،عن أبيه ﭬ.
( )3رواه البخاري ( )1356من حديث أنس ﭬ.
( )4رواه مسلم ( )216من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ.
( )5رواه أبو داود ( ،)3116وأحمد( ،)22034والحاكم 503/1من حديث معاذ ﭬ .وِححه ابن الملقن
يف البدر المنير ( ،)162/5وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)661
610
671 ب اجلَنَائِزِ
كِتَا ُ
( )1رواه أحمد ( ،)12543والبزار ( )352/13من حديث أنس ﭬ .وِححه األلباين يف أحكام الانائز
ص (.)11
( )2شـرح مسلم للنووي (.)321/3
( )3رواه أبو داود ( ،)3121والنسائي يف الكربى ( ،)10646وابن ماجه ( )1446من حديث معقل بن يسار
ﭬ .قال ابن حار يف التلخيص الحبير (« :)245/2أعله ابن القطان باالضطراب ،وبالوقف ،وباهالة
حال أبي عثمان وأبيه ،ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال :هذا حديث ضعيف اإلسناد ،ماهول
المتن ،وال يصح يف الباب حديث» ،وقال ابن القيم« :هو حديث مضطرب معلول ،ماهول السند ،ال تقوم
به حاة» ،وضعفه األلباين يف ضعيف أبي داود ( .)552وانظر :أحكام الانائز ص ( ،)20تصحيح الدعاء
ص (.)425
611
كـتـاب الـجـنائـز 672
ه ََ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َ َ ُُ
هره ِ.
ِ ظ ىل ع ف : وإال ، ن
ِ اك الم ة
ِ ع س ع م ، ن
ِ يم األ ه
ِ ِ بن ج ىلع ِ،
ة بلقِ ال إىل هجيه
(وتو ِ
ُ َ َْ َ َ َ ُ ه َ
فإذا مات ،سن :تغ ِميض عيني ِه) :أي ويستحب لمن حضـر المحتضـر أن يوجهه
للقبلة إن أمكن.
لعموم قوله ﷺ عن البيت الحرام« :قبلتكم أحيا ًء وأمواتًا»(.)1
ولم يرد يف هذا سنة خاِة ،والذي يظهر من عمل رسول اهلل ﷺ والصحابة
ﭫ أهنم لم يتقصدوا توجيه المحتضـر إلى القبلة ،فرسول اهلل ﷺ لما مات عند
عائشة ڤ لم يذكر أهنا وجهته ،ولما حضـر رسول اهلل ﷺ وفاة أبي سلمة ﭬ
وغيره لم ينقل أنه وجههم ،وما استدل به على االستحباب ليس ِـريحًا على
التوجيه حال االحتضار ،بل األقرب أن المراد عند الدفن ،وبعضها ال يخلو من
مقال ،وقد أخذ هبا بعض السلف ،وبعضهم لم يأخذ هبا ،منهم :ابن المسـيب ،فإن
فعل فال بأس ،وإن ترل فال بأس ،وال يؤذ المحتضـر بكثرة تحريكه.
ه َ ُ َ ََ َ ُ
ول اَّلل») :وقول هذه العبارة ثابتة عند ِ س ر ِ ة ــا فو وىلع اهلل، سم
ِ ِ ب « : ول (وق
الدفن ،وأما عند المحتضـر فلم ترد عن رسول اهلل ﷺ ،وإنما وردت عن بكر بن
ول اهللِ ﷺ». ِ
اة رس ِ ِ
عبداهلل َق َال ْ« :إِ َذا َغ ام ْض َت ا ْل َمي َت َف ُق ْل :بِ ْس ِم اهلل َو َع َلى َو َف َ ُ
َ َ َ َ َ َ َ َ
(وال بأس :بِتقبيلِ ِه ،وانلهظ ِر إيل ِه ،ولو بعد تك ِفينِ ِه) :ويف البخاري عن عائشة
وابن عباس ﭫ« :أن أبا بكر ﭬ ق ابل رسول اهلل ﷺ بعد موته»( ،)2وقالت عائشة
ڤ« :ق ابل رسول اهلل ﷺ عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسـيل
على وجهه» [رواه الرتمذي وِححه](.)3
ويسن اإلسـراع يف تاهيز الميت ،وغسله ،وتكفينه ،والصالة عليه ،ودفنه:
ان ََاز ِةَ ،فإِ ْن َت ُك َِال ِ َح ًة َف َخ ْي ٌر ُت َقد ُمون ََهاَ ،وإِ ْن َي ُك ِس َوى َذل ِ َك،
لقوله ﷺَ « :أسـر ُعوا بِا ْل ِ
( )1رواه أبو داود ( ،)2615والحاكم ( )121 /1من حديث عبيد بن عمير ،عن أبيه ﭬ.
( )2رواه البخاري ( )4455من حديث عائشة وابن عباس ﭫ.
( )3رواه الرتمذي ( ،)262وأبو داود ( ،)3163وابن ماجه ( ،)1456وأحمد ( )24165من حديث عائشة
ڤ .قال الرتمذي« :حديث حسن ِحيح».
612
673 ب اجلَنَائِزِ
كِتَا ُ
َفشـر َت َض ُعو َن ُه َع ْن ِر َقابِ ُك ْم» [متفق عليه]( .)1قال اإلمام أحمد« :كرامة الميت تعايله»،
وال حرج أن ينتظر به مقدار ما ياتمع له جماعة ،كما فعل ابن عباس ﭭ حين
مات ولده ب ُع ْس َفان( ،)2بشـرأ أن ال يشق على الناس ،وال يخاف عليه التعفن ،وال
تطول المدة(.)3
ويسن المبادرة يف قضاء َد ْينِه :لقوله ﷺَ « :ن ْف ُس َا ْلمـُ ْؤمِ ِن ُم َع ال َق ٌة بِدَ ْين ِ ِهَ ،حتاى
ِ
ب لورثته أو ُي ْقضـى َعنْ ُه» [رواه الرتمذي وحسنه] ،فإن تعذر إيفاء دينه يف الحال اس ُتح ا
()4
غيرهم أن يتكفلوا به عنه ،كما فعل أبو قتادة ﭬ« :حين قال للرسول ﷺ لما امتنع
ول اهللِ َو َع َل اي َد ْينُ ُه،
عن الصالة على من عليه دين ولم يرتل وفا ًءَِ :ل َع َل ْي ِه َيا َر ُس َ
َف َص الى َع َل ْي ِه» [رواه البخاري](.)5
فائدة :إذا خرجت روح الميت ،فعلى الحاضـرين أن يعملوا ما يلي:
األول :أن يغمضوا عينيه ويدعو له؛ لما روى مسلم عن أم سلمة ڤ قالت:
وح إِ َذا «د َخ َل رس ُ ِ
ول َاهلل ﷺ َع َلى َأبِي َس َل َم َة َو َقدْ ُش اق َبصـر ُه َف َأ ْغ َم َض ُهُ ،ث ام َق َال :إِ ان َا ُّلر َ َ ُ َ
ُقبِ َض ا ات َب َع ُه ا ْل َبصـرُ ،ث ام َق َالَ :ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر ِألَبِي َس َل َمةََ ،و ْار َف ْع َد َر َج َت ُه فِي َا ْل َم ْه ِديي َن،
اخ ُل ْف ُه فِي َع ِقبِ ِه»(.)6
يهَ ،و ْ وا ْف ِسح َله فِي َقب ِر ِه ،ونَور َله فِ ِ
ْ َ ْ ُ ْ ُ َ
الثاين :أن يغطوه بثوب يسرت جميع بدنه؛ لما يف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ:
«حين تويف ساي بربد حربة»( ،)7أما من مات محرمًا فال يغطى رأسه ،ويغطى ما
سواه؛ لقوله ﷺ يف شأن الذي وقصته راحلته فمات وهو محرم« :وال تخمروا
( )1رواه البخاري ( ،)1315ومسلم ( )244من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )2رواه مسلم (.)246
( )3المغني (.)361/3
( )4رواه الرتمذي ( ،)1012وابن ماجه ( )2413من حديث أبي هريرة ﭬ .وحسنه الرتمذي ،وِححه
النووي يف خالِة األحكام ( ،)230/2واأللباين يف ِحيح الاامع (.)6112
( )5رواه البخاري ( )2262من حديث سلمة بن األكوع ﭬ.
( )6رواه مسلم ( )220من حديث أم سلمة ڤ.
( )1رواه البخاري ( ،)5614ومسلم ( )242من حديث عائشة ڤ.
613
كـتـاب الـجـنائـز 674
614
675 ب اجلَنَائِزِ
كِتَا ُ
ال َن ُق ُ
ول ب َي ْح َز ُنَ ،و َمواضع :ففي موت إبراهيم بكى وقال« :إِ ان ال َع ْي َن َتدْ َم ُعَ ،وال َق ْل َ
ِ ِ ِ
ون» [رواه البخاري](.)1 يم َل َم ْح ُزو ُن َإِ اال َما َي ْرضـى َر ُّبنَاَ ،وإِناا بِف َراق َك َيا إِ ْب َراه ُ
ولما اشتكى سعد بن عبادة ف شكوى له ،فأتاه النبي ﷺ يعوده ،وبكى النبي
ال ُي َعذ ُب بِدَ ْم ِع ون إِ ان َ
اهلل َ ال َت ْس َم ُع َ ﷺ ،فلما رأى القوم بكاء النبي ﷺ بكوا ،فقالَ « :أ َ
بَ ،و َلكِ ْن ُي َعذ ُب بِ َه َذا َ -و َأ َش َار إ ِ َلى ل ِ َسان ِ ِهَ -أ ْو َي ْر َح ُم» (.)2
ال بِ ُح ْز ِن ال َق ْل ِ
ال َع ْي ِنَ ،و َ
السابع :ياوز اإلعالم بالوفاة إذا لم يقرن هبا ما يشبه نعي الااهلية «كما َن َعى
ات فِ ِ
يهَ ،ف َخ َر َج بِ ِه ْم إِ َلى ا ْلمـُ َص الىَ ،و َك اب َر س الن َاااشـي فِي ا ْل َي ْو ِم ا ال ِذي َم َالنبي ﷺ لِلناا ِ
َأربع َت ْكبِير ُ
ات» [متفق عليه](.)3 َ ََْ
وجعفرا ،وابن رواحة ﭫ للناس قبل أن يأتيهم خربهم(.)4ً ونعى زيدً ا،
فالنعي ليس ممنوعًا كله ،وإنما هني عما كان أهل الااهلية يصنعونه.
الثامن :ويستحب طلب الدعاء ،واالستغفار للميت عند اإلخبار به ،ولما َن َعى
اس َت ْغ ِف ُروا ِألَ ِخي ُك ْم» [متفق عليه](.)5 رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ الن َاااشـي َق َالْ « : َ ُ
ولحسن الخاتمة عالمات ،منها:
ِِ النطق بالشهادة عند الموت :لقوله ﷺ« :من ك َ ِ
َان آخ ُر ك ََالمه َال إِ َل َه إِ اال ُ
اهلل َد َخ َل َ ْ
ا ْل َانا َة» [رواه أبوداود](.)6
ين» [رواه الرتمذي الابِ ِ الم ْؤمِ ُن َي ُم ُ
وت ب ِ َع َر ِق َ والموت برشح الابين :لقوله ﷺُ « :
وحسنه]( .)7لشدة الموت ،فيشتد الموت على المؤمن بحيث يعرق جبينه من الشدة؛
615
كـتـاب الـجـنائـز 676
616
677 ل امليتِ
ل يف غَس ِ
فَصْ ٌ
َ ُ َ َ َ ْ ُ َ ِّ ُ
ت :ف ْرض ك ِفاية. قوهل( :وغسل المي ِ
َْ ُ ُ َ َ َ ُ َ ُ هُ َ ُ َ
س ِل :اإلسالم ،والعقل، ورشط :يف الماءِ :الطهورية ،واإلباحة .ويف الغا َِ ِ
َ ُّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ٌ َ ٌ ُ ه
واتلميِزي .واألفضل :ث ِقة ،اع ِرف بأحاك ِم الغس ِل .واألوىل ب ِ ِه :و ِصيه العدل.
َ ً َ ُ َ ِّ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ً ُ ه َ ُ ُّ َ َ َ َ َ َ
خ ْرقة فينجي ِه بِها. َّت عورته ُوجوبا .ثم يلف ىلع ي ِده ِ ِ رشع يف غسلِ ِه :س وإذا
ََ َ َ ُ َ ْ ُ
وَيب :غسل ما ب ِ ِه مِن َناسة. ِ
َ ََ ه َْ َ ُ ه ْ ََ ه َ ُ ُ َ ُّ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ
وَيرم :مس عورة ِ من بلغ سبع ِسنِي .وسن :أن ال يمس سائ َِر بدن ِه إال ِِبِرقة.
َْ َ ْ ُ َ َْ ْ َ ُ ََُ ْ ُ َ ِّ َ َ َ َ ه ُ
جها، ون سبع .وللمرأة ِ :غسل زو ِ وللرجل :أن يغسل زوجته ،وأمته ،وبِنت د ِ
َ ُ َ ِّ َ
ون سبع. ِ وابن د ِ وسي ِدها،
ُْ ُ ََ َ َ ْ َ ُ ُ َ ُّ َ ُ ْ َ ِّ ُ ْ ُ َ ْ
خل كن :ال يد ِ َيب ،ويسن :كغس ِل اجلنابةِ .ل ِ ِ ِيما ف ، ت
ِ ي الم ل وحكم غ َ ِ
س
ْ َ َ َ ُ َ ْ َ ً َ ُ َ ً َ ُ ُ َ َ
خرقة مبلولة ،فيمسح بها أسنانه ،ومن ِخ َري ِه. اء يف ف ِم ِه وأن ِف ِه ،بل يأخذ ِ الم َ
ْ َ َ َ ْ َ َْ ْ ُ َ َ َ ْ ك َرهُ :االقت َص ُ ُ ْ
ار يف غسلِ ِه ىلع م هرة ،إن لم َي ُرج مِنه َش ٌء .فإن خ َرجَ :وج َب ِ وي
َ َ َ ُ َ ُْ ْ َ َ َ َ َ َْ َُ َ ْ
مسك: إاعدة الغس ِل إىل سبع .فإن خرج بعد ُها :ح َِش بِقطن ،فإن لم يست ِ
ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ً ُ ٍّ ُ ه َ ُ َ َ ه ُ ه َ
غسل المحل ،وي َوضأ ُوجوبا ،وال غسل .وإن خرج بعد فبِ ِطي حر ،ثم ي ِ
َ ْ ُ ض ُ َ َُ ُ ُ َ
وء ،وال الغسل). تك ِفينِه :لم يع ِد الو
وِفته ،ومن الذي ُي ْغ َسل ،ومن الذي ِ ِ
الميت عقد هذا الفصل لبيان حكم َغس ِل
ال ُي ْغ َسل من األموات ،وما ُيشرتأ وما ُيسن يف الغاسل.
َ ُ َ َ َ ْ ُ َ ِّ
ت :ف ْرض ك ِفاية) :ياب على المسلمين غسل أمواهتم ،باإلجماع (وغسل المي ِ
كما نقله ابن المنذر ،وابن حزم( ،)1وهدي المسلمين منذ عهد الرسول ﷺ إلى
يومنا هذا.
611
كـتـاب الـجـنائـز 678
اء َو ِسدْ ُر، وقد أمر رسول اهلل ﷺ بغسل الذي وقصته راحلته ،فقال« :ا ْغ ِس ُلوه بِم ُ
ُ َ
َوكَفنُو ُه فِي َث ْو َب ْي ِن» [متفق عليه](.)1
وقال حين توفيت ابنته« :ا ْغ ِس ْلن ََها َثالَ ًثاَ ،أ ْو َخ ْم ًساَ ،أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك إِ ْن َر َأ ْي ُت ان
ورا َأ ْو شـي ًئا م ِ ْن كَا ُف ُ ِ ِ ِ ُ ِ ِ
ور» [متفق عليه](.)2 اج َع ْل َن في اآلخ َرة كَا ُف ً َذل َك ،بِ َماء َوسدْ ُرَ ،و ْ
ول اهلل ﷺ قالَ « :م ْن وقد جاء يف فضل تغسـيل الميت والقيام عليه :أن َر ُس َ
ِ ِ ِ ِ
س السنْدُ ِاهلل م َن ُّ َغ اس َل َميتًا َف َكت ََم َع َل ْيه ُغف َر َل ُه َأ ْر َبعي َن َم ارةًَ ،و َم ْن َك اف َن َميتًا ك ََسا ُه ُ
يه ُأ ْج ِر َي َل ُه مِ َن ْاألَ ْج ِر ك ََأ ْج ِر َم ْس َك ُن
ت َقبرا َف َأجناه فِ ِ
ًْ َ ُ
وإِس َتبر ِق ا ْلان ِاة ،ومن ح َفر لِمي ُ
َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َْ
ُأ ْسكِنَ ُه إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َيا َم ِة»(.)3
َ َ ُ َ ُ هُ َ ُ َ
ورشط :يف الماءِ :الطهورية ،واإلباحة) :يشرتأ لتغسـيل الميت كون الماء ( ِ
طاهرا؛ ألن الناس ال يطهر. ً
ويشرتأ اإلباحة؛ فالمغصوب والمسـروق ال يحل استعماله ،فلو غسل به لم
يصح على المذهب ،وتقدم الخالف يف باب المياه.
واألقربِ :حته مع اإلثم ،وأما الناس فال ياز .
زي) :ألن تغسـيله عبادة ،وهذه شـروأوالع ْق ُل ،واتلهمي ُ
َ ُ َ
(ويف الغا ِس ِل :اإلسالم،
ِ
يف ِحة كل عبادة ،إال إن لم يوجد غيرهم ،فياز تغسـيل الكافر للمسلم.
َ ْ َ َ ُ َ ٌ َ ٌ
(واألفضل :ث ِقة ،اع ِرف بأحاك ِم الغس ِل) :ليقوم بالواجب من غير إخالل ويسرت
ما يحتاج إلى سرت ويكون عار ًفا بأحكام التغسـيل وطريقته ،وثقة مأمونًا حتى ال
يخل بتغسـيله ،ويسرت ما ياب سرته؛ ألن الميت ستنكشف عورته فالبد أن يكون
المغسل أمينًا ،والبن ماجه مرفوعًا« :ل ِ َي ْغ ِس ْل َم ْو َتا ُك ُم ا ْل َم ْأ ُمو ُن َ
ون» [أخرجه الحاكم ،وفيه
616
679 ل امليتِ
ل يف غَس ِ
فَصْ ٌ
ضعف]( ،)1أي من تأتمنوهم على الغسل وعلى إخفاء ما ال يليق إظهاره للناس من
حال الميت.
َ ُّ ُ َ ْ ُ َْ َ
(واألوىل ب ِ ِه :و ِصيه العدل) :عند المشاحة والتنازع نقدم من أوِـى الميت أن
س؛ ا ْم َر َأ ُت ُهَ ،ف ُقدمت»(.)2 يغسله ،وأبو بكر ﭬَ « :أ ْوِـى َأ ْن ُت َغس َل ُه َأ ْس َما ُء بِن ُْت ُع َم ْي ُ
ول اهللِ ﷺ
وروى البيهقي عن أسماء بنت عميس ڤَ « :أ ان َفاطِم َة بِن َْت رس ِ
َ ُ َ
َأ ْو َِت َْها َأ ْن ُت َغس َل َها إِ َذا َما َت ْت ِه َيَ ،و َعلِ ٌّيَ ،ف َغ اس َلت َْها ِه َي َو َعلِ ٌّي ﭫ» ،فإن لم يوجد
()3
فاألِول كاألب ،ثم الفروع كاألبناء ،ثم الحواشـي كاإلخوة واألعمام ،ثم ذوي
األرحام.
ثم بين طريقة تغسـيل الميت ،وما يفعل المغسل ،فقال:
َ ََ َ ََُ ُ ً َ َ َ َ
ورته ُوجوبا) :يارد الميت من مالبسه ،وتسرت رشع يف غسلِ ِه :سَّت ع (وإذا
عورته المغلظة وجوبًا بوضع ساتر عليها.
رجال ُسرت من السـرة إلى الركبة؛ ألن حرمته ميتًا كحرمته ح ًيا، فإن كان الميت ً
ُ
حي َو َال َميت» [رواه
َ ُ ِ َ ِ َ َ َ َ ُ ا َِ َ ِ ِ
ولقوله ﷺ لعلي ﭬ« :ال ت ْبر ْز فخذلَ ،وال تنْظ َرن إلى فخذ َ ن
أبوداود وضعفه](.)4
رجل امرأ ًة أجنبية للحاجة وجب عليه سرت كل بدهنا؛ لحديث: وإن غسل ٌ
الم ْر َأ ُة َع ْو َر ٌة»( .)5وتاريد الميت من ثيابه غير العورة ثابت من فعل الصحابة
« َ
( )1رواه ابن ماجه ( )1461من حديث ابن عمر ﭭ .قال البوِـيري يف مصباح الزجاجة (« :)24/2هذا
إسناد ضعيف».
( )2رواه الحاكم ( ،)66/3والبيهقي ( .)551/3وضعفه النووي يف خالِة األحكام ( ،)236/2واأللباين يف
اإلرواء (.)626
( )3رواه البيهقي ( ،)556/3والدارقطني (.)441/2
( )4رواه أبو داود ( )3140وابن ماجه ( ،)1460وأحمد ( )1242من حديث علي ﭬ .قال أبو داود« :هذا
الحديث فيه نكارة» .وضعفه ابن رجب يف فتح الباري ( ،)401/2واأللباين يف اإلرواء (.)262
( )5رواه الرتمذي ( )1113من حديث ابن مسعود ﭬ .وقال« :حسن ِحيح غريب» ،وِححه األلباين يف
اإلرواء (.)213
612
كـتـاب الـجـنائـز 680
660
681 ل امليتِ
ل يف غَس ِ
فَصْ ٌ
661
كـتـاب الـجـنائـز 682
ُ
واحدة لاسد الميت ،وبه قال أكثر العلماء. ُ
غسلة على
ويكره أقل من ثالث غسالت؛ ألمر النبي ﷺ هبا بقوله« :ا ْغ ِس ْلن ََها بِالسدْ ِر ِو ْت ًرا
َثالَ ًثاَ ،أ ْو َخ ْم ًساَ ،أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك ،إِ ْن َر َأ ْي ُت ان َذل ِ َك».
فإن اقتصـر على واحدة أجزأ مع الكراهة ،إال أن تخرج نااسة ،فتاب الزيادة.
َْ َُ َ ْ ْ َ َ َ
(فإن خ َرجَ :وج َب إاعدة الغس ِل إىل سبع) :إن خرج من الميت نااسة وجب
خمسا ،أو سب ًعا؛ لقوله ً إعادة الغسل إلى سبع حتى ينظفه ،والسنة القطع على وتر،
ﷺ ألم عطية ڤ« :ا ْغ ِس ْلن ََها بِالسدْ ِر ِو ْت ًرا َثالَ ًثاَ ،أ ْو َخ ْم ًساَ ،أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك ،إ ِ ْن
ِ ِ ِ ِ
ورا» [متفق عليه](.)1 اج َع ْل َن في اآلخ َرة كَا ُف ًَر َأ ْي ُت ان َذل َكَ ،و ْ
ُ ٍّ ُ ه َ ُ َ َ َ َ ُ َ ُْ ْ َ َ َ َ َ
غسل مسك :فبِ ِطي حر ،ثم ي ِ َش بِقطن ،فإن لم يست ِ ج بعدها :ح ِ (فإن خر
الغسلة السابعةِ ِ َ ْ َ َ َ ه َُ ه ُ ُ ُ ً
المحل ،ويوضأ وجوبا ،وال غسل) :إن استمر خروج النااسة بعد
ُحشـي المحل بشـيء يوقف خروجها ،قطن أو طين أو ما يقوم مقامها ويوضئه،
وال ياب إعادة غسله ،للمشقة يف الزيادة على السبع ،ولحصول الغسل بالعدد
السابق ،وألن الخرب لم يأت بأكثر من سبع ،وإن زاد عليها جاز.
َ ْ ُ َ َُ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ
وء ،وال الغسل) :إذا خرج من الميت ض ُ (وإن خ َرج بعد تك ِفينِه :لم يع ِد الو
شـيء بعد الغسل والتكفين ال يلزمه إعادة ا ْلو ُض ِ
وء َو َال ا ْل َغ ْسل للمشقة يف ذلك. ُ
فيتلخص أن الميت إذا خرج منه نااسة بعد تغسـيله ال يخلو من حاالت:
األولى :أن يكون قبل الغسلة السابعة والتكفين ،فياب أن يزيد حتى يبلغ
سب ًعا؛ لقوله ﷺ« :ا ْغ ِس ْلن ََها َثالَ ًثاَ ،أ ْو َخ ْم ًساَ ،أ ْو َس ْب ًعاَ ،أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك ،إِ ْن َر َأ ْيتُ ان
ذلك».
الثانية :إن خرج بعد السبع ،فياعل على المحل شـي ًئا يمنع خروجه ،وال يلزمه
أكثر من سبع غسالت.
الثالثة :إن خرج شـيء بعد التكفين ،فال يلزمه إعادة غسله؛ لما فيه من المشقة
662
683 ل امليتِ
ل يف غَس ِ
فَصْ ٌ
يف نقض الكفن ونحوه ،قال ابن قدامة« :ال نعلم فيه خال ًفا»(.)1
والزيادة على سبع غسالت جائزة بال كراهة إذا رأى يف ذلك مصلحة ،أو
حاجة.
ويدل له :قوله ﷺ« :ا ْغ ِس ْلن ََها َثالَ ًثاَ ،أ ْو َخ ْم ًساَ ،أ ْو َس ْب ًعاَ ،أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك ،إ ِ ْن
سدرا؛ كافورا ،أو ً
ً َر َأ ْي ُت ان ذلك» [متفق عليه] .ومن السنة أن ياعل مع الغسلة األخيرة
اآلخ َر ِة
ِ اج َع ْل َن فِي
ألنه ُي َصلب الاسد ،ويطرد الهوام برائحته؛ لقوله ﷺَ « :و ْ
كَا ُف ً
ورا»(.)2
والسنة يف حق المرأة أن ُي ْض َف َر شعرها ثالثة قرون وتاعل خلفها؛ لقول أم
عطية ڤَ « :ف َض َفرنَا َشعر َها َثالَ َث َة ُقر ُ
ونَ ،و َأ ْل َق ْين َ
َاها َخ ْل َف َها» [متفق عليه]( ،)3ثم ينشف ُ ََ ْ
الميت ،ويكفن على ما يأيت بيانه.
وِفة الغسل السابقة هي المستحبة ،وياز يف الغسل لو أفاض الماء عليه
وأنقى ،بال تكرار ،وبه قال الامهور :مالك ،والشافعي ،وأحمد.
وقال النخعي« :غسل الميت كغسل الانابة» .وكذلك قال الفقهاء ،وهم أعلم
بمعاين الحديث(.)4
فائدة :يستحب لمن غسل ميتًا أن يغتسل؛ لقوله ﷺَ « :م ْن َغ ّس َل َم ْيتًا
َف ْل َي ْغت َِس ْل»( .)5وظاهر األمر يفيد الوجوب ،ومن ِوارف الوجوب:
663
كـتـاب الـجـنائـز 684
قول ابن ع اباس ﭭَ « :ل ْي َس َع َل ْي ُك ْم فِي ُغ ْس ِل َميتِ ُك ْم ُغ ْس ٌل إِ َذا َغ اس ْل ُت ُمو ُه ،إِ ان
سَ ،ف َح ْس ُب ُك ْم َأ ْن َت ْغ ِس ُلوا َأ ْي ِدي ُك ْم»( .)1وقول ابن مي َت ُكم َلم ْؤمِن َط ِ
اه ٌرَ ،و َل ْي َس بِنَ َا ُ َ ْ ُ ٌ
عمر ﭭُ « :كناا ُن َغس ُل ا ْلمـي َتَ ،ف ِمناا َم ْن َي ْغت َِس ُلَ ،ومِناا َم ْن َال َي ْغت َِس ُل»(.)2
وال يحضـر الغسل إال المغسل ومن يساعده؛ ألنه أسرت للميت ،فربما كان فيه
ما يكره اطالعه ،وألن حرمته ميتًا كحرمته ح ًيا ،وحضور غير المغسلين لغير حاجة
مكروه يف المذهب.
ُ َ ه ه ُ َ َُ ه ُ ُ ًْ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ
عركةِ ،والمقتول ظلما :ال يغسل .وال يكف ُن .وال يصىل الم َ قوهل( :وش ِهيد
َ
علي ِه.
َ ُ ُ ََ ُ َ َ َ
اء د ِم ِه عليِه .ودفنه يف ثِيابِه. وَيب :بق
َ َ َ َ ُُ َ َ َ ه َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ
رشب ،أو :نام ،أو :تكل َم ،أو :عطس ،أو :طال بقاؤه أو: ، ل أك ف ِل وإن مح
ََ َ ََ َ ُ َ َ َ ِ ُ ُ ُ ْ َ ًُْ
ريه).
جب الغس َلُ ،مِن َن ِو جنابة :فهو كغ ِ عرفا ،أو :ق َتِل وعلي ِه ما يو ِ
ُ ه َ ُ ُ ُ ًْ َ ُ َ
الم َ
عركةِ ،والمقتول ظلما :ال يغسل) :شهيد المعركة ال يغسل ،وهو (وش ِهيد
قول جماهير العلماء؛ لما رواه البخاري يف شأن شهداء أحد« :أن النبي ﷺ َأ َم َر
بِدَ ْفن ِ ِه ْم بِ ِد َمائِ ِه ْمَ ،و َل ْم ُي َصل َع َل ْي ِه ْمَ ،و َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه ْم»(.)3
وروى أبو داود ،والرتمذي عن أنس ﭬَ « :أ ان ُش َهدَ ا َء ُأ ُح ُد َل ْم ُي ْغ َس ُلواَ ،و ُدفِنُوا
بِ ِد َمائِ ِه ْمَ ،و َل ْم ُي َص ال َع َل ْي ِه ْم»( .)4وروى ابن حبان« :أن حنظلة بن أبي عامر استشهد
فغسلته المالئكة» ( ،)5ولو كان واج ًبا لما اكتفى بغسل المالئكة ،وغيرها من األدلة.
664
685 ل امليتِ
ل يف غَس ِ
فَصْ ٌ
َ ُ َ َ ُ ََ ُ َ ُ َ ه َ ُ َ ه
اء د ِم ِه عليِه .ودفنه يف ثِيابِه) :بين (وال يكف ُن .وال يصىل علي ِه .وَيب :بق
أن الشهيد ال يؤتى بكفن جديد ،وإنما يدفن بثيابه التي قتل فيها ،وال تغسل عنه
دمائه؛ لحديث جابر ﭬ عند البخاريَ « :و َأ َم َر بِدَ ْفن ِ ِه ْم بِ ِد َمائِ ِه ْمَ ،و َل ْم ُي َصل َع َل ْي ِه ْم،
وه ْم فِي َو َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه ْم» ،وروى اإلمام أحمد أن رسول اهلل ﷺ قال يوم أحدَ « :زم ُل ُ
ثِ َيابِ ِه ْم»(.)1
وهذا مذهب عامة أهل العلم ،إال إن كان عليهم حديد أو جلود ،فتنزع؛ لما
ول اهللِ ﷺ بِ َق ْت َلى ُأ ُح ُد َأ ْن ُين َْز َع َعنْ ُه ُم ا ْل َح ِديدُ َوا ْل ُا ُلو ُد، روى أبو داود قالَ « :أ َم َر َر ُس ُ
َو َأ ْن ُيدْ َفنُوا ب ِ ِد َمائِ ِه ْم َوثِ َيابِ ِه ْم»(.)3()2
ُ َ ه َ
(وال يصىل علي ِه) :ال يصلى على الشهيد ،وهو قول األئمة الثالثة ،خالفًا ألبي
حنيفة ،لما رواه البخاري عن جابر ﭬ يف شهداء أحد« :أن النبي ﷺ َأ َم َر بِدَ ْفن ِ ِه ْم
بِ ِد َمائِ ِه ْمَ ،و َل ْم ُي َصل َع َل ْي ِه ْمَ ،و َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه ْم» .وروى أبو داود عن أنس ﭬَ « :أ ان
ُش َهدَ ا َء ُأ ُح ُد َل ْم ُي ْغ َس ُلواَ ،و ُدفِنُوا بِ ِد َمائِ ِه ْمَ ،و َل ْم ُي َص ال َع َل ْي ِه ْم».
وأما خرب ابن الزبير ﭭ يف ِالة رسول اهلل ﷺ على قتلى أحد ،فإنه شاذ؛ ألن
األخبار متظافرة يف عدم الصالة على قتلى أحد ،كما ذكر اإلمام الشافعي(.)4
ومن أهل العلم من توسط وقال :هو مخير بين الصالة عليه وتركها؛ لمايء
=
األحكام (« :)242/2إِ ْسنَاده جيد» ،وِححه األلباين يف اإلرواء (.)113
( )1رواه أحمد ( )23651من حديث عبداهلل بن ثعلبة بن ُِعير ﭬ .وِححه األلباين يف أحكام الانائز ص
(.)55
( )2رواه أبو داود ( ،)3134وابن ماجه ( )1515من حديث ابن عباس ﭭ .وضعفه النووي يف خالِة
األحكام ( ،)241/2وابن الملقن يف البدر المنير ( ،)253/5وابن حار يف التلخيص الحبير (،)216/2
واأللباين يف اإلرواء (.)110
( )3المغني (.)411/3
( )4األم -كتاب الانائز /باب ما يفعل بالشهيد (.)305/1
665
كـتـاب الـجـنائـز 686
( )1هتذيب السنن مع عون المعبود ( ،)264/6زاد المعاد ( ،)125/3أحكام الانائز ص (.)63
( )2رواه الرتمذي ( ،)1663وابن ماجه ( ،)2122وأحمد ( )11162من حديث المقدام ابن معدي كرب
ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث ِحيح غريب».
( )3رواه أحمد ( )14162من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ .وِححه األلباين يف اإلرواء (.)164/3
( )4رواه أبو داود ( ،)4112والرتمذي ( ،)1421والنسائي ( ،)4024وأحمد ( )1652من حديث سعيد بن
زيد ﭬ .قال الرتمذي« :هذا حديث حسن ِحيح» ،وِححه األلباين يف اإلرواء (.)106
666
687 ل امليتِ
ل يف غَس ِ
فَصْ ٌ
661
كـتـاب الـجـنائـز 688
َ َ َ َ َ َ َ ه َ َ َ َ ُ َ َ ََ
رشب ،أو :نام ،أو :تكل َم ،أو :عطس ،أو :طال أو: ، ل قوهل( :وإن محِل فأك
ََ َ ََ َ ُ َ َ َ ِ ُ ُ ُ ْ َ ََ ُُ ُ ًْ
ريه).
ِ غ ك فهو : ة اب نج و
ِ َن ِنم ، ل س الغ بجِ و ي ما ه
ِ يل وع ل ِ تق أو: ا، بقاؤه عرف
متأثرا باراحه ،فله حالتان: من أِـيب يف المعركة ،ثم مات ً
خطيرا ،ولم تستقر حياته ومات بعده بمدة قصـيرة عر ًفا ،فإنه ال ً إن كان جرحه
ُي ْغ َسل وال يصلى عليه؛ ألنه مات بقتل الكفار.
متأثرا به ،ف ُي ْغ َسل ويصلى عليه ،كما حصل لسعد
وإن استقرت حياته ،ثم مات ً
وحمل إلى المساد ،ثم انفار عليه
ابن معاذ ﭬ« :فإنه جرح يف غزوة الخندقُ ،
جرحه ،ومات منه ،ثم غسل ،وكفن ،وِلي عليه» [متفق عليه]( ،)1وهذا دليل على أن
طول البقاء ياعل ِاحبه كغيره من األموات ُيغسل ويصلى عليه.
وألحقوا به ما يدل على استقرار الحياة ،كاألكل بشهوة ،والشـرب ،والنوم،
والبول ،والكالم ،والعطاس ،ولو ُقيدَ بطول البقاء عرفًا لكان أحسن.
ََ َ ََ َ ُ ُ ُ ْ َ ُ َ َ َ
ريه) :من قتل شهيد ًا
ِ غ ك فهو : ة اب نج و
ِ َن ِن
م ، ل س الغ بجِ و ي ما ه
ِ ي (أو :قتِل وعل
وعليه جنابة.
فالمذهب :أنه ُي ْغ َسل؛ ألن المالئكة غسلت حنظلة بن أبي عامر ﭬ لما
استشهد(.)2
واألقرب :أنه ال ُي ْغ َسل؛ ألدلة عدم تغسـيل الشهداء ،ولو كان واج ًبا لما اكتفى
رسول اهلل ﷺ بتغسـيل المالئكة لحنظلة ﭬ؛ ألنه ليس من تكليفنا ،بل هو من
الكرامة ،وهذا مذهب اإلمام مالك ،والشافعي ،ورجحه الحافظ ابن حار،
والشوكاين(.)3
666
689 ل امليتِ
ل يف غَس ِ
فَصْ ٌ
662
كـتـاب الـجـنائـز 690
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ
ﯢ﴾.
والتغسـيل خاص بموتى المسلمين ،وأما الكفار فغير داخلين يف هذا ،ولو كانوا
من أهل الكتاب ،فإهنم كفار ،كما قال رسول اهلل ﷺَ « :وا ال ِذي َن ْف ُس ُم َح ام ُد بِ َي ِد ِهَ ،ال
وت َو َل ْم ُي ْؤمِ ْن بِا ال ِذي ود ٌّيَ ،و َال نَصـران ِ ٌّيُ ،ث ام َي ُم ُ
يسمع بِي َأحدٌ مِن َه ِذ ِه ْاألُم ِة يه ِ
ا َُ ْ َ َْ َ ُ
اار» [رواه مسلم] .
()1 َان مِ ْن َأ ِْ َح ِ
اب الن ِ ُأ ْر ِس ْل ُت بِ ِه ،إِ اال ك َ
وال يستغفر لهم؛ ألنه ال تنفعهم الشفاعة ،كما هنى اهلل نبيه عن االستغفار ألمه،
فإن لم يوجد من يواريه ويدفنه من الناسَ ،ف ُيحفر له حفرة من غير لحد ويدفنه
فيها.
ويدل له :ما رواه أبو داود عن علي ﭫ قال :قلت للنبي ﷺ« :إِ ان َع ام َك
الُ ،ث ام َال ُت ْح ِد َث ان شـي ًئاَ ،حتاى َت ْأتِ َينِي،
ب َف َو ِار َأ َب َ اتَ ،ق َال :ا ْذ َه ْ الض اال َقدْ َم َ الشـيخ اَ
تَ ،و َد َعا لِي»(.)2 َف َذ َه ْب ُت َف َو َار ْي ُت ُهَ ،و ِج ْئ ُت ُهَ ،ف َأ َم َرنِي َفا ْغت ََس ْل ُ
والكافر المحارب يف المعركة ،ال ياب دفنه ،كما هو معروف يف غزوات
الرسول ﷺ ،وأما كون قتلى بدر من المشـركين ُس ِح ُبوا إِ َلى َقلِ ِ
يب َبدْ ُر ،فهو تحقير
لهم ،ولئال يتأذى الناس برائحتهم ،وليس هو دفنا؛ ألن الحربي ال ياب دفنه ،واهلل
أعلم.
620
691 ني امليتِ
ل يف تَكف ِ
فَصْ ٌ
ُ ْ َ ُ َ ُْ َ َ َ ُُ َ ُ َ
أس المح ِر ِم، َّت مجِي ِع ِه ِ -س َوى َر ِ جب :س ِ اوالو . ة اي ِف ك رض قوهل( :وتك ِفينه :ف
ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ ََ َ َ ُ َ ُ َ
وس وَي ُب :أن يكون مِن ملب ِ حرم ِة -بِثوب ال ي ِصف البَشةِ . ووج ِه الم َ ُِ
َ
ُ ْ
مِثلِ ِه ،ما لم يو ِص بِدون ِ ِه.
َ َ ُ َ ُ ْ ُْ ََ َ َ ُ ه ُ ُّ ه ُ َ
عضها، الث لفائ ِف بِيض ،مِن قطن ،تبس َط ىلع ب ِ والسنة :تك ِفي الرج ِل :يف ث ِ
ِّ ليا م َِن اجلان ِب األ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ً ُ ه َ ُ ُّ َ َ َ ُ َ
يرس ىلع ِشق ِه ويوضع عليها مستل َ ِقيا ،ثم يرد طرف الع
َ
ِ َ َ ُ ه ه َ َ ُ ه ه َِ َ َ َ ُ َ ََ
اثلة كذل ِك. يرس ،ثم اثلانِية ،ثم اثل ِ ِ ُاأليم ِن ،ث هم ط َرفها األيم َن ىلع األ
َ ََ َ َِ َ ُْ نَث :يف َمخ َس ِة َ َ
ي.ومخار ،وق ِميص ،ول ِفافت ِ أثواب بِيض ،مِن قطن؛ إزار، واأل
َ َ َُ ُ َ ه
ِب :يف ثوب ،ويباح :يف ثالثة. والص ُّ
َ ََ َ ه ِ َُ
ي.والص ِغرية :يف ق ِميص ول ِفافت ِ
َ ُ َُ ْ َ َُ ْ َ ُ ُ َ ْ ويُ َ
ي بشعر ،وصوف ،ومزعفر ،ومعصفر ،ومنقوش. كرهُ :اتلهك ِف
ُ َ ه َ ُُ ْ
ِبدل ،وح ِرير ،ومذهب). وَيرمِ ِ :
بين هنا ما يتعلق بتكفين الميت ،ومؤنة التاهيز.
َ َ ُُ َ ُ َ
ف الميت يف ثوب فأكثر ،وهو من (وتك ِفينه :فرض ك ِفاية) :التكفين هو َل ُّ
فروض الكفايات باتفاق العلماء؛ ألمر النبي ﷺ بذلك بقولهَ « :وكَفنُو ُه فِي َث ْو َب ْي ِن»
[متفق عليه](.)1
وثمنه من مال الميت ،وهو مقدم على الدا ين واإلرث ،وإن وجد من يتربع به
جاز.
ْ
َ ُ َ ُ َ
َّت مجِي ِع ِه) :الواجب يف الكفن أن يسرت جميع البدن من رأسه إلى جب :س
(والوا ِ
قدميه ،كما فعل رسول اهلل ﷺ مع مصعب بن عمير ﭬ« :حين ُقتِ َل َي ْو َم ُأ ُح ُد،
621
كـتـاب الـجـنائـز 692
عليه](.)3
ُ َ َ
حرم ِة) :قياسًا على المحرم؛ ألهنا تبعث يوم القيامة ملبية ،وقد قال (ووج ِه الم ِ
س ال ُق اف َاز ْي ِن» [متفق عليه]( ،)4إال إن كان الم ْر َأ ُة ال ُم ْح ِر َم ُةَ ،و َ
ال َت ْل َب ِ ب َ ال َتنْت َِق ِ
ﷺَ « :
سـيحضـر جنازهتا غير المحارم ،فياب تغطية الوجه كحال الحياة.
َ َ ََ َ ُ َ
َشة) :فال يكون شفافًا؛ ألنه ال يسرت ،والسنة أن يكون (بِثوب ال ي ِصف الب
الكفن نظيفًا سابغًا ِفيقًا يسرت جميع البدن؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا َك اف َن َأ َحدُ ُك ْم َأ َخا ُه
َف ْل ُي ْح ِس ْن َك َفنَه» [رواه مسلم](.)5
ويدخل يف اإلحسان :نظافته ،وكثافته ،وسرته ،وتوسطه ،وياعل أحسن
ألن الكفن للميت بمثابة ال ّلباس
ال ّلفائف أعالها ،فيظهر للنّاس حسن الكفن؛ ّ
للحي.
وليس المراد السـرف فيه والمغاالة ،ويف البخاري عن أبي بكر ﭬ قوله:
ثوبي هذين؛ ألن الحي أحوج إلى الاديد من الميت ،وإنما هو للمهلة
«كفنوين يف ا
( )1رواه البخاري ( )3621من حديث خباب ﭬ.
( )2سبق تخرياه ص (.)616
( )3سبق تخرياه ص (.)33
( )4رواه البخاري ( )1636من حديث ابن عمر ﭭ.
( )5رواه مسلم ( )243من حديث جابر ﭬ.
622
693 ني امليتِ
ل يف تَكف ِ
فَصْ ٌ
والرتاب»(.)1
ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ
(وَيِ ُب :أن يكون مِن ملب ِ
وس مِثلِ ِه) :يف العادة؛ ألنه ال إجحاف فيه على
الميت ،وال ياوز المغاالة يف الكفن واإلسـراف فيه ،لما فيه من إضاعة المال وقد
[متفق قال ﷺ« :إن اهلل كره لكم ثالثًا :قيل وقال ،وكثرة السؤال ،وإضاعة المال»
عليه](.)2
ُ َ ُْ
(ما لم يو ِص بِدون ِ ِه) :فيعمل بوِـيته؛ ألنه حقه وقد أسقطه.
ْ ُْ ََ َ َ ُ ه ُ ُّ ه ُ َ
الث لفائ ِف بِيض ،مِن قطن) :السنة يف كفن (والسنة :تك ِفي الرج ِل :يف ث ِ
الرجل:
اضَ ،فإِن َاها مِ ْن َخ ْي ِر ثِ َيابِ ُك ْم، أن يكون أبيضًا؛ لقوله ﷺ« :ا ْل َب ُسوا مِ ْن ثِ َيابِ ُك ُم ا ْل َب َي َ
يها َم ْو َتا ُك ْم»(.)3 ِ
َوكَفنُوا ف َ
اب َي َمان ِ َي ُة ،بِ ُ
يض، وأن يكون ثالثة أثواب؛ ألن رسول اهلل ﷺ « ُكف َن فِي َثالَ َث ِة َأ ْث َو ُ
ال ِع َما َم ٌة» [متفق عليه](.)4 يص َو َ فَ ،ليس فِ ِ ِ
يه ان َقم ٌ ْ َ
سحولِي ُة ،مِن ُكرس ُ
ْ ْ ُ َ ُ ا
وأن يطيب ويبخر الكفن؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا َأ ْج َم ْر ُت ُم ا ْل َمي َتَ ،ف َأ ْج ِم ُرو ُه َث َال ًثا»(.)5
ولو ُدهن جسده بالطيب جاز ،فقد ثبت عند ابن أبي شـيبة أن ابن عمر ﭭ:
«طلي بالمسك» ،وروي نحوه عن أنس ﭬ( ،)6إال من مات محرمًا فيانب
الطيب؛ لقوله ﷺ« :وال تطيبوه»(.)7
623
كـتـاب الـجـنائـز 694
ُ َ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ً ُ َ ُّ َ َ ُ َ ُ
عضها ،ويوضع عليها مستل ِق َيا ،ث هم ي ُرد َط َرف العليا م َِن قوهل( :تبسط َىلع ب ِ
َ ُ ه ََ َ
يم َ َ ُه َ َََ ِّ َ
يرس ،ث هم اثلانِية،
ِ األ ىلع ن األ ا ه فر ط م ث ، ن
ِ األيم ه
ِ ق يرس ىلع ِش
ُاجلان ِِب َاأل ِ
َ ه ه َ
اثلة كذل ِك).ثم اثل ِ
ِفة تكفين الميت:
أن يحضـر ثالث لفائف بيض ،يبسط بعضها فوق بعض ،وياعل أعالها
أحسنها وأوسعها ،ثم يرشها بماء مطيب ،وياعل حنوطًا بين األكفان.
ثم يوضع الميت عليها مستلقيًا على ظهره.
ثم يأيت بقطعة قماش قدر السوأتين ،ثم يلفها على فرجه وإليته ،ويربطها لتنشد
عليه ،وإن خشـي من خروج شـيء فله أن ياعل بين إليتيه قطنًا ليرد ما يخرج عند
تحريكه وتقليبه ،وقد قال هبذا طائفة من السلف ،منهم :عطاء ،والحسن،
وإسحاق ،والشافعي ،وأحمد رحمهم اهلل.
ثم يلف الكفن ،وياعل أكثر الفاضل من الكفن عند رأسه.
ثم يعقدها ويربطها لئال تنتشـر ،فإذا أدخل القرب حلوا العقد؛ لقول ابن مسعود
ﭬ« :إذا أدخلتم الميت فحلوا العقد»(.)1
ولو جعل مع الكفن قميصًا ُيلبس جاز؛ لما روى البخاري« :أن رسول اهلل ﷺ
ألبس عبداهلل بن ُأبي قميصه لما مات»(.)2
هذه ِفة تكفين الرجل والمرأة.
( )1ذكره ِاحب الروض المربع ( ،)13/3وقال :رواه األثرم .وروي عند أبي داود يف المراسـيل (،)412
والبيهقي ( .)511/3وضعفه األلباين يف السلسلة الضعيفة (.)1163
( )2رواه البخاري ( ،)4610ومسلم ( )2400من حديث عبداهلل بن عمر ﭭ.
624
695 ني امليتِ
ل يف تَكف ِ
فَصْ ٌ
َ َِ َ ُْ َ َ َ ُ َ
قوهل( :واألنَث :يف مخس ِة أثواب بِيض ،مِن قطن؛ إزار ،ومخار ،وق ِميص،
َ ََ
ي.ول ِفاف َ ِ
ت
َ ََ َ ه َُ َ َ َُ ُ ه
ي).
ِب :يف ثوب ،ويباح :يف ثالثة .والص ِغرية :يف ق ِميص ول ِفافت ِ والص ُّ
ِ
المرأة يستحب تكفينها بخمسة أثواب ،فتزيد على الرجل بثوبين؛ ألنه أسرت
لها؛ لحديث ليلى الثقفية يف تكفين ابنة النبي ﷺ« :يف خمسة أثواب» ،وهو
ضعيف.
َ َ َُ ُ
(ويباح :يف ثالثة) :كالرجل؛ ألن الرسول ﷺ كفن يف ثالثة أثواب.
َ ُ َُ ْ َ ُ ْ َ ُ ُ َ ْ قوهل( :ويُ َ
ي بشعر ،وصوف ،وم َزعفر ،ومعصفر ،ومنقوش). كرهُ :اتلهك ِف
يف حق الرجال والنساء؛ ألنه لم ينقل عن الرسول ﷺ ،والصحابة ،والتابعين
لهم بإحسان.
ُُ ْ
ِبدل).قوهل( :وَيرمِ ِ :
فيحرم التكفين بالالود؛ لما روى أبو داود عن ابن ع ّباس ﭭ َق َالَ « :أ َم َر
ول اهللِ ﷺ بِ َق ْت َلى ُأ ُح ُد َأ ْن ُين َْز َع َعنْ ُه ُم ا ْل َح ِديدُ َوا ْل ُا ُلو ُدَ ،و َأ ْن ُيدْ َفنُوا بِ ِد َمائِ ِه ْم َر ُس ُ
َوثِ َيابِ ِه ْم»(.)1
ُ َ ه َ
قوهل( :وح ِرير ،ومذهب).
ويحرم تكفين الرجال بكفن من حرير أو مذهب.
وأما النساء فينهى عنه؛ لما فيه من المباهاة واإلسـراف ،وألنه خالف عمل
السلف.
625
كـتـاب الـجـنائـز 696
626
697 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
جماعة ،وال ذكورية ،وفرض الكفاية هنا يسقط بواحد بشـرأ كونه مكلفًا؛ ألن
الصالة على الانازة فرض ،والفرض ال يقوم به إال المكلف.
َ ُْ
َ
الع َ َ َ ُ ُ هُ ُ ُ ُ َ ٌَ
ورة ِ.ورشوطها ثمانِية :انلية .واتلهلكِيف .واستِقبال ال ِقبلةِ .وسَّت قوهل( :
ُ َ ِّ
ُ ََ َ ُ ُ ُ َ ِّ َ ُ ه َ َ
المصيل ت ،إن اكن بابلدلِ .وإسالم واجتِناب انلجاسةِ .وحضور المي ِ
ُ ْ
َّتاب ل ِعذر). ار ُت ُهما ،ولَو ب ُ َ
وط َه َ
َ
. ه
ِ ي
ُ َ ه َ
والمصىل عل
ِ ُ ُ ُ َ ٌَ
(ورشوطها ثمانِية) :لصحة الصالة على الانازة ثمانية شـروأ:
هُ
(انلية) :أن ينوي ِالة الانازة؛ ألهنا عبادة ،فال تصح إال هبا.
ُ
(واتلهلكِيف) :وغير المكلف تصح منه ،وال يسقط به الفرض.
َ َ َ ُ َ ُْ َ
الع َ َ َ ُ
ورة ِ .واجتِناب انلهجاس ِة) :ألهنا من الصلوات، (واستِقبال ال ِقبلةِ .وسَّت
فتأخذ حكمها يف اشرتاأ ذلك.
َ ََ ُ ُ ُ َ ِّ
دل) :ألنه ال ِالة بدون ميت ،ولم ينقل أن رسول ت ،إن اكن بابل ِ(وحضور المي ِ
ﷺ ِلى على ميت حاضـر يف البلد إال والانازة بين يديه.
َ ََ
ليستثن اشرتاأ ذلك لمن كان غائبًا ،فالمذهب والشافعية ِ دل):
بابل ِ (إن اكن
يرون ِحة الصالة على الغائب مطلقًا على كل مسلمُِ ،لي عليه أم ال.
واستدلوا« :بصالة رسول اهلل ﷺ على النااشـي».
وقيل :ال تشـرع مطلقًا :وهذا مذهب الحنفية ،والمالكية.
خلق كثير من الصحابة ﭫ خارج المدينة ،ولم ينقل أن
واستدلوا :بأنه مات ٌ
رسول اهلل ﷺ ِلى عليهم.
وأيضًا :لم يصل المسلمون خارج المدينة على رسول اهلل ﷺ ،وال الخلفاء
الراشدون ﭫ.
وقيل :إن كان من أهل الفضل واألثر يف المسلمين ،كأهل العلم الكبار،
والخلفاء ،ونحوهم ِلى عليه ،وإال فال(.)1
621
كـتـاب الـجـنائـز 698
والراجح :التفصـيل وبه تاتمع األدلة :وهو أنه ال يصلى على الغائب إال إذا
كان لم يصل عليه؛ ألن الصالة على الانازة عبادة ،وهي توقيفية ،ولم يحفظ عن
رسول اهلل ﷺ ِالة الغائب إال على النااشـي؛ ألنه مات بين أمة مشـركة ،وهم
ليسوا من أهل الصالة على الميت ،ومن كان منهم أسلم ،فال يعرف كيفية الصالة
على الميت ،فلذا ِلى عليه النبي ﷺ ،وقد مات جملة من الصحابة من أهل
الفضل ولم ينقل أن رسول اهلل ﷺ أو الخلفاء الراشدون ﭫ ِلوا عليهم ،وهذا
اختيار شـيخ اإلسالم ،وابن القيم ،وشـيخنا ابن عثيمين(.)1
ُ ُ َ ِّ
(وإسالم المصيل) :فال تصح ِالة الكافر؛ ألن عباداته مردودة ،كما قال
تعالى﴿ :ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾.
ُ َ ه َ
(والمصىل علي ِه) :ألن الصالة على الكافر ال تاوز؛ لقوله تعالى﴿ :ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾،
وقال اهلل تعالى﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ﴾.
ومن حكمنا بكفره من أهل البدع فال تاوز الصالة عليه(.)2
َّتاب ل ِعذر) :فال تصح ِالة الانازة إال بطهارة؛ لقوله ﷺ:
ُ ْ ار ُت ُهما ،ولَو ب ُ َ وط َه َ
َ
(
ِ
ث َحتاى َيت ََو اض َأ» [متفق عليه](.)3 اهلل َِالَ َة َأ َح ِد ُك ْم إِ َذا َأ ْحدَ َ
ال َي ْق َب ُل ُ
« َ
َ َُ َُ َ ه َ ُ َ َ َ ُ َ ُ َ ٌََ
الفاحتَةِ.
ِ ريات األربع .وق ِراءة رضها .واتلكبِ قوهل( :وأرَكنها سبعة :ال ِقيام يف ف ِ
لكن :ال َي َت ه ُ
ْ ه
والَّتت ُ ه ُ َ ِّ ُّ َ َُه ه ُ
عي ِيب. وادلاع ُء للميت .والسالم. والصالة ىلع ُممد.
َُ ُ َ َ ه َ ه َ َ ُ ُّ َ
الرابِع ِة). اثلةِ ،بل َيوز بعد ادلاعءِ يف اثل ِ كون
َ ُ َ ٌََ
(وأرَكنها سبعة) :ال تصح بدوهنا.
( )1المغني ( ،)436/3زاد المعاد ( ،)501/1الشـرح الممتع ( ،)436/5الروض المربع (.)101/3
( )2الكايف البن قدامة ،366/1الموسوعة الفقهية الكويتية (.)31/16
( )3سبق تخرياه ص(.)214
626
699 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
َ ُ َ َ
رضها) :أي القيام مع القدرة يف فرضها ،وهي الصالة األولى عليه، (ال ِقيام يف ف ِ
وأما الثانية فهي نافلة ،فأشبهت النوافل يف جوازها قاعد ًا.
ه َ ُ َ َُ
(واتلكبِريات األربع) :فال تاز بأقل من أربع تكبيرات؛ ألنه لم يثبت أن
رسول اهلل ﷺ أنقص عن أربع ،وقد قال ﷺَ « :م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو
َر ٌّد» [متفق عليه]( ،)1وأما الزيادة على أربع فاائز؛ لثبوهتا عنه ﷺ.
َ َُ
ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ الفاحتَ ِة) :كسائر الصلوات؛ لعموم قوله ﷺَ « : ِ (وق ِراءة
آن َف ِه َي َاب» [متفق عليه]( ،)2وقال« :من ِ الى ِ َال ًة َلم ي ْقر ْأ فِيها بِ ُأم ا ْل ُقر ِ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ
ْ ْ َ َ َ َ َ ْ َ
اج َ -ث َال ًثاَ -غ ْي ُر َت َما ُم» [رواه مسلم](.)3 ِ
خدَ ٌ
َاب، وروى البخاري أن ابن عباس ﭭ ِلى َع َلى َجن ََاز ُة َف َق َر َأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ
و َق َال« :لِي ْع َل ُموا َأن َاها ُسنا ٌة»( ،)4وهو قول الشافعي ،وأحمد ،وإسحاق.
السنا ُة فِي وتقرأ سـر ًا ال جهر ًا؛ لما روى النسائي عن أبي أمامة ﭬ قالُّ « :
الص َال ِة َع َلى ا ْلان ََاز ِة َأ ْن ي ْقر َأ فِي ال ات ْكبِير ِة ْاألُو َلى ب ِ ُأم ا ْل ُقر ِ
آن ُم َخا َف َت ًة»(.)5 ْ َ َ َ َ ا
َُه ه ُ
(والصالة ىلع ُممد) :وقال بركنيتها يف ِالة الانازة وتوقف ِحة الصالة
الشافعي ،وأحمد فِي المشهور من مذهبهما. عليهاّ :
ودليلهم :أنه وارد عن الرسول ﷺ والصحابة فعله ،فروى الحاكم وِححه
الص َال ِة ِ
السنا َة في ا رجل من أِحاب النّبي ﷺَ « :أ ان ُّ عن أبي أمامة بن سه ُل أنّه أخربه ٌ
َاب َب ْعدَ ال ات ْكبِ َير ِة ْاألُو َلى سـرا فِي اإل َما ُمُ ،ث ام َي ْق َر َأ بِ َفاتِ َح ِة ا ْلكِت ِ
َع َلى ا ْل َان ََاز ِة َأ ْن ُي َكبر ْ ِ
َ
اتَ ،و َال َي ْق َر ُأ فِيَن ْف ِس ِهُ ،ثم يصلي َع َلى النابِي ﷺ ،وي ْخلِص الدُّ َعاء ل ِ ْلان ََاز ِة فِي ال ات ْكبِير ِ
َ َ َ َُ َ ا ُ َ َ
( )1سبق تخرياه ص(.)215
( )2سبق تخرياه ص(.)326
( )3سبق تخرياه ص(.)326
( )4رواه البخاري (.)1335
( )5رواه النسائي ( )1262من حديث أبي أمامة بن سهل ﭬ .وِححه النووي يف الماموع (،)233/5
واأللباين يف أحكام الانائز ص ( .)111وانظر :الماموع (.)232/5
622
كـتـاب الـجـنائـز 700
ُ
شـيء مِنْ ُه انُ ،ث ام ُي َسل َم سـرا فِي َن ْف ِس ِه»( .)1وأي نوع من الصالة على الرسول ﷺ
ياز ،واألولى أن يص ّلي عليه ﷺ يف الانازة كما يص ّلي عليه يف الت ّ
ّشهد؛ ألن
الصالة عليه(.)3()2
النّبي ﷺ علم ذلك أِحابه لما سألوه عن كيفية ّ
َ ِّ ُّ َ
وادلاع ُء للميت) :لفعله ﷺ ،ونقل فيه ما لم ينقل يف القراءة ،وألمره بقوله: (
«إِ َذا ِ الي ُتم َع َلى ا ْلمي ِ
ت َف َأ ْخلِ ُصوا َل ُه الدُّ َعا َء»( ،)4وهذا يشمل إخالص الدعاء َ َ ْ ْ
للميت ،واإلخالص هلل يف السؤال.
وقال النووي« :الدعاء واجب يف الثالثة بال خالف»(.)5
ويراعي ما ثبت عن رسول اهلل ﷺ ،فهو أكمل ،وإن دعا بغيره جاز.
ه ُ
(والسالم) :ألنه ﷺ كان يسلم يف ِالة الانائز ،وقالِ« :لوا كما رأيتموين
ِ ِ
أِلي» ،وقال يف الصالةَ « :و َت ْحلي ُل َها الت ْاسل ُ
يم» [رواه أبو داود ،والرتمذي](.)7 ()6
والسنة أن تكون تسليمة واحدة :هذا المنقول عن رسول اهلل ﷺ ،وبه قال
ول ﷺ َِ الى َع َلى ِجن ََاز ُة َف َك اب َر َع َل ْي َها َأ ْر َب ًعا، الامهور ،ف َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬَ « :أ ان َر ُس َ
ان ََاز ِة»(.)8 وس الم َتسلِيم ًة التاسلِيم ُة ا ْلو ِ
احدَ ُة َع َلى ا ْل ِ ْ َ َ َ َ َ ْ َ
( )1رواه الشافعي يف مسنده (( )561ترتيب السندي) ،والحاكم ( ،)512/1والبيهقي ( )64/4من حديث أبي
أمامة أنه أخربه رجل من أِحاب النبي ﷺ ،فذكره .وِححه الحاكم ،واأللباين يف اإلرواء (.)134
( )2كما يف حديث كعب بن عارة ﭬ :رواه البخاري ( ،)3310ومسلم (.)406
( )3جالء األفهام ص (.)364
( )4رواه أبو داود ( ،)3122وابن ماجه ( )1421من حديث أبي هريرة ﭬ .وِححه ابن حبان (،)3016
وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)132
( )5الماموع (.)236/5
( )6سبق تخرياه ص(.)341
( )1سبق تخرياه ص(.)30
( )6رواه الحاكم ( ،)513/1والبيهقي يف السنن ( )10/4من حديث أبي هريرة ﭬ .قال الحاكم« :قد
ِحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب ،وعبداهلل بن عمر ،وعبداهلل بن عباس ،وجابر بن عبداهلل بن أبي
أوىف ،وأبي هريرة أهنم كانوا يسلمون على الانازة تسليمة واحدة» ،وحسنه األلباين يف أحكام الانائز ص
(.)122
100
701 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
قيل لإلمام أحمد :أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يسلم على الانازة
تسليمتين؟ قال« :ال ،ولكن عن ستة من أِحاب النبي ﷺ أهنم كانوا يسلمون
تسليمة واحدة خفيفة عن يمينه»(.)1
وقواهوجود إسناده النوويّ ، ّ وياوز أن ُيسلم اثنتان؛ لما روى الطرباين،
ول اهللِ ﷺ َي ْف َع ُل ُه انَ ،ت َر َك ُه ان الهيثمي عن ابن مسعود ﭬ قالِ « :خ َال ٌل ك َ
َان َر ُس ُ
الص َال ِة»( ،)2كما هو ِِ ِ ِ ِ
اإل َما ِم في ا ْل َان ََازة م ْث َل َت ْسلِيمه في ا
ِ ااس ،إِ ْحدَ ُاه انَ :تسلِيم ْ ِ
ْ ُ الن ُ
مذهب أبي حنيفة(.)3
ه
والَّتت ُ
ِيب) :بين األركان ،فال ُي َقدم ركنًا على اآلخر. (
ُ ُ َ َ ه َ َ ه َ ُ ُّ َ َ لكن :ال َي َت ه ُ
ْ
الرابِع ِة) :فالسنة الدعاء اثلةِ ،بل َيوز بعد ادلاعءِ يف اثل ِ عي كون (
بعد التكبيرة الثالثة ،وياوز أن يدعوا بعد الرابعة؛ لما روى ابن ماجه عن ابن أبي
اهلل َأ ْن
ول َما َشا َء ُ ول اهللِ ﷺ ك َ
َان ُي َكب ُر َأ ْر َب ًعاُ ،ث ام َي ْم ُك ُث َسا َعةًَ ،ف َي ُق ُ أوىف ﭬ« :أن َر ُس َ
َي ُق َ
ولُ ،ث ام ُي َسل ُم»(.)4
َ
َ َ ُ ه ُ َ ِّ َ َ َ َ َ َ ُ ه ُ َ َُ
َب ،ويُ َص ِّ َ
يل ىلع ك ِّ َ احتة .ثم ي نوي .ثم يكَب ،ويقرأ الف ِ ِ وصفتها :أن ي قوهلِ ( :
ه ُ ه َ ُ هُ َ َ ُّ ُ ه ُ َ ِّ َ َ ُ َ َ ِّ َُه َ
حو« :اللهم ارمحه» .ثم ت َبن َ ُ ِ
ُممد ،ك ِِف التشه ِد .ثم يكَب ُ ،ويدعو للمي ِ
ُ
َ َ ه
ورمحة اَّلل»). حدة ،ولو لم يقل« :
ٌَ ُ ك ِّ َ َ َ َ ً ُ َ ِّ َ ُ َ
َب ،وي ِقف قلِيال ،ويسلم .وجت ِزئ وا ِ ي
أي الصالة على الانازة.
َ
نو َي) :الصالة على الانازة ،وتقدم أنه شـرأ. (أن ي ِ
ُه ُ َ
ك ِّ َ
َب) :وهي تكبيرة اإلحرام لهذه الصالة ،ويرفع يديه يف التكبيرة األولى ( ثم ي
101
كـتـاب الـجـنائـز 702
وقياسًا على الصالة المفروضة ،حيث يشـرع فيها رفع اليدين يف كل تكبيرة
وهو قائم ،فقاسوه عليه لما كانت التكبيرات حال القيام.
ولم يثبت رفع اليدين يف تكبير الانازة عن رسول اهلل ﷺ ،وما روي عنه فسنده
ضعيف ،كما بين علته الدارقطني ،وابن حار ،واأللباين.
وقال بالرفع يف تكبيرات ِالة الانازة أكثر العلماء ،قال الرتمذيَ « :ر َأى َأ ْك َث ُر
الر ُج ُل َيدَ ْي ِه فِي ُكل َت ْكبِ َير ُة ِ
اب النابِي ﷺ َو َغ ْي ِره ْمَ :أ ْن َي ْر َف َع ا الع ْل ِم مِ ْن َأ ِْ َح ِ َأ ْه ِل ِ
اق»(.)6الشافِ ِعيَ ،و َأ ْح َمدَ َ ،وإِ ْس َح َ
الم َب َار ِلَ ،و ا ِ
الان ََازةَ ،و ُه َو َق ْو ُل ا ْب ِن ُ
َع َلى َ
واألولى أن يضع يديه على ِدره ،ويقبض يده اليسـرى باليمنى على ِدره؛
لألحاديث العامة ،فإهنا تشمل الانازة وغيرها ،كما روى البخاري َع ْن َس ْه ِل ْب ِن
اع ِهون َأ ْن ي َضع الرج ُل اليدَ اليمنَى َع َلى ِذر ِ
َ َ ُْ َ َ ا ُ ااس ُي ْؤ َم ُر َ
َان الن ُ َس ْع ُد ﭬ َق َال« :ك َ
102
703 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
103
كـتـاب الـجـنائـز 704
ويراعي ما ثبت عن رسول اهلل ﷺ ،فهو أكمل ،وإن دعا بغيره جاز ،ومن دعائه
ف َعنْ ُه َو َأك ِْر ْم ُن ُز َل ُهَ ،و َوس ْع ُمدْ َخ َل ُهَ ،وا ْغ ِس ْل ُه ﷺ« :ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر َل ُه َو ْار َح ْم ُهَ ،و َعافِ ِه َوا َع ُ
سَ ،و َأبْ ِد ْل ُه اء َوال اث ْلجِ َوا ْل َب َر ِدَ ،ونَق ِه مِ َن ا ْل َخ َطا َيا ك ََما ُينَ اقى ال اث ْو ُب ْاألَ ْب َي ُض مِ َن الدا َن ِ بِا ْلم ِ
َ
َد ًارا َخ ْي ًرا مِ ْن َد ِار ِهَ ،و َأ ْه ًال َخ ْي ًرا مِ ْن َأ ْهلِ ِهَ ،و َز ْو ًجا َخ ْي ًرا مِ ْن َز ْو ِج ِهَ ،و َأ ْد ِخ ْل ُه ا ْل َاناةَ،
اب الن ِاار» [رواه مسلم](.)1 اب ا ْل َق ْب ِر َومِ ْن َع َذ ِ َو َأ ِع ْذ ُه مِ ْن َع َذ ِ
اه ِدنَا وقول« :ال الهم ا ْغ ِفر لِحينَا وميتِنَا ،وِ ِغ ِيرنَا و َكبِ ِيرنَا ،و َذك َِرنَا و ُأ ْن َثانَا ،و َش ِ
َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ا
اإليمانِ، ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َو َغائبِنَا ،ال ال ُه ام َم ْن َأ ْح َي ْي َت ُه مناا َف َأ ْحيِه َع َلى ْاإل ْس َالمَِ ،و َم ْن َت َو اف ْي َت ُه مناا َفت ََو اف ُه َع َلى ْ َ
ال ال ُه ام َال َت ْح ِر ْمنَا َأ ْج َر ُهَ ،و َال َت ْفتِناا َب ْعدَ ُه» [رواه األربعة ،وِححه الحاكم ،وابن حبان](.)2
وقول« :ال ال ُه ام إِ ان ُف َال َن ْب َن ُف َال ُن فِي ِذ امتِ َك َو َح ْب ِل ِج َو ِار َلَ ،ف ِق ِه مِ ْن فِ ْتن َِة ا ْل َق ْب ِر َومِ ْن
اء وا ْلحقَ ،فا ْغ ِفر َله وارحمه إِن َاك َأن َْت ا ْل َغ ُفور ِ ِ
يم» الرح ُ ُ ا ْ ُ َ ْ َ ْ ُ اب الن ِاارَ ،ف َأن َْت َأ ْه ُل ا ْل َو َف َ َ َع َذ ِ
[رواه أبوداود ،وِححه ابن حبان](.)3
وقول« :ال ال ُه ام َأن َْت َر ُّب َهاَ ،و َأن َْت َخ َل ْق َت َهاَ ،و َأن َْت َر َز ْقت ََهاَ ،و َأن َْت َهدَ ْي َت َها ل ِ ْإلِ ْس َالمِ،
سـرها َو َع َالن ِ َيت ََهاِ ،ج ْئنَا ُش َف َعا َء َفا ْغ ِف ْر َل َها» [رواه أبوداود](.)4َ َو َأن َْت َق َب ْض َت ُر َ
وح َهاَ ،و َت ْع َل ُم
ُ ه ُ َ ِّ َ َ َ َ ً
(ثم يكَب ،وي ِقف قلِيال) :أي ثم يكرب الرابعة ،ويبقى قليالً ،ويسلم ،وإن شاء
سكت بين التكبيرة الرابعة والسالم ،وهذا الذي يفهم من األحاديث ،وإن شاء دعا
ول اهللِ ﷺ ك َ
َان ُي َكب ُر للميت؛ لما روى ابن ماجه عن ابن أبي أوىف ﭬ« :أن َر ُس َ
104
705 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
105
كـتـاب الـجـنائـز 706
106
707 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
مسألة :تاوز الصالة على الميت جماعة وفرادى بال خالف ،والسنة أن تصلى
جماعة؛ لألحاديث المشهورة يف الصحيح يف ذلك مع إجماع المسلمين ،واألفضل
أن ال يقل العدد عن أربعين؛ لقوله ﷺَ « :ما مِ ْن َر ُج ُل ُم ْسلِ ُم َي ُم ُ
وتَ ،ف َي ُقو ُم َع َلى
( )1رواه الرتمذي ( ،)1036والبيهقي ( .)60/4وقال« :وهو مرسل ِحيح» ،وضعفه األلباين يف اإلرواء
( .)131وانظر :سنن الرتمذي (.)346/3
( )2زاد المعاد ( ،)423/1إعالم الموقعين ( ،)200/4فتح الباري (.)210/3
( )3رواه البخاري ( ،)1331ومسلم (.)264
( )4رواه الرتمذي ( ،)1034وأبو داود ( ،)3124وابن ماجه ( .)1424وحسنه الرتمذي ،وِححه ابن الملقن
يف البدر المنير ( ،)251/5واأللباين يف أحكام الانائز ص (.)102
101
كـتـاب الـجـنائـز 708
يه» [رواه مسلم]( ،)1وكلما ون بِاهللِ شـي ًئا ،إِ اال َش افعهم اهلل فِ ِ ون َر ُج ًالَ ،ال ُيشـر ُك َ َجن ََازتِ ِه َأ ْر َب ُع َ
َُ ُ ُ
تكثر العدد فهو أولى ليكثر الداعون له والمرتحمون عليه؛ لقوله ﷺ« :ما مِن مي ُ
َ ْ َ
ِ ون مِا َئةًُ ،ك ُّل ُه ْم َي ْش َف ُع َ
ون َل ُه ،إ ِ اال ُشف ُعوا فيه» [رواه ُت َصلي َع َل ْي ِه ُأ ام ٌة مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َي ْب ُل ُغ َ
مسلم](.)2
مسألة :األفضل أال تقل الصفوف وراء اإلمام يف الانازة عن ثالثة ِفوف؛
وف مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن ،إ ِ اال
وت َفيصلي َع َلي ِه َث َال َث ُة ِ ُف ُ
ُ ْ
ِ
لقوله ﷺَ « :ما م ْن ُم ْسلِ ُم َي ُم ُ ُ َ
استقل أهل الانازة جزأهم ثالثة ّ ب» ،وكان مالك بن هبيرة -الراوي -إذا َأ ْو َج َ
ُ
ِفوف للحديث(.)3
راتب ُقدم على
ٌ إمام
مسألة :األحق باإلمامة هو األحق بالصالة ،فإن وجد ٌ
غيره ،وإال روعي الرتتيب يف حديث أبي مسعود ﭬ(.)4
مسألة :إذا اجتمع أكثر من جنازة ِلى عليهم جميعًا ِالة واحدة ،وياعل
الذكور مما يلي اإلمام ،واإلناث مما يلي القبلة ،وِ ّلى ابن عمر على تسع جنائز
جمي ًعا« :فاعل الرجال يلون اإلمام ،والنّساء يلين القبلة ،فص ّف ّ
هن ِفا واحدً ا،...
ُ
سعيد ،وأبو قتادة« :هي السنّة»(.)5 ُ
عباس ،وأبو هريرة ،وأبو فقال ابن
مسألة :تاوز الصالة على الانازة يف المساد من غير كراهة ،كما « َِ الى
ا ِد» [رواه مسلم](.)6 ول اهللِ ﷺ َع َلى سهي ِل اب ِن بي َضاء فِي جو ِ
ف ا ْلمس ِ َر ُس ُ
َ ْ َ ْ ُ َ ْ ْ َْ َ
106
709 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
واألفضل الصالة عليها خارج المساد ،كما كان غالب هدي النبي ﷺ.
مسألة :من فاته بعض التكبيرات يف ِالة الانازة ،دخل مع اإلمام على أي
ِفة كان؛ لعموم قوله ﷺَ « :ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلواَ ،و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا» [متفق عليه](.)1
وإذا كان مسبوقًا :فظاهر المذهب أنه يتابع اإلمام ،فلو دخل يف الثالثة يدعو
للميت؛ ألن الدعاء للانازة يخشـى فواته برفعها ،وهذا اجتهاد ،وال نص يف
المسألة ،ورجحه شـيخنا ابن عثيمين(.)2
واألظهر :أنه يعترب ما أدركه من التكبيرات أول الصالة له ،فيقرأ الفاتحة لو
أدرل اإلمام يف الثانية؛ لعموم قوله ﷺَ « :ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلواَ ،و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا»،
ولو رفعت الانازة فيكمل الصالة ،ويدعوا للميت ،ولو كانت مرفوعة ،ويثبت
تبعًا ما ال يثبت استقال ً
ال ،والدعاء يصل ولو كانت الانازة مرفوعة.
مسألة :إذا سلم إمامه ،فيقضـي ما فاته ،وهذا مذهب الحنابلة ،والشافعية.
فإذا خشـي رفع الانازة ،فهل يتابع التكبيرات ،ولو رفعت الانازة؟
المذهب :أنه يواليها ،ولو من غير ذكر وال دعاء؛ ألن الفرض سقط بصالة
اإلمام ،فما بعد ِالة اإلمام يعترب نافلة ،والنافلة ياوز قطعها(.)3
بمقدار ولو يسـير من الدعاء والصالة على النبي ﷺ ُ واألولى يف هذا أن يأيت
يف موضعه ،ويخففه؛ لعموم قوله ﷺَ « :ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلواَ ،و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا»،
والقضاء يحكي األداء ،ولم ينقل نص خاص يف المسألة ،فنبقى على عموم
الحديث أنه يتمها على ِفتها ،وكون الانازة ترفع بعد شـروعه يف الصالة عليها ال
ال ،وقد افتتح الصالة والانازة حاضـرة،يضـر؛ ألنه يثبت تبعًا ما ال يثبت استقال ً
فيكملها على ِفتها الشـرعية ولو رفعت ،هذا األولى ،واهلل أعلم.
102
كـتـاب الـجـنائـز 710
مسألة :تاوز الصالة على الانازة أوقات النهي؛ ألهنا من ذوات األسباب.
مسألة :ياوز إعالم الناس بوفاة أحد إذا لم يكن على وجه المفاخرة ،كأن
يخرب أقاربه ،أو جماعة مساده ،وجيرانه ،وبه قال جمهور العلماء؛ لما يف
ات فِ ِ
يه، ول اهللِ ﷺ َن َعى لِلن ِ
ااس الن َاااشـي فِي ا ْل َي ْو ِم ا ال ِذي َم َ الصحيحينَ « :أ ان َر ُس َ
َف َخرج بِ ِهم إِ َلى ا ْلمص الى ،و َكبر َأربع َت ْكبِير ُ
ات»(.)1 َ َ اَ ْ َ َ ُ َ َ َ ْ
ويف البخاري أن رسول اهلل ﷺ أخرب بموت زيد بن حارثة ،وجعفر ،وعبداهلل
ابن رواحة ﭫ حين قتلوا يف مؤتة ،وهو قائم على المنرب ،فقالَ « :أ َخ َذ ا
الرا َي َة َز ْيدٌ
اح َة َف ُأ ِ ِـيبُ ،ث ام َأ َخ َذ َها َج ْع َف ٌر َف ُأَف ُأ
ِـيب»(.)2
َ ِـيبُ ،ث ام َأ َخ َذ َها َع ْبدُ اهلل ْب ُن َر َو َ
َ َ
ويف الصحيحين من حديث أبي هريرة ﭬ :أن رسول اهلل ﷺ حين ُأخرب
بموت المرأة السوداء ،أو الشاب الذي كان يقم المساد قال« :أال آذنتموين»(.)3
فهذا يدل على أن مارد اإلعالم بالموت ليس نعيًا محرمًا ،وإن كان باعتبار
اللغة يصدق عليه اسم النعي ،لكن ليس كل نعي وإخبار منهي عنه ،وإنما الذي
ينهى عنه ما كان فيه نياحة ،أو مفاخرة ،أو ما كان على ِفة نعي الااهلية جمعًا
بين األخبار.
فيؤخذ من ماموع األحاديث أن النعي واإلعالم بالموت له ثالث حاالت:
األولى :إعالم األهل واألِحاب ،فهذا ثابت يف السنة ،وعليه يحمل ما ورد
عن رسول اهلل ﷺ ،وأخرج سعيد بن منصور عن ابن سـيرين أنه قال« :ال أعلم
بأسًا أن يؤذن الرجل ِديقه وحميمه» ،وقال النخعي« :ال بأس أن يعلم الرجل
قرابته»(.)4
110
711 ل يف الصالةِ على امليتِ
فَصْ ٌ
الثانية :اإلعالم العام فهذا مكروه ،ولم يكن عليه عمل الصحابة ،وقد روى
الرتمذي وقال غريب عن ابن مسعود ﭬ ،عن النابِي ﷺ قال« :إِ ايا ُك ْم َوالنا ْع َيَ ،فإ ِ ان
ان بِالمي ِ ِ ِِ ِ ِ
ت(.)1 الااهل اية» َق َال َع ْبدُ اهللَ :والنا ْع ُيَ :أ َذ ٌ َ
النا ْع َي م ْن َع َم ِل َ
وروى الرتمذي وحسنه عن حذيفة ﭬ قال« :إِ َذا مِ ُّت َف َال ُت ْؤ ِذنُوا بِي ،إِني
ول اهللِ ﷺ َين َْهى َع ِن النا ْع ِي»(.)2 ون َن ْع ًياَ ،فإِني َس ِم ْع ُت َر ُس َ
اف َأ ْن َي ُك َ
َأ َخ ُ
الثالثة :اإلعالم الذي يصحبه نياحة أو مفاخرة ،وهذا محرم ،ويدخل يف النهي
يف األحاديث السابقة.
فإخبار األقارب واألِحاب بموت قريبهم جائز ،لكن ال ينبغي أن يتوسع يف
ذلك ،فينادى يف المساجد أن فالنًا مات ،أو يكتب يف الارائد ،فهذا مكروه ،ولم
يكن من هدي السلف ،ولو كان خير ًا لسبقونا إليه ،وهو جدير بما قال الرتمذي:
«وقد كره بعض أهل العلم النعي ،والنعي عندهم أن ينادى يف الناس أن فالنًا مات
ليشهدوا جنازته»(.)3
مسألة :جاء يف فضل الصالة على الانازة أحاديث ،منها:
اأَ ،و َم ْن َش ِهدَ َها َحتاى ُتدْ َف َن َف َل ُه « َم ْن َش ِهدَ ا ْل َان ََاز َة َحتاى ُي َص الى َع َل ْي َها َف َل ُه قِ َير ٌ
يم ْي ِن» وكان ابن عمر ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ق َيرا َطان ،ق َيلَ :و َما ا ْلق َيرا َطان؟ َق َال« :م ْث ُل ا ْلاـَ َب َل ْي ِن ا ْل َعظ َ
يطيص ّلي عليها ثم ينصـرف ،فلما بلغه حديث أبي هريرة ،قالَ « :ل َقدْ ضـي ْعنَا َق َر ِار َ
كَثِ َير ًة» [متفق عليه](.)4
َان َم َع ُه َحتاى ُي َص الى َع َل ْي َهااحتِ َسا ًباَ ،وك َ يمانًا َو ْ ِ
وللبخاريَ « :م ْن َتبِ َع َجن ََاز َة ُم ْسل ُم إِ َ
( )1رواه الرتمذي ( )264من حديث ابن مسعود ﭬ وقال« :حديث غريب» ،وقال الدارقطني يف العلل
(« :)166/5والصحيح من قول عبداهلل».
( )2رواه الرتمذي ( ،)266وابن ماجه ( ،)1416وأحمد ( .)23455وحسنه الرتمذي ،وابن حار يف الفتح
(.)111/3
( )3فتح الباري (.)116/3
( )4رواه البخاري ( ،)1325ومسلم ( )245من حديث أبي هريرة ﭬ.
111
كـتـاب الـجـنائـز 712
اأ مِ ْث ُل ُأ ُح ُد»(.)1
وي ْفر َغ مِن د ْفنِهاَ ،فإِ انه ير ِجع بِ ِقيرا َطي ِنُ ،ك ُّل قِير ُ
َ ُ َْ ُ َ ْ ْ َ َ َُ َ
فالقيراأ األول :يحصل بالصالة عليها.
والقيراأ ال ّثاين :ال يحصل ّإال بالفراغ من إهالة التّراب؛ لقوله ﷺَ « :و َم ْن
ان» ،وال يلزم أن يدفن معهم. َش ِهدَ َها حتاى ُتدْ َفن َف َله قِيرا َط ِ
َ ُ َ َ
وا ْل ِق َيراأ :مقدار من ال ّثواب معلوم عند ال ّله تعالى ،وعند أبي داودَ « :ف َل ُه
انَ ،أ ِْ َغ ُر ُه َما مِ ْث ُل ُأ ُح ُد َ -أ ْو َأ َحدُ ُه َما مِ ْث ُل ُأ ُح ُد ،)2(»-وال يلزم من هذا أن يكون
قِيرا َط ِ
َ
هذا هو القيراأ المذكور فيمن اقتنى كل ًبا غير مأذون فيه ،فياوز أن يكون مثل هذا،
ّ
وأقل ،وأكثر .واهلل أعلم.
112
713 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
ذكر هنا حمل الميت ،ودفنه ،وِفته ،وما يتبع ذلك من أحكام.
َُُْ َ ُُ َ ُ َ َ
قوهل( :ومحله ،ودفنه :فرض ك ِفاية).
دفن الميت من الواجبات؛ إذ هو سنة المسلمين الثابتة بالكتاب والسنة أن
يوارى الميت ،كقوله تعالى﴿ :ﮣ ﮤ ﮥ﴾ ،وقوله تعالى﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾.
وال يمكن الدفن إال بالحمل ،وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ،فتبين هبذا
أن حمل الميت ودفنه من فروض الكفايات التي إذا قام هبا البعض سقط الطلب
واإلثم عن الباقين.
والسنة دلت على دفن الكافر إذا مات بين أظهر المسلمين ،وأن ال ترتل جيفته
على ظهر األرض ،كما« :أمر النبي ﷺ يوم بدر بأربعة وعشـرين من ِناديد قريش،
فألقوا يف بئر من آبار بدر»(« ،)1وأمر عليًا أن يواري والده أبا طالب لما مات»(.)2
َ وادل ْف ُن ،واتلهكف ُ
مل ،هْ َ ُ ُ َ ُ ُ
ي ،بالاكف ِِر). ِ قوهل( :لكن :يسقط احل
فلو قام كافر بحمل الميت ودفنه أجزأ؛ ألن فاعلها ال يختص بكونه من أهل
القربة ،بخالف التغسـيل والصالة عليه فياب كونه من أهل القربة.
َ َ ْ َ ُ ُ ُ
قوهل( :ويُ َ
كرهُ :أخذ األجرة ِ ىلع ذل ِك ،وىلع الغس ِل).
َ
الر ُ
زق من بيت المال ألنه عبادة ،فاألِل فيها التعبد المحض ،وفعلها هلل ،وأما َ
والاعل والعطاء من غير أجرة فال يكره ،ولو تفرغ أحد لهذا العمل كما هو اآلن
113
كـتـاب الـجـنائـز 714
يف بعض المقابر ومغاسل األموات ،فياوز أخذ األجرة عليه بال كراهة؛ للمصلحة
الظاهرة ،ولمنفعة المسلمين ،ولعدم النهي ،وألن األجرة التي يأخذها ليست
لمارد الغسل ،وإنما لتفرغه للقيام هبذا الواجب.
َ ُ ُ َ َ ه َ َ ََ َ ُ ه َ ُ َ ُ
ِب خلفها .والقرب مِنها: اَش أمام اجلنازة ِ ،والراك ِ الم ِ قوهل( :وسن :كون
ْ ُ
أفضل).
الذي يمشـي مع الانازة بالخيار إن شاء مشـى أمامها ،أو عن يمينها ،أو خلفها؛
الماشـي َح ْي ُث َشا َء مِن َْها»(.)1 ِ
الان ََازةَ ،و َ
ف َ ب َخ ْل َ لقوله ﷺِ « :
الراك ُ ا
والسنة كونه أمامها؛ لحديث ابن عمر ﭭ َق َالَ « :ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ َو َأ َبا َب ْك ُر
ون َأ َما َم ا ْل َان ََاز ِة»(.)2
َو ُع َم َر َي ْم ُش َ
الان ََاز ِة» ،وراكب ف َ ب َخ ْل َ وأما الراكب فالسنة كونه خلفها؛ لقوله ﷺِ « :
الراك ُ
ا
السـيارة يأخذ أحكام راكب الدواب ،فتكون خلفهم إال إن كانت تؤذي الحاملين
والماشـين ،فإهنا تتقدم وتكون أمام الانازة ،وهذا كله على سبيل الندب ال
الوجوب.
ان ََازةَِ ،فإِ ْن َت ُك َِال ِ َح ًة
والسنة اإلسـراع يف الانازة؛ لقوله ﷺَ « :أسـر ُعوا بِا ْل ِ
َف َخ ْي ٌر ُت َقد ُمون ََهاَ ،وإِ ْن َي ُك ِس َوى َذل ِ َكَ ،فشـر َت َض ُعو َن ُه َع ْن ِر َقابِ ُك ْم» [متفق عليه](.)3
وروى أبو داود عن عيينة بن عبدالرحمن ،عن أبيه أنّه كان يف جنازة عثمان بن
أبي العاص ،وكنّا نمشـي مشـيا خفي ًفا ،فلحقنا أبو بكرة ،فرفع سوطه ،فقالَ « :ل َقدْ
( )1رواه أبو داود ( ،)3160والرتمذي ( ،)1031والنسائي ( ،)1242وأحمد ( )16114من حديث المغيرة
بن شعبة ﭬ .وقال الرتمذي« :حديث حسن ِحيح» ،وِححه ابن حبان ،والحاكم ،واأللباين يف اإلرواء
(.)116
( )2رواه أبو داود ( ،)3112والرتمذي ( ،)1001والنسائي ( ،)1244وابن ماجه ( )1462من حديث ابن
عمر ﭭ .واختلف يف وِله وإرساله :فرجح اإلرسال :أحمد ،والبخاري ،والرتمذي ،والنسائي ،ورجح
الموِول :البيهقي ،واأللباين يف اإلرواء ( .)132وانظر :التلخيص الحبير (.)262/2
( )3سبق تخرياه ص (.)612
114
715 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
ول اهللِ ﷺ ن َْر ُم ُل َر َم ًال»( .)1وروى أبو داود وضعفه عن ابن ر َأ ْي ُتنَا َون َْح ُن م َع رس ِ
َ َ ُ َ
ب،ون ا ْل َخ َب ِ
مسعود ﭬ قال :سألنا نب اينا ﷺ عن المشـي مع الانازة ،فقالَ « :ما ُد َ
إِ ْن َي ُك ْن َخ ْي ًرا َت َع اا َل إِ َل ْي ِهَ ،وإِ ْن َي ُك ْن َغ ْي َر َذل ِ َك َف ُب ْعدً ا ِألَ ْه ِل الن ِ
اار»(.)2
ْ ُ ُ ُ َ
(والقرب مِنها :أفضل) :فالقرب من الانازة حال حملها أفضل من البعد عنها،
ليحصل التشييع والعظة والمعاونة وهو ظاهر فعل الرسول ﷺ والصحابة.
ُ
والق ْ ِّ ََ َ ُ َ َُْ ه ُ
قوهل( :ويُ َ
كرهُ
آن).
ِ ر ، كر
ِ باذل ولو ها، ع م وت
ِ الص عفور ا. َل ام يقِ ال :
َ ُ َ (ويُ َ
كرهُ :ال ِقيام َلا) :ال يشـرع القيام للانازة عند الامهور ،بل نص
ول اهللِ ﷺ َقا َم الحنابلة على الكراهة؛ لما روى مسلم عن َعلِي ﭬَ « :ر َأ ْينَا َر ُس َ
ن
َف ُق ْمنَاَ ،و َق َعدَ َف َق َعدْ نَا َي ْعنِي فِي ا ْل َان ََاز ِة»( ،)3فيفهم أن الالوس آخر األمرين من
الرسول ﷺ.
َان َر ُس ُ
ول وروى اإلمام أحمد ،وِححه ابن حبان عن علي ﭬ قال« :ك َ
اهللِ ﷺ َأمرنَا بِا ْل ِق َيا ِم فِي ا ْل ِ
ان ََاز ِةُ ،ث ام َج َل َس َب ْعدَ َذل ِ َكَ ،و َأ َم َرنَا بِا ْل ُا ُل ِ
وس»(.)4 ََ
وقيل :القيام عند مرور الانازة مستحب ،وهذا األقرب ،ويدل له:
ما يف الصحيحين عن النابِي ﷺ َق َال« :إِ َذا َر َأى َأ َحدُ ُك ُم ا ْل َان ََازةََ ،فإِ ْن َل ْم َي ُك ْن
وض َع مِ ْن َق ْب ِل َأ ْن ُت َخل َف ُه»(.)5
خل َف ُهَ ،أ ْو ُت َ
َماشـيا َم َع َهاَ ،ف ْل َي ُق ْم َحتاى ُت َ
( )1رواه أبو داود ( ،)3162والنسائي ( ،)1212وأحمد ( .)20400وِححه ابن حبان ،والحاكم ،والنووي
يف خالِة األحكام ( ،)226/2واأللباين يف أحكام الانائز ص (.)12
( )2رواه أبو داود ( ،)3164والرتمذي ( )1011من حديث ابن مسعود ﭬ .وضعفه أبو داود ،وقال ابن
حار يف التلخيص الحبير (« :)264/2وضعفه البخاري ،وابن عدي ،والرتمذي ،والنسائي ،والبيهقي،
وغيرهم».
( )3رواه مسلم ( )262من حديث علي ﭬ.
( )4رواه أحمد ( ،)623وابن حبان ( )3056من حديث علي ﭬ.
( )5رواه البخاري ( ،)1306ومسلم ( )256من حديث عامر بن ربيعة ﭬ.
115
كـتـاب الـجـنائـز 716
اد ِ
سـية، ف ﭬ كَانَا بِا ْل َق ِ ويف الصحيحين َأ ان َقيس بن سع ُد ،وسه َل بن حنَي ُ
ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ ُ ْ
ول اهللِ ضَ ،ف َق َاال :إِ ان َر ُس َ َف َم ار ْت بِ ِه َما َجن ََاز ٌة َف َقا َماَ ،ف ِق َيل َل ُه َما :إِن َاها مِ ْن َأ ْه ِل ْاألَ ْر ِ
ت بِ ِه جن ََازةٌَ ،ف َقامَ ،ف ِق َيل :إِ انه يه ِ
ود ٌّيَ ،ف َق َالَ « :أ َل ْي َس ْت َن ْف ًسا»(.)1 ﷺ َم ار ْ
َُُ َ َ
ول اهللِ ﷺ ام َل َها َر ُس ُويف ِحيح مسلم عن جابر ﭬ قالَ :م ار ْت َجن ََازةٌَ ،ف َق َ
ت َف َز ٌعَ ،فإِ َذا َر َأ ْي ُت ُم ول اهللِ ،إِناها يه ِ
ود ايةٌَ ،ف َق َال« :إِ ان ا ْل َم ْو َ َو ُق ْمنَا َم َع ُه َف ُق ْلنَاَ :يا َر ُس َ
َ َُ
ا ْل َان ََاز َة َف ُقو ُموا»(.)2
عمرو ﭭ أنه سأل رجل رسول اهللِ ويف مسند اإلمام أحمد عن عبداهلل بن ُ
ول اهللِ َت ُم ُّر بِنَا َجن ََاز ُة ا ْل َكافِ ِر َأ َفنَ ُقو ُم َل َها؟ َف َق َالَ « :ن َع ْم ُقو ُموا َل َها،ﷺ فقالَ :يا َر ُس َ
ِ ِ
وس»(.)3 ون إِ ْع َظا ًما ل الذي َي ْقب ِ ُض النُّ ُف َون َل َها ،إِن َاما َت ُقو ُم ََفإِ ان ُك ْم َل ْس ُت ْم َت ُقو ُم َ
وهذا رواية عن اإلمام أحمد ،وقول إسحاق ،واختاره ابن عقيل ،والنووي،
باق ،وما نقله علي ﭬ وشـيخ اإلسالم ،وابن القيم ،وابن باز ،فاالستحباب ُ
مارد فعل تتطرق له االحتماالت ،فيحمل على بيان جواز القعود ،وأن القيام
للانازة ليس على الوجوب ،وإنما للندب واالستحباب ،وما علل به رسول اهلل
ِ ِ
وس» باق على ون إِ ْع َظا ًما ل الذي َي ْقبِ ُض النُّ ُف َ
ت َف َز ٌع ،وإِن َاما َت ُقو ُم َ
ﷺ« :إِ ان ا ْل َم ْو َ
حاله.
قال اإلمام أحمد« :إن قام لم أعبه ،وإن قعد فال بأس»؛ لمايء األمرين
هبما جميعًا(.)4
مسألة :السنة لمن تبع جنازة أال يالس حتى توضع؛ لقوله ﷺ« :إِ َذا ا ات َب ْع ُت ْم
116
717 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
111
كـتـاب الـجـنائـز 718
وهذا من فعل أهل الكتاب ،فإهنم يرفعون أِواهتم باألناجيل عند الانائز ،وقد
هنينا عن التشبه هبم ،وقد كان هدي الصحابة عند السـير السكوت ،كما قال قيس
بن عباد« :كان أِحاب النبي ﷺ يكرهون رفع الصوت عند الانائز»(« ،)1وقال
ابن عمر وسعيد بن جبير لمن كان يمشـي مع الانازة ويقول استغفروا له :ال غفر
اهلل لك بعد»()2؛ ألن هذا من المحدثات ،وإنما قال رسول اهلل ﷺ« :استغفروا
ألخيكم وسلوا له التثبيت ،فإنه يسأل»( )3قاله بعد الفراغ من الدفن مرة ،ولم يكن
يقول شـيئًا عند السـير.
قال النووي« :واعلم أن الصواب المختار وما كان عليه السلف ﭫ السكوت
يف حال السـير مع الانازة ،فال يرفع ِوته بقرآن ،وال ذكر ،وال غير ذلك،
والحكمة أنه أسكن لخاطره ،وأجمع لفكره فيما يتعلق بالانازة»(.)4
َ َ ُ ِّ َ َ َ ٍّ َ ُ ه ْ َُه َ َُْ َُ ه َ ُ
كِف :ما يمنع السباع، قوهل( :وسن :أن يعمق القَب ،ويوسع بِال حد .وي ِ
ه َ
اِئَة).
والر ِ
ِ
السنة يف القرب أن يعمق ويوسعه :لقوله ﷺ يف قتلى أحد ،وقد ُشكي إِ َلى رس ِ
ول َ ُ َ
اح ِف ُرواَ ،و َأ ْو ِس ُعواَ ،و َأ ْح ِسنُواَ ،وا ْدفِنُوا ِاال ْثنَ ْينِ ُ
ات َي ْو َم ُأ ُحدَ ،ف َق َالْ « : اح ُ ال ّلـ َِه ﷺ ِ
الا َر َ
اح ُدَ ،و َقد ُموا َأ ْك َث َر ُه ْم ُق ْرآ ًنا»(.)5
وال اث َال َث َة فِي َقب ُر و ِ
ْ َ َ
ولقوله ﷺ ُيوِـي ا ْل َحافِ َرَ « :أ ْو ِس ْع مِ ْن قِ َب ِل ِر ْج َل ْي ِهَ ،أ ْو ِس ْع مِ ْن قِ َب ِل َر ْأ ِس ِه»(.)6
116
719 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
ُ ه َ َ َ ٍّ
(وي َوسع بِال حد) :فلم يرد تقدير حد معين للتعميق والتوسـيع.
ه َ ِّ َ َ َ َ َ
كِف :ما يمن ُع السباع ،والر ِ
اِئَة) :فيكفي يف التعميق ما يمنع السباع من (وي ِ
الوِول إليه ،والرائحة من الخروج.
َ َُ َ ُْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ
الق َْب َخ َش ًبا ،وما مسته ن ٌ
ُ ه َ وكر َُ
ووضع ف َِراش حتته .وجعلارَ .
ِ ال إدخ : ه قوهلِ َ (َ :
َ ه
ُِمدة حتت َرأ ِس ِه).
ألن هذا لم ينقل فعله عن الرسول ﷺ ،وال الصحابة ،وألنه إتالف مال بال
ضـرورة ،فإن فعلوا ذلك لحاجة كوجود ماء ونحوه فال كراهة ،وعليه يحمل ما
ول اهللِ ﷺ َقطِي َف ٌة َح ْم َرا ُء»(،)1
اس ﭭ َق َالُ « :ج ِع َل فِي َق ْب ِر رس ِ
َ ُ رواه مسلم َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ
وهذه القطيفة ألقاها شقران مولى رسول اهلل ﷺ ،وذهب الامهور إلى كراهة
ذلك.
وشقران ﭬ انفرد بفعل ،وقال« :كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول اهلل
ﷺ»( ،)2وخالفه غيره ،فروى البيهقي عن ابن عباس ﭭ« :أنه كره أن ياعل
تحت الميت ثوب يف قربه»( ،)3وعن أبي موسـى ﭬ قال« :ال تاعلوا بيني وبين
األرض شـيئا» .واهلل أعلم.
ه َ ُ ه ه َ
خلِ ِه الق ْ َ ُ ه َ ُ ُ
ول اَّلل»). سم اَّللِ ،وىلع مِل ِة رس ِ َب« :ب ِ ِ قوهل( :وسن :قول مد ِ
َان إِ َذا َو َض َع ا ْل َمي َت فِيأو سنة رسول اهلل؛ لحديث ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َأ ان النابِي ﷺ ك َ
ا
ول اهللِ ﷺ» ،و َقال َم ارةً« :ب ْسم اهلل َوباهللَ ،و َعلى
َ ِ ِ ِ ِ ِ َ ا ْل َق ْب ِر َق َال« :بِس ِم اهللَِ ،و َع َلى سن ِاة رس ِ
ُ َ ُ ْ
ول اهللِ»(.)4
ول اهللَِ ،و َقا َل مرةً :بِس ِم اهللِ َوبِاهللَِ ،و َع َلى سن ِاة رس ِ
ُ َ ُ َا ْ
مِ ال ِة رس ِ
َ ُ
112
كـتـاب الـجـنائـز 720
ََ َ َ َ َ
وَي ُب :أن يستقبِل ب ِه ال ِقبلة). قوهلِ ( :
ياب توجيهه للقبلة ،وعلى هذا جرى عمل المسلمين منذ عهد رسول اهلل ﷺ
إلى يومنا هذا يف كل مقابرهم ،ولقوله ﷺ« :قِ ْب َلتِ ُك ْم َأ ْح َيا ًء َو َأ ْم َوا ًتا» [رواه أبو داود](.)1
َ َ ُ َ ُّ َ َ َ
قوهل( :ويسن :ىلع جنبِ ِه األيم ِن ).
وهذا هو األفضل ،وهو منصوص اإلمام أحمد إلحاقا للوفاة بالنوم ،وقد كان
مستلق على قفاه. ُ النبي ﷺ يعابه التيمن يف شأنه كله ،وياوز أن ياعله
ورة). َِض َ فن َغريه ِ َعلَي ِه ،أو َم َع ُه ،هإال ل َ ُوَي ُر ُمَ :د َُ
قوهل( :
ِ
الواجب أن يدفن الميت وحده يف القرب عند السعة واالختيار ،هكذا جرت سنة
المسلمين منذ زمن الرسول ﷺ.
ورة) :فياوز عندها دفن أكثر من واحد يف قرب واحد ،كما فعل ( هإال ل َ ُ
َِض َ
َان النابِ ُّيالرسول ﷺ لما كثر القتلى يف ُأ ُحد ،ففي البخاري َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال :ك َ
اح ُدُ ،ث ام َي ُق ُ
ولَ « :أ ُّي ُه ْم َأ ْك َث ُر َأ ْخ ًذا بو ِ ُ ِ ِ
الر ُج َل ْي ِن م ْن َق ْت َلى ُأ ُحد في َث ْو ُ َ ﷺ َي ْا َم ُع َب ْي َن ا
شـير َل ُه إِ َلى َأ َح ِد ِه َما َقدا َم ُه فِي ال ال ْح ِد»(.)2 ِ ِ
ل ْل ُق ْرآنَ ،فإِ َذا ُأ َ
َ َ ً ُ َُ ُ ُ ه َ ْ ُ ُّ َ
اب علي ِه ثالثا ،ث هم يهال). قوهل( :وسن :حثو الَّت ِ
ول ال ّلـ َِه
عليه حتى يمتلئ القرب؛ لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة ﭬَ « :أ ان َر ُس َ
تَ ،ف َح َثى َع َل ْي ِه مِ ْن قِ َب ِل َر ْأ ِس ِه َث َال ًثا»(.)3ﷺ ِ الى َع َلى ِجن ََاز ُةُ ،ثم َأ َتى َقبر ا ْلمي ِ
َْ َ ا َ
َُ َ َُ َ َ ه ْ َ َ ه
قوهل( :واستحب األكرث :تل ِقينه بعد ادلف ِن).
واستدلوا :بحديث أبي أمامة ﭬ عند الطرباين ،وفيه« :أنه يقال له بعد تسوية
ِ ِ
قربه :يا فالن بن فالن ا ْذ ُك ْر َما َخ َر ْج َت َع َل ْيه م َن الدُّ ْن َياَ :ش َها َد َة َأ ْن ال إِ َل َه إِال ُ
اهللَ ،و َأ ان
=
واأللباين يف اإلرواء (.)141
( )1سبق تخرياه ص( .)612وانظر :المحلى (.)113/5
( )2رواه البخاري ( )1343من حديث جابر ﭬ.
( )3رواه ابن ماجه ( )1565من حديث أبي هريرة ﭬ .قال أبو حاتم كما يف العلل البنه (« :)411/2هذا
حديث باطل» ،وِححه البوِـيري يف مصباح الزجاجة ( ،)41/2واأللباين يف اإلرواء (.)151
120
721 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
( )1رواه الطرباين يف الكبير ( )242/6من حديث أبي أمامة ﭬ .وضعفه العراقي يف تخريج اإلحياء ص
( ،)1615واأللباين يف اإلرواء ( ،)153وقال الهيثمي يف مامع الزوائد (« :)45/3رواه الطرباين يف الكبير،
ويف إسناده جماعة لم أعرفهم».
( )2ماموع الفتاوى ( ،)226/26زاد المعاد ( ،)206/1سبل السالم ( ،)161/2أحكام الانائز ص
(.)121
( )3رواه الشافعي يف المسند ( )522ترتيب السندي ،وأبو داود يف المراسـيل (.)424
( )4رواه ابن حبان ( ،)6635والبيهقي ( )516/3من حديث جابر ﭬ .وحسنه األلباين يف أحكام الانائز
ص (.)153
( )5األم ( ،)245/1وأحكام الانائز ص (.)125
121
كـتـاب الـجـنائـز 722
122
723 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
وقال الشـيخ محمد بن إبراهيم« :الطواف شـرل ،ال يطاف إال ببيت اهلل،
والطواف بحارته طواف به ،فهو شـرل أكرب»(.)1
ك ُِّ َ
اء إيل ِه) :ذكر أنه مكروه ،والصحيح أن االتكاء على القبور والالوس (واالت
ِ ُ
ص إِ َلى عليها محرم؛ لقوله ﷺَ « :ألَ ْن َي ْالِ َس َأ َحدُ ُك ْم َع َلى َج ْم َرة َف ُت ْح ِر َق ث َيا َب ُهَ ،فت َْخ ُل َ
ِج ْل ِد ِهَ ،خ ْي ٌر َل ُه مِ ْن َأ ْن َي ْالِ َس َع َلى َق ْب ُر» [رواه مسلم](.)2
ورَ ،و َال َت ْالِ ُسوا َع َل ْي َها»(.)3 وقال ﷺَ « :ال ُت َص ُّلوا إِ َلى ا ْل ُق ُب ِ
ول اهللِ ﷺ ُمت َاك ًأ َع َلى َق ْب ُر، ويف المسند عن عمرو بن حزم ﭬ قالَ :رآنِي َر ُس ُ
ب َه َذا ا ْل َق ْب ِرَ ،أ ْو َال ُت ْؤ ِذ ِه»(.)4 ِ ِ
َف َق َالَ « :ال ُت ْؤذ َِاح َ
ْ ُّ َ َ ُ َ ه ُ َ ُ
ادلنيا) :أي يكره ذلك ،فالمبيت واحل ِديث يف أم ِر حك عِند ُه. (والمبيت ،والض ِ
عندها ليس من عمل الرسول ﷺ ،وال الصحابة ﭫ ،ولو قصد ترقيق القلوب،
وكذا الضحك ،والمزاح ،والكالم بأمور الدنيا من بيع ومتع ونحوها؛ إذ السنة عند
زيارهتا تذكر الموت واآلخرة ،والدعاء لألموات.
وأما الضحك والحديث بالدنيا فهو عالمة غفلة ،وقسوة قلب ،ولم يؤثر ذلك
عن السلف ،بل نقل عنهم عكسه ،وقد روى الرتمذي عن هانئ مولى عثمان قال:
ِ ِ ان إِ َذا َو َق َ
ف َع َلى َق ْب ُر َب َكى َحتاى َي ُب ال ل ْح َي َت ُهَ ،فق َيل َل ُهُ :ت ْذك َُر َ
الانا ُة َوالن ُاار َف َال َان ُع ْث َم ُ
ك َ
ول اهللِ ﷺ َق َال« :إِ ان ال َق ْب َر َأ او ُل َمن ِْز ُل مِ ْن َمن ِ
َاز ِل َت ْبكِي َو َت ْبكِي مِ ْن َه َذا؟ َف َق َال :إِ ان َر ُس َ
اآلخ َر ِةَ ،فإِ ْن ن ََاا مِنْ ُه َف َما بَ ْعدَ ُه َأ ْيسـر مِنْ ُهَ ،وإِ ْن َل ْم َين ُْج مِنْ ُه َف َما َب ْعدَ ُه َأ َشدُّ مِنْ ُه» قال: ِ
وقال رسول اهلل ﷺَ « :ما َر َأ ْي ُت َمنْ َظ ًرا َق ُّط إِ اال َوال َق ْب ُر َأ ْف َظ ُع مِنْ ُه»(.)5
123
كـتـاب الـجـنائـز 724
َ َُ َ
(والكِتابة علي ِه) :الكتابة على القرب مكروهة على المذهب.
صوقيل :تحرم؛ لصـراحة النهي ،وال ِارف له« :فقد َن َهى النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُت َا اص َ
َب َع َل ْي َهاَ ،و َأ ْن ُي ْبنَى َع َل ْي َهاَ ،و َأ ْن ُتو َط َأ»( ،)1والنهي يشمل الكتابة على
ورَ ،و َأ ْن ُي ْكت َ
ال ُق ُب ُ
القبور مطلقًا ،سواء كانت كتابة ثناء ،أو اسم الميت ،وهذا مذهب الحنابلة،
والشافعية ،واختاره الشوكاين.
وتعليم القرب يكون بالحار ،كما فعل رسول اهلل ﷺ لما مات عثمان بن
مظعون ﭬ ودفن ،أتى النبي ﷺ بحار ،فوضعها عند رأسه ،وقالَ « :أ َت َع ال ُم بِ َها
ات مِ ْن َأ ْهلِي»(.)2
َق ْب َر َأ ِخيَ ،و َأ ْدف ِ ُن إِ َل ْي ِه َم ْن َم َ
ولم يكتب رسول اهلل ﷺ على القبور وهنى عنها ،ولم يفعله الصحابة ﭫ،
وهو باب قد يصعب غلقه إذا انفتح ،فالراجح النهي مطلقًا.
قال ابن باز« :ال بأس بوضع عالمة على القرب ليعرف ،كحار ،أو عظم من غير
كتابة وال أرقام؛ ألن األرقام كتابة ،وقد ِح النهي من النبي ﷺ عن الكتابة على
القرب ،أما وضع حار على القرب ،أو ِبغ الحار باألسود أو األِفر حتى يكون
عالمة على ِاحبه فال يضـر؛ ألنه يروى أن النبي ﷺ علم على قرب عثمان بن
مظعون بعالمة»(.)3
ُُ ُ
واجللوس) :على القرب ،ذكر كراهته. (
والراجح :تحريم االتكاء على القبور ،والالوس عليها ،ويف المسند عن عمرو
ِ ِ بن حزم ﭬ قال :رآنِي رس ُ ِ
ول اهلل ﷺ ُمت َاك ًأ َع َلى َق ْب ُرَ ،ف َق َالَ « :ال ُت ْؤذ َِاح َ
ب َه َذا َ ُ َ
ا ْل َق ْب ِر َأ ْو َال ُت ْؤ ِذ ِه».
( )1رواه الرتمذي ( ،)1052والنسائي ( )2021من حديث جابر ﭬ .وِححه الرتمذي ،وأِله يف مسلم.
( )2رواه أبو داود ( ،)3206حسنه النووي يف الخالِة ( ،)1010/2وابن الملقن يف البدر المنير (،)325/5
وابن حار يف التلخيص ( ،)301/2واأللباين يف الانائز ص (.)155
( )3ماموع فتاوى ابن باز ( .)200/13وانظر :نيل األوطار ( ،)65/4حاشـية الروض المربع (،)122/3
الشـرح الممتع ( ،)366/5أحكام الانائز ص (.)262
124
725 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
125
كـتـاب الـجـنائـز 726
126
727 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
قال شـيخ اإلسالم« :ويحرم اإلسـراج على القبور ،وا ّتخاذ المساجد عليها
وبينها ،ويتعين إزالتها ،وال أعلم فيه خال ًفا بين العلماء المعروفين»(.)1
ُ َ ُ َ هْ ُ َ َ
ري ،وينبش). ِ الغ ِلك
ِ م ويف
ِ ، د
ِ ج
ِ ا س قوهل( :وادلفن بالم
الدفن بالمساجد ،أو بناء المساجد على القبور محرم باالتفاق ،وهو من أظهر
ور َأ ْنبِ َيائِ ِه ْم
ون ُقبُ َ
َان َقب َل ُكم كَا ُنوا يت ِ
اخ ُذ َ َ وسائل الشـرل؛ لقوله ﷺَ ..« :أ َال َوإِ ان َم ْن ك َ ْ ْ
اجدَ ،إِني َأن َْها ُك ْم َع ْن َذل ِ َك»(.)2 اجدَ َ ،أ َال َف َال َتت ِ
اخ ُذوا ا ْل ُق ُبور مس ِ
َ َ َ
يهم مس ِ ِ ِ
َو َِالح ِ ْ َ َ
اجدَ » ُي َحذ ُر ود َوالن َاصارى ،ا ات َخ ُذوا ُقبُور َأ ْنبِ َيائِ ِهم مس ِ وقال ﷺَ « :لعنَ ُة اهللِ َع َلى اليه ِ
ْ َ َ َ َ َُ ْ
َما َِنَ ُعوا(.)3
قال شـيخ اإلسالم« :بناء المساجد على القبور ليس من دين المسلمين ،بل هو
منهي عنه بالنّصوص ال ّثابتة عن النّبي ﷺ ،وا ّتفاق أئمة الدّ ين ،بل ال ياوز ا ّتخاذ
ٌ
الصالة عندها ،بلالقبور مساجد سوا ٌء كان ذلك ببناء المساد عليها ،أو بقصد ّ
أئمة الدّ ين متّفقون على النّهي عن ذلك»(.)4
مسألة :وأما جعل المقربة أمام المساد ،فإن لم يوجد حائط لكل من المساد
والمقربة حرمت الصالة فيه ،وإن وجد فهو مباح ،واألولى التحرز منه سدا
للذريعة.
شـرعا،
ً قال الشـيخ ابن إبراهيم« :وجود المقابر بقبلة المساد وبقربه ال ياوز
كما يف حديث َأبي مرثد الغنوي قال :سمعت رسول اهلل ﷺ يقول« :ال ُتص ُّل ْوا إِلى
ا ْل ُق ُب ْور َوال تالِ ُس ْوا عل ْيها» [رواه مسلم] .فال بد من نبش القبور من قبلة مسافة مرتين
جدارا فاِالً ،وال تصح الصالة يف ً على األَقل ،وجعل ما بين المساد والمقربة
121
كـتـاب الـجـنائـز 728
مثل هذه الحالة ،كما ال تصح الصالة يف المقربة ،وال يكفي جدار المقربة ،وال
جدار المساد ،بل البد من حائل ساتر منفصل ،فإذا َأمكن وضع حائل ساتر بين
المساد والقبور فهذا هو المتعين ،وإال فيزال َ
المتأخر منهما»(.)1
ُ َ ُ َ
ري ،وينبش) :لما فيه من إفساد ملكه بغير حق ،إال إن أذن يفِلك الغ ِ
ويف م ِ ( ِ
دفعه يف ملكه وينبش من دفن يف مساد.
ُ هْ ُ ه
بالص َ
حراءِ :أفضل). قوهل( :وادلفن
فاألفضل كون المقربة خارج البلد لئال تضـيق على الناس يف مساكنهم ،والنبي
ﷺ كان يدفن أِحابه بالبقيع ،ودفن القتلى يف أماكن المعارل ،ولم تزل الصحابة
والتابعون ومن بعدهم يقربون يف الصحارى ،وال يقربون يف البيوت.
ولو جعلوا المقربة داخل البلد وال مضـرة يف ذلك جاز لعدم النهي.
وذهب عامة الفقهاء إلى جواز وقف األرض لتكون مقربة.
َ َ َ ِّ َ ُ َ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ُّ َ ْ َ
احلامِل :ح ُرم شق بطنِها ،وأخرج النساء من ترَج حياته. تقوهل( :وإن مات ِ
ْ َ َ َ ُ ُ َ ًّ ُ ه َ ْ ََ ه َ ُ َ َ ه َُ َ
فإن تعذ َر :لم تدفن حَت يموت .وإن خ َرج بعضه حيا :شق للب ِاِق).
شق بطن المرأة الحامل إذا ماتت ال يخلوا من حاالت:
األولى :إذا كانت وما يف بطنها أموات ،فال ياوز شق بطنها؛ ألنه ُمثلةٌ ،وتشويه
للميت بال مصلحة ،وإنما يدفن معها ،والميت له حرمة ،ولذا قال رسول اهلل ﷺ:
ت َك َك ِ
سـره َحيا»(.)2 «كَسـر َع ْظ ِم ا ْلمي ِ
َ
الثانية :إذا كان ما يف بطنها حيًا ،وأمكن إخراجه:
فالمذهب :يحرم شق بطنها؛ ألنه هتك حرمة متيقنة إلبقاء حياة متوهمة ،وإنما
تخرجه النساء بالمعالاات ،وإدخال اليد على الانين ،فإن تعذر لم تدفن حتى
126
729 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
122
كـتـاب الـجـنائـز 730
ثم يوضع فيه الميت ،ويسقف بأحاار ثم يدفن ،وعند االختيار اللحد أفضل؛ ألن
رسول اهلل ﷺ جعل له لحد ًا ،كما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص ﭬ أنه قال
فِي مرضه ا الذي هلك فيه« :ا ْل َحدُ وا لِي َل ْحدً اَ ،وان ِْص ُبوا َع َل اي ال البِ َن ن َْص ًبا ،ك ََما ُِن ِ َع
ول اهللِ ﷺ»( ،)1وقال ﷺ« :ال ال ْحدُ َلنَاَ ،و ا
الش ُّق ل ِ َغ ْي ِرنَا»(.)2 بِرس ِ
َ ُ
لكن إذا كانت األرض رخوة ال يثبت فيها اللحد ،فيصار إلى الشق.
قال النووي« :أجمع أهل العلم على أن الدفن يف اللحد والشق جائزان»(،)3
أنس بن مالك ﭬ وقد وردت أحاديث يف جواز األمرين جميعًا ،منها :حديث ِ
آخر يضـرحَ ،ف َقا ُلوا :نَست ِ ِ ِ
َخ ُير ْ ُ َان بِا ْل َمدينَة َر ُج ٌل َي ْل َحدُ َ ،و َ ُ َ
قالَ « :ل اما ُت ُوفي النابِي ﷺ ك َ
ُّ َ
احب ال الحدِ، ربنَا ،و َنبع ُث إ ِ َلي ِهماَ ،ف َأيهما سبِ َق َتر ْكنَاهَ ،ف ُأر ِس َل إ ِ َلي ِهماَ ،فسب َق ِ ِ
ْ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ ُّ ُ َ ُ ْ َ َا َ َْ
َف َل َحدُ وا لِلنابِي ﷺ»(.)4
مسألة :األولى أن يتولى دفن المرأة وإنزالها القرب رجل لم يطأ زوجته تلك
الليلة ،ولو كان أبعد من غيره يف القرابة؛ لما روى البخاري عن أنس بن مالك ﭬ
ول اهللِ ﷺ َجال ِ ٌس َع َلى ال َق ْب ِرَ ،ق َال: ول اهللِ ﷺَ ،ق َالَ :و َر ُس ُ َق َالَ :ش ِهدْ نَا بِنْتًا لِرس ِ
َ ُ
ِ َف َر َأ ْي ُت َع ْينَ ْي ِه َتدْ َم َعانَ ،ق َالَ :ف َق َالَ « :ه ْل منْ ُك ْم َر ُج ٌل َل ْم ُي َق ِ
ارف ال ال ْي َلةَ؟» َف َق َال َأ ُبو ِ ِ
َط ْل َحةََ :أنَاَ ،ق َالَ « :فان ِْز ْل» َق َالَ :فن ََز َل فِي َق ْب ِر َها(.)5
ف) :قيل :لم يذنب ،ذكره البخاري يف باب من يدخل قرب المرأة. ار ْ ( َل ْم ُي َق ِ
130
731 ل امليتِ ودَفنِه
ل يف حَم ِ
فَصْ ٌ
وقيل :لم ياامع تلك ال ّليلة ،بدليل أنّه ذكر ال ّليل ،والغالب من ذلك الفعل
وقوعه بال ّليل ،وبه جزم ابن حزمُ.
قال ابن حار« :ويف الحديث إيثار البعيد العهد عن المالذ يف مواراة الميت،
ولو كان امرأ ًة على األب والزوج»(.)1
فائدة :إذا ماتت كتابية ،ويف بطنها ولد مسلم فال تدفن يف مقابر المسلمين ،وال
يف مقابر النصارى؛ ألنه اجتمع مسلم وكافر ،بل تدفن منفردة ،وياعل ظهرها إلى
القبلة؛ ألن وجه الطفل إلى ظهرها ،والطفل يكون مسلمًا بإسالم والده ،ذكره
شـيخ اإلسالم(.)2
فائدة :قال شـيخ اإلسالم« :وال يستحب للرجل أن يحفر قربه قبل أن يموت،
ّ
فإن النّبي ﷺ لم يفعل ذلك هو وال أِحابه ،والعبد ال يدري أين يموت ،وإذا كان
الصالح»(.)3
مقصود الرجل االستعداد للموت ،فهذا يكون من العمل ّ
131
كـتـاب الـجـنائـز 732
( )1رواه الطرباين يف الدعاء ( )1226من حديث أنس ﭬ .وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)211/3
( )2أحكام الانائز ص (.)210
132
733 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
ويحملهم على الرضا ،ويراعي ما ثبت عن رسول اهلل ﷺ إن حفظه ،وإال فما تيسـر
له من الكالم الحسن ،ومما ثبت عن رسول اهلل ﷺ قول« :إِ ان ل ِ ال ِه َما َأ َخ َذَ ،و َل ُه َما
ِ ِ
ب» قاله رسول اهلل ﷺ البنته لما َأ ْع َطىَ ،و ُك ٌّل عنْدَ ُه بِ َأ َج ُل ُم َسمىَ ،ف ْلت َْصبِ ْرَ ،و ْلت َْحتَس ْ
مات أحد أوالدها(.)1
وقوله ﷺ يف موت أبي سلمة ﭬ« :الل ُه ام ا ْغ ِف ْر ِألَبِي َس َل َمةََ ،و ْار َف ْع َد َر َج َت ُه فِي
اخ ُل ْف ُه فِي َع ِقبِ ِه فِي ا ْل َغابِ ِري َنَ ،وا ْغ ِف ْر َلنَا َو َل ُه َيا َر اب ا ْل َعا َل ِمي َنَ ،وا ْف َس ْح َل ُه
ا ْل َم ْه ِديي َنَ ،و ْ
يه» [رواه مسلم]( .)2وغيره من الكالم الحسن الذي يحقق الغرض، فِي َقب ِر ِه ،ونَور َله فِ ِ
ْ َ ْ ُ
وال يخالف الشـرع.
وقد كان ابن الزبير وعبدال ّله بن عمر ﭭ يقوالن يف التعزيةَ « :أ ْع َق َب َك ُ
اهلل ُع ْق َبى
ب ِع َبا َد ُه ِ ِ ا ْلمت ِاقينَ ِ ،لو ٌ ِ
ات منْ ُه َو َر ْح َمةٌَ ،و َج َع َل َك م َن ا ْل ُم ْهتَدي َنَ ،و َأ ْع َق َب َك ك ََما َأ ْع َق َ ُ َ َ َ
حي َن»(.)3ْاألَ ْنبِياء والصال ِ ِ
َ َ َ ا
ميت فوقف عليهم ،فقالَ « :أ ْع َظ َم أن الحسن مر بأهل ُ وقال عبدالرزاق :بلغني ّ
احبِ ُك ْمُ ،ث ام َمضـى َو َل ْم َي ْق ُعدْ ُ ،ق ْلنَا َل ُهَ :م ْن ُي َع ازى؟ َق َالُ :ي َع ازى اهلل َأجر ُكم ،و َغ َفر اهلل لِص ِ
ُ َْ ْ َ َ ُ َ
ِ ()4 ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الر ُج ُل َح ِزينًا ل َصاحبِه َو َأخيه َأشدا م ْن ُح ْزن َأ ْهلِه َع َل ْيه» . ون ا ُك ُّل َح ِز ُ
ينَ ،ف َقدْ َي ُك ُ
فكلها ألفاظ تعزية ،وإن َذك َار ُه بالنصوص التي تصربه وتسليه فحسن.
ه َ َ َ َ هُ ُ َ َ َ َ َ َُ ُ ُ
المعزى بذلك،
ا ور ِمحنا وإياك») :أي يرد (ويقول ه َو« :استجاب اَّلل داعءك،
كما رد به اإلمام أحمد ،أو يقول آمين ،أو جزال اهلل خير ًا.
والتعزية تحصل بدون مصافحة وال معانقة ،فلم ينقل ذلك عن الرسول ﷺ،
والصحابة ،وليس يف ذلك سنة متبعة ،ولو فعله ،فال إنكار فيه.
133
كـتـاب الـجـنائـز 734
134
735 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
قال شـيخ اإلسالم :ويستحب البكاء على الميت رحم ًة له ،وهو أكمل من
اد ِه»(.)1وب ِعب ِ الفرح؛ لقوله ﷺَ « :ه ِذ ِه رحم ٌة جع َلها ِ
اهلل في ُق ُل ِ َ
َ ْ َ َ َ َ ُ
َ ِّ ُ َ ُ ََ َ َ هْ ُ ( ُ
ت) :ذكر هنا ما يحرم عند وَيرم :انلدب ،وهو :ابلاكء مع تعدا ِد ُما ِس ِن المي ِ
اإلِابة بموت قريب ونحوه ،فمنها:
النادْ ُب :وهو البكاء مع تعداد محاسن الميت؛ لما يف ذلك من الازع ،وعدم
الصرب ،كأن يقول :واسـيداه ،من لأليتام بعدل ،أو من ألوالدل بعدل؛ لقوله ﷺ:
اج َب َال ْهَ ،واسـيدَ ا ْهَ ،أ ْو ن َْح َو َذل ِ َك ،إِ اال ُوك َل وت َفي ُقوم باكِ ِ
يهَ ،ف َي ُق ُ
ولَ :و َ « َما م ْن َميت َي ُم ُ َ ُ َ
ُ ِ
ان َي ْل َه َزان ِ ِهَ :أ َه َك َذا ُكن َْت؟»(.)2
بِ ِه م َل َك ِ
َ
قال شـيخ اإلسالم« :وما يهيج المصـيبة من إنشاد ّ
الشعر والوعظ فمن
النّائحة»(.)3
ويباح ذكر ما يرجى للميت من الخير بسبب ِالحه من غير تسخط وندب؛
َس ﭬ َق َالَ « :ل اما َث ُق َل النابِ ُّي ﷺ َج َع َل َي َت َغ اشا ُهَ ،ف َقا َل ْت لما روى البخاري َع ْن َأن ُ
يك ك َْر ٌب َب ْعدَ ال َي ْومَِ ،ف َل اما َفاطِم ُة َع َليها السالَم :وا كَرب َأباهَ ،ف َق َال َلهاَ :ليس َع َلى َأبِ ِ
َ ْ َ َْ ا ُ َ ْ َ َ ُ َ
س َم ْأ َوا ْهَ ،يا َأ َبتَا ْه إ ِ َلى ِ
اب َربا َد َعا ُهَ ،يا َأ َبتَا ْه َم ْن َجنا ُة الف ْر َد ْو ِ ات َقا َل ْتَ :يا َأ َبتَا ُه َأ َج ََم َ
ِج ْب ِر َيل َننْ َعا ْه.)4(»...
َ ه َ َ ُ ه َ ُ
وت بذل ِك ب ِ َرنة) :فتحرم النياحة بأن يرفع ِوته ويه :رفع الص ِ (وانلِّياحة،
بالصـراخ والصـياح برنة و َت ْر ِجيع ،ومنه :اجتماع النساء للبكاء على الميت ،وقد
َان فِي الن ِ
ااس ُه َما بِ ِه ْم ُك ْف ٌر :ال اط ْع ُن جعلها رسول اهلل ﷺ من أمر الااهلية فقال« :ا ْثنَت ِ
ب ،والنياح ُة َع َلى ا ْلمي ِ ِ
ت»(.)5 َ في الن َاس ِ َ َ َ
( )1االختيارات الفقهية ص (.)446
( )2رواه الرتمذي ( )1003وقال« :حسن غريب» من حديث أبي موسـى ﭬ.
( )3االختيارات الفقهية ص (.)446
( )4رواه البخاري ( )4462من حديث أنس ﭬ.
( )5رواه مسلم ( )61من حديث أبي هريرة ﭬ.
135
كـتـاب الـجـنائـز 736
اب،اهلِ اي ِةَ ،ال َيت ُْر ُكو َن ُه ان :ا ْل َف ْخ ُر فِي ْاأل َ ْح َس ِ
و َق َال ﷺَ « :أربع فِي ُأمتِي مِن َأم ِر ا ْلا ِ
َ ْ ْ ا ٌَْ
ِ ِ َوال اط ْع ُن فِي ْاألَن َْس ِ
باح ُة»َ ،و َق َال« :الناائ َح ُة إِ َذا َل ْم َتتُ ْ ابَ ،و ْاال ْست ْس َقا ُء بِالن ُُّاومَِ ،والن َي َ
ب» [رواه انَ ،و ِد ْر ٌع مِ ْن َج َر ُ َقب َل موتِهاُ ،ت َقام يوم ا ْل ِقيام ِة و َع َليها سـرب ٌال مِن َقطِر ُ
ْ َ َ ُ َْ َ َ َ َ َْ ْ َْ َ
مسلم](.)1
َ ُ ُ الشعر ،ون َ ُ ه ُّ َ ُ َ ُ َ ْ ُ َ ِّ ُ ُ َ ُّ ه
َشهُ ،وحلقه): ِ تف ون . اخ والَص . د وب .ولطم اخل (وَيرم :شق اثل ِ
شق الايوب والثياب ،أو لطم الخدّ والاسد ،أو فيحرم أن يحمله الازع على ّ
الشعر ،أو نشـره ،أو حلقه. الصـراخ والعويل ،أو نتف ّ
اهلِ اي ِة»
خدُ ود ،و َش اق الايوب ،ود َعا بِدَ ْعوى الا ِ
َ َ ُُ َ َ َ
ِ
لقوله ﷺَ « :ل ْي َس مناا َم ْن َل َط َم ال ُ َ َ
الحال ِ َق ِة، ِ ِ
الصال َقةَ ،و َ
ِ
[متفق عليه] .وقول أبي موسـى ﭬَ « :ب ِر َ رسول اهلل ﷺ م َن ا
()2
136
737 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
131
كـتـاب الـجـنائـز 738
وِححه](.)1
وعن أم عط اية ڤ قالتُ « :ن ِهينَا َع ِن ات َبا ِع ا ْل َانَائِ ِزَ ،و َل ْم ُي ْع َز ْم َع َل ْينَا» [متفق عليه](.)2
ول اهللِ ﷺَ ،فإِ َذا نِ ْس َو ٌة ويف سنن ابن ماجه عن علِي ﭬ قالَ :خ َر َج َر ُس ُ
ن
ِ ِ
وسَ ،ف َق َالَ « :ما ُي ْالِ ُس ُك ان» ُق ْل َنَ :ننْتَظ ُر ا ْلان ََازةََ ،ق َالَ « :ه ْل َت ْغس ْل َن؟» ُق ْل َنَ :ال،
ِ ُج ُل ٌ
يم ْن ُيدْ لِي؟» ُق ْل َنَ :الَ ،ق َال: ِ ِ ِ
َق َالَ « :ه ْل َت ْحم ْل َن؟» ُق ْل َنَ :الَ ،ق َالَ « :ه ْل ُتدْ لي َن ف َ
ات»(.)3 ات َغير م ْأجور ُ
« َفار ِجعن م ْأ ُزور ُ
َْ َ ُ َ ْ ْ َ َ َ
وألن المرأة ضعيفة الصرب ،سـريعة الازع ،وزيارهتا تؤدي إلى النياحة.
وألن المقابر أماكن ُت َذكر اآلخرة ،ودخول النساء فيها ياعلها محالً للفتنة،
وزوال مثل هذه الحكمة العظيمة.
وهذا قول كثير من العلماء من الشافعية ،والحنابلة ،والحنفية ،والمالكية نصوا
على التحريم ،وهو قول أكثر أهل الحديث ،واختاره شـيخ اإلسالم ،وابن القيم،
والنووي ،والشـيخ محمد بن عبدالوهاب ،وابن باز ،وابن عثيمين(.)4
وأما قول أم عطية ڤَ « :و َل ْم ُي ْع َز ْم َع َل ْينَا» ،فيقال :إهنا أثبتت النهي عن رسول
اهلل ﷺ ،وقولـهاَ « :و َل ْم ُي ْع َز ْم َع َل ْينَا»؛ ألنه اكتفى بالنهي ،والصحابيات يمتثلن النهي،
ول اهللِ ﷺ َزائِر ِ
ات وقد دلت أدلة أخرى على أنه عزيمة للتحريم ،كما يفَ « :ل َع َن َر ُس ُ
َ
ا ْل ُق ُب ِ
ور».
( )1رواه الرتمذي ( ،)1056وابن ماجه ( ،)1514وأحمد ( )6442من حديث أبي هريرة ﭬِ .ححه
الرتمذي ،وابن حبان ،واأللباين يف اإلرواء (.)114
( )2رواه البخاري ( ،)1216ومسلم ( )236من حديث أم عطية ڤ.
( )3رواه ابن ماجه ( )1516من حديث علي ﭬ .وضعفه النووي يف خالِة األحكام ( ،)1004/2واأللباين
يف الضعيفة (.)2142
( )4راجع رسالة قيمة عن زيارة النساء للقبور للشـيخ بكر أبو زيد ص ( ،)101ماموع فتاوى ابن باز
( ،)332/5الشـرح الممتع (.)416/5
136
739 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
وأما زيارة عائشة ڤ لقرب أخيها( ،)1فسنة رسول اهلل ﷺ ال تعارض بقول أحد
كائنًا من كان ،ولعلها لم يبلغها النهي أو تأولته.
ٌ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ ه َ َ َُ َ َ َ
وإن اجتازت المرأة بقَب يف ط ِري ِقها ،فسلمت عليِه ،ودعت هل :فحسن) :إذا
( ِ
مرت المرأة بقرب يف طريقها من غير قصد الزيارة ،فال حرج فيه ،كما فعلت عائشة
ول ف َأ ُق ُڤ لما لحقت رسول اهلل ﷺ حتى أتى البقيع ،ولقول عائشة ڤ َك ْي َ
ار مِ َن ا ْل ُم ْؤمِنِي َن َوا ْل ُم ْسلِ ِمي َن،
السالَ ُم َع َلى َأ ْه ِل الد َي ِ ِ َلهم يا رس َ ِ
ول اهللَ ،ق َالُ « :قولي :ا ُ ْ َ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
ون» . اهلل ا ْل ُم ْس َت ْقدمي َن مناا َوا ْل ُم ْست َْأخ ِري َنَ ،وإِناا إِ ْن َشا َء ُ
اهلل بِ ُك ْم َلال َح ُق َ َو َي ْر َح ُم ُ
()2
ه ُ َ َ ُ َ َ َ ْ َُ َ َ ُ
ار الق ُب َ ُ ه َ
لم ْن َز َ
ور ،أو م هر بها :أن يقول« :السالم عليكم دار قوم (وسن
ُ َ ُ ََ ُ َ َ َ ُ هُ ُ َ ه ْ َ َ هُ َ ُ
حقون ،ويرحم اَّلل المستق ِدمِي مِنكم مؤ ِمنِي ،وإنا إن شاء اَّلل بِكم لال ِ
َ ه َ ُ َ َ ََ هُ َ ُ هَ َ َ ُ ُ َ
أجرهم ،وال تفتِنا خ ِرين ،نسأل اَّلل نلَا ولكم العافِية .الله هم ال حت ِرمنا والمستأ ِ
َ َُ َ َ ُ
بعدهم ،واغ ِفر نلَا ولهم») :إذا زار القبور أو مر هبا ،فيسن له السالم على األموات،
السالم عليهم ،وقد وردت عدة ِـيغ كلها مشـروعة ،منها: ِ
وتح اية من في القبور ا
ون، اهلل بِ ُك ْم َل َال ِح ُق َ ِِ ِِ
ار م َن َا ْلمـُ ْؤمني َن َوا ْل ُم ْسلمي َنَ ،وإِناا إِ ْن َشا َء ُ
« َالس َالم َع َلى َأ ْه ِل َالدي ِ ِ
َ ا ُ
هلل َلنَا َو َل ُك ُم ا ْل َعافِ َي َة» [رواه مسلم] .
()3
َأ ْس َأ ُل َا َ
ِِ ِِ ومنها« :السالَم َع َلى َأ ْه ِل الدي ِ ِ
ار م َن ا ْل ُم ْؤمني َن َوا ْل ُم ْسلمي َنَ ،و َي ْر َح ُم ُ
اهلل َ ا ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
ون» [رواه مسلم]. ا ْل ُم ْس َت ْقدمي َن مناا َوا ْل ُم ْست َْأخ ِري َنَ ،وإِناا إِ ْن َشا َء ُ
اهلل بِ ُك ْم َلال َح ُق َ
ونَ ،وإِنااونَ ،غدً ا ُم َؤ اج ُل َ السالَ ُم َع َل ْي ُك ْم َد َار َق ْو ُم ُم ْؤمِنِي َنَ ،و َأ َتا ُك ْم َما ُتوعَدُ َومنها « :ا
ون ،ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر لهم» [رواه مسلم](.)4 ال ِح ُق َ إِ ْن َشا َء ُ
اهلل بِ ُك ْم َ
مسألة :من مر بمقربة غير مسورة ،استحب له السالم عليهم ،ولو لم يتقصد
( )1رواه الحاكم ( ،)532/1والبيهقي ( .)131/4قال العراقي يف تخريج اإلحياء (« :)2606/6رواه ابن أبي
الدنيا يف كتاب القبور بسند جيد» ،وِححه األلباين يف اإلرواء (.)115
( )2رواه مسلم ( )214من حديث عائشة ڤ.
( )3رواه مسلم ( )215من حديث بريدة ﭬ.
( )4رواه مسلم ( )214من حديث عائشة ڤ.
132
كـتـاب الـجـنائـز 740
ول اهللِ اس ﭭ َق َالَ :م ار َر ُس ُ الزيارة ،وبه قال جمهور العلماء()1؛ لحديث ا ْب ِن َع اب ُ
ورَ ،ي ْغ ِف ُر
الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم َيا َأ ْه َل ال ُق ُب ِ ِ ور ِ ِ
المدينَةَ ،ف َأ ْق َب َل َع َل ْي ِه ْم بِ َو ْج ِههَ ،ف َق َال « :اﷺ بِ ُق ُب ِ َ
اهلل َلنَا َو َل ُك ْمَ ،أ ْن ُت ْم َس َل ُفنَاَ ،ون َْح ُن بِاألَ َث ِر»(.)2
ُ
وروى ابن أبي شـيبة عن موسـى بن عقبة أنّه رأى سالم بن عبدال ّله ال يمر بلي ُل
الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم» َف ُق ْل ُت َل ُه
هنار بقربُ ّإال يس ّلم عليه ،ونحن مسافرون معه يقول « :ا وال ُ
َان َي ْصن َُع َذل ِ َك(.)3 يه َعن َأبِ ِ
يه َأ ان ُه ك َ ْ
فِي َذل ِ َكَ ،ف َأ ْخبرن ِ ِ
ََ
وقد كانت المقابر يف ذلك الوقت غير مسورة.
وإذا مر بمقربة مسورة ،فالمسألة محتملة ،فقيل :ال يسلم عليهم؛ ألنه ال يعترب
مار ًا ال سـيما إن كان ال يرى القبور.
وقيل :له السالم عليهم؛ لعموم الحديث ،وقد مر بالمقربة ،والسور ال يمنع
السالم ،واألمر واسع.
مسألة :يشـرع الذهاب للقبور بقصد السالم؛ لحديث عائشة ڤ عند مسلم
ول اهللِ ﷺ ي ْخرج مِن ِ
آخ ِر ال ال ْي ِل َان َل ْي َل ُت َها مِ ْن رس ِ ول اهللِ ﷺ ُك ال َما ك َ َان َر ُس ُ قالت :ك َ
َ ُ ُ ْ َ ُ
السالَ ُم َع َل ْي ُك ْم َد َار َق ْو ُم ُم ْؤمِنِي َن.»... إِ َلى ا ْل َب ِقيعَِ ،ف َي ُق ُ
ول « :ا
الميت بوجهه ،ويكون ظهره للقبلة ،وقيل:
َ قال بعض العلماء :يستقبل المسلم
عند الدعاء للميت يستقبل القبلة وليس فيه شـيء مرفوع للرسول ﷺ ،واألمر
واسع ما دام سالمًا على الميت ،وأما الدعاء له ،فاألولى استقبال القبلة.
وياوز رفع اليدين يف الدعاء لألموات ،كما فعل رسول اهلل ﷺَ « :حتاى َجا َء
ث مر ُ ِ ِ
ات»(.)4 ا ْل َبق َ
يعَ ،ف َر َف َع َيدَ ْيه َث َال َ َ ا
140
741 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
وأما رفعه عند قرب خاص بعد دفنه أو أثناء الزيارة ،فلم يثبت يف ذلك حديث عن
الرسول ﷺ ،وإنما يسلم على الميت ،ويستغفر له من غير رفع يدين ،وال إطالة.
قال الشـيخ ابن إبراهيم« :قد يعمل بعض الناس حال هذا الدعاء المشـروع
بشكل غير مشـروع ،وهو أن يقوم ِف يتقدمهم شخص قد يكون أمثلهم يدعون
هذا الدعاء ،كما أن رفع اليدين حال هذا الدعاء لم يرد فيه شـيء ،وهذا شـيء بدعة
لم يرد به سنة عن النبي ﷺ»(.)1
وأما زيارة قرب رسول اهلل ﷺ ،فال يتقصد الدعاء لنفسه عنده ،فإن تحري الدعاء
عند الحارة بعد السالم عليه ال أِل له ،ولم يفعله الصحابة ،وال التابعون لهم
بإحسان.
منهي عنه
ٌ فإن هذا ك ّله
قال شـيخ اإلسالم« :وال يدعو هنال مستقبل الحارةّ ،
با ّتفاق األئمة ،...وال يقف عند القرب للدّ عاء لنفسهّ ،
فإن هذا بدعةٌ ،ولم يكن أحدٌ
الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه»(.)2
من ّ
وقال مالك« :ال أرى أن يقف الرجل عند قرب النبي ﷺ يدعوا ،ولكن يسلم
على النبي ﷺ وعلى أبي بكر وعمر ،ثم يمضـي».
وهو المنقول عن ابن عمر أنه كان يقول« :السالم عليك يا رسول اهلل ،السالم
عليك يا أبا بكر ،السالم عليك يا أبت ،ثم ينصـرف ،وال يقف يدعو ،فرأى مالك
ذلك من البدع»(.)3
وإن دعا لنفسه من غير تقصد واعتقاد لتلك البقعة على غيرها ،فإنه يستقبل
القبلة وال يستقبل قرب رسول اهلل ﷺ باتفاق األئمة األربعة ،وأما عند السالم عليه
فيستقبل الحارة ،ويسلم عليه من تلقاء وجهه عند األئمة الثالثة خالفًا ألبي
141
كـتـاب الـجـنائـز 742
142
743 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
ِ
الس َال َمَ ،و َأ ْطع ُموا ال اط َعا َمَ ،و َِ ُّلوا بِال ال ْي ِل َوالن ُ
ااس ااس َأ ْف ُشوا ا
وقال ﷺَ « :يا َأ ُّي َها الن ُ
ن ِ َيا ٌمَ ،تدْ ُخ ُلوا ا ْل َانا َة بِ َس َال ُم»(.)1
ول اهللِ؟َ ،ق َال: وقال ﷺَ « :ح ُّق ا ْل ُم ْسلِ ِم َع َلى ا ْل ُم ْسلِ ِم ِس ٌّت» قِ َيلَ :ما ُه ان َيا َر ُس َ
«إِ َذا َل ِقي َت ُه َف َسل ْم َع َل ْي ِه.)2(»...
وللسالم فوائد ،منها :أن إفشاءه بين المسلمين يوجب المحبة ،واإللفة،
والعطف ،والمحبة شأهنا عظيم ،والسالم من موجباهتا ،وأداء حق أخيه المسلم،
وأولى النّاس بال ّله من بدأهم بالسالم ،وحصول الحسنات التي ِحت هبا
الروايات.
يم َوال ُّل ْط ُ ِ
ـــــف اـاس َد ْه ًـرا َلـ ْي َس َب ْيـن َُه ُم ُو ٌّد َف َي ْز َر ُعـــــ ُه الت ْاســـــل ُ
َقدْ َي ْم ُك ُث الن ُ
ُ
وقال ﷺَ « :ما َح َسدَ ْت ُك ْم ا ْل َي ُهو ُد َع َلى شـيء َما َح َسدَ ْت ُك ْم َع َلى ا
الس َال ِم
ين»(.)3 َوالت ْاأمِ ِ
َق َال مااهد« :كان عبداهلل بن عمر ﭭ يأخذ بيدي ،فيخرج إلى السوق يقول:
إين ألخرج وما لي حاجة إال ألسلم ويسلم علي ،فأعطي واحدة ،واخذ عشـرا ،يا
مااهد إن السالم من أسماء اهلل تعالى ،فمن أكثر السالم أكثر ذكر اهلل»(.)4
َ َ َ ُّ َ ُ
وردهُ :فرض ك ِفاية) :رد السالم واجب يف الاملة ،وقد ذكر ابن حزمُ ،وابن (
عبدالرب ،وشـيخ اإلسالم اإلجماع على وجوب الر ّد ،لكن هل وجوبه عيني أم
كفائي؟
المذهب :أنه على الكفاية إذا كانوا جماعة ،وإن كان واحد ًا فرده فرض عين،
( )1رواه ابن ماجه ( ،)3251والرتمذي ( )2465وِححه ،من حديث ابن سالم ﭬ.
( )2رواه مسلم ( )2162من حديث أبي هريرة ﭬ.
( )3رواه ابن ماجه ( )656من حديث عائشة ڤ .وِححه ابن خزيمة ،والبوِـيري يف مصباح الزجاجة
(.)106/1
( )4رواه البيهقي يف شعب اإليمان ( ،)6414وابن أبي شـيبة يف المصنف (.)246/5
143
كـتـاب الـجـنائـز 744
وياب أن يكون الرد فور ًا ،وأن يكون مسموعًا لمن ألقى السالم ،فإذا لم يسمعه
ال يسقط الفرض.
علي ﭬ قالَ :ق َال النابِ ُّي ﷺُ « :ي ْا ِز ُ َع ْن ا ْل َا َما َع ِة إ َذا َم ُّروا ودليلهم :حديث ٌّ
َأ ْن ُي َسل َم َأ َحدُ ُه ْمَ ،و ُي ْا ِز ُ َع ْن ا ْل ُا ُل ِ
وس َأ ْن َي ُر اد َأ َحدُ ُه ْم»(.)1
قالوا :الحديث وإن كان ضعيف السند ،إال أنه حسن لشواهده ،كما ذهب إلى
هذا النيسابوري ،واأللباين ،قال النووي« :األفضل أن يرد الاميع ،فإن رد واحد
سقط الحرج عن الباقين».
ُ
باماعة فس ّلم عليهم ،فلم ير ّدوا ڠ ،فقال: وسئل اإلمام أحمد عن رج ُل مر
«يسـرع يف خطاه ،ال تلحقه ال ّلعنة مع القوم»(.)2
ُّ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ُ
قوهل( :وتش ِميت العاط ِِس ،إذا محِد :فرض ك ِفاية .ورده :فرض عي).
إذا عطس المسلم ،فالسنة أن يحمد اهلل بقوله« :الحمد هلل» ،وياب على
السامع أن يشمته بقوله« :يرحمك اهلل» ،ثم يقول هو« :يهديكم اهلل ويصلح بالكم»،
وورد عن ابن عمر ﭭ« :ويغفر لنا ولكم»(.)3
لقوله ﷺ« :إِ َذا َع َطس َأحدُ ُكم َف ْلي ُق ْل :الحمدُ ل ِ ال ِه ،و ْلي ُق ْل َله َأ ُخوه َأو ِ ِ
اح ُب ُه: ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ َ
اهلل َو ُي ْصلِ ُح َبا َل ُك ْم»(.)4 ِ
اهللَ ،فإِ َذا َقا َل َل ُهَ :ي ْر َح ُم َك ُ
اهللَ ،ف ْل َي ُق ْلَ :ي ْهدي ُك ُم ُ َي ْر َح ُم َك ُ
َ َ َ
(إذا محِد) :إنما ياب تشميت العاطس إذا حمد اهلل ،فإذا لم يحمد فال يسن
( )1رواه أبو داود ( )5210من حديث علي ﭬ .وإسناده ضعيف؛ فيه سعيد بن خالد الخزاعي ،ضعيف،
ضعفه أبو زرعة ،وأبو حاتم ،وقال البخاري« :فيه نظر» .وقال الدارقطني« :الحديث غير ثابت» ،وقال ابن
حار يف الفتح (« :)1/11ويف سنده ضعف ،لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطرباين ،ويف
سنده مقال ،وآخر مرسل يف الموطأ عن زيد بن أسلم» ،وحسنه األلباين يف اإلرواء (.)116
( )2شـرح مسلم للنووي ( ،)324/1تحفة األحوذي ( ،)502/1عون المعبود ( ،)12/14غذاء األلباب
( ،)216/1الفقه على المذاهب األربعة (.)51/2
( )3رواه البخاري يف األدب المفرد ( ،)233وابن أبي شـيبة يف المصنف (.)211/5
( )4رواه البخاري ( )6224من حديث أبي هريرة ﭬ.
144
745 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
تشميته؛ لما يف الصحيحين عن أنس ﭬ قالَ :ع َط َس ِعنْدَ النابِي ﷺ َر ُج َال ِن،
ت ْاآل َخ َرَ ،ف َق َال ا ال ِذي َل ْم ُي َشم ْت ُهَ :ع َط َس ُف َال ٌن َف َش ام ات ُه،
َف َشم َت َأحدَ ُهما و َلم ي َشم ِ
َ َ َ ْ ُ ا
ِ ِ ِ
اهللَ ،وإِن َاك َل ْم َت ْح َمد َ
اهلل»(.)1 َو َع َط ْس ُت َأنَا َف َل ْم ُت َشمتْنيَ ،ق َال« :إِ ان َه َذا َحمدَ َ
َ ُ َ َ
(فرض ك ِفاية) :بين أن تشميت العاطس فرض كفاية ،وهذا مذهب الامهور:
أبو حنيفة ،ومالك ،وأحمد ،واختاره ابن رشد ،وابن العربي ،وابن حار ،فيكفي
الاماعة إذا عطس عندهم أحد أن يشمته أحدهم.
ول اهللِ؟َ ،ق َال:وقولـه ﷺَ « :ح ُّق ا ْل ُم ْسلِ ِم َع َلى ا ْل ُم ْسلِ ِم ِس ٌّت» قِ َيلَ :ما ُه ان َيا َر ُس َ
اس َتن َْص َح َك َفان َْص ْح َل ُهَ ،وإِ َذا َع َط َس «إِ َذا َل ِقي َت ُه َفسلم َع َل ْي ِهَ ،وإِ َذا َد َع َ ِ
ال َف َأج ْب ُهَ ،وإِ َذا ْ َ ْ
اهلل َف َسم ْت ُهَ ،وإِ َذا َم ِر َض َف ُعدْ ُهَ ،وإِ َذا َم َ
ات َفا اتبِ ْع ُه» [رواه مسلم](.)2 ِ
َف َحمدَ َ
وذهب الشافعي أنه سنة وأدب ،وحمل الحديث على الندب واألدب.
ِ
ب اهلل ُيح ُّ واختار ابن القيم أنه فرض عين؛ لما رواه البخاري عن النابِي ﷺ« :إِ ان َ
اهللَ ،ف َح ٌّق َع َلى ُكل ُم ْسلِ ُم َس ِم َع ُه َأ ْن ِ
اسَ ،و َي ْك َر ُه ال ات َث ُاؤ َبَ ،فإِ َذا َع َط َس َف َحمدَ َ
ال ُع َط َ
ُي َشم َت ُه»( ،)3فحري بالمسلم أن يحرص على هذا الحق تااه أخيه المسلم ،وأن ال
يحمله التكاسل على تشميته من يعطس عنده(.)4
ُّ َ ُ َ
(ورده :فرض عي) :أي رد العاطس على من شمته فرض عين عليه ،ال يقوم
اهلل َو ُي ْصلِ ُح َبا َل ُك ْم». ِ
غيره به؛ لقوله ﷺَ « :فإِ َذا َق َال َل ُهَ :ي ْر َح ُم َك ُ
اهللَ ،ف ْل َي ُق ْلَ :ي ْهدي ُك ُم ُ
وتشميت العاطس إلى ثالث ،وبعد الثالث ال يشمت؛ ألن رسول اهلل ﷺ قال
يف الثالثة لمن عطس عنده ثالث مرات« :هذا رجل مزكوم»(.)5
145
كـتـاب الـجـنائـز 746
ِ ِ
يح»(،)1 وقال علي ﭬَ « :شمت ا ْل َعاط َس َما َب ْين ََك َو َب ْينَ ُه َث َال ًثاَ ،فإِ ْن َزا َد َف ُه َو ِر ٌ
ات َف َشم ُتو ُهَ ،وإِ ْن ث مر ُ
وروي عن عمرو بن العاص ﭬ« :إِ َذا َع َط َس َأ َحدُ ُك ْم َث َال َ َ ا
َزا َد َف َال ُت َشم ُتو ُهَ ،فإِن َاما ُه َو َدا ٌء َي ْخ ُر ُج مِ ْن َر ْأ ِس ِه»(.)3()2
مسألة :إذا ترل العاطس الحمد فالثابت أن رسول اهلل ﷺ لم يذكّر التارل ،فلما
اهللَ ،وإِن َاك ِ
فالن فشمتّه ،وعطست أنا فلم تشمتني ،قال« :إِ ان َه َذا َحمدَ َ ٌ قال عطس
ِ
اهلل» هذا ظاهر السنة ،لكن لو نبهه إن كان ناسـيًا أو غافالً فال بأس؛ ألنه َل ْم َت ْح َمد َ
من التعليم والتعاون على الخير ،وقد عطس رجل عند اإلمام أحمد فلم يحمد اهلل،
فلما أراد أن يقوم قال له« :كيف تقول إذا عطست؟ قال :أقول :الحمد هلل ،قال أبو
عبداهلل :يرحمك اهلل» ،فإن كان جاهالً أو ناسـيًا فال بأس بتذكيره ،وأما إن كان
تركها ِعناد ًا أو مكابرة ،فال يذكره(.)4
ه َ َ ُ َ ُ َ ِّ ُ َ َ ُ َ َ ُ
مس). اجل ُم َع ِة قبل ُطل ِ
وع الش ِ وم ُ عرف الميت زائ ِره :ي
ِ (وي : قوهل
المذهب :أن الميت يعرف زائره ،وخصه بيوم الامعة قبل طلوع الشمس،
وتخصـيصه به ال دليل عليه.
وقد بحثها ابن القيم بتوسع يف كتابه الروح ،ورجح أن الميت يعرف زائره ،وأن
األرواح تتالقى ،وهذا اختيار شـيخ اإلسالم .واستدل بـ:
َان َي ْع ِر ُف ُه فِي الدُّ ْن َيا َف َس ال َم
يه ا ْل ُم ْؤمِ ِن ك َ قول رسول اهلل ﷺ« :ما مِن َأح ُد مر بِ َقب ِر َأ ِخ ِ
َ ْ َ َا ْ
َع َل ْي ِه إِ ا
ال َع َر َف ُه َو َر اد ڠ»(.)5
ول مِنْ ُه ْمَ ،غ ْي َر َأ ان ُه ْموقوله ﷺَ « :وا ال ِذي َن ْف ُس ُم َح ام ُد بِ َي ِد ِهَ ،ما َأ ْن ُت ْم بِ َأ ْس َم َع ل ِ َما َأ ُق ُ
146
747 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
َال َي ْستَطِي ُع َ
ون َأ ْن َي ُر ُّدوا َع َل اي شـي ًئا»(.)1
وقوله ﷺ« :إِ ان ا ْل َعبْدَ ،إِ َذا ُو ِض َع فِي َق ْب ِر ِهَ ،و َت َو الى َعنْ ُه َأ ِْ َحا ُب ُه ،إِ ان ُه َل َي ْس َم ُع َق ْر َع
يموا َح ْو َل َق ْب ِري َقدْ َر َما ِ ِ ِ
ن َعال ِه ْم» [متفق عليه] .وقول عمرو بن العاص ﭬُ « :ث ام َأق ُ
()2
اج ُع بِ ِه ُر ُس َل َربي»(.)3 ُتن َْحر َج ُزور َو ُي ْقسم َل ْحم َهاَ ،حتاى َأست َْأنِ َس بِ ُكمَ ،و َأ ْن ُظر ما َذا ُأر ِ
َ َ َ ْ ْ َ ُ ُ ٌ ُ
ار مِ َن ا ْل ُم ْؤمِنِي َن السالَ ُم َع َل ْي ُك ْم َأ ْهل الد َي ِ وقوله ﷺ يف السالم على الموتى « :ا
ون». اهلل بِ َك ْم َلال َِح ُق َ ِِ
َوا ْلمـُ ْسلمي َنَ ،وإِناا إِ ْن َشا َء ُ
خطاب لمن يسمع ويعقل ،ولوال ذلك لكان هذا ٌ قال ابن القيم« :وهذا
الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والاماد ،قال :ويقوي ذلك المرائي الكثيرة،
وهي من باب( :أرى رؤياكم قد تواطأت)».
وقال العز بن عبدالسالم« :وال ّظاهر ّ
أن الميت يعرف الزائر؛ ألنّا أمرنا بالسالم
عليهم ،والشـرع ال يأمر بخطاب من ال يسمع».
وقال شـيخ اإلسالم« :قد جاءت اآلثار بتالقيهم وتعارفهم ،وعرض أعمال
األحياء على األموات».
ومن أهل العلم من قال :إن األموات ال يعرفون زائرهم ،وال يسمعون
كالمهم ،واستدلوا :بعموم قوله تعالى﴿ :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ ،وقالوا:
النصوص السابقة ،منها :ما هو خاص ،كحال قتلى بدر ،ومنها :ما هو مخصوص
بحال الدفن ،وهو سمع قرع النعال ،ومنها :ما هو ضعيف ،كحديث معرفة المسلم
من يسلم عليه.
والتوقف عن الخوض يف أمثال هذه المسائل أولى وأسلم؛ ألهنا من الغيب
الذي ال يمكن القول فيه إال بنص قاطع ،وإنما يفعل المسلم المشـروع من الزيارة،
141
كـتـاب الـجـنائـز 748
( )1فتاوى العز بن عبدالسالم ص ( ،)44ماموع الفتاوى ( ،)331/24الروح ص ( ،)6 ،1مرعاة المفاتيح
( ،)263/3اآليات البينات يف عدم سماع األموات لآللوسـي.
( )2شـرح منتهى اإلرادات (.)364/1
( )3رواه الرتمذي ( ،)226وأبو داود ( ،)3132وابن ماجه ( ،)1610وأحمد ( )1151من حديث عبداهلل بن
جعفر ﭬ .وحسنه الرتمذي ،واأللباين يف أحكام الانائز ص ( ،)211وِححه الحاكم ،وابن الملقن يف
البدر المنير (.)355/5
( )4رواه ابن ماجه ( ،)1612وأحمد ( .)6205وِححه النووي يف الماموع ( ،)320/5والبوِـيري يف
مصباح الزجاجة ( ،)53/2واأللباين يف أحكام الانائز ص (.)210
146
749 ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ
فَصْ ٌ
وقد كره الالوس يف البيوت للتعازي جماعة ،منهم :اإلمام الشافعي ،وقالوا:
بل ينبغي أن ينصـرفوا يف حوائاهم ،فمن ِادفهم عزاهم ،وال فرق بين الرجال
والنساء ،ولم يؤثر هذا عن النبي ﷺ ،والصحابة ،وتقدمت المسألة.
ُ
ألمور ،منها: وكره العلماء إطعام أهل الميت للنااس ،ووضع الوالئم لهم؛
أن هذا خالف أمر رسول اهلل ﷺ بقوله« :اِنعوا آلل جعفر طعامًا».
وألن االجتماع يف بيت الميت على هذه الصفة عده بعض أهل العلم من
النياحة ،كما قال جرير ﭬُ « :كناا نَرى ِاالجتِماع إِ َلى َأ ْه ِل ا ْلمي ِ
ت َو َِنْ َع َة ال اط َعا ِم َ ْ َ َ َ
اح ِة». ِ
م َن الن َي َ
ألن ذلك يكون يف السـرور ال يف ال ألهل الميت وتكليفًا لهم؛ ّ وألن فيه إشغا ً
المصائب(.)1
مسألة :وأما إهداء القرب لألموات ،فالذي عليه كثير من العلماء أن الميت
ينتفع بإهداء الثواب إليه من ِدقة وحج.
قال شـيخ اإلسالم« :أما الصدقة عن الميت ،فإنه ينتفع هبا باتفاق المسلمين،
وكذلك ينفعه الحج ،واألضحية عنه ،والعتق ،والدعاء ،واالستغفار له بال نزاع بين
األئمة»(.)2
واألئمة متفقون على أن الصدقة تصل إلى الميت ،وكذلك العبادات المالية
كالعتق ،وإنما تنازعوا يف العبادات البدنية ،كالصـيام ،والصالة ،والقراءة.
ات َو َع َل ْي ِه ِـيا ٌم
وقد جاء قضاء الصـيام الواجب عن الميت يف قوله ﷺَ « :م ْن َم َ
َِا َم َعنْ ُه َول ِ ُّي ُه»(.)3
142
كـتـاب الـجـنائـز 750
وقال شـيخ اإلسالم« :الصحيح أنه ينتفع الميت باميع العبادات البدنية من
الصالة والصوم والقراءة ،كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والعتق ونحوها
باتفاق األئمة» ،واألمر كما قال شـيخ اإلسالم ،إال أنه لم يكن من عادة السلف إذا
ِلوا ،أو ِاموا تطوعًا ،أو حاوا تطوعًا ،أو قرؤوا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى
أموات المسلمين ،فال ينبغي العدول عن طريق السلف ،فإنه أفضل وأكمل(.)1
َ َُ َ َ ُ ُ َ ََ ه ُ
ري).
ِ باخل : عفِ نت وي .ه ِند
ع ر
ِ نكبالم ى:أذ ت وي( : قوهل
فياب على المسلم أن يحرتم قبور المسلمين ،فال يفعل المعاِـي عندها،
وال يبارز بالفسوق قريبًا منها.
قال شـيخ اإلسالم« :وقد استفاضت األخبار بمعرفة الميت بحال أهله
وأِحابه يف الدّ نيا ،وأن ذلك يعرض عليه ،وأنه يرى ويدري بما يفعل عنده ،ويسـر
بما كان حسنا ،ويتألم بما كان قبيحا»(.)2
150
751 فهرس املوضوعات
e F
فهرس املوضوعات
151
فهرس موضوعات 752
152
753 فهرس املوضوعات
153
فهرس موضوعات 754
154
755 فهرس املوضوعات
155
فهرس موضوعات 756
156
757 فهرس املوضوعات
151
فهرس موضوعات 758
156
759 فهرس املوضوعات
152
فهرس موضوعات 760
160
761 فهرس املوضوعات
َف ْص ٌل يف َ
الا ْم ِع 562 -----------------------------------
الامع يف الحضـر 564 ----------------------------------
ضابط المطر الذي يامع فيه 566 ----------------------------
شروأ جمع التقديم 510 ---------------------------------
شروأ جمع التأخير 511 ---------------------------------
الخ ِ
وف 514 ------------------------------- َفص ٌل يف ِ ِ
الة َ َ ْ
حاالت المصلي مع ِفات ِالة الخوف 512 --------------------
الا ُم َع ِة 562 ---------------------------------- ِ
باب َِالة ُ
ُ
فضل وخصائص يوم الامعة 562 ---------------------------
شـروأ وجوب ِالة الامعة 563 ---------------------------
َشرو ِ
أ ِِ احة الخطبة 522 -------------------------------- ْ
أركان الخطبة 523 ------------------------------------
َف ْص ٌل يف مسائل مهمة متعلقة بصالة الامعة 602 -------------------
مسألة :تعدد إقامة الامعة يف البلد الواحد 604 --------------------
در َل ال ُا ُم َع ًة؟ 605 ----------------------------------بم ت َ
ِفات التنفل بعد الامعة 606 -----------------------------
قراءة سورة الكهف يف يوم الامعة 606 -------------------------
مسألة :ساعة إجابة يف يوم الامعة 602 -------------------------
مسألة :إذا وافق العيد يوم الامعة 611 -------------------------
مسألة :االغتسال لصالة الامعة 612 --------------------------
مسألة :ما يشـرع فعله يف يوم الامعة من السنن 613 ------------------
مسألة :حاز المكان يف المساد 615 --------------------------
الة ِ
العيدَ ي ِن 611 --------------------------------- باب ِ ِ
ُ َ
مسألة :ح َفالت تخريج الطلبة لحفظ القرآن والسنة 611 ---------------
161
فهرس موضوعات 762
162
763 فهرس املوضوعات
163
فهرس موضوعات 764
164