You are on page 1of 764

‫زاد الراغب‬

‫يف شـرح دليل الطالب اجلزء األول‬

‫‪1‬‬
‫تستبدل بصفحة حقوق الطبع‬
‫اخلاصة بالناشر‬

‫‪2‬‬
‫تستبدل أيضا هذه الصفحة خبط خطاط‬
‫الكتاب إن وجد‬

‫زاد الراغب‬
‫يف شـرح دليل الطالب اجلزء األول‬

‫‪3‬‬
4
‫‪5‬‬ ‫مـقـدمــة املؤلف‬

‫‪e‬‬ ‫‪E‬‬
‫‪F‬‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫( ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران‪.]102:‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء‪.]1:‬‬

‫(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [األحزاب‪ .]11:‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن أعظم أمر ينبغي للمسلم أن يهتم به هو معرفة دين اإلسالم بأدلته وما بعث‬
‫اهلل به محمد ًا ﷺ‪ ،‬وطريق هذا هو طلب العلم الشـرعي‪.‬‬
‫وهذا شـرح متوسط لكتاب دليل الطالب لنيل المطالب يف مذهب إمام أهل‬
‫السنة أحمد بن حنبل تأليف الشـيخ مرعي الكرمي ‪ $‬قصدت منه تقريب ما حواه‬
‫الكتاب بشرح لفظه وبيان المذهب بدليله وتعليله وتصور المسألة بال تطويل‬
‫ليكون بين يدي الراغب يف ضبط فقه مذهب اإلمام أحمد دون الخوض يف‬
‫الخالفات إال ما ال بد منه‪.‬‬
‫ويف بداية هذا الشـرح أبين بعض المقدمات‪:‬‬
‫املقدمة األوىل‪ :‬العلم الشـريع من أعظم ما عمرت به األوقات‪ ،‬وشغلت به‬
‫الساعات‪ ،‬و ُتقرب به إلى رب الربيات وأهله عند اهلل يف المنازل العاليات‪ ،‬فهم‬
‫ورثة األنبياء وحراس الشـريعة وحفظة دين اإلسالم وفضائله وشـرف أهله وثواب‬
‫طالبه كثيرة‪ ،‬ذكر ابن القيم يف كتابه [مفتاح دار السعادة] أكثر من مائة وخمسين‬

‫‪5‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪6‬‬

‫وجهًا لفضل العلم‪.‬‬


‫ــــر َب عنـــــ ُه نـــــاطِ ٌق بِ َفـ ِ‬
‫ــــم‬ ‫أ ْذ ٌن ْ‬
‫وأعـ َ‬ ‫است ََم َع ْت‬ ‫وأحلى ما َل ُه ْ‬ ‫أغ َلى ْ‬ ‫ـــم ْ‬ ‫الع ْل ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ــوب َوطال ِ ُبـــ ُه‬ ‫ـــرف َم ْطلـ ُ‬ ‫ِ‬
‫ْـــر ُم َمـــن َي ْمشــــي َعلـــى َقـــدَ ِم‬ ‫هلل أك َ‬ ‫ـــم أشـ ُ‬ ‫الع ْلـــ ُ‬
‫ـم‬ ‫ـال فِــي ال ُّظ َلـ ِ‬‫والا اهـ ُ‬ ‫ِ‬
‫الســعا َدة ُ‬‫أهـ ُـل ا‬ ‫ْ‬ ‫الع ْلــــــم نـــور مبِـــين يستَضــــيء بِـ ِ‬
‫ــه‬ ‫ُ‬ ‫ٌ ُ ٌ َْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬

‫ضـين مِ ْن َل َم ِم‬‫َ‬ ‫واألر‬


‫ْ‬ ‫ات‬‫أهل السماو ِ‬
‫ُ ّ َ‬ ‫ـاحبِ ِه‬‫ـاح يس ـ َت ْغ ِفر لِصـ ِ‬
‫ْ‬ ‫ــم يــا َِـ ِ َ ْ‬ ‫الع ْلـــ ُ‬
‫ِ‬

‫ــم‬ ‫ــان طري ًقـــا بـــار ُ الن َاسـ ِ‬‫الانـ ِ‬


‫إ َلـــى ِ‬ ‫طريق ِ‬
‫الع ْل ِ‬
‫ــــم َي ْسـ ُل ُك ُه ْم‬ ‫َ‬ ‫والسال ِ َ‬
‫كون‬ ‫ا‬
‫ـــو ِح وا ْلــــ َق َل ِم‬ ‫ِ‬ ‫لــم ال َت ْب ِغــي بــه َبــدَ ال‬ ‫الع ِ‬‫يــا طالِــب ِ‬
‫ورب ال ال ْ‬ ‫ف َقدْ َظف ْـر َت َ‬ ‫َ‬
‫ـم َيـن َِم‬ ‫َلو يع َلم ا ْلـــمرء َقدْ ر ِ‬
‫الع ْل ِ‬ ‫ـــو ني ال انْثِنَـــا َء َلـــ ُه‬
‫ـــز ُم َق ِ‬
‫واج َهـــدْ بِ َع ْ‬
‫ـــم َل ْ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫ْ‬
‫فطلب العلم سبب لفتح أبواب الانان‪ ،‬لقوله ﷺ‪َ « :‬و َم ْن َس َل َك َط ِري ًقا َي ْلــت َِم ُس‬
‫ـان ِاة» [رواه مسلم](‪ ،)1‬وِاحبه يف عبادة تفوق‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫فيه ع ْلــمًا َس اه َل اهلل َل ُه بِه َط ِري ًقا إِ َلى ا ْل َ‬
‫ال بالعلم ومذاكرته َق َال م َعاذ ﭬ‪َ « :‬ع َل ْي ُكم‬ ‫نوافل الصالة والصـيام مادام مشغو ً‬
‫بِ َط َلب ا ْلعلم‪َ ،‬فإِن تعلمه هلل خشـية ومدارسته ع َبا َدة ومذاكرته َت ْسبِيح والبحث َعن ُه‬
‫ِج َهاد»‪.‬‬
‫والعلم رفع ٌة لصاحبه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ﴾ [الماادلة‪.]11 :‬‬
‫ول‪َ « :‬م ْن َس َل َك َط ِري ًقا‬ ‫ــه ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ول ال ال ِ‬ ‫وعن َأبِي الدا ْر َد ِاء ﭬ قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ـان ِاة‪َ ،‬وإِ ان ا ْل َـمالَئِ َك َة َلت ََض ُع َأ ْجن ِ َحت ََها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــما َس َل َك ال الـ ُه بِه َط ِري ًقا م ْن ُط ُر ِق ا ْل َ‬
‫ي ْط ُل ِ ِ ِ‬
‫ب فيه ع ْل ً‬ ‫َ ُ‬
‫ات َو َم ْن فِي‬ ‫ـم ِر ًضا بما يصنع‪ ،‬وإِ ان ا ْلـعالِم َليس َت ْغ ِفر َله من فِي السمو ِ‬
‫ا ََ‬ ‫َ َ َْ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب ا ْل ِ‬
‫ـع ْل ِ‬ ‫ل ِ َطال ِ ِ‬
‫ف ا ْلـم ِ‬
‫اء‪َ ،‬وإِ ان َف ْض َل ا ْلـ َعال ِ ِم َع َلى ا ْلـ َعاب ِ ِد َك َف ْض ِل ا ْلـ َق َم ِر َل ْي َل َة‬ ‫َان فِي جو ِ‬ ‫ض وا ْل ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ـحيت ُ‬ ‫األَ ْر ِ َ‬
‫اء‪َ ،‬وإِ ان األَ ْنبِ َيا َء َل ْم ُي َور ُثوا ِدين ًَارا‬ ‫ب‪ ،‬وإِ ان ا ْلع َلماء ور َث ُة األَ ْنبِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ ََ‬ ‫ا ْلـ َبدْ ِر َع َلى َسائ ِر ا ْل َك َواك ِ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )2622‬عَ ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫مـقـدمــة املؤلف‬

‫ـم َف َم ْن َأ َخ َذ ُه َأ َخ َذ بِ َح نظ َوافِ ُر»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬


‫ور ُثوا ا ْلـع ْل َ‬
‫ال د ْر َه ًما َوإنما ا‬
‫و َ ِ‬
‫َ‬
‫ـاحب ِـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـح َبا‬ ‫ـم ال َقـ ِـري ُن إذا مــا َِـ ٌ َ‬ ‫ن ْعـ َ‬ ‫ـــر ال َن َفــــا َد َلــــ ُه‬ ‫ـــز َو ُذ ْخـ ٌ‬ ‫الع ْلـ ُ‬
‫ـــم َكنْـ ٌ‬
‫الــذ ال والحر َبــا‬ ‫يــل َو َي ْل َقــى ُّ‬ ‫َع امــا َقلِ ٌ‬ ‫ال ُث ا‬
‫ــم ُي ْح َر ُمــ ُه‬ ‫َقــدْ ُيــدْ ِر ُل َ‬
‫الم ْــر ُء َمــا ً‬
‫ِ ِ‬ ‫ــوأ بِـ ِ‬
‫ــه َأ َبـــد ًا‬ ‫ــاحب ِ‬
‫الع ْلـ ِ‬ ‫وِ ِ‬
‫والســـل َبا‬
‫ــو َت ا‬ ‫َفـــال ُي َحـــاذ ُر منْـــ ُه ال َفـ ْ‬ ‫ــم َم ْغ ُبـ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ـــــــد َلن بِ ِ‬
‫ـــــــه ُدرا وال َذ َه َبـــــــا‬ ‫ال َتع ِ‬ ‫الـذ ْخ ُر َت ْا َم ُعـ ُه‬ ‫ـم ُّ‬ ‫الع ْل ِ ِ‬
‫يا جـامِع ِ‬
‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ـم ن ْع َ‬ ‫َ َ َ‬
‫فحري بطالب العلم أن يشكر اهلل أن وفقه لسلول هذا الطريق‪ ،‬ويبذل فيه وقته‬
‫وجهده وماله فالعلم ال ُينال براحة الاسم بل البد من الاد واالجتهاد‪.‬‬
‫ــــم أو َم ْلـــــ َب ِ‬
‫ــــن َه ُّمـــــ ُه يف َم ْط َعـ ُ‬ ‫ــــم َلــــ ْي َس َينَا ُلــــ ُه‬ ‫اع َلــــم ب َ ِ‬
‫س‬ ‫َمـ ْ‬ ‫ــــأ ان الع ْل َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫اريــــــًا أو ُم ْكتَســـــــي‬ ‫يف حا َل َتي ِ‬
‫ـــــه َع ِ‬ ‫ـــم الـــذي يعنَـــى بِ ِ‬
‫ـــه‬ ‫إال َأ ُخـــو ِ‬
‫الع ْل ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُْ‬
‫واحرص على الثبات يف الطلب‪ ،‬وعدم الكسل حتى تنال مرادل وليكن‬
‫شعارل‪« :‬مع المحربة إلى المقربة»‪ ،‬وأبشـر بثواب ذلك إن أخلصت‪.‬‬
‫واحرص على أن تتخلق بأخالق أهل العلم‪ ،‬واِحب معك اإلخالص‬
‫والتواضع‪ ،‬وطبق ما تعلمته من السنن واألحكام لتكون قدوة لغيرل‪« :‬ومن عمل‬
‫بما علم علمه اهلل ما لم يعلم»‪.‬‬
‫واحرص على مالزمة الشـيوخ‪ ،‬وحضور الدروس‪ ،‬وإدمان النظر يف الكتب‪،‬‬
‫وحفظ األِول خاِة الكتاب والسنة‪ ،‬وسؤال اهلل التوفيق والسداد‪ ،‬فهذا طريقك‬
‫لتكون من علماء المسلمين الذين يرثون األنبياء‪.‬‬
‫املقدمة اثلانية‪ :‬من أعظم العلوم اليت ينبيغ ىلع الطالب بذل وسعه يف‬
‫حتصـيلها‪ :‬معرفة األحاكم الشـرعية بادليلل واتلعليل؛ وهذا ُل ُّ‬
‫ب العلم وأساسه‬
‫وغايته‪ ،‬فمن وفق لتحصـيله فقد أِبح من علماء الشـريعة؛ ولذا اهتم العلماء‬
‫قديمًا وحديثًا بتدوين المسائل واألحكام وبيان الدليل والتعليل‪ ،‬وألفوا يف هذا‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3641‬والرتمذي (‪ ،)2662‬وابن ماجه (‪.)223‬‬

‫‪1‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪8‬‬

‫المؤلفات‪ ،‬منها‪ :‬المطوالت والمختصـرات والحواشـي والمنظومات‪ ،‬وهذا كله‬


‫تيسـير للطلبة وتقريب العلم لهم وجمع للمسائل؛ ليسهل عليهم معرفتها‪ ،‬والموفق‬
‫من وفقه مواله وبارل له فيما أعطاه‪.‬‬
‫والتفقه يف الدين من أجل القرب‪ ،‬والفقهاء العاملون مِن أكرم الخلق على اهلل‬
‫فهم كالناوم التي ُيهتدى هبا‪ ،‬وهم قائمون يف األمة مقام األنبياء يف تعزيز الدين‬
‫ونشـر ميراث سـيد المرسلين ﷺ‪ ،‬وللفقه والفقهاء وماالس التفقه فضائل؛ فمنها‪:‬‬
‫فقه ُه اهلل يف الدين كان دليالً على أن اهلل أراد به خير ًا؛ كما يف الصحيحين‬ ‫أن من َ‬
‫اهلل بِ ِه َخ ْي ًرا ُي َفق ْه ُه فِي الد ِ‬
‫ين»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬م ْن ُي ِرد ُ‬
‫ومن ِفات األخيار يف األمة‪« :‬الفقه يف الدين»؛ ففي الصحيحين أن رسول اهلل‬
‫اهلِ اي ِة ِخ َيار ُهم يف ِ‬
‫اإل ْسالَ ِم إِ َذا‬ ‫ِ‬
‫خيار ُهم يف الا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ قال‪َ « :‬ت ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ااس َم َعاد َن‪َ ،‬ف َ ُ ْ‬ ‫ادُ َ‬
‫ون الن َ‬
‫َف ُق ُهوا»(‪.)2‬‬
‫وماالس الفقه غنيمة ال ينبغي التفريط فيها‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [الكهف‪ .]26 :‬قال يحيى بن كثير‪ :‬هي‬
‫ماالس الفقه‪.‬‬
‫والتفقه يف الدين أفضل من كثير من النوافل وأثره يف األمة أكرب؛ قال الحسن‪:‬‬
‫«ألن أتعلم بابًا من العلم ُفأعلمه مسلمًا أحب إلى من أن تكون لي الدنيا كلها‬
‫أجعلها يف سبيل اهلل»‪ .‬وقال أبو الدرداء ﭬ‪« :‬مذاكر ٌة للعلم ساعة خير من قيام‬
‫ليلة»‪.‬‬
‫والفقهاء أفضل من ال ُع اباد؛ كما قال ﷺ‪َ « :‬ف ْض ُل ا ْلـــ َعال ِ ِم َع َلى ا ْلـــ َعاب ِ ِد َك َف ْض ِل‬
‫ب‪ ،‬وإِ ان ا ْلـــع َلماء ور َث ُة األ َ ْنبِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‪َ ،‬وإِ ان األَ ْنبِ َيا َء‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ََ‬ ‫ا ْلـــ َق َم ِر َل ْي َل َة ا ْلـــ َبدْ ِر َع َلى َسائ ِر ا ْلـــ َك َواك ِ َ‬
‫ـــم َف َم ْن َأ َخ َذ ُه َأ َخ َذ بِ َح نظ َوافِ ُر»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َلم يور ُثوا ِدينَارا و َ ِ‬
‫ال د ْر َه ًما‪ ،‬وإنما َو ار ُثوا ا ْلـــع ْل َ‬ ‫ً َ‬ ‫ْ َُ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)11‬ومسلم (‪ )1031‬عن معاوية ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3304‬ومسلم (‪ )1256/4( )2526‬عن أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪9‬‬ ‫مـقـدمــة املؤلف‬

‫فالتفقه يف الشـرع عبادة عظيمة؛ قال الزهري‪« :‬ما ُعبِدَ اهلل بمثل الفقه»‪.‬‬
‫والفقه هو دعامة الدين و ُلب الشـريعة‪ ،‬فعلى طالب العلم أن يبذل يف طلبه‬
‫وسعه ويفني فيه عمره ويقرن هذا بالدليل من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫املقدمة اثلاثلة‪ :‬انلاس جتاه كتب الفقه ىلع أصناف ثالثة‪:‬‬
‫ِنف غلوا فيها‪ ،‬وتعصبوا لما ذكره أِحاب مذهبهم ولو جاءهم الحق‬
‫مخالفًا لما يف مذهبهم لردوه؛ وهذا خطأ و غلو مذموم‪.‬‬
‫وِنف جفوها وذموا المشتغلين بالفقه‪ ،‬وهذا جفاء وِاحبه يحرم علمًا كثير ًا‬
‫ويأيت بأقوال شاذة لم يسبق إليها‪.‬‬
‫وِنف توسطوا بين هذين الصنفين‪ ،‬ومنهاهم مبني على معالم‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أن كتب الفقه كنز عظيم وثروة هائلة وفيها علم غزير ال يوجد يف غيرها‪ ،‬ومن‬
‫َقصـر يف النظر فيها بان الخلل يف علمه‪.‬‬
‫تحديد كتاب يف الفقه ودراسة ما فيه من المسائل وتصورها واالستفادة منه‪.‬‬
‫عدم التعصب لمذهب معين‪ ،‬بل إذا كان المذهب مخالفًا للنص قالوا بما وافق‬
‫الكتاب والسنة ولو خالف المذهب‪ ،‬وهذا منهج أكابر العلماء؛ وطريقتهم يف‬
‫التعامل مع ما كتبه الفقهاء رحمهم اهلل مبنية على أِلين‪:‬‬
‫األول‪ :‬االستفادة من كتب العلماء والفقهاء‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬عدم التعصب ألحد غير محمد ﷺ؛ كما قرر هذا أئمة هذا الشأن‪.‬‬
‫قال اإلمام مالك‪« :‬كل يؤخذ من قوله ويرتل إال ِاحب هذا القرب وأشار إلى‬
‫الحارة»‪ .‬وقال الشافعي‪« :‬إذا رأيتم قولي مخالفًا للحديث‪ ،‬فخذوا بالحديث‪،‬‬
‫واضـربوا بقولي الادار»‪.‬‬
‫منهج العلماء ممن نشؤا بعد تدوينها‬
‫ُ‬ ‫واالستفادة من كتب الفقه ودراستها‬
‫كشـيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن كثير وابن مفلح وابن عبد‬
‫الرب والعز بن عبد السالم والنووي والذهبي وأئمة الدعوة وغيرهم من علمائنا‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪10‬‬

‫وهذا هو المنهج األتم والطريقة المثلى لتحصـيل علم الشـريعة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫املقدمة الرابعة‪ :‬للحنابلة يف الفقه كتب مهمة‪:‬‬
‫األول‪[ :‬مختصـر الخرقي]‪ :‬وهو من أشهر المختصـرات يف مذهب اإلمام‬
‫أحمد‪ ،‬وهو مختصـر بديع لم يشتهر متن عند المتقدمين اشتهاره‪ ،‬واعتنى به‬
‫العلماء حتى قال الشـيخ عز الدين المصـري‪« :‬ضبطت للخرقي ثالثمائة شـرح»‪.‬‬
‫وقال الربمكي‪« :‬عدد مسائل الخرقي ألفان وثالثمائة مسألة»‪.‬‬
‫وأعظم شـروحه وأشهرها‪[ :‬المغني] لإلمام موفق الدين المقدسـي‪.‬‬
‫وطريقته يف هذا الشـرح‪ :‬أنه ياعل المسألة من الخرقي كالرتجمة‪ ،‬ثم يأيت على‬
‫شـرحها وتبيينها وما دلت عليه من المسائل بمنطوقها ومفهومها‪ ،‬ثم يتبع ذلك ما‬
‫يشبهها مما ليس بمذكور يف الكتاب‪.‬‬
‫ويبين غالبًا روايات اإلمام هبا‪ ،‬ويتصل البيان بذكر األئمة من أِحاب‬
‫المذاهب األربعة من ماتهدي الصحابة والتابعين وتابعيهم وما لهم من الدليل‬
‫ال من أولئك األقوال على طريقة فن الخالف والادل‪،‬‬ ‫والتعليل‪ ،‬ثم يرجح قو ً‬
‫ويتوسع يف فروع المسألة فأِبح كتابه مفيد ًا للعلماء على اختالف مذاهبهم‪.‬‬
‫قال ابن مفلح‪« :‬اشتغل الموفق بتأليف المغني أحد كتب اإلسالم فبلغ األمل يف‬
‫إهنائه‪ ،‬وهو كتاب بليغ يف المذهب تعب فيه وأجاد فيه‪ ،‬وجمل به المذهب وقرأه‬
‫عليه جماعة‪ ،‬وأثنى ابن غنيمة على مؤلفه؛ فقال‪ :‬ما أعرف أحدا يف زماننا أدرل‬
‫درجة االجتهاد إال الموفق‪.‬‬
‫وقال الشـيخ عز الدين ابن عبدالسالم‪« :‬ما رأيت يف كتب اإلسالم مثل المحلى‬
‫البن حزم وكتاب المغني للشـيخ موفق الدين يف جودهتما وتحقيق ما فيهما‪ ،‬ونقل‬
‫عنه أنه قال‪ :‬لم تطب نفسـي باإلفتاء حتى ِارت عندي نسخة المغني»‪.‬‬
‫وذكر عن الزيراين‪« :‬أنه طالع المغني ثالثًا وعشـرين مرة وعلق عليه حواشـي»‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪11‬‬ ‫مـقـدمــة املؤلف‬

‫الثاين‪[ :‬المقنع]‪ :‬البن قدامة‪ ،‬وهو وسط وجامع ألكثر األحكام عارية عن‬
‫الدليل والتعليل‪ .‬وقد اشتهر عند العلماء قريبًا من اشتهار مختصـر الخرقي‪.‬‬
‫وأوىف شـروحه [الشـرح الكبير]‪ .‬البن أبي عمر المقدسـي فإنه شـرحه شـرحًا‬
‫وافيًا سماه بالشايف واعتمد يف جمعه على كتاب المغني‪ ،‬وذكر فيه من غيره ما لم‬
‫ياده فيه من الفروع والوجوه والروايات‪ ،‬ولم يرتل من كتاب المغني إال شـيئًا‬
‫يسـير ًا من األدلة‪.‬‬
‫وكتاب [اإلنصاف يف معرفة الراجح من الخالف] للمرداوي قيده على المقنع‪،‬‬
‫النكباب الناس عليه‪ ،‬وذكر فيه الروايات الواردة يف المسائل عن اإلمام أحمد‪ ،‬مع‬
‫بيان الراجح منها بالقياس على قواعده وأِوله ونصوِه‪ ،‬وكثير ًا ما يضع تنبيهات‬
‫وفوائد وثمرات الخالف يف المذهب مما تقر به عين الفقيه‪.‬‬
‫الثالث‪[ :‬اإلقناع لطالب االنتفاع]‪ :‬للعالمة موسـى الحااوي‪:‬‬
‫وقد شـرحه البهويت شـرحًا مفيد ًا بكتابه [كشاف القناع عن متن اإلقناع]‪.‬‬
‫الرابع‪[ :‬الفروع] للشـيخ أبي عبداهلل محمد بن مفلح المتوىف سنة (‪163‬هـ)‪.‬‬
‫قال ابن بدران‪« :‬وهذا الكتاب قل أن يوجد نظيره»‪ .‬وقال الحافظ ابن حار يف‬
‫الدرر الكامنة‪ِ« :‬نف ابن مفلح الفروع يف مالدين أجاد فيهما إلى الغاية‪ ،‬وأورد‬
‫فيه من الفروع الغريبة ما هبر به العلماء»‪ .‬وقال ابن كثير‪« :‬كان مؤلفه بارعًا فاضال‬
‫متفننًا يف علوم كثيرة والسـيما علم الفروع‪ ،‬وله على المقنع نحو ثالثين مالدة»‪.‬‬
‫الخامس‪[ :‬منتهى اإلرادات يف جمع المقنع مع التنقيح وزيادات]‪ :‬وهو كتاب‬
‫مشهور وعمد ٌة لمتأخري الحنابلة وعليه الفتوى فيما بينهم تأليف ابن الناار‪ ،‬جمع‬
‫فيه بين المقنع البن قدامة والتنقيح للمرداوي وزاد عليهما أشـياء مهمة‪.‬‬
‫وقد اعتمده المتأخرون حتى كاد ينسـي ما قبله من متون المذهب‪ ،‬فعكف‬
‫الناس عليه شـرحًا وتحشـي ًة واختصار ًا وجمعًا له مع غيره‪ ،‬وهو مع اإلقناع‬
‫عليهما مدار الفتيا ومرجع القضاء‪ ،‬فإذا اختلفا رجع األِحاب إلى غاية المنتهى‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪12‬‬

‫وشـرح منتهى اإلرادات البهويت شـيخ الحنابلة يف عصـره المتوىف (‪1051‬هـ)‪.‬‬


‫السادس‪[ :‬عمدة الفقه]‪ :‬وهو كتاب مختصـر يف الفقه البن قدامة جرى فيه على‬
‫قول واحد مما اختاره‪ ،‬وهو سهل العبارة يصلح للمبتدئين‪ ،‬وقد شـرحه ابن تيمية‪،‬‬
‫ومن شـروحه المعاِـرة النافعة‪ :‬شـرح د‪ .‬الاربين‪.‬‬
‫السابع‪[ :‬زاد المستقنع]‪ :‬للعالمة موسـى الحااوي‪ ،‬وهو مختصـر يف الفقه من‬
‫كتاب المقنع البن قدامة على قول واحد وهو الراجح يف مذهب أحمد ومن‬
‫شـروحه‪ :‬الروض المربع شـرح زاد المستقنع للبهويت والشـرح الممتع على زاد‬
‫المستقنع البن عثيمين‪.‬‬
‫الثامن‪[ :‬دليل الطالب]‪ :‬متن مختصـر مشهور تأليف العالمة مرعي بن يوسف‬
‫الكرمي المتوىف سنة (‪1033‬هـ)‪ ،‬وهو كتابنا الذي نشـرحه‪ ،‬اختصـره الشـيخ مرعي‬
‫الكرمي من كتاب [منتهى اإلرادات]‪ ،‬البن الناار المتوىف سنة (‪212‬هـ)‪.‬‬
‫و [دليل الطالب لنيل المطالب] من المتون المعتمدة عند متأخري علماء‬
‫المذهب‪ ،‬وهو يتميز بسهولة عبارته ووضوح داللته وحسن ترتيبه وعنايته بالتقعيد‬
‫والشروأ واألعداد واستيعابه وإياازه واختصاره من منتهى اإلرادات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ين َن ْيــــــــــل َم َطالِـ‬
‫ـــــــــب‬ ‫يف الــــــــــد ِ‬ ‫يـــــــــا مـــــــــن يـــــــــروم بِ ِف ْق ِهـ ِ‬
‫ــــــــه‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ـــــــــب‬‫ـــــــــل ال اطال ِ‬
‫َ‬ ‫ـــــــــظ َدل ِ ْي‬
‫ْ‬ ‫اح َف‬ ‫ِ‬ ‫ا ْقــــــــــر ْأ ل ِ‬
‫َو ْ‬ ‫المنْت ََهــــــــــى‬
‫شـــــــــــرح ُ‬ ‫َ‬
‫ودليل الطالب‪ :‬من متون المذهب الحنبلي الذي اعتمد مؤلفه رواية واحدة‬
‫وقرر أهنا هي المذهب‪ ،‬وهذا المنهج سلكه جماعة من أِحاب المتون؛ كالخرقي‬
‫يف [مختصـر الخرقي]‪ ،‬وابن عقيل يف [التذكرة]‪ ،‬وابن قدامة يف [عمدة الفقه]‪،‬‬
‫والحااوي يف [زاد المستقنع]‪.‬‬
‫[ودليل الطالب] للشـيخ مرعي ‪-‬على اختصاره‪ -‬يتميز بميزات كثيرة ومنها‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬وضوح عبارته وسالسة ألفاظه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنه مختصـر من كتاب منتهى االرادات البن الناار وهو عمدة للحنابلة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬‬ ‫مـقـدمــة املؤلف‬

‫ثالثًا‪ :‬أن هذا المتن ُخدم بخدمات جليلة‪ ،‬ومن شـروحه‪:‬‬


‫[نيل المآرب] شـرح دليل الطالب للشـيخ الفقيه عبد القادر التغلبي المتوىف‬
‫سنة (‪1135‬هـ)‪.‬‬
‫[منار السبيل] تأليف الشيخ ابن ضويان المتوىف (‪1353‬هـ)‪ ،‬وهو من علماء‬
‫وشـرح ُه متقن وجامع بين الدليل والتعليل‪ ،‬وقد اهتم المؤلف‬
‫ُ‬ ‫الرس بالقصـيم‪،‬‬
‫بذكر الدليل من الكتاب والسنة واختيارات شـيخ اإلسالم‪ :‬فهو خالِة مركزة‪.‬‬
‫وقد اتوج هذا الكتاب المفيد العالمة األلباين‪ :‬المتوىف (‪1420‬هـ) فقام بتخريج‬
‫أحاديث منار السبيل وحكم على كل حديث‪ ،‬وبين شواهده يف كتاب سماه‪[ :‬إرواء‬
‫الغليل تخريج أحاديث منار السبيل] طبع يف تسعة مالدات مع الفهارس‪.‬‬
‫ولكنه قد سكت عن أحاديث لم يحكم فيها؛ وبين السبب تارة بقوله‪« :‬لم أقف‬
‫عليه»‪ ،‬وتارة بقوله‪« :‬لم أره»‪.‬‬
‫وهنالك تكملة لما لم يخرجه وهو‪[ :‬التكميل لما فات تخرياه من إرواء‬
‫الغليل] للشـيخ ِالح آل الشـيخ‪ ،‬فقد تتبع جلها إال قليالً‪ .‬و [التحايل يف تخريج‬
‫ما لم يخرج من األحاديث واآلثار يف إرواء الغليل] للشـيخ الطريفي‪.‬‬
‫التاسع‪ [ :‬غاية المنتهى ] ‪ :‬كتاب مفيد للشـيخ مرعي الكرمي جمع‬
‫فيه بين اإلقناع والمنتهى وسلك فيه مسالك الماتهدين ‪ ،‬فأورد فيه‬
‫اتااهات له كثيرة يعنوهنا بل فظ ويتاه‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬للحنابلة ثالثة متون حازت اشتهارا أيما اشتهار‪:‬‬
‫أولها‪[ :‬مختصـر الخرقي] وشهرته عند المتقدمين سارت مشـرقًا ومغربًا‬
‫وأحسن شـروحه المغني البن قدامة‪.‬‬
‫الثاين‪[ :‬المقنع البن قدامة] واشتهر عند علماء المذهب قريبًا من اشتهار‬
‫مختصـر الخرقي‪ ،‬وأحسن شـروحه شـرح ابن أبي عمر‪.‬‬
‫الثالث‪[ :‬منتهى اإلرادات] يف جمع المقنع مع التنقيح وزيادات البن الناار‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪14‬‬

‫املقدمة اخلامسة‪ :‬ترمجة إمام املذهب أمحد بن حنبل‪:‬‬


‫هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل الشـيباين‪ .‬إمام أهل السنة‪ ،‬ولد يف بغداد‬
‫سنة (‪164‬هـ)‪ .‬وتوىف أبوه وهو ابن ثالث سنين‪ ،‬فكفلته أمه ورعته وتابعته يف العلم‬
‫وهو ِغير وموقفها معه مشهور‪ .‬و ُينسب إلى جده لشهرته وتويف سنة (‪241‬هـ)‪.‬‬
‫وسفيان بن‬
‫تتلمذ على يدي عدد كبير من العلماء ومنهم‪ :‬اإلمام الشافعي‪ُ ،‬‬
‫عيينة‪ ،‬ووكيع بن الاراح‪ ،‬ويحيى القطان‪ ،‬ويزيد بن هارون‪ ،‬وعبدالرزاق‬
‫الذهبي‪« :‬فعدة شـيوخه الذين روى عنهم يف‬
‫ّ‬ ‫الصنعاين‪ ،‬وغيرهم‪ .‬قال الحافظ‬
‫المسند مئتان وثمانون ونيف»‪.‬‬
‫وتتلمذ على اإلمام أحمد عدد كثير من العلماء‪ ،‬ورحل إليه الناس من أماكن‬
‫والبخاري‪ ،‬ومسلم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بعيدة ليسمعوا منه‪ ،‬ومنهم‪ :‬ابناه عبداهلل وِالح‪ ،‬وأبو ُزرعة‪،‬‬
‫وأبو داود ِاحب السنن‪ ،‬واألثرم‪ ،‬وأبو يعلى الموِلي ِاحب المسند‪،‬‬
‫والميموينّ‪ ،‬وابن هانئ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد امتاز اإلمام أحمد‪ :‬بالحفظ الواسع‪ ،‬واالطالع الكثير‪ ،‬شهد له بذلك‬
‫حفاظ األمة و ُمحدثوها‪.‬‬
‫قال علي بن المديني‪« :‬ليس يف أِحابنا أحفظ من أبي عبداهلل أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫إال أنّه ال ُيحدث إال من كتابه‪ ،‬ولنا فيه أسو ٌة حسنة»‪.‬‬
‫وقال ابنه عبداهلل‪« :‬لم يكتب سواد ًا يف بياض إال حفظه»‪.‬‬
‫وقال ابنه عبداهلل‪ :‬قال لي أبو ُزرعة‪ :‬أبول يحفظ ألف ألف حديث‪ .‬فقيل له‪:‬‬
‫وما يدريك؟ قال‪ :‬ذاكرته فأخذت عليه األبواب‪.‬‬
‫التابعي‪ ،‬وما‬
‫ّ‬ ‫الذهبي‪« :‬وكانوا يعدُّ ون يف ذلك المكرر‪ ،‬واألثر‪ ،‬وفتوى‬
‫ّ‬ ‫قال‬
‫ُفسـر‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وإال فالمتون المرفوعة القوية ال تبلغ ُعشـر معشار ذلك»‪.‬‬
‫خرجت من بغداد‪ ،‬وما َخ ال ُ‬
‫ــفت هبا أحد ًا أتقى وال‬ ‫ُ‬ ‫قال شـيخه ِ‬
‫اإلمام الشافعي‪« :‬‬
‫أورع وال أعلم من أحمد بن حنبل»‪ ،‬وكفى هبذه شهادة من شـيخه وإمام عصـره‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪15‬‬ ‫مـقـدمــة املؤلف‬

‫وقال شـيخه عبدالرزاق‪« :‬ما قدم علينا أحدٌ كان يشبه أحمد بن حنبل»‪.‬‬
‫وقال الذهبي‪« :‬كان أحمد عظيم الشأن‪ ،‬رأسًا يف الحديث‪ ،‬ويف الفقه‪ ،‬ويف التأ ّله‪.‬‬
‫أثنى عليه خلق من خصومه‪ ،‬فما الظن بإخوانه وأقرانه‪ ،‬وكان مهيبًا يف ذات اهلل‪ .‬حتى‬
‫قال أبو عبيد القاسم بن سالم ما هبت أحد ًا يف مسألة ما هبت أحمد بن حنبل»‪.‬‬
‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫رأيت أحد ًا أجمع لكل خير من أحمد‪ ،‬وقد‬‫ُ‬ ‫وقال يحيى الشامي‪« :‬ما‬
‫سفيان بن عيينة ووكيعًا وعدة من العلماء‪ ،‬فما رأيت مثل أحمد يف علمه‪ ،‬وفقهه‪،‬‬
‫وزهده‪ ،‬وورعه»‪.‬‬
‫وقال يحيى بن معين‪« :‬كان يف أحمد خصال ما رأيتها يف عالم قط‪ :‬كان محدثًا‬
‫وكان حافظًا‪ ،‬وكان عالمًا‪ ،‬وكان ورعًا‪ ،‬وكان زاهد ًا‪ ،‬وكان عاقالً»‪.‬‬
‫وقال تلميذه أبو داود ِاحب السنن‪« :‬لقيت مائتين من مشايخ العلم‪ ،‬فما‬
‫رأيت مثل أحمد بن حنبل لم يكن يخوض فيما فيه النااس من أمر الدنيا‪ .‬فإذا ُذكر‬
‫العلم تكلم»‪.‬‬
‫وقال أبو داود أيضًا‪« :‬كانت ماالس أحمد بن حنبل ماالس اآلخرة‪ .‬ال ُيذكر‬
‫رأيت أحمد ذكر الدنيا قط»‪.‬‬
‫فيها شـيء من الدنيا‪ .‬ما ُ‬
‫وقال الحافظ ابن كثير‪« :‬وقد ِناف أحمد يف الزهد كتابًا حافالً عظيمًا‪ ،‬لم‬
‫ُيسبق إلى مثله‪ ،‬ولم َي ْلـــحقه أحدٌ فيه‪ .‬والمظنون بل المقطوع به أنّه إنّما كان يأخذ‬
‫بما أمكنه منه»‪.‬‬
‫املقدمة السادسة‪ :‬فقه اإلمام أمحد مبين ىلع مخسة أصول‪ ،‬ويه‪:‬‬
‫األول‪ :‬النصوص‪ ،‬فإذا وجد النّص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى من خالفه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما أفتى به الصحابة‪ ،‬فإناه إذا وجد لبعضهم فتوى ال ُيعرف له مخالف‬
‫منهم فيها لم َي ْعدُ ها إلى غيرها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إذا اختلف الصحابة تخ اير من أقوالهم ما كان أقرهبا إلى الكتاب‬
‫والسناة‪ ،‬ولم يخرج من أقوال الصحابة‪ ،‬فإن لم يتب اين له موافقة أحد األقوال‪ ،‬حكى‬

‫‪15‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪16‬‬

‫الخالف فيها‪ ،‬ولم يازم بقول‪.‬‬


‫الرابع‪ :‬األخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن يف الباب شـيء يدفعه‪،‬‬
‫وهو الذي رجحه على القياس وليس المراد بالضعيف عنده الباطل وال المنكر وال‬
‫ما يف روايته متهم‪ ،‬بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام‬
‫إجماعا‬
‫ً‬ ‫أثرا يدفعه وال قول ِحابي وال‬
‫الحسن الذي ينارب‪ ،‬فإذا لم ياد يف الباب ً‬
‫على خالفه كان العمل به عنده أولى من القياس لشدة تمسكه بالحديث‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬قولنا ا‬
‫إن الحديث الضعيف خير من الرأي‪ ،‬ليس المراد به‪:‬‬
‫لكن المراد به‪ :‬الحسن‪ ،‬كحديث‪ :‬عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫الضعيف المرتول‪ّ ،‬‬
‫الرتمذي حديثه أو‬
‫ّ‬ ‫ممن ُيحسن‬
‫الهاري‪ ،‬وأمثالهما ا‬
‫ّ‬ ‫جده‪ ،‬وحديث‪ :‬إبراهيم‬
‫ُيصححه»‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬القياس‪ ،‬فإذا لم يكن عند اإلمام أحمد يف المسألة نص‪ ،‬وال قول‬
‫ِحابة‪ ،‬أو أحد منهم‪ ،‬وال أثر مرسل أو ضعيف‪ ،‬عدل إلى األِل الخامس وهو‪:‬‬
‫القياس‪ ،‬فاستعمله للضـرورة‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬فهذه األِول الخمسة من أِول فتاويه‪ ،‬وعليها مدارها‪ .‬وقد‬
‫يتوقف يف الفتوى‪ ،‬لتعارض األدلة عنده‪ .‬أو الختالف الصحابة فيها‪ ،‬أو لعدم‬
‫اطالعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫وكان يرى الكراهة والمنع لإلفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف‪ ،‬كما قال‬
‫لبعض أِحابه‪ :‬إيال أن تتكلم يف مسألة ليس لك فيها إمام‪.‬‬
‫وكان يسوغ من استفتاء فقهاء الحديث وأِحاب مالك‪ ،‬ويدل عليهم‪ ،‬ويمنع‬
‫من استفتاء من ُيعرض عن الحديث‪ ،‬وال يبني مذهبه عليه وال يسوغ العمل‬
‫بفتواه‪.»...‬‬
‫وكان اإلمام الفقيه أبو ثور‪ُ :‬يفضل أحمد بن حنبل على بعض األئمة الكبار‪.‬‬
‫قال المروذي‪« :‬حضـرت أبا ثور وقد ُسئل عن مسألة‪ .‬فقال‪ :‬قال أبو عبداهلل‬

‫‪16‬‬
‫‪17‬‬ ‫مـقـدمــة املؤلف‬

‫أحمد بن حنبل شـيخنا وإمامنا فيها‪ :‬كذا وكذا»‪.‬‬


‫وقال ابن ماكوال‪« :‬كان أعلم النااس بمذاهب الصحابة والتابعين»‪.‬‬
‫الاوزي يصف فقه أحمد‪« :‬قد خرج عنه اختيارات بناها على‬‫ّ‬ ‫وقال ابن‬
‫األحاديث بنا ًء ال يعرفه أكثرهم‪ ،‬وخرج من دقيق الفقه ما ليس نراه ألحد منهم‪،‬‬
‫وانفرد بما سلموه له من الحفظ‪ ،‬وشاركهم وربما زاد على كبارهم»‪ .‬هذا بعض ما‬
‫يتعلق بعلمه‪ :‬والكالم عليه يطول‪.‬‬
‫املقدمة السابعة‪ :‬مؤلف كتاب [ديلل الطالب] هو الشـيخ مريع بن يوسف‬
‫الكريم املقدسـي األزهري املصـري احلنبيل‪ ،‬وهو القائل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ـــاس األئِ امــــ َة إِنانِــــي لفي َم ْذ َه ِ‬ ‫ِ‬
‫الح ْب ِر ا ْب ِن َحنْ َب َـل َراغ ُ‬
‫ـب‬ ‫ب َ‬ ‫َلــــئ ْن َق الــــدَ الناـ ُ‬
‫ون م َ ِ‬ ‫ــــــق َقو َلــــــه وللن ِ ِ‬
‫ب‬
‫ـــذاه ُ‬ ‫يمـــا َي ْع َشـــ ُق َ َ‬ ‫اـــاس ف َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْــــــوا ُه َو َأ ْع َش ُ ْ‬
‫ُأ َقلــــــدُ َفت ُ‬
‫ولد الشـيخ مرعي يف طولكرم‪ ،‬ولكن سنة والدته غير معروفة‪ ،‬ثم رحل إلى‬
‫مصـر حيث الاامع األزهر وسكن مصـر حتى وفاته سنة (‪1033‬هـ)‪.‬‬
‫ومن مشايخه العالمة محمد بن أحمد المرداوي القاهري‪ ،‬فقيه الحنابلة يف‬
‫عصـره‪ ،‬والشـيخ يحيى بن موسـى الحااوي‪.‬‬
‫وقد أثنى عليه العلماء؛ قال عثمان النادي‪« :‬كانت له اليد الطولى يف معرفة‬
‫الفقه وغيره»‪ .‬وقال ابن بدران‪« :‬هو أحد أكابر علماء هذا المذهب»‪.‬‬
‫املقدمة اثلامنة‪ :‬منهج الشـرح اذلي نسـري عليه هو‪:‬‬
‫‪ -1‬شـرح متن الدليل وبيان المراد من عباراته‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ما فيه من مسائل وفوائد‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان األقسام والحاالت لهذه المسائل‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان الدليل أو التعليل لما يذكره المصنف من غير إطالة‪.‬‬
‫‪ -5‬إن كان ما ذكره مرجوحًا بينت الرواية األخرى مع دليلها وتعليها بإيااز‪.‬‬
‫‪ -6‬أضـيف يف كل باب أو فصل مهمات المسائل التي لم يتطرق لها المؤلف‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪18‬‬

‫‪ -1‬بالنسبة للخالف يف المسائل‪:‬‬


‫إن كانت من المسائل الكبار أشـرت للخالف فيها باختصار‪.‬‬
‫وإن كانت من غير المشهورات أشـير إلى الخالف أحيانًا وأحيانًا أتركه وأقرر‬
‫الراجح مع دليله‪.‬‬
‫وال أطيل يف ذكر الخالف يف المسائل؛ ألن هذا من منهج كتب الخالف‬
‫كالمغني والماموع واالستذكار وغيرها‪ ،‬وإنما أردت أن يعرف الطالب المسألة‬
‫ومثالها وتصويرها وفروعها وحاالهتا مع معرفة دليل المذهب وتعليله وفهم‬
‫المسألة‪ ،‬وأحيانًا أذكر الخالف ليتمرس الطالب عليه‪ ،‬وليعلم أن يف المسألة‬
‫نزاعًا‪ ،‬فإذا بنى الطالب نفسه وأ اِل منهاه وأراد التوسع فكتب العلماء متوفرة‬
‫وهلل الحمد‪ ،‬ولقناعتي أن أقرب طريقة للتفقه يف بداية الطلب عدم اإلطالة يف ذكر‬
‫الخالفات إال يف المسائل الكبار والمشهورات‪ ،‬والرتكيز على متن فقهي ومعرفة‬
‫مسائله وأدلته‪ .‬واهلل أعلم بالصواب‪.‬‬
‫مختصـرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -6‬قمت بتخريج أحاديث الكتاب تخرياًا‬
‫‪ -2‬اعتمدت يف الشرح النسخة التي حققها الشيخ‪ /‬أحمد الاماز‪.‬‬
‫وهذا هو اجلزء األول من زاد الراغب يف شـرح ديلل الطالب يف طبعته‬
‫اجلديدة‪ ،‬ويتضمن شـرح‪( :‬كتاب الطهارة‪ ،‬والصالة‪ ،‬اجلنائز) تحت كل كتاب‬
‫أبواب وفصول ومسائل كثيرة‪ ،‬وقد حرِت فيه على شرح عبارة المصنف وبيان‬
‫المذهب‪ ،‬وأهم المسائل الملحقة مع العناية بالدليل والتعليل والتمثيل والتقاسيم‬
‫بعبارة واضحة دون تطويل ممل وال تقصير مخل‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن يوفقني فيه للصواب وينفع به ويضع له القبول وياعله عمال ً‬
‫ِالحًا‪ ،‬ويغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتانا وإخواننا ومشايخنا وطالبنا‬
‫وأحبابنا والمسلمين أجمعين‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪19‬‬ ‫مقدمة املـــنت‬

‫‪e‬‬ ‫‪J‬‬
‫‪F‬‬
‫الرمحن ه‬ ‫ه‬
‫اَّللِ ه‬
‫حيم)‪.‬‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫بسم‬
‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫ابتدأ المؤلف كتابه بالبسملة‪ ،‬وهذا مستحب أن تبدأ به الرسائل والكتابات‪:‬‬
‫ال‪ :‬اقتدا ًء بكتاب اهلل ‪ ‬حيث ُبدئت كل ُس َور ِه بذلك إال التوبة‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬اتباعًا لسنة رسوله ﷺ حيث كان يبتد هبا يف كتاباته كما يف كتابه لهرقل‬
‫وِلح الحديبية‪.‬‬
‫ال وتأدبًا ومراعاة؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮎ ﮏ‬
‫ثالثًا‪ :‬تربكًا بذكر اسم اهلل تعالى أو ً‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الحارات‪.]1 :‬‬
‫الر ِح ْي ِم‪َ :‬أ ْق َطع»(‪،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وأما حديث‪ُ « :‬ك ُّل َأم ُر ِذي َب ُ‬
‫ال ي ْبدَ ُأ فيه بِبِ ْس ِم اهلل ا‬
‫الر ْح َم ِن ا‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫ال‬ ‫فإنه ضعيف ال تقوم بمثله حاة‪ .‬ويف المسند مرفوعًا‪ُ « :‬ك ُّل َكالَمُ‪َ ،‬أ ْو َأم ُر ِذي َب ُ‬
‫ْ‬
‫ُي ْفت َُح بِ ِذك ِْر اهللِ‪َ ،‬ف ُه َو َأ ْبت َُر‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬أ ْق َط ُع»(‪ .)2‬وهو ضعيف أيضًا‪.‬‬
‫ي)‪.‬‬ ‫احلمد هَّلل َر ِّب العالَم َ‬
‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استفتح كتابه بحمد اهلل اقتداء برسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقد ِح عنه ﷺ أنه كان يبدأ يف‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫خطبه بالحمد‪ ،‬وأما حديث‪ُ « :‬ك ُّل َأم ُر ِذي َب ُ‬
‫ع» [أخرجه ابن‬ ‫ال ُي ْبدَ ُأ فيه بِا ْل َ‬
‫ـــح ْمد‪َ ،‬أ ْق َط ُ‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫ماجه](‪ .)3‬فهو حديث ضعيف‪ ،‬وقد رجح بعض أهل العلم إرساله‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الخطيب البغدادي يف الاامع ألخالق الراوي وآداب السامع (‪ )60/2‬عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ‪.‬‬
‫وضعفه ابن حار يف فتح الباري (‪ ،)220/6‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد يف مسنده (‪ )6621‬عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه (‪- )1624‬هبذا اللفظ‪ ،-‬وعند النسائي يف الكربى (‪ ،)10326‬بلفظ‪« :‬بحمد اهلل فهو‬
‫أقطع»‪ .‬وأبو داود (‪ ،)4640‬بلفظ‪« :‬بِا ْل َح ْمدُ لِله َف ُه َو َأ ْج َذ ُم»‪ .‬عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ‪ .‬وضعفه ابن حار يف فتح‬
‫الباري (‪ ،)220/6‬واأللباين يف إرواء الغليل حديث رقم (‪ .)2‬وقد رجح بعض العلماء أنه مرسل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬والتلخيص الحبير (‪.)151/3‬‬

‫‪12‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪20‬‬

‫والحمد‪ :‬هو ذكر المحمود بصفات الكمال محبة وتعظيمًا‪.‬‬


‫ولم يذكر خطبة الحاجة‪ :‬وقد خرج أِحاب السنن‪ ،‬وحسنه الرتمذي‪َ ،‬ع ْن‬
‫ـح ْمدَ لِله‬ ‫ول اهللِ ﷺ ُخ ْطب َة ا ْلــح ِ‬ ‫َعب ِدال ال ِ‬
‫اجة‪« :‬إِ ان ا ْل َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ــه بن مسعود َق َال‪َ :‬ع ال َـمنَا َر ُس ُ‬ ‫ْ‬
‫شـرور َأ ْن ُف ِسنَا‪َ ،‬م ْن َي ْه ِد اهلل َفالَ ُم ِض ال َل ُه‪َ ،‬و َم ْن ُي ْضلِ ْل‬
‫ِ‬ ‫ن َْست َِعينُ ُه َون َْس َت ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬و َن ُعو ُذ ب ِ ِه مِ ْن‬
‫ال إِ َل َه إِ اال اهلل‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه ﴿ﭑ ﭒ‬ ‫اد َي َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ ْن َ‬ ‫َفالَ َه ِ‬

‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [النساء‪﴿ ،]1 :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [آل عمران‪﴿ ،]102 :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾‬
‫[األحزاب‪.)1(»]11 ،10 :‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬حديث ابن مسعود لم يخص النكاح وإنما هي خطبة لكل‬
‫حاجة يف مخاطبة العباد بعضهم لبعض»‪.‬‬
‫فالبداية هبا مطلوبة‪ ،‬وهي مقدا َمة على غيرها من الخطب ألمور‪:‬‬
‫ما فيها من جمع الثناء والصالة على رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫أهنا ثابتة من فعله ﷺ‪ ،‬كحديث ابن عباس ﭭ يف قصة ضماد أنه بدأ هبا لما‬
‫خاطبه(‪ ،)2‬وحديث ابن مسعود ﭬ حيث علمها الصحابة ﭫ؛ ولذا استحب‬
‫البداءة هبا طائفة منهم شـيخ اإلسالم واأللباين‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬ولهذا اس ُتحبت وفعلت يف مخاطبة الناس بالعلم عمومًا‪،‬‬
‫وخصوًِا من تعليم الكتاب والسنة والفقه يف ذلك‪ ،‬وموعظة الناس وماادلتهم‬
‫أن ُيفتتح هبذه الخطبة الشـرعية النبوية»‪.‬‬
‫وحسنه‪ ،‬والنسائي (‪ ،)3211‬وابن ماجه‬
‫ا‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ )2116‬هبذا اللفظ‪ ،‬والرتمذي (‪)1105‬‬
‫(‪ ،)1622‬وِححه ابن الملقن يف البدر (‪.)530/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف ِحيحه (‪.)666‬‬

‫‪20‬‬
‫‪21‬‬ ‫مقدمة املـــنت‬

‫إال أنه ال يؤمر اإلنسان بالتزامها يف كل خطبة وأمر‪ ،‬فلم ينقل عن رسول اهلل ﷺ‬
‫التزامه هبا‪ ،‬وكذا الذي سار عليه علماء اإلسالم من الصحابة ومن بعدهم لم ينقل‬
‫عنهم التزام البداءة هبا يف كل رسالة وخطاب‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب(‪.)1‬‬
‫وم ِّ‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫رشيك َهلُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه هُ‬ ‫ُ‬
‫ين)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ادل‬ ‫ي‬ ‫ِك‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ه‬‫وحد‬ ‫اَّلل‬ ‫قوهل‪( :‬وأشهد أن ال هلإ إال‬
‫أي أقر وأعرتف بأنه ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وهذا األمر أعظم فريضة‬
‫على العباد علمًا وعمالً؛ ألجلها ُأرسلت الرسل‪ ،‬و ُأنزلت الكتب‪ ،‬و ُنصبت‬
‫الموازين‪ ،‬وجردت السـيوف للاهاد‪ ،‬وقامت سوق الانة والنار‪ ،‬وانقسم الناس‬
‫إلى مؤمنين وكفار‪ ،‬وهي حق اهلل على العبيد‪.‬‬
‫فالتوحيد الذي هو حق اهلل على العبيد‪ :‬أن ُيعبد اهلل وال ُيشـرل به شـيئا ف ُيتقرب‬
‫إليه بما يحب من األقوال واألفعال الظاهرة والباطنة وال يصـرف شـيئا منها لغير اهلل؛‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾‬
‫[النحل‪ ،]36:‬وقوله‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [النساء‪ ،]36 :‬وهذا األمر الخطير‬
‫هو الذي ا‬
‫زل فيه أكثر الخلق‪ ،‬وحصلت الخصومة فيه بين الرسل وقومهم‪.‬‬
‫وفضائله وثماره وما أعد اهلل ألهله كثيرة‪ ،‬فأهل التوحيد هم أولياء اهلل وحزبه‬
‫وأحبابه وسكان جنته يغفر اهلل به الذنوب ويعظم به األجور‪.‬‬
‫َ‬
‫ألحاك ِم َ َ‬
‫رشائ ِع ِّ‬ ‫ُ ه َُه ً َ ُ ُ َ ُ ُُ ُ‬
‫الم َب ِّ ُ‬
‫ين)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ادل‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫قوهل‪( :‬وأشهد أن ُممدا عبده ورسوهل‪،‬‬
‫أي أقر وأعرتف بأن محمد ًا عبد هلل وأنه نبي مرسل‪ ،‬وأنه بلغ البالغ المبين‪،‬‬
‫ومعنى الشهادة له بالرسالة‪ ،‬هو «طاعته فيما أمر‪ ،‬وتصديقه فيما أخرب‪ ،‬واجتناب ما‬
‫عنه هنى وزجر وأال يعبد اهلل إال بما شـرع»‪.‬‬
‫والمنهج الوسط فيه ﷺ هو أن ُيامع له بين العبودية لرب العالمين والرسالة‬
‫والنبوة‪ ،‬وهذا هو الوسط بين أهل اإلفراأ والتفريط‪.‬‬

‫(‪ )1‬تصحيح الدعاء ص(‪ ،)454‬مالة البحوث (‪ ،)262/ 56‬الفتاوى (‪.)261/16‬‬

‫‪21‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪22‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬الفائ ُِز «بمنتىه اإلرادات» مِن َربه)‪.‬‬
‫فالرسول ﷺ فاز بأعلى المقامات الدينية واألخروية فضالً من اهلل‪ ،‬وفيه إشارة‬
‫إلى أن هذا الكتاب مختصـر من كتاب [منتهى اإلرادات يف جمع المقنع والتنقيح‬
‫وزيادات] للعالمة الفتوحي الشهير بابن الناار‪ .‬وهو عمدة المتأخرين يف المذهب‬
‫وعليه الفتوى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فمن تمسك بَشيعته‪َ ،‬‬‫َ‬
‫فهو مِن الفائ ِِزين)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫أي من تمسك هبدي الرسول ﷺ‪ ،‬واتبع شـرعه واقتدى بسنته فاز وناا يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وعلى قدر اتباعه يكون الفالح والفوز؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [طه‪ ،]123 :‬وقوله سبحانه‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ﴾ [آل عمران‪.]32 ،31 :‬‬
‫ـــانا َة إِ ا‬
‫ال َم ْن‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪ُ « :‬ك ُّل ُأ امتِي َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ون ا ْل َ‬ ‫ويف ِحيح البخاري َأ ان َر ُس َ‬
‫ـــاناةَ‪َ ،‬و َم ْن َع َصانِي‬ ‫ِ‬ ‫َأبى! َقا ُلوا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬و َم ْن َي ْأ َبى؟ َق َال‪َ :‬م ْن َأ َطا َعني َد َخ َل ا ْل َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫َف َقدْ َأ َبى» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه‬
‫يع األنبياءِ والمرسلي)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬صىل اَّلل وسلم علي ِه وىلع مج ِ‬
‫ال ألمر اهلل حيث أمر بذلك‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ‬
‫ِلى على رسول اهلل ﷺ امتثا ً‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‬
‫[األحزاب‪.]56:‬‬
‫ولألحاديث الكثيرة المرغبة هبذا األمر‪ ،‬كما يف ِحيح مسلم‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ‬
‫احدَ ًة َِ الى اهلل َع َل ْي ِه َعشـرا»(‪.)2‬‬
‫قال‪« :‬من ِ الى َع َلي و ِ‬
‫ا َ‬ ‫َ ْ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف ِحيحه (‪ )6651‬عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف ِحيحه (‪ )406‬من حديث أبي هريرة مرفوعًا‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪23‬‬ ‫مقدمة املـــنت‬

‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪َ « :‬أ ْو َلى الناا ِ‬


‫س‬ ‫وروى الرتمذي وحسنه‪َ ،‬عن ا ب ِن مسع ُ‬
‫ود‪َ ،‬أ ان َر ُس َ‬ ‫ْ ْ َ ْ ُ‬
‫الق َيا َم ِة َأ ْك َث ُر ُه ْم َع َل اي َِالَ ًة»(‪.)1‬‬
‫بِي يوم ِ‬
‫َْ َ‬
‫وذكر ابن القيم يف كتابه جالء األفهام واحد وأربعين موطنًا يتأكد فيها الصالة‬
‫على رسول اهلل ﷺ ما بين واجب ومستحب‪.‬‬
‫وآكدها يف الصالة يف آخر التشهد‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على مشـروعيته‪،‬‬
‫واختلفوا يف وجوبه‪.‬‬
‫ادَ‬ ‫وعند دخول المساد وعند الخروج منه؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُكم ا ْلمس ِ‬
‫ُ َ ْ‬
‫اب َر ْح َمتِ َك‪َ ،‬فإِ َذا َخ َر َج َف ْليَ ُق ْل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف ْل ُي َسل ْم َع َلى النابِي ﷺ‪ُ ،‬ث ام ل َي ُق ْل‪ :‬ال ال ُه ام ا ْفت َْح لي َأ ْب َو َ‬
‫ال ال ُه ام إِني َأ ْس َأ ُل َك مِ ْن َف ْضلِ َك» [أخرجه أبوداود](‪.)2‬‬
‫وبعد إجابة المؤذن وعند اإلقامة؛ لما روى مسلم أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا‬
‫ول ُث ام َِ ُّلوا َع َل اي‪َ ،‬فإِ ان ُه َم ْن َِ الى َع َل اي َِ َال ًة َِ الى‬ ‫َس ِم ْع ُت ُم ا ْل ُم َؤذ َن‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫اهلل ل ِ َي ا ْل َو ِسي َلةَ‪َ ،‬فإِن َاها َمن ِْز َل ٌة فِي ا ْل َان ِاة‪َ ،‬ال َتنْ َب ِغي إِ اال ل ِ َع ْب ُد‬ ‫ِ‬
‫اهلل َع َل ْيه بِ َها َع ْش ًرا‪ُ ،‬ث ام َس ُلوا َ‬
‫الش َفا َع ُة»(‪.)3‬‬ ‫ون َأنَا ُه َو‪َ ،‬ف َم ْن َس َأ َل لِي ا ْل َو ِسي َل َة َح ال ْت َل ُه ا‬ ‫اد اهللِ‪َ ،‬و َأ ْر ُجو َأ ْن َأ ُك َ‬
‫مِن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬
‫وعند ذكره ويوم الامعة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ومعنى الصالة على رسول اهلل ﷺ‪ :‬ما علقه البخاري عن أبي العالية‪« :‬أن ِالة‬
‫اهلل ‪ ‬على نبيه ثناؤه عليه يف المأل األعلى‪ ،‬ومعنى ِالة المالئكة أي دعاؤهم‬
‫له»(‪ .)4‬هذا أولى ما قيل‪ ،‬ورجحه ابن حار(‪.)5‬‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬إذا ِلى على النبي ﷺ؛ فليامع بين الصالة والتسليم‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)464‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ .‬وابن حبان يف ِحيحه (‪ ،)211‬وقال األلباين يف ِحيح‬
‫الرتغيب (‪« :)1666‬حسن لغيره»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبوداود (‪ )465‬من حديث أبي ُح َم ْيد‪َ ،‬أ ْو أبي ُأسـيد ْاألَن َْص ِ‬
‫اري‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ )364‬عن عبداهلل بن عمرو ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ِ :‬حيح البخاري (‪ ،)1602/4‬كتاب التفسـير‪.‬‬
‫(‪ )5‬الفتح (‪.)16/11‬‬

‫‪23‬‬
‫زاد الراغب يف شـرح دليل الطالب‬ ‫‪24‬‬

‫وال يقتصـر على أحدهما»‪.‬‬


‫وهذا منتزع من آية األحزاب من قوله تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ﴾ [األحزاب‪.]56 :‬‬
‫وساق ابن القيم يف كتابه جالء األفهام ثال ًثا وثالثين فائدة وثمرة تحصل‬
‫للمسلم بالصالة على رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ٍّ َ‬
‫آل ُك وصحبِ ِه أمج ِعي)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وىلع ِ‬
‫أي وأِلي على آل كل نبي ومرسل وأِحابه الكرام‪.‬‬
‫وهذا العطف ثابت عن رسول اهلل ﷺ كما يف حديث كعب بن عارة ﭬ وفيه‪:‬‬
‫«اللهم ِل على محمد‪ ،‬وعلى آل محمد؛ كما ِليت على إبراهيم‪ ،‬وعلى آل‬
‫إبراهيم» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫واختلف العلماء يف آل رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫وأقرب األقوال‪ :‬أهنم من حرموا الصدقة‪ ،‬وهم آل علي‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل جعفر‪،‬‬
‫وآل العباس وهذا مذهب الامهور‪ ،‬ونص عليه اإلمام أحمد والشافعي ورجحه‬
‫ابن القيم‪ ،‬ويدل عليه قوله ﷺ‪« :‬إناا آل محمد ال تحل لنا الصدقة»(‪ .)2‬فدل على أن‬
‫آله هم من حرموا الصدقة‪.‬‬
‫لح ِديث أبي حميد يف الصحيحين‪« :‬ال ال ُه ام َِل َع َلى‬ ‫وأزواجه داخالت يف آله؛ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫زواجه من‬ ‫يم» ‪ .‬ففيه بيان َأن َأ َ‬‫ُم َح امد َو َأ ْز َواجه َو ُذر ايته‪ ،‬ك ََما َِ ال ْي َت َع َلى آل إ ِ ْب َراه َ‬
‫(‪)3‬‬

‫آله(‪.)4‬‬
‫وهل تاوز الصالة استقال ً‬
‫ال على غير األنبياء عليهم الصالة والسالم؟‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3120‬ومسلم (‪.)406‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أحمد يف المسند (‪- )1125‬هبذا اللفظ‪ ،-‬وابن خزيمة يف ِحيحه (‪)2341‬؛ من حديث الحسن‬
‫بن علي ﭭ‪ ،‬وللحديث شواهد يف الصحيحين‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5222‬ومسلم (‪ )401‬من حديث أبي حميد الساعدي ﭬ مرفوعًا‪.‬‬
‫(‪ )4‬جالء األفهام (ص‪.)211‬‬

‫‪24‬‬
‫‪25‬‬ ‫مقدمة املـــنت‬

‫أرجح األقوال التفصـيل‪:‬‬


‫أما جعل ذلك شعار ًا على أحد معين غيرهم‪ ،‬بحيث كلما ذكر ِلي عليه‪ ،‬فهذا‬
‫من المحدثات والبدع التي ال تاوز‪.‬‬
‫وأما إن ِلى على أحد من المسلمين ألمر ما من غير جعله شعار ًا راتبًا فال‬
‫بأس به‪ ،‬ويدل له‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮡ ﮢ﴾ [التوبة‪.]103 :‬‬
‫ومن السنة‪ :‬ما رواه أبو داود‪ :‬أن امرأة قالت‪ :‬يا رسول اهلل َِل َع َل اي َو َع َلى‬
‫ك و َع َلى َزو ِج ِ‬
‫ِ‬
‫ك»(‪ .)1‬فلو كان غير جائز‬ ‫ْ‬ ‫َز ْو ِجي‪َ ،‬ف َق َال النابِ ُّي ﷺ‪ َِ « :‬الى ال الـ ُه َع َل ْي َ‬
‫ألنكر عليها رسول اهلل ﷺ ولما فعله‪.‬‬
‫وروى الشـيخان من حديث ابن أبي أوىف أن رسول اهلل ﷺ قال لوالده لما جاءه‬
‫بالصدقة‪« :‬ال الــ ُهم َِل َع َلى ِ‬
‫آل َأبِي َأ ْو َفى»(‪ .)2‬وكما قال ابن عمر للميت‪ِ« :‬لى اهلل‬ ‫ا‬
‫عليه»‪ .‬واختار هذا شـيخ اإلسالم كما يف الفتاوى‪ ،‬وابن القيم يف جالء األفهام‪.‬‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلمام‬ ‫ب‬ ‫ب األمح ِد َ‪ ،‬م ِ‬
‫ذه‬ ‫عــــد‪ :‬فهذا ُمتَص يف ال ِفق ِه‪ ،‬ىلع المذه ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وب‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َه ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫فران‪ ،‬وبينت في ِه األحاكم أحس َن بيان‪،‬‬ ‫ح ِه؛ رجاء الغ‬ ‫أمحد‪ ،‬بالغت يف إيضا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه‬ ‫ه‬ ‫ََ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫توى‬ ‫الف َ‬ ‫ان‪ ،‬وعلي ِه‬ ‫يح وال ِعرف ِ‬ ‫ح ِ‬‫جزم بِصحتِ ِه أهل اتلص ِ‬ ‫لم أذك ْر في ِه إال ما‬
‫الطال ِب ِنلَ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ ه ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫فيما بَ َ‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫َ َِ‬‫يل‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫«‬ ‫بـ‬ ‫يته‬ ‫م‬ ‫وس‬ ‫‪،‬‬ ‫ان‬‫ِ‬ ‫واإلتق‬ ‫يح‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫الَّت‬ ‫أهل‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫والمسلم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫هَ‬ ‫َ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِب»‪ .‬واَّلل أسأل أن ينفع ب ِه من اشتغل ب ِه‪ ،‬وأن يرمحين‬ ‫هالمطال ِ‬
‫َ‬
‫أرح ُم ه‬
‫الر ِ‬
‫امحِي)‪.‬‬ ‫إنه‬
‫فالمتن مختصر األلفاظ واضح العبارة شامل للفقه مستوعب للمسائل معتن‬
‫بالتقعيد اعتمد الراجح يف المذهب بدون ذكر دليل وال تعليل وهو عمدة عند‬
‫متأخري علماء المذهب‪ ،‬اختصره من منتهى اإلرادات‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1533‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)10256‬وِححه ابن حبان (‪.)216‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1426‬ومسلم (‪.)1016‬‬

‫‪25‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪26‬‬

‫‪26‬‬
‫‪27‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫كِــتِــابِ‬
‫الـطِـهـارِةِ‬

‫‪21‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪28‬‬

‫‪26‬‬
‫‪29‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫‪e‬‬ ‫(باب املياه)‬ ‫‪F‬‬


‫الكتاب‪ :‬هو اسم لاملة من العلوم تحته أبواب‪.‬‬
‫والمراد‪ :‬هذا كتاب جامع ألحكام الطهارة‪ ،‬كأحكام المياه والوضوء والغسل‬
‫والتيمم‪ ،‬وما ينقض الطهارة وإزالة النااسة والمسح على الخفين والحيض‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫والفقهاء يقسمون مؤلفاهتم إلى أقسام‪ ،‬وهذا له فوائد ومن أهمها ثالث‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬اقتداء بكتاب اهلل ‪ ،‬فإنه مقسم إلى أجزاء وأحزاب وسور وآيات‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنه أنشط لهمة الطالب كلما أهنى مرحلة ازداد نشاطًا إلهناء ما بعدها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬فيه ترتيب للعلم‪ ،‬فيامع النظير مع نظيره‪ ،‬والمسائل المتعلقة بباب تفرد‬
‫جميعًا وترتب حتى ال تختلط على الطالب فتضـيع عليه؛ وكذا ليسهل الرجوع‬
‫إليها‪.‬‬
‫والعلماء يازئون كتب الفقه‪ :‬إلى كتب‪ ،‬ثم أبواب‪ ،‬ثم فصول‪ ،‬ثم مباحث‪ ،‬ثم‬
‫مسائل‪ ،‬ثم فروع‪ ،‬ثم أمور‪ ،‬لما سبق من الفوائد‪.‬‬
‫وطريقة ترتيبهم لكتب الفقه على النحو التالي‪:‬‬
‫ال العبادات‪ ،‬ثم المعامالت‪ ،‬ثم التربعات‪ ،‬ثم النكاح وتوابعه‪ ،‬ثم الطالق‬ ‫(أو ً‬
‫وتوابعه‪ ،‬ثم الانايات وأحكامها‪ ،‬ثم القضاء وتوابعه)‪.‬‬
‫وقدموا العبادات ألهنا أهم شـيء‪ ،‬والعبد مطالب هبا منذ الصغر‪ ،‬وألهنا متوقفة‬
‫على النص‪ ،‬وألنه ال يمر على المكلف يوم إال وقد فعل شـيئًا منها فلذلك‬
‫قدموها‪ ،‬وياعلوهنا مرتبة على ترتيب حديث ابن عمر ﭭ أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫ال اهلل‪َ ،‬و َأ ان ُم َح امدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬وإِ َقا ِم‬ ‫س‪َ :‬ش َها َد ِة َأ ْن َ‬
‫ال إ ِ َل َه إِ ا‬ ‫« ُبنِي ِ‬
‫اإل ْسالَ ُم َع َلى َخ ْم ُ‬
‫َ‬

‫‪22‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪30‬‬

‫َاة‪ ،‬وحج ا ْلـــبي ِ‬


‫ت‪َ ،‬و َِ ْو ِم َر َم َض َ‬
‫ان» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫الصال َِة‪ ،‬وإِيت ِ‬
‫َاء ا ِ‬
‫َْ‬ ‫الزك َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ويقدمون الطهارة على الصالة؛ ألهنا شـرأ لصحتها؛ كما قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم»(‪.)2‬‬ ‫ور‪َ ،‬و َت ْح ِر ُ‬
‫يم َها ال ات ْكبِ ُير‪َ ،‬و َت ْحلي ُل َها الت ْاسل ُ‬ ‫الصالَة ال ُّط ُه ُ‬ ‫«م ْفت ُ‬
‫َاح ا‬
‫وتعريف الطهارة‪ :‬هي ارتفاع الحدث وزوال الخبث‪ .‬والطهارة قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬طهارة معنوية؛ وهي نوعان كربى وِغرى‪:‬‬
‫فالطهارة الكربى‪ :‬هي تطهير القلب من الشـرل والبدع‪ ،‬وتحليته بالتوحيد‪،‬‬
‫وتبحث يف كتب العقائد‪.‬‬
‫والطهارة الصغرى‪ :‬وهي تطهير القلب من المعاِـي‪ ،‬وتحليته بالطاعات‬
‫والفضائل‪ ،‬ويبحثها أهل السلول يف كتب اآلداب والرتبية والرقائق‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬طهارة حسـية‪ :‬وهي رفع الحدث وزوال الخبث‪ ،‬وهي التي يبحثها‬
‫الفقهاء يف كتبهم‪ ،‬فالطهارة الحسـية قسمان؛ كما هي يف التعريف‪ :‬رفع حدث‬
‫وزوال خبث‪.‬‬
‫َ َ ُ ََ‬ ‫َ ُ ََ‬ ‫ْ‬
‫ث)‪.‬‬
‫ث‪ ،‬وزوال اخلب ِ‬
‫احلد ِ‬ ‫ويه‪ :‬رفع‬
‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫هذا تعريف الطهارة‪.‬‬
‫َُْ ََ‬
‫ث)‪ :‬والحدث‪ :‬هو الوِف القائم بالبدن المانع من الصالة‬ ‫ويه‪ :‬رفع احل ِ‬
‫د‬ ‫( ِ‬
‫ونحوها‪ ،‬كخروج الريح‪ ،‬وأكل لحم اإلبل‪ ،‬والنوم‪ .‬فهذا ليس شـيئًا حسـيًا باقيًا‬
‫يف البدن‪ ،‬وإنما هو وِف حصل فأوجب زوال الطهارة‪.‬‬
‫فالبد لحصول الطهارة من رفع هذا الوِف (بالوضوء)‪ ،‬وهذا الشق األول‬
‫للطهارة‪ ،‬ويبحثون مسائله يف باب الوضوء والغسل‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6‬ومسلم (‪.)16‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)61‬والرتمذي (‪ ،)3‬وابن ماجه (‪ )215‬من حديث علي ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا‬
‫الحديث أِح شـيء يف الباب» وحسنه النووي يف الخالِة (‪ ،)1051‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)301‬‬

‫‪30‬‬
‫‪31‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫َ َ ُ ََ‬
‫ث)‪ :‬والخبث‪ :‬هو النااسة فالبد لصحة الطهارة من إزالة ما يف‬
‫(وزوال اخلب ِ‬
‫البدن من نااسة عالقة فيه؛ كالعذرة والبول والدم ونحوها‪ ،‬وهذا الشق الثاين‬
‫للطهارة‪ ،‬ويبحثون مسائله يف باب إزالة النااسة‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫وقال‪( :‬ز َوال)‪ :‬ألن المطلوب زوال النااسة بأي مزيل‪ ،‬ولو من غير فعل‬
‫اإلنسان‪ ،‬فالنااسة متعلق حكمها بزوالها‪ ،‬فمتى زالت بأي مزيل ولو بالشمس أو‬
‫المطر فإن حكمها يرتفع‪ .‬ويأيت بياهنا يف باب إزالة النااسة‪.‬‬
‫وتمام الطهارة يكون باألمرين جميعًا‪ :‬إذا حصال تمت طهارته وِحت‬
‫ِالته‪ ،‬وإذا اختل واحد منهما‪ :‬لم تكمل الطهارة ولم تصح الصالة يف الاملة‪.‬‬
‫والفرق بين رفع الحدث وزوال الخبث أمور‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أن رفع الحدث يشرتأ له الماء‪ ،‬أو بدله عند العذر‪ ،‬أما غير الماء فال‬
‫ياز الوضوء منه؛ مثل‪ :‬البنزين والزيت والعصـير‪ ،‬وأما الخبث‪ :‬فإن المطلوب‬
‫زواله‪ ،‬وال يشرتأ له الماء على الصحيح‪ ،‬فلو زال بالحك أو الريح أو الشمس‬
‫ألجزأ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن رفع الحدث يشرتأ لصحته النية‪ ،‬وأما زوال الخبث فال يشرتأ له‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن رفع الحدث ال يعذر فيه بالاهل والنسـيان بخالف الخبث؛ فلو ِلى‬
‫وعليه نااسة ناسـيًا لصحت ِالته؛ ألن رفع الحدث من باب األوامر وهي ال‬
‫يعذر فيها بالاهل والنسـيان‪ ،‬وأما زوال الخبث فمن باب النواهي يعذر فيها‬
‫بالاهل والنسـيان‪ ،‬وهذه قاعدة مفيدة يف الفرق بين األوامر والنواهي‪ ،‬ولها فروع‬
‫وأمثلة عديدة قد دل لها أدلة عديدة‪.‬‬
‫َ ُ َ َ ٌَ‬
‫قوهل‪( :‬وأقسام الماءِ ثالثة)‪.‬‬
‫فالطهور‪ :‬هو الباقي على خلقته كمياه البحار واألهنار واآلبار وهو طاهر يف‬
‫نفسه مطهر لغيره وهو أربعة أقسام‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪32‬‬

‫والطاهر‪ :‬وهو ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر؛ كماء الورد ويلحق به‬
‫الماء القليل المستعمل يف رفع الحدث فياز يف إزالة الخبث دون رفع الحدث‪.‬‬
‫والناس‪ :‬هو ما تغير أحد أوِافه بنااسة‪ ،‬ويلحق به الماء القليل إذا وقعت‬
‫فيه نااسة ولم تغيره‪ .‬ودليلهم‪:‬‬
‫قوله ‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الفرقان‪ ،]16 :‬فقوله سبحانه‪﴿ :‬ﮓ﴾‬
‫يفهم منه‪ :‬أن هنال ماء غير مطهر‪ ،‬وهو الطاهر‪.‬‬
‫اؤه‪ ،‬ا ْل ِ‬
‫ـــح ُّل َم ْي َت ُت ُه»‬
‫[أخرجه األربعة‪،‬‬ ‫وقول رسول اهلل ﷺ يف البحر‪ُ « :‬ه َو ال اط ُه ُ‬
‫ور َم ُ ُ‬
‫وِححه الرتمذي](‪.)1‬‬
‫فكون الصحابة يسألون عن ماء البحر؛ فهذا دليل على أن هنال ماء ال يتوضأ‬
‫منه‪.‬‬
‫الر ُج ِل َأ ْو َي ْغت َِس َل‬ ‫ِ‬
‫وكذا قالوا إن رسول اهلل ﷺ‪« :‬ن ََهى َأ ْن َت ْغتَس َل ا ْل َـم ْر َأ ُة بِ َف ْض ِل ا‬
‫اس َت ْي َق َظ أحدكم من ن َْومِ ِه فال‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل بِ َف ْض ِل ا ْل َم ْر َأة» [أخرجه أبوداود] ‪ ،‬وقال‪« :‬إذا ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنَاء حتى َي ْغس َل َها َث َال ًثا؛ فإنه َال َيدْ ِري َأ ْي َن َبا َت ْت َيدُ ُه» [متفق عليه] ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫َي ْغم ْس َيدَ ُه يف ْ ِ‬
‫وهذا دليل على أهنا تصبح غير مطهرة لغيرها؛ وإن بقيت على الطهارة‪.‬‬
‫ثان قوي‪ :‬أن المياه قسمان‪ :‬طهور وناس وهذا رواية عن اإلمام‬ ‫وفيه قول ُ‬
‫أحمد‪ ،‬وهو مذهب اإلمام أبي حنيفة‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬ويدل‬
‫له‪:‬‬
‫ال ُينَا ُس ُه شـي ٌء» ‪ .‬وهذا دليل قوي فرسول اهلل ﷺ‬ ‫الما ُء َط ُه ٌ‬
‫ور َ‬ ‫قوله ﷺ‪َ « :‬‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)63‬والرتمذي (‪ )62‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬والنسائي (‪ ،)52‬وابن ماجه (‪ )366‬وابن‬
‫خزيمة يف ِحيحه (‪.)111‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)61‬والنسائي (‪ ،)236‬قال الحافظ ابن حار يف بلوغ المرام ‪-‬الحديث رقم (‪:-)1‬‬
‫«إسناده ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)160‬ومسلم (‪- )216‬واللفظ له‪ -‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)66‬والرتمذي (‪ ،)66‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪ .‬والنسائي (‪ )326‬من حديث أبي سعيد‬
‫=‬

‫‪32‬‬
‫‪33‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫جعل المياه قسمين‪ :‬إما طهور‪ ،‬وإما ناس‪ ،‬ولم ياعل شـيئًا وسطًا بينهما‪.‬‬
‫وقوله ﷺ يف البحر‪ُ « :‬ه َو ال اط ُه ُ‬
‫ور َم ُاؤ ُه»‪ .‬مع أن ماء البحر متغير طعمه بالملوحة‪،‬‬
‫فدل على أن الماء إذا تغير بالطاهرات ال يخرج عن مسمى الماء الطهور‪ ،‬إال إذا‬
‫غلب عليه هذا الطاهر‪ ،‬فإنه ينتقل عن مسمى الماء إلى مسمى آخر؛ مثل العصـير‬
‫والشاي فيسمى باسمه وال يسمى ما ًء‪.‬‬
‫وكذا أمره ﷺ بالوضوء من الماء المتغير بالطاهرات يف أحاديث دليل على أنه‬
‫باق على طهوريته وأِله‪ ،‬مثل‪ :‬حديث قوله ﷺ يف الذي وقصته دابته‪« :‬ا ْغ ِس ُلو ُه‬ ‫ُ‬
‫بِم ُ‬
‫اء َو ِسدْ ُر» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫ِ ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وعنه ﷺ أنه‪« :‬ا ْغت ََس َل َو َم ْي ُمو َن ُة م ْن إِنَاء َواحد في َق ْص َعة ف َ‬
‫يها َأ َث ُر ا ْلـــ َعاين» ‪.‬‬
‫وأما هنيه ﷺ عن الوضوء من فضل المرأة‪ ،‬فهو للكراهة؛ ولو توضأ ألجزأه‪،‬‬
‫وهكذا هنيه ﷺ عن غمس المستيقظ يده يف اإلناء ليد قبل غسلها ليس ألجل‬
‫النااسة‪.‬‬
‫والمؤلف بنى باب المياه على القول أن المياه ثالثة أقسام‪ ،‬وأكثر من الفروع‬
‫المبنية على هذا القول‪ ،‬ولذا فإننا لن نطيل الكالم عليها‪ ،‬ولكن أبين عدد ًا من‬
‫المسائل المتعلقة بالقول الراجح‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬األِل يف الماء أنه طاهر‪ ،‬وال ينتقل من هذا األِل إال بيقين‪ ،‬فمتى شك‬
‫يف نااسته رجع إلى أِله وهو الطهارة‪.‬‬
‫واألرض والثيـــــــاب والحاـــــــارة‬ ‫واألِــــــل يف مياهنــــــا الطهــــــارة‬

‫=‬
‫ﭬ‪ ،‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)361/1‬ونقل تصحيحه عن عدد من األئمة كأحمد بن حنبل‬
‫ويحيى بن معين وغيرهما‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1265‬ومسلم (‪ )1206‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ ،)240‬وابن ماجه (‪ ،)316‬وأحمد (‪ )26240‬من حديث أم هانئ ڤ‪ ،‬وِححه ابن‬
‫حبان (‪ ،)1245‬وقال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)61/1‬إسناده ِحيح»‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪34‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إذا تغير الماء بشـيء من الطاهرات‪ ،‬مثل‪ :‬سدر‪ ،‬أو عاين‪ ،‬فله حالتان‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أال يزول اسم الماء عنه بعد خلطه‪ ،‬فهذا فيه خالف‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه يصبح طاهر ًا‪ ،‬وال ياوز التطهر به‪ ،‬وهذا المذهب‪ ،‬وهو الذي‬
‫جرى عليه المؤلف‪ ،‬وقد رد هذا القول شـيخ اإلسالم وفنّد أدلتهم(‪.)1‬‬
‫القول الثاين‪ :‬وهو الراجح أنه طهور‪ ،‬ياوز الوضوء به‪ ،‬ويرتفع الحدث به مادام‬
‫يسمى ماء‪ ،‬ولم يغلب عليه أجزاء غيره‪ .‬وهذا مذهب اإلمام أبي حنيفة ورواية عن‬
‫اإلمام أحمد نص عليها يف أكثر أجوبته واختاره شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫ومن األدلة‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [المائدة‪ ،]6 :‬وهذا‬
‫نكره يف سـياق النفي فيعم كل ما هو ماء‪.‬‬
‫تعطـــي العمـــوم أو ســــياق النفـــي‬ ‫والنكــــــرات يف ســـــــياق النهــــــي‬
‫ولقوله ﷺ يف الذي وقصته راحلته وهو محرم‪« :‬ا ْغ ِس ُلوه بِم ُ‬
‫اء َو ِسدْ ُر»‪.‬‬ ‫ُ َ‬
‫يها َأ َثر ا ْلـــ َع ِ‬‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ ،‬ومن المعلوم أن‬ ‫ا ِ‬ ‫وكذا‪« :‬ا ْغت ََس َل الناب ِ ُّي ﷺ َو َم ْي ُمو َن ُة م ْن َق ْص َعة ف َ ُ‬
‫الماء يتغير قليالً بمخالطة السدر والعاين ومع ذلك بقي على طهوريته‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يغلب عليه الشـيء المختلط به بحيث يزول اسم الماء عنه؛‬
‫فيسمى شاي أو عصـير فهذا ال ياوز الوضوء به‪ ،‬وال يسمى ما ًء وال يأخذ أحكام‬
‫الماء المطلق يف القرآن‪ ،‬فلو توضأ هبما لم يرتفع حدثه‪ ،‬وإذا لم ياد إال عصـير ًا أو‬
‫لبنًا تيمم‪ ،‬وال يصح الوضوء هبما‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إذا أِاب الماء الطاهر نااسة‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن يتغير أحد أوِافه بالنااسة‪ ،‬فيناس باإلجماع نقل اإلجماع‬
‫على ذلك‪ :‬اإلمام الشافعي وابن المنذر والنووي وابن تيمية وابن حار‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ ان الماء َط ِ‬
‫ال إِ ْن َت َغ اي َر ِر ُ‬
‫يح ُه‪َ ،‬أ ْو َط ْع ُم ُه‪َ ،‬أ ْو‬ ‫اه ٌر؛ إِ ا‬ ‫َ َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ماموع الفتاوى (‪.)24/21‬‬

‫‪34‬‬
‫‪35‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫ث فِ ِ‬
‫اس ُة َت ْحدُ ُ‬
‫يه» [أخرجه البيهقي‪ ،‬وضعفه أبوحاتم](‪.)1‬‬ ‫َل ْو ُن ُه؛ بِن ََا َ‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أال يتغير شـيء من أوِافه‪:‬‬
‫فالمذهب يفرقون بين الماء القليل والكثير‪ ،‬فإن كان قليالً فإنه يناس وإن لم‬
‫يتغير‪ ،‬وإن كان كثير ًا فال يناس إال بالتغير‪ ،‬والماء الكثير قلتان فما فوق‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬هو الراجح أنه ال يناس مطلقًا إذا لم يتغير أحد أوِافه هبا؛ سواء‬
‫الحديث‪ِ،‬ه ورواية عن اإلمام‬ ‫وأهل‬
‫ن َاا َس ُة َت ْح ُد ُث ِﻓﻲ‬
‫كان قليالً أو كثير ًا‪ ،‬وهذا قول أهل المدينة‪،‬‬
‫ل ْو ُن ُه؛ ِﺑ َ‬

‫أحمد‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وكثير من أئمة الدعوة ‪-‬رحم اهلل الاميع‪.-‬‬
‫َ ُ َ َ ٌَ‬
‫قوهل‪( :‬وأقسام الماءِ ثالثة)‪.‬‬
‫هذا المذهب‪.‬‬
‫َْ‬ ‫وهو‪َ :‬‬ ‫َ ُ ٌ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫خلقتِه)‪.‬‬‫ابل ِاِق ىلع ِ‬ ‫قوهل‪( :‬أحدها‪ :‬طهور‪:‬‬
‫سواء نزل من السماء أو نبع من األرض كمياه البحار واألهنار واآلبار‪.‬‬
‫َ َ ُ ََ َ ُ ُ ََ َ‬
‫احلدث‪ ،‬وي ِزيل اخلبث)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬يرفع‬
‫وتصح الطهارة به من الحدث األكرب واألِغر ويزيل النااسة‪.‬‬
‫أرب َع ُة َ‬
‫أنواع)‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬وهو‬
‫فالطهور أربعة أقسام على المذهب‪ ،‬وكل قسم له حكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ََ َ ُ ُ ََ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ٌ َ ُ‬
‫احلدث وي ِزيل اخلبث‪ .‬وهو‪ :‬ما ليس‬ ‫اء َي ُرم استِعمــاهل‪ ،‬وال يرفع‬ ‫قوهل‪( :‬م‬
‫َُ ً‬
‫مباحا)‪.‬‬
‫ال بِطِ ِ‬
‫يب َن ْف ُ‬
‫س‬ ‫ال ي ِ‬
‫ح ُّل َم ُال ا ْم ِر ُ ُم ْسلِ ُم؛ إِ ا‬ ‫كالمغصوب والمسـروق؛ لقوله ﷺ‪َ َ « :‬‬
‫مِنْ ُه»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف سننه الكربى ‪-‬هبذا اللفظ‪ ،)1152( -‬وقال‪« :‬والحديث غير قوي»‪ .‬وأخرج ابن ماجه‬
‫نحوه (‪ ،)521‬وضعفه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)401/1‬وضعفه أبو حاتم كما نقله عنه ابن حار يف‬
‫تلخيص الحبير (‪ ،)15/1‬والبلوغ (‪.)4 ،3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد (‪ ،) 20114‬من حديث أبي حرة الرقاشـي عن عمه‪ ،‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم‬
‫(‪.)1452‬‬

‫‪35‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪36‬‬

‫ال ي ِ‬
‫ح ُّل َم ُال ا ْم ِر ُ‬ ‫ويحرم استعماله يف الطهارة الكربى والصغرى؛ لقوله ﷺ‪َ َ « :‬‬
‫س مِنْ ُه»‪.‬‬ ‫ال بِطِ ِ‬
‫يب َن ْف ُ‬ ‫ُم ْسلِ ُم؛ إِ ا‬
‫فإن تطهر به‪ :‬فالمذهب أنه ال يرفع الحدث لو تطهر به ألن النهي يقتضي‬
‫الفساد‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أنه يرتفع الحدث مع اإلثم‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أحمد‪ ،‬واختار‬
‫هذا شـيخ اإلسالم(‪.)1‬‬
‫َو ُي ِز ُيل َ‬
‫الخ َب َث ألن حكمها يزول بزوالها لكن مع اإلثم؛ الستعماله حق غيره‬
‫من غير رضاه‪.‬‬
‫َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وماء يرف ُع َح َدث األنَث‪ ،‬ال ه‬
‫الر ُجل َ‬
‫ابلال ِِغ‪ ،‬واخلنَث‪ .‬وهو‪ :‬ما خلت ب ِه‬ ‫قوهل‪ٌ ( :‬‬
‫ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ هَ ُ َ‬
‫المرأة‪ ،‬الملكفة‪ ،‬ل ِطهارة اكمِلة‪ ،‬عن حدث)‪.‬‬
‫وهو ما يبقى يف اإلناء بعد تطهر المرأة به‪ ،‬والمذهب‪ :‬أنه ال ياز الرجل‬
‫الوضوء منه‪.‬‬
‫ِ‬
‫لما روى أبو داود أن رسول اهلل ﷺ‪« :‬ن ََهى َأ ْن َت ْغتَس َل ا ْل َم ْر َأ ُة بِ َف ْض ِل ا‬
‫الر ُج ِل َأ ْو‬
‫الر ُج ُل بِ َف ْض ِل ا ْل َم ْر َأ ِة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َي ْغتَس َل ا‬
‫والرواية األخرى عن اإلمام أحمد‪ :‬أنه يرفع حدث الرجل‪ ،‬واختاره شـيخ‬
‫اإلسالم وابن عقيل‪ ،‬وهو مذهب الامهور الحنفية والمالكية والشافعية‪.‬‬
‫مسلم](‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫َان َي ْغت َِس ُل بِ َف ْض ِ‬
‫ل َم ْي ُمو َن َة» [رواه‬ ‫ــه ﷺ ك َ‬ ‫ول ال ال ِ‬ ‫ويدل له‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫وحديث ابن عباس ﭭ َق َال‪« :‬ا ْغت ََس َل َب ْع ُض َأ ْز َواجِ النابِي ﷺ فِي َج ْفن َُة‪َ ،‬ف َاا َء‬
‫ول‬ ‫ول ال ال ِ‬
‫ــه إِني ُكن ُْت ُجنُ ًبا‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫النابِي ﷺ ل ِ َيت ََو اض َأ مِن َْها َأ ْو َي ْغت َِس َل َف َقا َل ْت َل ُه‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وِححه ] ‪.‬‬ ‫ال َي ْانُ ُ‬‫الما َء َ‬‫اهلل ﷺ‪ :‬إ ان َ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪.)26/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف ِحيحه (‪ )322‬من حديث ا ْب ِن عَ اب ُ‬
‫اس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)66‬والرتمذي (‪ ،)65‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)310‬وابن حبان يف‬
‫ِحيحه (‪.)1246‬‬

‫‪36‬‬
‫‪37‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫ويااب عن حديث النهي‪:‬‬


‫بأن أحاديث اإلباحة أجود وأسند من أحاديث النهي‪.‬‬
‫أو يحمل النهي على التنزيه‪ ،‬والفعل على الاواز‪ ،‬وقد علل الرسول ﷺ بقوله‪:‬‬
‫ِ‬
‫ب»‪ .‬وهذا الراجح والتحرز منه أولى‪.‬‬ ‫«إِ ان ا ْل َـما َء َال ُي ْان ُ‬
‫ماء برئ ب َم َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ َ َ َ‬ ‫اء يُ َ‬ ‫َ‬
‫قَبة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهو‪ُ :‬‬ ‫‪.‬‬‫ه‬‫ِ‬ ‫إيل‬ ‫اج‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫االح‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫عد‬ ‫كرهُ استِعماهل مع‬ ‫وم ٌ‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ ِّ َ َ ُ‬ ‫ُ ِّ َ َ َ‬ ‫َ ٌ َ ه َ ُّ ُ َ ْ ُُ‬
‫وماء اشتد حره أو برده‪ .‬أو سخن بنجاسة‪ ،‬أو سخن بمغصوب‪ .‬أو استع ِمل‬
‫ُ ُ ُ‬
‫مازجه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍّ‬
‫ماِئ‬ ‫لح‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫طهارة لم َجتب‪ ،‬أو يف ُغ ْسل اكف ِر‪ .‬أو َت َغ ه َ‬
‫ري‬ ‫َ‬ ‫يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫ور‪ ،‬وادلهن)‪.‬‬ ‫اري‪ ،‬وق ِط ِع الاكف ِ‬ ‫ريه بالعو ِد القم ِ‬ ‫كتغ ِ‬
‫وهو طهور يرفع الحدث ويكره استعماله يف الطهارة لغير حاجة‪ ،‬وأما مع‬
‫الحاجة فال كراهة فيه وحثوا على تركه من باب دع ما يريبك إلى ماال يريبك‬
‫واحتياطًا للعبادة والوضوء؛ لئال يخل بالوضوء حال الربودة أو السخونة‪ ،‬ولئال‬
‫تدخل عليه الوسوسة يف المسخن بالنااسة وماء بئر بمقربة‪ ،‬ولئال يقرب من‬
‫المحرم يف المسخن بمغصوب والتحرز من هذه األنواع أولى لهذا المعنى؛ من‬
‫باب دع ما يريبك إلى ماال يريبك ويشمل‪:‬‬
‫قَبة)‪ :‬لكونه مظنة وِول رفات األموات إلى الماء فيدخله‬ ‫ماء برئ ب َم َ َ‬‫( ُ‬
‫ِ ِ‬
‫الوساوس‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ ٌ َه َ‬
‫اء اشتد ح ُّرهُ أو ب ْردهُ)‪ :‬ألنه يؤذي ويمنع اإلسباغ وتكميل الطهارة‪.‬‬ ‫(وم‬
‫َ َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫(أو سخ َن بنجاسة)‪ :‬الحتمال وِولها إليه فيبقى مشكوكًا يف طهارته شكًا‬
‫مارة ظاهرة ولكونه سخن بإيقاد النااسة واستعمال النااسة مكروه‪.‬‬ ‫مستند ًا إلى َأ ُ‬
‫والرواية األخرى‪ :‬أنه ال كراهة وهي أقوى‪.‬‬
‫ُ ِّ َ ُ‬
‫(أو سخ َن بمغصوب)‪ :‬الستخدامه ما سخن بمحرم‪.‬‬
‫والرواية األخرى‪ :‬أنه ال كراهة وهي أقوى ولكن يأثم الغاِب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫جتب)‪ :‬كتاديد الوضوء‪ ،‬والغسلة الثانية والثالثة يف‬
‫(أو استع ِمل يف طهارة لم ِ‬

‫‪31‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪38‬‬

‫الوضوء‪ ،‬والغسل للعيدين‪.‬‬


‫ُ ْ‬
‫(أو يف غس ِل اكف ِر)‪ :‬خروجا من خالف من قال يسلبه الطهورية‪.‬‬
‫ماِئ)‪ :‬كالملح الذي يكون على السباخ إذا أرسل الماء عليها‪.‬‬ ‫ري ب ِملح ِ ٍّ‬ ‫(أو َت َغ ه َ‬
‫ُّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ ُّ‬ ‫َ‬
‫وادلهن)‪.‬‬ ‫ور‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الاكف‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ِط‬ ‫ق‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ار‬
‫ِ‬ ‫م‬‫الق‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫بالع‬ ‫ه‬‫ري‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫كت‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬‫ج‬ ‫ماز‬
‫(أو ُب ِ َ ِ‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ ِّ‬
‫اري)‪ :‬منسوب إلى قِمار موضع ببالد الهند‪.‬‬ ‫(العو ِد القم ِ‬
‫والمذهب‪ :‬فيه روايتان يف كراهة هذا النوع من الماء واألظهر أنه ال يكره‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫ُ َُ َ ُ َ ََ ه‬
‫ث)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫اخل‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫إزال‬ ‫يف‬ ‫إال‬ ‫قوهل‪( :‬وال يكره ماء زمزم‬
‫ماء زمزم ماء مبارل؛ كما قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِن َاها ُم َب َار َكةٌ‪ ،‬إِن َاها َط َعا ُم ُط ْع ُم»(‪.)1‬‬
‫« َو ِش َفا ُء ُس ْق ُم»(‪.)2‬‬
‫فيستعمل يف الطهارة الكربى والصغرى بال كراهة‪ ،‬وقد روى أحمد عن علي‬
‫شرب مِنْ ُه َو َت َو اض َأ»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﭬ‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ َد َعا بِ َس ْا ُل م ْن َماء َز ْم َز َم‪َ ،‬ف َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ث)‪ :‬فيكره استعماله يف غسل النااسات تعظيمًا وتشـريفًا‬ ‫(إال يف إزال ِة اخلب ِ‬
‫له‪.‬‬
‫َه‬
‫واحلم ِ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َُ َ َ‬ ‫وم ٌ‬‫َ‬
‫ام‪.‬‬ ‫ار‪،‬‬
‫ِ‬ ‫واألنه‬ ‫‪،‬‬ ‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫والع‬ ‫‪،‬‬ ‫ار‬
‫ِ‬ ‫واآلب‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ابل‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫اء ال يكره‪ .‬ك‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫َ َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ َ َ ِّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ َ ه‬
‫يح مِن َن ِو ميتة‪ ،‬أو‬ ‫ث‪ ،‬أو بالر ِ‬ ‫ول المك ِ‬ ‫ري ُبِط ِ‬ ‫سخ ِن بالشم ِس‪ .‬والمتغ ِ‬ ‫والم‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬ ‫َ َ ُ ُّ َ ُ‬
‫بِما يشق صون املاءِ عنه كطحلب‪ ،‬وور ِق شجر‪ ،‬ما لم يوضعا)‪.‬‬
‫كرهُ)‪ :‬فال يكره استعماله يف رفع حدث وإزالة خبث؛ ألنه باقي على‬ ‫اء ال يُ َ‬ ‫َ‬
‫وم ٌ‬ ‫(‬
‫أِله‪.‬‬
‫اؤه ا ْل ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫[رواه‬ ‫ـــح ُّل َم ْي َت ُت ُه»‬ ‫(كماءِ ابلح ِر)‪ :‬لقوله ﷺ عن البحر‪ُ « :‬ه َو ال اط ُه ُ‬
‫ور َم ُ ُ‬
‫األربعة]‪ .‬وهذا نص قاطع‪ ،‬وكل قول يف كراهة استخدام ماء البحر فهو ضعيف‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم يف ِحيحه (‪ )2413‬من حديث أبي ذر الغفاري ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الطيالسـي يف مسنده (‪ ،)451‬والبزار (‪ ،)3246‬و قال الهيثمي يف مامع الزوائد (‪:)266/3‬‬
‫«ورجال البزار رجال الصحيح»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح الاامع الصغير (‪.)2435‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد يف المسند (‪.)564‬‬

‫‪36‬‬
‫‪39‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬


‫ار)‪ :‬وهي باقية على األِل لحديث أبي سعيد ﭬ‬
‫ون‪ ،‬واألنه ِ‬
‫ار‪ ،‬والعي ِ‬
‫(واآلب ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬أ َنتَو اض ُأ مِن بِ ْئ ِر ب َضا َع َة و ِهي بِ ْئر ي ْطرح فِيها ا ْل ِ‬
‫ـــح َي ُض َو َل ْح ُم‬ ‫َأ ان ُه قِ َيل لِرس ِ‬
‫َ َ ٌ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ا ْلـــكِال َِب والنا ْتن‪َ ،‬ف َق َال رس ُ ِ‬
‫ور َ‬
‫ال ُينَا ُس ُه شـي ٌء» [رواه أبو داود‪،‬‬ ‫الما ُء َط ُه ٌ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫والرتمذي وحسنه]‪.‬‬
‫َه‬
‫واحلم ِ‬
‫ام)‪ :‬وهو مكان يوضع فيه ماء حار يغتسل فيه‪ ،‬يشبه الربل الحارة‪،‬‬ ‫(‬
‫والماء الذي فيها طهور‪ ،‬وال يكره استعماله يف الطهارة‪.‬‬
‫ودخوله للرجال جائز‪ ،‬ما لم يكن فيه كشف للعورة‪ ،‬وقد دخل الحمام غير‬
‫واحد من الصحابة‪.‬‬
‫ويمنع دخول النساء فيه‪ ،‬للمفاسد الظاهرة؛ ومنها‪:‬‬
‫كشف العورات وتبذل النساء وخلع ثياهبا يف غير بيت زوجها‪ ،‬وقد قال ﷺ‪:‬‬
‫ن اهلل َت َعا َلى» [رواه أبو‬ ‫« َما مِ ِن ا ْم َر َأ ُة َت ْخ َل ُع ثِ َيا َب َها فِي َغ ْي ِر َب ْيتِ َها؛ إِ ا‬
‫ال َه َت َك ْت َما َب ْين ََها َو َب ْي َ‬
‫نساء من أهل الشام؛ فقالت‬ ‫ُ‬ ‫داود‪ ،‬والرتمذي وحسنه](‪ .)1‬واستدلت به عائشة منكرة على‬
‫لهن‪« :‬لعلكن من ال ُك َ‬
‫ورة التي تدخل نساؤها الحمامات»‪.‬‬
‫ه ْ‬ ‫ُ َ ه‬
‫(والمسخ ِن بالشم ِس)‪ :‬فال كراهة يف استخدامه‪ ،‬وذكره ليرد على من قال‬
‫ال بما ال يثبت‪.‬‬‫بكراهته‪ ،‬مستد ً‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ َ َ ِّ ُ‬
‫ث)‪ :‬وهو اآلجن‪ ،‬فالوضوء به جائز؛ ونقل عليه ابن‬ ‫ول المك ِ‬ ‫ري بِط ِ‬
‫(والمتغ ِ‬
‫المنذر إجماع كل من يحفظ عنه سوى ابن سـيرين‪ ،‬وهذا اجتهاد منه فال يعارض‬
‫ال ُينَا ُس ُه‬ ‫الما ُء َط ُه ٌ‬
‫ور َ‬ ‫ما ثبت بالنص‪ ،‬وهو أن الماء طهور؛ كما يف قوله ﷺ‪َ « :‬‬
‫شـي ٌء»‪.‬‬
‫فإذا تغير أحد أوِافه بنااسة فهو ناس‪ ،‬وما سوى ذلك فهو ُ‬
‫باق على‬
‫طهوريته‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫(أو ِّ‬
‫يح مِن َن ِو ميتة)‪ :‬فال كراهة يف التطهر به؛ قال ابن مفلح‪« :‬بغير خالف‬
‫بالر ِ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4010‬والرتمذي (‪ ،)2603‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪40‬‬

‫نعلمه» ألن الميتة غير ممازجة للماء‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ ُّ َ ُ ِ َ ُ ُ‬
‫وو َر ِق شجر)‪ :‬فالمتغير بسببها ال يكره‬
‫كطحلب‪َ ،‬‬ ‫(أو بِما يشق صون املاء عنه‬
‫استعماله؛ ألهنا طاهرة ويشق ِون الماء عنها وتعم هبا البلوى وسكتت عنها‬
‫الشريعة واألِل عدم الكراهة‪.‬‬
‫َ ُ َ َ‬
‫(ما لم يوضعا)‪ :‬فإن وضعا قصد ًا وتغير به الماء ممازجة سلبه الطهورية على‬
‫المذهب‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬وعليها ظاهر الروايات أنه ال يسلبه الطهورية؛ لعموم قوله‬
‫تعالى‪( :‬ﯧ ﯨ ﯩ) [النساء‪ ،]43:‬وألنه خالطه طاهر لم يسلبه اسمه وهذا‬
‫أقوى‪.‬‬
‫وخالِته‪ :‬أن الماء الطهور يف استخدامه أربعة أقسام‪ :‬ماء يحرم استعماله‪،‬‬
‫وماء يكره‪ ،‬وماء ياوز للمرأة دون الرجل‪ ،‬وماء ياوز للاميع‪.‬‬
‫وفيه قول ُ‬
‫ثان‪ :‬أن جميع هذه األقسام ماء طهور ترفع الحدث وتزيل الخبث‪،‬‬
‫وال إثم فيه؛ إال المغصوب والمسـروق والمأخوذ من غير حق‪ ،‬ولو توضأ به‪،‬‬
‫فالوضوء ِحيح مع اإلثم؛ كما هو مذهب جمهور العلماء وهو األقوى‪.‬‬
‫ُ‬
‫ث‪ .‬وهو‪:‬‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫عم ُاهلُ يف َغ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َُ ُ‬
‫ال اخلب ِ‬
‫ث‪ ،‬وزو ِ‬ ‫احلد ِ‬ ‫فع‬
‫ري ر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫اس‬ ‫وز‬ ‫قوهل‪( :‬اثلاين‪ :‬طاهِر‪َ :‬ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََهَ َ ٌ ْ َ‬
‫ري مِن لون ِ ِه أو طع ِم ِه أو ِر َيِ ِه‪ ،‬بَشء طاهِر)‪.‬‬‫ما تغري كثِ‬
‫هذا حكم الماء الطاهر وضابطه على المذهب‪:‬‬
‫وتقدم الخالف بين العلماء يف هذا التقسـيم و َب ايناا أن هذا مذهب أكثر الفقهاء‪.‬‬
‫والقول اآلخر أن المياه قسمان فقط‪ :‬طهور‪ ،‬وناس‪.‬‬
‫وإذا تغير الماء بشـيء من الطاهرات‪ ،‬فله حالتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يتغير اسمه إلى ذلك المخالط‪ ،‬أو يعتصـر من شـيء طاهر كماء‬
‫الورد‪ ،‬فال تاوز وال تاز الطهارة به؛ ألنه ليس ماء وال يأخذ حكمه وإنما هو‬
‫على حسب ما أضـيف له‪ ،‬فيقال‪ :‬ماء ورد‪ ،‬وعصـير عنب‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪41‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫قال ابن المنذر‪« :‬أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الوضوء غير جائز‬
‫بماء الورد وماء الشار وماء العصفر‪ ،‬وال تاوز الطهارة إال بماء مطلق يقع عليه‬
‫اسم الماء‪ ،‬وألن الطهارة إنما تاوز بالماء وهذا ال يقع عليه اسم الماء بإطالقه»(‪.)1‬‬
‫وضابطه الطاهر‪ :‬على المذهب ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشـيء‬
‫طاهر ولو بقي مسماه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يتغير شـيء من أوِافه لكنه لم يغلب عليه‪ ،‬فما زال يسمى ماء‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه ال تازء الطهارة به ‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫والرواية الثانية‪ :‬أنه تازء الطهارة به للعمومات‪ ،‬وألنه خالطه طاهر لم يسلبه‬
‫اسمه واألِل بقاؤه على الطهورية‪ ،‬وال دليل يمنع من رفعه الحدث وهذا أقوى‪،‬‬
‫واختاره ابن قدامة وشـيخ اإلسالم والسعدي‪ ،‬وعليه فالماء إما طهور وإما ناس‪،‬‬
‫والحد الفاِل بينهما هو‪ :‬التغير ألحد أوِافه بالنااسات‪.‬‬
‫َ ُ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُّ ُ ُ َ‬
‫وريتِ ِه)‪.‬‬
‫فس ِه‪ :‬اعد إىل طه ِ‬
‫ريه بِن ِ‬ ‫قوهل‪( :‬فإن زال تغ‬
‫فإذا زال تغير المتغير بالطاهرات بنفسه‪ ،‬أو بمعاونة أحد وعاد إلى كونه ماء‬
‫مطلقًا ال يخالطه شـيء من الطاهرات‪ ،‬فإنه يرجع إلى كونه طهور ًا‪.‬‬
‫وسواء زال تغيره بنفسه‪ ،‬أو بمعاونة أحد بإضافة طهور إليه أو بنزح منه‪ ،‬فإنه‬
‫يسمى طهور ًا؛ ألن الحكم يدور مع علته وجود ًا وعدمًا‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ ً‬ ‫ه‬
‫فع حدث)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ومِن الطاه ِِر‪ :‬ما اكن قلِيال واستع ِمل يف ر ِ‬
‫هذا من المياه الطاهرة غير المطهرة عند المذهب‪.‬‬
‫والعلة‪ :‬أن الماء استعمل يف طهارة فال يستعمل مرة أخرى‪.‬‬
‫وفيه قول ثان‪ :‬أنه مطهر للعمومات واألِل بقاؤه على الطهورية‪ ،‬وال يمنع‬
‫رفعه الحدث وهذا أقوى‪ ،‬ومن األدلة‪ :‬ما رواه البخاري‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ كان إ ِ َذا‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)24/1‬‬

‫‪41‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪42‬‬

‫ون َع َلى َو ُضوئِ ِه»(‪ ،)1‬واألِل بقاؤه على الطهورية‪ ،‬وال دليل يمنع‬
‫َت َو اض َأ كَا ُدوا َي ْقتَتِ ُل َ‬
‫من رفعه الحدث‪.‬‬
‫َ ً َ ً َ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوهل‪( :‬أو انغمست في ِه ُك ي ِد المسلِ ِم الملك ِف‪ ،‬انلهائ ِِم يلال نوما ينقض‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً ه‬ ‫ُ ُ َ َ َ َ‬
‫ج ٌب)‪.‬‬
‫الوضوء‪ ،‬قبل غسلِها ثالثا‪ ،‬بنِية‪ ،‬وتس ِمية‪ ،‬وذل ِك وا ِ‬
‫ألن الماء استعمل يف طهارة فال يستعمل يف أخرى‪ ،‬والقليل ما دون القلتين‪.‬‬
‫وفيه قول ثان‪ ،‬وهو أقوى‪ :‬أنه الماء باق على أِله طاهر مطهر ألمور منها‪:‬‬
‫أن األِل يف الماء الطهورية‪.‬‬
‫أنه ال ينتقل عن هذا األِل إال بتغير يف أوِافه وهذا ال يوجد‪.‬‬
‫أن الحديث هنى عن غمس اليد فيه به و لم يتعرض لحكم الماء بعد الغمس‪.‬‬
‫وقد جاءت السنة بأمر المستيقظ من النوم أال يغمس يده يف اإلناء حتى يغسلها‬
‫اإلن ِ‬
‫َاء‬ ‫ثالثًا كما يف الصحيحين‪« :‬إِ َذا اس َت ْي َق َظ َأ َحدُ ُكم مِ ْن ن َْومِ ِه‪َ :‬فالَ َي ْغ ِم ْس َيدَ ُه فِي ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َحتاى َي ْغ ِس َل َها َثالَ ًثا‪َ ،‬فإ ِ ان ُه َ‬
‫ال َيدْ ِري َأ ْي َن َبا َت ْت َيدُ ُه»‪.‬‬
‫ض َ‬ ‫ه َ ً َ ً َ ُ ُ ُ ُ‬
‫وء)‪ :‬فنوم الليل ال يعلم خالف يف دخوله يف األمر‬ ‫(انلائ ِِم يلال نوما ينقض الو‬
‫يف الحديث إن كان ينقض الوضوء؛ لقوله‪َ ( :‬با َت ْت)‪ ،‬والبيتوتة تكون يف الليل‪.‬‬
‫فإن خالف وغمسها المستيقظ قبل غسلها أصبح طاهر ًا غري مطهر‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه ال أثر على الماء من الغمس فهو باق على طهوريته يرفع الحدث‬
‫ويزيل الخبث‪.‬‬
‫والمذهب عدم دخول نوم النهار؛ ألنه ال يراد بالبيتوتة نوم النهار‪.‬‬
‫َ‬
‫ج ٌب)‪ :‬فاألمر بغسل اليدين للمستيقظ قبل إدخالهما‪:‬‬ ‫(وذل ِك وا ِ‬
‫المذهب‪ :‬أنه للوجوب لعدم وجود ِارف‪ ،‬وبه قال إسحاق والحسن وابن‬
‫جرير ورجحه الشـيخ ابن إبراهيم‪.‬‬
‫وفيه قول ثان‪ :‬أنه لالستحباب والنهي للكراهة‪ ،‬وهو مذهب الامهور‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2561‬من حديث مسور بن مخرمة ﭬ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪43‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫والحكمة من النهي عن غمسها قبل غسلها‪:‬‬


‫قيل‪ :‬خشـية النااسة‪ ،‬وفيه نظر ألن هذا الحكم عام حتى ولو تيقن عدم‬
‫تنايسها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬العلة مالمسة الشـيطان‪ ،‬ونظيره أمر المستيقظ باالستنشاق؛ ألن‬
‫الشـيطان يبيت على خيشومه‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم وابن القيم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬العلة تعبدية وال يمنع اجتماع العلل المذكورة فيكون أمر بالغسل قبل‬
‫الغمس مراعاة لذلك كله(‪.)1‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َُ ََ َ‬ ‫عم ُاهلُ هإال ل َ ُ‬
‫َِض َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ َ ٌ َ ُ‬
‫احلدث‪ ،‬وال ي ِزيل‬ ‫ورة‪ ،‬وال يرفع‬ ‫َنس‪َ :‬ي ُرم استِ‬‫قوهل‪( :‬اثلال ِث‪ِ :‬‬
‫ََ َ‬
‫اخلبث)‪.‬‬
‫فالناس يحرم استعماله يف األكل والشرب ونحوها إال لضرورة وال تحصل به‬
‫الطهارة فال يرفع حدثًا وال يزيل خبثًا؛ ألنه ناس يحتاج إلى تطهير والنصوص‬
‫نصت على الماء الطهور والناس يزيد البدن نااسة وفاقد الشيء ال يعطيه‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ ً َ‬
‫وت َغ ه َ‬ ‫َ َ ٌ ُ َ ٌ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ري بها أحد‬ ‫قوهل‪( :‬وهو‪ :‬ما َوقعت فِي ِه َناسة وهو قلِيل‪ ،‬أو اكن كثِريا‬
‫َ‬
‫أوصاف ِه)‪.‬‬
‫ضابط الماء الناس على المذهب يشمل أمرين‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن تقع فيه نااسة وهو دون القلتين فيتناس ولو لم يتغير‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن يكون فوق القلتين فال يناس إال بتغير أحد أوِافه‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أن ضابط الناس ما تغير أحد أوِافه الثالثة بنااسة قليالً كان أو‬
‫كثير ًا‪ ،‬ولإلجماع المنعقد على ذلك ولحديث أبي أمامة ﭬ مرفوعًا‪« :‬إِ ان َ‬
‫الما َء‬
‫ال إِ ْن َت َغير ِريحه َأو َطعمه َأو َلو ُنه بِنَااس ُة َتحدُ ُ ِ ِ‬
‫ث فيه» [أخرجه البيهقي‪ ،‬وضعفه‬
‫َط ِ‬
‫اه ٌر إِ ا‬
‫ْ‬ ‫اَ ُ ُ ْ ْ ُ ُ ْ ْ ُ َ َ‬
‫أبوحاتم‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم]‪.‬‬
‫وبين أنه ال ياوز استعمال الماء الناس يف رفع الحدث وإزالة الخبث وال‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪ ،)43/21‬هتذيب السنن (‪.)62/1‬‬

‫‪43‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪44‬‬

‫ترتفع به؛ ألنه ناس يحتاج إلى تطهير‪.‬‬


‫وإذا وقعت النااسة يف الماء‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬التفريق بين الماء القليل والكثير فالقليل يناس بمارد المالقاة‬
‫للنااسة ولو لم يتغير‪ ،‬وأما الكثير فال يناس إال بالتغير وهذا مرجوح‪.‬‬
‫َان َالما َء ُق ال َت ْي ِن َل ْم َي ْح ِم ْل َا َ‬
‫لخ َب َث ‪-‬‬ ‫وحد الكثير‪ :‬قلتان فما فوق؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫وفِي َل ْف ُ‬
‫ظ‪َ :‬ل ْم َين ُْا ْس‪[ »-‬أخرجه األربعة] (‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫واألظهر‪ :‬أنه ال يناس بمارد وقوع النااسة فيه إال إذا غيرت أحد أوِافه‪،‬‬
‫قليالً كان الماء أو كثير ًا‪ ،‬وأما مالقاته النااسة أو وقوعها فيه فال تناسه مادام لم‬
‫يتغير أحد أوِافه‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم وابن القيم وغيرهم ممن سبق بياهنم؛‬
‫ال ُينَا ُس ُه شـي ٌء»‬ ‫الما ُء َط ُه ٌ‬
‫ور َ‬ ‫لداللة حديث أبي سعيد ﭬ‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬‬
‫[أخرجه األربعة‪ ،‬وِححه الرتمذي]‪.‬‬
‫ويااب عن حديث القلتين بأجوبة‪ ،‬منها‪ :‬أن داللته داللة مفهوم يف أن ما دون‬
‫القلتين يحمل الخبث ولو لم يتغير‪ ،‬وداللة حديث أبي سعيد ﭬ داللة منطوق يف‬
‫أنه ال يناس إال بالتغير‪ ،‬وداللة المنطوق مقدمة‪ ،‬وكذا لفظ حديث أبي سعيد عام‬
‫يف القليل والكثير ومطلق يف النااسات كلها‪ ،‬فال يناس الماء إال بالتغير‪،‬‬
‫والتناس بالتغير دل له اإلجماع وهذا أقوى‪.‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ْ َ َ َ ُّ ُ ُ َ‬
‫فس ِه‪ .‬أو‪ :‬بـإضاف ِة طهور إيل ِه‪ .‬أو‪ :‬بَنح مِنه ويبَق‬
‫ريه بِن ِ‬ ‫قوهل‪( :‬فإن زال تغ‬
‫َ‬ ‫َ َُ َ ٌ َ ُ‬
‫ري‪ :‬طهر)‪.‬‬ ‫بعده كثِ‬
‫فإذا زال تغير المتغير بالنااسة بنفسه‪ ،‬أو بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ِار‬
‫طاهر ًا؛ ألن الحكم يدور مع علته وجود ًا وعدمًا فياوز التطهر به وشـربه‬
‫واستخدامه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)61‬وأبو داود (‪ ،)63‬والنسائي (‪ ،)52‬وابن ماجه (‪ ،)511‬وابن خزيمة يف ِحيحه‬
‫(‪ ،)22‬وابن حبان يف ِحيحه (‪ ،)1242‬والحاكم يف المستدرل (‪ )452‬من حديث ابن عمر ﭬ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪45‬‬ ‫بــاب امليــاه‬

‫ومثله مياه الصـرف إذا أمكن تطهيرها وتنقيتها من النااسة طعمًا ولونا ورائحة‬
‫فياوز استعمالها للطهارة‪ ،‬وكذا ياوز استعمالها يف األكل والشـرب إذا ثبت‬
‫خلوها من الضـرر‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫ُ ََُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ري‪ :‬قلتان تقريبا‪ .‬والي ِس ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫والكثِ ُ‬
‫ري‪ :‬ما دونهما‪ .‬وهما‪ :‬مخس مِئ ِة ِرطل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وسبعان ون ِصف ُسب ِع رطل بالق ِ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بال ِع َر ِ ِّ‬
‫دِس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اِق‪ ،‬وثمانون ِرطال‬
‫ُ ًْ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ََُُ َ ٌ ُ ٌ ُ ً‬
‫وربع‪ ،‬طوال‪ ،‬وع ْرضا‪ ،‬وعمقا)‪.‬‬ ‫ومِساحتهما‪ :‬ذِراع‬
‫ِ‬
‫َان َالما َء ُق ال َت ْي ِن َل ْم َي ْحم ْل‬ ‫ضابط الماء الكثير قلتان فما فوق؛ لحديث‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫ظ‪َ :‬ل ْم َين ُْا ْس‪.»-‬‬ ‫لخب َث ‪-‬وفِي َل ْف ُ‬
‫َ‬ ‫َا َ َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاسةِ‪ :‬ف ُهو َط ُه ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ور كثِ ً‬ ‫الط ُه ُ‬
‫َ َ ُ ه‬ ‫َ‬
‫ور‪ ،‬ولو مع‬ ‫ريا‪ ،‬ولم يتغري بانل‬ ‫قوهل‪( :‬فإذا اكن الماء‬
‫ََ‬
‫بقائ ِها فِي ِه)‪.‬‬
‫أي إذا كان الماء الطهور قلتين فأكثر فوقعت فيه نااسة لم تؤثر فيه‪ ،‬ولو كانت‬
‫لخ َب َث‬‫َان َالما َء ُق ال َت ْي ِن َل ْم َي ْح ِم ْل َا َ‬
‫باقية فيه ما لم تتغير أحد أوِافه هبا لحديث‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫ظ‪َ :‬ل ْم َين ُْا ْس»‪.‬‬ ‫وفِي َل ْف ُ‬
‫َ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ه‬ ‫َ‬
‫َنس)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وإن شك يف كرثت ِ ِه‪ :‬فهو ِ‬
‫ألن وقوع النااسة متيقن واألِل القلة وبلوغه القلتين شك والقليل يناس‬
‫‪.‬‬
‫بمارد المالقاة‪ ،‬فال ينتقل عن األِل بالشك هذا الوجه المرجح يف المذهب‬
‫والوجه الثاين يف المذهب أنه يحكم بطهارته؛ ألن األِل يف الماء الطهارة‬
‫والتناس هنا شك وهذا أقوى‪.‬‬
‫َ ُ ُ َ َ َ َ ه َ َ َ ُه‬ ‫ه َُ َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َََ‬ ‫ْ‬
‫قوهل‪( :‬وإن اشتبه ما جتوز ب ِه الطهارة بِما ال جتوز‪ :‬لم يتحر‪ ،‬ويتيمم بِال‬
‫َ َ‬
‫إراقة)‪.‬‬
‫إن اشتبه ما جتوز به الطهارة وهو الطهور املباح بام ال جتوز به لنجاسته أو حرمته‬
‫فال يدري عن حاله فإنه ال يتحرى؛ ألن الوضوء به غير ماز ويصير للتيمم بال‬
‫إراقة للماء‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه يتحرى ويتوضأ وياز ؛ ألن عالمة تنايسه على الصحيح التغير‬

‫‪45‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪46‬‬

‫إما تغير لونه أو ريحه أو طعمه‪ ،‬وإن لم يقدر على التفريق لفقدانه بعض الحواس‬
‫اجتهد وتحرى‪ ،‬وإليه ذهب الشافعية؛ لعموم قوله ﷺ يف الشك يف الصالة‪َ « :‬ف ْل َيت ََح ار‬
‫اب َف ْل ُيتِ ام َع َل ْي ِه» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫الص َو َ‬
‫ا‬
‫ُ َ َ َ َ َ َُ‬ ‫َ َُ َ َ َ َ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬ويلزم من علِم بنجاس ِة َشء‪ :‬إعالم من أراد أن يستع ِمله)‪.‬‬
‫ألن استعمال النااسة ال غير ماز ‪ ،‬فالواجب على من رأى من يستعملها‬
‫اصـيح ُة» ُق ْلـــنَا‪ :‬ل ِ َم ْن؟ َق َال‪« :‬لِله‬
‫َ‬ ‫إخباره‪ ،‬وهو من النصـيحة لحديث‪« :‬الدي ُن الن‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫مسلم](‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫م» » [أخرجه‬ ‫ـــم ْسلمي َن َو َعا امت ِه ْ‬
‫َولكتَابِه َول َر ُسوله َوألَئ امة ا ْل ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)322‬ومسلم (‪ )512‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف ِحيحه (‪ )55‬من حديث تميم الداري ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪47‬‬ ‫بـاب اآلنـيـة‬

‫‪e‬‬ ‫ب اآل ِنيَةِ‬


‫بَا ُ‬ ‫‪F‬‬
‫اآلنية‪ :‬هي‪ :‬األوعية والظروف‪.‬‬
‫ومناسبة الباب لكتاب الطهارة‪ :‬أن الماء جوهر سائل يحتاج يف استعماله لآلنية‬
‫ليحفظ فيها؛ فناسب أن يعرف العبد حكم اآلنية ما يحل منها وما يحرم‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ ُ ِّ َ ُ ُ ِّ َ‬
‫قوهل‪( :‬يـباح‪ :‬اِّتاذ ُك إناء طاهِر واستِعماهلُ)‪.‬‬
‫األِل يف األواين اإلباحة والطهارة‪ ،‬فياوز أن يأكل ويشرب ويتوضأ هبا‪ ،‬فال‬
‫يحرم منها شيء إال لدليل ومما يدل عليه قوله تعالى‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫وها‪،‬‬ ‫اهلل َت َعا َلى َف َر َض َف َرائِ َض َفالَ ُتضي ُع َ‬
‫ﯲ ﯳ﴾ [البقرة‪ .]22 :‬و َق َال ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫وها‪َ ،‬و َس َك َت َع ْن َأشيا َء مِ ْن َغ ْي ِر‬ ‫وحرم حرم ُ‬
‫ات َفالَ َتنْت َِه ُك َ‬
‫وها‪َ ،‬و َحدا ُحدُ و ًدا َفالَ َت ْعتَدُ َ‬ ‫َ َا َ ُُ َ‬
‫نِ ُ‬
‫سيان‪َ ،‬فالَ َت ْب َح ُثوا َعن َْها» [أخرجه الدارقطني](‪.)1‬‬
‫َ ً‬
‫قوهل‪( :‬ولو ث ِمينا)‪.‬‬
‫أي ولو كان اإلناء غال القيمة كألماس أو أحاار كريمة؛ ألن األِل الحل إال‬
‫ما دل الدليل على تحريمه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ه‬ ‫ََ ه َ‬ ‫ه‬
‫ب وال ِفضةِ‪ ،‬والمم هو َه ب ِ ِهما)‪.‬‬‫ِ‬ ‫ه‬ ‫اذل‬ ‫ة‬‫ِي‬ ‫ن‬ ‫آ‬ ‫‪:‬‬ ‫إال‬‫قوهل‪( :‬‬
‫ال َتشر ُبوا فِي آنِيَ ِة‬ ‫لمايء النص بتحريمها ففي الصحيحين أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬و َ‬
‫اآلخ َر ِة»(‪.)2‬‬
‫ال َت ْأ ُك ُلوا فِي ِِحافِها‪َ ،‬فإِ انها َلهم فِي الدُّ ْنيا و َلنَا فِي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ب َوا ْل ِف اض ِة‪َ ،‬و َ‬
‫الذ َه ِ‬
‫ا‬
‫ويف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ا ال ِذي يشرب فِي إِن ِ‬
‫َاء ا ْل ِف اض ِة إِن َاما ُي َا ْر ِج ُر‬ ‫َ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني (‪ ،)164/4‬قال الهيثمي يف مامع الزوائد (‪« :)111/1‬ورجاله رجال الصحيح» عَ ْن‬
‫ـــخ َشنِي ﭬ‪.‬‬
‫َأبِي َث ْع َل َب َة ا ْل ُ‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5110‬ومسلم (‪ )2061‬عن حذيفة ﭬ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪48‬‬

‫فِي َب ْطن ِ ِه ن ََار َج َهن َام»(‪.)1‬‬


‫واإلجماع منعقد على حرمة األكل والشرب فيهما‪ ،‬نقله النووي وابن قدامة‬
‫وابن عبد الرب‪ ،‬وحرمة األكل والشرب تشمل الرجال والنساء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫(والمم هو َه ب ِ ِهما)‪ :‬والتمويه أن يذاب الذهب أو الفضة ويغمس اإلناء فيهما‪.‬‬
‫والمطعم هبما‪ :‬وهو أن يحفر يف اإلناء حفرة وتمأل بالذهب أو الفضة‪.‬‬
‫فيمنع منه الجتماع حاضر ومبيح فيغلب جانب الحضر‪.‬‬
‫والحكمة من تحريم آنية الذهب والفضة‪ :‬أهنا للكفار يف الدنيا ولنا يف اآلخرة‬
‫وألهنا غالية ونفيسة فيكون فيها إسـراف‪ ،‬وقد قال ﷺ‪ُ « :‬ك ُلوا َواشـر ُبوا َوا ْلـــبَ ُسوا‬
‫خي َل ُة» » [رواه البخاري](‪ .)2‬وقال ابن عباس ﭬ‪ُ « :‬ك ْل‬ ‫ال م ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َت َصدا ُقوا في َغ ْي ِر إِسـراف‪َ ،‬و َ َ‬
‫سـرف َأو م ِ‬
‫خي َل ٌة»‪.‬‬ ‫ما ِش ْئ َت وا ْلـــبس ما ِش ْئ َت ما َأ ْخ َط َأ ْت َك ا ْثنَت ِ‬
‫َان‪:‬‬
‫ٌ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫وألهنا تكسـر قلوب الفقراء‪ ،‬واستخدامها يورث الكرب والغرور‪ .‬وفيه تشبه‬
‫بالكفار‪ ،‬وحتى لو لم تعرف العلة فالنص ِـريح بالحرمة‪ ،‬وال يمنع اجتماع هذه‬
‫الحكم كلها‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬استعمال آنية الذهب والفضة واتخاذها له حالتين؟‬
‫األولى‪ :‬استعمالها يف األكل والشـرب هذا محرم بالنص واإلجماع‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬استعمالها يف غير األكل والشـرب كالوضوء وحفظ األوراق‪ ،‬اختلف‬
‫العلماء فيه فذهب إلى تحريمه جمهور العلماء‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بحديث حذيفة وأم سلمة ‪ ،‬وبينوا أن ذكر األكل والشـرب خرج‬
‫مخرج الغالب‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أن ما كان قيدً ا أغلب ًيا فال مفهوم له‪.‬‬
‫اآلخ َر ِة»‪ .‬وذكروا أن العلة الموجودة يف‬
‫وبقوله ﷺ‪َ « :‬فإِناها َلهم فِي الدُّ ْنيا و َلنَا فِي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5311‬ومسلم (‪ )2065‬عن أم سلمة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ذكره البخاري يف ِحيحه (‪ )2161/5‬وذكر أيضا قول ابن عباس ﭬ الذي يليه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪49‬‬ ‫بـاب اآلنـيـة‬

‫األكل والشـرب موجودة يف غيرهما من سائر االستعماالت‪.‬‬


‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ ه َ ُ‬
‫قوهل‪( :‬وت ِصح‪ :‬الطهارة بها‪ ،‬وباإلناءِ المغص ِ‬
‫وب)‪.‬‬
‫لو توضأ يف إناء ذهب أو مغصوب أو مسـروق‪ ،‬فالوضوء ِحيح؛ ألن الوضوء‬
‫حصل بإمرار الماء على العضو‪ ،‬والنهي عائد إلى أمر خارج عن العبادة فال تفسد‪،‬‬
‫ويأثم الرتكابه المحرم‪.‬‬
‫َ‬
‫ري ِزينة)‪.‬‬
‫َ‬
‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬
‫ه‬
‫ض‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ري‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫اء ضب َب بضبة ي ِس َ‬ ‫اح‪ :‬إنَ ٌ‬
‫َُ ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلناء المضبب‪ :‬هو الم ال احم‪ ،‬كما لو انكسـر اإلناء ولحم بحديد أو ذهب أو‬
‫فضة فيسمى مضب ًبا‪ ،‬فالضبة‪ :‬حديدة تامع بين طريف المنكسـر‪.‬‬
‫فلو لحم اإلناء بضبة من ذهب لم ياز‪ ،‬وبالفضة جائز بشرأ‪:‬‬
‫أن تكون الضبة يسـيرة‪.‬‬
‫وأن تكون لحاجة؛ ألن رسول اهلل ﷺ إنما ضببه للحاجة عندما انكسـر اإلناء‪.‬‬
‫أن َقدَ َح النابِي ﷺ‬
‫َس ﭬ‪ « :‬ا‬‫والدليل على الاواز‪ :‬ما رواه البخاري َع ْن َأن ُ‬
‫ـــس َل ًة مِ ْن فِ اض ُة»(‪.)1‬‬
‫ب ِس ْل ِ‬
‫الش ْع ِ‬
‫ان ا‬ ‫ا ْن َكسـر‪َ ،‬فا ات َخ َذ َم َك َ‬
‫َ ُُ َ ٌَ‬ ‫َُ ُ ه‬
‫ار‪ ،‬وثِيابهم‪ :‬طاهِرة)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وآنِية الكف ِ‬
‫األِل يف أواين الكفار وثياهبم اإلباحة والطهارة؛ كتابيين أو غيرهم‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [البقرة‪.]22 :‬‬
‫وقد ِح أن رسول اهلل ﷺ أكل يف أوانيهم‪ ،‬ولبس ثياهبم من غير غسل‪ ،‬وقد‬
‫توضأ رسول اهلل ﷺ من مزادة امرأة مشـركة(‪.)2‬‬
‫ويف الصحيحين من حديث أبي ثعلبة ﭬ قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل! إنا بأرض‬
‫يها‪َ ،‬وإِ ْن‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قوم أهل كتاب أفنأكل يف آنيتهم‪ ،‬قال‪َ « :‬فإِ ْن َو َجدْ ُت ْم َغيْ َر آن َيت ِه ْم َفالَ َت ْأ ُك ُلوا ف َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف ِحيحه (‪.)2242‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)331‬ومسلم (‪ ،)662‬بمعناه يف حديث طويل‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪50‬‬

‫ِ‬ ‫ادُ وا َفا ْغ ِس ُل َ‬


‫َلم َت ِ‬
‫وها‪ُ ،‬ث ام ُك ُلوا ف َ‬
‫يها»(‪.)1‬‬ ‫ْ‬
‫وكانت الملول ترسل إليه الهدايا من الثياب ولم ينقل عنه غسلها‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من األدلة التي تدل على أن األِل يف ثياهبم وأوانيهم الطهارة والحل‪.‬‬
‫فإذا علمنا نااستها وجب غسلها قبل استخدامها‪.‬‬
‫وحاالت ثياب الكفار وأوانيهم ثالث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن نعلم نااستها‪ ،‬فياب غسلها قبل استعمالها‪ ،‬وعليها يحمل حديث‬
‫يها َوإِ ْن َل ْم‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أبي ثعلبة أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬فإِ ْن َو َجدْ ُت ْم َغ ْي َر آن َيت ِه ْم َفالَ َت ْأ ُك ُلوا ف َ‬
‫ِ‬ ‫ادُ وا َفا ْغ ِس ُل َ‬
‫َت ِ‬
‫وها ُث ام ُك ُلوا ف َ‬
‫يها»‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن نعلم من حالهم أهنم يتوقون النااسات‪ ،‬فال ياب غسلها؛ ألهنا باقية‬
‫على األِل‪ ،‬وهو اإلباحة والطهارة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن ناهل حالهم فال ياب غسلها؛ ألن األِل الطهارة فال ننتقل عنه‬
‫إال بيقين‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ توضأ من مزادة امرأة مشـركة ولم يسألها استخدمتها أم‬
‫صـيب من آن ِ َي ِة‬
‫ُ‬ ‫ال؟ وألبي داود عن جابر ﭬ قال‪« :‬كنا َن ْغ ُزو مع رسول اهلل ﷺ َفنُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يب ذلك عليهم»(‪.)2‬‬ ‫ا ْل ُمشـركي َن َو َأ ْسق َيت ِه ْم َفن َْست َْمت ُع هبا‪ ،‬فال َيع ُ‬
‫والقاعدة يف أواين وثياب الكفار هي‪ :‬جواز استعمالها‪ ،‬وعدم وجوب غسلها ما‬
‫لم نتيقن أو يغلب على الظن أن فيها نااسة‪.‬‬
‫َ ُ َ َ َ َ ُُ‬ ‫ه ِّ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬وال ينجس َش ٌء‪ :‬بالشك‪ ،‬ما لم تعلم َناسته)‪.‬‬
‫فما كان أِله طاهر ًا ال يناس بمارد الشك حتى يغلب على الظن تناسه‪،‬‬
‫يستصحب يف جميع‬
‫ُ‬ ‫وهذا يشمل األواين والثياب واألرض ‪ ،‬وغيرها‪ .‬وهذا ٌ‬
‫أِل‬
‫الطاهرات‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5110‬ومسلم (‪.)1230‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ )3636‬من حديث جابر ﭬ‪ ،‬وِحح إسناده األلباين يف إرواء الغليل (‪.)61/1‬‬

‫‪50‬‬
‫‪51‬‬ ‫بـاب اآلنـيـة‬

‫ُ َ َ ٌ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫وظ ُف ُر َها‪ ،‬وحاف ُ‬ ‫َُْ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫َنس‪ ،‬وال‬‫ِ‬ ‫ا‪:‬‬ ‫ه‬‫دل‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ها‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫وع‬ ‫ها‪،‬‬‫ِر‬ ‫ها‪،‬‬ ‫ظم الميتةِ‪ ،‬وقرن‬ ‫قوهل‪( :‬وع‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫طه ُر بادلب ِ‬‫َ ُ‬
‫اغ‪.‬‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫والشع ُر‪ ،‬والصوف‪ ،‬والريش‪ :‬طاه ٌِر‪ ،‬إذا اكن مِن ميتة طاه َِرة يف َ‬
‫احلياة ِ‪ ،‬ولو غ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ري‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬
‫اكله ِّر والفأ ِر)‪.‬‬
‫مأكولة‪ِ ،‬‬
‫أجزاء الميتة الطاهرة يف حال الحياة أقسام أربعة‪:‬‬
‫لحمها وشحمها هذه ناسة ويحرم أكلها وبيعها‪.‬‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ ُ َ َ َ ُ‬
‫ظم الميتةِ‪ ،‬وق ْرنها‪ ،‬وظف ُرها‪ ،‬وحاف ُِرها‪ ،‬وعصبها)‪ :‬مما ليس فيه دم‪.‬‬‫(وع‬
‫المذهب‪ :‬أهنا ناسة؛ ألهنا من جملة الميتة فتكون ناسة والميتة كلها حرام؛‬
‫لعموم قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [المائدة‪ .]3 :‬وقوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [األنعام‪ .]145 :‬والرجس‪:‬‬
‫الناس‪ ،‬فعلى هذا لو وقع شـيء من هذه األشـياء يف الماء وتغير أحد أوِافه به‬
‫فإنه يناس‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن عظم الميتة وقرهنا وظفرها وعصبها وحافرها طاهرة وليست‬
‫بناسة‪ .‬وإليه ذهب أبو حنيفة ورواية عن أحمد واختاره شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫ألن األِل فيها الطهارة‪ ،‬وألنه ليس فيها دم مسفوح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ُ ِّ َ‬ ‫ُ َ َ ٌ‬
‫َنس‪ ،‬وال يطهر بادلباغ)‪ :‬مطلقا سواء كانت مأكولة اللحم أم ال؛‬ ‫جدلها‪ِ :‬‬
‫(و ِ‬
‫ألن الميتة ناسة العين‪.‬‬
‫َاب رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬أ ْن َال‬ ‫واستدلوا‪ :‬بحديث َع ْبد اهلل ْب ِن ُع َك ْي ُم َق َال‪َ :‬أ َتانَا كت ُ َ ُ‬
‫ب» [أخرجه األربعة‪ ،‬وِححه ابن حبان](‪ .)1‬قال الرتمذي‪:‬‬ ‫اب َو َال َع َص ُ‬‫الم ْيت َِة بِإِ َه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َتنْتَف ُعوا م َن َ‬
‫«حسن‪ ،‬وليس العمل على هذا عند أكثر أهل العلم»‪ .‬وأعله طائفة من العلماء‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4121‬و الرتمذي (‪ ،)1122‬والنسائي (‪ ،)4242‬وابن ماجه (‪ ،)3613‬وِححه ابن‬
‫حبان (‪.)1211‬‬

‫‪51‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪52‬‬

‫والرواية الثانية عن اإلمام أحمد‪ :‬أن الدباغ ُي َطهر جلود مأكولة اللحم دون‬
‫غيرها‪ ،‬واختارها ابن تيمية وابن القيم وهو األقوى وبه قال أكثر العلماء كأبي‬
‫حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫اب َف َقدْ َط ُه َر» [رواه مسلم]‪.‬‬ ‫لعموم حديث ابن عباس ﭭ‪ ،‬عنه ﷺ‪« :‬إِ َذا ُدبِ َغ ِ‬
‫اإل َه ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ـــم َحب ِق َأ ان َنبِي اهلل ﷺ َق َال‪ِ « :‬د َبا ُغ األَ ِد ِ‬
‫يم َذكَا ُت ُه»‬ ‫وحديث َس َل َم َة ْب ِن ا ْل ُ‬
‫ا‬
‫فاعل الدباغ للالد بمنزلة الذكاة‪ ،‬فكما أن الذكاة تحل مأكول اللحم‪ ،‬فالدباغ‬
‫يحل جلده دون سواه‪ ،‬ويعضده ما رواه أبو داود بإسناد حسن‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ‬
‫وب ج ُل ِ‬
‫ود النُّ ُم ِ‬
‫ور»(‪.)2‬‬ ‫ن ََهى َع ْن ُر ُك ِ ُ‬
‫الم ْيت َِة بِإِ َه ُ‬
‫اب َو َال َع َص ُ‬
‫ب»‪ .‬فيااب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأما حديث ابن عكيم‪َ « :‬أ ْن َال َتنْتَف ُعوا م َن َ‬
‫عنه بأنه حديث ضعيف‪ ،‬كما قاله الحافظ وغيره‪.‬‬
‫وأنه معارض لحديث ابن عباس وهو يف الصحيح فيقدم عليه‪.‬‬
‫وعلى فرض ِحته فيحمل على الالد قبل الدبغ؛ ألنه يسمى إها ًبا وأما بعد‬
‫الدبغ فال يسمى إها ًبا‪ ،‬قال أبو داود‪ :‬قال عقبة‪« :‬إذا دبغ ال يقال إها ًبا‪ ،‬وإنما يسمى‬
‫شنًا وقربة»‪ .‬وقال النضر بن شميل‪« :‬يسمى إهابًا ما لم يدبغ»‪ .‬وحديث ابن عباس‬
‫اب َف َقدْ َط ُه َر»‪.‬‬ ‫ﭭ مرفوعًا‪« :‬إِ َذا ُدبِ َغ ِ‬
‫اإل َه ُ‬
‫ِّ ُ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫والريش‪ :‬طاه ٌِر)‪ :‬ألن اهلل ذكرها يف معرض االمتنان‪،‬‬ ‫(والشع ُر‪ ،‬والصوف‪،‬‬
‫ويكون االمتنان أبلغ إذا حصل االنتفاع هبا يف حال الحياة والموت؛ كما يف قوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4125‬والنسائي (‪ )4243‬والحاكم يف المستدرل (‪ )1211‬وقال‪ِ« :‬حيح اإلسناد»‪،‬‬
‫وابن حبان يف ِحيحه (‪ ،)4522‬والدارقطني يف سننه (‪ )45/1‬بألفاظ متقاربة وِححه ابن الملقن يف‬
‫البدر المنير (‪.)602/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1124‬وأحمد يف المسند (‪ ،)16255‬وحسن إسناده النووي يف رياض الصالحين‬
‫(‪ )611‬ص (‪.)162‬‬

‫‪52‬‬
‫‪53‬‬ ‫بـاب اآلنـيـة‬

‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾‬
‫[النحل‪.]60 :‬‬
‫ومن فوائد هذا التقسيم ألجزاء الميتة‪ :‬أنه إذا وقع شيء من الميتة وتغير به الماء‬
‫فإن كان من القسم الناس‪ :‬فيناس إذا َغ اي َره‪.‬‬
‫وإن كان من الطاهر فال يناس ولو َغ اي َره؛ ألنه طاهر كريش الحمام وشعر‬
‫الماعز وهذا كله يف الميتة الطاهرة يف الحياة أم ما كان ناسًا يف الحياة كالكلب‬
‫فبعد الموت يبقى ناسًا‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اكله ِّر والفأ ِر)‪ :‬فكل ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(إذا اكن مِن ميتة طاهِرة يف احلياة ِ‪ ،‬ولو غري مأكولة‪ِ ،‬‬
‫كان طاهر ًا يف الحياة فشعر وِوف وريش ميتته طاهر‪ ،‬سواء كان مأكوال كالغنم أو‬
‫غير مأكول كالهر والفأر والصقر‪ ،‬وأما الناس يف الحياة كالكلب فأجزاءه تتناس‬
‫بالموت من باب أولى‪.‬‬
‫والحيوان الطاهر يف الحياة كالتالي‪:‬‬
‫الم ْؤمِ َن َ‬
‫ال َين ُْا ُس» [متفق عليه](‪ .)1‬وكذا‬ ‫اآلدمي‪ ،‬مسلمًا أو كافر ًا؛ لحديث‪« :‬إِ ان ُ‬
‫إباحة نكاح الكتابيات‪ ،‬والشك أنه سيصيبه شيء من بدهنا أو ريقها‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫يأمر اهلل بغسله‪.‬‬
‫وكل حيوان يباح أكله‪ ،‬فهو طاهر كاإلبل والغنم والبقر والغزال‪.‬‬
‫س‪ ،‬إِن َاها‬
‫و ما يشق التحرز منه‪ ،‬كالحمار والفأر والهر لحديث‪« :‬إِن َاها َل ْي َس ْت بِن ََا ُ‬
‫ات» [رواه األربعة وِححه الرتمذي] (‪ ،)2‬إال ما استثناه الشارع‬ ‫مِن ال اطوافِين َع َلي ُكم وال اطوا َف ِ‬
‫َ ا َ ْ ْ َ ا‬
‫كالكلب‪.‬‬
‫و كل ما ال نفس له سائلة‪ ،‬كالذباب والاراد والصراِير وهذه طاهرة؛ لمايف‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)261‬ومسلم (‪ )311‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)15‬والرتمذي (‪ ،)22‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬والنسائي (‪ ،)66‬وابن ماجه (‪،)361‬‬
‫وِححه ابن خزيمة (‪ ،)104‬وابن حبان (‪.)1222‬‬

‫‪53‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪54‬‬

‫الذبَاب فِي شراب أحد ُكم‬


‫البخاري عن أبي ُه َر ْي َرة َق َال‪َ :‬ق َال النابِي ﷺ‪« :‬إِذا َوقع ُّ‬
‫ثم لينزعه‪َ ،‬فإِن فِي أحد جناحيه َداء‪َ ،‬وفِي اآلخر ِش َفاء»(‪.)1‬‬ ‫فليغمسه ا‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه َ َُ‬
‫قوهل‪( :‬ويسن‪ :‬تغ ِطية اآلنِيةِ‪ ،‬وإيكاء األس ِقي ِة)‪.‬‬
‫ال ألمر رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وحتى ال يصل إليها الشيطان‪ ،‬وهو ال يكشف إناء‬ ‫امتثا ً‬
‫مغطى وال يفتح بابًا مغلقًا‪ ،‬وألن يف السنة ليلة ينزل فيها وباء يصـيب اآلنية‬
‫المكشوفة؛ كما روى مسلم عن جابر ﭬ قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬غ ُّطوا ِ‬
‫اإلنَا َء‬
‫ال يمر بِإِن ُ‬
‫َاء َل ْي َس َع َل ْي ِه ِغ َطا ٌء؛ َأ ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْو ُكوا الس َقا َء‪َ ،‬فإِ ان في ا‬
‫السنَة َل ْي َل ًة َين ِْز ُل ف َ‬
‫يها َو َبا ٌء‪ُّ ُ َ َ ،‬‬
‫يه مِن َذل ِ َك ا ْلـــوب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِس َق ُ‬
‫اء َل ْي َس َع َل ْي ِه ِوكَا ٌء إِ ا‬
‫اء»(‪.)2‬‬ ‫ََ‬ ‫ال ن ََز َل ف ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3142‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2014‬‬

‫‪54‬‬
‫‪55‬‬ ‫بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي‬

‫‪e‬‬ ‫ب االستِنجَاءِ‪ ،‬وآدَابِ التَّخَلِّي‬


‫بَا ُ‬
‫‪F‬‬
‫شـرع يف بيان أحكام االستنااء وآداب قضاء الحاجة‪ ،‬وهو باب يحتاجه‬
‫المسلم‪ ،‬وقد بينه رسول اهلل ﷺ‪ ،‬يف أحاديث كثيرة وعند مسلم قيل لسلمان ﭬ‪:‬‬
‫شـيء حتاى ا ْل ِ‬
‫ـــخ َرا َءةَ! َف َق َال‪َ :‬أ َج ْل‪َ ،‬ل َقدْ ن ََهانَا‪َ :‬أ ْن ن َْس َت ْقبِ َل‬ ‫ُ‬ ‫ــم ُك ْم َنبِ ُّي ُك ْم ﷺ ُك ال‬
‫َ‬ ‫« َقدْ َع ال َ‬
‫ين‪َ ،‬أ ْو َأ ْن ن َْس َتن ِْا َي بِ َأ َق ال مِ ْن َثال َ َث ِة‬‫ط َأ ْو َب ْو ُل‪َ ،‬أ ْو َأ ْن ن َْس َتن ِْاي بِا ْلـــ َي ِم ِ‬
‫َ‬
‫ـــقب َل َة ل ِ َغائِ ُ‬
‫ِ‬
‫ا ْل ْ‬
‫ار‪َ ،‬أ ْو َأ ْن ن َْس َتن ِْا َي بِ َر ِجي ُع َأ ْو بِ َع ْظ ُم»(‪.)1‬‬‫َأ ْح َا ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ ُ َ َُ‬
‫ي‪ ،‬بِماء طهور‪ ،‬أو حجر طاهِر‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫يل‬ ‫ب‬‫الس‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ما‬ ‫ة‬ ‫قوهل‪( :‬االستِنجاء‪ :‬هو إزال‬
‫ُْ‬ ‫َُ‬
‫مباح‪ ،‬منق)‪.‬‬
‫هذا ضابط االستنااء‪.‬‬
‫واالستامار‪ :‬هو إزالة ما خرج من السبيلين بالحاارة ونحوها فهو أخص من‬
‫االستنااء‪.‬‬
‫َ َ ُ‬
‫(بِماء طهور)‪ :‬فالطاهر عندهم ال ياز االستنااء به‪ ،‬واألقرب‪ :‬اجزاؤه يف‬
‫االستنااء‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أن النااسة عين مستقذرة شـرعًا‪ ،‬يزول حكمها بزوالها‪ ،‬فإن أزيلت‬
‫بالحاارة سمي استامار ًا وإن أزيلت بالماء سمي استناا ًء‪.‬‬
‫والحكم يدور مع العلة وجود ًا وعدمًا‪ ،‬فمتى زالت زال حكمها‪.‬‬
‫َ َ ٌَ ُ ُُ ه َ‬
‫الم ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬
‫اء)‪.‬‬ ‫باحلج ِر وَن ِوه ِ‪ :‬أن يبَق أثر ال ي ِزيله إال‬ ‫قوهل‪( :‬فاإلنقاء‬
‫فاإلنقاء بالحاارة‪ :‬أن يبقى أثر ال يزيله إال الماء‪.‬‬
‫واإلنقاء بالماء‪ :‬عود خشونة المحل كما كانت‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)262‬‬

‫‪55‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪56‬‬

‫وغلبة الظن تنزل منزلة اليقين يف هذا‪.‬‬


‫هذا ضابط اإلنقاء يف االستنااء واالستامار‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫باحلج ِر وَن ِوه ِ)‪ :‬ال تشرتأ األحاار يف االستامار‪ ،‬وإنما يلحق هبا ما يقوم‬ ‫(‬
‫مقامها من كل جامد طاهر مزيل للنااسة ليس له حرمة‪ ،‬وسواء يف ذلك األحاار‬
‫واألخشاب والخرق والخزف وما أشبه ذلك‪ ،‬وهو قول عامة أهل العلم والحاة‬
‫يف ذلك‪ :‬ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة ﭬ؛ قال له رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ْب ِغنِي‬
‫ال رو ُ‬ ‫َأحاارا َأس َتن ِْف ْض بِها‪َ ،‬أو نَحوه‪ ،‬و َ ِ ِ‬
‫ث»(‪ .)1‬فنهيه عنهما يدل‬ ‫ال َت ْأتني بِ َع ْظ ُم‪َ ،‬و َ َ ْ‬ ‫َ ْ ْ َُ َ‬ ‫ْ َ ً ْ‬
‫على أن غيرهما يقوم مقام األحاار‪ ،‬وإال لم يكن لتخصـيصهما معنى‪.‬‬
‫ت َر ْو َث ًة َف َأ َت ْي ُت ُه بِ َها‪َ ،‬ف َأ َخ َذ‬ ‫ويف البخاري عن ابن مسعود ﭬ قال‪َ « :‬ف َأ َخ ْذ ُ‬
‫ْس»‪ .‬ولم يعلل كوهنا من غير حار‪.‬‬ ‫الر ْو َثةَ‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬ه َذا ِرك ٌ‬
‫الح َا َر ْي ِن َو َأ ْلـــ َقى ا‬
‫َ‬
‫قال النووي‪« :‬وأما كونه نص على الحاارة؛ فلكوهنا الغالب الموجود‬
‫للمستناي‪ ،‬وال مشقة فيها وال كلفة»‪ .‬واختاره ابن القيم(‪.)2‬‬
‫َ ُ ُ ُّ َ َ َ َ ه‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ ُّ‬
‫الث مسحات‪ ،‬تع ُّم ُك مسحة المحل)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫قوهل‪( :‬وال َي ِزئ أق‬
‫المذهب‪ :‬أنه ياب يف االستامار كونه بثالثة أحاار‪ ،‬ورجحه ابن باز؛‬
‫ط َأ ْو َب ْو ُل‪َ ،‬أ ْو َأ ْن ن َْس َتن ِْا َي‬‫ـــقب َل َة ب َغائِ ُ‬
‫ِ‬
‫لحديث سلمان ﭬ‪َ « :‬ل َقدْ ن ََهانَا َأ ْن ن َْس َت ْقبِ َل ا ْل ْ‬
‫ار‪َ ،‬أ ْو َأ ْن ن َْس َتن ِْا َي بِ َر ِجي ُع َأ ْو بِ َع ْظ ُم»‪.‬‬‫ين‪َ ،‬أ ْو َأ ْن ن َْس َتن ِْاي بِ َأ َق ال مِ ْن َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ‬ ‫بِا ْلـــ َي ِم ِ‬
‫َ‬
‫ار‪ ،‬وينْهى َع ِن الرو ِ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫ا ْ‬ ‫َان َي ْأ ُم ُر بِ َث َال َثة َأ ْح َا ُ َ َ َ‬
‫وحديث أبي هريرة ﭬ عن النبي ﷺ‪َ « :‬وك َ‬
‫َوالر ام ِة»(‪َ .)3‬والر ام ُة‪ :‬ا ْل ِع َظا ُم ا ْل َبال ِ َي ُة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ياز حاران لهما شعب؛ ألنه ﷺ اكتفى بحارين لما ألقى‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)10/1( )154‬‬


‫(‪ )2‬إعالم الموقعين (‪.)563/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)6‬والنسائي (‪ ،)40‬وابن ماجه (‪ ،)313‬وأحمد يف المسند (‪ ،)1403‬وِححه النووي‬
‫يف خالِة األحكام (‪ ،)152/1‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)226/2‬‬

‫‪56‬‬
‫‪57‬‬ ‫بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي‬

‫الروثة ولم يطلب من ابن مسعود أن يأتيه بثالث بدلها فيفهم أنه مسح بأحد‬
‫الحارين مرتين فإذا كان الحار ذا شعب‪ ،‬وله ثالث اتااهات‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬فقالوا‬
‫ياز المسح به ثال ًثا؛ ألن العلة معلومة‪ ،‬ورجحه شـيخنا ابن عثيمين ؛ ألن العلة‬
‫معلومة‪ ،‬وهي قصد اإلنقاء وتطهير المحل‪ ،‬فإذا كان الحار له ثالث شعب غير‬
‫متداخلة واستامر بكل جهة منه ِح‪.‬‬
‫واألحوأ للمسلم أن ال يقل عن ثالثة أحاار فإن فعل أجزأ‪.‬‬
‫َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ ِّ َ َ َ ُّ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫(واإلنقاء بالماءِ‪ :‬عود خشون ِة المحل كما اكن‪ .‬وظنه‪ :‬اكف)‪.‬‬ ‫قوهل‪:‬‬
‫وهذا ضابط اإلنقاء باالستنااء بالماء‪ ،‬وغلبة الظن كافية‪.‬‬
‫ُ ُ َ ُ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ‬ ‫ُ ه‬
‫باحلج ِر‪ ،‬ث هم بالماءِ‪ .‬فإن عكس‪ :‬ك ِر َه‪ .‬وَي ِزئ أحدهما‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬االستِنجاء‬
‫َ ُ َ ُ‬
‫اء أفضل)‪.‬‬ ‫والم‬
‫فاألكمل يف االستنااء أن يبدأ بالحار أو ما يقوم مقامه ليزيل النااسة‪ ،‬ثم‬
‫بالماء فإن عكس أجزأ وكرهوه لمباشرة النااسة بيده وهذا مستقذر‪.‬‬
‫واالستنااء ال يخلو من ثالث حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يستناي بالماء وحده‪ ،‬وهذه مازئة وقد روى الرتمذي وِححه‬
‫يه ْم‪َ ،‬فإِ ان َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫َعن َعائِ َش َة َقا َل ْت‪« :‬مر َن َأ ْزواج ُكن‪َ :‬أ ْن يستَطِيبوا بِالم ِ‬
‫اء‪َ ،‬فإِني َأ ْس َت ْحيِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ ا‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫َان َي ْف َع ُل ُه»(‪ .)1‬وهو أولى من الحاارة ألنه أبلغ يف التنظيف واختاره‬ ‫ال ال ِـه ﷺ ك َ‬
‫الثوري وابن المبارل والشافعي وأحمد وإسحاق‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يستناي باألحاار وحدها وهذا ماز ؛ ولو مع وجود الماء؛ لما‬
‫روى النسائي وأبو داود عن عائِ َش َة َأ ان رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َذ َه َ‬
‫ب َأ َحدُ ُك ُم‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ب بِ َها َفإِن َاها ُت ْا ِز ُ َعنْ ُه»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ب َم َع ُه بِ َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ‬ ‫ِ‬
‫ار َف ْلـ َي ْستَط ْ‬ ‫ا ْلـــ َغائ َط َف ْلـــ َي ْذ َه ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ )12‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ ،‬والنسائي (‪ ،)45‬وِححه ابن حبان (‪.)1443‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ ،)44‬وأبو داود (‪ ،)40‬وأحمد (‪ ،)25056‬وقال عنه الدارقطني يف العلل (‪:)201/14‬‬
‫«متصل ِحيح»‪ .‬وحسنه النووي يف الخالِة (‪.)161/1‬‬

‫‪51‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪58‬‬

‫وحديث ابن مسعود ﭬ؛ وفيه‪َ « :‬ف َأ َم َرنِي َأ ْن آتِ َي ُه بِ َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ‬


‫ار»‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يامع بين الحاارة والماء‪ ،‬وهذا األكمل‪ ،‬فيقدم الحار أو ً‬
‫ال‪ ،‬ثم‬
‫يستعمل الماء ألنه أبلغ يف اإلنقاء وبه قال جمهور السلف والخلف وقد ورد‬
‫حديث عند البزار‪« :‬أهنم كانوا يتبعون الحاارة بالماء»(‪ .)1‬ولكنه ضعيف‪ ،‬ولم‬
‫يثبت من فعل رسول اهلل ﷺ الامع بينهما‪.‬‬
‫ويشرتأ لصحة االستامار‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تكون األحاار طاهرة؛ ويدل له ما رواه البخاري عن ابن مسعود‬
‫ت َح َا َر ْي ِن‪،‬‬ ‫ﭬ قال‪َ « :‬أ َتى النابِي ﷺ ا ْلـــ َغائِ َط‪َ ،‬ف َأ َم َرنِي َأ ْن آتِ َي ُه بِ َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ‬
‫ار‪َ ،‬ف َو َجدْ ُ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ـــح َا َر ْين َوألـــقى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َر ْوث ًة فأت ْي ُت ُه ب َها‪ ،‬فأ َخذ ال َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْلـــت ََم ْس ُت ال اثال ِ َث فل ْم أجدْ ُه‪ ،‬فأ َخذ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْس»(‪ .)2‬فاألحاار الناسة ال ياوز استعمالها لنااستها‪.‬‬ ‫الر ْو َثةَ‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬ه َذا ِرك ٌ‬
‫ا‬
‫الثاين‪ :‬أن ال تقل المسحات عن ثالث؛ لما روى اإلمام مسلم عن سلمان ﭬ‬
‫قال‪« :‬هنانا رسول اهلل ﷺ‪َ ... :‬أ ْن ن َْس َتن ِْاي ب ِ َأ َق ال مِ ْن َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ‬
‫ار»(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫فإذا لم ينق بثالث وجبت الزيادة والسنة القطع على وتر‪ ،‬لما روى مسلم من‬
‫حديث جابر ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬االستامار َت ٌو»(‪ .)4‬والت ُّاو‪ :‬هو ا ْل ِو ْت ُر‪ ،‬ويف‬
‫است َْا َم َر َف ْل ُيوتِ ْر»(‪.)5‬‬
‫الصحيحين‪َ « :‬و َم ِن ْ‬
‫است َْا َم َر َف ْليُوتِ ْر‪َ ،‬م ْن َف َع َل َف َقدْ َأ ْح َس َن‪َ ،‬و َم ْن َ‬
‫ال‬ ‫وعند أبي داود وابن ماجه‪َ « :‬و َم ِن ْ‬

‫(‪ )1‬قال الهيثمي يف مامع الزوائد (‪« :)212/1‬رواه البزار‪ ،‬وفيه‪( :‬محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري)‬
‫ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما»‪ .‬وضعف الحديث ابن حار يف تلخيص الحبير (‪ ،)112/1‬والنووي يف‬
‫الخالِة (‪ ،)164/1‬والصنعاين يف سبل السالم (‪ ،)63/1‬واأللباين يف إرواء الغليل (‪.)63/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)155‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)262‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)1300‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)152‬ومسلم (‪ )231‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪59‬‬ ‫بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي‬

‫َفالَ َح َرج»(‪.)1‬‬
‫الثالث‪ :‬كونه منظفًا للمحل؛ ألنه المقصود‪ ،‬وأما إن كان ال ينظف فال ياز ‪،‬‬
‫مثل الرتاب فإنه ال ينظف ولذا لم ترد النصوص بذكره يف االستامار‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن ال يكون عظمًا وال روثًا‪ ،‬فاالستامار هبما ال ياوز؛ ولذا قال‬
‫ْس»‪ .‬كما يف البخاري‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عنهما‪َ « :‬ه َذا ِرك ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول بِ َك َب ْعدي َف َأ ْخبِ ِر الن َ‬
‫ااس‪َ :‬أ ان ُه َم ْن‬ ‫الح َيا َة َس َت ُط ُ‬
‫وعند أبي داود‪َ « :‬يا ُر َو ْيف ُع! َل َع ال َ‬
‫اس َتن َْاى بِ َر ِجي ِع َدا اب ُة َأ ْو َع ْظ ُم؛ َفإِ ان ُم َح امدً ا ج مِنْ ُه‬ ‫ِ‬
‫َع َقدَ ل ْح َي َت ُه‪َ ،‬أ ْو َت َق الــدَ َو َت ًرا َأ ِو ْ‬
‫َب ِري ٌء»(‪.)2‬‬
‫فاالستامار هبما محرم لداللة هذا الحديث‪ ،‬وهو قول اإلمام الثوري‬
‫والشافعي وأحمد وإسحاق‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو خالف فاستامر هبما‪ ،‬فالمذهب أنه ال ياز ؛ ألن النهي عائد إلى‬
‫ذات المنهي عنه وروى الدارقطني َع ْن َأبِي ُه َر ْي َرةَ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ ن ََهى َأ ْن ُي ْس َتن َْاى‬
‫ال ي َطهر ِ‬ ‫ُ‬
‫ان»(‪ ،)3‬ورجحه ابن عثيمين وابن جربين‪.‬‬ ‫بِ َر ْوث َأ ْو بِ َع ْظ ُم‪َ ،‬و َق َال‪ :‬إِ ان ُه َما َ ُ َ‬
‫ثان‪ :‬أنه ياز مع اإلثم؛ ألن المقصود‪ :‬زوال النااسة‪ ،‬والحكم‬ ‫وفيه قول ُ‬
‫يدور مع علته وجود ًا وعدمًا‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم(‪.)4‬‬
‫ومن الحكم يف النهي عنها‪ :‬أهنا طعام المسلمين من الان‪ ،‬ويف البخاري أن أبا‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)35‬وابن ماجه (‪ )331‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وِححه ابن حبان‬
‫(‪ ،)1410‬وحسن إسناده ابن حار يف فتح الباري (‪.)251/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)36‬والنسائي (‪ ،)5061‬وأحمد (‪ )11031‬من حديث رويفع بن ثابت ﭬ‪ ،‬وِححه‬
‫األلباين يف ِحيح سنن أبي داود‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الدارقطني يف سننه (‪ ،)56/1‬وقال‪« :‬إسناد ِحيح»‪ .‬قال الذهبي يف تنقيح التحقيق يف أحاديث‬
‫التعليق (‪- )42/1‬عقب نقله كالم الدارقطني‪[« :-‬يعقوب] بن كاسب ذو مناكير‪ ،‬وسلمة [بن رجاء] ضعفه‬
‫النسائي‪ ،‬ومشاه غيره»‪ .‬وقد وافقه ابن الملقن يف نقده؛ كما يف البدر المنير (‪.)350/2‬‬
‫(‪ )4‬االختيارات ص (‪.)6‬‬

‫‪52‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪60‬‬

‫ـان‪َ ،‬وإِ ان ُه َأ َتانِي‬‫ـت‪ :‬ما َب ُال ا ْلـــ َع ْظ ِم َوالر ْو َث ِة؟ َق َال‪ُ :‬هما مِ ْن َط َعا ِم ا ْل ِ‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫هريرة قال‪َ « :‬ف ُق ْل ُ َ‬
‫ال َي ُم ُّروا بِ َع ْظ ُم‬
‫ت ال الــ َه َل ُه ْم‪َ :‬أ ْن َ‬ ‫ا ُّن َف َس َأ ُلونِي ا‬
‫الزا َد َفدَ َع ْو ُ‬ ‫َو ْفدُ ِجن نَصـيبِي َن َون ِ ْعم ا ْل ِ‬
‫َ‬
‫ال َو َجدُ وا َع َل ْي َها َط َعا ًما»(‪.)1‬‬ ‫ال بِ َر ْو َث ُة إِ ا‬
‫َو َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫قوهل‪( :‬ويُ َ‬
‫ارها يف االستِنجاءِ)‪.‬‬ ‫كرهُ‪ :‬استِقبال ال ِقبل ِة واستِدب‬
‫تشريفًا وتعظيمًا لها‪ ،‬ويتوجه عدم الكراهة؛ ألهنا حكم شـرعي تفتقر إلى دليل‬
‫شـرعي وال دليل هنا‪ ،‬وقد انعقد سببها يف عهد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ولم يرد عنه النهي‬
‫عنها‪.‬‬
‫ُ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫وَي ُر ُم‪َ :‬‬‫َ‬
‫بروث‪ ،‬وعظم‪ ،‬وطعام‪ ،‬ولو ِ َبل ِهيمة‪ .‬فإن فعل‪ :‬لم َي ِزئه بعد ذل ِك‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫ُ َ َ َ َ‬ ‫ََه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫وضع العادة ِ)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫اخلار‬
‫ِ‬ ‫ى‬‫د‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫لو‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫اء‬ ‫الم‬ ‫إال‬
‫ذكر حالتين ال ياز فيهما إال االستنااء بالماء دون الحاارة؛ وهما‪:‬‬
‫األولى‪ :‬لو استناى بروث أو عظم فيلزمه غسل المحل بالماء؛ لمخالفته‬
‫النهي‪ ،‬والعبادات ال تستباح بالمحرمات‪ ،‬ومعاملة له بنقيض قصده لما خالف‬
‫السنة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬لو تعدى الخارج موضع العادة وعسر إزالته بالحاارة فالبد من الماء‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ ُ ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫خارج‪ ،‬إال‪ :‬الطاه َِر)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُِك‬ ‫وَي ُب االستِنجاء‪ :‬ل‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫االستنااء ياب لكل ما يخرج من السبيلين كالمذي والبول والغائط؛ كما قال‬
‫ﷺ يف حديث علي ﭬ يف المذي‪َ « :‬ي ْغ ِس ُل َذك ََر ُه َو َيت ََو اض ُأ» [متفق عليه](‪.)2‬‬
‫ب َم َع ُه بِ َثالَ َث ِة َأ ْح َا ُ‬
‫ار‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َأ َحدُ ُك ْم إِ َلى ا ْلـــ َغائط‪َ :‬ف ْلـــ َي ْذ َه ْ‬ ‫وقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َذ َه َ‬
‫يب بِ ِه ان‪َ ،‬فإِن َاها ُت ْا ِز ُ َعنْ ُه» [أخرجه أبو داود من حديث عائشة]‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َي ْستَط ُ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫(إال‪ :‬الطاه َِر)‪ :‬فال ياب غسل السبيلين منه‪.‬‬
‫وكل شـيء يخرج من السبيلين فإنه ينقض الوضوء‪ ،‬وليس كل خارج ياب‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3641‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)132‬ومسلم (‪- )303‬واللفظ له‪.-‬‬

‫‪60‬‬
‫‪61‬‬ ‫بـاب االستـنجـاء وآداب التخلي‬

‫االستنااء منه‪ ،‬فهنال أمور مستثناة‪ ،‬و الخارج قسمان‪:‬‬


‫األول‪ :‬خارج ينقض الوضوء وياب االستنااء منه‪ ،‬وهو البول والغائط‬
‫والمذي؛ ألنه ناس وقد جاءت السنة باألمر االستنااء منه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬خارج ينقض الوضوء‪ ،‬وال ياب االستنااء منه‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫الريح‪ :‬فإهنا تنقض بداللة السنة؛ كما يف حديث عبداهلل بن زيد ﭬ َق َال‪ُ « :‬شكِ َي‬
‫ِ‬ ‫إِ َلى النابِي ﷺ الرج ُل ي ِ ِ‬
‫الصالَة شـي ًئا‪َ ،‬أ َي ْق َط ُع ا‬
‫الصالَةَ؟ َق َال‪ :‬ال َحتاى َي ْس َم َع‬ ‫ادُ في ا‬ ‫ا ُ َ‬
‫يحا» [متفق عليه] ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫َِ ْو ًتا‪َ ،‬أ ْو َي ِ‬
‫ادَ ِر ً‬
‫واإلجماع كما نقله ابن المنذر‪ ،‬وكما قال اإلمام أحمد‪« :‬ليس يف الريح‬
‫استنااء يف كتاب اهلل‪ ،‬وال يف سنة رسوله ﷺ»‪.‬‬
‫والمني‪ :‬موجب للغسل الكامل‪ ،‬لكن لو اغتسل ثم خرج بعد ذلك ما احتقن‬
‫منه‪ ،‬فإنه ال ياب عليه غسل الذكر ويكفيه الوضوء؛ ألنه طاهر على الصحيح‪.‬‬
‫وأما رطوبة فرج المرأة‪ :‬ففي نقضها الوضوء خالف‪ ،‬لكن ال ياب عليها غسل‬
‫فرجها؛ ألهنا طاهرة‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أن الخارج الناس ياب غسل السبيل منه‪ ،‬والخارج غير الناس ال‬
‫ياب غسل السبيل منه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1251‬ومسلم (‪.)361‬‬

‫‪61‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪62‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬
‫هذا الفصل عقده المؤلف للكالم على اآلداب التي تراعى عند قضاء الحاجة‪،‬‬
‫وهي تختلف أحكامها فبعضها واجب وبعضها مستحب‪:‬‬
‫اخلالءِ‪ :‬تَق ِد ُ‬
‫يم اليُ َ‬
‫رسى)‪.‬‬
‫َ‬
‫خ ِل‬ ‫قوهل‪( :‬ي ُ َس ُّن َ‬
‫دلا ِ‬
‫ألنه محل مستقذر‪ ،‬والقاعدة يف تقديم اليمين والشمال‪ :‬أن كل ما كان من باب‬
‫التكريم والزينة فإنك تقدم اليمين؛ كلبس الثوب والنعل ودخول المساد وترجيل‬
‫الشعر وحلق الرأس وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخالء واألكل والسالم‬
‫واستالم الحار‪.‬‬
‫وكل ما كان بخالفه فإنك تقدم الشمال؛ كدخول الخالء‪ ،‬واألماكن المستقذرة‬
‫والخروج من المساد واالستنااء وخلع الثوب والسـراويل ونحوها‪ ،‬ويف‬
‫ا ُب ُه ال ات َي ُّم ُن‪ ،‬فِي َتنَ ُّعلِ ِه‪َ ،‬و َت َر ُّجلِ ِه‪،‬‬ ‫الصحيحين َع ْن َعائِ َشةَ‪َ ،‬قا َل ْت‪ :‬ك َ‬
‫َان النابِي ﷺ‪ُ « :‬ي ْع ِ‬
‫ُّ‬
‫ور ِه‪َ ،‬وفِي َش ْأن ِ ِه ُكل ِه»(‪.)1‬‬
‫َو ُط ُه ِ‬
‫ََ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ ُ ه‬ ‫َ ُ‬
‫ث واخلبائ ِِث)‪.‬‬ ‫سم اهلل‪ ،‬أعوذ باَّللِ مِن اخلب ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وقول‪ :‬ب ِ ِ‬
‫األدب الثاين‪ :‬أن يقول أذكار الدخول‪ ،‬والثابت عن رسول اهلل ﷺ عند‬
‫الدخول‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪:‬‬ ‫ب ﭬ َأ ان َر ُس َ‬ ‫أن يقول‪ :‬بسم اهلل؛ لحديث َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ‬
‫ات َبنِي آ َد َم‪ :‬إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُه ُم ا ْل َ‬
‫ـــخالَ َء َأ ْن َي ُق َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ـــان‪ ،‬و َعور ِ‬
‫َ َْ‬
‫«ستْر ما َب ْي َن َأ ْع ُي ِن ا ْل ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫بِ ْس ِم اهلل» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)166‬ومسلم (‪.)266‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب ال َن ْع ِر ُف ُه إال من هذا ا ْل َو ْجه‪َ ،‬وإ ْسنَا ُد ُه ليس بِ َذ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫يث غَ ِر ٌ‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)606‬وقال‪« :‬هذا َحد ٌ‬
‫ا ْل َق ِوي»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)221‬قال المناوي يف التيسـير بشـرح الاامع الصغير (‪« :)56/2‬إسناده ِحيح»‪.‬‬
‫=‬

‫‪62‬‬
‫‪63‬‬ ‫فصل‬

‫وأن يقول‪ :‬أعوذ باهلل من الخبث والخبائث؛ لحديث أنس ﭬ يف الصحيحين‬


‫الخب ِ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫الخالَ َء َق َال‪ :‬ال الــ ُه ام إِني َأ ُعو ُذ بِ َك م َن ُ ُ‬
‫َان النابِي ﷺ إِ َذا َد َخ َل َ‬
‫ُّ‬
‫قال‪« :‬ك َ‬
‫الخبائِ ِ‬
‫ث»(‪ .)1‬والخبث‪ :‬بضم الباء‪ ،‬وعليه األكثر وهم‪ :‬ذكران الشـياطين‪ ،‬ورويت‬ ‫َو َ َ‬
‫بإسكان الباء‪ ،‬وهو‪ :‬الشـر‪ ،‬ولم يثبت عن رسول ﷺ غير هذا يف الدخول‪.‬‬
‫ث‪،‬‬ ‫يث الم ْخبِ ِ‬ ‫الخبِ ِ‬
‫س‪َ ،‬‬ ‫س الن ِاا ِ‬‫وأما زيادة‪« :‬ال الــ ُه ام إِني َأ ُعو ُذ بِ َك مِ َن الر ْج ِ‬
‫ُ‬
‫الر ِج ِ‬ ‫ِ‬
‫يم»(‪ ،)2‬فهي ضعيفة‪.‬‬ ‫الشـي َطان ا‬
‫َ‬ ‫َ َ َه‬
‫قوهل‪( :‬وإذا خ َرج‪ :‬قدم ايلُمن)‪.‬‬
‫هذا األدب الثالث‪ :‬لما سبق من القاعدة يف الخروج من األماكن الخبيثة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ِّ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ َ ُ‬
‫ين األذى واعف ِاين)‪.‬‬ ‫مد هلل اذلي أذهب ع َ‬ ‫قوهل‪( :‬وقال‪ :‬غفرانك‪ ،‬احل‬
‫هذا األدب الرابع‪ :‬أن يقول ذكر الخروج‪ ،‬ولم يصح عن رسول اهلل ﷺ إال‬
‫قول‪« :‬غفرانك»‪ .‬وقد خرجه أبو داود والرتمذي وابن ماجه من حديث عائشة‪َ « :‬أ ان‬
‫َان إِ َذا َخرج مِن ا ْلـــ َغائِ ِ‬
‫ط َق َال‪ُ :‬غ ْف َران ََك»(‪.)3‬‬ ‫النابِي ﷺ ك َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫(احلمد هلل اذلي أذهب عين األذى واعف ِاين)‪ :‬وهذا الذكر لم يثبت عن رسول‬ ‫َ‬
‫اهلل ﷺ؛ ألن الحديث ضعيف(‪ ،)4‬قال الرتمذي‪« :‬وال نعرف يف هذا الباب غير‬
‫يه َح ِديث َعائِ َشة»‪.‬‬‫حديث عائشة» ‪-‬أي ِحيحًا‪ .-‬و َق َال َأبو حاتِم‪« :‬أِح ما فِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬

‫=‬
‫وِححه األلباين بماموع طرقه؛ كما يف إرواء الغليل برقم (‪.)50‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)142‬ومسلم (‪.)315‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)222‬والطرباين يف الكبير (‪ )210/6( )1642‬من حديث أبي أمامة ﭬ مرفوعًا‪،‬‬
‫وضعفه النووي يف الخالِة (‪ ،)150/1‬والبوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪.)44/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)30‬والرتمذي (‪ ،)1‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)300‬وِححه ابن خزيمة‬
‫(‪ ،)20‬وابن حبان (‪ ،)1444‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)563‬وقال‪« :‬حديث ِحيح»‪ .‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجه (‪ )301‬من حديث أنس ﭬ مرفوعًا‪ .‬وضعفه الدارقطني يف العلل (‪ ،)235/6‬وابن‬
‫الملقن يف البدر المنير (‪ ،)325/2‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)53‬‬

‫‪63‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪64‬‬

‫وم َه ِّب ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ه‬ ‫ه ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬


‫يح‪.‬‬
‫الر ِ‬ ‫مس والقم ِر‪،‬‬
‫ال اتلخيل‪ :‬استِقبال الش ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ويكره يف ح ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ٍّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ‬
‫ورماد)‪.‬‬ ‫وابلول يف إناء‪ ،‬وشق‪ ،‬ونار‪،‬‬ ‫واللَكم‪.‬‬
‫ذكر هنا ما يكره عند قضاء الحاجة‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ه‬
‫مس والقم ِر)‪ :‬تكريمًا لهما‪.‬‬ ‫(استِقبال الش ِ‬
‫واألظهر‪ :‬أنه ال يكره؛ ألن الكراهة حكم شـرعي تحتاج إلى دليل شـرعي‪.‬‬
‫ويف الصحيحين عن أبي أيوب ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َأ َت ْي ُت ُم ا ْلـــ َغائِ َط‪:‬‬
‫ط‪َ ،‬و َلكِ ْن شـر ُقوا َأ ْو َغر ُبوا»(‪.)1‬‬ ‫ال َغائِ ُ‬
‫وها بِ َب ْو ُل َو َ‬
‫ال َت ْستَدْ بِ ُر َ‬ ‫َفالَ َتس َت ْقبِ ُلوا ا ْل ِ‬
‫ـــق ْب َل َة َو َ‬ ‫ْ‬
‫والبد هنا أن يستقبلوا الشمس والقمر أو يستدبرهما‪ ،‬ولم يأمرهم رسول اهلل ﷺ‬
‫باالنحراف عنهما‪.‬‬
‫يح)‪ :‬لئال يرجع عليه بوله فيناسه‪.‬‬ ‫وم َه ِّب ِّ‬
‫الر ِ‬
‫َ‬
‫(‬
‫َ ُ‬
‫(واللَكم)‪ :‬حال قضاء حاجته‪ ،‬ألهنا حشوش محتضرة وأماكن لقضاء الحاجة‬
‫ال الكالم‪ ،‬والكالم حال قضاء الحاجة له حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إن دعت الحاجة إليه جاز بال كراهة؛ كتنبيه أعمى ونحوه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون لغير حاجة‪ :‬فذهب جمهور الفقهاء من األئمة األربعة إلى‬
‫كراهيته‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إن كان يقضـي الحاجة وينظر إلى ِاحبه ويتحدث معه فظاهر النص‬
‫التحريم؛ لما روى أبو داود‪ :‬من حديث أبي سعيد ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬‬
‫ال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُجالَن َيضـر َبان ا ْلـــ َغائ َط كَاش َف ْي ِن َع ْن َع ْو َرت ِه َما َيت ََحدا َثان‪َ ،‬فإِ ان َ‬
‫اهلل ‪َ ‬ي ْم ُق ُت‬ ‫َي ْخ ُر ُج ا‬
‫َع َلى َذل ِ َك» [ورجحه الشـيخ ابن عثيمين](‪.)3()2‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫وابلول يف إناء)‪ :‬لما فيه من تقذير اإلناء وخشـية التباسه على غيره؛ وخرج‬ ‫(‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)366‬ومسلم (‪.)264‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)15‬وابن ماجه (‪ ،)342‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)11‬وابن حبان (‪ ،)1422‬والحاكم يف‬
‫المستدرل (‪ .)560‬وحسنه النووي يف الخالِة (‪.)152/1‬‬
‫(‪ )3‬الممتع (‪.)24/1‬‬

‫‪64‬‬
‫‪65‬‬ ‫فصل‬

‫الطرباين عن عبداهلل بن يزيد أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ال تدخل الم َالئِ َكة بيتًا فِ ِ‬
‫يه َب ْول‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫منقع»(‪.)1‬‬
‫فإن وجدت حاجة وأمن التباسه فال كراهة لما روى أبو داود عن أميمة بنت‬
‫(‪)2‬‬ ‫ول فِ ِ‬
‫يه بِال ال ْي ِل»‬ ‫سـرير ِه‪َ ،‬ي ُب ُ‬
‫ِ‬ ‫َان لِلنابِي ﷺ َقدَ ح مِن ِعيدَ ُ‬
‫ان َت ْح َت‬ ‫رقيقة قالت‪« :‬ك َ‬
‫ٌ ْ‬
‫َ ٍّ‬
‫(وشق)‪ :‬والشق يكون يف الحائط‪ ،‬والاحر يف األرض فيكره البول فيهما لما‬
‫ول اهللِ ﷺ ن ََهى َأ ْن ُي َب َال فِي‬ ‫سـرج َس‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬‫ِ‬ ‫روى أبو داود من عن َعب ِد ال ال ِ‬
‫ــه ْب ِن‬ ‫ْ‬
‫ـان» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫َان ُي َق ُال‪ :‬إِن َاها مساك ُن ا ْل ِ‬
‫الا ْح ِر‪َ .‬ق َال‪َ :‬قتَا َدةَ‪ :‬ك َ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫وألنه يخشـى على البائل األذى مما يف داخل الاحر فيخرج عليه فيؤذيه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ورماد)‪ :‬ألنه يورث السقم‪ ،‬وخشـية تطاير الرماد‪ ،‬ولم يكن من فعل‬ ‫(ونار‪،‬‬
‫ذوي المروءة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ ُ َُ َ ُ‬
‫قوهل‪( :‬وال يكره ابلول قائ ِما)‪.‬‬
‫لثبوته عن رسول اهلل ﷺ ففي الصحيحين عن ُح َذ ْي َف َة َق َال‪َ « :‬أ َتى الناب ِ ُّي ﷺ ُس َبا َط َة‬
‫ا ْئ ُته بِم ُ‬
‫اء َفت ََو اض َأ»(‪.)4‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َق ْو ُم َف َب َال َقائ ًما‪ُ ،‬ث ام َد َعا بِ َماء‪َ ،‬ف ُ َ‬
‫وثبت عن عمر وابن عمر وسهل ﭫ أهنم بالوا قيامًا ذكره ابن المنذر‪.‬‬
‫ويراعي أمرين‪ :‬أن يأمن تطاير البول عليه‪ .‬ويأمن انكشاف عورته للناس‪.‬‬
‫واألَولى البول جالسًا وهو أغلب هدي رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأيسـر وآمن من‬
‫رجوع النااسة‪ ،‬وقد روي عن رسول اهلل ﷺ يف النهي عن البول قائمًا أحاديث ال‬
‫تثبت‪ ،‬ولكن حديث عائشة هو الصحيح فقط‪ ،‬وهو قولها‪« :‬ما ب َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َ َ َ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطرباين يف األوسط (‪ ،)2011‬وحسنه المنذري يف الرتغيب (‪ ،)62/1‬و الهيثمي يف المامع‬
‫(‪.)204/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)24‬وِححه الحاكم (‪ .)523‬وابن حبان (‪)1426‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)22‬والنسائي (‪ )34‬وأحمد (‪ ،)20124‬وِححه الحاكم يف المستدرل (‪)661 ،666‬‬
‫والنووي يف الخالِة (‪ ،)156/1‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ )321/2‬ونقل تصحيح ابن السكن له‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪- )222‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)213‬‬

‫‪65‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪66‬‬

‫َقائِ ًما ُمن ُْذ ُأن ِْز َل َع َل ْي ِه ا ْلـــ ُق ْر ُ‬


‫آن» [أخرجه أحمد](‪ .)1‬وهذا محمول على ما كان يف البيوت‬
‫وهو أغلب هديه ﷺ‪.‬‬
‫وحديث حذيفة دليل على الاواز؛ قال الرتمذي يف جامعه‪« :‬ومعنى النهي عن‬
‫البول قائمًا على التأدب ال التحريم»‪.‬‬
‫َ‬ ‫الص َ‬‫ه‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫كِف‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وي‬ ‫‪،‬‬ ‫ِل‬ ‫ئ‬ ‫حا‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ا‬‫حر‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ار‬ ‫دب‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫واس‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وَي ُرم‪ :‬استِقبال ال ِقبل‬
‫ت َشجرةَ‬ ‫َ َ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫اء ذيلِ ِه‪ .‬وأن يبول أو يتغ هوط بط ِريق مسلوك‪ ،‬وظِ ل ناف ِع‪ ،‬وحت‬ ‫إرخ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ٌََ ُ َ ُ َ َ ُُ‬
‫ور المسلِ ِمي‪ .‬وأن يلبث فوق حاجتِ ِه)‪.‬‬ ‫عليها ثمر يقصد‪ ،‬وبي قب ِ‬
‫ذكر ما يحرم فعله عند قضاء الحاجة‪:‬‬
‫الص َ‬ ‫ه‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫حراءِ بِال حائ ِل)‪ :‬فيحرم ذلك يف الفضاء‬ ‫ارها يف‬ ‫(استِقبال ال ِقبل ِة واستِدب‬
‫القب َل ُة بِ َغائِ ُ‬ ‫ِ‬
‫ط‬ ‫ال ُت ْس َت ْق َب ُل ْ‬ ‫اب‪َ :‬‬ ‫وياوز يف البنيان هذا المذهب وبوب عليه البخاري َب ٌ‬
‫َاء‪ِ ،‬جدَ ُار َأ ْو ن َْح ِو ِه وبه تاتمع األدلة‪.‬‬ ‫َأو بو ُل‪ ،‬إِ اال ِعنْدَ البِن ِ‬
‫ْ َْ‬
‫ودليل الحرمة يف الفضاء حديث أبي أيوب ﭬ َأ ان النابِ اي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َأ َت ْي ُت ُم‬
‫وها َو َلكِ ْن شـر ُقوا َأ ْو َغر ُبوا» [متفق عليه]‪.‬‬ ‫ال َت ْستَدْ بِ ُر َ‬ ‫ال َغائِ َط َفالَ َتس َت ْقبِ ُلوا ِ‬
‫الق ْب َلةَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ْ‬
‫ببول أو غائط»‪.‬‬ ‫ولمسلم عن سلمان ﭬ‪« :‬هنانا رسول اهلل ﷺ أن نستقبل القبلة ُ‬
‫ت‬ ‫ودليل جوازه يف البنيان‪ :‬حديث ابن عمر ﭬ‪َ « :‬ق َال‪ :‬ار َت َقي ُت َفو َق َظه ِر بي ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َت ُه ُم ْستَدْ بِ َر ا ْلـــق ْب َلة ُم ْس َت ْقب ِ َل‬ ‫ض حاجتِي‪َ ،‬فر َأيت رس َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َي ْقضـي َح َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ‬ ‫َح ْف َص َة ل َب ْع ِ َ َ‬
‫الش ْأ ِم»[متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫ا‬
‫وعن جابِ ُر َق َال‪« :‬نَهى َنبِي اهللِ ﷺ َأ ْن نَس َت ْقبِ َل ا ْل ِ‬
‫ـــق ْب َل َة بِبَ ْو ُل‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُت ُه َق ْب َل َأ ْن ُي ْقبَ َض‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫بِ َعا ُم َي ْس َت ْقبِ ُل َها» [أخرجه أبو داود](‪ ،)3‬وهذا قول قوي يحصل به التوفيق بين األدلة‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا يف البنيان والفضاء‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد (‪ ،)25062‬وِححه الحاكم يف المستدرل (‪ ،)644‬وأبو عوانة يف مسنده (‪.)504‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)141‬ومسلم (‪.)266‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)13‬والرتمذي (‪ ،)2‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)325‬وِححه ابن خزيمة‬
‫(‪.)56‬‬

‫‪66‬‬
‫‪67‬‬ ‫فصل‬

‫وهذا رواية عن أحمد ورجحه شـيخ اإلسالم وابن القيم‪.‬‬


‫لعمومات أدلة النهي؛ كحديث سلمان وأبي أيوب‪ ،‬وفيه أن أبا أيوب انحرف‬
‫عن القبلة وهو داخل البناء‪.‬‬
‫وأجابوا عن حديث جابر‪:‬‬
‫بأن فيه كالمًا لتفرد ابن إسحاق به‪ ،‬وقد قال عنه أحمد وابن معين‪ :‬ليس‬
‫بحاة‪.‬‬
‫وبأنه حكاية فعل ال عموم لها‪ ،‬فيحتمل كونه لعذر أو يف بنيان أو نحوها‪،‬‬
‫فاالحتااج به فيه نظر‪.‬‬
‫وأما حديث ابن عمر ﭭ فيتطرق له عدد من االحتماالت منها‪ :‬أنه خاص‬
‫برسول اهلل ﷺ أو أنه للضـرورة أو أنه قبل النهي‪ ،‬ورؤيا ابن عمر لم تكن من قصد‬
‫فيبعد كونه لبيان الاواز‪.‬‬
‫وما ذكره المؤلف قوي واألحوأ للمسلم االمتناع من استقبالها واستدبارها‬
‫مطلقًا والتحرز منه‪ ،‬وإن كان يف البنيان أخف لحديث ابن عمر وجابر ال سـيما إن‬
‫شق االنحراف‪.‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫كِف‪ :‬إرخاء ذيلِ ِه)‪ :‬فيازء يف السرتة إرخاء ذيله على المذهب لحديث‬ ‫(وي ِ‬
‫ول‬‫ـــق ْب َل ِة‪ُ ،‬ث ام َج َل َس َي ُب ُ‬
‫اح َل َته مس َت ْقبِ َل ا ْل ِ‬
‫ُ ُ ْ‬
‫َاخ ر ِ‬
‫ان األَ ِْ َف ِر َق َال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت ا ْب َن ُع َم َر َأن َ َ‬ ‫َم ْر َو َ‬
‫الر ْح َم ِن! َأ َل ْي َس َقدْ ُن ِه َى َع ْن َه َذا؟ َق َال‪َ :‬ب َلى إِن َاما ُن ِه َى َع ْن‬ ‫ِ‬ ‫إِ َل ْي َها َف ُق ْل ُ‬
‫ـــت‪َ :‬يا َأ َبا َع ْبد ا‬
‫ِ ِ‬ ‫اء‪َ ،‬فإِ َذا َك َ‬‫َذل ِ َك فِي ا ْلـــ َف َض ِ‬
‫س» [رواه أبو‬ ‫ان َب ْين ََك َو َب ْي َن ا ْلـــق ْب َلة شـي ٌء َي ْس ُت ُر َل َفالَ َب ْأ َ‬
‫داود](‪.)1‬‬
‫َ ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َُ َ‬
‫(وأن يبول أو يتغ هوط بط ِريق مسلوك)‪ :‬فيحرم قضاء الحاجة يف الطريق‬
‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬ا ات ُقوا‬ ‫المسلول والمراد ما يطرقه الناس ويمشون فيه؛ لقول رس ِ‬
‫َ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)11‬وِححه ابن خزيمة (‪ )60‬الحاكم (‪ ،)551‬وحسنه الحازمي يف االعتبار وكذا‬
‫األلباين يف تخرياه لسنن أبي داود‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪68‬‬

‫ــذي َيت ََخ الــى فِي َط ِر ِيق الن ِ‬


‫ااس‬ ‫ول اهلل! َق َال‪ :‬ا ال ِ‬ ‫ال الــعا َني ِن‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬وما ال الــعان ِ‬
‫َان؟ َيا َر ُس َ‬ ‫ا‬ ‫َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ِ ِ‬
‫مسلم](‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫م» [رواه‬‫َأ ْو في ظل ِه ْ‬
‫ار َع ِة ال اط ِر ِيق‪،‬‬
‫الم َو ِار ِد‪َ ،‬و َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المالَع َن ال اثال ََث‪ :‬ا ْلـــ َب َر َاز في َ‬
‫ولقوله ﷺ‪« :‬ا ات ُقوا َ‬
‫َوالظل»(‪ .)2‬ولما فيه من إيذاء المسلمين بنتنه وبتنايس من يمر به‪.‬‬
‫وهذا يدل على تحريم قضاء الحاجة يف هذه األماكن وقال الهيثمي يف‬
‫الزواجر‪ :‬إهنا من الكبائر لرتتيب اللعن عليها(‪.)3‬‬
‫(وظِ ٍّل ناف ِع)‪ :‬لقوله ﷺ‪« :‬ا ات ُقوا ال الــعا َني ِن‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬وما ال الــعان ِ‬
‫َان؟ َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل!‬ ‫ا‬ ‫َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ااس َأ ْو فِي ظل ِه ْم»‪ .‬فال ياوز التخلي فيما يستظل‬
‫ِ‬ ‫ــذي َيت ََخ الــى فِي َط ِر ِيق الن ِ‬
‫َق َال‪ :‬ا ال ِ‬
‫به الناس من شار أو جدار أو جبل أو مظالت ونحوها مما ينتفع به‪ ،‬ويلحق بالظل‬
‫متشمس الناس يف الشتاء‪ ،‬واألماكن التي يرتدد إليها الناس‪ ،‬كالمتنزهات‬
‫والحدائق‪ ،‬وأماكن االسرتاحة‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ََ ُ َ ُ‬
‫جرة عليها ثم ٌر يقصد)‪ :‬لما فيه من تقذيرها وحرماهنم االنتفاع هبا‬‫(وحتت ش‬
‫لئال تسقط الثمرة فتتناس به‪ ،‬أو يتناس من أراد أخذها‪ ،‬سواء أكانت الثمرة‬
‫مأكولة كالنخل والتين‪.‬‬
‫أو كانت ثمرة محرتمة غير مأكولة‪ ،‬كالقطن‪.‬‬
‫فيحرم قضاء الحاجة يف الطريق المسلول والظل النافع وتحت األشاار‬
‫المثمرة للنص والتعليل‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أن كل ما فيه أذية للمسلمين‪ ،‬أو إفساد أمر مرافقهم أو أمر عام لهم‪،‬‬
‫فال ياوز للمسلم أن يبول أو يتغوأ فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)262‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)26‬وابن ماجه (‪ ،)326‬من حديث معاذ ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وِححه الحاكم يف المستدرل‬
‫(‪ )524‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وحسنه األلباين بماموع طرقه وشواهده يف إرواء الغليل برقم (‪.)62‬‬
‫(‪ )3‬المنهل العذب (‪ ،)22/1‬شـرح النووي (‪.)165/1‬‬

‫‪66‬‬
‫‪69‬‬ ‫فصل‬

‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬و َما ُأ َبالِي َأ َو ْس َط ا ْل ُق ُب ِ‬


‫المسلِ ِمي)‪ :‬لقول رس ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُُ‬
‫ضـيت‬
‫ُ‬ ‫ور َق‬ ‫َ ُ‬ ‫ور‬
‫(وبي ق ِ‬
‫ب‬
‫اجتِي‪َ ،‬أ ْو َوس َط الس ِ‬
‫وق» [رواه ابن ماجه](‪.)1‬‬ ‫َح َ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫ال أو غائطًا وإن كان الماء راكد ًا فهو‬ ‫وكذا ال ياوز قضاء الحاجة يف الماء‪ :‬بو ً‬
‫الراكِ ِد»(‪،)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الماء ا‬ ‫أشد؛ لحديث َجابِ ُر َع ْن َر ُسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أ ان ُه ن ََهى َأ ْن ُي َب َال في َ‬
‫اء الدا ائِ ِم ا ال ِ‬‫ال َتب ْل فِي الم ِ‬ ‫ولحديث أبي هريرة ﭬ عن رس ِ ِ‬
‫ــذي ال‬ ‫َ‬ ‫ول اهلل ﷺ قال‪ُ َ « :‬‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫َي ْا ِري ُث ام َت ْغت َِس ُل مِنْ ُه»(‪ .)3‬فينهى عن التخلي يف موارد المياه التي يردها الناس‬
‫للشـرب‪ ،‬كالساقية واآلبار ونقع الماء ويشمل ذلك إذا تخلى فيه أو حوله؛ ألنه إن‬
‫تخلى فيه أفسده على غيره وإن تخلى حوله قريبًا منه تأذى بذلك من َي ِر ُد عليه‪.‬‬
‫ويحرم قضاء الحاجة يف المساد‪ :‬باالتفاق ِـيانة له وتنزيها وتكريما لمكان‬
‫العبادة‪ ،‬وإذا كان قد ِح عن النبي ﷺ النهي عن البصاق فيه‪ ،‬فالبول والتغوأ‬
‫ام إِ َل ْي ِه َب ْع ُض ا ْلـــ َق ْو ِم‬ ‫ِ ِ‬
‫الم ْساد َف َق َ‬
‫ِ‬
‫َس‪َ :‬أ ان َأ ْع َرابِيا َب َال في َ‬
‫أولى‪ ،‬ويف الصحيحين َع ْن َأن ُ‬
‫ـــو مِن م ُ‬
‫اء َف َص اب ُه‬ ‫ال ُت ْز ِر ُمو ُه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َل اما َف َر َغ َد َعا بِدَ ْل ُ ْ َ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬د ُعو ُه َو َ‬ ‫َف َق َال َر ُس ُ‬
‫َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫ال َتص ُلح ل ِ ُ‬
‫شـيء مِ ْن‬ ‫ويف رواية عند مسلم‪ُ :‬ثم َد َعا ُه؛ َف َق َال َل ُه‪« :‬إِ ان َه ِذ ِه المس ِ‬
‫اجدَ َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َه َذا ا ْلـــ َب ْو ِل َو َ‬
‫الصالَة‪َ ،‬وق َرا َءة ا ْلـــ ُق ْرآن» ‪.‬‬ ‫ال ا ْلـــ َق َذ ِر‪ ،‬إِن َاما ه َي لذك ِْر اهلل ‪َ ،‬و ا‬
‫ويكره البول يف مكان الوضوء واالغتسال‪ :‬يف المذهب وهو قول الامهور لما‬
‫ول اهللِ ﷺ َأ ْن َي ْمت َِش َط َأ َحدُ نَا ُك ال َي ْو ُم‬ ‫ورد عن رجل من الصحابة أن قال‪« :‬ن ََهى َر ُس ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ )1561‬من حديث عقبة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وِححه إسناده البوِـيري يف مصباح الزجاجة‬
‫(‪ ،)41/2‬وقال المناوي يف تيسـير بشـرح الاامع الصغير (‪« :)266/2‬إسناده ِحيح»‪ .‬وِححه األلباين‬
‫يف إرواء الغليل برقم (‪.)63‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)261‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)262‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5612‬ومسلم (‪.)265 ،264‬‬

‫‪62‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪70‬‬

‫ول فِي ُم ْغت ََسلِ ِه»(‪.)1‬‬


‫َأ ْو َي ُب َ‬
‫ال يبو َلن َأحدُ ُكم فِي مستَحم ِه ُثم ي ْغت َِس ُل فِ ِ‬ ‫و َق َال رس ُ ِ‬
‫يه»‪.‬‬ ‫ا َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪ ُ َ َ « :‬ا َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫اس مِنْ ُه»(‪.)2‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ويف رواية‪ُ « :‬ث ام َيت ََو اض ُأ فيه َفإ ِ ان َعا ام َة ا ْل َ‬
‫ـــو ْس َو ِ‬
‫قال الخطابي‪« :‬إنما ينهى عن ذلك إذا لم يكن المكان ِلبا أو مبلطا‪ ،‬أو لم يكن له‬
‫مسلك ينفذ فيه البول‪ ،‬ويسـيل إليه الماء‪ ،‬فيتوهم المغتسل أنه أِابه شـيء من رشاشه‬
‫فيورثه الوسواس»‪.‬‬
‫وأما إن كان المغتسل ِلبًا وله منفذ وأرسل الماء عليه قبل الغسل فال بأس‬
‫لألمن من التلويث‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬
‫(وأن يلبث فوق حاجتِ ِه)‪ :‬ألن الحشوش تحضـرها الشـياطين‪.‬‬
‫وهذا أدب مستحب‪ ،‬وإطالة كشف العورة من غير حاجة خالف األدب‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)26‬والنسائي (‪ ،)236‬وِححه الحاكم (‪ ،)526‬وحسنه النووي يف الخالِة‬
‫(‪.)155/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)21‬وابن ماجه (‪ ،)304‬والنسائي (‪ ،)36‬والرتمذي (‪ ،)21‬وقال‪« :‬حديث غريب» من‬
‫حديث عَ ب ِدال ال ِ‬
‫ــه ْب ِن ُم َغ اف ُل ﭬ مرفوعًا‪ .‬وِححه الحاكم (‪ .)525‬وابن حبان (‪.)1255‬‬ ‫ْ‬

‫‪10‬‬
‫‪71‬‬ ‫باب السواك‬

‫‪e‬‬ ‫السوَاكِ‬
‫ب ِّ‬‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫عقده المؤلف لذكر آداب السوال وأحكامه‪ ،‬وذكر بعده فصالً يف سنن الفطرة‪.‬‬
‫ومناسبة الباب‪ :‬أنه لما فرغ من أحكام االستنااء أعقبه بأحكام السوال‪ ،‬وهذا‬
‫فعل بعض المحدثين كأبي داود يف السنن ووجه ذلك‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أنه غالبًا ما يعقب االستنااء الوضوء‪ ،‬والسوال من سنن الوضوء فقدمه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن كالً منهما يشتمل على اإلزالة‪ ،‬فاالستنااء إزالة النااسة‪ ،‬والسوال‬
‫إزالة ما علق بالفم وتنظيفه‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬للسوال فوائد دينية وطبية كثيرة أشار ابن الملقن إلى ما يقرب من ثالثين‬
‫منها‪ ،‬وقد أظهرت الدراسات الطبية الفوائد الكبيرة للسوال التي ال تحصل لغيره‬
‫من المزيالت‪.‬‬
‫َََه‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُّ ُ‬
‫قوهل‪( :‬يسن‪ :‬بِعود‪َ ،‬رطب‪ ،‬ال يتفتت)‪.‬‬
‫فهو أحسن وأنفع للفم وآمن من أن يارح اللثة‪.‬‬
‫ورسول اهلل ﷺ استال بعود أرال؛ رواه أحمد عن ابن مسعود ﭬ(‪.)1‬‬
‫واستال باريد النخل؛ كما يف حديث عائشة عند البخاري(‪ ،)2‬فإن تيسـرت‪،‬‬
‫وإال فأي عود ُينَظف تحصل به السنة‪.‬‬
‫ُ َ ُ ٌ ُ ًَ‬
‫قوهل‪( :‬وهو مسنون‪ :‬مطلقا)‪.‬‬
‫باتفاق العلماء لحث النبي ﷺ عليه ومواظبته وترغيبه فيه وسنيته تعم الرجال‬
‫والنساء على وجه سواء(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد (‪ )3221‬وحسنه األلباين يف إرواء الغليل عند الحديث رقم (‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪)4166‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)20/1‬االستذكار (‪.)313/3‬‬

‫‪11‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪72‬‬

‫وهو مستحب كل وقت؛ كما بينه ابن سـيرين وابن عبد الرب ولداللة السنة كما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لرب» [أخرجه أحمد‪ ،‬وعلله‬‫ال َم ْط َه َر ٌة ل ْلـــ َف ِم‪َ ،‬م ْر َضا ٌة ل ا‬
‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬الس َو ُ‬
‫البخاري](‪.)1‬‬
‫ال‬‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪َ « :‬ت َس او ُكوا؛ َفإِ ان الس َو َ‬ ‫وروى ابن ماجه عن أبي أمامة‪َ ،‬أ ان َر ُس َ‬
‫ال َأوِانِي بِالسو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ ،‬حتاى َل َقدْ‬ ‫َ‬ ‫َم ْط َه َر ٌة ل ْلـــ َف ِم‪َ ،‬م ْر َضا ٌة ل الرب‪َ ،‬و َما َجا َءني ِج ْب ِر ُيل إِ ا ْ َ‬
‫اف َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُأ امتِي‪َ ،‬ل َف َر ْضتُ ُه‬ ‫ال َأني َأ َخ ُ‬ ‫شـيت َأ ْن ُي ْف َر َض َع َلي َو َع َلى ُأ امتِي‪َ ،‬و َل ْو َ‬
‫ا‬ ‫َخ ُ‬
‫اد َم َف ِمي»(‪.)2‬‬ ‫شـيت َأ ْن ُأح ِفي م َق ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َل ُه ْم‪َ ،‬وإِني ألَ ْستَا ُل‪َ ،‬حتاى َل َقدْ َخ ُ‬
‫للصائ ِِم‪َ ،‬ف ُي َ‬
‫ه‬ ‫ه َ َ‬
‫كرهُ)‪.‬‬ ‫ال‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫عد ه‬
‫الز َ‬ ‫قوهل‪( :‬إال ب‬
‫هذا مستثنى من االستحباب فيكره السوال للصائم بعد الزوال لئال تذهب‬
‫استَا ُكوا بِا ْلـــ َغدَ ِاة‪َ ،‬و َ‬
‫ال‬ ‫رائحة فم الصائم ورد أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا ُِ ْم ُت ْم َف ْ‬
‫ورا َب ْي َن َع ْينَ ْي ِه‬ ‫َت ْستَا ُكوا بِا ْلـــ َعشـي‪َ ،‬فإِ ان ُه َليْ َس مِ ْن َِائِ ُم َت ْي َب ُس َش َفتَا ُه بِا ْلـــ َعشـي إِ ا‬
‫ال كَا َنتَا نُ ً‬
‫ـــق َيا َم ِة» [رواه البيهقي‪ ،‬وضعفه هو والدارقطني وابن الملقن](‪.)3‬‬ ‫يوم ا ْل ِ‬
‫َْ َ‬
‫والرواية الثانية عن اإلمام أحمد‪ :‬ال يكره بعد الزوال‪ ،‬وهذا أقوى‪ ،‬ورجحه‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،‬ويدل لذلك‪ :‬عمومات األدلة اآلمرة بالسوال‪ ،‬وليس فيها ما يخص‬
‫وقتًا دون وقت‪.‬‬
‫الم ْؤمِنِي َن أو َع َلى‬
‫ال َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُ‬
‫ويف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ل ْو َ‬
‫ال ِعنْدَ ُكل َِال َُة» وِالة الظهرين بعد الزوال‪.‬‬ ‫ُأمتِي ألَمر ُتهم بِالسو ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ ْ‬ ‫ا‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪ ،)5‬وأحمد (‪ ،)24262‬وعلقه البخاري مازومًا به (‪ ،)662/2‬وِححه ابن خزيمة‬
‫(‪ ،)135‬وابن حبان (‪ ، )1061‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪ )66‬من حديث عائشة ڤ مرفوعًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)262‬وضعفه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)621 ،620/1‬واأللباين يف ضعيف‬
‫الاامع الصغير برقم (‪.)2431‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطرباين يف الكبير (‪ )3626‬والدارقطني يف سننه (‪ ،)204/2‬والبيهقي يف سننه الكربى (‪)6121‬‬
‫من حديث خباب بن األرت ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وضعف الحديث الدارقطني والبيهقي وابن الملقن يف البدر‬
‫المنير (‪ ،)106/5‬وابن حار يف التلخيص الحبير (‪.)201/2‬‬

‫‪12‬‬
‫‪73‬‬ ‫باب السواك‬

‫وأما حديث النهي عن السوال بعد الزوال‪ :‬فإنه ضعيف‪.‬‬


‫وأما الرائحة فإن مصدرها خلو المعدة و ال تزول مع استعمال السوال‬
‫َُ ُ ْ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ َ ُ ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويسن هلُ قبله‪ :‬بِعود يابِس‪ ،‬ويباح ب ِ َرطب)‪.‬‬
‫السوال قبل الزوال األولى بعود يابس وال كراهة يف الرطب‪ ،‬وهو مروي عن‬
‫ابن عمر وطوائف من التابعين كالحسن وابن سيرين وعطاء‪.‬‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ُّ ه َ َ‬ ‫ُ‬
‫ري عود)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫اك‬ ‫است‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬‫ن‬‫الس‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ولم ي‬
‫فالفضائل ينالها من استال بالعود؛ ألنه الوارد عن الرسول ﷺ‪ ،‬وأما بغيره‬
‫كالخرق واألِابع فال ينال تحصل هبا السنة لعدم ورودها عنه ﷺ‪.‬‬
‫وأما حديث أنس ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬تا ِزي مِن السو ِ‬
‫ال األَ َِابِ ُع»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فسنده ضعيف والسنة قيدته بالسوال‪ ،‬وال يطلق عرفًا على من فرل أسنانه بأِابعه‬
‫أنه استال والعادة ُمحكمة‪ ،‬فال تساوي فإن لم ياد عود ًا استخدم غيره وفرل أسنانه‬
‫بأِابعه‪ ،‬ورجي له الثواب على هذا القصد واإلنقاء‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من يرى أنه ال يشرتأ العود‪ ،‬وإنما ينال األجر بمقدار ما حصل‬
‫من اإلنقاء‪ ،‬ورجح هذا ابن قدامة والنووي وابن عثيمين‪.‬‬
‫َ َ ُّ َ َ َ‬
‫ري ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وصالة‪ ،‬وق َِر َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ََ ه ُ‬
‫اِئ ِة فم‪.‬‬ ‫َِ‬ ‫غ‬ ‫وت‬ ‫‪،‬‬ ‫وم‬ ‫ن‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫اه‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وان‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫اء‬ ‫‪،‬‬ ‫وء‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫ِند‬ ‫ع‬ ‫‪:‬‬ ‫د‬ ‫قوهل‪( :‬ويتأك‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َنل‪ ،‬وإطال ِة سكوت‪ ،‬وصفرة ِ أسنان)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وم‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ول‬
‫ِ‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ِند‬‫ع‬ ‫ا‪:‬‬‫ذ‬ ‫وك‬
‫فالسوال مسنون مطلقًا‪ ،‬ويتأكد يف مواضع سبعة‪:‬‬
‫َ ُ‬
‫ال َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُأ امتِي ألَ َم ْر ُت ُه ْم‬ ‫ِند ُوضوء)‪ :‬لما رواه البخاري معلقًا‪َ « :‬ل ْو َ‬ ‫(ع‬
‫وء»(‪ .)2‬وموضعه يف الوضوء فيه خالف‪ ،‬والنصوص مطلقة‪،‬‬ ‫ال ِعنْدَ ُكل و ُض ُ‬ ‫بِالسو ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فاألقرب أن األمر واسع‪ ،‬وتحصل به السنة قبل الوضوء وبعده وأثناء المضمضة‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف سننه الكربى (‪ ،)116‬وضعفه هو والنووي يف الخالِة (‪ ،)66/1‬واأللباين يف إرواء‬
‫الغليل برقم (‪.)62‬‬
‫(‪ )2‬ذكره البخاري تعليقًا (‪ ،)662/2‬والنسائي (‪ ،)3034‬وأحمد (‪ ،)2230‬وِححه ابن خزيمة (‪)140‬؛‬
‫من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪74‬‬

‫فكلها يصدق أهنا عند الوضوء‪.‬‬


‫َ‬
‫(وصالة)‪ :‬قبل الدخول فيها لقوله ﷺ‪« :‬لوال أن أشق على أمتي ألمرهتم‬
‫بالسوال عند كل ِالة» [متفق عليه]‪.‬‬
‫ال»(‪.)1‬‬ ‫وها بِالسو ِ‬ ‫اءة)‪ :‬القرآن لخرب َعلِي‪« :‬إِ ان َأ ْفو َاه ُكم ُطر ٌق ل ِ ْلـــ ُقر ِ‬
‫آن‪َ ،‬ف َطي ُب َ‬ ‫(وق َِر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َان إِ َذا َقا َم‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫(وانتِباه مِن نوم)‪ :‬لما يف الصحيحين َع ْن ُح َذ ْي َفةَ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ال»(‪.)2‬‬ ‫مِن ال الــي ِل ي ُشوص َفاه بِالسو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ُ‬
‫ات َل ْي َلة َف َقا َم َنبِ ُّي‬
‫ات عنْدَ النبي ﷺ َذ َ‬ ‫ِ‬ ‫وحديث ابن عباس ﭭ عند مسلم‪« :‬أنه َب َ‬
‫ت َفت ََس او َل َو َت َو اض َأ ُث ام قام َف َص الى»(‪،)3‬‬ ‫آخ ِر ال الي ِل َف َخرج‪ُ ،...‬ثم رجع إلى ا ْلبي ِ‬‫اهلل ﷺ من ِ‬
‫َْ‬ ‫ا َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫وهذا له فوائد كثيرة للفم واألسنان والمعدة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫اِئَ ِة فم)‪ :‬لقوله ﷺ‪« :‬الس َو ُ‬
‫ال َم ْط َه َر ٌة ل ِ ْلـــ َف ِم‪َ ،‬م ْر َضا ٌة ل ِ الرب»‪.‬‬ ‫ري َر ِ‬
‫وتغ ِ‬ ‫(‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َعائِ َش َة‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ‬
‫َنل)‪ :‬لما روى مسلم َع ْ‬ ‫جد وم ِ‬ ‫ول مس ِ‬ ‫(وكذا‪ :‬عِند دخ ِ‬
‫ا‬
‫َان إِ َذا د َخ َل بي َته بدَ َأ بِالسو ِ‬
‫ال»(‪.)4‬‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ك َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫جد)‪ :‬قياسًا على البيت بل هو أولى‪ ،‬وال يخلو الداخل من أداء‬ ‫ول مس ِ‬ ‫(دخ ِ‬
‫ِالة فريضة أو نافلة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ال َم ْط َه َر ٌة ل ِ ْلـــ َف ِم‪َ ،‬م ْر َضا ٌة‬
‫أسنان)‪ :‬لقوله ﷺ‪« :‬الس َو ُ‬ ‫(وإطال ِة سكوت وصف َرة ِ‬
‫ل ِ الرب»‪.‬‬
‫َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ه َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ان‪ ،‬فصاعِدا)‪.‬‬ ‫ح ِد اثن ِ‬
‫قوهل‪( :‬وال بأس‪ :‬أن يتسوك بالعو ِد الوا ِ‬
‫َان َنبِي اهللِ‬
‫وقد فعله رسول اهلل ﷺ ففي سنن أبي داود َع ْن َعائِ َش َة َأن َاها َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ )221‬موقوفًا على علي ﭬ‪ ،‬وضعفه العراقي يف المغني عن حمل األسفار (‪،12/1‬‬
‫‪ ،)60‬والبوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪ ،)43/1‬وِحح األلباين حديثًا نحوه كما يف السلسلة الصحيحة‬
‫برقم (‪.)1213‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)242‬ومسلم (‪.)255‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ )256‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)253‬‬

‫‪14‬‬
‫‪75‬‬ ‫باب السواك‬

‫ال ألَ ْغ ِس َل ُه‪َ ،‬ف َأبْدَ ُأ بِ ِه َف َأ ْستَا ُل‪ُ ،‬ث ام َأ ْغ ِس ُل ُه َو َأ ْد َف ُع ُه إ ِ َل ْي ِه»(‪.)1‬‬ ‫َال‪َ ،‬ف ُي ْعطِينِي الس َو َ‬ ‫ﷺ َي ْست ُ‬
‫ال َف َاا َءنِي‬
‫ويف ِحيح مسلم َع ِن اب ِن ُعمر َأ ان النابِي ﷺ َق َال‪َ « :‬أرانِي َأ َتسو ُل بِ ِسو ُ‬
‫َ‬ ‫َ ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫ال األَ ِْ َغ َر مِنْ ُه َما‪َ ،‬ف ِق َيل لِي‪ :‬كَب ْر‪،‬‬ ‫ـــت الس َو َ‬ ‫اآلخ ِر‪َ ،‬فن ََاو ْل ُ‬ ‫َر ُجال َِن َأ َحدُ ُه َما َأ ْك َب ُر مِ َن َ‬
‫َفدَ َف ْع ُت ُه إ ِ َلى األَ ْك َب ِر مِنْ ُه َما»(‪.)2‬‬
‫ن َأبِي َب ْك ُر َع َلى النابِي ﷺ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ِن ْب ُ‬
‫ويف ِحيح البخاري َع ْن َعائ َشةَ‪َ « :‬د َخ َل َع ْبدُ ا‬
‫ول اهللِ‬ ‫ب َي ْس َت ُّن بِ ِه‪َ ،‬ف َأ َبدا ُه َر ُس ُ‬ ‫الر ْح َم ِن ِس َو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َر ْط ٌ‬ ‫َو َأنَا ُم ْسندَ ُت ُه إ ِ َلى َِدْ ِري‪َ ،‬و َم َع َع ْبد ا‬
‫ال َف َق َص ْم ُت ُه َو َن َف ْض ُت ُه َو َط اي ْب ُت ُه‪ُ ،‬ث ام َد َف ْع ُت ُه إ ِ َلى النابِي ﷺ َف ْ‬
‫استَ ان‬ ‫ت الس َو َ‬ ‫ﷺ َبصـر ُه‪َ ،‬ف َأ َخ ْذ ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫استِنَانًا َق ُّط َأ ْح َس َن مِنْ ُه‪َ ،‬ف َما عَدَ ا َأ ْن َف َر َغ َر ُس ُ‬ ‫بِ ِه‪َ ،‬فما ر َأيت رس َ ِ‬
‫است اَن ْ‬ ‫ول اهلل ﷺ ْ‬ ‫َ َ ْ ُ َ ُ‬
‫يق األَ ْع َلى َثالَ ًثا‪ُ ،‬ث ام َقضـى»(‪ .)3‬فقصمته‪ :‬أي‬ ‫الرفِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم َق َال‪ :‬في ا‬ ‫ﷺ َر َف َع َيدَ ُه‪َ ،‬أ ْو إ ِ ِْ َب َع ُه‪ ،‬ا‬
‫كسـرته‪ ،‬فأبنت منه الموضع الذي كان استن به عبد الرحمن‪ .‬لكن إذا أراد أن‬
‫يستعمل سوال غيره فيشـرع له أن يغسله؛ كما فعله رسول اهلل ﷺ فهذا أطيب‬
‫وأنظف‪.‬‬
‫ويف أي يديه أمسك السوال حصلت السنة وأتى بالمقصود‪ ،‬ولم يثبت أن‬
‫رسول اهلل ﷺ كان يتحرى فيه شـيئًا‪ ،‬وإن راعى اليمين فحسن لكونه ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫َان‬
‫ور ِه َوفِي َش ْأن ِ ِه ُكل ِه» [متفق عليه]‪ ،‬زاد أبو داود‪:‬‬
‫ا ُب ُه ال ات َي ُّم ُن‪ :‬فِي َتنَ ُّعلِ ِه َو َت َر ُّجلِ ِه َو ُط ُه ِ‬
‫ُي ْع ِ‬
‫«وسواكه»‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)52‬قال النووي يف الخالِة (‪« :)61/1‬إسناده جيد»‪ .‬وكذا قال ابن الملقن يف البدر‬
‫المنير (‪.)45/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ )3003‬مسند ًا‪ ،‬والبخاري (‪ )243‬تعليقًا‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)4114‬‬

‫‪15‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪76‬‬

‫‪e‬‬ ‫ص ٌل‬
‫َف ْ‬ ‫‪F‬‬
‫(يف سنن الفطرة)‬

‫وهي سنن األنبياء‪ ،‬منها الواجب ومنها المستحب‪.‬‬


‫ومناسبته‪ :‬لما ذكر أحكام إزالة النااسة أعقبه بما يكمل الطهارة‪ ،‬وما يف إزالته‬
‫إتمام لزوال النااسات على أتم الوجوه؛ مثل تقليم األظفار والختان ونحوها‪.‬‬
‫ـــف ْط َرةِ‪:‬‬
‫ـــف ْطر ُة َخمس َأو َخمس مِن ا ْل ِ‬
‫ْ ٌ ْ ْ ٌ َ‬
‫ِ‬
‫ويف الصحيحين عن أبي هريرة ﭬ‪« :‬ا ْل َ‬
‫الش ِ‬
‫ار ِ‬ ‫ْف ِ ِ‬ ‫يم األَ ْظ َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ا ْل ِ‬
‫ب»(‪.)1‬‬ ‫ص ا‬ ‫اإل ْبط‪َ ،‬و َق ُّ‬ ‫ار‪َ ،‬و َنت ُ‬ ‫َان‪َ ،‬واال ْست ْحدَ ا ُد‪َ ،‬و َت ْقل ُ‬‫ـــخت ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولمسلم عن َعائِ َش َة َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ص‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬عشـر م َن ا ْلـــف ْط َرة‪َ :‬ق ُّ‬
‫ار‪َ ،‬و َغ ْس ُل‬ ‫ص األَ ْظ َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫استِن َْش ُ‬ ‫ب‪َ ،‬وإ ِ ْع َفا ُء الل ْح َي ِة‪َ ،‬والس َو ُ‬ ‫الش ِ‬
‫ار ِ‬
‫الماء‪َ ،‬و َق ُّ‬ ‫اق َ‬ ‫ال‪َ ،‬و ْ‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلب ِ‬
‫َسـيت‬
‫ب‪َ :‬ون ُ‬ ‫الماء»‪َ .‬ق َال ُم ْص َع ٌ‬ ‫اص َ‬ ‫ـــق ا ْلـــ َعانَة‪َ ،‬وانْت َق ُ‬
‫ط‪َ ،‬و َح ْل ُ‬ ‫ْف ِ ْ‬ ‫اج ِم‪َ ،‬و َنت ُ‬‫ا ْلـــ َبر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْلـــ َعاشـر َة إِ ا‬
‫ال َأ ْن َت ُك َ‬
‫الماء َي ْعنى اال ْستن َْاا َء ‪.‬‬ ‫اص َ‬ ‫الم ْض َم َضةَ‪ .‬و َق َال َوك ٌ‬
‫يع انْت َق ُ‬ ‫ون َ‬
‫(‪)2‬‬

‫وبدأ بما يستحب‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُّ َ ُ‬
‫ار‪ .‬وانلهظ ُر يف ال ِم َرآة ِ‪.‬‬ ‫األظف‬ ‫لق العانةِ‪ .‬ونتف اإلبط‪ .‬وتقلِ ُ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬يسن‪ :‬ح‬
‫ه‬ ‫ُ ِّ َ َ ِ ً َ ُّ‬ ‫َ ُ ُه َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ه َ ُّ ُ‬
‫ار ِب‪.‬‬ ‫يب‪ .‬واالكتِحال ُك يللة يف ُك عي ثالثا‪ .‬وحف الش ِ‬ ‫واتلطيب ِّبالط ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وإعف ُ‬
‫اء اللحي ِة)‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُّ َ ُ‬
‫(يسن‪ :‬حلق العان ِة)‪ :‬وهي الشعر النابت حول القبل للرجل والمرأة فيسن‬
‫حلقه لقوله‪« :‬واالستحداد»‪ ،‬ولو أزاله بالنتف أجزأ‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫اإلبط)‪ :‬وهو الشعر النابت تحت المنكب‪ ،‬واألفضل فيه النتف؛ لقوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫(ونتف‬
‫اإلب ِ‬
‫ط»‪ ،‬وتحصل السنة ولو بالحلق‪.‬‬ ‫ْف ِ ْ‬ ‫« َو َنت ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5550‬ومسلم (‪.)251‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)261‬‬

‫‪16‬‬
‫‪77‬‬ ‫فصل يف سنن الفطرة‬

‫َ‬ ‫(وتَقلِ ُ‬
‫ار)‪ :‬أي قصها‪ ،‬وليس لقصها ِفة معينة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األظف‬ ‫يم‬
‫والسنة الثالث كلما طالت‪ ،‬ويكره تركها أكثر من أربعين يومًا لما روى مسلم‬
‫اإلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َو َت ْقلِ ِ‬ ‫َس َق َال‪ُ « :‬وق َت َلنَا فِي َقص ا‬
‫ط َو َح ْل ِ‬
‫ـــق‬ ‫ار َو َنتْف ِ ْ‬
‫يم األَ ْظ َف ِ‬ ‫الش ِ‬
‫ار ِ‬ ‫َع ْن َأن ُ‬
‫ال َنت ُْر َل َأ ْك َث َر مِ ْن َأ ْر َب ِعي َن َل ْي َل ًة»(‪.)1‬‬
‫ا ْلـــ َعان َِة‪َ :‬أ ْن َ‬
‫والمذهب أن تركها أكثر من أربعين يوما بال أخذ مكروه؛ لوجود التوقيت من‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ولنهيه عن تركها أكثر من أربعين‪.‬‬
‫ويتأكد النهي إن أدى إطالة الشارب إلى التشبه بالفساق أو الكفار‪ :‬لحديث ا ْب ِن‬
‫ول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬م ْن َت َش اب َه بِ َق ْو ُم َف ُه َو مِنْ ُه ْم» [أخرجه أبوداود](‪.)2‬‬ ‫ُع َم َر أن َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(وانله َظ ُر يف الم َ‬
‫ب‬ ‫اهلل َجم ٌيل ُيح ُّ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ن‬ ‫إ‬‫«‬ ‫ولمسلم‬ ‫وياملها‪،‬‬ ‫نفسه‬ ‫ليتعاهد‬ ‫‪:‬‬‫)‬‫ِ‬ ‫ة‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ـــقي َف َأ ْح ِس ْن ُخ ُل ِقي»‬
‫ا ْلام َال» وإذا نظر إلى المرآة فليقل‪« :‬اللهم كَما حسن َْت َخ ْل ِ‬
‫ُ ا َ َ ا‬ ‫َ َ‬
‫[أخرجه البيهقي وضعفه](‪.)3‬‬
‫يب)‪ :‬لفعله ﷺ فقد كان يحب الطيب والرائحة الحسنة وقال‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ه َ ُّ ُ‬
‫(واتلطيب بالط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َة» [أخرجه‬ ‫يب‪َ ،‬و ُجع َل ُق ار ُة َع ْيني في ا‬ ‫ب إ ِ َل اي م َن الدُّ ْن َيا‪ :‬الن َسا ُء‪َ ،‬والط ُ‬ ‫« ُحب َ‬
‫النسائي](‪.)4‬‬
‫وكان يشتد أن توجد منه رائحة كريهة‪ ،‬فيتعاهد جسده بالطيب ويتأكد هذا عند‬
‫حضور الماامع العامة كصالة الامعة كما جاءت به السنة‪.‬‬
‫ُ ِّ َ َ ً‬ ‫َ ُ ُه َ َ‬
‫(واالكتِحال ُك يللة يف ُك عي ثالثا)‪ :‬فالمذهب استحبابه يف حق الرجال‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)256‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ )4031‬وقال العراقي يف المغني عن حمل األسفار (‪« :)211/1‬إسناده ِحيح»‪ .‬وقال‬
‫ابن حار يف فتح الباري (‪« :)211/10‬إسناده حسن»‪ .‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)1262‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي يف الدعوات الكبير (‪ )206/2‬وضعفه‪ ،‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬بينما أخرجه أحمد‬
‫(‪ )3623‬وابن حبان يف ِحيحه (‪ )252‬من حديث ابن مسعود ﭬ مطلقا دون تقييد بالنظر يف المرآة‪،‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه النسائي (‪ )3232‬وأحمد (‪ ،)12316‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)2616‬وقال‪ِ« :‬حيح على‬
‫شـرأ مسلم»‪ .‬وحسن إسناده ابن حار يف التلخيص الحبير (‪.)116/3‬‬

‫‪11‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪78‬‬

‫ويكون وتر ًا‪ ،‬واألولى كونه باإلثمد وقد جاء فيه أحاديث أقواها ما رواه اإلمام‬
‫اإل ْث ِم ِد ُك ال َل ْي َل ُة َق ْب َل َأ ْن َينَا َم‪َ ،‬وك َ‬
‫َان‬ ‫َان ي ْكت ِ‬
‫َح ُل ب ِ ِ‬ ‫اس‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ ك َ َ‬ ‫أحمد عن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ال»(‪.)1‬‬‫َح ُل فِي ُكل َع ْي ُن َثالَ َث َة َأم َي ُ‬ ‫ي ْكت ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫اإل ْث ِم ِد َفإِ ان ُه َي ْا ُلو‬
‫َح ُلوا بِ ِ‬‫اس‪َ ،‬أ ان النابِي ﷺ َق َال‪« :‬ا ْكت ِ‬
‫ا‬
‫وروى الرتمذي َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫َح ُل بِ َها ُك ال َل ْي َل ُة َثالَ َث ًة فِي‬
‫الشعر‪ ،‬و َأ ان النابِي ﷺ كَان َْت َله م ْكح َل ٌة ي ْكت ِ‬
‫ُ ُ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫ال َبصـر‪َ ،‬و ُينْبِ ُت ا ْ َ َ‬
‫َه ِذ ِه‪َ ،‬و َثالَ َث ًة فِي َه ِذ ِه»(‪.)2‬‬
‫وال تخلو من مقال‪ ،‬وقد حسنها جماعة بماموع طرقها وشواهدها؛ منهم‬
‫الرتمذي والحاكم وأحمد شاكر‪ ،‬وهي تدل على حرِه ﷺ على الكحل‪،‬‬
‫واهتمامه به ومن ذلك‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ ُّ‬
‫ار ِب)‪ :‬وهو الشعر النابت فوق الشفة العليا‪ ،‬فالسنة عدم إطالته وأن‬ ‫ِ‬ ‫الش‬ ‫ف‬ ‫(وح‬
‫الش َو ِار َب»‬
‫يأخذ منه كلما طال لما تقدم من األدلة فالسنة حفه لقوله ﷺ‪َ « :‬أ ْح ُفوا ا‬
‫[متفق عليه]‪.‬‬
‫والحف أولى من الحلق‪ .‬وهو المبالغة يف األخذ من الشعر‪ ،‬ويف األحاديث‬
‫التصـريح بالحف‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬ورجحه والنووي والطحاوي وابن‬
‫القيم‪.‬‬
‫ول اهللِ‬
‫واألخذ من الشارب سنة ويكره تركه أكثر من أربعين يومًا‪ ،‬وقد قال رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫اربِ ِه َف َل ْي َس مِناا» [رواه الرتمذي وِححه](‪ .)3‬وحديث َأن ِ‬
‫َس ْب ِن‬ ‫ﷺ‪َ « :‬م ْن َل ْم َي ْأ ُخ ْذ مِ ْن َش ِ‬
‫اإلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َو َت ْقلِ ِ‬ ‫ك َق َال‪ُ « :‬وق َت َلنَا فِي َقص ا‬ ‫مال ِ ُ‬
‫ط َو َح ْل ِ‬
‫ـــق‬ ‫ار َو َنتْف ِ ْ‬
‫يم األَ ْظ َف ِ‬ ‫الش ِ‬
‫ار ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْلـــ َعان َِة‪َ :‬أ ْن َ‬
‫ال َنت ُْر َل َأ ْك َث َر م ْن َأ ْر َبع َ‬
‫ين َل ْي َل ًة» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد (‪ )3320‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)6242‬وقال‪ِ« :‬حيح اإلسناد»‪ .‬إال أنه أخرج الشطر‬
‫األول منه‪ ،‬وقال األلباين يف إرواء الغليل حديث رقم (‪« :)16‬ضعيف جد ًا»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪- )1151‬واللفظ له‪ -‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ ..‬وِحح األلباين طرفه األول كما يف‬
‫تخرياه لسنن الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ )2161‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬والنسائي (‪ )13‬وِححه ابن حبان (‪)5411‬‬

‫‪16‬‬
‫‪79‬‬ ‫فصل يف سنن الفطرة‬

‫َ َ َ ُْ‬ ‫َ ُ ِّ َ‬
‫اء اللحيةِ‪ .‬وح ُرم‪ :‬حلقها)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وإعف‬
‫واللحية‪ :‬اسم للشعر النابت على الخدين والذقن هذا ما ذكره أئمة اللغة‪.‬‬
‫وإعفائها واجب‪ ،‬ويحرم حلقها‪ ،‬بداللة السنة ونقل ابن حزم اإلجماع على أن‬
‫إعفاءها فرض وكذا يحرم قصها وتخفيفها؛ كما بينه شـيخ اإلسالم ومن األدلة‬
‫على ذلك‪:‬‬
‫[متفق‬ ‫المشـركِي َن‪َ :‬وف ُروا الل َحى‪َ ،‬و َأ ْح ُفوا ا‬
‫الش َو ِار َب»‬ ‫ِ‬
‫قول النابِي ﷺ‪َ « :‬خال ُفوا ُ‬
‫الش َو ِار َب َو َأ ْع ُفوا الل َحى» [متفق عليه](‪ .)2‬ولمسلم‪َ « :‬أ ْح ُفوا‬
‫عليه](‪ .)1‬ويف رواية‪« :‬أن ِْه ُكوا ا‬
‫الش َو ِار َب‪َ ،‬و َأ ْر ُخوا الل َحى‪َ ،‬خال ِ ُفوا‬
‫الش َو ِار َب َو َأ ْع ُفوا الل َحى»(‪ .)3‬ولمسلم‪ُ « :‬ج ُّزوا ا‬
‫ا‬
‫ا ْل َم ُا َ‬
‫وس»(‪.)4‬‬
‫وألحمد‪« :‬أعفوا اللحى‪ ،‬وجزوا الشوارب‪ ،‬وال تشبهوا باليهود والنصارى»(‪.)5‬‬
‫واألحاديث كثيرة ومن ماموع الروايات يحصل عندنا خمس روايات‪:‬‬
‫(اعفوا‪ ،‬وأوفوا‪ ،‬وأرخوا‪ ،‬و ارجوا‪ ،‬ووفروا)‪ .‬ومعناها جميعًا األمر برتل اللحية‬
‫على حالها وتكثيرها‪ ،‬وكل هذه األلفاظ أمر‪ ،‬واألمر يف الشـريعة للوجوب إال‬
‫لصارف وال ِارف هنا‪ ،‬فاألوامر هنا للوجوب‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه فقهاء‬
‫المذاهب األربعة‪.‬‬
‫قال ابن حار‪« :‬حقيقة اإلعفاء الرتل وترل التعرض للحية يستلزم تكثيرها‬
‫وأغرب من قال هو األخذ منها بإِالح ما شذ منها طوال وعرضا وذهب األكثر‬
‫إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب‪ ،‬قال ابن دقيق العيد ال أعلم أحدا فهم‬
‫من األمر يف قوله أعفوا اللحى تاويز معالاتها بما يغزرها كما يفعله بعض‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )5553‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪ )252‬من حديث ابن عمر ﭭ مرفوعًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)5554‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)252‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)260‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)6651‬وِححه األلباين يف ِحيح الاامع برقم (‪.)1061‬‬

‫‪12‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪80‬‬

‫الناس»(‪.)1‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬وفروا بتشديد الفاء من التوفير وهو اإلبقاء ‪-‬أي اتركوها وافرة‪،-‬‬
‫وإعفاء اللحية تركها على حالها‪.‬‬
‫وأما العنفقة‪ :‬وهي الشعر الذي تحت الشفة السفلى‪ ،‬فاألولى تركها إال إذا‬
‫تأذى بطولها فأمرها أخف‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬وال بأس‪ :‬بِأخ ِذ ما زاد ىلع القبض ِة مِنها)‪.‬‬
‫بعد نص العلماء على وجوب إعفائها‪ ،‬وقع خالف يف جواز أخذ ما زاد على‬
‫القبضة والمذهب جوازه لما ورد يف البخاري َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر‪« :‬أنه كان إِ َذا َح اج‪َ ،‬أ ِو‬
‫اعت ََم َر َق َب َض َع َلى ل ِ ْح َيتِ ِه َف َما َف َض َل َأ َخ َذ ُه»(‪ .)2‬وكذا روي عن عدد من السلف‪.‬‬
‫ْ‬
‫والقول الثاين النهي عن أخذ شـيء منها وهو األقوى‪ ،‬والدليل على ذلك‪:‬‬
‫ال‪ :‬أن هدي رسول اهلل ﷺ الفعلي والقولي إرسالها وعدم أخذ شـيء منها‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫ولم ينقل عنه أخذ شـيء منها‪ ،‬وهو القدوة واألسوة يف ذلك‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ﴾‬
‫[النساء‪ ،]52 :‬وقوله‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [األحزاب‪.]21 :‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن عدم األخذ هو ظاهر النصوص مثل‪ :‬أكرموا اللحى‪ ،‬أوفوا اللحى‪،‬‬
‫أرخوا اللحى‪ ،‬خالفوا الماوس‪ ،‬خالفوا المشـركين‪ ،‬وهذا يدل على عدم األخذ‬
‫منها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن األخذ لم ينقل عن الخلفاء األربعة‪ ،‬وإنما نقل عنهم اإلعفاء‬
‫واإلرخاء‪ ،‬وهذا يفسـر المراد بأحاديث رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري (‪.)351/10‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)5553‬‬

‫‪60‬‬
‫‪81‬‬ ‫فصل يف سنن الفطرة‬

‫رابعًا‪ :‬أن الراوي إذا خالف ما روى أخذنا بروايته؛ ألهنا عن معصوم وتركنا‬
‫رأيه‪ ،‬قال الشـيخ محمد بن إبراهيم‪ :‬وفعل ابن عمر هذا ال يحتج به؛ ألنه روى‬
‫النهي عن التقصـير وروايته مقدمة على رأيه(‪.)1‬‬
‫خامسًا‪ :‬أنه حفظ عن ابن عمر ﭭ مسائل تفرد هبا‪ ،‬ولم يوافقه الصحابة‬
‫عليها‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬أن ابن عمر إنما أثر عنه فعله يف الحج أو العمرة وليس طول العام‪،‬‬
‫وس َع هذا وأطلقه وخالف النصوص‪ ،‬وعند التنازع نرجع إلى‬
‫ومن أخذ بقوله ا‬
‫األِلين‪.‬‬
‫فاألظهر‪ :‬النهي عن أخذ شـيء منها‪.‬‬
‫ومع هذا فمن أخذ منها ما زاد على القبضة فله سلف‪ ،‬وأمره ليس كمن حلق‬
‫لحيته أو خففها‪ ،‬فقد نقل عن ابن عمر وقتادة والحسن وابن سـيرين أهنم ال يرون‬
‫بذلك بأسا‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ ُ‬
‫وغ‪ ،‬وقبله‪ :‬أفضل)‪.‬‬ ‫ج ٌب ىلع اذلك ِر واألنَث ع‬
‫ِند ابلُل ِ‬ ‫قوهل‪( :‬واخل ِتان‪ :‬وا ِ‬
‫الختان‪ :‬يف حق الذكر هو‪ :‬قطع الالدة التي تغطي الحشفة‪.‬‬
‫ويف حق األنثى‪ :‬أخذ شـيء من اللحمة التي فوق محل اإليالج‪.‬‬
‫والمذهب أنه واجب يف حق الذكر واألنثى‪.‬‬
‫يم النابِ ُّي ﷺ َو ُه َو ا ْب ُن َث َمانِي َن َسنَ ًة بِا ْلـــ َقدُ و ِم»‬ ‫ِ‬
‫اختَ َت َن إِ ْب َراه ُ‬
‫ومن األدلة‪َ :‬قوله ﷺ‪ْ « :‬‬
‫[متفق عليه](‪.)2‬‬
‫وقد قال تعالى‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ﴾ [النحل‪ ،]123 :‬وهذا من هديه وسنته ♠‪ .‬وروى أبو داود أن‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)52/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3116‬ومسلم (‪ )2310‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪82‬‬

‫اختَتِ ْن»(‪.)1‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال لرج ُل أسلم‪َ « :‬أ ْل ِ‬


‫ـــق َعن َْك َش ْع َر ا ْلـــ ُك ْف ِر َو ْ‬
‫ثان‪ :‬أنه واجب يف حق الرجل‪ ،‬وسنة يف حق المرأة‪ ،‬وهو رواية يف‬ ‫وفيه قول ُ‬
‫المذهب ورجحه شـيخنا ابن عثيمين؛ ألنه يف حق الرجل يرجع إلى تمام شـرأ من‬
‫شـروأ ِحة الصالة وهو الطهارة؛ ألن فيه إزالة ما تحت الحشفة من النااسة‪،‬‬
‫وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬وأما يف حق المرأة فغاية ما فيه أنه يخفف‬
‫الشهوة عندها وهذا كمال‪.‬‬
‫وقد جاءت النصوص الخاِة يف أمر الرجال ولم يأت ذلك يف حق النساء‪.‬‬
‫وهو يف حق الرجال عالمة على إسالم ِاحبه وهذا مما يقوي وجوبه على‬
‫الرجال‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ُُ‬
‫(عِند ابلل ِ‬
‫وغ‪ ،‬وقبله‪ :‬أفضل)‪ :‬وقت الختان للذكر‪ :‬األفضل أن يكون يف‬
‫الصغر؛ ألنه أسـرع يف ال ُبرء‪ ،‬وأقل ألـمًا‪ ،‬لكن ال ياوز تأخيره إلى ما بعد البلوغ من‬
‫غير حاجة عند من رجح وجوبه‪ ،‬وهذا معنى كالم شـيخ اإلسالم‪ :‬ياب إذا وجبت‬
‫الطهارة والصالة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)356‬وأحمد (‪ )15410‬من حديث كليب الاهني ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وحسنه األلباين يف‬
‫إرواء الغليل برقم (‪.)12‬‬

‫‪62‬‬
‫‪83‬‬ ‫بـاب الـوضـوء‬

‫‪e‬‬ ‫ب الوُضُوءِ‬
‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫عقده لبيان أحكام الوضوء وفروضه وواجباته وسننه ونواقضه‪.‬‬
‫والوضوء‪ :‬مأخوذ من الوضاءة‪ ،‬وهو الحسن والنظافة‪.‬‬
‫ويف الشـرع‪ :‬التعبد هلل باستعمال الماء الطهور يف األعضاء األربعة على وجه‬
‫مخصوص‪.‬‬
‫والوضوء عبادة‪ ،‬وفيه أجر عظيم ومن فضائله‪:‬‬
‫أنه سبب لمحو الذنوب‪ :‬وأدلة هذا كثيرة؛ ومنها ما يف ِحيح مسلم َع ْن َأبِي‬
‫الم ْؤمِ ُن َف َغ َس َل َو ْج َه ُه‬ ‫ِ‬ ‫هرير َة ﭬ َأ ان رس َ ِ‬
‫الم ْسل ُم َأ ِو ُ‬‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َت َو اض َأ ا ْلـــ َع ْبدُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬
‫ِ‬
‫الماء‪َ ،‬فإِ َذا َغ َس َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الماء َأ ْو َم َع آخ ِر َق ْط ِر َ‬ ‫َخ َر َج م ْن َو ْج ِهه ُك ُّل َخطي َئة نَ َظ َر إِ َل ْي َها بِ َع ْينَ ْيه َم َع َ‬
‫آخ ِر َق ْط ِر الم ِ‬
‫اء‪َ ،‬فإ ِ َذا‬ ‫اء َأو مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيدَ ْي ِه َخ َر َج مِ ْن َيدَ ْي ِه ُك ُّل َخطِي َئ ُة ك َ‬
‫َ‬ ‫الم ْ َ َ‬ ‫َان َب َط َشت َْها َيدَ ا ُه َم َع َ‬
‫آخ ِر َق ْط ِر الم ِ‬ ‫اء َأو مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫اء َحتاى‬ ‫َ‬ ‫الم ْ َ َ‬ ‫َغ َس َل ِر ْج َل ْيه َخ َر َج ْت ُك ُّل َخطي َئة َم َشت َْها ِر ْجالَ ُه َم َع َ‬
‫وب»(‪.)1‬‬ ‫الذ ُن ِ‬ ‫َي ْخ ُر َج ن َِقيا مِ َن ُّ‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫وهو سبب لرفع الدرجات‪ :‬كما روى مسلم عن َأبِي هرير َة َأ ان رس َ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫الخ َطايا‪ ،‬وير َفع بِ ِه الدا رج ِ‬ ‫ِ‬
‫ات؟ َقا ُلوا‪َ :‬ب َلى َيا‬ ‫َ َ‬ ‫ال َأ ُد ُّل ُك ْم َع َلى َما َي ْم ُحو اهلل بِه َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َق َال‪َ « :‬أ َ‬
‫اج ِد‪َ ،‬وانْتِ َظ ُار‬
‫الخ َطا إ ِ َلى المس ِ‬ ‫ار ِه‪َ ،‬و َك ْث َر ُة ُ‬
‫الم َك ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ـــو ُضوء َع َلى َ‬ ‫ول اهلل! َق َال‪ :‬إِ ْس َبا ُغ ا ْل ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫اأ»(‪ ،)2‬وغيرها‪.‬‬ ‫الصالَ ِة َف َذل ِ ُك ُم الر َب ُ‬ ‫ِ‬
‫الصالَة َب ْعدَ ا‬ ‫ا‬
‫ه َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جتب فِي ِه‪ :‬التس ِمية)‪.‬‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫يف التسمية يف الوضوء روايتان‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)244‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)251‬‬

‫‪63‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪84‬‬

‫األولى‪ :‬أهنا واجبة مع الذكر يف طهارة األحداث كلها الوضوء والغسل‬


‫ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َ‬
‫ال ُو ُضو َء‬ ‫والتيمم؛ لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬‬
‫اس َم اهلل َت َعا َلى َع َل ْي ِه» [رواه أبوداود بسند ضعيف](‪ ،)1‬قال اإلمام‬ ‫ِ‬
‫ال ُو ُضو َء ل َم ْن َل ْم َي ْذ ُك ِر ْ‬
‫َل ُه‪َ ،‬و َ‬
‫أحمد‪« :‬ال يصح يف الباب شـيء»‪ .‬قد ساق ابن حار أسانيد حديث التسمية وب اين‬
‫ضعفها(‪.)2‬‬
‫والثانية‪ :‬أهنا سنة‪ ،‬وهو مذهب األئمة الثالثة ورواية عن اإلمام أحمد واختاره‬
‫الخرقي والخالل وابن قدامة‪ ،‬وهو الراجح ويدل له‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أنه لم يرد األمر هبا يف آية الوضوء‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن الذين وِفوا وضوءه ﷺ بالتفصـيل لم يشـيروا إليها؛ كعثمان وعلي‬
‫وابن عباس وعبداهلل بن زيد وأبي هريرة وعبداهلل بن عمرو ﭫ وغيرهم‪ ،‬ولو كانت‬
‫واجبة لما أخلوا بذكرها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يف حديث عبداهلل بن عمرو عند أبي داود لما سأل األعرابي رسول اهلل‬
‫ﷺ عن كيفية الوضوء‪ ،‬علمه ولم يذكر التسمية‪ ،‬وهذا خرج مخرج البيان وتأخير‬
‫البيان عن وقت الحاجة ال ياوز‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪« :‬ليس يف هذا الباب خرب ثابت يوجب إبطال وضوء من لم‬
‫يذكر اسم اهلل عليه‪ ،‬فاالحتياأ أن يسمي اهلل من أراد الوضوء واالغتسال‪ ،‬وال‬
‫شـيء على من ترل ذلك»‪.‬‬
‫وحديث اإليااب على ضعفه له طرق قواه بعض العلماء بماموعها فحسنه‬
‫العراقي وابن الصالح وابن حار وابن القيم وابن كثير واأللباين وابن باز‪ ،‬وهؤالء‬
‫نظروا إلى أمرين‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ )101‬وابن ماجه (‪ ،)322‬وأحمد (‪ )2406‬وقد ضعفه جماعة من العلماء‪ .‬انظر‪ :‬البدر‬
‫المنير (‪.)62/2‬‬
‫(‪ )2‬تلخيص الحبير (‪.)13/1‬‬

‫‪64‬‬
‫‪85‬‬ ‫بـاب الـوضـوء‬

‫األول‪ :‬أن طرقه على كثرهتا متباينة‪.‬‬


‫الثاين‪ :‬أن بعض المحدثين ِححوا ما هو دون هذا‪ ،‬وأكثر الفقهاء يحتاون بما‬
‫هو أقل منه‪.‬‬
‫فاألظهر االستحباب ألمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬عدم ذكر التسمية يف سائر أحاديث الوضوء‪.‬‬
‫اس ِم اهللِ»‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬عموم حديث أنس‪َ « :‬ت َو اضئوا بِ ْ‬
‫الثالث‪ :‬لضعف الحديث المذكور‪ .‬وقد ذكر ابن مفلح قاعدة يف كتابه النكت‬
‫وقررها شـيخنا ابن عثيمين(‪ ،)1‬وهي‪« :‬أن النهي إذا لم يصح‪ ،‬واألمر‬
‫على المحرر‪ ،‬ا‬
‫إذا لم يصح‪ ،‬لكنه ليس بموضوع‪ ،‬أو الضعف ليس شديد ًا‪ ،‬فإنه يحمل على‬
‫الكراهة واالستحباب»‪ .‬وحديث الباب له طرق كثيرة قواه بعض العلماء‬
‫بماموعها‪.‬‬
‫ومما يدل لالستحباب‪ :‬ما رواه الن َاسائِ ّي َعن أنس ﭬ َق َال‪« :‬طلب بعض‬
‫وضو ًءا َفلم َيادوا؛ َف َق َال َر ُسول اهلل ﷺ‪َ :‬ه ْل َم َع َأ َح ُد مِنْ ُكم َما ٌء؟‬ ‫َأ ِْ َحاب النابِي ﷺ ُ‬
‫الماء يخرج من َبين َأ َِابِعه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َفوضع َيده في اإلناء‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬ت َو اض ُئوا بِ ْس ِم اهلل‪َ .‬ف َر َأ ْيت َ‬
‫آخرهم»(‪َ .)2‬ق َال ا ْلـــ َب ْي َه ِق ّي‪َ :‬ه َذا أِح َما فِي الت ْاس ِم َية‪.‬‬ ‫حتاى توضئوا من ِعنْد ِ‬
‫َ ُ‬
‫سق ُط َس ً‬
‫هوا)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وت‬
‫أي على القول بالوجوب لو نسـيها ِح وضوؤه‪ ،‬ولو تركها عمد ًا لم يصح‬
‫لرتكه واجبًا بال عذر‪.‬‬
‫وعلى القول باالستحباب لو تركها عمد ًا ِح وضوؤه‪.‬‬
‫َََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫قوهل‪( :‬وإن ذك َرها يف أثنائ ِه‪ :‬ابتدأ)‪.‬‬
‫الوضوء من جديد‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف الممتع (‪.)202/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ ،)16‬وأِله يف الصحيحين‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪86‬‬

‫واألظهر‪ :‬أنه يذكرها ويبني على ما سبق‪ ،‬وال يلزمه اإلعادة‪ ،‬ألهنا مستحبة‪.‬‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َ َ ُ‬ ‫وض ُه س هت ٌة‪َ :‬غ ْس ُل َ‬‫ُُ ُ‬
‫الوج ِه‪ ،‬ومِنه‪ :‬المضمضةُ واالستِنشاق‪ .‬وغسل‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وفر‬
‫َ ْ ُ ِّ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ه‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫ي‬
‫ان‪ .‬وغسل الرجل ِ‬ ‫أس ُك ِه‪ ،‬ومِنه‪ :‬األذن ِ‬‫ي‪ .‬ومسح الر ِ‬ ‫ين مع ال ِمرفق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ايلد‬
‫ُ ُ‬ ‫ه‬
‫والَّتت ُ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ِيب‪ .‬والم َواالة)‪.‬‬ ‫ي‪.‬‬‫ُ مع الك ٌ ِ‬
‫عب‬
‫ُ ُ ه‬
‫(وف ُروضه ِستة)‪ :‬ال يصح إال هبا وال يعذر برتكها سهو ًا أو عمد ًا؛ وهي‪ :‬غسل‬
‫األعضاء األربعة وهي الوجه‪ ،‬واليدان‪ ،‬والرجالن‪ ،‬والرأس‪ ،‬والمواالة‪ ،‬والرتتيب‪.‬‬
‫الوج ِه)‪ :‬وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ‬ ‫( َغ ْس ُل َ‬

‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾[المائدة‪.]6 :‬‬
‫وحد الوجه‪ :‬من األذن إلى األذن عرضًا‪ ،‬ومن الذقن إلى منابت شعر الرأس‬
‫ال‪ ،‬فيخرج األقرع واألجلح‪ ،‬وأما اللحية فإن كانت كثيفة فيغسل‬‫المعتاد طو ً‬
‫ظاهرها مع الوجه‪ ،‬وإن كانت خفيفة فيغسل البشـرة التي تحتها‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ َ َ ُ‬
‫(ومِنه‪ :‬المضمضة واالستِنشاق)‪ :‬فهما واجبتان يف الوضوء‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫اإلمام أحمد وهو من مفرداته عن األئمة الثالثة‪ ،‬وقد رجحه غير واحد من‬
‫المحققين‪ ،‬منهم شـيخ اإلسالم وابن القيم وابن المنذر والشوكاين‪ ،‬ومن فقهاء‬
‫الحديث أبو عبيد وأبو ثور وإسحاق‪ .‬ودليله‪:‬‬
‫ال‪ :‬األحاديث الكثيرة التي وِفت وضوء رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فإهنا تذكر مداومة‬ ‫أو ً‬
‫رسول اهلل ﷺ عليها؛ كحديث عثمان يف الصحيحين وعلي عند األربعة‪ ،‬وأبي‬
‫هريرة وعبد اهلل بن زيد وابن عباس‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أهنا من تمام غسل الوجه المذكور يف القرآن‪.‬‬
‫قال الشوكاين‪« :‬وقد ثبت عن رسول اهلل ﷺ مداومته على ذلك يف كل وضوء‪،‬‬
‫ورواه جميع من روى وضوء رسول اهلل ﷺ وبين ِفته‪ ،‬فأفاد ذلك أن غسل الوجه‬
‫المأمور به يف القرآن هو مع المضمضة واالستنشاق»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬السـيل (‪.)61/1‬‬

‫‪66‬‬
‫‪87‬‬ ‫بـاب الـوضـوء‬

‫وقال ابن القيم‪« :‬ولهذا كان رسول اهلل ﷺ يداوم عليها ولم ينقل عنه بإسناد قط‬
‫أنه أخل هبا يومًا واحد ًا‪ ،‬وهذا يدل على أهنا فرض ال يصح الوضوء بدوهنا»(‪.)1‬‬
‫ت َف َم ْض ِم ْض»(‪.)2‬‬
‫وروى أبو داود أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َت َو اض ْأ َ‬
‫والمضمضة‪ :‬تحريك الماء داخل الفم ثم ماه‪.‬‬
‫واالستنشاق‪ :‬جذب الماء بالنفس إلى داخل األنف‪.‬‬
‫واالستنثار‪ :‬إخراج الماء من األنف بعد استنشاقه‪.‬‬
‫والسنة أن يتمضمض ويستنشق بغرفة واحدة‪ ،‬وال يأخذ لكل واحدة غرفة‪ ،‬هذا‬
‫هدي رسول اهلل ﷺ‪ ،‬الوِل بين المضمضة واالستنشاق ويدل له ما يف‬
‫احدَ ةُ‪َ ،‬ف َف َع َل‬
‫َف و ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َتن َْش َق م ْن ك ن َ‬
‫الصحيحين عن عبداهلل بن زيد قال‪َ « :‬م ْض َم َض َو ْ‬
‫َذل ِ َك َثالَ ًثا»(‪.)3‬‬
‫فهذا أِح ما روي فيهما‪ ،‬ولم يايء الفصل بين المضمضة واالستنشاق يف‬
‫حديث ِحيح‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َ ْ ُ ََ ََ‬
‫ي)‪ :‬وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫ين مع ال ِمرفق ِ‬
‫(وغسل ايلد ِ‬
‫فيغسل اليدين جميعا من أطراف األِابع مع المرفقين‪.‬‬
‫والمرفق‪ :‬هو المفصل الذي بين الذراع والعضد‪.‬‬
‫وياب غسله مع اليد‪ ،‬وهو قول األئمة األربعة‪ ،‬ويدل له‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [المائدة‪ ،]6 :‬بمعنى مع المرافق‪ ،‬والسنة قد دلت على‬
‫دخولهما كما روى مسلم عن أبي هريرة ﭬ‪« :‬أنه توضأ ُث ام َغ َس َل َيدَ ُه ا ْلـــ ُي ْمنَى َحتاى‬
‫شـرع فِي ا ْلـــ َع ُض ِد ‪ ،...‬ثم قال‪ :‬هكذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شـرع في ا ْلـــ َع ُضد‪ُ ،‬ث ام َيدَ ُه ا ْلـــ ُيسـرى َحتاى َأ َ‬
‫َأ َ‬

‫(‪ )1‬مفتاح دار السعادة (‪.)24/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)144‬وحسن إسناده النووي يف الخالِة (‪.)22/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)166‬ومسلم (‪.)235‬‬

‫‪61‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪88‬‬

‫رأيت رسول اهلل ﷺ يتوضأ»(‪.)1‬‬


‫ويبدأ فرض غسل اليدين من أطراف األِابع إلى المرفق‪.‬‬
‫وغسل اليدين يف الوضوء قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬بعد غسل الوجه وهذا من فروض الوضوء‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬يف بداية الوضوء وقبل غسل الوجه‪ ،‬وهذا مستحب غير واجب باإلجماع‬
‫إال للمستيقظ من النوم فالصحيح وجوبه؛ لحديث أبي هريرة ﭬ أن رسول اهلل‬
‫اإلن ِ‬
‫َاء َحتاى َي ْغ ِس َل َها َثالَ ًثا‪،‬‬ ‫ﷺ قال‪« :‬إِ َذا اس َت ْي َق َظ َأ َحدُ ُكم مِ ْن ن َْومِ ِه َفالَ َي ْغ ِم ْس َيدَ ُه فِي ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َيدْ ِري َأ ْي َن َبا َت ْت َيدُ ُه» [متفق عليه]‪.‬‬
‫َفإِ ان ُه َ‬
‫ُ ِّ‬ ‫سح ه‬‫َ ُ‬
‫أس ُك ِه)‪ :‬وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬ ‫الر ِ‬ ‫(وم‬
‫وياب تعميم الرأس كله بالمسح‪ ،‬ويدل له أن الذين نقلوا وضوءه لم ينقل عنه‬
‫أحد أنه اقتصـر على بعض الرأس‪ ،‬وليس يف القرآن ما يدل على مسح بعض الرأس‬
‫ولم يصح عنه يف حديث واحد أنه اقتصـر على بعض رأسه ورجحه شيخ االسالم‬
‫وابن القيم(‪.)2‬‬
‫والمراد تعميم الاهات ال تعميم كل شعرة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫والصحيح يف مسح الرأس‪ :‬أنه مرة واحدة؛ وال يشـرع تكراره وهو مذهب‬
‫الامهور؛ ألن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسحه مرة واحدة‪ ،‬كما‬
‫ذكره أبو داود وابن المنذر‪ ،‬ولم يصح عن النبي ﷺ التصـريح بالتثليث‪ ،‬بل ورد‬
‫التصـريح بمسحه مرة واحدة يف أحاديث كثيرة‪ .‬ساق أبو داود والرتمذي منها‬
‫جملة‪.‬‬
‫وأما ما روي من مسحه ثالثًا لرأسه من حديث َش ِق ِ‬
‫يق بن َس َل َم َة قال‪« :‬رأيت‬
‫اع ْي ِه َث َال ًثا َث َال ًثا َو َم َس َح َر ْأ َس ُه َث َال ًثا‪ُ ،‬ث ام قال‪ :‬رأيت َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫ان َغ َس َل ِذ َر َ‬
‫ان بن َع اف َ‬
‫ُع ْث َم َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)246‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪ ،)122/21‬زاد المعاد (‪.)123/1‬‬

‫‪66‬‬
‫‪89‬‬ ‫بـاب الـوضـوء‬

‫اهلل ﷺ َف َع َل هذا»(‪ ،)1‬فقد رواه أبو داود وبين شذوذه أبو داود وابن المنذر ورجح‬
‫هذا ابن تيمية وابن القيم(‪.)2‬‬
‫ُ َُُ‬
‫ان)‪ :‬فاألذنان داخلة يف الرأس‪ ،‬ياب مسحهما معه‪ ،‬وقد ورد عن‬ ‫(ومِنه‪ :‬األذن ِ‬
‫الر ْأ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س» [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي وضعفه ](‪.)3‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ أنه قال‪« :‬األُ ُذنَان م َن ا‬
‫والسنة أال يأخذ لألذنين ماء جديد ًا‪ ،‬بل يمسحان بما فضل يف اليدين بعد مسح‬
‫الرأس؛ كما دل له حديث ابن عمرو ﭬ‪ ،‬وفيه‪ُ « :‬ث ام َم َس َح بِ َر ْأ ِس ِه‪َ ،‬ف َأ ْد َخ َل إ ِ ِْ َب َع ْي ِه‬
‫اح َت ْي ِن َباطِ َن ُأ ُذ َن ْي ِه»(‪.)4‬‬‫الس اب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َت ْي ِن في ُأ ُذ َن ْيه‪َ ،‬و َم َس َح بِإِ ْب َها َم ْيه َع َلى َظاه ِر ُأ ُذ َن ْيه‪َ ،‬وب ِ ا‬
‫الس اب َ‬
‫ا‬
‫ولم يرد عن رسول اهلل ﷺ بإسناد ِحيح أنه أخذ لهما ما ًء جديد ًا‪.‬‬
‫َ ْ ُ ِّ َ َ َ َ َ‬
‫ي)‪ :‬وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء‬ ‫ي مع الك ِ‬
‫عب‬ ‫(وغسل الرجل ِ‬
‫السنة‪ ،‬ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ أنه أخل بالغسل؛ ولما « َر َأى َر ُج ًال ُي َصلي َوفِي‬
‫الما ُء َف َأ َم َر ُه النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُي ِعيدَ ا ْل ُو ُضو َء‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َظ ْه ِر َقدَ مه ُل ْم َع ٌة َقدْ ُر الد ْر َه ِم‪َ ،‬ل ْم ُيص ْب َها َ‬
‫الص َال َة» [رواه أبوداود](‪.)5‬‬ ‫َو ا‬
‫اب ﭬ‪َ :‬أ ان َر ُج ًال َت َو اض َأ َفت ََر َل َم ْو ِض َع ُظ ُف ُر‬ ‫ويف ِحيح مسلم عن ُع َم ُر بن ا ْل َخ اط ِ‬
‫على َقدَ مِ ِه َف َأ ْبصـر ُه النبي ﷺ؛ فقال‪ْ « :‬ار ِج ْع َف َأ ْح ِس ْن ُو ُضو َء َل»‪َ ،‬ف َر َج َع ُث ام ِلى(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪)110‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪.)215/21‬‬
‫ِ‬ ‫يث حسن ليس إِ ْسنَا ُد ُه بِ َذ َ‬
‫ال ا ْل َقائ ِم»‪ .‬وأبو داود (‪ ،)134‬وابن ماجه‬ ‫ِ‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)31‬وقال‪َ « :‬حد ٌ‬
‫(‪ )444‬من حديث أبي أمامة الباهلي ﭬ مرفوعًا؛ وروي عن غيره من الصحابة‪ ،‬وضعفه النووي يف‬
‫الخالِة (‪.)111/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)135‬والنسائي (‪ ،)140‬وابن ماجه (‪ ،)422‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)114‬وقال‬
‫النووي يف الخالِة (‪« :)161/1‬إسناده ِحيح»‪.‬‬
‫وجود إسناده اإلمام أحمد بن حنبل كما نقله الحافظ ابن‬
‫ا‬ ‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)115‬وأحمد (‪،)15534‬‬
‫رجب الحنبلي يف فتح الباري (‪ ،)221/1‬وقال ابن كثير يف تفسـيره (‪« :)26/2‬وهذا إسناد جيد قوي‬
‫ِحيح»‪ .‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)66‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)243‬‬

‫‪62‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪90‬‬

‫وياب أن يستوعب الرجل مع الكعب كما سبق بيانه يف المرفق‪.‬‬


‫ه‬
‫والَّتت ُ‬
‫ِيب)‪ :‬يف غسل أعضاء الوضوء فرض ال يتم إال به‪ ،‬وهذا مذهب جمهور‬ ‫(‬
‫العلماء‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬أن اهلل ذكره مرتبًا‪ ،‬وأدخل الممسوح بين المغسوالت؛ فقال‪:‬‬
‫﴿ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ﴾ [المائدة‪.]6 :‬‬
‫ورسول اهلل ﷺ لم يتوضأ إال مرتبًا‪ ،‬والعبادات توقيفية‪ ،‬وقد قال بعد وضوءه‬
‫ال بِ ِه» [أخرجه ابن ماجه](‪.)1‬‬
‫ال َي ْق َب ُل اهلل منه اِالَ ًة إِ ا‬
‫مرتبًا‪َ « :‬ه َذا ُو ُضو ُء من َ‬
‫ُ ُ‬
‫(والم َواالة)‪ :‬وهو اإلتيان باميع الطهارة يف زمن متصل دون تفريق كثير‪.‬‬
‫ودليل فرضـيتها‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ َر َأى َر ُجالً ُي َصلي َوفِي َظ ْه ِر َقدَ مِ ِه ُلم َع ٌة َقدْ ُر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَ َة»‪.‬‬ ‫الما ُء‪َ ،‬ف َأ َم َر ُه النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُيعيدَ ا ْل ُ‬
‫ـــو ُضو َء َو ا‬ ‫الد ْر َه ِم‪َ ،‬ل ْم ُيص ْب َها َ‬
‫والقاعدة‪ :‬أن كل عبادة بدنية مركبة من أجزاء البد فيها من التوالي إال بدليل‪،‬‬
‫فإن لم تكن متوالية لم تكن على أمر اهلل ورسوله‪.‬‬
‫وضابط المواالة‪ :‬أن ال يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله يف زمن معتاد‬
‫معتدل‪ ،‬فال يؤخر غسل اليدين حتى ياف وجهه‪ ،‬وهذا يرجع فيه إلى العرف‪،‬‬
‫فيرجع إلى الزمن المعتاد وهو يف الغالب ال ينشف إال يف الزمن الطويل عرفًا‪ ،‬أما‬
‫لو كان الزمن قصـير ًا ونشف ألجل الريح مثالً‪ ،‬وكان الفاِل قصـير ًا فله أن يبني‬
‫على ما سبق لقصـر الفاِل‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)412‬وقال ابن الملقن يف البدر المنير (‪ - )133/2‬بعد أن أورد طرقه‪« :-‬هو حديث‬
‫ضعيف بمرة ال يصح من جميع هذه الطرق»‪ .‬وقد نقل تضعيف األئمة أبي حاتم وأبي زرعة والبيهقي‬
‫للحديث‪ ،‬وقال يف موضع آخر (‪« :)215/2‬أما كونه (توضأ على سبيل المواالة) فصحيح ثابت يف غير ما‬
‫حديث مستفيض‪ ،‬فكل من وِف وضوءه ‪-‬عليه أفضل الصالة والسالم‪ -‬لم يصفه إال متوال ًيا مرت ًبا»‪.‬‬
‫وذكره ابن السكن يف ِحاحه‪ ،‬وحسنه األلباين بماموع طرقه يف السلسلة الصحيحة برقم (‪.)261‬‬

‫‪20‬‬
‫‪91‬‬ ‫بـاب الـوضـوء‬

‫مسألة‪ :‬المذهب أن المواالت ال تسقط عمد ًا وال سهو ًا‪ ،‬لحديث ِاحب‬
‫اللمعة‪.‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم أهنا تسقط مع العذر‪ ،‬وقال‪ :‬هذا األظهر واألشبه بأِول‬
‫الشـريعة وذلك أن أدلة الوجوب ال تتناول إال المفرأ وال تتناول العاجز‪.‬‬
‫وقد أطال يف االستدالل لهذا القول فذكر سقوأ المواالة للعذر يف ِـيام‬
‫الكفارة والعقود والطواف والسعي وغيرها‪ ،‬وأما حديث ِاحب اللمعة فلعله‬
‫تركها تفريطًا(‪.)1‬‬
‫َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫هُ‬ ‫ُ ُُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ ُ ُ َ ٌَ‬
‫جبه‪ .‬وانلية‪ .‬واإلسالم‪ .‬والعقل‪.‬‬ ‫و‬
‫َ ِ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫اع‬ ‫ط‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ان‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬‫قوهل‪( :‬ورشوطه ثمانِي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ ه‬
‫الطهور المباح‪ .‬وإزالة ما يمنع وصوهل‪ .‬واالستِنج ُ‬
‫اء)‪.‬‬ ‫واتلهميِـزي‪ .‬والماء‬
‫ُ ُ ُ ُ َ ٌَ‬
‫ورشوطه ثمانِية)‪ :‬لما ذكر فروض الوضوء ذكر شـروطه‪ ،‬وهي‪ :‬ما يلزم من‬ ‫(‬
‫عدمها العدم‪ ،‬وال يلزم من وجودها وجود وال عدم لذاهتا‪.‬‬
‫ُ ُُ‬ ‫َ ُ‬
‫جبه)‪ :‬كالبول والغائط فال يبدأ بوضوئه إال بعد انقطاع موجبه‪،‬‬
‫(ان ِقطاع ما يو ِ‬
‫لكن يعفى يف ذلك عمن حدثه مستمر كالمستحاضة‪ ،‬ومن به سلس بول ونحوه‪،‬‬
‫فلهم الوضوء ولو كان الدم أو البول ينزل‪.‬‬
‫هُ‬
‫(وانلية)‪ :‬ألهنا شـرأ لكل عبادة فلو غسل أعضاءه بال نية لم يازء‪.‬‬
‫ات‪َ ،‬وإِن َاما ل ِ ُ‬
‫كل ا ْم ِر ُ َما ن ََوى» [متفق‬
‫لحديث عمر ﭬ‪« :‬إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عليه](‪ ،)2‬وهي القصد والعزم على فعل الشـيء‪ ،‬ومحلها القلب‪ ،‬وال تعلق لها‬
‫باللسان‪ ،‬ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ وال عن الصحابة يف النية لفظ يقال‪.‬‬
‫ـزي)‪ :‬وهذه شـروأ يف كل عبادة؛ إال يف الزكاة‪ ،‬فال‬ ‫والع ْق ُل‪ .‬واتلهمي ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫(واإلسالم‪.‬‬
‫ِ‬
‫يصح وضوء الكافر والمانون وغير المميز وضابط التمييز على المذهب‪ :‬أن يبلغ‬
‫الصال َِة َو ُه ْم َأ ْبنَا ُء َس ْب ِع ِسنِي َن‪َ ،‬واضـر ُب ُ‬
‫وه ْم‬ ‫ال َد ُك ْم بِ ا‬
‫سبع سنين؛ لحديث‪ُ « :‬م ُروا َأ ْو َ‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)135/21‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1‬ومسلم (‪.)1201‬‬

‫‪21‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪92‬‬

‫َع َل ْي َها َو ُهم َأ ْبنَاء َعشـر ِسنِي َن‪َ ،‬و َفر ُقوا َب ْينَ ُهم فِي الم َض ِ‬
‫اج ِع»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ه ُ ُ َُ‬
‫(والماء الطهور المباح)‪ :‬فيشرتأ يف الماء أن يكون طهور ًا مباحًا وإال لم يصح‬
‫الوضوء هذا المذهب‪.‬‬
‫فيشرتأ فيما يتوضأ به ثالثة شروأ‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون ما ًء وغير الماء ال تصح الطهارة به كالخل والمرق والنبيذ‪ ،‬وماء‬
‫الورد‪ ،‬والمعتصر من الشار‪ ،‬ل ِ َق ْول ِ ِه َت َعا َلى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ فأوجب التيمم‬
‫على من لم ياد ماء‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬طهور ًا هو الباقي على خلقته ويشمل ما نزل من السماء وما نبع من‬
‫األرض فهو طاهر يف نفسه مطهر لغيره وتقدم بيان الطهور وأقسامه يف باب المياه‪.‬‬
‫طاه ُر فياوز‬ ‫ُ‬
‫بشـيء ِ‬ ‫كثير من لونه أو طعمه أو ريحه‬
‫وأما الطاهر وهو ما تغير ٌ‬
‫استعماله يف غير رفع الحدث وزوال الخبث‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مباحًا يخرج المسـروق والمغصوب ونحوها مما ال يباح استخدامه‬
‫فال يصح وضوء وال غسل فيه‪ ،‬ألنه استعمل يف شرأ العبادة ما يحرم استعماله فلم‬
‫يصح‪ ،‬وألن الصالة قربة وهي منهي عنها على هذا الوجه فال يتقرب بما هو عاص‬
‫به أو يؤمر بما هو منهي عنه‪.‬‬
‫والرواية الثانية أنه يصح الوضوء بغير المباح مع اإلثم‪ ،‬ألن التحريم ال يعود‬
‫إلى الصالة فلم يمنع ِحتها‪ ،‬كما لو أو ِلى من عليه عمامة حرير واختاره‬
‫شيخنا ابن عثيمين‪ ،‬وهو األظهر‪.‬‬
‫َُ َ َُ ُ َ‬
‫(وإزالة ما يمنع وصوهل)‪ :‬إلى البشـرة من العاين والطالء وغيرها من العوازل‬
‫وأِباغ أظافر النساء؛ ألنه ال يطلق عليه أنه أتم الوضوء‪ ،‬وبقي عضو لم يصبه‬
‫اب النابِي ﷺ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ َر َأى َر ُجالً ُي َصلي َوفِي َظ ْه ِر‬
‫ض َأ ِْ َح ِ‬
‫الماء؛ لحديث َب ْع ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)425‬والحاكم يف المستدرل (‪ )106‬من حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص ﭭ‬
‫وحسن إسناده النووي يف الخالِة (‪ ،)252/1‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪.)236/3‬‬
‫مرفوعًا‪ .‬ا‬

‫‪22‬‬
‫‪93‬‬ ‫بـاب الـوضـوء‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫الصالَ َة»‬ ‫الما ُء‪َ ،‬ف َأ َم َر ُه النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُيعيدَ ا ْل ُ‬
‫ـــو ُضو َء َو ا‬ ‫َقدَ مه ُل ْـم َع ٌة َقدْ ُر الد ْر َه ِم َل ْم ُيص ْب َها َ‬
‫[أخرجه أبوداود]‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬لكن يعفى عن اليسـير والسـيما إذا كان كثير المالمسة له‬
‫كالدهان والخباز»‪ .‬وهذا داخل يف قاعدة‪« :‬المشقة تالب التيسـير»‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬والحناء نوعان‪:‬‬
‫لون بال جرم‪ ،‬فال يمنع وِول الماء‪ ،‬ويلحق به كل لون ال جرم فيه‪.‬‬
‫وأما الارم على شعر الرأس فيه تفصـيل‪:‬‬
‫يف الطهارة الكربى‪ :‬تاب إزالته ليغسل الرأس‪ ،‬وال يكفي المسح; و يف ِحيح‬
‫ول اهللِ! إِني ا ْم َر َأ ٌة َأ ُشدُّ َض ْف َر َر ْأسـي‬ ‫ـــت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫مسلم عن أم سلمة ڤ َقا َل ْت‪ُ :‬ق ْل ُ‬
‫ك َثال ََث ح َثي ُ‬ ‫يك َأ ْن َتحثِي َع َلى ر ْأ ِس ِ‬ ‫ال‪ ،‬إِناما ي ْك ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الانَا َبة؟ َق َال‪َ َ َ « :‬‬ ‫َف َأ ْن ُق ُض ُه ل ُغ ْس ِل َ‬
‫الانَا َب ِة»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪َ .‬وفي لفظ له‪َ « :‬ف َأ ْن ُق ُض ُه ل ْل َ‬
‫ـــح ْي َضة َو َ‬
‫ِ‬
‫الما َء َف َت ْط ُه ِر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُث ام ُتفيضـي َن َع َل ْيك َ‬
‫الش ْع َر َو َأ ْن ُقوا ا ْل َبشر» [ضعفه أبوداود‬ ‫ولقوله ﷺ‪« :‬إِ ان َت ْح َت ُكل َش ْع َر ُة َجنَا َب ًة َفا ْغ ِس ُلوا ا‬
‫والرتمذي](‪.)2‬‬
‫ويف الطهارة الصغرى‪ :‬إن خضب رأسه أو طينه بما يسرته لم يازه المسح عليه‬
‫نص عليه اإلمام أحمد يف الخضاب؛ ألنه لم يمسح على محل الفرض فليس هو‬
‫الرأس وال حائله الشرعي أشبه مالو مسح على خرقة فوق رأسه‪ ،‬فياب إزالته‬
‫ليصل الماء للشعر؛ وتباشر يده الرأس كله دون حائل‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من أجاز المسح عليه‪ ،‬ويشهد له‪:‬‬
‫أن طهارة الرأس مخففة فالمشـروع فيها المسح دون الغسل‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)330‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َال َن ْع ِر ُف ُه إال من َحديثه وهو‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)106‬وقال‪« :‬حديث الحارث بن َو ِجيه َحد ٌ‬
‫يث غَ ِر ٌ‬
‫يه َح ِدي ُث ُه ُمن َْك ٌر وهو َض ِع ٌ‬
‫يف»‪ .‬وابن ماجه‬ ‫ال»‪ .‬وأبو داود (‪ ،)246‬وقال‪« :‬الحارث بن و ِج ُ‬
‫َ‬ ‫شـيخ ليس بِ َذ َ‬
‫ٌ‬
‫(‪)521‬؛ كلهم من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وضعفه النووي يف الخالِة (‪ ،)121/1‬وابن الملقن‬
‫يف البدر المنير (‪.)515/2‬‬

‫‪23‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪94‬‬

‫وأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه كان ملبد ًا رأسه يف حاة الوداع‪ ،‬وتلبيد الرأس يمنع‬
‫من مباشـرة الماء عند المسح للشعر والبد أن يتوضأ ولم ينقل أنه أزاله‪.‬‬
‫وأنه ثبت عن رسول اهلل ﷺ المسح على العمامة مع إمكان رفعها ومسح رأسه‬
‫لكن هذا من باب التخفيف واختاره ابن باز وابن عثيمين(‪.)1‬‬
‫فإن أزيل الحناء ولم يبق إال لونه‪ ،‬فال يمنع من ِحة الوضوء‪ ،‬وهو مما ال‬
‫يع َلم فيه خالف للعلماء؛ ألنه ليس بحائل‪ ،‬وال ِجرم له‪.‬‬
‫َ‬
‫نج ُ‬
‫اء)‪ :‬أي لمن خرج منه نااسة من بول أو غائط لينظف المحل‪.‬‬ ‫(واالستِ‬

‫(‪ )1‬ماموع فتاوى ابن باز (‪ ،)161/10‬فتاوى نور على الدرب البن عثيمين (‪.)111 /1‬‬

‫‪24‬‬
‫‪95‬‬ ‫بـاب الـوضـوء‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬
‫النية هي القصد والعزم على فعل الشـيء‪ ،‬وب اين يف هذا الفصل القصد الذي‬
‫يازء يف الطهارة‪.‬‬
‫والنية شـرأ لصحة الوضوء ويكفي يف المايء هبا أن يقصد أحد ثالثة أمور‪:‬‬
‫أن ينوي رفع الحدث‪ .‬أو يقصد ما تاب له الطهارة؛ كالصالة‪ .‬أو يقصد ما‬
‫تسن له الطهارة؛ كقراءة القرآن أو ذكر اهلل‪ ،‬فإذا قصد به أحد هذه األمور أِبحت‬
‫النية مازئة يف الطهارة الكاملة‪.‬‬
‫أما لو لم ينو شـيئًا أو نوى هبا التربد فإهنا ال تازئه؛ ألن النية شـرأ يف ِحة‬
‫الوضوء‪ ،‬والوضوء عبادة ال يصح بدون نية‪.‬‬
‫ث) ‪.‬‬
‫ََ‬ ‫هُ َُ َ ُ َ‬
‫احلد ِ‬ ‫فع‬
‫قوهل‪( :‬فانلية هنا‪ :‬قصد ر ِ‬
‫األِغر أو األكرب‪.‬‬
‫َ ِّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ه َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫هارة‪ ،‬كصالة‪ ،‬وط َواف‪ ،‬ومس مصحف)‪.‬‬ ‫جتب هل الط‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫قوهل‪( :‬أو‪ :‬قص‬
‫فإذا قصدا بوضوءه فعل شيء مما تاب له الطهارة أجزء‪.‬‬
‫َ َ ٍّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قوهل‪( :‬أو‪َ :‬ق ْص ُد ما ت ُ َس ُّن َهلُ‪َ ،‬ك ِق َر َ‬
‫فع شك‪ ،‬وغضب‪،‬‬ ‫اءة‪ ،‬وذِكر‪ ،‬وأذان‪َ ،‬ونوم‪ ،‬ور ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َُ‬
‫ُم ه‬ ‫َ‬
‫يس عِلم‪ ،‬وأكل)‪.‬‬ ‫در ِ‬
‫ِ‬ ‫وت‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫بم‬ ‫وس‬ ‫ل‬ ‫وج‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ولَك‬
‫فإنه إذا توضأ وقصد به أحد هذه األمور التي تستحب لها الطهارة أجزئته النية‪.‬‬
‫ََ َ َ َُُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬فمَت ن َوى شيئا من ذل ِك‪ :‬ارتفع حدثه)‪.‬‬
‫وأجزئه هذا القصد يف النية‪ ،‬فإن لم ينو شـيئًا لم يازئه وضوئه وال غسله؛ ألن‬
‫النية شـرأ للطهارة‪ ،‬فال تصح بدون نية‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ ُ َ‬
‫ري ما نوى)‪.‬‬‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ِس‬ ‫قوهل‪( :‬وال يَض‪ :‬سبق ل‬
‫ألن النية عمل قلبي فالمعول على ما يف قلبه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪96‬‬
‫َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ ُّ‬
‫اغ ُك عِبادة‪ .‬وإن شك فيها يف‬ ‫قوهل‪( :‬وال‪ :‬شك ُه يف انلِّـيةِ‪ ،‬أو يف فرض‪ ،‬بعد فر ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫األثناءِ‪ :‬استأنف)‪.‬‬
‫بين أن شكه يف المايء بالنية على حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إن كان بعد الفراغ لم يضـر سواء كانت ِال ًة أو ِومًا أو طهارة؛ ألن‬
‫األِل أهنا تمت بنية‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬إن كان الشك أثناء العبادة‪ ،‬فال يدري هل نوى أم ال فعليه إعادة‬
‫العبادة‪.‬‬
‫والشك ال يلتفت إليه يف ثالثة مواضع‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون وقوعه بعد الفراغ من العبادة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكون اإلنسان كثير الشك؛ ألنه يصـير كالوسواس فيرتكه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون مارد وهم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪97‬‬ ‫فصل يف صفة الوضوء‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْ ٌل يف صِفَ ِة الوُضُوءِ‬


‫‪F‬‬
‫بين يف هذا الفصل ِفة الوضوء الكامل‪ ،‬كما جاء يف األحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫َ‬
‫نو َي)‪.‬‬
‫ويه‪ :‬أن ي ِ‬
‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫رفع الحدث أو ما تاب له الطهارة أو ما تسن له‪.‬‬
‫ُ ه ُ َ ِّ َ َ َ َ ه‬
‫غسل كفي ِه)‪.‬‬‫قوهل‪( :‬ثم يسِّم‪ ،‬وي ِ‬
‫يف بداية الوضوء يبدأ باليمين ثم الشمال‪.‬‬
‫ُه َ َ َ َ َ َ َ ُه َ َ َ َ‬
‫جه ُه‪ ،‬م ِْن َم َنابت َش ْعر ه‬
‫أس‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫غسل و‬ ‫نشق‪ .‬ثم ي ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ثم يتمضمض ويست ِ‬
‫ُ َ‬
‫المعتا ِد)‪.‬‬
‫إلى الذقن طوال ومن األذن إلى األذن عرضًا‪.‬‬
‫َ ْ ِّ َ ه ْ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ ُ َ ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬وال َي ِزئ‪ :‬غسل ظاه ِِر شع ِر اللحيةِ‪ ،‬إال أن ال ي ِصف البَشة)‪.‬‬
‫فإذا كانت اللحية خفيفة تبين البشـرة ورائها وجب إيصال الماء إليها‪.‬‬
‫ُه َ َ ََ ََ ََ‬
‫غسل يدي ِه مع مِرفقي ِه)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬ثم ي ِ‬
‫يبدأ من األِابع إلى المرفقين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُّ ُ َ َ ٌ َ ٌ َ َ ُ‬
‫قوهل‪( :‬وال يَض‪ :‬وسخ يسري حتت ظفر وَن ِوه)‪.‬‬
‫فهذا مما يعفى عنه‪.‬‬
‫َُ ه ًَ‬ ‫ِيع ظاهِر َرأسه‪ ،‬مِن َح ِّد َ‬ ‫ُه َ َ َ َ َ‬
‫الوج ِه إىل ما يسَّم قفا)‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ثم يمسح مج‬
‫مرة واحدة يبدأ من مقدم رأسه حتى يصل لقفاه ثم يردهما إلى المكان الذي‬
‫بدأ منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ي‪ :‬مِنه)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وابلياض فوق األذن ِ‬
‫فهو ملحق بالرأس‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪98‬‬

‫َ َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ُ ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اخ أذني ِه‪ ،‬ويمسح بـإبهامي ِه ظاه َِرهما)‪.‬‬‫خل َسبابَتَي ِه يف ِص َم ِ‬‫قوهل‪( :‬ويد ِ‬
‫واألذنان من الرأس‪.‬‬
‫ه َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُه َ َ‬
‫ان)‪.‬‬
‫ان انلات ِئ ِ‬
‫غسل ِرجلي ِه مع كعبي ِه‪ ،‬وهما‪ :‬العظم ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ثم ي ِ‬
‫عضو منها ثالث مرات إال‬ ‫ُ‬ ‫وهذه ِفة الوضوء باختصار‪ ،‬والسنة أن يغسل كل‬
‫الرأس فيمسحه مرة واحدة‪ .‬وهاهنا تنبيهات‪:‬‬
‫األول‪ :‬غسل اليدين يف أول الوضوء مستحب‪ ،‬و ُنقل اإلجماع عليه‪ ،‬وليس‬
‫بواجب؛ ألنه لم يذكر يف اآلية وكذا بعض األحاديث إال يف المستيقظ من نوم الليل‬
‫فإنه ياب غسلهما‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬االستنشاق يف الوضوء واجب‪ ،‬وهو أن ياذب الماء داخل األنف ثم‬
‫يخرجه‪ ،‬ويتأكد الوجوب عند القيام من النوم؛ لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َع ِن النابِي‬
‫اس َت ْي َق َظ َأ َحدُ ُك ْم مِ ْن َمنَامِ ِه َفت ََو اض َأ‪َ ،‬ف ْلـــ َي ْستَنْثِ ْر َثالَ ًثا‪َ ،‬فإِ ان الشـي َط َ‬
‫ان َيبِ ُ‬
‫يت‬ ‫ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا ْ‬
‫َع َلى َخ ْي ُشومِ ِه» [متفق عليه] (‪.)1‬‬
‫الثالث‪ :‬السنة يف الوضوء أن يقدم المضمضة واالستنشاق على غسل الوجه؛‬
‫كما جاء يف ِفة وضوء رسول اهلل ﷺ يف حديث عثمان وغيره‪ ،‬ولو قدم غسل‬
‫الوجه عليهما لصح الوضوء‪ ،‬ولكنه خالف السنة؛ ألن كلها فرض واحد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬حد الوجه الذي ياب غسله‪ :‬من منابت شعر الرأس المعتاد إلى الذقن‬
‫طو ً‬
‫ال ومن األذن إلى األذن عرضًا‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬اللحية الخفيفة التي تبين البشرة ورائها ياب إيصال الماء إلى ما‬
‫تحتها ً‪ ،‬وأما اللحية الكثيفة فيكفي غسل ما ظهر منها‪ ،‬وتخليلها سنة‪ ،‬واألحاديث‬
‫الواردة يف األمر بالتخليل فيها كالم‪ ،‬لكن قواها بعض العلماء بماموعها‪ ،‬ومنهم‬
‫الرتمذي‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3121‬ومسلم (‪.)236‬‬

‫‪26‬‬
‫‪99‬‬ ‫فصل يف صفة الوضوء‬

‫السادس‪ :‬الرأس ياب تعميمه بالمسح‪ ،‬وتعميمه له ِفتان‪:‬‬


‫الانب أو الخلف‪.‬‬ ‫األولى‪ :‬مازئة وهي أن يعممه على أي ِفة كان من َ‬
‫الثانية‪ :‬مستحبة وهي ما ثبت فعلها عنه ﷺ‪ُ « :‬ث ام َم َس َح َر ْأ َس َه بِيَدَ ْي ِه َف َأ ْق َب َل بِ ِه َما‬
‫ان ا ال ِ‬
‫ــذي َبدَ َأ‬ ‫و َأدبر‪ ،‬بدَ َأ بِم َقدا ِم ر ْأ ِس ِه حتاى َذ َهب بِ ِهما إِ َلى َق َفاه‪ُ ،‬ثم رد ُهما إِ َلى الم َك ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ا َ ا َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ َ ُ‬
‫مِنْ ُه» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫السابع‪ :‬غسل أعضاء الوضوء أكمله أن يغسل كل عضو ثالث مرات‪ ،‬والذي‬
‫بعده مرتين‪ ،‬وأقله مرة واحدة‪ ،‬وياوز أن يخالف بينها فياعل بعضها واحدة‪،‬‬
‫وبعضها اثنتين‪ ،‬وبعضها ثالثًا‪ ،‬وقد جاءت المخالفة بينها يف األحاديث الصحاح‪،‬‬
‫والزيادة على الثالث خالف السنة‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬مسح الرأس يقتصـر فيه على مرة واحدة وال يشـرع الزيادة عليها؛ ألنه‬
‫لم يصح عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وما ورد ضعيف‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬مذهب الامهور أنه ال يستحب مسحه ثالثًا وهو أِح»‪.‬‬
‫ولهذا قال أبو داود‪ :‬أحاديث عثمان الصحاح تدل على أنه مسح مرة واحدة‪ ،‬وهبذا‬
‫يبطل ما رواه من مسحه ثالثًا‪ .‬ونحو هذا قاله ابن القيم وابن حار(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)163‬ومسلم (‪ )235‬من حديث عبداهلل زيد ﭬ مرفوعًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬زاد المعاد (‪ ،)123/1‬الفتح (‪.)226/1‬‬

‫‪22‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪100‬‬

‫‪e‬‬ ‫ص ٌل‬
‫فَ ْ‬ ‫‪F‬‬
‫(يف سنن الوضوء)‬

‫ِّ َ ُ َ ْ ُ َ ه َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ َ ََ َ َ‬


‫ي ثالثا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫الك‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫وغ‬ ‫‪.‬‬ ‫اك‬ ‫و‬ ‫والس‬ ‫ِ‪.‬‬
‫ة‬ ‫بل‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ال‬ ‫قب‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫اس‬ ‫‪:‬‬ ‫َش‬ ‫قوهل‪( :‬وسننه ثمانِية ع‬
‫َ َ‬ ‫ُ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫بل َغسل َ‬ ‫َُ َُ َ َ‬
‫ري‬
‫َ ُِ‬ ‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِيه‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫غ‬ ‫بال‬ ‫والم‬ ‫‪.‬‬‫اق‬
‫ِ‬ ‫نش‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫واالس‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ض‬ ‫ضم‬ ‫بالم‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫الو‬ ‫وابلداءة ق َ َ ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ َ َ ُ‬ ‫َ َ ُ ًَ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫الصائ ِِم‪ .‬والمبالغة يف سائ ِِر األعضاءِ مطلقا‪ .‬والزيادة يف ماءِ ُالوج ِه‪ .‬وِّتلِيل‬
‫وأخذ ماء َج ِديد لأل ُذنَي‪ .‬وتَق ِد ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ َ‬
‫يم‬ ‫‪.‬‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫األصاب‬ ‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وِّت‬ ‫ِ‪.‬‬
‫ة‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫الك‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫حي‬ ‫الل‬
‫ه َُ‬ ‫َ ْ َ ُ ه َ ُِ‬ ‫ُ َ َ ُ َ ِ َ ِّ َ‬ ‫ُ‬
‫ايلُمن ىلع الي َ‬ ‫َ‬
‫اثلة‪.‬‬ ‫رض‪ .‬والغسلة اثلانِية واثل ِ‬ ‫رسى‪ .‬وُماوزة ُمل الف ِ‬
‫َ ه‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ ُ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ل الكف ِ‬ ‫س‬ ‫غ‬ ‫ِند‬
‫ع‬ ‫بها‬ ‫واإلتيان‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫الو‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ِ‬
‫َ ِ‬ ‫آ‬ ‫إىل‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫انلي‬ ‫ِكر‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫اب‬ ‫واستِصح‬
‫َُ‬ ‫َ ُ َ َ ِ َُ‬ ‫هُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ُ‬
‫رشيك هل‪ ،‬وأشهد‬ ‫ِ‬ ‫ِسا‪ .‬وقول‪ :‬أشهد أن ال إهلَ إال اَّلل‪ ،‬وحده ال‬ ‫طق بها ِ ًّ‬ ‫وانل‬
‫َ َ ه‬ ‫َ‬ ‫ه َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ ه ً َ ُُ َ ُ ُ ََ َ َ‬
‫َصه إىل السماءِ‪ ،‬بعد فراغِه‪ .‬وأن يتوىل‬ ‫فع ب ِ‬ ‫أن ُممدا عبده ورسوهل‪ ،‬مع ر ِ‬
‫َ ُ ََ‬ ‫ُ ُ َُ َ‬
‫عاونة)‪.‬‬ ‫ري م‬ ‫فس َ ِه َمِن غ ِ‬ ‫وءه بِن ِ‬ ‫وض‬
‫َ‬
‫وسنَ ُنه ثمانِية ع َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َش)‪ :‬يستحب فعلها وإن تركها لم تؤثر على وضوئه‪.‬‬ ‫(‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫(استِقبال ال ِقبل ِة)‪ :‬عند الوضوء والعلة ألنه عبادة متعلقة بالصالة‪ ،‬وفيه نظر‬
‫ولم يكن رسول اهلل ﷺ يتحرى استقبالها عند الوضوء فاألظهر عدم االستحباب‬
‫ولذا لم يذكرها عدد من علماء المذهب‪.‬‬
‫ال َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُأمتِي َألَمر ُتهم بِالسو ِ‬ ‫ِّ َ ُ‬
‫اك)‪ :‬عند الوضوء؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ل ْو َ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ْ‬ ‫ا‬ ‫(والسو‬
‫وء» [متفق عليه]‪ .‬وتحصل السنة بالسوال قبل الوضوء أو بعده أو أثناء‬ ‫مع ُكل و ُض ُ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫المضمضة‪ ،‬فكلها يصدق أهنا عند الوضوء‪.‬‬
‫َ ْ ُ َ ه َ ً‬
‫ي ثالثا)‪ :‬يف بداية الوضوء‪ ،‬وهذا مستحب باالتفاق إال للقائم‬
‫(وغسل الكف ِ‬
‫من نوم الليل فياب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ َُ َ َ‬
‫بل َغسل َ‬
‫اق)‪ :‬فيقدم المضمضة‬
‫ِ‬ ‫نش‬‫ِ‬ ‫ت‬‫واالس‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ض‬ ‫ضم‬ ‫بالم‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ج‬‫الو‬ ‫ِ‬ ‫(وابلداءة ق‬
‫واالستنشاق على غسل الوجه؛ كما جاء يف ِفة وضوء رسول اهلل ﷺ يف حديث‬

‫‪100‬‬
‫‪101‬‬ ‫فصل يف سنن الوضوء‬

‫عثمان وغيره‪.‬‬
‫وتقديم غسل الوجه عليها جائز؛ ألهنما كالعضو الواحد لكنه خالف السنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ََ ُ‬
‫ِيهما)‪ :‬فيستحب المبالغة يف المضمضة واالستنشاق ليحصل‬ ‫(والمبالغة ف ِ‬
‫التنظيف على وجه الكمال‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ري الصائ ِِم)‪ :‬فال تستحب له المبالغة يف االستنشاق؛ لئال يدخل الماء لاوفه؛‬ ‫(ل ِغ ِ‬
‫اق إ ِ ا‬
‫ال َأ ْن‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫االستِن َْش ِ‬
‫ولحديث لقيط بن ِربة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬و َبال ْغ في ْ‬
‫ون َِائِ ًما» [أخرجه األربعة‪ ،‬وِححه الرتمذي](‪.)1‬‬ ‫َت ُك َ‬
‫ُ ًَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ َ‬
‫(والمبالغة يف سائ ِِر األعضاءِ مطلقا)‪ :‬فيسبغ غسل أعضاء الوضوء؛ لقول‬
‫اق؛ إال َأ ْن‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أسبِ ْغ ا ْل ُو ُضوء‪َ ،‬و َخل ْل بين ْاألَ َِابِعِ‪َ ،‬وبال ِ ْغ يف ِاالستِن َْش ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ون َِائِ ًما»(‪.)2‬‬ ‫َت ُك َ‬
‫ار ِه»‪.‬‬
‫الم َك ِ‬ ‫ِ‬
‫ـــو ُضوء َع َلى َ‬‫وقوله ﷺ‪« :‬إِ ْس َبا ُغ ا ْل ُ‬
‫والمبالغة المستحبة تشمل‪ :‬دلك العضو‪ .‬والزيادة على غسلة واحدة‪.‬‬
‫ومااوزة محل الفرض يف غسل اليدين والرجلين‪ ،‬وقد روى البيهقي َع ْن َع ْب ِداهلل‬
‫أن النابِ اي ﷺ ُأتِ َي بِ ُث ُل َث ْي ُمدن ‪َ ،‬ف َا َع َل َيدْ ُل ُك ذِ َرا َع ْي ِه»(‪.)3‬‬ ‫ْب ِن َز ْي ُد ﭬ‪ « :‬ا‬
‫الوج ِه)‪ :‬ألن فيه غضونًا وشعور ًا‪ ،‬فيزيد يف الماء ويدلك الوجه‬ ‫ادةُ يف ماءِ َ‬
‫ِّ َ َ‬
‫(والزي‬
‫ويغسل الشعر وهذا من اإلسباغ فيه‪ ،‬ويف حديث علي ﭬ‪َ « :‬ف َأ َخ َذ بِ ِه َما َح ْفنَ ًة من‬
‫ضـرب هبا على َو ْج ِه ِه‪ُ ،‬ث ام َأ ْل َق َم إِ ْب َها َم ْي ِه ما َأ ْق َب َل من ُأ ُذ َن ْي ِه»(‪.)4‬‬ ‫م ُ‬
‫اء َف‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ )166‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬وأبو داود (‪ ،)2366‬والنسائي (‪ ،)61‬وابن ماجه (‪)401‬‬
‫وِححه ابن خزيمة (‪ )150‬وابن حبان (‪ ،)1061‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)235‬‬
‫(‪ )2‬هو حديث لقيط بن ِربة ﭬ السابق تخرياه يف الحاشية السابقة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي يف سننه الكربى (‪ )626‬وِححه ابن خزيمة (‪ )116‬وابن حبان (‪ ،)1063‬والحاكم‬
‫(‪.)502‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)625‬وأبو داود (‪ .)111‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)153‬وابن حبان (‪،)1060‬‬
‫وحسنه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)21‬‬

‫‪101‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪102‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ِّ َ‬
‫(وِّتلِيل اللحي ِة الكثِيف ِة)‪ :‬وقد ورد يف األمر بتخليل اللحية أحاديث ال تخلو‬
‫وض اع َفها اإلمام أحمد وابن أبي حاتم‪ ،‬لكن‬
‫من مقال‪ ،‬وساقها الزيلعي وبين عللها‪َ ،‬‬
‫لكثرة طرقها وتباين مخارجها قواها بعض العلماء منهم الرتمذي ‪ ،‬ومنها حديث‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان إِ َذا َتو اض َأ َأ َخ َذ كَفا مِن م ُ‬
‫اء‪َ ،‬ف َأ ْد َخ َل ُه َت ْح َت َحنَكِ ِه‪،‬‬ ‫َس ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ان ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ‬ ‫ــل بِ ِه ل ِ ْح َي َت ُه َو َق َال‪َ :‬ه َك َذا َأ َم َرنِي َربي ‪ .)1(»‬وحديث ُع ْث َم َ‬
‫َف َخ ال َ‬
‫ا‬
‫كَان ي َخل ُل لِحي َته فِي الو ُض ِ‬
‫وء»(‪.)2‬‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال ابن باز‪« :‬والحق أن أحاديث التخليل يشد بعضها بعضًا‪ ،‬وتدل على‬
‫شـرعية التخليل وأنه سنة‪ ،‬وإن كان النبي ﷺ ال يفعله دائمًا‪.»...‬‬
‫وقال ابن القيم‪« :‬وكان ﷺ يخلل لحيته أحيانًا‪ ،‬ولم يكن يواظب على‬
‫ذلك‪.»...‬‬
‫فيستحب تخليل اللحية الكثيفة‪ ،‬وهو مذهب الامهور‪ ،‬وأما اللحية الخفيفة‬
‫فياب غسل البشـرة التي تحتها إن كانت ظاهرة‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫ت َف َخل ِل‬ ‫(وِّتلِيل األصاب ِ ِع)‪ :‬لحديث لقيط بن ِربة ﭬ‪ ،‬عنه ﷺ‪« :‬إِ َذا َت َو اض ْأ َ‬
‫األَ َِابِ َع»(‪.)3‬‬
‫ت َف َخلل َب ْي َن َأ َِابِ ِع َيدَ ْي َك‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َت َو اض ْأ َ‬ ‫وع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫اس َأ ان َر ُس َ‬ ‫َ‬
‫ـــم َأ ان ُه ُي َخل ُل‬ ‫و ِرج َلي َك»(‪ .)4‬قال الرتمذي‪« :‬وا ْلـــعم ُل َع َلى َه َذا ِعنْدَ َأ ْه ِل ا ْل ِ‬
‫ـــع ْل ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ )145‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)522‬وِحح إسناده ابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪ )166/2‬وكذا ابن القطان كما نقله عنه‪ ،‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪ ،)22‬بينما ضعفه ابن حار يف‬
‫التلخيص الحبير (‪.)66/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)31‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)430‬وِححه ابن خزيمة (‪ )152‬وابن‬
‫حبان (‪ ،)1061‬والحاكم (‪ ،)521‬وحسنه ابن الملقن يف البدر المنير (‪.)165/2‬‬
‫(‪ )3‬هو طرف من حديث لقيط بن ِربة ﭬ الذي سبق تخرياه ص(‪.)101‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪- )32‬واللفظ له‪ -‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ .‬وذكر الرتمذي يف العلل الكبير ص(‪ )34‬أنه‬
‫سأل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال‪« :‬هو حديث حسن»‪ .‬وأخرجه ابن ماجه (‪ ،)441‬والحاكم يف‬
‫المستدرل (‪ )646‬وقد ذكره شاهد ًا لحديث لقيط بن ِربة ﭬ‪ ،‬وِححه األلباين يف السلسلة الصحيحة‬
‫=‬

‫‪102‬‬
‫‪103‬‬ ‫فصل يف سنن الوضوء‬

‫ول َأ ْح َمدُ َوإِ ْس َح ُ‬


‫اق»‪.‬‬ ‫َأِابِع ِرج َلي ِه يف ا ْلـــو ُض ِ‬
‫وء‪َ .‬وبِ ِه َي ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ْ‬
‫فتخليل أِابع اليدين والرجلين مستحب غير واجب‪ ،‬والصارف عن‬
‫الوجوب‪ :‬أن المقصود هو إيصال الماء إلى البشـرة‪ ،‬وهذا يحصل بدون التخليل؛‬
‫ولذا لم يذكر يف األحاديث الكثيرة التي وِفت وضوء رسول اهلل ﷺ فالسنة أن‬
‫يفعل ذلك أحيانًا‪.‬‬
‫إال إذا كان الماء ال يصل إليها إال بالتخليل لقلة الماء‪ ،‬أو لتداخل األِابع‬
‫فياب التخليل ألن اهلل تعالى أمر بالغسل‪ ،‬وال يتم هنا إال بالتخليل‪ ،‬وما ال يتم‬
‫الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫وإن كان الماء كثير ًا بحيث يصل الماء بدون تخليل فهو مستحب‪.‬‬
‫وتخليل أِابع اليدين‪ :‬أن ُيدخل بعضها يف بعض‪.‬‬
‫وتخليل أِابع الرجلين‪ :‬أن َيدلكها بخنصـره أو بغيره‪.‬‬
‫ول اهلل‬ ‫وأخذ ماء َج ِديد لألُ ُذنَي)‪ :‬لحديث َعب ِدال ال ِ‬
‫ــه ْب ِن َز ْي ُد ﭬ‪َ « :‬أ ان ُه َر َأى َر ُس َ‬
‫ُ‬
‫(‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ ِ (‪)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الماء ا الــذي َأ َخ َذ ل َر ْأسه» [ َوقال البيهقي‪ :‬إِ ْسنَا ٌد‬ ‫ﷺ َيت ََو اض ُأ َف َأ َخ َذ ألُ ُذ َن ْي ِه َما ًء ِخال َ‬
‫َف َ‬
‫َِ ِح ٌيح]‪.‬‬
‫اء َغ ْي ِر َف ْض ِل‬ ‫ولكنه معلول لمخالفته ما ِعنْدَ مسلِ ُم بِ َل ْفظ‪« :‬ومسح بِر ْأ ِس ِه بِم ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ِ ِ (‪)2‬‬
‫ـــم ْح ُفوظ‪ .‬وقال البيهقي‪ :‬وهذا أِح من الذي قبله]‪.‬‬ ‫َيده» [قال ابن حار‪َ :‬و ُه َو َا ْل َ‬
‫واألقرب‪ :‬أال يأخذ لهما ماء جديد ًا بل يكتفي بما فضل يف يديه بعد مسح‬
‫الرأس؛ لحديث عبداهلل بن عمرو ﭭ‪ ،‬وفيه‪ُ « :‬ث ام َم َس َح بِ َر ْأ ِس ِه‪َ ،‬ف َأ ْد َخ َل إِ ِْ َب َع ْي ِه‬
‫اح َت ْي ِن َباطِ َن ُأ ُذ َن ْي ِه»‪.‬‬‫الس اب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َت ْي ِن في ُأ ُذ َن ْيه‪َ ،‬و َم َس َح بِإ ِ ْب َها َم ْيه َع َلى َظاه ِر ُأ ُذ َن ْيه‪َ ،‬وبِ ا‬
‫الس اب َ‬
‫ا‬

‫=‬
‫برقم (‪.)1306‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف سننه الكربى (‪ )313‬وقال‪ِ« :‬حيح اإلسناد»‪ .‬وتعقبه األلباين بأنه حديث شاذ ‪-‬كما يف‬
‫السلسلة الضعيفة أثناء كالمه على الحديث رقم (‪.-)225‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ )236‬من حديث عبداهلل بن زيد ﭬ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪104‬‬

‫الر ْأ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س»‪ .‬فمقتضـى كوهنما منه أنه يكفي‬ ‫ولقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬األُ ُذنَان م َن ا‬
‫لمسحهما ماء الرأس‪.‬‬
‫ولم يثبت يف حديث ِحيح أنه ﷺ أخذ لهما ما ًء جديد ًا‪.‬‬
‫َ ُ ُ َ‬
‫من ىلع اليُ َ‬
‫رسى)‪ :‬يف غسل أعضاء الوضوء من اليدين والرجلين‪،‬‬ ‫(وتق ِديم ايل‬
‫ور ِه َوفِي‬
‫ا ُب ُه ال ات َي ُّم ُن فِي َتنَ ُّعلِ ِه َو َت َر ُّجلِ ِه َو ُط ُه ِ‬
‫َان النابِي ﷺ ُي ْع ِ‬
‫ُّ‬
‫كما قالت عائشة ڤ‪« :‬ك َ‬
‫َش ْأن ِ ِه ُكل ِه»‪.‬‬
‫وكل من وِف وضوء رسول اهلل ﷺ يذكرون أنه قدم اليمين على الشمال‪ ،‬فإن‬
‫قدم الشمال خالف السنة وِح وضوءه‪ ،‬نقل ابن المنذر وابن الملقن اإلجماع‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫ُ َ َ ُ َ َ ِّ َ‬
‫رض)‪ :‬عند غسل اليدين والرجلين؛ لحديث أبي هريرة ﭬ‪:‬‬ ‫(وُماوزة ُمل الف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شـرع في ا ْلـ َع ُضد‪ُ ،‬ث ام َيدَ ُه ا ْلـ ُيسـرى َحتاى َأ َ‬
‫شـرع‬ ‫«أنه توضأ فغسل َيدَ ُه ا ْل ُي ْمنَى َحتاى َأ َ‬
‫اق‪ُ ،‬ث ام َغ َس َل‬‫شـرع فِي الس ِ‬ ‫ِ‬
‫في ا ْل َع ُضد‪ُ ،‬ث ام َم َس َح َر ْأ َس ُه‪ُ ،‬ث ام َغ َس َل ِر ْج َل ُه ا ْلـ ُي ْمنَى َحتاى َأ َ‬
‫ِ‬
‫ا‬
‫ول اهللِ ﷺ َيت ََو اض ُأ»‬ ‫شـرع فِي الس ِ‬
‫اق‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬ه َك َذا َر َأ ْي ُت َر ُس َ‬ ‫ا‬ ‫ِر ْج َل ُه ا ْل ُيسـرى َحتاى َأ َ‬
‫ون يوم ا ْل ِـقيام ِة مِن إِسبا ِغ ا ْلو ُض ِ‬
‫وء»(‪.)2‬‬ ‫الم َح اا ُل َ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫مسلم] ‪ .‬وقوله ﷺ‪َ « :‬أ ْن ُت ُم ال ُغ ُّر ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫[رواه‬

‫ويف مااوزة محل الفرض يف اليدين والرجلين و إدخال المرفقين والكعبين‬


‫حتى يشـرع بما بعدهما‪ ،‬فيه زيادة يف الطمأنينة وتكميالً للمفروض واقتداء بفعل‬
‫رسول اهلل ﷺ فيما رواه أبو هريرة ﭬ‪« :‬حتى أشـرع يف العضد‪ ،‬وحتى أشـرع يف‬
‫الساق»‪.‬‬
‫وأما الزيادة على ذلك حتى يبلغ اإلبط أو بمسح الرقبة فال يشرع‪ :‬لعدم وروده‬
‫عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وألنه فعل أبي هريرة‪ ،‬ولم ينقل عن غيره من الصحابة إقراره ولهذا استنكره‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)246‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)136‬مسلم (‪- )246‬واللفظ له‪ ،-‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪105‬‬ ‫فصل يف سنن الوضوء‬

‫من رآه‪ ،‬هذا مذهب اإلمام مالك ورواية عن أحمد‪ ،‬ورجحه ابن تيمية وابن القيم‬
‫وابن بطال ومحمد بن إبراهيم وابن باز‪.‬‬
‫فالزيادة على ذلك فغير مشروع لعدم وروده عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وقد توضأ رسول اهلل ﷺ ولم يتااوز ما ورد؛ وقال‪َ « :‬ه َك َذا ا ْل ُو ُضو ُء َف َم ْن َزا َد‬
‫ص َف َقدْ َأ َسا َء َو َظ َل َم»(‪.)1‬‬‫َع َلى َه َذا َأ ْو َن َق َ‬
‫اع مِنْ ُكم َف ْل ُيطِ ْل ُغر َت ُه َو َت ْح ِ‬
‫اي َل ُه»(‪ .)2‬فإهنا مدرجة من كالم‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫وأما زيادة‪َ « :‬ف َم ِن ْ‬
‫اس َت َط َ‬
‫أبي هريرة ﭬ؛ كما نص عليه غير واحد من الحفاظ منهم‪ :‬ابن تيمية وابن القيم‬
‫والمنذري‪ ،‬وابن حار وقال‪« :‬ولم أر هذه الاملة يف رواية أحد ممن روى هذا‬
‫الحديث من الصحابة وهم عشرة‪ ،‬وال ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم‬
‫المامر هذا»(‪.)3‬فيستحب مااوزة محل الفرض بالغسل؛ سواء لليدين والرجلين‪،‬‬
‫أو للرأس والوجه‪.‬‬
‫َ ْ َُ ه َُ ه َُ‬
‫اثلة)‪ :‬فيسن أن يزيد يف غسل األعضاء على مرتين أو‬
‫(والغسلة اثلانِية واثل ِ‬
‫ِ‬
‫ومرتين مرتين‪،‬‬ ‫ثالث‪ ،‬وهذا أكمل الحاالت‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ توضأ مر ًة مرة‪،‬‬
‫وثالثًا ثالثًا‪ ،‬فالوضوء له أربع حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬مر ًة مرة يف كل عضو‪ ،‬وهذا أقل المازىء‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومرتين مرتين‪.‬‬ ‫الثانية‪:‬‬
‫الثالثة‪ :‬وثالثًا ثالثًا وهذا أكمل الحاالت‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬ينوع بين األعضاء كما يف الصحيحين من حديث عبداهلل بن زيد ﭭ‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أن العبادة إذا وردت على ِفات متنوعة فياوز فعل أي واحد منها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)135‬والنسائي (‪ ،)140‬وابن ماجه (‪ ،)422‬من حديث عيد اهلل بن عمرو ﭭ‪،‬‬
‫وِححه ابن خزيمة (‪ ،)114‬وقال النووي يف الخالِة (‪« :)161/1‬إسناده ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)246‬‬
‫(‪ )3‬الفتح (‪.)265/1‬‬

‫‪105‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪106‬‬

‫وقد قرر هذه القاعدة شيخ اإلسالم وقال‪« :‬وهذا أِل مستمر له يف جميع‬
‫ِفات العبادات أقوالها وأفعالها‪ ،‬ويستحسن كل ما ثبت عن النبي ﷺ من غير‬
‫كراهة لشـيء منه»‪ .‬وهو مثل أنواع التشهدات واالستفتاحات وِـيغ األذان‬
‫وِفات التحميد وِالة الخوف(‪.)1‬‬
‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ ُ‬
‫الوضوءِ)‪ :‬بأن يكون مستحضر ًا يف كل عضو‬ ‫خ ِر‬‫ِكر انلي ِة إىل آ ِ‬
‫(واستِصحاب ذ ِ‬
‫أنه يريد الوضوء لتكون أفعاله مقرتنة بالنية فإن استصحب حكمها أجزأه‪ ،‬ومعنى‬
‫استصحاب حكمها أن ال ينوي قطعها فإن عزبت عنه لم يؤثر يف وضوءه‪ ،‬والنية‬
‫شـرأ لصحة الوضوء‪ ،‬وهي عمل قلبي فما دام لم يأت بمناقض لها فهي موجودة‪،‬‬
‫والتشدد يف النية يفتح على العبد أبواب الوساوس؛ كما هو حاِل عند بعض‬
‫المتوضئين‪ ،‬فال ينبغي أن يفتح على نفسه الوساوس‪.‬‬
‫َ ه‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ي)‪ :‬وهو أول الشـروع يف العبادة‪.‬‬
‫(واإلتيان بها عِند غس ِل الكف ِ‬
‫فوقت النية المستحب عند غسل اليدين‪ ،‬والواجب أال يؤخرها عن أول‬
‫الواجبات وهو المضمضة واالستنشاق‪.‬‬
‫ُّ ُ‬
‫طق بها ِ ًّ‬
‫ِسا)‪ :‬ليكون أحوأ له وأبلغ يف طرد وسوسة الشيطان فيها‪.‬‬ ‫(وانل‬
‫واألقرب عدم استحباب النطق هبا ال جهر ًا وال سر ًا‪ ،‬ولم يكن النبي ﷺ وال‬
‫أِحابه ينطقون هبا ال جهر ًا وال سر ًا‪ ،‬ومحل النية القلب‪ ،‬وقد نقل شـيخ اإلسالم‬
‫االتفاق عليه(‪.)2‬‬
‫َ ُ ه ُ ه ً َ ُ‬
‫بدهُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫وحدهُ‬ ‫ََ ه هُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫رشيك هلُ‪ ،‬وأشهد أن ُممدا ع‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫اَّلل‬ ‫إال‬ ‫إهل‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫د‬ ‫أشه‬ ‫‪:‬‬ ‫ول‬ ‫(وق‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهل)‪ :‬لما روى مسلم عن رس ِ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬ما منْ ُك ْم م ْن َأ َحد َيت ََو اض ُأ َف ُي ْبل ُغ َأ ْو‬ ‫َ ُ‬ ‫ورس‬
‫ال‬ ‫ال اهلل‪ ،‬و َأ ان محمدً ا َعبدُ ال ال ِ‬
‫ــه َو َر ُسو ُل ُه؛ إ ِ ا‬ ‫ال إ ِ َل َه إ ِ ا‬ ‫َف ُي ْسبِ ُغ ا ْل ُـو ُضو َء‪ُ ،‬ث ام َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ ا‬

‫(‪ )1‬القواعد النورانية (‪.)106/1‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪ ،)262/16‬جامع العلوم (‪ ،)42/1‬تصحيح الدعاء ص(‪.)511‬‬

‫‪106‬‬
‫‪107‬‬ ‫فصل يف سنن الوضوء‬

‫ـان ِاة ال اث َمان ِ َي ُة َيدْ ُخ ُل مِ ْن َأي َها َشا َء»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬


‫ُفت َح ْت َل ُه َأ ْب َو ُ‬
‫اب ا ْل َ‬
‫وورد ذكر آخر موقوفًا عند النسائي عن أبي سعيد ﭬ أنه قال‪َ « :‬م ْن َت َو اض َأ ُث ام‬
‫وب إِ َليْ َك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال إِ َل َه إِ ا‬‫َقال‪ُ :‬س ْب َحان ََك ال الــ ُه ام َوبِ َح ْم ِد َل‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َ‬
‫ال َأن َْت‪َ ،‬أ ْس َت ْغف ُر َل َو َأ ُت ُ‬
‫ـــق َيا َم ِة»(‪ .)2‬فحسن أن يقول هذا‬ ‫ُكتِب فِي ر نق ُثم ُطبِع بِ َطابعُ‪َ ،‬ف َلم ي ْكسـر إِ َلى يو ِم ا ْل ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ا َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الذكر أحيانًا لثبوته عن أبي سعيد‪ ،‬وهذا ال يقال من قبيل الرأي‪.‬‬
‫الم َت َطه ِري َن)‪ ،‬فرواها‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َع ْلني م َن الت ااوابِي َن‪َ ،‬و ْ‬
‫اج َع ْلني م َن ُ‬ ‫وأما قول‪( :‬ال ّل ا‬
‫هم ْ‬
‫الرتمذي وبين ضعفها واضطراهبا‪ ،‬وقواها بعض العلماء منهم األلباين وابن باز؛‬
‫لمايء شاهد لها من حديث ثوبان وإسناده ضعيف(‪.)3‬‬
‫ه َ َ َ َ‬ ‫( َم َع َرفع بَ َ‬
‫َصه إىل السماءِ‪ ،‬بعد ف َراغِه)‪ :‬مستنده ما رواه أبو داود‪« :‬من توضأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪[ »...‬فهذه‬
‫(‪)4‬‬ ‫َف َأحسن ا ْلـــو ُضوء ُثم ر َفع بصـره إِ َلى السم ِ‬
‫اء؛ َف َق َ‬ ‫ا َ‬ ‫َ ا َ َ َ ُ‬ ‫ْ َ َ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪)234‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي يف عمل اليوم والليلة ص(‪ ،)114 ،113‬ويف سننه الكربى (‪ )25/6‬من حديث أبي سعيد‬
‫الخدري ﭬ مرفوعا وموقوفًا؛ ثم قال‪« :‬هذا خطأ‪ ،‬والصواب موقوف»‪ .‬والحاكم يف المستدرل (‪)2012‬‬
‫وقال‪« :‬هذا حديث ِحيح على شـرأ مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬ورواه سفيان الثوري عن أبي هاشم فأوقفه»‪.‬‬
‫وقال الذهبي‪« :‬ووقفه ابن مهدي عن الثوري عن أبي هاشم»‪ .‬قال ابن الملقن يف البدر المنير (‪:)262/2‬‬
‫«وإسناد هاتين الروايتين ‪-‬أعني المرفوعة والموقوفة‪ِ -‬حيح على شـرأ البخاري ومسلم ال نعلم طعنًا يف‬
‫واحد من رجاله‪ ،‬بل هم أئمة أعالم ثقات»‪ .‬وِححه األلباين يف السلسلة الصحيحة برقم (‪.)2333‬‬
‫ِ‬ ‫اب وال َي ِص ُّح عن النبي ﷺ يف هذا ا ْل َب ِ‬
‫اب َكب ُير‬ ‫َاد ِه ْ ِ‬
‫يث يف إِسن ِ‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ )55‬وقال‪َ « :‬و َه َذا َح ِد ٌ‬
‫اضط َر ٌ‬ ‫ْ‬
‫شـيء»‪ .‬وهو من حديث عمر بن الخطاب ﭬ‪ ،‬قال ابن القطان يف كتابه بيان الوهم واإليهام يف كتاب‬ ‫ُ‬
‫األحكام (‪ - )362/2‬متعقبًا المؤلف بعد ذكره الحديث‪« :-‬وسكت عنه‪ ،‬مصححًا له‪ ،‬وهو منقطع»‪.‬‬
‫وقال المنذري يف الرتغيب والرتهيب (‪ )105/1‬بعد ذكره للزيادة‪« :‬و ُت ُكل َم فيه»‪ .‬وقد ِحح األلباين إسناد‬
‫هذه الزيادة كما يف تمام المنة ص (‪ ،)21‬وانظر‪ :‬إرواء الغليل لأللباين (‪ .)135/1‬وقد حسن إسناد هذه‬
‫الزيادة ابن باز‪- :‬كما يف ماموع الفتاوى له (‪.)24/11‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)110‬وأحمد (‪ )11401‬وإسناده ضعيف‪ ،‬لكن أِل الحديث يف ِحيح مسلم‬
‫(‪ )234‬دون زيادة‪« :‬رفع بصـره إلى السماء»‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪108‬‬

‫الزيادة‪« :‬ثم رفع بصـره» منكرة تفرد هبا ابن عم أبي عقيل وهو ماهول‪ ،‬وضعفها جملة من العلماء](‪.)1‬‬
‫فائدة‪ :‬ولم يرد عن رسول اهلل ﷺ يف استقبال القبلة عند الوضوء شـيء‪ ،‬فلذا ال‬
‫تثبت فيه سنة‪ ،‬وال يتقصد خالف حاله التي هو عليها أثناء الوضوء‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬وأما الدعاء عند كل عضو؛ فعند الوجه يقول‪ :‬اللهم حرم وجهي على‬
‫النار‪ ،‬وعند غسل اليدين يقول‪ :‬اللهم آتني كتابي بيميني‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فقد قال ابن‬
‫الصالح والنووي وابن حار‪« :‬طرق الحديث ضعيفة جد ًا‪ ،‬وال أِل له‪ ،‬فعلى هذا‬
‫ال يعمل به»(‪.)2‬‬
‫َ ُ ََ‬ ‫َ َ ه ُ ُ َُ َ‬
‫عاونة)‪ :‬ألنه أغلب هدي رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ري م‬ ‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫فس‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫(وأن يتوىل وضوءه ب ِ‬
‫ور ُه إ ِ َلى َأ َح ُد‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َ ِ‬ ‫وما روى ابن ماجه َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ال َيك ُل ُط ُه َ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫اس َق َال‪« :‬ك َ‬
‫ال َها بِنَ ْف ِس ِه»(‪[ )3‬فهو حديث ضعيف]‪.‬‬ ‫ون ُهو ا ال ِ‬
‫ــذي َيت ََو ا‬ ‫ِ‬
‫ال َِدَ َق َت ُه ا الــتي َيت ََصدا ُق بِ َها‪َ ،‬ي ُك ُ َ‬
‫َو َ‬
‫وأما معاونة غيره له‪ ،‬فال تخلو من حاالت ثالث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬االستعانة بالغير يف إحضار الماء فهذا جائز بال كراهة‪ ،‬وقد دلت السنة‬
‫عليه كما يف حديث المغيرة وابن عباس وأنس وعثمان ﭫ وأجمع العلماء عليه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬االستعانة بمن يصب عليه الماء جائز أيضًا بال كراهة‪ ،‬كما فعله المغيرة‬
‫مع رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬االستعانة بمن يباشـر أعضاءه بالغسل‪ ،‬فهذا إن كان لحاجة فال بأس به‪،‬‬
‫وإن كان لغير حاجة فإنه خالف السنة‪ ،‬ويدل على التكرب والغرور والرتفع‪ ،‬ولم‬
‫يكن الصحابة والسلف يفعلونه؛ ولذا ينهى عنه‪.‬‬

‫(‪ )1‬إرواء الغليل (‪.)135/1‬‬


‫(‪ )2‬تصحيح الدعاء ص(‪.)365‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)362‬وضعفه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)245/2‬والبوِـيري يف مصباح الزجاجة‬
‫(‪ ،)54/1‬واأللباين يف السلسلة الضعيفة برقم (‪ )4250‬وقال‪« :‬ضعيف جد ًا»‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪109‬‬ ‫باب مسح اخلفني‬

‫‪e‬‬ ‫ُفيْنِ‬
‫ب مَس ِح اخل َّ‬
‫با ُ‬ ‫‪F‬‬
‫عقد هذا الباب لبيان أحكام المسح على الخفين وشـروطه ومبطالته‪.‬‬
‫ومناسبة الباب لكتاب الطهارة‪ :‬أنه يتعلق بأحد أعضاء الوضوء وهما القدمان‬
‫إذا كان عليهما خف‪ ،‬فااء لبيان ِفة تطهيرهما‪.‬‬
‫وجواز المسح على الخفين دليل على يسـر الشـريعة وسماحتها‪ ،‬وأن الضـرر‬
‫فيها مرفوع؛ كما قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ ان الدي َن ُيسـر‪َ ،‬و َل ْن ُي َشا اد الدي َن َأ َحدٌ إ ِ ا‬
‫ال‬
‫الس ْم َح ِة»(‪ .)2‬وهو من الرخص الدالة على‬ ‫َغ َلبه‪ .)1(»...‬وقال‪« :‬ب ِع ْث ُت بِ ِ ِ ِ‬
‫الحنيف اية ا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫كمال الدين اإلسالمي ويسـر تشـريعاته‪ ،‬و ُبعدها عن الحرج‪ ،‬فإن اإلنسان يحتاج‬
‫للمسح على الخفين‪ ،‬ال سـيما يف الشتاء‪ ،‬ويف البالد الباردة‪.‬‬
‫وقد تكلم العلماء على أحكام المسح على الخفين وجمعوا أدلته وأفردوه‬
‫بالتصنيف‪ ،‬وجمعوا األحاديث واألحكام المتعلقة بذلك‪ ،‬فاإلمام ابن المنذر جمع‬
‫أحاديثه عن ثمانين ِحابيًا‪ .‬وقال ابن المبارل‪« :‬ليس يف المسح على الخفين‬
‫اختالف»‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪« :‬ليس يف قلبي من المسح على الخفين شـيء‪ ،‬فيه أربعون‬
‫حديثًا عن رسول اهلل ﷺ»‪ .‬وقد تتبع أحاديث المسح على الخفين الزيلعي يف‬
‫نصب الراية‪ ،‬وأوِلها إلى ستة وخمسـين حديثًا‪ ،‬وذكر أماكنها وطرقها وتكلم‬
‫عليها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )32‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أحمد (‪ )22345‬من حديث أبي أمامة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬قال العراقي يف المغني عن حمل األسفار‬
‫(‪ :)1060/2‬إسناده ضعيف‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪110‬‬

‫والمسح على الخفين ثابت يف السنة المتواترة عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد أجمع‬
‫عليه المسلمون‪.‬‬
‫أما السنة‪ :‬فقد ثبت جواز المسح على الخفين عن رسول اهلل ﷺ قو ً‬
‫ال وفعالً‪،‬‬
‫حضـر ًا وسفر ًا‪ ،‬وبلغت األحاديث يف ذلك حد التواتر‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وقد تواتر عن النبي ﷺ المسح على الخفين»‪.‬‬
‫واإلجماع‪ :‬منعقد على مشـروعيته‪ ،‬نقله ابن المنذر وابن هبيرة وابن تيمية‬
‫والنووي‪.‬‬
‫وإنما أنكره أهل البدع كالرافضة والخوارج‪ ،‬وخالفهم ليس معترب ًا‪ ،‬فقد خالفوا‬
‫أهل اإلسالم فيما هو أعظم من ذلك‪.‬‬
‫ومن نقل عنه إنكاره يف أول األمر من السلف؛ فهؤالء كانوا قد خفيت عليهم‬
‫روي عنه من أِحاب‬
‫َ‬ ‫السنة‪ ،‬فلما علموا هبا رجعوا‪ .‬قال البيهقي(‪« :)1‬كل من‬
‫رسول اهلل ﷺ أنه كره المسح على الخفين‪ ،‬فقد روي عنه غيره»‪.‬‬
‫وقد ذكر جملة من العلماء مشـروعية المسح على الخفين يف كتب العقائد ‪ ،‬مع‬
‫أن المسح على الخفين من المسائل العملية‪ ،‬وذلك ألمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬لبيان معتقد أهل السنة والاماعة‪ ،‬والرد على من خالف يف ذلك من‬
‫أهل البدع؛ كالرافضة والخوارج‪ ،‬فصار المسح شعار ًا ألهل السنة‪ ،‬ومنعه شعار ًا‬
‫لغيرهم من أهل البدع‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬بيان أن أحاديث المسح بلغت حد التواتر الذي ال ينكره إال معاند‪.‬‬
‫وحقيقة المسح على الخفين‪ :‬هو إمرار اليد المبلولة بالماء على الخفين‪.‬‬
‫والمراد بالخفين‪ :‬ما يلبس على القدم من الالد ساتر ًا لها‪ ،‬ويقاس عليه ما‬
‫يلبس على القدم من غير جلد كالخرق وشبهها‪ ،‬أو ما يلحق هبا ويف سنن أبي داود‬
‫ول اهللِ ﷺ سـر اي ًة َف َأ َِا َب ُهم ا ْلـــ َبر ُد‪َ ،‬ف َلما َق ِدموا َع َلى رس ِ‬
‫ول‬ ‫ان َق َال‪َ « :‬ب َع َث َر ُس ُ‬
‫َع ْن َث ْو َب َ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫(‪ )1‬يف السنن (‪.)221/1‬‬

‫‪110‬‬
‫‪111‬‬ ‫باب مسح اخلفني‬

‫ب والتاس ِ‬
‫اخ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»(‪ .)1‬وهي تعم كل ما يسخن‬ ‫اهلل ﷺ َأ َم َر ُه ْم َأ ْن َي ْم َس ُحوا َع َلى ا ْلـــ َع َصائ ِ َ َ‬
‫القدم‪.‬‬
‫َ ْ ُ ُ َ َ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫الط َ‬‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وز ب ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫هارة ِ بالماءِ‪ .‬وسَّتهما ل ِمحل‬ ‫ال‬
‫ِ‬ ‫َشوط سبعة‪ :‬لبسهما بعد كم‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪َ( :‬ي‬
‫َ‬ ‫ُُ َُُ َ‬ ‫َ ًُْ‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فس ِهما‪.‬‬ ‫َش ب ِ ِهما عرفا‪ .‬وثبوتهما بِن ِ‬ ‫الم‬ ‫ن‬ ‫وإماك‬ ‫ا‪.‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ط‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ول‬ ‫‪،‬‬ ‫رض‬ ‫ِ‬ ‫الف‬
‫ََُُ َ َُ َ َ َ َ ُ َ ِ َ َ َ ََ‬
‫وإباحتهما‪ .‬وطهارة عينِ ِهما‪ .‬وعدم وص ِف ِهما البَشة)‬
‫َ َ‬ ‫وز ب ُ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫َشوط سبعة)‪ :‬وبعضها األظهر عدم اشرتاطه؛ كما سـيأيت بيانه‪.‬‬ ‫(َي ِ‬
‫َ‬ ‫الط َ‬ ‫ه‬ ‫َ ََ‬ ‫ُْ ُ ُ َ‬
‫هارة ِ بالماءِ)‪ :‬لقوله ﷺ‪َ « :‬د ْع ُه َما َفإِني َأ ْد َخ ْلـــ ُت ُه َما‬ ‫ال‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫بعد‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫(ل ب س ه‬
‫اه َر َت ْي ِن» [متفق عليه](‪ .)2‬وعليه أكثر العلماء‪.‬‬ ‫َط ِ‬
‫َ‬
‫(بالماءِ)‪ :‬يخرج الطهارة بالتيمم‪ ،‬فلو لبسهما على طهارة التيمم لم يمسح‬
‫للر ْج ِل هبا‪ ،‬فال يتحقق قوله‪:‬‬ ‫عليهما عند وجود الماء؛ ألن طهارة التيمم ال تعلق ّ‬
‫اه َر َت ْي ِن»؛ ألن الطهارة بالماء هي المرادة عند اإلطالق وهذا قول‬ ‫« َأد َخ ْلـــ ُتهما َط ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫الامهور‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو لبس اليمنى قبل غسل اليسـرى ففي جواز المسح عليها‪ ،‬روايتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬ال يصح‪ ،‬وهو قول مذهب اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي ألن طهارته لم‬
‫تكتمل‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أنه يصح المسح عليها‪ ،‬وهذا قول الحنفية‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم؛‬
‫وابن القيم‪ ،‬والشوكاين؛ ألنه إذا غسل وجهه ويديه ومسح رأسه وغسل إحدى‬
‫رجليه فقد طهرت رجله التي غسلها‪ ،‬فإذا أدخلها يف الخف فقد أدخلها وهي‬
‫طاهرة‪ ،‬ثم إذا غسل األخرى من ساعته ولبس الخف فقد أدخلها وهي طاهرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)146‬وأحمد (‪ ،)22431‬والحاكم يف المستدرل (‪ .)602‬وقال الذهبي يف سـير أعالم‬
‫النبالء (‪« :)421/4‬إسناده قوي»‪ .‬وِحح إسناده األلباين يف ِحيح أبي داود‪ ،‬بينما ضعفه جماعة من‬
‫العلماء كالحافظ ابن حار وغيره‪ ،‬فقد قال يف الدراية يف تخريج أحاديث الهداية (‪ )12/1‬فقال‪« :‬وإسناده‬
‫منقطع‪ ،‬وضعفه البيهقي‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬حديث ال يصح»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)203‬ومسلم (‪ )214‬من حديث المغيرة ﭬ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪112‬‬

‫واالحتياأ عدم فعله حتى تكتمل الطهارة ليصدق عليه الحديث بال شك؛ ألنه‬
‫لو لم يغسل اليسـرى لم يصدق عليه أنه طاهر حتى يغسلها ويتم الوضوء‪ ،‬لكن لو‬
‫فعل خالف السنة وأجزأ فالمسألة فيها سعة(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َ َ ِّ َ‬
‫رض‪ ،‬ولو ب ِ َرب ِط ِهما)‪ :‬فيشرتأ كوهنما ساترين لمحل الغسل‬
‫َّتهما ل ِمحل الف ِ‬‫(وس‬
‫وهو القدم إلى الكعب‪ ،‬وقد ِـرح بذلك أئمة المذاهب األربعة‪ ،‬فالخفاف‬
‫المعروفة‪ :‬هي ما تسرت القدم إلى ما فوق الكعب‪ ،‬وما ظهر ففرضه الغسل وال‬
‫يمكن الامع بينه وبين المسح‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم المسح على الخف المخرق‪:‬‬
‫المذهب أنه ال يازء المسح عليه‪ ،‬وال ياوز المسح إال على ما يسرت جميع‬
‫محل الفرض‪ ،‬فإن ظهر محل الفرض وجب غسله‪.‬‬
‫واألظهر جواز المسح عليه‪ ،‬مادامت لم تخرجه عن مسمى الخف‪ ،‬ولم تمنع‬
‫االنتفاع به‪ ،‬ويغطي أكثر القدم‪ .‬وهذا قول ابن المنذر وأبي ثور والثوري وإسحاق‬
‫بن راهويه ويزيد بن هارون ورجحه شـيخ اإلسالم(‪.)2‬‬
‫ويدل لهذا‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ أباح المسح على الخفين إباحة عامة‪ ،‬فيشمل كل‬
‫ما يسمى خفًا‪ ،‬ولو كان فيه خروق ما لم يخرج عن هذا المسمى‪.‬‬
‫وهذا ظاهر حال الصحابة فإن غالبهم فقراء وكانوا يطؤون هبا الشول‬
‫والحاارة‪ ،‬والبد أن تخرقها‪ ،‬ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ أنه هناهم عما تخرق؛‬
‫وألن المشقة حاِلة بنزعه كغيره‪.‬‬
‫َ ُ ً‬ ‫َ ُ َ ْ‬
‫َش ب ِ ِهما ع ْرفا)‪ :‬فإن كان يسقط من القدم لسعته‪ ،‬أو ثقله لم ياز‬
‫(وإماكن الم ِ‬
‫المسح عليه ألنه ال يحمل ِفات الخف‪.‬‬
‫وألن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يمكن متابعة المشي فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪ ،)210/21‬إعالم الموقعين (‪ ،)26/3‬نيل األوطار (‪ ،)161/1‬شفاء العليل (‪.)241/1‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪.)112/21‬‬

‫‪112‬‬
‫‪113‬‬ ‫باب مسح اخلفني‬

‫َ‬ ‫ُُ َُُ َ‬


‫فس ِهما)‪ :‬فإن كانا ال يثبتان إال بنعل‪ ،‬لم يمسح عليهما‪ ،‬وعليه فإن‬
‫(وثبوتهما بِن ِ‬
‫شد على رجليه لفائف‪ ،‬لم يمسح عليها‪ ،‬ألهنا ال تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها‪.‬‬
‫وخالف يف ذلك شـيخ اإلسالم‪ ،‬وقال‪« :‬وهذا ال أِل له يف كالم أحمد‪ ،‬بل‬
‫الصواب‪ :‬أنه يمسح على اللفائف‪ ،‬وهي أولى بالمسح من الخف»(‪.)1‬‬
‫ََُُ‬
‫(وإباحتهما)‪ :‬فال ياوز المسح على المغصوب والحرير؛ ألن لبسه معصية‪،‬‬
‫فال تستباح به الرخصة‪ ،‬كسفر المعصية هذا الصحيح من المذهب‪ ،‬فإن فعل أعاد‬
‫الطهارة والصالة لزوما وسبق نظير هذا يف الوضوء بالماء المغصوب والمسـروق‬
‫يف باب المياه‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬ياوز المسح عليه‪.‬‬
‫وقول يف المذهب ال ياوز المسح عليه إال لضرورة‪ ،‬كمن هو يف بلد ثلج‪،‬‬
‫وخاف سقوأ أِابعه‪.‬‬
‫َ َُ َ َ‬
‫هارة عينِ ِهما)‪ :‬فلو كان الخف من جلود الكالب والخنازير لم يصح‬ ‫(وط‬
‫المسح عليه‪.‬‬
‫والنااسة نوعان‪:‬‬
‫نااسة عينية‪ :‬كخف من جلد كلب‪ ،‬فال يصح المسح عليه؛ ألنه ناس وال‬
‫يمكن تطهيره‪.‬‬
‫ونااسة حكمية‪ :‬وهو ما أِله طاهر لكن وقعت عليه نااسة‪ ،‬فيصح المسح‬
‫عليه ويقرأ القرآن ويمس المصحف لكن ال يصلي حتى يزيل النااسة من خفه‪.‬‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َشة)‪ :‬فإن كان شفافًا لم يصح المسح عليه على الصحيح‬ ‫(وعدم َوص ِف ِهما الب‬
‫من المذهب ألناه ال ُبدا أن يكون ساتر ًا للمفروض على المذهب‪ ،‬والشفاف ال‬
‫يسرت‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ياوز المسح عليه مادام يسمى خفًا‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وهذا قول‬
‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)165/21‬‬

‫‪113‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪114‬‬

‫قوي‪ ،‬وإن كان األول أحوأ خروجًا من النزاع‪ ،‬لكن لو مسح عليهما ألجزأه‪.‬‬
‫هذه الشـروأ السبعة عند الحنابلة البد من توفرها لصحة المسح على الخفين‪،‬‬
‫وأقواها ثالثة‪ ،‬وهي‪ :‬لبسهما على طهارة‪ ،‬وسرتهما لمحل الفرض‪ ،‬وطهارة‬
‫عينهما‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫ُّ‬ ‫ْ ََ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫المق ُ‬ ‫َ‬
‫بس‪ :-‬يوما ويللة‪.‬‬
‫ث بعد الل ِ‬
‫اِص بسف ِره ِ ‪-‬مِن احلد ِ‬ ‫يم‪ ،‬والع ِ‬ ‫قوهل‪( :‬فيمسح ِ‬
‫ه‬ ‫َ ََ ه َََ‬ ‫ُ َ‬
‫والمساف ُِر‪ :‬ثالثة أيام بلي ِايل ِهن)‪.‬‬
‫فالمسح مؤقت وتوقيته يوم وليل ٌة للمقيم وثالثة أيام بلياليهن للمسافر‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب الامهور الحنفية والشافعية والحنابلة‪ ،‬وهو الذي دلت عليه السنة‪،‬‬
‫ـــم َسافِ ِر‪َ ،‬و َي ْومًا َو َل ْي َل ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ َثالَ َث َة َأ ّيا ُم َو َل َيال َي ُه ّن ل ْل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫كحديث علي ﭬ قال‪َ « :‬ج َعل ُّ‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْأ ُم ُرنَا إِ َذا ُكنّا َس ْفر ًا‪َ :‬أ ْن‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ال‪« :‬ك َ‬ ‫يم»(‪ .)1‬وحديث َِ ْف َوان ْبن َعس ُ‬
‫ا‬ ‫لم ِق ِ‬‫ِ‬
‫ل ُ‬
‫ال َننْزع ِخ َفا َفنَا َثالَ َث َة َأيا ُم و َليالِيهن إال من جنَاب ُة‪ ،‬و َلكِن من َغائِ ُ‬
‫ط َو َب ْو ُل َون َْو ُم»(‪.)2‬‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ّ َ َ َُ ّ‬ ‫َ َ‬
‫مسألة‪ :‬إذا وجدت حاجة لعدم خلعة بعد مضي المدة‪ ،‬فقد ذهب شـيخ اإلسالم‬
‫إلى أنه‪« :‬إن احتاج فإنه ياوز له عدم النزع أكثر من ثالثة أيام‪ ،‬مثل خشـية إدرال‬
‫العدو أو نحوه‪ ،‬واستدل بما رواه ابن ماجه َع ْن ُع ْق َب َة ْب ِن َعامِ ُر‪َ ،‬أ ان ُه َق ِد َم َع َلى ُع َم َر‬
‫الا ُم َع ِة‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الا ُم َعة إ ِ َلى ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫م ْن مصـر‪َ ،‬ف َق َال‪ُ « :‬من ُْذ ك َْم َل ْم َتن ِْز ْع ُخ اف ْي َك؟ َق َال‪ :‬م َن ُ‬
‫َأ َِ ْب َت ُّ‬
‫السنا َة»(‪ .)3‬فيحمل على الحاجة عند شـيخ اإلسالم(‪.)4‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫(والع ِ‬
‫اِص بسف ِره ِ)‪ :‬وسفر المعصـية‪ :‬ما أنشأ لقصد محرم؛ كارتكاب فاحشة أو‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)216‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪- )26‬واللفظ له‪ -‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬والنسائي (‪ ،)121‬وابن ماجه (‪،)416‬‬
‫وِححه ابن خزيمة (‪ ،)11‬وابن حبان (‪ ،)1100‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ )11/3‬ونقل تصحيح‬
‫الخطابي له‪ ،‬وحسنه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)104‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)556‬والدارقطني يف سننه (‪ ،)126/1‬وقال‪« :‬وهو ِحيح اإلسناد»‪ .‬والحاكم يف‬
‫المستدرل (‪ )262/1( )641‬وقال‪ِ« :‬حيح على شـرأ مسلم»‪ .‬وِححه ابن تيمية يف ماموع الفتاوى‬
‫(‪ ،)116/21‬واأللباين يف السلسلة الصحيحة برقم (‪.)2622‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى (‪.)215/21‬‬

‫‪114‬‬
‫‪115‬‬ ‫باب مسح اخلفني‬

‫ل ُ‬
‫عقد محرم أو لقطع طريق‪.‬‬
‫فهل يرتخص برخص السفر؟‬
‫المذهب والشافعية‪ :‬أن سفر المعصية كالحضر‪ ،‬ألن ما زاد يستفاد بالسفر‪،‬‬
‫وهو معصية فلم ياز أن يستفاد به الرخصة‪ ،‬فال يمسح مسح مسافر‪ ،‬وال يقصـر‬
‫الصالة‪ ،‬وال يفطر يف هنار رمضان؛ فال يعان على سفره‪ ،‬والرخص ال تستباح‬
‫بالحرام‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه يرتخص هبا وال تعلق بين نوع السفر والرخصة‪ ،‬وهو مذهب‬
‫اإلمام أبي حنيفة واختاره شـيخ اإلسالم(‪ ،)1‬وابن حزم(‪ ،)2‬وابن عثيمين‪ ،‬وهو قول‬
‫قوي‪ ،‬واستدلوا‪:‬‬
‫بإطالق نصوص الرخص‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [البقرة‪ ﴿ .]164 :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﴾ [النساء‪.]101 :‬‬
‫ان َنبِي ُك ْم ﷺ فِي‬
‫وحديث ابن عباس ﭭ‪َ « :‬ق َال‪َ :‬فر َض اهلل الصالَ َة َع َلى لِس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ا‬ ‫َ‬
‫الخو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َر ْك َع ًة»(‪ .)3‬وحديث علي وِفوان‪:‬‬ ‫الس َف ِر َر ْك َع َت ْي ِن‪َ ،‬وفي َ ْ‬
‫الحضـر َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬وفي ا‬
‫َ‬
‫سفر وسفر‪.‬‬ ‫الم َسافِ ُر َثالَ َث َة َأ ايا ُم»‪ ،‬ولم يفرق رسول اهلل ﷺ بين ُ‬ ‫« َو ُ‬
‫وأما العاِـي يف سفره‪ :‬وهو من يقصد سفر ًا مباحًا‪ ،‬ثم تطرأ عليه معصـية‬
‫يرتكبها‪ ،‬فقد اتفق الفقهاء على أنه يرتخص يف سفره؛ ألنه لم يقصد السفر‬
‫للمعصـية‪ ،‬وألن سبب ترخصه وهو السفر مباح قبلها وبعدها‪ ،‬وفرق بين العاِـي‬
‫بسفره والعاِـي يف سفره‪.‬‬

‫(‪ )1‬ماموع الفتاوى (‪.)110/24‬‬


‫(‪ )2‬المحلى (‪.)262/4‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)412/1()661‬‬

‫‪115‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪116‬‬
‫ْ َ َ َ َ ُّ‬
‫بس)‪ :‬فمدة المسح تبدأ من أول حدث بعد اللبس‪ ،‬فإذا‬
‫ث بعد الل ِ‬
‫(مِن احلد ِ‬
‫أحدث بدأت المدة؛ ألن المسح عبادة مؤقتة‪ ،‬فاعترب وقتها من وقت جواز فعلها‪،‬‬
‫وألن ما بعد الحدث وقت ياوز له المسح فيه‪ ،‬فكان أول مدة المسح منه هذا‬
‫المذهب وهو مذهب اإلمام أبي حنيفة‪ ،‬والشافعي‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬أهنا تبدأ من أول مسح بعد الحدث؛ لحديث علي ﭬ قال‪:‬‬
‫يم» [أخرجه مسلم]‪.‬‬ ‫لم ِق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـــم َساف ِر‪َ ،‬و َي ْومًا َو َل ْي َل ًة ل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ َثالَ َث َة َأ ّيا ُم َو َل َيال َي ُه ّن ل ْل ُ‬ ‫َ‬
‫« َج َعل ُّ‬
‫وحديث ِفوان‪َ « :‬ي ْأ ُم ُرنَا إ ِ َذا ُكناا ُم َسافِ ِري َن َأ ْن ن َْم َس َح َع َلى ِخ َفافِنَا َو َ‬
‫ال َنن ِْز ُع َها َثالَ َث َة‬
‫َأ ايا ُم» [أخرجه الرتمذي‪ ،‬وِححه]‪ .‬فظاهره أن ابتداء المدة من مباشـرة المسح‪ ،‬فالنصوص‬
‫جاءت بلفظ المسح وهذا قول األوزاعي‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬ورجحه ابن المنذر والنووي‬
‫وشـيخ اإلسالم والسعدي وابن باز وابن عثيمين‪.‬‬
‫وتظهر ثمرة الخالف يف ِور؛ منها‪:‬‬
‫لو َج َم َع َج ْمع تقديم بين الظهر والعصـر‪ ،‬ثم أحدث ولم يمسح إال بعد دخول‬
‫العشاء لامعه تأخير ًا‪ ،‬على القول األول‪ :‬يحسبه بعد الظهر‪.‬‬
‫وعلى القول الثاين‪ :‬من حين يتوضأ فلو لم يتوضأ إال بعد دخول وقت المغرب‬
‫ال يحسب إال من هذا الوقت وهذا قوي‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬فيمسح المقيم أربعًا وعشـرين ساعة تبدأ من أول مسح بعد‬
‫حدث‪ ،‬والمسافر يمسح اثنتين وسبعين ساعة‪ ،‬فالعربة بالزمن ال بعدد الصلوات‪.‬‬
‫روى عبدالرزاق عن أبي عثمان النهدي قال‪ :‬حضـرت سعد ًا وابن عمر‬
‫يختصمان إلى عمر يف المسح على الخفين‪ ،‬فقال عمر‪« :‬يمسح عليها إلى مثل‬
‫ساعته من يومه وليلته»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه عبدالرزاق يف المصنف (‪.)606‬‬

‫‪116‬‬
‫‪117‬‬ ‫باب مسح اخلفني‬

‫َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ه َ ُه َ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َض ث هم ساف َر‪ .‬أو‪ :‬شك يف ابتِدا ِء‬
‫ِ‬ ‫احل‬ ‫يف‬ ‫أو‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ام‬ ‫أق‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫الس‬ ‫يف‬ ‫ح‬ ‫قوهل‪( :‬فلو مس‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يم)‪.‬‬
‫سح الم ِق ِ‬‫سح‪ :‬لم ي ِزد ىلع م ِ‬
‫الم ِ‬
‫ذكر هنا عدد ًا من الصور‪ ،‬يرون أن حكمها واحد يتم مسح مقيم‪.‬‬
‫والعلة عندهم‪ :‬أنه اجتمع حاظر ومبيح فيغلب جانب الحظر‪ ،‬وألهنما عبادة‬
‫يختلف حكمها يف الحضر والسفر‪ ،‬فإذا وجد أحد طرفيها يف الحضر غلب حكم‬
‫الحضر كالصالة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ َ َ‬
‫(فلو مسح يف السف ِر ث هم أقام)‪ :‬فإنه يتم مسح مقيم إن كان بقي من المدة شـيء‬
‫ألنه أِبح مقيمًا وزالت رخصة السفر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َض ث هم ساف َر)‪ :‬فهل يتم مسح مقيم أم مسح مسافر قوالن‪ :‬فالمذهب‬
‫(أو‪ :‬يف احل ِ‬
‫أنه يتم مسح مقيم؛ ألنه المتيقن‪ ،‬وما زاد لم يتحقق شـرطه‪ ،‬وقد اجتمع حاظر‬
‫ومبيح فغلبوا جانب الحظر احتياطًا للصالة‪.‬‬
‫وفيه قول ُ‬
‫ثان‪ :‬أنه يتم مسح مسافر؛ ألن األحاديث ذكرت المسافر وأطلقت‪،‬‬
‫فيصدق على كل مسافر‪ ،‬فلو مسح أربعة أوقات‪ ،‬ثم سافر‪ ،‬فيبقي له يومان ووقت‪،‬‬
‫والعربة بحاله وقت المسح ورجحه شـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬
‫(أو‪ :‬شك يف ابتِداءِ الم ِ‬
‫سح)‪ :‬يف السفر أم الحضـر‪ ،‬فالمذهب‪ :‬أنه يبني على‬
‫اإلقامة؛ ألهنا اليقين‪.‬‬
‫وعلى القول الثاين‪ :‬يبني على حالته التي هو فيها سفر ًا أو إقامة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ِّ‬
‫أكرث أىلع اخلف‪ .‬وال َي ِزئ‪ :‬مسح أسفلِ ِه‪ ،‬وع ِقبِ ِه‪ .‬وال‬ ‫ِ‬ ‫وَيب‪ :‬مسح‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫ُ َ ُّ‬
‫يسن)‪.‬‬
‫خف َأ ْو َلى ب ِ َ‬
‫الم ْسحِ‬ ‫الر ْأ ِى‪َ :‬ل َك َ‬
‫ان َأ ْس َف ُل ال ُ‬ ‫َان الدي ُن ب ِ ا‬ ‫لحديث َعلِي ﭬ َق َال‪َ « :‬ل ْو ك َ‬
‫ول اهللِ ﷺ يمسح َع َلى َظ ِ‬
‫اه ِر ُخ اف ْي ِه»(‪.)1‬‬ ‫مِ ْن َأ ْعالَ ُه‪َ ،‬و َقدْ َر َأ ْي ُت َر ُس َ‬
‫َْ َ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪- )162‬واللفظ له‪ ،-‬وأحمد (‪ )131‬نحوه‪ ،‬وقال ابن حار يف فتح الباري (‪:)122/4‬‬
‫«رجال إسناده ثقات»‪ .‬وقال يف تلخيص الحبير (‪« :)160/1‬إسناده ِحيح»‪ .‬وكذا قال أحمد شاكر يف‬
‫=‬

‫‪111‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪118‬‬

‫ولحديث المغيرة ﭬ قال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت النابِي ﷺ َي ْم َس ُح َع َلى ُ‬


‫الخ اف ْي ِن َع َلى‬ ‫ا‬
‫اه ِر ِه َما» [أخرجه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وِححه ](‪.)1‬‬
‫َظ ِ‬
‫خف َو َأ ْس َف َل ُه»(‪ .)2‬فقد ضعفه‬ ‫وأما حديث المغيرة‪َ « :‬أ ّن النبِي ﷺ َم َس َح َأ ْع َلى ال ُ‬
‫ّ‬
‫اإلمام أحمد وأبو زرعة والبخاري‪ ،‬وال يوجد يف مسح أسفل الخف حديث ثابت‪.‬‬
‫وِفة مسح الخف‪ :‬أن يمسح أعاله‪ ،‬وال يمسح أسفله‪ ،‬يبدأ من أِابع الرجل‬
‫إلى أول الساق‪ ،‬يبل يديه بالماء‪ ،‬ثم يمسح قدمه اليمنى بيده اليمنى والشمال‬
‫بالشمال ولو مسحهما باليدين جميعًا لااز ولو مسحهما بيد واحدة لااز‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل يمسحهما جميعًا أم يقدم اليمنى؟‬
‫األمر واسع واألِل حديث المغيرة‪َ « :‬و َم َس َح َع َلى ُخ اف ْي ِه»(‪ .)3‬فمن قال‪:‬‬
‫جميعًا؛ قال‪ :‬هذا يفهم من داللة الحديث‪ ،‬ومن قال‪ :‬يقدم اليمين؛ قال‪ :‬أنه بدل‬
‫الغسل فيأخذ حكمه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫ت‬ ‫ج ُب الغسل‪ .‬أو‪ :‬ظه َر بعض ُمل الف ِ‬
‫رض‪ .‬أو‪ :‬انقض ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ومَت حصل ما يو ِ‬
‫ض ُ‬ ‫ُ ه ُ ََ َ ُ ُ‬
‫وء)‪.‬‬ ‫المدة‪ :‬بطل الو‬
‫ذكر مبطالت المسح على الخف وأهنا ثالثة‪:‬‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫ج ُب الغسل)‪ :‬من جنابة أو حيض انقضت مدة المسح؛‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫(ومَت حص‬
‫ألن المسح يف الطهارة الصغرى دون الكربى؛ لحديث ِفوان بن عسال ﭬ‪:‬‬

‫=‬
‫تحقيقه لتفسـير الطربي (‪ )56/10‬برقم (‪ ،)11466‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)103‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪- )26‬واللفظ له‪ -‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪ ،‬و أبو داود (‪ ،)161‬وِححه األلباين يف‬
‫تخرياه لمشكاة المصابيح برقم (‪.)522‬‬
‫ول‪َ ...‬و َس َأ ْل ُت َأ َبا زُ ْرعَ َة َو ُم َح امدَ بن إسماعيل [البخاري]‬
‫يث َم ْع ُل ٌ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ )21‬وقال‪َ « :‬و َه َذا َحد ٌ‬
‫حيحُ »‪ .‬وأبو داود (‪ )165‬وقال‪« :‬وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث‬ ‫عن هذا الحديث؟ َف َقاال‪ :‬ليس بِص ِ‬
‫َ‬
‫من رجاء»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)163/1( )550‬وأبان عن علله ابن الملقن يف البدر المنير (‪ )20/3‬ونقل‬
‫تضعيف األئمة له كأحمد والبخاري وغيرهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)356‬ومسلم (‪.)214‬‬

‫‪116‬‬
‫‪119‬‬ ‫باب مسح اخلفني‬

‫ول اهللِ ﷺ َي ْأ ُم ُرنَا إ ِ َذا ُكناا ُم َسافِ ِري َن‪َ :‬أ ْن ن َْم َس َح َع َلى ِخ َفافِنَا‪َ ،‬و َ‬
‫ال َنن ِْز َع َها َثال َ َث َة‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫«ك َ‬
‫ال مِ ْن َجنَا َب ُة»(‪.)1‬‬ ‫َأيا ُم مِن َغائِ ُ‬
‫ط َو َب ْو ُل َون َْو ُم إِ ا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬
‫َ َ َ َ ُ َ َ ِّ َ‬
‫رض)‪ :‬بعد المسح عليها انقضت مدة المسح ولزمه أال‬ ‫(أو‪ :‬ظهر بعض ُمل الف ِ‬
‫يمسح عليها إال إذا أدخلهما طاهرتين لقوله‪َ « :‬أد َخ ْلـــ ُتهما َط ِ‬
‫اه َر َت ْي ِن»‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫مسألة‪ :‬وهل خلع الخف ينقض الوضوء؟‬
‫المذهب‪ :‬أنه ينتقض وضوؤه‪ ،‬ألن حكم ِ‬
‫الرجل يف األِل ال َغ ْسل‪ ،‬وإنما انتقل‬
‫إلى المسح بد ً‬
‫ال عن الغسل لتغطية القدم‪ ،‬فإذا خلع الخف فقد عاد الحكم إلى‬
‫وجوب الغسل واختاره الشـيخ ابن باز‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن خلع الخف ال ينقض الوضوء‪ ،‬بل هو ُ‬
‫باق على طهارته‪،‬‬
‫واختاره ابن حزم ورجحه شـيخ اإلسالم ابن تيمية وابن عثيمين‪ :‬ألن نقض الطهارة‬
‫بخلع الخف يحتاج إلى دليل‪ ،‬وال دليل يف نقضه هنا‪ ،‬واألِل بقاء الطهارة؛ ألن‬
‫الطهارة ثبتت بمقتضـى دليل شـرعي فال تنتقض إ ّ‬
‫ال بدليل شـرعي‪.‬‬
‫ض ُ‬‫ُ ه ُ ََ َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫وء)‪ :‬فانقضاء المدة ناقض للوضوء‪ ،‬ولو لم‬ ‫ت المدة‪ :‬بطل الو‬
‫(أو‪ :‬انقض ِ‬
‫يحدث على المذهب‪.‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم أن الطهارة ال تبطل بانتهاء المدة‪ ،‬ولكن ال يمسح عليها‪،‬‬
‫والدليل‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أن أحاديث التوقيت تضمنت وقت ابتداء وانتهاء المسح‪ ،‬ولم تتكلم عن‬
‫الطهارة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن هذا تطهر بمقتضـى الكتاب والسنة‪ ،‬فال تنتقض طهارته إال بدليل وال‬
‫دليل هنا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن الطهارة ال ينقضها إال حدث وما يلحق به مما دل عليه الكتاب‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪ ،)114‬وهذا لفظ النسائي‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪120‬‬

‫والسنة‪ ،‬وهذا ليس حدثًا وال بمعناه‪.‬‬


‫مسألة‪ :‬أيهما أفضل المسح على الخفين‪ ،‬أم غسل القدمين؟‬
‫األفضل أال يتكلف خالف حالته التي هو عليها‪ ،‬فإن كان البسًا للخف‬
‫فالمسح أفضل؛ ألنه رخصة واهلل يحب أن تؤتى رخصه‪ ،‬وإن كان غير البس‬
‫فالطهارة بالغسل أفضل منه‪ ،‬وهذا أعدل األقوال واختار هذا شـيخ اإلسالم وابن‬
‫القيم وقال يف زاد المعاد‪« :‬ولم يكن رسول اهلل ﷺ يتكلف ضد حاله التي هو‬
‫عليها‪ ،‬بل إن كانتا يف الخف مسح عليهما ولم ينزعهما‪ ،‬وإن كانتا مكشوفتين غسل‬
‫القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليهما»‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪121‬‬ ‫فصل يف أحكام اجلبرية‬

‫‪e‬‬ ‫ص ٌل‬
‫فَ ْ‬ ‫‪F‬‬
‫(يف أحكام اجلبرية)‬

‫هذا فصل عقده لبيان أحكام الابيرة؛ وهي‪ :‬األخشاب ونحوها توضع موضع‬
‫الكسـر أو الارح لكي ينارب أو يربأ‪:‬‬
‫ويلحق بالابيرة اللفافة على الارح يخاف الضرر بغسله‪.‬‬
‫ومذهب األئمة األربعة أن المسح على الابيرة مشـروع إذا توفرت شـروطه‪،‬‬
‫اب َر ُجالً مِناا‬ ‫ِ‬
‫ودليلهم‪ :‬حديث ِاحب الشاة‪َ :‬ع ْن َجابِ ُر َق َال‪َ :‬خ َر ْجنَا في َس َف ُر َف َأ َِ َ‬
‫ون لِي ُر ْخ َص ًة فِي‬ ‫هل َت ِادُ َ‬ ‫قال‪ْ :‬‬‫ِحا َب ُه؛ َف َ‬ ‫فس َأ َل َأ َ‬ ‫ثم اح َت َل َم‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َا ٌر َف َش اا ُه في َر ْأسه‪ ،‬ا‬
‫ِ‬ ‫لك رخص ًة و َأن َْت َت ِ‬
‫ات‪َ ،‬ف َل اما‬ ‫اغت ََس َل َف َم َ‬ ‫الماء‪َ ،‬ف ْ‬ ‫قد ُر ع َلى‬ ‫ال ات َي ُّم ِم؟ َف َقا ُلوا‪َ :‬ما نَادُ َ ُ َ َ‬
‫َق ِد ْمنَا َع َلى النابِي ﷺ ُأ ْخبِ َر بِ َذل ِ َك‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ق َت ُلو ُه ق َت َل ُه ُم اهلل! َأ ا‬
‫ال َس َأ ُلوا إِ ْذ َل ْم َي ْع َل ُموا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ـــعي الس َؤ ُال‪ ،‬إِنما ك َ ِ ِ‬ ‫َفإِناما ِش َفاء ا ْل ِ‬
‫ب ‪َ -‬ش اك‬ ‫َان َي ْكفيه َأ ْن َيت َي ام َم َو َي ْعصـر‪َ ،‬أ ْو َي ْعص َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مس َح َع َل ْيها‪َ ،‬و َي ْغس َل َسائ َر َج َسده» ‪.‬‬ ‫ثم َي َ‬‫ُموسـى‪ -‬ع َلى ُج ْرحه خ ْرقةً‪ ،‬ا‬
‫علي ﭬ على ما فيهما من‬ ‫وقالوا‪ :‬إن حديث جابر ﭬ بطريقيه مع حديث ن‬
‫الضعف يتعاضدان على شـرعية المسح على الابائر‪.‬‬
‫وقياسًا على المسح على الخفين‪ ،‬وعلى المسح على الشعر والعمامة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)336‬والدارقطني (‪ )162/1‬من حديث جابر وأعله وقال‪« :‬لم يروه عن عطاء عن‬
‫جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي»‪ .‬وقال البيهقي (‪« :)226/1‬وال يثبت عن النبي ﷺ يف هذا الباب‬
‫شـيء‪ ،‬وأِح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح ‪-‬الذي قد تقدم‪ -‬وليس بالقوي»‪ .‬وقال ابن حار يف‬
‫بلوغ المرام حديث رقم (‪« :)136‬رواه أبو داود بسند فيه ضعف‪ ،‬وفيه اختالف على رواته»‪ .‬وله شاهد من‬
‫حديث ابن عباس أخرجه أبو داود (‪ ،)331‬ابن ماجه (‪ ،)512‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)631‬وابن خزيمة‬
‫(‪ ،)213‬وابن حبان (‪.)1314‬‬

‫‪121‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪122‬‬

‫وألنه قول ابن عمر ولم يعرف له يف الصحابة مخالف فقد روي عنه‪َ « :‬أ ان ُه َت َو اض َأ‬
‫اب‪َ ،‬و َغ َس َل ِس َوى َذل ِ َك»(‪.)1‬‬ ‫و َك ُّفه معصوب ٌة َفمسح َع َليها و َع َلى ا ْل ِ‬
‫ـــع َص ِ‬ ‫َ ُ َْ ُ َ َ َ َ َْ َ‬
‫قال ابن المنذر‪« :‬وأكثر أهل العلم يايزون المسح على الابائر‪ ،‬ولست أحفظ‬
‫عن أحد أنه منع من المسح على الابائر‪ ،‬وهذه كاإلجماع من أهل العلم يف باب‬
‫المسح على الابائر‪ ،‬إال ما ذكرته من أحد قولي الشافعي‪ ،‬وما روي عن ابن‬
‫سـيرين‪ ،‬فالمسح على الابائر جائز‪.»...‬‬
‫وقال شـيخ اإلسالم‪« :‬الابيرة يمسح عليها وإن شدها على حدث عند أكثر‬
‫العلماء‪ ،‬وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو الصواب»‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪« :‬فإن مسح الابيرة يقوم مقام غسل نفس العضو‪ ،‬فإهنا لما لم‬
‫يمكن نزعها إال بضـرر ِارت بمنزلة الالد وشعر الرأس وظفر اليد والرجل‪،‬‬
‫بخالف الخف فانه يمكنه نزعه وغسل القدم‪ ،‬ولهذا كان مسح الابيرة واجبًا‬
‫ومسح الخفين جائز ًا‪ ،‬إن شاء مسح وان شاء خلع»‪.‬‬
‫فالمسح على الخفين يقوي القول بالمسح على الابائر؛ ألن المسح على‬
‫الخفين مسح لغير ضـرورة‪ ،‬بل هو من باب اإلرفاق ورحمة اهلل تعالى بعباده‬
‫واإلحسان إليهم‪ ،‬والتيسـير عليهم‪ ،‬فإذا جاز المسح على الخفين من غير ضـرورة‪،‬‬
‫فاوازه على الابائر التي هي موضع ضـرورة من باب أولى‪.‬‬
‫ُ َ َ ْ َ َ‬
‫ض َع َها ىلع َط َه َ‬ ‫َ‬
‫ارة)‪.‬‬ ‫حب اجلبرية ِ‪ :‬إن و‬
‫قوهل‪( :‬وصا ِ‬
‫هذه الرواية األولى‪ :‬أنه يشرتأ وضع الابيرة على طهارة قياسًا على الخفين‪.‬‬
‫والرواية الثانية أنه ال يشرتأ وضعها على طهارة ورجحها ابن تيمية؛ ألمور‪:‬‬
‫ال‪ :‬أن المسح عليها عزيمة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أهنا تأيت غالبًا فاأة ويصعب يف تلك اللحظة أن يتطهر المصاب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أنه ال يوجد دليل على اشرتاأ وضعها على طهارة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي (‪ ،)1012‬وِححه عن ابن عمر موقوفًا‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪123‬‬ ‫فصل يف أحكام اجلبرية‬

‫وهذا األرجح واختارها ابن تيمية وابن عثيمين وابن جربين(‪.)1‬‬


‫َ َ َ َ ْ ََه َ َ‬
‫احلاج ِة)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ولم تتجاوز ُمل‬
‫ومحل الحاجة هو الارح أو الكسـر وما حوله مما يحتاج إليه يف شد الابيرة‪.‬‬
‫فإذا كانت الابيرة على قدر الحاجة فإنه يكفي عند الوضوء مسحها‪.‬‬
‫و إن زادة عن الحاجة‪ :‬نزع الزائد ليقوم بغسله ومسح على الباقي‪ ،‬فإن لم يقدر‬
‫وتضرر من نزعها ففيه خالف‪.‬‬
‫فاألظهر‪ :‬أنه يكفيه المسح عليه؛ وال يامع بين الوضوء والتيمم ألهنما عبادتان‬
‫يف موضع واحد فال تاتمعان‪ ،‬بل تكفي أحدهما عن األخرى وال دليل على إلزامه‬
‫بامعهما وهذا رواية عن اإلمام أحمد ومذهب الحنفية والمالكية‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ه‬
‫قوهل‪( :‬غ َسل الصحيح‪ ،‬ومسح عليها بالماءِ‪ ،‬وأجزأ)‪.‬‬
‫بين ِفة المسح على الابيرة‪ ،‬وهي أن يغسل أعضاء الوضوء بالماء‪ ،‬ويمسح‬
‫الابيرة أو اللفافة‪ ،‬ومثله إذا كان الارح مفتوحًا ويضـره الغسل فإنه يكتفي‬
‫بمسحه مع غسل سائر األعضاء‪.‬‬
‫ْ َََه َ َ‬ ‫ه َ ََ َ ْ‬
‫قوهل‪( :‬وإال وج َب مع الغس ِل‪ :‬أن يتيمم َلا)‪.‬‬
‫أي إذا زادت الابيرة عن الحاجة‪ ،‬وتضرر من نزع الزائد‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه يامع بين المسح مع الوضوء والتيمم‪ ،‬فيتوضأ ويمسح محل‬
‫الابيرة ويتيمم للقدر الزائد عن الحاجة احتياطًا للعبادة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه إن تضـرر من نزع الزائد فإنه يكفيه المسح عليه‪ ،‬وهذا رواية عن‬
‫اإلمام أحمد وهو مذهب الحنفية والمالكية؛ ألن التيمم والوضوء عبادتان يف موضع‬
‫واحد فال تاتمعان بل تكفي أحدهما عن األخرى‪ ،‬وال دليل على إلزامه بامعهما‪.‬‬
‫َ َ ه ََ ُ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫تج َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫غسل‪ ،‬ويمسح‪،‬‬ ‫او ِز المحل‪ ،‬في ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وال مسح ما لم توضع ىلع طهارة وت‬
‫َََه‬
‫ويتيم ُم)‪.‬‬
‫فالمذهب يشرتأ للمسح على الابيرة شرطان وضعها على طهارة‪ ،‬وأال‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪ ،)143/1‬الممتع (‪ ،)204/1‬شفاء العليل (‪.)265/1‬‬

‫‪123‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪124‬‬

‫تتااوز محل الحاجة فإن اختل أحدهما لزمه غسل الصحيح ويمسح على الابيرة‬
‫ويتيمم للعضو الذي لم تتوفر فيه شروأ الرخصة‪.‬‬
‫وتقدمت الرواية الثانية يف الشرطين وأن وضعها على طهارة ليس شرطًا‪ ،‬وكذا‬
‫إن شق نزع الزائد وتضـرر‪ ،‬كفاه المسح عليه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬عضو الوضوء الذي أِـيب بارح ونحوه له حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون مستور ًا‪ ،‬فيكفي المسح على الابيرة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون مكشوفًا‪ ،‬فله ثالث حاالت‪:‬‬
‫فإن كان ال يضـره الغسل‪ ،‬وجب غسله‪.‬‬
‫وإن كان يضـره الغسل وجب مسحه‪.‬‬
‫وإن كان يضـره الغسل والمسح‪ ،‬فيتيمم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ويفارق مسح الابيرة مسح الخف يف أشـياء‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن المسح على الابيرة عزيمة‪ ،‬والمسح على الخف رخصة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن المسح على الابيرة غير مؤقت‪ ،‬فله على الصحيح أن يمسح عليها‬
‫حتى يزول العذر ولو بقيت شهر ًا‪ ،‬والمسح على الخف مؤقت‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن المسح على الابيرة يف الطهارتين الكربى والصغرى‪ ،‬أما المسح‬
‫على الخف ففي الصغرى فقط‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الابيرة ال بد من مسحها كلها أعالها وأسفلها‪ ،‬أما الخف فيمسح أعاله‬
‫فقط‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬الابيرة اختلف يف اشرتاأ تقدم الطهارة على روايتين‪ ،‬والخف‬
‫يشرتأ له ذلك‪.‬‬
‫السادس‪ :‬المسح على الخفين متعلق بالقدمين فقط وأما الابيرة فقد تكون يف‬
‫الرجلين أو غيرهما(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)116/21‬‬

‫‪124‬‬
‫‪125‬‬ ‫باب نواقض الوضوء‬

‫‪e‬‬ ‫ض الوُضُوءِ‬
‫ب نَواقِ ِ‬
‫با ُ‬ ‫‪F‬‬
‫َ ََ ٌَ‬
‫ويه ثمانِية)‪.‬‬
‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫عادة العلماء أن يذكروا الوضوء وأحكامه‪ ،‬ثم يعقبوه بنواقضه‪ ،‬وذكر هنا أهنا‬
‫ثمانية‪.‬‬
‫والوضوء ال يبطل إال بناقض دل عليه الشـرع؛ ولذا فالنواقض نوعان‪:‬‬
‫ناقض دل عليه الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وناقض مختلف فيه‪ ،‬وال يوجد دليل يعضده فاألِل عدم النقض‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫اكن أو َكثِ ً‬
‫ريا‪ ،‬طاه ً‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫َنسا)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫ا‬‫ِر‬ ‫يال‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬
‫ارج مِن السبيل ِ‬
‫قوهل‪( :‬أحدها‪ :‬اخل ِ‬
‫الخارج من السبيلين ناقض للوضوء سواء كان من القبل أو الدبر قليالً أو كثير ًا‬
‫طاهر ًا أو ناسًا؛ مثل البول والمني والمذي والحيض والريح‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬استقراء النصوص؛ ومنها‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾‬
‫[المائدة‪ .]6 :‬وحديث ِفوان بن عسال ﭬ‪« :‬و َلكِن مِن َغائِ ُ‬
‫ط‪َ ،‬و َب ْو ُ‬
‫ل‪َ ،‬ون َْو ُم» [أخرجه‬ ‫ْ ْ‬
‫الرتمذي‪ ،‬وِححه]‪.‬‬
‫وقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َو َجدَ َأ َحدُ ُك ْم فِي َب ْطن ِ ِه شـي ًئا‪َ ،‬ف َأ ْش َك َل َع َل ْي ِه‪َ :‬أ َخ َر َج مِنْ ُه‬
‫يحا» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫ادَ ِر ً‬ ‫ا ِد َحتاى َيسم َع َِ ْو ًتا َأ ْو َي ِ‬ ‫ال؟ َفالَ َي ْخر َج ان مِ َن المس ِ‬
‫شـي ٌء َأ ْم َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫وقول رسول اهلل ﷺ يف المذي‪َ « :‬ي ْغ ِس ُل َذك ََر ُه َو َيت ََو اض ُأ»‪.‬‬
‫ونقل ابن المنذر اإلجماع على انتقاضه بالبول والمني والمذي‪.‬‬
‫واختلفوا يف األحداث الدائمة كاالستحاضة وسلس البول هل تنقض الوضوء‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪- )362‬واللفظ له‪ -‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وأخرجه البخاري (‪،)131‬‬
‫ومسلم (‪ )361‬من حديث عبد اهلل بن زيد ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪126‬‬

‫أم ال؟‬
‫فالمذهب‪ :‬أهنا تنقض وياب فيها الوضوء لوقت كل ِالة‪ ،‬وهو مذهب‬
‫الحنفية والشافعية وبه أفتت اللانة الدائمة‪.‬‬
‫لما رواه البخاري من حديث عائشة أن رسول اهلل ﷺ قال لفاطمة بنت أبي‬
‫ِ‬ ‫حبيش‪ُ « :‬ثم َت َو اضئِي ل ِ ُكل َِال َُة َحتاى َي ِ‬
‫اي َء َذل َك ا ْل َ‬
‫ـــو ْق ُت»(‪ .)1‬واألِل يف األمر‬ ‫ا‬
‫الوجوب إال لصارف‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أهنا ال تنقض والوضوء منها مستحب‪ ،‬وهو مذهب اإلمام مالك‬
‫وربيعة ورجحه ابن عبد الرب وابن عثيمين‪.‬‬
‫واحتاوا بأن من به حدث دائم لو تطهر لم يرتفع حدثه‪ ،‬فإذا كان كذلك‬
‫فوضوئه لالستحباب‪.‬‬
‫وبأن رواية البخاري أعلها مسلم والنسائي والبيهقي وأبو داود وابن رجب‬
‫والزيلعي‪ ،‬وحكموا عليها باإلدراج‪.‬‬
‫وأن خروج الدم ليس من فعل اإلنسان‪ ،‬والشـرع ال يؤاخذه على ما ليس من‬
‫فعله وال قصده‪.‬‬
‫وأن األِل عدم الوجوب إال لدليل ِـريح ِحيح والدليل هنا غير متوفر‪.‬‬
‫وهذا القول قوي‪ ،‬وإن كان يف المحافظة على الوضوء لوقت كل ِالة‬
‫احتياأ؛ ألن الحديث خرجه البخاري‪.‬‬
‫ً ََ َ‬ ‫ْ َ َ ً‬ ‫َ ه ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬
‫قوهل‪( :‬اثل ِاين‪ :‬خ ُروج انلهجاس ِة مِن ب ِقي ِة ابلد ِن‪ .‬فإن اكن بوال أو اغئ ِطا‪ :‬نقض‬
‫ُ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ َ َ ََُ‬ ‫ُ ًَ‬
‫فس ُك أحد‬ ‫ريهما‪ ،‬اكدل ِم والَقءِ‪ :‬نقض إن فحش يف ن ِ‬ ‫مطلقا‪ .‬وإن اكن غ‬
‫َ‬
‫حبَسبِ ِه)‪.‬‬
‫فخروج النااسة من غير السبيلين‪ ،‬مثل الفم واألنف المذهب أهنا قسمان‪.‬‬
‫ال أو غائطًا فإهنا تنقض الوضوء لدخولها يف عمومات النصوص‪.‬‬ ‫إن كانت بو ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)226‬‬

‫‪126‬‬
‫‪127‬‬ ‫باب نواقض الوضوء‬

‫وإن كانت غير بول وال غائط؛ كالدم والقيء فينقض إن فحش‪ ،‬وال ينقض إن‬
‫كان يسير ًا‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َقا َء‪َ ،‬فت ََو اض َأ»(‪.)1‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بحديث‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫والقول الثاين‪ :‬أن الخارج من غير السبيلين ال ينقض مطلقًا قل أو كثر إال البول‬
‫والغائط‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام أحمد وهو مذهب المالكية والشافعية واختاره‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،،‬والشوكاين واأللباين و ابن عثيمين(‪ ,)2‬والدليل‪:‬‬
‫ال‪ :‬أن األِل عدم النقض إال بدليل‪.‬‬‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أن طهارته ثبتت بدليل شـرعي فال تنقض إال بدليل شـرعي‪.‬‬
‫ـــم ْس َو ِر ْب ِن َم ْخ َر َم َة‪َ « :‬أ ان‬ ‫ثالثًا‪ :‬أنه وجدت أدلة تخالف هذا‪ ،‬ففي الموطأ َع ِن ا ْل ِ‬
‫ب َد ًما»(‪.)3‬‬ ‫ُع َم َر َِ الــى َو ُج ْر ُح ُه َي ْث َع ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ ...‬فن ََز َل النابِي ﷺ‬
‫ويف سنن أبي داود عن جابِ ُر َق َال‪َ « :‬خرجنَا مع رس ِ ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ار‪...‬‬ ‫اج ِري َن َو َر ُج ٌل مِ َن األَن َْص ِ‬ ‫ال‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬م ْن ر ُج ٌل َي ْك َل ُؤنَا؟ َفا ْنتَدَ َب ر ُج ٌل مِ َن الم َه ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َمن ِْز ً‬
‫ار ُّي ُي َصلي‪،‬‬ ‫اج ِر ُّي َو َقا َم األَن َْص ِ‬ ‫اض َط َا َع الم َه ِ‬
‫ُ‬ ‫ب ْ‬ ‫الر ُجال َِن إ ِ َلى َف ِم الش ْع ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َل اما َخ َر َج ا‬
‫ف َأ ان ُه َربِي َئ ٌة ل ِ ْلـــ َق ْو ِم(‪َ ،)4‬ف َر َما ُه‬ ‫الر ُج ُل ‪-‬أي المشـرل‪َ -‬ف َل اما َر َأى َش ْخ َص ُه َع َر َ‬ ‫َو َأ َتى ا‬
‫اح ُب ُه‪،‬‬‫يه‪َ ،‬فن ََز َعه حتاى رماه بِ َثالَ َث ِة َأسه ُم‪ُ ،‬ثم ركَع وسادَ ‪ُ ،‬ثم ا ْن َتبه ِ ِ‬ ‫بِسه ُم َفو َضعه فِ ِ‬
‫ا ََ َ‬ ‫ا َ َ َ َ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ َ َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َُ‬
‫اري مِ َن الدا مِ‪،‬‬ ‫اج ِر ُّي َما بِاألَن َْص ِ‬ ‫ف َأ ان ُهم َقدْ ن َِذروا ب ِ ِه َهر َب‪َ ،‬و َلما ر َأى الم َه ِ‬
‫ُ‬ ‫ا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َف َل اما َع َر َ‬
‫ب َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ال َأ ْنبهتَنِي َأو َل ما رمى؟ َق َال‪ُ :‬كن ُْت فِي س ُ‬ ‫َق َال‪ :‬سبح َ ِ‬
‫ورة َأ ْق َر ُأ َها‪َ ،‬ف َل ْم ُأح ا‬ ‫ُ َ‬ ‫ا َ َ َ‬ ‫ان اهلل! َأ َ َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬

‫ُ‬
‫شـيء يف هذا‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ )61‬وقال‪« :‬وقد َج او َد ُحسـي ٌن ا ْل ُم َعل ُم هذا الحديث َو َح ِد ُ‬
‫يث ُح ُ‬
‫سـين َأ َِ ُّح‬
‫ب»‪ .‬وأبو داود (‪ ،)2361‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)3120‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)1256‬وابن حبان‬ ‫ا ْل َبا ِ‬
‫(‪ ،)1021‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪)111‬‬
‫(‪ )2‬االختيارات ص (‪ ،)16‬السـيل الارار (‪ ،)26/1‬الممتع (‪.)224/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مالك يف الموطأ (‪ ،)62‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)560‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪،)6366‬‬
‫والدارقطني يف سننه (‪ ،)224/1‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)202‬‬
‫(‪ )4‬وهو الرقيب الذي يشـرف على المرقب ينظر العدو من أي وجه يأيت فينذر أِحابه‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪128‬‬

‫َأ ْق َط َع َها»(‪.)1‬‬
‫وروى البخاري معلقًا عن ابن عمر ﭭ‪ :‬أنه عصـر بثرة يف وجهه وخرج منها‬
‫شـيء من الدم ولم يتوضأ(‪.)2‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َقا َء َفت ََو اض َأ»‪ .‬فعلى التسليم‬
‫وأما حديث أبي الدرداء ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫بصحته‪ ،‬فإنه ال يدل على النقض؛ ألنه مارد فعل‪ ،‬واألِل أن الفعل ال يدل على‬
‫الوجوب‪ ،‬بل يدل على مشـروعية التأسـي به‪ ،‬وأما الوجوب فالبد لـه من دليل‬
‫آخر‪ ،‬وخاِة أنه وجدت أدلة تخالف كما سبق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ َ َ ُ َ‬
‫قل‪ ،‬أو تغ ِطيته بـإغماء أو نوم‪ ،‬ما لم يك ِن انلهوم‬ ‫ِ‬ ‫الع‬ ‫قوهل‪( :‬اثلال ِث‪ :‬زوال‬
‫َ ً ُ ً‬
‫ريا ع ْرفا مِن جال ِس وقائ ِم)‪.‬‬‫ي ِس‬
‫هذا الناقض الثالث‪ :‬ألن العبد لو خرج منه شـيء لم يشعر به‪ ،‬وتغطية العقل‬
‫قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون بانون أو إغماء‪ ،‬فهذا ينقض قليله وكثيره؛ وقد نقل ابن‬
‫المنذر إجماع العلماء على‪ :‬أن من زال عقله بانون أو أغمي عليه بمرض ونحوه‬
‫أن عليه الوضوء؛ ألنه لو خرج منه شـيء لم يشعر به‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ لما أغمي‬
‫عليه وأراد القيام للصالة أغتسل(‪.)3‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكون بالنوم‪ ،‬فالمذهب أن النوم الذي يزول معه اإلحساس ينقض‬
‫الوضوء‪ ،‬وأما النوم اليسـير عرفًا من جالس وقائم فال ينقضه وبه تاتمع األدلة‪.‬‬
‫ان ْب ِن‬ ‫فيحمل ما جاء من األدلة على نقض الوضوء بالنوم يف حديث َِ ْف َو َ‬
‫ال مِ ْن َجنَا َب ُة‪،‬‬‫ال َنن ِْز َع ِخ َفا َفنَا َثالَ َث َة َأ ايامُ‪ ،‬إِ ا‬
‫َان النابِي ﷺ َي ْأ ُم ُرنَا َأ ْن َ‬
‫ُّ‬
‫َعس ُ‬
‫ال ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫ا‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)126‬وأحمد (‪ ،)14145‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)36‬وابن حبان (‪ ،)1026‬والحاكم‬
‫(‪ ،)551‬وقال‪ِ« :‬حيح اإلسناد»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره البخاري معلقًا (‪ ،)16/1‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)1462‬والبيهقي يف سننه الكربى (‪،)650‬‬
‫قال الحافظ ابن حار يف فتح الباري (‪« :)262/1‬وِله ابن أبي شـيبة بإسناد ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذا المعنى هو طرف من حديث عائشة ڤ؛ أخرجه البخاري (‪ ،)655‬ومسلم (‪.)416‬‬

‫‪126‬‬
‫‪129‬‬ ‫باب نواقض الوضوء‬

‫َلكِن مِن َغائِ ُ‬


‫ط‪َ ،‬وبَ ْو ُل‪َ ،‬ون َْو ُم»(‪.)1‬‬ ‫ْ ْ‬
‫الس ِه‪:‬‬
‫ول اهلل ﷺ‪ِ « :‬وكَا ُء ا‬ ‫وحديث َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ‬
‫ب ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ّ‬
‫ْ (‪)2‬‬
‫َان‪َ ،‬ف َم ْن نَا َم َف ْلـ َيت ََو اضأ» ‪ .‬محمول على ما يزول معه اإلحساس‪.‬‬ ‫ا ْلـــعين ِ‬
‫َْ‬
‫ويحمل ما حصل من الصحابة من النوم وعدم الوضوء على غير المستغرق‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ْت َِ َال ُة ا ْلع َشاء َف َق َال َر ُج ٌل‪ :‬لي َح َ‬
‫اج ٌة َف َقا َم‬ ‫َس‪َ ،‬أ ان ُه َق َال‪ُ « :‬أق َ‬ ‫كما عند مسلم َع ْن َأن ُ‬
‫َاج ِ‬
‫يه َحتاى نَا َم ا ْل َق ْو ُم ‪َ -‬أ ْو َب ْع ُض ا ْل َق ْو ِم‪ُ -‬ث ام َِ ال ْوا»‪.‬‬ ‫النابِي ﷺ ُين ِ‬
‫ُّ‬
‫ون َو َال‬ ‫ون ُث ام ُي َص ُّل َ‬ ‫ِ‬
‫اب َر ُسول اهلل ﷺ َينَا ُم َ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ويف رواية له قال‪« :‬ك َ‬
‫َان أ ِْ َح ُ‬
‫َيت ََو اض ُئ َ‬
‫ون»‪.‬‬
‫وعليه فالنوم له حاالت ثالث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن ينام مضطاعًا مستغرقًا فينتقض وضوؤه‪ ،‬نقل اإلجماع على ذلك‬
‫ابن عبد الرب وابن قدامة(‪.)3‬‬
‫الثانية‪ :‬إن ينام يسـير ًا متمكنًا من مقعدته؛ كالاالس والقائم فال ينقض الوضوء‬
‫عند األئمة األربعة؛ ألن النوم ليس بحدث يف نفسه ولكنه مظنة الحدث وعليه‬
‫ول اهللِ ﷺ َينَا ُم َ‬
‫ون ُث ام ُي َص ُّل َ‬
‫ون َو َال‬ ‫اب رس ِ‬
‫َان َأ ِْ َح ُ َ ُ‬
‫يحمل حديث أنس عند مسلم‪« :‬ك َ‬
‫َيت ََو اض ُئ َ‬
‫ون»‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬ما سوى ذلك كالمستغرق القاعد ففيه خالف‪ ،‬والمذهب قيدوا الذي ال‬
‫ينقض باليسير من القاعد أو القائم ألنه ال يزول معه اإلحساس غالبًا‪ ،‬وأما‬
‫المستيقظ فيزول معه اإلحساس غالبًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)114‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)203‬وابن ماجه (‪ ،)411‬وأحمد (‪ ،)661‬قال أبو حاتم الرازي‪-‬كما نقل عنه ابنه يف‬
‫العلل (‪« :-)41/1‬ليس بقوي»‪ .‬ونقل ابن الملقن يف البدر المنير (‪ )432/2‬كالم أحمد وتحسـين المنذري‬
‫وابن الصالح للحديث؛ ثم قال‪« :‬وال يخفى ما فيه»‪ .‬وحسنه النووي يف الخالِة (‪ ،)132/1‬وابن باز يف‬
‫ماموع الفتاوى له (‪ ،)144/10‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)113‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)161/1‬التمهيد (‪.)302/3‬‬

‫‪122‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪130‬‬

‫فالنوم إن كان يسـير ًا يشعر بما يخرج منه لم ينقض‪ ،‬و إن كان كثير ًا مستغرقًا‬
‫فإنه ينقض‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم(‪.)1‬‬
‫َ ِّ ُ ه َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه ُ َ ُّ ُ َ‬
‫يم‪ ،‬المت ِصل‪ ،‬بِال حائ ِل‪ ،‬أو‬ ‫الرابِــع‪ :‬مسه بِي ِده ِ ‪-‬ال ظف ِره ِ‪ -‬فرج اآلد ِ‬‫قوهل‪( :‬‬
‫َ‬ ‫َ ُّ َ َ ِّ َ‬ ‫ُ ْ ََ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ َْ َ ُُ‬
‫رج ابلائ ِِن)‪.‬‬
‫ي‪ .‬وال‪ :‬مس ُمل الف ِ‬ ‫حلقة دب ِره‪ .‬ال‪ :‬مس اخلصيت ِ‬
‫فمس الذكر باليد بال حائل ينقض الوضوء مطلقًا لشهوة أو لغير شهوة‪ ،‬هذا‬
‫المذهب ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وطائفة من أهل‬
‫الحديث‪ ،‬واختاره ابن القيم‪ ،‬واللانة الدائمة‪.‬‬
‫ول‪َ « :‬م ْن‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ان َأن َاها َس ِم َع ْت َر ُس َ‬
‫ْت َِ ْف َو َ‬‫واستدلوا‪ :‬بحديث بسـر َة بِن ِ‬
‫ُ‬
‫َم اس َذك ََر ُه َف ْل َيت ََو اض ْأ» [رواه األربعة‪ ،‬وِححه الرتمذي](‪.)2‬‬
‫ـــق ْب ِن َعلِ ني ﭬ قال‪َ :‬ق ِد ْمنَا على َنبِي اهلل ﷺ َف َاا َء َر ُج ٌل ك ََأ ان ُه‬ ‫وأما حديث َط ْل ِ‬
‫الر ُج ِل َذك ََر ُه َب ْعدَ ما َيت ََو اض ُأ؟ فقال‪« :‬هل هو‬ ‫َبدَ ِو ٌّي؛ فقال‪ :‬يا َنبِ اي اهلل! ما َت َرى يف َمس ا‬
‫إال ُم ْض َغ ٌة منه‪ ،‬أو قال‪َ :‬ب ْض َع ٌة منه»(‪.)3‬‬
‫فحديث بسـرة مقدم عليه وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن حديث بسرة أِح وحديث طلق بن علي ضعفه اإلمام الشافعي وأبو‬
‫حاتم وأبوزرعة والدارقطني والبيهقي وابن القيم لحال قيس بن طلق‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)226/21‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪- )161‬واللفظ له‪ ،-‬والنسائي (‪ ،)441‬وابن ماجه (‪ ،)412‬والرتمذي (‪ ،)62‬وقال‪:‬‬
‫«حسن ِحيح»‪ .‬ونقل قول البخاري‪« :‬وأِح شـيء يف هذا الباب حديث بسـرة»‪ .‬وِححه ابن حبان‬
‫(‪ ،)1116‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)414‬والبيهقي يف معرفة اآلثار والسنن (‪ ،)234 ،222/1‬وأحمد‬
‫وابن معين والحازمي ‪-‬كما نقل عنهم ابن حار يف تلخيص الحبير (‪ ،-)122/1‬واأللباين يف إرواء الغليل‬
‫برقم (‪.)116‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪- )162‬واللفظ له‪ ،-‬والرتمذي (‪ ،)65‬والنسائي (‪ ،)165‬وابن ماجه (‪ .)463‬وهذا‬
‫حديث مختلف فيه‪ :‬فصححه الفالس وابن المديني وجماعة‪ ،‬وضعفه آخرون منهم‪ :‬الشافعي وأبو حاتم‬
‫وأبو زرعة والدارقطني‪ .‬انظر‪ :‬البدر المنير البن الملقن (‪ ،)466 ،465/2‬والتلخيص الحبير البن حار‬
‫(‪.)125/1‬‬

‫‪130‬‬
‫‪131‬‬ ‫باب نواقض الوضوء‬

‫الثاين‪ :‬أن رواة النقض بمس الذكر أكثر‪ ،‬وأحاديثه أشهر‪.‬‬


‫الثالث‪ :‬أن داللة حديث بسـرة؛ قال به كثير من الصحابة‪ ،‬منهم عمر وابن عمر‬
‫وأبو هريرة والرباء بن عازب وزيد بن خالد وجابر بن عبد اهلل وسعد بن أبي‬
‫وقاص‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه لو ِح حديث طلق فإن حديث بسـرة ناسخ له؛ ألن طلقًا قدم‬
‫المدينة وهم يبنون المساد فذكر الحديث وفيه قصة مس الذكر‪ ،‬وقد روى أبو‬
‫هريرة مثل حديث بسـرة وهو إنما أسلم عام خيرب‪ ،‬وإنما يؤخذ باألحدث‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن حديث‪َ « :‬م ْن َم اس َذك ََر ُه َف ْلـــ َيت ََو اض ْأ»‪ .‬فيه احتياأ وِـيانة للصالة‬
‫التي هي أعظم أركان اإلسالم بعد الشهادتين فالعمل به أسلم‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن حديث طلق بن علي ينفي وجوب الوضوء‪ ،‬وحديث أبي هريرة‬
‫وبسـرة يثبت الوضوء‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أن المثبت مقدم على النايف‪ .‬وأدلة اإلثبات أقوى من أدلة النفي لهذا‬
‫كله يرتجح القول بأن مس الذكر يعترب ناقضًا للوضوء مطلقًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يم)‪ :‬يشمل الذكر واألنثى فإذا مست المرأة فرجها‪ ،‬انتقض‬ ‫اآلد ِ ِّ‬ ‫(ف ْرج‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬م ْن َم اس َف ْر َج ُه‪،‬‬ ‫وضوؤها؛ لحديث ُأم َحبِي َبةَ‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫َف ْلـــ َيت ََو اض ْأ» خرجه ابن ماجه(‪ ،)1‬وهذا دليل على أن النساء داخالت يف األمر‬
‫كالرجال‪.‬‬
‫ويستوي يف الحكم أن يمس ذكره أو ذكر غيره‪ ،‬فإنه ينتقض وضوئه بذلك‬
‫قياسًا على مس ذكره؛ وبه قال أكثر العلماء القائلين بوجوب الوضوء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا مست المرأة فرج طفلها‪ ،‬فهل ينتقض وضوؤها؟‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ، )461‬والبيهقي يف سننه الكربى (‪ ، )611‬قال ابن حار يف الدراية يف تخريج أحاديث‬
‫الهداية (‪« :)36/1‬ورجاله ثقات»‪ .‬ونقل يف التلخيص الحبير (‪ )142/1‬تصحيح أحمد وأبي زرعة‬
‫والحاكم وابن السكن للحديث؛ وذكر أيضا من ضعفه‪ ،‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)111‬‬

‫‪131‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪132‬‬

‫ظاهر المذهب أن عليها الوضوء؛ ألهنم يرون النقض مطلقًا؛ ألن النص وارد‬
‫باإلطالق‪ ،‬ويف حكم ذلك مس اإلنسان ذكره ولو تكرر‪ ،‬وبنا ًء عليه فإنه ينتقض‬
‫وضوؤها يف جميع هذه الصور‪ ،‬وبه أفتى الشـيخ محمد بن إبراهيم واللانة‬
‫الدائمة‪.‬‬
‫وقيل بالتخفيف يف هذا وهو قوي لعدم قصد اللذة ولعموم البلوى به‪ ،‬ومع‬
‫ذلك لم يبين النبي ﷺ فيه شـيئًا‪ ،‬وما سكت عنه فهو عفو‪ ،‬وهذا اختيار شـيخ‬
‫اإلسالم وابن عثيمين وابن جربين‪ ،‬وهؤالء ألهنم يرونه مستحبًا‪ ،‬وال يرون‬
‫الوجوب إال مع الشهوة وهي معدومة هنا‪.‬‬
‫وكذا فرج البهيمة ال ينقض مسه الوضوء ألنه ليس منصوًِا عليه وال يف‬
‫معناه‪.‬‬
‫َ َْ َ ُُ‬
‫(أو حلقة دب ِره)‪ :‬الحقوها بمس الذكر؛ لعموم حديث‪َ « :‬م ْن َم اس َف ْر َج ُه‪،‬‬
‫َف ْلـــ َيت ََو اض ْأ»‪.‬‬
‫رج َ‬ ‫َ ُّ َ َ ِّ َ‬ ‫ُ ْ ََ‬ ‫َ ُّ‬
‫ابلائ ِِن)‪ :‬فال ُيلحق بالذكر غيره مما‬ ‫ي‪ .‬وال‪ :‬مس ُمل الف ِ‬
‫(ال‪ :‬مس اخلصيت ِ‬
‫جاوره من األعضاء فالحكم يختص بالعضو دون غيره؛ ألن الحديث جاء بمس‬
‫الذكر‪ ،‬فمس الخصـيتين ال ينقض الوضوء‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫نَث اذلك َر؛ ل ِش َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َْ ُ ََ َ ه َ‬
‫ري‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫هو‬ ‫األ‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫نَث‬ ‫األ‬ ‫ر‬
‫قوهل‪( :‬اخلام َِس‪ :‬لمس بَش ُة ِ اذل ِّ ً ِ‬
‫ك‬
‫َْ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ََْ ً‬ ‫َ ُ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫حائ ِل‪ ،‬ولو اكن الملموس ميتا‪ ،‬أو عجوزا‪ ،‬أو ُمرما‪ .‬ال‪ :‬لمس من دون‬
‫َ‬ ‫هْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٍّ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫سبع‪ .‬وال‪ :‬ملس ِسن‪ ،‬وظفر‪ ،‬وشعر‪ .‬وال اللمس بذل ِك)‪.‬‬
‫ف لمس بشـرة الذكر األنثى أو العكس لشهوة من غير حائل ينقض الوضوء‪ ،‬ولو‬
‫كان الممسوس ميتًا أو َمحرمًا أو عاوز ًا‪.‬‬
‫وأما مسها لغير شهوة فال ينقض الوضوء‪ ،‬وهذا المذهب والحنابلة‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [النساء‪ ،]43 :‬وفسـروها باللمس‬
‫والقبلة‪ ،‬كما روي ذلك عن ابن مسعود‪ ،‬وحملوه على ما كان بشهوة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪133‬‬ ‫باب نواقض الوضوء‬

‫القول الثاين‪ :‬أن مس المرأة ال ينقض مطلقًا ولو كان لشهوة؛ وبه قال ابن‬
‫عباس‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪ ،‬واختاره ابن تيمية‪ ،‬واللانة الدائمة وهو األظهر‬
‫فإن خرج منه مذي انتقض الوضوء للمذي ال للمس‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ﴾ فسـره علي وابن عباس بالاماع‪،‬‬
‫ورجح ذلك شـيخ اإلسالم لعدة قرائن‪ ،‬وليس هنال نص ِريح يدل على النقض‬
‫بالمس مع عموم البلوى به واألِل عدم النقض وهنال نصوص تدل على لمس‬
‫الرسول زوجته أو العكس ولم يتوضأ‪.‬‬
‫وثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه مس امرأته ولم يتوضأ‪ ،‬كما روى مسلم َع ْن َعائِ َش َة‬
‫اش‪َ ،‬فا ْلـــت ََم ْس ُت ُه‪َ ،‬ف َو َق َع ْت َي ِدي َع َلى‬ ‫ول اهلل ﷺ َلي َل ًة مِن ا ْل ِ‬
‫ـــف َر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ڤ َقا َل ْت‪َ :‬ف َقدْ ُت َر ُس َ‬
‫ال مِ ْن‬‫ول‪« :‬ال الــ ُه ام َأ ُعو ُذ بِ ِر َض َ‬ ‫ب ْط ِن َقدَ مي ِه و ُهو فِي المس ِا ِد و ُهما منْصوبت ِ‬
‫َان؛ َو ُه َو َي ُق ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال ُأ ْحصـى َثنَا ًء َع َل ْي َك‪َ ،‬أن َْت ك ََما‬ ‫َس َخطِ َك‪َ ،‬وبِ ُم َعا َفاتِ َك مِ ْن ُع ُقو َبتِ َك‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َك مِن َْك َ‬
‫َأ ْثنَ ْي َت َع َلى َن ْف ِس َك»(‪.)1‬‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫ويف الصحيحين‪ :‬عن ع ِائ َش َة ڤ َقا َلت‪ُ « :‬كنْت َأنَام بين يدَ ي رس ِ ِ‬
‫ُ َْ َ َ ْ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َو ِر ْجال ََي فِي قِ ْب َلتِ ِه‪َ ،‬فإِ َذا َس َادَ َغ َم َزنِي‪َ ،‬ف َق َب ْض ُت ِر ْج َل اي‪َ ،‬فإِ َذا َقا َم َب َس ْط ُت ُه َما‪َ ،‬قا َل ْت‪:‬‬
‫يح»(‪ .)2‬ويف سنن أبي داود والنسائي َع ْن َعائِ َشةَ‪:‬‬ ‫يها َم َصابِ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُِ‬
‫وت َي ْو َمئذ َليْ َس ف َ‬ ‫َوا ْلـــ ُب ُي ُ‬
‫« َأ ان النابِ اي ﷺ َق اب َل َها َو َل ْم َيت ََو اض ْأ»(‪.)3‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وليس يف نقض الوضوء من مس النساء ال كتاب وال سنة‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)466‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)315‬ومسلم (‪.)512‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)116‬والنسائي (‪ ،)110‬والرتمذي رقم (‪ )66‬وضعفه‪ ،‬الرتمذي والدارقطني يف العلل‬
‫(‪ ،)141/15‬والنووي يف الخالِة (‪ ،)136/1‬بينما ِححه بعض العلماء بماموع طرقه‪ ،‬منهم ابن عبد‬
‫الرب يف التمهيد (‪ ،)115 -112/21‬والزيلعي يف نصب الراية (‪ )13/1‬فقد ِحح بعض طرقه وأسهب يف‬
‫جمعها‪ ،‬وابن كثير يف تفسـيره (‪ ،)405/1‬والشوكاين يف نيل األوطار (‪ ،)246/1‬واأللباين يف تخرياه لسنن‬
‫أبي داود‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪134‬‬

‫وقد كان المسلمون دائمًا يمسون نساءهم‪ ،‬وما نقل مسلم واحد عن النبي ﷺ أنه‬
‫أمر بالوضوء من مس النساء»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫هْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٍّ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َْ ُ َ ْ ُ َ َ‬
‫(ال‪ :‬لمس من دون سبع‪ .‬وال‪ :‬ملس ِسن‪ ،‬وظفر‪ ،‬وشعر‪ .‬وال اللمس بذل ِك)‪ :‬أي‬
‫فال ينتقض الوضوء بلمس من دون سبع ولو بشهوة لعدم دخولها يف قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭴ ﭵ ﭶ﴾‪.‬‬
‫وكذا ال ينتقض الوضوء بلمس شعر المرأة أو ظفرها ولو بشهوة وكذا ال‬
‫ينتقض الوضوء بالمس بدون شهوة‪.‬‬
‫َ َ َ َ ًَ‬ ‫ََُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ ُ َْ ُ‬
‫وس بدنه‪ ،‬ولو وجد شهوة)‪:‬‬ ‫وس فرجه‪ ،‬أو الملم ِ‬ ‫وء الممس ِ‬ ‫(وال ينت ِقض‪ :‬وض‬
‫نقض الوضوء من المس لشهوة‪ ،‬أو مس الفرج مطلقًا يف حق الماس دون‬
‫ذكر ُه‪َ ،‬ف ْلـــ َيت ََو اض ْأ»‪،‬‬
‫الممسوس بدنه أو فرجه ألن النص متوجه للماس‪َ « :‬م ْن َم اس َ‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ﴾‪.‬‬
‫َ ِّ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ َ ْ ُ َ ِّ‬
‫عض ِه‪ .‬والغا ِسل‪ :‬هو من يقل ُب الميت و‬ ‫ت‪ ،‬أو ب ِ‬ ‫قوهل‪( :‬السادِس‪ :‬غسل المي ِ‬
‫الم َ‬
‫اء)‪.‬‬
‫َ ْ ُ ُّ َ‬
‫بارشه‪ ،‬ال من يصب‬ ‫يُ ِ ُ‬
‫فالمذهب أن مباشـرة الميت بالتغسـيل ينقض الوضوء؛ لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة َأ ان‬
‫المي َت َف ْلـــ َي ْغت َِس ْل‪َ ،‬و َم ْن َح َم َل ُه َف ْلـــ َيت ََو اض ْأ»(‪.)2‬‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ « :‬م ْن َغ اس َل َ‬
‫َر ُس َ‬
‫ولوروده عن عمر وابن عباس ﭫ‪ :‬أهنما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء‬
‫وقال أبو هريرة‪ :‬أقل ما فيه الوضوء‪ ،‬ألنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع‬
‫الحدث‪.‬‬

‫(‪ )1‬األوسط (‪ ،)116/1‬الفتاوى (‪ ،)401/21‬فتاوى اللانة (‪ ،)266/5‬المنهل العذب (‪ .)162/2‬نصب‬


‫الراية (‪.)116/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3161‬والرتمذي (‪ )223‬وحسنه‪ ،‬وأحمد (‪ ،)2662‬وضعفه النووي يف الخالِة‬
‫(‪ ،)241/2‬وابن حار يف التلخيص الحبير (‪ ،)136/1‬ونقل قول أحمد وابن المديني يف تضعيف‬
‫الحديث‪ ،‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪ ،)144‬وانظر‪ :‬البدر المنير البن الملقن (‪ )524/2‬فقد‬
‫أسهب يف تخرياه مع ذكر من ِحح أو ضعف الحديث‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪135‬‬ ‫باب نواقض الوضوء‬

‫وال فرق بين الميت المسلم‪ ،‬والكافر‪ ،‬والصغير والكبير يف ذلك‪ ،‬لعموم األمر‬
‫والمعنى‪.‬‬
‫وفيه قول ُ‬
‫ثان‪ :‬أن الوضوء مستحب غير واجب وهذا أظهر وكالم أحمد يدل‬
‫عليه‪ ،‬فإنه قال‪ :‬أحب إلي أن يتوضأ‪ ،‬وهو قول األئمة الثالثة وعلل نفي وجوب‬
‫الغسل من غسل الميت بكون الحديث موقوفا على أبي هريرة والوضوء كذلك‪،‬‬
‫وألنه ليس بمنصوص عليه‪ ،‬وال هو يف معنى المنصوص‪ ،‬واألِل عدم وجوبه‪،‬‬
‫فيبقى عليه‪ ،‬وما عدا هذا ال ينقض بحال‪.‬‬
‫َ ْ ُ ُّ َ‬
‫الم َ‬ ‫َ ُ ُ َ ْ ُ ِّ ُ َ ِّ َ‬
‫ت و يُ ِ ُ‬
‫اء)‪ :‬فهذا من يتوجه‬ ‫بارشه‪ ،‬ال من يصب‬ ‫(والغا ِسل‪ :‬هو من يقلب المي‬
‫له الحكم يف األمر بالوضوء إياابًا أو استحبابًا ألنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه‬
‫كالنوم مع الحدث‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ــع‪ :‬أكل حلم اإلبل‪ ،‬ولو ن ِيئا‪ .‬فال نقض‪ :‬ببقي ِة َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫أجزائ ِها‪ ،‬ككبِد‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب‬ ‫الس‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وارع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وك‬ ‫‪،‬‬ ‫ام‬ ‫ن‬ ‫وس‬ ‫‪،‬‬ ‫أس‬ ‫ور‬ ‫‪،‬‬ ‫ان‬ ‫ِس‬ ‫ول‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫ي‬ ‫وُك‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫وش‬ ‫‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ر‬
‫َ ِ‬‫وك‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ِح‬ ‫ط‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫لب‬ ‫وق‬
‫َ ُ ُ َْ ً‬ ‫َ َ ْ َ ََ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َصان‪ ،‬وم َر ِق حلم‪ .‬وال َينث بذل ِك من حلف‪ :‬ال يأكل حلما)‪.‬‬ ‫وم َ‬
‫(السابع‪ :‬أكل حلم اإلبل ولو نيئا)‪ :‬لصـريح السنة يف ذلك‪ ،‬وقد دل له حديثان‬
‫ِحيحان‪:‬‬
‫ــه ﷺ َأ َأ َت َو اض ُأ مِ ْن ُل ُحو ِم‬ ‫ول ال ال ِ‬‫حديث َجابِ ِر ْب ِن َس ُم َرةَ‪َ « :‬أ ان َر ُجالً َس َأ َل َر ُس َ‬
‫ا ْلـــ َغن َِم؟ َق َال‪ :‬إِ ْن ِش ْئ َت َفت ََو اض ْأ‪َ ،‬وإِ ْن ِش ْئ َت َفالَ َت َو اض ْأ‪َ .‬ق َال‪َ :‬أ َت َو اض ُأ م ِ ْن ُل ُحو ِم ِ‬
‫اإلبِلِ؟‬
‫ض ا ْلـــ َغن َِم؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ق َال‪:‬‬‫اإلبِلِ‪َ .‬ق َال‪ُ :‬أ َِلي فِي َم َراب ِ ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ن َعم‪َ ،‬فت ََو اض ْأ مِ ْن ُل ُحو ِم ِ‬
‫ْ‬
‫اإلبِلِ؟ َق َال‪ :‬ال» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫ار ِل ِ‬ ‫ُأ َِلي فِي َم َب ِ‬
‫وء مِ ْن ُل ُحو ِم‬‫ول اهللِ ﷺ َع ِن الو ُض ِ‬ ‫ب‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬سئِ َل َر ُس ُ‬ ‫وحديث ال َب َر ِاء ْب ِن َع ِ‬
‫از ُ‬
‫ُ‬
‫وء مِ ْن ُل ُحو ِم ال َغن َِم؟ َف َق َال‪َ :‬‬
‫ال َتت ََو اضئُوا‬ ‫اإلبِلِ؟ َف َق َال‪َ :‬تو اضئُوا مِنْها‪ ،‬وسئِ َل َع ِن الو ُض ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)215/1( )360‬‬

‫‪135‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪136‬‬

‫مِن َْها»(‪.)1‬‬
‫وقال به جمع من أهل العلم؛ منهم فقهاء الحديث‪:‬‬
‫وهذا من مفردات اإلمام أحمد‪ ،‬ورجحه ابن المنذر وابن تيمية وابن القيم‬
‫والبيهقي والنووي‪ ،‬واختارته اللانة الدائمة‪.‬‬
‫َان ِ‬
‫آخ ُر‬ ‫وأما األئمة الثالثة فقالوا‪ :‬بعدم النقض مستدلين بحديث َجابِ ُر َق َال‪« :‬ك َ‬
‫ت الن ُاار»(‪ .)2‬وهذا على فرض‬ ‫ول اهللِ ﷺ َتر َل ا ْلـــو ُض ِ‬
‫وء مِما َغير ِ‬ ‫األَمر ْي ِن مِ ْن رس ِ‬
‫ا اَ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬
‫ثبوته يستثنى منه لحم اإلبل؛ لصـراحة السنة يف الحديثين السابقين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫قض‪ :‬ب َبق هي ِة َ‬ ‫َ َ َ‬
‫أجزائ ِها‪ ،‬ككبِد‪ ،‬وقلب‪ ،‬وطِحال‪ ،‬وك ِرش‪ ،‬وشحم‪ ،‬وُكية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(فال ن‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َِسان‪ ،‬ورأس‪ ،‬وسنام‪ ،‬وكوارع‪ ،‬وم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َصان‪ ،‬ومر ِق حلم‪ .‬وال َينث بذل ِك من‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ُ َْ ً‬ ‫َ ََ‬
‫حلما)‪ :‬المذهب‪ :‬أن النقض خاص بلحم اإلبل‪ ،‬دون بقية أجزائها‬ ‫حلف‪ :‬ال يأكل‬
‫من كبد وقلب وطحال وشحم وكلية ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصـران ألهنا‬
‫اإلبِ ِل» تخصيصه باللحم‪،‬‬ ‫ال تسمى لحما‪ ،‬وظاهر الحديث‪َ « :‬ن َعم َفت ََو اض ْأ مِ ْن ُل ُحو ِم ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫وأخرجوا ما سواه‪ ،‬وقالوا إن الكبد تسمى دما ال لحما؛ لحديث ا ْب ِن ُع َم َر َق َال‪َ :‬ق َال‬
‫وت‪َ ،‬و َأ اما‬ ‫ان‪َ ،‬ف َأما ا ْلمي َتت ِ‬ ‫َان ودم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫َان‪َ :‬فا ْل َا َرا ُد َوا ْل ُح ُ‬ ‫ا َْ‬ ‫ول َاهلل ﷺ‪ُ « :‬أح ال ْت َلنَا َم ْي َتت َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫الدا َما ُن‪َ :‬فالط َح ُال َوا ْل َكبِدُ » [أخرجه أحمد‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وفيه ضعف]‪.‬‬
‫ثان‪ :‬أن بقية األجزاء تنقض‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أحمد‪ ،‬ورجحه‬ ‫وفيه قول ُ‬
‫السعدي وابن عثيمين وابن جربين‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن إطالق اللحم يف الحيوان يدخل فيه‬
‫جميع أجزائه‪ ،‬وإنما يذكر اللحم خاِة؛ ألنه أغلب األجزاء‪.‬‬
‫وقالوا كل شـيء يؤكل يف اإلبل فإنه ينقض الوضوء‪ ،‬وأما الذي يشـرب وال‬
‫يؤكل كاللبن والمرق فإنه ال ينقض‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)61‬وأبو داود (‪ ،)164‬وابن ماجه (‪ ،)424‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)32‬وابن حبان‬
‫(‪ ،)1126‬واأللباين يف ِحيح أبي داود برقم (‪.)116‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)122‬والنسائي (‪ ،)165‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)43‬وابن حبان (‪ ،)1134‬والنووي يف‬
‫الخالِة (‪ ،)144/1‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)412/2‬‬

‫‪136‬‬
‫‪137‬‬ ‫باب نواقض الوضوء‬

‫وقول المذهب له وجاهته‪ ،‬واالحتياأ يف المسألة أن يتوضأ‪.‬‬


‫والحكمة من الوضوء من لحم اإلبل قيل تعبدية؛ كما ذهب إليه الحنابلة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ألن األبل من الشـيطان؛ كما يف حديث الرباء‪ ،‬فاألكل منها يورث العبد‬
‫طبعها فإذا توضأ ذهبت سورة الشـيطان(‪.)1‬‬
‫ه ُ ِّ ه ُ‬
‫الردة)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬اثلامِن‪:‬‬
‫فمن ارتد حبط عمله ومنه الوضوء؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [الزمر‪.]65 :‬‬
‫ولكن هل يبطل بمارد الكفر؟ المذهب أنه يبطل بمارد الكفر‪.‬‬
‫والامهور أنه ال يحبط العمل إال إذا مات على الشـرل؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [النساء‪.]54 :‬‬
‫َ َ ُ ُ َ َ َ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ‬
‫وت)‪.‬‬
‫ري الم ِ‬‫قوهل‪َ ( :‬وُك ما أوج َب الغسل‪ :‬أوجب الوضوء‪ ،‬غ‬
‫وهذه قاعدة أغلبية فكل موجبات الغسل‪ ،‬فإهنا موجبة للوضوء‪ ،‬ولكنها غير‬
‫كلية‪ ،‬فالاماع يوجب الغسل وال يوجب الوضوء‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫وت)‪ :‬فإن الميت ياب غسله‪ ،‬وال ياب أن يوضأ‪.‬‬
‫ري الم ِ‬‫(غ‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪.)216/1‬‬

‫‪131‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪138‬‬

‫‪e‬‬ ‫ص ٌل‬
‫فَ ْ‬ ‫‪F‬‬
‫(فيما حيرم على احملدث)‬
‫ََه َ ََ َ َ ه‬ ‫ََ‬ ‫َ ََه َ ه ََ َ ه‬
‫احلدث وشك يف‬ ‫ث‪ .‬أو‪ :‬تيقن‬
‫احلد ِ‬ ‫هارة وشك يف‬ ‫قوهل‪( :‬من تيقن الط‬
‫ََه‬ ‫ه َ َ َ‬
‫هارة ِ‪ :‬ع ِمل بما تيقن)‪.‬‬ ‫الط‬
‫من الطهارة أو الحدث وهذه قاعدة مهمة‪ ،‬عند حصول الشك يف العبادة وجود ًا‬
‫أو عدد ًا أن يرجع إلى اليقين‪ ،‬واليقين ال يزول بالشك‪ ،‬فال ينتقل من اليقين بشك‪،‬‬
‫وهذه تقطع الوساوس عن العبد وتريحه من عناء كثير‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُُ‬
‫ث‪ :‬الصالة‪ .‬والطواف‪ .‬ومس المصح ِف بِبَشت ِه بِال‬ ‫قوهل‪( :‬وَيرم ىلع المح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ ْ ٌ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ج ِد بِال‬ ‫ث يف المس ِ‬ ‫رآن‪ .‬واللب ِ‬ ‫حائل‪ .‬وي ِزيد من علي ِه غسل‪ :‬ب ِقراءة ِ الق ِ‬
‫ُ‬
‫ُوضوء)‪.‬‬
‫يحرم على المحدث أمور منها ثالثة يف حق من حدثه أِغر وخمسة يف من‬
‫حدثه أكرب يشرتكان يف ثالث منها‪:‬‬
‫ه ُ‬
‫(الصالة)‪ :‬فرضًا ونفالً‪ :‬فتحرم وال تصح بغير طهارة بالنص واإلجماع ويف‬
‫الصحيحين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َع ِن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬ال َي ْق َب ُل اهلل َِالَ َة َأ َح ِد ُك ْم إ ِ َذا‬
‫ث َحتاى َيت ََو اض َأ»(‪.)1‬‬‫َأ ْحدَ َ‬
‫يم َها الت ْاكبِ ُير‪َ ،‬و َت ْحلِي ُل َها‬‫وضابط الصالة التي تحرم بغير طهارة‪ :‬ما كان « َت ْح ِر ُ‬
‫يم»‪ .‬فيدخل يف ذلك الصلوات الخمس والانازة واالستسقاء والنوافل ونحوها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الت ْاسل ُ‬
‫ويخرج ساود الشكر والتالوة على الصحيح؛ فال يشرتأ لها الطهارة‪،‬‬
‫واختاره ابن تيمية‪ ،‬وابن القيم‪ .‬ويدل له‪:‬‬
‫أن رسول اهلل ﷺ كان يساد للتالوة ويساد من حضـره‪ ،‬ولم ينقل أنه كان يأمرهم‬
‫بالوضوء‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )6554‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)225‬‬

‫‪136‬‬
‫‪139‬‬ ‫فصل فيما حيرم على احملدث‬

‫وأيضًا النبي ﷺ ساد يف سورة النام‪ ،‬وساد معه من حضـر وفيهم مشـركون(‪.)1‬‬
‫وروى البخاري تعليقًا عن ابن عمر ﭭ أنه ساد للتالوة بغير وضوء(‪.)2‬‬
‫وأما المذهب فقالوا بوجوب الطهارة لساود التالوة والشكر(‪.)3‬‬
‫ه ُ‬
‫(والطواف)‪ :‬فتشرتأ الطهارة لصحة الطواف سواء كان فرضًا أو نفالً‪ ،‬وبه قال‬
‫جمهور العلماء‪.‬‬
‫ُ‬
‫شـيء َبدَ َأ بِ ِه ِحي َن َق ِد َم‬ ‫واستدلوا‪ :‬بما يف الصحيحين عن عائشة ڤ‪َ « :‬أ ان َأ او َل‬
‫اف‬‫اس‪َ ،‬ق َال‪« :‬ال اط َو ُ‬ ‫اف»(‪ ،)4‬وبما رواه الرتمذي َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫النابِ ُّي ﷺ َأ ان ُه َت َو اض َأ‪ُ ،‬ث ام َط َ‬
‫ون فيه َف َم ْن َت َك ال َم فيه فال َي َت َك ال َم ان إال‬ ‫الص َال ِة إال َأ ان ُك ْم َت َت َك ال ُم َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح ْو َل ا ْل َب ْيت م ْث ُل ا‬
‫بِ َخ ْي ُر»(‪.)5‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن الطهارة يف الطواف مستحبة غير واجبة‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‬
‫وابن عثيمين؛ ألن األِل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على حرمة هذا الفعل بال‬
‫وضوء‪.‬‬
‫وأما وضوء رسول اهلل ﷺ قبل طوافه فيدل على األفضلية واالستحباب ال‬
‫االيااب‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3154‬ومسلم (‪ )516‬عن ابن مسعود ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ذكره البخاري تعليقًا (‪.)364/1‬‬
‫(‪ )3‬هتذيب السنن (‪ ،)53/1‬واالختيارات ص(‪.)2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1536‬ومسلم (‪.)1235‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)260‬والحاكم (‪ )1661‬وقال‪ِ« :‬حيح اإلسناد»‪ .‬وابن خزيمة (‪ )2132‬عن ابن‬
‫عباس ﭭ مرفوعًا‪ .‬وأخرجه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪)12611‬؛ والنسائي يف الكربى (‪،)3244‬‬
‫والبيهقي يف سننه (‪ ،)2015‬عن ابن عباس ﭭ موقوفًا‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف أيهما أرجح رواية الوقف أم الرفع؟ فقد رجح وقفه البيهقي والمنذري والنووي‬
‫وجماعة‪ ،‬وِحح رفعه آخرون منهم ابن حار والحاكم واأللباين‪ .‬ولمعرفة أقوال العلماء؛ انظر‪ :‬نصب‬
‫الراية للزيلعي (‪ ،)51/3‬والبدر المنير البن الملقن (‪ ،)461/2‬والتلخيص الحبير البن حار (‪،)132/1‬‬
‫وإرواء الغليل لأللباين (‪.)154/1‬‬

‫‪132‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪140‬‬

‫وأما قوله ﷺ‪َ « :‬أ َحابِ َس ُتنَا ِه َي؟»(‪ .)1‬لما أخرب أن ِفية حاضت يف الحج‪.‬‬
‫فالحائض منعت من الطواف؛ ألهنا ممنوعة من دخول المساد واللبث فيه‪ ،‬وال‬
‫يمكن الطواف إال بذلك‪.‬‬
‫وأما حديث ابن عباس ﭭ ُفأعل بالوقف عليه‪ ،‬وعلى فرض ِحته‪ ،‬فإن‬
‫الطواف ال يأخذ أحكام الصالة من كل وجه‪ ،‬فهو يخالفها يف غالب األحكام‪،‬‬
‫فليس فيه تكبيرة اإلحرام والتشهد والتسليم والفاتحة‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬ولم ينقل أحد عن النبي ﷺ ال بإسناد ِحيح وال ضعيف‬
‫أنه أمر بالوضوء للطواف‪ ،‬مع العلم أنه حج معه خالئق عظيمة‪ ،‬وقد اعتمر عمر َاً‬
‫متعددة‪ ،‬والناس معه ولو كان الوضوء فرضًا للطواف لبينه النبي ﷺ بيانًا عامًا‬
‫ولنقل إلينا‪ ،‬وأما وضوؤه عند إرادة الطواف فال يدل على الوجوب‪ ،‬فإنه كان‬
‫يتوضأ لكل ِالة»‪.‬‬
‫واألحوأ للمسلم أن يتوضأ عند الطواف وال يطوف إال بطهارة‪.‬‬
‫َشت ِه بِال حائل)‪ :‬فال ياوز للمحدث أن يمس المصحف‬
‫َ‬ ‫صح ِف ببَ َ َ‬
‫َ ُّ ُ َ‬
‫(ومس الم‬
‫ِ‬
‫بال حائل حتى يتوضأ هذا المذهب وبه قال األئمة األربعة واختاره شيخ اإلسالم‬
‫آن إِ ا‬
‫ال‬ ‫ال َي َم ُّس ا ْلـــ ُق ْر َ‬
‫ويف يف الكتاب الذي كتبه رسول اهلل ﷺ لعمرو بن حزم‪َ « :،‬و َ‬
‫اه ٌر»(‪ .)2‬قال اإلمام أحمد‪ :‬أرجوا أن يكون ِحيحًا‪ .‬وقال أيضًا‪ :‬ال شك أن‬ ‫َط ِ‬
‫النبي ﷺ كتبه له‪ .‬وهذا قول سلمان الفارسـي وعبداهلل بن عمرو وغيرهما‪ ،‬وال‬
‫يعلم لهما من الصحابة مخالف‪ ،‬فالصحيح أن مس المصحف ياب الوضوء له(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4140‬ومسلم (‪ )1211‬من حديث عائشة ڤ مرفوعًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مالك يف الموطأ (‪ )462‬مرسال ً‪ ،‬وكذا أبو داود يف المراسـيل ص(‪ ،)122 ،121‬بينما وِله‬
‫الدارمي يف سننه (‪ ،)2266‬والدارقطني يف سننه (‪ ،)122/1‬وِححه ابن حبان (‪ ،)6552‬والحاكم‬
‫(‪ ،)1441‬وابن عبد الرب يف التمهيد (‪ ،)321/11‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪ ،)122‬ونقل قولي أحمد‬
‫‪-‬األول والثاين‪ -‬ابن القيم يف التبيان يف أقسام القرآن ص(‪.)144‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪.)266/21‬‬

‫‪140‬‬
‫‪141‬‬ ‫فصل فيما حيرم على احملدث‬

‫َ‬
‫(بِال حائل)‪ :‬فمس القرآن بحائل بدون طهارة جائز‪.‬‬
‫والمراد بالمصحف الذي يحرم مسه بال طهارة «المكتوب والحواشـي‬
‫والالد» فكلها تابعة للمصحف؛ ألن التابع تابع‪ ،‬وكذا الالد الذي يحفظه‪.‬‬
‫وأما كتابة رسول اهلل ﷺ لهرقل فيدل على أن اآليات التابعة لكتاب ال تسمى‬
‫مصحفًا وياوز مسها بال طهارة ككتب الحديث ونحوها والحكم لألغلب‪.‬‬
‫فالكتاب إن كان كتاب تفسـير وكالم اهلل فيه أكثر من كالم البشـر ألحق‬
‫بالمصحف مثل تفسـير الااللين؛ ألنه اجتمع هنا حاظـر ومبيح فيغلب جانب‬
‫الحظـر‪ ،‬وأما إن كانت اآليات يسـيرة وأقل من كالم الناس فيها‪ ،‬فال بأس بلمسه‪.‬‬
‫ذكره ابن عثيمين(‪.)1‬‬
‫وأما األجهزة الكفية مما يوجد فيها مصاحف وغيرها فوقع خالف يف مس‬
‫الشاشة بال وضوء فمنع منها بعض العلماء وقالوا إهنا حال فتح المصحف تأخذ‬
‫حكمه‪.‬‬
‫وذهب آخرون إلى التخفيف يف مسها من وراء الشاشة بال طهارة وتعترب‬
‫الشاشة حائالً ياوز أن يمسها؛ ألهنا ليست تابعة للمصحف فتأخذ حكمه بل هي‬
‫تابعة للاهاز يعرض من خاللها القرآن وغيره مما هو أكثر منه فال يمنع المحدث‬
‫من لمس الزجاج ولو كان المصحف مفتوحًا‪ ،‬وهذا قول له وجاهته‪.‬‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ ُ ْ ٌ‬
‫رآن)‪ :‬قراءة القرآن للمحدث ال تخلو من‬ ‫(وي ِزيد من علي ِه غسل‪ :‬ب ِقراءة ِ الق ِ‬
‫حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون حدثه أِغر فياوز له القراءة بشـرأ أال يمس القرآن إال من‬
‫وراء حائل ونقل ابن حار إجماع العلماء عليه(‪.)2‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون حدثه أكرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)214/4‬‬


‫(‪ )2‬الفتح (‪ ،)363/1‬عون المعبود (‪.)260/1‬‬

‫‪141‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪142‬‬

‫فمذهب األئمة األربعة‪ :‬أنه ال ياوز للانب قراءة القرآن‪ ،‬وهو المروي عن‬
‫عمر وعلي وجماعة‪.‬‬
‫الخال َِء‬
‫َان َي ْخ ُر ُج مِ َن َ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫واستدلوا‪ :‬بحديث َعلِي ﭬ َق َال‪« :‬إِ ان َر ُس َ‬
‫ن‬
‫آن‪ ،‬وي ْأ ُك ُل معنَا ال الــحم‪ ،‬و َلم ي ُكن يحابه‪َ ،‬أو َق َال‪ :‬يحا ُزه َع ِن ا ْلـــ ُقرآنِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ُ ُ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُُُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َف ُي ْق ِر ُئنَا ا ْلـــ ُق ْر َ َ َ‬
‫الانَا َب َة» [أخرجه األربعة‪ ،‬وِححه الرتمذي](‪ .)1‬ففيه أن النبي ﷺ كان يمتنع من‬ ‫شـي ٌء َل ْي َس َ‬
‫قراءة القران حال الانابة وتركه تشـريع كما أن فعله تشـريع‪.‬‬
‫ال الانُب شـي ًئا مِن ا ْلـــ ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫آن» [أخرجه الرتمذي وضعفه](‪.)2‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال َت ْق َر ُأ َ‬
‫الحائ ُض َو َ ُ ُ‬ ‫وحديث‪َ « :‬‬
‫ثان‪ :‬باواز قراءة القرآن للانب‪ ،‬وهو قول ابن عباس وطائفة منهم‪:‬‬ ‫وفيه قول ُ‬
‫ابن المسـيب وابن المنذر والطربي وابن حزم‪.‬‬
‫ابي ﷺ َي ْذ ُك ُر ال الــ َه َع َلى‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫واستدلوا‪ :‬بالرباءة األِلية‪ ،‬وبقول َعائِ َش َة ڤ‪« :‬ك َ‬
‫َان‬
‫ُّ‬
‫ُكل َأ ْح َيان ِ ِه»(‪ .)3‬والذكر عام يشمل القرآن وأحيانًا عام يشمل الانابة‪.‬‬
‫واألظهر منع الانب من قراءة القرآن‪ ،‬ويكفي فيه حديث علي السابق‪ ،‬وقد‬
‫ِححه الرتمذي وابن خزيمة وابن حبان‪ ،‬وثبت عن عمر وعلي هني الانب عن‬
‫قراءة القرآن‪ ،‬كما ذكره ابن المنذر‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن يمتنع من قراءة القرآن حال الانابة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما المرأة الحائض؟ فالمذهب أنه يحرم عليها قراءة القرآن‪.‬‬
‫واألظهر أنه ياوز لها القراءة بال مس المصحف‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم وابن‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ )222‬واللفظ له‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)524‬والنسائي (‪ ،)265‬والرتمذي (‪ )146‬وقال‪:‬‬
‫«حسن ِحيح»‪ .‬وأحمد (‪ ،)632‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)206‬وابن حبان (‪ ،)122‬والحاكم (‪)1063‬‬
‫وقال‪ِ« :‬حيح اإلسناد»‪ .‬وقال ابن حار يف فتح الباري (‪« :)406/1‬والحق أنه من قبيل الحسن يصلح‬
‫للحاة»‪ .‬بينما ضعفه جماعة من العلماء كالشافعي وأحمد والنووي وغيرهم‪ ،‬انظر‪ :‬البدر المنير‬
‫(‪ ،)551/2‬والتلخيص الحبير (‪ ،)132/1‬وإرواء الغليل برقم (‪.)465‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ )131‬وضعفه‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)526‬والبيهقي يف سننه (‪ )1315‬وضعفه؛ من حديث ابن‬
‫عمر ﭭ مرفوعًا‪ ،‬وضعفه ابن حار يف فتح الباري (‪ ،)402/1‬األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)122‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ ،)313‬وذكره البخاري تعليقًا (‪.)221/1‬‬

‫‪142‬‬
‫‪143‬‬ ‫فصل فيما حيرم على احملدث‬

‫ال َت ُطوفِي‬
‫اج َغ ْي َر َأ ْن َ‬ ‫القيم‪ ،‬وهذا رأي اإلمام مالك؛ لحديث‪« :‬ا ْف َعلِي َما َي ْف َع ُل َ‬
‫الح ُّ‬
‫ت َحتاى َت ْط ُه ِري» [متفق عليه](‪ .)1‬وأدلة النهي عن قراءة القرآن للحائض ال تصح‪.‬‬ ‫بِا ْلـــبي ِ‬
‫َْ‬
‫مسألة‪ :‬ويف مس الصبيان ألواحهم التي فيها القرآن‪ ،‬وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬الاواز؛ ألنه موضع حاجة‪ ،‬فلو اشرتطنا الطهارة أدى إلى تنفيرهم‬
‫عن حفظه‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬المنع؛ لعموم النص‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬اإلباحة وبه قال جمهور العلماء من األئمة الثالثة ووجه عند الحنابلة‬
‫من أجل التعلم والحفظ وألن الصبيان ال يخاطبون بالطهارة ولكن أمروا به تخلقا‬
‫واعتيادا فال يمنع ِبي مميز من مس وحمل مصحف أو لوح يتعلم منه لحاجة‬
‫تعلمه ومشقة استمراره متطهرا‪ ،‬وعسر الوضوء لها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ‬
‫ج ِد بِال ُوضوء)‪ :‬فيحرم على الانب‪ :‬اللبث يف المساد حتى‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫يف‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫(والل‬
‫يتوضأ‪ ،‬وله أن يمر فيه بال مكث هذا المذهب وبه قال الامهور‪ ،‬ويدل له‪:‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [النساء‪.]43 :‬‬
‫ب»(‪.)2‬‬ ‫ال ُجنُ ُ‬ ‫ض َو َ‬ ‫ادَ ل ِ َحائِ ُ‬ ‫ال ُأ ِح ُّل المس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫وحديث‪َ « :‬‬
‫ال مِ ْن َأ ِْ َح ِ‬
‫اب‬ ‫ار َق َال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت ِر َجا ً‬
‫اء ْب ِن َي َس ُ‬ ‫وروى سعيد بن منصور َعن َع َط ِ‬
‫ْ‬
‫الصال َِة»(‪.)3‬‬
‫ون؛ إِ َذا َت َو اض ُئوا ُو ُضو َء ا‬‫ا ِد َو ُه ْم ُم ْان ِ ُب َ‬
‫ون فِي المس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ْالِ ُس َ‬
‫رس ِ‬
‫َ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)222‬ومسلم (‪ )1211‬من حديث عائشة ڤ مرفوعًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)232‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)1321‬وحسنه ابن القطان يف بيان الوهم واإليهام‬
‫(‪ ،)332/5‬والزيلعي يف نصب الراية (‪ ،)124/1‬وضعفه البيهقي يف معرفة السنن واآلثار (‪ ،)251/2‬وابن‬
‫حزم يف المحلى (‪ ،)166 ،165/2‬والنووي يف الخالِة (‪ ،)210/1‬وابن رجب يف فتح الباري (‪،323/1‬‬
‫‪ ،)324‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)124‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه سعيد بن منصور يف سننه (‪ ،)646‬قال ابن كثير يف تفسـيره (‪- )503/1‬بعد أن ذكر الحديث‪:-‬‬
‫«وهذا إسناد ِحيح على شـرأ مسلم»‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪144‬‬

‫‪e‬‬ ‫‪F‬‬
‫ب ال ُغسْلَ‬
‫بابُ ما يُو ِج ُ‬

‫ذكر هنا الغسل وِفته وشـروطه وما يوجبه وما يتعلق به‪.‬‬
‫وال ُغسل‪ :‬هو استعمال الماء يف جميع البدن على وجه مخصوص‪.‬‬
‫وقد جاء يف الغسل وِفته نصوص منها‪:‬‬
‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤﭥ ﭦ﴾ [المائدة‪.]6 :‬‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا ا ْغت ََس َل مِ َن‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ويف الصحيحين عن َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫ـــانَا َب ِة َيبْدَ ُأ َف َي ْغ ِس ُل َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث ام ُي ْف ِر ُغ بِ َي ِمين ِ ِه َع َلى ِش َمال ِ ِه َف َي ْغ ِس ُل َف ْر َج ُه‪ُ ،‬ث ام َيت ََو اض ُأ‬ ‫ا ْل َ‬
‫الش ْع ِر‪َ ،‬حتاى إِ َذا َر َأى َأ ْن َق ِد‬ ‫ول ا‬ ‫لصال َِة‪ُ ،‬ثم َي ْأ ُخ ُذ الماء َف ُيدْ ِخ ُل َأ َِابِ َع ُه فِي ُأ ُِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫ُو ُضو َء ُه ل ا‬
‫اض َع َلى َسائِ ِر َج َس ِد ِه‪ُ ،‬ث ام َغ َس َل‬ ‫َات‪ُ ،‬ث ام َأ َف َ‬ ‫اس َتبر َأ؛ ح َفن َع َلى ر ْأ ِس ِه َثال ََث ح َفن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ َ َ‬
‫ِر ْج َل ْي ِه»(‪.)1‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ُغ ْس َل ُه مِ َن‬ ‫ويف الصحيحين عن م ْيمو َن َة ڤ َقا َل ْت‪َ « :‬أ ْد َن ْي ُت لِرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫َاء‪ُ ،‬ثم َأ ْفر َغ بِ ِه َع َلى َفر ِجهِ‬ ‫اإلن ِ‬
‫الانَا َب ِة َف َغس َل َك اف ْي ِه مر َت ْي ِن َأ ْو َثالَ ًثا‪ُ ،‬ثم َأ ْد َخ َل َيدَ ُه في ِ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ا َ‬ ‫ا‬ ‫َا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضرب بِ ِش َمال ِ ِه األَ ْر َض َفدَ َل َك َها َد ْل ًكا َش ِديدً ا‪ُ ،‬ث ام َت َو اض َأ ُو ُضو َء ُه‬ ‫َ‬ ‫َو َغ َس َل ُه بِ ِش َمال ِ ِه‪ُ ،‬ث ام‬
‫َات مِ ْل َء كَف ِه‪ُ ،‬ث ام َغ َس َل َسائِ َر َج َس ِد ِه‪ُ ،‬ث ام َتن اَحى‬ ‫لِلصال َِة‪ُ ،‬ثم َأ ْفر َغ َع َلى ر ْأ ِس ِه َثال ََث ح َفن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا َ‬ ‫ا‬
‫َع ْن َم َقامِ ِه َذل ِ َك َف َغ َس َل ِر ْج َليْ ِه‪ُ ،‬ث ام َأ َت ْي ُت ُه بِا ْل ِمن ِْدي ِل َف َر اد ُه»(‪.)2‬‬
‫واإلجماع‪ :‬منعقد على مشـروعيته‪.‬‬
‫ُ ٌََْ‬
‫قوهل‪( :‬وهو سبعة)‪.‬‬
‫ياب الغسل عند حصول واحد منها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)245‬ومسلم (‪- )316‬واللفظ له‪.-‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ، )211‬ومسلم (‪- )311‬واللفظ له‪.-‬‬

‫‪144‬‬
‫‪145‬‬ ‫باب ما يوجب الغسل‬

‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ َ َْ‬ ‫َ ُ َ ِّ َ َ ه‬ ‫َ ُ‬
‫ين‪ .‬فلو أحس بانتِق ِاهلِ فحبسه‪ ،‬فلم َي ُرج‪َ :‬وج َب‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬أحدها‪ :‬انتِقال الم‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َه َ ُ‬ ‫َ َ َُ ُه َ َ‬ ‫ُ ْ ُ َ‬
‫خرج بال ذلة‪ :‬لم ي ِع ِد الغسل)‪.‬‬ ‫الغسل‪ .‬فلو اغتسل هل‪ ،‬ثم‬
‫فإذا انتقل المني من محله وخرج وجب الغسل‪.‬‬
‫وإن انتقل فأمسك ذكره وحبسه فلم يخرج ففي وجوب الغسل روايتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أنه ياب الغسل؛ ألنه خرج من مقره‪ ،‬أشبه ما لو ظهر‪ ،‬ولوجود اشتداد‬
‫الشهوة وال يمكن رجوعه فإذا انتقل البد أن يخرج‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ال غسل عليه‪ ،‬ومارد االنتقال ال يوجب الغسل إذا لم يخرج الماء‪،‬‬
‫ورجحها ابن قدامة وابن أبي عمر‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬ما يف الصحيحين‪« :‬أن أم سليم سألت رسول اهلل ﷺ َف َقا َل ْت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْر َأة م ْن ُغ ْس ُل إِ َذا ْ‬
‫اح َت َل َم ْت؟ َف َق َال‬ ‫ال َي ْست َْحيِى م َن َ‬
‫الحق‪َ ،‬ف َه ْل َع َلى َ‬ ‫اهلل! إِ ان اهلل َ‬
‫ِ‬
‫الما َء»(‪ .)1‬فقيد وجوب الغسل بخروج الماء‪.‬‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬ن َع ْم إِ َذا َر َأت َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسلم](‪ ،)2‬ويشهد له إجماع العلماء‪ :‬أن‬ ‫ُ‬ ‫الماء» [رواه‬ ‫ومثله قوله ﷺ‪« :‬إِن َاما َ‬
‫الما ُء م َن َ‬
‫الوضوء ال ياب بمارد اإلحساس بتحرل الريح يف البطن كالقرقرة‪ ،‬ما لم تخرج‪،‬‬
‫كما قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َو َجدَ َأ َحدُ ُك ْم فِي َب ْطن ِ ِه شـي ًئا‪َ ،‬ف َأ ْش َك َل َع َل ْي ِه َأ َخ َر َج مِنْ ُه‬
‫يحا» [متفق عليه](‪،)3‬‬ ‫ادَ ِر ً‬ ‫ا ِد َحتاى َيسم َع َِ ْو ًتا َأ ْو َي ِ‬ ‫ال؟ َفالَ َي ْخر َج ان م ِ َن المس ِ‬
‫شـي ٌء َأ ْم َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫فكذا الغسل ال ياب بانتقال المني ما لم يخرج‪.‬‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َه َ ُ‬ ‫َ َ َُ ُه َ َ‬ ‫َ‬
‫خرج بال ذلة‪ :‬لم ي ِع ِد الغسل)‪ :‬لو اغتسل لمارد االنتقال‬ ‫(فلو اغتسل هل‪ ،‬ثم‬
‫قبل خروج المني‪ ،‬ثم خرج المني بعد ذلك بال لذة لم يعد الغسل ألن الغسل تعلق‬
‫بانتقاله‪ ،‬على الرواية األولى وقد اغتسل له‪.‬‬
‫فخروج المني المحتقن يف الفرج بعد الغسل يوجب الوضوء وال يوجب‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)130‬ومسلم (‪ )313‬من حديث أم سلمة ڤ مرفوعًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)343‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)125‬‬

‫‪145‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪146‬‬

‫الغسل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ج ِه‪ ،‬ولو دما‪ .‬ويشَّتط‪ :‬أن يكون بَِلة‪ ،‬ما لم‬ ‫قوهل‪( :‬اثلاين‪ :‬خر َوجه مِن ُمر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ْ ً‬
‫يكن نائ ِما‪ ،‬وَن َوهُ)‪.‬‬
‫فخروج المني من دفقًا بلذة موجب للغسل‪ ،‬وهو قول عامة الفقهاء‪ ،‬وال يعلم‬
‫الما َء َفا ْغت َِس ْل»(‪.)1‬‬
‫خ َت َ‬ ‫فيه خالف؛ لقول رسول اهلل ﷺ لعلي ﭬ‪َ « :‬فإِ َذا َف َض ْ‬
‫فإذا خرج المني دفقًا بلذة وجب الغسل سواء خرج بمباشـرة أو استمناء‪ ،‬أو نظر‬
‫أو تفكير‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(ما لم يكن نائ ِما‪ ،‬وَن َوهُ)‪ :‬خروج المني ال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون حال اليقظة فيشرتأ لوجوب الغسل خروجه دفقًا بلذة‪ ،‬فإن‬
‫سال بدون ذلك لمرض أو نحوه فال غسل عليه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون خروجه حال النوم فإذا استيقظ ورأى المني وجب الغسل‪،‬‬
‫حتى ولو لم يذكر احتالمًا وال لذة‪ ،‬حكى ابن المنذر اإلجماع عليه‪.‬‬
‫ودليله‪ :‬قول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِناما الماء مِن الم ِ‬
‫اء»‪.‬‬ ‫َ َ ُ َ َ‬
‫والمستيقظ من النوم له مع االحتالم حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يذكر احتالمًا ويرى منيًا فيلزمه الغسل باإلجماع‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يرى منيًا وال يذكر احتالمًا فيلزمه الغسل باإلجماع كما نقله ابن‬
‫المنذر؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِناما الماء مِن الم ِ‬
‫اء»‪.‬‬ ‫َ َ ُ َ َ‬
‫الثالثة‪ :‬أن يرى احتالمًا وال ياد منيًا‪ ،‬فال يلزمه غسل؛ لقول رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫َان مِنْ َها َما‬
‫الر ُج ُل فِي َمنَامِ ِه َف َق َال‪« :‬إِ َذا ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لما سئل َع ِن َ‬
‫الم ْر َأة َت َرى في َمنَام َها َما َي َرى ا‬
‫ون مِن الرج ِل َف ْلـــ َت ْغت َِس ْل»(‪ .)2‬ويف حديث آخر‪َ « :‬نعم َف ْلـــ َت ْغت َِس ْل إِ َذا وجدَ ِ‬
‫ت‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َي ُك ُ َ ا ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)206‬والنسائي (‪ ،)123‬وأحمد (‪ ،)666‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)20‬وابن حبان‬
‫(‪.)1101‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ )312‬من حديث أنس بن مالك ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪147‬‬ ‫باب ما يوجب الغسل‬

‫الما َء»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ َ َ ُ ِّ‬ ‫ه ُ َ‬
‫احلشف ِة ُكها‪ ،‬أو قد ِرها ‪-‬بِال حائ ِل‪ -‬يف ف ْرج‪ ،‬ولو‪:‬‬ ‫قوهل‪( :‬اثلال ِث‪ :‬تغيـيب‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ ُ ه َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ َ ِّ‬
‫ابن عَش‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ىلع‬ ‫إال‬ ‫سل‬ ‫الغ‬ ‫ب‬ ‫َي‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫دب ًرا‪ ،‬ل ِميت‪ ،‬أو ب ِهيمة‪ ،‬أو طري‪ .‬ل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت ت ِسع)‪.‬‬‫وبِن ِ‬
‫فإذا غيب الحشفة يف الفرج وجب عليه الغسل وإن لم يحصل إنزال‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب جماهير العلماء‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬ما يف الصحيحين عن أبي هريرة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا‬
‫ب ا ْلـــ َغ ْس ُل»(‪ .)2‬زاد مسلم‪َ « :‬وإِ ْن َل ْم‬
‫َج َل َس َب ْي َن ُش َعبِ َها األَ ْر َبعِ‪ُ ،‬ث ام َج َهدَ َها‪َ ،‬ف َقدْ َو َج َ‬
‫ُين ِْز ْل»‪.‬‬
‫اء» فهذا كان يف أول اإلسالم‪ ،‬ثم نسخه‬ ‫وأما حديث‪« :‬إِناما الماء مِن الم ِ‬
‫َ َ ُ َ َ‬
‫باإليااب بمارد اإليالج‪ .‬ويمكن حمله على حال المنام فال يلزم الغسل إال من‬
‫خروج الماء‪.‬‬
‫وأما حال اليقظة فبمارد اإليالج ياب الغسل لصـراحة السنة بذلك‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫احلشف ِة)‪ :‬وهي رأس الذكر الذي عليه الالدة التي تقطع يف الختان‪ ،‬وتغييب‬ ‫(‬
‫نحو من أربعمائة حكم يف الطهارة والصـيام‬
‫الحشفة ذكر العلماء أنه يتعلق به ٌ‬
‫والحج والنكاح والطالق والحدود وغيرها‪.‬‬
‫َ‬
‫(بِال حائ ِل يف ف ْرج)‪ :‬لو أولج الحشفة بحائل كبعض األدوات المستخدمة‪ ،‬فال‬
‫يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يحصل اإلنزال فياب عليه الغسل بال خالف؛ لقول النبي ﷺ‪:‬‬
‫«إِناما الماء مِن الم ِ‬
‫اء»‪.‬‬ ‫َ َ ُ ْ َ‬
‫الثانية‪ :‬إذا لم يحصل إنزال‪ ،‬فاختلف العلماء يف هذا على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ )231‬من حديث عائشة ڤ مرفوعًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)261‬ومسلم (‪)346‬؛ مع اللفظة الزائدة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪148‬‬

‫القول األول‪ :‬أنه ال ياب الغسل مطلقًا‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة كما ذكره‬
‫المؤلف؛ ألنه ال تحصل المالقاة مع وجود الحائل‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬وجوب الغسل على الرجل والمرأة مطلقًا‪ ،‬سواء كان الحائل‬
‫غليظًا أو رقيقًا‪ ،‬وهو مذهب الشافعي ألن األحكام متعلقة باإليالج وقد حصل‬
‫وجوب الغسل ولو كان بحائل‪ ،‬وكذا يثبت فيه الحد؛ ألن رسول اهلل ﷺ علق‬
‫الغسل بالتقاء الختانين‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬ولو لف على ذكره خرقة وأولاه بحيث غابت الحشفة ولم ينزل‬
‫فالصحيح‪ :‬وجوب الغسل عليهما؛ ألن األحكام متعلقة باإليالج وقد حصل»(‪.)1‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إذا كان الحائل رقيقًا بحيث ياد الحرارة واللذة وجب الغسل‬
‫وإال فال‪ ،‬وهو مذهب المالكية وبعض الحنفية‪.‬‬
‫قال ابن عثيمين‪« :‬وهذا أقرب‪ ،‬واألَ ْو َلى واألحوأ‪ :‬أن يغتسل»‪.‬‬
‫ُُ‬
‫(ولو‪ :‬دب ًرا)‪ :‬فيلزمه الغسل يف اإليالج فيه مع حرمة الفعل كوجوبه يف القبل ألنه‬
‫يسمى فرجًا‪.‬‬
‫وأتى بـ (لو) إشارة للخالف فيه‪ .‬وعبارات اإلشارات للخالف يف المذهب التي‬
‫يستخدمها ثالث (ولو‪ ،‬وإن‪ ،‬حتى) وغالبًا يقولون (ولو) للخالف القوي و(إن)‬
‫للمتوسط و(حتى) للضعيف وهذا ليس مطرد ًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫(ل ِميت‪ ،‬أو ب ِهيمة‪ ،‬أو طري)‪ :‬ألنه إيالج يف فرج شبه اآلدمية‪ ،‬وإن كان غير فرج‬
‫اآلدمية حرامًا لكن الكالم هنا على لزوم الغسل أو عدمه‪ ،‬وهذا قول جمهور العلماء‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ُ ه َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت ت ِسع)‪ :‬إذا وأء الذكر وهو‬ ‫ن‬
‫ِ ِ‬ ‫وب‬ ‫‪،‬‬ ‫َش‬ ‫ع‬ ‫ابن‬
‫ِ‬ ‫ىلع‬ ‫إال‬ ‫سل‬ ‫الغ‬ ‫ب‬ ‫َي‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫(ل‬
‫دون عشـر سنوات‪ ،‬ووطئت البنت دون تسع سنوات‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬ال ياب عليه الغسل وال ينسب الولد إليه؛ ألن البلوغ ال يكون قبل‬
‫هذه السن‪.‬‬
‫(‪ )1‬الماموع (‪.)150/2‬‬

‫‪146‬‬
‫‪149‬‬ ‫باب ما يوجب الغسل‬

‫ومعنى وجوب الغسل أنه شـرأ لصحة ِالته وطهارته وجواز مسه‬
‫المصحف وقراءة القرآن؛ ألن عليه جنابة وهي تحصل بمارد اإليالج وإن لم‬
‫ينزل فإذا كان دون عشر وكانت دون تسع لم يلزمهم الغسل‪.‬‬
‫ُ َ ًّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫قوهل‪ ( :‬ه‬
‫الرابِـــع‪ :‬إسالم الاكف ِِر‪ ،‬ولو مرتدا)‪.‬‬
‫فإذا أسلم الكافر لزمه الغسل سواء كان كتابيًا أو مشـركًا أو مرتد ًا ثم عاد‬
‫لإلسالم‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك وأحمد وأبي ثور ورجحه ابن القيم والشوكاين‬
‫وابن عثيمين‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬ا ْذ َهبوا بِ ِه إِ َلى حائِ ِ‬
‫ط َبنِي‬ ‫ويدل له‪َ :‬أ ان ُثمام َة ْب َن ُأ َث ُ‬
‫ال َأ ْس َل َم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ُفال َُن‪َ ،‬ف ُم ُرو ُه َأ ْن َي ْغت َِس َل» [وهذا لفظ أحمد‪ ،‬وِححه ابن خزيمة وابن حبان] ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وأِل الحديث يف الصحيحين‪ :‬أن ُثمامة قد ذهب فاغتسل أو ً‬


‫ال‪ ،‬ثم عاد فأسلم‬
‫على يد رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫قال الشوكاين‪« :‬والظاهر الوجوب؛ ألن أمر البعض قد وقع به التبليغ»‪.‬‬
‫وأيضًا حديث قيس بن عاِم ﭬ أنه أسلم فأمره رسول اهلل ﷺ‪« :‬أن يغتسل‬
‫بماء وسدر» [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي وحسنه‪ ،‬وِححه ابن خزيمة وابن حبان](‪.)2‬‬
‫وقد ذكر ابن حار يف التلخيص‪ :‬أنه ﷺ قد أمر غيرهما ممن أسلم بالغسل‬
‫ولكن أسانيدها ضعيفة(‪.)3‬‬
‫وجاء يف سـيرة ابن هشام‪ :‬يف قصة إسالم ُأسـيد بن حضـير قول ُأسـيد‪« :‬كيف‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد (‪ ،)6024‬والبيهقي يف سننه (‪ ،)116‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وِححه ابن خزيمة‬
‫(‪ ،)253‬وابن حبان (‪ ،)1236‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)663/4‬واأللباين يف إرواء الغليل ‪-‬أثناء‬
‫تخرياه لحديث رقم (‪ -)126‬فقد ذكر رواية البيهقي وقال‪« :‬وهذا سند ِحيح على شـرأ الشـيخين»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)355‬والرتمذي (‪ )605‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪ .‬والنسائي (‪ ،)166‬وأحمد (‪،)20630‬‬
‫وِححه ابن خزيمة (‪ ،)254‬وابن حبان (‪ ،)1240‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ )661/4‬ونقل تصحيح‬
‫ابن السكن له‪.‬‬
‫(‪ )3‬التلخيص الحبير البن حار (‪.)66/2‬‬

‫‪142‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪150‬‬

‫تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا يف هذا الدين؟ قاال ‪-‬أي مصعب بن ُع َمير وأسعد بن‬
‫ُزرارة‪ :-‬تغتسل فت اط اهر و ُتطهر ثوبيك‪ ،‬ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي»(‪.)1‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن األمر لالستحباب‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وِارف الوجوب‬
‫عندهم أنه أسلم العدد الكثير ولم يأمرهم رسول اهلل ﷺ بالغسل فدل على عدم‬
‫وجوبه‪ ،‬قال الرتمذي‪« :‬والعمل على هذا عند أهل العلم‪ :‬يستحبون للرجل إذا‬
‫أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه»‪ .‬ورجح ابن باز‪« :‬أن غسله سنة»‪.‬‬
‫واألول أولى فإذا دخل يف اإلسالم أمر بالغسل‪ ،‬كما أمر رسول اهلل ﷺ قيس بن‬
‫عاِم‪.‬‬
‫ه ُ ُ ُ ُ َ ِّ َ‬ ‫وج َ‬‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫اس)‪.‬‬ ‫يض‪ .‬السادِس‪ :‬خروج د ِم انلف ِ‬ ‫احل ِ‬ ‫قوهل‪( :‬اخلامِس‪ :‬خر‬
‫وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬ونقله ابن جرير والنووي‪.‬‬
‫ُ َ ُ َ َ ُّ ً‬ ‫ه‬
‫قوهل‪( :‬السابِــع‪ :‬الموت؛ تعبدا)‪.‬‬
‫فإذا مات المسلم وجب تغسيله‪ ،‬وقد دلت السنة على وجوبه؛ ومنها قوله ﷺ‪:‬‬
‫ورا‪َ ،‬أ ْو شـي ًئا م ِ ْن‬ ‫«ا ْغ ِس ْلـــنَها ِو ْترا‪َ :‬ثالَ ًثا‪َ ،‬أو َخمسًا‪ ،‬واجع ْلـــن فِي َ ِ ِ‬
‫الخام َسة كَا ُف ً‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ْ ْ ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ور»(‪.)2‬‬ ‫كَا ُف ُ‬
‫وأما شهيد المعركة‪ :‬فال ياب تغسـيله وإنما يدفن بدمه‪ ،‬وهذا مذهب جماهير‬
‫العلماء‪ .‬ويأيت يف أحكام الانائز‪.‬‬
‫َ َ ُّ ً‬
‫(تعبدا)‪ :‬فالحكمة من تغسـيل الميت‪:‬‬
‫امتثال أمر اهلل تعالى وأمر رسوله ﷺ‪.‬‬
‫ولتطهيره وتنظيفه؛ كما يف حديث أم عطية‪« :‬ا ْغ ِس ْلـــنَ َها ِو ْت ًرا‪َ :‬ثالَ ًثا‪َ ،‬أ ْو َخ ْم ًسًا‪،‬‬
‫ور»‪ .‬وهذا التكرار لتتم الطهارة‬ ‫ورا‪َ ،‬أ ْو شـي ًئا مِ ْن كَا ُف ُ‬ ‫واجع ْلـــن فِي َ ِ ِ‬
‫الخام َسة كَا ُف ً‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫والنظافة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬السـيرة النبوية البن هشام (‪ ،)265 ،264/2‬ودالئل النبوة للبيهقي (‪.)432/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1126‬ومسلم (‪.)232‬‬

‫‪150‬‬
‫‪151‬‬ ‫فـصل شروط الغسل وسننه وصفته‬

‫‪e‬‬ ‫ص ُل‬
‫فَ ْ‬
‫‪F‬‬
‫(شروط الغسل وسننه وصفته)‬

‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫هُ‬ ‫ُ ُُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ ُ ُ ْ َ ٌَ‬


‫جبه‪ .‬وانلية‪ .‬واإلسالم‪ .‬والعقل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ورشوط الغس ِل سبعة‪ :‬ان ِقطاع ما يو‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫ُ‬ ‫َُ َ َُ ُ َ‬ ‫ُ َ ُ ه ُ َُ ُ‬ ‫ه‬
‫واتلميـزي‪ .‬والماء الطهور المباح‪ .‬وإزالة ما يمنع وصوهل)‪.‬‬
‫َ ُ ُ ُُ‬
‫جبه)‪ :‬فلو اغتسلت من الحيض قبل الطهر لم يصح غسلها إال‬ ‫(ان ِقطاع ما يو ِ‬
‫إن كانت مستحاضة‪.‬‬
‫هُ‬
‫(وانلية)‪ :‬فلو اغتسلت نية الغسل الواجب أو رفع الحدث لم ياز ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫قل‪ .‬واتله‬ ‫ُ‬
‫ميـزي)‪ :‬فال ياز غسل الكافر والمانون وغير المميز‪.‬‬ ‫(واإلسالم‪ .‬والع‬
‫الط ُ‬‫َ ُ ه‬
‫هور)‪ :‬فيشرتأ كون الماء طهور ًا‪ :‬فلو اغتسل بماء ناس لم يصح‬ ‫(والماء‬
‫وكذا ال يصح يف الماء الطاهر غير الطهور على المذهب وتقدم تفصيله يف باب‬
‫المياه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫اح)‪ :‬فلو اغتسل ُ‬
‫مسـروق لم يصح غسله على المذهب‪،‬‬ ‫مغصوب أو‬ ‫بماء‬ ‫(المب‬
‫وتقدم بيانه يف باب المياه‪ ،‬وأنه يصح مع اإلثم‪.‬‬
‫َ َُ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫(وإزالة ما يمنع وصوهلُ)‪ :‬لمواضع الغسل ألن تعميم البدن بالغسل بالماء‬
‫واجب‪ ،‬ويعفى عن اليسـير وخاِة ممن يالمسه كثير ًا كما رجحه شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫َ ُُ ه ه َُ َ ُ‬
‫سق ُط َس ً‬
‫هوا)‪.‬‬ ‫جبه‪ :‬التس ِمية‪ ،‬وت‬
‫قوهل‪( :‬ووا ِ‬
‫وهذا هو المذهب قياسًا على الوضوء وسبق بيانه يف الوضوء‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬أن التسمية مستحبة غير واجبة والصحيح عدم الوجوب‪ ،‬وهذا‬
‫لما وِفتا غسل‬
‫قول الاماهير‪ ،‬ولذلك لم تذكر يف حديث ميمونة وعائشة ڤ ا‬
‫النبي ﷺ من الانابة‪ ،‬مع ذكرهما بعض المستحبات‪ ،‬فلو كانت واجبة لذكرت‬

‫‪151‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪152‬‬

‫لكن يستحب له ذكرها كما يف الوضوء باامع أهنما رفع حدث‪.‬‬


‫َ ْ َُ‬ ‫ه‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُه َ َ َ ََ‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫خل ف ِم ِه وأن ِف ِه‪ ،‬حَت ما يظهر مِن‬ ‫قوهل‪( :‬وفرض َه‪ :‬أن يعم بالماءِ مجِيع بدن ِ ِه‪ ،‬ودا ِ‬
‫َْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَي ُب‪ :‬نقضه يف‬
‫ِ‬ ‫ها‪،‬‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫ِن‬ ‫ط‬ ‫با‬ ‫وحَت‬ ‫ها‪،‬‬‫ِ‬ ‫ت‬‫اج‬ ‫حل‬
‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫الق‬ ‫ِند‬‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫رأ‬ ‫الم‬ ‫رج‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬
‫كِف‪ :‬الظ ُّن يف اإلسب ِ‬
‫اغ)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اس‪ ،‬ال اجلنابةِ‪ .‬وي‬ ‫يض وانلِّف ِ‬ ‫َ‬
‫احل ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َُه َ َ َ ََ‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫خل ف ِم ِه وأن ِف ِه)‪ :‬فالغسل من الانابة له‬ ‫(وفرضه‪ :‬أن يعم بالماءِ مجِيع بدن ِ ِه‪ ،‬ودا ِ‬
‫ِفتان‪ُ :‬م ْا ِزئَة‪ .‬ومستحبة‪.‬‬
‫فال ُم ْا ِزئَة‪ :‬أن ينوي ثم يعمم بالماء كل بدنه حتى ما تحت الشعر الكثيف الذي‬
‫ال ترى البشـرة من ورائه ويتمضمض ويستنشق؛ لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال‬
‫ــه ﷺ‪« :‬إِ ان َت ْح َت ُكل َش ْع َر ُة َجنَا َب ًة َفا ْغ ِس ُلوا ا‬
‫الش ْع َر َو َأ ْن ُقوا ا ْلـــ َبشـر» [ضعفه‬
‫ول ال ال ِ‬
‫َر ُس ُ‬
‫أبوداود والرتمذي]‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫(حَت ما يظه ُر مِن ف ِ‬
‫رج المرأة ِ عِند القعو ِد ِحلاجتِها)‪ :‬حيث إن الواجب تعميم‬
‫البدن بالماء فيدخل فيه ما هو ظاهر‪ ،‬وداخل الفم واألنف وما قد يخرج أحيانًا‬
‫مثل ما يظهر من فرج المرأة عند قعودها‪ ،‬هذا المذهب‪ ،‬واألقرب أن ما يظهر من‬
‫فرج المرأة عند القعود يتسامح فيه؛ ألن عائشة ڤ قالت‪« :‬كنت َأ ْغت َِس ُل أنا‬
‫اح ُد َن ْغ ِر ُ‬ ‫ُ‬
‫َاء و ِ‬
‫ف منه جميعا»(‪ ،)1‬ولم تذكر مراعاة مثل هذه‬ ‫ول اهلل ﷺ من إِن َ‬
‫َو َر ُس ُ‬
‫األمور فدل على عدم الوجوب‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫ه‬
‫(وحَت باط َِن شع ِرها)‪ :‬باطن شعر الرأس ياب غسله يف الانابة والحيض؛ كما‬
‫ذكرت عائشة ڤ يف ِفة غسله ﷺ من الانابة‪ُ « :‬ث ام ُي َخل ُل بيده َش َع َر ُه حتى إذا َظ ان‬
‫الما َء» [متفق عليه] (‪.)2‬‬
‫اض عليه َ‬ ‫َأ ان ُه قد َأ ْر َوى َبشـر َت ُه َأ َف َ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ض ُه يف َ‬ ‫َ ُ َْ ُ‬
‫اجلناب ِة)‪ :‬هل ياب نقض الشعر يف‬ ‫اس‪ ،‬ال‬ ‫يض وانلِّف ِ‬‫احل ِ‬ ‫وَيب‪ :‬نق‬ ‫( ِ‬
‫الغسل أم ال؟ ال يخلو الغسل من حالتين‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)262‬ومسلم (‪.)312‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪- )262‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)316‬‬

‫‪152‬‬
‫‪153‬‬ ‫فـصل شروط الغسل وسننه وصفته‬

‫الحالة األولى‪ :‬يف غسل الانابة‪ ،‬ال ياب نقض الشعر‪ ،‬وهذا مذهب أكثر‬
‫العلماء‪ ،‬بل نقل ابن القيم ‪ :‬االتفاق عليه؛ إال ما يحكى عن ابن عمرو ﭭ‬
‫(‪)1‬‬

‫والنخعي وال يعلم لهما موافق‪.‬‬


‫مسلم َعن ُعبي ِد ب ِن ُعمي ُر َق َال‪« :‬ب َل َغ َعائِ َش َة َأ ان َعبدَ ال ال ِ‬
‫ــه ْب َن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ َْ ْ‬ ‫ويدل لذلك‪ :‬ما رواه‬
‫ال ْب ِن َع ْم ُرو َه َذا‬‫عم ُرو ي ْأمر النساء إِ َذا ا ْغتَس ْلـــن َأ ْن ينْ ُقضن رؤوسهن‪َ ،‬ف َقا َلت‪ :‬يا عابا ِ‬
‫ْ َ َ ًَ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ ُ ا‬ ‫َ ْ َ ُُ َ َ‬
‫وس ُه ان‪َ ،‬أ َفالَ َي ْأ ُم ُر ُه ان َأ ْن َي ْحلِ ْق َن ُرؤو َس ُه ان‪َ ،‬ل َقدْ‬
‫َي ْأ ُم ُر الن َسا َء إِ َذا ا ْغت ََس ْلـــ َن َأ ْن َينْ ُق ْض َن ُرؤ َ‬
‫ال َأ ِزيدُ َع َلى َأ ْن ُأ ْف ِر َغ َع َلى َر ْأسـي‬ ‫اح ُد‪َ ،‬و َ‬ ‫َاء و ِ‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُكن ُْت َأ ْغت َِس ُل َأنَا َو َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ﷺ م ْن إِن َ‬
‫ات»(‪.)2‬‬ ‫َثال ََث إِ ْفرا َغ ُ‬
‫َ‬
‫قال النووي معلقًا‪« :‬مذهبنا ومذهب الامهور أن ضفائر المغتسلة إذا وِل‬
‫الماء إلى جميع شعرها باطنه وظاهره من غير نقض لم ياب عليها نقضه‪ ،‬وإن لم‬
‫يصل إال بنقضه وجب نقضه»(‪.)3‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬يف غسل الحيض والنفاس؛ فيه خالف‪:‬‬
‫مذهب اإلمام أحمد أنه ياب نقضه‪ .‬واستدلوا‪ :‬بحديث عائشة عند مسلم؛‬
‫وفيه‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ت ْأ ُخ ُذ إِ ْحدَ ا ُك ان َما َء َها َو ِسدْ َر َت َها‪َ ،‬ف َت َط اه ُر َف ُت ْح ِس ُن‬
‫ون َر ْأ ِس َها‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ب َع َلى َر ْأ ِس َها َفتَدْ ُل ُك ُه َد ْلـــ ًكا َش ِديدً ا َحتاى َت ْب ُل َغ ُش ُئ َ‬ ‫ور‪ُ ،‬ث ام َت ُص ُّ‬ ‫ال ُّط ُه َ‬
‫الما َء‪ُ ،‬ث ام َت ْأ ُخ ُذ فِ ْر َِ ًة ُم َم اس َك ًة َف َت َط اه ُر بِ َها‪.)4(»...‬‬
‫ب َع َل ْي َها َ‬ ‫َت ُص ُّ‬
‫قال ابن القيم‪ :‬وهذا دليل على أن غسل الحيض ال يكفي فيه مارد إفاضة الماء‬
‫كالانابة‪ ،‬وكذلك حديث عائشة يف الصحيحين‪ :‬لما حاضت يف الحج؛ فقال لها‬
‫ك َوا ْمت َِشطِي‪َ ،‬و َأ ِهلي بِ َح نج‪َ ،‬ف َف َع ْل ُ‬
‫ـــت»(‪.)5‬‬ ‫ك‪ ،‬وا ْن ُقضـي ر ْأس ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫النبي ﷺ‪« :‬د ِعي ُعمر َت ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫(‪ )1‬يف هتذيب السنن (‪.)166/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)331‬‬
‫(‪ )3‬شـرح مسلم (‪.)250/3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪- )332‬واللفظ له‪ ،-‬والبخاري (‪ )302‬مختصـر ًا وليس فيه موضع الشاهد‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)311‬ومسلم (‪.)1211‬‬

‫‪153‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪154‬‬

‫وبوب له البخاري (باب‪ :‬نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض)‪.‬‬


‫ول اهللِ‬
‫وأما زيادة (والحيضة)‪ :‬يف حديث أم سلمة عند مسلم أهنا قالت َيا َر ُس َ‬
‫يك َأ ْن َت ْحثِي‬
‫إِني امر َأ ٌة َأ ُشدُّ َض ْفر ر ْأسـي َف َأ ْن ُق ُضه ل ِ ُغس ِل ا ْلانَاب ِة؟ َق َال‪َ « :‬ال‪ .‬إِناما ي ْك ِف ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫ك ا ْل َما َء َف َت ْط ُه ِري َن»‪ ،‬فقد ضعفها ابن‬ ‫ات ُثم ُت ِفيضـين َع َلي ِ‬ ‫ث ح َثي ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ا‬ ‫َع َلى َر ْأسك َث َال َ َ َ‬
‫رجب وابن القيم واأللباين وأعلوها بالشذوذ ومسلم ذكرها متابعة‪.‬‬
‫والحكم متوقف على تصحيح هذه الزيادة فعلى القول بصحتها فإن نقض‬
‫الشعر غير واجب وغاية ما فيه االستحباب‪ ،‬وعلى القول بإعاللها فإن األمر‬
‫للوجوب‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ثان‪ :‬أنه ال ياب عليها النقض؛ مستدلين بحديث ُأم َس َل َم َة َقا َل ْت‪:‬‬ ‫وفيه قول ُ‬
‫الانَا َب ِة؟ َق َال‪َ « :‬‬ ‫ِ‬ ‫ُق ْلـــت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ال‪،‬‬ ‫ول اهلل! إِني ا ْم َر َأ ٌة َأ ُشدُّ َض ْف َر َر ْأسـي أ َف َأ ْن ُق ُض ُه ل ُغ ْس ِل َ‬ ‫ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫إِن َاما َي ْكفيك َأ ْن َت ْحثي َع َلى َر ْأسك َثال ََث َح َث َيات‪ُ ،‬ث ام ُتفيضـي َن َع َل ْيك َ‬
‫الما َء َف َت ْط ُه ِري َن»‪.‬‬
‫الانَا َب ِة»‪ .‬وهذا مذهب األئمة الثالثة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسلم]‪َ .‬وفي لفظ له‪َ « :‬ف َأ ْن ُق ُض ُه ل ْل َ‬
‫ـــح ْي َضة َو َ‬ ‫ُ‬ ‫[رواه‬

‫واختاره ابن المنذر يف األوسط والشوكاين وابن حار‪ ،‬والمذهب أحوأ‪.‬‬


‫َ‬
‫اإلسب ِ‬ ‫ه ُّ‬ ‫َ‬
‫اغ)‪.‬‬ ‫كِف‪ :‬الظن يف‬ ‫قوهل‪( :‬وي ِ‬
‫متى غلب على ظنه أنه أسبغ األعضاء بالغسل أجزأ وغلبة الظن تنزل منزلة‬
‫اليقين يف الشـريعة؛ ولذا قالت عائشة ڤ‪َ « :‬حتاى إ ِ َذا َظ ان َأ ْن َقدْ َأ ْر َوى َبشـر َت ُه‪:‬‬
‫ات‪ُ ،‬ث ام َغ َس َل َسائِ َر َج َس ِد ِه» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫اض َع َلي ِه الماء َثال ََث مر ُ‬
‫َا‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َأ َف َ‬
‫َ ُُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُُ ُ ُ ُ َ َُ َ َُ َ َُ‬
‫اء ىلع َرأ ِس ِه‬
‫الم َ‬ ‫وء قبله‪ .‬وإزالة ما ل هوثه مِن أذ ًى‪ .‬وإفراغه‬ ‫قوهل‪( :‬وسننه‪ :‬الوض‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وىلع بَ ِق هي ِة جس ِده ِ ثالثا‪ .‬واتليامن‪ .‬والمواالة‪ .‬وإمرار َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬
‫ايل ِد ىلع اجلس ِد‪.‬‬ ‫ثالثا‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫وإاعدة غس ِل ِرجلي ِه بِماكن آخ َر)‪.‬‬
‫ولصفة الغسل المستحبة يسن أن يأيت بأمور‪:‬‬
‫ُ ُ ُ َ َُ‬
‫لصال َِة»‪ ،‬فالوضوء يف‬ ‫ِ‬
‫(الوضوء قبله)‪ :‬لحديث عائشة‪ُ « :‬ث ام َيت ََو اض ُأ ُو ُضو َء ُه ل ا‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )262‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)316‬‬

‫‪154‬‬
‫‪155‬‬ ‫فـصل شروط الغسل وسننه وصفته‬

‫بدايته مستحب باإلجماع‪ ،‬كما نقله ابن عبدالرب وابن جرير(‪.)1‬‬


‫َ‬ ‫َ َُ َ َُ‬
‫(وإزالة ما ل هوثه مِن أذ ًى)‪ :‬فيغسل ما علق به كما فعل رسول اهلل ﷺ يف حديث‬
‫عائشة وميمونة‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫اغ ُه الم َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اء ىلع َرأ ِس ِه ثالثا)‪ :‬ويخلل أِول شعره‪ ،‬ويف حديث عائشة‪:‬‬ ‫(وإفر‬
‫َات مِ ْل َء‬‫َات»‪ ،‬وميمونة‪ُ « :‬ثم َأ ْفر َغ َع َلى ر ْأ ِس ِه َثال ََث ح َفن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا َ‬
‫«ح َفن َع َلى ر ْأ ِس ِه َثال ََث ح َفن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ــه ﷺ‪« :‬إِ ان َت ْح َت ُكل َش ْع َر ُة‬ ‫ول ال ال ِ‬
‫كَف ِه»‪ ،‬ويف حديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َجنَا َب ًة َفا ْغ ِس ُلوا ا‬
‫الش ْع َر َو َأ ْن ُقوا ا ْلـــ َبشـر» [ضعفه أبوداود والرتمذي]‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫َ َ ه َ َ‬
‫(وىلع ب ِقي ِة جس ِده ِ ثالثا)‪ :‬يفيض الماء على سائر جسده ويعممه ثالثًا‪،‬‬
‫ويتعاهد المغابن والمعاطف كاإلبطين وما بين األِابع‪ ،‬ويف حديث عائشة‪ُ « :‬ث ام‬
‫اض َع َلى َسائِ ِر َج َس ِد ِه»‪ ،‬ويف حديث ميمونة‪ُ « :‬ث ام َغ َس َل َسائِ َر َج َس ِد ِه»‪.‬‬ ‫َأ َف َ‬
‫َ ُ‬
‫(واتلهيام ُن)‪ :‬أن يبدأ يف الغسل بالميامن من يديه ورجليه وشقي رأسه وجسده‪.‬‬
‫ُ ُ‬
‫(والم َواالة)‪ :‬أن يكون إتيانه هبذه المذكورات من الوضوء وإزالة ما علق بفرجه‬
‫وإفاضة الماء على رأسه وجسده بصورة متوالية وال يفرق بينها بفاِل طويل هذا‬
‫هو هدي الرسول ﷺ كما نقلته عائشة وميمونة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ار َ‬‫وإمر ُ‬
‫( َ‬
‫اجلس ِد)‪ :‬وهي مبلولة بالماء ليطمئن على وِول الماء إلى‬ ‫ايل ِد ىلع‬
‫جميعه وليكون أبلغ يف إسباغه‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫(وإاعدة غس ِل ِرجلي ِه بِماكن آخر)‪ :‬فيعيد غسل القدمين ويغير مكانه عند‬
‫غسلهما‪ ،‬وهذا ظاهر إذا كان المحل يقر فيه الماء؛ ألن كل ما تحدر من جسده‬
‫يصـيب رجليه‪ ،‬فكان حقهما بعد ذلك أن ُيطهرا‪.‬‬
‫وأما إن كان المكان ال تقر فيه المياه فيعيد غسلهما يف مكانه‪.‬‬
‫وعليه فإعادة غسل القدمين راجع إلى الحاجة‪ ،‬فإن كان مكان الغسل فيه طين‬
‫أو ما يعلق بالقدم أعاد الغسل وعليه يحمل حديث ميمونة‪« :‬ث ام َتن اَحى َع ْن َم َقامِ ِه‬
‫(‪ )1‬فتح الباري البن رجب (‪.)245/1‬‬

‫‪155‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪156‬‬

‫َذل ِ َك َف َغ َس َل ِر ْج َل ْي ِه»‪ ،‬وإال يكتفي بالغسل األول كما يف حديث عائشة‪ُ « :‬ث ام َأ َف َ‬
‫اض‬
‫َع َلى َسائِ ِر َج َس ِد ِه‪ُ ،‬ث ام َغ َس َل ِر ْج َل ْي ِه»‪ ،‬وهبذا يامع بين الروايات الواردة يف هذا‪.‬‬
‫وِفة غسل النبي ﷺ جاء من حديث عائشة وميمونة ﭭ‪ ،‬وبينهما بعض‬
‫الفروق يف الصفة‪ ،‬وهذا كثير يف العبادات؛ يفعلها النبي ﷺ على وجوه متنوعة‪،‬‬
‫فيكون يف ذلك توسعة على األمة‪ ،‬فعلى أي وجه فعلوها مما ورد أدركوا السنة‪،‬‬
‫وتمام السنة أن يفعلها على الوجوه كلها‪ ،‬تارة على هذا وتارة على الوجه اآلخر‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬التنشف بالمنديل بعد الغسل أو الوضوء‪ ،‬فقالت ميمونة‪ُ « :‬ث ام َأ َت ْي ُت ُه‬
‫ـــمن ِْدي ِل َف َر اد ُه»‪ ،‬ومذهب الامهور إلى أن التنشف مباح يستوي فعله وتركه؛ ألنه‬
‫بِا ْل ِ‬
‫لم يثبت عن الرسول ﷺ النهي عن التنشف؛ وألنه ﷺ جعل ينفض الماء بيده ولم‬
‫َينْ َه عنه‪ ،‬وأما رده المنديل يف حديث ميمونة فهي واقعة حال يتطرق إليها االحتمال‪،‬‬
‫إما لسبب يف المنديل‪ ،‬أو لكونه كان مستعاالً أو غير ذلك‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف‪ ،‬ولوال ذلك لم تأته بالمنديل‪.‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪« :‬نفضه الماء بيده دليل على أنه ال كراهة يف التنشـيف؛‬
‫ألن كال منهما إزالة»‪.‬‬
‫وقال النخعي‪ :‬كانوا ال يرون بالمنديل بأسًا‪ ،‬ولكن كانوا يكرهون العادة‪ ،‬والمعنى‬
‫أن السلف ال يرون بالمنديل بأسًا‪ ،‬ولكنهم يكرهون أن يصـير عادة بعد الوضوء‪.‬‬
‫فيحسن بالعبد أن يرتل التنشف أحيانًا؛ كما ورد عن النبي ﷺ عن ميمونة‬
‫خ ْر َق ُة َف َل ْم‬‫ـــمن ِْدي ِل َفرده»(‪ ،)1‬ويف رواية البخاري َقا َل ْت‪َ « :‬ف َأ َتي ُته بِ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ اُ‬
‫قالت‪ُ « :‬ثم َأ َتي ُته بِا ْل ِ‬
‫ا ْ ُ‬
‫ُي ِر ْد َها َف َا َع َل َينْ ُف ُض بِ َي ِد ِه»(‪ ،)2‬وألن ما على أعضاء الوضوء والغسل من أثر العبادة‪.‬‬
‫ت‬ ‫ت الصالَ ُة و ُعد َل ِ‬ ‫ويشهد له ما يف الصحيحين َعن َأبِي ُهرير َة ﭬ َق َال‪ُ « :‬أقِيم ِ‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وف قِ َيا ًما‪َ ،‬ف َخ َر َج إِ َل ْينَا َر ُس ُ‬
‫ب َف َق َال‬ ‫ول اهلل ﷺ ج َف َل اما َقا َم في ُم َصالا ُه‪َ ،‬ذك ََر َأ ان ُه ُجنُ ٌ‬ ‫الص ُف ُ‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)311‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)210‬‬

‫‪156‬‬
‫‪157‬‬ ‫فـصل شروط الغسل وسننه وصفته‬

‫َلنَا‪َ :‬م َكا َن ُك ْم ُث ام َر َج َع َفا ْغت ََس َل ُث ام َخ َر َج إِ َل ْينَا َو َر ْأ ُس ُه َي ْق ُط ُر َف َك اب َر َف َص الــ ْينَا َم َع ُه»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ً‬ ‫ُ ْ ً َ ُ ً‬ ‫َ َ‬
‫جبا‪ :‬أجزأ عن اآلخ ِر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ومن ن َوى غسال مسنونا‪ ،‬أو وا‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ََ َ َ ََ َ‬
‫ث وأطلق‪ .‬أو‪ :‬أم ًرا ال يباح إال ب ِ ُوضوء وغسل‪:‬‬ ‫احلد ِ‬ ‫ي‪ .‬أو‪:‬‬ ‫وإن نو َى رفع احلدث ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫أجزأ عنهما)‪.‬‬
‫هذه المسألة متعلقة بالنية المازئة يف غسل الانابة وكذا بتداخل العبادات‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أنه إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد‪ ،‬وإحداهما ليست مقصودة‬
‫لذاهتا فتاز إحداهما عن األخرى‪.‬‬
‫وذكر عدد ًا من الحاالت وكلها تاز عن غسل الانابة‪:‬‬
‫َ ً‬ ‫َ ََ ُ ْ ً َ ُ ً‬
‫جبا)‪ :‬كالانابة‪.‬‬‫( َومن نوى غسال مسنونا)‪ :‬كغسل اإلحرام أو الامعة‪( .‬أو وا ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫أجزأ عن اآلخ ِر)‪ :‬فياز غسل واحد عنهما‪.‬‬ ‫(‬
‫ْ ََ َ َ ََ َ‬
‫ي)‪ :‬جميعًا األِغر واألكرب؛ أجز عنهما‪.‬‬ ‫(وإن نوى رفع احلدث ِ‬
‫ْ ََ‬ ‫ََ‬
‫ث وأطلق)‪ :‬دون تحديد أجز عن األِغر واألكرب‪.‬‬ ‫(أو)‪ :‬نوى بغسله رفع‪( .‬احلد ِ‬
‫ََ َ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ً َُ ُ ه ُ ُ‬
‫(أو)‪ :‬نوى بغسله‪( .‬أمرا ال يباح إال بِوضوء وغسل)‪ :‬كالصالة‪( .‬أجزأ عنهما)‪:‬‬
‫عن األِغر واألكرب؛ ألن من الزم نية الصالة ارتفاع الحدثين‪.‬‬
‫فإذا نوى شيئًا من ذلك أجزأ غسله عن الواجب ورفع األِغر واألكرب‪.‬‬
‫ََُ َ‬ ‫َ ِّ ُ ه َ‬ ‫ٌ ُُ ٌ‬ ‫ُ َ ُّ ُ ُ ُ ُ ٍّ ُ‬
‫ان وأربعة أسباع‬ ‫ُُ ِ‬ ‫ت‬ ‫ِي‬ ‫ق‬‫و‬‫وأ‬ ‫‪،‬‬ ‫اِق‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫بال‬ ‫ث‬ ‫وء بِمد‪ ،‬وهو‪ِ :‬رطل وثل‬ ‫قوهل‪( :‬ويسن‪ :‬الوض‬
‫َ ِّ َ ُْ‬ ‫ٌ‬ ‫َُ َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫بالق ِ ِّ‬
‫دِس‪ .‬واالغتِسال بِصاع‪ ،‬وهو‪ :‬مخسة أرطال وثلث بال ِعر ِاِق‪ ،‬وعَش‬
‫ُ‬
‫بالق ْد ِ ِّ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬
‫ِس)‪.‬‬ ‫ان‬
‫أواق وسبع ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َيت ََو اض ُأ بِال ُمد‪َ ،‬و َي ْغت َِس ُل‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ويف الصحيحين عن أنس ﭬ قال‪« :‬ك َ‬
‫بِالصا ِع إلى َخمس ِة َأمدَ ُ‬
‫اد»(‪.)2‬‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ا‬
‫وقد ورد عن رسول اهلل ﷺ يف مقدار الماء الذي توضأ واغتسل فيه روايات عدة‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )211‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)605‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)126‬ومسلم (‪- )325‬واللفظ له‪.-‬‬

‫‪151‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪158‬‬

‫تدل على أن المقدار غير محدد‪ ،‬لكن البد من مراعاة أمرين‪:‬‬


‫األول‪ :‬أال يقلل الماء حتى ال يقدر على اإلسباغ الواجب‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أال يكثر الماء حتى يصل إلى حد اإلسـراف‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬أجمع المسلمون على أن الماء الذي ياز يف الوضوء والغسل‬
‫غير مقدر‪ ،‬بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شـرأ الغسل»‪.‬‬
‫فالواجب على المسلم أن يكمل الوضوء ويغسل أعضائه‪ ،‬وهذا يختلف‬
‫باختالف األشخاص فال ُيقدا ر الماء الذي يغتسل أو يتوضأ به‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫قوهل‪( :‬ويُ َ‬
‫اإلِساف)‪.‬‬ ‫كرهُ‪:‬‬
‫يف الماء الطهور ولو كان الماء وافر ًا‪ ،‬قال البخاري‪« :‬وكره أهل العلم اإلسـراف‬
‫فيه‪ ،‬وأن يااوزوا فعل النبي ﷺ»‪ ،‬وقال النووي‪« :‬أجمع العلماء على النهي عن‬
‫اإلسـراف يف الماء‪ ،‬ولو كان على شاطئ البحر»‪.‬‬
‫وقد جاءت أحاديث وآثار تأمر باالقتصاد يف الماء وتحذر من اإلسـراف؛ منها‪:‬‬
‫سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إِنا ُه‬ ‫ُ‬ ‫ما رواه أبو داود عن عبداهلل بن مغفل قال‪:‬‬
‫ور والدُّ َع ِ‬ ‫ون فِي َه ِذ ِه األُم ِة َقوم يعتَدُ َ ِ‬
‫اء»(‪.)1‬‬ ‫ون في ال ُّط ُه ِ َ‬ ‫ا ْ ٌ َْ‬ ‫سـي ُك ُ‬
‫وجاءت أحاديث أخرى يف النهي عن اإلسـراف يف الماء لكنها ال تخلوا من مقال‪.‬‬
‫ـــو ُضوء شـي َطانا ُي َقال َل ُه‪:‬‬ ‫كحديث أبي بن َك ْعب ﭬ َأن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬إِن ل ْل ُ‬
‫الماء» [رواه الرتمذي وضعفه](‪.)2‬‬ ‫الولهان‪َ ،‬فا ات ُقوا وسواس َ‬
‫وحديث عبداهلل بن َع ْمرو‪َ « :‬أن َر ُسول اهلل ﷺ مر بِ َس ْعد َو ُه َو يت ََو اضأ؛ َف َق َال‪َ :‬ما‬
‫جار» [رواه ابن‬ ‫ـوضوء إِسـراف؟ َق َال‪ :‬نعم‪َ ،‬وإِن كنت َع َلى هنر َ‬ ‫َه َذا السـرف! َق َال‪َ :‬أفِي ا ْل ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ، )26‬وابن ماجه (‪ ،)3664‬وأحمد (‪ ،)16641‬وِححه ابن حبان (‪ ،)6164‬والحاكم‬
‫يف المستدرل (‪ .)1212‬و النووي يف الماموع (‪ ،)220/2‬واأللباين يف ِحيح سنن أبي داود برقم (‪.)66‬‬
‫يب َو َل ْي َس إِ ْسنَا ُد ُه بِا ْل َق ِوي»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)421‬وقال أبو زرعة‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)51‬وقال‪َ « :‬ح ِد ٌ‬
‫يث غَ ِر ٌ‬
‫‪-‬كما نقل عنه ابن أبي حاتم يف العلل (‪« :)53/1‬رفعه إلى النبي ﷺ منكر»‪ .‬وضعفه ابن الاوزي يف العلل‬
‫المتناهية (‪ ،)345/1‬وابن حار يف التلخيص الحبير (‪.)101/1‬‬

‫‪156‬‬
‫‪159‬‬ ‫فـصل شروط الغسل وسننه وصفته‬

‫ماجه بسند ضعيف](‪.)1‬‬


‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ون ما ذك َِر)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬ال‪ :‬اإلسباغ بِد ِ‬
‫فلو أسبغ الغسل بأقل من ِاع أو الوضوء بأقل من مد لم يكره؛ ألن الواجب‬
‫هو غسل األعضاء من دون تحديد مقدار الماء‪.‬‬
‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ ُ ْ ُ‬
‫ج ِد‪ ،‬ما لم يؤ ِذ ب ِه)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ويباح‪ :‬الغسل يف المس ِ‬
‫كما نقله ابن المنذر عن علماء اإلسالم‪ ،‬ويف المسند َع ْن َأبِي ا ْلـــ َعال ِ َي ِة‪َ ،‬ع ْن‬
‫ول اهللِ ﷺ َت َو اض َأ فِي‬ ‫اب النابِي ﷺ َق َال‪َ « :‬ح ِف ْظ ُت َل َك َأ ان َر ُس َ‬ ‫َر ُج ُل مِ ْن َأ ِْ َح ِ‬
‫ا ِد»(‪ ،)2‬إذا لم يؤد إلى تلويثه وتقذيره وأذية المصلين‪.‬‬ ‫المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫وأما قضاء الحاجة داخل المساجد‪ ،‬فال ياوز لصراحة النصوص‪ ،‬كقوله ﷺ‪:‬‬
‫اجدَ َال َت ْص ُل ُح ل ِ َش ْي ُء مِ ْن َه َذا ا ْل َب ْو ِل‪َ ،‬و َال ا ْل َق َذ ِر إِن َاما ِه َي ل ِ ِذك ِْر اهللِ ‪،‬‬ ‫«إِ ان َه ِذ ِه ا ْلمس ِ‬
‫َ َ‬
‫آن» [رواه مسلم]‪.‬‬ ‫والص َال ِة وقِراء ِة ا ْل ُقر ِ‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ا‬
‫وأما المرافق التابعة كدورات المياه فال هني عن قضاء الحاجة فيها؛ ألهنا‬
‫أعدت لذلك ولم تعد للصالة‪.‬‬
‫ُ َ َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ َ ُ ُ‬
‫ُ‬ ‫َه‬
‫خيف‪ :‬ك ِره‪ ،‬وإن علِم‪ :‬حرم)‪.‬‬‫احلم ِام‪ ،‬إن أمِن الوقوع يف المحر ِم‪ .‬فإن ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ويف‪:‬‬
‫الحمام هنا أماكن عامة لالغتسال شبيه بالحمام البخاري واألِل فيها‬
‫اإلباحة‪ ،‬لكن إن كان فيها كشف للعورات أو وقوع يف المحرم فيمنع من دخولها؛‬
‫ألن الحكم يدور مع علته‪ ،‬وجود ًا وعدمًا وقد دخل الصحابة الحمامات كابن‬
‫عباس وأبي الدرداء‪ ،‬لكن لو علم أنه سـيقع يف محرم كالفواحش فتحرم‪ ،‬واآلن‬
‫غلب اسم الحمام على دورات المياه ووجدت هبا سخانات فأغنت عن الحمامات‬
‫الموجودة يف السابق‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)425‬وأحمد (‪ ،)1065‬وضعفه البوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪ ،)62/1‬وابن حار‬
‫يف التلخيص الحبير (‪.)144/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد (‪ ،)23136‬والبيهقي يف السنن الكربى (‪ ،)6362‬وقال الهيثمي يف مامع الزوائد (‪:)21/2‬‬
‫«رواه أحمد وإسناده حسن»‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪160‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ يف األَغسَا ِل املُستَحَبَّةِ‬


‫‪F‬‬
‫لما ذكر األغسال الواجبة‪ ،‬ذكر هنا األغسال المستحبة‪ ،‬وذكر أهنا ستة عشـر‪.‬‬
‫هُ‬
‫َضها‪ .‬ثم‪:‬‬ ‫ذل َكر َح َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُُ‬
‫َش‪ :‬آكدها‪ :‬ل ِصالة ِ مجعة يف يومِها‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ هَ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ويه ِستة ع‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ِّ‬
‫ل ِغس ِل ميت‪ .‬ثم‪ :‬لعيد يف يومِه‪ .‬ول ِكسوف‪ .‬واستِسقاء‪ .‬وجنون‪ .‬وإغماء‪.‬‬
‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ ه َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ِّ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ووقوف‬ ‫ول مكة‪ .‬وح َرمِها‪.‬‬ ‫ودلخ ِ‬ ‫وإلحرام‪ِ .‬‬ ‫َ‬ ‫والستِحاضة‪ ،‬ل ُِك صالة‪.‬‬
‫ُ َ َ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫وط َ‬ ‫ََََ َ‬
‫يم ِمجار‬ ‫ِ‬ ‫ور‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬‫ِف‬ ‫ل‬‫زد‬ ‫بم‬ ‫بيت‬ ‫وم‬ ‫‪.‬‬ ‫اع‬‫ود‬ ‫اف‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫ار‬ ‫ي‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫واف‬
‫ِ‬ ‫وط‬ ‫بِعرفة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ هَ َ َ‬
‫ويه ِستة عَش)‪ :‬للدليل أو التعليل أو القياس‪ ،‬ويف بعضها نظر‪.‬‬ ‫( ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(آك ُد َها‪ :‬ل َِصالة ِ ُمجُ َعة يف يَومِها‪ِ ،‬ذلكر َح َ َ‬ ‫َ‬
‫َضها)‪ :‬وغسل الامعة آكد األغسال‬
‫يد‬‫المستحبة لألدلة الكثيرة على مشـروعيته وفضـيلته؛ ففي الصحيحين َعن َأبِي س ِع ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب َع َلى ُكل ُم ْحتَلِ ُم»(‪.)1‬‬ ‫ـــام َع ِة َو ِ‬
‫اج ٌ‬ ‫ﭬ َع ِن النابِ ّي ﷺ َق َال‪« :‬ا ْلـــ ُغ ْس ُل َي ْو َم ا ْل ُ ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫س َق َال‪ :‬سمعت رس َ ِ‬ ‫س ْب ِن َأ ْو ُ‬ ‫وعند األربعة وحسنه الرتمذي َع ْن َأ ْو ِ‬
‫ْ ُ َ ُ‬
‫َب َفدَ نَا م ِ َن‬ ‫ِ‬
‫الا ُم َعة‪َ ،‬و َب اك َر َوا ْب َت َك َر‪َ ،‬و َمشـى‪َ ،‬و َل ْم َي ْرك ْ‬ ‫ول‪َ « :‬م ْن َغ اس َل َوا ْغت ََس َل َي ْو َم ُ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫َان َل ُه بِ ُكل ُخ ْط َو ُة َع َم ُل َسن َُة َأ ْج ُر ِـيامِ َها َوقِ َيامِ َها»(‪.)2‬‬ ‫است ََم َع‪َ ،‬و َل ْم َي ْلـــ ُغ‪ ،‬ك َ‬ ‫ِ‬
‫اإل َمامِ‪َ ،‬ف ْ‬
‫ول‪« :‬إِ َذا َأ َرا َد‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ويف الصحيحين‪ :‬عن ابن عمر َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫الا ُم َع َة َف ْلـــ َي ْغت َِس ْل»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َأ َحدُ ُك ْم َأ ْن َي ْأت َي ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫ـــح َس ِن َع ْن َس ُم َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ومن الصوارف عن الوجوب حديث ا ْل َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)620‬ومسلم (‪.)646‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ )426‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪ ،‬والنسائي (‪ ،)1361‬وأبو داود (‪ ،)345‬وابن ماجه‬
‫(‪ ،)1061‬وأحمد (‪ ،)16216‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)1156‬وابن حبان (‪ ،)2161‬والحاكم يف المستدرل‬
‫(‪ ،)1042‬واأللباين يف تخرياه لسنن الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)631‬ومسلم (‪- )644‬واللفظ له‪.-‬‬

‫‪160‬‬
‫‪161‬‬ ‫فصل يف األغسال املستحبة‬

‫الا ُم َع ِة َفبِ َها َون ِ ْع َم ْت‪َ ،‬و َم ِن ا ْغت ََس َل َف ُه َو َأ ْف َض ُل»(‪.)1‬‬


‫ﷺ‪َ « :‬م ْن َت َو اض َأ َي ْو َم ُ‬
‫وحديث َأبِي هرير َة َق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ـــو ُضو َء‪ُ ،‬ث ام‬‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َت َو اض َأ َف َأ ْح َس َن ا ْل ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬
‫الا ُم َع ِة َو ِز َيا َد ُة َثالَ َث ِة َأ ايامُ‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫ِ‬
‫است ََم َع َو َأن َْص َت؛ ُغف َر َل ُه َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ُ‬ ‫َأ َتى ُ‬
‫الا ُم َع َة َف ْ‬
‫مسلم](‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ـــحصـى َف َقدْ َل َغا» [رواه‬ ‫َم اس ا ْل َ‬
‫ومذهب جمهور العلماء‪ :‬أن غسل الامعة سنة مؤكدة لتأكيد النصوص عليه‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬والعمل على هذا عند أهل العلم من أِحاب النبي ﷺ ومن‬
‫بعدهم اختاروا الغسل يوم الامعة‪ ،‬ورأوا أنه ياز الوضوء من الغسل يوم‬
‫الامعة»‪ .‬ورجح هذا شـيخ اإلسالم وابن باز‪ :‬إال من عليه رائحة فياب عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫(يف يومِها)‪ :‬فوقت بداية غسل الامعة من بعد طلوع الفار الثاين ألن اليوم‬
‫غسل يوم‬
‫يبدأ منه‪ ،‬وينتهي بالخروج من الصالة؛ ولذا قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬من ا‬
‫الامعة ‪ .»...‬وهذا مذهب الامهور‪.‬‬
‫َ َ‬
‫( ِذلكر)‪ :‬فاالستحباب متأكد يف حق الرجال؛ ألهنم المخاطبون بشهود‬
‫الامعة‪.‬‬
‫َضها)‪ :‬فمن لم يحضـرها؛ لعذر من مرض أو سفر ال يؤمر بالغسل وجعلوا‬ ‫( َح َ َ‬
‫ول اهللِ ﷺ «إِ َذا َجا َء‬
‫الغسل تابعًا للصالة ويف الصحيحين َع ْن ا ْب ِن ُعمر‪َ ،‬ع ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ََ‬
‫الا ُم َعةَ‪َ ،‬ف ْل َي ْغت َِس ْل»‪.‬‬
‫َأ َحدُ ُك ُم ُ‬
‫ُ َ ْ َ ِّ‬
‫(ث هم‪ :‬ل ِغس ِل ميت)‪ :‬االغتسال من تغسـيل الميت‪ ،‬دلت النصوص على األمر به‬
‫ض ْأ» [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي‬‫المي َت َف ْلـــ َي ْغت َِس ْل‪َ ،‬و َم ْن َح َم َل ُه َف ْلـــ َيت ََو ا‬
‫كقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َغ اس َل َ‬
‫وحسنه]‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)354‬والرتمذي (‪ )421‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪ .‬والنسائي (‪ ،)1360‬وِححه ابن‬
‫خزيمة (‪ ،)126/3( )1151‬وحسنه النووي يف شـرحه على ِحيح مسلم (‪ ،)133/6‬وكذا األلباين يف‬
‫ِحيح أبي داود برقم (‪ ،)361‬وقد تكلم فيه بعض العلماء ألجل اختالفهم يف سماع الحسن من سمرة‬
‫ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)651‬‬

‫‪161‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪162‬‬

‫اس‪:‬‬‫وهذا لالستحباب وليس للوجوب‪ ،‬ومن ِوارف الوجوب‪ :‬قول ا ْب ُن َع اب ُ‬


‫اه ٌر‪َ ،‬و َليْ َس‬ ‫« َليس َع َلي ُكم فِي َغس ِل ميت ِ ُكم ُغس ٌل إِ َذا َغس ْلـــ ُتموه‪ ،‬إ ِ ان مي َت ُكم لِم ْؤمِن َط ِ‬
‫َ ْ ُ ٌ‬ ‫ا ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫س‪َ ،‬ف َح ْس ُب ُك ْم َأ ْن َت ْغ ِس ُلوا َأ ْي ِد َي ُك ْم» [أخرجه البيهقي](‪.)1‬‬
‫بِن َِا ُ‬
‫المي َت َف ِمناا َم ْن َي ْغت َِس ُل‪َ ،‬ومِناا َم ْن َ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫وللدارقطني َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر َق َال‪ُ « :‬كناا َن ْغس ُل َ‬
‫َي ْغت َِس ُل»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫ين َت َو افى‪،‬‬ ‫س ا ْم َرأ َة أبِي بِ ْك ُر‪َ ،‬غ اس َل ْت َأ َبا َب ْك ُر ح َ‬
‫ويف الموطأ‪َ « :‬أ ان َأ ْس َما َء بِن َْت ُع َم ْي ُ‬
‫ين‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬إني َِائِ َمةٌ‪َ ،‬وإِ ان َه َذا َي ْو ٌم‬ ‫اج ِر َ‬ ‫ضـرها مِ َن الم َه ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُث ام َخ َر َج ْت َف َس َأ َل ْت َم ْن َح‬
‫ال»(‪ .)3‬ولم يأمروها بغسل وال وضوء‪.‬‬ ‫َش ِديدُ ا ْلـــ َب ْر ِد‪َ ،‬ف َه ْل َع َلي مِ ْن ُغ ْسلُ؟ َف َقا ُلوا‪َ :‬‬
‫ا‬
‫وهذا دليل على االستحباب‪ :‬لوجود ِوارف تصـرف األمر على فرض ِحته‬
‫عن الوجوب كما ذكرناه قبل قليل عن ابن عمر وابن عباس وأسماء بنت عميس‬
‫ﭫ‪ ،‬وقد استحب الغسل من تغسـيل الميت‪ :‬اإلمام مالك والشافعي وأحمد‪،‬‬
‫حيث حملوا حديث أبي هريرة على االستحباب لوجود الصوارف‪.‬‬
‫ُ‬
‫(ث هم‪ :‬لعيد يف يومِه)‪ :‬يستحب االغتسال ليوم العيد؛ لحديث ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫اس‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ي ْغت َِس ُل يوم ا ْل ِ‬
‫ـــف ْط ِر َو َي ْو َم األ َ ْض َحى»(‪ .)4‬ولما فيه من التزين ليوم‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫«ك َ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي (‪ )1356‬موقوفًا ومرفوعًا؛ وضعف المرفوع‪ .‬وكذا األلباين يف السلسلة الضعيفة‬
‫(‪ ،)6304‬ورواه الدارقطني مرفوعًا (‪ ،)16/2‬وكذا الحاكم يف المستدرل (‪ )1426‬وقال‪ِ« :‬حيح على‬
‫شـرأ البخاري»‪ .‬وساق ابن حار رواية البيهقي المرفوعة وحسنها؛ كما يف التلخيص الحبير (‪.)136/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارقطني (‪ ،)12/2‬والبيهقي يف سننه الكربى (‪ ،)1363‬قال ابن حار يف تلخيص الحبير‬
‫(‪« :)136/1‬إسناده ِحيح»‪ .‬وكذا قال األلباين يف تمام المنة ص(‪.)121‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مالك يف الموطأ (‪ ،)521‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)6123‬قال ابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪« :)232/6‬وهذا منقطع»‪ .‬وضعفه األلباين يف تمام المنة ص(‪.)121‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)1315‬والبيهقي يف سننه الكربى (‪ ،)5221‬وضعفه النووي يف الخالِة (‪،612/2‬‬
‫‪ ،)620‬والبوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪ ،)156/1‬وابن حار يف الدراية يف تخريج أحاديث الهداية‬
‫(‪ ،)50/1‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪ ،)146‬وِحح األلباين إسناد الرواية الموقوفة على علي ﭬ؛‬
‫وهي عند البيهقي يف سننه (‪.)5212‬‬

‫‪162‬‬
‫‪163‬‬ ‫فصل يف األغسال املستحبة‬

‫العيد وإزالة الروائح‪.‬‬


‫قال ابن رجب‪« :‬وقد نص أحمد على استحبابه‪ ،‬ونقل النووي يف الماموع‬
‫وابن عبدالرب يف التمهيد االتفاق على استحبابه للاميع ذكر ًا أو أنثى‪ ،‬وهو مروي‬
‫عن علي‪ ،‬وكان ابن عمر يفعله»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫(ول ِكسوف‪ .‬واستِسقاء)‪ :‬قياسًا على الامعة باامع االجتماع للعبادة‬
‫ولتشاهبهما بوجود الخطبة والصالة‪.‬‬
‫ويحتمل اإلباحة دون االستحباب‪ ،‬وظاهر فعل رسول اهلل ﷺ يف الكسوف‬
‫واالستسقاء عدم الغسل؛ ألنه خرج فزعًا مسـرعًا يف الكسوف وخرج متبذ ً‬
‫ال‬
‫متخشعًا يف االستسقاء‪ ،‬وهذا يدل على عدم الغسل‪ ،‬واختاره ابن القيم‪.‬‬
‫ُُ‬
‫(وجنون)‪ :‬قياسًا على اإلغماء؛ ألهنما تشاهبا يف زوال العقل وغيابه‪.‬‬
‫َ‬
‫(وإغماء)‪ :‬لما يف الصحيحين عن عائشة ڤ َقا َل ْت‪َ « :‬ث ُق َل النابِ ُّي ﷺ َف َق َال‪:‬‬
‫ول اهلل‪َ .‬ق َال‪َ :‬ض ُعوا لِي َما ًء فِي‬ ‫ال َو ُه ْم َينْتَظِ ُرون ََك َيا َر ُس َ‬ ‫ااس؟ ُق ْلـــنَا‪َ :‬‬ ‫َأ َِ الــى الن ُ‬
‫اق؛ َف َق َال‪َ :‬أ َِ الــى‬ ‫ب ل ِ َينُو َء َف ُأ ْغ ِمي َع َل ْي ِه‪ُ ،‬ث ام َأ َف َ‬
‫ب‪َ ،‬ف َف َع ْلـــنَا َفا ْغت ََس َل ُث ام َذ َه َ‬ ‫ـــم ْخ َض ِ‬‫ا ْل ِ‬
‫َ‬
‫ااس؟ ففعله ثالثًا»(‪ .)2‬وهذا دليل على استحبابه‪.‬‬ ‫الن ُ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬
‫(والستِحاضة‪ ،‬ل ُِك صالة)‪ :‬لما رواه أبو داود َع ْن َعائِ َشةَ‪َ « :‬أ ان َس ْه َل َة بِن َْت ُس َه ْي ُل‬
‫ت النابِ اي ﷺ‪َ ،‬ف َأ َم َر َها َأ ْن َت ْغت َِس َل ِعنْدَ ُكل َِال َُة‪َ ،‬ف َل اما َج َهدَ َها َذل ِ َك‬ ‫يض ْت َف َأ َت ِ‬ ‫ح َ‬‫اس ُت ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـــم ْغ ِر ِ‬
‫ب َوا ْلـــع َشاء بِ ُغ ْسلُ‪َ ،‬و َت ْغتَس َل‬ ‫َأ َم َر َها َأ ْن َت ْا َم َع َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْلـــ َعصـر بِ ُغ ْسلُ‪َ ،‬وا ْل َ‬
‫لصبْحِ »(‪ ،)3‬وهو مستحب غير واجب‪ ،‬ويف حديث َعائِ َشةَ‪َ :‬أ ان َفاطِ َم َة بِن َْت َأبِي‬ ‫ل ُّ‬
‫ِ‬
‫الح ْي َض ِة‪َ ،‬فإ ِ َذا‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اض َف َس َأ َلت النابِ اي ﷺ َف َق َال‪َ « :‬ذلك ع ْر ٌق َو َل ْي َس ْت بِ َ‬
‫ِ‬ ‫ش كَان َْت ُت ْست ََح ُ‬ ‫ُح َب ْي ُ‬

‫(‪ )1‬الفتح (‪.)414/6‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)655‬ومسلم (‪- )416‬واللفظ له‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)225‬والدارمي يف سننه (‪ ،)165‬والبيهقي يف سننه (‪ ،)1544‬قال ابن رجب يف فتح‬
‫الباري (‪« :)450/1‬وأحاديث األمر بالغسل لكل ِالة كلها معلولة»‪ .‬وضعفه األلباين يف ضعيف سنن أبي‬
‫داود برقم (‪.)51‬‬

‫‪163‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪164‬‬

‫ت َفا ْغت َِسلِي َو َِلي»(‪ .)1‬فلم يأمرها به‪،‬‬


‫الصالَةَ‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْد َب َر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْق َب َلت َ‬
‫الح ْي َض ُة َفدَ عي ا‬
‫وكانت أم حبيبة تغتسل عند كل ِالة‪ ،‬قال ابن شهاب‪« :‬ولم يأمرها رسول اهلل ﷺ‬
‫به وإنما هو شـيء فعلته هي»‪.‬‬
‫وللمستحاضة غسالن‪ :‬واجب‪ :‬عند طهرها من الحيض كغيرها‪.‬‬
‫ومستحب‪ :‬وهو لكل ِالة وهذا ال ياب عليها‪ ،‬واستحبه جمهور العلماء‬
‫واختاره شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ت‪َ « :‬أ ان ُه ر َأى النابِي ﷺ َت َار َد ِ ِ‬
‫إل ْهالَل ِ ِه َوا ْغت ََس َل»‬ ‫وإلحرام)‪ :‬لحديث َزي ِد ب ِن َثابِ ُ‬ ‫َ‬ ‫(‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫[أخرجه الرتمذي‪ ،‬وحسنه]‪.‬‬
‫َ ه َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ول مكة‪ .‬وح َرمِها)‪ :‬للحج أو العمرة‪ ،‬وخاِة إذا كان الفاِل بين غسل‬ ‫ودلخ ِ‬ ‫( ِ‬
‫اإلحرام ووِوله مكة طويالً كما لو بات قبل دخولها؛ ويف الصحيحين َع ْن نَافِعُ‪:‬‬
‫ات بِ ِذي ُط ًوى َحتاى ُي ْصبِ َح َو َي ْغت َِس َل‪ُ ،‬ث ام َيدْ ُخ ُل‬ ‫ال َب َ‬‫ال َي ْقد ُم َم اك َة إِ ا‬ ‫« َأ ان ا ْب َن ُع َم َر ك َ‬
‫َان َ‬
‫َم اك َة ن ََه ًارا َو َي ْذ ُك ُر َع ِن النابِي ﷺ َأ ان ُه َف َع َل ُه»(‪.)3‬‬
‫قال ابن المنذر‪« :‬االغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء‪ ،‬وليس‬
‫يف تركه عندهم فدية»‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫ُُ‬
‫ووقوف بِع َرفة)‪ :‬وورد فيه أحاديث ضعيفة كحديث الفاكه ابن سعد‪ ،‬وروي‬‫(‬
‫عن ابن عمر وابن مسعود ﭫ كما يف مصنف ابن أبي شـيبة‪« :‬أهنم اغتسلوا ثم‬
‫راحوا إلى عرفة»(‪.)4‬‬
‫فهو وارد عن بعض الصحابة‪ ،‬وأما عن الرسول ﷺ فلم يثبت فيه حديث‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬االغتسال لعرفة قد روي يف حديث عن النبي ﷺ وسنده‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )314‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)333‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)630‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ .‬والبيهقي يف سننه (‪ ،)6126‬وِححه ابن خزيمة‬
‫(‪ ،)2525‬وحسنه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)142‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1426‬مسلم (‪- )1252‬واللفظ له‪.-‬‬
‫(‪ )4‬ذكر اآلثار ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ )420/3‬باب‪ :‬ما ذكر يف الغسل يوم عرفة يف الحج‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫‪165‬‬ ‫فصل يف األغسال املستحبة‬

‫ضعيف‪ ،‬وروي عن ابن عمر وعلي وابن مسعود ﭫ كما يف مصنف ابن أبي شـيبة‬
‫أهنم اغتسلوا ثم راحوا إلى عرفة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وط َ‬ ‫واف زيَ َ‬ ‫َ‬
‫يم ِمجار)‪ :‬أي فيستحب‬
‫ِ‬ ‫ور‬ ‫‪.‬‬‫ة‬‫ِف‬ ‫ل‬‫زد‬ ‫بم‬ ‫بيت‬‫وم‬ ‫‪.‬‬‫اع‬ ‫ود‬ ‫اف‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬‫ة‬ ‫ار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وط‬ ‫(‬
‫االغتسال لهذه األنسال األربعة طواف الزيارة‪ ،‬وهو طواف اإلفاضة‪ ،‬وطواف‬
‫الوداع‪ ،‬والمبيت بمزدلفة‪ ،‬ورمي الامار؛ ألهنا أنسال ياتمع لها الناس فاستحب‬
‫لها الغسل كاإلحرام ودخول مكة‪ ،‬وهذه أمور ذكر استحباب االغتسال لها ويف هذا‬
‫نظر؛ ألن االستحباب يحتاج إلى دليل‪.‬‬
‫ولم يثبت عن الرسول ﷺ وال عن الصحابة تحري االغتسال أو األمر به‪ ،‬وإنما‬
‫قاله بعض العلماء قياسًا‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه مباح غير مستحب‬
‫قال ابن القيم‪ :‬يف حاة رسول اهلل ﷺ‪« :‬ومنها تركه االغتسال بمزدلفة ولرمي‬
‫الامار ولطواف الزيارة ولصالة االستسقاء والكسوف ومن هنا يعلم أن القول‬
‫باستحباهبا خالف السنة»‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬ولم ينقل عن النبي ﷺ وال عن أِحابه يف الحج إال ثالثة‬
‫أغسال‪ :‬غسل اإلحرام‪ ،‬والغسل عند دخول مكة‪ ،‬والغسل يوم عرفة‪ .‬وما سوى‬
‫ذلك كالغسل لرمي الامار وللطواف والمبيت بمزدلفة فال أِل له ال عن النبي‬
‫ﷺ وال عن أِحابه ﭫ‪ ،‬وال استحبه جمهور األئمة ال مالك وال أبو حنيفة وال‬
‫أحمد‪ ،‬وإن كان ذكره طائفة من متأخري أِحابه بل هو بدعة؛ إال أن يكون هنال‬
‫سبب يقتضـي االستحباب مثل أن يكون به رائحة يؤذي الناس أو للتربد»(‪.)1‬‬
‫َ ُ َ ُّ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ه‬ ‫ُ َ َ ه ُ ُ ِّ َ َ‬
‫وء‪ ،‬إن تعذ َر)‪.‬‬ ‫حلاجة‪ .‬ول ِما يسن هل الوض‬
‫قوهل‪( :‬ويتيمم‪ :‬ل ِلُك؛ ِ‬
‫أمر اهلل بالتيمم عند تعذر استعمال الماء يف الطهارة الكربى والصغرى‪.‬‬
‫ولألغسال مع التيمم حالتان‪:‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)132/26‬‬

‫‪165‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪166‬‬

‫األولى‪ :‬الغسل الواجب كغسل الانابة والطهارة من الحيض إذا تعذر استعمال‬
‫الماء لها فإنه يصـير للتيمم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الغسل المستحب مثل غسل اإلحرام أو لدخول مكة أو عند غسل‬
‫الميت‪ ،‬المذهب استحباب التيمم لها عند عدم الماء‪.‬‬
‫واختار ابن قدامة وشيخ اإلسالم أنه ال يشـرع التيمم للغسل المستحب؛ ألن‬
‫هذه األغسال شـرعت للتنظف‪ ،‬والتيمم ال نظافة فيه(‪.)1‬‬
‫وهنال فروق بين الغسل الواجب والمستحب‪:‬‬
‫ومنها أن الغسل الواجب يراد إلباحة الصالة‪ ،‬والتيمم يقوم مقامه‪.‬‬
‫وأما الغسل المسنون فيراد للتنظيف وهذا ال يحصل بالتيمم‪.‬‬
‫والمسألة هنا اجتهادية ومحتملة‪ ،‬فلكل قول وجهه وتعليله‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما التيمم للوضوء المستحب عند تعذره‪ ،‬فمشروع كالتيمم للذكر‪،‬‬
‫ـــا ْه ِم قال‪:‬‬ ‫ورد السالم‪ ،‬كما فعله رسول اهلل ﷺ فيما رواه البخاري عن َأبي ا ْل َ‬
‫ول اهلل‬ ‫ــم َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َل ْم َي ُر اد َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ م ْن ن َْح ِو بِ ْئ ِر َج َملُ‪َ ،‬ف َلق َي ُه َر ُج ٌل َف َس ال َ‬ ‫« َأ ْق َب َل َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السال َم»(‪.)2‬‬ ‫ﷺ َع َل ْيه َحتاى َأ ْق َب َل َع َلى ا ْلـــادَ ِار َف َم َس َح َو ْج َه ُه َو َيدَ ْيه‪ُ ،‬ث ام َر اد َع َل ْيه ا‬
‫ول‪،‬‬ ‫اج ِر ْب ِن ُقنْ ُف ُذ‪َ « :‬أ ان ُه َأ َتى النابِي ﷺ َو ُه َو َي ُب ُ‬ ‫ويف سنن أبي داود وغيره َع ِن الم َه ِ‬
‫ُ‬
‫ا‬
‫ــم َع َل ْي ِه َف َل ْم َي ُر اد َع َل ْي ِه َحتاى َت َو اض َأ‪ُ ،‬ث ام ا ْعت ََذ َر إ ِ َل ْيه؛ َف َق َال‪« :‬إِني ك َِر ْه ُت َأ ْن َأ ْذ ُك َر ال الــ َه‬
‫ِ‬
‫َف َس ال َ‬
‫ال َع َلى ُط ْه ُر‪َ .‬أ ْو َق َال‪َ :‬ع َلى َط َه َار ُة»‪.‬‬ ‫‪ ‬إِ ا‬
‫وهذا مما يقوي قول المذهب يف التيمم للغسل المستحب‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم نوم الانب قبل الغسل والوضوء؟‬
‫دلت األدلة على جواز نوم الانب قبل الغسل‪ ،‬لكن يستحب له الوضوء قبل أن‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬أ َي ْر ُقدُ َأ َحدُ نَا‬
‫ينام؛ كما يف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر‪َ « :‬أ ان ُع َم َر َس َأ َل َر ُس َ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)16/5‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )330‬موِو ً‬
‫ال‪ ،‬ومسلم (‪ )362‬تعليقًا‪ ،‬وهو أحد األحاديث المعلقة عند مسلم مع قلتها‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫‪167‬‬ ‫فصل يف األغسال املستحبة‬

‫ب»(‪.)1‬‬ ‫ب؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم إِ َذا َت َو اض َأ َأ َحدُ ُك ْم َف ْلـــ َي ْر ُقدْ َو ُه َو ُجنُ ٌ‬


‫َو ْه َو ُجنُ ٌ‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا ك َ‬
‫َان ُجنُ ًبا َف َأ َرا َد َأ ْن َي ْأ ُك َل‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫وروى مسلم َع ْن َعائِ َش َة َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫لصال َِة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َأ ْو َينَا َم‪َ :‬ت َو اض َأ ُو ُضو َء ُه ل ا‬
‫مسألة‪ :‬وهل هذا الوضوء يف حقه واجب أم مستحب؟‬
‫األظهر‪ :‬استحبابه ويكره له تركه‪ ،‬وهو مذهب أكثر العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬ابن المبارل‬
‫ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬قال ابن عبدالرب‪« :‬وقد‬
‫وردت أحاديث تصـرف األمر عن الوجوب وإن كان يف كثير منها كالم»‪.‬‬
‫ومن الصوارف‪ :‬رواية ابن خزيمة َع ْن ُع َم َر‪َ « :‬أ ان ُه َس َأ َل َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ َأ َينَا ُم َأ َحدُ نَا‬
‫ب؟ َق َال‪َ :‬ينَا ُم َو َيت ََو اض ُأ إِ ْن َشا َء»(‪ .)3‬ويؤيده حديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫َان‬ ‫َو ُه َو ُجنُ ٌ‬
‫ب‪ ،‬مِ ْن َغ ْي ِر َأ ْن َي َم اس َما ًء»(‪.)4‬‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َينَا ُم َو ُه َو ُجنُ ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫ويؤيده أن هذا الوضوء ليس للصالة‪ ،‬وإنما للتنظف ونشاأ الاسم‪.‬‬
‫قال ابن قتيبة‪ :‬بعد أن ذكر الحديثين‪« :‬إن هذا كله جائز‪ ،‬فمن شاء أن يتوضأ‬
‫وضوءه للصالة بعد الاماع ثم ينام‪ ،‬ومن شاء غسل يده وذكره ونام‪ ،‬ومن شاء نام‬
‫من غير أن يمس ماء غير أن الوضوء أفضل‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ يفعل هذا مرة؛‬
‫ليدل على الفضـيلة‪ ،‬وهذا مرة ليدل على الرخصة‪ ،‬ويستعمل الناس ذلك فمن‬
‫أحب أن يأخذ باألفضل أخذ‪ ،‬ومن أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ»‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ويستحب للانب إذا أراد أن يأكل أن يتوضأ‪ :‬لقول َعائِ َشةَ‪« :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ول‬
‫لصال َِة»‪.‬‬‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ إِ َذا ك َ‬
‫َان ُجنُ ًبا َف َأ َرا َد َأ ْن َي ْأ ُك َل َأ ْو َينَا َم َت َو اض َأ ُو ُضو َء ُه ل ا‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )263‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)306‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)305‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن خزيمة (‪ ،)211‬وابن حبان (‪ ،)1216‬وأِله يف الصحيحين دون قوله‪« :‬إن شاء»‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)116‬وأبو داود (‪ )226‬وضعفه‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)563‬وأحمد (‪ ،)25116‬وقد اختلف‬
‫فيه العلماء‪ :‬فقد ِححه الطحاوي والحاكم والبيهقي وضعفه اإلمام أحمد وأبو داود وغيرهم‪ .‬انظر‪ :‬فتح‬
‫الباري البن رجب (‪ ،)362/1‬وابن حار يف التلخيص الحبير (‪.)141 ،140/1‬‬

‫‪161‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪168‬‬

‫‪e‬‬ ‫َممِ‬
‫التي ُّ‬
‫بَابُ َّ‬
‫‪F‬‬

‫عقد هذا الباب لبيان أحكام التيمم وشـروطه وِفته‪.‬‬


‫والتيمم من خصائص هذه األمة‪ ،‬ففي الصحيحين عن جابر ﭬ َأ ان النابِي ﷺ‬
‫ا‬
‫ِ‬
‫سـير َة َش ْه ُر‪َ ،‬و ُجع َل ْت‬ ‫يت َخ ْم ًسا َل ْم ُي ْع َط ُه ان َأ َحدٌ َق ْبلِي‪ُ :‬ن‬ ‫َق َال‪ُ « :‬أ ْعطِ ُ‬
‫ب َم َ‬ ‫صـرت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬ ‫ُ‬
‫ــت‬‫الصالَ ُة َف ْلـــ ُي َصل‪َ ،‬و ُأ ِح ال ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ورا‪َ ،‬ف َأ ُّي َما َر ُج ُل م ْن ُأ امتي َأ ْد َر َك ْت ُه ا‬ ‫ِ‬
‫ل َي األَ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً‬
‫ِ‬
‫َان النابِ ُّي ُي ْب َع ُث إِ َلى َق ْومِ ِه‬
‫الش َفا َعةَ‪َ ،‬وك َ‬ ‫يت ا‬ ‫ح ال ألَ َح ُد َق ْبلِي‪َ ،‬و ُأ ْعطِ ُ‬ ‫لِي الم َغانِم و َلم َت ِ‬
‫َ َ ُ َ ْ‬
‫ااس َعا ام ًة» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫اِ ًة َو ُب ِع ْث ُت إِ َلى الن ِ‬
‫َخ ا‬
‫وهذا الباب دليل على يسـر الشـريعة وسماحتها‪ ،‬كما عند البخاري َع ْن َأبِي‬
‫ال َغ َل َب ُه‪َ ،‬ف َسد ُدوا‬‫ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬إِ ان الدي َن ُيسـر‪َ ،‬و َل ْن ُي َشا اد الدي َن َأ َحدٌ إِ ا‬
‫لا ِة»(‪.)2‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اربوا و َأبشـروا‪ ،‬و ِ‬
‫الر ْو َحة‪َ ،‬وشـيء م َن الدُّ َ‬ ‫استَعينُوا بِا ْلـــ َغدْ َوة َو ا‬ ‫َ ْ‬ ‫َو َق ِ ُ َ ْ‬
‫وتعريف التيمم‪ :‬لغة‪ :‬القصد والتوجه؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾‬
‫[المائدة‪.]2 :‬‬
‫واِطالحًا‪ :‬التعبد هلل بمسح الوجه والكفين من الصعيد الطيب عند تعذر‬
‫استعمال الماء‪.‬‬
‫وقد دل على مشـروعيته‪:‬‬
‫الكتاب‪ :‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [النساء‪.]43 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)326‬ومسلم (‪.)521‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)32‬‬

‫‪166‬‬
‫‪169‬‬ ‫بـاب الــتيـمم‬

‫والسنة‪ :‬وهي كثيرة‪.‬‬


‫واإلجماع‪ :‬ونقل ابن الملقن إجماع العلماء‪ :‬أن التيمم مخصوص بالوجه‬
‫والكفين سواء كانت الطهارة كربى أم ِغرى‪.‬‬
‫وسبب نزول آية التيمم‪ :‬ما ورد يف الصحيحين‪« :‬لما قفل رسول اهلل ﷺ من‬
‫اس ِه‬‫ول اهلل ﷺ َع َلى ا ْلـــتِم ِ‬
‫َ‬ ‫غزوة‪ ،‬وعرسوا يف مكان سقط فيه عقد عائشة‪َ ،‬ف َأ َقا َم َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ﷺ َحتاى‬ ‫اء‪َ ،‬و َل ْي َس َم َع ُه ْم ماء ‪َ ...‬فنَا َم َر ُس ُ‬ ‫و َأ َقام النااس معه‪ ،‬و َليسوا َع َلى م ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ََُ َ ُْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫الح ِ‬ ‫ُ‬
‫ضـير‪َ :‬ما ه َي‬ ‫َأ ِْ َب َح َع َلى َغ ْي ِر َماء‪َ ،‬ف َأن َْز َل اهلل آ َي َة ال ات َي ُّم ِم َف َت َي ام ُموا‪َ .‬ف َق َال ُأسـيدُ ْب ُن ُ‬
‫ــذي ُكن ُْت َع َل ْي ِه َف َو َجدْ نَا‬ ‫بِ َأو ِل بركَتِ ُكم يا َآل َأبِي ب ْك ُر‪َ .‬ف َقا َل ْت َعائِ َش ُة‪َ :‬فبع ْثنَا ا ْلـــب ِعير ا ال ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ا ََ‬
‫ا ْل ِ‬
‫ـــع ْقدَ َت ْح َت ُه»(‪.)1‬‬
‫ميـزي‪ ،‬واالستِ ْن َج ُ‬ ‫ُ‬ ‫والع ْق ُل‪ ،‬واتله‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫هُ‬ ‫ََ َ‬ ‫قوهل‪( :‬يَ ِص ُّح ب ُ ُ‬
‫اء‬ ‫َشوط ثمانِية‪ :‬انلية‪ ،‬واإلسالم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أو االستِجمار)‪.‬‬
‫التيمم البد لصحته من توفر شـروطه‪ ،‬وذكر المؤلف له ثمانية شـروأ‪:‬‬
‫هُ‬
‫(انلية)‪ :‬بأن ينوي بتيممه الطهارة ورفع الحدث‪.‬‬
‫ُ‬
‫(واإلسالم)‪ :‬بأن يكون مسلمًا؛ ألن الكافر ال يصح وضوئه وال غسله وال‬
‫تيممه‪.‬‬
‫َْ ُ‬
‫(والعقل)‪ :‬ألن المانون مرفوع عنه القلم وال قصد له فال تصح طهارته‪.‬‬
‫ميـزي)‪ :‬وهو من عمره سبع سنوات على المذهب؛ ألن من دونه ال تمييز‬‫ُ‬ ‫(واتله‬
‫له يف الغالب وال يتوجه أمره بالصالة وتوابعها من وضوء وتيمم‪.‬‬
‫وهذه األربعة شـرأ يف كل عبادة فال تصح إال هبا؛ إال التمييز فليس شـرطًا يف‬
‫ِحة الحج والعمرة‪ ،‬وال يف وجوب الزكاة فإهنا تاب يف ماله ولو لم يميز‬
‫ويخرجها عنه وليه‪.‬‬
‫َ‬
‫جم ُ‬
‫ار)‪ :‬وهذا الشـرأ يف حق من انتقض وضوؤه بخروج‬ ‫(واالستِ ْن َج ُ‬
‫اء أو االستِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3462‬ومسلم (‪.)361‬‬

‫‪162‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪170‬‬

‫شيء من السبيلين كبول أو غائط أو مذي فيلزمه قبل التيمم إزالة النااسة‬
‫باالستنااء أو االستامار‪.‬‬
‫وأما إن كان حدثه بخروج ريح فال يلزمه االستنااء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬ ‫ه‬ ‫ه ُ ُ ُ ُ‬
‫قت الصالة ِ‪ .‬فال ي ِصح اتلهيم ُم ل ِصالة قبل َوقِتِها‪ .‬وال‬
‫قوهل‪( :‬السادِس‪ :‬دخول َو ِ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫ِنلاف ِلة َوقت نه)‪.‬‬
‫فيشرتأ لصحة التيمم دخول وقت الصالة فال يصح التيمم قبل دخول وقت‬
‫الفريضة‪ ،‬وهذا مبني على أن التيمم مبيح للصالة ال رافع للحدث وهذا المذهب‪.‬‬
‫واختار شـيخ اإلسالم وابن القيم أنه رافع للحدث مطلقًا ويصح التيمم قبل‬
‫دخول الوقت إن كان العذر باقيًا وهذا مذهب اإلمام أبي حنيفة‪ ،‬وعليه فال يشرتأ‬
‫لصحة التيمم دخول وقت الصالة‪ ،‬وهو األظهر ويقويه أنه بدل عن الماء فيأخذ‬
‫حكم المبدل‪.‬‬
‫وج ِع َل ْت ُت ْر َب ُت َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقوله ﷺ‪َ « :‬و ُجع َل ْت ل َي األ َ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً‬
‫ورا»‪ .‬وقوله ﷺ‪ُ « :‬‬
‫ِِ‬
‫الما َء»(‪ .)1‬فتأخذ أحكام الماء‪.‬‬ ‫ورا إِ َذا َل ْم نَاد َ‬
‫َلنَا َط ُه ً‬
‫وأن اهلل ‪ ‬لما ذكر التيمم قال‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [المائدة‪ .]6 :‬فدل أنه مطهر‪.‬‬
‫وعلى هذا يكون التيمم كالماء عند مشروعيته‪ ،‬فال يشرتأ له دخول الوقت‪،‬‬
‫وال يبطل بخروج الوقت فال ُيلزم بتاديد التيمم لكل ِالة إذا لم يحدث وكان‬
‫العذر قائمًا حتى يأيت بناقض آخر‪ ،‬كذلك يتيمم حتى يف أوقات النهي‪ ،‬فالراجح أن‬
‫هذا الشـرأ غير ِحيح‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬التيمم يقوم مقام الماء مطلقًا ويستبيح به ما يستباح‬
‫بالماء‪ ،‬ويتيمم قبل الوقت‪ ،‬كما يتوضأ قبل الوقت‪ ،‬ويبقى بعد الوقت كما تبقى‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )522‬من حديث حذيفة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪171‬‬ ‫بـاب الــتيـمم‬

‫طهارة الماء بعده‪ ،‬وإذا تيمم لنافلة ِ ّلى به الفريضة‪ ،‬كما أنه إذا توضأ لنافلة ِ ّلى‬
‫به الفريضة‪ ،‬وهذا قول كثير من أهل العلم‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد يف‬
‫الرواية الثانية‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬هذا هو القياس ‪ ...‬وهذا القول هو الصحيح‪ ،‬وعليه‬
‫يدل الكتاب والسنة واالعتبار ‪.»...‬‬
‫وقال‪« :‬فالتيمم رافع للحدث‪ ،‬مطهر لصاحبه‪ ،‬لكن رفعه مؤقت إلى أن يقدر‬
‫على استعمال الماء‪ ،‬فإنه بدل عن الماء‪ ،‬فهو مطهر ما دام الماء متعذر ًا»‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ََ‬ ‫َ‬
‫ال الماءِ؛ إما ل ِعدمِه‪ ،‬أو ِخلوف ِ ِه باستِعم ِاهل‬
‫َ‬
‫عم‬ ‫ت‬‫اس‬ ‫ـــع‪َ :‬ت َع ُّذ ُ‬
‫ر‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬الساب ِ‬
‫ه َ‬
‫الَض َر)‪.‬‬
‫فيشرتأ لصحة التيمم أن يتعذر عليه استعمال الماء‪ ،‬ويكون ذلك بأحد أمرين‪:‬‬
‫ه ََ‬
‫(إما ل ِعدمِه)‪ :‬أي لعدم وجود الماء‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [النساء‪.]43 :‬‬
‫ويف حديث عائشة ڤ‪« :‬و َليسوا َع َلى م ُ‬
‫اء‪َ ،‬و َل ْي َس َم َع ُه ْم َما ٌء» [متفق عليه]‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬
‫الَض َر)‪ :‬كأن يكون به جروح‪ ،‬أو يخشـى ضـرر الربد‪ ،‬أو‬ ‫عم ِاهل ه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(أو ِخلوف ِ ِه باستِ‬
‫يخاف من الهالل‪ ،‬أو ال ياد ماء ليشـرب إال هذا فيخشـى من الهالل إن توضأ به‪،‬‬
‫فياوز له التيمم‪.‬‬
‫لقوله ﷺ‪« :‬ال ضـرر وال ضـرار»(‪ .)1‬ولحديث عمرو بن العاص ﭬ‪« :‬لما بعثه‬
‫رسول اهلل ﷺ فاحتلم يف ليلة باردة فأشفق على نفسه من الهالل إن اغتسل‪ ،‬فتيمم‬
‫وأقره رسول اهلل ﷺ على ذلك»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2341‬وأحمد (‪ ،)2661‬من حديث ابن عباس ﭭ مرفوعًا‪ ،‬وروي عن غيره من‬
‫الصحابة‪ ،‬ورواه مالك يف الموطأ مرسالً (‪ ،)1422‬وحسنه النووي يف األذكار ص(‪ ،)325‬وابن رجب يف‬
‫جامع العلوم والحكم ص(‪ ،)302‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)626‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)334‬وِححه الحاكم (‪ ،)626‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)154‬‬

‫‪111‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪172‬‬
‫ْ َ ٍّ َ َ‬ ‫َ ُ َ ُُْ َ َ‬
‫يم أو ب ِهيمة)‪.‬‬
‫ان‪ ،‬مِن آد ِ‬
‫قوهل‪( :‬وَيب‪ :‬بذهل للعطش ِ‬
‫لو كان معه ماء أعده لوضوئه ووجد إنسانًا عطشانًا معصوم الدم فياب بذله‬
‫له وال ياوز له أن يبقيه لوضوئه ويرتل هذا اإلنسان يموت؛ ألن العطش ال بديل‬
‫عن لماء لسده‪ ،‬وأما الوضوء فهنال بديل له وهو التيمم‪.‬‬
‫وكذا لو احتاجه هو لدفع العطش فيشـربه ويتيمم لصالته؛ ألن اهلل تعالى قال‪:‬‬
‫﴿ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [النساء‪.]22 :‬‬
‫َ َ‬
‫(أو ب ِهيمة)‪ :‬أي لو وجد هبيمة أو طير ًا عطشانًا فيلزمه أن يؤثره بالماء ويتيمم‪.‬‬
‫(محرتمين)‪ :‬أي أن الذين ياب عليه أن يؤثرهم بالماء لعطشهم على وضوئه‬
‫من كانوا محرتمين من اآلدميين أو البهائم‪.‬‬
‫فاآلدمي المحرتم هو معصوم الدم‪ :‬ويشمل المسلم‪ ،‬والذمي‪ ،‬والمعاهد‪،‬‬
‫والمستأمِن‪ ،‬وأما المحارب فلو تركه يموت فال شـيء عليه؛ ألنه غير محرتم‪ ،‬ولذا‬
‫ياوز قتله ولو قدم سقياه على الوضوء جاز‪.‬‬
‫وغير المحرتم من الحيوانات‪ :‬من أمرنا بقتله كالفأرة والحية‪ ،‬فظاهر كالمه أن‬
‫له تركها تموت عطشًا إن لم ياد إال الماء الذي يتوضأ به‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أهنا حتى ولو كانت غير محرتمة كالكلب األسود والحية والفأرة‪،‬‬
‫ب‬‫فإنه يقدم سقيها على الوضوء‪ ،‬ويف الصحيحين عن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ب ْين ََما َك ْل ٌ‬
‫يف بِ َركِ اي ُة كَا َد َي ْق ُت ُل ُه ا ْل َع َط ُش؛ إِ ْذ َر َأ ْت ُه َب ِغ ٌّي من َب َغا َيا َبنِي إ ِسـرائِ َيل َفن ََز َع ْت ُمو َق َها‬
‫ُيطِ ُ‬
‫َف َس َق ْت ُه َف ُغ ِف َر لها بِ ِه»(‪ .)1‬ويف كل كبد رطبة أجر واآلدمي أولى‪ ،‬ونقل ابن المنذر‬
‫اإلجماع على ذلك‪.‬‬
‫ُ ُ ً هُ‬ ‫َ َ َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫كِف‪ ،‬وجوبا‪ ،‬ثم‬
‫كِف ل ِطهارت ِ ِه‪ :‬استعمله فِيما ي ِ‬
‫قوهل‪( :‬ومن وجد ماء ال ي ِ‬
‫ََه‬
‫تيم َم)‪.‬‬
‫من وجد ماء ال يكفي للوضوء كامالً فيكفي مثالً لغسل الوجه واليدين‪ ،‬وجب‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3260‬ومسلم (‪ )2245‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪173‬‬ ‫بـاب الــتيـمم‬

‫عليه أن يستعمل هذا الماء يف غسلهما ثم يتيمم للباقي‪ ،‬ودليل هذا قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪ .]16 :‬ويف الصحيحين عن رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا‬
‫ِ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم»(‪ ،)1‬ورجحه مشايخنا ابن عثيمين وابن جربين(‪.)2‬‬ ‫َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ‬
‫ََ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ َ‬
‫الوقت‪ ،‬أو‪ :‬علِ َم أن انلهوبة ال‬ ‫قوهل‪( :‬وإن َوصل المساف ُِر إىل الماءِ‪ ،‬وقد ضاق‬
‫َُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫عد ُخ ُ‬‫ه َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫الوقت)‪.‬‬ ‫ريهُ‪ :‬ال‪ ،‬ولو فاته‬
‫وغ ُ‬ ‫ج ِه‪ :‬عدل إىل اتلهيم ِم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ت ِصل إيل ِه إال ب‬
‫لو كان مسافر ًا وال ماء معه وخشـي إذا انتظر الماء أن يخرج الوقت‪ :‬لبعد الماء‪،‬‬
‫أو ضـيق الوقت‪ ،‬أو كثرة الزحام على الماء‪ ،‬فهل يتيمم محافظة على الوقت أم‬
‫ينتظره ولو خرج الوقت؟ ال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون غير نائم وال ناس‪ :‬فإنه يتيمم؛ ألن مراعاة وقت الصالة التي‬
‫ال بدل لها أولى من مراعاة الوضوء الذي له بدل شـرعي وهو التيمم‪.‬‬
‫وهذا المذهب؛ ألن مراعاة الوقت أولى يف هذه الحالة ورجحه النووي وشـيخ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إذا كان نائمًا أو ناسـيًا ثم استيقظ أو تذكر قرب خروج الوقت ولم‬
‫يقدر أن يامع بين الوضوء بالماء والصالة يف الوقت لكلفة الوِول للماء ببعد‬
‫محله أو وجود زحام فإذا شـرع يف الوضوء خرج الوقت وإن تيمم أدركه‪،‬‬
‫فالمذهب أنه يتيمم مراعا ًة للوقت‪.‬‬
‫واختار شـيخ اإلسالم‪ :‬أنه يتوضأ وال يتيمم حتى لو خرج الوقت وفرق بينه‬
‫وبين المستيقظ والذاكر؛ ألن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬م ْن نَا َم َع ْن َِال َُة َف ْلـــ ُي َصل َها إِ َذا‬
‫يط َع َلى َم ْن َل ْم ُي َصل‬ ‫اس َت ْي َق َظ»(‪ .)3‬ولمسلم‪َ « :‬أ َما إِ ان ُه َل ْي َس فِي الن ْاو ِم َت ْف ِر ٌ‬
‫يط‪ ،‬إِن َاما ال ات ْف ِر ُ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )6656‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)1331‬‬


‫(‪ )2‬الممتع (‪ ،)233/1‬شفاء العليل (‪.)342/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو يعلى يف مسنده (‪ ،)625‬والطرباين يف الكبير (‪)266‬؛ من حديث أبي جحيفة ﭬ‪ ،‬وقال الهيثمي‬
‫يف مامع الزوائد (‪« :)322/1‬رجاله ثقات»‪ .‬وِححه األلباين يف السلسلة الصحيحة برقم (‪.)326‬‬

‫‪113‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪174‬‬

‫الصال َِة األُ ْخ َرى‪َ ،‬ف َم ْن َف َع َل َذل ِ َك َف ْلـ ُي َصل َها ِحي َن َينْ َتبِ ُه َل َها‪،‬‬‫اي َء َو ْق ُت ا‬ ‫الصالَ َة َحتاى َي ِ‬ ‫ا‬
‫َان ا ْل َغدُ َف ْلـ ُي َصل َها ِعنْدَ َو ْقتِ َها»(‪.)1‬‬
‫َفإِ َذا ك َ‬
‫ومسألة التيمم خشـية فوات العبادة‪ :‬شـيخ اإلسالم‪ :‬يطردها فيقول‪« :‬ياوز‬
‫التيمم محافظة على الصالة التي تفوت مثل الانازة لو خشـي فواهتا وِالة العيد‬
‫والكسوف والامعة»‪.‬‬
‫ومن األدلة‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ تيمم لرد السالم خشـية فواته(‪)2‬؛ ألن فواهتا ال‬
‫يوجد لها بدل وهذا قول قوي‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)3‬‬
‫َ ُ‬ ‫ََُ ُ ُ ُ َ َُ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َيد‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫اء‪ ،‬أو‪ :‬م هر ب ِه‪ ،‬وأمكنه الوضوء‪ ،‬ويعلم أن‬
‫الم َ‬ ‫قت أراق‬
‫قوهل‪( :‬ومن يف الو ِ‬
‫َ ه َ ُ ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ ََه‬
‫ريهُ‪ :‬ح ُرم‪ .‬ث هم إن تيم َم وصىل‪ :‬لم ي ِعد)‪.‬‬‫غ‬
‫من دخل عليه وقت الصالة وهو على غير طهارة ومعه ماء فأراقه مع علمه أنه‬
‫لن ياد غيره يف الوقت حرم عليه ذلك لوجوب الوضوء وتفريطه فيه‪.‬‬
‫فإذا تيمم بعد ذلك وِلى ِحت ِالته لعدم وجود ماء آخر‪.‬‬
‫وكذلك لو مر بماء بعد دخول الوقت ويعلم أنه ال ياد غيره فياب عليه‬
‫الوضوء منه فإن ذهب وتركه حرم عليه ذلك لتفريطه‪ ،‬ثم إذا تيمم وِلى ِحت‬
‫ِالته وال إعادة عليه يف الحالتين‪.‬‬
‫َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وإن َو َج َد ُُم ِد ٌث ‪-‬ب َب َدن ِ ِه وثوب ِه َنَاسة‪َ -‬م ً‬
‫ْ‬
‫كِف‪ :‬وجب غسل‬ ‫ِ‬ ‫اء ال ي‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫ُ ه ْ َ َ َ َ ٌ َ َ َ َِ َ َ ُ ه ْ َ َ َ َ ٌ َ َ ه َ ه‬ ‫َ‬
‫ثوب ِ ِه‪ .‬ثم إن فضل َشء‪ :‬غسل بدنه‪ .‬ثم إن فضل َشء‪ :‬تطهر‪ .‬وإال‪:‬‬
‫ََه‬
‫تيمم)‪.‬‬
‫إذا اجتمع يف اإلنسان حدث ونااسة يف ثوبه وبدنه‪ ،‬فيقدم غسل النااسة على‬
‫رفع الحدث‪ ،‬ألن التخلية قبل التحلية‪ ،‬وألن النااسة ال يرفعها التيمم على‬
‫الصحيح وال يشـرع لها‪ ،‬وأما رفع الحدث فيشـرع له التيمم‪ ،‬فإن فضل ماء توضأ به‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )661‬من حديث أبي قتادة األنصاري ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)166‬‬
‫(‪ )3‬الفتح (‪.)236/2‬‬

‫‪114‬‬
‫‪175‬‬ ‫بـاب الــتيـمم‬

‫وإال تيمم وأجزأه‪.‬‬


‫ويقدم إزالة النااسة عن ثوبه على ما يف بدنه؛ ألن طهارة الثياب شـرأ لصحة‬
‫الصالة وأمكنه ذلك فتقدم على البدن؛ ألنه إذا لم يقدر ُع ِذ َر لعدم إمكان مفارقتها‬
‫أثناء الصالة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ ُّ َ ُّ‬
‫قوهل‪( :‬وي ِصح اتلهيم ُم‪ :‬ل ُِك حدث)‪.‬‬
‫سواء كان حدثًا أِغر كأكل لحم اإلبل‪ ،‬أو حدثًا أكرب إذا كان جنبًا‪:‬‬
‫لقول اهلل ‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾‬
‫[المائدة‪.]6 :‬‬
‫اج ُة‪َ ،‬ف َأ ْجنَ ْب ُت فلم َأ ِجد‬ ‫ِ‬
‫ولحديث عمار ﭬ قال‪َ « :‬ب َع َثني رسول اهلل ﷺ يف َح َ‬
‫ت ذلك لِلنابِي ﷺ فقال‪ :‬إنما كان‬ ‫يد كما َت َم ار ُغ الدا ا اب ُة‪َ ،‬ف َذك َْر ُ‬‫الماء‪َ ،‬فتَمر ْغ ُت يف الص ِع ِ‬
‫ا‬ ‫َ َ َا‬
‫ضـرب بِ َكف ِه ضـر َب ًة على األرض‪ُ ،‬ث ام َن َف َض َها‪ُ ،‬ث ام َم َس َح هبا‬ ‫َ‬ ‫يك َأ ْن َت ْصن ََع َه َك َذا؛ َف‬ ‫َي ْك ِف َ‬
‫َظ ْه َر كَف ِه بِ ِش َمال ِ ِه‪ ،‬أو َظ ْه َر ِش َمال ِ ِه بِ َكف ِه‪ُ ،‬ث ام َم َس َح هبا َو ْج َه ُه» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫واإلجماع‪ :‬انعقد على ذلك؛ وقد ورد عن عمر وابن مسعود الخالف يف‬
‫األكرب‪ ،‬لكن نقل النووي وشـيخ اإلسالم أهنما رجعا عنه‪.‬‬
‫ََه ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ه َ َ‬
‫ابلد ِن‪ ،‬بعد ِّت ِفي ِفها ما أمك َن‪ ،‬فإن تيمم لها قبل‬ ‫قوهل‪( :‬وللنجاس ِة ىلع‬
‫َ َ ه‬ ‫َ‬
‫ِّت ِفي ِفها‪ :‬لم ي ِصح)‪.‬‬
‫أي ويصح التيمم عن النااسة العالقة ببدنه بعد تخفيفها ما أمكن إذا عاز عن‬
‫إزالتها ويف هذا نظر‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أن النااسة ال يشـرع لها التيمم‪ ،‬ولم يرد النص بذلك بل يزيلها‪،‬‬
‫فإن لم يستطع عذر للعاز وتيمم للحدث فقط‪ ،‬وهذا مذهب األئمة الثالثة ورواية‬
‫عن أحمد ورجحه شـيخ اإلسالم والسعدي وابن عثيمين‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)340‬ومسلم (‪.)366‬‬

‫‪115‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪176‬‬

‫َُ َُ ٌ َ َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ون ب ُ َ‬


‫ه ُ ْ َ ُ َ‬
‫ار يعلق‬ ‫َّتق‪ ،‬هل غب‬ ‫ِ‬ ‫ُم‬ ‫ري‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫‪،‬‬ ‫اح‬ ‫ب‬‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ور‬ ‫ه‬ ‫ط‬ ‫‪،‬‬ ‫اب‬‫َّت‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬اثلامِن‪ :‬أن يك‬
‫َ‬
‫بايل ِد)‪.‬‬
‫ورا إِ َذا‬ ‫فال ياز غير الرتاب على المذهب؛ لقوله ﷺ‪ِ « :‬‬
‫وجع َل ْت ُت ْر َب ُت َها َلنَا َط ُه ً‬‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫َل ْم نَاد َ‬
‫الما َء»(‪.)1‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬عن اإلمام أحمد جواز التيمم بغير الرتاب إذا لم ياده فيصح‬
‫أن يتيمم بكل ما تصاعد على األرض من جنسها من السباخ واألحاار سواء كان‬
‫له غبار أم ال‪ ،‬وهو مذهب اإلمام مالك وأبي حنيفة ورجحه شـيخ اإلسالم وابن‬
‫القيم والسعدي وابن عثيمين ونقله ابن رجب عن أكثر العلماء‪.‬‬
‫الم ْسلِ ِم َو َل ْو إ ِ َلى َعشـر‬ ‫ألدلة‪ ،‬منها‪ :‬قول رسول اهلل ﷺ‪ِ « :‬‬
‫ب َو ُضو ُء ُ‬‫الصعيدُ ال اطي ُ‬ ‫ا‬
‫الما َء َف َأمِ اس ُه ِج ْلـــدَ َل َفإِ ان َذل ِ َك َخ ْي ٌر»(‪.)2‬‬
‫ت َ‬ ‫ِسنِي َن‪َ ،‬فإِ َذا َو َجدْ َ‬
‫َ ُ‬
‫(طهور)‪ :‬يخرج الناس فال يصح التيمم به؛ كما ال يصح الوضوء بالماء‬
‫الناس؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ﴾‪.‬‬
‫َُ‬
‫(مباح)‪ :‬فال ياوز التيمم بالرتاب غير المباح كالمغصوب والمسـروق فإن‬
‫تيمم هبا‪ ،‬فالخالف فيها كالخالف يف الماء المغصوب وتقدم‪.‬‬
‫َ ُ َ‬
‫َّتق)‪ :‬والمحرتق ما أدخل النار فغيرته كالخزف واإلسمنت ونحوه‪،‬‬ ‫ري ُم ِ‬
‫(غ ِ‬
‫فإنه ال ياز التيمم به على المذهب؛ ألن هذا الرتاب قد تغير بسبب إحراقه بالنار‬
‫فلم يبق كهيئته السابقة‪ .‬وقيل باوازه‪ ،‬ذكره ِاحب اإلنصاف‪.‬‬
‫والمذهب فيه قوة؛ لتغير مسماه من تراب إلى خزف ونحوه؛ إال إذا كان قد‬
‫احرتق احرتاقًا ال يغير مسماه فإنه ياز أن يتيمم به‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)110‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)332‬والرتمذي (‪ ،)124‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬والنسائي (‪ ،)322‬من حديث أبي ذر‬
‫ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وِححه ابن حبان (‪ ،)1311‬والحاكم يف المستدرل (‪ )651‬وابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪ ،)656 ،650/2‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)153‬‬

‫‪116‬‬
‫‪177‬‬ ‫بـاب الــتيـمم‬

‫بايل ِد)‪ :‬فإن لم يكن ترابًا له غبار فال ياز التيمم به على‬ ‫( َهلُ ُغ َب ٌ‬
‫ار يَعلَ ُق َ‬
‫ِ ِ‬ ‫المذهب؛ لقوله ﷺ‪ِ « :‬‬
‫ورا إِ َذا َل ْم نَاد َ‬
‫الما َء»(‪.)1‬‬ ‫وجع َل ْت ُت ْر َب ُت َها َلنَا َط ُه ً‬
‫ُ‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾‬
‫[المائدة‪ ،]6 :‬فلو كان الرتاب رطبًا ليس فيه غبار لم ياز التيمم به؛ ألنه لن يصـيب‬
‫الوجه واليدين‪.‬‬
‫وفيه قول ُ‬
‫ثان‪ :‬أن الرتاب ال يشرتأ‪ ،‬وأنه ياوز التيمم بكل ما تصاعد على‬
‫األرض من السباخ واألحاار له غبار أم ال‪ ،‬وهو قول مالك وأبي حنيفة ورجحه‬
‫شـيخ اإلسالم وابن القيم‪ ،‬وهذا األظهر؛ ألدلة منها‪:‬‬
‫الم ْسلِ ِم َو َل ْو إِ َلى َعشـر ِسنِي َن‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫ب َو ُضو ُء ُ‬ ‫الصعيدُ ال اطي ُ‬
‫قول رسول اهلل ﷺ‪ِ « :‬‬
‫ا‬
‫الما َء َف َأمِ اس ُه ِج ْلـدَ َل َفإِ ان َذل ِ َك َخ ْي ٌر»‪.‬‬
‫ت َ‬ ‫َو َجدْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورا»(‪ ،)2‬فاألرض عام يشمل‬ ‫وقوله ﷺ‪َ « :‬و ُجع َل ْت ل َي األَ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً‬
‫الرتاب وغيره‪ .‬ورسول اهلل ﷺ تيمم بالادار لرد السالم‪ ،‬ومعلوم أنه ال غبار له‪.‬‬
‫ولقوله ‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ﴾‪ ،‬والصعيد‪ :‬هو كل ما تصاعد على األرض‬
‫سواء كان تراب له غبار أو حار أو طين‪.‬‬
‫والنبي ﷺ وأِحابه يف سفرهم وغزوهم لم ينقل عنهم أهنم كانوا يحملون‬
‫الرتاب‪ ،‬وكانوا يمرون باألراضـي الطويلة من الرمال والسبخة ونحو ذلك‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا يحملون من الماء ما يكفيهم‪ ،‬ولم ينقل عنهم أهنم كانوا يحملون الرتاب‪،‬‬
‫فهذا ظاهر أهنم كانوا يتيممون بما يمرون عليه من األراضي‪.‬‬
‫ادُ ُه َو ِعنْدَ ُه‬
‫الصالَ ُة َف ِعنْدَ ُه مس ِ‬
‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬ف َأ ْين ََما َأ ْد َرك ْ‬
‫َت َر ُجال ً م ْن ُأ امتي ا‬
‫َط ُه ُ‬
‫ور ُه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)110‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)166‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد (‪ ،)22120‬عن أبي أمامة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬قال الهيثمي يف مامع الزوائد (‪« :)252/6‬ورجال‬
‫=‬

‫‪111‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪178‬‬

‫ِ ِ‬ ‫وأما قول رسول اهلل ﷺ‪ِ « :‬‬


‫ورا إِ َذا َل ْم نَاد َ‬
‫الما َء»(‪ ،)1‬فذكر‬ ‫وجع َل ْت ُت ْر َب ُت َها َلنَا َط ُه ً‬
‫ُ‬
‫بعض أفراد العام بحكم يوافق العام ال يقتضـي التخصـيص وهذا هو الراجح‪.‬‬
‫وعلى ذلك فما يتيمم به يف اشرتاأ وجود الغبار فيه‪ ،‬ال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون من جنس األرض‪ :‬فال يشرتأ أن يكون عليه غبار كالصخرة‬
‫الصماء والحار والادار من طين فله التيمم به على الصحيح‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن كان من غير جنس األرض‪ :‬مثل الباب والسااد‪ ،‬فيشرتأ وجود‬
‫الغبار ليقوم مقام الرتاب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لداللة حديث جابر ﭬ‪َ « :‬و ُجع َل ْت ل َي ْ‬
‫األر ُض َم ْساد ًا َو َط ُهور ًا»(‪ .)2‬حتى‬
‫يصح أنه تيمم بالرتاب؛ ألن الرتاب أو الغبار من مادة األرض‪ ،‬أما إذا لم يكن عليه‬
‫تراب فإنه ليس من الصعيد فال يتيمم عليه‪ ،‬وكذا يقال يف السااد والادار الذي‬
‫عليه أِباغ‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ه َ َ ََ‬ ‫َ ْ‬
‫ب ِ‬
‫حاهلِ‪ ،‬وال ي ِزيد يف‬ ‫َيد ذل ِك‪ :‬صىل الفرض فقط ىلع حس ِ‬ ‫قوهل‪( :‬فإن لم ِ‬
‫ََ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ‬
‫صالت ِ ِه ىلع ما َي ِزئ‪ ،‬وال إاعدة)‪.‬‬
‫أي إذا لم ياد ما يصح التيمم به‪ ،‬فإن التيمم يسقط عنه لغير بدل‪.‬‬
‫وأما الصلوات‪:‬‬
‫فالمذهب قالوا يصلي الفرض بال تيمم؛ وال يزيد على الفرض شـيئًا من‬
‫السنن؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم‪ :‬أنه يصلي الفريضة وله أن يصلي من النوافل ما شاء وهو‬
‫معذور لعدم طهارته‪ ،‬وهو داخل يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬

‫=‬
‫أحمد ثقات»‪ .‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)152‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)110‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)166‬‬

‫‪116‬‬
‫‪179‬‬ ‫فصل‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬

‫ه َُ َ ُ‬
‫سق ُط َس ً‬ ‫َ ُّ‬
‫هوا)‪.‬‬ ‫ج ُب اتلهيم ِم‪ :‬التسمية‪ ،‬وت‬
‫قوهل‪( :‬وا ِ‬
‫التسمية واجبة يف التيمم كوجوهبا يف الوضوء؛ ألنه بدل الوضوء فيأخذ حكمه‬
‫هذا المذهب‪.‬‬
‫واألقرب أهنا مستحبة وتقدم بيانه يف الوضوء وهذا مثله‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ ََ‬ ‫سح َ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ ٌ َ ُ‬
‫ي‪.‬‬‫ِ‬ ‫وع‬ ‫الك‬ ‫إىل‬ ‫ين‬ ‫د‬ ‫ايل‬ ‫سح‬ ‫وم‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫الو‬ ‫قوهل‪( :‬وفروضه مخسة‪ :‬م‬
‫َ‬ ‫َ َُ ِ َ ْ ُْ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه ُ‬ ‫ُ‬
‫عض أعضاءِ‬‫اثلالث‪ :‬الَّتتِيب يف َ الطهارة ِ الصغرى‪ .‬فيلزم من جرحه بِب ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ْ َََه َ َُ َ َ‬ ‫ََ ه‬ ‫ُ‬
‫حيحا‪.‬‬ ‫ُوضوئ ِ ِه‪ -‬إذا توضأ‪ -‬أن يتيمم هل عِند غسلِه لو اكن ص ِ‬
‫َ ُ ِّ َ َ ُّ‬ ‫ُ ُ ُ ََ َ ُُ ْ ُ َ َ ْ َ ه‬ ‫ه‬
‫يح عِند ُك تيمم‪.‬‬ ‫ح ِ‬
‫ِ‬ ‫لزمه أن ي ِعيد غسل الص‬ ‫الرابِـــع‪ :‬المواالة‪ .‬في‬
‫هُ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ه َ َ َه ُ َُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫كِف نِية‬
‫اخلامِس‪ :‬تعيِـي انلي ِة ل ِما يتيمم هل‪ ،‬م َِن حدث أو َناسة‪ .‬فال ت ِ‬
‫اه َما‪َ :‬‬ ‫ْ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫أجزأ)‪.‬‬ ‫أح ِدهِما عن اآلخ ِر‪ .‬وإن نو‬
‫(وفروضه مخسة)‪ :‬أي فروض التيمم التي ال يصح إال هبا خمسة‪.‬‬
‫(مسح الوجه)‪ :‬وقد دل عليه الكتاب والسنة واإلجماع فيمسح وجهه بباطن‬
‫كفيه يف التيمم؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ول بِ َيدَ ْي َك َه َك َذا‪ُ ،‬ث ام‬ ‫َان َي ْك ِف َ‬
‫يك َأ ْن َت ُق َ‬ ‫ﮀ﴾‪ ،‬ولقول رسول اهلل لعمار ﭬ‪« :‬إِن َاما ك َ‬
‫اه َر َك اف ْي ِه‬
‫ين‪ ،‬و َظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضـرب بِ َيدَ ْيه األَ ْر َض ضـر َب ًة َواحدَ ةً‪ُ ،‬ث ام َم َس َح الش َم َال َع َلى ا ْلـــ َيم ِ َ‬
‫َ‬
‫َو َو ْج َه ُه» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ََ‬


‫ي)‪ :‬فيمسح يديه إلى الكوعين دون الذراعين‪.‬‬ ‫ين إىل الكوع ِ‬ ‫(ومسح ايلد ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)340‬ومسلم (‪- )366‬واللفظ له‪.-‬‬

‫‪112‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪180‬‬

‫سواء كانت الطهارة من الحدث األكرب أو األِغر(‪.)1‬‬


‫َ‬ ‫َ َُ َ ْ ُْ ُ ُ َ‬ ‫ُّ‬
‫الص َ‬ ‫ه‬
‫الط َ‬ ‫ه‬
‫الَّتت ُ‬ ‫ُ‬
‫عض أعضاءِ‬ ‫غرى‪ .‬فيلزم من جرحه بِب ِ‬ ‫هارة ِ‬ ‫ِيب يف‬ ‫‪:‬‬ ‫اثلالث‬ ‫(‬
‫ً‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ََ ه َ ْ َََه َ َُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫حيحا)‪ :‬فالرتتيب بين‬‫ُوضوئ ِ ِه ‪-‬إذا توضأ‪ -‬أن يتيمم هل عِند غسلِه لو اكن ص ِ‬
‫أعضاء التيمم فرض يف الطهارة الصغرى وهي الوضوء‪ ،‬فيبدأ بالوجه ثم اليدين‪،‬‬
‫فتقديم غسل الوجه يف الوضوء على اليدين فرض فكذلك التيمم؛ ألنه بدل عنه‬
‫فيأخذ حكمه ولتقديمها يف الكتاب والسنة‪ ،‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾﭿ ﮀ﴾‪.‬‬
‫ضـرب النابِ ُّي‬
‫َ‬ ‫َان َي ْك ِف َ‬
‫يك َه َك َذا َف‬ ‫ول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِن َاما ك َ‬ ‫ويف الصحيحين أن َر ُس َ‬
‫يه َما ُث ام َم َس َح بِ ِه َما َو ْج َه ُه َو َك اف ْي ِه»(‪.)2‬‬
‫ﷺ بِ َك اف ْي ِه األَ ْر َض َو َن َف َخ فِ ِ‬
‫وأما الطهارة الكربى فال يشرتأ فيها الرتتيب ألنه ال يشرتأ يف الغسل فبدله‬
‫مثله‪.‬‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫( ه‬
‫الرابِـــع‪ :‬المواالة)‪ :‬بين مسح الوجه والكفين فال يفصل بينهما بفاِل طويل‬
‫عرفًا؛ ألن الرسول ﷺ لم ينقل عنه الفصل بينهما‪ ،‬وألهنا عبادة ذات أجزاء لم ينقل‬
‫فصل بعضها عن بعض فتفريقها خالف المأمور به‪.‬‬
‫َ ُ ِّ َ َ ُّ‬ ‫ََ َ ُُ ْ ُ َ َ ْ َ ه‬
‫يح عِند ُك تيمم)‪ :‬فإذا تيمم لارح وفيه عضو‬‫ح ِ‬
‫لزمه أن ي ِعيد غسل الص ِ‬ ‫(في‬
‫ِحيح‪:‬‬
‫فالمذهب يامع بين التيمم للارح والغسل الصحيح وكلما أعاد التيمم أعاد‬
‫غسل الصحيح‪ ،‬ويكون تيممه عند موضعه يف الوضوء الشرتاأ الرتتيب يف‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫وأما يف الغسل فال يشرتأ الرتتيب فله أال يغسله إال بعد التيمم؛ ألن الرتتيب‬
‫بين األعضاء شرأ يف الوضوء وليس شرطًا يف الغسل‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتح البن رجب (‪.)245/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪- )331‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)366‬‬

‫‪160‬‬
‫‪181‬‬ ‫فصل‬

‫قال يف اإلنصاف‪« :‬وقال الشيخ تقي الدين‪ :‬ال يلزمه الرتتيب‪ ،‬وهو الصحيح من‬
‫مذهب أحمد وغيره‪ .‬وقال‪ :‬الفضل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة»‪.‬‬
‫هُ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫انلي ِة ل َِما يَ َ ه ُ َ ُ‬
‫ُ ه‬ ‫َ ُ َ‬
‫كِف نِية‬
‫تيمم هل‪ ،‬مِن حدث أو َناسة‪ .‬فال ت ِ‬ ‫ََ‬ ‫ـي‬‫ِ‬ ‫عي‬ ‫(اخلامِس‪ :‬ت‬
‫ْ ََ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫أح ِدهِما عن اآلخ ِر‪ .‬وإن نواهما‪ :‬أجزأ)‪ :‬وجود النية للتيمم فرض لصحته؛ ألنه عبادة‪.‬‬
‫فإذا نوى رفع الحدث األكرب ارتفع الحدث األِغر على الصحيح واختاره‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،‬وإن نوى رفع األِغر فقط لم يرتفع األكرب‪.‬‬
‫وأما تعيين النية لرفع حدث أو إزالة خبث‪ ،‬فالمذهب فرضـيته بناء على أنه‬
‫يشـرع التيمم للنااسة‪ ،‬وسبق بيان أن الراجح عدم مشـروعيته‪.‬‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ُُ َ َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫وء‪َ .‬و ُوجود الماءِ‪َ .‬وخ ُروج الو ِ‬
‫قت‪.‬‬ ‫ض َ‬ ‫قوهل‪( :‬ومب ِطالته مخسة‪ :‬ما أبطل الو‬
‫َ َ ُْ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫يح هلُ‪ .‬وخلع ما مسح علي ِه)‪.‬‬‫وز َوال المبِ ِ‬
‫ُُ َ َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫(ومب ِطالته مخسة)‪ :‬أي ومفسدات الطهارة فيه‪.‬‬
‫ض َ‬‫َ َ ُ ُ‬
‫وء)‪ :‬فكل ناقض للوضوء فإنه ناقض لطهارة التيمم؛ ألن البدل‬ ‫(ما أبطل الو‬
‫يأخذ حكم المبدل فلو أحدث أو أكل لحم إبل انتقضت طهارته وتيممه‪.‬‬
‫ُ ُ َ‬
‫( َو ُوجود الماءِ)‪ :‬فإذا تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده بطل تيممه؛ لقوله ﷺ‪:‬‬
‫ـــما َء َف َأمِ اس ُه‬ ‫الم ْسلِ ِم َو َل ْو إ ِ َلى َعشـر ِسنِي َن‪َ ،‬فإِ َذا َو َجدْ َ‬
‫ت ا ْل َ‬ ‫ب َو ُضو ُء ُ‬
‫« ِ‬
‫الصعيدُ ال اطي ُ‬
‫ا‬
‫ِج ْلـــدَ َل‪َ ،‬فإِ ان َذل َك َخ ْي ٌر» ‪ .‬ولحديث عمران ﭬ يف الرجل الذي تيمم فلما جاء‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ب َف َأ ْف ِر ْغ ُه َع َل ْي َك»(‪.)2‬‬
‫الماء قال له رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ْذ َه ْ‬
‫مسألة‪ :‬إذا ِلى الانب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الغسل‪ ،‬ونقل إجماع‬
‫العلماء عليه لألحاديث الصحيحة المشهورة يف أمره ﷺ للانب بغسل بدنه إذا‬
‫الم ْسلِ ِم َو َل ْو إِ َلى َعشـر ِسنِي َن‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫وجد الماء‪ ،‬كقوله‪ِ « :‬‬
‫الصعيدُ ال اطي ُ‬
‫ب َو ُضو ُء ُ‬ ‫ا‬
‫الما َء َف َأمِ اس ُه ِج ْلـــدَ َل‪َ ،‬فإِ ان َذل ِ َك َخ ْي ٌر»‪ .‬ولحديث عمران ﭬ‪َ ...« :‬وك َ‬
‫َان‬ ‫ت َ‬ ‫َو َجدْ َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)116‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪- )331‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)662‬‬

‫‪161‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪182‬‬

‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الانَا َب ُة إِنَا ًء م ْن َماء‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْذ َه ْ‬
‫ب َف َأ ْف ِر ْغ ُه َع َل ْي َك»‪.‬‬ ‫ال َأ ْن َأ ْع َطى ا الــذي َأ َِا َب ْت ُه َ‬
‫آخ َر َذ َ‬
‫ُ ُ َ‬
‫قت)‪ :‬فإذا خرج وقت الصالة الحاضـرة‪ ،‬فالمذهب‪ :‬أنه يبطل‬ ‫( َوخ ُروج الو ِ‬
‫تيممه بخروج وقتها؛ ألن التيمم عندهم مبيح للصالة‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أن طهارته بالتيمم ال تبطل بخروج الوقت مادام العذر ُ‬
‫باق؛ ألن‬
‫البدل يأخذ حكم المبدل إال لدليل فكما أن الوضوء ال ينتقض بخروج الوقت‬
‫فكذلك التيمم‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم وابن القيم وابن عثيمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫يح هلُ)‪ :‬فلو تيمم لعذر فتبطل طهارته بزواله وتمكنه من الوضوء‪.‬‬
‫(وز َوال المبِ ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫(وخلع ما مسح علي ِه)‪ :‬فلو تيمم وعليه خف‪ ،‬ثم نزعه فالمذهب أن طهارته‬
‫تنتقض؛ ألن طهارة الوضوء تنتقض بنزع الخف فكذلك بدلها‪ ،‬وسبق الخالف فيها‪.‬‬
‫واألقرب أن طهارته باقية إذا نزعها بعد الوضوء فكذلك هنا‪.‬‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ب اإلاعدة)‪.‬‬
‫جت ِ‬
‫وإن انقضت‪ :‬لم ِ‬
‫قوهل‪( :‬وإن وجد الماء وهو يف الصالة ِ‪ :‬بطلت‪ِ .‬‬
‫من تيمم لعدم الماء ثم وجده فله حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن ياد الماء بعد الفراغ من الصالة فصالته ِحيحة باإلجماع نقله‬
‫ابن المنذر‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬ما رواه أبو داود والنسائي عن أبي سعيد ﭬ قال‪َ « :‬خ َر َج َر ُج َال ِن يف‬
‫الص َال ُة َو َل ْي َس َم َع ُه َما َما ٌء‪َ ،‬ف َت َي ام َما َِ ِعيدً ا َطي ًبا َف َص ال َيا‪ُ ،‬ث ام َو َجدَ ا ا ْل َما َء‬ ‫ِ‬
‫َس َف ُر َف َحضـرت ا‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫ت‪َ ،‬ف َأعاد َأحدُ هما الص َال َة وا ْلوضوء‪ ،‬ولم ي ِع ِد ْاآل َخر‪ُ ،‬ثم َأ َتيا رس َ ِ‬ ‫يف ا ْلو ْق ِ‬
‫ُ ا َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ا‬ ‫َ‬
‫السنا َة َو َأ ْج َز َأ ْت َك َِ َال ُت َك‪ .‬وقال ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َذك ََرا ذلك له؛ فقال ‪-‬ل الذي لم ُيعدْ ‪َ :-‬أ َِبْ َت ُّ‬
‫ل ِ ال ِذي َت َو اض َأ َو َأ َعا َد‪ :-‬لك ْاألَ ْج ُر َم ار َت ْي ِن»(‪.)1‬‬
‫الثانية‪ :‬أن ياد الماء قبل أداء الصالة فيلزمه الوضوء لبطالن طهارته ويصلي‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)336‬والنسائي (‪)433‬؛ وأعل بعض العلماء الحديث باإلرسال‪ ،‬كأبي داود‪ ،‬وابن‬
‫حار ‪-‬كما يف الدراية (‪ -)10/1‬وغيرهما‪ ،‬بينما ِححه الحاكم (‪ )632‬وقال‪ِ« :‬حيح على شـرأ‬
‫الشـيخين»‪ .‬واأللباين يف ِحيح أبي داود برقم (‪.)366‬‬

‫‪162‬‬
‫‪183‬‬ ‫فصل‬

‫بوضوء ألن العذر يف إباحة التيمم زال قبل اإلتيان بالعبادة‪.‬‬


‫الثالثة‪ :‬أن ياد الماء أثناء الصالة فهل يقطع ِالته ويتوضأ أم يتم‪:‬‬
‫المذهب أنه يبطل التيمم والصالة‪ ،‬وعليه أن يتوضأ ويستأنف الصالة‪ ،‬كما قال‬
‫ََ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫اء وهو يف الصالة ِ‪ :‬بطلت)‪ ،‬وهذا مذهب الحنابلة‪،‬‬ ‫المؤلف‪( :‬وإن وجد الم‬
‫والحنفية‪ ،‬ورجحه ابن حزم و ابن باز وابن عثيمين‪ ،‬ودليله‪:‬‬
‫ال‪ :‬عموم قوله تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [المائدة‪ ،]6 :‬وهذا قد وجد‬
‫أو ً‬
‫الماء يف أثناء الصالة فبطل حكم التيمم‪ ،‬وبطلت الصالة؛ ألنه يعود إليه حدثه‪.‬‬
‫الم ْسلِ ِم َو َل ْو إ ِ َلى َعشـر‬ ‫ثانيًا‪ :‬عموم قول رسول اهلل ﷺ‪ِ « :‬‬
‫ب َو ُضو ُء ُ‬ ‫الصعيدُ ال اطي ُ‬ ‫ا‬
‫الما َء َف َأمِ اس ُه ِج ْلـــدَ َل‪َ ،‬فإِ ان َذل ِ َك َخ ْي ٌر»‪.‬‬
‫ت َ‬ ‫ِسنِي َن‪َ ،‬فإِ َذا َو َجدْ َ‬
‫وهذا قد وجد الماء قبل هناية الصالة فعليه أن يمسه بشـرته‪.‬‬
‫والرواية الثانية عن اإلمام أحمد‪ :‬أنه يتم الصالة وال إعادة عليه‪ ،‬وهو قول‬
‫المالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬وقول ابن المنذر وأبي ثور‪.‬‬
‫ألنه دخل يف الصالة على وجه مأذون فيه شـرعًا‪ ،‬وهو يف ِالته غير مخاطب‬
‫بالطهارة‪ ،‬فال يبطل ما أدى من الصالة كما فرضت عليه و ُأمر به‪.‬‬
‫واألول أحوأ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫َ َ ُّ َ َ َ َ ُ َ ه َ َ َ‬ ‫أن يَنو َي‪ُ ،‬ث هم ي ِّ‬
‫ُ‬ ‫َُ ْ‬
‫ــع‪،‬‬
‫َضب الَّتاب بِيدي ِه مفرجيت األصاب ِ ِ‬ ‫وي‬ ‫‪.‬‬ ‫َ‬
‫سِّم‬
‫َ َ َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وصفته‪َ ِ ً َ :‬‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫َ ًَْ‬
‫زع خاتم وَن ِوه‪ ،‬فيمسح وجهه‬ ‫ان‪ -‬بعد ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِنت‬ ‫ث‬ ‫‪:‬‬ ‫ط‬ ‫حو‬ ‫واأل‬ ‫‪-‬‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ة‬ ‫َضب‬
‫َ ََ‬ ‫َه‬ ‫َ‬
‫بِباط ِِن أصاب ِ ِع ِه‪ ،‬وكفي ِه بِراحتي ِه)‪.‬‬
‫ذكر هنا ِفة التيمم‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫َُ ْ َ‬
‫نو َي)‪ :‬أي ينوي الطهارة؛ ألنه عبادة فال يصح إال بنية‪.‬‬ ‫وصفته‪ :‬أن ي ِ‬ ‫( ِ‬
‫ُ‬
‫سِّم)‪ :‬قياسًا على الوضوء وهي واجبة يف المذهب واألقرب استحباهبا‪.‬‬ ‫(ث هم ي ُ ِّ َ‬
‫َ َ ُّ َ َ َ َ‬
‫الَّتاب بِيدي ِه)‪ :‬ليصل الرتاب والغبار يديه‪.‬‬ ‫َضب‬ ‫(وي ِ‬
‫َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫ــع)‪ :‬وهو األولى ألهنم يرون االستيعاب وظاهر حديث‬ ‫(مف هرجيت األصاب ِ ِ‬

‫‪163‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪184‬‬

‫عمار اإلطالق فإن فرج أِابعه فحسن وإن لم يفعل فال بأس‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫َ ًَْ‬
‫حدة)‪ :‬ألهنا الثابتة كما يف الصحيحين عن عمار ﭬ مرفوعًا‪ُ « :‬ث ام‬ ‫َضبة وا ِ‬ ‫(‬
‫ضـرب بِيدَ ي ِه األَر َض ضـرب ًة و ِ‬
‫احدَ ًة»(‪ .)1‬وكذا يف قصة أبي جهيم يف تيمم رسول اهلل‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ﷺ من الادار(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫ان)‪ :‬خروجًا من الخالف لحديث‪« :‬التيمم ضـربتان»(‪ ،)3‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِنت‬ ‫ث‬ ‫‪:‬‬ ‫ط‬ ‫(واألحو‬
‫ضعيف مرفوعًا وقد ِح عن ابن عمر موقوفًا عليه كما قال البيهقي والنووي‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫زع خاتم وَن ِوه)‪ :‬ليصل الرتاب والغبار لما تحته وهذا ليس على سبيل‬ ‫عد ن ِ‬ ‫(ب‬
‫اإللزام؛ ألن رسول اهلل ﷺ كان يتيمم وخاتمه يف يده ولم ينقل عنه خلعه‪ ،‬وكذا‬
‫خلفاؤه من بعده‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫َه‬ ‫َ َ َ َ َُ َ‬
‫(فيمسح وجهه بِباط ِِن أصاب ِ ِع ِه‪ ،‬وكفي ِه بِراحتي ِه)‪ :‬ليمسح كل عضو بما علق‬
‫من الرتاب‪ ،‬والسنة البداية بوجهه ثم كفيه براحتيه‪.‬‬
‫ضـرب النابِي ﷺ بِ َك اف ْي ِه األَ ْر َض َو َن َف َخ فِ ِ‬
‫يه َما ُث ام َم َس َح بِ ِه َما‬ ‫َ‬ ‫لما يف الصحيحين‪َ « :‬ف‬
‫ُّ‬
‫َو ْج َه ُه َو َك اف ْي ِه»(‪ .)4‬وهي الموافقة للقرآن يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ﴾‪.‬‬
‫والموافق للرتتيب يف الوضوء حيث قدا م غسل الوجه على غسل اليدين‪ ،‬وألن‬
‫أكثر الروايات يف حديث عمار بتقديم الوجه‪.‬‬
‫والسنة أن يمسح وجهه بيديه جميعًا؛ لحديث عمار مسح وجهه بيديه ورجحه‬
‫ابن عثيمين‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)112‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)166‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الدارقطني (‪ ،)160/1‬والطرباين يف الكبير (‪ ،)13366‬والحاكم (‪ ،)634‬عن ابن عمر ﭬ‬
‫مرفوعًا؛ وهو ضعيف‪ ،‬وقد ِح عن ابن عمر موقوفًا عليه؛ كما قال النووي يف الخالِة (‪،)216/1‬‬
‫والبيهقي يف سننه (‪ .)201/1‬وانظر‪ :‬البدر المنير (‪ ،)644/2‬التلخيص الحبير (‪.)151/1‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)114‬‬

‫‪164‬‬
‫‪185‬‬ ‫فصل‬

‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َ ُّ‬
‫ار)‪.‬‬
‫قت المخت ِ‬ ‫ري اتلهيم ِم إىل آ ِ‬
‫خ ِر الو ِ‬ ‫خ‬‫قوهل‪( :‬وسن ل ِمن يرجو وجود الماءِ‪ :‬تأ ِ‬
‫إذا دخل عليه وقت الصالة وهو ال ياد الماء‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يغلب على ظنه أنه لن ياد الماء يف الوقت‪ ،‬فإنه يقدم الصالة ويبادر‬
‫هبا‪ ،‬وكذلك إذا كان مرتبط ًَا باماعة يخشـى أن تفوت فله تعايلها ولو تيمم مع‬
‫علمه أنه سـياد الماء يف آخر الوقت‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يغلب على ظنه أنه سـياد الماء آخر الوقت بال مشقة وال كلفة‪،‬‬
‫فاألولى انتظار الماء حتى يؤدي ِالته بطهارة الوضوء‪.‬‬
‫الر ُج ُل فِي‬
‫َب ا‬‫ويدل له‪ :‬ما رواه الدارقطني والبيهقي وضعفه عن َعلِ ني‪« :‬إِ َذا َأ ْجن َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـــو ْقت‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َياد َ‬
‫الما َء َت َي ام َم َو َِ الــى»(‪ .)1‬والتلوم‬ ‫الس َف ِر َت َل او َم َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن آخ ِر ا ْل َ‬
‫ا‬
‫هو التأخير واالنتظار‪.‬‬
‫وال ياب عليه ذلك فله التيمم خشية فوات الوقت المختار‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حد‪ :‬ما َش َ‬ ‫َ ُ ُ َ ِّ َ َ َ ُّ‬
‫رض وانلهف ِل)‪.‬‬
‫اء مِن الف ِ‬ ‫يل بتيمم وا ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وهل أن يص‬
‫مادام يف وقت واحد‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ه َ ه‬ ‫َ‬
‫فل‪ :‬لم يستبِ ِح الفرض)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫للن‬ ‫م‬ ‫يم‬ ‫ت‬ ‫لو‬ ‫ن‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫قوهل‪( :‬ل‬
‫ألن التيمم مبيح على المذهب‪ ،‬ولذا فلو تيمم لعبادة استباحها وما دوهنا ولم‬
‫يستبح ما فوقها‪ ،‬فإذا تيمم لنفل لم يستبح الفرض‪ ،‬وإذا تيمم لفرض استباح النفل‬
‫والفرض‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه لو تيمم لنفل استباح به الفرض؛ ألنه رافع وهو كالوضوء عند‬
‫فقده؛ ألن اهلل سماه طهور ًا‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﮉ ﮊﮋ﴾ [المائدة‪.]6 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني (‪ ،)166/1‬والبيهقي يف سننه (‪ ،)1036‬ثم ضعفه؛ ألن يف سنده (الحارث األعور) ال‬
‫يحتج به‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪186‬‬

‫‪e‬‬ ‫بابُ إزَالَ ِة النَّجاسَةِ‬


‫‪F‬‬
‫الطهارة قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬رفع الحدث‪ ،‬ويكون بالوضوء أو الغسل أو التيمم وتقدم بياهنا‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬زوال الخبث‪ ،‬وكيفية إزالته ويبحث هنا‪.‬‬
‫والنااسة‪ :‬عين مستقذرة شـرعًا يمنع جنسها الصالة‪ ،‬وهي قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬نااسة عينية‪ ،‬مثل‪ :‬نااسة الكلب‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬قالوا ال تطهر أبد ًا‪.‬‬
‫واختار شـيخ اإلسالم وابن القيم أهنا إذا استحالت فإهنا تطهر‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬نااسة حكمية‪ :‬وهي العين الطاهرة إذا وقع عليها نااسة و يبحثه‬
‫العلماء هنا‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬األِل يف جميع األِناف الموجودة على اختالف‬
‫أِنافها أن تكون حال ً‬
‫ال مطلقًا‪ ،‬وأن تكون طاهرة ال يحرم عليهم مالمستها‬
‫ومباشـرهتا‪ ،‬وهذه كلمة جامعة وقد دل عليها عشـرة أدلة ثم تكلم عليها»‪ .‬فال ينتقل‬
‫من هذا األِل إال بدليل(‪.)1‬‬
‫وقد تكلم يف هذا الباب على أقسام النااسات وكيفية إزالتها‪.‬‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ُ َ َ ُ ُ ِّ ُ َ ِّ‬
‫شَّتط ل ُِك متنجس‪ :‬سبع غسالت)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ي‬
‫قال متناس ولم يقل ناس؛ ألن مراده النااسة الحكمية فأِل العين طاهرة‬
‫والنااسة طارئة‪.‬‬
‫والنااسات ثالثة أقسام‪ :‬مغلظة‪ ،‬ومتوسطة‪ ،‬ومخففة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ماموع الفتاوى (‪.)535/21‬‬

‫‪166‬‬
‫‪187‬‬ ‫باب إزالة النجاسة‬

‫فالنااسة المغلظة‪ :‬نااسة الكلب إذا ولغ يف اإلناء فيغسل سبعًا أوالهن‬
‫بالرتاب‪.‬‬
‫والنااسة المخففة‪ :‬نااسة بول الغالم الذي لم يأكل الطعام يكفي فيه النضح‪،‬‬
‫وألحق بعض العلماء المذي هبا‪.‬‬
‫والنااسة المتوسطة‪ :‬كل ما عدا المغلظة والمخففة‪ ،‬وتكلم هنا على كيفية‬
‫تطهيرها‪.‬‬
‫َ ُ ََ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََُ‬
‫شَّتط ل ُِك متنجس‪ :‬سبع غسالت)‪ :‬هل يشرتأ العدد لتطهير النااسة‬ ‫(ي‬
‫المتوسطة؟‬
‫المذهب‪ :‬يشرتأ لتطهيرها سبع غسالت‪ ،‬ألثر ابن عمر‪« :‬أمرنا بغسل‬
‫األنااس سبعًا»(‪.)1‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬أنه ال يشرتأ لها عدد محدد فتغسل حتى يغلب على الظن‬
‫زوالها بغسلة أو أكثر‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم وابن القيم وابن قدامة والسعدي وهو‬
‫مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وهو األظهر؛ ألدلة منها‪:‬‬
‫قول رسول اهلل ﷺ يف دم الحيض يصـيب الثوب‪َ « :‬تح ُّته ُثم َت ْقرِه بِالم ِ‬
‫اء ُث ام‬ ‫ُ ُ ا ُ ُ ُ َ‬
‫َتن َْض ُح ُه ُث ام ُت َصلي فيه» [متفق عليه](‪ .)2‬ولم يذكر عدد ًا‪ .‬وقصة غسل بول األعرابي يف‬
‫المساد(‪ ،)3‬ولم يذكر عدد ًا‪ .‬والحكم يدور مع علته وجود ًا وعدمًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ َُ َ‬
‫بَّتاب طاهِر‪ ،‬أو صابون وَن ِوه ِ‪ ،‬يف متنجس بكلب‬ ‫قوهل‪( :‬وأن يكون إحداها‬
‫َنير)‪.‬‬
‫خ ِ‬‫أو ِ‬
‫هذا يف النااسة المغلظة‪ ،‬وهي الحاِلة بولوغ الكلب يف اإلناء وهذه نااسة‬

‫(‪ )1‬ذكره ابن قدامة يف المغني (‪ )46/1‬دون ُ‬


‫عزو ألحد‪ ،‬قال األلباين يف إرواء الغليل (‪« :)163‬لم أجده هبذا‬
‫اللفظ‪...‬وال أعلم حديثًا مرفوعًا ِحيحًا يف األمر بغسل النااسة سبعا؛ اللهم إال اإلناء الذي ولغ الكلب‬
‫فيه‪ ،‬فإنه ياب غسله سبعًا إحداهن بالرتاب»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)225‬ومسلم (‪ )221‬من حديث أسماء بنت أبي بكر ﭭ مرفوعًا‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)62‬‬

‫‪161‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪188‬‬

‫مغلظة‪.‬‬
‫وتطهيرها أن يغسل اإلناء الذي ولغ فيه الكلب سبعًا وجوبًا‪ ،‬وهذا قول‬
‫جماهير العلماء؛ لحديث أبي هريرة وابن المغفل وهي ِريحة‪ ،‬ولفظ حديث َأبِي‬
‫يه ا ْل َك ْلب َأ ْن ي ْغ ِس َله سبع مر ُ‬ ‫ِ‬
‫َاء َأح ِد ُكم إ ِ َذا و َل َغ فِ ِ‬
‫اب»‬ ‫ال ُه ان بِالت َُّر ِ‬
‫ات ُأو َ‬ ‫ُ َ ْ َ َا‬ ‫ُ َ‬ ‫ور إِن َ ْ َ‬ ‫ُه َر ْي َر َة‪ُ « :‬ط ُه ُ‬
‫َاء َفا ْغ ِس ُلوه سبع مر ُ‬ ‫اإلن ِ‬ ‫ب يف ِ‬
‫ات‬ ‫مسلم] ‪ .‬وحديث ا ْب ِن ا ْل ُم َغ اف ِل‪« :‬إِ َذا َو َل َغ ا ْل َك ْل ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ َ ْ َ َا‬ ‫ُ‬ ‫[رواه‬

‫مسلم](‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫اب» [رواه‬ ‫َو َعف ُرو ُه ال اثامِنَ َة يف الت َُّر ِ‬
‫اب»‪َ « ،‬و َعف ُرو ُه ال اثامِنَ َة‬ ‫بَّتاب َطاهِر)‪ :‬لحديث‪ُ « :‬أو َ‬
‫ال ُه ان بِالت َُّر ِ‬ ‫اها ُ َ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ‬
‫(وأن يكون إحد‬
‫اب»‪.‬‬ ‫يف الت َُّر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫(أو صابون وَن ِوه ِ)‪ :‬أي وياز غير الرتاب مما يقوم مقامه كالصابون‬
‫واألشنان ونحوه وهو المذهب واختاره شـيخ اإلسالم ومراعاة الرتاب أولى‪.‬‬
‫وهذا الحكم عام يف كل كلب حتى المأذون به‪ ،‬وأن إخراج الكالب المأذون‬
‫هبا تخصـيص للنص بال دليل ظاهر وبه قال جمهور العلماء‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ِّ‬
‫َنير)‪ :‬المذهب أن الخنزير كالكلب يف هذا الحكم‬
‫خ ِ‬
‫(يف متنجس بكلب أو ِ‬
‫الشرتاكهما يف الحام والنااسة‪ ،‬وإنما ذكر الكلب لكونه الغالب عندهم‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه ال يقاس الخنزير بالكلب ألمور‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أن النص إنما جاء بالكلب فقط‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن العلة ليست منصوًِا عليها وال مقطوعًا هبا حتى يقاس عليها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن تعيين الكلب دليل على إخراج ما سواه وهذا قول كثير من العلماء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ورد يف بعض الروايات ذكر الغسلة الثامنة وبعضها لم يذكرها‪ ،‬فاألظهر‬
‫عدم وجوهبا وتحمل رواية الثمان على االستحباب‪ ،‬واألولى يف هذا أن ياعل‬
‫األولى بالرتاب ثم يلحقها بسبع غسالت‪ ،‬وهذا عمل بما يف الروايات‪ ،‬ولو اقتصـر‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)212‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)260‬‬

‫‪166‬‬
‫‪189‬‬ ‫باب إزالة النجاسة‬

‫على سبع إحداهن بالرتاب ألجزأه كما دلت له رواية مسلم‪ ،‬وهذا قول جماهير‬
‫العلماء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ال ياب الغسل سبعًا إال بولوغ الفم‪ ،‬وأما إدخال اليد أو الرجل فال‬
‫ياب‪.‬‬
‫قال النووي يف شـرح مسلم‪« :‬ولغ الكلب‪ :‬إذا شـرب بطرف لسانه هكذا قال‬
‫غير واحد من أهل اللغة‪ ،‬وال يقال‪ :‬ولغ ألي شـيء من الاوارح إال اللسان»‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬العلة يف الغسل سبعًا‪ :‬يحتمل إهنا تعبدية‪ ،‬ويحتمل أهنا ألجل النااسة‬
‫ويحتمل أهنا ألجل ما فيه من أمراض وال يمنع اجتماع هذه العلل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُّ َ َ ُ َ‬
‫عم انلهجاسةِ‪ .‬ال‪ :‬لون ِها‪ ،‬أو ِر َيِها‪ ،‬أو هما؛ عج ًزا)‪.‬‬
‫اء ط ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ويَض‪ :‬بق‬
‫النااسة لها طعم ولون وريح‪ ،‬فمتى بقي شـيء من هذه األوِاف فالنااسة‬
‫باقية وياب أن تزال آثار النااسة الثالث ليطهر المحل الذي وقعت فيه سواء‬
‫بالماء أو الحك أو نحوها‪ ،‬فمتى زالت عين النااسة ووِفها وغسلها بالماء‪،‬‬
‫وبقي أثر خفيف ال يقدر على إزالته كاللون أو الريح اليسير فإنه يعفى عنه‪ ،‬كما قال‬
‫ال َثوب و ِ‬ ‫ِ‬
‫احدٌ ‪َ ،‬و َأنَا‬ ‫ول اهلل! إِ ان ُه َل ْي َس لي إِ ا ْ ٌ َ‬
‫رسول اهلل ﷺ لخولة لما َقا َل ْت‪َ « :‬يا َر ُس َ‬
‫يه ُثم ِ ّلي فِ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يض فِ ِ‬
‫َأ ِح ُ‬
‫يه‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬فإِ ْن َل ْم‬ ‫ف َأ ِْنَ ُع؟ َق َال‪ :‬إِ َذا َط ُه ْرت َفا ْغسلِ ا َ‬ ‫يه‪َ ،‬ف َك ْي َ‬
‫ضـرل َأ َث ُر ُه»(‪ ،)1‬وهذا تيسـير وتخفيف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي ْخرجِ الدا م؟ َق َال‪ :‬ي ْك ِف ِ‬
‫يك َغ ْس ُل الدا مِ‪َ ،‬و َ‬
‫ال َي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫وذكر المؤلف أن لون النااسة وريحها يعفى عنه إذ أزال ما يقدر عليه دون‬
‫ِ‬
‫ضـرل َأ َث ُر ُه)‪.‬‬ ‫طعمه‪ ،‬ولعله استأنس بقوله‪( :‬ي ْك ِف ِ‬
‫يك َغ ْس ُل الدا مِ‪َ ،‬و َ‬
‫ال َي‬ ‫َ‬
‫مرهُ‬ ‫َ َ ُْ َ َ ً َ َ َ ْ ُ ُ ُ‬
‫وهو‪َ :‬غ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ول غالم لم يأكل طعاما ل ِشهوة‪ :‬نضحه‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وَيزئ يف ب ِ‬
‫َ‬
‫بالماءِ)‪.‬‬
‫بين هنا النااسة المخففة وضابطها وكيفية تطهيرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)365‬وأحمد (‪ ،)6226‬والبيهقي (‪ ،)3220‬وضعفه النووي يف الخالِة (‪،)164/1‬‬
‫وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)524 -522/1‬‬

‫‪162‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪190‬‬

‫َ َ ُْ َ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ول غالم لم يأكل طعاما)‪ :‬وهذا يخرج عذرته وبول الاارية‪،‬‬
‫وهي نااسة (ب ِ‬
‫وبول الغالم الذي أكل الطعام فليست مخففة‪.‬‬
‫َ َ ُْ َ َ ً‬
‫اما ل َِش َ‬
‫هوة)‪ :‬هذا ضابط الغالم الذي ياز يف بوله النضح مالم‬ ‫(لم يأكل طع‬
‫يأكل طعامًا لشهوة‪ ،‬وليس المراد امتصاص ما يوضع يف فمه‪ ،‬وإنما لم يشتهه‬
‫ويطلبه ويتغذى به عوضًا له عن الرضاعة‪ ،‬وهذا اختيار ابن القيم وابن الملقن‬
‫ومحمد بن إبراهيم‪.‬‬
‫فإذا توفر ذلك فالنااسة مخففة‪ ،‬وهذا مذهب الحنابلة والشافعية وأِحاب‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ْت مِ ْح َص ُن‪َ « :‬أن َاها َأ َت ْت بِا ْب ُن َل َها َِ ِغ ُير‬ ‫س بِن ِ‬
‫والدليل‪ :‬ما يف الصحيحين َع ْن ُأم َق ْي ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ فِي ِح ْا ِر ِه‪َ ،‬ف َب َال َع َلى‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َأ ْج َل َس ُه َر ُس ُ‬ ‫َلم َي ْأ ُك ِل ال اط َعام إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اء َفن ََض َح ُه‪َ ،‬و َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه»(‪ .)1‬ولحديث َعلِ ني‪َ :‬أ ان َنبِ اي اهللِ ﷺ َق َال فِي َب ْو ِل‬ ‫َثوبِ ِه‪َ ،‬فدَ َعا بِم ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ار َي ِة»(‪.)2‬‬
‫الا ِ‬
‫الرضي ِع‪ُ « :‬ين َْض ُح َب ْو ُل ا ْل ُغالَمِ‪َ ،‬و ُي ْغ َس ُل َب ْو ُل َ‬ ‫ا‬
‫َ ْ ُ ُ ُ َ ُُ َ‬
‫(نضحه‪ ،‬وهو‪ :‬غمره بالماءِ)‪ :‬فياز يف تطهيره أن يرش الثوب بالماء دون فرل‬
‫وال يبلغ جريان الماء‪.‬‬
‫والحكمة من هذا التفريق‪ :‬يحتمل أهنا تعبدية‪ ،‬ويحتمل أن بول الصبي يقع يف‬
‫موضع واحد‪ ،‬وبول الاارية ينتشر‪ ،‬ويحتمل أن بول الاارية أخبث وأناس‬
‫وأنتن‪ ،‬بخالف بول الغالم وهذا أمر مشاهد ويحتمل غيرها‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬إلحاق المذي بالنااسة المخففة لمشقة التحرز منه‪.‬‬
‫الم ْذ ِي ِشدا ًة َو َعنَا ًء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ويدل له‪ :‬حديث َس ْه ِل ْب ِن ُحنَ ْيف‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬كن ُْت َأ ْلـــ َقى م َن َ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬و َس َأ ْلـــ ُت ُه َعنْ ُه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِن َاما‬
‫َف ُكن ُْت ُأكْثِر مِنْ ُه ال ُغس َل‪َ ،‬ف َذكَر ُت َذل ِ َك لِرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )211‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)261‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)610‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬وأبو داود (‪ ،)311‬وابن ماجه (‪ ،)525‬وأحمد (‪،)151‬‬
‫وِححه ابن خزيمة (‪ ،)264‬وابن حبان (‪ ،)1315‬والحاكم يف المستدرل (‪.)561‬‬

‫‪120‬‬
‫‪191‬‬ ‫باب إزالة النجاسة‬

‫صـيب َث ْوبِي مِنْ ُه‪َ ،‬ق َال‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ف بِ َما ُي‬ ‫ول اهللِ! َك ْي َ‬
‫ـــت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫الو ُضو ُء»‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُي ْا ِز ُئ َك م ْن َذل َك ُ‬
‫اب مِنْ ُه»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫« َي ْك ِف َ‬
‫يك َأ ْن َت ْأ ُخ َذ كَفا م ْن َماء َف َتن َْض َح بِه َث ْو َب َك َحيْ ُث َت َرى َأ ان ُه َأ َِ َ‬
‫وبه قال اإلمام أحمد‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم وابن القيم والشوكاين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫وأحواض‪ ،‬وأرض تنجست بِمائ ِع‪ ،‬ولو مِن‬ ‫َ‬ ‫ري صخر‪،‬‬ ‫وَيْ ُ‬
‫زىء يف تط ِه‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ ه َ‬ ‫َ‬
‫بالماءِ‪ ،‬حبَ‬ ‫خَنير‪ُ :‬ماكث َ‬
‫ور َيُها)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫جاس‬ ‫انل‬ ‫ون‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ذه‬ ‫ي‬ ‫يث‬ ‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫ب‬‫ُك‬
‫فالنااسة المائعة إذا وقعت على أرض أو حوض أو إناء يكفي يف تطهيرها‬
‫مكاثرهتا بالماء وِبه عليها حتى يزول جرمها وأثرها‪.‬‬
‫لحديث األعرابي‪« :‬الذي بال يف المساد فأمر رسول اهلل ﷺ بذنوب من ماء‬
‫فأهريق عليه‪.)2(»...‬‬
‫اس ُة‪ :‬بانله‬
‫ه َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ه‬
‫بالشمس‪ِّ ،‬‬ ‫َُ ُ َ ُ‬
‫ار)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫انل‬ ‫‪.‬وال‬ ‫اف‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫واجل‬ ‫‪،‬‬ ‫يح‬
‫ِ‬ ‫والر‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫رض‬ ‫قوهل‪( :‬وال تطهر األ‬
‫المذهب‪ :‬أن النااسة التي على األرض ال تطهر بمارد تنشـيف الشمس لها‬
‫وال بالريح والافاف؛ ويشرتأ الماء إلزالة النااسة وتطهيرها من األرض؛ ألن‬
‫رسول اهلل ﷺ أزال بول األعرابي بالماء ولم يرتكه للشمس والريح‪.‬‬
‫والرواية الثانية عن اإلمام أحمد‪ ،‬وهي األظهر‪ :‬أن الماء ال يشرتأ إلزالة‬
‫النااسة من األرض وال غيرها ولكنه األكمل‪ ،‬فلو زالت عين النااسة وأثرها‬
‫بالشمس أو الريح أو الافاف‪ ،‬فإهنا تطهر وال يشرتأ لها الماء‪.‬‬
‫وقد ثبت عن رسول اهلل ﷺ يف إزالة ما علق بالخف من النااسة أنه قال‪« :‬إذا‬
‫ا ِد‪َ :‬ف ْل َينْ ُظ ْر َفإِ ْن َر َأى يف َن ْع َل ْي ِه َق َذ ًرا أو َأ ًذى َف ْل َي ْم َس ْح ُه‪َ ،‬و ْل ُي َصل‬
‫جاء أحدكم إلى المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫فِ ِ‬
‫يه َما»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪- )115‬واللفظ له‪ ،-‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬وأبو داود (‪ ،)210‬وابن ماجه (‪،)506‬‬
‫وِححه ابن خزيمة (‪ ،)506‬وابن حبان (‪.)1103‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)62‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪- )650‬واللفظ له‪ ،-‬وأحمد (‪ ،)11625‬وِححه ابن خزيمة (‪ ،)166‬وابن حبان‬
‫(‪ )2165‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪192‬‬

‫ان ا ْل َق ِذ ِر؟ َف َقا َلت أم‬ ‫ولما قيل ألم س َلمةَ‪ :‬إِني امر َأ ٌة ُأطِ ُيل َذيلِي و َأمشي فِي الم َك ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫ول اهلل ﷺ‪ُ « :‬ي َطه ُر ُه َما َب ْعدَ ُه» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سلمة‪ :‬قال َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور»(‪.)2‬‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َذا َوط َئ َأ َحدُ ُك ْم بِنَ ْع َل ْيه األَ َذى‪َ ،‬فإِ ان الت َُّر َ‬
‫اب َل ُه َط ُه ٌ‬
‫ول َو ُت ْقبِ ُل َو ُتدْ بِ ُر فِي‬‫َت ا ْلكِال َُب َت ُب ُ‬ ‫ويف البخاري عن ابن عمر ﭭ َق َال‪« :‬كَان ِ‬
‫ون شـي ًئا مِ ْن َذل ِ َك»(‪.)3‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َل ْم َي ُكو ُنوا َي ُر ُّش َ‬ ‫ان رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الم ْساد في َز َم َ ُ‬
‫َ‬
‫فدل على‪ :‬أهنم اكتفوا بإزالة غير الماء لها‪ ،‬وأما قصة األعرابي فهذا كان مراده‬
‫تعايل الطهارة‪ ،‬ولعله احتاج إلى المكان للصالة وال يمكن انتظاره حتى يستحيل‪،‬‬
‫ومثل هذا زوال النااسة بالنار‪ ،‬وهذا مذهب رواية عن اإلمام أحمد ومذهب أبي‬
‫حنيفة ورجحه شـيخ اإلسالم وابن القيم والماد فالحكم يدور مع علته وجود ًا‬
‫وعدمًا‪.‬‬
‫ْ َ َ َ َ ًّ َ‬ ‫َ ُُ َ َُ‬
‫فسها)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وتطهر اخلمرة بـإنائ ِها‪ :‬إن انقلبت خال بن ِ‬
‫الخمرة ناسة حتى ولو كان مصدرها طاهر ًا كالعنب؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾‬
‫[المائدة‪ ،]20 :‬وهذا قول جمهور العلماء‪.‬‬
‫وإذا تحولت الخمر إلى خل‪ ،‬فال تخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون تحولها بنفسها فتطهر وياوز االستفادة منها‪ ،‬ونقل شـيخ‬
‫اإلسالم اإلجماع على ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)143‬وأبو داود (‪ ،)363‬وابن ماجه (‪ ،)531‬ومالك يف الموطأ (‪ ،)45‬وِححه‬
‫األلباين يف ِحيح أبي داود برقم (‪.)402‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ )365‬من حديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪ ،‬وهذا الحديث قد اختلف العلماء فيه‪ :‬فقد‬
‫ِححه ابن خزيمة (‪ ،)222‬وابن حبان (‪ ،)1403‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)520‬واأللباين يف ِحيح أبي‬
‫داود برقم (‪ ،)411‬وضعفه ابن القطان والبيهقي والمنذري والنووي وابن حار؛ انظر‪ :‬البدر المنير البن‬
‫الملقن (‪ ،)121/4‬والتلخيص الحبير البن حار (‪.)216 ،211/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)112‬‬

‫‪122‬‬
‫‪193‬‬ ‫باب إزالة النجاسة‬

‫الثانية‪ :‬أن تتخلل بالمعالاة فال ياوز له شـرهبا أو بيعها لما روى مسلم َع ْن‬
‫َس‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ُسئِ َل َع ِن َ‬
‫الخ ْم ِر‪ُ :‬تت َاخ ُذ َخال؟ َف َق َال‪ :‬ال»(‪.)1‬‬ ‫َأن ُ‬
‫َ َ َ َ َ ه َََه َ َ‬ ‫ا‬
‫َ َ َ ُ‬
‫وضع انلهجاسةِ‪ :‬غسل حَت يتيق َن غسلها)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وإذا خ ِِف م ِ‬
‫إذا وقعت النااسة على ثوب أو بقعة خفي عليه موضعها فعليه أن يغسل‬
‫المكان الذي يغلب على ظنه أهنا فيه حتى يتيقن أهنا زالت‪ ،‬مثل لو تيقن أهنا على‬
‫كمه وال يدري أي الكمين‪ ،‬فيلزمه غسل الكمين جميعًا‪ ،‬فالبد أن يتيقن أو يغلب‬
‫على ظنه أن النااسة زالت وغلبة الظن تنزل منزلة الظن يف الشريعة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1263‬‬

‫‪123‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪194‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬
‫(يف النجاسات)‬

‫ذكر يف هذا الفصل األشـياء الناسة‪ ،‬ونلخصها على شكل ضوابط‪.‬‬


‫ه‬ ‫ه‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫الطري َ‬
‫وابلهائ ِِم‪ ،‬مِما‬ ‫َِ‬ ‫احلشيشة‪ .‬وما ال يؤُك مِن‬ ‫قوهل‪( :‬المسك ُِر المائ ِع‪ .‬وكذا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َه‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِّ ْ َ ً َ ٌ‬ ‫َ َ‬
‫أر‪ .‬والمسك ُِر‬ ‫ِ‬ ‫والف‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫ي‬ ‫اكحل‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫ِلق‬ ‫خل‬ ‫ا‬ ‫يف‬ ‫ها‬ ‫ون‬‫د‬ ‫وما‬ ‫‪.‬‬ ‫س‬ ‫َن‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫اله‬
‫ِ‬ ‫وق‬ ‫ف‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫غري المائ ِِع‪ :‬فطاهِر)‪.‬‬
‫َ َ ُ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫َنس)‪ :‬الضابط األول‪ :‬الخمر‪ ،‬وهي كل‬ ‫(المسكِر المائ ِع‪ .‬وكذا‪ :‬احلشيشة‪ِ ...‬‬
‫ُ‬
‫ما أسكر من العنب أو الشعير أو التمر أو غيرها‪ ،‬وهذا المراد بقوله‪( :‬المسك ُِر‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫احلشيشة)‪ :‬أي ويلحق بالخمر‬ ‫المائ ِع)‪ :‬ويلحق هبا ما أسكر من الاامدات‪( .‬وكذا‪:‬‬
‫يف النااسة الحشـيشة المسكرة‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬والحشـيشة ناسة يف األِح‪ ،‬وهي حرام‪ ،‬سواء سكر منها‬
‫أم لم يسكر‪ ،‬والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين‪ ،‬وضـررها من بعض الوجوه‬
‫أعظم من ضـرر الخمر‪ ،‬وظهورها يف المئة السادسة»‪.‬‬
‫واإلسكار‪ :‬هو تغطية العقل على وجه اللذة والطرب‪.‬‬
‫وقسم المسكرات إلى نوعين‪:‬‬
‫األول‪ :‬مائع‪ ،‬وهذا ناس‪ ،‬وعليه األئمة األربعة‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم؛ ألهنا‬
‫وِفت بالخبث‪ ،‬بل إهنا أم الخبائث فهي إذ ًا ناسة‪.‬‬
‫ووِفها اهلل بالرجس قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫‪ .]20‬والرجس هو‬ ‫[المائدة‪:‬‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ تفلحون ﴾‬
‫الناس‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪195‬‬ ‫فصل يف النجاسات‬

‫ـــح َة َفنَا َدى‪ :‬إِ ان ال الــ َه َو َر ُسو َل ُه‬


‫ويف الصحيحين عن أنس‪« :‬أن النبي ﷺ أمر َأ َبا َط ْل َ‬
‫ور بِ َما فِي َها»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الح ُم ِر َفإِن َاها ِر ْج ٌس َأ ْو نَا ٌس‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ُأكْف َئت ا ْلـــ ُقدُ ُ‬
‫ِ‬
‫َين َْه َيان ُك ْم َع ْن ُل ُحو ِم ُ‬
‫فالرجس يف اآلية‪ ،‬والحديث بمعنى الناس نااسة حسـية وهذا األظهر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ري المائ ِِع‪ :‬فطاه ٌِر)‪ :‬النوع الثاين‪ :‬المسكر الاامد‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫(والمسكِر غ‬
‫ناسًا‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬األطياب المحتوية على نسبة كحول فيها خالف‪ ،‬واألقرب جواز‬
‫التطيب هبا؛ ألن نسبة الكحول فيها قليلة جد ًا‪ ،‬وقد استحالت‪ ،‬والصحيح يف‬
‫النااسة إذا استحالت أهنا تطهر‪ ،‬ورجح جواز استعمالها وطهارهتا مشايخنا ابن‬
‫جربين وابن عثيمين‪ .‬إال أن األحوأ لإلنسان أن يتانبها‪.‬‬
‫ِّ ْ َ ً َ ٌ‬ ‫ه َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ َُ‬
‫َنس)‪ :‬الضابط الثاين‪:‬‬‫خلقة‪ِ :‬‬‫الهر ِ‬
‫ري وابلهائ ِِم‪ ،‬مِما فوق ِ‬
‫ِ‬ ‫الط‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫ؤُك‬ ‫(وما ال ي‬
‫كل طير أو حيوان محرم األكل‪ ،‬مثل السباع والنسـر والعقاب‪ ،‬وهذا قول جمهور‬
‫العلماء؛ لحديث ابن عمر أنه سمع النبي ﷺ وهو ُيسأل عن الماء يكون يف الفالة‬
‫الما ُء ُق الــ َت ْي ِن َل ْم َي ْح ِم ِل‬
‫َان َ‬ ‫من األرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫م ُينَا ْس ُه شـي ٌء» [أخرجه األربعة‪ ،‬وِححه‬ ‫الخ َب َث» ‪ .‬ويف رواية‪« :‬إِ َذا َب َل َغ َ‬
‫الما ُء ُق الــ َت ْي ِن َل ْ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬

‫ابن خزيمة وابن حبان والحاكم](‪.)3‬‬


‫َ‬ ‫َه‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِّ ْ َ ً َ ٌ‬ ‫ه َ َ‬
‫اكحليةِ‪ ،‬والفأرِ ‪...‬‬ ‫َنس‪ .‬وما دونها يف اخل ِلقةِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫اله‬
‫ِ‬ ‫وق‬ ‫(مِما ف‬
‫َ‬
‫فطاه ٌِر)‪ :‬فإذا كان ما ال يؤكل كالهر ودونه يف الخلقة فليس بناس‪ ،‬وإن كان فوقه‬
‫فناس هذا المذهب‪ ،‬ويدخل يف النااسة أبوالها وأرواثها‪ ،‬واألشـياء الرطبة التي‬
‫تلوث المسها البد من الغسل منها‪ ،‬وأما الاامد الذي ال يلوث كالريش والالد‬
‫فال يلزم غسله‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5206‬ومسلم (‪- )1240‬واللفظ له‪.-‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)44‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪ ،)44‬وهذا لفظ ابن ماجه‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪196‬‬

‫ويستثنى من هذا ما استثناه الشارع وهو‪:‬‬


‫ال َين ُْا ُس» [متفق عليه](‪ .)1‬سواء كان‬ ‫ـــم ْؤمِ َن َ‬
‫اآلدمي‪ :‬لقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ ان ا ْل ُ‬
‫مسلمًا أو كافر ًا؛ ألن اهلل أباح نكاح الكتابيات‪.‬‬
‫شـراب َأ َح ِد ُك ْم‪َ :‬ف ْلـــ َي ْغ ِم ْس ُه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اب فِي‬ ‫وماال نفس له سائلة‪ :‬لحديث‪« :‬إِ َذا َو َق َع ُّ‬
‫الذ َب ُ‬
‫َاح ْي ِه َدا ًء‪ ،‬واألُ ْخ َرى ِش َفاء» [أحرجه البخاري](‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُث ام ل َين ِْز ْع ُه‪َ ،‬فإِ ان في إِ ْحدَ ى َجن َ‬
‫س‪،‬‬ ‫وما يشق التحرز منه‪ :‬قياس ًَا على الهر؛ لقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِن َاها َل ْي َس ْت بِن ََا ُ‬
‫ات» [أخرجه األربعة‪ ،‬وِححه الرتمذي وابن خزيمة](‪ .)3‬مثل‬ ‫إِناها مِن ال اطوافِين َع َلي ُكم وال اطوا َف ِ‬
‫َ َ ا َ ْ ْ َ ا‬
‫الحمار؛ ألن رسول اهلل ﷺ كان يركبه وال يتحرز من عرقه ولعابه‪ ،‬والصقر؛ ألن‬
‫اهلل أباح ِـيده وهكذا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫أر‪ ...‬فطاه ٌِر)‪ :‬الهر ليست ناسة بنص‬
‫ِ‬ ‫والف‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫اكحل‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫ِلق‬ ‫خل‬ ‫ا‬ ‫يف‬ ‫ها‬ ‫(وما دون‬
‫السنة‪.‬‬
‫والعلة‪ :‬كثرة تطوافها ومشقة التحرز منها ومن مالمستها اإلنسان‪.‬‬
‫واختلف العلماء يف ضابط ما يلحق هبا مما ال يؤكل لحمه‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬جعلوه الحام فما كان مثلها يف الحام أو أِغر كالفأرة والحية‬
‫والارذ فهو طاهر؛ حيث جعلوا العلة ِغر الاسم‪.‬‬
‫وقيل العلة كثرة تطوافها ومشقة التحرز منها؛ ألن رسول اهلل ﷺ نص عليها‪،‬‬
‫واختاره السعدي وابن عثيمين‪.‬‬
‫َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ َ َ َ َ ٌ َ َ َ‬
‫ك‪ ،‬واجلرادِ‪ ،‬وما ال نفس هل‬ ‫َنسة‪ .‬غري‪ :‬ميت ِة اآلديم‪ ،‬والسم ِ‬ ‫قوهل‪َ ( :‬وُك ميتة‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫اكلع َ‬ ‫ٌ‬
‫ِيث)‬
‫مل‪ ،‬والَباغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫والق‬ ‫‪،‬‬ ‫ق‬ ‫وابل‬ ‫ِ‪،‬‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫نف‬ ‫واخل‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫قر‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫سائ ِل‬
‫الضابط الثالث‪ :‬كل ميتة فهي ناسة‪ ،‬ولو كان من حيوان مأكول لقوله تعالى‪:‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)53‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)54‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)53‬‬

‫‪126‬‬
‫‪197‬‬ ‫فصل يف النجاسات‬

‫﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭﮮﮯ﴾ [األنعام‪ ،]145 :‬ويستثنى من ذلك ثالث ميتات‪:‬‬
‫ال َين ُْا ُس» [متفق عليه] (‪.)1‬‬ ‫الم ْؤمِ َن َ‬ ‫ميتة اآلدمي‪ :‬لقوله ﷺ‪« :‬إِ ان ُ‬
‫اؤه ا ْل ِ‬
‫ـــح ُّل َم ْي َت ُت ُه» [أخرجه األربعة](‪.)2‬‬ ‫ور َم ُ ُ‬‫وميتة البحر‪ :‬لقوله ﷺ‪ُ « :‬ه َو ال اط ُه ُ‬
‫وميتة ما ال نفس له سائلة‪ :‬كالاراد والخنفساء والقمل؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َو َق َع‬
‫الا َرا ُد»(‪.)4‬‬
‫وت‪َ ،‬و َ‬ ‫الح ُ‬ ‫ِ‬ ‫اب ‪ .)3(»...‬وقوله ﷺ‪ُ « :‬أ ِح ال ْ‬
‫ــت َلنَا َم ْي َتتَان‪ُ :‬‬ ‫ُّ‬
‫الذ َب ُ‬
‫ُ َ ُُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ ُْ ُ َ َ ُ ْ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أكرث عل ِف ِه انلهجاسة؛ فبوهلُ‪َ ،‬و َروثه‪ ،‬وقيئه‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وما أكِل حلمه‪ ،‬ولم يكن‬
‫ٌ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُّ ُ َ َ ُ‬
‫طاهر)‪.‬‬ ‫وبلنه‪:‬‬ ‫ومذيه‪ ،‬ووديه‪ ،‬ومنِيه‪،‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬كل ما أباح الشـرع أكله من حيوان أو طير فإنه طاهر‪ ،‬وفضالته‬
‫ٌ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُّ ُ َ َ ُ‬
‫طاهر)‪.‬‬ ‫وبلنه‪:‬‬ ‫طاهرة (فبوهل‪ ،‬وروثه‪ ،‬وقيئه‪ ،‬ومذيه‪ ،‬ووديه‪ ،‬ومنِيه‪،‬‬
‫ويدل لذلك‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ‪« :‬أذن للعرنيين أن يشـربوا من ألبان اإلبل‬
‫ار ِل ْ ِ‬
‫اإلبِ ِل‬ ‫وأبوالها»(‪ .)5‬كما يف الصحيحين‪ ،‬وأما قول الرسول ﷺ‪« :‬ال ُت َص ُّلوا يف َم َب ِ‬
‫ين» [متفق عليه](‪ ،)6‬فليس ألجل النااسة‪ ،‬وإنما ألهنا مأوى‬ ‫َفإِ ان َها من الشـياطِ ِ‬
‫الشـياطين وخشـية نفورها‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وبول ما يؤكل لحمه وروثه لم يذهب أحد من الصحابة‬
‫إلى نااسته‪ ،‬بل القول بنااسته قول محدث ال سلف له من الصحابة» وأطال يف‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)53‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)32‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)54‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)3216‬وأحمد (‪ )5123‬من حديث ابن عمر ﭭ مرفوعًا‪ ،‬وروي موقوفًا عليه‪،‬‬
‫وضعف العلماء رواية الرفع وِححوا رواية الوقف‪ ،‬وهي يف معنى المرفوع؛ ألن قول الصحابي‪( :‬أحل‬
‫لنا) تأخذ حكم الرفع‪ .‬انظر‪ :‬التلخيص الحبير (‪ ،)26/1‬والبدر المنير (‪.)446/1‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)1430‬ومسلم (‪ )1611‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود (‪.)164‬‬

‫‪121‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪198‬‬

‫االستدالل للقول بطهارهتا(‪.)1‬‬


‫َ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َُ َ‬
‫أكرث عل ِف ِه انلهجاسة)‪ :‬وهي الااللة التي أكثر علفها النااسة‪ ،‬من‬ ‫(ولم يكن‬
‫الحيوانات والطيور المباحة األكل وتأيت يف األطعمة فال ياوز أكل لحمها‪،‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َع ْن َأ ْك ِل ا ْل َا اال َل ِة‬ ‫وبيضها‪ ،‬وال شرب لبنها؛ لصريح السنة‪« :‬ن ََهى َر ُس ُ‬
‫َو َأ ْل َبان ِ َها» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي ](‪.)2‬‬
‫وألبي داود والرتمذي وِححه ‪َ «:‬أ ان النابِ اي ﷺ ن ََهى َع ْن َل َب ِن ا ْل َا اال َل ِة»(‪.)3‬‬
‫فال تؤكل حتى تحبس ثال ًثا وتطعم الطاهر إذا أراد أن يأكلها أو يشرب لبنها‬
‫فيحبسها عن النااسات ويطعمها الطيبات حتى تطيب‪.‬‬
‫ُ َ َ ٌ ه َ ه َ ِّ َ َ َ ُ َ‬
‫َ‬
‫وبلنه‪ ،‬فطاه ٌِر)‪.‬‬ ‫جس‪ ،‬إال منِـي اآلد ِيم‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وما ال يؤُك‪ :‬فن ِ‬
‫كل محرم األكل فهو ناس وبوله وروثه‪.‬‬
‫َ ِّ َ َ َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ويستثنى من هذا‪َ ( :‬منِ ه‬
‫وبلنه‪ ،‬فطاه ٌِر)‪ :‬وكذا عرق اآلدمي طاهر؛‬ ‫ـي اآلد ِيم‪،‬‬
‫ولذا جمع الصحابة عرق رسول اهلل ﷺ وجعلوه طيبًا وكذا لبن اآلدمية طاهر‬
‫بداللة القرآن والسنة واإلجماع وريق اآلدمي طاهر‪.‬‬
‫ومني اآلدمي طاهر‪ ،‬ولكنه يعامل معاملة المستقذرات كالمخاأ والبصاق‪،‬‬
‫ويزال إما بالحك إن كان يابسًا‪ ،‬أو بالمسح إن كان رطبًا‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام‬
‫أحمد والشافعي ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬فالمشـروع غسله لالستقذار‪ ،‬وياز‬
‫مسحه رطبًا وفركه يابس ًَا كالمخاأ؛ لحديث عائشة ڤ يف المسند وِححه ابن‬
‫اإل ْذ ِخ ِر‪ُ ،‬ث ام ُي َصلي‬
‫المن ِ اي مِ ْن َث ْوبِ ِه بِ ِع ْر ِق ِ ِ‬ ‫َان رس ُ ِ‬
‫ت َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ْس ُل ُ‬ ‫خزيمة َقا َل ْت‪« :‬ك َ َ ُ‬

‫(‪ )1‬يف الفتاوى (‪.)542/21‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3165‬والرتمذي (‪ )1624‬من حديث ابن عمر ¶‪ .‬قال الرتمذي‪" :‬حسن غريب"‪،‬‬
‫وِححه الحاكم (‪ .)2246‬وله شاهد من حديث ابن عباس‪ ،‬وابن عمرو ╚‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري‬
‫(‪ ،)646/2‬إرواء الغليل (‪.)142/6‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)3166‬والرتمذي (‪ )1625‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ِ .‬ححه الرتمذي‪ ،‬وابن الاارود‬
‫(‪ ،)661‬وابن حبان (‪ ،)5322‬والحاكم (‪ ،)2241‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)2504‬‬

‫‪126‬‬
‫‪199‬‬ ‫فصل يف النجاسات‬

‫يه‪ ،‬ويح ُّته مِن َثوبِ ِه يابِسا‪ُ ،‬ثم يصلي فِ ِ‬


‫يه»(‪ ،)1‬وهذا من خصائص المستقذرات ال من‬ ‫ِ ِ‬
‫ف ََ ُ ُ ْ ْ َ ً ا ُ َ‬
‫أحكام النااسات‪.‬‬
‫ولحديث عائشة ڤ‪َ « :‬و َل َقدْ َر َأ ْي ُتنِي َأ ْف ُر ُك ُه ‪-‬أي المني‪ -‬من َث ْو ِ‬
‫ب رسول اهلل ﷺ‬
‫َف ْركًا َف ُي َصلي فيه»(‪ ،)2‬وهذا ليس شأن النااسات‪.‬‬
‫اأ‪َ ،‬ف َأمِ ْط ُه‬
‫اس ﭭ َأ انه َق َال‪« :‬المنِي بِمن ِْز َل ِة الم َخ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُّ َ‬ ‫ُ‬ ‫وروى الرتمذي َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫َان إ ِ َذا‬
‫اص ﭬ‪َ « :‬أ ان ُه ك َ‬ ‫َعن َْك َو َل ْو بِإِ ْذ ِخ َر ُة»(‪ .)3‬وروى البيهقي عن َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو اق ُ‬
‫َان يابِسا ح اته ُثم ِ الــى فِ ِ‬ ‫المنِي إِ ْن ك َ‬
‫يه»(‪.)4‬‬ ‫َان َر ْط ًبا َم َس َح ُه‪َ ،‬وإِ ْن ك َ َ ً َ ُ ا َ‬ ‫َأ َِ َ َ‬
‫اب ث ْو َب ُه َ ّ‬
‫وأيضًا الصحابة كانوا يحتلمون يف ثياهبم‪ ،‬وهذا مما تعم به البلوى‪ ،‬ولم ينقل‬
‫أحد أن النبي ﷺ أمر أحد ًا من الصحابة بغسل المني من بدنه وثوبه‪ ،‬فعلم أن هذا‬
‫لم يكن واجبًا عليهم‪.‬‬
‫وقد أفتى به ابن عباس ﭭ لما سئل عن المني إذا أِاب الثوب فقال‪« :‬إنما‬
‫هو بمنزلة المخاأ‪ ،‬وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة»(‪.)5‬‬
‫وأن األِل يف األعيان الطهارة فياب القضاء بطهارهتا حتى يايئنا ما يوجب‬
‫نااستها‪ .‬قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وقد بحثنا وسربنا فلم ناد لذلك أِالً»‪ .‬ويشهد له‬
‫أن اهلل جعله أِل األنبياء والصالحين واإلنسان مكرم فكيف يكون أِله ناسًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد (‪ ،)26101‬وابن خزيمة يف ِحيحه (‪ ،)224‬وِحح إسناده المناوي يف التيسـير بشـرح‬
‫الاامع الصغير (‪.)216/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)266‬‬
‫(‪ )3‬ذكره الرتمذي عقب حديث عائشة (‪ )111‬من دون إسناد إلى ابن عباس‪ ،‬وروى نحوه عبد الرزاق يف‬
‫المصنف (‪ ،)1431‬والدارقطني يف سننه (‪ ،)125/1‬والبيهقي يف معرفة السنن واآلثار (‪ )244/2‬ثم قال‪:‬‬
‫«هذا هو الصحيح موقوف»‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البيهقي يف سننه (‪ ،)3260‬والشافعي يف مسنده ص(‪.)345‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الدارقطني يف سننه (‪- )124/1‬واللفظ له‪ ،)146/11( -‬والبيهقي يف سننه (‪)3216‬؛ من حديث‬
‫ابن عباس مرفوعًا‪ .‬ورواه ابن أبي شـيبة موقوفًا (‪ ،)224‬وقد ِحح البيهقي وقفه على ابن عباس ‪-‬عقب‬
‫الرواية المرفوعة‪.-‬‬

‫‪122‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪200‬‬

‫َََ ُ َ َ‬
‫وبلنه‪ ،‬فطاه ٌِر)‪ :‬فلبن اآلدمي والحيوان المأكول طاهر بال نزاع‪.‬‬ ‫(‬
‫ولبن الحيوان الناس ناس‪.‬‬
‫ولبن الحيوان الطاهر غير المأكول فيه روايتان‪ :‬األولى‪ :‬ناس‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬طاهر‪ ،‬وحكم بيضه حكم لبنه‪ ،‬وعلى القول بطهارهتما ال يؤكالن‪.‬‬
‫وأما بول اآلدمي‪ ،‬وعذرته‪ ،‬ومذيه‪ ،‬فهي ناسة‪ ،‬كما دلت على ذلك النصوص‪.‬‬
‫ه ُ َ ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ ُ‬
‫َنس)‪.‬‬‫قوهل‪( :‬والقيح‪ ،‬وادلم‪ ،‬والصديد‪ِ :‬‬
‫فالقيح والصديد كالدم يف النااسة لكوهنا متولدة عنه‪ ،‬لكنها أسهل وأخف منه‬
‫حكما عند اإلمام أحمد لوقوع االختالف فيه‪ ،‬فإنه روي عن ابن عمر والحسن أهنم‬
‫لم يروا القيح والصديد كالدم‪.‬‬
‫وقال مااهد وعطاء وعروة والشعبي والزهري وقتادة والحكم والليث‪ :‬القيح‬
‫بمنزلة الدم‪ .‬فلذلك خف حكمه عنده‪ ،‬واختياره مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل‬
‫حكمه فيه‪ ،‬ولكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذي يفحش من الدم‪.‬‬
‫والدم ناس وأطلقوا ذلك يعني أن كل دم ناس‪.‬‬
‫والدم الخارج من اآلدمي أنواع‪ :‬منه الطاهر ومنه الناس‪.‬‬
‫فالدم الخارج من السبيلين ناس بإجماع العلماء كدم الحيض والنفاس‪.‬‬
‫وأما الدم الخارج من غير السبيلين كدم الاروح فاختلفوا فيه‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه ناس قليله وكثيره‪ ،‬وهو مذهب الامهور من الحنفية والمالكية‬
‫والشافعية؛ لعموم قوله تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﴾ [األنعام‪ .]145 :‬وبقول اهلل‬
‫‪﴿ :‬ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮓﮔﮕﮖﮗ﴾ [البقرة‪.]113 :‬‬
‫وفيه قول ُ‬
‫ثان‪ :‬أن الدم طاهر‪ ،‬إال ما خرج من السبيلين‪ ،‬واختاره الشوكاين‬
‫وقواه ابن عثيمين‪.‬‬
‫وِديق حسن خان واأللباين ا‬
‫واحتاوا بأمور منها‪:‬‬

‫‪200‬‬
‫‪201‬‬ ‫فصل يف النجاسات‬

‫األول‪ :‬أنه لم يثبت عن رسول اهلل ﷺ أمر بغسل الدم إال دم الحيض مع كثرة ما‬
‫يصـيب اإلنسان من جروح ورعاف وحاامة وغير ذلك فلو كان ناسًا لبينه لدعاء‬
‫الحاجة إليه واألِل يف األشـياء الطهارة حتى يقوم دليل على النااسة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن الصحابة كانوا ُي َص ُّلون باراحاهتم يف الاهاد ومعلوم أن الدماء كانت‬
‫تسـيل عليهم ولم ينقل أن رسول اهلل ﷺ أمرهم بالتحرز منها‪.‬‬
‫ات الر َقا ِع َف ُرمِ َي‬
‫َان فِي َغ ْزو ِة َذ ِ‬
‫َ‬ ‫قال البخاري‪َ :‬و ُي ْذك َُر َع ْن َجابِ ُر‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫َر ُج ٌل بِ َس ْه ُم َفن ََز َف ُه الدا ُم َف َرك ََع َو َس َادَ َو َمضـى في َِال َته» ‪ .‬ولو كان ناسًا للزمه‬
‫إزالة الدم أو قطع الصالة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ب‬‫الثالث‪ :‬يف الموطأ َع ِن ا ْلـــم ْس َو ِر ْب ِن َم ْخ َر َمةَ‪َ « :‬أ ان ُع َم َر َِ الــى َو ُج ْر ُح ُه َي ْث َع ُ‬
‫َد ًما»(‪.)2‬‬
‫أن المسلمين مازالوا ُيص ُّلون يف جراحاهتم يف القتال‪ ،‬وقد يسـيل منهم‬ ‫الرابع‪ :‬ا‬
‫األمر بغسله‪ ،‬ولم َي ِر ْد أهنم‬ ‫ُ‬ ‫الدا ُم الكثير‪ ،‬الذي ليس محال للعفو‪ ،‬ولم يرد عنه ﷺ‬
‫يتحرزون عنه؛ بحيث يحاولون التخلي عن ثياهبم التي أِاهبا الدا م متى‬ ‫ا‬ ‫كانوا‬
‫وجدوا غيرها‪.‬‬
‫احاتِ ِه ْم»(‪.)3‬‬ ‫ون يص ُّل َ ِ‬
‫ون في ِج َر َ‬ ‫ـــم ْسلِ ُم َ ُ َ‬
‫ـــح َس ُن‪َ « :‬ما َز َال ا ْل ُ‬
‫َق َال ا ْل َ‬
‫أن أجزاء اآلدمي طاهرة‪ ،‬فلو ُقطِ َعت يده لكانت طاهرة مع أناها تحمل‬ ‫الخامس‪ :‬ا‬
‫ور ابما يكون كثير ًا‪ ،‬فإذا كان الازء من اآلدمي الذي ُيعترب ُركنًا يف ُبنْ َية ال َبدَ ن‬ ‫دمًا؛ ُ‬
‫طاهر ًا‪ ،‬فالدا م الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى‪.‬‬
‫ه ُ َ ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ ُ‬
‫َنس)‪ :‬والدم من حيث النااسة‪ ،‬والطهارة أقسام‪:‬‬ ‫(والقيح‪ ،‬وادلم‪ ،‬والصديد‪ِ :‬‬
‫فالدماء الطاهرة تشمل‪ :‬دم حيوان البحر طاهر‪ ،‬والدم السائل مما ال نفس له‬

‫(‪ )1‬ذكره البخاري (‪ )16/1‬تعليقًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)121‬‬
‫(‪ )3‬ذكره البخاري (‪ )16/1‬تعليقًا‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪202‬‬

‫سائلة كالبق والقمل والرباغيث‪ ،‬والذباب‪ ،‬ودم الشهيد‪ ،‬طاهر مطلقا سواء كان‬
‫عليه أو يف الثياب على الصحيح ويستحب بقاؤه‪ ،‬ودم الكبد والطحال وال خالف‬
‫يف طهارهتما‪ ،‬والدم الباقي يف جسم الحيوان المذكى ولو ظهرت حمرته؛ ألن‬
‫العروق ال تنفك عنه‪ .‬فيسقط حكمه؛ ألنه ضرورة‪.‬‬
‫والمحرم هو الدم المسفوح‪ ،‬فأما الدم الذي يبقى يف خلل اللحم بعد الذبح‪،‬‬
‫وما يبقى يف العروق فمباح‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم فيه‪ :‬ال أعلم خالفا يف العفو عنه‪ ،‬وأنه ال يناس المرق‪ ،‬بل‬
‫يؤكل معها‪.‬‬
‫وأما الدم الناس فيشمل‪ :‬دم الحيض والنفاس كما دل له حديث أسماء‬
‫وعائشة ڤ‪.‬‬
‫والدم السائل من ميتة ناسة ناس‪ ،‬مثل الكلب والحمار‪.‬‬
‫وأما الدم السائل من بني آدم كالسائل من األنف والاروح فهذا فيه خالف‬
‫تقدم‪ ،‬والقيح والصديد أخف من الدم‪.‬‬
‫َ‬
‫ُ َُْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫كن يعَف يف الصالة ِ‪ :‬عن يسري مِنه لم ينقض)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬ل ِ‬
‫العفو عن اليسير‪ :‬محله يف باب الطهارة دون المائعات‪.‬‬
‫ويعفى عن يسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد‪ ،‬وهو أخف من الدم‪.‬‬
‫وأما كثيره فالمذهب ياب غسل الثوب منه‬
‫وقال شيخ اإلسالم‪ :‬وال ياب غسل الثوب والاسد من القيح والصديد‪ .‬ولم‬
‫يقم دليل على نااسته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫قوهل‪( :‬إذا اكن مِن حيوان طاهِر يف احلياة ِ‪ ،‬ولو مِن د ِم حائ ِض)‪.‬‬
‫وبين أن الدم الناس يعفى عن اليسـير منه‪ ،‬بشـروأ‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون يسـير ًا وال يكون كثير ًا فاحشًا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكون من حيوان طاهر يف الحياة كالشاة ونحوها يخرج الناس‬

‫‪202‬‬
‫‪203‬‬ ‫فصل يف النجاسات‬

‫كالكلب‪.‬‬
‫ال َثوب و ِ‬ ‫َان ِ‬ ‫ويدل له‪ :‬ما رواه البخاري عن َعائِ َش َة قالت‪َ « :‬ما ك َ‬
‫احدٌ‬ ‫إل ْحدَ انَا إِ ا ْ ٌ َ‬
‫يه‪َ ،‬فإِ َذا َأ َِا َب ُه شـي ٌء مِ ْن َدمُ‪َ ،‬قا َل ْت بِ ِر ِيق َها َف َق َص َع ْت ُه بِ ُظ ْف ِر َها»(‪.)1‬‬
‫يض فِ ِ‬
‫َت ِح ُ‬
‫وذهب اإلمام أبو حنيفة واختاره شـيخ اإلسالم أن العفو عن يسـير النااسة‬
‫ليس خاًِا بالدم بل سائر النااسات‪ ،‬إذا شق إزالتها‪.‬‬
‫ري ُم َت َف ِّر ٌق ب َثوب ال َ َ‬
‫أكرث)‪.‬‬ ‫ض ُّم‪ :‬ي َ ِس ٌ‬
‫ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬وي‬
‫ِ‬
‫أي أن اليسـير إذا كان ماموع النقط كثيرة‪ ،‬فإن كانت يف ُ‬
‫ثوب واحد فإهنا تؤثر‪،‬‬
‫وإن كانت يف ثوبين فال ُتضم وال تؤثر‪ ،‬مثل لو كانت نقطة يف الغرتة وأخرى يف‬
‫الثوب فمثل هذا ال يامع بعضه إلى بعض؛ ألن لكل ثوب حكمه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ ٌَ‬ ‫ُ ه ْ َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫وريق مِن طاهِر‪ :‬طاه ٌِر)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫وع‬ ‫ه‪،‬‬‫ت‬ ‫ارع ظنت َناس‬
‫قوهل‪( :‬وطِي ش ِ‬
‫فالماء الذي يف الشوارع إن اختلط بعضه ببعض وشك يف نااسته فإنه يعفى عن‬
‫ذلك‪ ،‬وترد إلى أِلها وهو الطهارة‪ ،‬وال يشدد يف هذا‪ ،‬وقد كان الصحابة‬
‫يخوضون يف المطر يف شوارع المدينة وال يغسلون أرجلهم وهذا قول عامة‬
‫العلماء‪ ،‬فمياه الشوارع والطرقات مبنية على األِل وهو الطهارة حتى يتحقق‬
‫نااستها‪ ،‬واألولى أال يتشدد يف السؤال عن الماء الذي أِابه‪ ،‬وأثر عمر ﭬ أنه‬
‫كان يسـير مع ِاحب له فأِاهبم ماء من فوق حائط‪ ،‬فسأل ِاحبه ِاحب البيت‬
‫عن مائه؟ فأنكر عليه عمر وقال‪« :‬يا ِاحب الميزاب ال تخربنا»(‪.)2‬‬
‫ٌ‬ ‫َ ٌَ‬
‫وريق مِن طاهِر‪ :‬طاه ٌِر)‪ :‬فعرق وريق الحيوان والطير الطاهر طاهر‪،‬‬
‫(وعرق ِ‬
‫كبهيمة األنعام والطيور الطاهرة وأبلغ منه عرق وريق اإلنسان فإنه طاهر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)306‬‬


‫(‪ )2‬ذكره ابن تيمية يف ماموع الفتاوى (‪ )164/22‬وقال‪« :‬ثبت عن عمر بن الخطاب‪ ،»...‬وذكره ابن القيم يف‬
‫إغاثة اللهفان (‪ )154/1‬ثم قال‪« :‬ذكره أحمد»‪ .‬و ذكر نحوه ِاحب كنز العمال (‪ ،)6611‬ثم عزاه قائال‪:‬‬
‫«نعيم بن حماد يف نسخته»‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪204‬‬
‫ْ ٌ ََ َ‬
‫اس ًة‪ُ ،‬ث هم َرش َب مِن مائع‪ :‬لَم يَ ُ ه‬ ‫َ ُّ َ‬
‫وَن ُوهُ‬ ‫َ‬
‫َض)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َن‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ِف‬
‫ط‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ِر‬
‫ه‬ ‫أكل‬ ‫و‬ ‫قوهل‪( :‬ول‬
‫فما يشق التحرز منها كالهر‪ ،‬إذا شـرب من الماء ال يناسه ولو كانت تأكل‬
‫الايف أو تالمس النااسة‪ ،‬وال يناس الماء الذي شـربت منه حتى يتغير أحد‬
‫س‪ ،‬إِن َاها مِ َن ال اط اوافِي َن‬
‫أوِافه الثالثة بنااسة؛ لقوله ﷺ يف الهر‪« :‬إِن َاها َل ْي َس ْت بِن ََا ُ‬
‫َع َلي ُكم وال اطوا َف ِ‬
‫ات» [أخرجه األربعة‪ ،‬وِححه الرتمذي](‪.)1‬‬ ‫ْ ْ َ ا‬
‫وهكذا الطفل لعموم البلوى به فال يضـر شـربه من الماء إال إذا تغير الماء‬
‫بنااسة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وهو‪ :‬فضل ُة طعا ِم ِه َ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ ََ‬ ‫ُ‬
‫ورشاب ِ ِه)‪.‬‬ ‫ؤر حيوان طاهِر‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وال يكره‪ :‬س‬
‫الحيوان الطاهر سؤره طاهر‪ ،‬فإذا شـرب البعير أو الشاة أو الخيل من الماء‬
‫فسؤره طاهر وياوز شـرب الماء واستعماله بعده‪.‬‬
‫والطاهر يشمل اآلدمي‪ ،‬وكل ما أبيح أكله‪ ،‬وحيوان البحر‪ ،‬وما ال نفس له‬
‫سائلة وما يشق التحرز منه إال الكلب‪.‬‬
‫وأما الحيوان الناس‪ ،‬مثل الذئب واألسد فإن سؤره ناس؛ لقول رسول اهلل‬
‫ﷺ لما سئل عن الماء وما ينوبه من السباع؟ قال‪« :‬إِ َذا َب َل َغ َ‬
‫الما ُء ُق الــ َت ْي ِن َل ْم ُينَا ْس ُه‬
‫شـي ٌء» [أخرجه األربعة](‪.)2‬‬
‫ولكن إذا شـرب من ماء أو إناء‪ :‬فالصحيح أنه ال يؤثر يف إناء إال إذا تغير أحد‬
‫أوِافه الثالثة بنااسة‪ ،‬إال الكلب فإنه يناس اإلناء الذي شـرب منه ولو لم يظهر‬
‫فيه شـيء؛ لحديث أبي هريرة ﭬ مرفوعًا‪« :‬إذا شـرب ا ْل َك ْلب يف إِن ِ‬
‫َاء َأ َح ِد ُك ْم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َف ْل َي ْغ ِس ْل ُه َس ْب ًعا» [متفق عليه](‪.)3‬‬
‫ويف لفظ لمسلم‪« :‬إِ َذا و َل َغ ا ْلـــ َك ْلـــب فِي إِن ِ‬
‫َاء َأ َح ِد ُك ْم َف ْلـــ ُي ِر ْق ُه ُث ام ْلـــ َي ْغ ِس ْلـــ ُه َسبْ َع‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)53‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪ ،)44‬وهذا لفظ ابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)110‬ومسلم (‪.)212‬‬

‫‪204‬‬
‫‪205‬‬ ‫فصل يف النجاسات‬

‫مِ َر ُار»(‪.)1‬‬
‫الضابط الخامس‪ :‬كل جزء انفصل عن حيوان وهو حي فإنه يأخذ حكم ميتته‪،‬‬
‫كما لو انقطعت يد شاة أو طير وهي حية فيأخذ حكم ميتتها‪.‬‬
‫يم ِة َو ِه َي َح اي ٌة‬ ‫ِ ِ‬
‫لحديث أبي واقد ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ما ُقط َع م َن ا ْلـــ َب ِه َ‬
‫َف ِه َي َم ْي َت ٌة» خرجه أبو داود والرتمذي وقال حسن غريب(‪.)2‬‬
‫وتلقى الفقهاء الحديث بالقبول‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما قطع من البهيمة مع بقاء حياهتا فهو‬
‫ناس حرام األكل ويأخذ حكم ميتتها‪ .‬قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وهذا متفق عليه بين‬
‫العلماء»‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك‪:‬‬
‫الشعر والصوف والوبر والريش‪ ،‬فهي طاهرة من الحيوان الطاهر يف الحياة؛‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [النحل‪.]60 :‬‬
‫حيث ساقها مساق االمتنان‪ ،‬ويتم هذا حينما تحل منه حال الحياة والموت‪.‬‬
‫وألحق شـيخ اإلسالم هبا القرن والظفر؛ ألهنا ال تحلها الحياة‪.‬‬
‫وكذا ما قطع من الطريدة إذا لم يقدر على ذكاهتا فيقطعون منها حتى يقتلوها‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪ :‬وهذا باالتفاق فما قطع منها فهو حالل‪.‬‬
‫وكل ما خرج من محرم األكل فهو ناس‪ :‬ألهنا ناسة والمتولد من الناس‬
‫ناس كعرق الذئب وبوله‪ ،‬ويستثنى من ذلك‪ ،‬ريق وعرق اآلدمي‪ ،‬وما يشق‬
‫التحرز منه‪ ،‬وماال نفس له سائلة‪ ،‬وأما البول فناس وأما المني ففيه خالف‬
‫واألظهر طهارته‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)212‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2656‬والرتمذي (‪ )1460‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ .‬وأحمد (‪ ،)21253‬والحاكم‬
‫(‪ )1521‬وقال‪ِ« :‬حيح على شـرأ البخاري»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود برقم (‪،)2546‬‬
‫ورجح الدارقطني إرساله كما يف العلل (‪.)221/6‬‬

‫‪205‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪206‬‬

‫‪e‬‬ ‫حليْضِ‬
‫با َ‬
‫با ُ‬
‫‪F‬‬

‫عقد هذا الباب لبيان األحكام المتعلقة بالحيض من طهارة وِالة ونحوها‪.‬‬
‫وباب الحيض مهم وهو من أدق أبواب الفقه‪ ،‬ال من جهة األحكام المرتتبة‬
‫عليه‪ ،‬فكثير منها اتفاقي واضح‪ ،‬وإنما ذلك ألن المرأة ينزل منها دماء غير دم‬
‫الحيض‪ ،‬فيشتبه األمر عليها وعلى المفتي‪ ،‬وألن الحيض قد يتقدم وقد يتأخر‪ ،‬وقد‬
‫يزيد وقد ينقص‪ ،‬مع ما ظهر يف هذا العصـر من أسباب‪ ،‬وأهمها استعمال وسائل‬
‫منع الحمل ومنع الحيض‪ ،‬وغير ذلك مما ِار له أثر كبير على اضطراب الحيض‬
‫وكثرة اإلشكاالت عند النساء مما يحير المفتي‪ ،‬ولذا روي عن اإلمام أحمد قوله‪:‬‬
‫«كنت يف كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته»‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬وللحيض أسماء عديدة جمعها بعضهم بقوله‪:‬‬
‫ضــحك عــرال فــرال طمــث إكبــار‬ ‫حيض نفـاث دراس طمـس إعصـار‬
‫والدماء الخارجة من ُق ُبل المرأة ثالثة‪( :‬حيض ونفاس واستحاضة)‪.‬‬
‫وتعريف الحيض‪ :‬لغة‪ :‬السـيالن‪.‬‬
‫واِطالحًا‪ :‬دم طبيعة ِ‬
‫وجبِ الــة يخرج من قعر الرحم يف أوقات معلومة‪.‬‬
‫ومن حكم خروجه‪ :‬أن المرأة يتعلق هبا عدد من األمور؛ كالعدة والطالق‬
‫واإلحداد‪ ،‬فاعل اهلل هذا الدم للتعرف على المدة التي تالسها‪.‬‬
‫وهو أيضًا‪ :‬عالمة على براءة الرحم وخلوه من الانين‪.‬‬
‫وعندما تحمل المرأة يتحول هذا الدم إلى غذاء للانين؛ ولذا يندر أن تحيض‬
‫حامل‪.‬‬
‫واألِل يف مسائل الحيض‪ :‬الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫‪207‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫أما الكتاب‪ :‬فقوله تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬


‫ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [البقرة‪.]222 :‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقد قال اإلمام أحمد‪« :‬الحيض يدور على ثالثة أحاديث»‪ .‬حديث‬
‫فاطمة وأم حبيبة وحمنة –رضي اهلل عنهن‪.-‬‬
‫واإلجماع‪ :‬منعقد على جملة من أحكامه‪.‬‬
‫دم يرخيه الرحم حال الوالدة أو قبلها بزمن يسـير‪.‬‬
‫ودم النفاس‪ :‬هو ٌ‬
‫والنفساء كالحائض يف األحكام يف الاملة‪ ،‬قال ابن رجب‪« :‬وقد حكى ابن‬
‫جرير اإلجماع على أن حكم النفساء حكم الحائض يف الاملة»(‪.)1‬‬
‫واالستحاضة‪ :‬دم يخرج من عرق يقال له‪ :‬العاذل‪.‬‬
‫والمستحاضة‪ :‬هي من ترى دمًا ال يصلح أن يكون دم حيض وال نفاس‪.‬‬
‫والمستحاضة حكمها حكم الطاهرات على الصحيح إال يف مسائل يسـيرة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ًَ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ام ت ِْسع سن َ‬ ‫َ َ َ َ ََ‬
‫ي سنة‪ .‬وال‪ :‬مع محل)‪.‬‬ ‫ي‪ .‬وال‪ :‬بعد مخ ِس‬ ‫قوهل‪( :‬ال حيض‪ :‬قبل تم ِ ِ ِ ِ‬
‫ام ت ِْسع سن َ‬ ‫َ َ َ َ ََ‬
‫ي)‪ :‬بين هنا أقل سن تحيض فيه المرأة وأكثره‪،‬‬ ‫(ال حيض‪ :‬قبل تم ِ ِ ِ ِ‬
‫فالمذهب أن أقل سن تحيض فيه المرأة هو تسع؛ ألنه لم يثبت أن امرأة حاضت‬
‫قبل تسع‪ ،‬والنصوص عندهم علقت بعض األمور بالتسع‪ ،‬فما تراه من الدماء قبل‬
‫التاسعة فهو دم فساد وال تأخذ أحكام الحائض‪.‬‬
‫َ ًَ‬ ‫َ َ َ‬
‫ي سنة)‪ :‬أي وأكثر سن تحيض فيه المرأة هو خمسـون سنة فما‬ ‫(وال‪ :‬بعد مخ ِس‬
‫تراه المرأة بعد سن الخمسـين يعترب دم فساد؛ وهذا أحد الروايتين مستدلين بما‬
‫روي عن عائشة ڤ أهنا قالت‪« :‬إذا بلغت المرأة خمسـين سنة خرجت من حد‬
‫الحيض»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الفتح (‪.)24/2‬‬


‫(‪ )2‬قال األلباين يف إرواء الغليل عند الحديث رقم (‪« :)166‬لم أقف عليه‪ ،‬وال أدري يف أي كتاب ذكره أحمد‪،‬‬
‫=‬

‫‪201‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪208‬‬

‫والرواية الثانية‪ :‬إن تكرر هبا الدم بعد الخمسين فهو حيض‪ ،‬ألنه قد وجد ذلك‪،‬‬
‫ورجحه ابن قدامة وهو األظهر‪.‬‬
‫فلو رأت المرأة دمًا على ِفة دم الحيض وهيئته ووقته بعد الخمسـين‬
‫منضبطًا بوِفه وهيئته ووقته؛ فإهنا تأخذ أحكام الحائض‪ ،‬وهذا رواية عن يف‬
‫المذهب واختاره ابن قدامة وشـيخ اإلسالم؛ ألن اهلل علق األحكام على وجود‬
‫الدم ولم يحدد سنًا معينًا‪ ،‬وتحديد السن يحتاج إلى دليل وال دليل هنا‪ .‬ولقوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ﴾ [الطالق‪ ،]4 :‬فعلق سبحانه هناية الحيض باليأس ولم يعلقه بسن معين ولو‬
‫كان لليأس سن معين لبينه‪.‬‬
‫وقال الشـيخ محمد بن إبراهيم‪« :‬والصحيح أن الحيض ال يحد بخمسـين إذا‬
‫استمر بوقته وِفته وترتيبه‪ ،‬أما إذا اضطرب بعد هذا السن فال يعترب حيضًا بل‬
‫يعترب دم فساد»(‪.)1‬‬
‫َ َ‬
‫(وال‪ :‬مع محل)‪ :‬فالحامل ال تحيض فما تراه الحامل من الدماء يعترب دم فساد‬
‫ال دم حيض؛ ألن الدم ينصـرف غذا ًء للانين‪ ،‬وقد روى البيهقي َع ْن َعائِ َش َة ڤ‪:‬‬
‫يض َو َأنَا ُح ْب َلى؟ َف َقا َل ْت َعائِ َش ُة ڤ‪ :‬ا ْغت َِسلِي َو َِلي‬
‫« َأ ان ا ْم َر َأ ًة َأ َتت َْها َف َقا َل ْت‪ :‬إِني َأ ِح ُ‬
‫ال َت ِ‬
‫يض»(‪ .)2‬فإذا رأت الدم يف حالة الحمل فإنه دم فساد‪ ،‬تتوضأ‬ ‫ح ُ‬ ‫الح ْب َلى َ‬ ‫َفإِ ان ُ‬
‫وتصلي وال ُيمنع زوجها منها‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬أن الحامل يمكن أن تحيض‪ ،‬وهذا مذهب المالكية والشافعية‬

‫=‬
‫ولعله يف بعض كتبه التي لم نقف عليها»‪ .‬وقد ذكر ابن تيمية نحوه يف شـرح العمدة (‪ )461/1‬وعزاه‬
‫للدارقطني بلفظ‪« :‬لن ترى المرأة يف بطنها ولد ًا بعد خمسـين سنة»‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتاويه (‪.)26/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي يف سننه (‪ ،)15210‬والدارمي (‪ ،)245‬وِحح إسناده األلباين أثناء كالمه على الحديث‬
‫رقم (‪.)161‬‬

‫‪206‬‬
‫‪209‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫ورواية عن اإلمام أحمد ورجحها شـيخ اإلسالم وابن مفلح والشـيخ محمد بن‬
‫إبراهيم وابن عثيمين وابن جربين‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه قد وجد ذلك وال مانع شـرعي منه‪.‬‬
‫فاألِل يف الحامل أهنا ال تحيض‪ ،‬وهذا الغالب أن النساء يعرفن الحمل‬
‫بانقطاع الدم‪ ،‬فإن رأت دمًا مضطربًا فهو دم فساد وإن كان منضبطًا ويف وقته‬
‫المعتاد وِفته من غير اضطراب فهو حيض؛ ألن األِل فيما يصـيب المرأة من‬
‫الدم أنه حيض‪ ،‬وليس يف الكتاب والسنة ما يمنع حيض الحامل‪ ،‬وأما األشـياء‬
‫المضطربة فإهنا تلحق بدم الفساد واالستحاضة‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫َ ٌ َ ٌَ‬ ‫َ ُّ َ ْ‬
‫ِ‬
‫واغبله‪ِ :‬ست‪ ،‬أو‬ ‫عَش يوما‪.‬‬ ‫وأكرثهُ‪ :‬مخسة‬ ‫احلي ِض‪ :‬يوم ويللة‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وأقل‬
‫ٌَْ‬
‫سبع)‪.‬‬
‫َُُ َ َ َ َ َ َ ً‬ ‫َ ٌ َ ٌَ‬ ‫َ ُّ َ ْ‬
‫عَش يوما)‪ :‬وهذا الصحيح من‬ ‫احلي ِض‪ :‬يوم ويللة‪ .‬وأكرثه‪ :‬مخسة‬ ‫(وأقل‬
‫مذهب اإلمام أحمد رجوعًا إلى العرف الغالب وأما أقل من يوم وليلة فمشكول‬
‫فيه فال تدع الصالة‪ ،‬وما زاد عن أكثر الحيض فمشكول فيه فال تدع الصالة إال إذا‬
‫انضبط واطرد فأقل الحيض يوم وليلة فما كان دونه فإنه يعترب دم فساد‪ ،‬وأكثره‬
‫خمسة عشـر يومًا فما زاد على ذلك ولو كان على ِفته وهيئته فإنه استحاضة‪،‬‬
‫وأخذوا بعدد من اآلثار يف ذلك‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ال حد ألقل الحيض وال ألكثره فلو رأت الدم أقل من يوم‬
‫وليلة فإهنا تاعله حيضًا ولو رأته أكثر من خمسة عشـر يومًا‪ ،‬فإنه يكون حيضًا‬
‫وإليه ذهب اإلمام مالك والشافعي ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وهذا القول أقوى‪.‬‬
‫األول‪ :‬كونه على ِفة وهيئة دم الحيض‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكون عادة مستمرة لها؛ ألن اهلل علق على الحيض أحكامًا متعددة يف‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ولم يقدر ألقله وال أكثره مقدار ًا مع عموم البلوى به واحتياج‬
‫األمة له‪ ،‬واللغة ال تفرق بين قدر وقدر‪ ،‬فمن قدر يف ذلك حد ًا فالبد من دليل‪.‬‬
‫وأما الدماء المضطربة يف ِفتها ولوهنا وهي أقل من يوم وليلة أو أكثر من‬

‫‪202‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪210‬‬

‫خمسة عشـر يومًا فإهنا دم علة وفساد ال دم حيض‪.‬‬


‫وما روي من أحاديث وآثار يف تحديد أقله وأكثره فإهنا ال تصح؛ وقال الحافظ‬
‫ابن رجب‪« :‬ال تصح وكلها باطلة»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن القيم‪« :‬ولم يأت عن اهلل وال عن رسوله وال عن الصحابة تحديد أقل‬
‫الحيض بحد أبدا وال يف القياس ما يقتضـيه»‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا استمر الدم مع المرأة دائمًا فإنه ليس بحيض؛ ألنه قد علم بالشـرع‬
‫واللغة أن المرأة تارة تكون طاهر ًا وتارة تكون حائضًا‪ ،‬ولطهرها أحكام ولحيضها‬
‫أحكام‪.‬‬
‫فما تراه المرأة من الدم أقل من يوم وليلة فإن كانت مضطربة أو متقطعة أو غير‬
‫مطردة فليست حيضًا وإن كانت عادة لها وهذا نادر فالقول الثاين أهنا حيض أظهر‪.‬‬
‫وكذا لو زاد الدم عن خمسة عشر يومًا إن كان مضطربًا أو متقطعًا أو غير‬
‫ُ‬
‫مطرد فليس حيضًا وإن كان عادة لها وهذا نادر فالقول الثاين أنه حيض أظهر‪.‬‬
‫ٌَْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬
‫واغبله‪ِ :‬ست‪ ،‬أو سبع)‪ :‬والغالب من حال النساء أهنن يحضن ستة أو سبعة‬ ‫( ِ‬
‫أيام كما بينه حديث حمنة ڤ أن رسول اهلل ﷺ قال لها لما كانت مستحاضة‪:‬‬
‫ــه ُث ام ا ْغت َِسلِي»(‪.)2‬‬
‫ـــم ال ال ِ‬
‫« َفت ََح ايضـي ِس ات َة َأ ايا ُم َأ ْو َس ْب َع َة َأ ايا ُم فِي ِع ْل ِ‬
‫وقد يوجد من تحيض أقل أو أكثر‪ ،‬والمرأة التي هذا أغلب حيضها قد تطول‬
‫مدة حيضتها أحيانًا وقد تقصـر عن الغالب‪ ،‬فإذا تغير حيضها فلرتجع إلى الدم‬
‫وعالمة الطهر‪ ،‬فما دام الدم على ِفة دم الحيض فهو حيض‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتح (‪.)150/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)261‬والرتمذي (‪ )126‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬ثم قال‪َ « :‬و َس َأ ْل ُت ُم َح امدً ا [أي‬
‫يح‪َ .‬و َه َك َذا قال َأ ْح َمدُ بن َحنْ َبلُ‪ :‬هو َح ِد ٌ‬
‫يث َح َس ٌن‬ ‫ِ‬ ‫البخاري] عن هذا الحديث فقال‪ :‬هو َح ِد ٌ‬
‫يث َح َس ٌن َِح ٌ‬
‫يح»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)621‬وأحمد (‪ ،)21514‬والحاكم يف المستدرل (‪.)615‬‬ ‫ِ‬
‫َِح ٌ‬

‫‪210‬‬
‫‪211‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫ُُ َ هُ ه‬ ‫َ ََ َ َ َ ً‬ ‫ُّ ُ ْ َ َ َ َ َ‬
‫هر‪ .‬وال‬
‫ِ‬ ‫الش‬ ‫ة‬ ‫ي‬‫ق‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫واغبل‬ ‫ا‪.‬‬ ‫وم‬ ‫ي‬ ‫عَش‬ ‫ة‬ ‫الث‬ ‫ث‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬
‫وأقل َالطه ِر بي احليض ِ‬
‫ت‬ ‫قوهل‪( َ :‬ه َ‬
‫حد ألكرثه ِ)‪.‬‬
‫َ ََ َ َ َ ً‬ ‫ُّ ُ ْ ِ َ َ َ َ َ‬
‫ي‪ :‬ثالثة عَش يوما)‪ :‬لما بين أقل مدة نزول الدم‬ ‫(وأقل الطه ِر بي احليضت ِ‬
‫وأكثره‪ ،‬تكلم هنا على أقل مدة الطهر بين الحيضتين‪ ،‬فذكر أنه ثالثة عشـر يومًاَ‪،‬‬
‫فلو طهرت المرأة ثم بعد اثني عشـر يومًا رأت دمًا‪ ،‬فإهنا تعده دم فساد‪ ،‬ولو كان‬
‫بصفة دم الحيض ال يعترب دم حيض عندهم‪.‬‬
‫ت ا ْم َر َأ ٌة إ َلى‬‫واستدلوا‪ :‬بما رواه ابن أبي شـيبة والدارمي َعن َعامِ ُر َق َال‪« :‬جاء ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ض‪َ ،‬و َط ُه َر ْت ِعنْدَ ُكل‬ ‫َث ِح َي ُ‬ ‫اض ْت فِي َش ْه ُر َثال َ‬ ‫َعلِ ني َط الــ َق َها َز ْو ُج َها‪َ ،‬ف َز َع َم ْت َأن َاها َح َ‬
‫يها‪َ ،‬ف َق َال شـر ْي ٌح‪ :‬إِ ْن َجا َء ْت َبينَ ٌة مِ ْن بِ َطان َِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــت‪َ ،‬ف َق َال َعلِ ٌّي لشـر ْي ُح‪ُ :‬ق ْل ف َ‬ ‫ُق ْر ُء َو َِ ال ْ‬
‫َث ِح َي ُ‬
‫ض‬ ‫اض ْت فِي َش ْه ُر َثال َ‬ ‫ون َأن َاها َح َ‬‫َأ ْهلِ َها مِ ام ْن ُي ْرضـى بِ ِدين ِ ِه َو َأ َمانَتِ ِه َي ْش َهدُ َ‬
‫َاذ َبةٌ‪َ ،‬ف َق َال َعلِ ٌّي‪ :‬قالون»(‪.)1‬‬ ‫ال َف ِهي ك ِ‬ ‫ــت َف ِهي ِ ِ‬
‫اد َقةٌ‪َ ،‬وإِ ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َط ُه َر ْت ِعنْدَ ُكل ُق ْر ُء َو َِ ا‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أي جيد بالرومية‪ .‬وذكره البخاري تعليقًا بصـيغة التمريض‪ ،‬ويف هذا التحديد نظر‪،‬‬
‫وهذا اتفاق منهما على إمكان ثالث حيضات يف شهر‪ ،‬وال يمكن إال بما ذكرنا من‬
‫أقل الحيض‪ ،‬وأقل الطهر‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬أقله خمسة عشر؛ وبه قال الامهور مالك والشافعي وأبو‬
‫حنيفة‪.‬‬
‫والرواية الثالثة‪ :‬عن أحمد أنه ال حد ألقله‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم والمرداوي‬
‫وابن عثيمين‪ ،‬فمتى طهرت المرأة طهر ًا ِحيحًا‪ ،‬ثم رأت بعد ذلك دمًا على‬
‫ِفة دم الحيض فإنه حيض؛ لعموم قوله تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [البقرة‪ .]222 :‬ولم تقيد الحيض بزمن‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شـيبة (‪ ،)12226‬والدارمي (‪ ،)655‬والبيهقي يف سننه (‪ ،)15162‬وذكره البخاري‬
‫(‪ )123/1‬تعليقًا بصـيغة التمريض بلفظ‪( :‬و ُيذكر)‪ ،‬وذكره مختصـر ًا‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪212‬‬

‫وهذه التقديرات لم يرد فيها نص مع الحاجة إليها وتعلق أحكام كثيرة هبا‪.‬‬
‫والحيض هو إقبال الدم‪ ،‬والطهر هو انقطاعه إما بالافاف والنشوف التام أو‬
‫بالقصة البيضاء‪ ،‬ويف الصحيحين‪ :‬أن الرسول ﷺ قال لفاطمة بنت حبيش‪َ « :‬فإِ َذا‬
‫الصالَةَ‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْد َب َر ْت َفا ْغ ِسلِي َعن ِْك الدا َم ُث ام َِلي»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْق َب َل ْت َح ْي َض ُتك َفدَ عي ا‬
‫وأما أثر علي فهو اتفاق منهما على إمكان ثالث حيض يف شهر‪ ،‬وليس منع‬
‫وقوعه يف أقل وال تحديد المدة به وهو قوي إن انضبط معها وإال رجعت لتحديد‬
‫العلماء فيه‪.‬‬
‫ُُ َ هُ ه‬
‫هر)‪ :‬الغالب أن المرأة تحيض وتطهر يف الشهر مرة واحدة‪،‬‬ ‫( ِ‬
‫واغبله‪ :‬ب ِقية الش ِ‬
‫فإذا حاضت ستة أيام طهرت أربعة وعشـرين يومًا هذا األغلب‪ ،‬وقد يوجد من‬
‫النساء من تزيد أو تنقص‪ ،‬فمن النساء من تحيض كل شهرين مرة أو كل ثالثة‬
‫أشهر‪ ،‬ومنهن من تحيض يف الشهر مرتين‪ ،‬إال أن غالبًا ما يكون طهرها إتمامًا‬
‫للشهر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬
‫كرثه ِ)‪ :‬فال حد ألكثر الطهر بين الحيضتين‪ ،‬ولذا فمن النساء من‬
‫(وال حد أل ِ‬
‫تالس شهرين ال تحيض ومنهن من ينقطع عنها الحيض‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َُُ َ َ َ َ َ َ ً‬ ‫َ ٌ َ ٌَ‬
‫واغبله‪ِ :‬ست‪،‬‬ ‫عَش يوما‪ِ .‬‬ ‫فالمذهب أن الحيض أقله (يوم ويللة‪ .‬وأكرثه‪ :‬مخسة‬
‫ٌَْ‬
‫أو سبع)‪.‬‬
‫َ ه‬ ‫ُُ َ هُ ه‬ ‫َ ََ َ َ َ ً‬
‫هر‪ .‬وال حد‬ ‫ِ‬ ‫الش‬ ‫ة‬‫ي‬‫ق‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫واغبل‬ ‫ا‪.‬‬ ‫وم‬ ‫والطهر بين الحيضتين أقله (ثالثة عَش ي‬
‫َ َ‬
‫كرثه ِ)‪.‬‬
‫أل ِ‬
‫ه ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رج‪ .‬والطالق‪ .‬والصالة‪.‬‬ ‫طء يف الف ِ‬ ‫اء‪ ،‬مِنها‪ :‬الو ُ‬ ‫يض أشي ُ‬ ‫َ‬
‫باحل ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وَي ُرم‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ ُّ ُ ْ َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ه ُ‬
‫ج ِد‪.‬‬ ‫رآن‪ .‬ومس المصح ِف‪ .‬واللبث يف المس ِ‬ ‫والصوم‪ .‬والطواف‪ .‬وق ِراء َة الق ِ‬
‫ْ َ ْ َ َُ‬ ‫َ ُ‬
‫الم ُر ُ‬
‫لويثه)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫اف‬ ‫خ‬ ‫إن‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ور‬ ‫وكذا‪:‬‬
‫الحائض تختلف عن الطاهرات ولذا فإنه يحرم عليها أو معها تسعة أمور‪ ،‬هي‪:‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)164‬‬

‫‪212‬‬
‫‪213‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫َ‬ ‫( َ‬
‫الو ُ‬
‫رج)‪ :‬فيحرم جماع الحائض بداللة الكتاب والسنة واإلجماع‪:‬‬
‫طء يف الف ِ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ﴾ [البقرة‪.]222 :‬‬
‫ُ‬
‫شـيء إِ ا‬ ‫اِنَ ُعوا ُك ال‬
‫ال الن َك َ‬
‫اح»(‪.)1‬‬ ‫ولمسلم عن رسول اهلل ﷺ‪ْ « :‬‬
‫واإلجماع‪ :‬منعقد على حرمته كما نقله ابن المنذر وابن تيمية وابن كثير‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما مباشـرهتا واالستمتاع هبا فيما دون الفرج‪ ،‬فله حالتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬مباشـرهتا فيما فوق السـرة وتحت الركبة‪ :‬كتقبيلها فهذا جائز باإلجماع‬
‫نقله ابن قدامة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬مباشـرهتا فيما بين السـرة والركبة‪ :‬فالمذهب وقول الامهور جوازه وال‬
‫يحرم إال الاماع يف الفرج فله أن يستمتع منها بالقبلة واللمس والمباشـرة فيما دون‬
‫ُ‬
‫شـيء إِ ا‬ ‫اِنَ ُعوا ُك ال‬
‫اح»‪.‬‬‫ال الن َك َ‬ ‫الفرج؛ لقوله ﷺ‪ْ «:‬‬
‫ولما سئلت عائشة ڤ ماذا يحل للرجل من زوجته الحائض؟ أفتت بإباحته‬
‫فيما دون الفرج‪ ،‬وهي أعلم الناس هبذه المسائل‪.‬‬
‫الحائِ ِ‬
‫ض شـي ًئا‬ ‫ِ‬
‫َان إِ َذا َأ َرا َد م َن َ‬
‫اج النبي ﷺ‪َ « :‬أناه ك َ‬
‫ض َأ ْز َو ِ‬
‫وأخرج أبو داود َع ْن َب ْع ِ‬
‫َأ ْلـــ َقى َع َلى َف ْر ِج َها َث ْو ًبا»(‪.)2‬‬
‫ه ُ‬
‫(والطالق)‪ :‬فيحرم تطليق المرأة وهي حائض‪ ،‬ونقل اإلجماع على أن طالق‬
‫الحائض محرم ومخالف للسنة‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [الطالق‪- ]1 :‬أي مستقبالت عدهتن‪ ،-‬وهذا ال يكون إال‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )302‬من حديث أنس ﭬ مرفوعًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)212‬قال ابن رجب يف فتح الباري (‪« :)141/1‬إسناده جيد»‪ .‬وقال ابن حار يف فتح‬
‫الباري (‪« :)404/1‬إسناده قوي»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح الاامع برقم (‪.)4663‬‬

‫‪213‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪214‬‬

‫يف طهر لم ياامعها فيه‪ ،‬ويف الصحيحين‪ :‬عن َع ْبدَ اهللِ ْب َن ُع َم َر ﭭ‪َ « :‬أ ان ُه َط ال َ‬
‫ــق‬
‫يه رس ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم َق َال‪:‬‬ ‫ول اهلل ﷺ‪ ،‬ا‬ ‫ا ْم َر َأ َت ُه َوه َي َحائ ٌض‪َ ،‬ف َذك ََر ُع َم ُر ل َر ُسول اهلل ﷺ‪َ ،‬ف َت َغيا َظ ف َ ُ‬
‫اجعها‪ُ ،‬ثم يم ِس ْكها حتاى َت ْطهر ُثم َت ِ‬ ‫ِ‬
‫يض َف َت ْط ُه َر‪َ ،‬فإ ِ ْن َبدَ ا َل ُه َأ ْن ُي َطل َق َها َف ْلـــيُ َطل ْق َها‬
‫ح َ‬ ‫َُ ا‬ ‫ل ُي َر ِ ْ َ ا ُ ْ َ َ‬
‫ـــعدا ُة ك ََما َأ َم َر ُه اهلل»(‪ .)1‬فالطالق حال الحيض محرم‬ ‫ـــك ا ْل ِ‬
‫اه ًرا َق ْب َل َأ ْن َي َم اس َها‪َ ،‬فتِ ْل َ‬
‫َط ِ‬
‫وهو طالق بدعي‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل يقع طالق الحائض؟ مذهب األئمة األربعة أنه يقع مع التحريم‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬إطالق القرآن الطالق من غير تفريق بين طهر وحيض كما يف قوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [البقرة‪ ،]226 :‬وقوله‪﴿ :‬ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [البقرة‪ .]222 :‬وقوله‪﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫‪ ،]230‬فاآليات مطلقة تدل على وقوع الطالق‬ ‫[البقرة‪:‬‬ ‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾‬
‫مطلقًا‪ ،‬ولم تفرق بين الطهر والحيض وال يوجد دليل ِـريح يخرج الحيض من‬
‫وقوعه فيه‪.‬‬
‫ــق امر َأ َت ُه َو ْهي َحائِ ٌض فِي َع ْه ِد رس ِ‬
‫ول‬ ‫َ ُ‬ ‫ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر‪َ :‬أ ان ُه َط ال َ ْ َ‬
‫ول اهلل ﷺ‪ُ « :‬م ْر ُه‬ ‫ول اهلل ﷺ َع ْن َذل ِ َك؟ َف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬ ‫ــه ﷺ‪َ ،‬ف َس َأ َل ُع َم ُر َر ُس َ‬ ‫ال ال ِ‬
‫اجعها‪ُ ،‬ثم ْلـــيتْركْها حتاى َت ْطهر‪ُ ،‬ثم َت ِ‬
‫يض‪ُ ،‬ث ام َت ْط ُه َر‪ُ ،‬ث ام إِ ْن َشا َء َأ ْم َس َك َب ْعدُ ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫َُ ا‬ ‫َف ْلـــ ُي َر ِ ْ َ ا َ ُ َ َ‬
‫ــق َل َها‬ ‫ـــعدا ُة ا الــتِي َأ َم َر اهلل ‪َ ‬أ ْن ُي َط ال َ‬ ‫ـــك ا ْل ِ‬
‫ــق َق ْب َل َأ ْن َي َم اس‪َ ،‬فتِ ْل َ‬ ‫َوإِ ْن َشا َء َط ال َ‬
‫الن َسا ُء»(‪ .)2‬والمراجعة تكون بعد وقوع الطالق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان َع ْبدُ اهلل َط الــ َق َها َت ْطلِي َق ًة َواحدَ ًة َف ُحس َب ْت م ْن َطالَق َها َو َر َ‬
‫اج َع َها‬ ‫ولمسلم‪َ « :‬وك َ‬
‫ول اهلل ﷺ»(‪ .)3‬ويف البخاري‪َ :‬ع ِن ا ْب ِن ُع َم َر َق َال‪ُ « :‬ح ِس َب ْت‬ ‫َع ْبدُ اهلل‪ ،‬ك ََما َأ َم َر ُه َر ُس ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪- )4625‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)1411‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4253‬ومسلم (‪- )1411‬واللفظ له‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1411‬‬

‫‪214‬‬
‫‪215‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫ت ال ات ْطلِي َق ُة؟ َق َال‪:‬‬ ‫ـــت لِنَافِعُ‪ :‬ما ِنَع ِ‬ ‫َع َل اي بِ َت ْطلِي َق ُة»(‪ .)1‬ويف مسلم‪َ :‬ق َال ُع َب ْيدُ اهلل‪ُ « :‬ق ْل ُ‬
‫َ َ َ‬
‫اعتَدا بِ َها»(‪.)2‬‬
‫احدَ ٌة ْ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫وكان ابن عمر يفتي بوقوعها وهو ِاحب القصة‪ ،‬ف َع ْن نَافِ ُع‪َ « :‬أ ان ا ْبن ُع َم َر ك َ‬
‫َان‬
‫ول‪َ :‬أما َأن َْت َط الــ ْقتَها و ِ‬
‫احدَ ًة َأ ِو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫هي َحائ ٌض؟ َي ُق ُ ا‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫الر ُج ِل ُيطل ُق ا ْم َرأت ُه َو َ‬ ‫إِ َذا ُسئ َل َع ِن ا‬
‫يض َح ْي َض ًة ُأ ْخ َرى‪ُ ،‬ث ام‬ ‫يرج َع َها‪ُ ،‬ث ام ُي ْم ِه َل َها َحتاى َت ِح َ‬
‫ول اهلل ﷺ َأمر ُه َأ ْن ِ‬
‫ََ‬ ‫ا ْثنَ َت ْي ِن‪ .‬إِ ان َر ُس َ‬
‫صـيت‬
‫َ‬ ‫ُي ْم ِه َل َها َحتاى َت ْط ُه َر‪ُ ،‬ث ام ُي َطل َق َها َق ْب َل َأ ْن َي َم اس َها‪َ ،‬و َأ اما َأن َ‬
‫ْت َط الــ ْقت ََها َثالَ ًثا َف َقدْ َع‬
‫يما َأ َم َر َل بِ ِه مِ ْن َطال َِق ا ْم َر َأتِ َك‪َ ،‬و َبان َْت مِن َْك»(‪ .)3‬فهذه نصوص تدل على‬ ‫ِ‬
‫َر اب َك ف َ‬
‫وقوعه مع التحريم وأنه يؤمر بمراجعتها‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ال يقع ورجحه شـيخ اإلسالم وابن القيم وابن باز‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بأنه طالق بدعي‪ ،‬ويف الحديث‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َمالً َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا‬
‫َف ْه َو َر ٌّد»(‪.)4‬‬
‫وأيضًا ورد عند أبي داود‪َ « :‬ف َر اد َها َع َل اي َو َل ْم َي َر َها شـي ًئا»(‪.)5‬‬
‫وقالوا‪ :‬األِل بقاء النكاح فال يفسخ إال بيقين واهلل أعلم‪.‬‬
‫ه ُ‬
‫(والصالة)‪ :‬فالحائض ال ياوز لها الصالة وال تصح منها؛ ألنه يشرتأ لها‬
‫ِ‬
‫الطهارة وإزالة النااسة وهي غير قادرة‪ ،‬ويف الصحيحين‪َ « :‬فإِ َذا َأ ْق َب َلت َ‬
‫الح ْي َض ُة‬
‫ت َفا ْغت َِسلِي َو َِلي»(‪.)6‬‬
‫الصالَةَ‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْد َب َر ْ‬ ‫ِ‬
‫َفدَ عي ا‬
‫ونقل اإلجماع عليه ابن المنذر وابن عبد الرب والنووي وغيرهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4254‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1411‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1411‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)2621‬ومسلم (‪ )1116‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2165‬وأحمد (‪ ،)5524‬وِححه ابن القيم يف زاد المعاد (‪ ،)226/5‬وابن حار يف‬
‫فتح الباري (‪ ،)353/2‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)1626‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص(‪.)164‬‬

‫‪215‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪216‬‬

‫فائدة‪ :‬وال يشرع لها إذا حضـرت الصالة أن تالس يف مسادها وتستغفر اهلل‬
‫وتذكره‪ ،‬فال أِل للالوس أثناء وقت الصالة للحائض‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف‪ :‬أنه ليس‬
‫على الحائض وضوء وال تسبيح وال ذكر يف أوقات الصلوات وال يف غيرها»‪.‬‬
‫ه ُ‬
‫(والصوم)‪ :‬فيحرم عليها الصـيام حال الحيض باإلجماع‪ ،‬ويف الصحيحين‪:‬‬
‫اض ْت َل ْم ُت َصل َو َل ْم َت ُص ْم»(‪.)1‬‬ ‫« َأ َل ْي َس إِ َذا َح َ‬
‫ه ُ‬
‫(والطواف)‪ :‬فإذا كانت حائضًا لم ياز لها أن تطوف‪ ،‬وإن طافت لم يصح‪.‬‬
‫اج َغ ْي َر َأ ْن‬ ‫لما يف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قال لعائشة‪« :‬ا ْف َعلِي َما َي ْف َع ُل َ‬
‫الح ُّ‬
‫ت َحتاى َت ْط ُه ِري»(‪.)2‬‬ ‫ال َت ُطوفِي بِا ْلـــبي ِ‬‫َ‬
‫َْ‬
‫ويف الصحيحين لما قيل للرسول ﷺ‪ :‬إن ِفية قد حاضت‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬أ َحابِ َس ُتنَا‬
‫ِه َي»(‪ .)3‬فدل أن الحائض يحرم عليها الطواف‪ ،‬فإن اضطرت للطواف فاختار شيخ‬
‫اإلسالم ِحته للضـرورة ويقدر الضرورة أهل العلم‪.‬‬
‫َ َُ ُ‬
‫رآن)‪ :‬فتمنع الحائض من قراءة القرآن مطلقا على الصحيح من‬ ‫(وق ِراءة الق ِ‬
‫ال َت ْق َر ُأ‬ ‫المذهب وبه قال الامهور؛ لحديث ا ْب ِن ُعمر َع ْن رس ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ « :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬
‫ال الانُب شـي ًئا مِن ا ْلـــ ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫آن» [أخرجه الرتمذي وضعفه] ‪.‬‬ ‫الحائ ُض َو َ ُ ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القول الثاين‪ :‬أهنا ال تمنع لكن ال تمس المصحف إال من وراء حائل‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب ورواية عن أحمد ومذهب اإلمام مالك واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن‬
‫حزم والبخاري وابن المنذر وابن باز‪ ،‬ويدل له‪:‬‬
‫ال‪ :‬أنه لم يأت نص ِحيح يمنع الحائض من ذلك مع عموم البلوى به‬ ‫أو ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1650‬ومسلم (‪ )60‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ مرفوعًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)143‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)140‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)142‬‬

‫‪216‬‬
‫‪217‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫والحاجة له ف ُعلم أنه باق على األِل وهو الاواز‪.‬‬


‫ثانيًا‪ :‬يف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قال لعائشة ڤ لما حاضت‪« :‬ا ْف َعلِي َما‬
‫ال َت ُطوفِي بِا ْلـــبي ِ‬
‫ت َحتاى َت ْط ُه ِري»(‪ .)1‬فياوز لها فعل العبادات‬ ‫اج َغ ْي َر َأ ْن َ‬
‫َْ‬ ‫َي ْف َع ُل َ‬
‫الح ُّ‬
‫التي يفعلها الحاج إال ما هنى الشارع عنه‪ ،‬وهو الطواف والصالة والصوم‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن الحاج يقرأ القرآن‪ ،‬وهبذا استدل البخاري‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن قياس الحائض على الانب قياس مع الفارق‪ ،‬وقد بين ابن القيم يف‬
‫كتابه إعالم الموقعين بطالن هذا القياس من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الحائض ال يمكنها التطهر حتى ينقطع الدم‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن الحائض يشـرع لها فعل المناسك حال حيضها بخالف الانب‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن الحائض يشـرع لها شهود العيد بخالف الانب‪.‬‬
‫وأما حديث ابن عمر السابق فإسناده ضعيف‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫(ومس المصح ِف)‪ :‬فمس المصحف يشرتأ له الطهارة عند جماهير العلماء‬
‫ال َ ِ‬
‫طاه ٌر» [أخرجه‬ ‫آن إِ ا‬
‫ال َي َم ُّس ا ْلـــ ُق ْر َ‬
‫لحديث عمرو بن حزم أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬‬
‫مالك مرسالً‪ ،‬وِححه ابن حبان والحاكم](‪ .)2‬فإن أرادت الحائض القراءة فإهنا تقرأ من‬
‫حفظها أو من وراء حائل طاهر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ج ِد)‪ :‬وبه قال األئمة األربعة ورجحه ابن باز‪.‬‬ ‫(واللبث يف المس ِ‬
‫لما يف الصحيحين َعن ُأم َعطِي َة َقا َل ْت‪ُ « :‬أمِرنَا َأ ْن ُن ْخ ِرج الحي َض يوم ا ْل ِ‬
‫ـــعيدَ ْي ِن‬ ‫َ ُا َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫و َذو ِ‬
‫الح اي ُض َع ْن‬ ‫الم ْسلِمي َن َو َد ْع َو َت ُه ْم َو َي ْعت َِز ُل ُ‬
‫ور َف َي ْش َهدْ َن َج َما َع َة ُ‬ ‫الخدُ ِ‬
‫ات ُ‬ ‫َ َ‬
‫اج‬ ‫ُم َصال ُاه ان» ‪ .‬وهذا ظاهر يف النهي‪ .‬وقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ْف َعلِي َما َي ْف َع ُل َ‬
‫الح ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫ت َحتاى َت ْط ُه ِري» [متفق عليه]‪.‬‬‫ال َت ُطوفِي بِا ْلـــبي ِ‬


‫َغ ْي َر َأ ْن َ‬
‫َْ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)143‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)140‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪- )344‬واللفظ له‪ ،-‬ومسلم (‪.)620‬‬

‫‪211‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪218‬‬

‫ا ِد‪َ ،‬قا َل ْت‪:‬‬


‫الخمر َة مِ َن المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫وقول رسول اهلل ﷺ لعائشة ڤ‪« :‬ن ِ ِ ِ‬
‫َاوليني ُ ْ َ‬
‫َك َل ْي َس ْت فِي َي ِد ِل» [متفق عليه](‪ .)1‬فأقرها على‬
‫ـــت‪ :‬إِني حائِ ٌض‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ ان حي َضت ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫استداللها بامتناعها من دخول المساد بحيضها‪ ،‬ولكن بين أنه ال بأس من دخول‬
‫بعض البدن‬
‫َ‬
‫ْ َ ْ َ َُ‬ ‫َ ُُ ُ‬
‫لويثه)‪ :‬مرور الحائض من المساد ودخولها‬
‫(وكذا‪ :‬المرور فِي ِه إن خافت ت ِ‬
‫فيه لحاجة تعرض لها فيه تفصـيل‪ :‬إن خافت تلويثه بدمها‪ :‬فال ياوز ِيانة‬
‫للمساجد‪.‬‬
‫ا ِد»‬
‫الخمر َة مِ َن المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫وإن أمنت تلويثه لم يحرم‪ ،‬لقوله ﷺ لعائشة‪« :‬ن ِ ِ ِ‬
‫َاوليني ُ ْ َ‬
‫[رواه مسلم]‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َيدْ ُخ ُل َع َلى‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫وروى اإلمام أحمد عن ميمونة ڤ قالت‪« :‬ك َ‬
‫آن َو ِه َي َحائِ ٌض‪ُ ،‬ث ام َت ُقو ُم‬
‫إِ ْحدَ انَا َو ِهي َحائِ ٌض‪َ ،‬ف َي َض ُع َر ْأ َس ُه فِي ِح ْا ِر َها‪َ ،‬ف َي ْق َر ُأ ا ْلـــ ُق ْر َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ ْحدَ انَا بِ ُ‬
‫الم ْساد َوه َي َحائ ٌض» ‪.‬‬ ‫خ ْم َرته‪َ ،‬فت ََض ُع َها في َ‬
‫(‪)2‬‬

‫َ ً‬ ‫ُ َ ً‬ ‫ار َة َ‬ ‫َ‬
‫والك هف َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫كرها‪ ،‬أو نا ِسيا‪،‬‬ ‫بالوطءِ فِي ِه‪ ،‬ولو م‬ ‫ج ُب‪ :‬الغسل‪ .‬وابلُلوغ‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ويو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِصف ُه‪ ،‬ىلع اتله‬ ‫ِين ٌ‬ ‫َ‬ ‫احليض واتله‬ ‫أو جاه َِل َ‬
‫خيـري‪ .‬وكذا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ار‪ ،‬أو ن‬ ‫ويه‪ :‬د‬‫يم‪ِ ،‬‬ ‫حر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ َ ْ‬
‫طاوعت)‪.‬‬ ‫ِيه إن‬
‫ذكر هنا أمور ًا تاب وتلزم بالحيض‪.‬‬
‫ُ ْ َ‬
‫(الغسل)‪ :‬بعد الطهر من الحيض‪ ،‬فياب على المرأة إذا انقطع الدم أن تغتسل‬
‫بداللة‪:‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)226‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أحمد (‪- )26653‬واللفظ له‪ ،-‬والنسائي (‪ ،)213‬وذكره األلباين يف إرواء الغليل تحت حديث‬
‫رقم (‪ )124‬ثم قال‪« :‬وإسناده حسن يف الشواهد»‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫‪219‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫ﯟ﴾ [البقرة‪.]222 :‬‬


‫ت َفا ْغت َِسلِي َو َِلي» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫وقوله ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َأ ْد َب َر ْ‬
‫واإلجماع منعقد على وجوبه بعد الطهر‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫(وابلُلوغ)‪ :‬فالحيض عالمة على البلوغ عند المرأة‪ ،‬وتصبح به مكلفة إذا‬
‫ال بِ ِ‬
‫خ َم ُ‬ ‫اهلل َِالَ َة َحائِ ُ‬
‫ض إِ ا‬
‫ار»(‪ .)2‬فعلق‬ ‫ال َي ْق َب ُل ُ‬
‫كانت عاقلة لقول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬‬
‫وجوب الخمار بالبلوغ‪.‬‬
‫ار َة َ‬ ‫َ‬
‫والك هف َ‬
‫بالوطءِ فِي ِه)‪ :‬فتلزم الكفارة بالوأء مع اإلثم‪ ،‬وكذا هي إن طاوعت‬ ‫(‬
‫يلزمها الكفارة؛ لحديث ابن عباس ﭭ عن النبي ﷺ يف الرجل يقع على امرأته‬
‫وهي حائض قال‪« :‬يتصدق بدينار أو نصف دينار»‪ ،‬والصحيح وقفه(‪.)3‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬أنه ال كفارة فيه؛ ألن الحديث معلول باالضطراب يف متنه‬
‫وسنده وهو مذهب الامهور قالوا‪« :‬يستغفر ربه» وال كفارة عليه‪ ،‬واألِل براءة‬
‫الذمة‪.‬‬
‫واألولى يف هذا أن يؤمر الماامع بالكفارة من غير إيااب ألسباب‪:‬‬
‫ال‪ :‬خروجًاَ من الخالف حيث ِحح الحديث بعض العلماء كالحاكم‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أنه وارد عن ابن عباس موقوفًا وال يعلم له مخالف‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أنه من باب قول اهلل ‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ﴾‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)164‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)6223‬والرتمذي (‪ ،)311‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)655‬وِححه ابن‬
‫خزيمة (‪ ،)115‬وابن حبان (‪ ،)1111‬والحاكم (‪.)211‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)264‬والنسائي (‪ ،)262‬وابن ماجه (‪ ،)640‬وأحمد (‪ ،)2121‬والحاكم يف المستدرل‬
‫(‪ .) 612‬وقد اختلف فيه أهل العلم فبعضهم ِحح رفعه‪ ،‬وبعضهم ِحح وقفه على ابن عباس‪ .‬انظر‪:‬‬
‫البدر المنير (‪ ،)15/3‬والتلخيص الحبير (‪ ،)164/1‬وإرواء الغليل برقم (‪.)121‬‬

‫‪212‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪220‬‬

‫واختار هذا ابن عباس ﭭ‪ ،‬والحسن واألوزاعي وأحمد وإسحاق‪ ،‬ورجحه‬


‫ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫يم)‪ :‬فالكفارة تلزم المكره‬
‫حر ِ‬ ‫ِ‬ ‫كر ًها‪ ،‬أو نَا ِس ًيا‪ ،‬أو جاه َِل َ‬
‫احليض واتله‬ ‫(ولو ُم َ‬
‫ِ‬
‫والناسـي والااهل‪ ،‬وهذه األعذار تسقط اإلثم وال تسقط الكفارة هذا المذهب‪.‬‬
‫وقيل من جامع ناسـيًا أو جاهالً أو مكرهًا فإنه ال إثم عليه وال كفارة؛ لقوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ﴾ [البقرة‪.]266 :‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وقد قامت أدلة الكتاب والسنة على أن من فعل محظور ًا‬
‫مخطئًا أو ناسـيًا لم يؤاخذه اهلل بذلك‪ ،‬وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله فال إثم‬
‫عليه»(‪.)1‬‬
‫اس ُت ْك ِر ُهوا‬ ‫َ‬
‫سـيان‪َ ،‬و َما ْ‬ ‫اهلل َو َض َع َع ْن ُأ امتِي َ‬
‫الخ َط َأ‪َ ،‬والن‬ ‫وقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫َع َل ْي ِه»(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫ِصف ُه‪ ،‬ىلع اتله‬ ‫َ‬
‫ِين ٌ‬
‫خيـري)‪ :‬مقدار كفارة الوأء يف الحيض على‬ ‫ِ‬ ‫ار‪ ،‬أو ن‬ ‫ويه‪ :‬د‬
‫( ِ‬
‫التخيير كما يف الحديث‪.‬‬
‫ال من الذهب‪ ،‬فينظر كم يساوي المثقال من الذهب ويخرج‬ ‫والدينار‪ :‬يزن مثقا ً‬
‫مقابله‪.‬‬
‫ومصـرفها‪ :‬إلى الفقراء والمساكين؛ ألنه أطلق الصدقة ولم ينص على أحد فرتد‬
‫إليهم‪.‬‬
‫َ َ ْ َ َ ْ‬
‫طاوعت)‪ :‬فلو أن زوجته طاوعته فتؤمر بالكفارة مثل الرجل؛‬ ‫(وكذا‪ِ :‬يه إن‬
‫ألن الخطاب الموجه للرجال يشمل النساء ما لم يقم دليل يخصهن؛ لقول رسول‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)226/25‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2045‬والدارقطني يف سننه (‪ ،)110/4‬والبيهقي (‪ ،)14641‬وِححه ابن حبان‬
‫(‪ ،)1212‬والحاكم يف المستدرل (‪ )2601‬وقال‪ِ« :‬حيح على شـرأ الشـيخين»‪ .‬وحسنه النووي يف كتابه‬
‫األربعون النووية برقم (‪ )32‬من حديث ابن عباس ﭭ مرفوعًا‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫‪221‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫اهلل ﷺ‪« :‬إِناما النساء َش َقائِ ُق الر َج ِ‬


‫ال»(‪.)1‬‬ ‫َ َ ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬ ‫ََْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬وال يباح بعد ان ِقطا ِع ِه‪ ،‬وقبل غسلِها أو تيم ِمها‪ ،‬غري‪ :‬الص ِ‬
‫وم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ه‬
‫ج ِد)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫يف‬ ‫وء‬ ‫ض‬ ‫بو‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫الق‪ ،‬والل‬
‫والط ِ‬
‫وذكر ابن القيم قاعدة يف [إعالم الموقعين]‪ :‬أن المرأة إذا طهرت ولم تغتسل‬
‫أِبحت كالانب تمامًا فيصح ِومها وطالقها وتبقى يف المساد بعد وضوئها‬
‫إال يف حالة واحدة وهي الاماع‪ ،‬فال ياوز جماعها إال بعد غسلها؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ﴾ [البقرة‪.]222 :‬‬
‫ُ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫َََهَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫يض‪ :‬طه ٌر)‪.‬‬ ‫ت بها يف َز َمن َ‬
‫احل ِ‬ ‫ري قطنة ا ِحتش‬ ‫اع ه‬
‫ادل ِم؛ بِأن ال تتغ‬ ‫قوهل‪( :‬وان ِقط‬
‫ِ‬
‫للطهر من الحيض عالمات‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َََهَ ُ ٌَ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫يض)‪ :‬وهذا هو النشوف‬ ‫َ‬
‫األولى‪( :‬أن ال تتغري قطنة ا ِحتشت بها يف زم ِن احل ِ‬
‫التام‪ :‬بحيث يتوقف الدم وتحتشـي بقطنه فتخرج نقية من الدم والصفار‪ ،‬وهذه‬
‫عالمة الطهر‪ ،‬فإذا جف المحل طهرت‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬القصة البيضاء‪ ،‬وهو ماء أبيض كالاير يخرج بعد ارتفاع الحيض‬
‫تعرفه النساء‪ ،‬وقد أجمع العلماء على كونه موجبًا النقطاع الحكم بالحيض‪ ،‬وهذا‬
‫ال يكون يف كل النساء؛ ولذا فإن كانت المرأة ترى القصة البيضاء فإنه دليل على‬
‫الطهر‪.‬‬
‫ودليله‪ :‬ما رواه مالك والبخاري معلقًا‪ُ « :‬ك ان نِ َسا ٌء َي ْب َع ْث َن إِ َلى َعائِ َش َة بِالدُّ ْر َج ِة فِ َيها‬
‫ال َت ْع َا ْل َن َحتاى َت َر ْي َن ا ْل َق اص َة ا ْل َب ْي َضا َء‪ُ ،‬ت ِريدُ بِ َذل ِ َك ال ُّط ْه َر‬ ‫الص ْف َر ُة‪َ ،‬ف َت ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫ا ْل ُكرس ُ ِ ِ‬
‫ف فيه ُّ‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫الح ْي َضة» ‪ .‬قال اإلمام مالك‪« :‬سألت النساء عن القصة البيضاء‪ ،‬فإذا هو أمر‬ ‫م َن َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)236‬والرتمذي (‪ ،)113‬وأحمد (‪ ،)26236‬وِححه األلباين يف السلسلة الصحيحة‬
‫برقم (‪.)2663‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مالك يف الموطأ (‪ ،)126‬والبخاري (‪ )121/1‬تعليقًا‪ ،‬والبيهقي يف سننه (‪ ،)1466‬وِححه‬
‫=‬

‫‪221‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪222‬‬

‫معلوم عندهن يرينه عند الطهر»‪.‬‬


‫والكدرة والصفرة التي تراها المرأة ال تخلو من حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن تراها يف زمن الحيض فتأخذ أحكام الحيض‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن تراها يف الطهر فتأخذ أحكام الطهر‪ ،‬واختار هذا شيخ اإلسالم‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬ما رواه البخاري َع ْن ُأم َعطِ اي َة َقا َل ْت‪ُ « :‬كناا َ‬
‫ال َن ُعدُّ ا ْلـــ ُكدْ َر َة َو ُّ‬
‫الص ْف َر َة‬
‫شـي ًئا»(‪ .)1‬وزاد أبو داود‪َ « :‬ب ْعدَ ال ُّط ْه ِر شـي ًئا»(‪.)2‬‬
‫والكدرة‪ :‬ماء ممزوج بحمرة‪.‬‬
‫والصفرة‪ :‬ماء كالصديد يعلوه ِفرة‪.‬‬
‫فإذا نزلت مع المرأة يف الطهر‪ :‬فإهنا تعترب طاهر ًا تصلي وتصوم‪ ،‬وإن كانت يف‬
‫زمن الحيض فدل الحديث على أهنا تعترب حائضًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُّ َ ُ ه َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫اء‪ :‬الصوم‪ ،‬ال‪ :‬الصالة)‪.‬‬ ‫احلائ ِض وانلفس‬ ‫قِض‬
‫قوهل‪( :‬وت ِ‬
‫فياب عليها أن تقضـي الصوم وال تقضـي الصالة؛ باإلجماع نقله الزهري‬
‫وابن المنذر لحديث معاذة أهنا سألت عائشة ڤ ما بال الحائض تقضـي الصوم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان ُيصـي ُبنَا َذل َك َفنُ ْؤ َم ُر بِ َق َضاء ا‬
‫الص ْو ِم َو َ‬
‫ال ُن ْؤ َم ُر‬ ‫وال تقضـي الصالة؟ فقالت‪« :‬ك َ‬
‫الصال َِة»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫بِ َق َضاء ا‬
‫والحكمة يف التفريق‪ :‬قيل إهنا تعبدية‪ .‬قال العالمة أحمد شاكر‪« :‬وأمر الحائض‬
‫بقضاء الصوم وترل أمرها بقضاء الصالة تعبد‪ ،‬إنما هو تعبد ِـرف ال يتوقف على‬
‫معرفة حكمته‪ ،‬فإن أدركنا ها فذال‪ ،‬وإال فاألمر على العين والرأس»‪.‬‬

‫=‬
‫النووي يف الخالِة (‪ ،)233/1‬واأللباين يف إرواء الغليل برقم (‪.)126‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)320‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)301‬والحاكم (‪ )621‬وقال‪ِ« :‬حيح على شـرأ الشـيخين»‪ .‬والبيهقي يف سننه‬
‫(‪.)1423‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)315‬ومسلم (‪.)335‬‬

‫‪222‬‬
‫‪223‬‬ ‫بـاب الـحيـض‬

‫وفيه تخفيف على المرأة‪ ،‬فالصالة تتكرر يف اليوم مرات ويشق قضاؤها‬
‫بخالف الصوم فإنه أيام معدودات‪.‬‬
‫وأيضًا فالصالة لها نظائر تتكرر يف اليوم مرات‪ ،‬فيمكن تحصـيل نظائر ما فات‬
‫بما تؤديه‪.‬‬
‫وأما الصوم فإنه شهر واحد يف العام‪ ،‬فإذا فات لم يمكنها تداركه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو حاضت المرأة بعد دخول الوقت ولم تصل‪ ،‬فهل ياب عليها قضاء‬
‫الصالة؟‬
‫فيه خالف‪ ،‬واختار شـيخ اإلسالم أنه ال ياب عليها القضاء حتى يبقى وقت ال‬
‫يسع إال الصالة؛ ألمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تأخير الصالة إلى آخر الوقت مأذون فيه‪ ،‬وما ترتب على المأذون‬
‫غير مضمون‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن هذا يقع من نساء الصحابة ولو كان واجبًا لبينه رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫َان َق ْب َل ُك ْم بِ ُس َؤال ِ ِه ْم‬‫الثالث‪ :‬عموم حديث‪َ « :‬د ُعونِي َما َت َر ْك ُت ُك ْم‪ ،‬إِن َاما َه َل َك َم ْن ك َ‬
‫اجتَن ِ ُبو ُه‪َ ،‬وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا مِنْ ُه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫و ْ ِ ِ‬
‫اختالَف ِه ْم َع َلى َأ ْنبِ َيائ ِه ْم‪َ ،‬فإ ِ َذا ن ََه ْي ُت ُك ْم َع ْن شـيء َف ْ‬ ‫َ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم» [متفق عليه] ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َما ْ‬
‫مسألة‪ :‬المذهب وبه قال جمهور العلماء ورجحه ابن باز‪ ،‬وهو األظهر‬
‫للتعليل‪ ،‬واألثر أن الحائض إذا طهرت ِلت الصالة التي أدركت وقتها وما يامع‬
‫معها‪ ،‬وهو مروي عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أهنما قاال‪ :‬إذا طهرت‬
‫الحائض قبل مغيب الشمس ِلت الظهر والعصر‪ ،‬وإذا رأت الطهر قبل أن يطلع‬
‫الفار ِلت المغرب والعشاء‪ .‬رواه أحمد‪ ،‬وألن وقت الثانية وقت لألولى للعذر‬
‫والصالة التي قبلها إن كانت تامع إليها والشارع نزل وقتي الماموعتين حال‬
‫العذر منزلة الوقت الواحد‪ ،‬وما نحن فيه أقوى األعذار‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)113‬‬

‫‪223‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪224‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬ ‫‪F‬‬


‫(يف املستحاضة)‬

‫لما فرغ المؤلف من أحكام الحائض شـرع يف أحكام المستحاضة‪.‬‬


‫واالستحاضة‪ :‬دم يخرج من المرأة من عرق يقال له‪ :‬العاذل‪.‬‬
‫والمستحاضة هي من ترى دمًا ال يصلح أن يكون دم حيض وال نفاس إما‬
‫لطول مدته أو لصفته وهيئته‪.‬‬
‫َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ً َ َ ُ َ َ ٌ‬
‫وقوهل‪( :‬ومن جاوز دمها مخسة عَش يوما‪ :‬ف ِه مستحاضة)‪.‬‬
‫ألن أكثر الحيض عندهم خمسة عشـر يومًاَ فما كان بعده فهو دم فساد‪.‬‬
‫ومن الفروق بين دم الحيض واالستحاضة‪:‬‬
‫أن دم الحيض أسود ثخين منتن الرائحة‪ ،‬ودم االستحاضة دم أحمر رقيق أخف‬
‫رائح ًة من دم الحيض‪.‬‬
‫ودم الحيض يخرج من قعر الرحم ودم االستحاضة يخرج من أدنى الرحم‪.‬‬
‫ودم الحيض دم طبيعة يخرج يف أيام معلومة‪ ،‬ودم االستحاضة دم فساد وعلة‬
‫وليس له وقت محدد‪.‬‬
‫والمستحاضة كالطاهرات إال يف أحكام يسـيرة‪ ،‬وأما الحائض فلها أحكام‬
‫تخصها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُه َ‬ ‫َ ً َ ُ َ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ ِّ َ‬ ‫َ ُ‬
‫قوهل‪( :‬جتلِس مِن ُك شهر‪ِ :‬ستا أو سبعا‪ ،‬حيث ال تميـزي‪ ،‬ثم تغتِسل)‪.‬‬
‫المستحاضة ال تخلو من ثالث حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن تكون معتادة‪ ،‬وهي من سبق لها عادة منضبطة قبل أن تستحاض‪،‬‬
‫فإذا استحيضت ترجع إلى عادهتا السابقة‪ ،‬فتالس مقدارها ثم تغتسل وتحسب ما‬
‫بقي طهر‪ ،‬وهذا مذهب الامهور ورجحه شـيخ اإلسالم وابن رجب وابن عثيمين‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫‪225‬‬ ‫فصل يف املستحاضة‬

‫الصالَ َة‬ ‫ِ‬


‫والدليل‪ :‬قوله ﷺ لفاطمة بنت أبي حبيش ڤ لما استحيضت‪َ « :‬دعي ا‬
‫يها ُث ام ا ْغت َِسلِي َو َِلي» [رواه البخاري](‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َقدْ َر األ َ ايا ِم ا الــتي ُكنْت َتحيضـي َن ف َ‬
‫ك ُث ام ا ْغت َِسلِي‬
‫ك حي َض ُت ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقوله ﷺ قال ألم حبيبة‪« :‬ا ْم ُكثي َقدْ َر َما كَان َْت َت ْحب ِ ُس َ ْ‬
‫َو َِلي» [رواه مسلم](‪ .)2‬فدل أهنا إن ا كان لها أقراء معلومة ‪-‬والقرء هو الحيض‪-‬‬
‫فرتجع إلى عادهتا؛ ألهنا هي األِل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن ال يكون لها عادة منضبطة‪ ،‬أو كانت مبتدئة‪ ،‬أو كان لها عادة‬
‫ونسـيتها‪ ،‬وكان لها تمييز ِالح‪ ،‬تستطيع من خالله أن تميز بين دم الحيض وغيره‬
‫فإهنا ترجع إلى تمييزها‪.‬‬
‫ش كانت‬ ‫ْت أبي ُح َب ْي ُ‬ ‫والدليل‪ :‬ما رواه أبو داود والنسائي‪ :‬أن َفاطِم َة بِن ِ‬
‫َ‬
‫ف‪َ ،‬فإِ َذا ك َ‬
‫َان‬ ‫الح ْي َض ِة َفإِ ان ُه َد ٌم َأ ْس َو ُد ُي ْع َر ُ‬ ‫اض فقال لها النبي ﷺ‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫َان َد ُم َ‬ ‫ُت ْست ََح ُ‬
‫اآلخ ُر َفت ََو اضئِي َو َِلي‪َ ،‬فإِن َاما ُه َو ِع ْر ٌق»(‪.)3‬‬ ‫الصال َِة‪َ ،‬فإِ َذا ك َ‬
‫َان َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َذل َك َف َأ ْمسكي َع ِن ا‬
‫الثالثة‪ :‬أن ال يكون لها عادة مستمرة وال تمييز فهذه تسمى المتحيرة‪ ،‬فرتد إلى‬
‫عادة أغلب نسائها وهي ستة أيام أو سبعة‪ ،‬فتالس من أول كل شهر هذه األيام‪ ،‬ثم‬
‫تغتسل وتصلي وتكون البقية استحاضة‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬قول رسول اهلل ﷺ لحمنة بنت جحش لما اشتكت إليه الدم‪ ،‬وأهنا لم‬
‫ان‪َ ،‬فت ََح ايضـي ِس ات َة َأ ايا ُم َأ ْو َس ْب َع َة‬ ‫ات الشـي َط ِ‬ ‫تميز‪َ ،‬ف َق َال َلها‪« :‬إِناما َه ِذ ِه رك َْض ٌة من رك ََض ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت واس َتنْ َق ْأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َأ ايا ُم فِي ِع ْل ِ‬
‫ت‪َ ،‬ف َصلي َثالَ ًثا‬ ‫ـــم اهلل‪ُ ،‬ث ام ا ْغتَسلي َحتاى إِ َذا َر َأ ْيت َأناك َقدْ َط ُه ْر َ ْ‬
‫ك‪َ ،‬وك ََذل ِ َك‬ ‫و ِعشـرين َلي َل ًة َأو َأربعا و ِعشـرين َلي َل ًة و َأيامها وِومِي‪َ ،‬فإِ ان َذل ِ َك يا ِز ُئ ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ْ َ ا ََ َ ُ‬ ‫َ ْ ْ ًَْ َ‬ ‫َ‬
‫ات َح ْي ِض ِه ان َو ُط ْه ِر ِه ان»(‪.)4‬‬ ‫يض الن َسا ُء‪َ ،‬وك ََما َي ْط ُه ْر َن مِي َق َ‬
‫ح ُ‬ ‫َفا ْفعلِي فِي ُكل َشه ُر كَما َت ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )312‬هبذا اللفظ‪ ،‬وقد سبق تخرياه بلفظ آخر ص(‪.)164‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)334‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)266‬والنسائي (‪ ،)216‬وِححه ابن حبان (‪ ،)1346‬والحاكم يف المستدرل (‪،)616‬‬
‫والنووي يف الخالِة (‪.)232/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)261‬والرتمذي (‪ )126‬وقال‪« :‬حسن ِحيح»‪ .‬ثم قال‪َ « :‬و َس َأ ْل ُت ُم َح امدً ا [أي‬
‫=‬

‫‪225‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪226‬‬

‫فهذه حاالت المستحاضة‪ :‬أن ترد إلى عادهتا إن كانت منضبطة‪ ،‬فإن لم توجد‬
‫فإلى تمييزها‪ ،‬فإن لم يوجد لها تمييز‪ ،‬فرتد إلى عادة أغلب نسائها‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫الامهور واختاره شـيخ اإلسالم والزركشـي وابن المنذر وابن رجب وغيرهم(‪.)1‬‬
‫َ َ ِّ َ‬ ‫ُ َ ُ ُ ُ ِّ َ َ َ ْ‬ ‫ُه َ‬
‫عصيبِه)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬ثم تغتِسل‪ ،‬وتصوم‪ ،‬وتصيل بعد غس ِل المحل وت ِ‬
‫إذا انتهت المستحاضة من حيضها حسب الحاالت السابقة فإهنا تغتسل من‬
‫الحيض؛ ألهنا أتمت الحيض وإن كان ينزل معها الدم‪ ،‬وتغسل فرجها وتعصبه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫ِلي» [متفق‬
‫ودليل غسل فرجها‪ :‬قوله ﷺ للمستحاضة‪« :‬فا ْغسل ْي َعنْك الدا َم َو َ ْ‬
‫عليه](‪.)2‬‬
‫ودليل عصب الفرج‪ :‬قوله ﷺ يف شأن المستحاضة‪َ « :‬ف ْلـــ َت ْغت َِس ْل‪ُ ،‬ث ام لِت َْس َت ْث ِف ْر‬
‫ب‪ُ ،‬ث ام ل ِ ُت َصل فِ ْي ِه»(‪.)3‬‬‫بِ َث ْو ُ‬
‫واالستثفار‪ :‬هو شد الفرج بخرقة أو قطنة تحتشـي هبا المرأة‪ ،‬أو ما يقوم مقامها‬
‫مما ِنع حديثًا لئال يلوث الدم الثياب‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪ :‬وإن غلب الدم وخرج بعد إحكام الشد والتلام لم يضـر؛‬
‫ألن هذا أقصـى ما يمكنها‪ ،‬وال يكلف اهلل نفسًا إال وسعها وال إعادة عليها؛ ألهنا‬
‫فعلت ما أمرت به‪ ،‬وألنه عذر يتصل هبا ويدوم‪ ،‬ففي إيااب اإلعادة عليها مشقة‪،‬‬
‫ويدل له‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ا ْم َر َأ ٌة مِ ْن‬ ‫ما رواه البخاري َعن َعائِ َش َة َقا َل ِ‬
‫ت‪« :‬ا ْع َت َك َف ْت م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬

‫=‬
‫يح‪َ .‬و َه َك َذا قال َأ ْح َمدُ بن َحنْ َبلُ‪ :‬هو َح ِد ٌ‬
‫يث َح َس ٌن‬ ‫ِ‬ ‫البخاري] عن هذا الحديث فقال‪ :‬هو َح ِد ٌ‬
‫يث َح َس ٌن َِح ٌ‬
‫يح»‪ .‬وابن ماجه (‪ ،)621‬وأحمد (‪ ،)21514‬والحاكم يف المستدرل (‪.)615‬‬ ‫ِ‬
‫َِح ٌ‬
‫(‪ )1‬الفتح البن رجب (‪.)56/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)300‬ومسلم (‪.)333‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)214‬والنسائي (‪ ،)206‬وابن ماجه (‪ ،)623‬وِححه النووي يف الخالِة‬
‫(‪ ،)2236/1‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)121/3‬‬

‫‪226‬‬
‫‪227‬‬ ‫فصل يف املستحاضة‬

‫الص ْف َر َة َوال اط ْس ُت َت ْحت ََها َو ْه َي ُت َصلي»(‪.)1‬‬ ‫َأ ْزو ِ ِ‬


‫اجه‪َ ،‬ف َكان َْت َت َرى الدا َم َو ُّ‬ ‫َ‬
‫ش إِ َلى النابِي ﷺ َف َقا َل ْت‪َ :‬يا‬ ‫وع ْن َعائِ َش َة َقا َل ْت‪َ :‬جا َء ْت َفاطِ َم ُة بِن ُْت َأبِي ُح َب ْي ُ‬ ‫َ‬
‫اض‪َ ،‬فالَ َأ ْطهر‪َ ،‬أ َف َأدع الصالَةَ؟ َق َال‪« :‬ال‪ ،‬إِناما َذل ِ ِ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫َُ ا‬ ‫ُُ‬ ‫ول اهلل! إِني ا ْم َر َأ ٌة ُأ ْست ََح ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ك‪ُ ،‬ث ام ا ْغت َِسلِي‪َ ،‬و َت َو اضئِي ل ِ ُكل‬ ‫يض ِ‬‫ح ِ‬‫ِعر ٌق‪ ،‬و َليس بِالحي َض ِة‪ ،‬اجتَنِبِي الصالَ َة َأيام م ِ‬
‫ا َ َ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫َِالَة‪َ ،‬وإِ ْن َق َط َر الدا ُم َع َلى َ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫ب َد ًما» [رواه‬ ‫وِ الــى ُع َم َر َو ُج ْر ُح ُه َي ْث َع ُ‬‫صـير» ‪َ « .‬‬ ‫الح‬
‫مالك](‪.)3‬‬
‫وقال إسحاق‪ :‬كان زيد بن ثابت به سلسل البول‪ ،‬وكان يداويه ما استطاع‪ ،‬فإذا‬
‫غلبه توضأ وال يبالي ما أِاب ثوبه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وال يلزم المستحاضة غسل المحل لوقت كل ِالة إذا لم يخرج شيء؛‬
‫ألن الحدث مع قوته وغلبته ال يمكن التحرز منه‪ ،‬وألن يف غسل العصائب كل‬
‫وقت وتافيفه أو إبدالها مشقة بخالف الوضوء‪ ،‬وألن النبي ﷺ لما أمرها‬
‫بالوضوء لكل ِالة لم يذكر غسل المحل وعصب الفرج ورجحه شـيخ اإلسالم‬
‫ول اهللِ ﷺ امر َأ ٌة مِ ْن َأ ْز َو ِ‬
‫اج ِه‪،‬‬ ‫لحديث عائشة ڤ قالت‪« :‬ا ْع َت َك َف ْت م َع رس ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الص ْف َر َة َوال اط ْس ُت َت ْحت ََها َو ْه َي ُت َصلي» [أخرجه البخاري]‪.‬‬
‫َف َكان َْت َت َرى الدا َم َو ُ ُّ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ضأ يف َ‬ ‫َََ ه‬
‫بوضوئ ِها االستِباحة)‪.‬‬ ‫نوي‬‫ِ‬ ‫وت‬ ‫‪،‬‬ ‫الة‬ ‫ص‬ ‫ُك‬ ‫قت‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫قوهل‪( :‬وتتو‬
‫المستحاضة كالطاهرات تصلي وتصوم وتعتكف وتالس يف المساد وتقرأ‬
‫القرآن وتمس المصحف وتطوف بالبيت‪ ،‬وقد حكى إسحاق بن راهويه‪ :‬إجماع‬
‫المسلمين على ذلك(‪.)4‬‬
‫إال أهنا تخالف الطاهرات يف ثالثة أحكام‪ :‬يف الوضوء لوقت كل ِالة‪ ،‬ويف‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)304‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)624‬وأحمد (‪ ،)25122‬وِححه األلباين يف ِحيح ابن ماجه برقم (‪ ،)501‬دون‬
‫لفظة‪« :‬وإن قطر الدم على الحصـير»‪ .‬فإهنا ضعيفة‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)121‬‬
‫(‪ )4‬الفتح البن رجب (‪.)12/2‬‬

‫‪221‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪228‬‬

‫الوأء ويف جواز الامع بين الصالتين‪.‬‬


‫أما وضوئها لوقت كل ِالة فدلت السنة على أمرها به‪ ،‬وهل هو للوجوب أو‬
‫االستحباب؟‬
‫المذهب‪ :‬أنه للوجوب‪ ،‬وهو مذهب الحنفية والشافعية وبه أفتت اللانة‬
‫الدائمة‪.‬‬
‫لما رواه البخاري من حديث عائشة أن رسول اهلل ﷺ قال لفاطمة بنت أبي‬
‫ِ‬ ‫حبيش‪ُ « :‬ثم َت َو اضئِي ل ِ ُكل َِال َُة َحتاى َي ِ‬
‫اي َء َذل َك ا ْل َ‬
‫ـــو ْق ُت»(‪ .)1‬واألِل يف األمر‬ ‫ا‬
‫الوجوب إال لصارف‪.‬‬
‫وقيل يستحب وال ياب‪ ،‬وهو مذهب اإلمام مالك ورجحه ابن عبد الرب وابن‬
‫عثيمين‪ ،‬واحتاوا لذلك‪:‬‬
‫ال‪ :‬أن ِاحب الحدث الدائم ال يرتفع حدثه بالوضوء فيكون يف حقه‬‫أو ً‬
‫مستحبًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن رواية البخاري‪ُ « :‬ث ام َت َو اضئِي ل ِ ُكل َِال َُة» أعلها مسلم والنسائي‬
‫والبيهقي وأبو داود وابن رجب والزيلعي‪ ،‬وحكموا عليها باإلدراج‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن من به حدث دائم لو تطهر لم يرتفع حدثه‪ ،‬فوضوئه لالستحباب‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن خروج الدم ليس بإرادته‪ ،‬والشـرع ال يؤاخذه على ما ليس من فعله‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أن األِل عدم الوجوب إال لدليل سالم والدليل هنا غير متوفر‪.‬‬
‫وهذا القول قوي‪ ،‬وإن كان يف المحافظة على الوضوء لوقت كل ِالة‬
‫احتياأ؛ ألن الحديث ِححه البخاري‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫بوضوئ ِها االستِباحة)‪ :‬أي تنوي استباحة الصالة؛ ألن هذا الوضوء ال‬ ‫نوي‬
‫(وت ِ‬
‫يرفع الحدث؛ ألن الدم ما زال ناز ً‬
‫ال هذا هو المذهب‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه رافع للحدث إلى وقت الصالة األخرى ورجحه شيخنا ابن‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)226‬‬

‫‪226‬‬
‫‪229‬‬ ‫فصل يف املستحاضة‬

‫عثيمين‪.‬‬
‫وأما خروج الدم فهي معذورة فيها؛ ألنه فوق طاقتها‪.‬‬
‫َ َ َ َ ُ ُ ُّ َ ْ َ َ ُ ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬وكذا يفعل‪ُ :‬ك من حدثه دائ ٌِم)‪.‬‬
‫أي ويلحق هبذا الحكم من حدثه دائم؛ كمن به سلس بول أو سلس ريح‪ ،‬فإنه‬
‫يتوضأ لوقت كل ِالة على الخالف يف وجوبه‪ ،‬ثم ال يضـره ما خرج بعد ذلك منه‬
‫حتى يدخل وقت العبادة األخرى‪ ،‬وال يضـره ما نزل على ثيابه بعد الوضوء؛ لقول‬
‫الح ِ‬
‫صـير»(‪.)1‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َِ « :‬لي َوإِ ْن َق َط َر الدا ُم على َ‬
‫لكن بعد حلول الوقت الثاين تزيل النااسة وتتوضأ‪ ،‬فإذا أرادت الوضوء فعليها‬
‫غسل الدم؛ ألنه دم ناس وتاعل على فرجها شـيئًا إن كان الدم كثير ًا؛ لقول‬
‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أ ْنع ُت َل ِ‬
‫ف‪َ ،‬فإِ ان ُه ُي ْذه ُ‬
‫ب الدا َم» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي‬ ‫ك ا ْلـــ ُك ْر ُس َ‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬
‫وِححه]‪.‬‬
‫وذكر شـيخ اإلسالم‪ :‬أنه لو لم يعد الدم فال بأس أن تتوضأ بال غسل الفرج‪،‬‬
‫واختار هذا ابن عثيمين‪.‬‬
‫َه ََ‬ ‫َ ُُ َ ُ ُ َ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬وَيرم‪ :‬وطء المستحاضةِ‪ .‬وال كفارة)‪.‬‬
‫هذا الفرق الثاين‪ :‬بين المستحاضة والطاهرات‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه يحرم وأء المستحاضة‪.‬‬
‫والعلة‪ :‬أنه أذى يف الفرج أشبه دم الحيض وال كفارة فيه ألنه ليس حيضًا‪.‬‬
‫والرواية الثانية عن اإلمام أحمد‪ :‬أنه ياوز وطئها‪ ،‬وهو مذهب األئمة الثالثة‪،‬‬
‫ورجحها ابن حزم وابن المنذر وابن عثيمين‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬أن األِل الاواز واإلباحة‪ ،‬وال يوجد دليل ِحيح على المنع وقد‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)221‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)261‬والرتمذي (‪ ،)126‬وِححه ونقل تصحيح البخاري واإلمام احمد ابن حنبل‬
‫للحديث‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪230‬‬

‫حرم اهلل الوأء يف الحيض بقوله سبحانه‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬


‫ﮮ ﮯ﴾ [البقرة‪ ،]222 :‬واالستحاضة غير الحيض‪ ،‬قال ابن المنذر‪« :‬وقد أجمع‬
‫العلماء على التفريق بين الحيض واالستحاضة‪ ،‬وهي إلى الطاهرات أقرب»‪.‬‬
‫والدم ليس دم حيض والعبادات أعظم حرمة من الاماع وهي يف لزوم العبادة‬
‫كغيرها‪.‬‬
‫وقد كان على عهد رسول اهلل ﷺ سبع عشـرة امرأة يستحضن ولم يرد أن‬
‫رسول اهلل ﷺ أمر أزواجهن بعدم الوأء مع شدة الحاجة إلى ذلك‪.‬‬
‫اض ًة‪ ،‬وكان َز ْو ُج َها‬‫ش أهنا كانت ُم ْست ََح َ‬ ‫ْت َج ْح ُ‬ ‫وروى أبو داود‪« :‬عن حمنَ َة بِن ِ‬
‫َ ْ‬
‫ُي َاامِ ُع َها»(‪.)1‬‬
‫الفرق الثالث‪ :‬لها الامع بين الصالتين إن شق عليها الوضوء لوقت كل ِالة‪،‬‬
‫يت َع َلى َأ ْن ُت َؤخ ِري ال ُّظ ْه َر َو ُت َعالِي ال َعصـر‪ُ ،‬ث ام‬ ‫لقوله ﷺ لحمنة ڤ‪َ « :‬فإِ ْن َق ِو ِ‬
‫الم ْغ ِر َب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َت ْغتَسلي َن حي َن َت ْط ُه ِري َن‪َ ،‬و ُت َصلي َن ال ُّظ ْه َر َوال َعصـر َجمي ًعا‪ُ ،‬ث ام ُت َؤخ ِري َن َ‬
‫الصالَ َت ْي ِن‪َ ،‬فا ْف َعلِي»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُت َعالِي َن الع َشا َء‪ُ ،‬ث ام َت ْغتَسلِي َن‪َ ،‬و َت ْا َمعي َن َب ْي َن ا‬
‫فلها الامع الحقيقي للمشقة‪ ،‬ومثلها من حدثه دائم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)310‬والبيهقي يف سننه (‪ ،)1452‬وحسن إسناده النووي يف الخالِة (‪.)232/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)126‬وِححه ونقل تصحيح البخاري وابن حنبل للحديث‪ .‬وأبو داود (‪،)261‬‬
‫وأحمد يف المسند (‪ ،)21514‬والحاكم يف المستدرل (‪.)615‬‬

‫‪230‬‬
‫‪231‬‬ ‫فصل أحكام النفساء‬

‫‪e‬‬ ‫‪F‬‬
‫فصل أحكام النفساء‬

‫َُُ َ ُ َ َ ً َ ُ ُ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ ه َ ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫ضع ما‬
‫وأكرثه‪َ :‬أربعون يوما‪ .‬ويثبت حكمه‪ :‬بِو ِ‬ ‫قال‪( :‬وانلِّفاس‪ :‬ال حد ألقل ِه‪.‬‬
‫كن‪ :‬يُ َ‬
‫كرهُ‬ ‫اء‪َ :‬ف ُهو ُط ٌ‬
‫ي َن َق ٌ‬ ‫ربع َ‬‫َ‬ ‫ََ هَ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫َ هَ‬
‫هر‪ .‬ل ِ‬ ‫تبي فِي ِه خلق إنسان‪ .‬فإن ِّتلل األ ِ‬
‫َ ُ‬
‫َ‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫طؤ‬ ‫و‬
‫َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫اس‪ :‬من ه‬ ‫َ‬ ‫ُه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وم ْن َوضعت َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األول‪ .‬فلو اكن بينهما‬ ‫فأكرث‪ ،‬فأ هول مدة ِ انلِّف ِ‬ ‫َ‬ ‫ين‬
‫ِ‬ ‫ودل‬
‫فساءِ‪ :‬ما يف َوطءِ َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َُ َ َ ً َ َ َ ه‬
‫احلائ ِِض)‪.‬‬ ‫أربعون يوما‪ :‬فال ن ِفاس للثاين‪ .‬ويف َوطءِ انل‬
‫ذكر أحكام النفاس؛ والنفساء كالحائض يف األحكام حكى ابن جرير اإلجماع‬
‫عليه‪.‬‬
‫والنفاس‪ :‬مأخوذ من النفس وسمي هبذا؛ ألنه يعقبه خروج النفس‪.‬‬
‫وتعريفه‪ :‬هو الدم الذي يخرج من المرأة حال الوالدة أو قبلها بزمن يسـير‪.‬‬
‫َ ه َ ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫(وانلِّفاس‪ :‬ال حد ألقل ِه)‪ :‬فمتى انقطع الدم طهرت‪ ،‬ولو لم يالس إال أيامًا‬
‫معدودات‪:‬‬
‫ألنه لم ينقل عن الشارع تحديده والعربة بالدم متى انقطع طهرت‪.‬‬
‫وقد روى البخاري يف التاريخ الكبير‪ :‬أن عائشة ڤ رأت امرأة ولدت فلم تر‬
‫دمًا‪ ،‬فقالت‪ :‬أنت امرأة طهرل اهلل(‪.)1‬‬
‫وهذا مذهب اإلمام أحمد ومالك والشافعي‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫َُ َ َ ً‬ ‫( َُ‬
‫وأكرثهُ‪ :‬أربعون يوما)‪ :‬وما زاد عليه فهو دم استحاضة تتطهر وتصلي هذا‬
‫المذهب وبه قال سفيان وابن المبارل والشافعي وإسحاق ورجحه ابن باز‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬أنه لم ينقل عن الصحابة ﭫ خالف يف ذلك؛ كما قالت ُأ ُّم َس َل َم َة‬

‫(‪ )1‬ذكره البخاري يف التاريخ الكبير (‪ ،)124/4‬والبيهقي يف سننه (‪.)1514‬‬

‫‪231‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪232‬‬

‫ين َي ْو ًما َأ ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َت النُّ َفساء َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬ ‫ڤ‪« :‬كَان ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َت ْق ُعدُ َب ْعدَ ن َفاس َها َأ ْر َبع َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ـــك َل ِ‬
‫ـــو ْر َس َي ْعنِي مِ َن ا ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف»(‪.)1‬‬ ‫ين َل ْي َلةً‪َ ،‬و ُكناا َن ْطلِي َع َلى ُو ُجوهنَا ا ْل َ‬
‫َأ ْر َبع َ‬
‫قال الرتمذي‪« :‬أجمع أهل العلم من أِحاب النبي ﷺ ومن بعدهم على‪ :‬أن‬
‫النفساء تدع الصالة أربعين يومًا إال أن ترى الطهر قبل ذلك»‪.‬‬
‫واجتهاد الصحابة مقدم على اجتهاد غيرهم‪.‬‬
‫وألنه البد من جعل ضابط ترجع إليه النساء‪.‬‬
‫َ ُْ َ‬ ‫كم ُه‪ :‬ب َوضع ما تَ ه َ‬
‫َ ُ ُ ُ ُ‬
‫بي فِي ِه خلق إنسان)‪ :‬إذا أسقطت المرأة ما يف‬ ‫ِ ِ‬ ‫(ويثبت ح‬
‫بطنها‪ ،‬فال يخلو من حاالت ثالث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يخرج الانين وقد تبين فيه خلق إنسان إما يد أو رجل أو رأس‪،‬‬
‫فتعترب الدم الخارج معه دم نفاس‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يخرج الانين ولم يتخلق فإنه ال يعترب دم نفاس‪ ،‬بل دم فساد فتأخذ‬
‫أحكام المستحاضات‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إن جهلت المرأة حاله‪ ،‬ولم تعلم أتخلق أم ال؟‬
‫أمرناها أن تتحرى أمره حسب مدة الحمل‪ ،‬وهذا الضابط مذهب األئمة‬
‫الثالثة أحمد والشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬ورجحه ابن رجب(‪.)2‬‬
‫مسألة‪ :‬متى يتخلق الانين‪ ،‬ومتى ال يتخلق؟‬
‫من (‪ )60 - 1‬يومًا‪ :‬ال يتخلق فيها الانين؛ ألنه يف األربعين األولى نطفة‪ ،‬ويف‬
‫الثانية علقة (قطعة دم)‪ ،‬وال يتخلق يف هذه المدة‪ ،‬كما دل له حديث ابن مسعود‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﭬ‪« :‬إِ ان َأ َحدَ ُك ْم ُي ْا َم ُع في َب ْط ِن ُأمه َأ ْر َبعي َن َي ْو ًما نطفة ُث ام َع َل َق ًة م ْث َل َذل َك ا‬
‫ثم َي ُكو ُن‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)311‬والرتمذي (‪ ،)132‬وابن ماجه (‪ ،)646‬وأحمد (‪ ،)26603‬والحاكم يف‬
‫المستدرل (‪ ،)622‬وقال ابن الملقن يف البدر المنير (‪« :)131/3‬هذا الحديث جيد»‪ .‬وحسن األلباين يف‬
‫إرواء الغليل برقم (‪.)201‬‬
‫(‪ )2‬الفتح (‪.)116/2‬‬

‫‪232‬‬
‫‪233‬‬ ‫فصل أحكام النفساء‬

‫ُم ْض َغ ًة» [متفق عليه](‪ .)1‬هذا ما رجحه الحنابلة والشافعية‪.‬‬


‫ومن (‪ )120 - 61‬يومًا‪ :‬يف هذه المدة يكون مضغة «قِ ْط َعة مِ ْن َل ْح ُم» ويبدأ فيه‬
‫يط‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‬ ‫اخطِ ُ‬
‫التخلق َوالت ْ‬
‫[الحج‪.]5 :‬‬
‫ومن (‪ )120‬يومًا وما بعدها‪ :‬هذا قطعًا يكون تخلق؛ ألنه يرسل إليه الملك يف‬
‫هذه المدة وال يرسل إال بعد االكتمال‪.‬‬
‫فعلى هذا ما قبل الثمانين يومًا إذا سقط نازم أنه لم يتخلق‪.‬‬
‫وما بعد (‪ )120‬يومًا‪ :‬نازم أنه تخلق‪.‬‬
‫وما بين (‪ )120 - 60‬يومًا‪ :‬هذه تتأكد منه المرأة‪.‬‬
‫ومتى رأت المرأة السقط فيه نوع تخلق‪ ،‬فإهنا تعتربه نفاسًا حتى ولو كان أقل‬
‫من المدة المعروفة؛ ألهنا قد تخطئ يف الحساب‪ ،‬وأيضًا كون األِل أنه ال يتخلق‬
‫إال بعد المضغة‪ ،‬ال يمنع أن يتخلق قبل ذلك‪ ،‬فإن وجد جعلته نفاسًا وإال رددناها‬
‫إلى األِل‪ ،‬وهذا مذهب الامهور ورواية عن اإلمام أحمد كما بينه ابن رجب يف‬
‫الفتح(‪.)2‬‬
‫ٌ‬ ‫ََ هَ َ َ َ ََ ٌ َ ُ ُ‬
‫(فإن ِّتلل األرب ِعي نقاء‪ :‬فهو طهر)‪ :‬إذا طهرت المرأة قبل تمام األربعين‬
‫ورأت النقاء والنشوف التام‪ ،‬فتعترب نفسها طهرت من نفاسها فتصلي وتصوم‪ ،‬فإن‬
‫عاد الدم إليها قبل تمام األربعين‪ ،‬فما عاد بعد ذلك تعده دم نفاس ال دم فساد؛ ألن‬
‫الوقت مازال محتمالً لنزوله‪ ،‬وِالهتا وِـيامها يف زمن النقاء ِحيحة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كن‪ :‬يُ َ‬
‫كرهُ َوطؤها فِي ِه)‪ :‬إذا طهرت المرأة قبل تمام األربعين‪.‬‬ ‫(ل ِ‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه يكره جماعها‪ ،‬الحتمال أن يعود الدم فيكون جامعها قبل‬
‫الطهارة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3036‬ومسلم (‪.)2643‬‬


‫(‪ )2‬الفتح البن رجب (‪.)111/2‬‬

‫‪233‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪234‬‬

‫وأخرج عبدالرزاق أن عثمان بن أبي العاص ﭬ كان يقول للمرأة من نسائه إذا‬
‫نفست‪« :‬ال تقربيني أربعين ليلة»(‪.)1‬‬
‫وقيل ال يكره جماعها؛ ألن الحكم يدور مع علته وجود ًا وعدمًا‪ ،‬وهذا الدم قد‬
‫انقطع وِحت عبادهتا فكذلك جماعها ورجحه ابن باز وابن عثيمين‪.‬‬
‫وما ورد عن عثمان بن أبي العاص فهو محمول على أنه‪ :‬اجتهاد منه خالفه فيه‬
‫غيره من الصحابة‪ ،‬فنرجع إلى ما يعضده النص‪ ،‬ولم ناد ما يدل على قول عثمان‪،‬‬
‫أو يحمل على التنزيه ال التحريم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ض َعت َ َ‬
‫اس‪ :‬من ه‬
‫األول)‪ :‬من وضعت توأم َ ًا‬
‫َ‬ ‫ُه‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫فأكرث‪ ،‬فأ هول مدة ِ انلِّف ِ‬ ‫ين‬ ‫ودل‬
‫َ ْ َ َ‬
‫(ومن و‬
‫ِ‬
‫فتحسب بداية النفاس من خروج الولد األول؛ ألن الدم يخرج عادة بعد الوالدة‪.‬‬
‫َُ َ َ ً َ َ َ ه‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ‬
‫(فلو اكن بينهما أربعون يوما‪ :‬فال ن ِفاس للثاين)‪ :‬لو تأخر خروج الانين الثاين‬
‫أربعين يومًا‪ ،‬فيكون الدم الخارج معه دم فساد هذا المذهب ألن النفاس واحد‬
‫وقد زاد على األربعين‪.‬‬
‫وذكره ابن قدامة عن بعض العلماء‪ ،‬أن الثاين تعترب مدة نفاسه من يوم خروجه‬
‫أربعين أخرى إال إن رأت الطهر قبل ذلك ورجحه ابن جربين‪.‬‬
‫ُّ َ‬
‫فساءِ‪ :‬ما يف َوطءِ َ‬
‫احلائ ِِض)‪ :‬النفساء حكمها كحكم الحائض‪،‬‬ ‫(ويف َوطءِ انل‬
‫وقد حكى ابن جرير اإلجماع على ذلك‪ ،‬ولذا لو جامع النفساء فالمذهب أن عليه‬
‫الكفارة كما تقدم بيانه يف وأء الحائض‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ ه ُ ُ ْ ُ َ َ ُ َ َ َُ‬
‫جلماع)‪.‬‬‫قوهل‪( :‬وَيوز للرجل‪ :‬رشب دواء مباح يمنع ا ِ‬
‫شـرب الرجل دواء يمنعه من الاماع ويسكن الشهوة ال يخلو من حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يشـرب ما يقطع الشهوة بالكلية فهذا ال ياوز؛ ألنه لم يأت به‬
‫الشـرع‪ ،‬والنكاح من سنن المرسلين‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َع َلى ُع ْث َم َ‬
‫ان ْب ِن‬ ‫ويف الصحيحين عن َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو اق ُ‬
‫اص قال‪َ « :‬ر اد َر ُس ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه عبدالرزاق يف المصنف (‪.)1202‬‬

‫‪234‬‬
‫‪235‬‬ ‫فصل أحكام النفساء‬

‫ون ال ات َبت َُّل‪َ ،‬و َل ْو َأ ِذ َن َل ُه َ‬


‫ال ْختَصـينَا»(‪.)1‬‬ ‫م ْظع ُ‬
‫َ ُ‬
‫والثانية‪ :‬أن يشـرب ما يخفف حدة الشهوة وال يقطعها‪ :‬فاائز بشـرأ أن يتحقق‬
‫أن ال يضر نفسه وال زوجته‪ ،‬وقد ذكر ابن القيم كثير ًا من األدوية التي تخفف حدة‬
‫الشهوة يف‪[ :‬عدة الصابرين‪ ،‬وزاد المعاد]‪ ،‬وابن مفلح يف [اآلداب الشـرعية](‪.)2‬‬
‫وكذا يوجد أدوية حديثة يف هذا‪ ،‬فإذا أمن ضـررها واحتاج إليها‪ ،‬ولم تكن‬
‫تقطع الشهوة هنائيًا فال بأس بذلك‪.‬‬
‫وعكس هذه المسألة شـرب ما يهيج الشهوة وينشطها ياوز بشـرأ السالمة من‬
‫الضـرر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ولألنَث‪ :‬رش ُبه؛ ِ ُ‬
‫حل ُصول َ‬
‫يض‪ ،‬ول ِقط ِع ِه)‪.‬‬
‫احل ِ‬ ‫ِ‬
‫للمرأة أن تستعمل دواء إلنزال الحيض أو لرفعه إذا لم يكن فيه ضـرر عليها‪،‬‬
‫فإن كان فيه ضـرر منعت من ذلك كأن يكون دمها كثير ًا وفيه قوة ويضـرها حبسه‬
‫وتأخير نزوله‪ ،‬فإهنا تمنع من ذلك فقد تمنع المرأة نزول الحيض أيامًا إلكمال‬
‫عبادة كالحج أو ِـيام رمضان وهذا جائز بالشـرأ السابق‪.‬‬
‫وأما حبوب منع الحمل فتبحث يف كتاب النكاح‪ ،‬وقد فصل العلماء فيها‪ ،‬فإذا‬
‫احتاجت المرأة إليها وكان المنع مؤقتًا فال بأس بذلك‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4166‬ومسلم (‪ )1402‬من حديث سعد بن أبي وقاص ﭬ مرفوعًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬اآلداب الشـرعية (‪.)231/2‬‬

‫‪235‬‬
‫كـتـاب الـطـهـارة‬ ‫‪236‬‬

‫‪236‬‬
‫‪237‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫كــتــاب‬
‫الــصـالة‬

‫‪231‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪238‬‬

‫‪236‬‬
‫‪239‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫‪e‬‬ ‫ب ا َألذَانِ واإلقامَةِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫ِ‬
‫بالصالة‪،‬‬ ‫إعالم‬ ‫شـرع يف الكال ِم على األذان‪ ،‬وقدا مه يف ِ‬
‫أول كتاب الصالة؛ ألنه‬
‫ٌ‬
‫يكون قب َله‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واإلعال ُم بالشـيء‬
‫وتعريف األذان‪ُ :‬لغةً‪ :‬هو اإلعال ُم؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾‬ ‫ُ‬
‫[الحج‪.]21 :‬‬
‫ُ‬
‫بذكر‬ ‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫ِ‬
‫وقت‬ ‫ِ‬
‫بدخول‬ ‫واِطالحًا‪ :‬هو التع ُّبدُ هلل تعالى باإلعال ِم‬
‫ُ‬
‫مخصوص‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفضل تولي األذان‪ ،‬أو اإلمامة؟ فقيل‪ :‬اإلمام ُة‬ ‫وقد اختلف العلماء أ ُّيهما‬
‫ُ‬
‫أفضل‪.‬‬
‫ُ‬
‫األذان أفضل‬ ‫َ‬
‫رسول ﷺ وِحابتَه كانوا أئمةً‪ ،‬ولو كان‬ ‫واس ُتدل على ذلك‪ :‬بأن‬
‫ِ‬
‫اإلمامة‪.‬‬ ‫لما عدَ لوا عنه إلى‬
‫ُ‬
‫شـيخ‬ ‫ِ‬
‫والشافعية‪ ،‬واختاره‬ ‫مذهب الحنابلة‬ ‫أفضل‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫األذان‬ ‫والراجح‪ :‬أن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األذان؛ ومنها‪:‬‬ ‫أحاديث فضائ ِل‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬واب ُن عثيمين‪ .‬ويدُ ُّل له‬
‫ااس َأ ْعنَا ًقا َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫ون َأ ْط َو ُل الن ِ‬‫قوله ﷺ‪« :‬ا ْل ُم َؤذ ُن َ‬
‫ال شـي ٌء إِ ا‬ ‫ت ا ْل ُم َؤذ ِن ِج ٌّن‪َ ،‬و َ‬
‫ال إِن ٌْس‪َ ،‬و َ‬ ‫ال يسمع مدَ ى ِو ِ‬
‫ال‬ ‫َ ْ‬ ‫وقوله ﷺ‪َ « :‬فإ ِ ان ُه َ َ ْ َ ُ َ‬
‫َش ِهدَ َل ُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة» [رواه البخاري](‪.)2‬‬
‫وأما إمام ُة رسول اهلل ﷺ وخلفائه‪َ ،‬فلِمقاِدَ ال تتم إال باإلمامة‪ ،‬ولم يكونوا‬
‫يشق عليهم مع قيامِهم‬ ‫الوقت‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫متابعة‬ ‫مؤذنين لما ُيحتاج إليه األذان من‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )361‬من حديث معاوية بن أبي سفيان ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )602‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪240‬‬

‫المفضول ُمقدا ًما على الفاض ِل يف حاالت أو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫يكون‬ ‫بمصالح المسلمين‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫واألئمة‪ ،‬والعلماء القائمين بتعليم الناس‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخلفاء‬ ‫ألشخاص؛ كحال‬‫ُ‬
‫وآثار كثيرةٌ؛ منها‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫أحاديث‪،‬‬ ‫التأذين والحث عليه‬ ‫ِ‬ ‫وقد جاء يف فض ِل‬
‫ااس َأ ْعنَا ًقا َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫ون َأ ْط َو ُل الن ِ‬
‫قوله ﷺ‪« :‬ا ْل ُم َؤذ ُن َ‬
‫ومعناه‪ :‬أهنم أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة اهلل‪ ،‬وأبعد الناس عن أن يلامهم‬
‫العرق حين تدنو الشمس‪ ،‬وأهنم يكونوا يف القيامة مثل السادة‪ ،‬والعرب تصف‬
‫السادة بطول العنق‪.‬‬
‫يد ﭬ أنه قال لعب ِداهللِ ب ِن َأبِي ِعصعةَ‪« :‬إِني َأر َ ِ‬ ‫وعن أبي س ِع ُ‬
‫ب ال َغن ََم‬ ‫ال ُتح ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَة َف ْار َف ْع َِ ْو َت َك بِالندَ اء‪َ ،‬فإِ ان ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َباد َيةَ‪َ ،‬فإِ َذا ُكن َْت في َغنَم َك‪َ ،‬أ ْو َباد َيت َك‪َ ،‬ف َأ اذن َْت بِ ا‬
‫الق َيا َم ِة»‪،‬‬
‫ال شـيء إِ اال َش ِهدَ َله يوم ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ال إِن ٌْس‪َ ،‬و َ‬ ‫الم َؤذ ِن‪ِ ،‬ج ٌّن‪َ ،‬و َ‬ ‫ِ‬
‫ال َي ْس َم ُع َمدَ ى َِ ْوت ُ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ﷺ(‪[ )1‬رواه البخاري]‪.‬‬ ‫س ِم ْع ُت ُه مِ ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ااس َما فِي الندَ ِاء‬ ‫وعن َأبِي هرير َة ﭬ َأ ان رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ « :‬ل ْو َي ْع َل ُم الن ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ال ْست ََه ُموا» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫ادُ وا إِ اال َأ ْن َي ْست َِه ُموا َع َل ْي ِه َ‬ ‫الصف األَ او ِل‪ُ ،‬ثم َلم َي ِ‬
‫ا ْ‬ ‫َو ا‬
‫ول‪« :‬ا ْل ُم َؤذ ُن ُي ْغ َف ُر َل ُه بِ َمد‬‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫و َع ْن َأبِي ُهر ْير َة ﭬ س ِم َع ُه مِ ْن َف ِم رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫س» [رواه أبوداود] ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ب َو َيابِ ُ‬ ‫َِ ْوتِ ِه‪َ ،‬و َي ْش َهدُ َل ُه ُك ُّل َر ْط ُ‬
‫أكابرهم َيتو الونه‪:‬‬ ‫السلف يتنافسون عليه‪ ،‬وكان ُ‬ ‫ُ‬ ‫وحسبك هبذه فضائل‪ ،‬ولذا كان‬
‫از ُم َق َال‪َ « :‬ق ِد ْمنَا َع َلى ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ اط ِ‬
‫اب‬ ‫س ْب ِن َأبِي َح ِ‬ ‫وروى البيهقي َع ْن َق ْي ِ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫َف َس َأ َل‪َ :‬م ْن ُم َؤذ ُن ُك ْم؟ َف ُق ْلنَا‪َ :‬عبِيدُ نَا َو َم َوالِينَا‪َ ،‬ف َق َال بِ َي ِد ِه َه َك َذا ُي َقل ُب َها‪َ :‬عبِيدُ نَا َو َم َوال ِينَا؛‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)232‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)615‬ومسلم (‪ )431‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)515‬والنسائي (‪ ،)645‬وابن ماجه (‪ ،)124‬وأحمد (‪ ،)2542‬وابن خزيمة (‪،)320‬‬
‫وابن حبان (‪ )1666‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن الملقن يف البدر المنير (‪َ « :)363/3‬وذكره ا ْبن السكن في ِحاحه َأ ْيضا‪ ،‬فصح َ‬
‫الحديث إذا ‪َ -‬وهلل‬
‫ا ْل َحمد‪ ،-‬وزالت ا ْل َا َها َلة عَ ن ُه»‪ ،‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)526‬‬

‫‪240‬‬
‫‪241‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫خ َال َف ِة َألَ اذن ُ‬


‫ْت»(‪ .)1‬وقال علي‬ ‫ان مع ا ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َشديدٌ ‪َ ،‬ل ْو َأ َط ْق ُت ْاألَ َذ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫إِ ان َذل ُك ْم بِ ُك ْم َلنَ ْق ٌ‬
‫ِ‬
‫والحسـين‬ ‫ِ‬
‫للحسن‬ ‫سألت‬
‫ُ‬ ‫كنت‬‫دت أين ُ‬ ‫ود ُ‬‫كنت ِ‬ ‫شـيء إال أين ُ‬ ‫ُ‬ ‫ﭬ‪« :‬ما آسـى على‬
‫َ‬
‫األذان»‪.‬‬
‫أح اج وأعت َِم َر»(‪.)2‬‬ ‫إلي من أن ُ‬
‫ِ‬
‫ب ا‬ ‫أح ُّ‬
‫ِ‬
‫أقوى على األذان َ‬ ‫وقال سعدٌ ﭬ‪َ « :‬ألَ ْن َ‬
‫وابن مسعود ﭫ معنى ذلك(‪ .)3‬وقال الن َاخ ِع ُّي‪« :‬كانوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العاص‬ ‫عمرو ِ‬
‫بن‬ ‫وعن ِ‬
‫يكون ُمؤذنوهم فقها َءهم»(‪.)4‬‬ ‫َ‬ ‫َحبون أن‬ ‫يست ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ َْ ُ َ َ‬
‫ار)‪.‬‬‫ال‪ ،‬األحر ِ‬ ‫َض‪ ،‬ىلع الرج ِ‬ ‫ض َك ِفاية‪ ،‬يف احل ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وهما‪ :‬فر‬
‫َ‬ ‫َُ َْ ُ‬
‫فرض كفاية ياب أن ُيقاما يف البلد؛‬ ‫(وهما‪ :‬فرض ك ِفاية)‪ :‬األذان واإلقامة‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َال ُة َف ْليُ َؤذ ْن َل ُك ْم َأ َحدُ ُك ْم‪،‬‬‫الح َويرث ﭬ‪َ « :‬فإِ َذا َحضـرت ا‬ ‫بن ُ‬ ‫لمالك ِ‬ ‫لقوله ﷺ‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫َ‬ ‫واألمر يقتضـي‬
‫ُ‬ ‫َو ْل َي ُؤ ام ُك ْم َأ ْك َب ُر ُك ْم»(‪،)5‬‬
‫رسول اهلل ﷺ وخلفائه الراشدين عليهما‪ ،‬ويف الصحيحين‪« :‬أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولمداومة‬
‫رية يستمع‪َ ،‬فإِ ْن َس ِم َع َأ َذانًا َأ ْم َس َك‪َ ،‬وإِ اال َأ َغ َار»(‪،)6‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ كان إذا أراد غزو ق ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واإلقامة‪ ،‬ووجوب إقامتهما يف البلد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األذان‬ ‫ِ‬
‫فرضـية‬ ‫نص العلما ُء على‬ ‫ولذا ا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ياب الندا ُء يف‬ ‫ُ‬ ‫مالك‪« :‬إنما‬ ‫َض)‪ :‬أي يف ال ُقرى والمدن‪ ،‬وقد قال اإلما ُم ٌ‬ ‫(يف احل ِ‬
‫مساجد الاماعة»‪ ،‬أي يف حال الحضـر‪ ،‬ومفهو ُم كالمه أنه يف السفر ُيستحب وال‬ ‫ِ‬
‫ياب‪ ،‬وهذا المذهب أنه يف الحضـر‪ ،‬وأما يف السفر فمستحب غير واجب‪.‬‬
‫الرجال‪ ،‬فلو تركوه لم تأ َث ِم النسا ُء؛ ا‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ‬
‫ألن النسا َء‬ ‫فالمأمور به هم‬
‫ُ‬ ‫ال)‪:‬‬‫(ىلع الرج ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف السنن (‪ ،)621/1‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)466/1‬وابن أبي شـيبة يف المصنف‬
‫(‪.)204 -203/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)203/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)204/1‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)224/5‬االستذكار (‪.)316/1‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)626‬ومسلم (‪ )614‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)2243‬ومسلم (‪ )362‬من حديث أنس بن مالك ﭬ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪242‬‬

‫أذان وال إقامة؛ كما قال ابن عمر وابن عباس ﭭ‪َ « :‬ليس َع َلى النس ِ‬
‫اء‬ ‫ليس عليهن ٌ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ان َو َال إِ َقا َم ٌة»(‪.)1‬‬
‫َأ َذ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ار)‪ :‬فاألر اقا َء ليسوا مخاطبين باألذان واإلقامة؛ الشتغالهم بخدمة‬ ‫(األحر ِ‬
‫ُم االكهم‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َُ ه‬
‫فع صوت)‪.‬‬ ‫ان‪ :‬للنساءِ‪ ،‬ولو بِال ر ِ‬
‫ان‪ :‬ل ِلمنف ِردِ‪ ،‬ويف السف ِر‪ .‬ويكره ِ‬
‫قوهل‪( :‬ويسن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َُ ه‬
‫مكان وحدَ ه ال‬ ‫ان‪ :‬ل ِلمنف ِر ِد)‪ :‬فالمنفرد إذا أرا َد إقام َة الصالة وهو يف‬
‫(ويسن ِ‬
‫ُ‬
‫األذان واإلقام ُة‪،‬‬ ‫ُيوجد معه أحدٌ ‪ ،‬كما لو كان يف البحر‪ ،‬أو يف مزرعته؛ فإنه يسن لـه‬
‫ِ‬
‫يابان عليه‪.‬‬ ‫وال‬
‫س َشظِ اي ُة‬‫اعي َغن َُم فِي َر ْأ ِ‬ ‫ومن األدلة على ذلك‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬يعاب رب ُكم مِن ر ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ ُّ ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصال َِة َو ُي َصلي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫يم‬‫اهلل ‪ :‬ا ْن ُظ ُروا إِ َلى َع ْبدي َه َذا ُي َؤذ ُن َو ُيق ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫بِ َا َب ُل ُي َؤذ ُن بِ ا‬
‫ت ل ِ َعبْ ِدي َو َأ ْد َخ ْل ُت ُه الـ َْانا َة»(‪.)2‬‬
‫اف مِني‪َ ،‬ف َقدْ َغ َف ْر ُ‬ ‫الصالَ َة َي َخ ُ‬
‫ا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫النبي ﷺ لم َيدَ ِع‬ ‫أن‬ ‫كثيرة‬ ‫َ‬
‫أحاديث‬ ‫ويف‬ ‫‪،‬‬ ‫مشـروع‬
‫ٌ‬ ‫للمسافر‬ ‫ُ‬
‫األذان‬ ‫‪:‬‬ ‫)‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫الس‬ ‫(ويف‬
‫ا‬
‫أكثر أهل العلم‪.‬‬ ‫قول ِ‬ ‫سفرا‪ ،‬وهو ُ‬ ‫حضـرا وال ً‬ ‫ً‬ ‫األذان وال اإلقام َة‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ْ « :‬ار ِج ُعوا‬ ‫ُ‬ ‫الحويرث ﭬ قال‪ :‬قال‬ ‫مالك ِ‬‫ِ‬
‫بن ُ‬ ‫ويف الصحيحين عن‬
‫ِ‬ ‫يموا فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم‪َ ،‬فإِ َذا َحضـرت ا‬
‫الصالَ ُة َف ْل ُي َؤذ ْن َل ُك ْم‬ ‫وه ْم َو ُم ُر ُ‬‫يه ْم َو َعل ُم ُ‬ ‫إِ َلى َأ ْهلي ُك ْم َف َأق ُ‬
‫ُ‬
‫حافظ عليه يف السفر‬ ‫َأ َحدُ ُك ْم ُث ام ْل َي ُؤ ام ُك ْم َأ ْك َب ُر ُك ْم»(‪ .)3‬ورسول اهلل ﷺ كان ُي‬
‫كمحافظته عليه يف الحضـر‪.‬‬
‫إثم عليه‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬
‫والمذهب‪ :‬استحباهبما يف حق المسافر لكل ِالة‪ ،‬ولو تركه فال َ‬

‫(‪ )1‬أما أثر ابن عباس ﭭ‪ :‬فرواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ .)5024‬وأما أثر ابن عمر ﭭ‪ :‬فرواه عبدالرزاق‬
‫يف المصنف (‪ .)5022‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)421/3‬وابن حار يف التلخيص الحبير‬
‫(‪.)521/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1203‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)20/2‬ويف الكربى (‪ ،)1630‬وأحمد (‪ )11443‬من‬
‫حديث عقبة بن عامر ﭬ‪ِ .‬ححه األلباين يف اإلرواء (‪.)214‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)241‬‬

‫‪242‬‬
‫‪243‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫وإسحاق‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قول أبي حنيفةَ‪ ،‬والشافعي‪،‬‬ ‫ُ‬


‫واجب على الاماعة يف السفر والحضـر‪.‬‬ ‫ثان‪ :‬أنه‬ ‫قول ُ‬ ‫وفيه ٌ‬
‫ٌ‬
‫والسعدي‪ ،‬واب ُن‬ ‫ُّ‬ ‫إبراهيم‪،‬‬
‫َ‬ ‫الشـيخ محمدُ ب ُن‬ ‫ُ‬ ‫ورجحه‬ ‫ا‬ ‫واختاره ابن المنذر‪،‬‬
‫عثيمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫أذان النساء وال‬ ‫فع َصوت)‪ :‬ليس من السنة ُ‬ ‫َ‬
‫ان‪ :‬للنساءِ‪ ،‬ولو بِال ر ِ‬ ‫(ويكره ِ‬
‫إقامتهن؛ ألنه من وظائف الرجال‪ ،‬وقد ِح َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر َأ ان ُه قال‪َ « :‬ل ْي َس َع َلى‬
‫ان َو َال إِ َقا َم ٌة»(‪ ،)1‬ولم يكن نسا ُء الصحابة ُيؤذ ان‪.‬‬ ‫النس ِ‬
‫اء َأ َذ ٌ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وبه قال‪ :‬اب ُن عمر وابن عباس ﭭ‪ ،‬ومذهب أبي حنيفةَ‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمدَ ‪.‬‬
‫ِوت؛‬ ‫ُ‬ ‫فالمذهب أنه ُيكره لها ذلك ولو بال رف ِع‬ ‫نت المرأ ُة وأقامت‪،‬‬ ‫ولو أ اذ ِ‬
‫ُ‬
‫ولسن من أه ِل ذلك‪ ،‬ولم َي ْا ِر عليه‬ ‫َ‬ ‫رفع الصوت‪،‬‬ ‫ألهنما وظيف ُة الرجال‪ُ ،‬يشـرع فيه ُ‬
‫عمل الصحابة فلم ت ُك ِن النسا ُء تؤذ ُن يف عهدهم‪ ،‬حتى ولو كانت المرأة ستصلي‬ ‫ُ‬
‫جماعة نساء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وحدَ ها أو يف‬
‫ه‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ُْ‬ ‫قوهل‪( :‬وال يَ ِص هحان‪ :‬إال ُم َرتهبَي‪َ .‬م ُت َو ِ َ‬ ‫ه‬
‫حد بِنِية‬ ‫ي عرفا‪ .‬وأن يكونا مِن َوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ايل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زيا‪ ،‬ناط ًِقا‪َ ،‬ع ْد ًال‪ ،‬ولَو ظاهِرا‪ً.‬‬ ‫ورش َط‪َ :‬كونُ ُه ُمسلما‪َ ،‬ذ َك ًرا‪ ،‬اعق ًِال‪ُ ،‬م َم ِّ ً‬
‫ِ‬
‫ُ ُ‬
‫مِنه‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يل)‪.‬‬ ‫الل‬ ‫ِصف‬ ‫ن‬
‫ُّ َ‬
‫عد‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ْ‬
‫الف‬
‫َ‬
‫ان‬ ‫أذ‬ ‫‪:‬‬ ‫إال‬ ‫‪،‬‬ ‫قت‬ ‫وال يَص هحان‪ :‬قبل َ‬
‫الو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ه‬
‫شـروأ ِحة األذان واإلقامة التي َي َلزم مراعا ُتها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ان)‪ :‬ذكر‬ ‫(وال ي ِصح ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ه َُهَ‬
‫بالل وأبي‬ ‫حديث‬ ‫الرتتيب بين ُج َمله على ما جاء يف‬ ‫ُ‬ ‫ي)‪ :‬فيشرتأ‬ ‫(إال مرتب ِ‬
‫محذور َة ﭭ(‪ ،)2‬فلو َقدا م بعض جملة على بعض كالتشهدَ على التكبير‪ ،‬أو (حي‬
‫يص اح؛ ألنه عباد ٌة شـرعت على وِف معين فال‬ ‫على الصالة) على الشهادتين لم ِ‬
‫ِ‬
‫س َع َل ْيه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َعم َل َع َم ًال َل ْي َ‬ ‫ُ‬ ‫تصح إال هبا‪ ،‬وقد قال‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)242‬‬


‫(‪ )2‬سـيأيت تخرياهما‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪244‬‬

‫عليه](‪.)1‬‬
‫ُ ً‬ ‫ََُ َ‬
‫ي ع ْرفا)‪ :‬فيشرتأ المواال ُة بين ُج َم ِل األذان واإلقامة؛ ألن هذا هو‬
‫(متو ِايل ِ‬
‫ُ‬
‫األذان واإلقام ُة إال متواليًا بين‬ ‫ِ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬
‫األذان الشـرعي‪ ،‬فلم ينقل عن مؤذين‬
‫جمله‪.‬‬
‫الرتتيب والمواال ُة‬ ‫ُ‬
‫شرتأ فيها‬ ‫ُ‬
‫أجزاء ُي‬ ‫ُ‬
‫مركبة من‬ ‫ُ‬
‫عبادة‬ ‫والقاعد ُة يف هذا‪ :‬أن كل‬
‫ُ‬
‫القصـير‬ ‫ُ‬
‫الفاِل‬ ‫ِ‬
‫بوجود الفاِ ِل الطويل ُعر ًفا‪ ،‬وأما‬ ‫ُّ‬
‫وتختل المواال ُة‬ ‫إال لدليل‪،‬‬
‫ُ‬
‫كطلب أو ِ‬
‫تنبيه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لحاجة؛‬ ‫بأس به‪ ،‬ال سـيما إذا كان قط ُعه‬
‫الذي ال ُيخل بتواليها فال َ‬
‫طويال ُعر ًفا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الفاِل‬ ‫وإن كان‬‫بأس‪ْ ،‬‬ ‫قليال ال يخل بتواليه فال َ‬ ‫ُ‬
‫الفاِل ً‬ ‫محتاج‪ ،‬وكان‬‫ُ‬
‫فإنه َي َلز ُمه إعاد ُته‪.‬‬
‫ِـرد ﭬ تكلم يف‬ ‫ُ‬ ‫البخاري يف باب الكالم يف األذان أن ُس َل ْي َم َ‬
‫ان ْب َن‬ ‫وذكر‬
‫ُ‬
‫أذانه(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫بالحاجة يف‬ ‫ِ‬
‫العسكر‪ ،‬فيأمر غال َم ُه‬ ‫ووِله البخاري يف تاريخه‪« :‬أنه كان يؤذ ُن يف‬
‫أذانه»(‪.)3‬‬
‫بأس أن يضحك وهو يؤذ ُن أو ُي ُ‬
‫قيم»(‪.)4‬‬ ‫وقال الحس ُن‪« :‬ال َ‬
‫والحسن وقتادة‪ ،‬وبه قال‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وعطاء‬ ‫الاواز مطل ًقا ع ْن ُعرو َة‬ ‫المن ِ‬
‫ْذر‬
‫َ‬ ‫وحكى اب ُن ُ‬
‫ُ‬
‫مالك‬ ‫الف األولى‪ ،‬وعليه َيدُ ُّل كال ُم‬ ‫أحمد‪ ،‬وعن أبي حنيفة وِاحبيه أنه ِخ ُ‬
‫والشافعي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫شخص واحد‪ ،‬فلو أ اذن‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األذان‬ ‫با َمل‬ ‫حد)‪ :‬فيشرتأ أن يأيتَ ُ‬ ‫(وأن يكونا مِن َوا ِ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬


‫(‪ِ )2‬حيح البخاري ‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب الكالم يف األذان‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)22/1‬والبخاري يف التاريخ الكبير (‪ .)122/1‬وِحح إسناده ابن حار يف‬
‫الفتح (‪.)26/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري معلقًا يف ِحيحه‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب الكالم يف األذان‪ ،‬وابن أبي شـيبة يف المصنف‬
‫(‪ .)122/1‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪.)222/5‬‬

‫‪244‬‬
‫‪245‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫زمن الرسول ﷺ‪،‬‬ ‫العمل يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫اآلخ ُر لم يصح؛ ألنه لم ِ‬


‫يار عليه‬ ‫وكمل َ‬ ‫شخص ا‬ ‫ٌ‬ ‫نص َفه‬
‫وقد قال‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َليْ َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق عليه]‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫با َمله وألفاظِه؛ ألنه عبادةٌ‪،‬‬ ‫األذان عند إتيانه ُ‬ ‫َ‬ ‫(بِنِية مِنه)‪ :‬أي ُيشرتأ أن ينوي‬
‫ات‪َ ،‬وإِن َاما ل ِ ُكل ا ْم ِر ُ َما‬
‫نية؛ لقوله ﷺ‪« :‬إناما األَ ْعم ُال بِالني ِ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فالبدا لصحته مِن ُ‬
‫ُ‬
‫ن ََوى»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫الهواء‬ ‫األذان بالمسال؛ ألنه ال ني َة له‪ ،‬وأما الذي على‬ ‫ُ‬ ‫وعلى هذا‪ :‬فال ياز‬
‫الوقت‪ ،‬فقد قيل‪ :‬بصحته‪ ،‬لكنه خالف السنة؛ ألن السنة أن يؤذن‬ ‫َ‬ ‫وافق‬
‫ُمباشـر ًة إذا َ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان بنفسه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كافر؛‬ ‫ِ‬
‫بأذان ُ‬ ‫ورش َط‪ :‬كون ُه ُمسلِما)‪ :‬ألنه هو الذي ُت ُ‬
‫قبل منه العباد ُة‪ ،‬فال ُيعتَدُّ‬ ‫( ِ‬
‫ألنه من ِ‬
‫غير أهل العبادات‪ ،‬وال تصح منه؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [التوبة‪.]54:‬‬
‫َ َ‬
‫األذان من ُ‬
‫ذكر؛‬ ‫ُ‬ ‫عن ِ‬
‫البلد أن َيصدُ ر‬ ‫ِ‬
‫الكفاية ِ‬ ‫ِ‬
‫فرض‬ ‫ِ‬
‫لسقوأ‬ ‫(ذك ًرا)‪ :‬أي و ُيشرتأ‬
‫يؤذن غيرها لم يس ُق ِ‬
‫الفرض عن أه ِل البلد؛ ألن َ‬
‫رفع‬ ‫ُ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫فالمرأ ُة إذا أ اذنت يف بلد ولم‬
‫الصوت به ركن‪ ،‬والمرأ ُة ليست من أه ِل ذلك كما ذكره اب ُن قدامة رحمه اهلل‪ ،‬وألهنا‬
‫ليست من أهل الوجوب‪.‬‬
‫ُ‬
‫مانون‪ ،‬وأن‬ ‫(اعق ًِال‪ُ ،‬م َم ِّ ً‬
‫زيا)‪ :‬أي و ُيشرتأ لصحته أن يصدُ ر من عاق ُل ِ‬
‫غير‬
‫ُ‬
‫فالمانون ال يصح أذا ُنه؛ ألنه ال‬ ‫يكون مميز ًا وهو َمن ُع ُمره ُ‬
‫سبع سنوات فأكثر‪،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫غير المميز؛ ألنه ليس من أهل العبادة‪ ،‬وقد قال‬ ‫َقصدَ لـه‪ ،‬وكذا ُ‬
‫الصبِي َحتاى َي ْحتَلِ َم‪َ ،‬و َع ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫« ُرف َع ا ْل َق َل ُم َع ْن َث َال َثة‪َ :‬ع ِن الناائ ِم َحتاى َي ْس َت ْيق َظ‪َ ،‬و َع ِن ا‬
‫ون َحتاى َي ْع ِق َل»(‪.)2‬‬‫المانُ ِ‬
‫َ ْ‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)21‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)326‬والنسائي (‪ ،)156/6‬وابن ماجه (‪ ،)2041‬وأحمد (‪ )24624‬من حديث عائشة‬
‫=‬

‫‪245‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪246‬‬

‫ُ‬
‫سقوأ‬ ‫فالمذهب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫المميز‪،‬‬
‫ُ‬ ‫سبع سنين‪ ،‬فلو أ اذن‬ ‫والمميز على المذهب‪َ :‬من ب َلغ َ‬ ‫ُ‬
‫أن إمامتَه للكبار ِ‬
‫تص ُّح‪ ،‬فهذا مث ُله‪.‬‬ ‫الواجب فيه‪ ،‬كما ا‬
‫ً‬
‫يصح من‬ ‫ُّ‬ ‫الناطق‪ ،‬فال‬
‫ُ‬ ‫األذان الشـرعي ال ُيمك ُن أن يأيت به إال‬ ‫َ‬ ‫(ناطِقا)‪ :‬ا‬
‫ألن‬
‫ألفاظ األذان وإنما‬ ‫ُ‬ ‫فاألبك ُم الذي يؤذن عن طريق اإلشارة أو ال َتبِي ُن منه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫غيره‪،‬‬
‫أيضا أدا َء ُج َملِ ِه‪،‬‬
‫يستطيع ً‬
‫ُ‬ ‫النطق باألذان‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫قدر على‬ ‫يتَمتِم ال يصح أذا ُنه؛ ألنه ال ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫داخل يف قوله تعالى‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫بأبكم مثلِه فهو‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يؤذن‬ ‫األبكم وحدَ ه أو‬
‫ُ‬ ‫لكن إذا كان هذا‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬
‫َ ًْ َ‬
‫(عدال‪ ،‬ولو ظاه ًِرا)‪ :‬وهي أال يظهر عليه ما يفسق ويارح به يف دينه ف ُيشرتأ‬
‫المؤذن َعدْ ًال‪ ،‬فال يعتد بأذان ظاهر الفسق‬ ‫ِ‬ ‫األذان على المذهب ُ‬
‫كون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فرض‬ ‫ِ‬
‫لسقوأ‬
‫والفاسق‬
‫ُ‬ ‫وِف المؤذنين باألمانة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الرسول ﷺ‬ ‫َ‬ ‫وال يسقط الوجوب بأذانه؛ ألن‬
‫اإل َما ُم َضامِ ٌن‪َ ،‬وال ُم َؤذ ُن ُم ْؤ َت َم ٌن‪ ،‬ال ال ُه ام َأ ْر ِش ِد األَئِ امةَ‪َ ،‬وا ْغ ِف ْر‬ ‫غير أمين؛ لقوله ﷺ‪ِ « :‬‬
‫ُ‬
‫ل ِ ْل ُم َؤذنِي َن» ‪ ،‬وأما مستور الحال فيصح أذانه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫أذان الفاسق ُياز‬ ‫ثان‪ :‬وهو رواية أخرى عن اإلمام أحمد‪ :‬أن َ‬ ‫قول ُ‬ ‫وفيه ٌ‬
‫وأفضل وأحق‬ ‫ُ‬ ‫العدل أولى‬ ‫َ‬ ‫أرجح مع االتفاق أن‬ ‫ُ‬ ‫ويسقط به الوجوب‪ ،‬وهذا‬
‫أذان الفاسق‪ ،‬وغاي ُة ما فيها ا‬ ‫إبطال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أن هذا هو‬ ‫ِـريحة يف‬ ‫باألذان؛ ألن أدل َة ُ‬
‫غير‬
‫ُ‬
‫األكمل واألفضل‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ُّ َ َ‬ ‫ه‬ ‫بل َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ه‬
‫يل)‪.‬‬‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ِصف‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫الف‬ ‫ان‬ ‫أذ‬ ‫‪:‬‬ ‫إال‬ ‫‪،‬‬ ‫قت‬‫ِ‬ ‫الو‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫ح‬‫قوهل‪( :‬وال ي ِص‬
‫ِحة األذان كو ُنه يف وقتِ‬ ‫ِ‬ ‫قت)‪ :‬أي ومن شـروأِ‬ ‫بل الوَ‬‫َ َ‬ ‫َ ه‬
‫ِ‬ ‫ان‪ :‬ق‬ ‫(وال ي ِصح ِ‬

‫=‬
‫ڤ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬سألت محمد ًا عن هذا الحديث؟ فقال‪ :‬أرجو أن يكون محفوظًا»‪ ،‬والحديث ا‬
‫ِححه‬
‫جمع من أهل العلم‪ :‬كابن خزيمة‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والذهبي‪ ،‬وابن دقيق العيد‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء‬
‫ٌ‬
‫(‪.)4/2‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)201‬وأبو داود (‪ ،)511‬وأحمد (‪ )6202‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وِححه ابن‬
‫حبان‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)211‬‬

‫‪246‬‬
‫‪247‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫الصالة‪ ،‬وال ُيعلم‬ ‫ِ‬ ‫دخول ِ‬


‫وقت‬ ‫ِ‬ ‫يصح وال ياز ُ قبل‬ ‫ُ‬ ‫الم َؤ اذن لها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فاألذان ال ُّ‬ ‫الصالة ُ‬
‫إعالم بدخول‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫األذان‬ ‫قبل دخول الوقت فعليه اإلعاد ُة؛ ألن‬ ‫خالف‪ ،‬فلو أ اذن َ‬ ‫ٌ‬ ‫فيه‬
‫رسول اهلل ﷺ قال لمالك بن الحويرث ﭬ‪َ « :‬فإ ِ َذا‬ ‫َ‬ ‫الوقت‪ ،‬ويف الصحيحين أن‬
‫الصالَ ُة َف ْليُ َؤذ ْن َل ُك ْم َأ َحدُ ُك ْم‪َ ،‬و ْل َي ُؤ ام ُك ْم َأ ْك َب ُر ُك ْم»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َحضـرت َ ا‬
‫هْ‬ ‫ه َ ُ ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ‬
‫األذان قبل دخول الوقت ال يصح‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫(إِال أذان الفج ِر‪ ،‬في ِصح بعد ن ِص ِف اللي ِل)‪:‬‬
‫ِ‬
‫إعادة‬ ‫األول على الوقت‪ ،‬لكن بشـرأ‬ ‫ِ‬
‫تقديم األذان ا‬ ‫ُ‬ ‫إال يف ِالة الفار ُيشـرع‬
‫دخول الوقت‪ ،‬فيكون للفار أذانان‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫األذان بعد‬
‫األول‪ :‬قبل دخول وقت الصالة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ ان بِال ًَال‬ ‫َ‬ ‫دخول وقتها‪ ،‬ويف الصحيحين أن‬ ‫ِ‬ ‫والثاين‪ :‬بعدَ‬
‫َاد َي ا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم»(‪.)2‬‬ ‫ي َؤذ ُن بِ َليلُ‪َ ،‬ف ُك ُلوا واشـربوا حتاى ين ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫جمهور العلماء‪،‬‬ ‫ذهب‬ ‫الفار َ‬ ‫ِ‬ ‫األول لصالة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمشـروعية األذان‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫وإلى‬
‫ُ‬
‫عمل‬ ‫وإسحاق‪ ،‬و ُفقها ُء الحديث‪ ،‬وعليه ُ‬ ‫ُ‬ ‫والشافعي‪ ،‬وأحمدُ ‪،‬‬ ‫مالك‪،‬‬‫ومنهم‪ :‬اإلما ُم ٌ‬
‫ُّ‬
‫الصبح‬
‫ُ‬ ‫أهل الحرمين َين ُقلونه َخ َل ًفا عن َس َلف‪ ،‬حتى قال مال ٌك يف الموطأ‪« :‬لم تزل‬
‫عل أهل الحرمين‪ ،‬وأنه من األمور‬ ‫قبل الفار»(‪ ،)3‬وذكر الشافعي أنه فِ ُ‬ ‫ُينا َدى لها َ‬
‫أهل الحااز يقولون‪ :‬هو‬ ‫نكر(‪ ،)4‬وقال أحمدُ ‪ُ « :‬‬ ‫ِ‬
‫الظاهرة عندهم‪ ،‬ولم ُينكره ُم ٌ‬
‫والدليل على مشـروعيته‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫السن ُة»‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ ان بِال ًَال‬
‫َ‬ ‫وابن عمر ﭫ أن‬ ‫ما يف الصحيحين عن عائش َة ِ‬
‫َاد َي ا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم»(‪.)5‬‬ ‫ي َؤذ ُن بِ َليلُ‪َ ،‬ف ُك ُلوا واشـربوا حتاى ين ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)241‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)611‬ومسلم (‪ )1022‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬موطأ اإلمام مالك (‪.)161( ،)15/1‬‬
‫(‪ )4‬األم ‪ -‬كتاب الصالة‪ /‬باب وقت األذان للصبح (‪.)102/1‬‬
‫(‪ )5‬حديث ابن عمر ﭭ سبق تخرياه يف حاشية (‪ ،)2‬وحديث عائشة ڤ رواه البخاري (‪ ،)622‬ومسلم‬
‫(‪.)1022‬‬

‫‪241‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪248‬‬

‫مسعود ﭬ قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ال َي ْمنَ َع ان‬ ‫ُ‬ ‫ويف الصحيحين عن ِ‬
‫ابن‬
‫ور ِه؛ َفإ ِ ان ُه ُي َؤذ ُن ل ِ َي ْر ِج َع َقائِم ُك ْم‪َ ،‬و ُينَب َه نَائِ َم ُك ْم»(‪.)1‬‬
‫ان بِال َُل مِ ْن َس ُح ِ‬
‫َأ َحدَ ُك ْم َأ َذ ُ‬
‫وقت العشاء‬
‫مسألة‪ :‬ويبدأ وقت األذان األول‪ ،‬بعد نصف الليل؛ ألنه قد خرج ُ‬
‫المختار فيصح من هذا الوقت‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من ابتداء وقت الفار الكاذب‪ ،‬وإلى هذا مال اإلما ُم أحمد يف رواية‬
‫واألمر يف ذلك يسـير؛ ألنه ال ُيوجد نص ِـريح يف المسألة‪،‬‬‫ُ‬ ‫وقواه اب ُن رجب‪،‬‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫يرتتب على األذان الثاين‪ ،‬فال‬
‫ُ‬ ‫أحكام كما‬
‫ٌ‬ ‫وألنه ال َيرت ات ُ‬
‫ب على تقد ِم األذان األول‬
‫ُ‬
‫إيقاظ‬ ‫ا‬
‫وألن المقصو َد منه‪:‬‬ ‫ُ‬
‫إمسال الصائم‪،‬‬ ‫وقت ِالة الفار‪ ،‬وال ياب‬ ‫يدخل به ُ‬
‫الص اوام‪ ،‬والمبادر ُة للسحور‪ ،‬والسن ُة أال يكون بينهما مد ٌة طويلة كما‬ ‫َف ُّ‬ ‫الن اُّوام‪ ،‬وك ُّ‬
‫المنقول عن بالل ﭬ؛ ففي ِحيح مسلم عن ابن عمر ﭭ قال‪ :‬كان لرسول‬ ‫ُ‬ ‫هو‬
‫بالل واب ُن أم َم ْك ُتو ُم ْاألَ ْع َمى‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ ان بِ َال ًال ُي َؤذ ُن‬
‫َان ٌ‬‫اهلل ﷺ م َؤذن ِ‬
‫ُ‬
‫بِ َل ْيلُ‪َ ،‬ف ُك ُلوا َواشـر ُبوا َحتاى ُي َؤذ َن ا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم»‪ ،‬قال‪ :‬ولم يكن بينهما إال أن َي ِنز َل‬
‫هذا و َي ْر َقى هذا(‪.)2‬‬
‫وليس المرا ُد نزو َله بعد أذانه مباشـرة‪ ،‬وإنما معناه أن بالال كان يؤذن قبل‬
‫ابن أم‬
‫قارب طلوعه نزل فأخرب َ‬ ‫ب الفار‪ ،‬فإذا َ‬‫ص بعد أذانه َي ْر ُق ُ‬ ‫الفار‪ ،‬ويرت اب ُ‬
‫مكتوم‪ ،‬فيتأهب اب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم بالطهارة وغيرها‪ ،‬ثم َير َقى و َي ُ‬
‫شـرع يف األذان مع أول‬
‫طلو ِع الفار‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)3‬‬
‫األذان الثاين‪ ،‬بل ال ُبدا مِ َن األذان الثاين عند‬
‫ِ‬ ‫األول ِ‬
‫عن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األذان‬ ‫فائدةٌ‪ :‬ال َيكفي‬
‫َ‬
‫األذان‬ ‫فرع‪ ،‬بل لو ا‬
‫أن أحدً ا َترل‬ ‫ِ‬ ‫دخول وق ِ‬
‫ِ‬
‫الفار؛ ألنه هو األِل‪ ،‬واألول ٌ‬ ‫ت ِالة‬
‫ُ‬
‫األذان‬ ‫ِ‬
‫أذانان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫نكر عليه إال أنه ترل سنةً‪ ،‬وقد كان يف ِ‬
‫زمن‬ ‫َ‬
‫األول لم ُي َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)621‬ومسلم (‪ )1023‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )1022‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬شـرح النووي على مسلم (‪.)203/ 1‬‬

‫‪246‬‬
‫‪249‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫واألذان الثاين ويقو ُم عليه اب ُن أم مكتوم ﭬ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بالل ﭬ‪،‬‬ ‫األول ويقوم عليه ٌ‬ ‫ُ‬
‫ؤذن ِ َ‬ ‫َ ُ ِّ‬ ‫الصوت‪ُ :‬ر ٌ‬ ‫َ ُ ه‬
‫اَض)‪.‬‬
‫حل ِ‬ ‫كن‪ ،‬ما لم ي‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ورفع‬
‫َ‬
‫األذان‬ ‫األذان إال به‪ ،‬فلو أ اذن لم يصح؛ ألن‬ ‫ُ‬ ‫يصح‬
‫كن‪ ،‬ال ُّ‬ ‫رفع الصوت باألذان ُر ٌ‬ ‫ُ‬
‫عبادةٌ‪ ،‬وقد قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪ ،)1‬واألذان‬
‫األذان‪ ،‬ورف ِع الصوت به‪ ،‬ما لم‬ ‫ِ‬ ‫بسماع‬ ‫ُ‬
‫يكون إال َ‬ ‫إعالم بدخول الوقت‪ ،‬وهذا ال‬ ‫َ‬
‫األذان لحاضـر فليس بركن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ي ُك ِن‬
‫مقدار الواجب مِ ْن رف ِع الصوت باألذان‪ ،‬ال يخلو من حالتين‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫مسألة‪ :‬و‬
‫اإلتيان باألذان المشـروع يف حقهم إال برف ِع‬ ‫ُ‬ ‫يحصل‬ ‫يؤذن للناس‪ :‬فال ُ‬ ‫األولى‪ :‬أن َ‬
‫كربات‬
‫ُ‬ ‫يرفع ِو َته ُجهدَ ه‪ ،‬و ُم‬ ‫وكمال السنة أن َ‬ ‫ُ‬ ‫قدر طاقتِه‪،‬‬
‫بعضهم َ‬
‫الصوت لي ِ‬
‫سم َع َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصوت تؤدي الغرض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫الصوت؛‬ ‫رفع‬
‫واألفضل يف حقه ُ‬ ‫يؤذن لنفسه‪ :‬ف ُياز ُئه أن ُيسم َع َ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن‬
‫روى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لي ِ‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وقد َ‬ ‫واإلنس؛ لتشهدَ لـه َ‬ ‫الشار والان‬ ‫سم َع من حوله من‬ ‫ُ‬
‫بن ِعصع َة‪« :‬إِني َأر َ ِ‬ ‫سعيد ﭬ أنه قال لعبداهلل ِ‬ ‫ُ‬
‫ب ال َغن ََم‬ ‫ال ُتح ُّ‬ ‫َ‬ ‫البخاري عن أبي‬‫ُّ‬
‫الصال َِة َف ْار َف ْع َِ ْو َت َك بِالندَ ِاء‪َ ،‬فإِ ان ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َباد َيةَ‪َ ،‬فإِ َذا ُكن َْت في َغنَم َك‪َ ،‬أ ْو َباد َيت َك‪َ ،‬ف َأ اذن َْت بِ ا‬
‫الق َيا َم ِة»‪ ،‬قال‬ ‫ال شـيء‪ ،‬إِ اال َش ِهدَ َله يوم ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ال إِن ٌْس َو َ‬ ‫الم َؤذ ِن ِج ٌّن َو َ‬ ‫ِ‬
‫ال َي ْس َم ُع َمدَ ى َِ ْوت ُ‬ ‫َ‬
‫أبو سعيد‪ :‬سمعته من رسول اهلل ﷺ(‪.)2‬‬
‫وأعظم‬ ‫أبلغ يف إعالمه‪،‬‬ ‫َ‬
‫ليكون َ‬ ‫ِ‬
‫الصوت باألذان؛‬ ‫رفع‬
‫َ‬ ‫ستحب ُ‬‫ُّ‬ ‫قال اب ُن قدامة‪« :‬و ُي‬
‫لثوابه كما ُذكر يف خرب أبي سعيد‪ ،‬وال ُياهد َ‬
‫نفسه يف رفع ِوته زياد ًة على طاقته؛‬
‫لئال يضـر بنفسه وينقط َع ِو ُته»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)232‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة (‪.)301/1‬‬

‫‪242‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪250‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ َ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ ه َ ُ ُ َ ِّ ً َ ً‬
‫ِيهما)‪.‬‬ ‫قت‪ ،‬متطهرا‪ ،‬قائ ِما ف ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وسن كونه‪ :‬صيتا‪ ،‬أمِينا‪ ،‬اعل ِما بالو ِ‬
‫أكثر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توفرها يف المؤذن؛ فما كان منها يف المؤذن َ‬ ‫ستحب ُ‬ ‫ُّ‬ ‫شـرع يف األمور التي ُي‬
‫ِحيحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫األذان مع فِقدانِها‬
‫ُ‬ ‫وأكم َل‪ ،‬وإن كان‬ ‫َ‬ ‫كان أولى‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وحسنُه‪ ،‬كما قال‬ ‫ِ‬
‫يدخ ُل فيه قو ُة ِوت المؤذن‪ُ ،‬‬ ‫وس هن كون ُه‪َ :‬صيتا)‪ :‬وهذا ُ‬ ‫ُ‬
‫(‬
‫بن زيد ﭫ لما ر َأى األذان‪َ « :‬ف ُق ْم َم َع بِ َال ُل َف َأ ْل ِق َع َل ْي ِه َما‬ ‫لعبداهلل ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ليكون‬ ‫مطلوب‪ :‬قو ُة الصوت‬ ‫ٌ‬ ‫َر َأ ْي َت‪َ ،‬ف ْل ُي َؤذ ْن بِ ِه‪َ ،‬فإِ ان ُه َأنْدَ ى َِ ْو ًتا مِن َْك»‪ ،‬وكالهما‬
‫األذان ُحسنًا وطالوة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أعظم يف التأثير‪ ،‬وألنه يزيدُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ليكون‬ ‫أقوى يف التبليغ‪ ،‬وحسنُه‬
‫روى أبو‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقد َ‬ ‫ِ‬ ‫المستمر لمؤذين‬ ‫الهدي‬
‫ُ‬ ‫فع الصوت باألذان هو‬ ‫ور ُ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫زيد ﭬ‪َ « :‬ف ُق ْم َم َع بِ َال ُل َف َأ ْل ِق َع َل ْي ِه‬ ‫بن ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال ِ‬
‫لعبداهلل ِ‬ ‫َ‬ ‫والرتمذي أن‬
‫ُّ‬ ‫داود‬
‫َما َر َأ ْي َت‪َ ،‬ف ْل ُي َؤذ ْن بِ ِه‪َ ،‬فإِ ان ُه َأنْدَ ى َِ ْو ًتا مِن َْك»(‪.)1‬‬
‫قيل‪ :‬معناه أرفع ِو ًتا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أطيب؛ فيؤخذ منه استحباب كون المؤذن رفيع الصوت وحسنه‪ ،‬وهذا‬
‫متفق عليه(‪.)2‬‬ ‫ٌ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫يؤذن يف غير‬ ‫عبادة‪ ،‬وهي الصالة‪ ،‬فقد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أعظم‬ ‫مؤتمن على‬ ‫(أمِينا)‪ :‬ألن المؤذن‬
‫ٌ‬
‫رسول اهلل ﷺ إلى هذا فقال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الوقت ف َي ُغ ُّرهم‪ ،‬وقد ي اطلع على َع ْوراهتم‪ ،‬ولذا أشار‬
‫اإل َما ُم َضامِ ٌن‪َ ،‬وا ْل ُـم َؤذ ُن ُم ْؤ َت َم ٌن‪ ،‬ال ال ُه ام َأ ْر ِش ِد ْاألَئِ ام َة َوا ْغ ِف ْر ل ِ ْل ُم َؤذنِي َن»(‪ ،)3‬فهي أمانة‬
‫« ِْ‬
‫ااس َع َلى َِالت ِ ِه ْم» فهو‬
‫ون ُأ َمنَا ُء الن ِ‬ ‫ال يوالها غير أهلِها‪ ،‬وأما حديث‪« :‬الـ ُْم َؤذ ُن َ‬
‫مرسل(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)422‬والرتمذي (‪ ،)162‬وابن ماجه (‪ ،)106‬وأحمد (‪ )16416‬من حديث عبداهلل بن‬
‫زيد ﭬ‪ .‬وِححه الرتمذي‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وقال النووي يف الماموع (‪« :)16/2‬إسناده‬
‫ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )2‬شـرح النووي على مسلم (‪.)11/4‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)246‬‬
‫(‪ )4‬رواه البيهقي يف السنن الكربى (‪ )626/1‬من حديث أبي محذورة ﭬ‪ .‬ويف إسناده يحيى الحماين؛‬
‫=‬

‫‪250‬‬
‫‪251‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫ِ‬ ‫األذان؛ ألن األمانة ليست شـر ًطا‬


‫ُ‬
‫لصحة األذان‪.‬‬ ‫غير األمين لصح‬‫ولو أ اذن ُ‬
‫ُ‬
‫شـيخنا اب ُن عثيمين(‪.)1‬‬ ‫ورجحه‬ ‫ِ‬
‫وذهب بعض العلماء إلى وجوب كونه أمينًا‪ ،‬ا‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ليؤذن يف الوقت‪،‬‬ ‫بدخول أوقات الصلوات؛‬ ‫قت)‪ :‬فيسن كو ُنه عالمًا‬ ‫(اعل ِما بالو ِ‬
‫وال يغر الناس بأذانه‪.‬‬
‫الشارع؛ فالظهر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫دخول الوقت التي ج َعلها‬ ‫ِ‬
‫عالمات‬ ‫والمرا ُد بالعلم هنا‪ :‬معرف ُة‬
‫ُ‬
‫والفار‪ :‬يكون بطلوع الفار‬ ‫والمغرب‪ :‬يكون ب ُغروهبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وال الشمس‪،‬‬ ‫يكون َبز ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بصـيرورة ظل‬ ‫غيب الشفق األحمر‪ ،‬والعصـر‪ :‬يكون‬ ‫بم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصادق‪ ،‬والعشا ُء‪ :‬يكون َ‬
‫كل شـيء مث َله سوى ِ‬
‫يفء الزوال‪.‬‬
‫غيره ممن ُيو َث ُق به؛ كما كان‬ ‫ِ‬
‫وال َي َلزم معرف ُة دخول الوقت بنفسه‪ ،‬فله أن يقلدَ َ‬
‫اب ُن أم مكتوم ﭬ مؤذنًا لرسول اهلل ﷺ وهو أعمى‪ ،‬وكان هنال َمن ُيخربُه بدخول‬
‫أِبحت»‪.‬‬
‫َ‬ ‫يؤذن للصبح حتى ُيقال له‪« :‬أِ َب ْح َت‬ ‫ُ‬ ‫الوقت‪ ،‬فما كان‬
‫يتعذر وجود من ُيخربه‬ ‫يكون ممن َيعلم ذلك بنفسه؛ ألنه قد ا‬ ‫َ‬ ‫واألَولى أن‬
‫قال‬ ‫نادي حتى ُي َ‬ ‫بالوقت‪ ،‬وهذا ليس بواجب؛ فابن أم مكتوم كان رجال أعمى‪ ،‬ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫له‪« :‬أِ َب ْح َت أِ َب ْح َت»‪.‬‬
‫ُ‬
‫فيؤذن‬ ‫فيتحرى أتقنَها وأضب َطها‬ ‫ا‬ ‫التقاويم وقلدوها‬ ‫ِ‬ ‫الناس على‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫واآلن اعتمد‬
‫عليه‪ ،‬فإذا راعى ذلك فإنه ترب ُأ ذم ُته‪.‬‬
‫ُ َ َ ِّ‬
‫ُ‬
‫فاألذان على طهارة‬ ‫ِ‬
‫واألِغر‪،‬‬ ‫طهارة من الحدث األكربِ‬ ‫ُ‬ ‫(متطه ًرا)‪ :‬أي على‬
‫ُ‬
‫واألذان‬ ‫اهلل ‪ ‬إِ اال َع َلى ُط ْه ُر»(‪،)2‬‬
‫أفضل؛ لقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِني ك َِر ْه ُت َأ ْن َأ ْذ ُك َر َ‬

‫=‬
‫مختلف فيه [التلخيص الحبير (‪ .])461/1‬ورواه البيهقي (‪ )626/1‬من طريق يونس‪ ،‬عن الحسن مرسال‪.‬‬
‫قال الدارقطني يف العلل (‪« :)252/6‬والصحيح عن يونس‪ ،‬عن الحسن مرسال‪ ،‬عن النبي ﷺ»‪.‬‬
‫(‪ )1‬الشـرح الممتع (‪.)41/2‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)11‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)36‬وأحمد (‪ ،)12034‬وابن خزيمة (‪ ،)206‬وابن حبان‬
‫(‪ )603‬و (‪ ،)606‬والحاكم (‪ )161/1‬من حديث المهاجر بن قنفذ ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي‬
‫=‬

‫‪251‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪252‬‬

‫الص َال ِة إِ اال ُمت ََوض ٌئ»(‪ ،)1‬فال يصح‪.‬‬ ‫ِ‬


‫كر‪ ،‬وأما حديث‪َ « :‬ال ُينَادي بِ ا‬ ‫ذ ٌ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫قائما‪ ،‬وقد قال‬‫المؤذن ً‬ ‫يكون‬ ‫واإلقامة أن‬ ‫األذان‬ ‫ِيهما)‪ :‬فالسن ُة يف‬ ‫(قائ ِما ف ِ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ كانوا يؤذنون قيا ًما‪ ،‬وقد‬ ‫لبالل‪ُ « :‬ق ْم َف َأذ ْن»(‪ ،)2‬ومؤذنو‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬‫ُ‬
‫ُ‬
‫المنقول‬ ‫اإلجماع على أن السن َة أن يؤذن ً‬
‫قائما(‪ ،)3‬وهذا هو الهدي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫المنذر‬ ‫ن َقل اب ُن‬
‫خل ًفا عن سلف‪.‬‬
‫فإن أ اذن أو أقام قاعدً ا؛ ِح‪.‬‬
‫خالف السن َة وأذا ُنه ِحيح؛ ألن المقصو َد اإلعالم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عذر‪ ،‬فقد‬ ‫فإن كان لغير ُ‬
‫البيهقي َع ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن ُم َح ام ُد قال‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫روى‬ ‫وإن كان لعذر فال بأس به؛ فقد َ‬
‫رجل فصلى‬ ‫جالس‪ ،‬قال‪ :‬وتقدا َم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اري فأ اذن وأقام وهو‬ ‫« َد َخ ْل ُت على أبي َز ْي ُد ْاألَن َْص ِ‬
‫اح أنه قال‪:‬‬ ‫عطاء ِ‬
‫بن أبي َر َب ُ‬ ‫ِ‬ ‫أعر َج ُأِـيبت ِرج ُله يف سبي ِل اهلل»(‪ .)4‬وعن‬ ‫بنا‪ ،‬وكان َ‬
‫ؤذن قاعدً ا إال من ُع ُ‬
‫ذر»(‪.)5‬‬ ‫كر ُه أن ُي َ‬
‫« ُي َ‬
‫ُ ِ‬
‫األذان على الراحلة‪ ،‬ومث ُلها السـيار ُة؛ لما َ‬
‫روى ابن أبي شـيبة من‬ ‫ُ‬ ‫وكذا يصح‬
‫طريق نافع‪ ،‬عن ابن عمر ﭭ‪« :‬أنه كان يؤذن على البعير‪ ،‬وينزل فيقيم»(‪ ،)6‬قال اب ُن‬
‫المنذر‪« :‬ثبت عن ابن عمر ﭭ»(‪.)7‬‬

‫=‬
‫داود (‪.)13‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )200‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ ،‬وأعله‪ .‬وقال األلباين يف إرواء الغليل (‪:)240/1‬‬
‫فالحديث ال يصح‪ ،‬ال مرفوعً ا وال موقو ًفا»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫«وبالاملة‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )525‬من حديث أبي قتادة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلجماع البن المنذر ص (‪.)36‬‬
‫(‪ )4‬السنن الكربى للبيهقي (‪ .)511/1‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)242/1‬‬
‫(‪ )5‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)124/1‬‬
‫(‪ )6‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ .)123/1‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)242/1‬‬
‫(‪ )1‬ذكره الحافظ ابن حار يف التلخيص الحبير (‪.)505/1‬‬

‫‪252‬‬
‫‪253‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬
‫َُُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ُ َُ َ ُ ُ ْ‬
‫ث‪ ،‬بل‪ :‬إقامته)‪.‬‬
‫كن ال يكره‪ :‬أذان المح ِد ِ‬
‫قوهل‪( :‬ل ِ‬
‫خالف األولى‪ ،‬وأما اإلقام ُة‬ ‫ِ‬
‫المحدث ال كراه َة فيه‪ ،‬وإن كان‬ ‫المذهب‪ :‬أن َ‬
‫َ‬ ‫أذان ُ‬ ‫ُ‬
‫فقالوا‪ُ :‬يكره؛ ألنه يؤدي إلى ال َف ْصل بين الصالة واإلقامة‪ ،‬ولخروجه من المساد‬
‫بعد اإلقامة‪.‬‬
‫أِغر أو أكربُ ِحيحان‪ ،‬إال أن األَولى الطهار ُة؛‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫حدث‬ ‫أذان وإقام ُة َمن عليه‬ ‫ف ُ‬
‫اهلل ‪ ‬إِ اال‬ ‫لحديث الم ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِني ك َِر ْه ُت َأ ْن َأ ْذ ُك َر َ‬ ‫َ‬ ‫قيس أن‬ ‫ُ‬ ‫هاج ِر ِ‬
‫بن‬ ‫ُ‬
‫غير طهارة مكرو ٌه‪ ،‬والكراه ُة هنا‬ ‫ذكر اهلل على ِ‬ ‫َع َلى ُط ْه ُر»‪ ،‬وهذا يدل على أن َ‬
‫للتنزيه ال للتحريم‪.‬‬
‫اهلل َع َلى ُكل‬ ‫ويف الصحيحين عن عائش َة ڤ قالت‪« :‬كان النبي ﷺ َي ْذ ُك ُر َ‬
‫َأ ْح َيان ِ ِه»(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ٍّ‬ ‫ْ َ ُ َ َ ُ ُ‬ ‫ه َ ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ ُ َ ه َ‬
‫قت‪ .‬والَّتسل فِي ِه‪ .‬وأن يكون ىلع علو‪ .‬راف ِعا‬ ‫قوهل‪( :‬ويسن‪ :‬األذان أول الو ِ‬
‫هَ‬ ‫َ َ َ ُ َ ً‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َُُ‬ ‫ً َ ه ََ‬ ‫ْ ََ‬
‫َوجهه‪ .‬جاعِال سبابتي ِه يف أذني ِه‪ .‬مستقبِل ال ِقبلةِ‪ .‬يلت ِفت ي ِمينا لـ‪َ« :‬ح‬
‫َْ َ ُ ْ‬ ‫ُ ُ ََ َ‬
‫الح» وال ي ِزيل قدمي ِه‪ ،‬ما لم يكن‬
‫َ‬
‫َح ىلع الف ِ‬ ‫وش َم ًاال لـ‪ َ « :‬ه‬ ‫َ ه‬
‫ىلع الصالة ِ»‪ِ ،‬‬
‫الصالةُ َخ ٌ‬ ‫ه‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َُ َ َ َ َ ََ َ‬ ‫ب َم َن َ‬
‫وم»‪،‬‬ ‫ري مِن انله ِ‬ ‫ان الفج ِر‪« :‬‬ ‫ِ‬ ‫ارة‪ .‬وأن يقول بعد حيعل ِة أذ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َََ ه‬ ‫ه ْ َ ُ ُّ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َهَ‬
‫حد‪ ،‬ما لم‬ ‫ي‪ ،‬ويسَّم‪ :‬اتلث ِويب‪ .‬ويسن‪ :‬أن يتوىل األذان واإلقامة وا ِ‬ ‫مرت ِ‬
‫َُ ه‬
‫يشق)‪.‬‬
‫ذكر تسعة أمور ُيستحب مراعا ُتها عند األذان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ ُ َ ه َ‬
‫األذان يف أول الوقت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قت)‪ُ :‬ي َس ُّن للمؤذن أن يؤدي‬ ‫(ويسن‪ :‬األذان أول الو ِ‬
‫ُ‬
‫واألذان ال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫العام الذي يكون يف المساجد‪ ،‬أو لاماعة متفرقين يف بيوهتم‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫األذان‬ ‫األُولى‪:‬‬
‫أول الوقت ل ُيمكِنَهم المبادر ُة إلى اإلتيان للصالة‪ ،‬وهذا‬
‫يكون َ‬
‫َ‬ ‫وأماكنهم‪ ،‬فالسن ُة أن‬
‫األِل‪ ،‬كما هو ظاهر فع ِل مؤذين رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هو‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ ،)313‬وذكره البخاري تعليقًا من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪254‬‬

‫َان ب ِ َال ٌل ُي َؤذ ُن إِ َذا َد َح َض ْت‪َ ،‬ف َال‬


‫بن َس ُم َر َة ﭬ قال‪« :‬ك َ‬ ‫جابر ِ‬‫مسلم عن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫روى‬ ‫وقد َ‬
‫الص َال َة ِحي َن َي َرا ُه»(‪.)1‬‬
‫يم َحتاى َي ْخ ُر َج النابِ ُّي ﷺ‪َ ،‬فإِ َذا َخ َر َج َأ َقا َم ا‬ ‫ُيق ُ‬
‫ِ‬
‫الثانية‪ :‬األذان الخاص؛ كالاماعة يف السفر‪ ،‬أو لشخص وحده‪ ،‬أو لاماعة‬
‫قرب الصالة؛ ألن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫األذان إلى‬ ‫خارج البلد؛ فلهم أن ُيؤخروا‬ ‫َ‬ ‫خاِة ماتمعين‬
‫ِ‬
‫األذان‬ ‫تأخير‬ ‫تأخير الصالة يف حقهم لشـرع‬ ‫تابع للصالة‪ ،‬فعلى هذا لو شـرع‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫األذان ٌ‬
‫يكون بالمكبرات‬ ‫ُ‬ ‫وتأخير العشاء‪ ،‬ولك ْن ال‬ ‫ِ‬ ‫اإلبراد يف شدة الحر بالظهر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أيضا‪ُ ،‬‬
‫مثل‬ ‫ً‬
‫لئال يشوش على الناس‪.‬‬
‫سفر‪ ،‬فأراد المؤذ ُن أن‬ ‫حديث أبي َذ نر ﭬ قال‪ :‬كنا مع النبي ﷺ يف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويدل له‪:‬‬
‫ُيؤذ َن لل ُّظ ْه ِر‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪َ « :‬أ ْب ِر ْد»‪ ،‬ثم أراد أن ُي َؤذ َن‪ ،‬فقال له‪َ « :‬أ ْب ِر ْد»‪ ،‬حتى َر َأ ْينَا‬
‫أول ما قام مِن‬ ‫بالل َ‬ ‫يؤذن ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ِالة الفار لم‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عن‬ ‫ُ‬ ‫ول(‪ .)2‬ولما نام‬ ‫َفيء ال ُّت ُل ِ‬
‫ْ َ‬
‫آخ َر(‪ ،)3‬وهذا التفصـيل‬ ‫ُ‬
‫مكان َ‬ ‫أن انتقلوا عن مكانِهم إلى‬ ‫أخر األذان إلى ِ‬ ‫نومه‪ ،‬بل ا‬
‫التوفيق بين النصوص‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يحصل به‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ه َ ُّ ُ‬
‫مرتسال؛ وهو‪ :‬أن يؤدي‬ ‫ً‬ ‫(والَّتسل فِي ِه)‪ :‬أي ُيستحب يف أداء األذان أن يكون‬
‫حديث عمر ﭬ عند مسلم أن‬ ‫ُ‬ ‫ويشهدُ له‪:‬‬ ‫سـرع فيها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫َ‬ ‫كل جملة وحدَ ها‪ ،‬وال ُي ُ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬
‫اهلل‬ ‫اهلل َأ ْك َب ُر‪َ ،‬ف َق َال َأ َحدُ ُك ْم‪ُ :‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َق َال الـْ ُم َؤذ ُن‪ُ :‬‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل ‪.)4(»...‬‬ ‫َأ ْك َب ُر‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫ُ‬
‫فالرتسل وعد ُم اإلسـراع فيه‬ ‫األذان إلبال ِغ الغائبين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والحكم ُة من ذلك‪ :‬أن‬
‫للمستمع من المتابعة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تمكين‬ ‫يحص ُل به إبال ٌغ أكرب‪ ،‬وفيه‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫واإلسـراع فيها؛ ألهنا إلبال ِغ الحاضـرين بالقيام‬
‫ُ‬ ‫الحدْ ر‬
‫فالمشـروع َ‬
‫ُ‬ ‫وأما اإلقام ُة‪:‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )606‬من حديث جابر بن سمرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)532‬ومسلم (‪ )616‬من حديث أبي ذر الغفاري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )444‬من حديث عمرو بن أمية الضمري ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود‬
‫(‪.)411‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )365‬من حديث عمر ﭬ‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫‪255‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫حديث َجابِ ُر ﭬ عند الرتمذي أن رسول اهلل ﷺ قال لبالل‬ ‫ُ‬ ‫للصالة‪ ،‬وورد يف ذلك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﭬ‪َ « :‬يا بِ َال ُل‪ ،‬إِ َذا َأ اذن َْت َفت ََر اس ْل في َأ َذان َك‪َ ،‬وإِ َذا َأ َق ْم َت َف ْ‬
‫احدُ ْر‪.)1(»...‬‬
‫يكون َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫المؤذن يف مكان مرتف ُع ل‬ ‫ستحب ُ‬ ‫ْ َ ُ َ َ ُ ُ ٍّ‬
‫أبلغ‬ ‫كون‬ ‫(وأن يكون ىلع علو)‪ :‬أي ُي َ‬
‫بالل ﭬ‬ ‫عدد ُممكن؛ وهذا قول عامة العلماء‪ ،‬وقد كان ٌ‬ ‫إيصال الصوت ألكرب ُ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫امرأة من بني الناار قالت‪ :‬كان بيتي مِن َأ ْطو ِل بي ُ‬ ‫ُ‬ ‫روى أبو داو َد ِ‬
‫ت‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫عن‬ ‫َيفع ُله‪ ،‬كما َ‬
‫ِ‬
‫البيت‬ ‫بس َح ُر‪ ،‬ف َيالِ ُس على‬ ‫بالل ُي ُ‬ ‫المساد‪ ،‬وكان ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ؤذن عليه الفار‪ ،‬فيأيت َ‬ ‫حول‬
‫َين ُظر إلى الفار(‪.)2‬‬
‫مر ﭭ قال‪ :‬كان‬ ‫عن ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ كما يف الصحيحين ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن ُع َ‬ ‫هدي مؤذين‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬
‫َان‪ :‬بِ َال ٌل َوا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم ْاألَ ْع َمى‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ ان‬ ‫لرسول اهلل ﷺ م َؤذن ِ‬
‫ُ‬
‫بِ َال ًال ُي َؤذ ُن بِ َل ْيلُ‪َ ،‬ف ُك ُلوا َواشـر ُبوا َحتاى ُي َؤذ َن ا ْب ُن ُأم َم ْك ُتو ُم»‪ ،‬قال‪ :‬ولم يكن بينهما إال‬
‫أن ينزل هذا و َي ْر َقى هذا(‪.)3‬‬
‫مكان مرتفع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫دليل على أهنم يؤذنون على‬ ‫ابن أم مكتوم ٌ‬ ‫فنزول بالل وِعو ُد ِ‬ ‫ُ‬
‫وألن العلو أبلغ يف اإلعالم‪ ،‬والعلو‪ :‬إما بذاتِه؛ كأن يص َعد على مكان مرتفع؛ منارة‬ ‫ا‬
‫أو جدار أو بيت‪.‬‬
‫أو بصوتِه كالمكربات التي ُترفع فوق المنارة‪ ،‬ويكون المؤذن يف داخل‬
‫يحصل به المقصو ُد‪.‬‬ ‫عال‪ ،‬فهذا ُ‬ ‫المساد‪ ،‬وِوته ُ‬
‫ً َ ْ ََ‬
‫وجهه إلى السماء أثناء األذان إشار ًة إلى‬ ‫َ‬ ‫ستحب أن ير َف َع‬ ‫(راف ِعا وجهه)‪ :‬أي ُي َ‬
‫بعض العلماء‪ ،‬استحسانًا منهم‪ ،‬وال‬ ‫ذهب ُ‬ ‫أبلغ يف التبليغ‪ ،‬وإلى هذا َ‬ ‫التوحيد‪ ،‬وألنه ُ‬
‫يثبت فيه شـي ٌء عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )125‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪ .‬وإسناده ضعيف؛ فيه عبدالمنعم منكر الحديث‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬حديث جابر هذا حديث ال نعرفه إال من هذا الوجه من حديث عبد المنعم‪ ،‬وهو إسناد‬
‫ماهول»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )512‬من حديث امرأة من بني الناار ڤ‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)246/1‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)246‬‬

‫‪255‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪256‬‬
‫َُُ‬ ‫ً َ ه ََ‬
‫وِححه‪ ،‬عن أبي‬ ‫ا‬ ‫الرتمذي‬
‫ُّ‬ ‫(جاعِال سبابتي ِه يف أذني ِه)‪ :‬ويدل لذلك‪ :‬ما رواه‬
‫اهنَا‪َ ،‬وإِ ِْ َب َعا ُه فِي‬
‫اهنَا‪َ ،‬و َه ُ‬ ‫ُج َحيف َة ﭬ قال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت بِ َال ًال ُي َؤذ ُن َو َيدُ ور‪َ ،‬و َي ْت َب ُع َفا ُه َه ُ‬
‫ُ‬
‫المؤذن‬ ‫ستحبون أن ي ِ‬
‫دخ َل‬ ‫العمل عند أهل العلم؛ ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرتمذي‪« :‬وعليه‬ ‫ُأ ُذ َن ْي ِه»(‪ .)1‬قال‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫النووي‪ ،‬ونقل عن المحاملي أنه‬
‫ُّ‬ ‫إِب َعيه يف أذنيه يف األذان»‪ ،‬وكذا أشار إلى هذا‬
‫قول ِ‬
‫عامة أهل العلم(‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫وروى عبدالرزاق عن سويد بن غفلة قال‪« :‬كان ٌ‬
‫بالل وأبو محذورة ياعلون‬
‫أِابعهما يف اذاهنما باألذان»(‪ .)3‬وعن الحسن وابن سـيرين‪« :‬أن المؤذن يضع‬
‫سبابته يف أذنيه»(‪.)4‬‬
‫عن ِ‬
‫ابن ُع َم َر أنه لم‬ ‫بعض العلماء إلى أنه ال ُيشـرع وض ُعهما‪ ،‬وروي ِ‬ ‫وذهب ُ‬
‫بعض العلماء‪ ،‬ورأوا أنه‬‫وضع اإلِبعين فقد أع الها ُ‬
‫َ‬ ‫يفعله‪ ،‬قالوا‪ :‬أما زياد ُة الرتمذي‬
‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫تفرد هبا عبدُ الرزاق دون تالميذ الثوري‪ ،‬ولهذا لم يخرج الزياد َة مسند ًة‬ ‫ا‬
‫البخاري بصـيغة‬
‫ُّ‬ ‫أِل الحديث‪ ،‬وإنما ع القها‬ ‫َ‬ ‫مسلم‪ ،‬مع أهنم أخرجوا‬ ‫ٌ‬ ‫وال‬
‫الل َأ ان ُه َج َع َل إِ ِْ َب َع ْي ِه فِي ُأ ُذ َن ْي ِه»‪ .‬قال اب ُن رجب‪:‬‬
‫التمريض فقال‪َ « :‬و ُي ْذكَر َع ْن بِ ُ‬
‫ُ‬
‫دقة نظره و ُمبالغته يف البحث عن العلل والتنقيب عنها» ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫«وهذا مِن ِ‬
‫لكن ُيقوي زياد َة الرتمذي أن عبدَ الرزاق لم َينفر ْد هبا‪ ،‬بل رواها ُمؤمل قال‪:‬‬
‫والحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬واأللباين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الرتمذي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ِحح الزيادةَ‪:‬‬
‫حدثنا سفيان به‪ ،‬ولذا ا‬
‫المؤذن بزيادة الرتمذي فقد‬‫ُ‬ ‫واسع؛ ْ‬
‫فإن أخذ‬ ‫ٌ‬ ‫واألمر يف وضع اإلِبعين‬
‫ُ‬
‫ِححها ُجمل ٌة من األئمة‪ ،‬وله سلف‪ ،‬وهذا أحسن‪ ،‬وقد قال هبا عام ُة العلماء‪ ،‬وإن‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)121‬وابن ماجه (‪ ،)111‬وأحمد (‪ ،)16152‬وابن خزيمة (‪ ،)366‬والحاكم يف المستدرل‬
‫(‪ )316/1‬من حديث أبي جحيفة ﭬ‪.‬‬
‫ابن قدامة يف المغني (‪ ،)301/1‬والشوكاين يف النيل (‪.)46/2‬‬
‫(‪ )2‬الماموع (‪ ،)16/2‬وكذا نقله ُ‬
‫(‪ )3‬مصنف عبدالرزاق (‪.)466/1‬‬
‫(‪ )4‬مصنف عبدالرزاق (‪.)466/1‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري البن رجب (‪.)316/5‬‬

‫‪256‬‬
‫‪257‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫تركها فال بأس؛ ولذا قال البخاري‪َ « :‬و ُي ْذك َُر َع ْن بِال َُل َأ ان ُه َج َع َل إِ ِْ َب َع ْي ِه فِي ُأ ُذ َن ْي ِه‪،‬‬
‫ال َي ْا َع ُل إِ ِْ َب َع ْي ِه فِي ُأ ُذ َن ْي ِه»(‪ ،)1‬ففيه التوسعة يف هذا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫َوك َ‬
‫َان ا ْب ُن ُع َم َر َ‬
‫مسألة‪ :‬و ِِف ُة وض ِع اإلِبعين؟‬
‫أن ُيدخل إِبعيه السبابتين يف أذنيه‪ ،‬وهو رواي ٌة عن اإلما ِم أحمدَ ‪ ،‬وهو قول‬
‫الامهور وهي الواردة يف حديث أبي جحيفة‪.‬‬
‫فتح أِابِ َعه وياع ُلها على أذنيه يف األذان‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ويف رواية أخرى عنه‪ :‬أنه َي ُ‬
‫مسألة‪ :‬ولم َي ِرد تعيي ُن اإلِبع‪ ،‬وهو المذهب أهنا السبابة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫حديث‬ ‫ورد يف ذلك‬‫ومن ح َكم وضع األِابع يف األذن‪ :‬أنه أر َف ُع للصوت‪ ،‬وقد َ‬
‫وألن من رآه من ُ‬
‫بعيد يع َلم أنه ُيؤذن وإن لم‬ ‫عبدالرحمن ِ‬
‫ا َ‬ ‫ضعيف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بن سعد‪ ،‬ولكنه‬
‫يسم ْعه(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫المنقول‬ ‫حال أذانِه القبلةَ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫(مستقبِل ال ِقبل ِة)‪ :‬أي ُيستحب أن َيستقبِ َل َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أهل العلم على أن مِ َن‬ ‫أجم َع ُ‬ ‫ِ‬
‫يستقبل‬ ‫السنة أن‬ ‫فع ُله عن السلف؛ قال ابن المنذر‪َ « :‬‬
‫القبل َة يف األذان»(‪.)3‬‬
‫لكن ات َف َق العلما ُء على استحبابه‪ ،‬وأما‬ ‫ولم َيث ُبت عن مؤذين النبي ﷺ فيه شـي ٌء‪ِ ،‬‬
‫مرسل(‪.)4‬‬ ‫ٌ‬ ‫فاستقبل القبل َة»‪ ،‬فهو‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حائط‬ ‫حديث عبداهلل بن زيد ﭬ‪« :‬فقام على ِج ْذ ِم‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫وش َماال لـ‪ َ « :‬ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ينا لـ‪ َ « :‬ه‬‫َ َ ُ َ ً‬
‫الح»)‪ :‬ويدل لـه‪:‬‬ ‫َح ىلع الف ِ‬ ‫َح ىلع الصالة ِ»‪ِ ،‬‬ ‫(يلت ِفت ي ِم‬
‫الال ُي َؤذ ُن‪َ ،‬ف َا َع ْل ُت َأ َت َت اب ُع َفا ُه‬ ‫ما يف الصحيحين عن أبي ُج َح ْي َف َة ﭬ‪َ « :‬أ ان ُه َر َأى بِ ً‬
‫ول‪:‬‬ ‫اهنَا ‪َ -‬ي ُق ُ‬ ‫اهنَا َو َه ُ‬ ‫ان»‪ .‬ويف رواية مسلم‪َ « :‬ف َا َع ْل ُت َأ َت َت اب ُع َفا ُه َه ُ‬ ‫اهنَا بِاألَ َذ ِ‬‫اهنَا َو َه ُ‬ ‫َه ُ‬
‫الص َال ِة‪َ ،‬ح اي َع َلى ا ْل َف َال ِح»(‪.)5‬‬ ‫ول‪َ :‬ح اي َع َلى ا‬ ‫َي ِمينًا َو ِش َم ًاال‪َ -‬ي ُق ُ‬

‫(‪ِ )1‬حيح البخاري‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب‪ :‬هل يتتبع المؤذن فاه ها هنا وها هنا‪ ،‬وهل يلتفت يف األذان‪.‬‬
‫(‪ )2‬تحفة األحوذي (‪ ،)611/1‬والفتح البن رجب (‪.)315/5‬‬
‫(‪ )3‬اإلجماع البن المنذر ص (‪.)36‬‬
‫ً‬
‫موِوال بغير ذكر استقبال القبلة اإلرواء (‪.)232‬‬ ‫ورد‬
‫(‪ )4‬مرسل‪ ،‬ورجاله ثقات‪ ،‬وقد َ‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)634‬ومسلم (‪ )503‬من حديث أبي جحيفة ﭬ‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪258‬‬

‫ثالث ُِور يحت َِم ُلها‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫واحدة‪ ،‬ولهذا االلتفات‬ ‫ُ‬
‫ِورة‬ ‫وااللتفات لم ِيرد تقييدُ ه يف‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الحديث‪:‬‬
‫ً‬
‫شماال‪ ،‬ويرجع‬ ‫يلتفت يف حي على الصالة يمينًا‪ ،‬وحي على الفالح‬
‫َ‬ ‫األولى‪ :‬أن‬
‫يف كل مرة إلى القبلة‪.‬‬
‫وجهه إلى القبلة‪.‬‬ ‫الثانية‪ُ :‬‬
‫مثل األولى لكنه ال َي ُرد َ‬
‫يلتفت يف حي على الصالة مر ًة عن يمينه ومر ًة عن شماله‪ ،‬واألخرى‬
‫َ‬ ‫الثالثة‪ :‬أن‬
‫مث ُلها بأن يلتفت يف حي على الفالح مرة عن يمينه ومرة عن شماله‪.‬‬
‫واألقوى أنه يلتفت ولو أذن يف المكربات ليطبق السنة؛ وألن الحكم َة ليست‬
‫ِ‬
‫الحيعلتين و َبعدَ ها‪،‬‬ ‫مار َد التبلي ِغ فقط‪ ،‬وألنه ال ُيؤثر يف الصوت؛ فإنه ُيسمع ما قبل‬
‫لتفت مع تقريب فمه من المكرب وهذا أولى‪.‬‬ ‫و ُيمكنُه أن َي َ‬
‫ُ ُ َ َ‬
‫َ‬
‫(وال ي ِزيل قدمي ِه)‪ :‬األَو َلى للمؤذن أال يزيل قدميه وال َي َ‬
‫دور يف األذان؛ و َيكتفي‬
‫بااللتفات‪.‬‬
‫َْ َ ُ‬
‫ك ْن ب َم َن َ‬
‫دور‪ ،‬على المذهب‪.‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ي‬ ‫فإنه‬ ‫المنارة‬ ‫على‬ ‫كان‬ ‫فإذا‬ ‫‪:‬‬‫)‬ ‫ة‬ ‫ار‬ ‫ِ‬ ‫(ما لم ي‬
‫واألَولى يف هذا االكتفا ُء بااللتفات يف الحيعلتين فقط؛ ألنه لم َي ِر ْد عن مؤذين‬
‫االلتفات‪ ،‬فلو كان الدا َو َران ثابتًا لنُ ِقل؛‬
‫ُ‬ ‫ورد‬
‫رسول اهلل ﷺ أهنم كانوا َيدورون‪ ،‬وإنما َ‬
‫ِ‬
‫حديث لكنه‬‫ٌ‬ ‫أظه ُر من االلتفات الذي نقله أبو جحيفة ﭬ‪ ،‬وقد ورد يف ذلك‬ ‫ألنه َ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا أ اذناا أو أقمنا أن ال ُن ِزيل أقدا َمنا‬ ‫ُ‬ ‫ضعيف عن بالل ﭬ قال‪« :‬أ َمرنا‬
‫عن مواضعها»(‪.)1‬‬
‫وم»‪َ ،‬م هرتَي‪ ،‬وي ُ ه‬ ‫الصالةُ َخ ٌ‬
‫ه‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َُ َ َ َ َ ََ َ‬
‫سَّم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ري مِن انله ِ‬ ‫ان الفج ِر‪« :‬‬
‫ْ (وأن يقول بعد حيعل ِة أذ ِ‬
‫ومالك وأحمدُ ‪ ،‬وهو ٌ‬
‫قول‬ ‫ٌ‬ ‫جمهور العلماء‪ :‬أبو حنيفة‬ ‫يب)‪ :‬وهبذا قال‬‫اتلهثو َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للشافعي‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني يف أفراده‪ ،‬وإسناده ضعيف‪ .‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)312/5‬نصب الراية‬
‫(‪ ،)211/1‬التلخيص الحبير (‪ ،)501/1‬إرواء الغليل (‪.)251/1‬‬

‫‪256‬‬
‫‪259‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫السن َِة‬ ‫ِ‬


‫أنس ﭬ قال‪« :‬م َن ُّ‬ ‫وِححاه عن ُ‬ ‫ا‬ ‫ويدل له‪ :‬ما رواه اب ُن خزيمة والبيهقي‬
‫الص َال ُة َخ ْي ٌر مِ َن الن ْاو ِم»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َؤذ ُن في َأ َذان ا ْل َف ْا ِر‪َ :‬ح اي َع َلى ا ْل َف َالحِ ‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا‬ ‫إِ َذا َق َال ُ‬
‫الصبْحِ‬
‫َان َِ َال ُة ُّ‬ ‫وحديث أبي محذورة ﭬ عند أحمد وأبي داود‪ ،‬وفيه‪َ « :‬فإِ ْن ك َ‬ ‫ُ‬
‫الص َال ُة َخ ْي ٌر مِ َن الن ْاو ِم»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫ُق ْل َت‪ :‬ا‬
‫الص َال ُة َخ ْي ٌر م َن الن ْاومِ‪ ،‬ا‬
‫التثويب يف األذان الثاين؛ لحديث أبي محذور َة السابق‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫والسن ُة أن يكون‬
‫األذان‪ ،‬ولم ياب عليه اإلعاد ُة عند الامهور‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لص اح‬
‫سنةٌ‪ ،‬ولو َتركه َ‬
‫رحمكم‬ ‫غير أذان الفار‪ ،‬كقولـه‪( :‬الصال ُة ِ‬ ‫ويسمى هذا تثوي ًبا‪ ،‬وأما الزياد ُة يف ِ‬
‫ن عمر ﭭ‬ ‫الم ْحدَ ثات‪ ،‬وقد َ‬ ‫ِ‬
‫دخل اب ُ‬ ‫اهلل) يف ِالة الظهر أو العصـر فهي م َن ُ‬
‫رجال ُيثوب يف أذان الظهر‪ ،‬فخرج وقال‪« :‬اخرج بنا فإن‬ ‫فسمع ً‬ ‫مسادً ا يصلى فيه‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫هذه بدعة»(‪.)3‬‬
‫َُ ه‬ ‫ٌ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َََ ه‬ ‫ُ ُّ‬
‫األفضل أن يتولى‬ ‫ُ‬ ‫حد‪ ،‬ما لم يشق)‪:‬‬ ‫(ويسن‪ :‬أن يتوىل األذان واإلقامة وا ِ‬
‫مثل ما رواه أحمدُ ‪،‬‬ ‫غير ِحيحة؛ ُ‬ ‫أحاديث لكنها ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلقام َة َم ْن أ اذن‪ ،‬وقد َ‬
‫ورد يف ذلك‬
‫والرتمذي‪ ،‬وأبو داود أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ ان َأ َخا ُِدَ ُاء ُه َو َأ اذ َن‪َ ،‬و َم ْن َأ اذ َن َف ُه َو‬
‫يم»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َق ْم ُت(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫ُيق ُ‬
‫ويشهدُ لهذا القول ما يلي‪:‬‬
‫َ‬
‫أن العاد َة جاري ٌة بأن المؤذن هو الذي ُيقيم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)162/1‬وابن خزيمة (‪ ،)366‬والدارقطني (‪ ،)454/1‬والبيهقي يف‬
‫السنن الكربى (‪ )623/1‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)500‬وأحمد (‪ ،)15316‬وابن خزيمة (‪ ،)365‬وابن حبان (‪ ،)1662‬والبيهقي يف السنن‬
‫الكربى (‪ )512/1‬من حديث أبي محذورة ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)515‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )536‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)236‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)514‬والرتمذي (‪ ،)122‬وابن ماجه (‪ ،)111‬وأحمد (‪ )11531‬من حديث زياد بن الحارث‬
‫مداره على عبدالرحمن ابن أن ُعم‬
‫والبيهقي؛ ألن َ‬
‫ُّ‬ ‫والرتمذي‪ ،‬وأبو حاتم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫اإلمام أحمد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الصدائي ﭬ‪ .‬وقد ض اعفه‬
‫اإلفريقي‪ ،‬وهو ضعيف اإلرواء (‪.)231‬‬

‫‪252‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪260‬‬

‫وأن هذا هو المأثور يف عهد الصحابة ﭫ‪.‬‬


‫شخصا غير المؤذنين بالل وابن‬
‫ً‬ ‫وأنه لم ينقل أن رسول اهلل ﷺ قد حدد لإلقامة‬
‫أم مكتوم ﭬ‪ ،‬قال الرتمذي‪« :‬والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم؛ أن من أذن‬
‫فهو يقيم»(‪ .)1‬ولو أقام غير المؤذن ِح‪ ،‬وقد نقل الحازمي االتفاق على ِحة‬
‫إقامة غير المؤذن؛ قال‪ :‬واتفق أهل العلم يف الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك جائز‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مالك وأبو‬ ‫واختلفوا يف األولوية؛ فقال أكثرهم‪ :‬ال فرق‪ ،‬واألمر متسع‪ .‬وبه قال‬
‫حنيفة وأبو ثور‪.‬‬
‫فاألولى أن من أذن فهو يقيم‪ ،‬وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي‪ ،‬واألخذ‬
‫بحديث الصدائي أولى‪ ،‬وهو متأخر عن حديث عبداهلل بن زيد فإنه كان أول ما‬
‫شـرع(‪.)2‬‬
‫َ َ ُ ِّ‬ ‫َ َ َ َ ه َ ُ َ‬ ‫َ َََ‬
‫قوهل‪( :‬ومن مجع‪ ،‬أو قَض ف َوائ ِت‪ :‬أذن ل ِأل ْوىل‪ ،‬وأقام ل ِلُك)‪.‬‬
‫يقيم لكل ِالة؛‬
‫يؤذن أذانًا واحدً ا لألولى‪ ،‬ثم َ‬ ‫َ‬ ‫من جمع بين ِالتين فالسن ُة أن‬
‫ِ‬
‫الوقتان وقتًا واحدً ا وألحقوا هبا قضاء الفوائت ولو كثر عددها‪.‬‬ ‫ألنه بالامع ِار‬
‫النبي‬ ‫ُ‬ ‫ويدل لذلك‪ُ :‬‬
‫سلم عن جابر قال‪ِ« :‬لى ُّ‬ ‫روى ُم ٌ‬ ‫فعل رسول اهلل ﷺ فيما َ‬
‫ِ‬ ‫اح ُد َوإِ َقا َم َت ْي ِن» (‪ .)3‬ويف‬
‫ان و ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حديث أبي سعيد ﭬ‬ ‫الم ْغ ِر َب َوا ْلع َشا َء بِ َأ َذ َ‬
‫ﷺ بمز َدلفة َ‬
‫بالال فأ اذن‪ ،‬ثم أقام‬
‫يوم الخندق‪ :‬أ َمر ً‬ ‫بعض الصلوات َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ُ‬ ‫َ‬ ‫لما فات‬
‫ا‬
‫الظهر‪ ،‬ثم أقام فصلى العصـر(‪.)4‬‬
‫َ‬ ‫فصلى‬

‫(‪ )1‬سنن الرتمذي (‪.)122‬‬


‫(‪ )2‬االعتبار يف الناسخ والمنسوخ من اآلثار (ص‪ ،)66‬نيل األوطار (‪.)61/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )1216‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي يف الماتبى (‪ ،)662‬ويف الكربى (‪ ،)1631‬وأحمد (‪ ،)11126‬وابن خزيمة (‪ ،)226‬وابن‬
‫حبان (‪ )2620‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪ .‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪،)311/3‬‬
‫والمباركفوري يف تحفة األحوذي (‪ ،)453/1‬والشوكاين يف نيل األوطار (‪ ،)464‬واأللباين يف اإلرواء‬
‫(‪.)251/1‬‬

‫‪260‬‬
‫‪261‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫المغرب»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ويف الصحيحين‪« :‬أنه ﷺ ِلى العصـر‪ ،‬ثم ِلى بعدها‬
‫َ ََ‬ ‫َُ ه‬ ‫ُ َ ْ َُ َ‬ ‫ُ ه َ َ َ ُ َ ِّ َ‬
‫يم‪ :‬أن يقول مِثله‪ ،‬إال يف احليعلةِ‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وسن ل ِمن س ِمع المؤذن‪ ،‬أو الم ِق‬
‫َ َ َ َ ْ َ‬ ‫باَّلل»‪ ،‬ويف اتله‬ ‫ه‬ ‫َ َ َ ُهَ ه‬ ‫َُ ُ‬
‫يب‪« :‬صدقت وب ِررت»‪ ،‬ويف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ثو‬ ‫إال‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ول‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫ول‬ ‫فيق‬
‫ََ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِب ﷺ إذا فرغ‪،‬‬ ‫فظ اإلقامةِ‪« :‬أقامها اَّلل وأدامها»‪ ،‬ثم يصيل ىلع انل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫َُه ً‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه َ‬ ‫ه‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫آت ُممدا‬ ‫ويقول‪« :‬اللهم رب ه ِذه ِ ادلعوة ِ اتلامةِ‪ ،‬والصالة ِ القائ ِمةِ‪ِ ،‬‬
‫َ ْ ََ ُ َ ُ َُ‬ ‫َ ُ ََ ً َ ُ ً‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ََ‬
‫الو ِسيلة والف ِضيلة‪ ،‬وابعثه مقاما ُممودا اذلي َوعدته»‪ ،‬ث هم يدعو هنا‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وعِند اإلقام ِة)‪.‬‬
‫َ‬
‫لمؤذن‪.‬‬ ‫ذكر ما الذي يشـرع قو ُله لمن ِ‬
‫سمع ا‬ ‫ُ‬
‫ُ َ ْ َُ َ َُ‬ ‫ُ ه َ َ َ ُ َ ِّ َ‬
‫(وسن ل ِمن س ِمع المؤذن‪ ،‬أو الم ِقيم‪ :‬أن يقول مِثله)‪ :‬متابعة المؤذن مستحبة‪،‬‬
‫و َمن تركها فاته الفضل ولم يأ َث ُم واألمر يف قوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل‬
‫جماهير العلماء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫محمول على االستحباب؛ عند‬ ‫ٌ‬ ‫الم َؤذ ُن» [متفق عليه](‪،)2‬‬ ‫ول ُ‬ ‫َما َي ُق ُ‬
‫ِوارف‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫لوجود‬
‫رسول اهلل ﷺ ُي ِغ ُير إِ َذا َط َل َع‬ ‫ُ‬ ‫مالك ﭬ قال‪« :‬كان‬ ‫ُ‬ ‫أنس ِ‬
‫بن‬ ‫مسلم عن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫روى‬ ‫ما َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ان‪َ ،‬فإِ ْن َس ِم َع َأ َذانًا َأ ْم َس َك َوإِ اال َأ َغ َار‪َ ،‬ف َس ِم َع َر ُج ًال َي ُق ُ‬ ‫َان َي ْست َِم ُع ْاألَ َذ َ‬
‫ا ْل َف ْا ُر‪َ ،‬وك َ‬
‫ِ ِ‬ ‫اهلل َأ ْكبر اهلل َأ ْكبر‪َ ،‬ف َق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬ع َلى ا ْلف ْط َرة»‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َُ ُ َُ‬
‫اار»‪َ ،‬فنَ َظ ُروا َفإِ َذا ُه َو‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬خ َر ْج َت م َن الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اعي مِ ْع َزى»(‪.)3‬‬ ‫ر ِ‬
‫َ‬
‫ويرث‪َ « :‬فإِ َذا حضـرتِ‬ ‫ِ‬ ‫الح‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال لمالك ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫بن ُ‬ ‫البخاري‪ :‬أن‬
‫ُّ‬ ‫وروى‬ ‫َ‬
‫الصالَ ُة َف ْليُ َؤذ ْن َل ُك ْم َأ َحدُ ُك ْم‪َ ،‬و ْل َي ُؤ ام ُك ْم َأ ْك َب ُر ُك ْم»(‪.)4‬‬
‫ا‬
‫تعليم‪ ،‬ولم يأمره باإلجابة فدل على عدم وجوهبا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫المقام مقا ُم‬
‫َ‬ ‫و‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)526‬ومسلم (‪ )631‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)611‬ومسلم (‪ )363‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)241‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)241‬‬

‫‪261‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪262‬‬
‫ْ َُ َ َ‬
‫يقول المؤذن تما ًما؛ لقول ِه ﷺ‪« :‬إِ َذا‬ ‫يقول مث َلما ُ‬ ‫(أن يقول مِثل ُه)‪ :‬الذي ُيايب ُ‬
‫الم َؤذ ُن»‪.‬‬‫ول ُ‬ ‫َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫ه‬ ‫ُ َ ه‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ َُ ُ‬ ‫ه‬
‫احليعلةِ‪ ،‬فيقول‪« :‬ال حول َوال ق هوة إال باَّلل»)‪ :‬لقوله ﷺ‪ُ « :‬ث ام َق َال‪َ :‬ح اي‬ ‫(إال يف‬
‫الص َالةِ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َح ْو َل َو َال ُق او َة إِ اال بِاهللِ‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬ح اي َع َلى ا ْل َف َالحِ ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َح ْو َل‬ ‫َع َلى ا‬
‫َو َال ُق او َة إِ اال بِاهللِ» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ه‬
‫يب‪« :‬صدقت وب ِررت»)‪ :‬أي يف قول الصالة خير من النوم يف تثويب‬ ‫ثو ِ‬ ‫(ويف اتل ِ‬
‫واألذكار توقيفية‪ .‬قال الحافظ ابن‬ ‫ُ‬ ‫ابن سـيرين‪،‬‬ ‫عن ِ‬ ‫الفار يقول ذلك وهو وار ٌد ِ‬
‫حار‪« :‬وليس لصدقت وبررت أِل»‪.‬‬
‫المؤذن؛ ل ُعمومِ‪َ « :‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫ول‬ ‫ُ‬ ‫واألظهر‪ :‬أن يقول عندها مث َلما يقول‬
‫غير الحيعلتين ف َيبقى ما عداهما على أِله‪ ،‬وما‬ ‫الم َؤذ ُن»‪ ،‬ولم ُي ْس َت ْثن يف السنة ُ‬
‫ُ‬
‫مرفوعا إلى النبي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ت» فال َيصح‬ ‫رر َ‬‫ُروي أنه َيقول‪َِ « :‬دَ ْق َت َوبَ ْ‬
‫ِ‬ ‫هُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المؤذن‬ ‫فظ اإلقامةِ‪« :‬أقامها اَّلل وأدامها»)‪ :‬المذهب أهنا ُتشـرع إجاب ُة‬ ‫(ويف ل ِ‬
‫ومتابع ُته يف اإلقامة‪.‬‬
‫الم َؤذ ُن»‪،‬‬
‫ول ُ‬ ‫واستدلوا‪ :‬بعموم حديث‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫أذان؛ كما قال ﷺ‪َ « :‬ب ْي َن ُكل َأ َذا َن ْي ِن َِالَةٌ‪- ،‬‬ ‫واإلقامة من كالمه المشـروع‪ ،‬بل هي ٌ‬
‫يقول‪ ،‬إال يف الحيعلة‪ ،‬ورجح هذا اب ُن قدامة(‪.)3‬‬ ‫َثالَ ًثا‪ -‬ل ِ َم ْن َشا َء»(‪)2‬؛ فيقول مث َلما ُ‬
‫منصـرف‬
‫ٌ‬ ‫الخطاب الوار ُد‬‫ُ‬ ‫وقيل‪ :‬إنما تشـرع إجاب ُة األذان دون اإلقامة؛ ألن‬
‫ُ‬
‫المؤذن‪ :‬اهلل‬ ‫حديث عمر ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا قال‬ ‫ُ‬ ‫لألذان‪ ،‬و َيشهد لهذا‬
‫ون اإلقامة(‪ ،)5‬وكذلك لم ُينقل عن رسول‬ ‫األذان ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ألفاظ‬ ‫أكرب اهلل أكرب ‪ ،)4(»...‬فذكَر‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)254‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)624‬ومسلم (‪ )636‬من حديث عبداهلل بن مغفل المزين ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)61/2‬وينظر‪ :‬فتاوى اللانة الدائمة (‪.)62/6‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)254‬‬
‫بن إبراهيم (‪ ،)136/2‬الشـرح الممتع (‪.)62/2‬‬
‫(‪ )5‬فتاوى ا ُ‬

‫‪262‬‬
‫‪263‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫الشـيخ محمدُ ب ُن إبراهيم يف فتاويه وشـيخنا‬ ‫ُ‬ ‫ورجح هذا‬ ‫أجاب اإلقام َة ا‬ ‫َ‬ ‫اهلل ﷺ أنه‬
‫اب ُن عثيمين‪.‬‬
‫ن» [متفق‬ ‫الم َؤذ ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫وأما حديث أبي سعيد‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِثْ َل َما َي ُق ُ‬
‫آخر‬ ‫األذان دون اإلقامة؛ منها‪ :‬ما جاء يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫أمورا ُتقوي أن المرا َد هبذا‬ ‫عليه]‪ ،‬ا‬
‫فإن هنال ً‬
‫يقول‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم ا ْل ُم َؤذ َن‪َ ،‬ف ُقو ُلوا‬‫سمع النبي ﷺ ُ‬
‫ا‬
‫حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ أنه ِ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه بِ َها َعشـرا‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ول‪ُ ،‬ث ام َِ ُّلوا َع َل اي؛ َفإ ِ ان ُه َم ْن َِ الى َع َل اي َِ َال ًة َِ الى ُ‬ ‫مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫اد اهللِ‪َ ،‬و َأ ْر ُجو َأ ْن‬ ‫س ُلوا اهلل لِي ا ْلوسـي َلةَ؛ َفإِناها من ِْز َل ٌة فِي الان ِاة‪َ ،‬ال َتنْب ِغي إِ اال لِعب ُد مِن ِعب ِ‬
‫َْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الش َفا َع ُة» ‪ ،‬وهذا إنما يشـرع بعد‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ون َأنَا ُه َو‪َ ،‬ف َم ْن َس َأ َل ل َي ا ْل َوسـي َل َة َح ال ْت َل ُه ا‬ ‫َأ ُك َ‬
‫األذان‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫هُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫داو َد‬
‫وردت عند أبي ُ‬ ‫فظ اإلقامةِ‪« :‬أقامها اَّلل وأدامها»)‪ :‬وهذه الكلم ُة َ‬ ‫(ويف ل ِ‬
‫ب‪َ ،‬ع ْن َأبِي ُأ َما َم َة‪َ :‬أ ان بِ َال ًال َأ َخ َذ يف‬ ‫الشا ِم َع ْن َش ْه ِر ْب ِن َح ْو َش ُ‬ ‫عن َر ُج ُل مِ ْن َأ ْه ِل ا‬
‫ِ‬ ‫ِْ ِ‬
‫اهلل َو َأ َدا َم َها»‬‫الص َال ُة‪َ ،‬ق َال النابِ ُّي ﷺ‪َ « :‬أ َقا َم َها ُ‬ ‫اإل َقا َمة‪َ ،‬ف َل اما َأ ْن َق َال‪َ :‬قدْ َقا َمت ا‬
‫(‪)2‬‬

‫[وضعفها ابن رجب وابن حار](‪.)3‬‬


‫الصالة‪ ،‬المذهب أنه ال ُيايب؛ ال يف‬ ‫ِ‬ ‫مسألة‪ :‬إذا سمع األذان وهو يف ِ‬
‫أثناء‬
‫العلماء‪ :‬من أهل المذاهب األربعة(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جمهور‬ ‫مذهب‬ ‫ِ‬
‫النافلة‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫الفريضة وال يف‬
‫ُ‬
‫مسعود ﭬ قال‪ُ :‬كناا ُن َسل ُم َع َلى النابِي ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫عن ِ‬
‫ابن‬ ‫الصحيحين ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والدليل‪ :‬ما يف‬
‫الصال َِة‪َ ،‬ف َي ُر ُّد َع َل ْينَا‪َ ،‬ف َل اما َر َج ْعنَا مِ ْن ِعن ِْد الن َاااشـي َس ال ْمنَا َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َل ْم َي ُر اد‬
‫َو ُه َو في ا‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫دليل على عدَ ِم َج ِ‬ ‫الصالَةِ ُش ْغ ًال»(‪ ،)5‬وهذا ٌ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫واز الكال ِم يف‬ ‫َع َل ْينَا‪َ ،‬و َق َال‪« :‬إِ ان في ا‬
‫ِ‬
‫أذكار‬ ‫ليست مِن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫المؤذن‬ ‫إال بما شـرع فيها من القرآن والذكر والدعاء‪ ،‬وإجاب ُة‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )364‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )526‬من حديث أبي أمامة ﭬ‪ .‬وإسناده ضعيف‪.‬‬
‫وابن حار يف التلخيص (‪.)211/1‬‬
‫ابن رجب يف فتح الباري (‪ُ ،)252/5‬‬
‫(‪ )3‬وقد ض اعفها ُ‬
‫(‪ )4‬يف فتح الباري (‪.)252/5‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1122‬ومسلم (‪ )536‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪264‬‬

‫داخل الصالة‪.‬‬ ‫الصالة‪ ،‬ومن َث ام فهي ممنوع ٌة كالمن ِع من َرد السال ِم وهو ُ‬
‫ول‬ ‫سعيد ﭬ‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫حديث أبي‬‫ِ‬ ‫وأما عمو ُم‬
‫الم َؤذ ُن»(‪ ،)1‬فهو من العام المخصوص بأمور؛ منها‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الرسول ﷺ َترل ر اد‬ ‫ُ‬ ‫الصال َِة ُش ْغ ًال»‪ ،‬فإذا كان‬ ‫ِ‬
‫حال الصالة؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ ان في ا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المؤذن‬ ‫أل ْن َيرتُ َل إجاب َة‬ ‫واجب‪َ ،‬ف َ‬ ‫أن ر اده يف غيرها‬ ‫ِ‬
‫الصالة مع ا‬ ‫السال ِم وهو يف‬
‫ٌ‬
‫المسنو ِنة مِن ِ‬
‫باب َأو َلى‪.‬‬
‫ايب فإذا‬ ‫الحاجة‪ ،‬أو يف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخالء‪ ،‬فال ُي ُ‬ ‫قضاء‬ ‫الذكر؛ ك‬ ‫ُ‬ ‫كره فيها‬‫وكذا الحاالت التي ُي َ‬
‫َفرغ قضاها‪.‬‬
‫واحد‪ ،‬وال مانع من‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بإجابة‬ ‫َحصل السنة‬ ‫مسألة‪ :‬إذا سمع أكثر من مؤذن‪ ،‬فت ُ‬
‫الم َؤذ ُن»(‪.)2‬‬ ‫ول ُ‬ ‫حديث‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫إجابة الثاين؛ ل ُعمو ِم‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،‬ورجحه شيخنا اب ُن‬ ‫ُ‬ ‫كراره‪ ،‬واختاره‬ ‫وهذا ِذكْر وال مانِ َع من َت ِ‬
‫عثيمين(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫استدرال ما فاته؛ سوا ٌء كان يف أوله أو‬ ‫ِ‬
‫األذان‪ ،‬فهل له‬ ‫بعض‬ ‫مسألة‪ :‬إذا ِ‬
‫سمع َ‬
‫ِ‬
‫آخره؟‬
‫الم َؤذ ُن» أنه ُي ُ‬
‫ايب ما‬ ‫ول ُ‬ ‫حديث‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ظاهر‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشـيخ محمد بن إبراهيم‪.‬‬ ‫اختيار‬ ‫سمع‪ ،‬وأما ما مضـى فإناه قد فات مح ُّله‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫ول‪« :‬الله ُه هم َر هب هذه ِ ه‬
‫ادل َ‬
‫عوة ِ اتلهامةِ‪،‬‬
‫ََ َ َُ ُ‬
‫ِب ﷺ إذا فرغ‪ ،‬ويق‬
‫ُ ه ُ َ ِّ َ‬
‫ىلع انله ِّ‬ ‫(ثم يصيل‬
‫ِ‬
‫َ ُ ََ ً َ ُ ً‬ ‫َ ََ‬ ‫ِ َُه ً َ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬
‫آت ُممدا الو ِسيلة والف ِضيلة‪ ،‬وابعثه مقاما ُممودا اذلي‬ ‫والصالة ِ القائ ِمةِ‪ِ ،‬‬
‫خمس ُسنَن ُيشـرع له المحافظ ُة عليها؛‬ ‫األذان فهنال‬ ‫َ‬ ‫المسلم‬ ‫َو َع ْدتَ َه»)‪ :‬إذا ِ‬
‫سمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خمس وعشـرون ُسناة يف اليوم‬ ‫ٌ‬ ‫خمس َم ارات‪ ،‬فتكون‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫األذان يف اليو ِم‬ ‫ويتكرر‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)261‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)261‬‬
‫(‪ )3‬الشـرح الممتع (‪.)14/2‬‬

‫‪264‬‬
‫‪265‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫حافظ عليها إال السابقون‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والليلة‪ ،‬ال ُي‬


‫المؤذن؛ لحديث‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم الندَ ا َء‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل‬ ‫ُ‬ ‫قول مث َلما ُ‬
‫يقول‬ ‫أن َي َ‬ ‫األولى‪ْ :‬‬
‫لحديث ُع َم َر ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال‬ ‫ِ‬ ‫الم َؤذ ُن»‪ ،‬ومن قالها من قلبه دخل الانة؛‬ ‫َما َي ُق ُ‬
‫ول ُ‬
‫رس ُ ِ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر‪ُ ،‬ث ام‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر‪َ ،‬ف َق َال َأ َحدُ ُك ْم‪ُ :‬‬ ‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َق َال ال ُم َؤذ ُن‪ُ :‬‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬ ‫َ ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا‬ ‫َق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫الص َال ِة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َح ْو َل‬ ‫ول اهللِ َق َال‪َ :‬أ ْشهدُ َأ ان محمدً ا رس ُ ِ‬
‫ول اهلل‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬ح اي َع َلى ا‬ ‫ُ َ ا َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َو َال ُق او َة إِ اال بِاهللِ‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬ح اي َع َلى ا ْل َف َالحِ ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َح ْو َل َو َال ُق او َة إِ اال بِاهللِ‪ُ ،‬ث ام َق َال‪:‬‬
‫اهلل‪ ،‬مِ ْن‬
‫اهلل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال إِ َل َه إِ اال ُ‬‫هلل َأ ْك َب ُر‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬ال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ا ُ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬‬‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الانا َة» [رواه مسلم] ‪.‬‬ ‫َق ْلبِه؛ َد َخ َل َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫اإلبراهيمية‬ ‫ِفة‪ ،‬ولو ِلى بالصالة‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بأي‬ ‫ِ‬ ‫الثانية‪ :‬ثم ُيصلي على‬
‫أكم ُل‪.‬‬
‫فهي َ‬
‫اهلل للرسول ﷺ الوسـيل َة والفضـيلةَ؛ لحديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع ْم ُرو‬ ‫سأل َ‬ ‫الثالثة‪ :‬ثم َي ُ‬
‫ول‪ُ ،‬ث ام َِ ُّلوا‬ ‫ول‪« :‬إِ َذا َس ِم ْع ُت ُم ا ْل ُم َؤذ َن‪َ ،‬ف ُقو ُلوا مِ ْث َل َما َي ُق ُ‬‫ﭭ َأ ان ُه َس ِم َع النابِي ﷺ َي ُق ُ‬
‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ل َي ا ْل َوسـي َلةَ؛‬ ‫َع َل اي؛ َفإِ ان ُه َم ْن َِ الى َع َل اي َِ َال ًة َِ الى اهلل َع َل ْيه ب َها َعشـرا‪ُ ،‬ث ام َس ُلوا َ‬
‫ِ‬
‫ون َأنَا ُه َو‪َ ،‬ف َم ْن‬ ‫اد اهللِ‪َ ،‬و َأ ْر ُجو َأ ْن َأ ُك َ‬ ‫َفإِ انها من ِْز َل ٌة فِي ا ْلان ِاة‪َ ،‬ال َتنْب ِغي إِ اال لِعب ُد مِن ِعب ِ‬
‫َْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الش َفا َع ُة» [رواه مسلم](‪.)2‬‬ ‫َس َأ َل لِي ا ْل َوسـي َل َة َح ال ْت َل ُه ا‬
‫البخاري َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد‬
‫ُّ‬ ‫سؤال اهللِ الوسـيل َة والفضـيل َة جاءت فيما رواه‬ ‫ِ‬ ‫وِف ُة‬
‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪َ « :‬م ْن َق َال ِحي َن َي ْس َم ُع الندَ ا َء‪ :‬ال ال ُه ام َر اب َه ِذ ِه الدا ْع َو ِة التاا ام ِة‪،‬‬ ‫اهلل َبأ ان َر ُس َ‬
‫آت ُم َح امدً ا ا ْل َوسـي َل َة َوا ْل َفضـي َلةَ‪َ ،‬وا ْب َع ْث ُه َم َقا ًما َم ْح ُمو ًدا ا ال ِذي َوعَدْ َت ُه‪،‬‬‫والصال َِة ال َقائِم ِة ِ‬
‫َ‬ ‫َ ا‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ح ال ْت َله َش َفا َعتِي يوم ِ‬
‫الق َيا َمة» ‪.‬‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)254‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)263‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )614‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪266‬‬

‫حديث ُ‬
‫جابر ﭬ؛‬ ‫ِ‬ ‫ف ا ْل ِمي َعا َد)‪ :‬فإهنا لم َت ِر ْد يف‬ ‫فائدةٌ‪ :‬وأما زياد ُة‪( :‬إِن َاك َال ُت ْخلِ ُ‬
‫ُ‬
‫رواية عند البيهقي‪،‬‬ ‫دت يف‬ ‫ور ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصحيح‪ ،‬وإنما َ‬ ‫سائر ألفاظ‬ ‫ال يف البخاري وال يف‬
‫ِ‬
‫بالشذوذ‪ ،‬وحديث جابر له طريقان‪:‬‬ ‫وقد أع الها جمل ٌة من ُ‬
‫الح افاظ‬
‫جابر عند أحمدَ وغيره‪ ،‬ولم ِتر ْد فيه‪.‬‬ ‫الزبير عن ُ‬ ‫ِ‬ ‫أحدُ هما‪ :‬عن أبي‬
‫طريق علي بن عياش‪ ،‬ورواه عنه اثنا عشـر‪ ،‬أحدَ عشـر لم‬ ‫ِ‬ ‫وثانيهما‪ :‬من‬
‫وج ْم ٌع‪ ،‬وانفرد‬ ‫ِ‬
‫والبخاري يف ِحيحه‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫المسند‪،‬‬ ‫يذكروها؛ منهم‪ :‬اإلما ُم أحمد يف‬
‫السنن الكربى‪ ،‬فلذلك‬ ‫ِ‬
‫الطائي كما يف رواية البيهقي يف ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫بذكرها محمدُ ب ُن َع ْوف‬
‫حكم عليها بالشذوذ‪.‬‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫اص ﭬ‪ ،‬عن رس ِ ِ‬ ‫حديث َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو اق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ورد يف‬ ‫الرابعة‪ :‬ثم ُ‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫يقول ما َ‬
‫ِ‬
‫شـريك َل ُه‪،‬‬
‫َ‬ ‫الم َؤذ َن‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه َال‬ ‫َأ ان ُه َق َال‪َ « :‬م ْن َق َال حي َن َي ْس َم ُع ُ‬
‫اإل ْس َال ِم ِدينًا‪ُ ،‬غ ِف َر‬ ‫ضـيت بِاهللِ َربا‪َ ،‬وبِ ُم َح ام ُد َر ُس ً‬
‫وال‪َ ،‬وبِ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َو َأ ان ُم َح امدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬ر‬
‫بأس‪ ،‬أو بعدَ ال َفرا ِغ مِ َن‬ ‫ِ‬
‫َل ُه َذ ْن ُب ُه» [رواه مسلم] ‪ ،‬وهذه إن قالها عند َسما ِع التشهد فال َ‬
‫(‪)1‬‬

‫األذان فال بأس‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ َُ‬
‫(ث هم يدعو هنا‪ ،‬وعِند اإلقام ِة)‪ :‬الخامس ُة‪ :‬ثم بعدَ ذلك ُيشـرع الدعا ُء؛ ألنه‬
‫ول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ك ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ُ‬
‫الرتمذي َع ْن َأن ِ ْ َ‬ ‫ُّ‬ ‫روى‬ ‫ُ‬
‫َموط ُن إجابة؛ لما َ‬
‫ِ‬
‫روى أبو داو َد َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع ْم ُرو‬ ‫ِ (‪)2‬‬
‫اإل َقا َمة» ‪ ،‬ولما َ‬ ‫ان َو ِ‬ ‫«الدُّ َعاء َال يرد بين األَ َذ ِ‬
‫ُ ُ َ ُّ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ﭭ َأ ان رج ًال َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪ُ « :‬ق ْل‬ ‫ين َي ْف ُض ُلو َننَا‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ول اهلل إِ ان ُ‬
‫الم َؤذن َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ون‪َ ،‬فإِ َذا ا ْنت ََه ْي َت َف َس ْل ُت ْع َط ْه»(‪.)3‬‬‫ك ََما َي ُقو ُل َ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )366‬من حديث سعد بن أبي وقاص ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)212‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)2612‬وأحمد (‪ )12200‬و (‪ ،)12564‬وابن خزيمة‬
‫(‪ ،)425‬وابن حبان (‪ )1626‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)244‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)524‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)2162‬وأحمد (‪ ،)6601‬وابن حبان (‪ )1625‬من حديث‬
‫عبداهلل بن عمرو ﭬ‪ .‬وِححه األلباين «ِحيح أبي داود (‪.»)531‬‬

‫‪266‬‬
‫‪267‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬
‫ه ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ُ‬ ‫َ ُُ َ َ ََ‬
‫ج ِد بِال عذر‪ ،‬أو نِي ِة رجوع)‪.‬‬ ‫ان‪ :‬اخلروج مِن المس ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وَيرم بعد األذ ِ‬
‫خرج منه‪.‬‬ ‫أن َي ُ‬ ‫دخل المسادَ الذي ُأذن فيه ْ‬ ‫المؤذن َح ُرم على َمن َ‬ ‫ُ‬ ‫إذا أ اذن‬
‫الم ْس ِا ِد َم َع َأبِي‬ ‫ِ‬ ‫ويدُ ل لـه‪ :‬ما رواه مسلم َعن َأبِي ا ِ‬
‫الش ْع َثاء َق َال‪ُ « :‬كناا ُق ُعو ًدا في َ‬ ‫ٌ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الم ْس ِاد َي ْمشـي َف َأ ْت َب َع ُه َأ ُبو ُه َر ْي َر َة َبصـر ُه‬ ‫ِ‬
‫ُه َر ْي َر َة ﭬ‪َ ،‬ف َأ اذ َن ُ‬
‫الم َؤذ ُن‪َ ،‬ف َقا َم َر ُج ٌل م َن َ‬
‫اس ِم ﷺ»(‪.)1‬‬ ‫حتاى َخرج مِن المس ِا ِد‪َ ،‬ف َق َال َأبو ُهريرةَ‪َ :‬أما َه َذا‪َ ،‬ف َقدْ َعصـى َأبا ا ْل َق ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َْ ا‬ ‫َ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫قال الرتمذي‪ :‬وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أِحاب النبي ﷺ‪ ،‬ومن‬
‫عذر‪ :‬أن يكون على غير‬ ‫بعدهم‪ :‬أن ال يخرج أحدٌ من المساد بعد األذان‪ ،‬إال من ُ‬
‫أمر ال بد منه(‪.)2‬‬ ‫وضوء‪ ،‬أو ُ‬ ‫ُ‬
‫المساد بعد‬ ‫ِ‬ ‫الخروج مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫(بِال ُعذر‪ ،‬أو ن هِي ِة ُر ُجوع)‪ُ :‬يستثنى مِن عدَ ِم َج ِ‬
‫واز‬
‫ِ‬
‫أمران‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األذان‬
‫حصل له‬ ‫لمساد َ‬ ‫ُ‬ ‫ذر يف الخروج؛ كأن َي َ‬
‫آخ َر‪ ،‬أو َ‬ ‫كون إما ًما‬ ‫األول‪َ :‬من كان لـه ُع ٌ‬
‫ُعذر َيمن ُعه مِن الصالة يف هذا المساد‪ ،‬فياوز له الخروج‪.‬‬
‫رعف‪ ،‬أو كان حاقنًا‪.‬‬ ‫كإنسان ُيريدُ الوضو َء‪ ،‬أو َ‬ ‫ُ‬ ‫الرجوع؛‬ ‫خرج ونوى‬
‫َ‬ ‫الثاين‪ :‬إذا َ‬
‫الصالَ ُة‬ ‫الشـيخان َعن َأبِي ُهرير َة ﭬ َق َال‪ُ « :‬أقِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يمت ا‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ويدل لذلك‪ :‬ما رواه‬
‫ام فِي ُم َص اال ُه‪َ ،‬ذك ََر َأ ان ُه‬ ‫وف قِياما‪َ ،‬ف َخرج إِ َلينَا رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ ،‬ف َل اما َق َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ‬ ‫الص ُف ُ َ ً‬ ‫َو ُعد َلت ُّ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال َلنَا‪َ « :‬م َكا َن ُك ْم»‪ُ ،‬ث ام َر َج َع َفا ْغت ََس َل‪ُ ،‬ث ام َخ َر َج إِ َل ْينَا َو َر ْأ ُس ُه َي ْق ُط ُر‪َ ،‬ف َك اب َر‬ ‫ُجنُ ٌ‬
‫َف َص ال ْينَا َم َع ُه»(‪.)3‬‬
‫وقد جاء يف ذلك وعيدٌ كما عند ال اط َب َرانِ ّي‪َ ،‬عن أبي ُه َر ْي َرة ﭬ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ‪،‬‬
‫ثم َال َيرج ُع إ ِ َل ْي ِه إ ا‬
‫ال‬ ‫اجة‪ -‬ا‬
‫ادي ثم يخرج مِنْه ‪-‬إِ اال لح ُ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ا‬
‫َو َلف ُظه‪َ « :‬ال َيسم ُع النداء فِي مس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )655‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬تحفة األحوذي (‪.)632/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)215‬ومسلم (‪ )605‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪268‬‬

‫ُمنَافِق»(‪.)1‬‬
‫أكثر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والنهي ُمتعل ٌق باألذان‪ ،‬وتعلي ُقه‬
‫للنصوص‪ ،‬وعلى ذلك ُ‬ ‫مخالف‬
‫ٌ‬ ‫أيضا‬
‫باإلقامة ً‬ ‫ُ‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫المؤذن على أذانِه من المال‪ ،‬له حالتان‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫مسألة‪ :‬ما َي ُ‬
‫أخذه‬
‫األذان ُقربةٌ‪ ،‬وال َي ُ‬
‫اوز‬ ‫َ‬ ‫اوز؛ ألن‬ ‫ِ‬
‫اإلجارة‪ ،‬فإنه ال َي ُ‬ ‫باب‬‫األُولى‪ :‬إن كان مِن ِ‬
‫بن أبي العاص ﭬ‪:‬‬ ‫لعثمان ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫جرة على ال ُقرب؛ ول ِ‬
‫قول‬ ‫أخذ األُ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫خ ْذ ُم َؤذنًا َال َي ْأ ُخ ُذ َع َلى َأ َذان ِ ِه َأ ْج ًرا»(‪.)2‬‬
‫«وا ات ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المساد‬ ‫شخص‪َ :‬من أ اذن هبذا‬ ‫الاعالة جاز؛ كأن َ‬
‫يقول‬
‫ٌ‬ ‫الثانية‪ :‬إن كان من باب ُ‬
‫بيت‬ ‫المؤذن على أذانه مِن ِ‬
‫ُ‬ ‫الرزق وهو ما ُيع َطى‬ ‫فله كذا‪ُ ِ ،‬‬
‫بغير عقد وال إلزامُ‪ ،‬وكذا ا‬
‫جائز‪.‬‬
‫اليوم بالراتب‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫َ‬ ‫المال‪ ،‬و ُيسمى‬
‫كره»‪ ،‬وقال يف [الشـرح‬‫حرم وال ُي َ‬ ‫ُ‬
‫الشـيخ محمدُ ب ُن إبراهيم‪« :‬وال َي ُ‬ ‫قال‬
‫َعلم فيه ِخالفًا»‪.‬‬
‫الكبير]‪« :‬ال ن ُ‬
‫مسألة‪ :‬لألذان ِِ ِ‬
‫فتان‪:‬‬
‫المشهور يف بالدنا‪.‬‬ ‫بالل ﭬ‪ ،‬وهو‬ ‫أذان ُ‬
‫األولى‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫وألفاظ اإلقامة فيه إحدى عشـر َة‬ ‫خمس عشـر َة جملةً‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وألفاظ األذان فيه‬
‫جمل ًة(‪.)3‬‬
‫الثاني ُة‪ُ :‬‬
‫أذان أبي َمحذور َة ﭬ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف المعام األوسط (‪ )3642‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال الطرباين‪« :‬لم يرو هذا الحديث‬
‫ً‬
‫موِوال عن أبي هريرة‪ ،‬عن ِفوان وأبي حازم إال ابن أبي حازم‪ ،‬تفرد به‪ :‬أبو مصعب»‪ .‬وِححه األلباين يف‬
‫السلسلة الصحيحة (‪.)56/6‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)531‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)23/2‬وأحمد (‪ ،)16210‬وابن خزيمة (‪ ،)423‬والحاكم يف‬
‫المستدرل ‪ 314/1‬من حديث عثمان بن أبي العاص ﭬ‪ .‬وِححه ابن خزيمة‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وابن عبدالهادي يف‬
‫تنقيح التحقيق (‪ ،)163/4‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)1422‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)250‬‬

‫‪266‬‬
‫‪269‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫بالل إال أنه ُيكرر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬


‫أذان‬ ‫مثل‬‫سع عشـر َة جملةً‪ ،‬وهو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وألفاظ األذان فيه ت َ‬
‫مرتين بصوت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫نخفض ثم‬ ‫بصوت ُم‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫مرتين‬ ‫واحدة أربع مر ُ‬
‫ات‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫كل‬ ‫ين ا‬ ‫الشهاد َت ِ‬
‫َ َا‬
‫ان‪:‬‬ ‫ور َة ﭬ َأ ان َنبِي اهللِ ﷺ َع ال َم ُه َه َذا ْاألَ َذ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫ورد عند مسلم َع ْن َأبِي َم ْح ُ‬ ‫َ‬ ‫وقد‬ ‫ع‪،‬‬ ‫م ِ‬
‫رتف‬ ‫ُ‬
‫ا‬
‫اهلل‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا‬ ‫اهلل‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬ ‫اهلل َأ ْك َب ُر‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫هلل َأ ْك َب ُر ُ‬ ‫«ا ُ‬
‫ول‪َ « :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫ول اهللِ»‪ُ ،‬ث ام َي ُعو ُد َف َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َر ُس ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ح اي‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َر ُس ُ‬ ‫َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َر ُس ُ‬
‫ِ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر َال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل»(‪.)1‬‬ ‫الص َالة َم ار َت ْي ِن‪َ ،‬ح اي َع َلى ا ْل َف َالحِ َم ار َت ْي ِن ُ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬ ‫َع َلى ا‬
‫ول‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬أ ْش َهدُ‬ ‫ور َة ﭬ‪ُ « :‬ث ام َت ُق ُ‬ ‫عن َأبِي َم ْح ُذ َ‬ ‫وعند أبي داو َد ْ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ت ْخ ِف ُض‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َر ُس ُ‬ ‫َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َر ُس ُ‬
‫بِها ِو َت َك‪ُ ،‬ثم َتر َفع ِو َت َك بِ ا ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫الش َها َدة‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬ ‫ا ْ ُ َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ول اهلل‪. »...‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َر ُس ُ‬ ‫َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َر ُس ُ‬
‫بالل‪ ،‬إال أنه َيزيد فيه‪:‬‬ ‫ان ُ‬ ‫مثل أذ ِ‬ ‫سبع عشـر َة جملة‪ ،‬وِف ُته ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وألفاظ اإلقامة فيه َ‬
‫(قد قامت الصالة) مرتين‪.‬‬
‫بعض مؤذين‬ ‫لصحة األحاديث هبما‪ ،‬فقد كان ُ‬‫ِ‬ ‫ومشـروع؛‬ ‫وكِال الصفتين ٌ‬
‫جائز‬
‫ٌ‬
‫ذهب اإلما ُم‬‫ثابت وسنةٌ‪ ،‬وإلى هذا َ‬
‫فكل ٌ‬‫وبعض هبذا‪ٌّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُيؤذن هبذا‬
‫شـيخ اإلسالمِ‪ ،‬فهو‬ ‫ُ‬
‫وإسحاق‪ ،‬وأبو بكر ب ُن أبي شـيبةَ‪ ،‬واب ُن ُخزيمةَ‪ ،‬واختاره ُ‬ ‫أحمدُ ‪،‬‬
‫َ‬
‫أن أذان بالل مقدم؛ ألنه لم يختلف فيه‪ ،‬وألنه األذان الذي‬ ‫التنوع‪ ،‬إال ا‬ ‫ِ‬
‫من اختالف ُّ‬
‫ذهب اإلما ُم‬
‫كان يؤذن به يف المدينة بين يدي رسول اهلل ﷺ وخلفائه الراشدين‪ ،‬ولذا َ‬
‫جائزا‪.‬‬
‫الكل ً‬‫أحمدُ إلى تقديمه على أذان أبي محذورةَ‪ ،‬وإن كان ُّ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )312‬من حديث أبي محذورة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)252‬‬

‫‪262‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪270‬‬

‫ِ‬
‫اإلقامة؟ ال تخلو المسأل ُة من حاالت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫للصالة عند‬ ‫مسألة‪ :‬متى َيقو ُم المأمو ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلقامة‪ ،‬فال يقوموا‬ ‫للمساد ويراه المأمومون َ‬
‫قبل‬ ‫خرج اإلما ُم‬ ‫األُولى‪ :‬أن َي ُ‬
‫ِ‬
‫اإلقامة‪.‬‬ ‫لمارد رؤيتِه بال خالف‪ ،‬وإنما َيقومون عند َسما ِع‬ ‫ِ‬
‫عن ِ‬
‫تأخ َر اإلما ُم ِ‬
‫ِ‬
‫الخروج‪.‬‬ ‫القيا ِم أو عن‬ ‫الثانية‪ :‬أن ُت َ‬
‫قام الصال ُة و َي ا‬
‫اختيار ِ‬
‫ابن رجب(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫ذره‪ ،‬وهذا‬ ‫فرغ مِن حاجتِه و ُع ِ‬ ‫فال يقومون حتى َي ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا‬ ‫قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ويدل له‪ :‬ما يف الصحيحين عن َأبِي َقتَا َد َة ﭬ َ‬
‫َس ب ِن مال ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الصالَ ُة‪َ ،‬فالَ َت ُقو ُموا َحتاى َت َر ْونِي»(‪ ،)2‬ويف‬ ‫ُأقِ ِ‬
‫كﭬ‬ ‫الصحيحين َع ْن َأن ِ ْ َ‬ ‫يمت ا‬ ‫َ‬
‫اد‪َ ،‬ف َما َقا َم إِ َلى‬ ‫ِ‬ ‫ب المس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَ ُة َوالناب ِ ُّي ﷺ ُينَاجي َر ُج ًال في َجان ِ َ ْ‬ ‫يمت ا‬ ‫َق َال‪ُ « :‬أق َ‬
‫لوسا؛ إذ لو كانوا قِيا ًما لكان‬ ‫الصالَة َحتاى نَا َم ال َق ْو ُم» ‪ ،‬ونَو ُمهم َيدُ ل أهنم كانوا ُج ً‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫ا‬
‫وأهو ُن‪ ،‬إال إن كانت حاج ُته قصـيرةً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وأيضا هو أر َف ُق هبم‬ ‫النو ُم بعيدً ا عنهم‪ً ،‬‬
‫قام الصال ُة بعد ُدخوله المسادَ وإقبالِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يقوم اإلما ُم مع اإلقامة‪ ،‬أو ُت َ‬ ‫الثالثة‪ :‬أن َ‬
‫اإلقامة‪ْ ،‬أو مع‬‫ِ‬ ‫فإن قام مع ِ‬
‫أول‬ ‫نص يف تحديد اللفظة التي يقام عندها‪ْ ،‬‬ ‫فال يوجد ٌّ‬
‫اإلقامة؛ مِن‬
‫ِ‬ ‫راغه مِ َن‬‫قبل َف ِ‬
‫قوم َ‬ ‫أن األَو َلى أن َي َ‬ ‫حس ٌن‪ ،‬إال ا‬ ‫لفظ ( َقدْ َقا َم ْت) ف ُك ُّل ذلك َ‬
‫ِ‬
‫والحس ِن ِ‬
‫بن‬ ‫تكبير اإلمام‪ ،‬وقد ُر ِوي عن ُ‬
‫أنس‬ ‫ِ‬ ‫االستعداد وتعدي ِل الصف قبل‬ ‫ِ‬ ‫أج ِل‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أن ال‬ ‫حسن ْ‬ ‫علي ﭫ أهنما كانا يقومان مع قوله‪( :‬قد قامت) ‪ ،‬وهما ِحابيان‪ ،‬ف َي ُ‬
‫(‪)4‬‬

‫الوقت‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يتأخ َر عن هذا‬ ‫ا‬


‫قول‬‫أربع تكبيرات‪ ،‬وعليه الامهور‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫التكبير يف اأو ِل األذان‪ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫مسألة‪ :‬عد ُد‬
‫َ‬
‫وإسحاق‪.‬‬ ‫اإلما ِم أبي َحنِيفةَ‪ ،‬والثوري‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمدَ ‪،‬‬
‫زيد وأبي َمحذور َة ﭭ‪،‬‬ ‫بن ُ‬ ‫عبداهلل ِ‬‫األحاديث الوارد ُة يف هذا َعن ِ‬ ‫ُ‬ ‫ويدل لـه‪:‬‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬فتح الباري (‪.)412/5‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)631‬ومسلم (‪ )604‬من حديث أبي قتادة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)642‬ومسلم (‪ )316‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)356/1‬‬

‫‪210‬‬
‫‪271‬‬ ‫ن وَاإلِقَامَةِ‬
‫ب األَذَا ِ‬
‫بَا ُ‬

‫ِ‬
‫اثنتان‪ ،‬فيااب عنه بما‬ ‫ورد عند ُم ُ‬
‫سلم أنه‬ ‫ِ‬
‫التكبير أرب ًعا يف أول األذان‪ ،‬وأما ما َ‬
‫ُ‬ ‫وفيها‬
‫يلي‪:‬‬
‫مسلم أرب ًعا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بعض ِ‬
‫نسخ‬ ‫ِ‬ ‫ورد يف‬ ‫أنه َ‬
‫ِ‬
‫االثنتين(‪.)1‬‬ ‫لألحاديث األخرى‪ ،‬ف ُتقدا م على‬ ‫ِ‬ ‫ثقة موافق ٌة‬‫أن األربع زياد ُة ُ‬ ‫و ا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األذان‪:‬‬ ‫يب يف‬ ‫مسألة‪ :‬الت ِ‬
‫اطر ُ‬
‫البخاري‪:‬‬ ‫النوع مكروه‪ ،‬وقد َخ ار َج‬ ‫ونحوه‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫الغ ِ‬
‫ناء‬ ‫أوزان ِ‬
‫ِ‬ ‫وهو َت ْل ِحينُه على‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫فطر َب يف أذانِه‪ ،‬فقال له‪« :‬أذ ْن أذانًا َس ْم ًحا وإال‬ ‫بن عبدالعزيز أ اذن ا‬
‫أن مؤذنًا لعمر ِ ِ‬
‫ُ ََ‬ ‫ا‬
‫بغ ُضك يف اهلل؛ إنك َت ِ‬ ‫لمؤذن‪« :‬إين ُأ ِ‬‫ُ‬
‫بغي‬ ‫ابن ُع َم َر ﭭ أنه قال‬ ‫عن ِ‬ ‫وروي ِ‬ ‫فاعت َِز ْلنا»‪ُ ،‬‬
‫والتطريب فيه‪ ،‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫المشـروع بت َْمطيطِه‬
‫َ‬ ‫تااو ُز الحدا‬ ‫شـير إلى أنه َي َ‬ ‫يف أذانك»‪ُ ،‬ي ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ث؛ يعني لم ي ُكن على ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫عهد‬ ‫ْ‬ ‫اإلما ُم أحمدُ يف التطريب يف األذان‪ :‬هو ُمحدَ ٌ َ‬
‫ُ‬
‫وإسحاق(‪.)2‬‬ ‫والشافعي‪،‬‬ ‫مالك‪،‬‬ ‫كرهه ٌ‬ ‫ﷺ‪ ،‬وكذا ِ‬
‫ُّ‬
‫لوقت واحد‪ ،‬ولذا قال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واحد‬ ‫ُ‬
‫مساد‬ ‫ظاهر السنة أنه ال يشـرع إعاد ُة األذان يف‬ ‫و ُ‬
‫ادُ وا إِ اال َأ ْن‬ ‫الصف األَ او ِل‪ُ ،‬ثم َلم َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْ‬ ‫ااس َما في الندَ اء َو ا‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل ْو َي ْع َل ُم الن ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫األذان ال‬ ‫دليل على ا‬
‫أن‬ ‫ال ْست ََه ُموا» [متفق عليه](‪ .)3‬قال اب ُن رجب‪« :‬هذا ٌ‬ ‫َي ْست َِه ُموا َع َل ْي ِه َ‬
‫أذان الفار‪ ،‬وإال فلو شـرعت إعاد ُته لما‬ ‫ِ‬ ‫ُيشـرع إعاد ُته مر ًة بعد مرة‪ ،‬إال يف‬
‫جماعة وقد ُأذن فيه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫مساد‬ ‫واحد»(‪ ،)4‬فإذا جئت إلى‬ ‫ُ‬ ‫است ََهموا‪ ،‬وأل اذن واحدٌ بعد‬
‫باإلقامة فقط‪.‬‬‫ِ‬ ‫وفا َتتْك الاماع ُة‪ ،‬فال ُيشـرع لك إعاد ُة األذان‪ ،‬ولكن َتكتفي‬
‫والمأثور عن السلف عند سماع األذان تأمل ألفاظه‪ ،‬ومتابعته والتأثر به‪ ،‬ولهم يف‬
‫ٌ‬
‫أحوال‪:‬‬ ‫ذلك‬

‫(‪ )1‬فتح الباري البن رجب (‪.)201/5‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري البن رجب (‪.)212/5‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)240‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري البن رجب (‪.)162/5‬‬

‫‪211‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪272‬‬

‫أِ َغ ْت‬ ‫المؤذن لم َي ْب َق داب ُة نبر وال َب ُ‬


‫حر إال ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحسن قال‪« :‬إذا أ اذن‬ ‫روي ِ‬
‫عن‬
‫واستمعت‪ ،‬قال‪ :‬ثم بكى الحس ُن ُبكا ًء شديدً ا»‪.‬‬
‫َ‬ ‫مران الاوين إذا ِ‬ ‫ِ‬
‫األذان تغ اير لو ُنه وفاضت عيناه‪ ،‬فلما ُسئل عن‬ ‫سمع‬ ‫وكان أبو ع َ َ ْ‬
‫العرض‪ ،‬ثم ُغشـي عليه‪ ،‬وحكِي مث ُله عن ج ُ‬ ‫ِ‬
‫ملة من‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك قال‪ُ :‬أ َشبهه بالصـريخ َ‬
‫يوم‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫ِ‬
‫المساد‪ ،‬فأ اذن‪ ،‬فبكى‪ ،‬ثم قال‪ :‬أشبهه بالنداء(‪.)1‬‬ ‫ضـيل ب ُن ِع ُ‬
‫ياض يف‬ ‫وكان ال ُف ُ‬

‫(‪ )1‬الفتح البن رجب (‪.)300/5‬‬

‫‪212‬‬
‫‪273‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫‪e‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫بابُ شُرُو ِ‬
‫‪F‬‬

‫ٌ‬
‫وأركان‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫شـروأ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫شـروأ الصالة وأحكامها‪ ،‬والصال ُة لها‬ ‫ع َقد هذا الباب ِ‬
‫لبيان‬ ‫َ‬
‫ومستحبات‪ ،‬ويأيت ُ‬
‫بيان ذلك كله‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وواجبات‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫والشـروأ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األركان‬ ‫وال َف ُ‬
‫رق بين‬
‫األركان ف ُك الما َفرغ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬أ اما‬ ‫الشـروأ ال ُبدا مِ ِن استِ ِ‬
‫مرارها إلى َفرا ِغ‬ ‫َ‬ ‫أوال‪ :‬ا‬
‫أن‬ ‫ً‬
‫كن َ‬
‫آخ َر‪.‬‬ ‫َقل إلى ُر ُ‬ ‫مِن ُ‬
‫ركن انت َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫سـيان وال َع ِ‬ ‫ِ‬
‫األركان فال‬ ‫از‪ ،‬أ اما‬ ‫الاملة قد َتس ُقط َ‬
‫بالاه ِل والن‬ ‫ُ‬
‫الشـروأ يف ُ‬ ‫ثان ًيا‪:‬‬
‫َتس ُقط ُمطل ًقا‪.‬‬
‫تكون قب َلها‪ ،‬وأ اما أركا ُنها ففي أثنائها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫ُ‬
‫شـروأ‬ ‫ثال ًثا‪:‬‬
‫َ ه َُ َ ُ‬
‫الق َ‬
‫درة ِ)‪.‬‬ ‫زي‪ ،‬وكذا‪ :‬الطهارة مع‬ ‫والع ْق ُل‪ ،‬واتلهمي ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌَ‬
‫ويه ت ِسعة‪ :‬اإلسالم‪،‬‬ ‫قوهل‪َ ِ ( :‬‬
‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫ٌَ‬ ‫( َِ‬
‫ويه ت ِسعة‪ :‬اإلسالم)‪ :‬فال تصح ِالة الكافر‪.‬‬
‫َْ ُ‬
‫(والعقل)‪ :‬فال تصح ِالة المانون‪.‬‬
‫زي)‪ :‬وهو من عمره سبع سنين فال تصح ِالة من دوهنا ولذا أمر النبي‬ ‫(واتلهمي ُ‬
‫ِِ‬
‫بأمره بالصالة إذا بلغ سبعًا‪.‬‬
‫التمييز يف الحج فإناه ال‬ ‫َ‬ ‫تص ُّح بدُ ونِها‪ ،‬اإال‬ ‫ُ‬
‫عبادة فال ِ‬ ‫شـروأ يف كل‬ ‫ٌ‬ ‫وهذه الثالث ُة‬
‫غير ُ‬ ‫ِ‬
‫مميز كما يأيت بيا ُنه يف كتاب الحج‪ ،‬ولذا‬ ‫حج الصبي ولو كان َ‬ ‫ُيشرت َُأ بل يص ُّح ُّ‬
‫ِ‬ ‫لمعرفتِها‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬
‫واشتهارها‪.‬‬ ‫الشـروأ الثالث َة َ‬ ‫العلماء ال َيذ ُكرون هذه‬ ‫بعض‬ ‫فإن َ‬
‫درة ِ)‪ :‬فالطهار ُة مِن الحدَ ِ‬ ‫ُ‬
‫مع الق َ‬ ‫ه َ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ث األكربِ واألِ َغر شرأ‬ ‫َ‬ ‫(وكذا‪ :‬الطهارة‬
‫لصحة الصالة؛ لحديث أبي ُهرير َة ﭬ أن النابِي ﷺ َق َال‪َ « :‬‬
‫ال َي ْق َب ُل ُ‬
‫اهلل َِالَ َة‬

‫‪213‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪274‬‬

‫ِ‬
‫وحديث ِ‬
‫ابن ُع َم َر ﭭ مرفوعًا‪َ « :‬ال‬ ‫ث َحتاى َيت ََو اض َأ» [متفق عليه](‪،)1‬‬ ‫َأ َح ِد ُك ْم إِ َذا َأ ْحدَ َ‬
‫ِ‬
‫الطهارة‬ ‫ور‪َ ،‬و َال َِدَ َق ٌة مِ ْن ُغ ُل ُ‬
‫ول» [رواه مسلم](‪ .)2‬وس َبق ُ‬
‫بيان‬ ‫ُت ْق َب ُل َِ َال ٌة بِ َغ ْي ِر ُط ُه ُ‬
‫ِ‬
‫الطهارة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كتاب‬ ‫وأحكامِها يف‬
‫قت)‪.‬‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫قوهل‪( :‬اخلامس‪ :‬دخول الو ِ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫دخ َل ُ‬
‫وقت‬ ‫أن َي ُ‬ ‫فيشرتأ ْ‬
‫ويدُ ُّل لـه أدل ٌة كثيرةٌ‪ :‬كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾‬
‫[اإلسـراء‪ ،]16 :‬وقوله‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [النساء‪.]103 :‬‬
‫الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َها»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫لص َالة َو ْق ٌت ك ََو ْقت ا ْل َحج‪َ ،‬ف َص ُّلوا ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َق َال ا ْب ُن َم ْس ُعود ﭬ‪« :‬ل ا‬
‫ربيل حي َن‬ ‫حديث ِج َ‬ ‫ِ‬ ‫المب اين يف‬ ‫ِ‬
‫اهلل ال تص ُّح إال به وهو ُ‬ ‫وقت شـرطه ُ‬ ‫فالصال ُة لها ٌ‬
‫الخمس‪ ،‬ثم قال‪« :‬ا ْل َو ْق ُت َبيْ َن َه َذ ْي ِن»(‪.)4‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالصلوات‬ ‫أم النبي ﷺ‬
‫ا ا‬
‫قبل‬‫المغرب َ‬
‫َ‬ ‫غير جمعُ‪ ،‬فلو ِ الى‬ ‫الصالة على وقتِها يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقديم‬
‫ُ‬ ‫ياوز‬
‫ُ‬ ‫فال‬
‫ِ‬
‫األئمة‬ ‫تص اح ِال ُته و َي َلز ُمه اإلعاد ُة‪ ،‬وهذا قول‬ ‫الزوال لم ِ‬
‫ِ‬ ‫قبل‬‫الظهر َ‬ ‫ِ‬
‫الغروب أو‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األربعة‪.‬‬
‫فرائضها‪ ،‬وأهنا‬ ‫ِ‬ ‫الصالة مِن‬
‫ِ‬ ‫وقت‬
‫أن َ‬ ‫خالف بين الع ِ‬
‫لماء ا‬ ‫عبد ال َبر‪« :‬ال‬‫وقال ابن ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫قبل وقتِها»(‪.)5‬‬ ‫از ُ َ‬ ‫ال ُت ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)6254‬ومسلم (‪ )225‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )224‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبدالرزاق يف مصنفه (‪.)535/1‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)323‬والرتمذي (‪ ،)142‬وأحمد (‪ )3061‬من حديث ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«أمني جربيل ڠ عند البيت مرتين ‪ ،»...‬وروى مسلم (‪ )614‬من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ أن‬
‫رسول اهلل ﷺ أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصالة‪ ،‬فلم يرد عليه شـيئًا ‪ ،...‬ثم قال‪ :‬الوقت بين هذين‪.‬‬
‫(‪ )5‬التمهيد (‪ ،)363/2‬تفسـير ابن كثير (‪ ،)403/2‬فتح الباري (‪.)162/2‬‬

‫‪214‬‬
‫‪275‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬
‫ِّ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ َ ُّ ُ ِّ َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ َ ُ ُّ‬
‫ري ظِ ل ُك َشء مِثله‪ِ ،‬س َوى ظِ ل‬ ‫وال‪ ،‬إىل أن ي ِص‬‫هر‪ :‬مِن الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫الظ‬ ‫قوهل‪( :‬فوقت‬
‫ال)‪.‬‬ ‫ه َ‬
‫الزو ِ‬
‫خرج؟‬ ‫ُ‬ ‫الوقت َف ْر ٌض ب اين هنا‪ :‬متى َي ُ‬ ‫لما ب اين ا‬
‫وقت كل ِالة ومتى َي ُ‬ ‫دخل ُ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫العلماء؛ َقا َله ابن ا ْلمن ِْذ ِر وابن َعبدِ‬ ‫ِ‬
‫فوقت الظهر‪َ :‬يبدأ إ َذا َزا َلت ا‬
‫الش ْم ُس بإجما ِع‬ ‫ُ‬
‫َ ْ ُ ْ‬ ‫ُ ْ ُ ُ‬
‫نحو‬‫ا ْل َبر ؛ لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [اإلسـراء‪ ،]16 :‬أي ميلِها َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫األول‬ ‫جابر ﭬ‪« :‬أن جربيل ڠ ِ الى بالنبي ﷺ يف اليو ِم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ولحديث‬ ‫ال ُغ ِ‬
‫روب‪،‬‬
‫الشمس‪.)2(»...‬‬ ‫حين زا َل ِ‬
‫ت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت ا‬
‫الش ْم ُس»(‪.)3‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬و ْق ُت ال ُّظه ِر إِ َذا َزا َل ِ‬‫وروى مسلم َأ ان َر ُس َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِّ ه َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُّ ُ ِّ َ‬
‫ِ‬
‫الظهر‬ ‫ال)‪ :‬أي ويخرج ُ‬
‫وقت‬ ‫(إىل أن ي ِصري ظِ ل ُك َشء مِثله‪ِ ،‬سوى ظِ ل الزو ِ‬
‫ُ‬
‫شـيء مِث َله‪.‬‬ ‫ظل كل‬‫إذا ِار ُّ‬
‫ه َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ال)‪ :‬وهو القدر الباقي من الظل عند الزوال‪ ،‬فإذا ضبطت الظل‬ ‫( ِسوى ظِ ل الزو ِ‬
‫الذي زالت عليه الشمس وبلغت الزيادة عليه قدر الشاخص‪ ،‬فقد انتهى وقت‬
‫َان ظِ ُّل‬
‫الش ْم ُس َوك َ‬‫ت ا‬ ‫الظهر ودخل وقت العصـر؛ لقوله ﷺ‪« :‬و ْق ُت ال ُّظه ِر إِ َذا َزا َل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مالك‪،‬‬‫ُ‬ ‫قول اإلما ِم‬‫الر ُج ِل َك ُطول ِ ِه‪َ ،‬ما َل ْم َي ْحضـر ا ْل َعصـر» [رواه مسلم](‪ ،)4‬وهذا ُ‬ ‫ا‬
‫والشافعي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ه َ َ ُّ ُ ِّ‬ ‫َ ُ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫صري ظِ ل ُك َشء مِثلي ِه‪ِ ،‬س َوى‬ ‫َص‪ ،‬حَت ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار للع‬ ‫قوهل‪( :‬ث هم يلِي ِه‪ :‬الوقت المخت‬
‫وب)‪.‬‬ ‫ُُ‬ ‫الز َو ُ ه ُ َ ُ َ ُ َ‬ ‫ظِ ِّل ه‬
‫ال‪ .‬ثم هو وقت َضورة‪ ،‬إىل الغر ِ‬ ‫ِ‬
‫ظل الرج ِل مِث َله‪ ،‬وهذا‬ ‫الظهر‪ ،‬أي إذا ِار ُّ‬ ‫ِ‬ ‫خروج ِ‬
‫وقت‬ ‫ِ‬ ‫وقت العصـر‪َ :‬يبد ُأ مِن‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬المغني البن قدامة (‪.)2/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)150‬والنسائي (‪ ،)263/1‬وأحمد (‪ )14536‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪ :‬وقال محمد ‪-‬أي البخاري‪« :-‬أِح شـيء يف المواقيت حديث جابر‪ ،‬عن النبي ﷺ»‪ .‬وِححه‬
‫األلباين يف اإلرواء (‪.)250‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )612‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )612‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪276‬‬

‫وأحمدُ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫والشافعي‪،‬‬ ‫مالك‪،‬‬ ‫العلم؛ منهم‪ٌ :‬‬ ‫ِ‬ ‫أكثر أه ِل‬ ‫قول ِ‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫اليومين‪ ،‬ويف اليو ِم‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫جابر ﭬ‪« :‬يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫و َيدُ ُّل لـه‪:‬‬
‫ظل الرج ِل مِث َله»‪.‬‬ ‫األول ِ الى العصـر حين ِار ُّ‬ ‫ِ‬
‫َض َ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫ِّ ه َ ُ ه ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ َ ُّ ُ ِّ‬
‫ورة‪ ،‬إىل‬ ‫ال‪ .‬ثم هو و‬ ‫صري ظِ ل ُك َشء مِثلي ِه‪ِ ،‬سوى ظِ ل الزو ِ‬ ‫(حَت ي ِ‬
‫ِ‬ ‫الغ ُروب)‪ :‬لِلعصـر و ِ‬ ‫ُ‬
‫راري‪.‬‬
‫اختياري واضط ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫قتان‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫كراهة‪.‬‬ ‫ؤخ َر الصال ُة إليه مِن ِ‬
‫غير‬ ‫ياوز أن ُت ا‬ ‫ُ‬ ‫فاالختياري‪:‬‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫حاجة‪.‬‬ ‫راري‪ :‬ينهى عن تأخيرها إليه ِ‬
‫لغير‬ ‫ِ‬
‫واالضط ُّ‬
‫أن يصير ظل كل شيء‬ ‫الظهر إلى ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقت‬ ‫ِ‬
‫خروج‬ ‫ختار‪ :‬ف َيبد ُأ مِن‬ ‫الم ُ‬ ‫أما وق ُتها ُ‬
‫ه َ َ ُّ ُ ِّ‬ ‫ُ‬
‫صري ظِ ل ُك َشء‬ ‫أن ُيؤد َيها يف أي وقت منه‪ ،‬وعرب عنه بقوله‪( :‬حَت ي ِ‬ ‫مثليه‪ ،‬فله ْ‬
‫للسن ِاة‪.‬‬ ‫ب‬ ‫أقر‬ ‫كان‬ ‫هبا‬ ‫ر‬ ‫ا‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫وكلما‬ ‫‪،‬‬‫)‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫مِثلَيه‪ ،‬س َوى ظِ ل ه‬
‫الز َ‬ ‫ِّ‬
‫َ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أن يصير ظل كل شيء مثليه إلى الغروب‪،‬‬ ‫حين ْ‬ ‫ِ‬ ‫فمن‬ ‫الضـرورة‪ِ :‬‬‫ِ‬ ‫وقت‬
‫وأما ُ‬
‫ِ‬
‫بغروب‬ ‫خر ُج إال‬ ‫الوقت أدا ٌء ال َقضا ٌء؛ ا‬ ‫ِ‬
‫وقت العصـر ال َي ُ‬ ‫َ‬ ‫ألن‬ ‫فالصال ُة يف هذا‬
‫البخاري أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َأ ْد َر َل َأ َحدُ ُك ْم َس ْادَ ًة مِ ْن‬ ‫ُّ‬ ‫الشمس؛ ل ِ َما َرواه‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬ف ْل ُيتِ ام َِالَ َت ُه»(‪.)1‬‬ ‫َِال َِة ال َعصـر َق ْب َل َأ ْن َت ْغ ُر َب ا‬
‫ذر؛‬ ‫لغير ُع ُ‬ ‫الشمس ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِف ِ‬
‫رار‬ ‫ِ‬ ‫ِالة العصـر إلى ما بعدَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تأخير‬ ‫نهى عن‬ ‫لكن ُي َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لو ِ‬
‫ب‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ت ْل َك َِ َال ُة ا ْلمـُنَاف ِق؛ َي ْالِ ُس َي ْر ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫جر عن ذلك يف ِ‬
‫قول‬ ‫الز ِ‬ ‫رود ا‬ ‫ُ‬
‫يها إِ اال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ف َ‬ ‫الش ْم َس َحتاى إِ َذا كَان َْت َب ْي َن َق ْرن َِي الشـي َطان‪َ ،‬قا َم َفنَ َق َر َها َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬ال َي ْذ ُك ُر َ‬ ‫ا‬
‫َقلِ ًيال» [رواه مسلم](‪ ،)2‬ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليه‪ ،‬وجعله عالمة النفاق‪.‬‬
‫محر ٌم أم مكرو ٌه؟‬
‫وهل تأخيرها لما بعد االِفرار لغير عذر ا‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وِفها‬ ‫ِ‬
‫قوالن‪ :‬هما روايتان يف المذهب؛ األظهر أنه ال ياوز؛ إذ َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)556‬ومسلم (‪ )606‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )622‬من حديث أنس بن مالك ﭬ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫‪277‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫النهي عن ذلك وذم َمن َيف َع ُله(‪.)1‬‬


‫ِ‬ ‫الم ِ‬
‫نافق‪ ،‬وهذا َيدُ ل على‬ ‫بأناها ِال ُة ُ‬
‫ِحت ِال ُته بالنص واإلجماعِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قبل ِ‬
‫فمن ِ الى العصـر َ‬
‫ِفرار ا‬ ‫اال‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫كراهة‪.‬‬ ‫ِحت بال‬ ‫االِفرار ل ُع ُ‬
‫ِ‬
‫ذر ا‬ ‫ِالها بعدَ‬
‫و َمن ا‬
‫ِحت وأثم للتأخير‪.‬‬ ‫ا‬ ‫لغير ُ‬
‫عذر‬ ‫االِفرار ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِالها بعدَ‬ ‫و َمن ا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه َ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُه َ‬
‫يب الشفق األمح ُر)‪.‬‬ ‫غر ِب‪ ،‬حَت ي ِغ‬ ‫قوهل‪( :‬ثم يلِي ِه‪ :‬وقت الم ِ‬
‫ُ‬
‫وأحاديث‬ ‫ِ‬
‫الشمس(‪،)2‬‬ ‫دخل ب ُغ ِ‬
‫روب‬ ‫خالف َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫المغرب‪ :‬اأو ُله بال‬ ‫ِ‬ ‫ووقت‬
‫ُ‬
‫الصحيحين َع ْن َس َل َم َة ﭬ َق َال‪ُ « :‬كناا ُن َصلي َم َع النابِي‬ ‫ِ‬ ‫واقيت ك ُّلها تدُ ُّل عليه‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫الح َااب» ‪.‬‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫الم ْغ ِر َب إِ َذا َت َو َار ْ‬
‫َ‬ ‫ﷺ َ‬
‫َ‬ ‫َ ه َ َ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫األحمر؛‬ ‫غروب الش َف ِق‬ ‫ِ‬ ‫يب الشفق األمح ُر)‪ :‬ينتهي وقت المغرب ب‬ ‫(حَت ي ِغ‬
‫الش َف ُق»(‪.)4‬‬ ‫لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َِ ال ْي ُت ُم ا ْل َم ْغ ِر َب‪َ ،‬فإِ ان ُه َو ْق ٌت إِ َلى َأ ْن َي ْس ُق َط ا‬
‫العلماء‪ ،‬ومنهم‪ :‬اإلما ُم أبو‬ ‫ِ‬ ‫قول ِ‬
‫أكثر‬ ‫الش َف ُق»(‪ ،)5‬وهذا ُ‬ ‫ب ا‬ ‫ويف رواية‪« :‬ما لم َي ِغ ِ‬
‫وقول للشافعي(‪.)6‬‬ ‫وأحمدُ ‪ٌ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ومالك‪،‬‬ ‫حنيفةَ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الشمس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫غروب‬ ‫الح ْمرة التي َتب َقى يف األ ُف ِق بعدَ‬ ‫والش َف ُق‪ :‬هو ُ‬
‫ِ‬ ‫أن ُتعا َل َ ِ‬
‫تأخيرها إلى‬ ‫ُ‬ ‫أول وقتها‪ ،‬بإجما ِع العلماء‪ ،‬و ُي َ‬
‫كره‬ ‫والسنة يف المغرب ْ ا‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪َ « :‬ال َت َز ُال ُأ امتِي بِ َخ ْي ُر‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬ع َلى‬ ‫ِ‬ ‫السماء؛ لقول‬ ‫ِ‬ ‫النام يف‬ ‫ِ‬ ‫ُطلو ِع‬
‫ا ْل ِف ْط َر ِة‪َ ،‬ما َل ْم ُي َؤخ ُروا ا ْل َم ْغ ِر َب إِ َلى َأ ْن َت ْش َتبِ َك الن ُُّاو ُم»(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)12/2‬الفتح البن رجب (‪.)262/4‬‬


‫(‪ )2‬اإلجماع البن المنذر ص(‪.)36‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)561‬ومسلم (‪ )636‬من حديث سلمة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬
‫(‪ )6‬الفتح البن رجب (‪.)351/4‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)416‬وأحمد (‪ )23534‬من حديث أبي أيوب ﭬ‪ .‬وِححه ابن خزيمة‪ ،‬والحاكم‪،‬‬
‫واأللباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)541/4‬‬

‫‪211‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪278‬‬

‫َض َ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫ُه َُ َ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫خت ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫ُه َ‬


‫ورة‪،‬‬ ‫يل‪ .‬ثم هو و‬ ‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫إىل‬ ‫ِ‪،‬‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫لل‬ ‫ار‬ ‫الم‬ ‫قت‬ ‫الو‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫قوهل‪( :‬ثم ي‬
‫ُ ُ ِ َ ْ‬
‫إىل طلوع الفج ِر)‪.‬‬
‫األحمر‪ ،‬بال خالف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ياب الش َف ِق‬ ‫دخ ُل ب ِغ ِ‬ ‫العشاء‪ :‬بداي ُته َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫وقت‬‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ لم ُي َصل‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫وجابر‪ ،‬و ُبريد َة ﭫ‪ « :‬ا‬ ‫ُ‬ ‫حديث أبي موسـى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫و َيدُ ل لـه‪:‬‬
‫غاب الش َف ُق»(‪.)1‬‬ ‫العشا َء إال بعدَ ْ‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬
‫آخر وقتها‪ :‬المذهب‪ :‬تقسـيم ِ‬ ‫الف ْجر)‪ِ :‬‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َض َ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫ُه َُ َ ُ‬
‫وقت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وع‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫إىل‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ور‬ ‫( ث م هو و‬
‫ُ‬
‫اختيار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ووقت‬ ‫ُ‬
‫ضـرورة‪،‬‬ ‫قسمين‪ِ :‬‬
‫وقت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العشاء إلى‬
‫طهرت‬ ‫فلو َ‬ ‫الفار‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الضـرورة‪َ :‬يمتدُّ إلى طلو ِع‬ ‫ِ‬
‫غمى عليه أو ُ‬ ‫أفاق ُم ً‬ ‫فوقت‬
‫ُ‬
‫لم ِ‬ ‫ِ‬ ‫حائض أو أس َلم كافر بعدَ منتص ِ‬
‫غرب‬ ‫َلز ُمه ِال ُة العشاء‪ ،‬ويف ُلزو ِم ا َ‬ ‫ف الليلِ‪ ،‬فت َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خالف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫معها‬
‫كراهة وفيه روايتان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫العشاء إليه مِن ِ‬
‫غير‬ ‫ِ‬ ‫تأخير‬ ‫ختيار‪ :‬لـه‬ ‫ِ‬ ‫ووقت ِ‬
‫اال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ ُ‬
‫لحديث‬ ‫يل)؛‬ ‫ث الل ِ‬ ‫األولى ما ذكره المؤلف‪( :‬الوقت المختار لل ِعشاءِ‪ ،‬إىل ثل ِ‬
‫ث ال ال ْي ِل»(‪.)2‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ ي َؤخر ا ْل ِع َشاء إ ِ َلى ُث ُل ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫أبي َب ْر َز َة ﭬ قال‪« :‬ك َ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫يما َب ْي َن َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِحيح البخاري َع ْن َعائِ َش َة ڤ قالت‪َ « :‬وكَا ُنوا ُي َص ُّل َ‬
‫ون ال َعت ََم َة ف َ‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬
‫ث ال ال ْي ِل األَ او ِل»(‪.)3‬‬ ‫الش َف ُق إِ َلى ُث ُل ِ‬ ‫يب ا‬ ‫ِ‬
‫َيغ َ‬
‫نصف اللي ِل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والثانية وهي األظهر‪ :‬أنه يستمر إلى‬
‫اء إِ َلى‬ ‫الع َش ِ‬‫َس ﭬ َق َال‪َ « :‬أ اخر النابِي ﷺ ِالَ َة ِ‬ ‫ويدُ ُّل له‪ :‬ما يف البخاري َع ْن َأن ُ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫سلم َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع ْم ُرو ﭭ َأ ان َنبِ اي اهلل‬ ‫ِحيح ُم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف ال ال ْيلِ‪ُ ،‬ث ام َِ الى»(‪ ،)4‬ويف‬ ‫نِص ِ‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬حديث أبي موسـى ﭬ سبق تخرياه ص(‪ ،)214‬وحديث جابر ﭬ سبق تخرياه ص(‪ .)215‬وأما‬
‫حديث بريدة ﭬ‪ :‬رواه مسلم (‪.)614‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)541‬ومسلم (‪ )641‬من حديث أبي برزة األسلمي ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )664‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )512‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫‪279‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫ف ال ال ْي ِل»(‪ ،)1‬وهذا مذهب اإلما ِم أبي‬‫ﷺ َق َال‪َ « :‬فإِ َذا ِ الي ُتم ا ْل ِع َشاء َفإ ِ انه و ْق ٌت إ ِ َلى نِص ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫وإسحاق‪ ،‬والبخاري‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وأحمدَ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫حنيفةَ‪ ،‬والشافعي‪،‬‬
‫ِ‬
‫للناس؛ ألنه‬ ‫ُ‬
‫يكون ذلك ُمراعا ًة‬ ‫ثلث الليلِ‪ ،‬فقد‬ ‫وما نقل أنه كان يصليه إلى ِ‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫ياوز التأخير بعدَ ه‪ ،‬وقد د ال ِ‬
‫ُ‬ ‫النصف‪ ،‬وليس فيها أنه ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التأخير إلى‬ ‫أر َف ُق هبم مِ َن‬
‫ُ‬
‫األخذ بما د الت عليه مِ ِن‬ ‫ُ‬ ‫التأخير إلى النصف ِ‬
‫فلزم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إثبات‬ ‫األحاديث األخرى على‬ ‫ُ‬
‫نصف الليلِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الوقت إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امتداد‬
‫ه ْ‬ ‫الف ْجر‪ ،‬إىل ُ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُه َ‬
‫وق الشم ِس)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رش‬ ‫ِ‬ ‫قت‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫قوهل‪( :‬ثم ي‬
‫الحاكم‬ ‫الصادق‪ ،‬وقد َروى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفار‬ ‫دخ ُل إال بطلو ِع‬ ‫الف ال َي ُ‬ ‫الفار‪ :‬بال ِخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫وقت‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ول ال ال ِـه ﷺ َق َال‪« :‬ا ْل َفار َفار ِ‬
‫ان‪َ :‬ف ْا ٌر َي ْح ُر ُم‬ ‫اس ﭭ َأ ان َر ُس َ‬ ‫عن ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫وِححه ِ‬
‫ُْ َْ‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َال ُة َو َيح ُّل فيه ال اط َعا ُم» ‪ ،‬و ُنق َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص َال ُة‪َ ،‬و َف ْا ٌر َت ْح ُر ُم فيه ا‬ ‫فيه ال اط َعا ُم َو َتح ُّل فيه ا‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬
‫الصادق(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫الفار‬ ‫الفار إال بطلو ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫دخ ُل ُ‬
‫وقت‬ ‫اإلجماع على هذا‪ ،‬وأنه ال َي ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الشمس‪ ،‬وعليه‬ ‫وق الشم ِس)‪ :‬ينتهي وقت ِالة الفار بشـروق‬ ‫(إىل رش ِ‬
‫وخ َل ًفا‪.‬‬‫العلماء َس َل ًفا َ‬ ‫ِ‬ ‫مهور‬
‫ُج ُ‬
‫مسلم َأ ان َنبِ اي اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َِ ال ْيتُ ُم ا ْل َف ْا َر َفإِ ان ُه َو ْق ٌت إِ َلى َأ ْن‬ ‫ٌ‬ ‫ويدُ ُّل لـه‪ :‬ما َرواه‬
‫س ْاألَ او ُل»(‪.)4‬‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫َي ْط ُل َع َق ْر ُن ا‬
‫ٌ‬
‫ِادق‪.‬‬ ‫وفار‬
‫ٌ‬ ‫كاذب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فار‬
‫فائدةٌ‪ :‬الفار فاران‪ٌ :‬‬
‫أما الفار الكاذب فهو الذي ال يدخل به الوقت وال يحرم به الطعام على‬
‫الصوام‪.‬‬
‫وأما الفار الصادق فهو الذي يدخل به الوقت ويحرم به الطعام على الصوام‪،‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن خزيمة (‪ ،)356‬والحاكم (‪ )304/1‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬وِححه ابن الملقن يف البدر‬
‫المنير (‪ ،)121/3‬واأللباين يف الصحيحة (‪.)306/2‬‬
‫(‪ )3‬اإلجماع البن المنذر ص(‪ ،)36‬والتمهيد البن عبدالرب (‪.)24/6‬‬
‫(‪ )4‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ‪ ،‬وقد سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬

‫‪212‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪280‬‬

‫ٌ‬
‫فروق‪:‬‬ ‫وبينهما‬
‫متصال من مطلع الشمس إلى العلو‪ ،‬وأما‬
‫ً‬ ‫فالفار الصادق يكون بياضه ونوره‬
‫الفار الكاذب فبينه وبين األفق ظلمة‪.‬‬
‫والفار الصادق يطلع ثم يبدأ نوره باالزدياد شـي ًئا فشـي ًئا حتى تطلع الشمس‪،‬‬
‫وأما الفار الكاذب فيخرج ثم يزول‪ ،‬ثم يخرج بعده الفار الصادق‪.‬‬
‫معرتض بين الشمال والانوب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والفار الصادق‬
‫هذا هو وقت الصلوات الخمس‪ ،‬فال ياوز أداؤها قبل دخول وقتها وال بعد‬
‫لعذر يبيح له ذلك؛ كالامع بين الصالتين‪.‬‬ ‫خروج وقتها إال ُ‬
‫َ‬
‫اإلحر ِام)‪.‬‬ ‫قت‪ :‬ب َتكب َ‬
‫رية ِ‬
‫ُْ َ ُ َ ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويدرك الو‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خروجه؛ لحديث َعائ َش َة‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬ ‫ِ‬
‫در ُل بإدرال تكبيرة اإلحرا ِم َ‬‫ِ‬ ‫المذهب‪ :‬ا‬
‫الوقت ُي َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬م ْن َأ ْد َر َل مِ َن ا ْل َعصـر َس ْادَ ًة َق ْب َل َأ ْن َت ْغ ُر َب‬ ‫ڤ َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫الص ْبحِ َق ْب َل َأ ْن َت ْط ُل َع‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َرك ََها» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬أ ْو م َن ُّ‬
‫ا‬
‫خروج الوقت‪ ،‬وهذا ِرواي ٌة عن‬ ‫ِ‬ ‫ركعة َ‬
‫قبل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بإدرال‬ ‫درل‬ ‫واألقرب‪ :‬ا‬
‫الوقت ُي َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫ِ‬
‫الامهور‪.‬‬ ‫مذهب‬‫ُ‬ ‫أحمدَ وهو‬ ‫اإلمام َ‬
‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪َ « :‬م ْن‬ ‫ين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َأ ان َر ُس َ‬ ‫الصحيح ِ‬
‫َ‬ ‫ويدُ ُّل لـه‪ :‬ما يف‬
‫الص ْب َح‪َ ،‬و َم ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة مِ َن‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ُّ‬
‫الص ْبحِ َق ْب َل َأ ْن َت ْط ُل َع ا‬ ‫ِ‬
‫َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ُّ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ا ْل َعصـر»(‪.)2‬‬ ‫ا ْل َعصـر َق ْب َل َأ ْن َت ْغ ُر َب ا‬
‫ب‬ ‫أول الوقت‪ ،‬فهل ِ‬ ‫الوقت‪ ،‬كما لو حاضت امرأة َ‬ ‫ِ‬ ‫إدرال ِ‬ ‫ُ‬
‫يا ُ‬ ‫أول‬ ‫مسألةٌ‪ :‬وأ اما‬
‫عليها ال َقضا ُء؟‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َت مِ َن‬
‫إن َأدرك ْ‬
‫المذهب‪ :‬أناها ْ‬
‫العذر‬
‫ُ‬ ‫مقدار تكبيرة اإلحرا ِم‪ ،‬ثم َ‬
‫حصل‬ ‫َ‬ ‫الوقت‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بق َيت يف ذ امتها حتى َت ُ‬
‫طهر‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )606‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)512‬ومسلم (‪ )606‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫‪281‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫حيض‪ ،‬فال‬ ‫ُ‬ ‫نون أو‬ ‫الوقت ثم َطر َأ مانع مِن ج ُ‬ ‫ُ‬ ‫دخل عليها‬ ‫أن َمن َ‬ ‫القول الثاين‪ :‬ا‬ ‫ُ‬
‫ٌ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫لك‪،‬‬ ‫قول اإلما ِم ما ُ‬ ‫الوقت‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫أخ َر ْتها حتى َتضا َي َق‬ ‫قضا َء عليها إال إذا كانت ا‬
‫ِ‬
‫وسع‪ ،‬وما‬ ‫أخ َر ْتها بإذن الشارعِ‪ ،‬فوق ُتها ُم ا‬ ‫قوةٌ؛ ألناها ا‬ ‫شـيخ اإلسالمِ‪ ،‬وفيه ا‬ ‫ُ‬ ‫واختاره‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫مضمون‪.‬‬ ‫َتر اتب على المأذون ُ‬
‫غير‬
‫أحو ُأ و َأ َبر ُأ للذ ام ِة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والمذهب ب ُلزو ِم ال َقضاء َ‬
‫ََ‬ ‫َ ُُ َ ُ ه‬
‫از)‪.‬‬
‫قت اجلو ِ‬ ‫ري الصالة ِ عن َو ِ‬ ‫خ‬
‫قوهل‪( :‬وَيرم‪ :‬تأ ِ‬
‫رسول‬ ‫َ‬ ‫ياوز؛ ا‬
‫ألن‬ ‫ُ‬ ‫غير ُ‬
‫عذر ال‬ ‫والعشاء عن الوقت المختار مِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫تأخير العصـر‬ ‫َ‬
‫الصالة ِلى يف يومين ُث ام َأ اخ َر ا ْل َعصـر يف اليوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واقيت‬ ‫لما َس َأله رجل عن َم‬ ‫ِ‬
‫اهلل ﷺ ا‬
‫الش ْم ُس‪ُ ،...‬ث ام َأ اخ َر ا ْل ِع َشا َء‬ ‫ت ا‬ ‫ول َق ِد احمر ِ‬
‫ْ َا‬ ‫ْصـرف مِن َْها‪َ ،‬وا ْل َقائِ ُل َي ُق ُ‬ ‫َ‬ ‫الثاين َحتاى ان‬
‫السائِ َل‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْل َو ْق ُت َب ْي َن َه َذ ْي ِن»(‪،)1‬‬ ‫َان ُث ُل ُث ال ال ْي ِل ْاألَ او ُل‪ُ ،‬ث ام َأ ِْ َب َح َفدَ َعا ا‬ ‫َحتاى ك َ‬
‫ف ال ال ْي ِل» [رواه مسلم]‪.‬‬ ‫ولقوله‪َ « :‬فإِ َذا ِ الي ُتم ا ْل ِع َشاء َفإِ انه و ْق ٌت إ ِ َلى نِص ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫وقال عن تأخير العصر بعد اإلِفرار‪« :‬ت ْل َك َِ َال ُة ا ْلمـُنَاف ِق؛ َي ْالِ ُس َي ْر ُق ُ‬
‫يها إِ اال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ف َ‬ ‫الش ْم َس َحتاى إِ َذا كَان َْت َبيْ َن َق ْرن َِي الشـي َطان‪َ ،‬قا َم َفنَ َق َر َها َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬ال َي ْذ ُك ُر َ‬ ‫ا‬
‫َقلِ ًيال» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫ََ َ َ َ‬ ‫َُ ُ َ ُ ْ‬
‫قت مع الع ْز ِم علي ِه)‪.‬‬ ‫َ‬
‫ري ف ِعلِها يف الو ِ‬ ‫خ‬
‫قوهل‪( :‬وَيوز‪ :‬تأ ِ‬
‫وقت الصالة‬ ‫ألن َ‬ ‫آخ َره؛ ا‬ ‫الوقت أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن شاء ف َعل الصال َة َ‬
‫أول‬ ‫المصلي ُمخ اير ْ‬ ‫ُ‬
‫وسع‪ ،‬فإن عزم على تأخيرها عن أول الوقت فيلزمه العزم على أدائها يف الوقت ما‬ ‫ُم ا‬
‫ذر‬‫كنزول ُع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ماعة‪ ،‬أو حصول مانع‬ ‫وات واجب كصالة الا ِ‬ ‫لم يؤد تأخيرها إلى َف ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقت الضـرورة‪ِ.‬‬ ‫خول ِ‬ ‫كالحيض واإلغماء‪ ،‬أو ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيمن َُع‬
‫َ ُ‬ ‫ه ُ ه َ‬‫َ‬
‫قت‪ :‬أفضل)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬والصالة أول الو ِ‬
‫َدي‬‫الطاعة واقتدا ًء هب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألن فيه مبادر ًة إلى فِع ِل‬ ‫الوقت؛ ا‬ ‫ِ‬ ‫أول‬ ‫ِ‬
‫الصالة َ‬ ‫ُ‬
‫األفضل أدا ُء‬
‫رسول اهللِ ﷺ القولي والفعلي يف ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)214‬‬

‫‪261‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪282‬‬

‫َ‬ ‫هَ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ُ ه َ ُّ‬


‫قت)‪.‬‬
‫ب أول الو ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وحتصل الف ِضيلة‪ :‬باتلأه ِ‬
‫ال باالستعداد لها والتهيئ ألدائها‪.‬‬ ‫ألنه يف ِالة ما دام مشغو ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحر‪.‬‬ ‫تأخيره؛ وهما َِالتان‪ :‬ال ُّظ ُ‬
‫هر عندَ اشتداد َ‬ ‫استحباب‬ ‫النص يف‬
‫ورد ُّ‬ ‫إال ما َ‬
‫والعشا ُء مع عدَ ِم المش اق ِة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫وأن ُيسا َب َق إليها يف ِ‬
‫األفض ُل أن ُتؤ ادى ب َغ َلس‪ْ ،‬‬
‫مذه ُ‬
‫الوقت‪ ،‬وهذا َ‬ ‫أول‬ ‫َ‬ ‫فالفار‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العلماء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جمهور‬
‫َان النابِي ﷺ‬
‫الص ْب َح ك َ‬ ‫البخاري ومسلم عن ُ‬
‫جابر ﭬ قال‪َ « :‬و ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ويدل لـه‪ :‬ما َرواه‬
‫ُّ‬
‫َان الناب ِ ُّي ﷺ ُي َصلي ُّ‬
‫الص ْب َح َو َأ َحدُ نَا‬ ‫وحديث َأبِي َب ْر َز َة ﭬ‪« :‬ك َ‬ ‫ُ‬ ‫س»(‪،)1‬‬ ‫يها بِ َغ َل ُ‬ ‫ُي َصل َ‬
‫دليل على شدا ِة‬ ‫المائ َِة»(‪ ،)2‬وهذا ٌ‬ ‫ف جلِيسه‪ ،‬وي ْقر ُأ فِيها ما بين الستين إ ِ َلى ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َي ْع ِر ُ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫والتبكير‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التغليس‬
‫رسول اهللِ ﷺ قال‪َ « :‬أ ْس ِف ُروا‬ ‫َ‬ ‫وِححه ا‬
‫أن‬ ‫ا‬ ‫حديث راف ُع ﭬ عند الرتمذي‬ ‫ُ‬ ‫وأما‬
‫حم ُل على‪:‬‬‫عار ُض هذا‪ ،‬و ُي َ‬ ‫بِال َف ْا ِر‪َ ،‬فإ ِ ان ُه َأ ْع َظ ُم لِألَ ْج ِر»(‪ ،)3‬فال ُي ِ‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫لخفائِه على‬ ‫دخول وقتِه َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفار و َيتي اق َن‬ ‫ِ‬
‫باإلسفار أن َيتب اين طلوع‬ ‫أن المرا َد‬ ‫ا‬
‫قول اإلما ِم الشافعي‬ ‫ِ‬
‫الوقت‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫ِ‬
‫دخول‬ ‫قبل تي ُّق ِن‬ ‫ِ‬
‫الصالة َ‬ ‫فيكون نَه ًيا ِ‬
‫عن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬
‫إن هذا َت ِتف ُق به معاين‬ ‫شـيخ اإلسال ِم اب ُن تيم ايةَ‪ ،‬وقال‪ « :‬ا‬ ‫ُ‬ ‫واختاره‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وإسحاق‪،‬‬ ‫وأحمدَ‬ ‫َ‬
‫باز‪.‬‬‫ورجحه اب ُن ُ‬ ‫ِ‬
‫أحاديث النبي ﷺ» ‪ ،‬ا‬
‫)‬‫‪4‬‬ ‫(‬

‫حديث‬‫ُ‬ ‫عضدُ ه‬ ‫طيل القراء َة حتى ي ِ‬


‫سفر‪ ،‬و َي ُ‬ ‫أن َيفتتِ َح الصال َة ب َغ َلس و ُي َ‬ ‫أو أن المرا َد ْ‬
‫ُ‬
‫السابق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أبي َبرز َة‬
‫التغليس هو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيكون‬ ‫غالب األيا ِم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلسفار هبا أحيانًا‪ ،‬وأ اما‬ ‫حم ُل على‬
‫وقد ُي َ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)560‬ومسلم (‪ )646‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)216‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي (‪ ،)154‬وأبو داود (‪ ،)424‬وابن ماجه (‪ ،)612‬وأحمد (‪ )15612‬من حديث رافع بن‬
‫خديج ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪ ،‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)256‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى (‪.)21/22‬‬

‫‪262‬‬
‫‪283‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫َ‬
‫األفضل‪.‬‬
‫عارض‬ ‫عبد ال َبر وال َبيهقي‪ ،‬فال ُي ِ‬ ‫ضعيف‪ ،‬ضعفه ابن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫الحديث‬ ‫وقيل‪ :‬هذا‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫التغليس‪.‬‬ ‫َ‬
‫األحاديث الثابت َة يف‬
‫أحاديث الم ِ‬
‫بادرة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مومات‬ ‫استحباب تعاي ِل أدائها؛ ل ُع‬ ‫ُ‬
‫فاألِل‬ ‫الظهر‪:‬‬ ‫وأ اما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اج َر ِة»(‪ .)1‬وعن َجابِ ِر ْب ِن‬ ‫اله ِ‬ ‫َان النابِ ُّي ﷺ ُي َصلي ال ُّظ ْه َر بِ َ‬ ‫جابر ﭬ‪« :‬ك َ‬ ‫حديث ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫الش ْم ُس»(‪.)2‬‬ ‫ت ا‬ ‫َان النابِي ﷺ يصلي ال ُّظهر إِ َذا دح َض ِ‬ ‫َس ُم َر َة ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ‬
‫تأخيرها واإلبرا ُد هبا حتى َتنكسـر‬ ‫ُ‬
‫فاألفضل‬ ‫ِ‬
‫الصـيف‬ ‫إال عند اشتداد الحر يف‬
‫ُ‬
‫الحر مِ ْن‬ ‫ِ‬
‫الصالَة؛ َفإِ ان شدا َة َ‬
‫ِ‬
‫الح ُّر َف َأ ْب ِر ُدوا َع ِن ا‬
‫ِ‬
‫حد ُة الحر وشد ُته؛ لحديث‪« :‬إِ َذا ْاشتَدا َ‬
‫َف ْيحِ َج َهن َام»(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫مهور الع ِ‬
‫َس‬ ‫لحديث َأن ِ‬ ‫لماء؛‬ ‫ِ ُ‬ ‫قول ُج‬ ‫التعايل‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫فاألفض ُل فيها‬ ‫َ‬ ‫وأ اما العصـر‪:‬‬
‫يه ْم‬‫اء‪َ ،‬ف َي ْأتِ ِ‬ ‫اهب مِناا إ ِ َلى ُقب ُ‬ ‫ك ﭬ َق َال‪ُ « :‬كناا نُصلي العصـر‪ُ ،‬ثم ي ْذ َهب ا ِ‬ ‫ب ِن مال ِ ُ‬
‫َ‬ ‫الذ ُ‬ ‫ا َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫وحديث رافِ ِع ْب َن َخ ِديجُ تقال‪ُ « :‬كناا ُن َصلي ا ْل َعصـر م َع رس ِ‬ ‫الش ْم ُس ُم ْر َت ِف َع ٌة»(‪،)4‬‬
‫ول‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َو ا‬
‫َضـياا َق ْب َل‬ ‫ور‪َ ،‬ف ُت ْق َس ُم َعشـر قِ َس ُم‪ُ ،‬ث ام ُت ْط َب ُخ‪َ ،‬فن َْأ ُك ُل َل ْح ًما ن‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫اهلل ﷺ‪ُ ،‬ث ام ُتن َْح ُر ا ْل َا ُز ُ‬
‫س»(‪.)5‬‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫يب ا‬ ‫َم ِغ ِ‬
‫غيم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫غزوة يف يو ُم ذي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويف البخاري عن أبي المليح قال‪ :‬كنا مع بريدة يف‬
‫بكروا بصالة العصـر‪َ ،‬فإِ ان النابِ اي ﷺ َق َال‪َ « :‬م ْن َت َر َل َِالَ َة ال َعصـر َف َقدْ َحبِ َط‬
‫َع َم ُل ُه»(‪.)6‬‬
‫تأخيرها حتى َتش َتبِ َك الناو ُم؛‬ ‫خالف‪ ،‬ويكر ُه‬‫ُ‬ ‫فالسنا ُة تعاي ُلها بال‬ ‫الم ِ‬
‫ُ‬ ‫غر ُب‪ُّ :‬‬ ‫وأما َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)262‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )616‬من حديث جابر بن سمرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)533‬ومسلم (‪ )615‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)551‬ومسلم (‪ )621‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )625‬من حديث رافع بن خديج ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ )553‬من حديث بريدة ﭬ‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪284‬‬

‫رسول اهللِ ﷺ قال‪َ « :‬ال َت َز ُال ُأ امتِي بِ َخيْ ُر‬ ‫َ‬ ‫وِححه اب ُن ُخزيم َة ا‬
‫أن‬ ‫ا‬ ‫داو َد‬
‫كما َروى أبو ُ‬
‫َما َل ْم ُي َؤخ ُروا ا ْل َم ْغ ِر َب إِ َلى َأ ْن َت ْش َتبِ َك الن ُُّاو ُم»(‪.)1‬‬
‫اب النابِي ﷺ‬ ‫َاس مِ ْن َأ ِْ َح ِ‬‫َان ال ُم َؤذ ُن إِ َذا َأ اذ َن َقا َم ن ٌ‬
‫أنس ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫ُ‬ ‫وعن‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل‬
‫ون ا‬ ‫الس َو ِار َي‪َ ،‬حتاى َي ْخ ُر َج النابِي ﷺ َو ُه ْم ك ََذل ِ َك‪ُ ،‬ي َص ُّل َ‬ ‫ون ا‬ ‫َي ْبت َِد ُر َ‬
‫ُّ‬
‫اإل َقا َم ِة شـي ٌء»(‪.)2‬‬
‫ان َو ِ‬ ‫ب‪ ،‬و َلم ي ُكن بين األَ َذ ِ‬
‫الم ْغ ِر ِ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫كثر‬ ‫ِ‬ ‫فاألفض ُل فيها‬ ‫وأما ِ‬
‫ين‪ ،‬وبه قال أ ُ‬ ‫يشق على المأموم َ‬ ‫التأخير ما لم ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العشا ُء‪:‬‬
‫ِ‬
‫العلماء‪.‬‬
‫شاء َم ار ًة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫الع ِ‬ ‫أخر ِال َة ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ا‬ ‫َ‬ ‫ويدُ ُّل لذلك‪ :‬ما يف الصحيحين ا‬
‫أن‬
‫فإن َش اق عليهم فالسن ُة ُمراعا ُة حالهم‬ ‫«إِ ان ُه َل َو ْق ُت َها َل ْو َال َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُأ امتِي»(‪ْ ،)3‬‬
‫جابر ﭬ قال‪« :‬و ِ‬
‫الع َشا َء َأ ْح َيانًا َو َأ ْح َيانًا‪ ،‬إِ َذا َر ُ‬ ‫الشـيخان عن ُ‬ ‫ِ‬
‫آه ُم‬ ‫َ‬ ‫قديمها؛ لما َرواه‬ ‫و َت ُ‬
‫آه ْم َأ ْب َط ُؤوا َأ اخ َر»(‪.)4‬‬ ‫اجت ََم ُعوا َع اا َل‪َ ،‬وإِ َذا َر ُ‬
‫ْ‬
‫ُّ ه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ــاء الصـــالة ِ الفائ ِت ِة م َرتبة ف ً‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوهل‪( :‬وَيــب‪ :‬قض ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ورا‪ .‬وال ي ِصــح‪ :‬انلفل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ َ ُ َ ْ‬
‫قت‪ ،‬ولو‬ ‫ان‪ ،‬وب ِ ِضيِ ِق الو ِ‬ ‫المطلــق إذن‪ .‬ويسقط الَّتتِيب‪ :‬بالنسي ِ‬
‫َ‬
‫ار)‪.‬‬
‫ل ِالختِي ِ‬
‫أحكام‪:‬‬ ‫الفريضة حتى خرج وقتها تر اتب عليها‬ ‫ِ‬ ‫ت العبدَ ِال ُة‬ ‫إذا فا َت ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ ه‬
‫الفريضة حتى‬ ‫ــاء الصـــالة ِ الفائ ِت ِة)‪ :‬من فاتته ِال َة‬ ‫وَيــب‪ :‬قض‬ ‫األول‪ِ ( :‬‬
‫حالتين‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫خرج وقتها‪ ،‬فال يخلو مِن‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ب قضاؤها‬ ‫ض أو نسـيان‪ ،‬ف َي ِا ُ‬ ‫مر ُ‬ ‫ذر‪ ،‬كنَو ُم أو َ‬ ‫يكون َفوا ُتها ل ُع ُ‬ ‫َ‬ ‫األُولى‪ :‬أن‬
‫ال َك اف َار َة‬‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن نَسـي َِالَ ًة َف ْل ُي َصلها إِ َذا َذك ََر َها‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقول‬ ‫بإجما ِع العلماء؛‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)211‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)625‬ومسلم (‪ )631‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)562‬ومسلم (‪ )636‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬ورواه البخاري (‪ ،)511‬ومسلم (‪)642‬‬
‫من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص(‪.)262‬‬

‫‪264‬‬
‫‪285‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫َل َها إِ اال َذل ِ َك» [متفق عليه](‪.)1‬‬


‫ِ‬ ‫لغير ُع ُ‬
‫يكون َفوا ُتها ِ‬
‫تهاو َن بالصالة حتى ُ‬
‫يخر َج وق ُتها‪ ،‬فهل‬ ‫ذر؛ ْ‬
‫كأن َي َ‬ ‫َ‬ ‫الثاني ُة‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫َيقضـي أم ال؟‬
‫جمهور‬‫ُ‬ ‫ذهب‬ ‫التأخير‪ ،‬وإليه َ‬ ‫ِ‬ ‫ب قضاؤها‪ ،‬ولكناه ِآث ٌم على‬ ‫يا ُ‬‫فالمذهب‪ :‬أنه ِ‬
‫ِ‬
‫العلماء‪.‬‬
‫رسول اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقول‬ ‫واستَدَ ُّلوا‪ :‬بقولِه تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [طه‪،]14 :‬‬
‫قول‬ ‫ﷺ‪« :‬م ْن نَسـي َِ َال ًة َف ْليُ َصل َها إِ َذا َذكَر َها‪َ ،‬ال َك افار َة َل َها إ ِ اال َذل ِ َك»‪ ،‬وعمو ِم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬ف ُه َو َأ َح ُّق بِال َق َضاء» [متفق عليه] ‪.‬‬ ‫الرسول ﷺ‪َ « :‬فا ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َ‬
‫(‪)2‬‬

‫از ْ ولم َتربَأ ذم ُته سواء‬ ‫واختار شيخ اإلسالم أنه ال َيقضـيها‪ ،‬ولو َقضاها لم ُت ِ‬
‫تص ُّح منه‪،‬‬ ‫الصالة َعمدً ا ال يشـرع له قضاؤها‪ ،‬وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫كثر عددها أو قل وقال‪ُ « :‬‬
‫تارل‬
‫ُ ُ‬
‫التطو ِع»(‪.)3‬‬
‫ُّ‬ ‫بل ُيكثِ ُر مِ َن‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال‬ ‫ُ‬ ‫واقيت‪ ،‬وقد قال‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫أحاديث َ‬‫َ‬ ‫ومما احتاوا به‬
‫خول وقتِها‬ ‫قبل ُد ِ‬ ‫بالقياس‪ ،‬فكما أهنا ال ُتق َب ُل َ‬ ‫ِ‬ ‫َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪ .)4‬وقالوا‬
‫الوقت الذي‬ ‫ِ‬ ‫تقرير أهم اي ِة‬
‫ِ‬ ‫روجه‪ ،‬وقد أطال ُ‬
‫شـيخ اإلسال ِم يف‬ ‫فكذلك ال ُتق َب ُل بعد ُخ ِ‬
‫الناس يف زمانِنا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كثير مِ َن‬
‫أضاعه ٌ‬
‫ِ‬ ‫ب َقضاؤها مرتبةً؛ لعمو ِم ِ‬ ‫وات ال َفائت ُة ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َُ‬
‫الرسول‬ ‫قول‬ ‫ُ‬ ‫يا ُ‬ ‫الص َل ُ‬ ‫الثاين‪( :‬مرتبة)‪ :‬ا‬
‫ِ‬
‫شم ُل َ‬
‫عين‬ ‫ﷺ‪َ « :‬م ْن نَسـي َِ َال ًة َف ْل ُي َصل َها إِ َذا َذك ََر َها‪َ ،‬ال َك اف َار َة َل َها إِ اال َذل َك»‪ ،‬وهذا َي َ‬
‫الرسول ﷺ لما ش َغله الكفار عن ِالةِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الصحيحين‪ « :‬ا‬
‫أن‬ ‫الصالة وكيفيتَها‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)521‬ومسلم (‪ )664‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)6622‬ومسلم (‪ )1146‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬االختيارات ص (‪ ،)34‬الممتع (‪.)62/2‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬

‫‪265‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪286‬‬

‫وروى‬ ‫المغر َب» ‪َ ،‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫الشمس َبدَ َأ بالعصـر ثم ِ الى بعدَ ها‬ ‫ُ‬ ‫غربت‬ ‫العصـر حتى َ‬
‫ِ‬
‫وغيرها‬ ‫ندق ف َقضاها ُمرتب ًة»(‪،)2‬‬ ‫الخ ِ‬ ‫وات يف َ‬ ‫الرسول ﷺ فاته أربع ِ َل ُ‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫الرتمذي‪ « :‬ا‬
‫َُ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫استيقظ‪ ،‬لزمه‬ ‫ِ‬
‫والعشاء‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫والمغرب‬ ‫الظهر والعصـر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫نام عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن األدلة‪ ،‬فلو َ‬
‫بالظهر ثم العصـر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال َبداء ُة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫العلماء‪.‬‬ ‫جمهور‬ ‫ورا إذا زال العذر‪ ،‬عند‬ ‫الثالث‪( :‬فورا)‪ :‬ياب قضا ُء الفوائت َف ً‬
‫لقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن نَسـي َِ َال ًة َف ْل ُي َصل َها إِ َذا َذك ََر َها‪َ ،‬ال َك اف َار َة َل َها إِ اال َذل ِ َك»‪ ،‬وهذا‬
‫المبادر ُة إلى‬
‫فالواجب عليه ُ‬ ‫ُ‬ ‫ين يف ِذمتِه‬ ‫وأيضا هذه الصال ُة َد ٌ‬ ‫األمر َيقتضـي الفوريةَ‪ً ،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫لما قام م َن النو ِم حتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أول ال ُقدرة عليها‪ ،‬وأما‬ ‫َقضائها َ‬
‫تأخير الرسول ﷺ الصال َة ا‬
‫الشـيطان فيه(‪ ،)3‬ومِث ُله لو كان يف‬ ‫ُ‬ ‫مكان حضـره‬ ‫ٌ‬ ‫المكان فقد ع الل ذلك بأنه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫غ اير‬
‫الصالة فيها؛ فإناه ُيؤخ ُر الصال َة حتى‬ ‫ِ‬ ‫عاطن اإلب ِل مما ُن ِهي ِ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫رة أو َم‬ ‫حما ُم أو مقب ُ‬
‫َ َ‬ ‫ا‬
‫خر َج منها‪.‬‬
‫َي ُ‬
‫ُ ُ َ ُ َ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫الرابع‪( :‬وال ي ِصــح‪ :‬انلهفل المطلــق إذن)‪ :‬تنفل من عليه قضاء قسمان‪:‬‬
‫إن كانت نافل ًة ُمطلقةً‪ :‬فالصحيح من المذهب‪ :‬أنه ال ينعقد‪ ،‬لتحريمه كأوقات‬
‫أحق و َأولى عندَ ال ُق ِ‬
‫درة‪ ،‬ولو ِ الى‬ ‫ِ‬
‫الواجب ُّ‬ ‫وتقديم‬ ‫الواجب‪،‬‬ ‫النهي حتى َيقضـي‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يص اح‪.‬‬‫َفال مطل ًقا لم ِ‬
‫ن ً ُ‬
‫ِ‬
‫لقضاء ما عليه مِن َفرائِ َض‪.‬‬ ‫والرواية الثانية أنه ينعقد واألَولى له المبادر ُة‬
‫رسول اهللِ ﷺ لما‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ِ‬
‫كالراتبة؛ فإ ْنه ينعقد؛ ا‬ ‫ِ‬
‫للصالة‪،‬‬ ‫التابع‬
‫ُ‬ ‫المقياد‪:‬‬ ‫وأما ُ‬
‫النفل ُ‬
‫ِ‬
‫الواجب وال ُيؤث ُر يف‬ ‫ِ‬
‫الفار ِ الى ُسنتَها قب َلها(‪)4‬؛ ألناه ال َيش َغ ُل عن‬ ‫فا َتتْه ِال ُة‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)261‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)112‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)662‬وأحمد (‪ )3555‬من طريق أبي عبيدة بن عبداهلل بن‬
‫مسعود‪ ،‬عن عبداهلل بن مسعود ﭬ‪ .‬وهذا إسناده منقطع؛ قال الرتمذي‪« :‬حديث عبداهلل ليس بإسناده بأس‪ ،‬إال أن‬
‫أبا عبيدة لم يسمع من عبداهلل»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )660‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه يف الحاشية السابقة‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫‪287‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫ِ‬
‫التأخير‪ ،‬فإن كثرت الفرائض الفوائت‪ ،‬فاألولى ترل سننها وينشغل بقضاء‬
‫الفرائض‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ار)‪ :‬يسقط‬ ‫قت‪ ،‬ولو ل ِالختِي ِ‬
‫ان‪ ،‬وب ِ ِضيِ ِق الو ِ‬
‫الخامس‪( :‬ويسقط الَّتتِيب‪ :‬بالنسي ِ‬
‫ِ‬
‫الفوائت بثالثة أمور‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قضاء‬ ‫الرتتيب يف‬ ‫وجوب‬
‫ُ‬
‫ِّ َ‬
‫ِحيح؛ ل ُعمو ِم قولِه‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الظهر ناسـيا ف َقضاؤه‬ ‫ان)‪ :‬فلو قدا م العصـر على‬‫(بالنسي ِ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [البقرة‪.]266 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الحاضـرة فإذا خاف خروج‬ ‫الصالة‬ ‫ار)‪ :‬ألداء‬ ‫قت‪ ،‬ولو ل ِالختِي ِ‬
‫(وب ِ ِضيِ ِق الو ِ‬
‫ِ‬ ‫وقتِها لو َت َ‬
‫وأح ُّق‪ ،‬لئال َت َ‬
‫صـير كال‬ ‫ب َ‬ ‫شاغ َل بال َقضاء‪ :‬ف ُيقدم الحاضـرةَ؛ ألنه َ‬
‫أوج ُ‬
‫الصال َت ِ‬
‫ين َقضا ًء‪.‬‬
‫َ‬
‫ار)‪ :‬أي فيسقط وجوب الرتتيب خشـية خروج الوقت المختار‬ ‫(ولو ل ِالختِ ِ‬
‫ي‬
‫للصالة الحاضـرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫النسـيان يف‬ ‫عذر‪ ،‬والاه ُل أخو‬ ‫ِ‬
‫بالوجوب ف ُي َ‬ ‫وكذا بالاهل‪ :‬فلو لم يرتب َج ْه ًال‬
‫قال َتعالى‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [البقرة‪ ،]266 :‬وهذا‬ ‫كتاب اهللِ؛ كما َ‬
‫ِ‬
‫واختاره ُ‬
‫شـيخ اإلسال ِم واب ُن ُعثيمين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عن اإلما ِم َ‬
‫أحمدَ ‪،‬‬ ‫ِرواي ٌة ِ‬
‫ِ‬
‫ِالة العصـر؛‬ ‫ِ‬
‫الظهر‪ ،‬والاماع ُة يف‬ ‫ِ‬
‫المسادَ وعليه ِال ُة‬ ‫دخل‬‫مسألةٌ‪ :‬لو َ‬
‫واختالف الن اي ِة ال َيضـر على الصحيح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الظهر‪،‬‬ ‫دخل معهم بن اي ِة‬ ‫ف َي ُ‬
‫َ ُ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫الق َ‬ ‫ه ُ َ ُْ َ‬
‫الع َ‬
‫َشة)‪.‬‬ ‫درة ِ‪ -‬بَِشء ال ي ِصف الب‬ ‫ورة ِ ‪-‬مع‬ ‫قوهل‪( :‬السادِس‪ :‬سَّت‬
‫الصالة أن ُيغط َي المصلي َعور َته باإلجما ِع(‪ .)1‬ومن األدلة على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصحة‬ ‫ف ُيشرت َُأ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫قو ُله َتعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [األعراف‪.]31 :‬‬
‫اهلل َِ َال َة َحائِ ُ‬
‫ض إ ِ اال‬ ‫ِ‬
‫وحديث َعائ َش َة ڤ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ َأ ان ُه َق َال‪َ « :‬ال َي ْق َب ُل ُ‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)16/22‬‬

‫‪261‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪288‬‬

‫ار»(‪[ )1‬أخرجه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وحسنه]‪.‬‬ ‫خ َم ُ‬ ‫بِ ِ‬


‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪َ « :‬ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم‬ ‫ين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َأ ان َر ُس َ‬ ‫الصحيح ِ‬ ‫َ‬ ‫ويف‬
‫اح ِد َل ْي َس َع َلى َعاتِ َق ْي ِه مِنْ ُه شـي ٌء»(‪.)2‬‬ ‫ب ا ْلو ِ‬
‫في ال اث ْو ِ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َقل ابن ِ‬
‫إجماع العلماء على‪َ « :‬فساد ِالة َمن ِ الى ُعريانًا وهو ٌ‬
‫قادر‬ ‫َ‬ ‫عبدالرب‬ ‫ُ‬
‫تار»(‪.)3‬‬ ‫االستِ ِ‬ ‫على ِ‬
‫يكون مع ال ُق ِ‬ ‫اشرتاأ سرتِ الع ِ‬ ‫الق َ‬ ‫َ ُ‬
‫درة‪ ،‬وأما مع العاز‬ ‫ُ‬ ‫ورة إنما‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫درة ِ)‪ :‬أي ا‬
‫أن‬ ‫(مع‬
‫اهلل‬
‫ف ُ‬ ‫از‪ ،‬وال ُيكل ُ‬ ‫والواجبات َتس ُق ُط بال َع ِ‬ ‫ُ‬ ‫فيسقط الوجوب وتصح الصالة بدونه‪،‬‬
‫َفسا إال ُوس َعها‪.‬‬ ‫ن ً‬
‫قبل‬‫انك َشف شـي ٌء منها َ‬ ‫الصالة‪ ،‬فلو َ‬ ‫ِ‬ ‫ورة ياب دوامه إلى ِ‬
‫آخ ِر‬ ‫فائدةٌ‪ :‬وسرتُ الع ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الصالة فإن كان بال عذر ب َط َل ِ‬ ‫ِ‬
‫وست ََرها يف‬ ‫وإن كان بعذر لم َتب ُطل َ‬ ‫ت الصال ُة‪ْ ،‬‬ ‫إتما ِم‬
‫ِ‬
‫الحال‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫ف ال َبشـرةَ‪ ،‬فلو كان‬ ‫أن ال َي ِص َ‬ ‫للعورة ْ‬ ‫ِ‬
‫للساتر‬ ‫َشة)‪ُ :‬يشرت َُأ‬ ‫(بَِشء ال ي ِصف الب‬
‫سمى‬ ‫ِ‬ ‫از ْ ؛ ا‬ ‫الساتر َش افا ًفا َتبِي ُن ال َعور ُة مِن ورائِه لم ُي ِ‬
‫ألن وجو َده كعدَ مه‪ ،‬وال ُي ا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مهور‪.‬‬
‫َ‬
‫الا‬ ‫إن كان ُمحد ًدا لها الِ ًقا هبا عندَ ُ‬ ‫ساترا‪ ،‬وال َيضـر ْ‬ ‫ً‬
‫ضة‪ :‬ما بيَ‬ ‫ً‬ ‫َُه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه ُ َ ِّ‬ ‫َ ًْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫قوهل‪( :‬فعورة اذلكر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ابلال ِِغ عَشا‪ ،‬واحلرة ِ الممزية ِ‪ ،‬واألمةِ‪ ،‬ولو مبع‬ ‫َ ِ‬
‫والركب ِة)‪.‬‬ ‫الرسة ِ ُّ‬ ‫ُّ ه‬
‫سمان‪:‬‬‫ِ‬ ‫والعور ُة قِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫النكاح‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كتاب‬ ‫النظر‪ ،‬ويأيت تفصـي ُلها يف ِ‬
‫أول‬ ‫ِ‬ ‫باب‬ ‫األو ُل‪َ :‬عور ٌة يف ِ‬ ‫ا‬
‫المراد ُة هنا‪ ،‬وتفصـيلها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الثاين‪ :‬عور ٌة يف ِ‬
‫باب الصالة‪ ،‬وهي ُ‬
‫ُ‬
‫ثالثة‪:‬‬ ‫الصالة إلى أقسا ُم‬ ‫ِ‬ ‫مون العور َة يف ِ‬
‫باب‬ ‫المذهب‪ُ :‬يقس َ‬ ‫و‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)641‬والرتمذي (‪ ،)311‬وابن ماجه (‪ )655‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)352‬ومسلم (‪ )516‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬التمهيد (‪.)312/6‬‬

‫‪266‬‬
‫‪289‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫َ ُّ‬
‫الرسة ِه‬ ‫َُه َ ً‬ ‫ََ‬ ‫الم َم ِّ َ‬
‫ُه ُ‬ ‫ابلال ِِغ َع ْ ً‬ ‫اذل َكر َ‬ ‫َ َُ ه‬
‫زية ِ‪ ،‬واألمةِ‪ ،‬ولو مبعضة‪ :‬ما بي‬ ‫َشا‪ ،‬واحلرة ِ‬ ‫ِ‬ ‫(فعورة‬
‫ُّ َ‬
‫األول‪ :‬وهي َعور ُة الذك َِر البالغ عشر ًا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫القسم‬
‫ُ‬ ‫والركب ِة)‪ :‬هذا‬
‫كبة؛ ألناها عور ٌة َي َلزم‬ ‫السـرة والر ِ‬ ‫ِ‬ ‫بين‬ ‫ياب ْ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫أن ُيغط َي ما َ‬ ‫ُ‬ ‫الصالة‪:‬‬ ‫ف َحدُّ َعورته يف‬
‫ِ‬
‫مهور‪.‬‬ ‫الا‬
‫مذهب ُ‬ ‫ُ‬ ‫باب َأ ْو َلى‪ ،‬وهذا‬ ‫الصالة‪ ،‬ففيها مِ ْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫خارج‬
‫َ‬ ‫َتغطي ُتها‬
‫ب‪ ،‬عن أَبِ ِيه‪ ،‬عن جد ِ‬ ‫خ ُذ َع ْو َر ٌة»(‪،)1‬‬ ‫ويدُ ُّل لـه‪ :‬حديث‪« :‬ال َف ِ‬
‫ِّه‬ ‫َْ َ‬ ‫وحديث َع ْم ِرو ابْ ِن ُش َعْي ٍ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اد َم ُه ‪َ -‬عبْدَ ُه‪َ ،‬أ ْو َأ ِج َير ُه‪َ -‬ف َال َينْ ُظ ْر إِ َلى‬ ‫ﭭ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َزوج َأحدُ ُكم َخ ِ‬
‫ا َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ْك َب ِة»(‪ .)2‬وحديث‪« :‬ما بي َن‬ ‫ِ‬
‫والركبة َعور ٌة»(‪.)3‬‬ ‫السـرة‬ ‫ون السـرة‪َ ،‬و َف ْو َق ُّ‬ ‫َما ُد َ‬
‫اح ِد َل ْي َس‬‫ب ا ْلو ِ‬ ‫ِ‬
‫ويؤمر بتغطية المنكبين؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم في الثا ْو ِ َ‬
‫َع َلى َعاتِ َق ْي ِه مِنْ ُه شـي ٌء»‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫ب تغطي ُته يف‬ ‫الحدُّ الذي ِ‬
‫يا ُ‬ ‫هذا هو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكاملة‪ ،‬لك ْن لو أناه لم ُي َغط إال‬ ‫الثياب‬ ‫بس‬ ‫األكم َل هو التز ُّي ُن لها و ُل ُ‬ ‫َ‬ ‫وال َش اك ا‬
‫أن‬
‫كبة والعات َق ِ‬ ‫السـرة والر ِ‬ ‫ِ‬
‫لح ْقه ٌ‬
‫إثم‪.‬‬ ‫لصحت ِال ُته‪ ،‬ولم َي َ‬ ‫ا‬ ‫ين‬ ‫ُّ‬ ‫بين‬
‫ما َ‬
‫فإذا ِ الى ولم يسرت عورته بال عذر فله حاالت‪:‬‬
‫وءتين بطلت ِالته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الس‬
‫َشف ا‬ ‫األولى‪ :‬إن ك َ‬
‫ين بطلت ِالته على الصحيحِ ‪.‬‬ ‫خ َذ ِ‬ ‫َشف ال َف ِ‬ ‫الثالثة‪ :‬إن ك َ‬
‫الم َم ِّ َ‬
‫ُ‬
‫النساء فالمذهب إلحاقها بالعورة‬ ‫ِ‬ ‫زية ِ)‪ :‬أي َمن لم َتب ُل ْغ مِ َن‬ ‫واحل هرة ِ‬
‫( ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري معلقًا بصـيغة التمريض‪ -‬كتاب الصالة‪ /‬باب ما يذكر يف الفخذ‪ ،‬قال‪ :‬ويروى عن ابن‬
‫عباس‪ ،‬وجرهد‪ ،‬ومحمد بن جحش‪ ،‬عن النبي ﷺ‪« :‬الفخذ عورة»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود(‪ ،)426‬وأحمد (‪ ،)6156‬والبيهقي يف السنن (‪ )320/2‬من حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جده ﭭ‪ .‬قال البيهقي‪ « :‬اختلف يف متنه‪ ،‬فال ينبغي أن يعتمد عليه يف عورة األمة‪ ،‬وإن كان يصلح‬
‫االستدالل به وبسائر ما يأيت عليه معه يف عورة الرجل»‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)1603‬‬
‫(‪ )3‬سبق يف حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده ﭭ‪ .‬ورواه الدار قطني يف السنن (‪ ،)432/1‬والبيهقي‬
‫يف السنن (‪ )324/2‬من حديث أبي أيوب ﭬ مرفوعا بلفظ‪« :‬ما فوق الركبتين من العورة‪ ،‬وما أسفل من‬
‫السـرة من العورة»‪ .‬وضعفه ابن حار يف التلخيص (‪ ،)666/1‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)210‬‬

‫‪262‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪290‬‬

‫المتوسطة فعورهتا يف الصالة ما بين السـرة والركبة‪ ،‬وهذا محل تأمل‪.‬‬


‫َ‬
‫الحديث ق ايده‬ ‫فمن لم َتب ُلغ فلها الصال َة مع كشف ش َع ِرها أو ذراعيها‪ ،‬ا‬
‫ألن‬ ‫َ‬
‫أي البالغ و لو درب ْت على ما ي َلزم الكِ ِ‬
‫حس َن‪،‬‬ ‫السرتِ لكان َأو َلى و َأ َ‬ ‫بار م َن ا‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫بالحائض ِ‬‫ِ‬
‫غير إيااب‪.‬‬ ‫إال أناه مِن ِ‬
‫الق ِ‬ ‫لحقون األم َة البالغ َة هبذا ِ‬ ‫والمذهب‪ :‬ي ِ‬ ‫َُه َ ً‬ ‫ََ‬
‫سم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫)‪:‬‬ ‫ة‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ولو‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫م‬ ‫(واأل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلحاق األَ َم ِة‬
‫اهلل َِ َال َة‬‫بالحرة إذا كانت بالغةً؛ لحديث‪َ « :‬ال َي ْق َب ُل ُ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫واألقر ُب‪:‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫حائض‪،‬‬ ‫عام يف كل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ض إِ اال بِخ َم ُ‬ ‫َحائِ ُ‬
‫الحديث ٌّ‬ ‫ار» [أخرجه أبوداود والرتمذي‪ ،‬وحسنه]‪ ،‬وهذا‬
‫واختاره اب ُن حزمُ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تخصـيص بال دليلُ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وإخراج األَ َم ِة منه‬ ‫ُ‬
‫ُّ َ‬ ‫بي ُّ ه‬ ‫(ما َ‬
‫والركب ِة)‪ :‬فاألِناف الثالثة ياب عليه أن يغطوا يف الصالة ما‬ ‫الرسة ِ‬
‫بين السرة والركبة ولو لم يراهم أحد فهذه عورهتم يف الصالة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫ان)‪.‬‬‫ابن سبع إىل عَش‪ :‬الفرج ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وعورة ِ‬
‫بين سب ُع إلى عشـر ف َي َلز ُمه َسرتُ‬ ‫إن كان ما َ‬ ‫القسم الثاين‪ :‬وهي عور ُة الذك َِر ْ‬ ‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ِ‬ ‫ال َف ْر ِ‬
‫نحوها على‬ ‫فإن ستَرهما فصال ُته ِحيح ٌة حتى لو َبرزت فخ ُذه أو ُ‬ ‫جين فقط‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫المذهب‪.‬‬
‫ْ ََ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ُّ‬
‫ُهُ َ َ ُ ُ َ َ ٌَ‬
‫ورة يف الصالة ِ‪ ،‬إال َوجهها)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬واحلرة ابلال ِغة‪ُ :‬كها ع‬
‫ِ‬
‫الصالة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫البالغة يف‬ ‫الح ار ِة‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬وهي َعور ُة ُ‬ ‫القسم‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫وجهها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مذهب‪ :‬أن ا‬
‫كل جسمها عور ٌة يف الصالة ياب تغطي ُته إال َ‬ ‫ُ‬ ‫فال‬
‫وجهها‬ ‫جسمها عور ٌة إال‬ ‫ِ‬ ‫مالك والشافعي‪ ،‬ورجحه ابن باز‪ :‬أن كل‬ ‫ُ‬ ‫ومذهب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وك افيها‪.‬‬
‫خ َم ُ‬ ‫ض إِ اال بِ ِ‬ ‫الحائِ ِ‬ ‫قول رس ِ ِ‬
‫ار»‪.‬‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬ال ُت ْق َب ُل َِ َال ُة َ‬ ‫ودلي ُلهم‪ُ َ ُ :‬‬
‫النبي ﷺ‪َ :‬أ ُت َصلي ا ْل َم ْر َأ ُة فِي ِد ْر ُع َو ِخ َما ُر َل ْي َس‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫سأ َل ِ‬
‫ولحديث أم َس َل َم َة ألناها َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ور قدَ َم ْي َها» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َان الد ْر ُع َسابِ ًغا ُي َغطي ظ ُه َ‬
‫ُ‬ ‫َع َل ْي َها إِ َز ٌار؟ َق َال‪« :‬إِ َذا ك َ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )640‬من حديث أم سلمة ڤ‪ .‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪ ،)214‬وقال ابن حار يف‬
‫=‬

‫‪220‬‬
‫‪291‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫إن كان موقو ًفا ف َف َتوى الصحابي ُحاة إذا لم ُيخال ِ ْفه‬ ‫وما روي عن أم س َلم َة لو ْ‬
‫النساء‪ ،‬وهي أع َل ُم به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫غيره‪ ،‬خاِة أناها متعلق ٌة بما هو مِن ِ‬
‫شأن‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصالة ما‬ ‫فة َسرتُ جمي ِع بدنِها يف‬ ‫رة المك ال ِ‬ ‫المرأة الح ِ‬ ‫ِ‬ ‫الواجب على‬ ‫باز‪« :‬‬ ‫قال اب ُن ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فإن ِ ال ْت وقد بدا شـي ٌء مِن عورتِها‬ ‫والكفين؛ ألناها عور ٌة ك ُّلها‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫عدا الوج َه‬
‫وجب‬ ‫تص اح ِال ُتها؛ ْ‬ ‫بعضه لم ِ‬ ‫والرأس أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫كالساق والقدَ ِم‬ ‫ِ‬
‫أجنبي َ‬ ‫ٌّ‬ ‫فإن كان عندَ ها‬
‫وجهها و َك اف ْيها»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫أيضا سرتُ‬ ‫عليها ً‬
‫عام يف كل‬ ‫الحديث ٌّ‬ ‫َ‬ ‫بالحرة إذا كانت بالغةً؛ ا‬
‫ألن‬ ‫ا‬ ‫إلحاق األَ َم ِة‬‫ُ‬ ‫واألقر ُب يف هذا‬ ‫َ‬
‫واختاره اب ُن حزمُ‪.‬‬ ‫تخصـيص بال دليلُ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وإخراج األَ َمة منه‬ ‫حائض‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫الر ُجل َ‬ ‫رض ه‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫اس)‪.‬‬ ‫َّت أح ِد اعت ِقي ِه بَِشء مِن اللب ِ‬ ‫ابلال ِِغ‪ :‬س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫ط‬ ‫ورش‬
‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ياب على الرج ِل البال ِغ سرتُ أحد عات َق ْيه بشـيء م َن اللباس يف الفريضة؛ لما‬ ‫ِ‬ ‫أي‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪َ « :‬ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم فِي الثا ْو ِ‬ ‫الصحيحين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬أ ان َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫الح َر ِم مِ َن‬
‫كثيرا يف َ‬ ‫التفريط فيه ً‬ ‫ُ‬ ‫حص ُل‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ا ْل َواحد َليْ َس َع َلى َعات َق ْيه منْ ُه شـي ٌء» ‪ ،‬وهذا َي ُ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫الحديث‪.‬‬ ‫نهي عنه يف هذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ‬
‫المحرمين تادُ ه ُيصلي بإزار دون رداء‪ ،‬وهذا َم ٌّ‬
‫ُ‬
‫أقوال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة على‬ ‫تغطية الرج ِل عات َقه يف‬ ‫ِ‬ ‫َلف العلما ُء يف ُح ِ‬
‫كم‬ ‫وقد اخت َ‬
‫ون النافلِ‪.‬‬ ‫الفرض ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ب يف‬ ‫يا ُ‬ ‫فالمذهب‪ :‬أناه ِ‬
‫اح ِد َل ْي َس َع َلى‬ ‫ب ا ْلو ِ‬ ‫ِ‬
‫واستدلوا‪ :‬بقول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم في ال اث ْو ِ َ‬
‫ف به‪،‬‬ ‫المك ال ُ‬ ‫الفريضة؛ ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعاتِ َق ْي ِه مِنْ ُه شـي ٌء»‪ ،‬وحملوه على‬
‫الفرض هو ُ‬ ‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ِالة‬
‫ِ‬
‫التخفيف‪.‬‬ ‫إن ِال َة النف ِل َمبناها على‬ ‫وقالوا‪ :‬ا‬
‫ب يف الفريضة والنافلة‪ ،‬وهذا األقرب‪ ،‬وهو قول اإلمام‬ ‫يا ُ‬‫والرواية الثانية‪ :‬أنه ِ‬
‫ُ‬ ‫حا ُر‪ ،‬واب ُن‬ ‫مالك ورجحه ابن الم ِ‬
‫رجب‪ ،‬واب ُن‬ ‫خاري‪ ،‬واب ُن َب اطال‪ ،‬واب ُن َ‬ ‫ُّ‬ ‫نذر وال ُب‬ ‫ُ ُ‬ ‫ا‬
‫=‬
‫التلخيص (‪« :)666/1‬أعله عبدالحق بأن مالكًا وغيره رووه موقوفًا‪ ،‬وهو الصواب»‪.‬‬
‫(‪ )1‬ماموع فتاوى ابن باز (‪.)402/10‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)266‬‬

‫‪221‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪292‬‬

‫ُقدام َة‪.‬‬
‫اح ِد َل ْي َس‬
‫ب ا ْلو ِ‬ ‫ِ‬
‫واستَد ُّلوا‪ :‬بعموم النهي يف قوله ﷺ‪َ « :‬ال ُي َصلي َأ َحدُ ُك ْم في ال اث ْو ِ َ‬
‫ألن ما ث َبت يف‬ ‫والنفل؛ ا‬ ‫َ‬ ‫الفرض‬
‫َ‬ ‫شم ُل‬ ‫عام‪ ،‬ف َي َ‬
‫والحديث ٌّ‬‫ُ‬ ‫َع َلى َعاتِ َق ْي ِه مِنْ ُه شـي ٌء»‪،‬‬
‫الفرض ث َبت يف النا ْف ِل إال بدليلُ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫وجوب سرتِ العاتِ ِق يف‬ ‫ِ‬ ‫التحريم‪ ،‬فدَ ال على‬ ‫ِ‬
‫النهي‬ ‫ُ‬
‫واألِل يف‬
‫ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ ُي َصلي‬ ‫الصحيحين َع ْن ُع َم َر ْب ِن َأبِي َس َل َم َة ﭬ قال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬
‫اض ًعا َط َر َف ْي ِه َع َلى َعاتِ َق ْي ِه»(‪ ،)1‬وهذه‬ ‫ت ُأم س َلم َة و ِ‬
‫َ َ َ‬
‫اح ُد م ْشت َِم ًال بِ ِه فِي بي ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫بو ِ‬
‫في َث ْو ُ َ‬
‫ِ‬
‫جابر ﭬ‬ ‫لحديث ُ‬ ‫ِ‬ ‫الوجوب؛‬ ‫الثوب ضـي ًقا فإناه َيس ُقط عنه‬ ‫نافلة‪ ،‬إال إذا كان‬ ‫ِال ُة ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اشت ََم ْل ُت بِ ِه َو َِ ال ْي ُت إِ َلى‬ ‫احدٌ ‪َ ،‬ف ْ‬‫جئت النبي ﷺ َفوجدْ ُته يصلي‪ ،‬و َع َلي َثوب و ِ‬
‫َ ا ْ ٌ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫قال‪ُ :‬‬
‫َان ضـي ًقا َفا ات ِز ْر بِ ِه»(‪.)2‬‬ ‫ف بِ ِه‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬‫َح ْ‬ ‫اسعا َفا ْلت ِ‬ ‫جانِبِ ِه‪ ...،‬ف َق َال‪َ « :‬فإِ ْن ك َ ِ‬
‫َان َو ً‬ ‫َ‬
‫ً َ َ ه‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ه‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ومن صىل يف مغصوب‪ ،‬أو ح ِرير‪ ،‬اعل ِما ذاك ِرا‪ :‬لم ت ِصح)‪.‬‬
‫الم َح ار ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أشار هنا إلى ُح ِ‬
‫المغصوب‪ ،‬أو المسـروق‪ ،‬أو ُ‬ ‫الثوب‬ ‫الصالة يف‬ ‫كم‬ ‫َ‬
‫كالحرير للرجلِ؛ وهو على حالتين‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األولى‪ :‬إن كان ناسيًا‪ ،‬أو جاهالً ِحت ذكره الماد إجماعًا‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن كان عالمًا عامد ًا فاختلف يف ِحة ِالته‪.‬‬
‫وب‪َ ،‬أو ح ِر ُير عالمًا عامد ًا لم ِ‬
‫تص اح‬ ‫ثوب َم ْغ ُص ُ ْ َ‬
‫إن ِ الى يف ُ‬ ‫فالمذهب‪ :‬أنه ْ‬
‫الصالة‪ ،‬والعباد ُة إذا و َقعت على ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منهي‬
‫ن‬ ‫وجه‬ ‫شـرأ‬ ‫حرم يف‬
‫الم ا‬
‫َعمل ُ‬ ‫ِال ُته؛ ألناه است َ‬
‫ين‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َليْ َس‬
‫الصحيح ِ‬
‫َ‬ ‫أمر اهللِ ورسولِه‪ ،‬ويف‬
‫غير ِ‬
‫عنه فقد و َقعت على ِ‬
‫َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫العبادة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لذات‬ ‫أن الصال َة ِحيح ٌة مع التحريم؛ والنهي ليس‬ ‫والرواية الثانية‪ :‬ا‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)356‬ومسلم (‪ )511‬من حديث عمر بن أبي سلمة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )361‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬

‫‪222‬‬
‫‪293‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫الصالة أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإناما ُ‬


‫غيرها‪.‬‬ ‫حر ٌم ُمطل ًقا؛ سوا ٌء كان يف‬ ‫الثياب ُم ا‬ ‫بس هذه‬ ‫خارج‪ ،‬ف ُل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ألمر‬
‫العبادة فال َيقتضـي‬ ‫ِ‬ ‫خارج عن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ألمر‬ ‫النهي إذا كان‬ ‫والقاعد ُة األِول اي ُة‪ « :‬ا‬
‫أن‬
‫َ‬
‫شـيخنا اب ُن ُعثيمين وهي األظهر(‪.)1‬‬ ‫ال َفسا َد»‪ ،‬واختارها الخالل‪ ،‬وابن عقيل‪ ،‬و ُ‬
‫ُ َ ِّ ُ ً َ َ َ ْ‬
‫قوهل‪( :‬ويصىل عريانا مع غصب)‪.‬‬
‫ذهب‪ :‬أنه إذا لم ياد ما يسرت به عورة الصالة إال ثوبًا مغصوبًا أو مسـروقًا‬ ‫الم ُ‬ ‫َ‬
‫اإلجزاء يف الصالة بالثوب‬ ‫ِ‬ ‫عدم‬ ‫فيصلي عريانًا ويازئه ذلك؛ ألهنم َيرون‬
‫َ‬
‫المغصوب أو المسـروق كما تقدم‪.‬‬
‫ُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫قوهل‪( :‬ويف ح َرير؛ ل ِعدم‪ ،‬وال يعيد)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حرير فيصلي فيه مِن ِ‬ ‫ُ‬ ‫أي أنه إذا لم ِ‬
‫إعادة‪،‬‬ ‫غير‬ ‫ثوب‬ ‫يادْ ما َيس ُت ُر به عور َته إال َ‬
‫رير ل ِ َحق اهللِ‪ ،‬وأ اما‬ ‫الح ِ‬‫تحريم َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫والمغصوب ا‬ ‫ِ‬
‫المسـروق‬ ‫والفرق بينَه وبي َن‬ ‫ُ‬
‫الف‬ ‫بخ ِ‬ ‫وحق اهللِ مبني على ا ُلمسامحة ِ‬ ‫للمخلوق‪ُّ ،‬‬‫ِ‬ ‫حق‬
‫والمغصوب فإناه ٌّ‬ ‫ُ‬
‫المسـروق‬
‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحاجة‪.‬‬ ‫بسه مع‬ ‫خصة يف ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالر‬ ‫المخلوق‪ ،‬ولذا جاء ِ‬ ‫ِ‬
‫النصوص ُّ‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫حق‬
‫ُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫َنس؛ ل ِعدم‪ ،‬وي ِعيد)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ويف ِ‬
‫نا ًسا ولم َيقدر على َغسلِه؛ فإنه ُيصلي فيه‬ ‫ِ‬ ‫يادْ ما َيس ُتر به عور َته إال ثو ًبا ِ‬ ‫إذا لم ِ‬
‫ُ‬
‫اإلعادة؛ ألنه َتر َل شـر ًطا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫مع‬
‫ِ‬
‫إزالة‬ ‫أه ُّم مِن‬ ‫ِ‬
‫العورة َ‬ ‫ألن َسرتَ‬ ‫وقيل‪ :‬يصلي يف الثوب الناس وال إعاد َة عليه؛ ا‬
‫ُ‬ ‫واهلل لم يأ ُم ِر العبدَ أن ُيصل َي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحد‬ ‫الفرض يف يو ُم‬ ‫َ‬ ‫النااسة‪ ،‬وهو أ َتى بما ُأمر به‪ُ ،‬‬
‫الحنابلة‪ ،‬قال يف‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬
‫ورجح هذا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مرتين إال إذا ا‬
‫ببعض الواجبات بال ُعذر‪ ،‬ا‬ ‫أخل‬ ‫ا‬
‫الكايف‪ :‬ويتخرج أن ال يعيد كما لو عاز عن خلعه‪ ،‬أو ِلى يف موضع ناس ال‬
‫يمكنه الخروج منه‪.‬‬
‫ه‬ ‫َُ َ َ‬ ‫ْ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ُُ‬
‫اث‪ :‬لبس منسوج‪ ،‬ومم هوه بِذهب أو ف ِضة)‪.‬‬ ‫ور‪ ،‬ال اإلن ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وَيرم ىلع اذلك ِ‬
‫جائز كما َد الت عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والم َم او َه ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُلبس‬
‫النصوص؛‬
‫ُ‬ ‫للمرأة ٌ‬ ‫بالذهب‬ ‫الم َذ اهبة ُ‬
‫الثياب ُ‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف للمرداوي (‪ ،)451/1‬الممتع (‪.)110/2‬‬

‫‪223‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪294‬‬

‫كقولِه َتعالى‪﴿ :‬ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [الزخرف‪.]16 :‬‬


‫ور ُأ امتِي‪،‬‬ ‫ب َع َلى ُذ ُك ِ‬ ‫الذ َه ِ‬‫اس ا ْل َح ِر ِير َو ا‬ ‫ِ‬
‫والحرير‪ُ « :‬حر َم ل َب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذهب‬ ‫وقولِه ﷺ ِ‬
‫عن‬
‫إلنَاثِ ِه ْم»(‪.)1‬‬ ‫َو ُأ ِح ال ِ‬
‫ت‬ ‫مومات التي نَه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلماء لل ُع‬ ‫ِ‬
‫جمهور‬ ‫للرجال‪ :‬فيحرم يف قول‬ ‫ِ‬ ‫وأما ل ُبسها‬
‫َ‬
‫حديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع ْم ُرو ﭭ َق َال‪َ :‬خ َر َج َع َل ْينَا‬ ‫ُ‬ ‫الذهب‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الرجال عن ُل ِ‬
‫بس‬ ‫َ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َوفي إِ ْحدَ ى َيدَ ْيه َث ْو ٌب م ْن َح ِر ُير‪َ ،‬وفي ْاألُ ْخ َرى َذ َه ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ُأمتي‪ ،‬ح ٌّل ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الباب‪.‬‬ ‫إلنَاث ِه ْم» ‪ ،‬وهنال أدل ٌة ُأخرى يف‬ ‫َه َذ ْي ِن ُم َح ار ٌم َع َلى ُذ ُك ِ ا‬
‫)‬ ‫‪2‬‬ ‫(‬

‫ه‬
‫(أو ف ِضة)‪ :‬المذهب تحريم ما نسج مِن فِ اض ُة للرجال وبه‪.‬‬
‫الاواز ومما احتج به‪:‬‬ ‫شـيخ اإلسال ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫واختار‬
‫الف اضة فلم َت ِر ْد به‪ ،‬وإناما جاءت‬ ‫الذهب‪ ،‬وأما ِ‬ ‫ِ‬ ‫بس‬‫بتحريم ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫النصوص جاءت‬ ‫أن‬ ‫ا‬
‫َ‬
‫واز‪.‬‬‫الا ِ‬ ‫بس على َ‬ ‫كم ال ُّل ِ‬ ‫الشـرب واألك ِل فيها‪ ،‬ف َيب َقى ُح ُ‬ ‫ِ‬ ‫بالنهي عن‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬
‫ُ ِ‬ ‫جال‪ ،‬كما ف َعله‬ ‫اتخاذ الخا َت ِم مِن فِ اض ُة للر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن النص جاء بإبا ِ‬
‫حة‬ ‫و ا‬
‫ا‬
‫بكر‪ ،‬ثم مع‬ ‫رسول اهللِ)‪ ،‬ثم كان مع أبي ُ‬ ‫ُ‬ ‫نقشه (محمدٌ‬ ‫فضة ُ‬ ‫ُ‬ ‫إذ كان عليه خا َت ٌم مِن‬
‫ثمان ﭫ(‪.)3‬‬ ‫ُع َمر‪ ،‬ثم مع ُع َ‬
‫رسول اهللِ ﷺ قال‪َ « :‬و َلكِ ْن َع َل ْي ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ري ا‬ ‫ِ‬
‫المنذ ُّ‬ ‫وِححه ُ‬ ‫ا‬ ‫داو َد‬
‫وروى أبو ُ‬ ‫َ‬
‫واز‪ ،‬ا‬ ‫بالا ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِا ْل ِف اض ِة‪َ ،‬فا ْلعبوا بِها»(‪ ،)4‬وهذا يدُ ُّل على ُق ِ‬
‫حرم يف‬ ‫وأن الفض َة ال َي ُ‬ ‫القول َ‬ ‫وة‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬
‫وياوز ما عدا ذلك مِ َن‬ ‫ُ‬ ‫والشـرب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األكل‬ ‫استِعمالِها إال ما هنى عنه الشارع وهو‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)1120‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)5265‬وأحمد (‪ )12502‬من حديث أبي موسـى ﭬ‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه (‪ )3521‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ‪ .‬ويف إسناده اإلفريقي ‪-‬وهو عبدالرحمن بن زياد‬
‫ابن أنعم‪ -‬وشـيخه عبدالرحمن ابن رافع ضعيفان‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)65‬ومسلم (‪ )2022‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)4236‬وأحمد (‪ )6210‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال األلباين يف آداب الزفاف ص‬
‫(‪« :)224‬وهذا سند جيد‪ ،»...‬وقال المنذري يف الرتغيب (‪« :)213/1‬إسناده ِحيح»‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫‪295‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫ِ‬
‫ستعماالت كال ُّل ِ‬
‫بس‪.‬‬ ‫ِاال‬
‫وقال ِاحب «الفروع» فيه‪ :‬وال أعرف على تحريم لبس الفضة نصا عن‬
‫أحمد‪ ،‬وكالم شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال‪ ،‬إال ما دل الشرع على تحريمه‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقى الدين أيضا‪ :‬لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم‪ ،‬لم‬
‫يكن ألحد أن يحرم منه إال ما قام الدليل الشرعي على تحريمه‪ ،‬فإذا أباحت السنة‬
‫خاتم الفضة‪ ،‬دل على إباحة ما يف معناه‪ ،‬وما هو أولى منه باإلباحة‪ ،‬وما لم يكن‬
‫كذلك‪ ،‬فيحتاج إلى نظر يف تحليله وتحريمه‪ ،‬والتحريم يفتقر إلى دليل‪ ،‬واألِل‬
‫عدمه‪ .‬ونصره ِاحب «الفروع»‪ ،‬ورد جميع ما استدل به األِحاب(‪.)1‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫اح‪ :‬ما ُس ِّد َي َ‬ ‫ُُ َ ٌ ُ َ ُ‬ ‫ُ ُّ ُ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ريه)‪.‬‬ ‫ِ ِ‬‫غ‬ ‫ب‬ ‫ِم‬ ‫حل‬ ‫وأ‬ ‫ير‬
‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫باحل‬ ‫ـب‬ ‫وي‬ ‫‪.‬‬ ‫ير‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫اغبل‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ُك‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫قوهل‪( :‬ولب‬
‫يحرم على الرجال لبس ما كله أو غالبه حرير باالتفاق؛ َسوا ٌء كانت ُق ُم ًصا أو‬
‫ور ُأ امتِي‪،‬‬ ‫ب َع َلى ُذ ُك ِ‬ ‫الح ِر ِير َو ا‬
‫الذ َه ِ‬ ‫اس َ‬
‫ِ‬
‫نحوها؛ لقوله ﷺ‪ُ « :‬حر َم ل َب ُ‬ ‫ثيا ًبا أو ِردا ًء أو َ‬
‫ِ‬
‫إلنَاثِ ِه ْم» [رواه الرتمذي وِححه](‪.)2‬‬
‫َو ُأ ِح ال ِ‬
‫ح َر‪َ ،‬وا ْل َح ِر َير‪َ ،‬وا ْل َخ ْم َر‪،‬‬‫ون ا ْل ِ‬ ‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬لي ُكونَن مِن ُأمتِي َأ ْقوام يست ِ‬
‫َح ُّل َ‬ ‫َ ٌ َْ‬ ‫ا ْ ا‬ ‫َ‬
‫ف»(‪.)3‬‬ ‫َوا ْل َم َع ِ‬
‫از َ‬
‫فحرام على الرجال باالتفاق‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وأما لبس الرجال الحرير‪:‬‬
‫ُ‬
‫ضـرورة على‬ ‫على األجناد وغيرهم‪ ،‬لكن تنازع العلماء يف لبسه عند القتال لغير‬
‫قولين‪ :‬أظهرهما اإلباحة‪ ،‬وأما إن احتاج إلى الحرير يف السالح ولم يقم غيره‬
‫مقامه‪ ،‬فهذا ياوز بال نزاع»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف للمرداوي (‪.)43/1‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)224‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري معلقًا ‪ -‬كتاب األشـربة‪ /‬باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (‪ )5520‬من‬
‫حديث أبي عامر وأبي مالك األشعريين ﭭ‪ .‬وجاء موِو ً‬
‫ال‪ :‬رواه أبو داود (‪ ،)4032‬وابن حبان‬
‫(‪.)6154‬‬
‫(‪ )4‬االختيارات الفقهية ص(‪.)436‬‬

‫‪225‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪296‬‬

‫شـيخ اإلسال ِم‬ ‫ُ‬ ‫التحريم‪ ،‬واختار ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بالرجال يف‬ ‫واألظهر‪ :‬إلحاق األطفال‬
‫اب ﭬ َع َلى َِبِ ني َث ْو ًبا مِ ْن َح ِر ُير َف َم از َق ُه َو َق َال‪:‬‬ ‫وابن القيم‪َ ،‬و َقدْ َر َأى ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخ اط ِ‬
‫ود ﭬ َم از َق َث ْو َب َح ِر ُير ك َ‬ ‫وهم ا ْلح ِرير»(‪ ،)1‬وك ََذل ِ َك ابن مسع ُ‬
‫َان َع َلى‬ ‫ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫« َال ُت ْلبِ ُس ُ ُ َ َ‬
‫يم(‪.)3‬‬ ‫ا ْبن ِ ِه(‪َ ،)2‬و َما َح ُر َم ُل ْب ُس ُه َل ْم َت ِح ال َِنْ َع ُت ُه َو َال َب ْي ُع ُه ل ِ َم ْن َي ْل َب ُس ُه مِ ْن َأ ْه ِل ال ات ْح ِر ِ‬
‫وازه وإباحتِه؛ كما قال‬ ‫فاألحاديث تدُ ُّل على َج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫للنساء‬ ‫الحرير‬ ‫بس‬ ‫ويباح ُل ُ‬
‫والذهب‪ِ « :‬ح ٌّل إلناثِها»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحرير‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف‬ ‫ُ‬
‫الحرير ما يلي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الرجال‬ ‫رمة ُل ِ‬
‫بس‬ ‫مسألةٌ‪ :‬يستثنَى مِن ح ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أن ال ِ‬ ‫مثل ْ‬ ‫حرمات‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يادَ‬ ‫الم ا‬ ‫بيح ُ‬ ‫ألن الضـرورات ُت ُ‬ ‫األول‪ :‬إن كان للضـرورة؛ ا‬
‫رد‪.‬‬‫غيره يس ُتر به عور َته أو يقيه مِن الب ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬إن احتاج إلى الحرير يف السالح ولم يقم غيره مقامه‪ ،‬فهذا‬
‫ياوز بال نزاع»(‪.)5‬‬
‫بسه؛ لما يف‬ ‫الحرير أناه ُيخفف ذلك‪ ،‬فله ُل ُ‬ ‫ُ‬ ‫وو ِِف له‬ ‫مرض ُ‬ ‫الثاين‪ :‬إن كان به ٌ‬
‫يص م ِ ْن‬‫الز َب ْي ِر فِي َق ِم ُ‬ ‫ف َو ُّ‬ ‫الصحيحين‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ر اخص لِعب ِدالرحم ِن ب ِن َعو ُ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َْ ا ْ َ ْ‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫َح ِر ُير‪ ،‬مِ ْن ِح اك ُة كَان َْت بِ ِه َما»(‪.)6‬‬
‫سلم َأ ان ُع َم َر‬ ‫رضه ال َيزيدُ عن أر َب ِع أِابِ َع؛ لما َروى ُم ٌ‬ ‫الثالث‪ :‬إذا كان خطا َع ُ‬ ‫ُ‬
‫س ا ْل َح ِر ِير إِ اال َم ْو ِض َع إِ ِْ َب َع ْي ِن‪َ ،‬أ ْو‬‫ب بِا ْل َاابِ َي ِة َف َق َال‪َ « :‬ن َهى َنبِي اهللِ ﷺ َع ْن ُل ْب ِ‬
‫َخ َط َ‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)152/5‬والطحاوي يف شـرح معاين اآلثار (‪ )246/4‬من طريق سعد بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن أبيه قال‪« :‬دخل عبدالرحمن بن عوف‪ ،‬ومعه ابن له على عمر‪ ،‬عليه قميص حرير‪ ،‬فشق‬
‫القميص»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)152/5‬‬
‫(‪ )3‬ماموع الفتاوى (‪ ،)143/22‬زاد المعاد (‪.)12/4‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)224‬‬
‫(‪ )5‬االختيارات الفقهية ص(‪.)436‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)2220‬ومسلم (‪ )2016‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫‪297‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫ث‪َ ،‬أ ْو َأ ْر َب ُع»(‪ ،)1‬والمرا ُد بذلك ال َع ْر ُض كما ب اين العلما ُء‪.‬‬ ‫َث َال ُ‬
‫والمرا ُد أن ُيش َب َك الحرير بالوبر‪ِ،‬‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫اح‪ :‬ما ُس ِّد َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ريه)‪ُ :‬‬ ‫ِ ِ‬‫غ‬ ‫ب‬ ‫ِم‬ ‫حل‬ ‫وأ‬ ‫ير‬
‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫باحل‬ ‫ي‬ ‫(ويـب‬
‫جائز‪.‬‬
‫مستورا‪ ،‬فهذا ٌ‬ ‫ً‬ ‫الحرير‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويكون‬
‫ب‬ ‫ول اهللِ ﷺ َع ِن ال اث ْو ِ‬ ‫اس ﭭ َق َال‪« :‬إِن َاما ن ََهى َر ُس ُ‬ ‫حديث ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويدُ ُّل لـه‪:‬‬
‫ب َف َال َب ْأ َس بِ ِه»(‪.)2‬‬ ‫ت مِ َن ا ْل َح ِر ِير‪َ ،‬ف َأ اما ا ْل َع َل ُم مِ َن ا ْل َح ِر ِير‪َ ،‬و َسدَ ى الثا ْو ِ‬‫ا ْلمصم ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫ُ ِ‬ ‫بسه عن ِ‬
‫ورجح‬ ‫الصحابة ﭫ» ‪ ،‬ا‬ ‫غير واحد م َن ا‬ ‫وقال الماد‪« :‬وقد َِ اح ُل ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫شـيخ اإلسالمِ‪.‬‬ ‫جوازه ُ‬ ‫َ‬


‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ان)‪.‬‬
‫ور ِسي ِ‬ ‫قوهل‪( :‬أو اكن احل ِرير وغريه يف الظه ِ‬
‫وايتان يف المذهب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الظهور‪ ،‬ففيه ِر‬ ‫ِ‬ ‫الحرير وغيره يف‬ ‫ُ‬
‫واحد‬ ‫إذا َتساوى يف ُ‬
‫ثوب‬
‫ُ‬
‫واز ذلك‪.‬‬ ‫األُولى‪َ :‬ج ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ نَهى عن ُح ال ُة‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫وألن‬ ‫حرم لعمو ِم أحاديث التحريم‪،‬‬ ‫الثاني ُة‪ :‬أناه َي ُ‬
‫بيح‬ ‫حاظر و ُم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بالحرير‪ ،‬وألناه اجت ََمع‬ ‫ِ‬ ‫ثياب ُمض العة‬ ‫ٌ‬ ‫سـيرا َء(‪ ،)4‬وال َقسـي(‪ ،)5‬وهي‬
‫الحظر‪ ،‬والحديث إنما أباح العلم وسدى الثوب وموضع أِبعين‬ ‫ِ‬ ‫جانب‬
‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ف ُيغ ال ُ‬
‫ِ‬
‫وشـيخ‬ ‫ابن َعقي ُل‬ ‫اختيار ِ‬
‫ُ‬ ‫أو ثالث أو أربع فيبقى ما سواه على التحريم‪ ،‬وهذا‬
‫اإلسالمِ‪.‬‬
‫ُ َ ََ ُ‬
‫الق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫درة ِ)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬السابِـــع‪ :‬اجتِناب انلهجاسةِ‪َ ِ ،‬بلدن ِ ِه‪ ،‬وثوب ِ ِه‪ ،‬وبقعتِه‪ ،‬مع‬
‫ِ‬
‫لصحة‬ ‫ٌ‬
‫شـرأ‬ ‫كان الذي ُيصلي فيه‬ ‫الثياب والبدَ ِن والم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النااسة يف‬ ‫فاجتناب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العلماء‪.‬‬ ‫مهور‬ ‫ِ‬
‫ب ُج ُ‬ ‫ذه َ‬
‫الصالة‪ ،‬وإليه َ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )2062‬من حديث عمر ﭬ‪.‬‬


‫وحسن إسناده ابن حار يف الفتح‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)4055‬وأحمد (‪ )1612‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪.)224/10‬‬
‫(‪ )3‬المنتقى للماد ابن تيمية (‪.)555‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)666‬ومسلم (‪ )2066‬من حديث عمر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1232‬ومسلم (‪ )2066‬من حديث الرباء بن عازب ﭬ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪298‬‬

‫ورسول اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫أح ِد‬


‫ُ‬ ‫التفاسـير‪،‬‬ ‫ويدُ ُّل لـه‪ :‬قو ُله َتعالى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ﴾ [المدثر‪ ،]4 :‬على َ‬
‫رسول اهللِ‬
‫َ‬ ‫لما أخ َب َره ِج ُ‬
‫وحديث أسما َء ا‬
‫ألن‬ ‫ُ‬ ‫أن فيهما أ ًذى(‪،)1‬‬ ‫ربيل ا‬ ‫ﷺ خ َلع نَع َل ْيه ا‬
‫يض يصـيب الثوب‪َ « :‬تح ُّته‪ُ ،‬ثم َت ْقرِه بِا ْلم ِ‬
‫اء‪َ ،‬و َتن َْض ُح ُه‪َ ،‬و ُت َصلي‬ ‫ُ ُ ا ُ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الح ِ ُ‬ ‫ﷺ قال يف َد ِم َ‬
‫فِ ِ‬
‫يه»(‪.)2‬‬
‫قعة‪ :‬قو ُلـه َتعالى‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ودليل اشرتاطِها يف الب ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫سا ِد‪ ،‬دعا‬ ‫ﯲ ﯳ﴾ [البقرة‪ ،]125 :‬ولما بال األعرابي يف الم ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫اء َف َص اب ُه َع َل ْي ِه(‪.)3‬‬‫بِدَ ْل ُو مِن م ُ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫درة ِ)‪ :‬فلو كان ال ي ِ‬ ‫ُ‬
‫( َم َع الق َ‬
‫فياوز أن ُيصلي والنااس ُة‬ ‫ُ‬ ‫اااسة‬ ‫إزالة الن‬ ‫قد ُر على‬ ‫َ‬
‫سة‪ ،‬أو الذي ال ِ‬
‫يادُ‬ ‫نا ُ‬ ‫ُ‬
‫بغرفة ِ‬ ‫ِ‬
‫كالمحبوس‬ ‫الواجبات َتس ُقط بال َع ِ‬
‫از‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫موجودةٌ؛ ا‬
‫ألن‬
‫ناسةً‪.‬‬ ‫إال ثِيا ًبا ِ‬
‫َ ه َ ه ْ‬ ‫ُ َ ُُ َ َ َ‬
‫َنسة وصىل‪ :‬صحت)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬فإن حبِس بِبقعة ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إذا ُحبِس يف‬
‫غير‬ ‫ناس فإناه ُيصلي فيه‪ ،‬وِال ُته ِحيحةٌ؛ ألناه لم يادْ َ‬ ‫مكان‬
‫از‪.‬‬‫والواجبات َتس ُق ُط بال َع ِ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‪،‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُ ه َ هْ َ‬ ‫َ‬
‫الرطب ِة اغية ما يمكِنه‪ ،‬وَيلِس ىلع قدمي ِه)‪.‬‬ ‫كن‪ :‬يومِئ بانلجاس ِة‬ ‫قوهل‪( :‬لـ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والركوع يأيت هبما على َوِفهما؛ سوا ٌء كانت النااس ُة‬ ‫فإذا أرا َد الصال َة فالقيا ُم‬
‫ُ‬
‫األرض َر ْطب ًة أم يابس ًة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫التي على‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سادُ و َيالِ ُس على‬ ‫ِ‬
‫المشـروعة‬ ‫الهيئة‬ ‫األرض يابس ًة ف َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬ ‫وأ اما الساو ُد فإن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التا ام ِة‪ ،‬وإن‬
‫سادُ ُساو ًدا تاما على‬ ‫األرض َر ْطب ًة فإناه ُيوم ُئ بالساود وال َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)650‬وأحمد (‪ ،)11153‬وابن خزيمة (‪ ،)166‬وابن حبان (‪ ،)2165‬والحاكم‬
‫(‪ ،)321/1‬والبيهقي يف السنن (‪ )563/2‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪ .‬قال ابن حار يف التلخيص الحبير‬
‫(‪« :)663/1‬واختلف يف وِله وإرساله‪ ،‬ورجح أبو حاتم يف العلل الموِول»‪ .‬وِححه األلباين يف‬
‫اإلرواء (‪.)264‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)221‬ومسلم (‪ )221‬من حديث أسماء ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)212‬ومسلم (‪ )264‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫‪299‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫األرض ل ِ َئ اال َتع َل َق به النااس ُة‪.‬‬


‫ِ‬
‫َ ه‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ َ ه َ ُُ َ ً َ ً‬
‫َنسا‪ ،‬أو حائ ِطا لم يستنِد إيل ِه‪ ،‬أو‪ :‬صىل ىلع طاهِر‬
‫قوهل‪ُ ( :‬وإن مس ثوبه ثوبا ِ‬
‫َ ُ ُ َ َ ِّ ٌ‬
‫ط َرفه متنجس)‪.‬‬
‫كراهة؛ ألناه لم يحمل ولم يباشـر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحاالت الصال ُة ِحيح ٌة بال‬ ‫يف هذه‬
‫ِ‬
‫لنااسة‪.‬‬ ‫ا‬
‫فإذا ِلى ومس ثوبه الطاهر ثوبًا ناسًا لم يضـره‪ ،‬أو مس ثوبه جدار ًا ناسًا‬
‫ولم يستند عليه لم يضره‪ ،‬وكذا لو ِلى على أرض طاهرة وطرفها الذي ال يباشـره‬
‫بالساود متناس لم يضـره ذلك يف الاميع‪.‬‬
‫َ َ ً َ ه ْ َ ُ ُ ْ‬ ‫ه َ ُ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِسيعا‪ :‬صحت‪ .‬وتبطل‪ :‬إن‬ ‫ت علي ِه انلجاسة َفز َال َت‪ ُ ،‬أو َأزاَلا ِ‬ ‫قوهل‪( :‬أو‪ :‬سقط‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ال‪ ،‬أو نسيها‪ ،‬ث هم علِ َم)‪.‬‬ ‫َ‬
‫عجز عن إزاتل ِها يف احل ِ‬
‫إذا سقطت النااسة على ثوبه أو بدنه أثناء الصالة‪ ،‬فإن أزالها سـري ًعا ِحت‬
‫ِالته‪ ،‬وإن تركها مع علمه وقدرته بطلت ِالته‪.‬‬
‫وإن تركها عاجز ًا عن إزالتها‪ ،‬أو رآها ونسـيها‪ ،‬فالمذهب يرون بطالن ِالته‪،‬‬
‫واألظهر ِحتها يف هذه الحالة‪.‬‬
‫ُ‬
‫حاالت‪:‬‬ ‫المصلي‪ ،‬ال يخلو مِن‬ ‫ِ‬
‫النااسة على بدَ ِن أو ِ‬
‫ثوب ُ‬ ‫فوجو ُد‬
‫وعليه ُ‬
‫قادرا على إزالتِها‪ ،‬فصال ُته‬‫عالما هبا ً‬
‫ً‬ ‫أن ُيصل َي والنااس ُة على ثوبِه‬‫األُولى‪ْ :‬‬
‫ِ‬
‫القدرة‪ ،‬ولم َيف َع ْل ذلك‪ ،‬فب َط َل ْت‬ ‫ِ‬
‫الصالة مع‬ ‫ِ‬
‫لصحة‬ ‫ٌ‬
‫شـرأ‬ ‫باطلةٌ؛ ا‬
‫ألن إزالتَها‬
‫ِال ُته‪.‬‬
‫بح نك أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نحوه‪،‬‬ ‫أن ُتصـي َبه النااس ُة أو يعلم هبا أثناء الصالة‪ ،‬ثم ُيزي ُلها َ‬
‫الثاني ُة‪ْ :‬‬
‫فصال ُته ِحيح ٌة‪.‬‬
‫أن فيهما أ ًذى‪ ،‬و َبنى على ِالتِه ولم‬‫لما علِم ا‬
‫ويدُ ُّل له‪ :‬أنه ﷺ‪« :‬خ َلع نعليه ا‬
‫َيق َط ْعها»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)226‬‬

‫‪222‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪300‬‬

‫ِ‬
‫الصالة؛ ف َي َلز ُمه َقط ُعها؛‬ ‫عا َز أن ُيزي َلها إال ب َقط ِع‬ ‫الثالث ُة‪ :‬أن ُتصـي َبه النااس ُة و َي ِ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِحة‬ ‫ِ‬
‫شـروأ‬ ‫شـرأ مِن‬ ‫ٌ‬ ‫ب النااسةَ‪ ،‬و َتخ الف‬ ‫َصح َ‬
‫ألناه است َ‬
‫ِ‬
‫أثناء‬ ‫الصالة‪ ،‬و َيع َل َم أناها كانت معه‬ ‫ِ‬ ‫فراغه مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫أن َيرى نااس ًة بعدَ‬ ‫الرابع ُة‪ْ :‬‬
‫تص ُّح‬ ‫الصالة ثم نَسـيها‪ ،‬فهل ِ‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬ ‫فراغه‪ ،‬أو كان رآها َ‬ ‫ِ‬ ‫لكن لم َيع َل ْم إال بعدَ‬ ‫ِ‬
‫ِالته ْ‬
‫ِ‬
‫العلم‪:‬‬ ‫قوالن أله ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِال ُته؟‬
‫ِ‬
‫للصحة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫شـرأ‬ ‫ِ‬
‫النااسة‬ ‫ألن َز َ‬
‫وال‬ ‫الصالة؛ ا‬ ‫ِ‬ ‫أن عليه إعاد َة‬ ‫المذهب‪ :‬ا‬ ‫ُ‬
‫جهل أو نسـي ُوجو َدها يف‬ ‫أن ِال َته ِحيح ٌة وال إعاد َة عليه إذا ِ‬ ‫القول الثاين‪ :‬ا‬ ‫ُ‬
‫والدليل على ذلك قو ُلـه َتعالى‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العبادة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أثناء‬
‫ف‬ ‫ين فيهما نااس ٌة ثم َنزعهما ولم يستأنِ ِ‬
‫َ‬ ‫ورسول اهللِ ﷺ َِ الى بنع َل ِ‬ ‫ُ‬ ‫[البقرة‪،]266 :‬‬
‫ُ‬
‫وشـيخ‬ ‫الصالةَ‪ ،‬وإذا لم َيب ُط ْل أو ُلها لم َيب ُطل باقيها‪ ،‬واختار هذا‪ :‬اب ُن ُقدامةَ‪،‬‬
‫مالك وأحمدَ والشافعي؛‬ ‫ُ‬ ‫عن اإلما ِم‬ ‫والسعدي‪ ،‬واب ُن ُعثيمين‪ ،‬وهو ِرواي ٌة ِ‬ ‫اإلسالمِ‪،‬‬
‫ُّ‬
‫المنهي عنه‪.‬‬ ‫باب فع ِل َ‬ ‫ألن هذا مِن ِ‬ ‫ا‬
‫والسن ِاة‬
‫الكتاب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إثم عليه يف‬ ‫نه اي عنه ناسـيا فال َ‬ ‫الم ِ‬ ‫شـيخ اإلسالمِ‪« :‬و َمن ف َع َل َ‬ ‫قال ُ‬
‫ِ‬ ‫وفيم ْن َتك الم يف‬ ‫َ‬ ‫فيم ْن أك ََل يف‬
‫الصالة ناسـيا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رمضان ناسـيا‪،‬‬ ‫كما جاءت به السنا ُة َ‬
‫و َمن َتط ايب ولبِ َس ناسـيا»(‪.)1‬‬
‫َ َ َُ‬ ‫َ ََُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ ه ُ‬
‫رض المغصوبةِ‪ .‬وكذا‪ :‬المقَبة‪ ،‬والمجزرة‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وال ت ِصح الصالة‪ :‬يف األ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َه ُ‬ ‫َ ُ ه‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ ََُ‬
‫واحلمام‪ .‬وأس ِطحة‬ ‫يق‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫الط‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫وقار‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ِِ‬ ‫اإلب‬ ‫ان‬ ‫وأعط‬ ‫‪،‬‬ ‫ش‬ ‫واحل‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫والمزبل‬
‫َُْ‬
‫ه ِذه ِ‪ :‬مِثلها)‪.‬‬
‫الصالة فيها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األماكن التي ال تصح‬ ‫ِ‬ ‫ذكر‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫بغير َح نق؛ سوا ٌء كان‬ ‫وب ِة)‪ :‬وهي‪ُ :‬ك ُّل ما ُأ ِخ َذ مِن مالكِه َق ْه ًرا ِ‬ ‫رض المغص‬ ‫(األ ِ‬
‫قد أو بدونه‪ ،‬ومِث ُلها المسـروق ُة‪ ،‬فال تاوز الصال ُة فيها إال ِ‬
‫بإذن‬ ‫ورة َع ُ‬ ‫أخذها بص ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫تص ُّح فيها‪.‬‬ ‫مالكِها األِلي؛ فإذا ِ الى فيها عالما‪ ،‬فالمذهب أناها ال ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الكربى (‪.)42/2‬‬

‫‪300‬‬
‫‪301‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫أمر‬
‫والنهي هنا ُمتعل ٌق بالغصب وهو ٌ‬ ‫ِ‬
‫اإلثم‪،‬‬ ‫والرواية الثانية‪ :‬أ انها ِحيح ٌة مع‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫خارج‬
‫ورا‪َ ،‬و َأ ُّي َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬و ُجع َل ْت لي األ َ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً‬ ‫شهدُ لهذا‪ُ :‬‬ ‫و َي َ‬
‫ِ ِ‬
‫َر ُج ُل م ْن ُأ امتي َأ ْد َر َك ْت ُه ا‬
‫الصالَ ُة َف ْل ُي َصل» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫السعدي واب ُن ُعثيمين(‪.)2‬‬ ‫ورجحه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫مذهب األئمة الثالثة‪ ،‬ا‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬
‫َ َ ََُ‬
‫َفال‪.‬‬ ‫رضا وال ن ً‬ ‫تاوز الصال ُة فيها ال َف ً‬ ‫ُ‬ ‫المو َتى‪ ،‬فال‬ ‫(وكذا‪ :‬المقَبة)‪ :‬وهي َمد َف ُن َ‬
‫ِ‬
‫ويدُ ُّل لـه‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬األَ ْر ُض ُك ُّل َها َم ْسادٌ إِ اال َ‬
‫الم ْق َب َر َة َو َ‬
‫الح اما َم»(‪.)3‬‬
‫كم ولو لم يكن فيها إال قربٌ واحدٌ ؛ ف َياري عليها أحكا ُم‬ ‫الح ُ‬
‫والمقرب ُة لها هذا ُ‬
‫شـيخ اإلسال ِم ُ‬
‫وغيره‪.‬‬ ‫رجحه ُ‬ ‫ِ‬
‫المقابر كما ا‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬حينما‬ ‫ُ‬ ‫نازة فيها؛ كما ف َعله‬ ‫ويستثنَى مِن ذلك‪ :‬الصال ُة على الا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سادَ » [متفق عليه](‪.)4‬‬ ‫المرأة التي كانت َت ُقم الم ِ‬‫ِ‬ ‫ِ الى على قربِ‬
‫ُّ َ‬
‫والحكمة من النهي عن الصالة يف المقابر سد الذريعة؛ لئال يؤدي إلى اتخاذ‬
‫القبور مساجد والوقوع يف الشـرل‪ ،‬ولئال يعتقد الناس أن الصالة إلى جنب قرب‬
‫الرجل الصالح أفضل‪ ،‬فيدخل يف الغلو‪ ،‬ولذا قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل َع َن ُ‬
‫اهلل ال َي ُهو َد‬
‫التحريم ليس خاِا بما بين‬ ‫ا ات َخ ُذوا ُق ُبور َأ ْنبِ َيائِ ِهم مس ِ‬
‫اجدَ » [متفق عليه](‪ ،)5‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المق َبرة‪ ،‬حتى الفضا ُء الذي لم ُيق َب ْر فيه أحدٌ ما دام‬ ‫ِ‬ ‫دخ ُل فيه ُّ‬ ‫بور‪ ،‬بل َي ُ‬‫ال ُق ِ‬
‫كل ُمحيط َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)166‬‬


‫(‪ )2‬اإلنصاف (‪ ،)304/3‬فتاوى السعدي ص (‪ ،)151‬الممتع (‪.)243/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)422‬والرتمذي (‪ ،)311‬وابن ماجه (‪ ،)145‬وأحمد (‪ ،)11164‬وابن خزيمة (‪،)121‬‬
‫وابن حبان (‪ ،)1622‬والحاكم (‪ )360/1‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪ .‬وقد اختلف يف وِله‪ ،‬وإرساله‪:‬‬
‫ورجح الموِول‪ :‬ابن خزيمة‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وابن دقيق العيد‪ ،‬وشـيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)320/1‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)456‬ومسلم (‪ )256‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1320‬ومسلم (‪ )522‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪302‬‬

‫ِ‬
‫المقربة‪.‬‬ ‫داخال يف ُس ِ‬
‫ور‬ ‫ً‬
‫القبور ودفن الميت يف مساد ال ياو ُز باالتفاق؛ قال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ساجد على‬ ‫الم‬
‫مسألةٌ‪ :‬بنا ُء َ‬
‫فن‬
‫ياوز َد ُ‬
‫ُ‬ ‫اتفق العلما ُء على أناه ال ُيبنَى مسادٌ على قربُ‪ ،‬وأناه ال‬ ‫شـيخ اإلسالمِ‪َ « :‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫مساد ن َظرنا‪:‬‬ ‫فإن ُو ِجد قربٌ يف‬
‫مساد»‪ْ ،‬‬‫ُ‬ ‫ميت يف‬‫ُ‬
‫َبشه إن كان َجديدً ا‪ ،‬أو بتسويتِه إن‬
‫قبل القربِ ُغير القربُ؛ إما بن ِ‬
‫فإن كان المسادُ َ‬ ‫ْ‬
‫خش الفتن ُة ِ‬
‫بآثاره‪.‬‬ ‫ديما‪ ،‬ولم ُت َ‬‫كان َق ً‬
‫زال ُِور ُة القربِ(‪.)1‬‬ ‫وإن كان القربُ اأو ًال‪ :‬فإ اما أن ُيهدَ َم المسادُ ‪ ،‬أو ُت َ‬
‫هبيمة األنعا ِم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وض ُع َذ ِ‬
‫بح‬ ‫جز َرةُ)‪ :‬وهي م ِ‬ ‫والم َ‬ ‫َ‬
‫(‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نا ِسها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسفوحة‪ ،‬وطهار ُة‬ ‫بالدماء‬ ‫وع ال ُة النهيِ ‪ :‬عن الصالة فيها أناها مظن ُة َت ُّ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِحة‬ ‫ِ‬
‫شـروأ‬ ‫المص الى عليها مِن‬ ‫ِ‬
‫ال ُبقعة ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ََُ‬
‫والمزاب ِل واألوساخِ ‪.‬‬ ‫(والمزبلة)‪ :‬وهي َموض ُع ال ُقمامة َ‬
‫ِ‬ ‫المكان المعدُّ ل َق ِ‬ ‫ُ ُّ‬
‫اآلن دورات المياه‪ ،‬فال‬ ‫الحاجة‪ ،‬ومث ُله َ‬ ‫ضاء‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫واحلش)‪ :‬وهو‬ ‫(‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تسمى ُحشا‪.‬‬ ‫تصح الصال ُة فيها سوا ٌء ُأعدا ت للغائط أو للبول ما دامت ا‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قول َر ُسول اهلل ﷺ‪« :‬األَ ْر ُض ُك ُّل َها َم ْسادٌ ؛ إِ اال َ‬
‫الم ْق َب َر َة َو َ‬
‫الح اما َم» ؛‬ ‫ودلي ُله‪ُ :‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫النااسة‪.‬‬ ‫ب فيها بقا ُء‬ ‫الشـياطين و َموض ُع َقضاء الحاجة‪ ،‬و َيغلِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أوى‬ ‫ألناها َم َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫داخلة يف‬ ‫وأ اما أماك ُن الوضوء واالغتسال التي لم ُت َعدا ل َقضاء الحاجة فإناها ُ‬
‫غير‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسالت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الشـرعية‪ ،‬وإنما هي ُمغت‬ ‫الحقيقة‬ ‫سمى حشوشًا يف‬ ‫الحديث؛ ألهنا ال ُت ا‬
‫دخل يف‬ ‫الح امام ال ُيص الى فيه‪ ،‬و َي ُ‬ ‫سمى َ‬ ‫دخل يف ُم ا‬ ‫شـيخ اإلسالمِ‪« :‬كل ما َ‬ ‫ُ‬ ‫قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاجة فيه‪.‬‬ ‫وقضاء‬ ‫ألج ِل التاخلي‬ ‫ذلك ُك ُّل ما ُأغلِق عليه با ُبه» ‪ ،‬أي ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫َ ُ‬
‫قيم فيها و َتأوي إليها‪ ،‬فالصال ُة فيها ال‬ ‫(وأعطان اإلب ِ ِل)‪ :‬وهي األماك ُن التي ُت ُ‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)124/22‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬
‫(‪ )3‬شـرح عمدة الفقه البن تيمية ‪ -‬من كتاب الصالة ص (‪.)464‬‬

‫‪302‬‬
‫‪303‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫ول اهللِ‬ ‫حديث أبي ُهرير َة ﭬ‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫الرسول ﷺ كما يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصـراحة ِ‬
‫هني‬ ‫تاوز؛‬
‫ُ‬
‫ان ِ‬
‫اإلبِ ِل»(‪.)1‬‬ ‫ض ال َغن َِم‪ ،‬و َال ُتص ُّلوا فِي َأ ْع َط ِ‬‫ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا فِي َم َراب ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول ال ال ِ‬
‫ــه ﷺ َأ َأ َت َو اض ُأ‬ ‫وروى مسلم عن جابر بن سمرة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُجالً َس َأ َل َر ُس َ‬
‫ض ا ْلـــ َغن َِم؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ق َال‪ُ :‬أ َِلي فِي‬ ‫مِ ْن ُل ُحو ِم ا ْلـــ َغن َِم؟‪َ ،...‬ق َال‪ُ :‬أ َِلي فِي َم َرابِ ِ‬
‫اإلبِلِ؟ َق َال‪ :‬ال»‪.‬‬ ‫ار ِل ِ‬‫َم َب ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ هنى عنها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مبارل اإلب ِل ال تصح على المذهب؛ ا‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫والصالة يف‬
‫غير َهديِه؛ لقولِه ﷺ‪:‬‬ ‫وعم َل على ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أمر‬ ‫فإذا ِ الى فيها فقد خا َل َ‬
‫ف َ‬
‫« َم ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪ ،)2‬وقولِه تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫اإلثم‪.‬‬ ‫تص ُّح مع‬‫وذهب الامهور إلى أ ان الصال َة ِ‬
‫ُ‬
‫بعض ما َيغلِب على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النهي فذكَروا َ‬ ‫ِ‬ ‫بعض العلماء الحكم َة م َن‬ ‫لمس ُ‬ ‫فائدةٌ‪َ :‬ت ا‬
‫ُ‬
‫ِحيح(‪،)3‬‬ ‫ُ‬
‫بسند‬ ‫الشـياطين كما رواه اإلما ُم أحمدُ‬ ‫ِ‬ ‫اإلبل ُخلِقت مِ َن‬
‫أن َ‬ ‫الظن؛ فمنها ا‬
‫المصلي وشغلِه عن‬ ‫ِ‬ ‫شدة ُن ِ‬ ‫ِ‬
‫فورها وإزعاجها ُ‬ ‫صح َبها الشـياطي ُن يف‬ ‫أن َت َ‬ ‫فال َيب ُعد ْ‬
‫وغيرها‬
‫ُ‬ ‫واله َياان؛ فقد َت ِنف ُر على المصلي فتَش َغ ُله‪،‬‬ ‫النفور َ‬ ‫ِ‬ ‫ِالتِه‪ ،‬ولما فيها مِ َن‬
‫ِ‬ ‫بالنهي ِ‬
‫ِ‬
‫الصالة فيها‪،‬‬ ‫عن‬ ‫أمرنا وتع ابدَ نا‬‫واهلل َ‬‫لتمسةٌ‪ُ ،‬‬ ‫مما هو ظني‪ ،‬والحكم ُة هنا ُم َ‬
‫ظهرت لنا الحكم ُة ْأو ال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النهي؛ سوا ٌء َ‬ ‫ُ‬
‫امتثال‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫فيا ُ‬
‫الناس و ُع ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ه‬
‫بورهم‪.‬‬ ‫مكان َممشـى‬ ‫وس ُطه؛ ألنه‬‫يق)‪ :‬أي َ‬ ‫وقارعة الط ِر ِ‬ ‫( ِ‬
‫َه ُ‬
‫واحلمام)‪ :‬وهو المكان المعد لالغتسال؛ لعموم النهي يف قوله ﷺ‪« :‬األَ ْر ُض‬ ‫(‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)346‬وابن ماجه (‪ ،)166‬وأحمد (‪ ،)2625‬وابن خزيمة (‪ ،)125‬وابن حبان (‪)1364‬‬
‫من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )164‬و (‪ ،)423‬والرتمذي (‪ ،)61‬وابن ماجه (‪ ،)424‬وأحمد (‪ ،)16536‬وابن خزيمة‬
‫(‪ )32‬من حديث الرباء بن عازب ﭭ‪ .‬وِححه أحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬واأللباين يف ِحيح أبي‬
‫داود (‪.)116‬‬

‫‪303‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪304‬‬

‫ِ‬
‫ُك ُّل َها َم ْسادٌ ؛ إِ اال َ‬
‫الم ْق َب َر َة َو َ‬
‫الح اما َم»‪.‬‬
‫ِ‬
‫الوارد يف‬ ‫ِ‬
‫النهي‬ ‫تص ُّح؛ ل ُعمو ِم‬ ‫المذهب أن الصالة فيها ال ِ‬ ‫وهذه المواط ُن‬
‫َ ُ‬
‫ابن ُع َم َر ﭭ‪َ « :‬أ ان َر ُس ْول اهلل ﷺ ن ََهى َأ ْن ُي َص الى فِي َس ْب َع ِة َم َواطِ َن‪ :‬فِي‬ ‫حديث ِ‬‫ِ‬
‫الحمامِ‪َ ،‬وفِي م َعاطِ ِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْزب َل ِة‪ ،‬والما َزر ِة‪ ،‬والم ْقبر ِة‪ ،‬و َق ِ ِ‬
‫اإلبِلِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ار َعة ال اط ِر ِيق‪َ ،‬وفي َ ا‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َ َ ََ َ‬
‫ت اهللِ»(‪.)1‬‬ ‫و َفو َق َظه ِر بي ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫نااسة‪ ،‬إال‬‫ُ‬ ‫الكراهة إذا لم ُي َصل على‬ ‫ِ‬ ‫تص ُّح مع‬ ‫وذهب جمهور العلماء إلى أناها ِ‬
‫ضعيف كما‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الحديث الوار َد‬ ‫والسعدي؛ ا‬
‫ألن‬ ‫ُّ‬ ‫المقربة والحمام‪ ،‬واختاره اب ُن ُقدام َة‬
‫التحر ُز‬
‫ُّ‬ ‫الم ِ‬
‫سلم‬ ‫لكن على ُ‬ ‫واألِل اإلباح ُة‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الرتمذي والساجي واأللباين‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ذكَره‬
‫روجا‬ ‫ُ‬
‫ونااسة‪ُ ،‬‬ ‫منها حتى لو كانت طاهرةً؛ ألناها مواطِن ال َتس َلم غالبا مِن َق ُ‬
‫وخ ً‬ ‫ذارة‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الف َمن لم ُي َصح ْحها‪.‬‬ ‫مِن ِخ ِ‬
‫ْ‬
‫غيره فال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأما قارع ُة‬
‫المارة وهو يادُ َمكانًا َ‬ ‫ا‬ ‫التضـييق على‬ ‫الطريق فإن أ ادى إلى‬
‫حق(‪.)2‬‬ ‫بغير ن‬ ‫أذية المسلمين ِ‬ ‫رمة لما فيه مِن ِ‬ ‫القول بالح ِ‬ ‫ُ‬ ‫َيب ُعد‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫الصالة فيها‬ ‫عن‬‫األماكن المنهي ِ‬ ‫ِ‬ ‫سطح‬
‫َ‬ ‫المذهب‪ :‬ا‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫(وأس ِطحة ه ِذه ِ‪ :‬مِثلها)‪:‬‬
‫تابع لل َق ِ‬
‫رار‪.‬‬ ‫ألن الهوا َء ٌ‬‫النهي؛ ا‬‫ِ‬ ‫لح ٌق هبا يف‬‫ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َد فيه‪،‬‬ ‫واختار ابن قدامة ِح ُة الصالة يف أس ُطحها؛ َقصـرا للنص على ما َ‬
‫ورجح هذا اب ُن ُقدامةَ‪ ،‬وقال‪ :‬والصحيح‪ ،‬إن شاء اهلل‪ ،‬قصر النهي على ما تناوله‪،‬‬ ‫ا‬
‫وأنه ال يعدى إلى غيره؛ ألن الحكم إن كان تعبديا فالقياس فيه ممتنع‪ ،‬وإن علل‬
‫ابن ُعثيمين(‪.)3‬‬ ‫اختيار ِ‬
‫ُ‬ ‫فإنما تعلل بكونه للنااسة‪ ،‬وال يتخيل هذا يف سطحها‪ ،‬وهذا‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)346‬وابن ماجه (‪ )146‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث ابن عمر‬
‫إسناده ليس بذال القوي‪ ،‬وقد تكلم يف زيد بن جبيرة من قبل حفظه»‪ .‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)261‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)413/2‬مختارات السعدي ص (‪.)42‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة (‪ ،)54/2‬والممتع (‪.)243/2‬‬

‫‪304‬‬
‫‪305‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬
‫ََ َ َ ه َ َ‬ ‫عب ِة ‪-‬واحل ِْج ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ ُ‬
‫هرها‪ ،‬إال إذا لم‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ىلع‬ ‫وال‬ ‫‪-‬‬ ‫ِنها‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫الك‬ ‫يف‬ ‫‪:‬‬ ‫رض‬ ‫قوهل‪( :‬وال ي ِصح الف‬
‫ََْ َ َ َ‬
‫اءهُ َش ٌء)‪.‬‬ ‫يبق ور‬
‫تصح‪ ،‬وأما النافل ُة ِ‬
‫فتص ُّح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفرض َ‬ ‫المذهب‪ :‬ا‬
‫داخل الكعبة ال ُّ‬ ‫أن ِال َة‬ ‫ُ‬
‫ابن ُع َم َر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داخل الكعبة؛ كما يف حديث ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ِ الى النافل َة‬ ‫َ‬ ‫ودلي ُلهم‪ :‬ا‬
‫أن‬
‫ﭭ(‪.)1‬‬
‫الفرض فقد قال َتعالى‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [البقرة‪،]142 :‬‬ ‫ُ‬ ‫وأ اما‬
‫واختار‬ ‫ِ‬
‫البيت خل َفه‪،‬‬ ‫بعض‬ ‫شطره؛ ا‬
‫ألن َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وجهه َ‬
‫َ‬ ‫سمى ُمول ًيا‬
‫والمصلي يف جوفها ال ُي ا‬‫ُ‬
‫هذا اب ُن تيم اي َة(‪.)2‬‬
‫مذهب أبي‬ ‫ونفال‪ ،‬وهذا‬
‫فرضا ً‬ ‫ِ‬
‫الكعبة ً‬ ‫َ‬
‫داخل‬ ‫ِ‬
‫العلماء إلى ِحتِها‬ ‫بعض‬
‫وذهب ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وشـيخنا اب ُن ُعثيمين(‪.)3‬‬ ‫االختيارات‪،‬‬ ‫السعدي يف‬
‫ُّ‬ ‫حنيف َة والشافعي‪ ،‬ا‬
‫ورجحه‬
‫َ ِ‬
‫ِح يف النف ِل ا‬
‫ِح يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ الى فيها النافلةَ‪ ،‬وما ا‬ ‫ويدُ ُّل لذلك‪ :‬ا‬
‫أن‬
‫الفرض إال لدليلُ‪ ،‬وأ اما قو ُلـه َتعالى‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [البقرة‪،]142 :‬‬ ‫ِ‬
‫جزء منها‪ ،‬كما َفسـر ذلك‬ ‫الكعبة‪ ،‬أو ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫استقبال جمي ِع‬ ‫شم ُل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫طره أي ج َه ُته وهذا َي َ‬ ‫فش ُ‬
‫ِ‬
‫الكعبة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جوف‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف‬‫ِ‬ ‫ِال ُة‬
‫رسول اهللِ ﷺ لم ُيصلها فيها‪ ،‬ولو‬ ‫َ‬ ‫خارجها؛ ا‬
‫ألن‬ ‫َ‬ ‫أن ُيصلي الفريض َة‬ ‫واألَولى ْ‬
‫بيت اهللِ‬
‫هر ِ‬‫فوق َظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النهي ِ‬
‫الصالة َ‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫ِحت‪ ،‬وال َي َلز ُمه اإلعاد ُة‪ ،‬وأما‬ ‫ِ الى ا‬
‫حا ُر](‪.)4‬‬
‫والرتمذي واب ُن َ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫حاتم‬ ‫ماج ْه‪ ،‬وض اعفه أبو‬ ‫خرجه اب ُن َ‬ ‫اة؛ [ َأ َ‬ ‫ضعيف ال َتقو ُم به ُح ا‬ ‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الكعبة؛ ألناه‬ ‫ِ‬
‫جوف‬ ‫ِ‬
‫كالصالة يف‬ ‫الح ْار‬ ‫داخل ِ‬ ‫َ‬ ‫أن الصال َة‬ ‫(واحل ِج ُر مِنها)‪ :‬أي ا‬
‫دخلوا ِ‬ ‫ريش لما أعادوا بناءها لم ي ِ‬
‫الح ْا َر معها(‪،)5‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫منها‪ ،‬وعندَ ما َقصـرت النفق ُة ب ُق ُ ا‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2266‬ومسلم (‪ )1322‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )2‬االختيارات ص (‪.)45‬‬
‫ِ‬
‫االختيارات ص (‪ ،)43‬الممتع (‪.)251/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)264‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1564‬ومسلم (‪ )1333‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪306‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِحيح يفض ِل‬
‫ٌ‬ ‫وجدُ ٌ‬
‫دليل‬ ‫فمن ِلى يف الح ْا ِر‪ ،‬فكأناه ِ الى يف جوفها‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫َ‬
‫الحرمِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كسائر َ‬ ‫الصال َة يف جوف الكعبة على سائر المساد الحرام يف العدد‪ ،‬فهو‬
‫دخل وِ الى يف جوفِها خشـي ْ‬
‫أن َي َ‬
‫كون قد َش اق على‬ ‫ورد عنه أناه لما َ‬ ‫ِ‬
‫ورسول اهلل ﷺ َ‬
‫وجد َسع ًة‬ ‫ُأمتِه إذا أرادوا ِاالقتداء به يف ذلك(‪ ،)1‬فالمسلِم ال ي ِ‬
‫زاحم عليه‪ ،‬إال ْ‬
‫إن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فل ُي َصل فيه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ََ َ َ‬
‫هرها)‪ :‬أي وال يصح الفرض فوق سطح الكعبة؛ ولم ينقل عن‬ ‫(وال ىلع ظ ِ‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬والصحابة فعله‪ ،‬وألنه ال يمكنه أن يتوجه إلى شـيء منها‪ ،‬وهذا‬
‫تعليل‪ ،‬وال يوجد نص يمكن معه إبطال الفرض يف سطح الكعبة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ياوز ذلك؛ ألنه مساد‪ ،‬وألنه محل لصالة النفل‪ ،‬فكان محال‬
‫للفرض كخارجها‪ ،‬وهذا أقرب‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫النهي عن ِالةِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ه َ َ ََْ َ َُ َ‬
‫الفريضة داخلَ‬ ‫ِ‬ ‫(إال إذا لم يبق وراءه َشء)‪ :‬يستثنى م َن‬
‫خلف‬‫َ‬ ‫الباب وجعلِه‬
‫ِ‬ ‫الكعبة‪ ،‬مث ِل ِ‬
‫فتح‬ ‫ِ‬ ‫حالة لم َيستدبِ ْر شـي ًئا مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكعبة إذا كان يف‬
‫ِ‬
‫ظهره‪.‬‬
‫ُ َ ُ َ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ ه ُ َ َ َ‬
‫ذر فِيها‪ ،‬وعليها‪ .‬وكذا‪ :‬انلهفل‪ ،‬بل يسن فِيها)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وي ِصح انل‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫الكعبة بل تسن؛ ِلفع ِل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جوف‬ ‫تص ُّح يف‬ ‫وغيرها‪ ،‬فالنافل ُة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفريضة‬ ‫بين‬
‫افرق َ‬
‫ونحوها‪ ،‬وكذا فوق ظهرها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لح ُق هبا المنذور ُة‬ ‫اهلل ﷺ لما َِ االها‪ ،‬و ُي َ‬
‫َ ْ َ ْ ُْ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ‬
‫َبهُ عنها بِي ِقي‪:‬‬‫َيد من َي ِ‬ ‫قوهل‪( :‬اثلامِن‪ :‬استِقبال ال ِقبل َ ِة َمع القدرة ِ‪ .‬فإن لم ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬
‫صىل باالجتِهادِ‪ .‬فإن أخطأ‪ :‬فال إاعدة)‪.‬‬
‫الصالة‪ ،‬و َيدُ ُّل لذلك‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصحة‬ ‫ٌ‬
‫شـرأ‬ ‫استقبال القبلة‬
‫الكتاب يف قوله َتعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ُ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [البقرة‪.]150 :‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)2022‬والرتمذي (‪ ،)613‬وابن ماجه (‪ ،)3064‬وأحمد (‪ )25056‬من حديث عائشة‬
‫ڤ‪ ،‬وقال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح»‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫‪307‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫الصالَةِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫للمسـيء يف ِالته‪« :‬إِ َذا ُق ْم َت إ ِ َلى ا‬ ‫والسن ُة فكثيرةٌ‪ ،‬كقول رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫الق ْب َلةَ‪َ ،‬ف َكب ْر» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫َف َأسبِ ِغ الو ُضوء‪ُ ،‬ثم اس َت ْقبِ ِل ِ‬
‫َ ا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الصالة‪ ،‬كما ن َق َل ذلك اب ُن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القبلة يف‬ ‫ِ‬
‫استقبال‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫المسلمون على‬ ‫وأجمع ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫لقول‬ ‫عالما ُمتعمدً ا فصال ُته باطلةٌ؛‬ ‫ِ‬ ‫وشـيخ اإلسال ِم‪ ،‬فلو ِ الى إلى ِ‬ ‫ُ‬ ‫حز ُم‬
‫غير القبلة ً‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫القدرة عليه‪ ،‬وأما مع عدمِها وو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ََ ُ‬
‫الق َ‬
‫جود‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫يكون عندَ‬‫ُ‬ ‫درة ِ)‪ :‬هذا الشـرأ إناما‬ ‫(مع‬
‫وتصح الصال ُة ولو جع َل ِ‬ ‫عذر يمنَع ذلك فإناه يس ُقط ِ‬
‫والواجبات‬
‫ُ‬ ‫خلف ِ‬
‫ظهره‪،‬‬ ‫َ‬ ‫القبل َة‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫القبلة؛ وهي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استقبال‬ ‫ِ‬
‫اشرتاأ‬ ‫أعذار ُتستثنَى مِ ِن‬ ‫از‪ ،‬وهنال‬ ‫َتس ُقط بال َع ِ‬
‫ٌ‬
‫قد ُر على استقبالِها لكونِه‬ ‫كالمريض أو المقيد إذا كان ال ي ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫عن استِقبالِها؛‬ ‫العاجز ِ‬‫ُ‬
‫ب حالِه؛ لقولِـه َتعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾‬ ‫حس َ‬
‫ال يادُ أحدً ا ُيوجهه إليها ف ُيصلي َ‬
‫ِ‬
‫فأتوا منه ما استَطع ُتم» [متفق‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬إذا أ َمر ُتكم ُ‬
‫بأمر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقول‬ ‫[التغابن‪،]16 :‬‬
‫عليه](‪.)3‬‬
‫توج ِهه‬ ‫ِ‬ ‫الحرب‪ ،‬ف ُيصلي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحال ُة‬
‫وجهه‪ ،‬ال سـيما إذا خشـي من ُّ‬ ‫حيث كان ُ‬ ‫اشتداد‬
‫العدو؛ كما قال َتعالى‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾‬ ‫أن ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬ ‫باغتَه‬ ‫إلى جهة واحدة ْ ُ‬
‫[البقرة‪.]232 :‬‬
‫فالمسافر إذا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الصحيح‪،‬‬ ‫السائر؛ سوا ٌء كان راك ًبا أو ماشـ ًيا على‬ ‫ِ‬ ‫للم ِ‬
‫سافر‬ ‫والنافل ُة ُ‬
‫بلة؛ تيسـيرا على األُ ِ‬ ‫للق ِ‬ ‫الطريق ال يشرت َُأ لـه التوجه ِ‬
‫مة؛ لما َرواه اب ُن ُعمر‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫َتن افل يف‬
‫اح َل ِة قِ َب َل َأي َو ْج ُه َت َو اج َه‪َ ،‬و ُيوتِ ُر َع َل ْي َها‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ يسبح َع َلى الر ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ﭭ قال‪« :‬ك َ‬
‫ا‬ ‫َُ ُ‬
‫َغ ْي َر َأ ان ُه َال ُي َصلي َع َل ْي َها ا ْل َم ْك ُتو َب َة» [متفق عليه](‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)6251‬ومسلم (‪ )321‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)113‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1026‬ومسلم (‪ )100‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪308‬‬

‫السفر ال َيخلو مِن ثالث حاالت‪:‬‬


‫ِ‬ ‫والتن ُّف ُل يف‬
‫َ‬
‫يكون ناز ً‬
‫ال غير سائر‪ ،‬فيلزمه استقبال القبلة يف الفرض‬ ‫الحال ُة األُولى‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫والنفل‪.‬‬
‫فيص ُّح َتن ُّف ُله‪ ،‬وال ُيشرت َُأ استقبا ُله القبلةَ؛‬ ‫يكون راكبا؛ ِ‬ ‫َ‬ ‫الحال ُة الثاني ُة‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫تكبيرة‬ ‫الق ِ‬
‫بلة يف‬ ‫استقبال ِ‬
‫ُ‬ ‫ب على الصحيح‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الصحيحة‪ .‬وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يا ُ‬ ‫الصـريحة‬ ‫لألحاديث‬
‫مذهب اإلما ِم أبي‬
‫ُ‬ ‫حمدَ ‪ ،‬وهو‬‫عن اإلما ِم أ َ‬ ‫الراكب‪ ،‬وهذا رواي ٌة ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلحرا ِم ُ‬
‫للمتَنف ِل‬
‫ُ‬ ‫ورجحه اب ُن القي ِم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وشـيخنا اب ُن ُعثيمين(‪.)1‬‬ ‫والسعدي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫َحنيف َة ومالك‪ ،‬ا‬
‫وكل من وِفوا ِالته ﷺ على راحلته أطلقوا أنه كان يصلي عليها قبل أي‬
‫جهة توجهت به‪ ،‬ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة اإلحرام وال غيرها؛ كعامر بن ربيعة‬ ‫ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان إِ َذا‬ ‫َس ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫وابن عمر وجابر بن عبداهلل ﭬ‪ ،‬إال حديث َأن ُ‬
‫اس َت ْق َب َل بِنَا َقتِ ِه ا ْل ِق ْب َل َة َف َك اب َر‪ُ ،‬ث ام َِ الى َح ْي ُث َو اج َه ُه ِركَا ُب ُه»(‪،)2‬‬
‫َسا َف َر َف َأ َرا َد َأ ْن َي َت َط او َع ْ‬
‫ُ‬ ‫أنس ﭬ‪ ،‬وغاي ُة ما يدُ ُّل عليه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أِ ُّح مِن‬
‫استحباب‬
‫ُ‬ ‫الحديث‬ ‫حديث‬ ‫وأحادي ُثهم َ‬
‫تكبيرة اإلحرا ِم عند عدَ ِم المش اق ِة(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ستقبال مع‬ ‫ِاال‬
‫ِ‬
‫القبلة‬ ‫ِ‬
‫باستقبال‬ ‫يكون ماشـيا على قد َم ْيه‪ ،‬وهذا ال ُي َلزم أيضًا‬ ‫َ‬ ‫الحال ُة الثالث ُة‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫بالراكب؛ ل ُعمو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عندَ تكبيرة اإلحرا ِم والركو ِع والساود على الصحيح‪ ،‬و ُي َ‬
‫لح ُق‬
‫ِ‬
‫الحنابلة‪،‬‬ ‫كثير مِ َن‬
‫وألن العل َة موجود ٌة يف هذا‪ ،‬وهو قول ُ‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫السفر‪،‬‬ ‫أحاديث التان ُّف ِل يف‬‫ِ‬
‫وشـيخنا اب ُن ُعثيمين(‪.)4‬‬ ‫ُ‬ ‫شـيخ اإلسالمِ‪،‬‬ ‫واختاره ُ‬ ‫ون َق َله اإلمام أحمدُ عن َع ُ‬
‫طاء‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬

‫(‪ )1‬زاد المعاد (‪ ،)416/1‬المختارات ص (‪ ،)43‬الممتع (‪.)262/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1225‬وأحمد (‪ )13102‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬قال ابن الملقن يف البدر المنير (‪:)436/3‬‬
‫«وهذا إسناد ِحيح كل رجاله ثقات‪ ،»...‬وذكره ابن السكن يف سننه الصحاح‪ ،‬واقتصـر النووي يف شـرح‬
‫المهذب على أن إسناده حسن‪ ،‬وال مانع من الازم بصحته كما قررته‪.‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد (‪.)416/1‬‬
‫(‪ )4‬شـرح العمدة (‪ ،)121/2‬الممتع (‪.)263/2‬‬

‫‪306‬‬
‫‪309‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬
‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬ ‫ْ َ َ ْ َ ْ ُْ ُ َ َ َ‬
‫َبهُ عنها بِي ِقي‪ :‬صىل باالجتِهادِ‪ .‬فإن أخطأ‪ :‬فال إاعدة)‪:‬‬ ‫َيد من َي ِ‬ ‫(فإن لم ِ‬
‫حرى بال ُط ُر ِق‬ ‫ِ‬
‫تحرى ِجه َة القبلة؛ ألناها‬
‫فإن َت ا‬
‫شـرأ‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أن َي ا‬ ‫واجب عليه ْ‬ ‫ٌ‬ ‫المصلي‬ ‫ُ‬
‫غير القبلة‪ ،‬فصال ُته ِحيح ٌة وال إعاد َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المعروفة وِ الى‪ ،‬ثم َتب اين له أنه ِ الى إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫قدر طاقتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه؛ ألناه َأتى بما عليه عندَ القيا ِم بالعبادة‪ ،‬واجت ََهد َ‬
‫بن َربيع َة ﭬ قال‪ُ :‬كناا َم َع النابِي‬ ‫عامر ِ‬ ‫ودليل ذلك‪ :‬ما َرواه الرتمذي وضعفه عن ِ‬ ‫ُ‬
‫الق ْب َل ُة‪َ ،‬ف َص الى ُك ُّل َر ُج ُل مِناا َع َلى ِح َيال ِ ِه‪،‬‬ ‫ﷺ فِي س َف ُر فِي َلي َل ُة م ْظلِم ُة‪َ ،‬ف َلم نَدْ ِر َأين ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َف َل اما َأ ِْ َب ْحنَا َذك َْرنَا َذل ِ َك لِلنابِي ﷺ‪َ ،‬فن ََز َل‪﴿ :‬ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ﴾ [البقرة‪.)1(]115:‬‬
‫بلة متنوعةٌ‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الق ِ‬ ‫وال ُّطر ُق التي يستدَ ُّل هبا على ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مشاهد ُتها إن كان الشخص مقابِ ًال للكعبة‪ِ.‬‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫أخذ بقولـه‬ ‫ُ‬
‫عن اجتهاد؛ فإناه َي ُ‬ ‫يقين أو ِ‬ ‫عدل باهة القبلة؛ سوا ٌء عن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأن ُيخبِ َره ثق ٌة ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن وث َق به‪ ،‬وتص ُّح ِال ُته حتى لو َتب اين له بعدَ ذلك أنه ُم ٌ‬
‫خطئ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫المساجد؛ فإناها ٌ‬ ‫ِ‬
‫زاع يف‬ ‫دليل على جهة القبلة‪ ،‬وقد و َقع ن ٌ‬ ‫حاريب التي يف‬ ‫ُ‬ ‫الم‬
‫و َ‬
‫ِ‬
‫حاريب‪.‬‬ ‫الم‬ ‫كم َ‬ ‫ُح ِ‬
‫النهي عنها ضعيفةٌ‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واألحاديث الوارد ُة يف‬ ‫أحمدَ إباحتها‪،‬‬ ‫ومذهب اإلما ِم َ‬
‫لغيرها‪ ،‬وهذا‬ ‫لة وليست مقصود ًة لذاتِها‪ ،‬وإناما هي مقصود ٌة ِ‬ ‫صالح المرس ِ‬
‫ِ ُ َ‬ ‫الم‬
‫م َن َ‬
‫ِ‬
‫غير ُ‬
‫نكير‪.‬‬ ‫المسلمين مِن ِ‬ ‫ُ‬
‫منذ أزمان ُمتطاولة عندَ ُ‬
‫ُ‬ ‫العمل ُ‬ ‫ُ‬ ‫الذي عليه‬
‫وضعوها يف‬ ‫منذ أن َ‬ ‫المسلِمين ُ‬ ‫بلة؛ ا‬ ‫الق ِ‬ ‫جهة ِ‬ ‫دليل ِحيح على ِ‬ ‫المحاريب ٌ‬
‫ألن ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫جهة ِ‬
‫القبلة‪.‬‬ ‫المساجد كانوا ياعلوهنا إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫والقمر‪ ،‬فيستدل هبما على ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫ومعرف ُة ِ‬
‫القبلة‪ ،‬وكل‬ ‫جهة‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫طريق‬ ‫بلة عن‬
‫ختلف‬ ‫عالمات َت‬ ‫الشمس‪ ،‬ولهم يف ذلك‬ ‫ِ‬ ‫توجه‬ ‫ِ‬ ‫بلد َيعرفون القبل َة‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بالنظر إلى ُّ‬
‫صول العامِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لدان و ُف‬ ‫باختالف الب ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )345‬من حديث عامر بن ربيعة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث ليس إسناده بذال‪ ،‬ال‬
‫نعرفه إال من حديث أشعث السمان‪ ،‬وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف يف الحديث»‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪310‬‬

‫ِ‬
‫كانت السما ُء ِافيةً‪،‬‬ ‫خفي ال َيراه إال حديدُ البصـر إذا‬‫نام ٌّ‬
‫طب؛ وهو ٌ‬ ‫وكذا ال ُق ُ‬
‫بلة‪ ،‬ويختلف مكانه‬ ‫الق ِ‬
‫جهة ِ‬ ‫ِ‬ ‫والقطب ال َيتغ اير عن مكانِه‪ ،‬ولذا ُيستدَ ُّل به على‬‫ُ‬
‫حسب البلدان‪.‬‬
‫ِ‬
‫الدقيقة التي ُيستدَ ُّل هبا‬ ‫اآلالت الحديث ُة التي ُتحدد القبل َة‪ ،‬فهي مِ َن الوسائ ِل‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫ِ‬
‫القبلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تحديد‬ ‫على‬
‫ِ‬
‫القبلة فله أن‬ ‫أن هذه جه ُة‬ ‫الطرق‪ ،‬وغ َلب على ظنه ا‬ ‫ِ‬ ‫فإذا ن َظر إلى ِ‬
‫أحد هذه‬ ‫َ‬
‫الوس ِع فصال ُته‬ ‫ِ‬
‫أخطأ بعد االجتهاد و َب ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫أِاب فالحمدُ هلل‪ْ ،‬‬ ‫ُيصلي‪ْ ،‬‬
‫ذل ُ‬ ‫وإن‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫بن َربيع َة عندَ الرتمذي‪.‬‬ ‫حديث ِ‬
‫عامر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِحيحةٌ‪ ،‬وال َي َلز ُمه إعاد ُتها‪ ،‬كما َد ال ل ُه‬
‫القبلة ال َيخلو مِن حالت ِ‬
‫َين‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫التوجه إلى‬‫ُّ‬ ‫مسألةٌ‪:‬‬
‫ِ‬
‫االنحراف عنها؛‬ ‫الق ِ‬
‫بلة وعد ِم‬ ‫إن كان يشاهد الكعبة؛ فالمذهب‪ :‬وجوب معاي ِنة ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫قريب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قادر على ذلك‪ ،‬وهو منها‬
‫ألنه ٌ‬
‫بلة؛ لقولـِه َتعالى‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫الق ِ‬
‫جهة ِ‬ ‫وإن كان بعيدً ا‪ ،‬فيكفيه التوجه إلى ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫أن َياتهدَ يف التحري‪ ،‬وأ اما‬ ‫ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [البقرة‪ ،]144 :‬وا ُلمسلِم َيكفيه ْ‬
‫ِ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫والتدقيق الذي ُيفضـي إلى النزا ِع فليس مِ ْن َه ِ‬
‫دي‬ ‫ُ‬ ‫المبالغ ُة‬
‫ُ‬
‫وِححه َع ْن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬ما ب ْي َن الم ِ‬
‫شـرق‬ ‫والصحابة‪ ،‬بل ث َبت عند الرتمذي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬
‫ب قِ ْب َل ٌة»(‪.)1‬‬‫الم ْغ ِر ِ‬
‫َو َ‬
‫نحراف القلي ِل ِجدا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ألج ِل ِاال‬ ‫ِ‬
‫المساجد ْ‬ ‫الناس من هد ِم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫بعض‬‫وأ اما ما َيف َع ُله ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫حصل مِ َن‬ ‫ِ‬
‫ألج ِل‬‫البعض م َن النزا ِع واالختالف ْ‬ ‫أمر ُمبا َل ٌغ فيه‪ ،‬ومث ُله ما َي ُ‬ ‫فهذا ٌ‬
‫ُ‬
‫وحديث‬ ‫ف‪ ،‬فهذا ال َينبغي‪،‬‬ ‫واآلخ ُر ُيخال ِ ُ‬
‫َ‬ ‫سـيرا‬
‫ف َي ً‬ ‫انح ِر ْ‬
‫قول‪َ :‬‬ ‫سـير‪ ،‬فهذا َي ُ‬ ‫انحراف َي ُ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫الم ْغ ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫المشـرق َو َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ما َب ْي َن َ‬ ‫توسـيع حين قال‬
‫ٌ‬ ‫أبي ُهرير َة ﭬ فيه‬
‫القبلة‪ ،‬ولو‬‫ِ‬ ‫المدينة ومن على سمتِهم؛ فيكفيهم التوجه إلى ِ‬
‫جهة‬ ‫ِ‬ ‫قِ ْب َل ٌة»‪ ،‬وهذا أله ِل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)344‬وابن ماجه (‪ )1011‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن‬
‫ِحيح»‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫‪311‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫قدر‬
‫الصواب َ‬
‫َ‬ ‫تحرى‬ ‫األمر فإناه مما ُيتسا َمح فيه‪ ،‬ف َي ا‬ ‫ِ‬ ‫سـير يف واق ِع‬ ‫انحراف َي ٌ‬‫ٌ‬ ‫كان فيه‬
‫أعلم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫طاقتِه مِن ِ‬
‫واهلل ُ‬ ‫غير تشديد يف هذا‪ُ ،‬‬
‫تحر‪ ،‬فال َيخلو مِن حالتين‪:‬‬ ‫بغير اجتهاد وال ن‬
‫ُ‬ ‫مسألةٌ‪ :‬لو ِ الى ِ‬
‫ذر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بشـرأ بال ُع ُ‬ ‫خطؤه‪ ،‬ف َي َلز ُمه اإلعاد ُة إلخاللِه‬ ‫ُ‬ ‫أن َيتب اين لـه‬ ‫األولى‪ْ :‬‬
‫أن يتبين لـه أنه أِاب ِ‬
‫القبل َة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الثانية‪ َ ْ :‬ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب عليه‪.‬‬ ‫وج َ‬‫أن عليه اإلعاد َة لتفريطه يف َترل ما َ‬ ‫فالمذهب‪ :‬ا‬ ‫ُ‬
‫نفسه‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬
‫تطمئن لها ُ‬
‫ُّ‬ ‫واألقرب‪ :‬أناه ال َي َلز ُمه اإلعاد ُة؛ ألنه لم ُي َصل إال إلى جهة‬
‫شـيخنا اب ُن ُعثيمين(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫ورجح هذا‬ ‫تب اين له ِوا ُبه‪ ،‬ا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬اتلهاس ُع‪ :‬انلية‪ ،‬وال تسق ُط حبَال‪ .‬وُملها‪ :‬الق ُ‬ ‫ه‬
‫لب‪ .‬وح ِقيقتها‪ :‬العزم ىلع‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ْ‬
‫ف ِع ِل الَشءِ)‪.‬‬
‫تص اح ِالت ُه باإلجما ِع كما‬ ‫نية لم ِ‬‫الصالة‪ ،‬فمن ِ الى بال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصحة‬ ‫ٌ‬
‫شـرأ‬ ‫الني ُة‬
‫َ‬
‫والنووي(‪ .)2‬ويدُ ُّل لـه‪:‬‬ ‫نذر‬ ‫ن َقله ابن الم ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ ُ‬
‫القرآن؛ كما قولـِه َتعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [البينة‪.]5 :‬‬ ‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ات‪َ ،‬وإِن َاما ل ِ ُ‬
‫كل ا ْم ِر ُ َما ن ََوى» [متفق‬
‫والسن ُة؛ كما قوله ﷺ‪« :‬إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عليه]‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ََ‬
‫شـيء مِ َن‬ ‫شـرع التال ُّف ُظ هبا يف‬
‫(وُملها‪ :‬القلب)‪ :‬فالني ُة عباد ٌة قلب ايةٌ‪ ،‬وال ُي ُ‬
‫الله ام إين أريدُ‬ ‫غيرها‪ ،‬فال َي ُ‬ ‫ِ‬
‫الوضوء وال ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة وال الصـيا ِم وال‬ ‫ِ‬
‫قول‪ُ « :‬‬ ‫العبادات؛ ال‬
‫أعمل كذا»‪ ،‬فهذا مِن المحدَ ِ‬
‫ثات‪.‬‬ ‫أن أِلي أو أِوم أو أتوضأ أو َ‬
‫َ ُ‬
‫اهلل أكربُ ولم ي ُق ْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ إذا قام إلى الصالة قال‪ُ :‬‬ ‫قال اب ُن القيم‪« :‬وقد كان ُّ‬
‫بعض‬ ‫ونحوه مما ابتدَ َعه ُ‬‫ُ‬ ‫بالنية‪ ،‬وال قال‪ُ :‬أِلي هللِ كذا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫شـي ًئا قب َلها‪ ،‬وال َتل اف َظ‬

‫(‪ )1‬الممتع (‪.)212/2‬‬


‫(‪ )2‬اإلجماع البن المنذر ص (‪ ،)32‬الماموع للنووي (‪.)216/3‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)21‬‬

‫‪311‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪312‬‬

‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬‫َحسنه ُ‬ ‫الناس‪ ،‬فلم ُين َق ْل عن رسول اهلل ﷺ وال عن أحد م َن الصحابة‪ ،‬وال است َ‬
‫أن التل ُّفظ هبا‬
‫المحققين إلى ا‬ ‫ِ‬ ‫التابِعين‪ ،‬وال األئم ُة األربع ُة»‪ ،‬وقد َ‬
‫جمع م َن ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ذهب‬
‫ِ‬
‫القيم(‪.)1‬‬ ‫بدعةٌ؛ منهم ُ‬
‫شـيخ اإلسال ِم واب ُن‬
‫يكون يف ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َُ‬
‫قلب‬ ‫ُ‬ ‫أمر‬
‫عزم فقد ن ََوى وهذا ٌ‬ ‫(وح ِقيقتها‪ :‬العزم ىلع ف ِع ِل الَشءِ)‪َ :‬‬
‫فمن َ‬
‫العمل‪ ،‬ويقبل عليه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫العبد حين ُيريدُ‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫قل‪ ،‬واتلَ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ميـزي)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ورشطها‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والع‬
‫ُ‬
‫يشرتأ لصحة النية للصالة (اإلسالم)‪ :‬ألن الكافر وإن نوى الصالة لم تقبل منه‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫(والعقل)‪ :‬ألن المانون ال قصد له‪ ،‬وليس من أهل التكليف‪.‬‬
‫ميـزي)‪ :‬ألن غير المميز ال تصح ِالته‪ ،‬ولذا لم يأمر الرسول ﷺ اآلباء‬ ‫ُ‬ ‫(واتلَ‬
‫بأمر أبنائهم بالصالة إال بعد بلوغهم سبعًا(‪.)2‬‬
‫رن َها باتله‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫ُ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫هُ‬ ‫َ َُ‬
‫ري)‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬‫ك‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫واألفض‬ ‫‪،‬‬ ‫سري‬ ‫بي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫بيل‬ ‫ق‬ ‫أو‪:‬‬ ‫ِ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫باد‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫قوهل‪( :‬وزمنها‪ :‬أو‬
‫صاح ًبا ل َبداءتِها؛‬
‫بالعبادة؛ إما م ِ‬
‫ا ُ‬
‫ِ‬ ‫قبل الب ِ‬
‫داءة‬ ‫تكون َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫للنية ْ‬
‫أن‬ ‫المشـروع‬
‫ُ‬ ‫فالزم ُن‬
‫بزمن َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫قبل الب ِ‬ ‫ِ‬
‫سـير‪ ،‬وأ اما تقدُّ ُم‬ ‫داءة هبا‬ ‫يكون َ َ‬ ‫َ‬ ‫تكبيرة اإلحرامِ‪ ،‬أو‬ ‫قبل‬ ‫فينوي الصال َة َ‬
‫بساعة نواها؛ فهذا فيه‬ ‫ُ‬ ‫أن ُيصلي‬ ‫قبل ْ‬‫يكون َ‬‫َ‬ ‫بزمن طويلُ‪ْ ،‬‬
‫كأن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العبادة‬ ‫ِ‬
‫النية على‬
‫قوالن‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنوي‪.‬‬ ‫لوجود ال َف ْص ِل بينها وبين َ‬‫ظاهر كال ِم المؤلف عد ُم الصحة؛ ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫فسخها‪ ،‬وال‬ ‫صل ما دام لم َي ِ‬
‫نو‬ ‫وإن طال ال َف ُ‬ ‫ِ‬
‫العلماء إلى إجزائها‪ْ ،‬‬ ‫بعض‬
‫وذهب ُ‬ ‫َ‬
‫واختاره اب ُن ُعثيمين(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫الحنابلة‪،‬‬ ‫ورجح هذا ُجمل ٌة مِ َن‬
‫َ‬ ‫َي َلز ُم تاديدُ ها‪ ،‬ا‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪ ،)216/22‬زاد المعاد (‪.)201/1‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)425‬وأحمد (‪ ،)6156‬والحاكم يف المستدرل (‪ ،)311/1‬والبيهقي يف السنن‬
‫وحسن إسناده النووي يف‬‫ا‬ ‫(‪ )323/2‬من حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده ﭭ مرفوعًا‪.‬‬
‫الخالِة (‪ ،)252/1‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)236/3‬وِححه األلباين يف اإلرواء‬
‫(‪.)241‬‬
‫(‪ )3‬الممتع (‪.)221/2‬‬

‫‪312‬‬
‫‪313‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫ات»(‪ ،)1‬والني ُة هنا موجود ٌة‪.‬‬ ‫حديث‪« :‬إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودلي ُله‪ :‬عمو ِم‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رجال حتى نا َم‬ ‫ت الصال ُة لـه ُثم قام ُيناجي ً‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ُأقيم ِ‬ ‫َ‬ ‫شهدُ لـه‪ :‬ا‬
‫أن‬
‫َ‬ ‫و َي َ‬
‫ِ‬
‫بتاديد‬ ‫طويل‪ ،‬ولم َيأ ُم ْرهم‬‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الفاِل‬ ‫أن‬‫المساد‪ ،‬ثم قام وِ الى مع ا‬ ‫ِ‬ ‫بعض َمن يف‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫النية(‪.)2‬‬
‫شـيخ اإلسالمِ‪:‬‬ ‫ف؛ فهي كما قال ُ‬ ‫النية ووجودها ال يحتاج إلى تك ُّل ُ‬ ‫وشأن ِ‬ ‫ُ‬ ‫فائدةٌ‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصدَ ه ونَواه ضـرور ًة»(‪ ،)3‬ولذا قيل‪« :‬لو‬ ‫فمن علِ َم ما ُيريدُ فع َله َ‬ ‫لم‪َ ،‬‬ ‫«الني ُة َتت َب ُع الع َ‬
‫عم ًال وهو ٌ‬ ‫لك ال َفنا ما ال ُن ُ‬ ‫مال بال ُ‬
‫عاقل فقد نَواه‪.‬‬ ‫قصد َ‬‫ألن َمن َ‬ ‫طيق»؛ ا‬ ‫نية َ‬ ‫ك ال َفنا ُ‬
‫اهلل َع ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ ه‬ ‫ُ َ‬
‫عيـي ما يصلي ِه‪ ،‬مِن ظهر‪ ،‬أو عَص‪ ،‬أو ِوتر‪،‬‬ ‫ورشط‪ ،‬مع نِي ِة َ الصالة ِ‪ :‬ت‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫َ ُ هُ ه‬ ‫َِ ه‬
‫أو رات ِبة‪ .‬وإال‪ :‬أجزأته نِية الصالة ِ)‪.‬‬
‫ب تعيي ُن الصالة إذا كانت فريضة أو راتبة مقيدة أهي فرض أم نفل أهي‬ ‫يا ُ‬ ‫ف ِ‬
‫ظهر أم عصـر‪ ،‬والنف ِل أهو‬ ‫الفرض َينوي أهي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ظهر أم عصر أهي راتبة أم وتر‪ ،‬ف‬
‫ظهرا‪،‬‬ ‫الظهر وقد نَواها ِال ًة ولم َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قضاء وتر أم ُض ًحى‪ ،‬فلو َ‬
‫نوها ً‬ ‫ِالة‬ ‫دخل يف‬
‫َفال ُمطل ًقا‪.‬‬ ‫تص ُّح ن ً‬ ‫فالمذهب أهنا ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪،‬‬ ‫عن اإلما ِم أحمدَ أناه َيكفي ني ُة‬ ‫لكن إن كانت الفريضة يف وقتها ف ُروي ِ‬
‫وال ُيشرت َُأ تعيي ُن النوعِ‪ ،‬ورجحه شيخنا ابن عثيمين وقال‪« :‬إناها َتتع اين بتع ُّي ِن‬
‫الظهر فالصال ُة‬‫ُ‬ ‫وغاب عن ذهنِه أناها‬ ‫َ‬ ‫الظهر‪ ،‬ثم ِلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصالة‬ ‫وضأ‬‫قت‪ ،‬فإذا َت ا‬ ‫الو ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصالة؟‬ ‫ِحيحةٌ؛ ألناه لو ُسئِل‪ :‬ماذا ُتريدُ هبذه‬
‫غيب عن‬ ‫ِ‬
‫الناس َي ُ‬ ‫كثيرا مِ َن‬
‫ألن ً‬ ‫العمل إال به؛ ا‬ ‫ُ‬ ‫الظهر‪ ،‬وهذا ما ال َي َس ُع‬ ‫َ‬ ‫لقال‪ُ :‬أريدُ‬
‫راكع»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫الظهر أو العصـر ال سـيما إذا جاء واإلما ُم ٌ‬ ‫أذهانهم أناها َ ُ‬
‫َ ُ هُ ه‬ ‫ه‬
‫هرا أم‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ظ‬ ‫ها‬ ‫نوع‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫عي‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ولم‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وأط‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ِال‬ ‫َواها‬
‫ن‬ ‫لو‬ ‫أي‬
‫ْ‬ ‫‪:‬‬ ‫)‬‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫الص‬ ‫ة‬ ‫ِي‬ ‫ن‬ ‫ته‬ ‫أ‬‫أجز‬ ‫‪:‬‬ ‫وإال‬ ‫(‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)21‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)210‬‬
‫(‪ )3‬االختيارات ص (‪.)42‬‬
‫(‪ )4‬الممتع (‪.)261/2‬‬

‫‪313‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪314‬‬

‫فالمذهب أهنا ِحيح ٌة لكناها‬ ‫الظهر ومع اإلمامِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وقت‬ ‫َعصـرا حتى ولو كانت يف ِ‬
‫ُ‬
‫َفال ُمطل ًقا‪ ،‬وتقدم بيانه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تكون ن ً‬
‫َ ً‬ ‫َ َ‬ ‫ًَ‬ ‫ه‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ََُ َ‬
‫اء‪ ،‬أو ف ْرضا)‪.‬‬ ‫ض ً‬ ‫حاَضة‪ ،‬أو ق‬ ‫ون الصالة ِ ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وال يشَّتط‪ :‬تعيـي ك ِ‬
‫أن َي ِ‬
‫نو َيها‬ ‫نو َيها قضا ًء أو أدا ًء‪ ،‬وكذا َيكفي ْ‬ ‫أن َي ِ‬ ‫هرا ألَ ْجز َأ‪ ،‬وال َي َلز ُمه ْ‬ ‫فلو نَواها ُظ ً‬
‫اختيار ِ‬ ‫هرا علِم أهنا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫دون ِ‬ ‫ُظهرا مِن ِ‬
‫ابن‬ ‫ُ‬ ‫فرض‪ ،‬وهذا‬ ‫الفرض؛ ألناه إذا نَواها ُظ ً‬ ‫نية‬ ‫ً‬
‫وغيرهما(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ابن تيم اي َة َجد شـيخِ اإلسالمِ‪،‬‬ ‫والماد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُقدامةَ‪،‬‬
‫َ ِ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََُ هُ‬
‫أم ِ‬
‫وم)‪.‬‬ ‫ام‪ ،‬واالئتِمام للم‬ ‫لإلم ِ‬ ‫شَّتط‪ :‬نِية اإلمام ِة‬ ‫قوهل‪( :‬وت‬
‫نو َي اإلما ُم اإلمامةَ‪ ،‬فإذا لم َي ِ‬
‫نو‬ ‫أن َي ِ‬
‫الصالة جماع ًة ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصحة‬ ‫المذهب‪ :‬أناه ُيشرت َُأ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِحيحة‪.‬‬ ‫إمام فصال ُة المأمو ِم ُ‬
‫غير‬ ‫أناه ٌ‬
‫وياوز أن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الصالة جماعةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لصحة‬ ‫شرتأ ذلك‬ ‫ُ‬ ‫وهنال قول يف المذهب‪ :‬أناه ال ُي‬
‫مذهب‬
‫ُ‬ ‫أول الصال ِة‪ ،‬وهذا‬ ‫اإلمامة مِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫نو اإلمامة‪ ،‬وكذا ال ُتشرت َُأ ني ُة‬ ‫بمن لم َي ِ‬ ‫يأ َت ام َ‬
‫وشـيخنا اب ُن ُعثيمين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫واختاره اب ُن ُقدام َة واب ُن تيم اي َة‬ ‫َ‬ ‫المالك اي ِة والشافع اي ِة‪،‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ قام ُيصلي وحدَ ه ثم ائت اَم به‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫عدة وقائِ َع ا‬ ‫ودلي ُله‪ :‬أنه ح ِفظ يف ِ‬
‫ُ‬
‫اهم ائت َُّموا به َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعض أِحابه يف ِ‬
‫قبل‬ ‫رسول اهلل ﷺ َيع َل ُم أن ُ‬ ‫الصالة‪ ،‬ولم ي ُك ْن‬ ‫أثناء‬ ‫ُ‬
‫وغيرهم ﭫ‪ ،‬فإذا ن ََوى‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وجابر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫عباس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وابن‬ ‫قصة ُحذيفةَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مثل‬‫الشـرو ِع فيها؛ َ‬
‫الاماعة دون‬‫ِ‬ ‫ِحت‪ ،‬وللمأمو ِم ني ُة‬ ‫نو اإلما ُم اإلمام َة‬ ‫االئتمام ولم َي ِ‬ ‫مأموم‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫اإلما ِم(‪.)2‬‬
‫أن َي ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة جماع ًة ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َ ُ‬
‫نو َي المأمو ُم‬ ‫لصحة‬ ‫وم)‪ :‬أي و ُيشرت َُأ‬ ‫أم ِ‬ ‫(واالئتِمام للم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإال أِ َب َح ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫األربعة‪.‬‬ ‫األئمة‬ ‫باتفاق‬ ‫نفر ًدا‪ ،‬وهذا‬ ‫الاماعة ا‬ ‫حص َل له ُ‬
‫أجر‬ ‫االئتمام ل َي ُ‬
‫َ‬
‫َُ ُ ُ ُ َ َ َ َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ُّ ه ُ‬
‫قوهل‪( :‬وت ِصح‪ :‬نِية المفارق ِة ل ُِك مِنهما؛ ل ِعذر يبيح ترك اجلماع ِة)‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬أو‬ ‫واحتاج إلى قط ِع‬ ‫أثناء ِالتِه َخ َ‬
‫لف اإلما ِم‬ ‫لو طرأ للمأمو ِم ُعذر يف ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪.)22/2‬‬


‫(‪ )2‬الممتع (‪.)300/2‬‬

‫‪314‬‬
‫‪315‬‬ ‫ط الصَّالةِ‬
‫ب شـرو ِ‬
‫با ُ‬

‫أن يتحول إلى ِاال ِ‬ ‫وإكمال ِالتِه ُم ِ‬


‫ِ‬ ‫مفار ِ‬
‫نفراد إذا كان‬ ‫ياوز له ْ َ ا‬ ‫ُ‬ ‫نفر ًدا‪ ،‬فإناه‬ ‫قة اإلما ِم‬ ‫ُ َ‬
‫ذهب‬ ‫قبل فرا ِغ إمامه‪ ،‬وإلى َج ِ‬
‫واز ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعايل َلحاقه بحاجته َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فارقة‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الم َ‬
‫َيستفيدُ م َن ُ‬
‫والسعدي واب ُن ُعثيمين‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫شـيخ اإلسال ِم‬ ‫واختاره ُ‬ ‫َ‬ ‫الحنابل ُة والشافعي ُة‪،‬‬
‫َان ُي َصلي َم َع النابِي ﷺ ُث ام َي ْأتِي َف َي ُؤ ُّم َق ْو َم ُه‪َ ،‬ف َص الى َل ْي َل ًة َم َع‬ ‫ويدُ ُّل لـه‪« :‬أن ُم َعا ًذا ك َ‬
‫ف َر ُج ٌل َف َس ال َم ُث ام‬ ‫ور ِة ا ْل َب َق َر ِة َفان َْح َر َ‬ ‫النابِي ﷺ ا ْلع َشا َء ُث ام َأ َتى َق ْو َم ُه َف َأ ام ُه ْم َفا ْف َتت ََح بِ ُس َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫الحديث‪« :‬لما علِم‬ ‫ِ‬ ‫ْصـرف‪[ »...‬متفق عليه]‪ ،‬ويف ِ‬
‫آخر‬ ‫َ‬ ‫َِ الى َو ْحدَ ُه َوان‬
‫ذره»(‪.)1‬‬‫بذلك لم ُينكِر عليه حين علِم ب ُع ِ‬
‫الاماعة أو قط ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إكمال‬ ‫حصل لإلما ِم ُعذر طار ٌ حمله على ِ‬
‫ترل‬ ‫َ‬ ‫مسألةٌ‪ :‬لو‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬
‫ستخالف على الصحيحِ مِن‬ ‫ُ‬ ‫وياوز له ِاال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلمامة‪،‬‬ ‫نتقال عن ِ‬
‫نية‬ ‫يح ُّق لـه ِاال ُ‬ ‫فإناه ِ‬
‫عوف‬‫ُ‬ ‫بن‬ ‫الرحمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫عبد‬ ‫بيد ِ‬ ‫أخذ ِ‬ ‫العلماء؛ كما ف َع َل ُع َمر ﭬ‪« :‬فإناه لما ُط ِعن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أقوال‬
‫والشافعية‪ ،‬ووا َف َقهم الحنابل ُة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المالكية‬ ‫مذهب‬ ‫فقدا مه فأ َت ام هبم الصال َة»(‪ ،)2‬وهذا‬
‫ُ‬
‫الحدث فمنَعوه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خروج‬ ‫بالصالة‪ ،‬وأ اما مع‬ ‫ِ‬ ‫ستمرار‬
‫َ‬ ‫يمنع ِاال‬ ‫ذر ال ُ‬ ‫صول ُع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُح‬
‫ف إذا لم‬ ‫أن َيستخلِ َ‬ ‫اإلمام له ْ‬ ‫َ‬ ‫واز االستخالف يف الاميعِ‪ ،‬ا‬
‫وأن‬ ‫واألقرب‪َ :‬ج ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫استمرار الصالة كالحدث‪ ،‬أو ال‬ ‫ِ‬ ‫ذر َيمن َُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َيقد ْر على إكمال الصالة؛ سوا ٌء كان ال ُع ُ‬
‫ض‪.‬‬ ‫المر ِ‬ ‫ِ‬
‫َيمنَ ُعها كزيادة َ‬
‫ِ‬
‫حالتان‪:‬‬ ‫الاماعة إلى ِاال ِ‬
‫نفراد له‬ ‫ِ‬ ‫تحو َل المأمو ِم مِ َن‬ ‫والحاِل ا‬‫ُ‬
‫أن ُّ‬
‫يص ُّح‪ ،‬وتبطل ِال ُته‪ ،‬وهذا‬ ‫ذر فال ِ‬ ‫نفراد بال ُع ُ‬ ‫األُولى‪ :‬إن كان تحوله إلى ِاال ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫جوب إتما ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الاماعة‪.‬‬ ‫ولو‬ ‫مهور لتَركه ُمتابع َة إمامه‪ُ ،‬‬ ‫الا‬
‫مذهب ُ‬ ‫ُ‬
‫نفسه أو مالِه أو أهلِه إذا أ َت ام ِال َة‬ ‫كأن يخشـى على ِ‬
‫ذر؛ ْ َ‬ ‫تحوله ل ُع ُ‬ ‫الثاني ُة‪ :‬إن كان ُّ‬
‫يتحو َل إلى‬ ‫ياوز له أن‬ ‫ُ‬ ‫الاماعة‪ ،‬أو انقطع ِوت اإلمام ولم يمكنه متابعته‪ ،‬فإناه‬ ‫ِ‬
‫ا‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)105‬ومسلم (‪ )465‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)3100‬‬

‫‪315‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪316‬‬

‫ِاال ِ‬
‫نفراد‪.‬‬
‫َ َ ُ ُّ ُ ُ‬ ‫ُ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ ُ ٌ َ َ‬
‫الفاحتةِ‪ :‬هل الركوع يف‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ويقرأ مأموم‪ :‬فارق يف قِيام‪ ،‬أو‪ :‬يك ِمل‪ .‬وبعد‬
‫ال)‪.‬‬ ‫َ‬
‫احل ِ‬
‫ِ‬
‫الفاتحة‬ ‫فإن كان َفرغ مِ َن‬ ‫حيث و َقف إما ُمه؛ ْ‬ ‫ُ‬ ‫كمل مِن‬ ‫فارق إمامه فإناه ي ِ‬ ‫أي َمن َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذر‬ ‫حصل لإلما ِم ُع ٌ‬ ‫لم ْن َخل َفه‪ ،‬وهكذا إذا َ‬ ‫ألن قراء َة اإلما ِم قراء ٌة َ‬ ‫فال ُي َلزم بإعادتِها؛ ا‬
‫وإن كان راكِ ًعا‬ ‫حيث و َقف إما ُمه‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫كمل مِن‬ ‫فاستَناب أحدَ المأمومِين عنه‪ ،‬فإناه ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كثير مِن الع ِ‬ ‫في ِ‬
‫لماء‪.‬‬ ‫مذهب ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫كم ُل ما بعدَ الركوعِ‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬
‫ه َ َ ه‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫الوقت‪ ،‬وإال‪ :‬لم ي ِصح‪،‬‬ ‫إن اتسع‬ ‫ن أحرم بِفرض ثم قلبه نفال‪ :‬صح ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وم‬
‫ََ َ َ ُ ُ‬
‫وبطل فرضه)‪.‬‬
‫ِ‬
‫حالتان‪:‬‬ ‫َفال فله‬ ‫أن َيقلِ َبها ن ً‬ ‫فريضة فأرا َد ْ‬ ‫ُ‬ ‫من أحرم يف‬
‫الوقت ُمت ِاس ًعا وقد أمِ َن‬ ‫ُ‬ ‫إن كان‬ ‫َفال ْ‬ ‫اوز لـه َقل ُبها ن ً‬ ‫قبل السالمِ‪ ،‬ف َي ُ‬ ‫إن كان َ‬ ‫األُولى‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫مثل ْ‬ ‫ِحيح؛ َ‬ ‫ِ‬
‫الفرض وحدَ ه‬ ‫شـرع يف‬ ‫أن َي َ‬ ‫ٌ‬ ‫غر ٌض‬ ‫خاِ ًة إذا كان لـه َ‬ ‫روج الوقت؛ ا‬ ‫ُخ َ‬
‫ِ‬
‫الاماعة ل َي َ‬ ‫قام جماعةٌ‪ ،‬فله َقل ُبها ن ً‬
‫نال ثوا َبها‪.‬‬ ‫دخل مع‬ ‫َفال ل َي ُ‬ ‫ثم ُت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تمت‪.‬‬ ‫الثاني ُة‪ :‬إن كان بعدَ الفرا ِغ م َن الصالة فال يص ُّح قل ُبها؛ ألناها قد ا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ه َ َ ه ََ َ َ ُ ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫لو‬ ‫بحيث‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ضـي‬ ‫الوقت‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫لو‬ ‫أي‬ ‫‪:‬‬ ‫)‬ ‫ه‬ ‫(وإال‪ :‬لم ي ِصح‪ ،‬وبطل فرض‬
‫الصالة؛ ألنه‬ ‫ِ‬ ‫قلب‬ ‫ِ‬ ‫الوقت َ‬
‫مر ًة ثانيةً‪ ،‬لم ياز لـه ُ‬ ‫قبل ِالتها ا‬ ‫ُ‬ ‫لخرج‬
‫َ‬ ‫َفال‬
‫الفرض ن ً‬
‫َ‬
‫َفال مع‬ ‫ِح قل ُبها ن ً‬ ‫ِ‬ ‫وإن ق َل َبها َ‬ ‫الصالة عن وقتِها‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبل فراغه منها ا‬ ‫تأخير‬ ‫ُيؤدي إلى‬
‫تأخيره الصالةَ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلثم على‬
‫مسأل ٌة‪ :‬حكم االئتمام بالمسبوق؟‬
‫المذهب أنه ياوز االئتمام بالمسبوق إال أن تكون جمعة واختاره شيخ‬
‫اإلسالم وابن باز وابن عثيمين‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫‪317‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫‪e‬‬ ‫ب الصَّالةِ‬
‫كِتَا ُ‬ ‫‪F‬‬
‫(بابُ أركا ِن الصَّالةِ)‬

‫ِ‬
‫ِفة‬ ‫فصوال ل ِ ِ‬
‫بيان‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬وأحكامها‪ ،‬ثم ذكَر‬ ‫ِ‬
‫أركان‬ ‫ع َقده للكال ِم على‬
‫ِ‬
‫النقص‬ ‫ِ‬
‫وجوابر‬ ‫ِ‬
‫وأنواعها‪ ،‬و ُمكمالهتا‪،‬‬ ‫وسنَنِها‪ ،‬و ُمبطِالتِها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬وواجباتها‪ُ ،‬‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫المتعلقة هبا‪.‬‬
‫بالتكبير مختت ُ‬ ‫وأفعال مفتت ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالتسليم‪.‬‬ ‫َمة‬ ‫ِ ُ‬ ‫َحة‬ ‫ُ‬ ‫بأقوال‬ ‫والصال ُة‪ :‬هي التع ُّبدُ هلل‬
‫األمم السابق ُة لها ِ َل ٌ‬
‫وات مفروض ٌة‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬
‫األمة‪ ،‬ب ِل‬ ‫والصال ُة ليست خاِ ًة هبذه‬
‫ُ‬
‫د الت األدل ُة على ذلك‪:‬‬
‫كما يف قو ُله تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [آل عمران‪.]32 :‬‬
‫الصبِ اي َف َط َع َن فِي‬ ‫قائما ُيصلي‪ ،‬ثم َأ َتى ا‬
‫ِ‬
‫وكما يف قصة ُجريجُ العابد‪« :‬حينما كان ً‬
‫ِ‬
‫اعي»(‪ ،)1‬لكناها ليست ُمماثِل ًة لص َلواتِنا‬ ‫ول؟ َق َال‪ُ :‬ف َال ٌن الر ِ‬
‫ا‬ ‫َب ْطن ِ ِه‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬يا ُغ َال ُم َم ْن َأ ُب َ‬
‫شـيخ اإلسال ِم ‪.$‬‬ ‫وجه كما ب اينه ُ‬ ‫مِن كل ُ‬
‫فرائض اإلسال ِم وأركانِه ِ‬
‫العظامِ‪ ،‬ومن فضائلها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫والصال ُة مِن‬
‫الانة‪ ،‬كما يف الصحيحين قال ﷺ‪َ « :‬م ْن َِ الى ال َب ْر َد ْي ِن َد َخ َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لدخول‬ ‫باب‬
‫أناها ٌ‬
‫الانا َة»(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫لما سأله‪َ « :‬أ ُّي‬ ‫ُ‬ ‫اإليمان‪ ،‬كما قال ﷺ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫البن مسعود ﭬ ا‬ ‫األعمال بعدَ‬ ‫أفضل‬ ‫وهي‬
‫الصالَ ُة ل ِ َو ْقتِ َها» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫األَ ْعم ِ‬
‫ال َأ ْف َض ُل؟ َق َال‪ « :‬ا‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2462‬ومسلم (‪ )2550‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)514‬ومسلم (‪ )635‬من حديث أبي موسـى ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1534‬ومسلم (‪ )65‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪318‬‬

‫ِ‬
‫ور»(‪.)1‬‬ ‫نور لصاحبِها يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬و ا‬
‫الص َال ُة ُن ٌ‬ ‫وهي ٌ‬
‫ورا َو ُب ْر َهانًا‬ ‫الص َال َة َي ْو ًما‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬م ْن َحا َف َظ َع َل ْي َها كَان َْت َل ُه ُن ً‬ ‫و َذك ََر رسول اهلل ﷺ ا‬
‫ورا َو َال ُب ْر َهانًا َو َال ن ََااةً‪َ ،‬و َي ْأتِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َون ََاا ًة َي ْو َم ا ْلق َيا َمة‪َ ،‬و َم ْن َل ْم ُي َحاف ْظ َع َل ْي َها َل ْم َت ُك ْن َل ُه ُن ً‬
‫ان و ُأبي ب ِن َخ َل ُ‬ ‫يوم ا ْل ِقيام ِة مع َقار َ ِ‬
‫ف» [رواه أحمد](‪.)2‬‬ ‫ون َوف ْر َع ْو َن َو َها َم َ َ َ ْ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ـيئات‪ ،‬كما قال‬ ‫الدرجات‪ ،‬وحط الخطايا والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهي سبب ِلر ِ‬
‫فعة‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُاود ل اله؛ َفإِن َاك َال َت ْس ُادُ ل الـه َس ْادَ ةً‪ ،‬إِ اال َر َف َع َك ُ‬
‫اهلل‬ ‫وبان ﭬ‪َ « :‬ع َل ْي َك بِ َك ْث َرة ُّ‬ ‫ل َث َ‬
‫بِ َها َد َر َجةً‪َ ،‬و َح اط َعن َْك بِ َها َخطِي َئ ًة» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت ُه‬ ‫يت م َع رس ِ‬
‫ب ْاألَ ْس َلمي ﭬ َق َال‪ُ :‬كن ُْت َأبِ ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫وعن َربِي َع َة ْب ِن َك ْع ُ‬
‫اجتِ ِه َف َق َال لِي‪َ « :‬س ْل»‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬أ ْس َأ ُل َك ُم َرا َف َقت ََك فِي ا ْل َان ِاة‪َ .‬ق َال‪َ « :‬أ ْو َغ ْي َر‬ ‫ِِ‬
‫بِ َو ُضوئه َو َح َ‬
‫ود» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫ال‪َ .‬ق َال‪َ « :‬ف َأ ِعني َع َلى َن ْف ِس َك بِ َك ْثر ِة السا ِ‬ ‫َذل ِ َك»‪ُ ،‬ق ْل ُت‪ُ :‬ه َو َذ َ‬
‫َ ُّ ُ‬
‫للمحافِظين عليها ال ُيمكِ ُن حصـرها‪.‬‬ ‫اهلل ُ‬ ‫وثواب أهلها‪ ،‬وما َأ َعدا ُ‬
‫ُ ِ‬ ‫وفضائ ُلها‬
‫ُ َه‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫جت ُب‪ :‬ىلع ُك مسلِم‪ ،‬ملكف)‪.‬‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫أو‬ ‫رجال ِ‬ ‫سلم مكلف وهو البالغ‪ ،‬العاقل؛ ً‬ ‫الخمس واجب ٌة على ُكل ُم ُ‬ ‫ُ‬ ‫لوات‬‫فالص ُ‬ ‫ا‬
‫المسلم فإناها ال‬ ‫ِ‬ ‫مريضا‪ ،‬مسافر ًا أو مقيمًا وأ اما ُ‬
‫غير‬ ‫ً‬ ‫ِحيحا أو‬
‫ً‬ ‫امرأةً‪ُ ،‬حرا أو عبدً ا‪،‬‬
‫وإن كان ُمعاق ًبا على تركِها؛ كما قال تعالى عنهم‪﴿ :‬ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ‬ ‫ُتق َبل منه‪ْ ،‬‬
‫ﰛﰜﰝﰞﰟ﴾ [المدثر‪.]43 -42 :‬‬
‫والمانون ال ُيطا َلبون هبا؛ لقوله ﷺ‪ُ « :‬رفِ َع ا ْل َق َل ُم َع ْن َث َال َث ُة‪َ :‬ع ِن‬
‫ُ‬ ‫الصبي‬
‫ُّ‬ ‫وكذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْلمانُ ِ‬
‫الصبِي‬‫وب َع َلى َع ْقلِه َحتاى ُيف َيق‪َ ،‬و َع ِن الناائ ِم َحتاى َي ْس َت ْيق َظ‪َ ،‬و َع ِن ا‬
‫ون ا ْل َم ْغ ُل ِ‬ ‫َ ْ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )223‬من حديث أبي مالك األشعري ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أحمد (‪ ،)6516‬والدارمي (‪ )2163‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ‪ .‬قال ابن عبدالهادي يف تنقيح‬
‫التحقيق (‪« :)614/2‬إسناد هذا الحديث جيدٌ »‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )466‬من حديث ثوبان ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )462‬من حديث ربيعة بن كعب األسلمي ﭬ‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫‪319‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫َحتاى َي ْحتَلِ َم» [رواه أبو داود وِححه ابن خزيمة](‪.)1‬‬


‫َ َ‬ ‫قوهل‪َ ( :‬غري‪َ :‬‬ ‫ُ‬
‫احلائ ِِض وانلُّفساءِ)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شـرع‬
‫وقت ُنزول الدمِ‪ ،‬وال ُي ُ‬ ‫اهلل عنهما أدا َء الصالة َ‬ ‫فالحائ ُض َوالنُّ َف َسا ُء أس َق َط ُ‬ ‫َ‬
‫ُ ِ‬
‫اض ْت َل ْم ُت َصل َو َل ْم‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أ َليْ َس إِ َذا َح َ‬ ‫هر؛ كما قال‬ ‫لهما قضاؤها بعدَ ال ُّط ِ‬
‫حديث عائش َة ڤ‪« :‬ك َ‬
‫َان‬ ‫ِ‬ ‫ان ِدين ِ َها»(‪ ،)2‬ويف‬ ‫َتصم؟ ُق ْلن‪ :‬ب َلى‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َذل ِ َك مِن ُن ْقص ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫تخفيف مِ َن‬ ‫الص َال ِة»(‪ ،)3‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الص ْومِ‪َ ،‬و َال ُن ْؤ َم ُر بِ َق َضاء ا‬
‫ُيصـي ُبنَا َذل َك‪َ ،‬فنُ ْؤ َم ُر بِ َق َضاء ا‬
‫اهللِ لها‪.‬‬
‫ه ُ َ‬ ‫ُ َ َََ ًَْ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ‬
‫زي‪ ،‬وهو‪ :‬من بلغ سبعا‪ .‬واثل َواب هلُ)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫الم‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫وت‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن لو‬ ‫ب عليه الصال ُة‪ْ ،‬‬ ‫الممي ُز‪ :‬وهو َمن ب َلغ سب َعًا من الذكور واإلناث ال تا ُ‬
‫تفضالً مِ َن اهللِ‪.‬‬ ‫ثواب على فعلِها ُّ‬ ‫ِالها فصال ُته ِحيح ٌة مقبولةٌ‪ ،‬ولـه ٌ‬ ‫ا‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ َُ َ هُ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫أمرهُ بها ل ِسبع‪ ،‬وَضبه ىلع ترك ِها ل ِعَش)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ويلزم و ِيله‪:‬‬
‫بالصالة لسبعُ‪ ،‬فإذا ب َلغ عشـرا ف َيضـر ُبه على‬ ‫ِ‬ ‫أمره‬ ‫ياب على ولي الصبي المميز ُ‬ ‫ُ‬
‫الص َال ِة َو ُه ْم َأ ْبنَا ُء َس ْب ِع ِسنِي َن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تركِها؛‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬م ُروا َأ ْو َال َد ُك ْم بِ ا‬ ‫لقول‬
‫اج ِع» [أخرجه أبوداود](‪،)4‬‬ ‫وهم َع َل ْي َها َو ُهم َأ ْبنَاء َعشـر‪َ ،‬و َفر ُقوا َب ْينَ ُهم فِي ا ْلم َض ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َواضـر ُب ُ ْ‬
‫وإن كانت‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ْ ،‬‬ ‫تعظيم ِ‬
‫قدر‬ ‫ِ‬ ‫والتدريب‪ ،‬ولينشأ على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتعليم‬ ‫األمر للنادْ ِ‬
‫ب‬ ‫وهذا‬
‫ُ‬
‫اآلخرة على تركِها ومع‬ ‫ِ‬ ‫ب يف‬ ‫غير واجبة على الصبي؛ بمعنى أنه ال ُيعا َق ُ‬
‫ُ‬
‫الصال ُة َ‬
‫فهم مأجورون على هذا الفعلِ‪.‬‬ ‫ذلك ُ‬
‫َ ُ ُ َ ِّ‬ ‫َه َ َ ْ َ‬ ‫َ َََ ُ ُ ً ََ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ومن تركها جحودا‪ :‬فق ِد ا ِرتد‪ ،‬وجرت علي ِه أحاكم المرتدين)‪.‬‬
‫ِ‬
‫حالتين‪:‬‬ ‫من َترل الصال َة‪ ،‬فال َيخلو مِن‬
‫لوجوبِها؛ فهذا ُمر َتدٌّ عن ِ‬
‫دين اإلسال ِم‬ ‫أن َيرتُكَها جاحدً ا ُ‬ ‫الحال ُة األُولى‪ْ :‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)245‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)304‬ومسلم (‪ )60‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)321‬ومسلم (‪ )335‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)21‬‬

‫‪312‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪320‬‬

‫ِ‬
‫الصلوات‬ ‫ِ‬
‫إيااب‬ ‫باإلجماع؛ ألناه مكذب هللِ ورسولِه وإلجما ِع المسلمين يف‬
‫الخمس على المسلمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫إقراره بوجوبِها‪ ،‬فهذا اتفق العلماء أنه‬ ‫وكسال مع‬
‫ً‬ ‫الحال ُة الثاني ُة‪ :‬أن َيرتُكَها ُ‬
‫هتاونًا‬
‫فره‬‫خروي؟ ويف ُك ِ‬
‫للعقاب الدُّ نيوي واألُ َ‬
‫ِ‬ ‫نفسه‬
‫عظيما‪ ،‬و ُمعر ٌض َ‬‫ً‬ ‫مرتكب ذن ًبا‬
‫ٌ‬
‫روايتان يف المذهب‪:‬‬
‫ُ‬
‫شـيخ‬ ‫ورجحها‬
‫ا‬ ‫أن تركَها ِر اد ٌة ِ‬
‫عن اإلسالمِ‪،‬‬ ‫الرواية األولى‪ :‬وهي المذهب ا‬
‫باز‪ ،‬واب ُن ُعثيمين‪ ،‬وهي األرجح‪ ،‬ويدل‬ ‫القيم‪ ،‬واب ُن حزمُ‪ ،‬واب ُن ُ‬
‫ِ‬ ‫اإلسالمِ‪ ،‬واب ُن‬
‫لذلك‪:‬‬
‫قولـُه َتعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫مواض َع مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القيم تسع َة‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [التوبة‪ .]11 :‬وذكَر اب ُن‬
‫فره(‪.)1‬‬ ‫تدُ ُّل على ُك ِ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ قال‪« :‬ال َع ْهدُ ا الذي َب ْينَنَا َو َب ْينَ ُه ُم ا‬
‫الص َال ُة‪،‬‬ ‫أن َر ُس َ‬
‫وحديث ُب َر ْيدَ َة ﭬ‪ ،‬ا‬
‫ُ‬
‫َف َم ْن َت َرك ََها َف َقدْ َك َف َر» [رواه الرتمذي وِححه](‪.)2‬‬
‫الر ُج ِل‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬ب ْي َن ا‬ ‫وحديث َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِداهللِ ﭬ قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫ُ‬
‫الص َال ِة»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َو َب ْي َن الشـرل َوا ْل ُك ْف ِر َت ْر ُل ا‬
‫ح ام ُد ﷺ‬ ‫اب ُم َ‬ ‫الرتمذي َع ْن َع ْب ِدال ال ِـه ْب ِن َش ِق ُ‬
‫يق ال ُع َق ْيلِي َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان َأ ِْ َح ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وروى‬
‫َ‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫َال َير ْو َن شـي ًئا مِ َن األَ ْعم ِ‬
‫الص َالة» ‪.‬‬ ‫ال َت ْر ُك ُه ُك ْف ٌر َغ ْي َر ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬كتاب الصالة البن القيم ص (‪( ،)61-42‬دار عالم الفوائد)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)2621‬وابن ماجه (‪ ،)1012‬وأحمد (‪ ،)22231‬وابن حبان (‪ ،)1454‬والحاكم‬
‫(‪ )46/1‬من حديث بريدة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح غريب»‪ .‬وقال الحاكم‪« :‬هذا‬
‫حديث ِحيح اإلسناد‪ ،‬ال تعرف له علة بوجه من الوجوه»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح الاامع (‪.)4143‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )62‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ .)2622‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)660‬وابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪ ،)326/5‬واأللباين يف مشكاة المصابيح (‪.)512‬‬

‫‪320‬‬
‫‪321‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫عوف‪ ،‬وم ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرحمن ِ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم َح الى‪« :‬جاء عن ُع َمر‪،‬‬
‫عاذ‪ ،‬وأبي‬ ‫ُ‬ ‫بن‬ ‫وعبد‬ ‫قال اب ُن حز ُم يف ُ‬
‫َعلم لهؤالء ُمخال ِ ًفا مِ َن‬ ‫ِ‬
‫كفر تارل الصالة‪ ،‬وال ن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغيرهم م َن الصحابة ﭫ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُهريرةَ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الصحابة(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫الثالثة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األئمة‬ ‫الكبائر‪ ،‬وهو قول‬ ‫ِ‬ ‫الرواية الثانية‪ :‬أنه ال يرتد‪ ،‬بل هو مِن أه ِل‬
‫اهلل َت َعا َلى؛ َم ْن َأ ْح َس َن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ودليلهم‪ :‬قول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬خ ْم ُس َِ َل َوات ا ْفت ََر َض ُه ان ُ‬
‫َان َل ُه َع َلى اهللِ َع ْهدٌ َأ ْن َي ْغ ِف َر‬
‫ُو ُضو َء ُه ان َو َِ اال ُه ان ل ِ َو ْقتِ ِه ان َو َأ َت ام ُر ُكو َع ُه ان َو ُخ ُشو َع ُه ان ك َ‬
‫َل ُه‪َ ،‬و َم ْن َل ْم َي ْف َع ْل َف َل ْي َس َل ُه َع َلى اهللِ َع ْهدٌ ؛ إِ ْن َشا َء َغ َف َر َل ُه َوإِ ْن َشا َء َع اذ َب ُه»(‪ ،)2‬وكذا‬
‫دخ ُل الانةَ‪.‬‬ ‫فيم ْن قال‪ :‬ال إله إال اهلل؛ أنه َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عا ام ُة أحاديث الرجاء َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تهاو ُن بأدائِها ِ‬ ‫الم ِ‬
‫واحدة‪ ،‬أم برتكها بالكلية؟‬ ‫ِالة‬ ‫برتل‬ ‫مسألةٌ‪ :‬هل َيك ُفر ُ‬
‫إن كان ُيصلي أحيانًا‬ ‫ِ‬
‫بالكلية‪ ،‬وأ اما ْ‬ ‫فره إذا َتركها‬ ‫حك ُم ب ُك ِ‬ ‫الراجح‪ :‬أناه إناما ُي َ‬
‫حم ُل‬ ‫ِ‬ ‫حك ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َيرتُل أحيانًا‪ ،‬فهو مِن أه ِل‬
‫بكفره‪ ،‬وهبذا َتاتم ُع األدل ُة‪ ،‬ف ُت َ‬ ‫الكبائر‪ ،‬وال ُي َ‬
‫وِالها أحيانًا‪،‬‬ ‫ا‬ ‫مهور القائلين بعدم كفره على َمن َتركها أحيانًا‬ ‫ِ‬ ‫الا‬
‫أحاديث ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫القيم‬ ‫شـيخ اإلسال ِم واب ُن‬ ‫ُ‬ ‫ورجح هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأحاديث ال ُك ِ‬
‫ُ‬
‫فر على التارل لها بالكلية‪ ،‬ا‬
‫ُ‬
‫وشـيخنا اب ُن ُعثيمين‪.‬‬
‫إقراره بوجوبِها؟‬ ‫ِ‬ ‫مسألةٌ‪ :‬من أِـر على تركِها مع‬
‫العلماء حتى مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قول‬ ‫األمر أن َيق ُت َله‪ ،‬وقد وا َف َق على هذا ُ‬
‫أكثر‬ ‫فعلى ولي‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫توحيد‪ ،‬وقد قال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كلمة ال‬ ‫ِ‬
‫حقوق‬ ‫ألن الصال َة مِن‬ ‫بعضهم أناه ال َيك ُفر؛ ا‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫« ُأمِ ْر ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬فإِ َذا َقا ُلوا‪َ :‬ال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل َع َص ُموا‬ ‫ااس َحتاى َي ُقو ُلوا َال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫ت َأ ْن ُأ َقات َل الن َ‬
‫أعظم حقوقِها أدا ُء‬
‫ِ‬ ‫مِني ِد َما َء ُه ْم َو َأ ْم َوا َل ُه ْم إِ اال بِ َحق َها َو ِح َسا ُب ُه ْم َع َلى اهللِ»(‪ ،)3‬ومِن‬

‫(‪ )1‬المحلى (‪.)15/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)425‬وأحمد (‪ )22104‬من حديث عبادة بن الصامت ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح‬
‫الاامع (‪.)3242‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1322‬ومسلم (‪ )21‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪322‬‬

‫ِ‬
‫اجتهاد اإلمامِ؛ ْ‬ ‫المرتد راجع ٌة إلى‬ ‫شـيخ اإلسال ِم ا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فإن‬ ‫أن استتاب َة ُ‬ ‫رجح‬‫الصالة‪ ،‬وقد ا‬
‫وإن رأى عد َم استتابتِه َ‬
‫قبل قتلِه فله ذلك‪.‬‬ ‫الصالة فله ذلك‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫رأى استتاب َة ِ‬
‫تارل‬
‫َ ًْ‬ ‫َ ُ ُ َ ً‬
‫مدا‪ ،‬وال َس ً‬ ‫أرب َع َة َع َ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ه‬ ‫ُ‬
‫هوا‪ ،‬وال جهال)‪.‬‬ ‫َش‪ .‬ال تسقط ع‬ ‫قوهل‪( :‬وأرَكن الصالة ِ‪:‬‬
‫ُ‬
‫والفرق بينها‪:‬‬ ‫وسن ٌَن؛‬‫وواجبات ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أركان‬ ‫الصال ُة لها‬
‫هال‪ ،‬وال َس ْه ًوا‪.‬‬ ‫اإلتيان هبا‪ ،‬وال َتس ُقط ال َج ً‬ ‫ُ‬ ‫ياب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫األركان‬ ‫ا‬
‫أن‬
‫سهوا‬
‫وإن َتركها ً‬ ‫فإن َتركها َع ْمدً ا ب َطلت الصال ُة‪ْ ،‬‬ ‫اإلتيان هبا؛ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫يا ُ‬ ‫والواجبات ِ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫السهو‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بساود‬ ‫وجبِرت‬ ‫ِحت ُ‬ ‫جهال ا‬ ‫أو ً‬
‫ِ‬
‫اإلتيان هبا‪ ،‬وال َتب ُط ُل الصال ُة بتَركها عمدً ا وال ً‬
‫سهوا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والسن ُن َيتأ اكدُ‬ ‫ُّ‬
‫ْ َ َ ُ َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫رض ‪-‬ىلع القاد ِِر‪ -‬منت ِصبا‪ .‬فإن وقف منحنِيا‪ ،‬أو‬ ‫قوهل‪( :‬أحدها‪ :‬ال ِقيام يف الف ِ‬
‫َ ُ ُّ َ ْ ُ‬ ‫َ ه‬ ‫ً َ ُ ْ‬ ‫يث ال ي ُ َس ه‬ ‫ً َ ُ‬
‫َض خفض َرأ ِس ِه‪.‬‬ ‫ري عذر‪ :‬لم ت ِصح‪ .‬وال ي‬ ‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ِم‬ ‫ئ‬ ‫قا‬ ‫َّم‬ ‫مائ ِال ِحب‬
‫َ َ ِ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫وكر َ‬‫ُ‬
‫ري عذر)‪.‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ىلع‬ ‫ه‬ ‫ِيام‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ُ َ ً‬ ‫َِ‬ ‫َ ُ‬
‫َِ‬
‫َ ُ‬
‫رض ‪-‬ىلع القاد ِِر‪ -‬منت ِصبا)‪ :‬فالقيام مع القدرة يف ِالة‬ ‫(أحدها‪ :‬ال ِقيام يف الف ِ‬
‫تص اح‪.‬‬ ‫فإن ِ الى قاعدً ا مع ُقدرتِه على القيا ِم لم ِ‬ ‫الفريضة ركن؛ ْ‬
‫ودلي ُله‪ :‬قولـُه َتعالى‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [البقرة‪ ،]236 :‬وقول رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ْب» [رواه البخاري](‪.)1‬‬ ‫اعدً ا‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َت ْستَطِ ْع َف َع َلى َجن ُ‬
‫«ِل َقائِما‪َ ،‬فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الفرض ما يلي‪:‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب القيام يف‬ ‫ِ‬
‫و ُيستَثنى من‬
‫حبس؛ لقولِه ﷺ‪ :‬ف ُيصلي‬ ‫ُ‬ ‫خوف‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫عن القيا ِم لمرض‪ ،‬أو‬ ‫العاجز ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األول‪:‬‬
‫اعدً ا»‪ ،‬ولقوله ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا مِنْ ُه‬ ‫قاعدً ا؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ‬
‫ْ ْ ْ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم» [متفق عليه](‪.)2‬‬
‫َما ْ‬
‫ون‬‫الصف‪َ ،‬و ُيومِ ُئ َ‬ ‫ِ‬
‫ريان ف ُيصلي قاعدً ا‪ ،‬والعراة يكون إِ َما ُم ُه ْم َم َع ُه ْم في ا‬ ‫الثاين‪ :‬ال ُع ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )1111‬من حديث عمران ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)113‬‬

‫‪322‬‬
‫‪323‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫ُ‬
‫عباس ﭭ(‪.)1‬‬ ‫علي واب ُن‬ ‫إِ َ‬
‫يما ًء‪ ،‬وهبذا قال ُّ‬
‫عن القيامِ؛ ف ُيصلي خل َفه قاعدً ا اقتدا ًء به؛‬ ‫عاجز ِ‬ ‫ُ‬ ‫خلف إما ُم‬
‫َ‬ ‫المصلي‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ُ :‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ بالص ِ‬
‫حابة قاعدً ا‬ ‫ُ‬ ‫لما ِ الى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ا‬ ‫أنس ﭬ ا‬ ‫لحديث‬ ‫هكذا دلت السنة؛‬
‫ون» [متفق‬
‫ِ الوا خل َفه ُقعودا‪ ،‬وفيه‪ :‬قال‪« :‬وإِ َذا ِ الى َق ِ‬
‫اعدً ا َف َص ُّلوا ُق ُعو ًدا َأ ْج َم ُع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫عليه](‪.)2‬‬
‫قادرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مسألة‪ :‬والقيام يف ِالة ال ِ‬
‫فرضا‪ ،‬فتص ُّح م َن القاعد ولو كان ً‬ ‫نافلة ليس ً‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫َان ُي َصلي َل ْي ًال َط ِو ًيال َقائِ ًما‪،‬‬ ‫َ‬ ‫لحديث عائش َة ڤ ا‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫على القيامِ؛‬
‫و َلي ًال َط ِو ًيال َق ِ‬
‫اعدً ا» [رواه مسلم](‪.)3‬‬ ‫َ ْ‬
‫القائم؛ روى‬ ‫ِ‬ ‫نصف ِ‬
‫أجر‬ ‫ُ‬ ‫إن ِ الى قاعدً ا وهو ٌ‬
‫قادر على القيامِ‪ ،‬فله‬ ‫لكن ْ‬ ‫ْ‬
‫البخاري عن عمران قال‪ :‬سألت رسول اهلل ﷺ عن ِالة الرجل قاعد ًا‪ ،‬فقال‪« :‬إِ ْن‬
‫ف َأ ْج ِر ال َقائِ ِم‪َ ،‬و َم ْن َِ الى نَائِ ًما‪َ ،‬ف َل ُه‬
‫اعدً ا‪َ ،‬ف َل ُه ن ِ ْص ُ‬
‫ِ الى َقائِما َفهو َأ ْف َض ُل ومن ِ الى َق ِ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫ً َُ‬ ‫َ‬
‫اع ِد»(‪.)4‬‬
‫ف َأج ِر ال َق ِ‬
‫ن ْص ُ ْ‬
‫ِ‬
‫وروى مسلم من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ َِ « :‬ال ُة‬
‫الص َال ِة»(‪.)5‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ِل َقاعدً ا َع َلى ن ْصف ا‬
‫ا‬
‫وعليه فالصالة مع القيام نوعان‪ِ :‬الة الفريضة‪ ،‬فالقيام فيها مع القدرة ركن‪.‬‬
‫وِالة النافلة‪ ،‬فالقيام فيها مستحب‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫يث ال ي َس ه‬ ‫ً َ ُ‬ ‫ْ َََ ُ َ ً‬
‫أي‬‫ري عذر‪ :‬لم ت ِصح)‪ْ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ِم‬ ‫ئ‬‫قا‬ ‫َّم‬ ‫حب‬
‫ِ‬ ‫ِال‬ ‫ئ‬ ‫ما‬ ‫أو‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ي‬‫(إن وقف منحنِ‬
‫يكون قِيا ًما تاما َيصدُ ق عليه ُ‬
‫لفظ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫القادر ْ‬
‫أن‬ ‫الفريضة مِ َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫ِ‬
‫لصحة القيا ِم يف‬ ‫ال ُبدا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس؛ ْ‬
‫فإن‬ ‫سمى قيا ًما عندَ‬ ‫والضابط فيه َيرج ُع إلى ال ُعرف؛ وهو ما ُي ا‬ ‫ُ‬ ‫«ِ الى ً‬
‫قائما»‪،‬‬
‫ِ‬
‫الرزاق (‪.)564/2‬‬ ‫(‪ )1‬مصنف ِ‬
‫عبد‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)662‬ومسلم (‪ )411‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )130‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ .)4‬ورواه البخاري يف ِحيحه (‪)1115‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪.)135‬‬

‫‪323‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪324‬‬

‫يأت بالقيا ِم المشـرو ِع‪ ،‬وال يازئه ذلك‪،‬‬ ‫ذر لم ِ‬ ‫لغير ُع ُ‬ ‫ظاهرا ِ‬ ‫كان ُمنحن ِ ًيا انحنا ًء‬
‫ً‬
‫ويكون َترل ُركنًا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رأسه َ‬ ‫َ ُ ُّ َ ْ ُ َ‬
‫اإلطراق‬ ‫كهيئة‬ ‫حال القيا ِم‬ ‫المصلي َ‬ ‫(وال يَض خفض رأ ِس ِه)‪ :‬إذا خ َفض ُ‬
‫القيامِ‪.‬‬ ‫ألن الرأس ليس لـه َعالق ٌة بمسمى ِ‬ ‫سمه وظهره ُمنتص ًبا؛ ا‬ ‫ِ‬
‫ُ ا‬ ‫َ‬ ‫لم َيضـره ما دام ج ُ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫وكر َ‬ ‫ُ‬
‫واحدة ور َفع‬ ‫ري عذر)‪ :‬فلو قام على ِر ْج ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ىلع‬ ‫ه‬ ‫ِيام‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫( ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫خرى بال ُع ُ‬
‫قائما‪.‬‬
‫سمى ً‬ ‫خالف سن َة رسول اهلل ﷺ و ُتاز ُ ِال ُته؛ ألناه ُي ا‬ ‫َ‬ ‫ذر‪ ،‬ف َقدْ‬ ‫األُ َ‬
‫ُ ُُ َ َُ َُ ُ‬ ‫اَّلل َ ُ‬ ‫هُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫أكَب»‪ ،‬ال َي ِزئه غريها‪ .‬يقوَلا‪:‬‬ ‫اإلحر ِام‪ .‬ويه‪« :‬‬ ‫قوهل‪( :‬اثلاين‪ :‬تك َبِرية‬
‫َ ه َ ً‬ ‫ابت َدأها‪ ،‬أو َأت همها َغ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ري قائ ِِم‪ :‬صحت نفال‪.‬‬ ‫قائ ِما‪ .‬فإن‬
‫َ َ َْ‬ ‫مز َة « َ‬ ‫اَّلل»‪ ،‬أو َه َ‬ ‫ْ َه َ ََ ه‬ ‫َ َ ُ ْ َه ه َ‬
‫أكَب»‪ ،‬أو قال‪ :‬أكبار‪،‬‬ ‫وتنع ِقد إن مد الالم‪ ،‬ال إن مد همزة «‬
‫َ‬
‫األكَب‪.‬‬ ‫أو‪:‬‬
‫ُ ُ َ َ ُ َ ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ ُ ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫جب بِقد ِر ما يس ِمع نفسه‪ :‬فرض)‪.‬‬ ‫وجهره بِها‪ ،‬وبِكل ركن ووا ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫الصالة إال هبا؛ لقوله ﷺ‬ ‫دخ ُل يف‬ ‫اإلحر ِام)‪ :‬وهي ركن ال َي ُ‬ ‫(اثلاين‪ :‬تكبِرية‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَة َف َكب ْر» [متفق عليه] ‪ .‬ولقوله ﷺ‪«:‬م ْفت ُ‬
‫َاح‬ ‫للمسـيء ِال َته‪« :‬إِ َذا ُق ْم َت إِ َلى ا‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم» [أخرجه أبو داود‪ ،‬والرتمذي] ‪.‬‬ ‫يم َها الت ْاكبِ ُير‪َ ،‬و َت ْحلي ُل َها الت ْاسل ُ‬ ‫ور‪َ ،‬و َت ْح ِر ُ‬ ‫الص َالة ال ُّط ُه ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ا‬
‫ِ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هُ َُ‬
‫اهلل أك َب ُر»‪ ،‬فلو قال‪:‬‬ ‫غير لفظ‪ُ « :‬‬ ‫(ويه‪« :‬اَّلل أكَب»‪ ،‬ال َي ِزئه غريها)‪ :‬فال ُياز ُ ُ‬
‫العلماء؛ ألناه لم ُين َق ْل عن‬ ‫ِ‬ ‫قول عا ام ِة‬ ‫الرحمن أكرب‪ ،‬أو اهلل العظيم لم ياز ‪ ،‬وهذا ُ‬
‫واز‪،‬‬‫الا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫غيره لقاله ولو مر ًة لبيان َ‬ ‫التكبير‪ ،‬ولو كان ُياز ُ ُ‬ ‫غير‬
‫رسول اهلل ﷺ أناه قال َ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر‪ ،‬وقد ذكَر‬ ‫نعقدُ ِ‬ ‫أن الصال َة ال َت ِ‬ ‫والعبادات توقيفيةٌ‪ ،‬فدَ ال ذلك على ا‬
‫بغير لفظ ُ‬ ‫ُ‬
‫خمس ُح َا ُج على ذلك(‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫القيم‬ ‫اب ُن‬
‫المعنَى يف‬ ‫أن العبدَ إذا استَحضـر هذا َ‬ ‫بـ(اهلل أك َب ُر)‪ :‬ا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االفتتاح‬ ‫ومن الحكمة يف‬
‫ف أما َمه‬ ‫أن ِيق َ‬ ‫قلبِه‪ ،‬وأناه ال شـي َء أكربُ مِ َن اهللِ أعطى الموقف حقه واستَح َيا مِ َن اهللِ ْ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)151‬ومسلم (‪ )321‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)30‬‬
‫الس ِ‬
‫نن (‪.)42/1‬‬ ‫(‪ )3‬هتذيب ُّ‬

‫‪324‬‬
‫‪325‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫والخ َطرات‪.‬‬ ‫ِ‬


‫الوساوس َ‬ ‫ِ‬
‫أودية‬ ‫هيم يف‬ ‫با ِ‬
‫سمه‪ ،‬وقل ُبه َي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ه َ ً‬ ‫َه َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ً‬ ‫َُ ُ‬
‫ياب ْ‬
‫أن ُيكب َر‬ ‫(يقوَلا‪ :‬قائ ِما‪ .‬فإن ابتدأها‪ ،‬أو أتمها غري قائ ِِم‪ :‬صحت نفال)‪ :‬ف ُ‬
‫ِحت‬ ‫عذر ا‬ ‫فإن ك ابر وهو قاعدٌ بال ُ‬
‫ركن‪ْ ،‬‬‫القيام ٌ‬
‫َ‬ ‫قائم؛ ا‬
‫ألن‬ ‫لإلحرا ِم يف الفرض وهو ٌ‬
‫فرضا‪ ،‬وإن كان لعذر ِحت فرضًا‪.‬‬ ‫نفال ال ً‬
‫ً‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ ُ ْ َه‬
‫(وتنع ِقد إن مد الالم)‪ :‬فهذا األداء مازء يف التكبير‪ ،‬واألولى فيه الازم وعدم‬
‫مده‪.‬‬
‫قال إبراهيم النخعي‪ :‬التكبير جزم‪ ،‬والسالم جزم ‪-‬أي قطع فال يمد‪ -‬وإنما‬
‫يحذف ويسرع‪ ،‬فإن مده بما ال يحيل المعنى وال لحن فيه أجزأ‪.‬‬
‫َ‬
‫األكَب)‪ :‬فال ُي ِ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫مز َة « َ‬ ‫ْ َ ه َ ََ ه‬
‫اَّلل»‪ ،‬أو َه َ‬
‫از ُ‬ ‫أكَب»‪ ،‬أو قال‪ :‬أكبار‪ ،‬أو‪:‬‬ ‫(ال إن مد همزة «‬
‫ِ‬ ‫اهلل أكربُ»‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لحن لحنًا‬ ‫فإن غ ايره لم يص اح‪ ،‬فلو َ‬ ‫غير اللفظ الوارد « ُ‬ ‫يف تكبيرة اإلحرا ِم ُ‬
‫باللفظ الشـرعي الذي جاء به‬ ‫ِ‬ ‫از ْ ؛ ألناه لم َيصدُ ْق عليه أناه أتى‬ ‫حيل المعنى لم ُت ِ‬ ‫ُي ُ‬
‫اهلل»‬ ‫مثل‪ْ :‬‬
‫أن َي ُمد همز َة « ُ‬ ‫المؤلف أمثل ًة مما َيتغ اير فيها المعنى‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ؛ وذكَر‬
‫ُ‬
‫يصـير استفها ًما‪،‬‬ ‫نعقدُ الصال ُة هبا؛ ألناه‬ ‫أو «أكربُ»‪ ،‬فيقول‪« :‬ءآهلل» أو «ءآكرب»‪ ،‬فال َت ِ‬
‫ُ‬
‫َ َ َْ‬
‫(أو قال‪ :‬أكبار)‪ ،‬فيزيد ألفًا فيصـير جمع َك َب ُر‪َ ،‬و ُه َو ال اط ْب ُل‪.‬‬
‫وأما إن مده مع بقاء المعنى كره وِحت ِالته‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫كن َ‬‫ُ ِّ ُ ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫جب بِقد ِر ما يس ِمع نفسه‪ :‬فرض)‪ :‬النطق‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫وو‬ ‫هره بِها‪ ،‬وبِكل ر‬ ‫(وج‬
‫فرض؛ سوا ٌء كان إما ًما أو ُم ِ‬
‫نفر ًدا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبالتسليم ٌ‬ ‫ِ‬
‫بتكبيرة اإلحرا ِم‬
‫ُ ُ َ َ ُ َ ٌ‬ ‫َ ْ‬
‫(بِقد ِر ما يس ِمع نفسه‪ :‬فرض)‪ :‬أي ياب على المصلي أن ياهر بالقراءة يف‬
‫ِالة السر ويف التكبير وما يف معناه بقدر ما يسمع نفسه‪،‬؛ ألنه ال يكون كالمًا‬
‫بدون ِوت‪ ،‬وهو ما يتأتى سماعه حيث ال مانع وهذا المذهب‪ ،‬وعليه األِحاب‬
‫واختار شيخ اإلسالم االكتفاء باإلتيان بالحروف‪ ،‬وإن لم يسمعها‪ ،‬وذكره وجها يف‬
‫المذهب قال المرداوي‪ :‬والنفس تميل إليه؛ ألنه لم يرد يف النصوص ما يوجبه‪،‬‬

‫‪325‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪326‬‬

‫والتسهيل يف هذا أولى(‪.)1‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بم ِ‬ ‫أن ير َفع ِو َته ِ‬
‫ين يف التكبير‬ ‫قدار ما ُيسم ُع المأموم َ‬ ‫وجب عليه ْ َ َ‬ ‫فإن كان إما ًما َ‬ ‫ْ‬
‫الواجب إال به فهو‬ ‫ُ‬ ‫ألن متابعتَه واجبةٌ‪ ،‬وما ال يتِ ُّم‬ ‫تمكنوا مِن متابعتِه؛ ا‬ ‫والتسليم ل َي ا‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه‪َ ،‬فإِ َذا َِ الى َقائِ ًما‪َ ،‬ف َص ُّلوا‬ ‫ُ‬ ‫واجب‪ .‬وقد قال‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫اهلل ل ِ َم ْن َح ِمدَ ُه‪َ ،‬ف ُقو ُلوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق َيا ًما‪َ ،‬فإِ َذا َرك ََع‪َ ،‬ف ْار َك ُعوا‪َ ،‬وإِ َذا َر َف َع َف ْار َف ُعوا‪َ ،‬وإِ َذا َق َال‪َ :‬سم َع ُ‬
‫الح ْمدُ ‪[ »...‬متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫َر ابنَا َو َل َك َ‬
‫اللسان‪ ،‬فياب يف‬ ‫ِ‬ ‫إمرار على‬ ‫ُ‬ ‫التكبير ب َقلبِه مِن ِ‬
‫غير‬ ‫ُ‬ ‫نفر ًدا‪ :‬فال ياز‬ ‫وإن كان ُم ِ‬ ‫ْ‬
‫تكبيرة اإلحرام وغيرها من الواجبات القولية يف الصالة من ذكر وقراءة أن يحرل‬
‫لسانه مع القدرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الفاحتَ ِة ُم َرتبة‪ .‬وفِيها‪ :‬إح َدى ع َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫َشة تش ِديدة‪ ،‬فإن ت َرك‬ ‫ِ‬ ‫اثلال ِث‪ :‬ق َِر َ‬
‫اءة‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫ْ َ َ ْ ه ًَ َ َ‬ ‫َ ََ َ َ َ ه‬ ‫َ ً َ َ‬ ‫َ ً‬
‫عرف إال آية‪ :‬ك هر َرها‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫فإن‬ ‫‪.‬‬‫ح‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫‪:‬‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫أت‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ول‬ ‫ا‪،‬‬ ‫رف‬ ‫ح‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫حدة‬ ‫وا ِ‬
‫َ ْ‬
‫ً َ َ ََ‬ ‫ها‪.‬‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫بِق‬
‫َ َُُ ً َ ه‬ ‫َََ‬ ‫َ‬
‫ومن امتنعت ق ِراءته قائ ِما‪ :‬صىل قاعِدا وقرأ)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الفاحتَةِ)‪ِ :‬‬ ‫ه ُ َ َُ‬
‫مذهب‬
‫ُ‬ ‫ركن‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫ركعة‬ ‫الفاتحة يف كل‬ ‫فقراء ُة‬ ‫ِ‬ ‫(اثلال ِث‪ :‬ق ِراءة‬
‫مهور الع ِ‬
‫لماء‪ ،‬ويدُ ُّل لـه‪:‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫ُج‬
‫َاب» [متفق عليه](‪ .)3‬وقو ُله‬ ‫ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪َ « :‬‬ ‫ِ‬ ‫قول‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج» َث َال ًثا « َغ ْي ُر َت َما ُم» [رواه‬ ‫يها بِ ُأم ا ْل ُق ْرآن َف ِه َي خدَ ٌ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬م ْن َِ الى َِ َال ًة َل ْم َي ْق َر ْأ ف َ‬
‫مسلم](‪.)4‬‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن مِ َن ال ُّظ ْه ِر َوال َعصـر‬ ‫ِ‬
‫َان النابِ ُّي ﷺ َي ْق َر ُأ في ا‬ ‫وحديث َأبِي َقتَا َد َة َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪.)44/2‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)156‬ومسلم (‪ )324‬من حديث عبادة بن الصامت ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )325‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫‪327‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫ور ُة‪َ ،‬و ُي ْس ِم ُعنَا اآل َي َة َأ ْح َيانًا» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫ورة ُس َ‬


‫َاب‪ ،‬وس ُ‬
‫بِ َفات َحة الكت ِ َ ُ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫الفاتحة يف كل‬ ‫ِ‬ ‫ِحيح يف تع ُّي ِن‬ ‫ٌ‬
‫وحديث‬ ‫ِـريح‪،‬‬ ‫نص‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رطبي‪« :‬وهذا ٌّ‬ ‫قال الق ُّ‬
‫السنة ال فيما خا َل َفها»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫لمن أبى ذلك‪ ،‬والحا ُة يف‬ ‫ركعة خال ًفا َ‬
‫ُ هًَ‬
‫(م َرتبة)‪ :‬ياب أن تكون مرتبة حسب آي المصحف‪ ،‬وهكذا أنزلت‪.‬‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ ً َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ً ْ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ ََ َ‬
‫أت بِما ت َرك‪ :‬لم‬ ‫حدة‪ ،‬أو حرفا‪ ،‬ولم ي ِ‬ ‫َشة تش ِديدة‪ ،‬فإن ت َرك وا ِ‬ ‫(وفِيها‪ :‬إحدى ع‬
‫ُ‬ ‫بالفاتحة كلها‪ ،‬وال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ه‬
‫بشـيء منها؛ فإن أخل بحرف منها‬ ‫خ ُّل‬ ‫ُ‬ ‫اإلتيان‬ ‫ت ِصح)‪ :‬فياب‬
‫أو شدة‪ ،‬لم تصح‪ ،‬ألنه لم يقرأها كلها‪ ،‬والشدة أقيمت مقام حرف‪ ،‬وإن خفف‬
‫والراء مِن‬ ‫ِ‬ ‫كالباء مِن « َرب العالمين»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الشدة ِح‪ ،‬ألنه كالنطق به مع العالة‬
‫الرحيم»‪.‬‬ ‫حمن ا‬ ‫الر ِ‬‫« ا‬
‫ه َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ف الفاتح َة وال‬ ‫عر ُ‬ ‫المصلي ال َي ِ‬ ‫(فإن لم يع ِرف إال آية‪ :‬كررها بِقد ِرها)‪ :‬إذا كان ُ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫الصالة‪ ،‬فإناه َيقر ُأ ما َتيسـر لـه مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬‫قدر على تع ُّل ِمها َ‬ ‫يح َف ُظها ولم ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قدارها؛ ل ُعمو ِم قولِـه َتعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬ ‫بم ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ قال له‪« :‬إِ َذا ُقم َت إ ِ َلى الصال َةِ‬ ‫َ‬ ‫المسـيء يف ِالتِه ا‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولحديث‬
‫ا‬ ‫ْ‬
‫آن» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫َف َكبر‪ُ ،‬ثم ا ْقر ْأ ما َتيسـر مع َك مِن ال ُقر ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ا َ َ َ‬
‫َ َ َ ْ‬
‫(ك هر َرها بِقد ِرها)‪ :‬فإن كان ال يعرف الفاتحة فإنه ُيكرر ما َيح َف ُظه منه‪ ،‬أو َيقر ُأ‬
‫عد ُل‬ ‫رآن‪ ،‬فإناه ي ِ‬ ‫ف شـي ًئا مِن ال ُق ِ‬ ‫عر ُ‬ ‫فإن كان ال َي ِ‬ ‫از ُئه ذلك‪ْ ،‬‬ ‫قدارها و ُي ِ‬ ‫بم ِ‬ ‫سور ًة ُأخرى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حول‬ ‫واهلل أكربُ‪ ،‬وال َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيقول‪ُ « :‬س َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪ُ ،‬‬ ‫بحان اهلل‪ ،‬والحمدُ هلل‪ ،‬وال إل َه إال ُ‬ ‫التسبيح‬ ‫إلى‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫شـيء مِ َن‬ ‫از ُئه إذا لم ي ِ‬ ‫ُ‬
‫كلمات ُت ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫قدر على‬ ‫َ‬ ‫وال ُقو َة إال باهلل»‪ ،‬وهذه خ ُ‬
‫مس‬
‫ويدُ ُّل لـه‪ :‬ما َرواه النسائي‪َ ،‬ع ِن ا ْب ِن َأبِي َأ ْو َفى ﭬ َق َال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى النابِي ﷺ‬
‫ُّ‬
‫آن‪َ ،‬فعلمنِي شـي ًئا يا ِز ُئنِي مِن ا ْل ُقرآن‪ِ.‬‬
‫آخ َذ شـي ًئا مِن ا ْل ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َف َقالَ‪« :‬إِني َال َأ ْستَط ُ‬
‫يع َأ ْن ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)162‬ومسلم (‪ )451‬من حديث أبي قتادة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬تفسـير القرطبي (‪.)145/1‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬

‫‪321‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪328‬‬

‫ان ال ال ِـه‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ لِله‪َ ،‬و َال إِ َل َه إِ اال ال الـ ُه‪َ ،‬وال الـ ُه َأ ْك َب ُر‪َ ،‬و َال َح ْو َل َو َال ُق او َة‬‫َف َق َال‪ُ :‬ق ْل‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫إِ اال بِاهللِ»(‪.)1‬‬
‫القرآن‪ْ -‬‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫عاز قر َأ ما تيسـر لـه مِ َن‬ ‫فإن َ‬
‫ِ‬
‫الفاتحة ‪ْ -‬‬ ‫ثالث‪ :‬قراء ُة‬ ‫ٌ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫فالمرات ُ‬
‫ِ‬
‫الشـريعة‪.‬‬ ‫فالتسبيح والتحميدُ على ما ُذكِر‪ ،‬وهذا مِن ُيسـر‬ ‫عاز‬
‫َ ُ َ َُ ْ َ َ َ ْ َ ُ ُ َ ً َ ه َ ً َ َ َ َ‬
‫اءته قائ ِما‪ ،‬صىل قاعِدا وقرأ)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ومن امتنعت ق ِر َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وِ الى قاعدً ا؛ ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألن‬ ‫إذا عاز عن الام ِع بي َن القيا ِم وقراءة الفاتحة‪َ ،‬قدا م القراء َة َ‬
‫الفاتحة آ َكدُ وال بدل لها من جنسها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قريب منه وهو ال ُقعو ُد‪ ،‬وقِراء ُة‬ ‫يام له َبدَ ٌل‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الق َ‬
‫خلف‬ ‫َ‬ ‫ياب على المأمو ِم قِراء ُتها‬ ‫ُ‬ ‫عن المأمومِ‪ ،‬أو‬ ‫تحم ُل اإلما ُم الفاتح َة ِ‬ ‫وهل َي ا‬
‫إمامِه؟‬
‫ِ‬
‫األقوال فيها ثالثةٌ‪:‬‬ ‫وأشه ُر‬
‫َ‬ ‫اخ َت َلف العلما ُء فيها‬
‫ِ‬
‫السـرية‬ ‫ب على المأمومِ؛ يف‬ ‫المذهب‪ :‬أن اإلمام يتحملها عن المأموم فال ِ‬
‫تا ُ‬
‫ِ‬
‫المالكية‪.‬‬ ‫مذهب‬ ‫والاه ِ‬
‫رية‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫لقوله َتعالى‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األعراف‪:‬‬

‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه؛ َفإِ َذا َك اب َر َف َكب ُروا‪َ ،‬وإِ َذا َق َر َأ َف َأن ِْص ُتوا»‬
‫‪ .]204‬وقوله ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ْ ِ‬
‫َ‬
‫[رواه مسلم] ‪ .‬و َق ْوله‪َ « :‬وإِذا َق َر َأ فأنصتوا» [ِححها‪ :‬أحمد‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وابن حزمُ‪ ،‬وأعلها‪ :‬يحيى بن‬
‫(‪)2‬‬

‫علي النيسابوري‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬والبيهقي](‪.)3‬‬ ‫معين‪ ،‬وأبو حاتم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وأبو ُ‬

‫اإل َما ِم َل ُه قِ َرا َء ٌة»(‪.)4‬‬


‫َان َل ُه إمام َف ِقراء ُة ْ ِ‬
‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن ك َ َ ٌ َ َ‬

‫(‪ )1‬رواه النسائي يف الماتبى (‪ ،)224‬وأبو داود (‪ ،)632‬وأحمد (‪ ،)12110‬وابن خزيمة (‪ ،)544‬وِححه‬
‫ابن حبان (‪ ،)1602‬والحاكم (‪ ،)361/1‬من حديث ابن أبي أوىف ﭬ‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)303‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )404‬من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدر المنير (‪.)462/4‬‬
‫سنده َجابِ ٌر ا ْل ُا ْع ِف ُّي‪ ،‬وهو‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه (‪ ،)650‬وأحمد (‪ )14643‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪ .‬ويف ِ‬
‫والصحيح َوق ُفه‪ .‬قال البيهقي‪« :‬والمحفوظ عن جابر يف هذا الباب من قوله غير مرفوع»‪ .‬نصب‬‫ُ‬ ‫وح‪،‬‬
‫َم ْا ُر ٌ‬
‫الراية (‪ ،)1/2‬التلخيص الحبير (‪.)566/1‬‬

‫‪326‬‬
‫‪329‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫السـرية والا ِ‬
‫هرية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ب على المأمو ِم ُمطل ًقا؛ يف‬ ‫والقول الثاين‪ :‬أهنا ِ‬
‫َ‬ ‫تا ُ‬
‫ِ‬
‫ُّصوص‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مومات الن‬ ‫واستَد ُّلوا ب ُع‬
‫َاب» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ‬ ‫كحديث‪َ « :‬‬‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج» َث َال ًثا‪َ « ،‬غ ْي ُر َت َما ُم»‬ ‫يها بِ ُأم ا ْل ُق ْرآن َف ِه َي خدَ ٌ‬ ‫وحديث‪َ « :‬م ْن َِ الى َِ َال ًة َل ْم َي ْق َر ْأ ف َ‬
‫[رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫ول اهللِ‬ ‫وحسنه عن ُعباد َة ﭬ قال‪ َِ :‬الى بِنَا َر ُس ُ‬ ‫والرتمذي‬ ‫وما َرواه أبو داو َد‪،‬‬
‫ا‬ ‫ُّ‬
‫يها بِا ْل ِق َرا َء ِة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْل َت َب َس ْت َع َل ْي ِه ا ْل ِق َرا َء ُة‪َ ،‬ف َل اما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص َل َوات ا التي َي ْا َه ُر ف َ‬ ‫ﷺ َب ْع َض ا‬
‫ت بِا ْل ِق َرا َء ِة؟»‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُضنَا‪:‬‬ ‫ْصـرف َأ ْق َب َل َع َل ْينَا بِ َو ْج ِه ِه‪َ ،‬و َق َال‪َ « :‬ه ْل َت ْق َر ُء َ‬
‫ون إِ َذا َج َه ْر ُ‬ ‫َ‬ ‫ان‬
‫ُ‬
‫شـيء م ِ َن‬ ‫آن‪َ ،‬ف َال َت ْق َر ُءوا بِ‬‫َاز ُعنِي ا ْل ُق ْر ُ‬‫ول‪َ :‬ما لِي ُين ِ‬ ‫إِناا ن َْصن َُع َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َال‪َ ،‬و َأنَا َأ ُق ُ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ا ْل ُقر ِ‬
‫قطني‪ :‬إسنا ُده حسن]‪.‬‬ ‫الدار ُّ‬ ‫ِـريح‪[ ،‬وقال َ‬ ‫ٌ‬ ‫نص‬ ‫ت إِ اال بِ ُأم ا ْل ُق ْرآن» ‪ ،‬وهذا ٌّ‬ ‫آن إِ َذا َج َه ْر ُ‬ ‫ْ‬
‫شـريك أنه سأل عمر عن‬ ‫ُ‬ ‫وروى الدارقطني وِححه الحاكم عن يزيد بن‬
‫القراءة خلف اإلمام‪ ،‬فقال‪« :‬اقرأ بفاتحة الكتاب‪ ،‬قلت‪ :‬وإن كنت أنت؟ قال‪ :‬وإن‬
‫كنت أنا‪ ،‬قلت‪ :‬وإن جهرت؟ قال‪ :‬وإن جهرت»(‪.)4‬‬
‫خاري‪ ،‬والشوكاينُّ‪،‬‬ ‫رطبي‪ ،‬وال ُب‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬ ‫ورجحه اب ُن حزمُ‪ ،‬والق ُّ‬
‫مذهب الشافعي‪ ،‬ا‬ ‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ِ‬
‫حديث ُعباد َة وأبي ُهرير َة ﭬ‬ ‫ِ‬
‫لصـراحة‬ ‫شاكر‪ ،‬واب ُن ُ‬
‫باز‪ ،‬واب ُن ُعثيمين؛‬ ‫وأحمدُ‬
‫ٌ‬
‫الساب َق ِ‬
‫ين‪.‬‬
‫ِ‬
‫الفاتحة‬ ‫ُ‬
‫وتكون سور ُة‬ ‫ِ‬
‫الفاتحة‪،‬‬ ‫األول على ِ‬
‫غير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫َ‬
‫أحاديث‬ ‫وحملوا‬
‫خاري‬ ‫ِ‬
‫بحديث ُعباد َة وأبي ُهرير َة وقد أ الف فيها ال ُب‬ ‫ِ‬
‫باإلنصات‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫مخصوِ ًة مِ َن‬
‫ُّ‬
‫الوجوب ُمطل ًقا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ورجح‬
‫ُجز ًءا ُمفر ًدا‪ ،‬ا‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)326‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)326‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)624‬والرتمذي (‪ )311‬من حديث عبادة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث عبادة حديث‬
‫حسن»‪ .‬وضعفه األلباين يف ضعيف أبي داود (‪.)141‬‬
‫(‪ )4‬رواه الدارقطني (‪ ،)25/2‬وقال‪« :‬رواته كلهم ثقات»‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪330‬‬

‫الاهرية‪ ،‬وهذا رواي ٌة عن‬ ‫ِ‬ ‫ب يف‬ ‫السـرية وال ِ‬‫ِ‬ ‫والقول الثالث‪ :‬أهنا ِ‬
‫تا ُ‬ ‫ب يف‬‫تا ُ‬
‫بين‬
‫جمع َ‬ ‫القول له وجاهته وفيه َ‬ ‫ُ‬ ‫شـيخ اإلسالمِ‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫ورجحه‬
‫ا‬ ‫اإلمام أحمدَ ‪،‬‬
‫القولين الساب َق ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صوص‬ ‫ُن‬
‫ف إمامِه‪ ،‬ويحتاأ لصالته و َيتح اي ُن‬ ‫ِ‬
‫الفاتحة حتى َخ ْل َ‬ ‫فعلى المأمو ِم قراء ُة‬
‫تات إمامه‪ ،‬فإ ْن لم َي ْقر ْأها يف الاهرية فصال ُته ِحيحةٌ‪ ،‬قال اإلما ُم أحمدُ ‪« :‬ما‬ ‫سك ِ‬
‫َ‬
‫از ُ ِال ُة َمن‬ ‫راءة ال ُت ِ‬‫بالق ِ‬
‫إن اإلمام إذا جهر ِ‬ ‫علِمنا أحدً ا مِن أه ِل اإلسال ِم ُ‬
‫يقول‪ :‬ا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قر ْأ»(‪.)1‬‬
‫خل َفه إذا لم َي َ‬
‫ََ‬ ‫ُ ُ ُ ُ َ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين‪ِ ،‬حبَيث يمكِنه مس ُركبتي ِه‬ ‫وع‪ .‬وأقل ُه‪ :‬أن َين َح ِ َ‬ ‫ُ ُّ ُ‬
‫الرابِــــع‪ :‬الرك‬ ‫قوهل‪ ( :‬ه‬
‫َ ُ ه َ َُ ُ َ ً َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ ه‬
‫حياهلُ)‪.‬‬ ‫بِكفي ِه‪ .‬وأكمله‪ :‬أن يمد ظهره مستويا‪ ،‬وَيعل رأسه ِ‬
‫ُ ُّ ُ ُ‬ ‫( ه‬
‫الركوع)‪ :‬ويدل له قوله َتعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖﮗ ﮘ‬ ‫الرابِــــع‪:‬‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحج‪.]11 :‬‬
‫الصال َِة َف َكب ْر‪ُ ،‬ث ام ا ْق َر ْأ َما َت َيسـر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسـيء يف ِالته‪ ،‬وفيه‪« :‬إِ َذا ُق ْم َت إ ِ َلى ا‬ ‫حديث ُ‬ ‫ُ‬ ‫و‬
‫آن‪ُ ،‬ث ام ْارك َْع َحتاى َت ْط َمئِ ان َراكِ ًعا ‪.)2(»...‬‬ ‫مع َك مِن ال ُقر ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫فرضا(‪.)3‬‬ ‫اإلجماع على كونِه ً‬ ‫َ‬ ‫ون َقل اب ُن حز ُم‬
‫وأكمل ُه‪ :‬أن َي ُم هد َظ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ه‬ ‫َ ُّ‬
‫هرهُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ُ ُ ُ َ ُّ‬
‫ين‪ِ ،‬حبَيث يمكِنه مس ُركبتي ِه بِكفي ِه‪.‬‬ ‫(وأقل ُه‪ :‬أن َي ْن َح ِ َ‬
‫ُ َ ً َ ََ َ ُ َ َ‬
‫حياهلُ)‪ :‬للركوع ِفتان‪ :‬مازئةٌ‪ ،‬ومستحب ٌة‪.‬‬ ‫مستويا‪ ،‬وَيعل رأسه ِ‬
‫المعت َِد ِل‬
‫يكون إلى الركو ِع ُ‬ ‫َ‬ ‫بك افيه‪ْ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ويمس ركبتيه َ‬ ‫ا‬ ‫أن َينحن ِ َي‬ ‫فالماز ُئة‪ْ :‬‬ ‫ُ‬
‫أقر َب منه إلى القيا ِم الم ِ‬
‫عتدل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ستو ًيا‪ ،‬و َيا َع َل‬ ‫ظهره ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َيف َع ُلها‪ْ :‬‬
‫أن َي ُمدا‬ ‫ُ‬ ‫والمستح اب ُة‪ :‬التي كان‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أخ ال بشـيء من‬ ‫فإن َ‬ ‫ِ‬
‫لظهره‪ ،‬ويقبض ركبتيه بكفيه‪ُ ،‬م َف ار َجت َِي األِابعِ‪ْ ،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رأسه ُم ِ‬
‫ساو ًيا‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)262/2‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬
‫(‪ )3‬مراتب اإلجماع ص (‪.)26‬‬

‫‪330‬‬
‫‪331‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫الركو ِع ُع ْر ًفا‪.‬‬
‫اسم ُّ‬‫ذلك َأ ْجزأه ما دام َيصدُ ق عليه ُ‬
‫رب بِ ْاألَ ُكف َع َلى‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫قال‪ُ « :‬أم ْرنَا َأ ْن نَضـ َ‬ ‫سعد ﭬ َ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫ودليل هذه الهيئة‪:‬‬
‫ميد ﭬ‪« :‬كان إ ِ َذا َرك ََع َأ ْم َك َن َيدَ ْي ِه مِ ْن ُر ْك َب َتيْ ِه‪،‬‬ ‫وحديث أبي ح ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َب» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫الرك ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُث ام َهصـر َظ ْه َر ُه» [رواه البخاري](‪.)2‬‬
‫ص‬ ‫وحديث عائش َة ڤ‪« :‬وكان إذا ركَع لم ُيشخ ْ‬
‫رأسه ولم ُيصو ْبه‪ ،‬ولك ْن بي َن ذلك» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َُ َ َ َ َ َ َ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫قصد غريه‪ .‬فلو رفع فزاع مِن َشء‪ :‬لم‬ ‫قوهل‪( :‬اخلامِس‪ :‬الرفع مِنه‪ .‬وال ي ِ‬
‫َ ْ‬
‫يك ِف)‪.‬‬
‫ركن‪ ،‬ويشرتأ أن يقصد الرفع؛ ألنه عباد ٌة تفتقر إلى النية‪،‬‬ ‫والرفع من الركوع ٌ‬
‫فزعا ولم ينو الرفع من الركوع لم يكف‪ ،‬فيرجع إلى الركوع ويتمه‪.‬‬ ‫فلو رفع رأسه ً‬
‫َ ُ ُ ْ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬السادِس‪ :‬االعتِدال قائ ِما‪ .‬وال تبطل إن طال)‪.‬‬
‫تص ُّح الصال ُة بدُ ونِه؛ وهو ُ‬
‫قول‬ ‫عتدال قائمًا بعدَ الرفع من الركوع ركن ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فاال‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫مهور‪.‬‬ ‫الا‬
‫ُ‬
‫سـيء ِال َته‪ُ « :‬ث ام ْار َف ْع َحتاى َت ْعت َِد َل َقائِ ًما» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫للم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقول رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫الر ُكوعِ‪َ ،‬ل ْم َي ْس ُادْ َحتاى َي ْست َِو َي‬ ‫ِ‬
‫َان إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ‬
‫ولحديث عائش َة ڤ‪َ « :‬وك َ‬
‫الر ُج ُل ‪َ -‬ي ْعنِي ُِ ْل َب ُه‪-‬‬‫يها ا‬
‫َقائِما» [رواه مسلم](‪ .)5‬ولقوله ﷺ‪َ « :‬ال ُتا ِز ُ ِ َال ٌة َال ي ِق ِ‬
‫يم ف َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُاود» [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي وِححه] ‪.‬‬ ‫الر ُكو ِع َو ُّ‬‫في ُّ‬
‫(‪)6‬‬

‫عتدال بعدَ الرفعِ؛‬ ‫ِ‬ ‫باستحباب ِاال‬


‫ِ‬ ‫نصوص ِـريحةٌ‪ ،‬وفيها َر ٌّد على القائلِ َ‬
‫ين‬ ‫ٌ‬ ‫وهذه‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)120‬ومسلم (‪ )535‬من حديث سعد بن أبي وقاص ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )626‬من حديث أبي حميد الساعدي ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )426‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )426‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الرتمذي (‪ ،)265‬وأبو داود (‪ ،)655‬وابن ماجه (‪ ،)610‬وابن خزيمة (‪ )521‬من حديث أبي مسعود‬
‫ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪332‬‬

‫اق‪« :‬من َال ي ِقيم ِ ْلبه فِي الر ُكو ِع والسا ِ‬ ‫َق َال اإلمام ا ِ ِ‬
‫ود‬ ‫َ ُّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫الشافع ُّي‪َ ،‬و َأ ْح َمدُ ‪َ ،‬وإِ ْس َح ُ َ ْ ُ ُ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َف َص َال ُت ُه َفاسدَ ٌة»‪.‬‬
‫َ ُ ُ ْ َ‬
‫االعتدال بعدَ الرف ِع مِ َن الركو ِع لم َتب ُط ْل ِال ُته؛‬ ‫َ‬ ‫أطال‬‫بطل إن َطال)‪ :‬فلو َ‬ ‫(وال ت‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬كما يف‬ ‫ِ‬ ‫وثناء على اهللِ‪ ،‬وإطال َة القيا ِم فيه ثبتت عن‬ ‫ُ‬ ‫موضع ُ‬
‫ذكر‬ ‫ُ‬ ‫ألناه‬
‫ال آ ُلو َأ ْن ُأ َِل َي بِ ُك ْم ك ََما َر َأ ْي ُت النابِ اي‬ ‫ك ﭬ َق َال‪« :‬إِني َ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫الصحيحين َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫َان َأنَس بن مال ِ ُ‬
‫ك َي ْصن َُع شـي ًئا َل ْم َأ َر ُك ْم َت ْصنَ ُعو َن ُه‪ -‬ك َ‬
‫َان‬ ‫ﷺ ُي َصلي بِنَا ‪َ -‬ق َال َثابِ ٌت‪ :‬ك َ ُ ْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْادَ َت ْي ِن َحتاى‬ ‫ول ال َقائ ُل‪َ :‬قدْ نَسـي‪َ ،‬و َب ْي َن ا‬ ‫ام َحتاى َي ُق َ‬ ‫الر ُكو ِع َق َ‬ ‫إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ‬
‫ول ال َقائِ ُل‪َ :‬قدْ نَسـي»(‪.)1‬‬ ‫َي ُق َ‬
‫ُ ََ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ ُّ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫وركبتي ِه‪،‬‬ ‫ِي جبهتِ ِه‪ ،‬وأن ِف ِه‪ ،‬وكفيِه‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬السابِــع‪ :‬السجود‪ .‬وأكمله‪ :‬تمك‬
‫ُ ِّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ُّ ُ‬ ‫َ َ ِّ ُ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ــع قدمي ِه‪ ،‬مِن ُمل سجودِه‪ .‬وأقله‪َ :‬وضع جزء مِن ُك‬ ‫اف أصاب ِ ِ‬ ‫وأطر ِ‬ ‫َ‬
‫ُ ْ‬
‫‪.‬‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ ُْ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ََ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َ ُّ َ َ‬
‫ويعتَب‪ :‬المقر ألعضاءِ السجودِ‪ ،‬فلو وضع جبهته ىلع َن ِو قطن منفوش‪ ،‬ولم‬
‫ه‬ ‫َ َ ْ‬
‫ينكبِس‪ :‬لم تصح‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وذيلِ ِه‪ .‬ويُ َ‬ ‫ُ ِّ َ‬ ‫َ ُّ ُ ُ ُ‬
‫باجلبهةِ‪ :‬لم‬ ‫كرهُ بِال عذر‪ .‬ومن عج َز‬ ‫وي ِصح‪ :‬سجودهُ ىلع كم ِه‬
‫ُ ُ ُ ُُ‬ ‫َ َ ُْ َ‬
‫ِئ ما يمكِنه)‪.‬‬ ‫ريها‪ ،‬ويوم‬ ‫يلزمه بِغ ِ‬
‫ُ ُّ ُ ُ‬ ‫ه‬
‫ركن؛ لقولـِه َتعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ﴾ [الحج‪:‬‬ ‫(السابِــع‪ :‬السجود)‪ :‬وهو ٌ‬
‫سـيء يف ِالتِه‪ُ « :‬ثم اس ُادْ َحتاى َت ْطمئِ ان س ِ‬
‫اجدً ا»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫للم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ا ْ‬ ‫‪ ،]11‬وقول رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ َيفع ُلها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الساود التي كان‬ ‫ِ‬ ‫وِف ُة‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ِي َجبهته‪ ،‬وأنفه‪ ،‬وكفيه‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أكمل ُه‪ :‬تمك ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ــع قدمي ِه‪،‬‬ ‫اف أصاب ِ ِ‬ ‫وأطر ِ‬ ‫وركبتي ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫(‬
‫ت َأ ْن َأسادَ َع َلى سبع ِة َأ ْع ُظ ُم‪َ :‬ع َلى الابهة‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ِّ‬
‫ََْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫مِن ُمل سجودِه)‪ :‬لقوله ﷺ‪ُ « :‬أم ْر ُ‬
‫اف ال َقدَ مي ِن‪ ،‬و َ ِ‬ ‫و َأ َشار بِي ِد ِه َع َلى َأن ِْف ِه‪ ،‬واليدَ ي ِن والر ْكب َتي ِن‪ ،‬و َأ ْطر ِ‬
‫اب‬ ‫ال َن ْكف َت الث َي َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ ْ َ ُّ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)621‬ومسلم (‪ )412‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)301‬‬

‫‪332‬‬
‫‪333‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫َو ا‬
‫الش َع َر» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫لحديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن‬ ‫ِ‬ ‫ؤذ أحدً ا؛‬ ‫ياض إبطيه ما لم ي ِ‬
‫ُ‬ ‫بدو َب ُ ْ‬ ‫عضدَ يه حتى َي َ‬
‫وأن ياايفَ ُ ِ‬
‫ُ‬
‫اض إ ِ ْب َط ْي ِه» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫َان إِ َذا َِ الى َف ار َج َب ْي َن َيدَ ْي ِه َحتاى َيبْدُ َو َب َي ُ‬
‫ك‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫مال ِ ُ‬
‫َ‬
‫بان‪،‬‬ ‫وابن ِح َ‬ ‫ِ‬ ‫ابن ُخزيمةَ‪،‬‬ ‫ِحيح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َين‪ ،‬ويف‬ ‫ين و َياع َلهما قائمت ِ‬ ‫وأن َي ُض ام القد َم ِ‬ ‫ْ‬
‫َان َم ِعي‬ ‫ول اهللِ ﷺ َوك َ‬ ‫والحاكم عن َع ِائ َش َة ڤ َز ْو ِج النابِي ﷺ قالت‪َ :‬ف َقدْ ُت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫اف َأ َِابِ ِع ِه ا ْل ِق ْب َلةَ‪َ ،‬ف َس ِم ْع ُت ُه‬ ‫اجدً ا راِا َع ِقبي ِه مس َت ْقبِ ًال بِ َأ ْطر ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َع َلى فِراشـي‪َ ،‬ف َو َجدْ ُت ُه س ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال م ْن َس َخط َك‪َ ،‬وبِ َع ْف ِو َل م ْن ُع ُقو َبت َك‪َ ،‬وبِ َك من َْك‪ُ ،‬أ ْثن َي َع َل ْي َك َال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول‪َ « :‬أ ُعو ُذ بِ ِر َض َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫يك»(‪.)3‬‬ ‫َأ ْب ُل ُغ ُك ال َما فِ َ‬
‫ُ ِّ ُ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ُّ ُ‬
‫يضع جز ًءا‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫الساود ْ‬ ‫(وأقله‪َ :‬وضع جزء مِن ُك عضو)‪ :‬فأقل ما ُياز ُ مِ َن‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫األرض‪ ،‬وأ اما تمكينُها مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫السبعة على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األعضاء‬ ‫ضو مِ َن‬‫مِ ْن ُكل ُع ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ستح ٌّ‬‫فم َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال َتكفي الابه ُة ِ‬
‫أحمدَ ؛ لقوله‬ ‫مذهب اإلما ِم َ‬ ‫األرض‪ ،‬وهو َ‬ ‫األنف يف َمس‬ ‫عن‬
‫الا ْب َه ِة‪َ ،‬و َأ َش َار بِ َي ِد ِه َع َلى َأن ِْف ِه»؛ ففيه‬ ‫ِ‬
‫ت َأ ْن َأ ْس ُادَ َع َلى َس ْب َعة َأ ْع ُظ ُم‪َ :‬ع َلى َ‬ ‫ﷺ‪ُ « :‬أمِ ْر ُ‬
‫ضوا واحدً ا‪.‬‬ ‫الوجوب‪ ،‬وإن َأط َل َق عليهما ُع ً‬ ‫ِ‬ ‫إشار ٌة إلى أناه تابِ ٌع لها يف‬
‫َ‬ ‫َ ُْ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ََ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َ ُّ َ َ‬
‫(ويعتَب‪ :‬المقر ألعضاءِ السجودِ‪ ،‬فلو وضع جبهته ىلع َن ِو قطن منفوش‪ ،‬ولم‬
‫ِ‬ ‫الساود كو ُنه قارا م ِ‬ ‫ِ‬ ‫تصح)‪ :‬فيعتبر يف ِ‬ ‫ه‬ ‫َ َ ْ‬
‫ساد‬‫َ‬ ‫فلو‬ ‫‪،‬‬‫باألرض‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫تص‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫موض‬ ‫ُ َُ‬ ‫لم‬ ‫‪:‬‬ ‫س‬ ‫ينكبِ‬
‫ِ‬ ‫شـيء ِ‬ ‫ُ‬
‫األرض‪.‬‬‫ِ‬ ‫سادْ على‬ ‫قار ولم َينكبِ ْس لم تص اح؛ ألناه كأناه لم َي ُ‬ ‫غير ن‬ ‫على‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ودهُ ىلع ك ِّم ِه وذيلِ ِه‪ .‬ويُ َ‬ ‫َ ُّ ُ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫الساود ْ‬
‫أن‬ ‫كرهُ بِال عذر)‪ :‬السن ُة يف‬ ‫(وي ِصح‪ :‬سج‬
‫حائال متصالً به إال‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫وبين‬ ‫الساود‪ ،‬وال َي َ‬
‫اعل بينَها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأعضاء‬ ‫األرض‬
‫َ‬ ‫ُيباشـر‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)612‬ومسلم (‪ )420‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري(‪ ،)320‬ومسلم (‪ )425‬من حديث عبداهلل بن مالك ابن بحينة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن خزيمة (‪ ،)654‬وابن حبان (‪ ،)1233‬والحاكم (‪ )352/1‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬ورواه مسلم (‪)466‬‬
‫من حديث عائشة ڤ قالت‪« :‬فقدت رسول اهلل ﷺ ليلة من الفراش فالتمسته‪ ،‬فوقعت يدي على بطن قدميه وهو يف‬
‫المساد وهما منصوبتان»‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪334‬‬

‫ين مِن‬ ‫حارةً‪ ،‬أو فيها ما ُيؤذي الابه َة أو اليدَ ِ‬ ‫األرض ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫كأن‬ ‫ِ‬
‫الحاجة؛ ْ‬ ‫عندَ‬
‫ِ‬
‫ونحوه‪ ،‬ويدُ ُّل لذلك‪:‬‬ ‫اارة أو َش ُ‬
‫ول‬ ‫ِح ُ‬
‫ْف النابِي ﷺ َو َأ ْر َن َبتِ ِه»‬
‫ين َع َلى َأن ِ‬ ‫يد ﭬ‪َ « :‬أ انه ر َأى َأ َثر ا ْلم ِ‬
‫اء َوالط ِ‬ ‫يث َأبِي س ِع ُ‬
‫َح ِد ُ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫[متفق عليه](‪.)1‬‬
‫َس ﭬ َق َال‪ُ « :‬كناا ُنصلي مع النابِي ﷺ َفي َضع َأحدُ نَا ال اثوب مِن ِشدا ةِ‬ ‫يث َأن ُ‬‫وح ِد ُ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َان إ َذا َس َادَ َو َع َل ْي ِه‬
‫ود» [متفق عليه] ‪َ .‬و َع ْن نَافِعُ‪َ « :‬أ ان ا ْب َن ُع َم َر ك َ‬
‫)‬ ‫‪2‬‬ ‫(‬ ‫ان السا ِ‬
‫ُّ ُ‬
‫ا ْلحر فِي م َك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ا ْل ِع َما َم ُة َي ْر َف ُع َها َحتاى َي َض َع َج ْب َه َت ُه بِ ْاألَ ْرض» ‪.‬‬
‫ِ (‪)3‬‬

‫َان َأ َحدُ ُك ْم ُي َصلي َف ْل َي ْحسـر ا ْل ِع َما َم َة َع ْن‬


‫َو ُر ِو َي َأ ْي ًضا َع ْن َعلِي ﭬ َق َال‪« :‬إ َذا ك َ‬
‫ن‬
‫السنا ُة ِعنْدَ ِاال ْختِ َيار‪ِ.‬‬
‫وه َذا ُه َو ُّ‬ ‫َج ْب َهتِ ِه» ‪َ ،‬‬
‫(‪)4‬‬

‫ِ‬
‫والطين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الماء‬ ‫كثيرا‪ ،‬وعلى‬ ‫ِ‬
‫األرض ً‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َيسادُ على‬ ‫ُ‬ ‫وقد كان‬
‫الساود ثالث ُة أقسامُ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأعضاء‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫بين‬ ‫ُ‬
‫الحائل َ‬ ‫و‬
‫كأن يسادَ على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األَ اول‪ :‬أن‬
‫اوز‬‫يده‪ ،‬فهذا ال َي ُ‬ ‫يكون من أعضاء الساود؛ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫خالف ِ‬
‫أمر‬ ‫ُ‬ ‫الساود‪ ،‬وألناه‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعضاء‬ ‫تداخ ِل‬‫إلفضائِه إلى ُ‬
‫تصل با ُلمصلي ككمه أو ُغرتتِه‬ ‫الساود‪ ،‬وهو ُم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعضاء‬ ‫يكون مِن ِ‬
‫غير‬ ‫َ‬ ‫الثاين‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫أو ِعمامتِه‪:‬‬
‫رسول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫لمخالفتِه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هدي‬
‫َ‬ ‫فإن كان لحاجة فال كَراهة؛ وإن كان ل َغ ِير حاجة ُكره ُ‬
‫ِ‬
‫األرض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باشـرة‬ ‫ﷺ يف ُم‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬فاألحاديث واالثار تدل على أهنم يف حال االختيار كانوا‬
‫يباشـرون األرض بالاباه‪ ،‬وعند الحاجة؛ كالحر ونحوه يتقون بما يتصل هبم من‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2040‬ومسلم (‪ )1161‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)365‬ومسلم (‪ )620‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)240/1‬والبيهقي يف السنن (‪.)152/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف ‪ ،240/1‬والبيهقي يف السنن (‪.)152/2‬‬

‫‪334‬‬
‫‪335‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫ُ‬
‫وقلنسوة؛ ولهذا كان أعدل األقوال يف هذه المسألة أنه يرخص‬ ‫ُ‬
‫وعمامة‬ ‫طرف ُ‬
‫ثوب‬
‫يف ذلك عند الحاجة‪ ،‬ويكره الساود على العمامة ونحوها عند عدم الحاجة‪ ،‬ويف‬
‫ٌ‬
‫وتفصـيل ليس هذا موضعه»(‪.)1‬‬ ‫المسألة نزاع‬
‫بالمصلي‪ :‬مثل السااد‪ ،‬فال كراهة لحاجة‬ ‫غير متص ُل ُ‬ ‫ُ‬
‫الحائل َ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬أن‬
‫مرة(‪ ،)2‬وعلى َح ُ‬
‫صـير(‪،)3‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ أنه ساد على ُخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ولغيرها؛ وقد ث َبت عن‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ُ (‪)4‬‬ ‫ُ‬
‫للرافضة‪،‬‬ ‫شعار‬
‫ٌ‬ ‫ساد عليه؛ ألناه‬ ‫ص جبهتَه بما َي ُ‬ ‫وعلى َف ْروة مدبوغة ؛ ْ‬
‫لكن ال َي ُخ ُّ‬
‫عن التش ُّب ِه هبم‪.‬‬
‫نهى ِ‬ ‫ف ُي َ‬
‫ِئ ما يُمك ُِن ُه)‪ :‬من ِ‬ ‫لز ْم ُه ب َغريها‪ ،‬ويُوم ُ‬ ‫َ‬
‫بهةِ‪ :‬لم يَ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫عا َز عن وض ِع‬ ‫ِ ِ‬ ‫(ومن عجز باجل‬
‫األرض‪ ،‬فال َيخلو مِن حالت ِ‬
‫َين‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساود على‬ ‫ِ‬
‫أعضاء‬ ‫ِ‬
‫بعض‬
‫ِ‬
‫الابهة فقط‪.‬‬ ‫عا َز عن وض ِع‬ ‫األُولى‪ :‬أن َي ِ‬
‫ألن الابه َة هي‬ ‫بغيرها‪ ،‬ويومئ ما يمكنه؛ ا‬ ‫فالمذهب أنه ال َي َلز ُمه الساو ُد ِ‬
‫الحديث‪َ « :‬س َادَ َو ْج ِهي‬‫ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف‬ ‫ُ‬ ‫تبع‪ ،‬ولذا قال‬ ‫األِل واألعضا ُء لها ٌ‬ ‫ُ‬
‫اهلل َأ ْح َس ُن ا ْل َخال ِ ِقي َن ‪،)5(»...‬‬
‫ل الذي َخ َل َق ُه‪َ ،‬و َِ او َر ُه‪َ ،‬و َش اق َس ْم َع ُه َو َبصـر ُه‪َ ،‬ت َب َار َل ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ُ‬
‫األِل‪.‬‬ ‫دليل على أناه هو‬ ‫بالذكر ٌ‬‫ِ‬ ‫فتخصـيصه‬
‫ُ‬
‫وضع أحدُ كم وج َهه‬ ‫سادُ الوج ُه؛ فإذا َ‬ ‫ِ‬ ‫إن اليدَ ِ‬ ‫ولقوله ﷺ‪ « :‬ا‬
‫سادان كما َي ُ‬ ‫ين َي ُ‬
‫فل َي َض ْع يدَ ِيه‪ ،‬وإذا ر َفعه ف ْل َي ْر َف ْعها»(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬ماموع الفتاوى (‪.)112/22‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)361‬ومسلم (‪ )513‬من حديث ميمونة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)360‬ومسلم (‪ )656‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)652‬وأحمد (‪ ،)16221‬وابن خزيمة (‪ )1006‬من حديث المغيرة ﭬ‪ .‬وضعفه األلباين‬
‫يف ضعيف أبي داود (‪.)101‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )111‬من حديث علي بن أبي طالب ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو داود (‪ ،)622‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)1022‬وأحمد (‪ )4501‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫وِححه األلباين يف اإلرواء (‪ .)313‬وأخرجه بنحوه مالك الموطأ (‪ )163/1‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر ﭭ‬
‫موقوفًا‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪336‬‬

‫بحيث‬ ‫ُ‬ ‫ستطيع أن ُيومِ َئ‬ ‫ُ‬ ‫تعقيب على هذا‪ ،‬قال‪« :‬إذا كان َي‬ ‫ٌ‬ ‫ابن ُعثيمين‬ ‫ِ‬
‫ولشـيخنا ِ‬
‫ِ‬
‫ببقية‬ ‫سادَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الالوس التام‪ ،‬ف َي َلز ُمه أن َي ُ‬ ‫أقر َب منه إلى‬ ‫يكون إلى الساود التام َ‬
‫الرسول ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يض ُع يدَ ِيه؛ ل ُعمو ِم ِ‬
‫قول‬ ‫بقدر ما ُيمكِنُه‪ ،‬ثم َ‬ ‫األرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األعضاء‪ ،‬ف َيدنو مِ َن‬
‫ُ‬ ‫اس َت َط ْع ُت ْم‪َ ،‬وإِ َذا ن ََه ْي ُت ُك ْم َع ْن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫شـيء َفدَ ُعو ُه»‪.‬‬ ‫« َفإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِشـيء َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ‬
‫ين‪ ،‬ف َي َلز ُمه‬ ‫ين أو القد َم ِ‬ ‫الابهة مث ِل إحدى اليدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عا َز عن وض ِع ِ‬
‫غير‬ ‫أن َي ِ‬ ‫والثانية‪ْ :‬‬
‫األعضاء؛ لقولِـه َتعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪،]16 :‬‬ ‫ِ‬ ‫أن يسادَ على ِ‬
‫بقية‬ ‫َ ُ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم‪َ ،‬وإِ َذا ن ََه ْي ُت ُك ْم َع ْن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِشـيء َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ‬
‫شـيء َفدَ ُعو ُه» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫ُّ ُ‬ ‫ه ُ هُْ‬ ‫ُ‬
‫الرفع مِن السجو ِد)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬اثلامِن‪:‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ َي ُ‬
‫فعل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اوده‪ ،‬كما كان‬ ‫أن يقوم وير َفع رأسه مِن س ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫أي ْ َ َ َ َ َ‬
‫ُّ ه ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ُُ ُ َ َ ه ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي‪ .‬وكيف جلس‪ :‬كَف‪ .‬والسنة‪ :‬أن‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬اتلها ِسع‪ :‬اجللوس بي السجدت‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ ِّ َ َ‬ ‫فَّت ًشا ىلع رجلِ ِه اليُ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ايلمن‪ ،‬ويوجهها إىل ال ِقبل ِة)‪.‬‬ ‫نصب‬ ‫رسى‪ ،‬وي ِ‬ ‫َيلِس م ُ ِ ُ َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه ُ‬
‫للمسـيء يف ِالته‪:‬‬ ‫قول رسول اهلل ﷺ ُ‬ ‫ي)‪ :‬ل ُ‬ ‫(اتلا ِسع‪ :‬اجللوس بي السجدت ِ‬
‫االستقرار‪.‬‬ ‫طمئنان معناه‬ ‫ُ‬ ‫« ُثم ار َفع حتاى َت ْطمئِن جالِسا»(‪ِ ،)2‬‬
‫واال‬
‫ُ‬ ‫َ ا َ ً‬ ‫ا ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬ال ُتا ِز ُ ِ َال ٌة َال ي ِق ِ‬
‫الر ُكو ِع‬ ‫الر ُج ُل ‪َ -‬ي ْعني ُِ ْل َب ُه‪ -‬في ُّ‬ ‫يها ا‬ ‫يم ف َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫الذكر‬ ‫الواجب هو ب َق ِ‬
‫در‬ ‫ِ‬ ‫الا ِ‬
‫لوس‬ ‫(‪ِ )3‬‬ ‫ِ‬
‫قدار ُ‬ ‫الس ُاود» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وِححه ] ‪ ،‬وم ُ‬ ‫َو ُّ‬
‫الواجب بينَهما‪ ،‬وتطمئن فيه األركان‪ ،‬ويقوم فيه الصلب معتد ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ َ ََ‬
‫(وكيف جلس‪ :‬كَف)‪ :‬للالوس بين السادتين ِفتان‪ :‬مازئة ومستحبة‪.‬‬
‫ورد‬
‫فالمازئة كل ما يصدق عليها الالوس مفرتشًا أو مرتبعًا أو مقعيًا‪ ،‬وقد َ‬
‫الالوس ُمرتب ًعا‪ ،‬و ُم ْق ِع ًيا‪ ،‬و ُمفت َِر ًشا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فورد عنه‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ِِ ٌ‬
‫فات ُمتعددةٌ؛ َ‬
‫ِ‬ ‫عن‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)113‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬

‫‪336‬‬
‫‪337‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬
‫ُ ِّ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫فَّت ًشا ىلع رجلِ ِه اليُ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ُّ ه ُ‬
‫ايلمن‪ ،‬ويوجهها إىل‬ ‫نصب‬ ‫رسى‪ ،‬وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َي‬ ‫أن‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫(والسن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫االفرتاش‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ وهي‬ ‫ب َهدْ ِي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وأغ‬ ‫ِ‬
‫الالوس‬ ‫يف‬ ‫ل‬‫األكم‬
‫َ‬ ‫وهذه‬ ‫‪:‬‬ ‫)‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ال ِقبل‬
‫ب ِر ْج َل ُه ا ْل ُي ْمنَى»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َان َي ْف ِر ُش ِر ْج َل ُه ا ْل ُيسـرى َو َينْص ُ‬ ‫فعن عائش َة ڤ قالت‪َ « :‬وك َ‬
‫ثم َج َل َس‪َ ،‬فا ْفت ََر َش ِر ْج َل ُه ا ْل ُيسـرى‪َ ،‬و َأ ْق َب َل بِ َصدْ ِر ا ْل ُي ْمنَى‬ ‫ُ‬
‫وعن أبي ُح َميد ﭬ‪ « :‬ا‬
‫َع َلى قِ ْب َلتِ ِه‪َ ،‬و َو َض َع َك اف ُه ا ْل ُي ْمنَى َع َلى ُر ْك َبتِ ِه ا ْل ُي ْمنَى‪َ ،‬و َك اف ُه ا ْل ُيسـرى َع َلى ُر ْك َبتِ ِه ا ْل ُيسـرى‪،‬‬
‫ب ِر ْج َل َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َأ َش َار بِإِ ِْ َب ِع ِه»(‪.)2‬‬
‫الصالَة َأ ْن َتنْص َ‬ ‫ابن ُع َم َر ﭭ قال‪« :‬إِن َاما ُسنا ُة ا‬ ‫وعن ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُي ْمنَى َو َت ْثن ِ َي ال ُيسـرى» [رواه البخاري](‪.)3‬‬
‫ُ ِّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُّ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫يل)‪.‬‬‫وإن ق هل‪ -‬يف ُك ُركن ف ِْع ِ ٍّ‬ ‫ويه‪ :‬السكون ‪-‬‬
‫َ ُ ُّ َ َ ُ‬
‫ارش‪ :‬الطمأن ِينة‪ِ .‬‬ ‫قوهل‪( :‬الع ِ‬
‫ِ‬
‫جمهور‬ ‫مذهب‬ ‫والالوس‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والساود‬ ‫ْن فِ ْعلِ ني كالركو ِع‬ ‫فِي ُكل ُرك ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العلماء‪.‬‬
‫سـيء يف ِالتِه‪ُ « :‬ث ام ْارك َْع َحتاى َت ْط َمئِ ان َراكِ ًعا‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ِ‬ ‫للم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ودليله‪ُ :‬‬
‫قول رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫اجدً ا‪ُ ،‬ث ام ْار َف ْع َحتاى َت ْط َمئِ ان َجال ِ ًسا‪،‬‬ ‫ار َف ْع َحتاى َت ْعت َِد َل َقائِما‪ُ ،‬ثم اس ُادْ َحتاى َت ْطمئِ ان س ِ‬
‫َ َ‬ ‫ً ا ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم في َها‬ ‫َوا ْف َع ْل َذل َك في َِالَت َك ُكل َها» [متفق عليه] ‪ .‬وقوله ﷺ‪َ « :‬ال ُت ْا ِز ُ َِ َال ٌة َال ُيق ُ‬
‫)‬ ‫‪4‬‬ ‫(‬

‫ود» [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي وِححه](‪.)5‬‬ ‫الرج ُل ‪-‬يعنِي ِ ْلبه‪ -‬فِي الر ُكو ِع والسا ِ‬
‫َ ُّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َْ ُ َُ‬ ‫ا ُ‬
‫سـرق مِ ْن َِ َالتِ ِه»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا‬ ‫ااس سـر َق ًة ا ال ِذي َي ُ‬ ‫ولقول َر ُسول اهللِ ﷺ‪« :‬إِ ان َأ ْس َو َأ الن ِ‬
‫سـرق مِ ْن َِ َالتِ ِه؟ َق َال‪َ « :‬ال ُيتِ ُّم ُر ُكو َع َها َو َال ُس ُاو َد َها»(‪.)6‬‬ ‫ف َي ُ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬و َك ْي َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫سكن‬ ‫كون إال إذا َ‬ ‫العرب ال َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫شـيخ اإلسالمِ‪« :‬والركوع والساود يف ِ‬
‫لغة‬ ‫ُ‬ ‫قال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)134‬والرتمذي (‪ )223‬من حديث أبي حميد ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬وهذا حديث حسن‬
‫ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )621‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬
‫(‪ )6‬رواه أحمد (‪ )11532‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪338‬‬

‫الخفض والرف ِع عنه فال‬ ‫ِ‬ ‫األرض‪ ،‬فأ اما مار ُد‬ ‫ِ‬ ‫وجهه على‬ ‫ِ‬ ‫وحين َو ْض ِع‬
‫َ‬ ‫حين انحنائِه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العربية»(‪.)1‬‬ ‫وساو ًدا فقد غلِط على‬ ‫كوعا ُ‬ ‫كوعا وال ُساو ًدا‪ ،‬و َمن َس اماه ُر ً‬ ‫ُيس امى ُر ً‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الطمأنينة‬ ‫الواجب مِ َن‬
‫ُ‬ ‫والقدر‬
‫ُ‬ ‫يل)‪:‬‬ ‫ويه‪ :‬السكون ‪-‬وإن قل‪ -‬يف ُك ُركن ف ِع ِ ٍّ‬ ‫( َِ‬
‫إن كان منفر ًدا وما يحصل به‬ ‫الواجب عليه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذكر‬ ‫بم ِ‬
‫قدار‬ ‫ركن هو‪( :‬السكون ِ‬ ‫يف ُكل ُ‬
‫إن كان إماما فإناه يزيدُ ِ‬
‫ب على‬ ‫قدار ما َيغلِ ُ‬ ‫بم ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫سكون األعضاء يف ذلك الركن‪ ،‬وأ اما ْ‬
‫الواجب)‪ ،‬كما ب اينه المادُ ابن تيمي َة(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ين أ َت ْوا بالذكر‬ ‫أن المأمومِ‬ ‫َظنه ا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫َه‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه َ ُّ ُ‬ ‫احلادِي َع َ َ‬ ‫ُ‬
‫ري‪ .‬وه َو‪« :‬الله هم صل ىلع ُممد»‪ ،‬بعد‬ ‫خ‬
‫َش‪ :‬التشهد األ َِ‬ ‫قوهل‪َ ( :‬‬
‫ه ُ ه َ ٌ‬ ‫ُ ْ ُ ُ‬ ‫ه َ ُّ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ان بِما َي ِزئ مِن التشه ِد األ هو ِل‪ ،‬والمج ِزئ مِنه‪« :‬اتلهحيات َّللِ‪ ،‬سالم‬ ‫ِ‬ ‫اإلتي‬
‫َ ُ‬ ‫ه ه‬ ‫َ ٌ َ َ‬ ‫َ َ ُّ ه ُّ َ َ ُ‬
‫احل ِي‪ ،‬أشهد‬ ‫ورمحة اهلل‪ ،‬سالم علينا‪ ،‬وىلع عِبا ِد اَّلل الص ِ‬ ‫عليك أيها انلِب‬
‫ُ‬
‫اَّلل»‪ .‬والاكمِل َمشه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ه ً ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ ه هُ‬ ‫ْ‬
‫ور)‪.‬‬ ‫ُممدا َرسول‬ ‫وأن‬
‫ه َ ُّ ُ َ‬ ‫اَّلل‬ ‫إال‬ ‫هلإ‬ ‫ال‬ ‫أن‬
‫الصالة تشهدان‪ِ:‬‬ ‫ِ‬ ‫خري)‪ :‬يف‬ ‫ُ‬ ‫َش‪ :‬التشهد األ ِ‬ ‫احلادِي َع َ َ‬ ‫( َ‬
‫ُّ‬
‫فإن تركه َع ْمدً ا ب َطلت ِال ُته‪ ،‬وإن‬ ‫الصالة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واجبات‬ ‫األول‪ :‬وهو مِ ْن‬ ‫ُ‬ ‫التشهدُ‬
‫رسول‬ ‫َ‬ ‫السهو‪ ،‬كما ث َبت يف الصحيحين‪ « :‬ا‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫تركه نِسـيانًا ِحت‪ ،‬وجبره بس ِ‬
‫اود‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫فدل على وجوبِه‪ ،‬وعد ِم ُركن ايتِه‪ ،‬وأنه‬ ‫للسهو»(‪ ،)3‬ا‬ ‫ِ‬ ‫وساد‬
‫َ‬ ‫اهللِ ﷺ نسـيه‪ ،‬فأ َت ام ِال َته‪،‬‬
‫ِ‬
‫السهو‪.‬‬ ‫اود‬‫تتِم الصال ُة بدونِه لمن تركه سهوا لكن يابر بس ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ ًْ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الحنابلة‬ ‫قول‬‫تص اح ِال ُته‪ ،‬وهو ُ‬ ‫والتشهدُ الثاين‪ :‬وهو ركن‪ ،‬ومن تركه لم ِ‬
‫ُ ٌ َ َ‬
‫ول َق ْب َل َأ ْن ُي ْف َر َض‬ ‫ود ﭬ َأ ان ُه َق َال‪ُ « :‬كناا َن ُق ُ‬ ‫حديث اب ِن مسع ُ‬ ‫والشافعية‪ ،‬ويدُ ُّل له‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ َ ْ ُ‬
‫َع َل ْينَا الت َاش ُّهدُ ‪.)4(»...‬‬
‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫لما ج َبره‬ ‫فدَ ال على فرضـيته‪ ،‬وأخرج التشهد األول بدَ اللة السنة ا‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪ ،)562/22‬وانظر‪ :‬تحفة األحوذي (‪.)110/2‬‬


‫(‪ )2‬اإلنصاف (‪ ،)113/2‬الممتع (‪.)412/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)622‬ومسلم (‪ )510‬من حديث عبداهلل ابن بحينة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي يف الماتبى (‪ )1211‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬قال الدارقطني‪« :‬هذا إسناد ِحيح»‪.‬‬
‫وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)13/4‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)312‬‬

‫‪336‬‬
‫‪339‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫تشهدْ فال‬ ‫السهو ولم َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫بس ِ‬


‫رج ْع إليه‪ ،‬وقد َِ اح عن ُع َم َر ﭬ أناه قال‪َ « :‬من لم َي ا‬ ‫اود‬ ‫ُ‬
‫ِال َة له» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫هَ‬ ‫ه َ ُّ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُه‬ ‫ه ُ ه َ ِّ‬ ‫َُ‬
‫ان بِما َي ِزئ مِن التشه ِد األو ِل)‪ :‬هذه‬ ‫(وهو‪« :‬اللهم صل ىلع ُممد»‪ ،‬بعد اإلتي ِ‬
‫التشه ِد أن يصلي على النبي ﷺ بعد التشهد‪ ،‬والمازىء من الصالة أن‬ ‫ُّ‬ ‫ِـيغ ُة‬
‫َُه‬ ‫ُ ه َ ِّ‬ ‫ه‬
‫الله ام َِل َع َلى ُم َح ام ُد َو َع َلى‬ ‫يقول‪( :‬اللهم صل ىلع ُممد)‪ :‬واألكمل أن يقول‪ُ « :‬‬
‫آل ُم َح ام ُد ك ََما‬‫ار ْل َع َلى م َحم ُد َو َع َلى ِ‬
‫ُ ا‬ ‫يم‪َ ،‬و َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آل ُم َح امد‪ ،‬ك ََما َِ ال ْي َت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ين‪ ،‬إِن َاك َح ِميدٌ َم ِايدٌ »‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يم في ا ْل َعا َلم َ‬
‫اه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت َع َلى آل إِ ْب َر َ‬ ‫َب َارك َ‬
‫ِ‬
‫األخير؟‬ ‫ِ‬
‫التشهد‬ ‫الرسول ﷺ يف‬ ‫ِ‬ ‫ب الصال ُة على‬ ‫مسألةٌ‪ :‬هل ِ‬
‫تا ُ‬
‫لماء يف مشـروعيتِها»‪ ،‬وأما وجوهبا‬ ‫رجب‪« :‬ال نَع َلم ِخال ًفا بين الع ِ‬ ‫ُ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فمذهب اإلما ِم أحمدَ أهنا ركن ال تصح الصالة إال هبا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫جوب‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن َتركها َعمدً ا لم‬ ‫القيم يف َجالء األفها ِم ‪ ،‬ومال إلى ُ‬
‫الو‬ ‫بحثها اب ُن‬ ‫وقد َ‬
‫(‪)2‬‬

‫ِحت ِالته وجربها بساود السهو‪.‬‬ ‫هوا‬ ‫تص اح الصال ُة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫وإن َتركها َس ً‬
‫ورجحه اب ُن حز ُم والشوكاينُّ واب ُن‬ ‫ا‬ ‫وأما جمهور العلماء فقالوا باستحباهبا؛‬
‫ِ‬
‫الوجوب‪.‬‬ ‫الموجبون ال َتدُ ُّل على‬ ‫األحاديث التي استدَ ال هبا ُ‬
‫ُ‬ ‫ُعثيمين‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫أجدُ الدا الل َة موجود ًة يف‬ ‫أقول؛ ألين ال ِ‬ ‫الوجوب ُ‬ ‫ِ‬ ‫نذر‪« :‬وبعد ِم‬ ‫وقد قال ابن الم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫اإلعادة عليه»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إيااب‬
‫األدلة‪ :‬ما َرواه أبو داود الطيالسـي َأ ان النابِ اي ﷺ َأ َخ َذ بِ َي ِد ِه َف َع ال َم ُه الت َاش ُّهدَ ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ومِ َن‬
‫الس َال ُم َع َل ْي َك َأ ُّي َها النابِ ُّي‪َ ،‬و َر ْح َم ُة اهللِ َو َب َركَا ُت ُه‪،‬‬
‫ات‪ ،‬ا‬ ‫الص َل َو ُ‬
‫ات َوال اطي َب ُ‬ ‫احي ُ ِ ِ‬
‫ات ل اله‪َ ،‬و ا‬
‫ِ‬
‫«الت ا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا‬ ‫الصالحي َن‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِ اال ُ‬ ‫الس َال ُم َع َل ْينَا َو َع َلى ع َباد اهلل ا‬
‫ا‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم قال‪َ « :‬فإِ َذا ُق ْل َت َذل ِ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»‪ ،‬ولم َيذ ُكر فيه الصال َة على‬

‫(‪ )1‬الفتح البن رجب (‪.)321/1‬‬


‫(‪ )2‬جالء األفهام ص (‪( ،)423-360‬دار عالم الفوائد)‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪340‬‬

‫َف َقدْ َت ام ْت َِ َال ُت َك‪َ ،‬فإِ ْن ِشئْ َت َف ُق ْم‪َ ،‬وإِ ْن ِش ْئ َت َفا ْق ُعدْ »(‪.)2()1‬‬
‫َ ٌ‬ ‫ه ُّ َ َ ُ‬ ‫ه ُ ه َ ٌ َ َ ُّ‬ ‫ُ ْ ُ ُ‬
‫ورمحة اهلل‪ ،‬سالم‬ ‫(والمج ِزئ مِنه‪« :‬اتلهحيات َّللِ‪ ،‬سالم عليك أيها انلِب‬
‫ه هُ ه ُ ه ً ُ ُ ه‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ه ه‬ ‫َ َ‬
‫احل ِي‪ ،‬أشهد أن ال هلإ َ إال اَّلل وأن ُممدا َرسول اَّلل»‪.‬‬ ‫علينا‪ ،‬وىلع عِبا ِد اَّلل الص ِ‬
‫سم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ ُ ٌ‬
‫ين‪:‬‬ ‫قسم التشهدَ إلى ق َ‬ ‫والاكمِل مشهور)‪ :‬ا‬
‫األول ماز ٌ ‪ :‬وهو ما جمع التحية والتسليم‪ ،‬كما ذكره المؤلف‪ :‬سال ٌم عليك‬ ‫ُ‬
‫سالم علينا وعلى عباد اهلل الصالحين‪ ،‬أشهد أن ال‬
‫ٌ‬ ‫أيها النبي ورحمة اهلل [وبركاته]‪،‬‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬وأن محمدً ا رسول اهلل‪ .‬فإن كان يف التشهد األول اكتفى بذلك‪ ،‬وإن كان‬
‫يف التشهد الثاين جمع مع التحية الصالة على النبي ﷺ‪.‬‬
‫وورد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الرسول ﷺ عد ُة ِـي ُغ‬ ‫ِ‬ ‫وقد َورد ِ‬
‫المصلي هبا َ‬ ‫فأي ِـيغة جاء ُ‬ ‫للتشهد؛ ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫عن‬
‫حسب ما َورد يف الشـرعِ؛‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان ْ‬ ‫الرسول ﷺ َأجز َأ‪ ،‬واألَولى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصـيغ َ‬ ‫أن ُينوع‬ ‫عن‬
‫جوهها‪-‬‬ ‫والعمل هبا على جمي ِع و ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السنة‪،‬‬ ‫تطبيق‬
‫العلم ‪-‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حفظ‬ ‫ويف هذا فوائدُ ؛ منها‪:‬‬
‫ُ‬
‫وأكم ُل الصـي ِغ‬ ‫اعتيادها‪ ،‬فإذا غ اير الصف َة تد ابر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكثرة‬ ‫العباد ُة عاد ًة‬ ‫تكون ِ‬ ‫َ‬ ‫وحتى ال‬
‫َ‬
‫وغيرهم‬ ‫ُ‬ ‫تشهدُ ِ‬
‫ذهب اإلما ُم أحمدُ ‪ ،‬وأبو َحنيفةَ‪ُ ،‬‬ ‫مسعود ﭬ‪ ،‬وإلى هذا َ‬ ‫ابن‬ ‫ُّ‬
‫المشهور‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مسعود‬ ‫تشهدُ ِ‬
‫ابن‬ ‫والثاين ٌ‬
‫ُ‬ ‫ستحب‪ :‬وهو ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫كامل ُم‬
‫رسول اهللِ ﷺ مِن‬ ‫ِ‬ ‫فات ِعدا ةٌ‪ ،‬و ُك ُّل ما َِ اح عن‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ِِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ورد عن‬ ‫وقد َ‬
‫الخالف يف‬ ‫ُ‬ ‫اإلجماع على هذا‪ ،‬وإناما و َقع‬ ‫ُ‬ ‫وحكِ َى‬ ‫التشهد تص ُّح الصال ُة به‪ُ ،‬‬
‫ِ ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِـي ِغ‬
‫تشهدُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحمدَ ‪ ،‬وأك َث ِر أه ِل‬
‫ابن‬ ‫أفض َلها ُّ‬ ‫أن َ‬ ‫الحديث‪ :‬ا‬ ‫أفضل‪ ،‬ومذهب اإلمام َ‬ ‫ُ‬ ‫أ ُّيها‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬وكَفي َب ْي َن‬ ‫ين أناه قال‪َ :‬ع ال َمنِي َر ُس ُ‬ ‫الصحيح ِ‬
‫َ‬ ‫المشهور يف‬
‫ُ‬ ‫مسعود ﭬ‬ ‫ُ‬
‫الص َل َو ُ‬ ‫احي ُ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ات ل اله‪َ ،‬و ا‬ ‫ور َة م َن ال ُق ْرآن‪« :‬الت ا‬ ‫الس َ‬ ‫َك اف ْيه‪ ،‬الت َاش ُّهدَ ‪ ،‬ك ََما ُي َعل ُمني ُّ‬
‫اد اهللِ‬ ‫ات‪ ،‬السالَم َع َلي َك َأيها النابِي‪ ،‬ورحم ُة اهللِ وبركَا ُته‪ ،‬السالَم َع َلينَا و َع َلى ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ ُ ا ُ ْ َ‬ ‫ُّ َ َ ْ َ‬ ‫َوال اطي َب ُ ا ُ ْ ُّ َ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود الطيالسـي يف مسنده (‪ )213‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬قال النووي يف شـرح مسلم (‪:)116/4‬‬
‫«وقد جاء يف رواية من هذا الحديث يف غير مسلم زيادة (فإذا فعلت ذلك فقد تمت ِالتك) ولكن هذه الزيادة‬
‫ليست ِحيحة عن النبي ﷺ»‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)222/2‬الفتح البن رجب (‪ ،)354/1‬الروض (‪ ،)400/2‬الممتع (‪.)425/3‬‬

‫‪340‬‬
‫‪341‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫الصال ِ ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َعبْدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»(‪.)1‬‬ ‫ال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬ ‫حي َن‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َ‬ ‫ا‬
‫ُ‬ ‫تشهدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مسعود ﭬ على‬ ‫ابن‬ ‫تقديم اإلما ِم أحمدَ ُّ‬ ‫سبب‬ ‫َ‬ ‫شـيخ اإلسال ِم‬ ‫وقد ذكَر‬
‫ا‬
‫وألن‬ ‫ف يف ألفاظِه‪،‬‬ ‫أِحها‪ ،‬وألناه لم ُيخ َت َل ْ‬ ‫ُّ‬ ‫وازها جمي ًعا فقال‪ :‬ألنُّه‬ ‫غيره مع َج ِ‬ ‫ِ‬
‫والعمل به‬ ‫ُ‬ ‫التشه ِد‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫حديث يف‬ ‫ُ‬ ‫أِ ُّح‬ ‫الرتمذي‪« :‬هو َ‬ ‫ُّ‬ ‫غال ِ َبها ُيوافِ ُق ألفا َظه(‪ .)2‬وقال‬
‫ين»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أكثر أه ِل‬ ‫عندَ ِ‬
‫العلم م َن الصحابة والتابع َ‬
‫َ ه‬
‫ري جال ِس‪ ،‬أو سل َم‬ ‫يم َتي‪ .‬فلو ت َ َش هه َد َغ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ه‬
‫وللت‬ ‫‪،‬‬ ‫وس َهلُ‬ ‫ُُ ُ‬
‫ل‬ ‫اجل‬ ‫‪:‬‬ ‫َش‬
‫َ َ‬
‫ع‬ ‫اين‬
‫ه‬
‫اثل‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬
‫ُ‬
‫قوهل‬
‫ِ‬ ‫ُ َ‬
‫ري جال ِس‪ :‬لم تصح)‪.‬‬ ‫واثلان َِي َة َغ َ‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫األوىل جال ِسا‪،‬‬
‫فإن ف َعل لم‬ ‫قائم‪ْ ،‬‬ ‫يم َت ْي ِن ٌ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ركن‪ ،‬فال يأيت هبا وهو ٌ‬ ‫األخير َوللت ْاسل َ‬ ‫للتشهد‬ ‫الالوس‬
‫ُ‬
‫تصح ِال ُته‪.‬‬
‫وداو َم عليه‪ ،‬وقد قال ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما‬ ‫الرسول ﷺ ف َعله َ‬ ‫َ‬ ‫ويدُ ُّل على ركنيته‪ :‬ا‬
‫أن‬
‫َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» [رواه البخاري](‪.)4‬‬
‫بادات توقيفيةٌ‪ ،‬وقال‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)5‬‬ ‫والع ُ‬ ‫ِ‬
‫ه ُ َ ُ‬ ‫َُ َ َهَ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ه َ َ َ َ ه‬ ‫ُ‬
‫ي‪« :‬السالم عليكم‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ول‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫و‪:‬‬ ‫وه‬ ‫‪.‬‬‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫الت‬ ‫‪:‬‬ ‫َش‬ ‫ع‬ ‫ِث‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫اثل‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ ٌَ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َُ ه‬
‫فل‪ :‬تسلِيمة‬ ‫ِ‬ ‫انل‬ ‫يف‬ ‫كِف‬ ‫ِ‬ ‫وي‬ ‫»‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫رَك‬ ‫وب‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫يد‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫ورمحة اَّلل»‪ .‬واألوىل‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ‬
‫اجلنازة ِ)‪.‬‬ ‫حدة‪ .‬وكذا‪ :‬يف‬ ‫وا ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬
‫نصـرف‬
‫ُ‬ ‫الصالة‪ ،‬فال َي‬ ‫للخروج مِ َن‬‫ِ‬ ‫ركن‬
‫التسليم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ان)‪:‬‬ ‫(اثلال ِث عَش‪ :‬التسلِيمت ِ‬
‫َ‬
‫ث َ‬ ‫شهد وأحدَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫قبل السال ِم لم‬ ‫مهور العلماء‪ ،‬فلو َت ا‬ ‫مذهب ُج‬ ‫ُ‬ ‫قبل أن َيأيتَ به‪ ،‬وهذا‬
‫تص اح ِال ُته‪.‬‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)6265‬ومسلم (‪ )402‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬القواعد النورانية (‪.)102/1‬‬
‫(‪ )3‬سنن الرتمذي (‪.)262( ،)61/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )631‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬

‫‪341‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪342‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬و َت ْحلي ُل َها الت ْاسل ُ‬
‫يم»(‪.)1‬‬ ‫ودليل ذلك‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تسليمتان أم واحدةٌ؟‬ ‫مسألةٌ‪ :‬هل الواجب‬
‫ُ‬
‫ألدلة منها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫تسليمتان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفرض‬ ‫الواجب يف‬ ‫المذهب‪ :‬ا‬
‫أن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫بن َس ُمر َة‬ ‫ِ‬
‫وجابر ِ‬ ‫ُ‬
‫وسعد‬ ‫ُ‬
‫مسعود‬ ‫مسلم عن ِ‬
‫ابن‬ ‫ٌ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ كان ُيسلم تسليمت ِ‬
‫َين» [ َرواه‬ ‫َ‬ ‫« ا‬
‫أن‬
‫ﭫ](‪.)2‬‬
‫وسفرا‪ ،‬وقد قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫َين حضـر ًا‬ ‫رسول اهلل ﷺ كان ُيحافِ ُظ على التسليمت ِ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫وألن‬
‫عن النبي ﷺ مِن ِ‬
‫غير‬ ‫« َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»‪ .‬قال اإلما ُم أحمدُ ‪« :‬ث َبت عندنا ِ‬
‫عرف عن‬ ‫بياض َخده‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫وعن ِشمالِه حتى ُي َرى ُ‬ ‫ْ‬ ‫عن َيمينِه‬
‫وجه أناه كان ُيسل ُم ْ‬
‫ُ‬
‫الز ْهري ِ‬
‫عن‬ ‫هاب ُّ‬ ‫البن ِش ُ‬‫ِ‬ ‫رس ٌل‬ ‫ٌ‬
‫حديث ُم َ‬
‫ِ‬
‫الواحدة إال‬ ‫ِ‬
‫التسليمة‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف‬ ‫ِ‬
‫الرسول ﷺ»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫وغيرهما يف‬ ‫ُ‬
‫وسعد‬ ‫ُ‬
‫مسعود‬ ‫عن ِ‬
‫ابن‬ ‫الصحاح ِ‬ ‫ُ‬
‫ألحاديث‬ ‫يلي‪« :‬ا‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫وقال ال ُعق ُّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َين»‪ .‬وقد ُروي ِ‬ ‫تسليمت ِ‬
‫عن النبي ﷺ أنه كان ُيسل ُم تسليم ًة واحدةً‪ ،‬من وجوه ْ‬
‫لكن‬
‫يص ُّح منها شـي ٌء‪ ،‬كما بينه ابن المديني‪ ،‬واألثرم‪ ،‬والبزار‪،‬‬ ‫ك ُّلها معلول ٌة وال ِ‬
‫رجب‪ ،‬وغيرهم(‪.)3‬‬ ‫ُ‬ ‫والعقيلي‪ ،‬وابن عبدالرب‪ ،‬والنووي‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وابن‬
‫وقال الرتمذي‪« :‬أِح الروايات عن النبي ﷺ تسليمتان‪ ،‬وعليه أكثر أهل العلم‬
‫من أِحاب النبي ﷺ‪ ،‬والتابعين‪ ،‬ومن بعدهم»(‪.)4‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الواجب تسليم ٌة واحد ٌة والثانية سن ٌة‪.‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ بالليلِ‪ُ « :‬ث ام ُي َسل ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫ِ‬
‫ِفة‬ ‫بحديث عائش َة ڤ يف‬ ‫ِ‬ ‫واستدلوا‬
‫والاواب عنه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫يم ًة َي ْر َف ُع بِ َها َِ ْو َت ُه َحتاى ُيوقِ َظنَا»(‪.)5‬‬‫ِ‬
‫َت ْسل َ‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)30‬‬
‫(‪ِ )2‬حيح مسلم (‪.)562 ،561 ،431‬‬
‫(‪ )3‬الفتح البن رجب (‪ ،)361/1‬القواعد النورانية (‪.)216/1‬‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪.)23/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)1341‬وأحمد (‪ )25261‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫‪343‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫يما ُي ْس ِم ُعنَا»(‪ ،)1‬وليس فيه‬‫ِ‬ ‫ُ‬


‫مسلم هي‪ُ « :‬ث ام ُي َسل ُم َت ْسل ً‬ ‫ِ‬
‫األكثر كما عند‬ ‫أوال‪ :‬ا‬
‫أن رواي َة‬ ‫ً‬
‫أناها واحدةٌ‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬إن ِحت الرواية فقد حملها اإلمام أحمد على أنه ياهر باألولى‪،‬‬
‫ويسمعهم إياها‪ ،‬ويسـر بالثانية(‪ ،)2‬فالراجح‪ :‬أنه ياب أن يسلم تسليمتين‪.‬‬
‫ُ‬
‫واحدة باجتهاد قال ابن المنذر‪« :‬أجمع كل من‬ ‫وال نبطل ِالة من اقتصـر على‬
‫واحدة جائز ٌة»‪ ،‬وأقره‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تسليمة‬ ‫أحفظ عنه من أهل العلم أن ِالة من اقتصـر على‬
‫عدد من الصحابة(‪.)3‬‬ ‫ابن قدامة؛ لوروده عن ُ‬
‫َ َُ ه‬ ‫ه ُ َ ُ‬ ‫َُ َ َهَ‬ ‫ُ‬
‫ورمحة اَّلل»)‪ِ :‬فة السالم عن‬ ‫ي‪« :‬السالم عليكم‬ ‫(وهو‪ :‬أن يقول مرت ِ‬
‫ُ‬
‫مسعود‬ ‫عن ِ‬
‫ابن‬ ‫اليمين والشمال‪ :‬السالم عليكم ورحمة اهلل؛ لما روى الرتمذي‪ِ ،‬‬
‫الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُة اهللِ‪،‬‬ ‫َان يسلم َعن ي ِمين ِ ِه‪ ،‬و َعن يس ِ ِ‬
‫اره‪ :‬ا‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫ﭬ َع ِن النابِي ﷺ‪َ «:‬أ ان ُه ك َ ُ َ ُ ْ َ‬
‫الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُة اهللِ» [رواه أبوداود والرتمذي وِححه](‪.)4‬‬
‫ا‬
‫َ َ ُُ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬
‫(واألوىل‪ :‬أن ال ي ِزيد‪« :‬وبرَكته»)‪ :‬المذهب أن األولى عدم ذكر هذه الزيادة يف‬
‫التسليم خمس َة عشـر َِحابيا ولم َيذ ُكروها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫التسليم‪ ،‬وإن أتى هبا جاز؛ ألنه َروى‬
‫ان ُي َسل ُم‬ ‫ولم َت ِرد إال يف حديث َوائِ ِل بن حار ﭬ َق َال‪ َِ :‬ال ْي ُت َم َع النابِي ﷺ‪َ ،‬ف َك َ‬
‫الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُة اهلل َو َب َركَا ُت ُه»‪َ ،‬و َع ْن ش َماله‪ « :‬ا‬
‫َع ْن َيمينه‪ « :‬ا‬
‫ِ (‪)5‬‬
‫ِ‬
‫الكبير‪،‬‬ ‫البخاري يف التاريخِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫رواية علقم َة ِ‬
‫بن وائ ُل عن أبيه‪ ،‬وقد أث َب َت سماعَه منه‬ ‫ح َم ُة اهلل» ‪[ ،‬وهو مِن‬ ‫َو َر ْ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )146‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتح البن رجب (‪.)361/1‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)243/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)225‬وأبو داود (‪ ،)226‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)1322‬وأحمد (‪ )3622‬من حديث ابن‬
‫مسعود ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪ .‬وقال العقيلي يف الضعفاء (‪« :)111/1‬واألسانيد ِحاح‬
‫ثابتة يف حديث ابن مسعود يف تسليمتين‪ ،‬وال يصح يف تسليمة واحدة شـيء»‪ .‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪ ،)41/4‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)326‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ )221‬من حديث وائل بن حار ﭬ‪ .‬قال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)445/1‬رواه أبو‬
‫داود بإسناد ِحيح‪ ،‬وأشار بعضهم إلى تضعيفه»‪ .‬وقال ابن عبد الهادي يف المحرر (‪« :)211‬رواه أبو داود بإسناد‬
‫=‬

‫‪343‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪344‬‬

‫ِحيحه]‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سلم يف‬
‫و ُم ٌ‬
‫مانع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ثبوت هذه الزيادة‪ ،‬وال َ‬ ‫ُ‬ ‫فاألقر ُب‬ ‫َ‬ ‫ِحيح‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حار‪ :‬إسنا ُده‬ ‫الحافظ اب ُن‬ ‫وقال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داومة ِ‬ ‫ُ‬ ‫مِن فِعلِها أحيانًا مِن ِ‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬بل كان‬ ‫عن‬ ‫داومة؛ لعد ِم نق ِل ُ‬
‫الم‬ ‫غير ُم َ‬
‫ِ‬
‫تطبيقها‪ ،‬أو‬ ‫ذكرها‪ ،‬فإن َخشـي َمفسد ًة فل ُيبي ْن ثبو َتها َ‬
‫قبل‬ ‫عدم ِ‬ ‫ب َهدْ يِه ﷺ َ‬ ‫أغ َل ُ‬
‫واهلل َتعالى أع َل ُم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِ َ ِ‬
‫تحاش من فعلها يف ذلك المكان‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ‬ ‫َ ٌَ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫النافلة‪ :‬الحنابلة‬ ‫اجلنازة ِ)‪ :‬ففي‬ ‫حدة‪ .‬وكذا‪ :‬يف‬ ‫فل‪ :‬تسلِيمة وا ِ‬ ‫كِف يف انل ِ‬ ‫(وي ِ‬
‫ِ‬
‫لحديث‬ ‫أن التسليمة الثاني َة ُمستح اب ٌة ولو سلم واحدة أجزأ؛‬ ‫مهور على ا‬ ‫الا َ‬ ‫يوافقون ُ‬
‫ماج ْه َأ ان‬ ‫وحديث عائش َة ڤ عندَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عائش َة ڤ عندَ ُم ُ‬
‫ابن َ‬ ‫ِالة الليلِ‪،‬‬ ‫سلم يف‬
‫احدَ ًة ت ِ ْل َقا َء َو ْج ِه ِه»(‪.)1‬‬ ‫َان يسلم َتسلِيم ًة و ِ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪« :‬ك َ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫أن ُيسل َم اثنت ِ‬
‫ب عن‬ ‫الهدْ ُي األغ َل ُ‬ ‫َين يف النافلة؛ ألناه هو َ‬ ‫واألكم ُل ْ‬ ‫َ‬ ‫واألفض ُل‬
‫َ‬
‫جماهير الع ِ‬
‫لماء‪.‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬وهذا ُ‬
‫قول‬ ‫ِ‬
‫أن ُيسل َم واحد ًة عن يمينِه‪ ،‬وقد قيل لإلما ِم‬ ‫نازة‪ :‬فالسن ُة ْ‬ ‫ِالة الا ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫وأ اما يف‬
‫نازة تسليمتين؟ قال‪:‬‬ ‫الصحابة أناه كان يسلم على الا ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحد مِ َن‬ ‫ف عن ُ‬ ‫أحمدَ ‪« :‬أ َت ِ‬
‫عر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ولكن عن ستة م َن الصحابة أناهم كانوا ُيسلمون تسليم ًة واحد ًة خفيف ًة عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال‪،‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الواحدة(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫التسليمة‬ ‫ِ‬
‫الصحابة يف‬ ‫اآلثار ِ‬
‫عن‬ ‫الحاكم هذه‬ ‫ِحح‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يمينه»‪ ،‬وقد ا‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫وقد َورد ِ‬
‫وحسنه األلباينُّ يف أحكا ِم الانائز‬ ‫ا‬ ‫مرفوعا عندَ البيهقي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عن النبي ﷺ‬
‫وس الم تسليم ًة‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫حديث أبي ُهرير َة ﭬ‪ « :‬ا‬ ‫ِ‬ ‫مِن‬
‫رسول اهلل ﷺ ك ابر على َجنازة أرب ًعا‪َ ،‬‬ ‫أن‬

‫=‬
‫ِحيح»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)215‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)212‬والرتمذي (‪ )226‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬وال يصح مرفوعًا‪ ،‬وِوب الدارقطني‬
‫رواية الوقف‪ ،‬وذكر ابن حار أن الرواية المرفوعة وهم‪ ،‬وكذا رجح رواية الوقف الرتمذي والبزار وأبو‬
‫حاتم‪ ،‬وقال يف المرفوع‪ :‬إنه منكر‪ ،‬وقال ابن عبدالرب‪ :‬ال يصح مرفوعًا (التلخيص الحبير ‪.)644/1‬‬
‫(‪ )2‬المستدرل للحاكم (‪.)513/1‬‬
‫(‪ )3‬أحكام الانائز ص (‪.)122‬‬

‫‪344‬‬
‫‪345‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫ب أركا ِ‬
‫با ُ‬

‫نازة؛ لخرب‬ ‫ِالة الا ِ‬ ‫ِ‬ ‫العلماء من يرى جواز التسليمتين أحيانًا يف‬ ‫ِ‬ ‫واحد ًة»(‪ .)1‬ومن‬
‫َ‬
‫ااس‪ :‬إ ِ ْحدَ ُاه ان‬ ‫َان رس ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َي ْف َع ُل ُه ان‪َ ،‬ت َر َك ُه ان الن ُ‬ ‫ابن َم ْس ُعود ﭬ َق َال‪« :‬خ َال ٌل ك َ َ ُ‬
‫الص َال ِة» [رواه البيهقي](‪ ،)2‬فلو ف َعل هذا أحيانًا‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َتسلِيم ْ ِ ِ‬
‫اإل َما ِم في ال َان ََازة م ْث َل َت ْسلِيمه في ا‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫واهلل ُ‬ ‫لكان له س َلف‪ ،‬وإن كان األَولى عد َم فعلها‪ُ ،‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ًََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫عَش‪ :‬تَرت ُ‬‫ــــع َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪ ( :‬ه‬
‫ِيب األرَك ِن‪ ،‬كما ذكرنا‪ .‬فلو سجد ‪-‬مثال‪ -‬قبل‬ ‫اب‬‫الر‬
‫َ ً َ َ ُّ ُ ُ َ َ َ ُ ه َ ُ َ‬ ‫ُ ُ ِ َ ً ََ َ‬
‫ركو ِع ِه عمدا‪ :‬بطلت‪ .‬وسهوا‪ :‬ل ِزمه الرجوع؛ لريكع ثم يسجد)‪.‬‬
‫الوزير اب ُن ُهبير َة‬
‫ُ‬ ‫تص ُّح الصال ُة بدُ ونِه؛ ون َقل‬ ‫األركان ركن ال ِ‬
‫ُ ٌ‬
‫ِ‬ ‫فالرتتيب بي َن‬
‫ُ‬
‫الصالة؛ لقولِه َتعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖﮗ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرتتيب يف‬ ‫ِ‬
‫فرضـية‬ ‫َ‬
‫االتفاق على‬
‫ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحج‪.]11 :‬‬
‫أخ ال به يو ًما‪ ،‬وقد قال‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما‬ ‫وقد ِ الى النبي ﷺ ُمرت ًبا‪ ،‬ولم ُين َقل عنه أنه َ‬
‫ُّ‬
‫َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» ‪ ،‬وقال‪َ « :‬م ْن َعمل َع َم ًال ل ْي َس َعل ْيه أ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫(‪)3‬‬

‫أجزاء يشرتأ لها الرتتيب والمواالة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫مركبة من‬ ‫ُ‬
‫عبادة‬ ‫والقاعد ُة‪ :‬أن كل‬

‫(‪ )1‬رواه الدارقطني (‪ ،)432/2‬والحاكم (‪ ،)513/1‬والبيهقي يف السنن (‪ )10/4‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫وحسنه األلباين يف أحكام الانائز ص (‪.)122‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف السنن (‪ )11/4‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬قال النووي يف خالِة األحكام (‪:)262/2‬‬
‫«رواه البيهقي بإسناد جيد»‪ .‬وحسنه األلباين يف أحكام الانائز ص (‪.)121‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)341‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬

‫‪345‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪346‬‬

‫‪e‬‬ ‫ص ٌل‬
‫فَ ْ‬ ‫‪F‬‬
‫ت الصالةِ)‬
‫(يف واجبا ِ‬

‫ُ َ َ َ ْ ً َ ُ ُ َ ً َ ًْ‬ ‫َ ُ َ ٌَ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫هوا‪ ،‬وجهال ‪:‬‬ ‫جباتها ثمانِية‪ ،‬تبطل الصالة بَّتك ِها عمدا‪ ،‬وتسقط س‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ووا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ه ُ َ‬
‫اإلحر ِام‪:‬‬ ‫كبرية ِ‬ ‫وق اليت بعد ت‬ ‫ِ‬ ‫رية المسب‬ ‫كن تك ِب‬ ‫ري اإلحر ِام‪ .‬ل ِ‬ ‫ِغ‬ ‫اتلكبري ل‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ِ َ َ هُ َ َ‬ ‫ُه‬
‫وم‪ .‬وقول‪:‬‬ ‫ام والمنف ِردِ‪ ،‬ال ل ِلمأم ِ‬ ‫سنة‪ .‬وقول‪« :‬س ِمع اَّلل ل ِمن محِده»‪ ،‬لإلم ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫َ ً‬ ‫ه َ َ َ َ ُ ْ ُ ِّ َ ُ ُ َ َ َ ِّ َ َ‬
‫وع‪ .‬و‪:‬‬ ‫الرك ِ‬ ‫يم»‪ ،‬م هرة يف‬ ‫«ربنا ولك احلمد»‪ ،‬ل ِلُك‪ .‬وقول‪« :‬سبحان رِّب ِ ِ‬
‫ظ‬ ‫الع‬
‫َ َ ه ََ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ َ ً‬ ‫ُ َ َ ِّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫اغف ِر ِل َ»‪ ،‬بي السجدت ِ‬ ‫«سبحان َر َِّب األىلع»‪ ،‬م هرة يف السجودِ‪ .‬و‪َ « :‬رب‬
‫ُُ ُ‬ ‫ُّ ُ ه ُ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ‬
‫واجللوس هلُ)‪.‬‬ ‫ري من قام إمامه سه ًوا‪.‬‬ ‫ىلع غ ُ ِ‬ ‫والتشهد األول‪،‬‬
‫َ ًْ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫ُ َ َ َ ْ ً‬ ‫َ ُ َ ٌَ َ ُ‬
‫جباتها ثمانِية‪ ،‬تبطل الصالة بَّتك ِها عمدا‪ ،‬وتسقط سهوا‪ ،‬وجهال)‪:‬‬ ‫(ووا ِ‬
‫الواجب‬ ‫جهال و ُيا َب ُر‬ ‫الواجبات تسقط َس ْه ًوا و ً‬ ‫ِ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫األركان‪ :‬ا‬ ‫الفرق بين الواجبات و‬ ‫و ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫باإلتيان‬ ‫تص ُّح الصال ُة إال‬ ‫جهال وال ِ‬ ‫السهو‪ ،‬وأ اما الرك ُن فال يسقط سهو ًا وال ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بساود‬
‫به‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ‬
‫اإلحر ِام)‪ :‬األول‪ :‬كل تكبيرات الصالة غير تكبيرة اإلحرام من‬ ‫ري‬
‫(اتلكبري ل ِغ ِ‬
‫ِ‬
‫ِوتكبيرات‬ ‫ِ‬
‫وتكبيرة الركوعِ؛‬ ‫الساود‪ ،‬والرف ِع منه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫واجبات الصالة كتكبيرة‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما‬ ‫ُ‬ ‫داو َم عليها‪ ،‬وقد قال‬ ‫َ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫نتقال؛ ا‬
‫ألن‬ ‫ِاال ِ‬
‫َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» [متفق عليه](‪ ،)1‬و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َأ ان ُه ك َ‬
‫َان ُي َكب ُر ُك ال َما َخ َف َض‬
‫عن ِ‬
‫ابن‬ ‫وِح ِ‬ ‫ا‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان َي ْف َع ُل َذل ِ َك» [متفق عليه](‪،)2‬‬ ‫ث‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫َو َر َف َع‪َ ،‬و ُي َحد ُ‬
‫عود»‬‫خفض ورف ُع وقيا ُم و ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ُيكب ُر يف كل‬ ‫ُ‬ ‫مسعود ﭬ أنه قال‪« :‬كان‬ ‫ُ‬
‫ركن والذي َيليه‪.‬‬‫بين كل ُ‬ ‫فواِل َ‬‫ُ‬ ‫[رواه الرتمذي وِححه](‪ ،)3‬وألناها‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)165‬ومسلم (‪ )322‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي (‪ ،)253‬والنسائي (‪ ،)230/2‬وأحمد (‪ )3660‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫=‬

‫‪346‬‬
‫‪347‬‬ ‫ت الصالةِ‬
‫فصلٌ يف واجبا ِ‬
‫َ ُه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اإلحر ِام‪ :‬سنة)‪ :‬المسبوق إذا جا َء‬ ‫كبرية ِ‬ ‫وق اليت بعد ت‬‫كن تكبِرية المسب ِ‬ ‫(ل ِ‬
‫للركوعِ‪ ،‬قال‬‫ين‪ :‬واحد ًة لإلحرا ِم و ُأخرى ُّ‬‫واإلمام راكع يستحب له أن يأيت بتكبير َت ِ‬
‫ين ليس فيه‬ ‫إن ك ابر تكبير َت ِ‬
‫ب إليك؟ قال‪ْ :‬‬ ‫أح ُّ‬ ‫قلت ألحمدَ ‪ُ :‬يكبر مر َت ِ‬
‫ين َ‬ ‫داو َد‪ُ :‬‬
‫أبو ُ‬
‫اختالف(‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫ويازئه أن ُيكربَ تكبير ًة واحدةً‪ ،‬كما هو المذهب؛ َسوا ٌء نَوى هبا تكبير َة اإلحرا ِم‬
‫لماء‪ ،‬وهو مروي عن ِ‬
‫زيد ِ‬ ‫قول كثير من الع ِ‬ ‫والركوع‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫أو نَواها ِ‬
‫بن‬ ‫َ ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫عن اإلحرا ِم ُّ‬
‫ُ‬
‫بتكبيرة‬ ‫ِ‬
‫الصحابة‪ ،‬بل لو َدخل‬ ‫مخالف مِ َن‬ ‫عرف لهما‬ ‫ثابت ِ‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬ ‫وابن ُع َم َر ﭭ‪ ،‬ولم ُي َ‬
‫ُ‬
‫رجح اإلما ُم أحمدُ اإلجزا َء‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫لالفتتاح أم للركو ِع فقد ا‬
‫ِ‬ ‫واحدة ولم ُيعي ْن أهي‬
‫ُ‬
‫الحافظ اب ُن‬ ‫ورجحه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ما علِمنا ا‬
‫االفتتاح»؛ َيعني م َن السلف‪ ،‬ا‬ ‫َ‬ ‫أن أحدً ا قال‪َ :‬ينوي هبا‬
‫روجه‪ ،‬فال ُيكبر‬‫رجب‪ ،‬و ُعلل بأناه خرج مِن بيتِه وهو ُيريدُ الصالةَ‪ ،‬فالني ُة معه مِن ُخ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫للصالة إال بتلك ِ‬
‫النية(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة ركن وواجب ومستحب‪:‬‬‫ِ‬ ‫والتكبيرات يف‬
‫ُ‬
‫هوا وال َعمدً ا‪.‬‬ ‫تص ُّح الصالة إال هبا‪ ،‬وال َت ُ‬‫فالركن‪ :‬تكبير ُة اإلحرامِ‪ ،‬ال ِ‬
‫سقط َس ً‬
‫يرة اإلحرا ِم َتب ُط ُل الصال ُة بتَركِها عمدً ا‪،‬‬
‫غير تكب ِ‬ ‫ِ‬
‫التكبيرات ِ‬ ‫سائر‬
‫ُ‬ ‫والواجب‪:‬‬
‫هوا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السهو ْ‬ ‫ِ‬
‫إن َتركها َس ً‬ ‫بساود‬ ‫وتا َب ُر‬
‫والمستحب‪ :‬تكبيرة الركوع للمسبوق بالركوع‪ ،‬فلو كرب واحدة عن اإلحرام‬
‫والركوع أجزأ وإن أتى هبما جميعًا فهو أكمل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫َ ُ َ َ هُ َ َ َ‬
‫سمع‬‫وم)‪ :‬الثاين‪ :‬قول ِ‬ ‫أم ِ‬ ‫ام والمنف ِردِ‪ ،‬ال ل ِلم‬ ‫(وقول‪« :‬س ِمع اَّلل ل ِمن محِدهُ»‪ ،‬لإلم‬
‫اهلل ل ِ َم ْن‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ « :‬سم َع ُ‬ ‫حمده‪ ،‬عندَ الرف ِع مِ َن الركوعِ؛ ألن رسول اهلل ﷺ كان َي ُق ُ‬ ‫اهلل لمن ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ْمدُ » [متفق‬ ‫ول َو ُه َو َقائ ٌم‪َ :‬ر ابنَا َو َل َك ا ْل َ‬‫الر ُكوعِ‪ُ ،‬ث ام َي ُق ُ‬
‫َحمدَ ُه حي َن َي ْر َف ُع ُِ ْل َب ُه م َن ُّ‬
‫=‬
‫«حديث حسن ِحيح»‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)330‬‬
‫(‪ )1‬المغني (‪.)162/2‬‬
‫(‪ )2‬الفتح البن رجب (‪ ،)313/6‬المغني (‪.)163/2‬‬

‫‪341‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪348‬‬

‫عليه](‪.)1‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫وم)‪ :‬فقول سمع اهلل لمن حمده إنما تاب على‬ ‫أم ِ‬ ‫ام والمنف ِردِ‪ ،‬ال ل ِلم‬ ‫لإلم ِ‬ ‫(‬
‫التسميع؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َق َال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلمام والمنفرد دون المأموم‪ ،‬فال ُيشـرع يف حقه‬
‫ِ‬ ‫س ِمع ِ‬
‫الح ْمدُ » [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫اهلل ل َم ْن َحمدَ ُه‪َ ،‬ف ُقو ُلوا‪َ :‬ر ابنَا َو َل َك َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ه َ َ َ َ ُ ْ ُ ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫الح ْمدُ على اإلما ِم‬ ‫الثالث‪َ :‬ق ْو ُل َر ابنَا َو َل َك َ‬ ‫ُ‬ ‫(وقول‪« :‬ربنا ولك احلمد»‪ ،‬ل ِلُك)‪:‬‬
‫اهلل ل ِ َم ْن َح ِمدَ ُه‪َ ،‬ف ُقو ُلوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫والمنفرد؛ لقول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َق َال‪َ :‬سم َع ُ‬ ‫والمأمو ِم‬
‫ِ‬
‫العلم(‪.)4‬‬ ‫أكثر أه ِل‬ ‫قول ِ‬ ‫اإلخالل به‪ ،‬وهو ُ‬ ‫ُ‬ ‫الح ْمدُ » ‪ ،‬ولم ُين َقل عنه ﷺ‬
‫(‪)3‬‬
‫َر ابنَا َو َل َك َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فيفعل هذا تار ًة وهذا‬ ‫المصلي بينها؛‬ ‫أربع ِـي ُغ مشـروعةٌ‪ُ ،‬ينو َع ُ‬ ‫وورد للتحميد ُ‬ ‫َ‬
‫الح ْمدُ » [متفق عليه] ‪.‬‬ ‫الح ْمدُ » [متفق عليه] ‪َ « -‬ر ابنَا َل َك َ‬ ‫تارةً‪َ « :‬ر ابنَا َو َل َك َ‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫الح ْمدُ » [متفق عليه](‪.)8‬‬ ‫الح ْمدُ » [رواه البخاري] ‪« -‬ال ال ُه ام َر ابنَا َل َك َ‬ ‫«ال ال ُه ام َر ابنَا َو َل َك َ‬
‫(‪)7‬‬

‫َ َهً‬ ‫ُ َ َ ِّ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ ِّ َ َ‬


‫وع‪ .‬و‪« :‬سبحان َرِّب األىلع»‪ ،‬مرة‬ ‫الرك ِ‬ ‫يم»‪ ،‬م هرة يف‬ ‫ِّب الع ِظ ِ‬ ‫(وقول‪« :‬سبحان ر‬
‫واجب؛ ِ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ألمر النبي ﷺ‬ ‫ٌ‬ ‫التسبيح يف الركوع والساود‬ ‫َ‬ ‫يف السجو ِد)‪ :‬الرابع والخامس‪:‬‬
‫ت‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾‬ ‫حديث ُع ْق َب َة ْب ِن َعامِ ُر ﭬ َق َال‪َ :‬ل اما ن ََز َل ْ‬ ‫ِ‬ ‫به يف‬
‫ت‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫وها فِي ر ُك ِ‬ ‫[الواقعة‪َ ،]14 :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫وع ُك ْم»‪َ ،‬ف َل اما ن ََز َل ْ‬ ‫ُ‬ ‫اج َع ُل َ‬‫ول اهلل ﷺ‪ْ « :‬‬ ‫َ ُ‬
‫ود ُك ْم» [رواه أبو داود](‪ .)9‬ولفعلِه ﷺ كما يف‬ ‫وها فِي سا ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ﮢ﴾ [األعلى‪َ ،]1 :‬ق َال‪ْ « :‬‬
‫اج َع ُل َ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)162‬ومسلم (‪ )322‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)662‬ومسلم (‪ )411‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)323‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)166/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)662‬ومسلم (‪ )411‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)122‬ومسلم (‪ )414‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )125‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)126‬ومسلم (‪ )402‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)662‬وابن ماجه (‪ ،)661‬وأحمد (‪ ،)11414‬وابن خزيمة (‪ ،)610‬وابن حبان (‪،)1626‬‬
‫والحاكم (‪ )512/2‬من حديث عقبة بن عامر ﭬ‪ .‬وضعفه ابن رجب يف الفتح (‪ ،)116/1‬واأللباين يف‬
‫=‬

‫‪346‬‬
‫‪349‬‬ ‫ت الصالةِ‬
‫فصلٌ يف واجبا ِ‬

‫وع ِه‪ُ « :‬س ْب َح َ‬


‫ان َرب َي‬ ‫ول فِي ر ُك ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫حديث ُح َذ ْي َف َة ﭬ‪َ :‬أ ان ُه َِ الى َم َع النابِي ﷺ‪َ ،‬ف َك َ‬
‫ان َي ُق ُ‬
‫ود ِه‪ُ « :‬سبْ َح َ‬
‫ان َرب َي ْاألَ ْع َلى» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫يم» وفِي سا ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َعظ ِ َ ُ ُ‬
‫اود‪ ،‬و« ُس َ‬
‫بحان‬ ‫بحان ربي األَع َلى» يف الس ِ‬ ‫قول‪ُ « :‬س َ‬ ‫ِ‬ ‫المذهب‪ :‬ياب‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫َالعظيم» يف الركوعِ‪ .‬فتتعين هذه الصيغة مرة واحدة وله أن يأيت بعدها بغيرها‬ ‫ِ‬ ‫ربي‬
‫من الصيغ مما ورد يف السنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِـيغة مما ثبت عن رسول اهلل ﷺ‬ ‫أي‬ ‫وقيل‪ :‬ال تتعين هذه الصـيغة بل ياز‬
‫ُ‬
‫رجب‪ :‬وهو‬ ‫أنه قالها يف الساود والركوع‪ ،‬وبه قال إسحاق بن راهويه؛ قال ابن‬
‫قياس مذهبنا يف جواز جميع أنواع االستفتاحات والتشهدات الواردة‪ ،‬وال يقصـر‬
‫الماز على هذين الذكرين(‪.)2‬‬
‫وها فِي ر ُك ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫حديث ُعقب َة ﭬ يف ِ‬
‫وع ُك ْم»‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اج َع ُل َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ْ « :‬‬ ‫قول‬ ‫ُ‬ ‫وأما‬
‫رجب واأللباينُّ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحافظ اب ُن‬ ‫مقال‪ ،‬وقد ض اعفه‬ ‫إسناده ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ففي‬
‫الذكر‪ ،‬ود ال ْت أدل ٌة‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مشـروعية هذا‬ ‫ُ‬
‫الحديث على‬ ‫دل‬‫قال‪ :‬ا‬‫فرض ِحتِه ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬
‫ِـيغ متنوعةٌ؛ ففي‬ ‫ٌ‬ ‫العبادات التي فيها‬ ‫ِ‬ ‫غيره‪ ،‬فصار مِ َن‬ ‫ِ‬
‫مشـروعية ِ‬ ‫ُأخرى على‬
‫ود ِه‪:‬‬
‫وع ِه وسا ِ‬
‫َ ُ ُ‬
‫ول فِي ر ُك ِ‬
‫ُ‬ ‫َان النابِي ﷺ َي ُق ُ‬
‫ُّ‬
‫الصحيحين َع ْن َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬ ‫ِ‬
‫ُس ْب َحان ََك ال ال ُه ام َر ابنَا َوبِ َح ْم ِد َل ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر لِي»(‪ ،)3‬وث َبت عنه أنه قال يف الركو ِع‬
‫غير هذه الصـي ِغ(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫والساود َ‬
‫َ َ ه ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ‬
‫أن‬‫السادس‪ :‬لحديث ُحذيف َة ﭬ‪ « :‬ا‬ ‫ُ‬ ‫ي)‪ :‬هذا‬ ‫(و‪« :‬رب اغف ِر ِل»‪ ،‬بي السجدت ِ‬
‫َان َي ُق ُ‬‫ود ِه‪َ ،‬وك َ‬
‫َان ي ْقعدُ فِيما بين السادَ َتي ِن نَحوا مِن سا ِ‬ ‫َ ِ‬
‫ول‪َ « :‬رب‬ ‫َ َْ َ ا ْ ْ ْ ً ْ ُ ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ك َ َ ُ‬

‫=‬
‫اإلرواء (‪.)334‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )112‬من حديث حذيفة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتح البن رجب (‪.)115/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)124‬ومسلم (‪ )464‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)160/2‬‬

‫‪342‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪350‬‬

‫ِ‬
‫الذكر‪،‬‬ ‫استحباب هذا‬ ‫ِ‬
‫العلماء‬ ‫ب ِ‬
‫أكثر‬ ‫ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬رب ا ْغ ِف ْر لِي» [رواه أبو داود](‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫ومذه ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهللِ ﷺ لم ُيعل ْمه المسـي َء يف ِالتِه‪.‬‬‫َ‬ ‫ب؛ ا‬
‫ألن‬ ‫وال ِ‬
‫يا ُ‬
‫ِ‬
‫السادتين‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الساود والركو ِع وبين‬ ‫واألذكار يف‬
‫ُ‬
‫أقل الماز منها أن يقولها مر ًة واحدةً‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫َان إِ َذا َد َعا َد َعا‬ ‫َ‬ ‫أن ُيكر َرها ثال ًثا؛ لما روى مسلم ا‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫واألفضل ْ‬
‫َث َال ًثا‪َ ،‬وإِ َذا َس َأ َل َس َأ َل َث َال ًثا»(‪ ،)2‬وهذا منه‪.‬‬
‫ان َربي ا ْل َعظِ ِ‬
‫يم َث َال ًثا‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫وع ِه‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫ولقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا ركَع َأحدُ ُكم َف ْلي ُق ْل فِي ر ُك ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫َ‬
‫ان َرب َي ْاألَ ْع َلى‬ ‫ود ِه‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫َفع َل َذل ِ َك َف َقدْ َتم ر ُكو ُعه‪ ،‬وإِ َذا سادَ َأحدُ ُكم َف ْلي ُق ْل فِي سا ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ا ُ‬ ‫َ‬
‫َث َال ًثا‪َ ،‬فإِ َذا َف َع َل َذل ِ َك َف َقدْ َت ام ُس ُاو ُد ُه‪َ ،‬و َذل ِ َك َأ ْدنَا ُه» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي](‪ ،)3‬قال‬
‫مسعود ليس إسناده بمتصلُ‪ ،‬والعمل على هذا عند أهل‬ ‫ُ‬ ‫الرتمذي‪« :‬حديث ابن‬
‫ُ‬
‫تسبيحات»‪،‬‬ ‫العلم؛ يستحبون أن ال ينقص الرجل يف الركوع والساود من ثالث‬
‫تسبيحات لكي‬ ‫ُ‬ ‫وروي عن ابن المبارل أنه قال‪« :‬أستحب لإلمام أن يسبح خمس‬
‫ُ‬
‫تسبيحات»‪.‬‬ ‫يدرل من خلفه ثالث‬
‫ُّ ُ َ ُ‬
‫ُ‬
‫األول‪.‬‬ ‫(والتشهد األ هول)‪ :‬السابع‪ :‬التشهدُ‬
‫داو َم عليه‪ ،‬وقال‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»(‪.)4‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ‬
‫والدليل‪ :‬ا‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫أن‬
‫وِححاه؛ قال‪« :‬كناا َن ُق ُ‬
‫ول‬ ‫والدار ُقطني‬ ‫مسعود ﭬ عندَ البيهقي‬ ‫ُ‬ ‫وحديث ِ‬
‫ابن‬ ‫ُ‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫الس َال ُم َع َلى َج ْب َرائِ َيل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َق ْب َل َأ ْن ُي ْف َر َض َع َل ْينَا الت َاش ُّهدُ ‪ :‬ا‬
‫الس َال ُم َع َلى اهلل َق ْب َل َخ ْلقه‪ ،‬ا‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)614‬وابن ماجه (‪ ،)621‬وأحمد (‪ )23315‬من حديث حذيفة ﭬ‪ .‬وِححه األلباين‬
‫يف اإلرواء (‪.)335‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )1124‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)666‬والرتمذي (‪ ،)261‬وابن ماجه (‪ )620‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬وقال الرتمذي‪:‬‬
‫«حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل؛ عون بن عبداهلل بن عتبة لم يلق ابن مسعود»‪ ،‬وضعفه النووي يف‬
‫خالِة األحكام (‪ ،)321/1‬واأللباين يف ضعيف أبي داود (‪.)155‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬

‫‪350‬‬
‫‪351‬‬ ‫ت الصالةِ‬
‫فصلٌ يف واجبا ِ‬

‫ِ‬ ‫ومِي َكائِ َيل‪َ ،‬فع المنَا رس ُ ِ‬


‫التشهد‪.‬‬ ‫ول اهلل ﷺ الت َاش ُّهدَ »(‪ ،)1‬فدَ ال أنه بعدَ ذلك است َق ار ُ‬
‫فرض‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬
‫وكون‬ ‫ِ‬
‫السهو»(‪،)2‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬لما نسـيه جبره بس ِ‬
‫اود‬ ‫َ‬ ‫و ا‬
‫أن‬
‫ََ ُ‬
‫ِ‬
‫السنن‬ ‫بخ ِ‬
‫الف‬ ‫بدل‪ِ ،‬‬
‫بالسهو إلى ُ‬
‫ِ‬ ‫دليل على عد ِم ُركنيتِه‪ ،‬وقد س َقط‬ ‫جبره بالس ِ‬
‫اود ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ََ‬
‫ُ‬
‫واجب(‪.)3‬‬ ‫فإناها َتس ُقط بال ُ‬
‫بدل‬
‫َ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ‬
‫ري من قام إمامه سه ًوا)‪ :‬من نسـي التشهد األول حتى استتم قائمًا لم‬ ‫(ىلع غ ِ‬
‫يرجع إليه‪ ،‬وجربه بساود سهو‪.‬‬
‫َ‬
‫األول‪ ،‬ثم هو ال يخلو‬ ‫من نسـي التشهدَ‬ ‫ِ‬
‫أجم َع العلما ُء على ِحة ِالة ْ‬ ‫وقد َ‬
‫ُ‬
‫حاالت‪:‬‬ ‫مِن‬
‫االستمرار‬ ‫فياب عليه‬ ‫ِ‬
‫الفاتحة؛‬ ‫ِ‬
‫قراءة‬ ‫أن ال َيذ ُك َره إال بعدَ الشـرو ِع يف‬ ‫األُولى‪ْ :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مهور؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫محله‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الا‬‫قول ُ‬ ‫رجع للتشهد ل َفوات َ‬ ‫يف القراءة‪ ،‬وال َي ُ‬
‫اس َتت اَم َقائِ ًما َف َال َي ْالِ ْس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َف َل ْم َي ْستَت ام َقائ ًما َف ْل َي ْال ْس‪َ ،‬فإِ َذا ْ‬
‫ِ‬
‫َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م َن ا‬
‫الس ْه ِو» [رواه أبو داود](‪.)4‬‬ ‫َو َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ِي ا‬
‫رج ُع؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م ِ َن‬ ‫أن َيستتِم قائما؛ فإناه َي ِ‬
‫ا ً‬ ‫قبل ْ‬ ‫أن َيذ ُك َره َ‬ ‫الثاني ُة‪ْ :‬‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َف َل ْم َي ْستَتِ ام َقائِ ًما َف ْل َي ْالِ ْس»‪.‬‬
‫ا‬
‫راجع‬
‫ٌ‬ ‫الس ْه ِو»‬
‫ألن قو َله‪َ « :‬و َي ْس ُادْ َس ْادَ َت ِي ا‬ ‫السهو؛ ا‬‫ِ‬ ‫أن عليه ساو َد‬ ‫والامهور ا‬
‫ُ‬
‫والنهي عنه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالالوس‬ ‫االختالف بينهما‪ ،‬ففي األمر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحالتين‪ ،‬وأ اما‬ ‫إلى‬
‫رج ُع‪ ،‬وهو ُ‬ ‫القراءة؛ فال َي ِ‬‫ِ‬ ‫قائما َ‬ ‫ِ‬ ‫الثالث ُة‪ْ :‬‬
‫قول‬ ‫وقبل‬ ‫أن ال َيذ ُك َره إال بعدَ أن استت اَم ً‬
‫رجع فصال ُته ِحيح ٌة‬ ‫بير ﭫ؛ ْ‬ ‫الز ِ‬ ‫سعد و ُعقب َة ِ‬ ‫العلماء‪ ،‬وروي عن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإن َ‬ ‫وابن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫أكثر‬
‫مهور الع ِ‬
‫لماء‪.‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫يف قول ُج‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)332‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)336‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)211/2‬الروض (‪.)46/1‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1036‬وابن ماجه (‪ ،)1206‬وأحمد (‪ )16223‬من حديث المغيرة ﭬ‪ .‬ويف إسناده‬
‫جابر الاعفي ضعيف‪ ،‬وقد تابعه غيره‪ ،‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)242‬‬

‫‪351‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪352‬‬

‫رج ُع‬‫رض أناه َيمضـي فيه‪ ،‬وال َي ِ‬ ‫أن َمن َتل ابس ب َف ُ‬ ‫رجب‪ « :‬ا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألِل كما قال اب ُن‬
‫رض مث ُله»(‪.)1‬‬ ‫إال إلى ما هو َف ٌ‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َف َل ْم َي ْستَتِ ام َقائِ ًما َف ْل َي ْالِ ْس‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫ِ‬
‫ويدُ ُّل له‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م َن ا‬
‫الس ْه ِو» [رواه أبو داود]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َتت اَم َقائ ًما َف َال َي ْال ْس‪َ ،‬و َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ِي ا‬
‫ْ‬
‫ُ ُ ُ َُ‬
‫(واجللوس هل)‪ :‬الثامن‪ :‬أن يأيت به جالسًا؛ ألن رسول اهلل ﷺ هكذا ِلى وعلم‪،‬‬
‫وقال « َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتح (‪.)362/2‬‬

‫‪352‬‬
‫‪353‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫‪e‬‬ ‫اآلنيةِن الصَّالةِ‬


‫بابَا ِن ُسنَ‬
‫َفصْلٌ فِي َبي‬
‫‪F‬‬
‫َ ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ُ َُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وسننها‪ :‬أق َوال وأفعال)‪.‬‬
‫الصالة منها سنن قولية ومنها فعلية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫شـرع هنا يف الكال ِم على ُسن َِن‬
‫َ ْ ً‬ ‫َ ُ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وال تبطل بَّتكِ َشء مِنها‪ ،‬ولو عمدا)‪.‬‬
‫ِ‬
‫للسهو‪.‬‬ ‫سادَ‬
‫أن َي ُ‬ ‫ياوز تر ُكها َعمدً ا‪ ،‬وال َي َلز ُمه ْ‬ ‫ُ‬ ‫فهي من تمام الصالة وكمالها‬
‫ُ ُ ُّ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويباح‪ :‬السجود ل ِسهوه ِ)‪.‬‬
‫من ترل مسنونًا قوليًا أو فعليًا لم ياب عليه ساود السهو‪ ،‬فإن كان من عادته‬
‫فعل المسنون وتركه سهو ًا فالامهور أنه يباح له ساود السهو وال ياب لعموم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م» [رواه أبو داود‪،‬‬‫ان ﭬ َع ِن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬ل ُكل َس ْه ُو َس ْادَ َتان َب ْعدَ َما ُي َسل ُ‬ ‫حديث َث ْو َب َ‬
‫وابن ماجه وضعفه النووي وابن حار]‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫عد تَكب َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أح َد َع َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلحر ِام‪« :‬سبحانك الله هم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رية ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫وهل‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫َش‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫األقو‬ ‫نن‬ ‫فس‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ه َ ُّ ُ‬ ‫ََ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُّ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫وحبَم ِدك‪ ،‬وتبارك اسمك‪ ،‬وتعاىل جدك‪ ،‬وال إهل غريك»‪ .‬واتلعوذ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هر بال ِق َراءة َِ‬ ‫واجل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُّ‬ ‫َ َ َُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫الفاحتةِ‪.‬‬ ‫والبسملة‪ .‬وقول‪« :‬آمِي»‪ .‬وق ِراءة السورة ِ بعد‬
‫ه‬ ‫َ ُ ِ َ َ‬ ‫َُهُ ُ َ ُ َ ُ َ‬ ‫َ ِ ُ َُ َ ُ‬
‫ري المأموم‪ ،‬بعد اتلح ِمي ِد‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وم َ‪ ،‬وَيري المنف ِرد‪ .‬وقول غ‬ ‫أم ِ‬ ‫لإلمام‪ ،‬ويكره للم‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رض‪ ،‬وم َ‬ ‫الس َماءِ‪ ،‬وم َ‬ ‫َ ه‬
‫ِلء ما ِشئت مِن َشء بعد»‪ .‬وما زاد ىلع‬ ‫ِلء األ ِ‬ ‫«مِلء‬
‫ه ُّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وع والسجودِ‪ ،‬و‪َ « :‬رب اغ ِف ْر ِ ْل»‪ .‬والصالة ‪-‬يف التشه ِد‬ ‫الرك ِ‬ ‫سبيح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الم هرة ِ يف ت‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُّ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َََ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫يهم‪ .‬وادلاعء بعده)‪.‬‬ ‫آهلِ علي ِه السالم‪ .‬والَبكة علي ِه وعل ِ‬ ‫خري‪ -‬ىلع ِ‬ ‫األ ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سنن قولي ٌة وفعليةٌ‪ ،‬وبدأ بالسنن القولية‬ ‫ٌ‬ ‫ال أحد عَش)‪ :‬للصالة‬ ‫(فسنن األقو ِ‬
‫وهي‪:‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫بارك اسمك‪،‬‬ ‫وحبَم ِدك‪ ،‬وت‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(قوهل بعد تك َبِرية ِ اإلحر ِام‪« :‬سبحانك اللهم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫االستفتاح‪ ،‬مِن ُس ِ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُّ َ‬
‫الصالة كما د الت عليه‬ ‫نن‬ ‫ِ‬ ‫ريك»)‪ُ :‬دعا ُء‬ ‫وتعاىل جدك‪ ،‬وال إهل غ‬

‫‪353‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪354‬‬

‫وعلي وغيِرهم ﭫ‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬


‫عباس‬ ‫ِ‬
‫وابن‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫وعائش‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫رير‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫وأبي‬ ‫مر‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كحديث‬ ‫األدل ُة؛‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫الصالة‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لالستفتاح يف‬ ‫رسول اهللِ ﷺ عد ُة ِـي ُغ‬ ‫ِ‬ ‫ورد عن‬ ‫َ‬
‫اس ُم َك‪َ ،‬و َت َعا َلى َجدُّ َل‪َ ،‬و َال إ ِ َل َه‬ ‫ِ‬
‫األول‪ُ « :‬س ْب َحان ََك ال ُّل ُه ام َوبِ َح ْمد َل‪ ،‬و َت َب َار َل ْ‬ ‫ُ‬
‫رجب يف الفتح‪ ،‬واإلما ُم أحمدُ ُيقد ُمه على غيره‪ ،‬وب اين‬ ‫ُ‬ ‫مر ﭬ كما ب اينه اب ُن‬ ‫ل» [رواه مسلم موقو ًفا على ُع َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َغ ْي ُر َ‬
‫أوج ُه]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫القيم سبب تقديمه من عشـرة ُ‬ ‫اب ُن ِ‬
‫شـرق َوا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫ت ب ْي َن ا ْلم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اي ك ََما َباعَدْ َ َ‬ ‫الثاين‪« :‬ال ال ُه ام َباعدْ َب ْيني َو َب ْي َن َخ َطا َي َ‬
‫س‪ ،‬ال ال ُه ام ا ْغ ِس ْلنِي مِ ْن‬ ‫اي ك ََما ُينَ اقى الثا ْو ُب ْاألَ ْبيَ ُض م ِ َن الدا َن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ال ُه ام نَقني م ْن َخ َطا َي َ‬
‫اء َوا ْل َب َر ِد» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫َخ َطاياي بِال اث ْلجِ وا ْلم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ات َو ْاأل َ ْر َض َحنِي ًفا‪َ ،‬و َما َأنَا مِ َن‬ ‫الثالث‪« :‬وجه ُت وج ِهي ل ِ ال ِذي َف َطر السماو ِ‬
‫َ ا َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ا ْ‬ ‫ُ‬
‫شـريك َل ُه‪،‬‬‫َ‬ ‫اي َو َم َماتِي ل ِ ال ِه َرب ا ْل َعا َل ِمي َن‪َ ،‬ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل ُمشـركي َن‪ ،‬إِ ان َِ َالتي َو ُن ُسكي َو َم ْح َي َ‬
‫ِ‬
‫َوبِ َذل ِ َك ُأمِ ْر ُت َو َأنَا مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن‪ ،‬ال ال ُه ام َأن َْت ا ْل َملِ ُك َال إِ َل َه إِ اال َأن َْت‪َ ،‬أن َْت َربي َو َأنَا‬
‫وب‬ ‫الذنُ َ‬ ‫َع ْبدُ َل‪َ ،‬ظ َل ْم ُت َن ْفسـي‪َ ،‬وا ْعت ََر ْف ُت بِ َذ ْنبِي‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي ُذنُوبِي َج ِمي ًعا‪ ،‬إِ ان ُه َال َي ْغ ِف ُر ُّ‬
‫اِـرف َعني سـيئَ َها‬ ‫ْ‬ ‫إِ اال َأن َْت‪َ ،‬و ْاه ِدنِي ِألَ ْح َس ِن ْاألَ ْخ َال ِق َال َي ْه ِدي ِألَ ْح َسن ِ َها إِ اال َأن َْت‪َ ،‬و‬
‫صـرف َعني سـي َئ َها إِ اال َأن َْت‪َ ،‬ل اب ْي َك َو َس ْعدَ ْي َك َوا ْل َخ ْي ُر ُك ُّل ُه فِي َيدَ ْي َك‪َ ،‬والشـر َل ْي َس‬ ‫ُ‬ ‫َال َي‬
‫وب إِ َل ْي َك» [رواه مسلم](‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫إِ َل ْي َك‪َ ،‬أنَا بِ َك َوإ ِ َل ْي َك‪َ ،‬ت َب َارك َ‬
‫ْت َو َت َعا َليْ َت‪َ ،‬أ ْس َت ْغف ُر َل َو َأ ُت ُ‬
‫ض‪َ ،‬عال ِ َم‬ ‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫الرابع‪« :‬ال الهم رب ِجب ِر َيل ومِي َكائِ َيل وإِسـرافِ َيل‪َ ،‬فاطِر السمو ِ‬
‫َ ا ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ا َ ا ْ‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫اخ ُتلِ َ‬ ‫ون‪ْ ،‬اه ِدنِي ل ِ َما ْ‬ ‫يه َي ْختَلِ ُف َ‬ ‫اد َل فِيما كَانُوا فِ ِ‬
‫َ‬
‫الشهاد ِة‪َ ،‬أن َْت َتح ُكم بين ِعب ِ‬
‫ْ ُ َْ َ َ‬ ‫ب َو ا َ َ‬ ‫ا ْل َغ ْي ِ‬
‫يم» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫ِـراأ ُم ْست َِق ُ‬
‫ُ‬ ‫يه مِ َن ا ْل َحق بِإِ ْذن ِ َك‪ ،‬إِن َاك َأن َْت َت ْه ِدي َم ْن َت َشا ُء إ ِ َلى‬ ‫فِ ِ‬
‫يه» [رواه مسلم](‪.)5‬‬ ‫الخامس‪« :‬ا ْلحمدُ ل ِ ال ِه حمدً ا كَثِيرا َطيبا مباركًا فِ ِ‬
‫ً ً َُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )322‬موقوفًا على عمر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)144‬ومسلم (‪ )526‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )111‬من حديث علي بن أبي طالب ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )110‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )600‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫‪355‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫[رواه‬ ‫ان اهللِ ُب ْك َر ًة َو َأ ً‬


‫ِـيال»‬ ‫اهلل َأ ْك َب ُر َكبِ ًيرا‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ ل ِ ال ِه كَثِ ًيرا‪َ ،‬و ُس ْب َح َ‬ ‫السادس‪ُ « :‬‬
‫ِ‬
‫النافلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفريضة أو‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫ِ‬
‫الواردة؛ سوا ٌء يف‬ ‫ِ‬
‫االستفتاحات‬ ‫وغيرها مِ َن‬‫مسلم] ‪ُ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫التصـريح‬
‫ُ‬ ‫وإن جاء‬ ‫الفرائض والنوافلِ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫االستفتاحات ك ُّلها مشـروع ٌة يف‬ ‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫الفريضة إال لدليلُ؛ قال‬ ‫ِ‬ ‫ِح يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِح يف النافلة ا‬ ‫ببعضها أناها يف ِالة الليلِ‪ ،‬فما ا‬
‫ِ‬
‫االستفتاح كان‬ ‫عن النبي ﷺ مِ َن‬ ‫ببعض ما ُروي ِ‬ ‫ِ‬ ‫رجال استَفتَح‬ ‫أن ً‬ ‫اإلما ُم أحمدُ ‪« :‬لو ا‬
‫َح َسنًا»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫استفتاح ِ‬ ‫ُ‬
‫واحدة‪،‬‬ ‫ِالة‬ ‫ين يف‬ ‫َ‬ ‫بين‬
‫ام ُع َ‬ ‫لكن ال َي َ‬ ‫أخ َذ بواحد منها َألجز َأ‪ْ ،‬‬ ‫فلو َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول‬ ‫ورد عن‬‫االستفتاحات الطويل ُة يف ِالة ِالليلِ؛ كما َ‬ ‫ُ‬ ‫تكون‬ ‫ص على أن‬ ‫ويحر ُ‬
‫والقراءة إذا كان إما ًما‪ ،‬ولو ف َعل فال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكبيرة اإلحرا ِم‬ ‫يطول سكو ُته بين‬ ‫َ‬ ‫اهللِ ﷺ‪ ،‬ول ِ ا‬
‫ئال‬
‫بأس‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫قال اب ُن رج ُ‬
‫افتتاح وهو تكبير ُة‬ ‫ٌ‬ ‫هور‪ ،‬ولها‬ ‫فتاح وهو ال ُّط ُ‬ ‫ب‪« :‬الصال ُة لها م ٌ‬
‫ِ‬
‫االستفتاح»(‪.)3‬‬ ‫استفتاح وهو دعا ُء‬
‫ٌ‬ ‫اإلحرامِ‪ ،‬ولها‬
‫َ ُ‬
‫قراءة الفاتحة من سنن الصالة؛ ل ُعمو ِم قولـِه َتعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫(واتلهع ُّوذ)‪ :‬فاالستعاذ ُة َ‬
‫قبل‬
‫﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [النحل‪.]26 :‬‬
‫َ‬
‫أحاديث‪.‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف‬
‫ِ‬ ‫ووردت االستعاذ ُة عن‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ولالستعاذة ِِ ِ‬
‫فتان‪:‬‬
‫خ ِه‪،‬‬
‫يم؛ مِن َهم ِز ِه‪ ،‬و َن ْف ِ‬ ‫يم مِن الشـي َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الرج ِ ْ ْ‬
‫ان ِ‬
‫ا‬ ‫السمي ِع ا ْل َعلِ ِ َ‬
‫يقول‪َ « :‬أ ُعو ُذ بِاهلل ا‬
‫أن َ‬ ‫ْ‬
‫داو َد والرتمذي(‪.)4‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َو َن ْفثِ ِه»‪ ،‬دل لها‬
‫حديث أبي سعيد ﭬ عند أبي ُ‬
‫ِ‬ ‫الر ِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اآلية‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫يم»؛ ل ُعمو ِم‬ ‫يقول‪َ « :‬أ ُعو ُذ بِاهلل م َن الشـي َطان ا‬ ‫َ‬ ‫أو‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )601‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)143/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتح (‪.)316/6‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)115‬والرتمذي (‪ )242‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪356‬‬

‫الرزاق َعن َأبِي س ِع ُ‬ ‫اف ِ‬


‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [النحل‪ ،]26 :‬ويف مصن ِ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫عبد‬ ‫ُ‬
‫قول أحمدَ ‪ ،‬والشافعي‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان َي ُقو ُلها َق ْب َل ا ْل ِق َرا َء ِة»(‪ .)1‬وهذا ُ‬ ‫ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫وأبي َحنيف َة(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القراءة يف ِ‬
‫قول ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َُ‬
‫العلماء‪.‬‬ ‫أكثر‬ ‫الصالة َ‬
‫قبل‬ ‫(والبسملة)‪ :‬ف َا ْل َب ْس َم َل ُة‪ ،‬م ْن ُسن َِن‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪:‬‬
‫حديث ُأم س َلم َة ڤ َأن َاها سئِ َل ْت َع ْن قِراء ِة رس ِ‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ويدُ ُّل لـه‪:‬‬
‫َان ُي َقط ُع قِ َرا َء َت ُه آ َي ًة آ َيةً‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬ ‫«ك َ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠ﴾[الفاتحة‪.)3(]4-1 :‬‬
‫ات َي ْو ُم َب ْي َن َأ ْظ ُه ِرنَا إِ ْذ َأ ْغ َفى‬ ‫ول اهللِ ﷺ َذ َ‬ ‫َس ﭬ َق َال‪َ :‬ب ْينَا َر ُس ُ‬ ‫وحديث َأن ُ‬
‫ول اهللِ؟ َق َال‪ُ « :‬أن ِْز َل ْت َع َل اي‬ ‫إِ ْغ َفا َءةً‪ُ ،‬ث ام َر َف َع َر ْأ َس ُه ُم َت َبس ًما‪َ ،‬ف ُق ْلنَا‪َ :‬ما َأ ْض َح َك َك َيا َر ُس َ‬
‫ور ٌة»؛ َف َق َر َأ‪ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴿ﮆ ﮇ ﮈ﴾‪[ »...‬رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫آن ًفا ُس َ‬
‫وأحمدَ‬
‫َ‬ ‫اإلسـرار هبا‪ ،‬وبه قال الخلفاء الراشدون وهو مذهب أبي َحنيف َة‬ ‫ُ‬ ‫والسن ُة‬
‫َ‬
‫وإسحاق(‪.)5‬‬
‫ان‪،‬‬ ‫ف النابِي ﷺ َو َأبِي َب ْك ُر َو ُع َم َر َو ُع ْث َم َ‬ ‫أنس ﭬ‪ َِ « :‬ال ْي ُت َخ َل َ‬ ‫ويدُ ُّل له‪ :‬قول ُ‬
‫ِ‬ ‫ون بِـ «ا ْل َح ْمدُ ل ِ ال ِه َرب ا ْل َعا َل ِمي َن»‪َ ،‬ال َي ْذ ُك ُر َ‬ ‫َف َكانُوا َي ْس َت ْفتِ ُح َ‬
‫الر ْح َم ِن‬ ‫ون «بِ ْس ِم اهلل ا‬
‫آخ ِر َها» [متفق عليه](‪.)6‬‬ ‫يم» فِي َأو ِل قِراء ُة و َال فِي ِ‬ ‫الر ِح ِ‬
‫ا َ َ َ‬ ‫ا‬
‫بالاهر بالبسملة‪ ،‬فهي نوعان‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وأ اما أدل ُة القائلِ َ‬
‫ين‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫األُولى‪:‬‬
‫الصالة‪،‬‬ ‫داخل‬ ‫الاهر هبا‬ ‫مشـروعية‬ ‫ِـريحة يف‬ ‫أحاديث ِحيح ٌة ُ‬
‫غير‬
‫(‪ )1‬مصنف عبدالرزاق (‪.)2562‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)146/2‬الروض (‪.)246/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)4001‬والرتمذي (‪ ،)2221‬وأحمد (‪ )26563‬من حديث أم سلمة ڤ‪ .‬قال‬
‫الدارقطني‪ :‬إسناده ِحيح‪ ،‬وكلهم ثقات‪ ،‬وِححه الحاكم‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)343‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )400‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬تحفة األحوذي (‪.)42/2‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)143‬ومسلم (‪ )322‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫‪357‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫أنس ﭬ‬ ‫ِ‬
‫كحديث ُ‬ ‫ِ‬
‫الاهر هبا عند القراءة؛‬ ‫ِ‬
‫مشـروعية‬ ‫وغاي ُة ما فيها أناها تدُ ُّل على‬
‫رسول اهللِ ﷺ(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قراءة‬ ‫ِ‬
‫وِف‬ ‫ِ‬
‫السنن يف‬ ‫عند البخاري(‪ ،)1‬وأم َس َل َم َة ڤ يف‬
‫مثل‬ ‫أحاديث ضعيفةٌ؛ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الاهر هبا وهي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مشـروعية‬ ‫أحاديث ِـريح ٌة يف‬ ‫ُ‬ ‫الثاني ُة‪:‬‬
‫الر ِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬ ‫ِ‬
‫يم»(‪،)3‬‬ ‫َان َي ْا َه ُر بِبِ ْس ِم اهلل ا‬
‫الر ْح َم ِن ا‬ ‫اس ﭭ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫حديث ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫يص ُّح منها شـي ٌء‪ ،‬وذكَر ِع َل َلها‪ ،‬وقال‬ ‫الفتح‪ ،‬وبين أناه ال ِ‬
‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رجب يف‬ ‫وقد ساقها اب ُن‬
‫بح َث‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العقيلي والدار ُقطني‪« :‬ال ِ‬
‫حديث ُمسنَدٌ »‪ ،‬وقد َ‬ ‫بالبسملة‬ ‫الاهر‬ ‫يص ُّح يف‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ ُّ‬
‫وأجاب عن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األقوال‬ ‫فتح الباري‪ ،‬وذكَر‬ ‫وس ًعا يف ِ‬ ‫رجب بح ًثا ُم ا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحافظ اب ُن‬ ‫المسأل َة‬
‫ِ‬
‫المسألة أن ُتقرأ‬ ‫ورجح ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولكن‬
‫ْ‬ ‫التحقيق يف‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫الاهر هبا‪ ،‬وأناه ال حا َة فيها‪ ،‬ا‬ ‫أدلة‬
‫سـر ًا(‪.)4‬‬
‫سورة «النم ِل»‪ ،‬واختَلفوا هل‬ ‫ِ‬ ‫آية مِن‬ ‫بعض ُ‬ ‫أن البسمل َة ُ‬ ‫فق العلما ُء على ا‬ ‫وقد ا ات َ‬ ‫ِ‬
‫قولين هما روايتان يف المذهب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الفاتحة؟‪ ،‬على‬ ‫ِ‬ ‫هي آي ٌة مِ َن‬
‫الفاتحة‪ ،‬وإناما هي آي ٌة م ِ‬
‫ستق الة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أن البسمل َة ليست آي ًة مِ َن‬ ‫المذهب‪ :‬ا‬ ‫األولى وهي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بار ِل وأبي َحنيفةَ‪ ،‬ورواي ٌة‬ ‫مذهب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُكتِبت لل َف ْصل والترب ُِّل‬
‫الم َ‬ ‫ابن ُ‬ ‫ُ‬ ‫واالبتداء هبا‪ ،‬وهو‬
‫تاتم ُع األدل ُة»(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫القول به‬‫َ‬ ‫إن هذا‬ ‫عن أحمدَ ‪ ،‬واختاره اب ُن تيميةَ‪ ،‬وقال‪ « :‬ا‬
‫مسلم عن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ قال‪َ « :‬ق َال ُ‬
‫اهلل َت َعا َلى‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫والدليل‪ :‬ما رواه‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )5046‬من طريق قتادة‪ ،‬قال‪ :‬سئل أنس كيف كانت قراءة النبي ﷺ؟ فقال‪« :‬كانت مدا»‪ ،‬ثم‬
‫قرأ‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬يمد ببسم اهلل‪ ،‬ويمد بالرحمن‪ ،‬ويمد بالرحيم»‪ .‬ومن حديث أنس ﭬ‪ ،‬وفيه‬
‫ِ‬
‫ور ٌة»؛ َف َق َر َأ‪ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﮋ ﮆ ﮇ ﮈﮊ‪ ،»...‬وسبق‬ ‫أن النبي ﷺ قال‪ُ « :‬أن ِْز َل ْت عَ َل اي آن ًفا ُس َ‬
‫تخرياه ص(‪.)356‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)356‬‬
‫(‪ )3‬رواه الدارقطني (‪ ،)66/2‬و الحاكم (‪ )326/1‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬وضعفه ابن رجب يف الفتح‬
‫(‪.)412/6‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري (‪.)362/6‬‬
‫(‪ )5‬الفتاوى (‪.)216/22‬‬

‫‪351‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪358‬‬

‫الص َال َة َب ْينِي َو َب ْي َن َع ْب ِدي ن ِ ْص َفيْ ِن‪َ ،‬ول ِ َع ْب ِدي َما َس َأ َل‪َ ،‬فإِ َذا َق َال ا ْل َعبْدُ ‪﴿ :‬ﭖ‬ ‫َق َس ْم ُت ا‬
‫اهلل َت َعا َلى‪َ :‬ح ِمدَ نِي َع ْب ِدي‪َ ،‬وإِ َذا َق َال‪﴿ :‬ﭛ ﭜ﴾‪َ ،‬ق َال‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ﴾‪َ ،‬ق َال ُ‬
‫اهلل َت َعا َلى‪َ :‬أ ْثنَى َع َل اي َع ْب ِدي‪.)1(»...‬‬ ‫ُ‬
‫القراءة الواجبة‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن البسمل َة ليست م َن‬ ‫ِ‬
‫ولم َيذ ُك ِر البسمل َة يف أولها‪ ،‬فدَ ال على ا‬
‫أن البسمل َة ليست مِ َن‬ ‫أوض ُح ما ُيحت َُّج به على ا‬ ‫الحديث َ‬‫َ‬ ‫إن هذا‬ ‫النووي‪ « :‬ا‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ِ‬
‫الفاتحة»(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫حديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫ول اهلل ﷺ َي ْس َت ْفت ُح ا‬
‫الص َال َة‬ ‫ُ‬ ‫و ُيؤيدُ ه‪:‬‬
‫بِال ات ْكبِ ِير‪َ ،‬وا ْل ِق َرا َء ِة‪ ،‬بِـ ا ْل َح ْمدُ ل ِ ال ِه َرب ا ْل َعا َل ِمي َن» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫الفاتحة‪ ،‬وهو قول الشافعي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫أن البسمل َة آي ٌة مِن‬ ‫الرواية الثانية‪ :‬ا‬
‫َان ياهر بِبِس ِم اهللِ‬ ‫عباس ﭭ‪َ « :‬أ ان رس َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بحديث ِ‬ ‫واستدَ ُّلوا‪:‬‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ابن‬
‫الر ِح ِ‬
‫يم»‪.‬‬ ‫الر ْح َم ِن ا‬‫ا‬
‫غيرها م َن السور إال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألظهر‪ :‬القول األول‪ ،‬وأهنا ليست آي ًة م َن الفاتحة وال من ِ‬
‫ِ‬
‫بدون‬ ‫ألن الصحاب َة ﭫ كتبوها وتوا َت َر عنهم ذلك‬ ‫النمل‪ ،‬وإنما هي آي ٌة مستقلةٌ؛ ا‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫المصحف ما ليس مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫العلم بأناهم كانوا ال َيك ُتبون يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫نكير‪ ،‬مع‬
‫دليل على أناها ليست منها‪.‬‬ ‫السورة التي بعدَ ها ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فصلوها ِ‬
‫عن‬ ‫وكو ُنهم َ‬
‫الفاتحة و ُأعطِ َي ْت َر ْق ًما‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أول ُ‬
‫آية يف‬ ‫اآلن مِ َن أناها ُ‬ ‫المصاحف َ‬ ‫ِ‬ ‫وجدُ يف بعض‬ ‫وما ُي َ‬
‫ِ‬
‫المسألة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القولين يف‬ ‫فهذا مبني على ِ‬
‫أحد‬ ‫ٌّ‬
‫ُ‬
‫ترقيم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأ اما يف بقية السور فلم ُت َعدا من آيات السورة‪ ،‬ولذا ُتركت بال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تاب‬ ‫ِ‬
‫الفاتحة قال‪:‬‬ ‫إن البسمل َة آي ٌة مِ َن‬ ‫ِ‬
‫المسألة‪َ :‬من قال‪ :‬ا‬ ‫ِ‬
‫الخالف يف هذه‬ ‫وثمر ُة‬
‫ُ‬
‫الفاتحة‪ ،‬قال‪ :‬ال َت َلزم قراء ُتها يف الصالة‬ ‫ِ‬ ‫قراء ُتها يف الصالة‪ ،‬و َمن قال‪ :‬ليست آي ًة مِ َن‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )325‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬شـرح النووي على مسلم (‪.)103/4‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬

‫‪356‬‬
‫‪359‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫وهو األظهر‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫(وقول‪« :‬آمِي»)‪ :‬فالتأمي ُن بعد قراءة الفاتحة مستحب لإلما ِم والمأمومِي َن‬
‫جمي ًعا‪ ،‬وهو من سنن الصالة؛ لقول النابِي ﷺ‪« :‬إِ َذا َأم َن ِ‬
‫اإل َما ُم َف َأمنُوا؛ َفإِ ان ُه َم ْن َوا َف َق‬ ‫ا‬
‫الم َالئِ َك ِة ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ْأمينُ ُه َت ْأمي َن َ‬
‫مذهب اإلما ِم أحمدَ والشافعي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ين‪ ،‬وهو‬ ‫الاهر هبا لإلما ِم والمأموم َ‬ ‫والسنة‬
‫ِ‬
‫باإلسـرار‪.‬‬ ‫والحنفية‪ ،‬إذ قالوا‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للمالكية‬ ‫وإسحاق‪ِ ،‬خال ًفا‬‫َ‬
‫خلف اإلمامِ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالتأمين‬ ‫ِ‬
‫الاهر‬ ‫ِ‬
‫لمشـروعية‬ ‫ويدُ ُّل‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا َق َر َأ ﴿ﭲ ﭳ﴾ َق َال‪:‬‬ ‫حديث َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬ ‫ُ‬
‫«آمِي َن»‪َ ،‬و َر َف َع بِ َها َِ ْو َت ُه» [رواه أبوداود والرتمذي وحسنه](‪.)2‬‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا َت َال ﴿ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫وع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫[رواه أبو داود وفيه‬ ‫ﭲﭳ﴾ َق َال‪« :‬آمي َن»‪َ ،‬حتاى َي ْس َم َع َم ْن َيلِيه م َن ا‬
‫الصف ْاألَ او ِل»‬
‫ضعف](‪.)3‬‬
‫ا ِد َل َل اا ًة»(‪.)4‬‬ ‫الز َب ْي ِر َوم ْن َوراء ُه؛ َحتاى إِ ان ل ِ ْلمس ِ‬ ‫ُ‬
‫عطاء َق َال‪َ « :‬أ ام َن ا ْب ُن ُّ‬ ‫وعن‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫محمد ﷺ؛ إذا قال اإلما ُم‪ :‬وال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أِحاب‬ ‫َين مِن‬
‫أدركت مائت ِ‬ ‫ُ‬ ‫عطاء قال‪« :‬‬ ‫ُ‬ ‫وعن‬
‫البيهقي َع ْن ِع ْك ِر َم َة َأ ان ُه َق َال‪َ « :‬أ ْد َرك ُ‬
‫ْت َه َذا‬ ‫ُّ‬ ‫عت لهم َض اا ًة»(‪ ،)5‬وروى‬ ‫سم ُ‬ ‫الضالين ِ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)160‬ومسلم (‪ )410‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)232‬والرتمذي (‪ ،)246‬وأحمد (‪ )16642‬من حديث وائل بن حار ﭬ‪ .‬وحسنه‬
‫الرتمذي‪ ،‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)511/3‬وابن حار يف التلخليص الحبير (‪،)561/1‬‬
‫واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)663‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)234‬وابن ماجه (‪ )653‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وفيه بشـر بن رافع ضعيف‪ ،‬وابن عم‬
‫أبي هريرة قيل‪ :‬ال يعرف‪ ،‬وقد وثقه ابن حبان (التلخيص الحبير ‪ .)563/1‬وضعفه األلباين يف ضعيف أبي‬
‫داود (‪.)166‬‬
‫(‪ِ )4‬حيح البخاري‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب جهر اإلمام بالتأمين‪.‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري البن رجب (‪.)26/1‬‬

‫‪352‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪360‬‬

‫ادَ ‪َ ،‬و َل ُه ْم َض اا ٌة بِآمِي َن»(‪.)2()1‬‬ ‫ا ْلمس ِ‬


‫َ ْ‬
‫يتأخ َر عنه‪ ،‬وإليه ذهب‬ ‫التأمين‪ ،‬وال ا‬ ‫ِ‬ ‫قار َن المأمو ُم إما َمه يف‬ ‫أن ُي ِ‬ ‫ُ‬
‫واألفضل ْ‬
‫الشافعي ُة والحنابل ُة‪.‬‬
‫الم َالئِ َك ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويدُ ُّل لـه‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ ام َن اإل َما ُم َف َأمنُوا؛ َفإ ِ ان ُه َم ْن َوا َف َق َت ْأمينُ ُه َت ْأمي َن َ‬
‫ين» [متفق‬
‫ول اهللِ ﷺ ي ُق ُ ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫اب‪َ « :‬وك َ‬ ‫ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه»‪َ ،‬و َق َال ا ْب ُن ِش َه ُ‬
‫ول‪ :‬آم َ‬ ‫َ‬
‫عليه](‪.)3‬‬
‫ول‪ :‬آمِي َن‪،‬‬ ‫ول‪ :‬آمِي َن‪َ ،‬وإِ ان ْ ِ‬
‫اإل َما َم َي ُق ُ‬ ‫ويف رواية أحمد والنسائي‪َ « :‬فإِ ان ا ْل َم َالئِ َك َة َت ُق ُ‬
‫َف َم ْن َوا َف َق َت ْأمِينُ ُه َت ْأمِي َن ا ْل َم َالئِ َك ِة ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه»(‪.)4‬‬
‫ِ‬
‫اإلخالص‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القول‪ ،‬ويف‬ ‫والمراد‪ :‬الموافقة يف‬
‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫الس َ‬ ‫َ ُ ُّ‬
‫الفاتحة يف‬ ‫الفاحت ِة)‪ :‬ومن السنن قراء ُة ما تيسـر بعدَ‬ ‫ورة ِ بعد‬ ‫(وق ِراءة‬
‫كحديث أبي قتاد َة ﭬ(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫الدائم؛‬ ‫ِ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫هدي‬ ‫الركعتين األُول َي ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ين؛ ألنه ُ‬
‫ستحب‪.‬‬ ‫أن ما زاد على الفاتحة ُم‬ ‫ِ‬
‫العلماء ا‬ ‫وجمهور‬
‫ٌّ‬ ‫ُ‬
‫جواز‬
‫ُ‬ ‫فهم منه‬ ‫َاب» [متفق عليه] ‪ ،‬ف ُي َ‬
‫(‪)6‬‬ ‫لقوله ﷺ‪َ « :‬ال َِ َال َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ‬
‫االكتفاء هبا‪ ،‬ويف الصحيحين عن أبي هريرة ﭬ قال‪« :‬فِي ُكل َِ َال ُة ُي ْق َر ُأ‪َ ،‬ف َما‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ َأ ْس َم ْعنَا ُك ْم‪َ ،‬و َما َأ ْخ َفى َعناا َأ ْخ َفيْنَا َعنْ ُك ْم‪َ ،‬وإِ ْن َل ْم َت ِز ْد َع َلى ُأم‬ ‫َأ ْس َم َعنَا َر ُس ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ لم ُيعل ْمها المسـي َء يف‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫وألن‬ ‫ت َف ُه َو َخ ْي ٌر»(‪.)7‬‬ ‫ت‪َ ،‬وإِ ْن ِز ْد َ‬ ‫آن َأ ْج َز َأ ْ‬‫ال ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫ِالتِه‪ ،‬وإنما قال‪« :‬إِ َذا ُقم َت إِ َلى الص َال ِة َف َكبر‪ُ ،‬ثم ا ْقر ْأ ما َتيسـر مع َك مِن ال ُقرآن»ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ا َ َ َ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬البيهقي يف معرفة السنن واآلثار (‪.)3161‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري البن رجب (‪.)26/1‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)352‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي (‪ ،)144/2‬وأحمد (‪ ،)1161‬وابن خزيمة (‪ )515‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)326‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)112‬ومسلم (‪ )326‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫‪361‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫[متفق عليه](‪.)1‬‬
‫فالسنة المحافظة على قراءة ما تيسر بعد الفاتحة يف الركعتين األوليين‪ ،‬وأن‬
‫أخ ال به‪ ،‬وقد قال‬ ‫رسول اهللِ ﷺ الذي لم ُين َقل عنه أناه َ‬ ‫ِ‬ ‫هدي‬
‫ُ‬ ‫لعبادتِ ِه‪ ،‬فهذا‬ ‫حتاأ ِ‬
‫َ‬ ‫َي‬
‫ِ‬ ‫لكن ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاتحة فصالته‬ ‫لو اقتصـر على‬ ‫ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُموني ُأ َِلي» [متفق عليه] ‪ْ ،‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الوجوب‪.‬‬ ‫للقول بعد ِم‬ ‫شهد‬ ‫ِحيحة؛ لألدلة السابقة التي َت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لإلم ِ‬‫َ‬ ‫هر بال ِق َر َ‬ ‫واجل ُ‬ ‫( َ‬
‫الاهرية؛ ألن‬ ‫الصالة‬ ‫ام)‪ :‬فالسنة لإلمام الاهر بالقراءة يف‬ ‫اءة ِ‬
‫اهر هبا‪ ،‬والامهور يرون استحباب ذلك‪ ،‬ولو أسـر ا‬
‫فإن‬ ‫َ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ كان َي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرسول ﷺ‪.‬‬ ‫هدي‬
‫لمخالفته َ‬ ‫ِال َته ِحيح ٌة إال أناه أسا َء؛ ُ‬
‫وابن أبي‬‫مذهب أبي حنيفة ِ‬ ‫ياوز تر ُكه‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫واجب ال‬ ‫ِ‬
‫الاهرية‬ ‫وقيل الاهر يف‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ستم ُّر‪ ،‬وقد قال ﷺ‪:‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫هدي‬ ‫ألن هذا‬ ‫الحنابلة؛ ا‬ ‫ِ‬ ‫وطائفة مِ َن‬
‫ُ‬ ‫َلي َلى‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الاهرية فقد ِ الى‬ ‫ِ‬ ‫فمن أسـر يف‬ ‫« َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»‪،‬‬
‫والعبادات توقيفيةٌ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫هدي النبي ﷺ‪ ،‬وقد قال ﷺ كما يف الصحيحين‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس‬ ‫ِ‬ ‫على ِ‬
‫غير‬
‫َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)4()3‬‬
‫ورد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سلم أن ُيحافِ َظ على‬ ‫الم ِ‬
‫واإلسـرار يف السـرية‪ ،‬كما َ‬ ‫الاهرية‪،‬‬ ‫الاهر يف‬ ‫فعلى ُ‬
‫ِ‬
‫باإلعادة‬ ‫ولكن ال ُيؤ َم ُر‬‫ْ‬ ‫ب السنةَ‪،‬‬ ‫ف فقد أسا َء ولم ُي ِص ِ‬ ‫فإن خا َل َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫عن‬
‫األرج ِح‪.‬‬
‫َ‬ ‫على‬
‫إسماع ِ‬ ‫الاهرية؛ ألنه ال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫غيره‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قصدُ‬ ‫َ‬ ‫الصالة‬ ‫الاهر يف‬ ‫ُ‬ ‫أم ِ‬
‫وم)‪:‬‬ ‫(ويكره للم‬
‫ِ‬
‫باإلنصات‬ ‫مأمور‬ ‫وألن قراء َة إمامِه تكفيه‪ ،‬وألناه‬ ‫ا‬ ‫ولئال ُيشوش على َمن إلى جنبِه‪،‬‬ ‫ا‬
‫ٌ‬
‫إلمامِه كما قال َتعالى‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬
‫(‪ )4‬شـرح العمدة (‪ ،)60/1‬الفتح البن رجب (‪.)36/1‬‬

‫‪361‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪362‬‬

‫ِ‬
‫الصالة»(‪ ،)1‬وألناه لم ُين َقل‬ ‫ِ‬
‫القراءة يف‬ ‫[األعراف‪ ،]204 :‬قال اإلما ُم أحمدُ ‪َ « :‬نزلت يف‬
‫السلف ‪.ô‬‬ ‫ِ‬ ‫فع ُله عن‬
‫َُهُ ُ َ ُ‬
‫إسماع َمن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الاهر‬ ‫ألن المقصو َد مِ َن‬ ‫ِ‬
‫واإلسـرار؛ ا‬ ‫ِ‬
‫الاهر‬ ‫ري المنف ِرد)‪ :‬بي َن‬‫(وَي‬
‫جهر ْ‬
‫وإن‬ ‫إن شا َء َ‬ ‫وس واإلما ُم أحمدُ ‪ْ « :‬‬ ‫او ٌ‬ ‫خل َفه‪ ،‬والمنفر ُد ال يأ َت ُّم به أحدٌ ‪ ،‬قال َط ُ‬
‫شا َء خا َف َت»(‪.)2‬‬
‫حصل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واألَولى يف حقه إذا ِ الى ُم ِ‬
‫نفسه و َي ُ‬‫نفر ًدا أن ياهر يف الاهرية ل ُيسم َع َ‬
‫الوجوب‪ ،‬وإنما على‬ ‫ِ‬ ‫برسول اهللِ ﷺ‪ ،‬ويسـر يف السـرية‪ ،‬وهذا ليس على‬ ‫ِ‬ ‫االقتدا ُء‬
‫فعي(‪.)3‬‬ ‫والشا‬ ‫أحمد‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫اإلما‬ ‫مذهب‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األفضلية‬ ‫سبي ِل‬
‫َ‬ ‫ه ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رض‪ ،‬وم َ‬ ‫ِلء الس َماءِ‪ ،‬وم َ‬ ‫عد اتلهح ِمي ِد‪« :‬م َ‬ ‫َ ُ ِ َ َ‬
‫ِلء ما‬ ‫ِلء األ ِ‬ ‫ري المأموم‪ ،‬ب‬
‫(وقول غ ِ‬
‫ِ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫للمصلي بعدَ الرف ِع م َن الركو ِع إذا قال‪« :‬ر ابنا ولك‬ ‫ب ُ‬ ‫ِشئت مِن َشء بعد»)‪ُ :‬ي َ‬
‫ستح ُّ‬
‫ُ‬
‫شـيء َب ْعدُ »‪،‬‬ ‫ض‪َ ،‬ومِ ْل َء َما ِشئْ َت مِ ْن‬ ‫ات‪َ ،‬ومِ ْل َء ْاألَ ْر ِ‬ ‫يقول‪« :‬مِ ْلء السماو ِ‬ ‫أن َ‬ ‫الحمد» ْ‬
‫َ ا َ َ‬
‫فالمؤلف يرى أناه ال يستحب‬ ‫ُ‬ ‫والمنفرد‪ ،‬وأ اما المأمو ُم‬‫ِ‬ ‫مشـروع يف حق اإلما ِم‬ ‫وهذا‬
‫ٌ‬
‫يف حقه ألنه متابع إلمامه‪.‬‬
‫صل؛ إما ًما أو مأمو ًما أو منفر ًدا‪ ،‬وهو رواي ٌة‬ ‫واألقرب يف هذا‪ :‬أنه يستحب لكل ُم ن‬ ‫ُ‬
‫ومذهب اإلما ِم الشافعي(‪.)4‬‬ ‫ُ‬ ‫الخ اط ِ‬
‫اب‪،‬‬ ‫تيار أبي َ‬
‫عن اإلما ِم أحمدَ ‪ ،‬واخ ُ‬ ‫ِ‬
‫الر ُكو ِع َق َال‪َ « :‬ر ابنَا َل َك ا ْل َح ْمدُ مِ ْل ُء‬ ‫ِ‬
‫َان إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ‬
‫و َيدُ ُّل لـه‪َ :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪َ ،‬وم ْل ُء َما ش ْئ َت م ْن َش ْيء َب ْعدُ ‪ ،‬أ ْه َل ال اثنَاء َوا ْل َم ْاد‪ ،‬أ َح ُّق َما َق َال‬ ‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ا َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َع ْبدُ ‪َ ،‬و ُك ُّلنَا َل َك َع ْبدٌ ‪ :‬الل ُه ام َال َمان َع ل َما َأ ْع َط ْي َت‪َ ،‬و َال ُم ْعط َي ل َما َمنَ ْع َت‪َ ،‬و َال َينْ َف ُع َذا‬
‫ا ْل َاد مِن َْك ا ْل َادُّ » [رواه مسلم](‪ ،)5‬وقد قال ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسائل اإلمام أحمد رواية أبي داود ص (‪.)46‬‬


‫(‪ )2‬أثر طاووس‪ :‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ .)312/1‬وكالم أحمد‪ :‬يف المغني (‪.)211/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتح البن رجب (‪.)36/1‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)162/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )411‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪ ،‬و (‪ )416‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ ،‬و (‪ )111‬من حديث‬
‫=‬

‫‪362‬‬
‫‪363‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫نفرد دون المأمومِ؛ لدَ ِ‬ ‫والم ِ‬ ‫سمع اهلل لمن ِ‬


‫وقول‪ِ « :‬‬
‫ُ‬
‫اللة‬ ‫مشـروع لإلما ِم ُ‬‫ٌ‬ ‫حمدَ ه»‪:‬‬ ‫ُ َ‬
‫اهلل ل ِ َم ْن َح ِمدَ ُه‪َ ،‬ف ُقو ُلوا‪َ :‬ر ابنَا َو َل َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنة‪ ،‬كما يف الصحيحين‪َ « :‬وإِ َذا َق َال‪َ :‬سم َع ُ‬
‫الح ْمدُ »(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وع والسجودِ‪ ،‬و‪َ « :‬رب اغ ِف ْر ِ ْل»)‪ :‬فالزيادة‬ ‫الرك ِ‬ ‫سبيح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫(وما زاد ىلع الم هرة ِ يف ت‬
‫أحاديث ال تخلو من مقال‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫األمر بذلك يف‬ ‫ُ‬ ‫على المرة مستحب‪ ،‬وقد ورد‬
‫ان َربي ا ْل َعظِ ِ‬
‫يم َث َال ًثا‪َ ،‬فإِ َذا َف َع َل‬ ‫وع ِه‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫قوله ﷺ‪« :‬إِ َذا ركَع َأحدُ ُكم َف ْلي ُق ْل فِي ر ُك ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫َ‬
‫ان َرب َي ْاألَ ْع َلى‬ ‫َذل ِ َك َف َقدْ َت ام ُر ُكو ُع ُه‪َ ،‬وإِ َذا َس َادَ َأ َحدُ ُك ْم َف ْل َي ُق ْل في ُس ُاوده‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َث َال ًثا‪َ ،‬فإِ َذا َف َع َل َذل ِ َك َف َقدْ َت ام ُس ُاو ُد ُه‪َ ،‬و َذل ِ َك َأ ْدنَا ُه»(‪.)2‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬والعمل على هذا عند أهل العلم؛ يستحبون أن ال ينقص الرجل‬
‫تسبيحات»‪ ،‬وروي عن ابن المبارل أنه قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يف الركوع والساود من ثالث‬
‫ُ‬
‫تسبيحات لكي يدرل من خلفه ثالث‬ ‫«أستحب لإلمام أن يسبح خمس‬
‫ُ‬
‫تسبيحات»‪ ،‬وهكذا قال إسحاق(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫النقصان على‬ ‫ِ‬
‫استحباب عد ِم‬ ‫أن ُيستدَ ال هبا على‬ ‫ِ‬
‫اموعها تص ُل ُح ْ‬ ‫بم‬ ‫ُ‬
‫واألحاديث َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشـيخ‬ ‫واحدة‬ ‫الزيادة على‬ ‫قوى ورو َد‬ ‫ثالث تسبيحات يف الركو ِع والساود‪ ،‬وقد ا‬
‫ِ‬
‫الصحابة ﭫ(‪.)4‬‬ ‫لشواه ِدها العديدة ِ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫األلباينُّ؛‬
‫ِ‬
‫والساود‪ْ ،‬‬
‫وإن زاد على‬ ‫للمصلي أن ُيكثِ َر مِ َن التسبيحِ يف الركو ِع‬ ‫و َينبغي ُ‬
‫يش اق على َمن ورا َءه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بشـرأ اأال ُ‬ ‫أحس ُن‬ ‫ِ‬
‫الثالث فهو َ‬
‫=‬
‫علي ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)666‬والرتمذي (‪ ،)261‬وابن ماجه (‪ )620‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬وقال الرتمذي‪:‬‬
‫«حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل؛ عون بن عبداهلل بن عتبة لم يلق ابن مسعود»‪ ،‬وضعفه النووي يف‬
‫خالِة األحكام (‪ ،)321/1‬واأللباين يف ضعيف أبي داود (‪.)155‬‬
‫(‪ )3‬سنن الرتمذي (‪.)261( ،)46/2‬‬
‫(‪ )4‬إرواء الغليل (‪ ،)32/2‬وانظر‪ :‬تحفة األحوذي (‪.)131/2‬‬

‫‪363‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪364‬‬
‫ول اهللِ‬‫َس ﭬ‪ :‬ما َِ ال ْي ُت َوراء َأ َح ُد َب ْعدَ رس ِ‬ ‫داو َد والنسائي ع ْن َأن ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫وقد َروى أبو ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ مِ ْن َه َذا ا ْل َفتَى ‪َ -‬ي ْعنِي ُع َم َر ْب َن َع ْب ِدا ْل َع ِز ِيز‪َ -‬ق َال‪:‬‬
‫ﷺ َأ ْش َب َه َِ َال ًة بِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ات»(‪.)1‬‬ ‫ود ِه َعشـر َتسبِيح ُ‬ ‫ات‪ ،‬وفِي سا ِ‬ ‫وع ِه َعشـر َتسبِيح ُ‬
‫« َفح َزرنَا فِي ر ُك ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫السادتين‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الساود والركو ِع وبين‬ ‫فاألذكار يف‬
‫ُ‬
‫أقل الماز منها أن يقولها مر ًة واحدةً‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫َان إِ َذا َد َعا َد َعا‬ ‫َ‬ ‫أن ُيكر َرها ثال ًثا؛ لما روى مسلم ا‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫واألفضل ْ‬
‫َث َال ًثا‪َ ،‬وإِ َذا َس َأ َل َس َأ َل َث َال ًثا»(‪ ،)2‬وهذا منه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َََ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُّ‬ ‫ه ُ‬
‫يهم)‪:‬‬ ‫آهلِ علي ِه السالم‪ .‬والَبكة علي ِه وعل ِ‬ ‫خري‪ -‬ىلع ِ‬ ‫(والصالة ‪-‬يف التشه ِد األ ِ‬
‫األخير‪:‬‬
‫ُ‬ ‫والتشهدُ‬
‫ات‬ ‫اح اي ُ‬ ‫السنة؛ كما سبق بيا ُنه‪ ،‬وهي «الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫التحيات المعروف ُة؛ وهي ركن لدَ ِ‬
‫اللة‬ ‫ُ‬ ‫فيه‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس َال ُم‬‫الس َال ُم َع َل ْي َك َأ ُّي َها النابِ ُّي َو َر ْح َم ُة اهلل َو َب َركَا ُت ُه‪ ،‬ا‬
‫ات‪ ،‬ا‬ ‫ات َوال اطيبَ ُ‬ ‫الص َل َو ُ‬
‫ل اله‪َ ،‬و ا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الصالحي َن‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َال إ ِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ ان ُم َح امدً ا َعبْدُ ُه‬ ‫َع َل ْينَا َو َع َلى ع َباد اهلل ا‬
‫َو َر ُسو ُل ُه» [متفق عليه](‪.)3‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وفيه الصال ُة على‬
‫ومذهب اإلما ِم أحمدَ أهنا ركن ال تصح الصالة إال هبا وتقدم بياهنا يف الواجبات‪.‬‬ ‫ُ‬
‫كمالتِ‬ ‫السنن؛ ألناها مِن م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهي م َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفيها الصال ُة على ِ‬
‫آل‬
‫ُ‬
‫ب ْب ِن ُع ْا َر َة ﭬ قال‪:‬‬ ‫ين عن َك ْع ِ‬ ‫الصحيح ِ‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬كما يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة على‬
‫ف ُن َصلي َع َل ْي َك؟ َق َال‪ُ :‬قو ُلوا‪:‬‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬قدْ َعلِ ْمنَا َك ْي َ‬
‫ف ُن َسل ُم َع َل ْي َك‪َ ،‬ف َكيْ َ‬ ‫« ُق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫يم‪ ،‬إِن َاك َح ِميدٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ال ال ُه ام َِل َع َلى ُم َح امد‪َ ،‬و َع َلى آل ُم َح امد‪ ،‬ك ََما َِ ال ْي َت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)666‬والنسائي (‪ ،)1135‬وأحمد (‪ )12661‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬ويف سنده ماهول‪،‬‬
‫وحسنه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)414/1‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)346‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )1124‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)341‬‬

‫‪364‬‬
‫‪365‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫يم‪ ،‬إِن َاك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ْت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫آل ُم َح ام ُد‪ ،‬ك ََما بَ َارك َ‬ ‫ار ْل َع َلى م َحم ُد‪َ ،‬و َع َلى ِ‬
‫ُ ا‬ ‫ايدٌ ‪ ،‬ال ال ُه ام َب ِ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫تعليمهم‪ ،‬ولم‬ ‫حين سألوه‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َح ِميدٌ م ِ‬
‫َ‬ ‫فرسول اهلل ﷺ إناما أ َمرهم هبذه الصـيغة َ‬ ‫ايدٌ »(‪،)1‬‬ ‫َ‬
‫َيبت َِدئْهم هبا(‪.)2‬‬
‫ُّ َ َ َ‬
‫ستحب‪،‬‬‫ٌّ‬ ‫وقبل السال ِم ُم‬ ‫األخير َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التشهد‬ ‫وادلاع ُء بعدهُ)‪ :‬الدعا ُء بعدَ الفرا ِغ مِ َن‬ ‫(‬
‫التشهد‪ُ « :‬ث ام َيت ََخ اي ُر مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫النبي ﷺ قال يف‬ ‫ا‬
‫مسعود ﭬ ا‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫عن ِ‬
‫ابن‬ ‫ين ِ‬ ‫الصحيح ِ‬
‫َ‬ ‫ويف‬
‫مسلم عن‬ ‫ُ‬ ‫اء َأ ْع َا َب ُه إ ِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َيدْ ُعو»(‪ ،)3‬وآكده التعوذ من األربع الواردة يف ِحيحِ‬ ‫الدُّ َع ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬إِ َذا َف َر َغ َأ َحدُ ُك ْم مِ َن الت َاش ُّه ِد ْاآل ِخ ِر‪َ ،‬ف ْل َي َت َع او ْذ‬ ‫َأ َبي ُه َر ْي َر َة ﭬ قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ات‪َ ،‬ومِ ْن‬ ‫اب ا ْل َقب ِر‪ ،‬ومِن فِ ْتن َِة ا ْلمحيا وا ْلمم ِ‬
‫َ َْ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫اب َج َهن َام‪َ ،‬وم ْن َع َذ ِ ْ َ ْ‬ ‫بِاهللِ مِ ْن َأ ْر َبعُ‪ :‬مِ ْن َع َذ ِ‬
‫ال»(‪.)4‬‬‫شـر ا ْلمسـيحِ الدا اج ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أمور الدُّ نيا يف هذا الموط ِن؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدعو بحاجاته من ِ‬ ‫ِ‬
‫وهل للعبد ْ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫بمالذ الدنيا‪ ،‬وفيه نظر‪.‬‬‫ياوز لـه الدعا ُء َ‬
‫ُ‬ ‫ب‪ :‬أناه ال‬
‫المذه ُ‬
‫َ‬
‫والرواية الثانية جوازه وهي األقرب‪ :‬والدعاء المستحب هو الدعاء المشـروع‬
‫كثير‪ ،‬وأما الدعاء بغيره من ملذات الدنيا‬ ‫الوارد به الخرب عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫وزوجة‪ ،‬فياوز كما ذهب إليه اإلمام الشافعي وأحمد يف رواية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وبستان‬ ‫من طعا ُم‬
‫ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬لقول رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬ثم يت ََخير مِن الدُّ َع ِ‬
‫اء َأ ْع َا َب ُه إِ َل ْي ِه‪،‬‬ ‫ا َ اُ َ‬
‫َف َيدْ ُعو»‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪« :‬ال بأس أن يدعو الرجل باميع حوائاه من حوائج دنياه‬
‫واخرته»‪ .‬وقال ابن قدامة‪« :‬وهذا هو الصحيح إن شاء اهلل؛ لظواهر األحاديث»‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬
‫مستحب ‪-‬‬ ‫ُ‬
‫بدعاء غير‬ ‫ساق األدلة على هذا(‪.)5‬وقال شـيخ اإلسالم‪« :‬وأما الدعاء‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)3310‬ومسلم (‪ )406‬من حديث كعب بن عارة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)232/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)635‬ومسلم (‪ )402‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )566‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪.)231/2‬‬

‫‪365‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪366‬‬

‫ُ‬
‫مأثور‪ -‬فال تبطل به الصالة؛ ألهنا إنما تبطل بكالم االدميين»(‪ ،)1‬والدعاء‬ ‫أي غير‬
‫ليس من جنس كالمهم‪ ،‬بل هو كما لو أثنى على اهلل ثنا ًء لم يرد‪ ،‬وقد أثنى بعض‬
‫الصحابة يف عهد رسول اهلل ﷺ على اهلل ُ‬
‫بثناء لم يرد يف ذلك المكان‪ ،‬ولم يبطل‬
‫ِالهتم ﷺ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ايل َدين‪َ :‬م َع تَكب َ‬ ‫فع َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫األفعال‪ ،‬وت ه‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وس َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلحر ِام‪،‬‬ ‫رية ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫اَليئ‬ ‫سَّم‬ ‫ِ‬ ‫نن‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُّ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫فع مِنــه‪ .‬وحطهما ع ِقـب ذل ِك‪ .‬ووضــع ايلمن‬ ‫وع‪ ،‬وعِند الر ِ‬ ‫ِند الرك ِ‬ ‫وع‬
‫َ َُُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ُ ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫فرقته‬ ‫وض ِع سجو ِده ِ‪ .‬وت ُ ِ‬ ‫ِست ِ ِه‪ .‬ونظ ُره إىل م ِ‬ ‫مــال‪ ،‬وجعلهما حت‬ ‫ِ‬ ‫ىلع الش‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ ََ َ‬
‫ي قدمي ِه قائ ِما‪ .‬وقبض ُركبتي ِه بيدي ِه مف هرجيت األصابِـــ ِع يف ُركو ِع ِه‪.‬‬ ‫ب‬
‫كبتَيه‪ُ ،‬ثمه‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َُ َُ َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ضع ر‬ ‫حياهل‪ .‬وابلداءة يف سجو ِده ِ َبو ِ‬ ‫هره ِ فِي ِه‪ ،‬وجعل رأ ِس ِه ِ‬ ‫ومد ظ‬
‫ُ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ هِ َ َ‬ ‫ََ‬
‫رض‪ .‬ومبارشتها‬ ‫يدي ِه‪ ،‬ثم جبهتِ ِه وأن ِف ِه‪ .‬وتمكِي أعضاءِ السجو ِد مِن األ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َُ َ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ‬
‫كرهُ‪ .‬وُمافاة عضدي ِه عن جنبي ِه‪،‬‬ ‫في َ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ملحل السجودِ‪ِ ،‬س َوى الركبت‬
‫َُ‬ ‫ََ‬ ‫يق ُه بَ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ي ُركبتي ِه‪ .‬وإقامة‬ ‫فر‬
‫ِ‬ ‫وت‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ساق‬ ‫عن‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫وف‬ ‫يه‪،‬‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫عن‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫وب‬
‫ضع يَ َدي ِه َح ْذوَ‬ ‫َُهًَ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُُ‬ ‫ََ َ‬
‫رض مفرقة‪َ .‬وو‬ ‫ون أصاب ِ ِع ِهما ىلع األ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫عل‬ ‫وج‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫قد‬
‫هً‬ ‫َُْ ََ‬ ‫َْ َ َ ُ َ ً َ ُ ََ‬
‫ـــع‪ .‬ورفع يدي ِه أوال يف قِيا ِم ِه إىل‬ ‫منكِبي ِه مبسوطة مضمومة األصاب ِ ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ ََ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ‬
‫ور قدمي ِه‪ .‬واعتِماده ىلع َركبتي ِه بِيدي ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الركعةِ‪ .‬وقِيامه ىلع صد‬
‫ُ‬ ‫ه َ ُّ‬ ‫َ َ ه ََ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ُ‬
‫ي السجدتي‪ ،‬ويف التشه ِد األ هو ِل‪ .‬واتله َو ُّرك يف‬ ‫وس ب‬ ‫اجلل ِ‬ ‫واالفَّتاش يف‬ ‫ِ‬
‫وم َيت األصابــع‪ ،‬بَيَ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ ُ ََ‬ ‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين مبسوطتي‪ ،‬مضم‬ ‫ِ‬ ‫ين ىلع الف ِخذ‬ ‫ِ‬ ‫اثلاين‪ .‬ووضع ايلد‬
‫وابل ْن ُ َ‬ ‫َص ُ‬ ‫من اخلُ ْن ُ َ‬ ‫ه َ ُّ ه ه َ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ََ‬
‫َص‪،‬‬ ‫ي‪ .‬وكذا‪ :‬يف التشه ِد‪ ،‬إال أنه يقبِض مِن ايل‬ ‫السجدت ِ‬
‫َ ُُ َ ً‬ ‫َ ْ ه‬ ‫ُ ُ ه َ‬ ‫َ ُ ْ َ‬ ‫ُ ِّ ُ َ َ‬
‫وَيلق إبهامها مع الوسطى‪ ،‬ويشري بسبابتِها عِند ذِك ِر اَّللِ‪ .‬واتل ِفاته ي ِمينا‬
‫ُ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُُ َ‬ ‫هُُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ال ىلع‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫الش‬ ‫يل‬ ‫فض‬
‫ِ‬ ‫وت‬ ‫ِ‪.‬‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫الص‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫وج‬ ‫ر‬ ‫اخل‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ِي‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ِ ِِ‬‫م‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫يف‬ ‫ماال‬ ‫وش‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ات)‪.‬‬ ‫ي يف االتل ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ايل ِم‬
‫ِ‬ ‫السنن القولي َة ذكر السنن‬ ‫ات)‪ :‬لما ذكَر‬
‫َ‬ ‫ُ ه‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬
‫الفعلية‬ ‫َ‬ ‫ال‪ ،‬وتسَّم اَليئ ِ‬ ‫(وسنن األفع ِ‬
‫الصالة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫التي يستحب المحافظ ُة عليها يف ِ‬
‫أثناء‬ ‫ُ َ ُّ‬
‫ُ َ ُّ ُ‬ ‫ِند ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ايل َدين‪َ :‬م َع تكب َ‬ ‫َ‬ ‫فع َ‬ ‫َ ُ‬
‫فع مِنــه‪ .‬وحطهما‬ ‫الر ِ‬ ‫وع‪ ،‬وع‬ ‫ِند الرك ِ‬ ‫اإلحر ِام‪ ،‬وع‬ ‫رية ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(ر‬
‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)414/22‬‬

‫‪366‬‬
‫‪367‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫عدد مِ َن‬
‫التكبير يف ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫المواضعِ‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن َير َف َع يدَ ِيه عندَ‬ ‫للمصلي ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ستح ُّ‬ ‫ع ِقـب ذل ِك)‪ُ :‬ي َ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لماء‪ ،‬كما د الت عليه السن ُة الثابت ُة الصـريح ُة عن‬ ‫وهذا عليه أكثر الع ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ث ﭬ إِ َذا َِ الى َك اب َر‪،‬‬ ‫ين عن أبي قِالب َة‪ :‬أناه رأى مال ِ َك بن ا ْلحوي ِر ِ‬ ‫الصحيح ِ‬ ‫ففي‬
‫ْ َ ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ُكو ِع َر َف َع َيدَ ْي ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُث ام َر َف َع َيدَ ْيه‪َ ،‬وإِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي ْرك ََع َر َف َع َيدَ ْيه‪َ ،‬وإِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ‬
‫َان َي ْف َع ُل َه َك َذا»(‪.)1‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬ ‫ث « َأ ان َر ُس َ‬ ‫َو َحدا َ‬
‫ابن عمر ﭭ قال‪« :‬ر َأيت رس َ ِ‬
‫الص َال َة‬ ‫ول اهلل ﷺ إِ َذا ا ْف َتت ََح ا‬ ‫َ ْ ُ َ ُ‬ ‫ين عن ِ َ‬ ‫الصحيح ِ‬‫َ‬ ‫ويف‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُكوعِ‪َ ،‬و َال َي ْر َف ُع ُه َما َب ْي َن‬ ‫َر َف َع َيدَ ْيه َحتاى ُي َحاذ َي َمنْك َب ْيه‪َ ،‬و َق ْب َل َأ ْن َي ْرك ََع‪َ ،‬وإِ َذا َر َف َع م َن ُّ‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َر َف َع َيدَ ْي ِه»(‪،)2‬‬ ‫ِ‬
‫َان إِ َذا َقا َم م َن ا‬‫البخاري‪َ « :‬أ ان ا ْب َن ُع َم َر ﭭ ك َ‬ ‫ُّ‬ ‫الس ْادَ َت ْي ِن»‪ ،‬زاد‬ ‫ا‬
‫أِحاب النبي ﷺ َير َفعون أيد َيهم إذا ك ابروا‪ ،‬وإذا ركَعوا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رأيت‬
‫الحس ُن‪ُ « :‬‬ ‫وقال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫راو ُح»(‪.)3‬‬ ‫الم ِ‬ ‫رؤوسهم؛ كأناها َ‬ ‫َ‬ ‫وإذا ر َفعوا‬
‫الصالة أربع‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ين يف‬ ‫مواض ُع رف ِع اليدَ ِ‬ ‫مسألة‪ :‬و ِ‬
‫نذر واب ُن ُقدام َة(‪.)4‬‬ ‫الف‪ ،‬كما ن َقله ابن الم ِ‬ ‫تكبيرة اإلحرا ِم بال ِخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫األول‪ :‬مع‬ ‫ُ‬
‫ُ ُ‬
‫الثاين‪ :‬عندَ الركوعِ‪.‬‬
‫ث ﭫ يف‬ ‫وير ِ‬ ‫الح ِ‬ ‫ومالك ِ‬ ‫ِ‬ ‫حديث ِ‬ ‫ِ‬ ‫الثالث‪ :‬عندَ الرف ِع منه؛ لدَ ِ‬ ‫ُ‬
‫بن ُ‬ ‫مر‬
‫ابن ُع َ‬ ‫اللة‬
‫ين‪.‬‬ ‫الصحيح ِ‬ ‫َ‬
‫األول‪ ،‬وهذا َد ال لـه ما رواه البخاري‪َ « ،‬أ ان ا ْب َن‬ ‫ِ‬ ‫التشه ِد‬
‫ُّ‬ ‫الراب ُع‪ :‬عندَ القيا ِم مِ َن‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َر َف َع َيدَ ْي ِه»(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫َان إِ َذا َقا َم م َن ا‬ ‫ُع َم َر ﭭ ك َ‬
‫قر ُب مِن سبعة عشـر ِحابيا‪ ،‬كما ذكَر‬ ‫ين ما َي ُ‬ ‫أحاديث رف ِع اليدَ ِ‬ ‫َ‬ ‫وقد َر َوى‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)131‬ومسلم (‪ )321‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)132‬ومسلم (‪ )320‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)113/2‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)136/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)132‬ومسلم (‪ )320‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪368‬‬

‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫فات‪ُ ،‬كلها جائزةٌ‪:‬‬ ‫ثالث ِِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السابقة له‬ ‫ِ‬
‫المواض ِع‬ ‫مسألة‪ :‬ورف ُع اليدَ ِ‬
‫ين يف‬
‫مر ﭭ يف البخاري‪:‬‬ ‫لحديث ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرفع ُم ِ‬ ‫َ‬ ‫األُولى‪ْ :‬‬
‫ابن ُع َ‬ ‫للتكبير؛‬ ‫قارنًا‬ ‫ُ‬ ‫يكون‬ ‫أن‬
‫« َف َر َف َع َيدَ ْي ِه ِحي َن ُي َكب ُر»(‪.)2‬‬
‫ابن ُع َم َر ﭭ عندَ ُم ُ‬
‫سلم‪َ « :‬ر َف َع‬ ‫لحديث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التكبير؛‬ ‫الرفع َ‬
‫قبل‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫الثاني ُة‪ :‬أن‬
‫ُ‬
‫َيدَ ْي ِه‪ُ ،...‬ث ام َك اب َر»(‪.)3‬‬
‫ث ﭬ عند مسلم‬ ‫وير ِ‬
‫الح ِ‬ ‫مالك ِ‬ ‫لحديث ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الثالث ُة‪ْ :‬‬
‫بن ُ‬ ‫التكبير؛‬
‫ُ‬ ‫يكون الرفع بعد‬ ‫أن‬
‫أنه‪َ « :‬ك اب َر ُث ام َر َف َع َيدَ ْي ِه»(‪.)4‬‬
‫رفعهما إلى فرو ِع أذنيه أو إلى َح ْذ ِو َمنكِبيه‪ ،‬ومعناه‪:‬‬ ‫مسألة‪ :‬والمصلي مخير يف ِ‬
‫اٌ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫روي عن‬ ‫ين َم ٌّ‬ ‫األمر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن َيب ُل َغ بأطراف أِابِعه َمنكبيه؛ وكال َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫المنكِبين جاء يف‬
‫ابن ُعمر ﭭ(‪ ،)5‬وأبي ُح َميد ﭬ(‪.)6‬‬ ‫حديث ِ‬ ‫فالرفع إلى َح ْذ ِو َ‬ ‫ُ‬
‫سلم(‪،)7‬‬ ‫بن ُح ْار ﭬ كما عند ُم ُ‬ ‫َين جاء يف حديث وائ ِل ِ‬ ‫والرفع إلى فرو ِع األذن ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫بن الحو ِير ِ‬ ‫ِ‬
‫وميل اإلما ِم أحمدَ إلى األَ اول ُ‬
‫أكثر؛‬ ‫جائز‪ُ ،‬‬ ‫ث ﭬ ‪ ،‬وكالهما ٌ‬ ‫ومالك ِ ُ َ‬
‫)‬‫‪8‬‬ ‫(‬

‫رسول اهللِ ﷺ وأكثر مالزمة له(‪.)9‬‬ ‫ِ‬ ‫أقر ُب إلى‬ ‫ألن ُروا َته َ‬ ‫ا‬
‫ت ُ ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫( َ‬
‫قبض‬ ‫ِست ِ ِه)‪ :‬السن ُة يف القيا ِم ُ‬ ‫مــال‪ ،‬وجعلهما حت‬ ‫ِ‬ ‫ووضــع ايلُمن ىلع الش‬

‫كالم مفيد‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)260/2‬وفيه ٌ‬
‫(‪ِ )2‬حيح البخاري (‪ )136‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ِ )3‬حيح مسلم (‪ )320‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )321‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص(‪.)361‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص(‪.)331‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )401‬من حديث وائل بن حار ﭬ أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل يف الصالة كرب ‪-‬‬
‫وِف همام حيال أذنيه‪ ،-‬ثم التحف بثوبه‪ ،‬ثم وضع يده اليمنى على اليسـرى‪.‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)361‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪.)131/2‬‬

‫‪366‬‬
‫‪369‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫اليدَ ِ‬
‫ين ال إرسا ُلهما‪ ،‬وهدي رسول اهلل حال القيام يف الصالة القبض ال اإلرسال‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ون َأ ْن َي َض َع‬ ‫ااس ُي ْؤ َم ُر َ‬
‫َان الن ُ‬ ‫البخاري َع ْن َس ْه ِل بْ ِن َس ْع ُد ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫ُّ‬ ‫ما َرواه‬
‫ازمُ‪َ :‬ال َأ ْع َل ُم ُه‬ ‫الص َال ِة»‪َ ،‬ق َال َأبُو َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫الر ُج ُل ال َيدَ ال ُي ْمنَى َع َلى ذ َراعه ال ُيسـرى في ا‬ ‫ا‬
‫إ ِ اال َين ِْم ي َذل ِ َك إِ َلى الناب ِي ﷺ(‪.)1‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ُؤ ُّمنَا‪َ ،‬ف َي ْأ ُخ ُذ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫ب َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫وحسنه َع ْن ُه ْل ُ‬ ‫ا‬ ‫الرتمذي‬
‫ُّ‬ ‫وما َرواه‬
‫اب‬ ‫الع ْل ِم مِ ْن َأ ِْ َح ِ‬ ‫ِشما َله بِي ِمين ِ ِه»(‪ ،)2‬قال الرتمذي‪« :‬والعم ُل َع َلى َه َذا ِعنْدَ َأ ْه ِل ِ‬
‫ُّ َ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫الر ُج ُل َي ِمينَ ُه َع َلى ِش َمال ِ ِه فِي‬ ‫ين‪َ ،‬و َم ْن َب ْعدَ ُه ْم؛ َي َر ْو َن َأ ْن َي َض َع ا‬
‫ِ‬
‫النابِي ﷺ‪َ ،‬والتاابِع َ‬
‫الص َال ِة»‪.‬‬
‫ا‬
‫ين ورد له ِفتان‪:‬‬ ‫قبض اليدَ ِ‬ ‫مسألةٌ‪ُ :‬‬
‫حديث َس ْه ِل ا ْب ِن‬ ‫ُ‬ ‫دل لـه‬ ‫ذراعه ال ُيسـرى‪ ،‬كما ا‬ ‫ِ‬ ‫يضع يدَ ه ال ُيمنى على‬ ‫أن‬‫األُولى‪ْ :‬‬
‫َ‬
‫الر ُج ُل ال َيدَ ال ُي ْمنَى َع َلى‬ ‫ون َأ ْن َي َض َع ا‬ ‫ااس ُي ْؤ َم ُر َ‬ ‫َس ْع ُد ﭬ يف البخاري َقا َل‪« :‬ك َ‬
‫َان الن ُ‬
‫الص َال ِة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذ َراعه ال ُيسـرى في ا‬
‫ِ ِِ‬
‫ِ‬
‫والساعد؛ لما َرواه‬ ‫يضع ك افه ال ُيمنى على كفه ال ُيسـرى ُّ‬
‫والر ْس ِغ‬ ‫َ‬ ‫الثاني ُة‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫رسول اهللِ ﷺ وقال‪ُ « :‬ث ام َو َض َع‬ ‫ِ‬ ‫وِف ِال َة‬ ‫بن ُح ْار ﭬ أناه َ‬ ‫النسائي عن وائ ِل ا ِ‬
‫ُّ‬
‫فالمصلي مخ اي ٌر بين ها َتينِ‬ ‫ِ ِ (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫الساعد» ‪ُ .‬‬ ‫الر ْس ِغ َو ا‬ ‫َيدَ ُه ا ْل ُي ْمنَى َعلى كَفه ال ُيسـرى َو ُّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )140‬من حديث سهل بن سعد ﭬ‪ .‬وروى مسلم (‪ )401‬من حديث وائل بن حار ﭬ‬
‫أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل يف الصالة كرب ‪-‬وِف همام حيال أذنيه‪ ،-‬ثم التحف بثوبه‪ ،‬ثم وضع‬
‫يده اليمنى على اليسـرى‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)252‬وابن ماجه (‪ ،)602‬وأحمد (‪ )21214‬من حديث هلب الطائي ﭬ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬حديث هلب حديث حسن»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)121‬والنسائي ‪ ،126/2‬وأحمد (‪ )16610‬من حديث وائل بن حار ﭬ‪.‬‬
‫قال النووي يف الماموع (‪« :)312/3‬رواه أبو داود بإسناد ِحيح»‪ .‬وقال ابن القيم يف زاد المعاد (‪:)65/1‬‬
‫«حديث ِحيح»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)111‬‬

‫‪362‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪370‬‬

‫الصفت ِ‬
‫َين‪.‬‬
‫ِ‬
‫القبض‪:‬‬ ‫مسألةٌ‪ :‬مكان وضع اليدين ِ‬
‫أثناء‬
‫علي(‪،)2‬‬ ‫ِ‬
‫وروي عن ن‬ ‫تحت سـرته‪-‬؛ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِدره(‪- )1‬أو َيض ُعهما‬ ‫أن َيض َعهما على‬
‫وض َعها تحت سـرتِه واختاره المؤلف أو‬ ‫إن شاء َ‬ ‫وأبي ُهرير َة ﭬ(‪ ،)3‬وهو ُمخ اي ٌر ْ‬
‫نذر؛ وقال‪« :‬ليس يف‬ ‫الم ِ‬
‫ِدره‪ ،‬وهو رواي ٌة عن اإلما ِم أحمدَ ‪ ،‬واختاره اب ُن ُ‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫وض َعهما‬ ‫فإن شاء َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ؛ ْ‬ ‫ِ‬ ‫حديث َيث ُبت عن‬ ‫ٌ‬ ‫المكان الذي َي َض ُع فيه اليدَ‬ ‫ِ‬
‫الصدْ ر»‪.‬‬ ‫وإن شاء على ا‬ ‫تحت سـرتِه‪ْ ،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السـرة‪َ ،‬و َر َأى َب ْع ُض ُه ْم َأ ْن‬ ‫الرتمذي‪َ « :‬و َر َأى َب ْع ُض ُه ْم َأ ْن َي َض َع ُه َما َف ْو َق‬ ‫وقال‬
‫ُّ‬
‫اس ٌع ِعنْدَ ُه ْم»(‪.)4‬‬‫السـرة‪ ،‬و ُك ُّل َذل ِ َك و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َي َض َع ُه َما َت ْح َت‬
‫السن ِاة َو ْض ُع ا ْل َكف َع َلى ا ْل َكف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داو َد ﭬ َأ ان َعليا ﭬ َق َال‪« :‬م َن ُّ‬ ‫وأ اما ما َرواه أبو ُ‬
‫حار والزيلعي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وابن‬ ‫السـرة»‪ ،‬فقد ض اعفه العلما ُء‪ ،‬كالنووي‬ ‫ِ‬ ‫الص َال ِة َت ْح َت‬ ‫ِ‬
‫في ا‬
‫ضعيف‬
‫ٌ‬ ‫إسحاق الواسطي‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫الرحمن ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫رواية ِ‬
‫عبد‬ ‫ِ‬ ‫وغيرهم؛ ألنه مِن‬
‫ِ‬ ‫واأللباين‬
‫الارح والتعدي ِل(‪.)5‬‬
‫ِ‬ ‫باتفاق ِ‬
‫أئمة‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬رواه ابن خزيمة (‪ )412‬من حديث وائل بن حار ﭬ قال‪ِ« :‬ليت مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ووضع يده اليمنى‬
‫على يده اليسـرى على ِدره»‪ .‬ويف إسناده مؤمل بن إسماعيل سـيء الحفظ‪ .‬وروى أبو داود (‪ )152‬من‬
‫حديث طاوس قال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ يضع يده اليمنى على يده اليسـرى‪ ،‬ثم يشد بينهما على ِدره وهو‬
‫يف الصالة» وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)156‬وأحمد (‪ )615‬من حديث علي ﭬ قال‪« :‬إن من السنة يف الصالة وضع األكف‬
‫على األكف تحت السـرة»‪ .‬ويف إسناده عبدالرحمن بن إسحاق ضعيف‪ .‬وضعفه النووي يف شـرح مسلم‬
‫(‪ ،)115/4‬وابن عبد الهادي يف تنقيح التحقيق (‪ ،)146/2‬وابن حار يف فتح الباري (‪ ،)224/2‬واأللباين‬
‫يف اإلرواء (‪.)353‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )156‬من حديث أبي هريرة ﭬ قال‪« :‬أخذ األكف على األكف يف الصالة تحت السـرة»‪.‬‬
‫ويف إسناده عبدالرحمن بن إسحاق ضعيف‪ .‬قال أبو داود‪« :‬سمعت أحمد بن حنبل‪ :‬يضعف عبدالرحمن بن‬
‫إسحاق الكويف»‪ .‬وضعفه األلباين يف ضعيف أبي داود (‪.)131‬‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪.)252( ،)32/2‬‬
‫(‪ )5‬إرواء الغليل (‪ ،)62/2‬وانظر‪ :‬المغني (‪.)141/2‬‬

‫‪310‬‬
‫‪371‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫السنة على ذلك؛ فعن‬ ‫ِ‬ ‫أخشع لقلبِه‪ ،‬ولدَ ِ‬
‫اللة‬ ‫وض ِع سجو ِده ِ)‪ :‬ألناه َ ُ‬ ‫(ونظ ُره إىل م ِ‬
‫ود ِه‬
‫ف بصـره مو ِضع سا ِ‬ ‫عائش َة ڤ قالت‪« :‬د َخ َل رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ا ْل َك ْع َبةَ؛ َما َخ َل َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َحتاى َخ َر َج مِن َْها»(‪.)1‬‬
‫ب ل ِ ْل ُم َصلي َأ ْن َال‬ ‫اهيم الن َاخ ِعي‪َ « :‬أ انه ك َ ِ‬
‫َان ُيح ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وأخرج اب ُن أبى شـيب َة َع ْن إِ ْب َر َ‬ ‫َ‬
‫سـيرين‪َ « :‬أ انه ك َ ِ‬ ‫ود ِه»(‪،)2‬‬‫او َز بصـره مو ِضع سا ِ‬
‫ب َأ ْن‬ ‫َان ُيح ُّ‬ ‫ُ‬ ‫أيضا َع ِن ا ْب ِن ِ َ‬ ‫وأخرج ً‬ ‫َ‬ ‫ُي َا ِ َ ُ َ ْ َ ُ ُ‬
‫العلماء‪ :‬أبي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جمهور‬ ‫مذهب‬ ‫ود ِه»(‪ ،)3‬وهذا‬ ‫ي َضع الرج ُل بصـره ِح َذاء مو ِض ِع سا ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ ا ُ َ ُ‬
‫َحنيفةَ‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمدَ ‪.‬‬
‫لحديث ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‪ ،‬وفيه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ااو َز بصـره سبابتَه؛‬ ‫أن ال ُي ِ‬ ‫التشه ِد‪ :‬السن ُة ْ‬ ‫وعندَ‬
‫ُّ‬
‫صـره إِ َل ْي َها‪َ ،‬أ ْو ن َْح َو َها‪ُ ،‬ث ام َق َال‪:‬‬‫ِ‬ ‫ام فِي ا ْل ِق ْب َل ِة‪َ ،‬و َر َمى بِ َب‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬
‫« َو َأ َش َار بِإِ ِْ َبعه ا التي َتلي ْاإل ْب َه َ‬
‫الس ابا َب ِة‬ ‫ِ‬ ‫ه َك َذا ر َأيت رس َ ِ‬
‫الز َب ْي ِر ﭭ‪َ « :‬و َأ َش َار بِ ا‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ْصن َُع»(‪ .)4‬وعن َع ْب ِداهلل ْب ِن ُّ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫او ُز َبصـر ُه إِ َش َار َت ُه»(‪.)5‬‬ ‫َال ُي َا ِ‬
‫حال القيامِ‪،‬‬ ‫يه باألُخرى َ‬ ‫لص َق إحدى قدم ِ‬ ‫ي َق َد َمي ِه قائ ًِما)‪ :‬فال ي ِ‬ ‫(وتَفر َق ُت ُه بَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ولكن بين‬ ‫يه‪ ،‬وال َي َم ُّس إحداهما باألُخرى‬ ‫وكان ابن ُعمر ﭭ ال يفرج بين قدم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ‬
‫ِ‬
‫قار ُب وال ُيباعدُ ‪.‬‬ ‫ذلك؛ ال ُي ِ‬
‫ـــع يف ُركو ِع ِه)‪ :‬لحديث ُم ْص َع ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ ََ َُ َ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ب ْب ِن‬ ‫(وقبض ُركبتي ِه بيدي ِه مف هرجيت األصاب ِ ِ‬
‫ْب َأبِي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َج َع ْل ُت َيدَ اي َب ْي َن ُر ْك َبت اَي‪،‬‬ ‫ين َق َال‪ َِ « :‬ال ْي ُت إِ َلى َجن ِ‬ ‫الصحيح ِ‬
‫َ‬ ‫َس ْع ُد يف‬

‫(‪ )1‬رواه ابن خزيمة (‪ ،)3012‬والحاكم (‪ )652/1‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬قال ابن أبي حاتم عن أبيه‪ :‬هذا‬
‫حديث منكر (العلل ‪ ،)310/3‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)13/2‬‬
‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)64/2‬‬
‫(‪ )3‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)64/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي (‪ ،)1160‬وابن خزيمة (‪ ،)112‬وابن حبان (‪ )1241‬من حديث ابن عمر ڤ‪ .‬وِححه‬
‫األلباين يف اإلرواء (‪.)65/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه النسائي (‪ ،)1215‬وأبو داود (‪ ،)220‬وأحمد (‪ )16100‬من حديث عبداهلل بن الزبير ﭬ‪ .‬وِححه ابن‬
‫الملقن يف البدر المنير (‪ ،)11/4‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪ .)210‬وأِله يف ِحيح مسلم (‪ )512‬دون‬
‫قوله‪« :‬ال يااوز بصـره إشارته»‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪372‬‬

‫اضـرب بِ َك اف ْي َك َع َلى ُر ْك َب َت ْي َك‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث ام َف َع ْل ُت َذل ِ َك َم ار ًة ُأ ْخ َرى‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َف َق َال لِي َأبِي‪:‬‬
‫َب»(‪.)1‬‬‫الرك ِ‬ ‫َضـرب بِ ْاألَ ُكف َع َلى ُّ‬ ‫َ‬ ‫ضـرب َيدَ اي َو َق َال‪ :‬إِناا ُن ِهينَا َع ْن َه َذا‪َ ،‬و ُأمِ ْرنَا َأ ْن ن‬ ‫َ‬ ‫َف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫رسول‬ ‫ِالة‬ ‫ِفة‬ ‫لحديث أبي ُح َميد ﭬ يف ال ُبخاري يف‬ ‫ُ‬ ‫هره ِ فِي ِه)‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫(ومد‬
‫اهللِ ﷺ‪ ،‬وفيه‪َ « :‬وإِ َذا َرك ََع َأ ْم َك َن َيدَ ْي ِه مِ ْن ُر ْك َب َت ْي ِه‪ُ ،‬ث ام َهصـر َظ ْه َر ُه»(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫ِ‬
‫ِفة‬ ‫مسلم يف‬‫ُ‬ ‫حياهلُ)‪ :‬لحديث عائش َة ڤ عند‬ ‫(وجعل رأ ِس ِه ِ‬
‫ص َر ْأ َس ُه‪َ ،‬و َل ْم ُي َصو ْب ُه‪َ ،‬و َلكِ ْن َب ْي َن َذل ِ َك»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َان إِ َذا َرك ََع َل ْم ُي ْشخ ْ‬ ‫ﷺ‪ ،‬وفيه‪َ « :‬وك َ‬
‫فالسنة يف الركوعِ‪:‬‬
‫ستو ًيا‪.‬‬ ‫الظهر ُم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ْ‬
‫أن‬
‫خفضه وال َير َفعه عنه‪.‬‬ ‫لظهره‪ ،‬فال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫رأسه ُم ِ‬
‫ساو ًيا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫يكون ُ‬ ‫وأن‬
‫ِ‬
‫جتي األِاب ِع‪.‬‬ ‫فر ِ‬ ‫تكون َك افاه على ُركبتَيه ُم ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وأن‬
‫ؤذ أحدً ا‪.‬‬ ‫وأن ياافِي يديه عن جنبِه ما لم ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫(وابلُ َد َ‬
‫ضع ُركبتي ِه‪ ،‬ث هم يدي ِه‪ ،‬ث هم جبهتِ ِه وأن ِف ِه)‪ :‬فالسنة لل ُه ِوي‬ ‫َ‬
‫اءة يف سجو ِده ِ بو ِ‬
‫مذهب‬
‫ُ‬ ‫األرض‪ ،‬ثم يدَ ِيه‪ ،‬ثم جبهتَه وأن َفه‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫أوال على‬ ‫َيه ً‬ ‫يضع ركبت ِ‬
‫أن َ َ ُ‬ ‫للساود‪ْ :‬‬‫ِ‬
‫أبي َحنيف َة وأحمدَ والشافعي واختاره شيخ اإلسالم وابن القيم‪.‬‬
‫حديث َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ َق َال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ إِ َذا َس َادَ َو َض َع ُر ْك َب َت ْي ِه َق ْب َل‬ ‫ُ‬ ‫ل‬
‫َيدَ ْي ِه‪َ ،‬وإِ َذا ن ََه َض َر َف َع َيدَ ْي ِه َقبْ َل ُر ْك َب َت ْي ِه» [رواه األربعة‪ ،‬وقال الرتمذي‪ :‬حسن غريب](‪.)4‬‬
‫قبل ركبت ِ‬ ‫ِ‬
‫َيه وهو قول اإلمام مالك‪.‬‬ ‫وقيل ُيقدم يدَ يه َ ُ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)636‬والرتمذي (‪ ،)266‬والنسائي (‪ ،)206/2‬وابن ماجه (‪ )662‬من حديث وائل بن‬
‫حار ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬ال نعرف أحدا رواه غير شـريك» وشـريك ليس‬
‫بالقوي فيما تفرد به‪ .‬وحسنه البغوي يف شـرح السنة (‪ ،)642‬وِححه ابن القيم يف زاد المعاد (‪،)215/1‬‬
‫وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)351‬‬

‫‪312‬‬
‫‪373‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫ول اهللِ ﭬ‪« :‬إِ َذا َس َادَ َأ َحدُ ُك ْم َف َال َي ْب ُر ْل‬ ‫حديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫ك ََما َي ْب ُر ُل ا ْل َب ِع ُير‪َ ،‬و ْل َي َض ْع َيدَ ْي ِه َق ْب َل ُر ْك َب َت ْي ِه» [رواه أبوداود](‪.)1‬‬
‫َان َي َض ُع َيدَ ْي ِه َق ْب َل ُر ْك َب َت ْي ِه»(‪.)2‬‬‫عمر ﭭ‪« :‬أناه ك َ‬ ‫ابن َ‬ ‫عن ِ‬ ‫و يف البخاري ِ‬
‫ِ‬
‫مهور‪:‬‬ ‫الا‬ ‫ِ‬
‫مذهب ُ‬ ‫ُ‬ ‫المسألة‪:‬‬ ‫واألقرب يف هذه‬ ‫ُ‬
‫الخطابي‬ ‫حديث أبي ُهرير َة ﭬ كما ذكَره‬ ‫ِ‬ ‫حديث وائ ُل ﭬ أقوى مِن‬ ‫َ‬ ‫أل ان‬
‫ُّ‬
‫وغيره(‪.)3‬‬ ‫ُ‬
‫اليدين أقرب إلى برولِ‬ ‫ِ‬ ‫وتقديم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أقرب لطبيعة اإلنسان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الركبتين‬ ‫تقديم‬ ‫وأل ان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ول ا ْل َب ِع ِير ُه َو‬
‫وف مِن بر ِ‬ ‫ِ‬
‫البعير‪ ،‬وقد قال ﷺ‪َ « :‬ف َال َي ْب ُر ُل ك ََما َي ْب ُر ُل ا ْل َبع ُير»‪ ،‬وا ْل َم ْع ُر ُ ْ ُ ُ‬ ‫ِ‬
‫يم ا ْل َيدَ ْي ِن َع َلى الر ْج َل ْي ِن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َت ْقد ُ‬
‫ومن أهل العلم من قال‪ :‬إن النهي عن الهوي الشديد إلى األرض فهو المراد‬
‫بربول البعير‪ ،‬وأما تقديم اليدين أو الركبتين فيوسع فيه ويراعي األرفق به إذا كان‬
‫هويه برفق‪ ،‬ولهذا وجاهته‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫الص َال ِة‪َ ،‬فن ََهى َع ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فائدةٌ‪َ :‬ث َب َت َع ِن النابِي ﷺ ْاألَ ْم ُر بِ ُم َخا َل َفة ا ْل َح َي َوان في َه ْي َئات ا‬
‫ب‪َ ،‬و َن ْق ُر‬ ‫اء كَإِ ْقع ِ‬
‫اء ا ْل َك ْل ِ‬ ‫اش السب ِع‪ ،‬وإِ ْقع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‪َ ،‬وا ْفتِ َر ُ‬ ‫ات كَا ْلتِ َف ِ‬
‫ات ال اث ْع َل ِ‬ ‫ا ْلتِ َف ُ‬
‫َ‬ ‫اش كَا ْفت َر ِ ا ُ َ َ‬
‫الس َال ِم ك ََأ ْذن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َكنَ ْق ُر ا ْل ُغ َر ِ‬
‫س‪َ ،‬و َي ْا َم ُع َها َق ْو ُل‬ ‫َاب َخ ْي ُل ُش ْم ُ‬ ‫اب‪َ ،‬و َر ْف ِع ْاألَ ْيدي َح َال ا‬
‫الناظم‪:‬‬
‫يهــــا بِ ِســــت ُاة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـــن ْ ِ‬
‫اإل ْت َيــــان ف َ‬ ‫ُن ِهينَــــا َعـ ِ‬ ‫ــال ِة َفإِ اننَـــا‬ ‫ِ‬
‫إ َذا ن َْحـــ ُن ُق ْمنَـــا فـــي ا‬
‫الصـ َ‬
‫يضـ ِـة‬ ‫اب فِــي ســا ِ‬
‫ود ا ْل َف ِر َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َو َن ْقـ ِـر ُغـ َـر ُ‬ ‫ــــات َك َث ْع َل ُ‬
‫ــــب‬ ‫يــــر وا ْلتِ َف ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ــــرول َبع ُ َ‬ ‫ُب ُ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)640‬والنسائي (‪ ،)201/2‬وأحمد (‪ )6255‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال النووي يف‬
‫خالِة األحكام (‪« :)403/1‬رواه أبو داود‪ ،‬والنسائي بإسناد جيد‪ ،‬ولم يضعفه أبو داود»‪ .‬وِححه‬
‫األلباين يف اإلرواء (‪.)16/2‬‬
‫(‪ِ )2‬حيح البخاري‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب يهوي بالتكبير حين يساد‪.‬‬
‫(‪ )3‬معالم السنن (‪.)206/1‬‬

‫‪313‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪374‬‬

‫احيـ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعـ ِ‬
‫ـــط ِذر ِ‬
‫ـــب َأو َكبسـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ــة‬ ‫َو َأ ْذ َنـ ِ‬
‫ــاب َخ ْيـــ ُل عنْـــدَ ف ْعـــ ِل الت ا‬ ‫ـــه‬ ‫َ‬ ‫َوإِ ْق َعــــاء َك ْلـ ُ ْ َ ْ‬
‫يفعل ما ذكَره بقوله‪:‬‬ ‫الساود أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ومن السن ُة يف‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫(وتَمك ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ُ « :‬أمِ ْر ُت َأ ْن َأ ْس ُادَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقول‬ ‫رض)‪:‬‬ ‫ِي أعضاءِ السجو ِد مِن األ ِ‬
‫اف‬ ‫َع َلى سبع ِة َأ ْع ُظ ُم‪ :‬ا ْلابه ِة‪ ،‬و َأ َشار بِي ِد ِه إلى َأن ِْف ِه‪ ،‬وا ْليدَ ي ِن‪ ،‬والرج َلي ِن‪ ،‬و َأ ْطر ِ‬
‫َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ََْ َ َ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َع َر» [متفق عليه] ‪ ،‬فكلما َم اكن هذه األعضا َء م َن‬ ‫اب‪َ ،‬و َال ا‬ ‫ا ْل َقدَ َم ْي ِن‪َ ،‬و َال َن ْكف َت الث َي َ‬
‫(‪)1‬‬

‫وأكم َل‪.‬‬ ‫أفض َل‬ ‫ِ‬


‫الساود كان َ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ‬
‫(ومبارشتها ملحل السجو ِد)‪ :‬فال يحول بينها وبين األرض شيء وهذا يشمل‬
‫الابهة واألمنف واليدين والقدمين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ َ َ‬
‫كرهُ)‪ :‬أن يكشفها ليباشر هبا األرض بل يسرتها بثوبه‪.‬‬ ‫في َ‬ ‫ي‪،‬‬‫( ِسوى الركبت ِ‬
‫َ‬
‫الف السنة‪.‬‬ ‫حاجة‪ ،‬فإنه ِخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ساد على حائ ُل متصل به ِ‬
‫لغير‬ ‫فإن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ َ ُ َ ُ َ‬
‫(وُمافاة عضدي ِه عن جنبي ِه‪ ،‬وبطنِ ِه عن ف ِخذيه‪ ،‬وف ِخذي ِه عن ساقي ِه)‪ :‬وقد‬
‫ِ‬
‫لشدة‬ ‫يه لنَ َف َذ ْت؛‬ ‫ذراع ِ‬ ‫تحت‬ ‫مرت هبيم ٌة‬ ‫جاء ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ساد لو ا‬ ‫عن النبي ﷺ أنه كان إذا َ‬
‫ميد ﭬ َق َال‪:‬‬ ‫حديث أبي ح ُ‬ ‫ِ‬ ‫داو َد مِن‬ ‫ُمبالغتِه يف رف ِع َمرفِقيه ُ‬
‫ُ‬ ‫وروى أبو ُ‬ ‫وعضديه‪َ ،‬‬
‫« ُث ام َس َادَ َف َأ ْم َك َن َأ ْن َف ُه َو َج ْب َه َت ُه‪َ ،‬ون اَحى َيدَ ْي ِه َع ْن َجنْ َب ْي ِه‪َ ،‬و َو َض َع َك اف ْي ِه َح ْذ َو َمنْكِ َب ْي ِه»(‪،)2‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان إِ َذا‬ ‫ك ا ْب ِن ُب َح ْينَ َة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫ين َعن َعب ِداهللِ ب ِن مال ِ ُ‬
‫ْ َ‬ ‫الصحيح ِ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ويف‬
‫عضديه عن جنبيه‪.‬‬ ‫لماافاتِه ُ‬ ‫ِ (‪)3‬‬
‫اض إ ِ ْب َط ْيه» ‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫َِ الى َف ار َج َب ْي َن َيدَ ْي ِه‪َ ،‬حتاى َيبْدُ َو َب َي ُ‬
‫َان إِ َذا َس َادَ َجا َفى َع ُضدَ ْي ِه َع ْن َجنْ َب ْي ِه‪َ ،‬حتاى‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬ ‫داو َد‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫وروى أبو ُ‬ ‫َ‬
‫ن َْأ ِو َي َل ُه»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)333‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)134‬وابن خزيمة (‪ )631‬من حديث أبي حميد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)333‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ )200‬من حديث أحمر بن جزء ِاحب رسول اهلل ﷺ‪ .‬قال النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪« :)411/1‬بإسناد ِحيح»‪ .‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)666/3‬واأللباين يف ِحيح أبي‬
‫داود (‪.)631‬‬

‫‪314‬‬
‫‪375‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬
‫ََ‬ ‫يق ُه بَ َ‬ ‫َ ُ‬
‫يض ام ركبتيه‪ ،‬بل ُيفرق بينهما؛‬ ‫ِ‬
‫الساود اأال ُ‬ ‫ُ‬
‫فاألفضل يف‬ ‫ي ُركبتي ِه)‪:‬‬ ‫فر‬
‫(وت ِ‬
‫خ َذ ْي ِه َغ ْي َر َحام ِ ُل‬ ‫ميد ﭬ قال‪« :‬وإِ َذا سادَ َفرج بين َف ِ‬
‫َ َ َ ا َ َْ َ‬
‫لما روى أبوداود عن أبي ح ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫خ َذ ْي ِه»(‪.)1‬‬ ‫شـيء مِن َف ِ‬ ‫ُ‬ ‫َب ْطنَ ُه َع َلى‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َُ ًَ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُُ‬ ‫َُ ََ َ‬
‫حديث أبي‬ ‫ِ‬ ‫رض مف هرقة)‪ :‬ل‬ ‫ون أصاب ِ ِع ِهما ىلع األ ِ‬ ‫(وإقامة قدمي ِه‪ ،‬وجعل بط ِ‬
‫ش َو َال‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َس َادَ َو َض َع َيدَ ْي ِه َغ ْي َر ُم ْفت َِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫ِ‬
‫ِفة‬ ‫ميد ﭬ يف‬ ‫ح ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داو َد‪َ « :‬و َي ْفت َُح‬‫اس َت ْق َب َل بِ َأ ْط َراف َأ َِابِ ِع ِر ْج َل ْيه الق ْب َل َة» ‪ ،‬ويف رواية أبي ُ‬ ‫َقابِض ِه َما‪َ ،‬و ْ‬
‫)‬‫‪2‬‬ ‫(‬

‫َأ َِابِ َع ِر ْج َل ْي ِه إِ َذا َس َادَ » [أخرجه البخاري](‪.)3‬‬


‫َ ْ َْ َ َ ُ َ ً َ ُ ََ‬ ‫َ ُ ََ‬
‫لحديث أبي‬ ‫ِ‬ ‫ووضع يدي ِه حذ َو منكِبي ِه مبسوطة مضمومة األصاب ِ ِ‬
‫ـــع)‪:‬‬ ‫(‬
‫بين‬ ‫وجهه َ‬ ‫َ‬ ‫أن َيا َعل‬ ‫أن النبي ﷺ َو َض َع َك اف ْي ِه َح ْذ َو َمنْكِ َب ْي ِه»(‪ ،)4‬ولـه ْ‬ ‫ميد ﭬ‪ « :‬ا‬ ‫ح ُ‬
‫ُ‬
‫ا‬
‫رسول اهللِ ﷺ عند ومسلم من حديث وائل بن حار قال‪« :‬فلما‬ ‫ِ‬ ‫روده عن‬ ‫ك افيه؛ لو ِ‬
‫ْ ُ‬
‫رسول اهللِ‬ ‫َ‬ ‫بن ُح ْار ﭬ ا‬
‫أن‬ ‫حديث وائ ِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫داو َد مِن‬‫ساد ساد بين كفيه»‪ .‬وألبي ُ‬
‫ان‬‫تكون الك اف ِ‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬س َادَ َو َو َض َع َو ْج َه ُه َب ْي َن َك اف ْي ِه»(‪ ،)5‬فهو مخ اي ٌر بين ْ‬
‫أن‬
‫ين‪.‬‬‫محاذاة الكت َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالرأس أو‬ ‫بمحاذاة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الساود‬ ‫(ورفع يدي ِه أوال يف قِيا ِم ِه إىل الركع ِة)‪ :‬فالسن ُة تقديم الركبتي ِن عند‬
‫لحديث وائ ُل ﭬ‪َ « :‬وإِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساود إلى القيامِ؛‬ ‫النهوض مِ َن‬
‫ِ‬ ‫اليدين عند‬ ‫ِ‬ ‫وتقديم رفع‬
‫ن ََه َض َر َف َع َيدَ ْي ِه َق ْب َل ُر ْك َب َت ْي ِه»(‪.)6‬‬
‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ ََ َ‬ ‫ُ‬
‫المذهب‪ :‬يستحب‬ ‫ُ‬ ‫ور قدمي ِه‪ .‬واعتِماده ىلع ُركبتي ِه بِيدي ِه)‪:‬‬ ‫(وقِيامه ىلع صد ِ‬
‫دور‬ ‫نهض على ُِ ِ‬ ‫وأن َي َ‬ ‫ِ‬
‫لالسرتاحة‪ْ ،‬‬ ‫الثانية أال َيالِ َس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للركعة‬ ‫ِ‬
‫الساود‬ ‫للقيام من‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )135‬من حديث أبي حميد ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )626‬من حديث أبي حميد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )130‬من حديث أبي حميد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص(‪.)333‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)123‬وأحمد (‪ )16666‬من حديث وائل بن حار ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)312‬‬

‫‪315‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪376‬‬

‫ِ‬
‫لحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ‬ ‫ِ‬
‫األرض؛‬ ‫يه‪ ،‬ويعتمدَ بيدَ ِيه على ركبت ِ‬
‫َيه وال يعتمدَ على‬ ‫قدم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫[رواه أبوداود وضعفه ابن‬ ‫ور َقدَ َم ْي ِه»‬
‫الص َال ِة َع َلى ُِدُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َان النابِ ُّي ﷺ َين َْه ُض في ا‬ ‫َق َال‪« :‬ك َ‬
‫بن ُح ْار ﭬ قال‪َ « :‬وإِ َذا َن َه َض َن َه َض َع َلى ُر ْك َب َت ْي ِه َوا ْعت ََمدَ‬ ‫ِ‬
‫ولحديث وائ ِل ِ‬ ‫حار](‪.)1‬‬
‫خ ِذ ِه» [رواه أبوداود وضعفه النووي](‪.)2‬‬
‫َع َلى َف ِ‬
‫ِ‬
‫العلم‪.‬‬ ‫العمل عندَ ِ‬
‫أكثر أه ِل‬ ‫ُ‬ ‫وهذه ِف ٌة للقيامِ‪ ،‬وعليها‬
‫الرتمذي‪« :‬وحديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم؛ يختارون أن‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ينهض الرجل يف الصالة على ِدور قدميه»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫وابن‬ ‫وعلي‬ ‫َ‬
‫عثمان‬ ‫عن‬ ‫وي‬‫ور‬ ‫‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مسعود‬ ‫عن ِ‬
‫ابن‬ ‫رجب‪« :‬وقد َِ اح ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقال اب ُن‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫القيم يف‬ ‫ِ‬
‫الصالة»(‪ ،)4‬وأشار اب ُن‬ ‫سعيد ﭫ‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو ُسن ُة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عباس وأبي‬ ‫عمر ِ‬
‫وابن‬ ‫َ‬
‫التشهد‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫النهوض؛ سوا ٌء يف القيا ِم بعدَ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف‬ ‫ِ‬ ‫هدي‬
‫ُ‬ ‫أن هذا هو‬‫زاد المعاد ا‬
‫ِ ِ‬
‫ِحت عند البخاري(‪.)5‬‬ ‫األول أو من ِو ْت ُر‪ ،‬فهذه الصف ُة ثابت ٌة كما ا‬
‫األرض‪ ،‬وهذه‬‫ِ‬ ‫لالسرتاحة‪ ،‬ويعتمدَ بيديه على‬ ‫ِ‬ ‫يالس‬ ‫أن‬ ‫والصف ُة الثاني ُة للقيامِ‪ْ :‬‬
‫َ‬
‫وح اا ُتهم‪:‬‬
‫ستحب‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المذهب أنّها ال ُت‬ ‫المشهور مِ َن‬
‫ُ‬ ‫الالس ُة على‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسـيء يف ِالته‪.‬‬ ‫أناها لم ِتر ْد يف حديث ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬أناه كان إذا قام مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِالة‬ ‫ِ‬
‫ِفة‬ ‫بن ُح ْا ُر ﭬ يف‬ ‫ِ‬
‫ولحديث وائ ِل ِ‬
‫ضعيف فيه محمد بن حار؛ قال الذهبي‪ :‬له‬ ‫قائما»(‪ ،)6‬لكن سنده‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الساود است ََوى ً‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )266‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وفيه خالد بن إياس‪ ،‬ضعيف‪ .‬وضعفه ابن حار يف الفتح‬
‫‪ ،303/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)362‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )136‬من حديث وائل بن حار ﭬ‪ .‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪،)403/1‬‬
‫واأللباين يف ضعيف أبي داود (‪.)122‬‬
‫(‪ )3‬سنن الرتمذي (‪.)266( ،)60/2‬‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪.)266( ،)60/2‬‬
‫(‪ )5‬زاد المعاد (‪ ،)61/1‬الفتح البن رجب (‪ ،)222/1‬تحفة األحوذي (‪ ،)141/2‬األجزاء الحديثية ص‬
‫(‪.)222‬‬
‫(‪ )6‬قال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)624/1‬هذا الحديث ذكره النووي يف الخالِة يف فصل الضعيف»‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫‪377‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫مناكير‪ .‬ولم ينقلها غالب من نقلوا ِالة الرسول ﷺ‪.‬‬


‫الشافعي‪،‬‬ ‫االسرتاحة عند القيا ِم ثابت ٌة و ُيشـرع فع ُلها‪ ،‬وبه قال‬ ‫ِ‬ ‫أن َجلس َة‬ ‫واألظهر‪ :‬ا‬
‫ُّ‬
‫السنة على ثبوتِها عن‬ ‫ِ‬ ‫الشـيخ ابن باز؛ لدَ ِ‬
‫اللة‬ ‫ُ ُ‬ ‫ورجحها‬ ‫ورجع إليها اإلما ُم أحمدُ ‪ ،‬ا‬ ‫َ‬
‫رسول اهللِ ﷺ؛ ومنها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ث ﭬ َأ ان ُه‪َ « :‬ر َأى النابِ اي ﷺ ُي َصلي‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫ك ب ِن الحوي ِر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ َْ‬ ‫البخاري عن َمال ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ما رواه‬
‫َان فِي ِو ْت ُر مِن ِ َالتِ ِه َلم ينْه ْض حتاى يست َِوي َق ِ‬
‫اعدً ا»(‪.)1‬‬ ‫ك َ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أِحاب‬ ‫عشـرة مِن‬
‫ُ‬ ‫اع ِدي ﭬ أنه كان يف‬ ‫وحديث َأبِي حمي ُد الس ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ َْ ا‬
‫فعرضها عليهم‪ ،‬وفيه‪ُ « :‬ث ام َثنَى ِر ْج َل ُه َو َق َعدَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فقال‪« :‬أنا َأ ْع َل ُمكم بصالة رسول اهلل»‪َ ،‬‬
‫َوا ْعتَدَ َل َحتاى َي ْر ِج َع ُك ُّل َع ْظ ُم فِي َم ْو ِض ِع ِه‪ُ ،‬ث ام ن ََهض»(‪.)2‬‬
‫المسـي َء يف ِالتِه؛ كما َرواه‬ ‫َ ِ‬
‫البخاري يف‬ ‫ُّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ع المها ُ‬ ‫أن‬‫ورد ا‬ ‫وقد َ‬
‫رسول اهللِ ﷺ قال له‪ُ « :‬ث ام ْار َف ْع َح اتى َت ْط َمئِ ان َجال ِ ًسا»(‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ان ا‬ ‫َاب ِاالستِ ْئ َذ ِ‬
‫ْ‬ ‫كِت ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ؛‬ ‫ِ‬ ‫فاألقرب ثبو ُته عن‬ ‫ُ‬ ‫األرض عند القيامِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأ اما االعتما ُد على‬
‫الس ْادَ ِة ال اثان ِ َي ِة‬‫الحويرث ﭬ يف البخاري‪َ « :‬وإِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه َع ِن ا‬
‫ِ‬
‫بن ُ‬ ‫مالك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لحديث‬
‫السلف؛ منهم‪ُ :‬ع َم ُر‬ ‫ِ‬ ‫ض‪ُ ،‬ث ام َقا َم»(‪ ،)4‬وهذا قال به طائفة مِ َن‬ ‫َج َل َس َوا ْعت ََمدَ َع َلى األَ ْر ِ‬
‫واألوزاعي‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ري‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫والز‬
‫ُّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العزيز‬ ‫ابن ِ‬
‫عبد‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫َين مشـروعةٌ‪ ،‬وهذا مِ َن‬ ‫أن كال الصفت ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ :‬ا‬ ‫النهوض مِ َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِفة‬ ‫فاألقرب يف‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ها ُر إحداهما‬ ‫بالسة االسرتاحة تار ًة وباألُخرى تارةً‪ ،‬وال َي ُ‬ ‫المتنوعة؛ فيأيت َ‬ ‫السنن ُ‬
‫ِ‬
‫الواجبات‪.‬‬ ‫ات ال‬‫السنة هبما‪ ،‬وهذه مِن المستحب ِ‬ ‫ِ‬ ‫لألُخرى؛ لم ِ‬
‫ايء‬
‫َ ُ َا‬ ‫َ‬
‫ويف المذهب ثالث روايات يف جلسة االسرتاحة‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )623‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )304‬من حديث أبي حميد ﭬ‪ .‬وقال‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري(‪ )6251‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وينظر‪ :‬الفتح البن حار (‪.)36/11‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )624‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪378‬‬

‫األولى‪ :‬أن يقوم على ِدور قدميه‪.‬‬


‫الثانية‪ :‬أنه يالسها واختاره الخالل وقال إن أحمد رجع إليها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يالس من كان ضعيفًا واختاره القاضي وابن قدامة‪.‬‬
‫بسط يديه؟‬ ‫األرض هل يعان أو َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫مسألةٌ‪ :‬إذا اعت ََمد على‬
‫مشـروعية ال َع ْا ِن ‪-‬وهي وضع يديه على األرض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلماء عد ُم‬ ‫أكثر‬
‫الذي عليه ُ‬
‫الهيثم‬
‫ُ‬ ‫معلول؛ ففي إسناده‬‫ٌ‬ ‫عمر ﭭ يف إثباتِه‬ ‫ابن َ‬ ‫وحديث ِ‬ ‫ُ‬ ‫كما يضع العاجن‪،-‬‬
‫معروف‪ ،‬وقد بحثها الشـيخ بكر أبو زيد يف رسالة مستقلة وبين ضعف‬ ‫ُ‬ ‫غير‬
‫وهو ُ‬
‫رجب يف فتحِ الباري(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫لضعفها اب ُن‬ ‫ِ‬ ‫رواية العان‪ ،‬وأشار‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫جدتي‪ ،‬ويف التشه ِد األ هول)‪ :‬السن ُة يف الا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ه َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫لسة‬ ‫وس بي الس‬ ‫اش يف ُ‬
‫اجلل ِ‬ ‫واالفَّت‬
‫ِ‬ ‫(‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس‬‫أن يبسط رج َله ال ُيسـرى و َي َ‬ ‫االفرتاش؛ وهو ْ‬
‫ُ‬ ‫األول‬ ‫التشهد‬ ‫السادتين ويف‬ ‫بين‬
‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬وأطرا َفهما‬ ‫أِابعه على‬‫ِ‬ ‫وياعل ُب َ‬
‫طون‬ ‫َ‬ ‫ب رج َله ال ُيمنى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عليها وينص َ‬
‫ُ‬
‫والدليل‪:‬‬ ‫للق ِ‬
‫بلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ب ِر ْج َل ُه ا ْل ُي ْمنَى»‬ ‫ِ‬
‫[رواه‬ ‫َان َي ْف ِر ُش ِر ْج َل ُه ا ْل ُيسـرى‪َ ،‬و َينْص ُ‬
‫حديث عائش َة ڤ‪َ « :‬وك َ‬
‫ُ‬
‫مسلم](‪.)2‬‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َج َل َس َع َلى ِر ْجلِ ِه ال ُيسـرى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وحديث أبي ُحميد ﭬ‪َ « :‬فإِ َذا َج َل َس في ا‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫التشهد‬ ‫تكون يف‬‫ُ‬ ‫أن هذه الصف َة‬ ‫دليل على ا‬ ‫ب ال ُي ْمنَى» [رواه البخاري](‪ ،)3‬وهذا ٌ‬
‫َون ََص َ‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األول ً‬
‫وياعل األَ ِ‬
‫ليتين‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫القدمين‬ ‫ومن الصفات الثابتة للالوس يف الصالة‪ :‬أن ينصب‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ْ ،‬‬
‫وإن لم‬ ‫ِ‬ ‫كراهية؛ ل ُثبوتِها عن‬ ‫ُ‬ ‫بين‪ ،‬وهذه مشـروعة مِن ِ‬
‫غير‬ ‫على ال َع ِق ِ‬
‫طاووس‪ُ « :‬ق ْلنَا ِال ْب ِن َع اب ُ‬
‫اس فِي‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫مسلم قال‬ ‫ِ‬
‫ِحيح‬ ‫ت ُك ْن هد ًيا غال ًبا عنه ﷺ‪ ،‬ويف‬

‫(‪ )1‬فتح الباري البن رجب (‪.)223/1‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )626‬من حديث أبي حميد ﭬ‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫‪379‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫السنا ُة‪َ ،‬ف ُق ْلنَا َل ُه‪ :‬إِناا َلن ََرا ُه َج َفا ًء بِ ا‬
‫الر ُجلِ‪َ ،‬ف َق َال ا ْب ُن‬ ‫ْاإل ْق َعاء َع َلى ا ْل َقدَ َم ْي ِن‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ه َي ُّ‬
‫عمر‬‫ابن َ‬ ‫رأيت العبادل َة َيف َعلونه‪َ :‬‬ ‫طاووس‪ُ « :‬‬ ‫ٌ‬ ‫اس‪َ :‬ب ْل ِه َي ُسنا ُة َنبِي َك ﷺ»(‪ ،)1‬وقال‬ ‫َع اب ُ‬
‫ِ‬ ‫الز ِ‬
‫يب َمن ف َعله»(‪،)2‬‬ ‫بير»‪ ،‬ولذا قال اإلما ُم أحمدُ ‪« :‬ال أف َع ُله وال َأع ُ‬ ‫وابن ُّ‬ ‫عباس َ‬ ‫ُ‬ ‫وابن‬
‫َ‬
‫االفرتاش‪ ،‬فهو أغلب هديه كما يف حديث عائشة وأبي حميد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألفضل‬
‫ه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫السنة‬ ‫ِ‬
‫لثبوت‬ ‫التشهد الثاين التورل‬ ‫ِ‬ ‫(واتله َو ُّرك يف اثلاين)‪ :‬السن ُة يف الالوس يف‬
‫ميد تقال‪« :‬فإذا‬ ‫مالك والشافعي وأحمدَ ؛ لحديث أبي ح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الامهور‪:‬‬ ‫فيه‪ ،‬وهذا ُ‬
‫قول‬
‫ُ‬
‫أخرج ِرج َله ال ُيسـرى وج َلس ُمتوركًا على ِشقه‬ ‫َ‬ ‫التسليم‬
‫ُ‬ ‫كانت الساد ُة التي فيها‬ ‫ِ‬
‫األيسـر وق َعد على َمق َعدتِه»(‪.)3‬‬
‫رسول اهلل ﷺ مشـروعةٌ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِفات‪ ،‬ك ُّلها ثابت ٌة عن‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫ورد للتورل‬ ‫وقد َ‬
‫األيم ِن‪ ،‬ويا َع َل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الاانب‬ ‫خرج ال ُيسـرى مِ َن‬ ‫ب رج َله ال ُيمنى و ُي ِ‬ ‫األُولى‪ِ ْ :‬‬
‫أن َينص َ‬
‫ميد ﭬ يف البخاري‪َ « :‬وإِ َذا َج َل َس فِي‬ ‫حديث أبي ح ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫دل لها‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ا‬ ‫مقعد َته على‬
‫ب األ ُ ْخ َرى َو َق َعدَ َع َلى َم ْق َعدَ تِ ِه»(‪.)4‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الر ْك َعة اآلخ َرة َقدا َم ِر ْج َل ُه اليُسـرى‪َ ،‬ون ََص َ‬
‫ا‬
‫ُ‬
‫وتكون‬ ‫األيم ِن‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الاانب‬ ‫خر َجهما مِ َن‬ ‫ين جمي ًعا و ُي ِ‬ ‫فر َش القد َم ِ‬ ‫أن َي ِ‬
‫الثاني ُة‪ْ :‬‬
‫داو َد‪« :‬فإذا كان يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫األرض‪ ،‬ا‬‫ِ‬ ‫مقعد ُته على‬
‫حديث أبي ُحميد ﭬ عند أبي ُ‬ ‫ودل لها‬
‫الرابعة أفضـى بوركه اليسـرى إلى األرض‪ ،‬وأخرج قدميه من ناحية واحدة»(‪.)5‬‬
‫فخ ِذه وساقه‪ ،‬و َي َ‬
‫اعل‬ ‫دخ َل اليسـرى بين ِ‬
‫ُ‬
‫فر َش رج َله اليمنى وي ِ‬
‫ُ‬ ‫أن َي ِ‬
‫الثالث ُة‪ْ :‬‬
‫بير ﭭ قال‪« :‬كان رسول اهلل‬ ‫الز ِ‬ ‫عبداهللِ ِ‬
‫بن ُّ‬ ‫حديث ِ‬‫ُ‬ ‫ودل لها‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ا‬ ‫َمقعد َته على‬
‫ﷺ إذا قعد يف الصالة جعل قدمه اليسـرى بين فخذه وساقه‪ ،‬وفرش قدمه اليمنى»(‪.)6‬‬

‫(‪ِ )1‬حيح مسلم (‪.)536‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)206/2‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)331‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ )131‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)121‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )512‬من حديث عبداهلل بن الزبير ﭭ قال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا قعد يف الصالة جعل قدمه‬
‫=‬

‫‪312‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪380‬‬

‫ِ‬
‫الظهر والعصـر‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ :‬يف‬ ‫ِ‬
‫التشهد الثاين يف‬ ‫التور ُل إال يف‬ ‫مسألةٌ‪ :‬وال ُيشـرع‬
‫ُّ‬
‫والضحى فال ُيشـرع فيه‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫كالفار‬ ‫ِ‬
‫والعشاء‪ ،‬وأ اما ما فيه تشهدٌ واحدٌ‬ ‫ِ‬
‫والمغرب‬
‫يقول يف كل ركعت ِ‬
‫َين التحيةَ‪،‬‬ ‫مسلم‪« :‬وكان ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ِحيح‬ ‫لحديث عائش َة ڤ يف‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫التورل؛‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وكان َي ِ‬
‫االفرتاش إال ما‬ ‫ُ‬ ‫التشهد‬ ‫فاألِل يف‬ ‫ب ال ُيمنى»(‪،)1‬‬ ‫فر ُش رج َله ال ُيسـرى و َينص ُ‬
‫ُ‬
‫التورل(‪.)2‬‬ ‫الدليل وهو التشهدُ الثاين‪ ،‬ف ُيشـرع لـه‬ ‫ُ‬ ‫َد ال عليه‬
‫وم َيت األصابــع‪ ،‬بَ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ََ‬
‫ي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضم‬ ‫م‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ت‬ ‫وط‬ ‫بس‬ ‫م‬ ‫ين‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫الف‬ ‫ىلع‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫د‬‫(ووضع ايل‬
‫أن تكونَا مبسوطت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه ََ‬
‫َين وال‬ ‫السادتين ْ‬ ‫بين‬
‫اليدين َ‬ ‫ي)‪ :‬السنة يف وض ِع‬ ‫السجدت ِ‬
‫التشهد‪ ،‬فيبقى‬ ‫ِ‬ ‫أن هذا يف‬ ‫النصوص التي فيها َض ُّم األِاب ِع ُمصـرح ٌة ا‬ ‫يقبضهما؛ ا‬
‫ألن‬
‫َ‬
‫ما سواها مبسوطًا‪.‬‬
‫ه َ ُّ‬ ‫َ‬
‫(وكذا‪ :‬يف التشه ِد)‪ :‬ففي التشهد يضع يديه على فخذيه أو ركبتيه‪.‬‬
‫َ ُ ْ َ‬ ‫ُ ْ ُ َ ُ ْ ُ َ ُ ِّ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ه َ ُ‬
‫الوسطى)‪:‬‬ ‫َص‪ ،‬وَيلق إبهامها مع‬ ‫(إال أنه يقبِض م َِن ايلُمن اخلنَص وابلن‬
‫الخنْصـر‬ ‫التشهد أن يبسط الشمال ويقبض مِن ا ْليمنَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫اليد َ‬
‫حال‬ ‫فالسنة يف وض ِع ِ‬
‫َ ُْ‬
‫ِ‬
‫حديث‬ ‫َوا ْلبِنْصـر‪َ ،‬و ُي َحل ُق إِ ْب َها َم َها َم َع ا ْل ُو ْس َطى؛ كما د الت عليه األدل ُة‪ ،‬كقولِه يف‬
‫يه َما‬‫اإل ْب َها ِم َوا ْل ُو ْس َطى‪َ ،‬و َر َف َع ا التِي َتلِ ِ‬
‫َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ‪« :‬ر َأ ْي ُت النابِي ﷺ َقدْ َح ال َق ب ِ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ا‬
‫َيدْ ُعو بِ َها فِي الت َاش ُّه ِد» [أخرجه ابن ماجه] ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫التشهد ِفتان‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اليد ال ُيمنى يف‬ ‫لقبض ِ‬ ‫ِ‬ ‫وورد‬


‫أن ي ُضم أِابعه ك الها‪ ،‬ويضع إهبامه على الوسطى‪ ،‬ويشـير بالسب ِ‬
‫ابة‪،‬‬ ‫ُ َ ا ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫األولى‪ َ ْ :‬ا‬
‫عمر ﭭ َق َال‪َ « :‬و َق َب َض َأ َِابِ َع ُه ُك ال َها‪،‬‬ ‫حديث ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن َ‬ ‫رمي ببصـره إليها‪ ،‬كما يف‬ ‫و َي َ‬
‫رواية‪َ « :‬و َع َقدَ َث َال َث ًة َو َخ ْمسـي َن‪َ ،‬و َأ َش َار‬ ‫ُ‬ ‫اإل ْب َها َم»‪ ،‬ويف‬ ‫َو َأ َشار بِإِ ِْ َب ِع ِه ا التِي َتلِي ْ ِ‬
‫َ‬

‫=‬
‫اليسـرى بين فخذه وساقه‪ ،‬وفرش قدمه اليمنى»‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)331‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪.)221/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪ )212‬من حديث وائل بن حار ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪.)421/1‬‬

‫‪360‬‬
‫‪381‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫الس ابا َب ِة» [أخرجه مسلم](‪.)1‬‬ ‫بِ ا‬


‫الخنصـر والبِنصـر‪ ،‬و ُيحل َق‬ ‫أن يقبِ َض ِ‬
‫شـير‬
‫اإلهبام والوسطى‪ ،‬و ُي َ‬ ‫َ‬ ‫الثانيةٌ‪َ ْ :‬‬
‫حديث وائ ُل ﭬ قال‪ُ « :‬ث ام َقبَ َض ا ْثنَ َت ْي ِن مِ ْن َأ َِابِ ِع ِه‪َ ،‬و َح ال َق‬ ‫ُ‬ ‫بالسبابة‪ ،‬ويدُ ُّل له‪:‬‬‫ِ‬
‫عو ب ِ َها» [أخرجه النسائي وِححه ابن خزيمة وابن‬ ‫َح ْل َقةً‪ُ ،‬ث ام َر َف َع إ ِ ِْ َب َع ُه‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُت ُه ُي َحر ُك َها َيدْ ُ‬
‫حبان](‪.)2‬‬
‫التشه ِد‪ ،‬هو مخ اي ٌر بي َن أن يضع يديه على‬ ‫ُّ‬ ‫حال‬ ‫ِ‬
‫اليدين َ‬ ‫مسألة‪ :‬ومكان وضع‬
‫فخ ِذه ال ُيمنى وال ُيسـرى على ركبتِه ال ُيسـرى‪.‬‬ ‫ركبتيه‪ ،‬أو على فخذيه‪ ،‬أو اليمنى على ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا‬ ‫الز َب ْي ِر ﭬ‪« :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫لحديث ا ْب ِن ُّ‬ ‫فوضع اليدين على الفخذين؛‬
‫خ ِذ ِه ا ْل ُيسـرى»‬‫خ ِذ ِه ا ْليمنَى‪ ،‬ويدَ ه ا ْليسـرى َع َلى َف ِ‬
‫ََ ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫َقعدَ يدْ ُعو‪ ،‬و َضع يدَ ه ا ْليمنَى َع َلى َف ِ‬
‫َ َ َ ُ ُْ‬ ‫َ َ‬
‫[أخرجه مسلم](‪.)3‬‬
‫الص َال ِة َو َض َع َك اف ُه‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إِ َذا َج َل َس في ا‬ ‫عمر ﭭ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان‬ ‫ابن َ‬ ‫وحديث ِ‬ ‫ُ‬
‫خ ِذ ِه ا ْل ُيسـرى» [أخرجه مسلم](‪.)4‬‬ ‫خ ِذ ِه ا ْليمنَى‪ ،‬وو َضع َك افه ا ْليسـرى َع َلى َف ِ‬
‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫ا ْليمنَى َع َلى َف ِ‬
‫ُْ‬
‫َان إِ َذا‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫لحديث ا ْب ِن ُع َم َر ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫الركبتَين؛‬‫ووضع اليدين على ُ‬
‫َق َعدَ فِي الت َاش ُّه ِد َو َض َع َيدَ ُه ا ْل ُيسـرى َع َلى ُر ْك َبتِ ِه ا ْل ُيسـرى‪َ ،‬و َو َض َع َيدَ ُه ا ْل ُي ْمنَى َع َلى ُر ْك َبتِ ِه‬
‫ا ْل ُي ْمنَى» [أخرجه مسلم](‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫لحديث‬ ‫فخ ِذه ال ُيمنى‪ ،‬ويدَ ه ال ُيسـرى على ركبتِه ال ُيسـرى؛‬ ‫ووضع اليمنَى على ِ‬
‫ُ‬
‫الزبير ﭬ أيضًا‪ ،‬وفيه‪َ « :‬و َو َض َع َيدَ ُه ا ْل ُيسـرى َع َلى ُر ْك َبتِ ِه ا ْل ُيسـرى‪َ ،‬و َو َض َع َيدَ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن‬
‫خ ِذ ِه ا ْل ُي ْمنَى» [أخرجه مسلم](‪.)6‬‬ ‫ا ْليمنَى َع َلى َف ِ‬
‫ُْ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )560‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه النسائي يف الماتبى (‪ ،)662‬وابن خزيمة (‪ ،)114‬وابن حبان (‪ )1660‬من حديث وائل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )512‬من حديث عبداهلل بن الزبير ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )560‬من حديث عبداهلل بن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )560‬من حديث عبداهلل بن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )512‬من حديث عبداهلل بن الزبير ﭭ‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪382‬‬

‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ه‬ ‫ُ ُ ه َ‬


‫بالسبابة عند ذكر اهلل؛‬ ‫شـير‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ُ‬ ‫أن‬ ‫التشهد‬ ‫يف‬ ‫ُ‬
‫ة‬ ‫فالسن‬ ‫‪:‬‬‫)‬‫ِ‬ ‫اَّلل‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ِك‬
‫ذ‬ ‫ِند‬
‫ع‬ ‫ها‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫(ويشري بسباب‬
‫وله ِفتان‪:‬‬
‫الزبير ﭬ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لحديث ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫التشهد إلى ِ‬
‫آخره؛‬ ‫ِ‬ ‫أن َير َف َع اإلِ َب َع مِن ِ‬
‫أول‬ ‫األُولى‪ْ :‬‬
‫َ‬
‫التحريك‪.‬‬ ‫« َو َأ َش َار بِإ ِ ِْ َب ِع ِه» [أخرجه مسلم](‪ ،)1‬ولم َيذ ُك ِر‬
‫شـير بِإ ِ ِْ َب ِع ِه إِ َذا َد َعا‪َ ،‬و َال ُي َحر ُك َها»(‪،)2‬‬
‫َان ُي ُ‬‫وكذا عند أبي داود‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫ِ‬
‫لكن زياد ُة‪َ « :‬و َال ُي َحر ُك َها» ُأعلت بالشذوذ‪.‬‬ ‫ِـريح؛ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫نص‬ ‫وهذا ٌّ‬
‫مسلم ب ُطوله ولم َيذ ُكر « َو َال‬ ‫نظر؛ فقد ذكَره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫القيم‪ :‬يف ِحتها ٌ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ُي َحر ُك َها»(‪ ،)3‬وأع الها األلباينُّ(‪.)4‬‬
‫بن ُح ْار ﭬ‪ُ « :‬ث ام َر َف َع‬ ‫لحديث وائ ِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدعاء؛‬ ‫الثاني ُة‪ :‬أن ُيشـير هبا و ُيحركها عندَ‬
‫إِ ِْ َب َع ُه‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُت ُه ُي َحر ُك َها َيدْ ُعو بِ َها»(‪.)5‬‬
‫يأخ َذ باألُولى‬
‫أن ُ‬‫الصفتين؛ لورود الحديث هبما‪ ،‬فله ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هاتين‬ ‫والمصلي مخ اير بين‬
‫شـير هبا‬ ‫آخره‪ ،‬وله ْ‬ ‫التشهد إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحريك مِن ِ‬ ‫ُ‬ ‫شـير بإِ َب ِعه مِن ِ‬
‫أن ُي َ‬ ‫أول‬ ‫غير‬ ‫و ُي َ‬
‫تشهد‬ ‫ِ‬ ‫والذكر مِ َن‬ ‫ِ‬
‫فمثال إذا ا‬ ‫ً‬ ‫الدعاء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وضعها‪،‬‬‫يدع َ‬ ‫و ُيحركَها عند الدعاء‪ ،‬وإذا لم ُ‬
‫لنفسه يشير‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدعاء ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬وعندَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة على‬ ‫شـير‪ ،‬وكذا عندَ‬‫اهلل ُي ُ‬
‫ووحد َ‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُُ َ ً‬
‫أن َيلتف َت َيمينًا وش ً‬
‫ماال‬ ‫حال السال ِم ْ‬ ‫وشماال يف تسلِي ِم ِه)‪ :‬فالسن ُة َ‬ ‫(واتل ِفاته ي ِمينا ِ‬
‫ِ‬
‫وغيرهم‬ ‫وسعد‪ ،‬ووائلُ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مسعود‪،‬‬ ‫حديث ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫تسليمة؛ كما جاءت به السن ُة يف‬‫ُ‬ ‫يف كل‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )512‬من حديث عبداهلل بن الزبير ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)262‬والنسائي يف الماتبى (‪ )1210‬من حديث عبداهلل بن الزبير ﭭ‪ .‬وِححه النووي‬
‫يف خالِة األحكام (‪ ،)426/1‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)11/4‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد (‪.)231/1‬‬
‫(‪ )4‬أعلها بالشذوذ يف ضعيف أبي داود (‪.)115‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص(‪ .)361‬قال ابن خزيمة‪« :‬ليس يف شـيء من األخبار «يحركها» إال يف هذا الخرب‪ ،‬زائدة‬
‫ذكره»‪ .‬وقال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)426/1‬رواه البيهقي بإسناد ِحيح‪ ،‬وقال‪ :‬ويحتمل أن‬
‫يكون المراد بالتحريك اإلشارة هبا ال تكرير تحريكها‪ ،‬فيكون موافقا لرواية ابن الزبير‪ ،‬واهلل تعالى أعلم»‪.‬‬
‫وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪.)11/4‬‬

‫‪362‬‬
‫‪383‬‬ ‫ن الصَّالةِ‬
‫فَصْلٌ فِي َبيَانِ سُنَ ِ‬

‫ول اهللِ ﷺ ُي َسل ُم َع ْن‬ ‫مسلم عن َس ْع ُد ﭬ َق َال‪ُ « :‬كن ُْت َأ َرى َر ُس َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ِحيح‬ ‫ﭫ؛ ففي‬
‫اض َخد ِه»(‪ ،)1‬قال اإلما ُم أحمدُ ‪« :‬ث َبت عندَ نا مِن ِ‬
‫غير‬ ‫ار ِه‪َ ،‬حتاى َأ َرى َب َي َ‬ ‫َي ِمين ِ ِه‪َ ،‬و َع ْن َي َس ِ‬
‫بياض َخده»(‪.)2‬‬ ‫وشماله حتى ُيرى ُ‬ ‫عن النبي ﷺ أناه كان يسلم عن يمينِه ِ‬ ‫وجه ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ُُ َ‬ ‫هُُ‬
‫الصالة‪،‬‬ ‫الخروج مِ َن‬‫َ‬ ‫فالمصلي َينوي بسالمِه‬ ‫(ون ِيته ب ِه اخلروج مِن الصالة ِ)‪ُ :‬‬
‫الصالة؛ مِن‬‫ِ‬ ‫جميع‬
‫َ‬ ‫شملت‬ ‫الصالة مِن ابتدائها قد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِحيح؛ ا‬
‫ألن ني َة‬ ‫ٌ‬ ‫ينو فسالمه‬ ‫فإن لم ِ‬ ‫ْ‬
‫المنصوص عن أحمدَ ‪،‬‬ ‫النية األُولى وهو‬ ‫داخل يف ِ‬ ‫وساود‪ ،‬ومنها السال ُم‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ركو ُع‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العبادات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كسائر‬ ‫ِ‬
‫للخروج منها‪،‬‬ ‫ب الني ُة‬ ‫تا ِ‬ ‫واختاره اب ُن ُقدام َة(‪ .)3‬وألناها عبادةٌ‪ ،‬فلم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أن ُيبال َغ يف التفاته يف‬ ‫سن ْ‬ ‫أي ُي ُّ‬‫ات)‪ْ :‬‬ ‫ي يف االتل ِف ِ‬ ‫ال ىلع ايل ِم ِ‬ ‫فضيل الشم ِ‬ ‫(وت ِ‬
‫ول اهللِ‬ ‫اليمين؛ لحديث َس ْع ُد ﭬ َق َال‪ُ « :‬كن ُْت َأ َرى َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫أكثر مِ َن‬ ‫ِ‬
‫السال ِم على الشمال َ‬
‫ُ‬
‫الحديث‬ ‫اض َخد ِه» [أخرجه مسلم]‪ ،‬وهذا‬ ‫ار ِه‪َ ،‬حتاى َأ َرى َب َي َ‬ ‫ﷺ ُي َسل ُم َع ْن َي ِمين ِ ِه‪َ ،‬و َع ْن َي َس ِ‬
‫ِ‬
‫التسليم‪.‬‬ ‫ِفة التفاتِه يف‬‫بيان ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫هدي‬ ‫إثبات ِ‬ ‫ِ‬ ‫كاف يف‬ ‫ُ‬
‫وِححه َع ْن‬‫ا‬ ‫الرتمذي‬
‫ُّ‬ ‫ترل إطالتِه وعدم َمده؛ لما َروى‬ ‫ب يف السال ِم ُ‬ ‫ستح ُّ‬
‫والم َ‬
‫ُ‬
‫الس َال ِم ُسنا ٌة»(‪ ،)4‬قال ابن المبارل‪ :‬يعني‪ :‬أن ال تمده مدً ا‪.‬‬
‫ف ا‬ ‫َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال‪َ « :‬ح ْذ ُ‬
‫قال الرتمذي‪« :‬وهو الذي يستحبه أهل العلم»‪.‬‬
‫جزم» (‪.)5‬‬
‫جزم‪ ،‬والسالم ٌ‬
‫وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال‪« :‬التكبير ٌ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )562‬من حديث سعد بن أبي وقاص ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)241/2‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)241/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)221‬وابن خزيمة (‪ ،)135‬والحاكم (‪ )355/1‬من حديث أبي هريرة ﭬ موقوفًا‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪ .‬وروي مرفوعًا‪ ،‬قال الدارقطني يف العلل (‪« :)245/2‬الصواب وقفه»‪.‬‬
‫وهو من رواية قرة بن عبدالرحمن‪ ،‬وهو ضعيف اختلف فيه (التلخيص الحبير ‪.)550/1‬‬
‫(‪ )5‬سنن الرتمذي (‪.)221( ،)23/2‬‬

‫‪363‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪384‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْ ٌل فِيمَا يُك َرهُ يف الصَّالةِ‬


‫‪F‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب تر ُكه يف‬ ‫المؤلف يف هذا الفص ِل المكروهات يف الصالة‪ ،‬وهي ما ُيط َل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذكَر‬
‫ف السن َة وِالت ُه ِحيحةٌ‪.‬‬ ‫فإن ف َعل شـي ًئا منها عامِدً ا خا َل َ‬ ‫الصالة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫للم َص ِّيل‪ :‬اقت َص ُ‬ ‫ُ َُ ُ‬
‫ارها‪ .‬واتل ِفاته بِال حاجة‪.‬‬ ‫الفاحتَةِ‪ .‬وتكر‬
‫ِ‬ ‫ارهُ ىلع‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬يكره‬
‫ََ ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُْ ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫جدا‪ .‬والعبث‪.‬‬ ‫وافَّتاش ذِراعي ِه سا ِ‬ ‫وتغ ِميض عيني ِه‪ .‬ومحل مش ِغل هل‪ِ .‬‬
‫ْ‬ ‫ال ُص َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫واتله َخ ُّ ُ‬
‫ورة‪َ ،‬و َوج ِه‬ ‫ووضعه فِي ِه شيئا‪ .‬واستِقب‬ ‫َص‪ .‬واتلهمطي‪ .‬وفتح ف ِم ِه‪.‬‬
‫اب‬ ‫احل ََص‪ .‬وت َ َ ُ ُّ َ‬ ‫وم ُّس َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٍّ ُ َ َ ِّ‬
‫سوية الَّت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬‫ه‬‫ِ‬ ‫ي‬‫له‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫وما‬
‫َ ََُ‬
‫‪،‬‬ ‫ار‬ ‫ون‬ ‫‪،‬‬ ‫ِم‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫ون‬ ‫‪،‬‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫آد ِيم‪ ،‬ومتح‬
‫ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ُّ ٌ‬
‫بِال عذر‪ .‬وتروح ب ِمروحة‪ .‬وفرقعة أصاب ِ ِع ِه‪ .‬وتشبِيكها‪ .‬ومس ِحليتِ ِه‪.‬‬
‫َُ ه َ ََ َ َ ُ ُ‬ ‫َ ُ ً ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫وكف ثوبِه‪ .‬ومَت كرث ذل ِك عرفا‪ :‬بطلت‪ .‬وأن َيص جبهته بِما يسجد‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫مسح فِيها أث َر سجو ِده ِ‪ .‬وأن يستنِد ب ِال حاجة‪ .‬فإن استند‬ ‫ي‬ ‫وأن‬ ‫‪.‬‬‫ه‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫عل‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ُ ََ ُ َ ُ َ‬
‫ِحبيث يقع لو أ ِزيل ما استند إيل ِه‪ :‬بطلت‪ .‬ومحده إذا عطس‪ ،‬أو وجد ما‬
‫َ َ َ ُ ُّ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ي َ ُ ُّ‬
‫واسَّتجاعه إذا َوجد ما يغمه)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رسهُ‪.‬‬
‫الفاحتَ ِة)‪ :‬يف الركعتين األوليين يستحب قراءة‬ ‫ِ‬ ‫ارهُ ىلع‬ ‫للم َص ِّيل‪ :‬اقت َص ُ‬ ‫ُ َُ ُ‬
‫(يكره‬
‫ِ‬
‫شـيء بعد الفاتحة كما سبق تقريره‪ ،‬وإن اقتصـر على الفاتحة فقد خالف السنة‬
‫وِالته ِحيحة‪.‬‬
‫َ َ ُ َ‬
‫ارها)‪ :‬ويكره تكرار الفاتحة يف ركعة واحدة؛ ألنه لم ينقل عن رسول‬ ‫(وتكر‬
‫اهلل ﷺ وال الصحابة‪ ،‬وتفتح باب الوسوسة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُُ‬
‫(واتل ِفاته بِال حاجة)‪ :‬االلتفات يف الصالة على أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬التفاته بالرأس إن كان بال حاجة ُكره؛ لحديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪َ :‬س َأ ْل ُت‬
‫اختِال ٌَس َي ْختَلِ ُس ُه الشـي َطا ُن مِ ْن‬
‫الصال َِة؟ َف َق َال‪ُ « :‬ه َو ْ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َع ِن اال ْلت َفات في ا‬ ‫َ ُ‬

‫‪364‬‬
‫‪385‬‬ ‫فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ‬

‫َِال َِة ال َعبْ ِد» [رواه البخاري](‪.)1‬‬


‫الص َال ِة‪،‬‬ ‫ال و ِااللتِ َف َ ِ‬ ‫َس ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال لِي رس ُ ِ‬
‫ات في ا‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬يا ُبن اَي‪ ،‬إِ اي َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫و َع ْن َأن ُ‬
‫يض ِة»(‪.)2‬‬‫َان َال بُدا َف ِفي ال ات َط ُّو ِع َال فِي ال َف ِر َ‬
‫الص َال ِة َه َل َكةٌ‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬ ‫َفإِ ان ِااللتِ َف َ ِ‬
‫ات في ا‬
‫ول اهللِ‬ ‫لحاجة جاز؛ لحديث َس ْه ِل ْب ِن ا ْل َحنْ َظلِ اي ِة ﭬ َق َال‪َ « :‬ف َا َع َل َر ُس ُ‬ ‫ُ‬ ‫وإن كان‬
‫ب مِ َن ال ال ْي ِل‬‫ار ًسا إِ َلى الش ْع ِ‬ ‫َان َأ ْر َس َل َف ِ‬ ‫ب‪َ ،‬وك َ‬ ‫ﷺ ُي َصلي َو ُه َو َي ْلت َِف ُت إِ َلى الش ْع ِ‬
‫َي ْح ُر ُس»(‪.)3‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يلتفت باميع بدنه وينحرف عن القبلة بال عذر‪ ،‬فهذا تبطل ِالته؛‬
‫ألنه أخل بشـرأ من شـروأ ِحة الصالة‪ ،‬وهو استقبال القبلة من غير عذر‪ ،‬وإن‬
‫كان لعذر جاز‪.‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫(وتغ ِميض عيني ِه)‪ :‬يف الصالة المذهب كراهته؛ ألنه لم يكن من هدي رسول‬
‫اهلل ﷺ‪.‬‬
‫ويدل لذلك‪ :‬انشغاله ﷺ بالخميصة‪ ،‬ففي الصحيحين َأ ان النابِ اي ﷺ َِ الى فِي‬
‫يصتِي‬ ‫ِ‬
‫ْصـرف َق َال‪« :‬ا ْذ َه ُبوا بِ َخم َ‬
‫َ‬ ‫يص ُة َل َها َأ ْعال ٌَم‪َ ،‬فنَ َظ َر إِ َلى َأ ْعالَمِ َها َن ْظ َرةً‪َ ،‬ف َل اما ان‬ ‫ِ‬
‫َخم َ‬
‫َه ِذ ِه إِ َلى َأبِي َج ْه ُم‪َ ،‬و ْأ ُتونِي بِ َأ ْن بِ َاان ِ اي ِة َأبِي َج ْه ُم‪َ ،‬فإِن َاها َأ ْل َهتْنِي آن ِ ًفا َع ْن َِالَتِي»(‪،)4‬‬
‫مشـروعا الكتفى بذلك ولم تشغله خطوطها‪ ،‬وكذا مدافعته‬ ‫ً‬ ‫فلو كان التغميض‬
‫فاتحا عينيه‬
‫البهيمة والاارية والغالم حين أرادوا المرور بين يديه تدل على أنه كان ً‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )151‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )562‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وقال‪« :‬هذا حديث حسن غريب»‪ .‬قال ابن رجب يف الفتح‬
‫(‪« :)453/6‬وذكر يف (كتاب العلل)‪ :‬أنه ذاكر به البخاري‪ ،‬فلم يعرفه‪ ،‬ولم يعرف البن المسـيب عن أنس‬
‫شـيئًا‪ .‬وقد روي عن أنس من وجوه أخر‪ ،‬وقد ضعفت كلها»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)216‬والنسائي يف السنن الكربى (‪ ،)6612‬وابن خزيمة (‪ )461‬من حديث سهل بن‬
‫الحنظلية ﭬ‪ .‬وِححه ابن خزيمة‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والنووي يف خالِة األحكام (‪ ،)461/1‬واأللباين يف‬
‫اإلرواء (‪.)311‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)313‬ومسلم (‪ )556‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪386‬‬

‫يراها‪ ،‬وإلى الكراهة ذهب اإلما ُم أحمدُ ‪.‬‬


‫وعلل‪ :‬بأنه من فعل اليهود(‪.)1‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬الاواز بال كراهة؛ لعدم وجود دليل على النهي‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫سـيرين والحسن(‪.)2‬‬
‫فالسنة فتح عينيه‪ ،‬لكن إن كان إذا فتحهما لم يستطع الخشوع‪ ،‬وانشغل عن‬
‫الصالة لكثرة المشغالت أمامه‪ ،‬فال يقال بالكراهة هنا خاِة إذا ابتلي‬
‫بالمشغالت‪ ،‬ولم يستطع االبتعاد عنها‪ ،‬وخشـي من أن تشوش عليه يف ِالته‪ ،‬فال‬
‫بأس باإلغماض؛ ألنه لم يرد النهي عنه‪.‬‬
‫بل قال ابن القيم‪« :‬والصواب أن يقال‪ :‬إن كان تفتيح العين ال يخل بالخشوع‪،‬‬
‫فهو أفضل‪ ،‬وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما يف قبلته من الزخرفة والتزويق أو‬
‫غيره مما يشوش عليه قلبه‪ ،‬فهنالك ال يكره التغميض قط ًعا‪ ،‬والقول باستحبابه يف‬
‫هذا الحال أقرب إلى أِول الشـرع ومقاِده من القول بالكراهة‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫َُْ ُ‬
‫(ومحل مش ِغل هلُ)‪ :‬فالمصلي عليه اإلقبال على ِالته وال ينشغل عنها‪ ،‬فإذا‬
‫حمل شـي ًئا‪ ،‬فال يخلو من حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إن كان غير مشغل له فال كراهة‪.‬‬
‫ُ‬
‫حاجة ُكره؛ ألنه يؤدي إلى الحركة‬ ‫الثانية‪ :‬إن كان يشغله حمله‪ ،‬فإن كان بال‬
‫فيها‪ ،‬واالنشغال عن الخشوع الذي هو لبها‪.‬‬
‫ُ‬
‫لحاجة جاز بال كراهة‪ ،‬كالمرأة إذا بكى ِبيها فتحمله‪ ،‬والرجل إذا‬ ‫وإن كان‬
‫خشـي من وضع أغراضه أن تسـرق فيحملها؛ لحديث َأبِي َقتَا َد َة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ول‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬فإِ َذا َقا َم َح َم َل َها‪،‬‬
‫ْت رس ِ‬‫ِ‬
‫َب بِن َ ُ‬
‫ِ‬ ‫اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان ُي َصلي َو ُه َو َحام ٌل ُأ َما َم َة بِن َْت َز ْين َ‬

‫(‪ )1‬اقتضاء الصـراأ المستقيم (‪.)241/1‬‬


‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)64/2‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد (‪( )265/1‬مؤسسة الرسالة)‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫‪387‬‬ ‫فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ‬

‫َوإِ َذا َس َادَ َو َض َع َها» [متفق عليه](‪.)1‬‬


‫َ ُ َ َ َ ً‬
‫جدا)‪ :‬فيكره أن يفرش ذراعيه حال الساود؛ لورود النهي‬ ‫وافَّتاش ذِراعي ِه سا ِ‬ ‫( ِ‬
‫ب» [متفق‬ ‫ال َي ْب ُس ْط َأ َحدُ ُك ْم ِذ َرا َع ْي ِه ا ْنبِ َس َ‬
‫اأ ال َك ْل ِ‬ ‫يف قوله ﷺ‪« :‬ا ْعت َِد ُلوا فِي السا ِ‬
‫ود‪َ ،‬و َ‬ ‫ُّ ُ‬
‫عليه](‪.)2‬‬
‫ََ ُ‬
‫(والعبث)‪ :‬يكره العبث أثناء الصالة‪ ،‬سواء كان عبثه باسده‪ ،‬أو شعره‪ ،‬أو‬
‫ثوبه‪ ،‬أو باألرض؛ لمنافاته الخشوع يف الصالة‪ ،‬وألن كثرة الحركة إذا غيرت هيئة‬
‫الصالة بال حاجة أبطلتها‪ ،‬وقد َر َأى ُح َذ ْي َف ُة َر ُج ًال ُي َصلي َي ْع َب ُث بِلِ ْح َيتِ ِه َف َق َال‪َ « :‬ل ْو‬
‫ب َه َذا َس َكن َْت َج َو ِار ُح ُه»(‪.)3‬‬ ‫َخ َش َع َق ْل ُ‬
‫َ‬
‫(واتلهخ ُّ ُ‬
‫َص)‪ :‬أي يكره وضع اليد على الخاِـرة حال الصالة‪ ،‬والخاِـرة‪:‬‬
‫وسط اإلنسان‪ ،‬وهو المستدق فوق الوركين‪ ،‬وهذا قول أكثر العلماء يف تعريفه‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬ما يف الصحيحين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ َق َال‪« :‬ن ََهى النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُي َصل َي‬
‫الر ُج ُل ُم ْختَصـرا»(‪.)4‬‬ ‫ا‬
‫والعلة من النهي‪ :‬أن فيه تشبهًا باليهود‪ ،‬كما روى البخاري َع ْن َعائِ َش َة ڤ‪:‬‬
‫«كَان َْت َت ْك َر ُه َأ ْن َي ْا َع َل َيدَ ُه فِي َخاِـرتِ ِه َو َت ُق ُ‬
‫ول‪ :‬إِ ان ال َي ُهو َد َت ْف َع ُل ُه»(‪.)5‬‬
‫وهو عالمة على التكاسل‪ ،‬وعدم اإلقبال على الصالة بخشوع ونشاأ‪ ،‬وهذا‬
‫النهي عند جمهور العلماء للكراهة‪.‬‬
‫َ ِّ‬
‫(واتلهمطي)‪ :‬وهو التمدد والتمغط؛ ألنه من العبث وعدم السكون يف الصالة‪،‬‬
‫ويذهب الخشوع‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫(وفتح ف ِم ِه‪ .‬ووضعه فِي ِه شيئا)‪ :‬ولو لم يبلعه؛ ألنه من العبث‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)516‬ومسلم (‪ )543‬من حديث أبي قتادة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)622‬ومسلم (‪ )423‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه محمد بن نصـر المروزي يف تعظيم قدر الصالة (‪ )150‬من طريق ثور بن يزيد‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1220‬ومسلم (‪ )545‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ )3456‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪388‬‬

‫ال ُص َ‬ ‫َ ُ‬
‫ورة)‪ :‬ألهنا تشغل المصلي؛ لما فيه من التشبه ب ُع اباد األوثان‪،‬‬ ‫(واستِقب‬
‫ال َت َز ُال َت َص ِ‬
‫او ُير ُه‬ ‫وألن رسول اهلل ﷺ قال لعائشة ڤ‪َ « :‬أمِيطِي َعناا قِرام ِ‬
‫ك َه َذا‪َ ،‬فإِ ان ُه َ‬ ‫َ َ‬
‫َت ْع ِر ُض فِي َِالَتِي» [رواه البخاري](‪.)1‬‬
‫وألن النبي ﷺ لم يدخل الكعبة حتى ُم ِح َي ما فيها من الصور(‪.)2‬‬
‫لكن ِالته ِحيحة؛ ألن النبي ﷺ لم يعد ِالته كما يف حديث عائشة ڤ‬
‫السابق‪ ،‬واختار هذا شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫َ َ ْ َ‬
‫آد ِ ٍّ‬
‫يم)‪ :‬ويكره استقبال وجه آدمي أثناء الصالة؛ ألنه يشغله ويلهيه‪ ،‬وقد‬ ‫(ووج ِه‬
‫يضحكه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ ِّ‬
‫(ومتحدث‪ ،‬ونائ ِم)‪ :‬أي ويكره أن يستقبل من يتحدث أو من هو نائم يف أثناء‬
‫ف الناائِ ِم و َال ا ْلمتَحد ِ‬
‫ث»(‪.)3‬‬ ‫الصالة؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ال ُت َص ُّلوا َخ ْل َ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫والرواية األخرى‪ :‬أنه ال كراهة يف ذلك إن كان ال يشغله‪ ،‬وهذا هو الراجح‪،‬‬
‫وهو رواية عن اإلمام أحمد؛ ألنه ثبت عن رسول اهلل ﷺ فعله‪ ،‬ففي حديث عتبان‬
‫[أخرجه أبوداود‪ ،‬وهو‬ ‫ﭬ أن رسول اهلل ﷺ‪ِ« :‬لى والصحابة يتحدثون بين يديه»‬
‫ضعيف](‪.)4‬‬
‫اش ِه‪،‬‬‫َان النابِي ﷺ يصلي و َأنَا راقِدَ ٌة معت َِر َض ٌة َع َلى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ‬
‫وع ْن َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬ ‫َ‬
‫الصال َِة‬
‫اب ا‬ ‫ت» [متفق عليه] ‪ ،‬وبوب عليه البخاري [ َب ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫َفإِ َذا َأ َرا َد َأ ْن ُيوتِ َر َأ ْي َق َظنِي َف َأ ْو َت ْر ُ‬
‫ف الناائِ ِم]‪ ،‬والنهي الوارد يف حديث ابن عباس ﭭ ضعيف‪ ،‬كما بين ذلك‬ ‫َخ ْل َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )314‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )4266‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)624‬والبيهقي يف السنن (‪ )326/2‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬قال النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪« :)521/1‬رواه أبو داود‪ ،‬واتفقوا على ضعفه‪ ،‬ويف إسناده ماهول‪ .‬قال الخطابي‪ :‬ال يصح»‪ .‬وحسنه‬
‫األلباين يف اإلرواء (‪.)315‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )33‬من حديث عتبان ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)512‬ومسلم (‪ )512‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫‪389‬‬ ‫فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ‬

‫البخاري والخطابي وجماعة‪.‬‬


‫َ‬
‫(ونار)‪ :‬أي ويكره استقبال نار أثناء الصالة‪.‬‬
‫والعل ُة‪ :‬أن فيه تشبهًا بالماوس الذين يصلون إلى النار‪ ،‬ولكوهنا تشغل بالنظر‬
‫إليها‪.‬‬
‫ُ‬
‫لهي ِه)‪ :‬أي ويكره استقبال ما يلهيه ويشغله أثناء الصالة‪.‬‬
‫(وما ي ِ‬
‫وهذا ضابط‪ :‬فكل ما يلهي المصلي ويشغله‪ ،‬فيكره استقباله؛ ألن الخشوع‬
‫لبها‪ ،‬والقنوت والسكون من مقاِدها‪ ،‬ويف الصحيحين َأ ان النابِ اي ﷺ َِ الى فِي‬
‫يصتِي‬ ‫ِ‬
‫ْصـرف َق َال‪« :‬ا ْذ َه ُبوا بِ َخم َ‬
‫َ‬ ‫يص ُة َل َها َأ ْعال ٌَم‪َ ،‬فنَ َظ َر إِ َلى َأ ْعالَمِ َها َن ْظ َرةً‪َ ،‬ف َل اما ان‬‫َخم َ‬
‫ِ‬
‫َه ِذ ِه إِ َلى َأبِي َج ْه ُم َو ْأ ُتونِي بِ َأ ْن بِ َاان ِ اي ِة َأبِي َج ْه ُم‪َ ،‬فإِن َاها َأ ْل َهتْنِي آن ِ ًفا َع ْن َِالَتِي»(‪.)1‬‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِني ن ُ‬
‫َسـيت َأ ْن آ ُم َر َل َأ ْن ُت َخم َر‬ ‫ويف سنن أبي داود أن َر ُس َ‬
‫ت شـي ٌء َي ْش َغ ُل ا ْل ُم َصل َي»(‪.)2‬‬ ‫ون فِي ا ْلبي ِ‬
‫ا ْل َق ْر َن ْي ِن‪َ ،‬فإ ِ ان ُه َل ْي َس َينْ َب ِغي َأ ْن َي ُك َ‬
‫َْ‬
‫ُ ْ‬ ‫احل ََص‪ .‬وت َ َ ُ ُّ َ‬ ‫وم ُّس َ‬ ‫َ‬
‫اب بِال عذر)‪ :‬يكره العبث بالحصـى واالشتغال‬ ‫سوية الَّت ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‬
‫بتسوية الرتاب أثناء الصالة بال حاجة‪ ،‬وهو قول جماهير العلماء‪.‬‬
‫ودليل الكراهية‪ :‬ما رواه أبو داود والرتمذي وحسنه َع ِن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َقا َم‬
‫الحصـى‪َ ،‬فإِ ان الر ْحم َة ُت َو ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ُه ُه»(‪.)3‬‬ ‫ا َ‬ ‫الص َالة َف َال َي ْم َسحِ َ‬ ‫َأ َحدُ ُك ْم إ ِ َلى ا‬
‫لكن إن احتاج إلى ذلك‪ ،‬أو احتاج إلى تسوية مكان الساود فال بأس بمسحه‬
‫ِ‬
‫مرة واحدة داخل الصالة؛ لما يف الصحيحين َأ ان النابِ اي ﷺ َق َال في ا‬
‫الر ُج ِل ُي َسوي‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)365‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)2030‬وأحمد (‪ )16631‬من حديث عثمان بن طلحة ﭬ‪ ،‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي‬
‫داود (‪.)1110‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)245‬والرتمذي (‪ ،)312‬والنسائي (‪ ،)6/3‬وابن ماجه (‪ ،)1021‬وأحمد (‪،)21330‬‬
‫وابن خزيمة (‪ ،)213‬وابن حبان (‪ )2213‬من حديث أبي ذر ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬والبغوي يف شـرح‬
‫السنة (‪ ،)663‬والنووي يف خالِة األحكام (‪ ،)465/1‬وِححه الحافظ يف بلوغ المرام (‪ .)232‬وضعفه‬
‫األلباين يف اإلرواء (‪.)311‬‬

‫‪362‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪390‬‬

‫اع ًال َفو ِ‬


‫احدَ ًة»(‪ ،)1‬هذا يف الصالة‪.‬‬ ‫التُّراب حي ُث يسادُ ‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِ ْن ُكن َْت َف ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ َْ ُ‬
‫وأما فعل ذلك قبل الشـروع يف الصالة‪ ،‬فال كراهة فيه‪.‬‬
‫وكذا يكره انشغال المصلي بمسح جبهته من الرتاب أثناء الصالة؛ لما روى ابن‬
‫الر ُج ُل َم ْس َح َج ْب َهتِ ِه َق ْب َل ا ْل َف َرا ِغ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ماجه َأ ان رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ ان م َن ا ْل َا َفاء َأ ان ُي ْكث َر ا‬ ‫َ ُ‬
‫مِ ْن َِ َالتِ ِه»(‪.)2‬‬
‫وقد رويت كراهة ذلك عن عدد من السلف منهم ابن مسعود وابن عباس ﭭ‪،‬‬
‫وابن جبير ومكحول والحسن‪ ،‬وعدوه من الافاء‪ ،‬وهو قول مالك وأحمد‪ ،‬قال‬
‫الر ُج ُل إِ َلى َغ ْي ِر ُست َْر ُة‪َ ،‬و َأ ْن َي ْم َس َح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن مسعود ﭬ‪َ « :‬أ ْر َب ٌع م َن ا ْل َا َفاء‪َ :‬أ ْن ُي َصل َي ا‬
‫اي َب ُه»(‪.)3‬‬‫ول َقائِما‪َ ،‬أ ْو َيسم َع ا ْلمنَادِ َي ُثم َال ُي ِ‬
‫ْصـرف‪َ ،‬أ ْو َي ُب َ‬
‫َ‬ ‫َج ْب َه َت ُه َق ْب َل َأ ْن َين‬
‫ا‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫َ ٌ‬
‫(وت َر ُّوح ب ِم ْر َوحة)‪ :‬الرتوح بالمروحة اليدوية‪ :‬يكره يف الصالة‪ ،‬كما ذكره ابن‬
‫مسعود ﭬ؛ ألنه نوع من العبث داخل الصالة‪ ،‬إال إذا دعت إليه الحاجة كوجود‬
‫حر شديد فال بأس به‪.‬‬
‫ن‬
‫وأما المراوحة بين القدمين‪ :‬بحيث يعتمد على رج ُل أحيانًا وعلى األخرى‬
‫أحيانًا فهذا ال بأس به ال سـيما إذا طال وقوفه‪ ،‬وتركه أولى؛ لوروده عن ابن مسعود‬
‫وس ُ‬ ‫ون‪ ،‬وا ْب ِن ِ‬ ‫ﭬ‪ ،‬وطائفة من التابعين كعمرو ب ِن ميم ُ‬
‫الم‪.‬‬ ‫ين‪ ،‬و َم ْك ُحول‪َ ،‬‬ ‫سـير َ‬ ‫َ َْ ْ َُْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََُ‬
‫(وفرقعة أصاب ِ ِع ِه‪ .‬وتشبِيكها)‪ :‬من المكروهات أن يفرقع أِابعه‪ ،‬أو يشبكها‬
‫أثناء الصالة‪ ،‬أو وهو يف طريقه إليها؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َت َو اض َأ َأ َحدُ ُك ْم َف َأ ْح َس َن ُو ُضو َء ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ُثم َخرج َعامِدً ا إ ِ َلى المس ِ ِ‬
‫ِ َالة» [أخرجه أبوداود‬ ‫اد‪َ ،‬ف َال ُي َشب َك ان َب ْي َن َأ َِابِعه‪َ ،‬فإ ِ ان ُه في َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ا َ َ‬
‫والرتمذي](‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1201‬ومسلم (‪ )546‬من حديث معيقيب ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه (‪ )264‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬ويف إسناده هارون بن هارون‪ ،‬ضعيف‪ .‬وضعفه ابن‬
‫رجب يف الفتح (‪ ،)356/1‬واأللباين يف ضعيف الاامع (‪.)1223‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ )402/1‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)562‬والرتمذي (‪ )366‬من حديث كعب بن عارة ﭬ‪ .‬قال ابن رجب يف فتح الباري‬
‫=‬

‫‪320‬‬
‫‪391‬‬ ‫فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ‬

‫وأما بعد الفراغ من الصالة‪ ،‬فال يكره تشبيكها حتى ولو كان داخل المساد؛‬
‫ألن الصالة فرغت‪ ،‬ويف الصحيحين يف حديث ذي اليدين ﭬ‪ ،‬وفيه‪َ « :‬ف َقا َم إِ َلى‬
‫ا ِد‪َ ،‬فا ات َك َأ َع َل ْي َها ك ََأ ان ُه َغ ْض َب ُ‬
‫ان‪َ ،‬و َو َض َع َيدَ ُه ال ُي ْمنَى َع َلى‬ ‫وض ُة فِي المس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َخ َش َب ُة َم ْع ُر َ‬
‫ال ُيسـرى‪َ ،‬و َش اب َك َب ْي َن َأ َِابِ ِع ِه»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ ُّ‬
‫(ومس ِحليتِ ِه)‪ :‬واالنشغال هبا داخل الصالة؛ ألنه من العبث المشغل عن‬
‫الخشوع‪.‬‬
‫َ ُّ َ‬
‫(وكف ثوبِه)‪ :‬أي يكره طيه وجمعه؛ لنهي رسول اهلل ﷺ عنه‪ ،‬كما يف‬
‫ِ‬
‫الش ْع َر»(‪ ،)2‬وجمهور العلماء‬ ‫اب‪َ ،‬و َال ا‬‫الصحيحين َع ِن النبي ﷺ قال‪َ « :‬و َال َن ْكف َت الث َي َ‬
‫قالوا‪ :‬بكراهة طي الثوب يف الصالة‪ ،‬سواء فعله أثناء الصالة‪ ،‬أو خارجها إن فعله‬
‫ألجل الصالة‪.‬‬
‫ويلحق بكف الثوب عقص الشعر‪ ،‬وهو إدخال أطرافه يف أِوله‪ ،‬وكذا جمعه‬
‫وشده بشـيء حتى ال ينحل‪ ،‬فهذا مكروه؛ لحديث ابن عباس ﭭ‪َ « :‬و َال َن ْك ِف َت‬
‫اب‪َ ،‬و َال ا‬
‫الش ْع َر»‪.‬‬ ‫الث َي َ‬
‫ث ُي َصلي‬ ‫اس ﭭ َأ ان ُه َر َأى َع ْبدَ اهللِ ْب َن ا ْل َح ِ‬
‫ار ِ‬ ‫ويف ِحيح مسلم َع ْن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ْصـرف َأ ْق َب َل إِ َلى ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اس‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ام َف َا َع َل َي ُح ُّل ُه‪َ ،‬ف َل اما ان‬
‫وص م ْن َو َرائه‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َو َر ْأ ُس ُه َم ْع ُق ٌ‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬
‫ول‪« :‬إِن َاما َم َث ُل َه َذا‪َ ،‬م َث ُل‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ما َل َك َو َر ْأسـي؟‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِني َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫وف»(‪.)3‬‬‫ا ال ِذي ُي َصلي َو ُه َو َم ْك ُت ٌ‬
‫والحكمة‪ :‬أن الثوب يساد معه إذا ساد‪ ،‬فقد روى ابن أبي شـيبة عن ابن‬

‫=‬
‫(‪« :)423/3‬ويف إسناده اختالف كثير واضطراب»‪ .‬وقال ابن حار يف فتح الباري (‪« :)566/1‬ويف إسناده‬
‫اختالف‪ ،‬ضعفه بعضهم بسببه»‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)462‬ومسلم (‪ )513‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)333‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )422‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪392‬‬

‫ْصـرف‬
‫َ‬ ‫يه َر ُج ٌل ُي َصلي َعاقِ ًصا َش ْع َر ُه‪َ ،‬ف َل اما ان‬ ‫مسعود ﭬ‪َ « :‬أ انه د َخ َل ا ْلمس ِادَ ‪َ ،‬فإِ َذا فِ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ص َش ْع َر َل‪َ ،‬فإِ ان َش ْع َر َل َي ْس ُادُ َم َع َك‪َ ،‬و َل َك بِ ُكل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال َع ْبدُ اهلل‪ :‬إِ َذا َِ ال ْي ُت َف َال َت ْعق ْ‬
‫اف َأ ْن َيت َْر َب‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬تت ِْري ُب ُه َخ ْي ٌر َل َك»(‪ ،)1‬و«ك َ‬ ‫الر ُج ُل‪ :‬إِني َأ َخ ُ‬ ‫ُ‬
‫َان ا ْب ُن‬ ‫َش ْع َرة َأ ْج ٌر‪َ ،‬ف َق َال ا‬
‫ض»(‪.)2‬‬ ‫اس إِ َذا َِ الى َو َق َع َش ْع ُر ُه َع َلى ْاألَ ْر ِ‬ ‫َع اب ُ‬
‫َ ُ ً ََ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫(ومَت كرث ذل ِك عرفا‪ :‬بطلت)‪ :‬فإذا كثرت الحركة يف الصالة حتى أخرجتها‬
‫عن هيئة الصالة‪ ،‬فإن الصالة تبطل‪ ،‬وقد ذكر المؤلف أن العمل المتوالي الكثير‬
‫يبطل الصالة‪.‬‬
‫َُ ه َ ََ َ َ ُ ُ َ‬
‫(وأن َيص جبهته بِما يسجد علي ِه)‪ :‬وهذا مكرو ٌه‪.‬‬
‫شعارا للرافضة يف تخصـيص الابهة بالساود‬
‫ً‬ ‫والعلة يف الكراهة‪ :‬أن هذا أِبح‬
‫بوضع شيء فال يتشبه بأهل البدع ولم ينقل عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وأما وضع شـيء للوجه كله‪ ،‬فال كراهة فيه؛ لثبوته عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ففي‬
‫الخ ْم َر ِة»(‪.)3‬‬
‫َان النابِي ﷺ ُي َصلي َع َلى ُ‬
‫ُّ‬
‫البخاري َع ْن َم ْي ُمو َن َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫والخمر ُة شـيء منسوج على قدر ما يساد عليه المصلي أو قريبًا منه‪ ،‬فإن‬
‫عظم حتى يكفي الرجل لاسده كله‪ ،‬فهو حينئذ حصـير‪ ،‬ذكره أبو عبيد(‪.)4‬‬
‫َس ﭬ‬ ‫وكذا ياوز تخصـيص الابهة عند الحاجة؛ لما يف الصحيحين َع ْن َأن ُ‬
‫ب مِن ِشدا ِة الحر فِي م َك ِ‬ ‫َق َال‪ُ « :‬كناا ُن َصلي َم َع النابِي ﷺ َف َي َض ُع َأ َحدُ نَا َط َر َ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف الثا ْو ِ ْ‬
‫ود»(‪ ،)5‬ومع عدم الحاجة فعليه أن يتانب تخصـيص الابهة؛ ألنه من شعار‬ ‫السا ِ‬
‫ُّ ُ‬
‫الرافضة‪.‬‬
‫ََ ُ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫(وأن يمسح فِيها أثر سجو ِده ِ)‪ :‬ويكره مسح ما علق بابهته من آثار الساود‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)124/2‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪.)2226‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)124/2‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)335‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري البن رجب (‪.)23/3‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)334‬‬

‫‪322‬‬
‫‪393‬‬ ‫فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ‬

‫وهو يف الصالة‪ ،‬وتقدم بيانه‪.‬‬


‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫(وأن يستنِد بِال حاجة)‪ :‬استناد المصلي حال القيام يف الفريضة نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬استناد يسير بحيث لو أزيل ما استند عليه لم يقع‪ :‬فإن كان لحاجة لم‬
‫يكره‪ ،‬ولغير حاجة كره؛ لما فيه من التكاسل‪ ،‬وعدم اإلقبال على الصالة ومخالفة‬
‫هدي الرسول ﷺ‪.‬‬
‫ََ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫(فإن استند ِحبَيث يقع لو أ ِزيل ما استند إيل ِه‪ :‬بطلت)‪ :‬والثاين‪ :‬استناد قوي‬
‫بحيث لو أزيل ما استند عليه سقط‪ ،‬له حالتان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن تكون الصالة نافلة‪ ،‬فياوز‪ ،‬وتركه أولى؛ ألن النافلة ياوز أن‬
‫يصليها قاعدً ا‪ ،‬فله االستناد ولو من غير حاجة‪ ،‬لكنه خالف السنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫حاجة لم تصح ِالته؛ ألن‬ ‫واألخرى‪ :‬أن تكون الصالة فريضة‪ ،‬فإن كان لغير‬
‫القيام مع القدرة شـرأ‪ ،‬وهو لم يقم قيا ًما تا ًما‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َل اما َأ َس ان َو َح َم َل ال ال ْح َم‪ ،‬ا ات َخ َذ َع ُمو ًدا‬ ‫وإن كان لحاجة جاز‪« :‬ألَ ان َر ُس َ‬
‫فِي ُم َص اال ُه َي ْعت َِمدُ َع َل ْي ِه» [أخرجه أبو داود](‪.)1‬‬
‫ومح ُدهُ إذا َع َط َس‪ ،‬أو َو َج َد ما ي َ ُ ُّ‬ ‫َ‬
‫رسهُ)‪ :‬المذهب‪ :‬أنه يكره حمد اهلل إِ َذا َع َط َس َأ ْو‬ ‫(‬
‫كر داخل الصالة لم يشـرع‪ ،‬وسببه غير متعلق بالصالة‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫َو َجدَ َما َيسـر ُه؛ ألنه ذ ٌ‬
‫الص َال ِة ُش ْغ ًال» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫قال ﷺ‪« :‬إِ ان في ا‬
‫اع َة ْب ِن َرافِ ُع‬‫واألظهر‪ :‬عدم الكراهة لما روى أبو داود والرتمذي وحسنه عن ِر َف َ‬
‫الح ْمدُ ل ِ ال ِه َح ْمدً ا كَثِ ًيرا‬ ‫ف رس ِ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َف َع َط ْس ُت‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬‬ ‫ﭬ َق َال‪ َِ :‬ال ْي ُت َخ ْل َ َ ُ‬
‫يه‪ ،‬مباركًا ع َلي ِه‪ ،‬كَما ي ِحب ربنَا ويرضـى‪َ ،‬ف َلما ِ الى رس ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َ ُ‬ ‫ا َ‬ ‫َ ُ ُّ َ ُّ َ َ ْ‬ ‫َطي ًبا ُم َب َاركًا ف ُ َ َ َ ْ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ف َق َال النابِ ُّي‬ ‫الص َال ِة؟»‪ ،‬فقلت‪َ :‬أنَا َيا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫الم َت َكل ُم في ا‬ ‫ْصـرف‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬م ِن ُ‬ ‫َ‬ ‫ان‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )246‬من حديث أم قيس بنت محصن ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)363‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)263‬‬

‫‪323‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪394‬‬

‫ﷺ‪َ « :‬وا ال ِذي َن ْفسـي بِيَ ِد ِه‪َ ،‬ل َقدْ ا ْبتَدَ َر َها بِ ْض َع ٌة َو َث َال ُث َ‬
‫ون َم َل ًكا‪َ ،‬أ ُّي ُه ْم َي ْص َعدُ بِ َها»(‪ ،)1‬فدل‬
‫على أنه ال كراهة يف ذلك‪ ،‬فلو حمد اهلل فال بأس؛ إلقرار رسول اهلل ﷺ قول ذلك‬
‫العاطس واألولى تركه‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه يف التطوع؛ ألن غير‬
‫ُ‬
‫واحد من التابعين قالوا‪ :‬إذا عطس الرجل يف الصالة المكتوبة إنما يحمد اهلل يف‬
‫نفسه‪ ،‬ولم يوسعوا بأكثر من ذلك»‪.‬‬
‫َ ُ ُّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫واسَّتجاعه إذا َوجد ما يغمه)‪ :‬اسرتجاعه عند المصائب‪ ،‬وشكره عند‬‫( ِ‬
‫حصول النعم أثناء الصالة ال يشـرع؛ ألنه لم يثبت فعله عنه ﷺ‪ ،‬والصالة عبادة‪،‬‬
‫وإن يف الصالة شغالً(‪.)2‬‬
‫مسألة‪ :‬ومن المكروهات أن يصلي وهو حاقن أو بحضـرة طعام؛ لما فيه من‬
‫اشتغال قلب المصلي عن الخشوع‪ ،‬ولما يلحق المصلي من الضـرر من انحباس‬
‫ِ‬ ‫ضـرة ال اط َعامِ‪َ ،‬و َال ُه َو ُيدَ افِ ُع ُه ْ‬
‫األ َ ْخ َب َثان» [أخرجه‬
‫أحدهما؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ال ِ َال َة بِح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مسلم](‪.)3‬‬
‫فينهى أن يصلي وهو حاقن ‪-‬أي محتبس البول‪ ،-‬أو حاقب ‪-‬أي محتبس‬
‫الغائط‪ ،-‬أو حازق ‪-‬أي محتبس الريح‪ ،-‬وإلى الكراهة ذهب الامهور‪ ،‬وإن‬
‫ِلى فصالته ِحيحة‪.‬‬
‫والحكمة من كراهة ِالة الحاقن‪ :‬أنه يؤدي إلى ذهاب الخشوع؛ النشغاله‬
‫ضـررا بدن ًيا عليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫بمدافعة ذلك عن الخشوع‪ ،‬وألن يف هذا‬
‫وإذا كان يدافعه األخبثان ولم يكن عنده ماء‪ ،‬فإنه يقضـي حاجته ويتيمم؛ ألن‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)113‬والرتمذي (‪ ،)404‬والنسائي (‪ )231‬من حديث رفاعة بن رافع ﭬ‪ .‬وحسنه‬
‫الرتمذي‪ .‬وأِله يف البخاري (‪ )122‬لكن ليس فيه ذكر العطاس‪ .‬ومن حديث أنس ﭬ‪ ،‬وقد سبق تخرياه‬
‫ص (‪.)354‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)263‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )560‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫‪395‬‬ ‫فَصلٌ فيما يُكرَه يف الصالةِ‬

‫منهي‬
‫ٌ‬ ‫الصالة بالتيمم ال تكره باإلجماع‪ ،‬والصالة مع مدافعة األخبثين مكروهة‬
‫عنها‪ ،‬واختار ذلك شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫وإن كان قضاؤه لحاجته يؤدي إلى فوات الاماعة‪ ،‬فيقضـي حاجته ولو فاتته‬
‫ضـرة ال اط َعامِ‪َ ،‬و َال ُه َو ُيدَ اف ِ ُع ُه‬
‫الاماعة؛ لعموم النهي يف الحديث‪َ « :‬ال ِ َال َة بِح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ان»‪ ،‬ولم يفرق بين حال وحال‪ ،‬وهو معذور يف فواهتا‪ ،‬وما ترتب على‬ ‫ْاألَ ْخب َث ِ‬
‫َ‬
‫المأذون غير مضمون‪.‬‬
‫ولو خشـي إن قضـى حاجته أن يخرج الوقت‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إذا كانت الصالة تامع مع ما بعدها‪ ،‬فإنه يقضـي حاجته ولو خرج‬
‫الوقت؛ ألن الامع يف حال الحضـر جائز عند الحاجة‪ ،‬وال يقيد ذلك بالمرض أو‬
‫المطر أو الريح الشديدة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬بل هو مشـروع عند الحاجة إليه‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬إذا كانت الصالة ال تامع مع ما بعدها‪ ،‬فيصلي يف الوقت ولو كانت‬
‫المدافعة شديدة‪ ،‬فإن قضـى حاجته وخرج الوقت فال إثم عليه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وجماع هذا الباب‪ :‬أن على المصلي إحضار قلبه‪ ،‬وفعل أسباب الخشوع‪،‬‬
‫وإزالة كل الموانع والمشغالت‪ ،‬ومما يعين على الخشوع‪:‬‬
‫ظاهرا وباطنًا‪ ،‬وتفريغ القلب من الشواغل‪ ،‬والتبكير إلى‬
‫ً‬ ‫مالزمة التقوى‬
‫المساد‪ ،‬وإحسان الوضوء‪ ،‬وتدبر ما يقرأ من القرآن واألذكار‪ ،‬واستحضاره عظمة‬
‫من يقف بين يديه‪ ،‬وسؤال اهلل ‪ ‬الخشوع‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يرزقنا قل ًبا خاش ًعا‪ ،‬وأن ياعل الصالة قرة لعيوننا‪ ،‬وطمأنينة‬
‫ومفزعا لنا عند الشدائد‪ ،‬كما كان األنبياء والصالحون‪.‬‬
‫ً‬ ‫لنفوسنا‪،‬‬

‫‪325‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪396‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ فيما يُبطِ ُل الصَّالةَ‬


‫‪F‬‬
‫ْ َ َ َْ‬ ‫َ َ َ ْ ً‬ ‫َ َ ه َ ََ َ ْ ُ‬ ‫ُْ َُ‬
‫ورة ِ عمدا‪ ،‬ال إن كشفها َن ُو‬ ‫ارة‪ .‬وكشف الع‬ ‫يـب ِطلها‪ :‬ما أبطل الطه‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫هَ‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّتها يف َ‬ ‫َ‬
‫ريح‪ ،‬فس َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ ،‬أو ال‪ ،‬وَكن المكشوف ال يفحش يف انلظ ْ ِر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احل‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ِّ َ ُ ه َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رشط استِقباَلا‪ .‬واتصال انلجاس ِة ب ِه‪ ،‬إن لم ي ِزَلا‬ ‫يث ِ‬ ‫واستِدبار ال ِقبل ِة ح‬
‫َ ُ‬ ‫َض َ‬ ‫َ‬
‫نسها ل ِغري ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والع َم ُل الكثِ ُ‬ ‫َ‬ ‫يف َ‬
‫ورة‪ .‬واالستِناد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ري‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫اعد‬ ‫ري‬ ‫ال‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احل‬
‫وع يف ال ِق َر َ‬ ‫عد ُّ ُ‬ ‫ه َ ُّ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ ُ ُ ُ‬ ‫َ ًّ َ ُ ْ‬
‫اءة ِ‪.‬‬ ‫الَش ِ‬ ‫ورجوعه ‪-‬اعل ِما ذاك ًِرا‪ -‬للتشه ِد َب‬ ‫ري عذر‪.‬‬ ‫قويا ل ِغ‬
‫َ َ ُّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ َ َ ُّ ُ َ‬ ‫َِ َ ُّ ُ ِ َ ُ ْ‬
‫عض األرَك ِن ىلع بعض‪ .‬وتعمد‬ ‫يم ب ِ‬ ‫ِعيل‪ .‬وتعمد تق ِد ِ‬ ‫يادة ِ ركن ف َ ِ‬ ‫وتعمد ِز‬
‫ُ ُ ُ َ َ َ‬
‫اءة ِ‪ .‬وبِوجو ِد سَّتة ب ِعيدة‬ ‫الم َقبل إتمامِها‪ .‬وتعمد إحال ِة المعن يف ال ِق َر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الس ِ‬
‫ه‬
‫َ ِّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُّ‬ ‫ه‬ ‫ُ ُ َ ٌ َ‬
‫زم علي ِه‪ .‬وبشك ِه هل‬ ‫وهو عريان‪ .‬وبِفسخِ انليةِ‪ .‬وبالَّتد ِد يف الفسخِ ‪ .‬وبالع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ َ ِّ ُّ‬ ‫َ َ َ َ َ ِّ َ َ ً‬ ‫َ‬
‫اف‬ ‫ان بِك ِ‬ ‫نوى فع ِمل مع الشك عمال؟‪ .‬وبادلاعء بمالذ ادلنيا‪ .‬وباإلتي ِ‬
‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يم‬ ‫وهلِ أمحد‪ .‬وبالقهقهةِ‪ .‬وباللَك ِم‪ ،‬ولو سهوا‪ .‬وبِتق ِد ِ‬ ‫اَّلل َو َرس ِ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ل ِغ‬ ‫ِ‬ ‫اخل ِط‬
‫َ ً َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫طالن صالة ِ إما ِم ِه‪ .‬وبِسالمِه عمدا قبل إمامِه‪ .‬أو‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫إما‬ ‫ىلع‬ ‫وم‬‫ِ‬ ‫أم‬ ‫الم‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َس ً‬
‫ري عرفا ِنلَاس وجاهِل‪.‬‬ ‫ب‪ِ ،‬سوى الي ِس ِ‬
‫َ‬
‫كل‪ ،‬والَش ِ‬ ‫ِ‬ ‫هوا ولم ي ِعدهُ بعدهُ‪ .‬وباأل‬
‫َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫بي أسنان ِ ِه بِال مضغ‪.‬‬ ‫وال تبطل إن بلع ما‬
‫ََ َ ََ َ َ َ‬ ‫َ ًَ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬
‫ان‪.‬‬ ‫وَكللَك ِم‪ :‬إن تَ هنحنح بال حاجَة‪ .‬أو‪ :‬انتح َب ال خشية‪َ .‬أو‪ َ :‬نفخ فب ٌان حرف ِ‬
‫ُ َ ٌ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫فتلكم‪ .‬أو‪َ :‬س َب َق ىلع ل َِسان ِه حال ق َِر َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫اءت ِ ِه‪ .‬أو‪ :‬غلبه سعال‪ ،‬أو عطاس‪،‬‬ ‫ال‪ :‬إن نام‬
‫أو َت َثاؤب‪ ،‬أو بك ٌ‬
‫اء)‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫عقد هذا الفصل لبيان مبطالت الصالة التي إن حصل واحد منها لم تصح‬
‫الصالة‪.‬‬
‫َ َ ه َ ََ‬ ‫ُ‬
‫ُْ َ‬
‫ارة)‪ :‬فكل ناقض للطهارة أثناء الصالة فإنه مبطل‬ ‫يـب ِطلها‪ :‬ما أبطل الطه‬ ‫(‬
‫للصالة‪ ،‬فلو خرج منه ريح أو بول أو مذي أثناء الصالة فإهنا تبطل؛ ألن الطهارة‬
‫من الحدث شـرأ لصحتها‪ ،‬فإذا حصل ناقض للطهارة لم تصح الصالة‪ ،‬ويلزمه‬

‫‪326‬‬
‫‪397‬‬ ‫فصلٌ فيما يُبطل الصالة‬

‫استئنافها بعد الوضوء‪ ،‬كما ثبت يف الصحيحين َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ أن رسول اهلل‬


‫ث َحتاى َيت ََو اض َأ»(‪.)1‬‬‫ال َي ْق َب ُل ال ّلـَ ُه َِال َ َة َأ َح ِد ُك ْم إِ َذا َأ ْحدَ َ‬
‫ﷺ قال‪َ « :‬‬
‫َ َ َ ْ ً‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ورة ِ عمدا)‪ :‬إذا تعمد كشف عورته التي ياب سرتها يف الصالة‬ ‫(وكشف الع‬
‫بال عذر‪ ،‬فإن ِالته تبطل مطل ًقا‪ ،‬طال الزمن أو قصـر؛ ألن سرت العورة شـرأ‬
‫لصحة الصالة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ال)‪ :‬أي إذا انكشفت العورة فسرتها يف‬
‫(ال إن كشفها َنو ِريح‪ ،‬فسَّتها يف احل ِ‬
‫الحال لم تبطل ِالته؛ ألنه فوق طاقته‪ ،‬والواجبات تسقط بالعاز‪ .‬مثل‪ :‬جاءت‬
‫ريح فرفعت ثوبه‪ ،‬وبدت عورته‪ ،‬أو انحل إزاره فسقط‪ ،‬أو سحبه أحد‪ ،‬فبدت‬
‫عورته‪ ،‬فإن بادر لسرتها ِحت وإال لم تصح‪.‬‬
‫هَ‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫( ْ‬
‫أو ال‪ ،‬وَكن المكشوف ال يفحش يف انلظ ِر)‪ :‬فإن لم يسرتها يف الحال بعد‬
‫زوال العذر فإن كان الخارج فاحشًا بطلت الصالة‪ ،‬وإن كان ال يفحش يف النظر‬
‫فصالته ِحيحة‪.‬‬
‫أيضا؛‬
‫وكذا لو كان إذا ساد ظهر شـيء منها من غير قصد‪ ،‬فصالته ِحيحة ً‬
‫لما روى البخاري عن عمرو بن سلمة ﭬ‪« :‬أنه كان يؤم قومه يف عهد رسول اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ قال‪َ :‬وكَان َْت َع َل اي ُب ْر َدةٌ‪ُ ،‬كن ُْت إِ َذا َس َادْ ُ‬
‫الحي‪:‬‬‫ت َت َق ال َص ْت َعني‪َ ،‬ف َقا َلت ا ْم َر َأ ٌة م َن َ‬
‫ارئِ ُك ْم» ‪-‬أي مقعدته‪[ -‬رواه البخاري](‪.)2‬‬ ‫اس َت َق ِ‬ ‫َأ َ‬
‫ال ُت َغ ُّطوا َعناا ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫(واستدبَ ُ‬
‫رشط استِقباَلا)‪ :‬فاستقبال القبلة شـرأ لصحة‬ ‫ِ‬ ‫يث‬ ‫ح‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫بل‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ار‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬كما سبق تقريره يف شـروأ الصالة‪ ،‬فإذا تركه من غير عذر لم تصح؛‬
‫إلخالله بأحد شـروأ الصالة‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫رشط استِقباَلا)‪ :‬كما هو يف الفريضة والنافلة لغير المسافر الراكب‪.‬‬
‫(حيث ِ‬
‫ووجوب استقبال القبلة يسقط يف حاالت‪:‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)214‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )4302‬من حديث عمرو بن سلمة ﭬ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪398‬‬

‫األولى‪ِ :‬الة النافلة على الراحلة يف السفر‪ ،‬فياوز فعلها ولو كان وجهه إلى‬
‫غير القبلة؛ لما يف الصحيحين عن ابن عمر ﭭ قال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ ُي َصلي َع َلى‬
‫اح َلتِ ِه َح ْي ُث َت َو اج َه ْت بِ ِه»(‪.)1‬‬
‫ر ِ‬
‫َ‬
‫الثانية‪ :‬العاجز عن استقبالها مكرهًا كالمربوأ لغير جهتها؛ ألن اهلل ال يكلف‬
‫نفسا إال وسعها‪ ،‬والواجبات تسقط بالعاز‪.‬‬
‫ً‬
‫الثالثة‪ :‬المريض الذي ال يقدر على استقبالها‪ ،‬فله أن يصلي على حسب حالته‪،‬‬
‫ولو كان إلى غير القبلة‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬للضـرورة ونحوها‪ ،‬كأن يكون يف شدة الحرب‪ ،‬أو هار ًبا من عدو‪ ،‬أو‬
‫سبع‪ ،‬أو نار‪ ،‬فله الصالة‪ ،‬ولو كان وجهه إلى غير القبلة‪.‬‬
‫كما يف ِحيح البخاري عن ابن عمر ﭭ يف ِالة الخوف قال‪َ « :‬فإِ ْن ك َ‬
‫َان‬
‫الق ْب َل ِة‬
‫ف ُهو َأ َشدا مِن َذل ِ َك‪ ِ ،‬الوا ِرج ًاال قِياما َع َلى َأ ْقدَ امِ ِهم َأو ر ْكبانًا‪ ،‬مس َت ْقبِلِي ِ‬
‫ْ ْ ُ َ ُ ْ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َخ ْو ٌ َ‬
‫َأ ْو َغ ْي َر ُم ْس َت ْقبِلِ َ‬
‫يها»(‪.)2‬‬
‫ال)‪ :‬فإذا وقعت عليه نااسة وجب‬ ‫اس ِة ب ِه‪ ،‬إن لَم يُز َْلا يف َ‬
‫احل‬
‫ِّ َ ُ ه َ َ‬
‫(واتصال انلج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إزالتها ليأيت بشـرطها‪ ،‬أو يقطع ِالته؛ ألن إزالة النااسة شـرأ لصحتها‪ ،‬وكذا‪:‬‬
‫إذا علم أثناء الصالة أن على ثوبه نااسة فيلزمه إزالتها بمسحها أو خلع ثوبه‬
‫وإتمام الصالة‪ ،‬فإن لم يقدر قطع ِالته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نسها ل ِغري َ ُ‬
‫َض َ‬ ‫َ‬ ‫ََُ َ ُ ًَ‬
‫ورة)‪ :‬فالعمل الذي يبطل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫ري‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫(والعمل الكثِري اعدة‬
‫الصالة ما توفرت فيه ثالثة قيود‪:‬‬
‫كثيرا عاد ًة ‪ -‬ومن غير جنسها كالمشـي والقفز ‪ -‬ولغير ضـرورة ومع‬
‫أن يكون ً‬
‫الضرورة ياوز مثل الحرب والهرب‪.‬‬
‫عمال كثير ناسـيا‪ ،‬فالمذهب أن الصالة تبطل‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو عمل ً‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)301‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )4535‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫‪399‬‬ ‫فصلٌ فيما يُبطل الصالة‬

‫وقيل ال يبطل‪ ،‬وهذا اختيار الماد‪ ،‬ورجحه شـيخنا ابن عثيمين(‪)1‬؛ والقاعدة‪:‬‬
‫أن فعل المحظور يعذر فيه بالاهل والنسـيان وهذا يف العمل البدين‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما العمل القلبي‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫يسـيرا‪ ،‬فال َت ْب ُطل الصالة باإلجماع‪.‬‬
‫ً‬ ‫األولى‪ :‬أن يكون‬
‫كثيرا يغلب على أكثر ِالته‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون ً‬
‫فالثواب ليس له من ِالته إال ما عقل‪ ،‬ويف سنن أبي داود َع ْن َع ام ِ‬
‫ار ا ْب ِن َياسـر‬
‫ب َل ُه إِ اال ُعشـر‬ ‫ِ‬ ‫ﭬ َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ْصـرف َو َما ُكت َ‬
‫ُ‬ ‫ول‪« :‬إِ ان ا‬
‫الر ُج َل َل َين‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬
‫َِ َالتِ ِه‪ُ ،‬ت ْس ُع َها‪ُ ،‬ث ْمنُ َها‪ُ ،‬س ْب ُع َها‪ُ ،‬سدْ ُس َها‪ُ ،‬خ ْم ُس َها‪ُ ،‬ر ْب ُع َها‪ُ ،‬ث ُل ُث َها‪ ،‬ن ِ ْص ُف َها»(‪.)2‬‬
‫وأما اإلجزاء‪ :‬فال يؤمر بإعادهتا يف قول األئمة األربعة‪ ،‬ويف حديث أبي هريرة‬
‫ال َيدْ ِري‬
‫الر ُج ُل َ‬ ‫ﭬ المتفق عليه يف إقبال الشـيطان قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬حتاى َي َظ ال ا‬
‫ك َْم َِ الى»(‪ ،)3‬ولم يأمره باإلعادة‪.‬‬
‫َ ُ َ ًّ َ ُ ْ‬
‫ري عذر)‪ :‬االستناد يف الفريضة أقسام‪:‬‬
‫(واالستِناد ق ِويا ل ِغ ِ‬
‫إن كان لحاجة‪ ،‬فال يكره‪.‬‬
‫وإن كان خفيفًا لغير حاجة‪ ،‬بحيث لو أزيل لم يسقط‪ ،‬كره‪.‬‬
‫وإن كان قويًا لغير حاجة‪ ،‬بحيث لو أزيل لسقط‪ ،‬بطلت ِالته؛ ألن القيام‬
‫ركن‪ ،‬وهذا ال يصدق عليه أنه أتى بالقيام الواجب‪.‬‬
‫وع يف ال ِق َر َ‬ ‫ه َ ُّ َ َ‬
‫عد ُّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ ُ ُ ُ‬
‫اءة ِ)‪ :‬إذا نسـي التشهد‬ ‫الَش ِ‬ ‫ورجوعه ‪-‬اعل ِما ذاك ًِرا‪ -‬للتشه ِد ب‬ ‫(‬
‫قائما رجع إليه وساد للسهو‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬فإن ذكره قبل أن يستتم ً‬
‫ِ‬
‫قائما‪ ،‬لم ياز له الرجوع؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م َن ا‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن‬ ‫وإن استتم ً‬

‫(‪ )1‬الممتع (‪.)462/3‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)126‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)615‬وأحمد (‪ )16612‬من حديث عمار بن ياسـر ﭬ‪.‬‬
‫وحسنه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)161‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)606‬ومسلم (‪ )362‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪400‬‬

‫الس ْه ِو»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫َف َل ْم َي ْستَت ام َقائ ًما َف ْل َي ْال ْس‪َ ،‬فإِ َذا ْ‬
‫اس َتت اَم َقائ ًما َف َال َي ْال ْس َو َي ْس ُادْ َس ْادَ َت ِي ا‬
‫والمؤلف قيده بشـروعه يف القراءة وهذا ال إشكال فيه‪ ،‬وظاهر النص أنه ال‬
‫يرجع باستتمامه قائمًا ولولم يشرع يف القراءة‪ ،‬وهذا أولى بالرجوع‪َ « ،‬فإِ َذا ْ‬
‫اس َتت اَم‬
‫الس ْه ِو» فإن رجع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاهال بالحكم أو ساه ًيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َقائ ًما َف َال َي ْال ْس َو َي ْس ُادْ َس ْادَ َت ِي ا‬
‫وذاكرا له بطلت‬ ‫ً‬ ‫فصالته ِحيحة‪ ،‬وعليه ساود السهو‪ ،‬وإن كان عالمًا بالنهي‬
‫ِالته على المذهب؛ ألنه ِلى على غير أمر رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد قال‪َ « :‬م ْن َع ِم َل‬
‫َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)2‬‬
‫كن ف ِ ٍّ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ َ ُّ ُ‬
‫ِعيل)‪ :‬كسادة أو ركعة بطلت ِالته باإلجماع‪.‬‬ ‫(وتعمد ِزيادة ِ ر‬
‫وأما تعمد الزيادة القولية‪ ،‬كأن ُي َكبر مرتين فال يبطلها؛ ألنه أحيانًا يكون للتأكيد‬
‫أو الوسوسة أو غيرها‪ ،‬وال يغير هيئة الصالة‪ ،‬لكنه مكروه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ ُ َ‬
‫عض األرَك ِن ىلع بعض)‪ :‬كتقديم الساود على الركوع؛ ألن‬ ‫يم ب ِ‬ ‫(وتعمد تق ِد ِ‬
‫الرتتيب ركن‪ ،‬فإذا أخل به عمدً ا لم تصح ِالته؛ لقول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ِم َل‬
‫َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»‪ ،‬ولقوله ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»(‪.)3‬‬
‫َ َ ُّ ُ ه ِ َ َ َ‬
‫الم قبل إتمامِها)‪ :‬ألنه ِلى على غير هدي رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأتى‬ ‫(وتعمد الس‬
‫بكالم زائد داخلها‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫عن يف ال ِق َر َ‬ ‫َ َ ُّ ُ‬
‫اءة ِ)‪ :‬أي يف قراءة الفاتحة؛ ألهنا ركن‪ ،‬ولم يأت‬ ‫(وتعمد إحال ِة الم‬
‫أنعمت عليهم)‪.‬‬‫َ‬ ‫أنعمت عليهم) ً‬
‫بدال من (‬ ‫ُ‬ ‫هبا على الوجه المشـروع‪ ،‬كأن يقول‪( :‬‬
‫ُ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ ٌ‬
‫َّتة ب ِعيدة وهو عريان)‪ :‬ألن سرت العورة شـرأ لصحة الصالة‪ ،‬فإذا‬ ‫(وبِوجو ِد س‬
‫كانت السرتة قريبة وهو يف الصالة‪ ،‬فإنه يأخذها وال يقطع ِالته‪.‬‬
‫وإن كانت بعيدة ويقدر عليها لزمه اإلتيان هبا‪ ،‬فإن تطلب منه عمالً كثير ًا‪ ،‬يغير‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)351‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬

‫‪400‬‬
‫‪401‬‬ ‫فصلٌ فيما يُبطل الصالة‬

‫هيئة الصالة فتبطل هبذا‪.‬‬


‫وأما إذا كانت السرتة غير مقدور عليها‪ ،‬فإنه يصلي على هيئته التي هو فيها؛‬
‫ألن الواجبات تسقط بالعاز‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُّ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫(وبِفسخِ انليةِ‪ .‬وبالَّتد ِد يف الفسخِ ‪ .‬وبالع ِ‬
‫زم علي ِه)‪ :‬النية شـرأ لصحة‬
‫الصالة‪ ،‬واستصحاهبا شـرأ ‪-‬أي ال يقطعها‪ -‬فلو فسخ النية بطلت ِالته‪ ،‬وكذا‬
‫لو عزم على فسخها بطلت ِالته؛ ألنه خرج من العبادة‪.‬‬
‫وأما الرتدد يف الفسخ ففي المذهب روايتان‪:‬‬
‫األولى ما ذكره المؤلف‪ :‬أهنا تبطل الصالة‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أهنا ال تبطل؛ ألن األِل بقاء النية‪ ،‬والرتدد ال ينايف وجودها‪ ،‬فنبقى‬
‫على األِل وهو عدم قطعها‪ ،‬وهذا األقرب‪ ،‬ورجحه ابن حامد من الحنابلة(‪.)1‬‬
‫َ َ َ َ َ ِّ َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬
‫(وبشك ِه هل نوى فع ِمل مع الشك عمال؟)‪ :‬إذا شك هل نوى الصالة حين‬
‫دخل فيها‪ ،‬فأتى بشـيء من أعمال الصالة مع الشك فصالته باطلة ويلزمه‬
‫االستئناف ليتيقن وجود النية؛ ألن األِل عدمها‪ ،‬لكن هذا الشك ال يلتفت إليه‪:‬‬
‫إذا كان بعد الفراغ من العبادة‪ ،‬أو كان مارد ُ‬
‫وهم‪ ،‬أو كان اإلنسان كثير الشك؛ ألنه‬
‫يكون وسوسة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ُّ َ َ‬
‫بمالذ ُّ‬
‫ادلنيا)‪ :‬داخل الصالة‪ ،‬كأن يسأل اهلل ‪ ‬أن يرزقه زوجةً‪ ،‬أو‬ ‫(وبادلاعء‬
‫ولد ًا‪ ،‬أو مسكنًا‪.‬‬
‫المذهب‪ :‬يرون أنه من مبطل للصالة‪.‬‬
‫والرواية الثانية وهي أرجح‪ :‬أنه ياوز الدعاء داخل الصالة بمالذ الدنيا‪.‬‬
‫اء َأ ْع َا َب ُه إِ َل ْي ِه‪،‬‬‫والدليل‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال بعد التشهد‪ُ « :‬ثم يت ََخير مِن الدُّ َع ِ‬
‫ا َ اُ َ‬
‫ِ‬
‫اجت َِهدُ وا فِي الدُّ َعاء‪َ ،‬ف َق ِم ٌن َأ ْن‬ ‫َف َيدْ ُعو» [متفق عليه] ‪ ،‬وقال ﷺ‪َ « :‬و َأ اما ُّ‬
‫الس ُاو ُد َف ْ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪.)24/2‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)365‬‬

‫‪401‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪402‬‬

‫اب َل ُك ْم»(‪ ،)1‬وهذا عام‪ ،‬ولم يعين لهم ما يدعون به‪ ،‬فدل على أنه أباح لهم‬
‫ُي ْست ََا َ‬
‫كل الدعاء‪ ،‬إال ما خرج منه بالدليل‪ .‬ولذا قال اإلمام أحمد‪« :‬ال بأس أن يدعو‬
‫الرجل باميع حوائاه؛ من حوائج دنياه واخرته»‪ .‬قال ابن قدامة‪« :‬وهذا هو‬
‫الصحيح إن شاء اهلل تعالى؛ لظواهر األحاديث»‪ ،‬وهذا قول اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫ورواية عن اإلمام أحمد‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وهذا ال يعد كالما‪ ،‬بل هو ذكر‬
‫ودعاء هلل ‪.)2(‬‬
‫ُ‬
‫إلنسان بعينه يف ِالته‪ ،‬وهو رواية يف المذهب‪،‬‬ ‫مسألة‪ :‬وياوز أن يدعو‬
‫واختاره ابن المنذر‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد البن الشافعي‪« :‬أنا أدعو لقو ُم منذ سنين يف ِاليت؛ أبول‬
‫أحدهم»‪ .‬وقد روي ذلك عن ُ‬
‫علي‪ ،‬وأبي الدرداء؛ ويف الصحيحين أن النبي ﷺ قال‬
‫يف قنوته‪« :‬اللهم أنج الوليد بن الوليد‪ ،‬وعياش بن أبي ربيعة‪ ،‬وسلمة بن هشامُ‪،‬‬
‫والمستضعفين من المؤمنين»(‪.)4()3‬‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وهلِ أمحد)‪ :‬فيبطل الصالة؛ ألنه كالم‬ ‫اَّلل َو َرس ِ‬
‫ري ِ‬ ‫اب ل ِغ ِ‬
‫اف اخل ِط ِ‬ ‫ان بِك ِ‬ ‫(وباإلتي ِ‬
‫لآلدميين‪ ،‬ولو كان بصـيغة دعاء كقوله‪ :‬رحمك اهلل يا أبي‪ ،‬أو لعنك اهلل يا شـيطان‪.‬‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫وهلِ أمحد)‪ :‬وأما إن توجه الخطاب هلل كقوله أحمدل ربي أو‬ ‫اَّلل َو َرس ِ‬ ‫ري ِ‬ ‫(ل ِغ ِ‬
‫لرسوله كقوله السالم عليك أيها النبي فهو مشروع‪.‬‬
‫وقد ورد عن الرسول ﷺ أنه استعاذ من الشـيطان داخل الصالة‪ ،‬فقال‪َ « :‬أ ُعو ُذ‬
‫بِاهللِ مِن َْك‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬أ ْل َعنُ َك ب ِ َل ْعن َِة اهللِ‪َ ،‬ث َال ًثا» [رواه مسلم](‪ ،)5‬وهذا من باب الدعاء‪ ،‬فلو‬
‫فعله لم تبطل ِالته‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )412‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)231/2‬الفتاوى (‪.)414/22‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)604‬ومسلم (‪ )615‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬المغني (‪.)236/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )542‬من حديث أبي الدرداء ﭬ‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫‪403‬‬ ‫فصلٌ فيما يُبطل الصالة‬

‫والقاعدة‪ :‬أن ما شـرع يف حق الرسول ﷺ فهو مشـروع يف حق أمته إال بدليل‪،‬‬


‫وأما قولـهم أنه قبل التحريم‪ ،‬أو هو من خصائص الرسول ﷺ ففيه نظر‪.‬‬
‫َ َْ َْ َ‬
‫(وبِالقهقهةِ)‪ :‬فلو قهقه ضاحكًا بطلت ِالته‪ ،‬وقد روى البيهقي َع ْن َجابِ ِر ْب ِن‬
‫الص َالةَ‪َ ،‬و َال ُي ِعيدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َالة؟ َق َال‪ُ :‬يعيدُ ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْبداهلل ﭬ‪َ « :‬أ ان ُه ُسئ َل َع ِن ا‬
‫الر ُج ِل َي ْض َح ُك في ا‬
‫مسعود‪ ،‬وأبي موسـى األشعري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ا ْل ُو ُضو َء»(‪ ،)1‬وقال البيهقي‪ :‬وروينا عن عبداهلل بن‬
‫وأبي أمامة الباهلي ما يدل على ذلك‪ ،‬وهو قول الفقهاء السبعة من التابعين‪ ،‬وقول‬
‫ُ‬
‫وعطاء‪ ،‬والزهري(‪.)2‬‬ ‫الشعبي‪،‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬واألظهر أهنا من المبطالت إذا كان فيها أِوات عالية»(‪،)3‬‬
‫عالية»(‪ ،)3‬وقال ابن المنذر‪« :‬أجمعوا على أن الضحك يفسد الصالة»(‪ ،)4‬وهذا يف‬
‫الضحك الكثير والقهقهة؛ ألهنا تنايف الخشوع وهيئة الصالة‪.‬‬
‫وأما التبسم فال يبطل الصالة‪ ،‬وبه قال أكثر العلماء‪.‬‬
‫َ‬
‫وباللَك ِم‪ ،‬ولو َس ً‬
‫هوا)‪ :‬فالكالم داخل الصالة ال ياوز من دون موجب‪ ،‬فتبطل‬ ‫(‬
‫الصالة باإلجماع‪ ،‬كما نقله ابن المنذر وابن قدامة(‪.)5‬‬
‫ااس‪ ،‬إِن َاما‬‫الص َال َة َال َي ْص ُل ُح فِ َيها شـي ٌء مِ ْن ك ََال ِم الن ِ‬ ‫ِِ‬
‫وقد قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ ان َهذه ا‬
‫آن» [أخرجه مسلم](‪ .)6‬وحديث َز ْي ِد ْب ِن َأ ْر َق َم ﭬ َق َال‪:‬‬ ‫ُهو التاسبِيح وال ات ْكبِير وقِراء ُة ا ْل ُقر ِ‬
‫ُ َ َ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫الص َال ِة َحتاى ن ََز َل ْت‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل َِاح َب ُه َو ُه َو إِ َلى َجنْبِه في ا‬
‫ِ‬
‫الص َالة ُي َكل ُم ا‬
‫ِ‬
‫« ُكناا َن َت َك ال ُم في ا‬
‫﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [البقرة‪َ ،]236 :‬ف ُأمِ ْرنَا‬

‫(‪ )1‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)3166‬والدارقطني يف السنن (‪ ،)316/1‬والبيهقي يف السنن (‪.)225/1‬‬


‫(‪ )2‬معرفة السنن واآلثار (‪.)431/1‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوي (‪.)611/22‬‬
‫(‪ )4‬اإلجماع البن المنذر ص (‪.)34‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪.)444/2‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )531‬من حديث معاوية بن الحكم السلمي ﭬ‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪404‬‬

‫بِالس ُك ِ‬
‫وت‪َ ،‬و ُن ِهينَا َع ِن ا ْل َك َال ِم» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫(ولو سهوا)‪ :‬أشار للخالف فإذا حصل سهو ًا ففي المذهب روايتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬ما ذكره أنه مبطل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنه إن تكلم جاهال بالحرمة‪ ،‬أو ناسـيا أنه يف ِالة‪ ،‬أو ظانًا أن ِالته‬
‫تمت‪ ،‬فإهنا ال تبطل ورجحه شيخ اإلسالم وهذا أقوى(‪.)2‬‬
‫جاهال ولم‬
‫ً‬ ‫والدليل‪ :‬ما روى مسلم أن معاوية بن الحكم ﭬ تكلم يف الصالة‬
‫يبطل رسول اهلل ﷺ ِالته‪ ،‬وكذا تكلم الرسول ﷺ يف حديث ذي اليدين ناسـيا‬
‫بعض ِالته ظانًا أهنا تمت‪ ،‬فلما تبين له أهنا لم تتم بنى عليها ولم يبطلها(‪،)3‬‬
‫جاهال أو ناسـيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫والمحظورات ال يؤاخذ عليها المكلف إذا كان‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫أم ِ‬
‫وم ىلع إما ِم ِه)‪ :‬تقدم المأموم على إمامه يف الصف ال ياوز‪،‬‬ ‫يم الم‬
‫(وبِتق ِد ِ‬
‫وهو من مبطالت الصالة يف قول جمهور العلماء‪ :‬أبي حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد؛‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه»(‪.)5()4‬‬
‫لقول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫َ‬
‫ويستثنى الصالة حول الكعبة‪ :‬فياوز لمن يف غير جهته أن يكون أقرب إليها‬
‫منه‪ ،‬ال لمن كان يف جهته؛ ألن التقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الاهة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫طالن صالة ِ إما ِم ِه)‪ :‬أي فتبطل ِالة المأموم إذا بطلت ِالة إمامه سواء‬
‫ِ‬ ‫(وبِب‬
‫كان بطالن ِالة اإلمام لعذر كسبق ريح‪ ،‬أو لغير عذر كأن يتعمد الحدث وليس له‬
‫االستخالف ويلزم المأموم االستئناف‪ .‬وتبطل ِالة اإلمام بأمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أن يسبقه الحدث بأن يخرج منه ريح‪ ،‬أو بول أثناء الصالة‪.‬‬
‫أو يبني ِالته على غير طهارة‪ ،‬فيتذكر أثناء الصالة أنه ليس على طهارة فتبطل‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)4534‬ومسلم (‪ )532‬من حديث زيد بن أرقم ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتاوي (‪.)160/21‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬
‫(‪ )5‬الفقه على المذاهب األربعة (‪.)316/1‬‬

‫‪404‬‬
‫‪405‬‬ ‫فصلٌ فيما يُبطل الصالة‬

‫ِالته‪.‬‬
‫ففي هاتين الحالتين قالوا‪ :‬ليس له االستخالف‪ ،‬وتبطل ِالة المأمومين معه‪.‬‬
‫ثان يف المذهب وهو األقرب‪ :‬أن اإلمام إذا بطلت ِالته لم تبطل‬‫وفيه قول ُ‬
‫ِالة المأمومين‪ ،‬فيتموها جماعة مع غيره أو فرادى فيستخلف أحدهم ل ُيتم‬
‫الصالة لهم‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‪.‬‬
‫ون َل ُك ْم‪َ ،‬فإِ ْن َأ َِا ُبوا َف َل ُك ْم‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْخ َط ُئوا َف َل ُك ْم َو َع َل ْي ِه ْم»‬
‫ويدل له‪ :‬قوله ﷺ‪ُ « :‬ي َص ُّل َ‬
‫[رواه البخاري](‪.)1‬‬
‫ولفعل عمر ﭬ‪« :‬لما طعن استخلف عبدالرحمن بن عوف ﭬ»(‪.)2‬‬
‫وكان استخالف عمر ﭬ بمحضـر من الصحابة ولم ينكر‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ً َ ُ‬ ‫َ ً َ َ‬ ‫َ‬
‫هوا ولم ي ِعدهُ بعدهُ)‪ :‬فلو سلم عامد ًا قبل‬ ‫(وبِسالمِه عمدا قبل إمامِه‪ .‬أو س‬
‫إمامه بال عذر بطلت ِالته‪ ،‬فإن كان ناسـيًا لزمه إعادة السالم بعده‪ ،‬فإن لم يعده‬
‫بطلت ِالته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫والَشب‪ ،‬س َ‬ ‫َ‬
‫ري عرفا ِنلَاس وجاهِل)‪ :‬األكل والشـرب داخل‬
‫ِ‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫الي‬ ‫ى‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫كل‬
‫(وباأل ِ‬
‫الصالة‪:‬‬
‫فإن كان متعمد ًا فالكثير واليسير يبطلها فرضًا كانت أو نفالً‪.‬‬
‫وإن كان جاهالً أو ناسـيًا فإن كان يسـير ًا عرفًا لم تبطل؛ ألن المحظورات‬
‫يعذر فيها العبد بالاهل والنسـيان‪ .‬وإن كان كثير ًا عرفًا فالمذهب بطالهنا‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫بي أسنان ِ ِه بِال مضغ)‪ :‬ألنه ليس ً‬
‫أكال‪ ،‬ويشق التحرز‬ ‫(وال تبطل إن بلع ما‬
‫منه‪ ،‬والداخل للبطن منه يسـير عادة فال يؤثر‪.‬‬
‫ََ َ ََ َ َ َ‬ ‫َ ًَ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬
‫(وَكللَك ِم‪ :‬إن تنحنح بال حاجة‪ .‬أو‪ :‬انتحب ال خشية‪ .‬أو‪ :‬نفخ فبان حرف ِ‬
‫ان)‪:‬‬
‫التنحنح والنفخ بال حاجة إذا بان منه حرفان‪ ،‬يبطل الصالة على المذهب‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )624‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)315‬‬

‫‪405‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪406‬‬

‫والضابط عندهم‪ :‬إن كان بال حاجة وبان حرفان فصاعدً ا بطلت ِالته‪ ،‬سواء كان‬
‫ُمفهما أو ال‪.‬‬
‫وعللوا‪ :‬أن الحرفين تكون كلمة‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بما يروى َع ْن ُأم َس َل َم َة ڤ‪َ ،‬ع ْن النابِي ﷺ َأ ان ُه َق َال‪« :‬إن َم ْن َن َف َخ فِي‬
‫الص َال ِة َف َقدْ َت َك الم» [رواه النسائي](‪)1‬؛ قال شـيخ اإلسالم‪َ :‬لكِن مِ ْث ُل َه َذا ا ْلح ِد ِ‬
‫يث َال‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫الص َال ِة ك ََال ٌم» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫اس ﭭ‪« :‬النا ْف ُخ في ا‬ ‫وعا‪َ ،‬ف َال ُي ْعت ََمدُ َع َل ْي ِه‪َ ،‬‬
‫وع ْن ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫َي ِص ُّح َم ْر ُف ً‬
‫واألقرب يف هذا‪ :‬ما حققه شـيخ اإلسالم(‪ :)3‬أن النحنحة ال تبطل الصالة سواء‬
‫كانت حرفين أو أكثر؛ ألهنا ال تسمى كالمًا‪ ،‬وال يسمى فاعلها متكلما‪ ،‬وإنما يفهم‬
‫مراده بقرينة اإلشارة‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ إنما حرم الكالم‪.‬‬
‫وأما النفخ فإنه ليس كال ًما وال يدل على معنى يف الوضع‪ ،‬فال يبطل الصالة‪،‬‬
‫وفِي ا ْل ُم ْسن َِد َو ُسن َِن َأبِي َد ُاود َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع ْم ُرو ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ فِي َِ َال ِة‬
‫ف‪َ ،‬رب َأ َل ْم َت ِعدْ نِي َأ ْن َال‬ ‫ف ُأ ن‬ ‫ود ِه‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬أ ن‬
‫ف ُأ ن‬ ‫آخ ِر سا ِ‬
‫ُ ُ‬
‫س َن َف َخ فِي ِ‬ ‫الش ْم ِ‬‫وف ا‬ ‫ُكس ِ‬
‫ُ‬
‫َ ِ ِ (‪)4‬‬
‫ُت َعذ َب ُه ْم َوأنَا فيه ْم» ‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َمدْ َخ َال ِن‪َ :‬مدْ َخ ٌل بِال ال ْيلِ‪،‬‬ ‫َان لِي مِ ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫وورد عن علي ﭬ قال‪« :‬ك َ‬
‫ار‪َ ،‬ف ُكن ُْت إِ َذا َد َخ ْل ُت بِال ال ْي ِل َتن َْحن ََح لِي» [رواه النسائي](‪.)5‬‬
‫َو َمدْ َخ ٌل بِالن َاه ِ‬

‫(‪ )1‬رواه النسائي يف الكربى (‪ ،)553‬والرتمذي (‪ ،)361‬وأحمد (‪ ،)26144‬بنحوه من حديث أم سلمة ڤ‪.‬‬
‫وهو ضعيف‪ ،‬راجع السلسلة الضعيفة (‪.)5465‬‬
‫(‪ )2‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)3016‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)61/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوي (‪.)616-615/22‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1124‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)552‬وأحمد (‪ ،)6163‬وابن خزيمة (‪ )1322‬من حديث‬
‫عبداهلل بن عمرو ﭭ‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)326‬‬
‫(‪ )5‬رواه النسائي يف الماتبى (‪ ،)1212‬وابن ماجه (‪ )3106‬من حديث علي ﭬ‪ .‬قال ابن الملقن يف البدر‬
‫المنير (‪« :)166/4‬قال البيهقي‪ :‬هذا الحديث مختلف يف إسناده ومتنه‪ ،‬ومداره على عبداهلل بن ناي‬
‫الحضـرمي؛ قال البخاري‪ :‬فيه نظر‪ .‬قلت‪ :‬وقال الدارقطني‪ :‬ليس بالقوي»‪ .‬وضعفه األلباين يف مشكاة‬
‫المصابيح (‪.)4615‬‬

‫‪406‬‬
‫‪407‬‬ ‫فصلٌ فيما يُبطل الصالة‬

‫ويلحق هبذا التثاؤب والعطاس‪ ،‬فإهنا ال تبطل الصالة‪ ،‬وال دليل على إبطالها‪،‬‬
‫وهذا قول أبي يوسف‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم والسعدي‪ ،‬وقد ذهب اإلمام أحمد‬
‫وإسحاق إلى عدم إبطال النفخ للصالة(‪.)1‬‬
‫ََ َ ََ َ َ َ‬ ‫َ ًَ‬ ‫َ َ َ‬
‫ان)‪ :‬إذا انتحب ورفع ِوته بالبكاء‬
‫(أو‪ :‬انتحب ال خشية‪ .‬أو‪ :‬نفخ فبان ح ِ‬
‫رف‬
‫داخل الصالة‪:‬‬
‫فإن كان خشـية هلل فال تبطل به الصالة‪ ،‬بل هو زينة الصالة وجمالها‪ ،‬وقد كان‬
‫أبو بكر وعمر ﭭ يبكيان فيها(‪ ،)2‬وكان عمر ﭬ يسمع نشـياه من وراء‬
‫الصفوف(‪.)3‬‬
‫أمرا فأبكاه‪:‬‬
‫وإذا لم يكن من خشـية اهلل مثل تذكر ً‬
‫فالمذهب‪ :‬قالوا‪ :‬تبطل إن كان نحي ًبا‪ ،‬كما ذكره المؤلف‪.‬‬
‫واألقرب‪ :‬أنه ال يبطل الصالة؛ ألنه ليس كال ًما وال يف معناه‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وأبي يوسف‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم(‪.)4‬‬
‫َ ََُ ُ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫حال ق َِر َ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫ْ َ َ َه‬
‫اءت ِ ِه‪ .‬أو‪ :‬غلبه سعال‪ ،‬أو‬ ‫(ال‪ :‬إن نام فتلكم‪ .‬أو‪ :‬سبق ىلع ل ِسان ِه‬
‫ُ َ‬
‫ك ٌ‬ ‫ََ ُ ٌ‬ ‫ُ َ ٌ‬
‫اء)‪ :‬هذه األمور إذا حصلت من المصلي من غير قصد‬ ‫عطاس‪ ،‬أو تثاؤب‪ ،‬أو ب‬
‫فال تبطل الصالة‪ ،‬وهذا مذهب الامهور‪ ،‬نقله عنهم شـيخ اإلسالم يف الفتاوى(‪)5‬؛‬
‫ذاكرا عامدً ا‪ ،‬فلو تثاءب أو‬
‫عالما ً‬
‫ً‬ ‫ألنه يشرتأ للبطالن عند من قال به‪ :‬أن يكون‬
‫عطس فبان حرفان فأكثر لم تبطل ِالته عند من قال ببطالهنا‪ ،‬وكذا لو غلبه البكاء‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الكربى (‪ ،)222/2‬تحفة األحوذي (‪.)401/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)612‬ومسلم (‪ )416‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬علقه البخاري يف ِحيحه‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب إذا بكى اإلمام يف الصالة‪ ،‬ووِله عبدالرزاق يف مصنفه‬
‫(‪ ،)2116‬وابن أبي شـيبة يف مصنفه (‪.)312/1‬‬
‫(‪ )4‬الفتح البن رجب (‪.)263/6‬‬
‫(‪ )5‬الفتاوى (‪.)623/22‬‬

‫‪401‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪408‬‬

‫عند من قال إنه مبطل‪ ،‬حتى لو كان البكاء لغير خشـية اهلل‪ ،‬وقد « َق َر َأ النابِي ﷺ‬
‫ُّ‬
‫ون ‪َ -‬أ ْو ِذك ُْر ِعيسـى‪َ -‬أ َخ َذ ْت ُه‬
‫ون فِي ال ُّص ْبحِ ‪َ ،‬حتاى إِ َذا َجا َء ِذك ُْر ُموسـى َو َه ُار َ‬
‫الم ْؤمِنُ َ‬
‫ُ‬
‫َس ْع َل ٌة َف َرك ََع» [رواه مسلم] ‪ ،‬فما يغلب على المصلي من بكاء وعطاس وتثاؤب‪ ،‬ال‬ ‫(‪)1‬‬

‫يبطل الصالة‪ ،‬قال شـيخ اإلسالم‪« :‬الصحيح عند الامهور أنه ال يبطل الصالة‪،‬‬
‫وهو المنصوص عن أحمد»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )455‬من حديث عبداهلل بن السائب ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪.)623/22‬‬

‫‪406‬‬
‫‪409‬‬ ‫ب سجو ِد السهوِ‬
‫با ُ‬

‫‪e‬‬ ‫ب سُجُو ِد السَّهوِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫يف هذا الباب بيان الاوابر التي تسد الخلل وتتم النقص الحاِل يف الصالة‪،‬‬
‫وهي ثالثة‪ :‬ساود السهو‪ ،‬والذكر بعد الصالة‪ ،‬وِالة التطوع‪.‬‬
‫والسهو والغفلة والنسـيان‪ :‬ألفاظ مرتادفة‪ :‬وهي ذهول القلب عن معلوم‪ ،‬فإذا‬
‫ذهل المصلي فزاد أو نقص أو شك يف ِالته شـرع يف حقه أن يساد للسهو‪.‬‬
‫وساود السهو‪ :‬سادتان يسادهما المصلي لارب الخلل الحاِل يف ِالته‪،‬‬
‫وقد داوم رسول اهلل ﷺ على فعلهما عند حصول المقتضـي لهما‪ ،‬وأمر هبما‪.‬‬
‫ومدار هذا الباب على خمسة أحاديث‪ :‬وهي حديثا ابن مسعود‪ ،‬وحديث أبي‬
‫سعيد‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وابن بحينة ﭫ(‪.)1‬‬
‫والحكمة من مشـروعيته‪ :‬فيه طاعة وامتثال ألمر اهلل ‪ ‬ورسوله ﷺ لما‬
‫شـرعاه‪ ،‬وإرضاء للرحمن‪ ،‬وإرغام للشـيطان‪ ،‬وجرب للخلل الحاِل يف الصالة‪.‬‬
‫وقد دلت السنة أن ساود السهو يشـرع عند حصول أحد ثالثة أسباب‪:‬‬
‫األول‪ :‬الزيادة يف الصالة‪ :‬كزيادة ركعة أو سادة‪ ،‬فإن رسول اهلل ﷺ لما قام إلى‬
‫ركعة خامسة ساد للسهو(‪.)2‬‬
‫فإن كانت الزيادة قولية‪ ،‬فساود السهو مسنون‪ ،‬وإن كانت الزيادة فعلية‪،‬‬
‫فساود السهو واجب‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬النقص يف الصالة‪ :‬كما لو أنقص واج ًبا سواء كان تكبير ًة أو تشهدً ا‪.‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)403/2‬‬


‫(‪ )2‬سـيأيت تخرياه قريبًا‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪410‬‬

‫وقد دل له‪ :‬حديث ذي اليدين ﭬ يف الصحيحين(‪.)1‬‬


‫الثالث‪ :‬الشك إذا حصل يف واجب‪ ،‬هل جاء به أم ال؟‬
‫ودل له‪ :‬حديث أبي سعيد ﭬ يف مسلم(‪ ،)2‬وابن مسعود ﭬ يف الصحيحين‪.‬‬
‫وساود السهو أحيانًا يسن‪ ،‬وأحيانًا يباح‪ ،‬وأحيانًا ياب‪:‬‬
‫َ َ َ ُ ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ َ ِّ َ ْ‬ ‫أَت ب َقول َم ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ ُّ‬
‫ري ُمل ِه سه ًوا‪ .‬ويباح‪ :‬إذا ت َرك مسنونا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫يف‬ ‫وع‬ ‫َش‬ ‫ِ‬ ‫إذا‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫قوهل‪( :‬يس‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُُ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جلس ِة‬‫كواع َ‪ ،‬أو سجودا‪ ،‬أو ق َِياما‪َ ،‬أو قعودا‪ ،‬ولو قدر ِ‬ ‫وَي ُب‪ :‬إذا زاد ر‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ًْ ُ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ َ‬
‫حلنا َيِيل المعن‪ .‬أو‪ :‬ت َرك‬ ‫االسَّتاحةِ‪ .‬أو‪ :‬سل َم قبل إتمامِها‪ .‬أو‪ :‬حلن‬ ‫ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫َ ه‬ ‫ً‬
‫جبا‪ .‬أو‪ :‬شك يف ِزيادة وقت ف ِعلِها)‪.‬‬ ‫وا ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ َ ِّ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُّ‬
‫ري ُمل ِه سهوا)‪ :‬فلو قال للقيام من الركوع‪:‬‬ ‫(يسن‪ :‬إذا أَت بِقول مَشوع يف غ ِ‬
‫اهلل أكرب‪ ،‬أو تشهد بين السادتين‪ ،‬أو قرأ يف الركوع أو الساود سهو ًا ُسن له أن‬
‫يساد للسهو؛ فالزيادة القولية يسن لها الساود وال ياب على المذهب‪ ،‬لعموم‬
‫قوله ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا نَسـي َأ َحدُ ُك ْم َف ْل َي ْس ُادْ َس ْادَ َت ْي ِن» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫َ َ َ ُ ً‬ ‫ُ ُ‬
‫(ويباح‪ :‬إذا ت َرك مسنونا)‪ :‬فلو ترل سنة قولية أو فعلية ناسـيًا إن كان محافظًا‬
‫ان»(‪ ،)4‬فإن شاء ساد‬ ‫عليها ُأبيح له ساود السهو؛ لعموم‪« :‬ل ِ ُكل سه ُو سادَ َت ِ‬
‫َ ْ َ ْ‬
‫للسهو‪ ،‬وإن شاء ترل يف قول جماهير العلماء‪.‬‬
‫ولوجوب ساود السهو أسباب ثالثة‪ :‬األول الزيادة الفعلية يف الصالة وبينها‬
‫َ‬
‫جلس ِة‬ ‫ودا‪ ،‬ولو َق ْد َ‬
‫ر‬
‫ُُ ً‬
‫ع‬ ‫ق‬ ‫أو‬ ‫ا‪،‬‬
‫ً‬
‫ِيام‬ ‫ق‬ ‫أو‬ ‫ا‪،‬‬
‫ُ ُ ً‬
‫ود‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬
‫َ َ ُ ُ ً‬
‫واع‬
‫َ‬
‫وَي ُب‪ :‬إذا زاد رك‬
‫ِ‬ ‫بقوله‪ِ ( :‬‬
‫َ َ‬
‫االسَّتاح ِة)‪ :‬يف قول الامهور‪ :‬أبي حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد‪ ،،‬واختاره ابن قدامة‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬


‫(‪ )2‬سـيأيت تخرياه قريبًا‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )512‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1036‬وابن ماجه (‪ ،)1212‬وأحمد (‪ )22411‬من حديث ثوبان ﭬ‪ .‬وضعفه البيهقي يف‬
‫السنن (‪ ،)416/2‬والنووي يف خالِة األحكام (‪ ،)642/2‬ابن حار يف بلوغ المرام (‪ ،)316‬وحسنه األلباين‬
‫يف ِحيح أبي داود (‪.)254‬‬

‫‪410‬‬
‫‪411‬‬ ‫ب سجو ِد السهوِ‬
‫با ُ‬

‫وشـيخ اإلسالم؛ وكذا لو نقص أو شك يف شـيء من أركان الصالة‪ ،‬ويدل له ما يف‬


‫الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول اهلل ﷺ لما زاد ركعة خامسة‪ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬يا‬
‫الص َال ِة؟ َق َال‪َ « :‬ال»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬فإِن َاك َقدْ َِ ال ْي َت َخ ْم ًسا‪َ ،‬فا ْن َفت ََل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ول اهلل َه ْل ِزيدَ في ا‬ ‫َ ُ‬
‫ُث ام َس َادَ َس ْادَ َت ْي ِن‪ُ ،‬ث ام َس ال َم‪ُ ،‬ث ام َق َال‪« :‬إِن َاما َأنَا َبشـر مِ ْث ُل ُك ْم َأنْسـى ك ََما َتن َْس ْو َن َفإ ِ َذا‬
‫نَسـي َأ َحدُ ُك ْم َف ْل َي ْس ُادْ َس ْادَ َت ْي ِن»(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪« :‬إنما ياب الساود فيما روي عن النبي ﷺ»‪ .‬وما يف‬
‫معناه(‪.)2‬‬
‫َ ه َ َ َ‬
‫(أو‪ :‬سل َم قبل إتمامِها)‪ :‬هذا السبب الثاين‪ :‬النقصان من الصالة‪ ،‬فلو ترل أحد‬
‫واجبات الصالة ناسـيًا‪ ،‬فإنه ياربه بساود السهو‪ ،‬وإن ترل ركنًا لزمه اإلتيان به‬
‫مع اإلتيان بساود السهو‪ ،‬كما يف الصحيحين يف قصة ذي اليدين‪ ،‬قال أبو هريرة‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ ْحدَ ى َِ َال َت ِي ا ْل َعشـي‪ ،‬إِ اما ال ُّظ ْه َر‪َ ،‬وإِ اما ا ْل َعصـر‪َ ،‬ف َس ال َم‬
‫ﭬ‪ َِ « :‬الى بِنَا َر ُس ُ‬
‫ِ‬
‫في َر ْك َع َت ْي ِن‪ ،‬فلما ُأ ْخبِ َر أنه ِلى ركعتين َِ الى َ‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن األخريين َو َس ال َم‪ُ ،‬ث ام َك اب َر‪ُ ،‬ث ام‬
‫َس َادَ ‪ُ ،‬ث ام َك اب َر َف َر َف َع‪ُ ،‬ث ام َك اب َر َو َس َادَ ‪ُ ،‬ث ام َك اب َر َو َر َف َع َو َس ال َم»(‪.)3‬‬
‫ََ َ َْ ً ُ ُ َ َ‬
‫حلنا َيِيل المعن)‪ :‬فلو لحن يف قراءة الفاتحة لحنًا يحيل المعنى‪،‬‬ ‫(أو‪ :‬حلن‬
‫سهوا ساد للسهو؛ ألن عمده يبطل‬
‫ً‬ ‫فإن كان متعمدً ا بطلت ِالته‪ ،‬وإن كان‬
‫الصالة‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫جبا)‪ :‬ناسيًا فلو نسـي التشهد األول‪ ،‬أو أحد التكبيرات وجب عليه‬‫(أو‪ :‬ترك وا ِ‬
‫ساود السهو؛ ألن رسول اهلل ﷺ لما نسـي التشهد األول ساد للسهو‪ ،‬كما يف‬
‫ِ‬
‫الصحيحين عن ابن ُب َح ْينَ َة ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ َِ الى بِ ِه ُم ال ُّظ ْه َر‪َ ،‬ف َق َام في ا‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن‬
‫ِ‬ ‫األُو َل َي ْي ِن َل ْم َي ْالِ ْس‪َ ،‬ف َقا َم الن ُ‬
‫ااس َم َع ُه َحتاى إِ َذا َقضـى ا‬
‫يم ُه َك اب َر‬ ‫ااس َت ْسل َ‬
‫الصالَ َة َوا ْن َت َظ َر الن ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)401‬ومسلم (‪ )512‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)433/2‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬

‫‪411‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪412‬‬

‫َو ُه َو َجال ِ ٌس‪َ ،‬ف َس َادَ َس ْادَ َت ْي ِن َق ْب َل َأ ْن ُي َسل َم ُث ام َس ال َم»(‪.)1‬‬


‫َ ْ َ‬ ‫َ ه‬
‫(أو‪ :‬شك يف ِزيادة َوقت ف ِعلِها)‪ :‬هذا السبب الثالث‪ :‬فإذا شك يف زيادة أثناء‬
‫فعلها وجب عليه ساود السهو‪ ،‬سواء تحرى الصواب أو بنى على اليقين؛ لقوله‬
‫ﷺ‪« :‬إِ َذا َش اك َأ َحدُ ُك ْم فِي َِ َالتِ ِه‪َ ،‬ف َل ْم َيدْ ِر ك َْم َِ الى َث َال ًثا َأ ْم َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬ف ْل َي ْط َرحِ ا‬
‫الش اك‬
‫اس َت ْي َق َن‪ُ ،‬ث ام َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ْي ِن َق ْب َل َأ ْن ُي َسل َم» [رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫َو ْل َي ْب ِن َع َلى َما ْ‬
‫اب َف ْل ُيتِ ام َع َل ْي ِه‪ُ ،‬ث ام ل ِ ُي َسل ْم‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َش اك َأ َحدُ ُك ْم في َِالَته‪َ ،‬ف ْل َيت ََح ار ا‬
‫الص َو َ‬
‫ُث ام َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ْي ِن» [متفق عليه](‪ .)3‬وقد داوم على فعله عند حصول مقتضاه‪ ،‬وقال‬
‫ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»(‪.)5()4‬‬
‫ْ َ‬
‫( َوقت ف ِعلِها)‪ :‬فالشك الذي يوجب الساود ما كان أثناء الصالة‪:‬‬
‫وأما إن طرأ بعد الفراغ من العبادة‪ ،‬فال يلتفت إليه؛ ألنه كملها تامة‪.‬‬
‫وإن طرأ الشك أثناء العبادة‪ ،‬فإنه يساد للسهو‪.‬‬
‫السهو َ‬‫ه‬ ‫َ ُ ُ ه ُ َ َ ُّ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ب)‪.‬‬ ‫ج‬
‫ِ ِ‬ ‫ا‬‫الو‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ت‬
‫ِ ركِ‬‫د‬‫م‬‫ع‬ ‫بت‬ ‫‪:‬‬ ‫الة‬ ‫الص‬ ‫ل‬ ‫بط‬‫وت‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ألن رسول اهلل ﷺ أمر به وداوم عليه عند حصول مقتضاه‪ ،‬وقال‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما‬
‫َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» [متفق عليه]‪ ،‬وهو بدل ما أسقطه ونسـيه من واجب‪ ،‬وجربًا للخلل‬
‫الحاِل برتكه‪ ،‬فتبطل الصالة برتكه عمد ًا‪ ،‬وهو قول جمهور العلماء‪ ،‬ورجحه‬
‫شـيخ اإلسالم قال‪« :‬وليس مع من لم يوجبه حاة»(‪.)6‬‬
‫فإن ترل ساود السهو الواجب فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يتعمد تركه فصالته تبطل؛ ألنه أخل بواجب عمدً ا‪ ،‬وسواء كان قبل‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)622‬ومسلم (‪ )510‬من حديث عبداهلل ابن بحينة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )511‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)401‬ومسلم (‪ )512‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪ ،)433/2‬الفتاوى (‪.)26/23‬‬
‫(‪ )6‬الفتاوى (‪ ،)34/23‬الفتح البن رجب (‪.)415/2‬‬

‫‪412‬‬
‫‪413‬‬ ‫ب سجو ِد السهوِ‬
‫با ُ‬

‫السالم أو بعده‪ ،‬وهذا المذهب‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وقال‪« :‬ال بد من اإلتيان‬
‫هبذا الساود‪ ،‬أو إعادة الصالة؛ ألن رسول اهلل ﷺ أمر به لتمام الصالة‪ ،‬فال تربأ‬
‫الذمة إال به‪ ،‬وال فرق بين ما كان قبل السالم أو بعده»(‪.)1‬‬
‫سهوا‪ ،‬فال تبطل الصالة به‪ ،‬ويلزمه اإلتيان به إذا ذكره وهذا‬
‫الثانية‪ :‬أن يرتكه ً‬
‫مذهب الامهور‪ :‬أبي حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد(‪.)2‬‬
‫فإذا طال الفصل ولم يأت به‪ :‬فالامهور يرون أنه يسقط‪ ،‬وال إعادة عليه فيها‪.‬‬
‫واختار شـيخ اإلسالم أنه يأيت به متى ذكره حتى ولو طال الفصل كالصالة‬
‫المنسـية حتى ولو خرج من المساد(‪.)3‬‬
‫ََْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه ْ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬إال إن ت َرك ما وج َب بِسال ِم ِه قبل إتمامِها)‪.‬‬
‫فلو كان سبب ساود السهو خطأه يف السالم‪ ،‬لم تبطل ِالته برتل ساود‬
‫السهو؛ ألن الصالة ختمت‪ ،‬والساود هنا جربٌ للعبادة خارج عنها‪ ،‬فلم تبطل‬
‫كاربان الحج وهذا مستثنى من بطالن الصالة بتعمد ترل ساود السهو‪.‬‬
‫ويف المذهب‪ :‬رواية أن ساود السهو الذي بعد السالم ال تبطل الصالة برتكه‪،‬‬
‫وهذا مروي عن اإلمام أحمد‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬نقله الحافظ ابن رجب(‪.)4‬‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ه ََْ ه‬ ‫ُ‬
‫الم‪ ،‬أو بعدهُ)‪.‬‬
‫هو قبل الس ِ‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫َت‬ ‫جد‬ ‫س‬ ‫د‬‫ج‬‫س‬ ‫‪:‬‬ ‫اء‬ ‫ش‬ ‫وإن‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫فساود السهو قبل السالم وبعده على االستحباب ال اإليااب والمذهب أنه‬
‫مخير يف ذلك؛ لورود هذا عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأما المواضع التي ثبت عن رسول‬
‫اهلل ﷺ فعلها قبل السالم أو بعده‪ ،‬فمحمولة على األفضلية والندب ال على‬
‫الوجوب‪ ،‬واألفضل أن يراعي ما فعله الرسول ﷺ فما ساده بعد السالم ياعله‬
‫بعده وما سواه ياعله قبله‪.‬‬
‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)34/23‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪.)432/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪.)34/23‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪ ،)434/2‬الفتح (‪.)411/4‬‬

‫‪413‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪414‬‬

‫فاألولى أن ياعل الساود قبل السالم إال المواضع التي ثبت عن رسول اهلل‬
‫ﷺ أنه سادها بعد السالم فتفعل بعد السالم اقتدا ًء به ﷺ‪ ،‬وإلى هذا ذهب اإلمام‬
‫أحمد‪ ،‬وعامة أِحابه‪ ،‬وطائفة من فقهاء الحديث‪ ،‬كسليمان بن داود‪ ،‬وأبي‬
‫خيثمة‪ ،‬وابن المنذر‪ ،‬واختاره ابن باز؛ ألمور منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن ساود السهو من تمام الصالة وجرب لنقصاهنا‪ ،‬فناسب كونه داخلها‬ ‫ً‬
‫كسائر أفعالها‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أن يف هذا عمالً بما ثبت عن رسول اهلل ﷺ من الساود قبل السالم‬
‫وبعده‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أن العمل هبذا أضبط للناس‪ ،‬فيحفظ المواضع الثالث التي ثبت عن‬
‫رسول اهلل ﷺ أنه ساد لها بعد السالم‪ ،‬فإن كان منها وإال ساد قبل السالم‪.‬‬
‫والمواضع التي ثبت عنه ﷺ الساود لها بعد السالم ثالث‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫األول‪ :‬إذا سلم من ركعتين يف الرباعية‪ ،‬كما يف قصة ذي اليدين ﭬ‪ ،‬والحديث‬
‫متفق عليه(‪ ،)1‬وال بأس أن يلحق به لو نقص ركعة تامة‪ ،‬مثل‪ :‬لو ِلى ثال ًثا يف‬
‫الرباعية أو واحدة يف الثنائية‪ ،‬وقد ِلى رسول اهلل ﷺ ثالث ركعات‪ ،‬فساد بعد‬
‫السالم‪ ،‬كما يف حديث عمران ﭬ(‪.)2‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يزيد ركعة يف الصالة؛ لحديث ابن مسعود ﭬ يف البخاري أن رسول‬
‫خمسا فساد للسهو بعد السالم(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫اهلل ﷺ ِلى‬
‫الثالث‪ :‬إذا شك يف ِالته‪ ،‬فلم يدر كم ِلى‪ ،‬ثم تحرى الصواب‪ ،‬فإنه يساد‬
‫للسهو بعد السالم‪.‬‬
‫اب َف ْل ُيتِ ام َع َل ْي ِه‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ويدل له‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َش اك َأ َحدُ ُك ْم في َِالَته‪َ ،‬ف ْل َيت ََح ار ا‬
‫الص َو َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )514‬من حديث عمران بن الحصـين ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)411‬‬

‫‪414‬‬
‫‪415‬‬ ‫ب سجو ِد السهوِ‬
‫با ُ‬

‫ل ِ ُي َسل ْم‪ُ ،‬ث ام َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ْي ِن» [متفق عليه](‪.)1‬‬


‫وأما إن بنى على اليقين‪ ،‬فالساود قبل السالم؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َش اك َأ َحدُ ُك ْم فِي‬
‫َِ َالتِ ِه‪َ ،‬ف َل ْم َيدْ ِر ك َْم َِ الى َث َال ًثا َأ ْم َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬ف ْل َي ْط َرحِ ا‬
‫الش اك َو ْل َي ْب ِن َع َلى َما ْ‬
‫اس َت ْي َق َن‪ُ ،‬ث ام‬
‫َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ْي ِن َق ْب َل َأ ْن ُي َسل َم» [رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫والفرق بين التحري‪ ،‬والبناء على اليقين‪:‬‬
‫أن اليقين هو طرح األكثر واألخذ باألقل‪ ،‬ويساد قبل السالم؛ لحديث أبي‬
‫سعيد ﭬ(‪.)3‬‬
‫وأما التحري فهو تحري الصواب زياد ًة أو نقصانًا‪ ،‬ثم يبني عليها‪ ،‬ويكون‬
‫ساوده بعد السالم‪ ،‬كما يف حديث ابن مسعود ﭬ(‪.)4‬‬
‫ُ َ ْ ْ َ َ َ َُ َ َ ََ ه َ ُ ً َ ه‬
‫كن‪ :‬إن سجدهما بعده‪ ،‬تشهد وج ُوبا وسلم)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ل ِ‬
‫ِ‬
‫إذا كان الساود بعد السالم‪ ،‬فالمذهب ياب أن يتشهد له؛ لحديث ع ْم َر َ‬
‫ان‬
‫م» [أخرجه‬ ‫ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ َِ الى بِ ِه ْم َف َس َها‪َ ،‬ف َس َادَ َس ْادَ َتيْ ِن‪ُ ،‬ث ام َت َش اهدَ ‪ُ ،‬ث ام َس ال َ‬
‫أبوداود‪ ،‬وهو ضعيف](‪.)5‬‬
‫والرواية الثانية عن اإلمام أحمد وهي األرجح‪ :‬أن ساود السهو ال تشهد بعده‪،‬‬
‫وليس فيه إال السالم سواء كان قبل السالم أو بعده‪ ،‬وهو مذهب اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫ورجحه شـيخ اإلسالم وغيره؛ ألن كل األحاديث التي ساد فيها رسول اهلل ﷺ‬
‫للسهو بعد السالم ليس فيها ذكر التشهد بعده‪ ،‬كحديث ابن مسعود ﭬ عند‬
‫البخاري‪ ،‬وعمران بن حصـين ﭬ عند مسلم‪ ،‬وأبي هريرة ﭬ يف الصحيحين‪،‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)412‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)412‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)412‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪ ،)425/2‬الفتاوى (‪ ،)60/23‬الفتح البن رجب (‪.)322/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)1032‬والرتمذي (‪ )325‬من حديث عمران ﭬ‪ .‬قال األلباين يف إرواء الغليل (‪:)403‬‬
‫«ضعيف شاذ»‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪416‬‬

‫والمغيرة ﭬ عند أحمد والرتمذي(‪.)1‬‬


‫ولم يرد التشهد بعد السالم إال يف رواية أبي داود والرتمذي يف حديث عمران‬
‫ﭬ‪ ،‬وذكر التشهد فيه شاذ‪ ،‬كما بين ذلك الح ّفاظ منهم‪ :‬البيهقي‪ ،‬وابن عبدالرب‪،‬‬
‫وابن المنذر‪ ،‬والاوزجاين وابن رجب‪ ،‬وشـيخ اإلسالم‪ ،‬واأللباين‪.‬‬
‫وقال ابن المنذر والاوزجاين‪« :‬ال يصح عن رسول اهلل ﷺ يف التشهد بعد‬
‫ساود السهو حديث»(‪.)2‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ ُ ُ ً‬ ‫ْ َ َ ُّ ُ َ َ ه‬ ‫ُ‬
‫ِس السجود حَت طال الفصل ع ْرفا‪ .‬أو‪ :‬أحدث‪ .‬أو‪ :‬خ َرج مِن‬ ‫قوهل‪( :‬وإن ن ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫المسج ِد‪ :‬سقط)‪.‬‬
‫هذه مسقطات ساود السهو إذا نسيه‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه إذا نسـي ساود السهو‪ ،‬فإن ذكره قري ًبا أتى به‪ ،‬وإن حصل واحد‬
‫من ثالث سقط‪ ،‬وِالته ِحيحة‪ ،‬وبه قال الامهور والمسقطات هي‪ :‬أن يطول‬
‫الفصل عر ًفا‪ ،‬أو ينتقض وضوؤه‪ ،‬أو يخرج من المساد‪.‬‬
‫واختار شـيخ اإلسالم أنه يأيت به متى ذكره حتى ولو طال الفصل كالصالة‬
‫المنسـية‪ ،‬حتى ولو خرج من المساد‪ ،‬واختار أن التحديد بالزمان والمكان ال‬
‫أِل له يف الشـرع(‪.)3‬‬
‫ألنه ثبت يف حديث عمران بن حصـين ﭬ يف ِحيح مسلم‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ‬
‫نسـي يف الصالة‪ ،‬ثم دخل حارته‪ ،‬فلما ذكر رجع وِلى ما نسـي‪ ،‬وساد للسهو بعد‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1031‬والرتمذي (‪ ،)365‬وأحمد (‪ )16163‬من طريق زياد بن عالقة قال‪ِ :‬لى بنا المغيرة بن‬
‫شعبة فنهض يف الركعتين‪ ،‬قلنا‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬قال‪ :‬سبحان اهلل ومضـى‪ ،‬فلما أتم ِالته وسلم‪ ،‬ساد ساديت‬
‫السهو‪ ،‬فلما انصـرف‪ ،‬قال‪« :‬رأيت رسول اهلل ﷺ يصنع كما ِنعت»‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح‪،‬‬
‫وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة عن النبي ﷺ»‪ .‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪ ،)223/4‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)250‬‬
‫(‪ )2‬الفتاوى (‪ ،)45/23‬الفتح البن رجب (‪.)421/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪.)34/23‬‬

‫‪416‬‬
‫‪417‬‬ ‫ب سجو ِد السهوِ‬
‫با ُ‬

‫ذلك»(‪ ،)1‬لكنه يف هذا الحديث لم ينس الساود وحده‪ ،‬بل أتى به وبما نسـي من‬
‫الصالة‪ ،‬وقول الامهور له وجاهته إال أن األولى أن يأيت بالساود إذا ذكره‪ ،‬فإن‬
‫تركه ألحد المسقطات الثالث لم تبطل ِالته(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ َ َ هَ ه‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫أول الصالة ِ‪ ،‬إذا سها يف صالت ِ ِه)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وال سجود ىلع مأموم دخل‬
‫إذا سها المأموم يف ِالته فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون دخل مع اإلمام من أول الصالة‪ ،‬فال ساود عليه فيما سها به‬
‫واإلمام يتحمل عنه ذلك؛ ألنه متابع إلمامه‪ ،‬وهذا قول عامة أهل العلم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ويدل له‪ :‬قول النبي ﷺ‪ِ ْ « :‬‬
‫أبوداود‬ ‫اإل َما ُم َضام ٌن‪َ ،‬وا ْل ُم َؤذ ُن ُم ْؤ َت َم ٌ‬
‫ن» [رواه‬

‫والرتمذي](‪.)3‬‬
‫وقد ورد يف ذلك حديث ابن عمر ﭭ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ليس على من‬
‫خلف اإلمام سهو‪ ،‬فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه» [رواه الدارقطني وضعفه](‪.)4‬‬
‫الثانية‪ :‬إن كان المأموم مسبو ًقا وسها فيما لم يدرل إمامه فيه‪ ،‬فإنه يساد‬
‫للسهو(‪.)5‬‬
‫ه‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ َ ُُ َ َ ُ ََُُ‬ ‫ُ‬
‫هو)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وإن سها إمامه‪ :‬ل ِزمه متابعته يف سجو ِد الس ِ‬
‫إذا سها اإلمام يف ِالته ثم ساد للسهو‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون ساوده قبل السالم‪ ،‬فياب على المأموم متابعته‪ ،‬أدرل معه‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام ب ِ ِه‪،‬‬
‫السهو أم ال؛ وال ياوز التخلف عنه؛ لعموم قوله ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)414‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)431/2‬الفتاوى (‪.)34/23‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)246‬‬
‫(‪ )4‬رواه الدارقطني يف سننه (‪ ،)212/2‬والبيهقي يف سننه (‪ )425/2‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬وضعفه‬
‫البيهقي‪ ،‬والنووي‪ ،‬وابن حار‪ ،‬واأللباين (خالِة األحكام ‪ ،642/2‬التلخيص الحبير ‪ ،12/2‬إرواء‬
‫الغليل ‪.)404‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪.)432/2‬‬

‫‪411‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪418‬‬

‫َفإِ َذا َك اب َر َف َكب ُروا‪َ ،‬وإِ َذا َرك ََع َف ْار َك ُعوا‪َ ،‬وإِ َذا َس َادَ َف ْ‬
‫اس ُادُ وا» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون الساود بعد السالم‪:‬‬
‫فإن كان المأموم غير مسبوق وجب عليه المتابعة يف ساود السهو؛ ألن هذا من‬
‫تمام الصالة‪ ،‬ولارب ما حصل فيها‪.‬‬
‫وإن كان مسبو ًقا وعليه قضاء‪ ،‬فاألولى أن يتابع إمامه بالساود سواء كان قبل‬
‫السالم أو بعده‪ ،‬وسواء كان مسبو ًقا أم ال‪ ،‬فإذا ساد تابعه‪ ،‬ثم قام ليقضـي‪.‬‬
‫فإن قام للقضاء‪ ،‬ثم ساد إمامه‪ ،‬فإن كان ساود إمامه قبل انتصابه للقيام رجع‪،‬‬
‫وإن انتصب قائما لم يرجع‪ ،‬ثم يساد للسهو‪ ،‬وألحق هذا بالقيام عن التشهد‬
‫األول؛ ألن كليهما واجب‪ ،‬وهذا القول قوي‪ ،‬وإليه ذهب اإلمام أحمد‪ ،‬واختاره‬
‫ابن قدامة‪ ،‬وابن باز(‪.)2‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُُ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬فإن لم يسجد إمامه‪َ :‬وج َب علي ِه ه َو)‪.‬‬
‫إذا ترل اإلمام ساود السهو‪ ،‬وجب على المأموم أن يساد؛ ألن ِالة‬
‫المأموم نقصت بسهو اإلمام ولم تارب بساود السهو‪ ،‬فيلزم المأموم جربها‪ ،‬وهذا‬
‫قول جمهور العلماء‪ ،‬ومنهم‪ :‬اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد(‪.)3‬‬
‫َ َ َ َ َ َ ََ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ومن قام ل َِركعة زائ ِدة‪ :‬جلس مَت ذك َر)‪.‬‬
‫أي لو زاد ركعة يف الصالة‪ ،‬فإنه متى ذكر رجع عنها على أي حال كان؛ ألهنا‬
‫ركعة زائدة ال اعتبار لها‪ ،‬لكن إن لم يذكر إال بعد اإلتيان هبا‪ ،‬وقد جلس للتشهد‪،‬‬
‫فإنه يتم التشهد‪ ،‬ثم يساد للسهو بعد السالم(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ِ ،)442/2‬الة المؤمن (‪.)261/1‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)441/2‬‬
‫(‪ )4‬الفتح البن رجب (‪.)325/2‬‬

‫‪416‬‬
‫‪419‬‬ ‫ب سجو ِد السهوِ‬
‫با ُ‬
‫َ ه َ ً َ َ ُّ ُ ُ َ َ َ ه َ ُ‬
‫وكره‪َ:‬‬ ‫ه َ ُّ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫‪.‬‬‫د‬‫ه‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫يل‬
‫ِ‬ ‫وع‬ ‫ج‬‫الر‬ ‫ه‬ ‫م‬‫ز‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‪:‬‬ ‫ي‬‫س‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫و‬‫األ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫الت‬ ‫ركِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫نه‬ ‫وإن‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ً‬ ‫ْ ََ‬
‫إن استت هم قائ ِما)‪.‬‬
‫التشهد األول من الواجبات‪ ،‬فإذا تركه المصلي فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يرتكه متعمدً ا‪ ،‬فصالته غير ِحيحة؛ ألنه ترل واج ًبا من غير عذر‪،‬‬
‫وقد قال ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يرتكه ناسـيا‪ ،‬فصالته ِحيحة باإلجماع‪ ،‬كما دل له فعل رسول اهلل‬
‫ﷺ(‪ ،)2‬فإذا تذكره فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫قائما‪ ،‬فيلزمه أن يرجع ويأيت به‪ ،‬ويساد للسهو‬
‫األولى‪ :‬أن يذكره قبل أن يستتم ً‬
‫يف آخر الصالة‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬والشافعي‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أال يذكره إال بعد أن استتم قائما‪ ،‬فيكره له الرجوع للتشهد األول‪ ،‬وهذا‬
‫مروي عن األئمة األربعة‪.‬‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن َف َل ْم َي ْستَتِ ام َقائِ ًما‬ ‫ِ‬
‫ودلت عليه السنة‪ :‬يف قوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم م َن ا‬
‫الس ْه ِو» [رواه أبو داود](‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف ْل َي ْال ْس‪َ ،‬فإِ َذا ْ‬
‫اس َتت اَم َقائ ًما َف َال َي ْال ْس‪َ ،‬و َي ْس ُادْ َس ْادَ َتيِ ا‬
‫جاهال لم تبطل ِالته هبذا‪،‬‬
‫ً‬ ‫قائما ناسـيا أو‬
‫مسألة‪ :‬لو أنه رجع بعد أن استتم ً‬
‫لكن يبقى عليه ساود السهو‪.‬‬
‫َ َُ َ ُ َ َُ ََُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وتلزم المأموم متابعته)‪.‬‬
‫قائما‪ ،‬فإنه يتم قيامه‪ ،‬ويلزم‬ ‫إذا لم يذكر اإلمام التشهد األول إال بعد أن استتم ً‬
‫المأموم متابعته‪ ،‬وال ياوز للمأموم الالوس للتشهد؛ لعموم قوله ﷺ‪« :‬إِن َاما ُج ِع َل‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه»(‪ ،)4‬ولما نسـي رسول اهلل ﷺ التشهد األول قام الناس معه(‪ ،)5‬وكذا‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)411‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)351‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)411‬‬

‫‪412‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪420‬‬

‫المغيرة ﭬ لما نسـيه وسبح به الناس أشار إليهم بيده أن قوموا(‪ ،)1‬فيؤخذ منه أن‬
‫اإلمام إذا نسـيه حتى قام لم يرجع إليه‪ ،‬ويلزم المأموم متابعته‪ ،‬ويثبت تب ًعا ما ال‬
‫ً‬
‫استقالال‪.‬‬ ‫يثبت‬
‫َ‬
‫رشع يف ال ِق َر َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وال يرجع‪ :‬إن َ‬
‫اءة ِ)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إذا لم يعلم المصلي برتل التشهد األول إال بعد أن شـرع يف قراءة الفاتحة‪ ،‬فال‬
‫ياوز له الرجوع إليه؛ ألنه تلبس بالركن الذي يليه كما مر معنا‪.‬‬
‫والمذهب أن من نسـي التشهد األول له ثالث حاالت‪:‬‬
‫قائما‪ ،‬فيرجع ويأيت به‪ ،‬ويساد للسهو‪.‬‬
‫األولى‪ :‬أن يذكره قبل أن يستتم ً‬
‫الثانية‪ :‬أن يذكره بعد أن استتم قائما وقبل القراءة‪ ،‬فيكره له الرجوع‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يذكره بعد أن شـرع يف قراءة الفاتحة‪ ،‬فال ياوز له الرجوع‪.‬‬
‫ه‬
‫الصالة ِ‪َ :‬ب َن ىلع َ‬ ‫ُ‬
‫وه ُ‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ْ َ ه‬ ‫ُ‬
‫ي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ايل‬ ‫يف‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ات‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ع‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫يف‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫وم‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ َ َ ُّ َ َ َ ه‬
‫وهو األقل‪ ،‬وسجد للسهو)‪.‬‬
‫إذا شك المصلي يف ركن أو عدد الركعات أثناء الصالة‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون عنده غلبة ظن يرجح أحد االحتمالين‪ ،‬فإنه يرجع إليه‪ ،‬ثم‬
‫يساد للسهو؛ لما روى الشـيخان أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َش اك َأ َحدُ ُك ْم فِي‬
‫اب َف ْليُتِ ام َع َل ْي ِه‪ُ ،‬ث ام ل ِ ُي َسل ْم‪ُ ،‬ث ام َي ْس ُادُ َس ْادَ َت ْي ِن»(‪.)2‬‬ ‫ِِ‬
‫َِالَته‪َ ،‬ف ْل َيت ََح ار ا‬
‫الص َو َ‬
‫والسنة كون ساود السهو يف هذه الصورة بعد السالم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يستوي عنده االحتماالن‪ ،‬وال مرجح‪ ،‬فيرجع إلى اليقين وهو األقل‪،‬‬
‫فيحذف المشكول فيه‪ ،‬ويأيت ببدله‪ ،‬ثم يساد ساديت السهو قبل السالم‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬ما رواه مسلم عن أبي سعيد ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َش اك‬
‫َأ َحدُ ُك ْم فِي َِ َالتِ ِه‪َ ،‬ف َل ْم َيدْ ِر ك َْم َِ الى َث َال ًثا َأ ْم َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬ف ْل َي ْط َرحِ ا‬
‫الش اك َو ْل َي ْب ِن َع َلى َما‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)415‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)412‬‬

‫‪420‬‬
‫‪421‬‬ ‫ب سجو ِد السهوِ‬
‫با ُ‬

‫اس َت ْي َق َن‪ُ ،‬ث ام َي ْس ُادُ َس ْادَ َتيْ ِن َق ْب َل َأ ْن ُي َسل َم‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬


‫َان َِ الى َخ ْم ًسا َش َف ْع َن َل ُه َِ َال َت ُه‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما للشـي َطان» [متفق عليه] ‪.‬‬ ‫َان َِ الى إِ ْت َما ًما ألَ ْر َب ُع كَا َنتَا َت ْرغ ً‬
‫َوإِ ْن ك َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ه ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬


‫قوهل‪( :‬وبعد ف َراغِها‪ :‬ال أث َر للشك)‪.‬‬
‫إذا لم يطرأ عليه الشك إال بعد السالم‪ ،‬فال يلتفت إليه؛ ألن هذا يفتح باب‬
‫الوساوس عليه‪ ،‬والظاهر أنه أتى هبا على الوجه المشـروع‪.‬‬
‫والشك يف العبادة ال يلتفت إليه يف ثالث حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إذا كان مارد وهم‪ ،‬فال عربة به‪ ،‬فالوسوسة ال توجب ساود السهو؛‬
‫ال َي ْس َم َع الت ْاأ ِذي َن‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫ٌ‬
‫ضـراأ‪َ ،‬حتاى َ‬ ‫لصال َِة َأ ْد َب َر الشـي َطا ُن‪َ ،‬و َل ُه‬ ‫ِ ِ‬
‫لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا ُنود َي ل ا‬
‫ِ‬
‫يب َأ ْق َب َل‪َ ،‬حتاى‬ ‫الصالَة َأ ْد َب َر‪َ ،‬حتاى إ ِ َذا َقضـى ال ات ْث ِو َ‬
‫َقضـى الندَ ا َء َأ ْق َب َل‪َ ،‬حتاى إِ َذا ُثو َب بِ ا‬
‫ول‪ :‬ا ْذ ُك ْر ك ََذا‪ ،‬ا ْذ ُك ْر ك ََذا‪ ،‬ل ِ َما َل ْم َي ُك ْن َي ْذ ُك ُر َحتاى َي َظ ال‬ ‫الم ْر ِء َو َن ْف ِس ِه‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫َي ْخط َر َب ْي َن َ‬
‫ال َيدْ ِري ك َْم َِ الى» [متفق عليه](‪ ،)2‬ولم يأمره بالساود للوهم‪ ،‬فدل أن مارد‬ ‫الر ُج ُل َ‬ ‫ا‬
‫الوهم ال يوجب الساود‪ ،‬وهذا مذهب الامهور(‪.)3‬‬
‫الثانية‪ :‬إذا كان اإلنسان شكاكًا؛ ألنه نوع من الوسوسة‪ ،‬ويؤدي إلى ازديادها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إذا لم يطرأ الشك إال بعد الفراغ من العبادة‪ ،‬فال يلتفت للشك؛ ألن‬
‫األِل أن العبادة وقعت تامة‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)412‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)322‬‬
‫(‪ )3‬الفتح البن رجب (‪.)414/2‬‬

‫‪421‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪422‬‬

‫‪e‬‬ ‫َو ِع‬


‫ب صَالةِ التَّط ُّ‬
‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫ِالة التطوع أحد جوابر النقص يف الصالة‪ ،‬وهي‪ :‬ساود السهو ‪-‬والذكر بعد‬
‫الصالة ‪-‬وِالة التطوع‪.‬‬
‫ويف هذا الباب بيان المسائل المتعلقة بصالة التطوع‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وأحكامها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُّ ِ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫جلهادِ‪ ،‬وال ِعل ِم)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ابل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ط‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫أفض‬ ‫‪:‬‬ ‫ويه‬
‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وعلم‪ ،‬وِالة‪ ،‬وِـيا ُم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وحج‪،‬‬ ‫ُ‬
‫جهاد‪،‬‬ ‫التطوعات البدنية أنواع كثيرة من‬
‫واختلف العلماء يف أفضلها؟‬
‫فذهب اإلمام أحمد إلى أنه الاهاد‪ ،‬ثم العلم‪ ،‬ثم الصالة‪ ،‬وهو أقواها؛‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬د النِي َع َلى‬ ‫لألحاديث الكثيرة يف فضله‪ :‬فقد جاء ر ُج ٌل إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫اهدُ َأ ْن‬‫ال َأ ِجدُ ه»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ه ْل َتستَطِيع إِ َذا َخرج الما ِ‬ ‫الا َها َد؟ َق َال‪َ « :‬‬ ‫َعم ُل َي ْع ِد ُل ِ‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك» [متفق‬ ‫ال ُت ْفطِ َر؟‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬و َم ْن َي ْستَطِي ُع َذل ِ َ‬ ‫ال َت ْف ُت َر‪َ ،‬و َت ُصو َم َو َ‬ ‫ادَ َل َف َت ُقو َم َو َ‬ ‫َتدْ ُخ َل مس ِ‬
‫َ ْ‬
‫عليه](‪.)1‬‬
‫مسلم‪ ،‬قِ َيل لِلنابِي ﷺ‪َ :‬ما َي ْع ِد ُل ا ْل ِا َها َد فِي َسبِي ِل اهللِ ‪‬؟ َق َال‪َ « :‬ال‬ ‫ُ‬ ‫ول‬
‫ول‪َ « :‬ال َت ْستَطِي ُعو َن ُه»‪،‬‬ ‫َت ْستَطِي ُعو َن ُه» َق َال‪َ :‬ف َأ َعا ُدوا َع َل ْي ِه َم ار َت ْي ِن‪َ ،‬أ ْو َث َال ًثا‪ُ ،‬ك ُّل َذل ِ َك َي ُق ُ‬
‫ات اهللِ‪،‬‬‫ت بِآي ِ‬
‫َ‬
‫اه ِد فِي سبِي ِل اهللِ كَم َث ِل الصائِ ِم ا ْل َقائِ ِم ا ْل َقان ِ ِ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و َق َال فِي ال اثال ِ َث ِة‪« :‬م َث ُل ا ْلما ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهدُ فِي َسبِي ِل اهللِ َت َعا َلى»‪.‬‬ ‫َال ي ْف ُتر مِن ِـيامُ‪ ،‬و َال ِ َال ُة‪ ،‬حتاى ير ِجع ا ْلما ِ‬
‫َ َْ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫وقيل‪ :‬تعلم العلم ونشـره أفضل التطوعات‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪ ،‬وأبي‬
‫حنيفة؛ لداللة األحاديث الكثيرة على فضل العلم والعلماء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نوافل الصالة أفضل‪ ،‬وإليه ذهب اإلمام الشافعي‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2165‬ومسلم (‪ )1616‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫‪423‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫وبين شـيخ اإلسالم أن هذا يختلف باختالف النااس فيما َي ْق ِد ُرون عليه‪ ،‬وما‬
‫َاسب أوقاهتم‪ ،‬فال ُيمكن فيه جواب جامع ُم َف اصل ل ُكل أحد‪ ،‬فقد يكون كل نوع‬ ‫ين ِ‬
‫ُ‬
‫مما سبق أفضل من غيره يف بعض األحوال‪ ،‬ولبعض األشخاص دون غيرهم‪،‬‬
‫وعند تساوي األمور‪ :‬فالعلم كما قال اإلمام أحمد‪« :‬ال يعدله شـيء لمن ِحت‬
‫نيته»‪ ،‬وهو نوع من الاهاد الذي به قوام الدين‪ ،‬وهو من أفضل ذكر اهلل(‪.)1‬‬
‫ولصالة التطوع فضائل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ب‬‫اس ُ‬ ‫أهنا تارب الخلل الحاِل يف الفريضة‪ ،‬كما دل له قوله ﷺ‪« :‬إِ ان َأ او َل َما ُي َح َ‬
‫ت‬ ‫الق َيا َم ِة مِ ْن َع َملِ ِه َِ َال ُت ُه‪َ ،‬فإِ ْن َِ ُل َح ْت َف َقدْ َأ ْف َل َح َو َأن َْا َح‪َ ،‬وإِ ْن َف َسدَ ْ‬
‫بِ ِه العبدُ يوم ِ‬
‫َْ َْ َ‬
‫الر ُّب ‪ :‬ا ْن ُظ ُروا َه ْل ل ِ َع ْب ِدي‬ ‫يضته شـي ٌء‪َ ،‬ق َال ا‬
‫َف َقدْ َخاب و َخسـر‪َ ،‬فإِ ْن ا ْن َت َقص مِن َف ِر َ ِ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ك» [رواه‬ ‫يض ِة‪ُ ،‬ث ام َي ُكو ُن َسائِ ُر َع َملِ ِه َع َلى َذل ِ َ‬
‫ص مِ َن ال َف ِر َ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َت َط ُّو ُع َف ُي َك ام َل بِ َها َما ا ْن َت َق َ‬
‫األربعة](‪.)2‬‬
‫وهي سبب لرفع الدرجات‪ ،‬كما قال ﷺ لثوبان ﭬ‪َ « :‬ع َلي َك بِ َك ْثر ِة السا ِ‬
‫ود‬ ‫َ ُّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْك ب ِ َها َخطي َئ ًة» [رواه‬ ‫ل اله‪َ ،‬فإِن َاك َال َت ْس ُادُ ل اله َس ْادَ ةً‪ ،‬إِ اال َر َف َع َك ُ‬
‫اهلل بِ َها َد َر َجةً‪َ ،‬و َح اط َعن َ‬
‫مسلم](‪.)3‬‬
‫ب ﭬ حين سأله ُم َرا َف َقتَه‬ ‫وهي سبب لدخول الانة‪ ،‬كما قال ﷺ َلربِي َع َة ْب ِن َك ْع ُ‬
‫ود» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫فِي ا ْلان ِاة‪َ .‬ق َال‪َ « :‬ف َأ ِعني َع َلى َن ْف ِس َك بِ َك ْثر ِة السا ِ‬
‫َ ُّ ُ‬ ‫َ‬
‫يموا‪َ ،‬و َل ْن ُت ْح ُصوا‪َ ،‬وا ْع َل ُموا َأ ان‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪ِ « :‬‬ ‫ان ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن َث ْو َب َ‬
‫استَق ُ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬اختيارات ابن تيمية ص (‪ ،)62‬ماموع الفتاوى (‪ ،)660/10‬الممتع (‪.)40/6‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)413‬وأبو داود (‪ ،)664‬والنسائي (‪ ،)465‬وابن ماجه (‪ )1425‬من حديث أبي هريرة‬
‫ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح‬
‫أبي داود (‪.)610‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)316‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)316‬‬

‫‪423‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪424‬‬

‫َخير َأ ْعمال ِ ُكم الص َال ُة‪ ،‬و َال يحافِ ُظ َع َلى ا ْلو ُض ِ‬
‫وء إِ اال ُم ْؤم ِ ٌن» [رواه ابن ماجه](‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َْ َ ُ ا‬
‫و َل اما َعلِ َم هذا سلف األمة‪ ،‬وأدركوا هذه الفضائل حرِوا أن يكون لهم‬
‫نصـيب من نوافل الصلوات يف الليل والنهار‪ ،‬فحري بالمسلم أن يحافظ على هذه‬
‫النوافل لما فيها من األجر العظيم‪.‬‬
‫ُ ه ََ َ ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وأفضلها‪ :‬ما سن مجاعة)‪.‬‬
‫سبب‪ ،‬ومنها‪ :‬ما‬
‫ِالة التطوع أنواع كثيرة‪ :‬منها‪ :‬ما له سبب‪ ،‬ومنها‪ :‬ما ليس له ٌ‬
‫يشـرع فرادى‪ ،‬ومنها‪ :‬ما يشـرع له الاماعة‪.‬‬
‫والمذهب أن التطوعات التي تشـرع لها الاماعة آكد من غيرها وأفضل‪.‬‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وآكدها‪ :‬الكسوف)‪.‬‬
‫ألن رسول اهلل ﷺ أمر هبا وأكد عليها‪ ،‬وفزع إلى أدائها‪ ،‬وألن لها سببًا يفوت‪،‬‬
‫وهي مفزع العباد عند حصول هذا التغير يف الشمس والقمر‪.‬‬
‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬فاالستِ ْس َق ُ‬
‫اء)‪.‬‬
‫عند حصول سببه؛ ألنه داخل يف فضائل التطوعات‪ ،‬ولما فيه من إظهار االفتقار‬
‫إلى اهلل‪ ،‬و َبث الشكوى إليه‪ ،‬واقتداء برسول اهلل ﷺ‪ ،‬ولتعدي خيره إلى عموم‬
‫المسلمين إذا نزل الغيث‪.‬‬
‫هَ ُ‬ ‫ُ‬
‫اويح)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فالَّت‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫وهي قيام الليل يف رمضان جماعة‪ ،‬وقد فعلها رسول اهلل ﷺ والصحابة‪ ،‬ثم‬
‫عمر ﭬ‪ ،‬واستمر العمل عليها يف‬
‫تركها خشـية أن تفرض عليهم‪ ،‬ثم أظهرها ُ‬
‫مساجد المسلمين حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫والرتاويح‪ :‬هي قيام الليل يف رمضان‪ ،‬وسميت هبذا االسم؛ ألهنم كانوا يطيلون‬
‫القيام‪ ،‬فإذا ِلوا أرب ًعا اسرتاحوا‪ ،‬ثم أرب ًعا ثم اسرتاحوا‪ ،‬ثم يكملون البقية‪،‬‬
‫ومستندهم يف هذا‪ :‬قول عائشة ڤ‪« :‬كان ُي َصلي َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)211‬وأحمد (‪ )22316‬من حديث ثوبان ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)412‬‬

‫‪424‬‬
‫‪425‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫[متفق‬ ‫َو ُطول ِ ِه ان‪ُ ،‬ث ام ُي َصلي َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان َو ُطول ِ ِه ان‪ُ ،‬ث ام ُي َصلي َثالَ ًثا»‬
‫عليه](‪.)1‬‬
‫َ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ٌَ‬ ‫َ ُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ال‪ :‬ثالث‬ ‫ِ‬ ‫َشة‪ .‬وأدَن الكم‬ ‫وأكرثهُ‪ :‬إحدى ع‬ ‫فالوتر‪ :‬وأقله‪َ :‬ركعة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ًْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫وطلوعِ‬ ‫حد ِسدا‪ .‬ووقته‪ :‬ما بي صالة ِ ال ِعشاءِ‬ ‫ي‪ ،‬وَيوز بِوا ِ‬ ‫بسالم ِ‬
‫َ ْ‬
‫الفج ِر‪.‬‬
‫ه َ َ َ َ ُّ ُ‬ ‫ه َََ ََ‬ ‫َ َ ُّ ُ ِ َ ْ ً‬ ‫َ ُ ُ‬
‫وع‪:‬‬‫الرك ِ‬ ‫ورفع يدي ِه‪ ،‬ثم قنت قبل‬ ‫وع؛ ندبا‪ .‬فلو كَب‬ ‫ويقنت في ِه‪ :‬بعد الرك‬
‫جاز)‪.‬‬
‫ُ‬
‫فالوتر)‪ :‬وهو سنة مؤكدة‪ ،‬وبه قال اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأدلة‬ ‫( ِ‬
‫اهلل َأ َمدا ُك ْم ب ِ َص َال ُة ِه َي َخ ْي ٌر َل ُك ْم مِ ْن ُح ْم ِر‬ ‫فضله واألمر به كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬قولـه ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫الع َش ِ‬
‫الو ْتر‪ ،‬جع َله اهلل َل ُكم فِيما بين ِ َال ِة ِ‬
‫اء إ ِ َلى َأ ْن َي ْط ُل َع ال َف ْا ُر»(‪.)2‬‬ ‫النا َع ِم‪َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ِ :‬‬
‫ودليل عدم الوجوب‪ :‬ما رواه أبو داود أن عبادة بن الصامت ﭬ ُأ ْخبِ َر عن‬
‫ول‪َ « :‬خ ْم ُس‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫رجل يقول الوتر واجب‪َ ،‬ف َق َال ُع َبا َد ُة‪ :‬ك ََذ َب‪َ ،‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫استِ ْخ َفا ًفا‬ ‫ضـيع منْ ُه ان شـي ًئا ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهلل َع َلى ا ْلع َباد‪َ ،‬ف َم ْن َجا َء بِ ِه ان َل ْم ُي ْ‬ ‫َِ َل َوات َك َت َب ُه ان ُ‬
‫ُ‬
‫ت بِ ِهن َف َليس َله ِعنْدَ اهللِ‬ ‫َان َله ِعنْدَ اهللِ َعهدٌ َأ ْن يدْ ِخ َله ا ْلاناةَ‪ ،‬ومن َلم ي ْأ ِ‬
‫ا ْ َ ُ‬ ‫ُ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫بِ َحق ِه ان‪ ،‬ك َ ُ‬
‫َع ْهدٌ ‪ ،‬إِ ْن َشا َء َع اذ َب ُه‪َ ،‬وإِ ْن َشا َء َأ ْد َخ َل ُه ا ْل َانا َة»(‪.)3‬‬
‫ات فِي ال َي ْو ِم َوال ال ْي َل ِة»‪،‬‬ ‫اإلسالَمِ‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬خمس ِ َلو ُ‬
‫ْ ُ َ َ‬ ‫ِ‬
‫وقوله ﷺ لمن سأله َع ِن ْ‬
‫ال‪ ،‬إِ اال َأ ْن َت َط او َع» [متفق عليه](‪.)4‬‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ه ْل َع َلي َغ ْي ُر َها؟ َق َال‪َ « :‬‬
‫ا‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1141‬ومسلم (‪ )136‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1416‬والرتمذي (‪ ،)452‬وابن ماجه (‪ )1166‬من حديث خارجة ابن حذافة ﭬ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬حديث خارجة بن حذافة حديث غريب‪ ،‬ال نعرفه إال من حديث يزيد ابن أبي حبيب»‪ .‬وقال ابن‬
‫حار يف التلخيص الحبير (‪« :)41/2‬ضعفه البخاري‪ ،‬وقال ابن حبان‪ :‬إسناد منقطع ومتن باطل»‪ .‬وقال‬
‫األلباين يف ضعيف أبي داود (‪« :)255‬إسناده ضعيف‪ ،..‬وِح الحديث بدون قوله‪( :‬وهي خير لكم من‬
‫ُح ْم ِر النعم)»‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)46‬ومسلم (‪ )11‬من حديث طلحة بن عبيد اهلل ﭬ‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪426‬‬
‫ول اهللِ‬
‫الم ْك ُتو َب ِة‪َ ،‬و َلكِ ْن َس ان َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫وقال َعلِي ﭬ‪ِ :‬‬
‫الو ْت ُر َل ْي َس بِ َحت ُْم ك َ‬
‫َص َالت ُك ُم َ‬ ‫ٌّ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب الوت َر‪ ،‬فأ ْوت ُروا َيا أ ْهل الق ْرآن» ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ﷺ‪َ ،‬و َق َال‪« :‬إِن َ‬
‫اهلل وت ٌر ُيح ُّ‬ ‫ا‬
‫فحري بالمسلم المحافظة عليه‪ ،‬قال اإلمام أحمد‪« :‬من ترل الوتر عمدً ا فهو‬
‫رجل سوء‪ ،‬وال ينبغي أن تقبل شهادته»؛ لما ورد فيه من األحاديث الحاثة عليه‪،‬‬
‫حضـرا‬
‫ً‬ ‫فال يرتكها من له رغبة يف الدرجات العالية‪ ،‬وقد كان رسول اهلل ﷺ ال يرتكه‬
‫سفرا‪ ،‬وكان إذا غلبه نوم أو وجع ولم يقدر على فعله بالليل قضاه يف النهار‪.‬‬ ‫وال ً‬
‫َ ُّ ُ َ َ ٌ‬
‫(وأقله‪ :‬ركعة)‪ :‬أقل الوتر ركع ٌة واحدة‪ ،‬وهذا ثبت عن عشـرة من الصحابة‪،‬‬
‫منهم‪ :‬أبو بكر وعمر وعثمان ﭫ‪ ،‬وهو قول جمهور العلماء‪ ،‬وهو قول اإلمام‬
‫مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬ا ْل ِو ْتر ر ْكع ٌة مِن ِ‬
‫آخ ِر ال ال ْي ِل»(‪.)3()2‬‬ ‫ُ َ َ ْ‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ِزيدُ فِي‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫َشة)‪ :‬لقول عائشة ڤ‪َ « :‬ما ك َ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫( َُ‬
‫وأكرثهُ‪ :‬إحدى ع‬
‫ال فِي َغ ْي ِر ِه َع َلى إِ ْحدَ ى َعشـر َة َر ْك َع ًة» [متفق عليه](‪ ،)4‬وهذا أغلب هديه ﷺ‪.‬‬ ‫َر َم َض َ‬
‫ان َو َ‬
‫َان ُي َصلي بِال ال ْي ِل َثال ََث َعشـر َة َر ْك َع ًة»(‪ .)5‬وله‬
‫ويف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫محمالن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر‪ ،‬كما يف رواية مسلم عن عائشة ڤ‬
‫ث َعشـر َة َر ْك َع ًة بِ َر ْك َعت َِي ا ْل َف ْا ِر»(‪.)6‬‬
‫َان ُي َصلي َث َال َ‬ ‫قالت‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬
‫ثانيهما‪ :‬أن يحمل على مشـروعية األمرين؛ لحديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫َان‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)453‬وأبو داود (‪ ،)1416‬وابن ماجه (‪ ،)1162‬والنسائي (‪ ،)1615‬وأحمد (‪)1262‬‬
‫من حديث علي ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )152‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المغني (‪.)516/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1141‬ومسلم (‪ )136‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1140‬ومسلم (‪ )131‬من حديث عائشة وابن عباس ﭫ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ )1140‬ومسلم (‪ )136‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫‪427‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ُي َصلي بِال اليْ ِل َثال ََث َعشـر َة َر ْك َعةً‪ُ ،‬ث ام ُي َصلي إِ َذا َسم َع الندَ ا َء بِ ُّ‬
‫الصبْحِ‬ ‫َ ُ‬
‫َر ْك َع َت ْي ِن َخفي َف َت ْين» ‪ ،‬إال أن الهدي الغالب عنه أحد عشـر ركعة‪.‬‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫والسنة يف ِفة أداء الوتر‪ :‬أن يفصل كل ركعتين بسالم‪ ،‬وأن ال يصل الوتر بما‬
‫قبله‪ ،‬بل ياعله بسالم َو ْحدَ ه؛ لقوله ﷺ‪َِ « :‬الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى َم ْثنَى‪َ ،‬فإِ َذا َخشـي‬
‫احدَ ًة ُتوتِ ُر َل ُه َما َقدْ َِ الى»(‪.)2‬‬ ‫َأحدُ ُكم الصبح ِ الى ر ْكع ًة و ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ُ ُّ ْ َ َ‬
‫ول اهلل ﷺ يصلي فِيما بين َأ ْن ي ْفر َغ مِن ِ َالةِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َر ُس ُ‬ ‫ولمسلم عن عائشة ڤ‪َ « :‬ك َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َْ َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫احدَ ُة»(‪.)3‬‬ ‫اء إ ِ َلى ا ْل َفا ِر إِحدَ ى َعشـر َة ر ْكعةً‪ ،‬يسلم بين ُكل ر ْكع َتي ِن‪ ،‬ويوتِر بِو ِ‬ ‫ا ْل ِع َش ِ‬
‫َ َ ْ َُ ُ َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َْ َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َ ًْ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫َ ٌ َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِسدا)‪ :‬أدنى الكمال يف ِالة‬ ‫حد‬ ‫ي‪ ،‬وَيوز بِوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم‬ ‫بس‬ ‫الث‬ ‫ث‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬
‫(وأدَن الك ِ‬
‫م‬
‫ووترا‪ ،‬وله ِفتان مشـروعتان‪:‬‬ ‫الليل أن يصلي ثالث ركعات شف ًعا ً‬
‫أحدها‪ :‬أن يصليها بسالمين؛ لقوله ﷺ‪َِ « :‬الَ ُة ال اليْ ِل َم ْثنَى َم ْثنَى‪َ ،‬فإِ َذا َخشـي‬
‫احدَ ًة ُتوتِ ُر َل ُه َما َقدْ َِ الى»‪.‬‬ ‫َأحدُ ُكم الصبح ِ الى ر ْكع ًة و ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ُ ُّ ْ َ َ‬
‫الثانية‪ :‬أن يسـردها بسالم واحد وتشهد واحد‪ ،‬فقد روى الحاكم عن َعائِ َش َة‬
‫آخ ِر ِه ان»‪َ ،‬و َه َذا ِو ْت ُر َأمِ ِير‬
‫ث َال يسلم إِ اال فِي ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ يوتِر بِ َث َال ُ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫َُ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ين ُع َم َر ﭬ‪َ « :‬و َعنْ ُه َأ َخ َذ ُه َأ ْه ُل ا ْل َم ِدين َِة»(‪.)4‬‬ ‫ِِ‬
‫ا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫وال يشـرع أن يصليها كصالة المغرب‪ ،‬بتشهدين وسالم واحد‪ ،‬فقد ورد النهي‬
‫س‪َ ،‬أ ْو بِ َس ْبعُ‪َ ،‬و َال َت َش اب ُهوا بِ َص َال ِة‬‫ث‪َ ،‬أ ْوتِ ُروا بِ َخ ْم ُ‬ ‫عنها يف قوله ﷺ‪َ « :‬ال ُتوتِروا بِ َث َال ُ‬
‫ُ‬
‫ب»(‪.)5‬‬ ‫ا ْل َم ْغ ِر ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )1110‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)220‬ومسلم (‪ )142‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )136‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الحاكم (‪ ،)441/1‬والبيهقي يف السنن (‪ )41/3‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن حبان (‪ ،)2422‬والحاكم (‪ ،)446/1‬والبيهقي (‪ )46/3‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وِححه‬
‫ابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)302/4‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪:)36/2‬‬
‫«ورجاله كلهم ثقات‪ ،‬وال يضـره وقف من أوقفه»‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪428‬‬
‫ُ ُ ِ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫وع الفج ِر)‪ :‬يبدأ وقت الوتر من بعد ِالة‬ ‫ي صالة ِ ال ِعشاءِ وطل‬ ‫ووقته‪ :‬ما ب‬‫(‬
‫العشاء إلى طلوع الفار باإلجماع‪ ،‬نقله ابن المنذر وابن رشد(‪.)1‬‬
‫ويدل له‪ :‬قوله ﷺ‪َ « :‬أ ْوتِ ُروا َق ْب َل َأ ْن ُت ْصبِ ُحوا» [رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫اهلل َأ َمدا ُك ْم ب ِ َص َال ُة ِهي َخ ْي ٌر َل ُك ْم مِ ْن ُح ْم ِر النا َع ِم‪ِ :‬‬
‫الو ْت ُر‪َ ،‬ج َع َل ُه ُ‬
‫اهلل‬ ‫وقولـه ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫َ‬
‫اء إ ِ َلى َأ ْن َي ْط ُل َع ال َف ْا ُر» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي](‪.)3‬‬ ‫الع َش ِ‬
‫َل ُكم فِيما بين ِ َال ِة ِ‬
‫ْ َ َْ َ َ‬
‫ومن طلع عليه الفار ولم يوتر لعذر‪ ،‬شـرع له قضاؤه‪ ،‬وله حالتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يقضـيه بين طلوع الشمس إلى الزوال وياعله شف ًعا‪ ،‬وهذا األولى؛‬
‫ار ثِنْت َْي‬
‫َان إِ َذا َغ َل َب ُه ن َْو ٌم‪َ ،‬أ ْو َو َج ٌع َع ْن قِيَا ِم ال ال ْي ِل َِ الى مِ َن الن َاه ِ‬
‫لقول عائشة ڤ‪َ « :‬وك َ‬
‫َعشـر َة َر ْك َع ًة» [رواه مسلم](‪.)4‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يصليه قبل ِالة الفار‪.‬‬
‫وترا إذا لم يتقصد تأخيره‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك والشافعي‬
‫فله أن يصليه ً‬
‫وأحمد‪ ،‬وقد فعله جماعة من الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬ابن مسعود‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن‬
‫عباس‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وأبو الدرداء‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وفضالة بن عبيد‪ ،‬وغيرهم ﭫ‪.‬‬
‫قال ابن عبدالرب‪« :‬وال يعلم لهؤالء مخالف»‪ ،‬لكن ال ينبغي ألحد أن يتعمد‬
‫ترل الوتر حتى يصبح؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬أ ْوتِ ُروا َق ْب َل َأ ْن ُت ْصبِ ُحوا»(‪.)5‬‬
‫ل» [رواه‬
‫وأفضل أوقات أداء الوتر آخر الليل؛ لقوله ﷺ‪« :‬ا ْل ِو ْتر ر ْكع ٌة مِن ِ‬
‫آخ ِر ال ال ْي ِ‬ ‫ُ َ َ ْ‬
‫مسلم](‪ ،)6‬وهو أكثر فعل الرسول ﷺ كما َقا َل ْت َعائِ َش ُة ڤ‪« :‬مِ ْن ُكل ال ال ْي ِل َقدْ َأ ْو َت َر‬

‫(‪ )1‬اإلجماع البن المنذر ص (‪ ،)42‬وبداية الماتهد (‪.)211/1‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )154‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)425‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )146‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪ ،)530/2‬فتح الباري البن رجب (‪.)152/2‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)426‬‬

‫‪426‬‬
‫‪429‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ ،‬فا ْن َت َهى ِو ْت ُر ُه إِ َلى ا‬
‫الس َحرِ» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫َ ُ‬
‫اف َأ ْن َال‬‫فإذا خاف أنه ال يقوم آخر الليل فليوتر قبل النوم؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َخ َ‬
‫آخ َر ال ال ْيلِ‪َ ،‬فإِ ان َِ َال َة‬‫آخره َف ْليوتِر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َي ُقو َم م ْن آخ ِر ال ال ْي ِل َف ْليُوت ْر َأ او َل ُه‪َ ،‬و َم ْن َطم َع َأ ْن َي ُقو َم َ ُ ُ ْ‬
‫آخ ِر ال ال ْي ِل َم ْش ُهو َدةٌ‪َ ،‬و َذل ِ َك َأ ْف َض ُل» [رواه مسلم](‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫وأوِـى رسول اهلل ﷺ بذلك أبا هريرة‪ ،‬وأبا الدرداء‪ ،‬وأبا ذر ﭫ‪ ،‬وقال أبو‬
‫وت‪ِ :‬ـيا ِم َثالَ َث ِة َأ ايا ُم مِ ْن ُكل‬ ‫ال َأ َد ُع ُه ان َحتاى َأ ُم َ‬ ‫هريرة ﭬ‪َ « :‬أوِانِي َخلِيلِي بِ َثال ُ‬
‫َث َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫الض َحى‪َ ،‬و َأ ْن ُأوت َر َق ْب َل َأ ْن َأنَا َم» [متفق عليه] ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َش ْه ُر‪َ ،‬و َر ْك َعت َِي ُّ‬
‫اج َع ُلوا‬
‫والسنة أن تكون آخر ِالة اإلنسان بالليل وترا؛ لقول رسول اهلل ﷺ‪ْ « :‬‬
‫آخ َر َِالَتِ ُك ْم بِال ال ْي ِل ِو ْت ًرا»(‪ ،)4‬فيصلي ما شاء‪ ،‬ثم يختم بوتر‪.‬‬
‫ِ‬
‫لكن لو أوتر أول الليل ثم قام آخره‪ ،‬فال يشـرع يف حقه أن يوتر ثانية؛ لقوله ﷺ‪:‬‬
‫ان فِي َل ْي َل ُة» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وحسنه](‪.)5‬‬
‫« َال ِو ْتر ِ‬
‫َ‬
‫والمستحب يف حقه أن يصلي مثنى مثنى‪ ،‬وهذا مروي عن جمع من الصحابة‪:‬‬
‫كأبي بكر‪ ،‬وعمار‪ ،‬وسعد‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وعائشة ﭫ‪ ،‬وهو قول‬
‫جملة من فقهاء الحديث‪ :‬كمالك‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وقد ورد أن‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ِ« :‬لى بعد الوتر شف ًعا»(‪ ،)6‬وهذا يدل على جواز الصالة بعد الوتر‪،‬‬
‫إال أنه ليس هو الهدي المعروف عن الرسول ﷺ‪ ،‬لكن لو استيقظ بعد أن أوتر‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)226‬ومسلم (‪ )145‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )155‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1261‬ومسلم (‪ )121‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)226‬ومسلم (‪ )151‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)1432‬والرتمذي (‪ ،)410‬والنسائي (‪ ،)1612‬وأحمد (‪ ،)16226‬وابن خزيمة (‪،)1101‬‬
‫وابن حبان (‪ )2442‬من حديث طلق بن علي ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪،)311/4‬‬
‫وابن حار يف الفتح (‪.)461/2‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )136‬عن عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪430‬‬

‫وأراد الصالة فليصلي شف ًعا شف ًعا(‪.)1‬‬


‫ه َ َ َ َ ُّ ُ‬ ‫ه َََ ََ‬ ‫َ َ ُّ ُ ِ َ ْ ً‬ ‫َ ُ ُ‬
‫الرك ِ‬
‫وع‪:‬‬ ‫ورفع يدي ِه‪ ،‬ثم قنت قبل‬ ‫وع؛ ندبا‪ .‬فلو كَب‬ ‫(ويقنت في ِه‪ :‬بعد الرك‬
‫جاز)‪ :‬دعاء القنوت يف الوتر مشـروع‪ ،‬وقد علمه رسول اهلل ﷺ الحسن بن علي‬
‫ﭭ‪ ،‬وكان أبي بن كعب ﭬ إذا ِلى بالصحابة قنت هبم يف رمضان‪.‬‬
‫لكن األولى أال يداوم على القنوت يف الوتر‪ ،‬بل يفعله تارة ويرتكه أخرى؛ ألن‬
‫الذين وِفوا ِالته بالليل لم يذكروا القنوت‪ ،‬ولم ينقل عنه أنه قنت بإسناد‬
‫ِحيح‪ ،‬قال اإلمام أحمد‪« :‬إنه لم يصح عن النبي ﷺ يف القنوت يف الوتر قبل‬
‫الركوع وال بعده شـيء‪ ،‬ولكن عمر كان يقنت»‪ ،‬وقد علمه رسول اهلل ﷺ الحسن‪،‬‬
‫وهذا دليل على مشـروعيته‪ ،‬فعلى هذا األولى أن ال يداوم عليه‪.‬‬
‫وياوز القنوت قبل الركوع وبعده لمايء السنة هبما‪.‬‬
‫واألولى كونه بعد الركوع‪ ،‬كما ثبت عن الرسول ﷺ فعله يف قنوت النوازل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الر ْك َعة في َِ َالة َش ْه ًرا‪ ،‬إِ َذا َق َال‪َ « :‬سم َع ُ‬
‫اهلل‬ ‫ففي الصحيحين َأ ان النابِ اي ﷺ َقن ََت َب ْعدَ ا‬
‫ول فِي ُقنُوتِ ِه‪ :‬اللهم َأنْجِ ا ْلولِيدَ بن ا ْلول ِ ِ‬
‫يد»(‪.)2‬‬ ‫ل ِ َم ْن َح ِمدَ ُه‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫ُ ا‬
‫وياوز القنوت قبل الركوع؛ لثبوته من فعل الرسول ﷺ أيضًا كما نقله أنس‬
‫ِ‬
‫الر ُكوعِ‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪:‬‬ ‫الر ُكوعِ؟ َف َق َال‪َ « :‬ق ْب َل ُّ‬ ‫الر ُكوعِ‪َ ،‬أ ْو َب ْعدَ ُّ‬‫حين سئل َع ِن ا ْل ُقنُوت َق ْب َل ُّ‬
‫ول اهللِ ﷺ َقنَت بعدَ الر ُكوعِ‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِناما َقنَت رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُّ‬ ‫ون َأ ان َر ُس َ‬ ‫َفإِ ان ن ً‬
‫َاسا َي ْز ُع ُم َ‬
‫َاسا م ِ ْن َأ ِْ َحابِ ِه‪ُ ،‬ي َق ُال َل ُه ُم ا ْل ُق ارا ُء» [متفق عليه](‪ ،)3‬وبوب‬ ‫َاس َق َت ُلوا ُأن ً‬
‫َش ْه ًرا َيدْ ُعو َع َلى ُأن ُ‬
‫ِ‬
‫اب ال ُقنُوت َق ْب َل ُّ‬
‫الر ُكو ِع َو َب ْعدَ ُه‪.‬‬ ‫عليه البخاري َب ُ‬
‫َان َي ْق َر ُأ فِي‬ ‫ث ر َكع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ ِ‬
‫ات‪ ،‬ك َ‬ ‫َان ُيوت ُر بِ َث َال َ َ‬ ‫وأخرج النسائي‪َ :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ون‪َ ،‬وفِي ال اثال ِ َث ِة بِ ُق ْل‬‫اس َم َرب َك ْاألَ ْع َلى‪َ ،‬وفِي ال اثانِ َي ِة بِ ُق ْل َيا َأ ُّي َها ا ْل َكافِ ُر َ‬ ‫ْاألُو َلى بِ َسب ِح ْ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)526/2‬فتح الباري البن رجب (‪.)113/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)4560‬ومسلم (‪ )615‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1002‬ومسلم (‪ )611‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫‪431‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫ان ا ْلملِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫ك‬ ‫الر ُكوعِ‪َ ،‬فإِ َذا َف َر َغ‪َ ،‬ق َال عنْدَ َف َراغه‪ُ « :‬س ْب َح َ َ‬
‫اهلل َأ َحدٌ ‪َ ،‬و َي ْقنُ ُت َق ْب َل ُّ‬
‫ُه َو ُ‬
‫آخ ِر ِه ان(‪ ،)1‬وعن ابن مسعود ﭬ أن رسول اهلل‬ ‫ات يطِ ُيل فِي ِ‬ ‫ُ‬ ‫ا ْل ُقدُّ ِ‬
‫وس»‪َ ،‬ث َال َ‬
‫ث َم ار ُ‬
‫ﷺ قنت قبل الركوع‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪« :‬أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع‪ ،‬فإن قنت قبله فال بأس»(‪.)2‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره ياوزون كال األمرين؛‬
‫لمايء السنة الصحيحة هبما‪ ،‬وإن اختاروا القنوت بعد الركوع ألنه أكثر وأقيس؛‬
‫مناسب لقول العبد‪( :‬سمع اهلل لمن حمده) فإنه يشـرع الثناء على‬
‫ٌ‬ ‫فإن سماع الدعاء‬
‫اهلل قبل دعائه»(‪.)3‬‬
‫َس ﭬ‪َ « :‬ر َأ ْي ُت َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫والسنة يف دعاء القنوت‪ :‬أن يرفع يديه‪ :‬لقول َأن ُ‬
‫ُك ال َما َِ الى ا ْل َغدَ ا َة َر َف َع َيدَ ْي ِه َيدْ ُعو َع َل ْي ِه ْم»(‪.)4‬‬
‫يم‪َ ،‬ي ْست َْحيِي مِ ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َر َف َع َيدَ ْي ِه‬ ‫وقوله ﷺ‪« :‬إِ ان َر اب ُك ْم َت َب َار َل َو َت َعا َلى َحيِ ٌّي ك َِر ٌ‬
‫ااس‪ُ ،‬ث ام‬ ‫َاي ُء َو ُع َم ُر َي ُؤ ُّم الن َ‬ ‫ان الن ْاه ِد ُّي‪ُ « :‬كناا ن ِ‬ ‫إِ َل ْي ِه َأ ْن َي ُر اد ُه َما ِِ ْف ًرا»(‪ .)5‬وعن أبي ُع ْث َم َ‬
‫الر ُكوعِ‪َ ،‬و َي ْر َف ُع َيدَ ْي ِه َحتاى َي ْبدُ َو َك افا ُه َو ُي ْخ ِر َج َض ْب َع ْي ِه»(‪.)6‬‬ ‫َي ْقنُ ُت بِنَا َب ْعدَ ُّ‬
‫ان الناه ِدي‪« :‬ر َأي ُت ُعمر ﭬ يمدُّ يدَ ي ِه فِي ا ْل ُقنُ ِ‬
‫وت»(‪.)7‬‬ ‫َُ َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫وقال أبو ُع ْث َم َ ْ ُّ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح»‪.‬‬‫َان ا ْل َح َس ُن َي ْف َع ُل م ْث َل َذل َك‪َ ،‬و َه َذا َع ْن ُع َم َر ﭬ َِح ٌ‬ ‫َق َال َقتَا َد ُة‪َ « :‬وك َ‬
‫ود‪ ،‬و َأبِي ُهرير َة ﭭ فِي ُقنُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫وت ا ْل ِو ْت ِر‪.‬‬ ‫َ َْ‬ ‫َو ُر ِوي َع ْن َع ْبداهلل ْب ِن َم ْس ُع َ‬
‫(‪ )1‬رواه النسائي يف الماتبى (‪ )1622‬من حديث أبي بن كعب ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)426‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪.)562/2‬‬
‫(‪ )3‬القواعد النورانية (ص‪.)123‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد (‪ )12402‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬قال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)460/1‬رواه البيهقي‬
‫بإسناد ِحيح أو حسن»‪ .‬وِححه األلباين يف ِفة الصالة (‪.)251/3‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)1466‬والرتمذي (‪ ،)3556‬وابن حبان (‪ )616‬من حديث سلمان ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫«هذا حديث حسن غريب‪ ،‬ورواه بعضهم ولم يرفعه»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)1331‬‬
‫(‪ )6‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)300/2‬‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)300/2‬‬

‫‪431‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪432‬‬

‫وقال األثرم‪ :‬كان أبو عبداهلل يرفع يديه يف القنوت إلى ِدره‪ ،‬واحتج بأن ابن‬
‫مسعود رفع يديه يف القنوت إلى ِدره‪ ،‬وروي ذلك عن عمر وابن عباس(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫هُ‬ ‫ه ََ‬ ‫بما َش َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ورد‪« :‬الله هم اه ِدنا فِيمن‬ ‫اء‪ .‬ومِما‬ ‫قوهل‪( :‬وال بأس أن يدع َو يف قنوت ِ ِه‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َه َ‬ ‫َ‬ ‫ََه‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ َ‬
‫وبارك نلا فيِما‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫يل‬ ‫تو‬ ‫ن‬ ‫ِيم‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫نل‬‫و‬ ‫وت‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫اعف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ِن‬ ‫ف‬ ‫واع‬ ‫‪،‬‬ ‫يت‬ ‫هد‬
‫َ ُّ‬ ‫َ َ ِ ه‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َ َ ه َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫قَض وال يقَض عليك‪ ،‬إنه ال ي ِذل‬ ‫أعطيت‪ ،‬وق ِنا رش ما قضيت‪ ،‬إنك ت ِ‬
‫هُه ه َُ ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َه‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫من وايلت‪ ،‬وال ي ِع ُّز من اعديت‪ ،‬تباركت ربنا وتعايلت‪ ،‬اللهم إنا نعوذ‬
‫ِنك‪ ،‬ال َُن ِِص َث َن ً‬
‫اء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُُ َ َ‬
‫فوك مِن عقوبتِك‪ ،‬وبِك م‬
‫َ‬
‫ع‬ ‫وب‬ ‫ك‪،‬‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫َ َ ْ َ َ‬
‫بِرضاك مِن س‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫فسك»)‪.‬‬ ‫عليك‪ ،‬أنت كما أثنيت ىلع ن ِ‬
‫الدعاء يف القنوت ليس محصور ًا بدعاء معين ال يتعداه العبد‪ ،‬فله أن يدعو بما‬
‫شاء من خير الدنيا واآلخرة‪ ،‬لكن ينبغي عليه مراعاة ما ورد يف السنة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ات‬‫ول ﷺ كَلِم ُ‬ ‫ما علمه رسول اهلل ﷺ الحسن بن علي ﭬ قال‪َ :‬ع ال َمنِي َر ُس ُ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ْن َعا َف ْي َت‪َ ،‬و َت َو الني ف َ‬
‫يم ْن‬ ‫يم ْن َهدَ ْي َت‪َ ،‬و َعافني ف َ‬ ‫َأ ُقو ُل ُه ان في ا ْل ِو ْت ِر «ال ال ُه ام ْاهدني ف َ‬
‫ضـيت‪ ،‬إِن َاك َت ْقضـي َو َال ُي ْقضـى‬ ‫َ‬ ‫يما َأ ْع َط ْي َت‪َ ،‬وقِنِي شـر َما َق‬ ‫َتو الي َت‪ ،‬وب ِ ِ ِ‬
‫ار ْل لي ف َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ‬
‫ت» [رواه‬ ‫َع َل ْي َك‪َ ،‬وإِ ان ُه َال َي ِذ ُّل َم ْن َوا َل ْي َت‪َ ،‬و َال َي ِع ُّز َم ْن َعا َد ْي َت‪َ ،‬ت َب َارك َ‬
‫ْت َر ابنَا َو َت َعا َل ْي َ‬
‫أبوداود والرتمذي وحسنه](‪.)2‬‬
‫آخ ِر ِو ْت ِر ِه‪« :‬ال ال ُه ام إِني‬
‫ول فِي ِ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫ول ﷺ ك َ‬ ‫ب ﭬ َأ ان َر ُس َ‬ ‫وع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ‬
‫َ‬
‫ال مِ ْن ُس ْخطِ َك‪َ ،‬وبِ ُم َعا َفاتِ َك مِ ْن ُع ُقو َبتِ َك‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َك مِن َْك‪َ ،‬ال ُأ ْحصـي‬ ‫َأ ُعو ُذ بِ ِر َض َ‬
‫َثنَا ًء َع َل ْي َك َأن َْت ك ََما َأ ْثنَ ْي َت َع َلى َن ْف ِس َك» [رواه األربعة‪ ،‬وقال الرتمذي حسن غريب](‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)564/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1425‬والرتمذي (‪ ،)464‬وأحمد (‪ )1116‬من حديث الحسن بن علي ﭭ‪ .‬وحسنه‬
‫الو ْت ِر شـيئًا َأ ْح َس َن مِ ْن َه َذا»‪ .‬وِححه النووي يف‬
‫وت فِي ِ‬
‫ف عَ ِن ال ان ِبي ﷺ فِي ال ُقنُ ِ‬
‫الرتمذي‪ ،‬وقال‪َ « :‬و َال َن ْع ِر ُ‬
‫خالِة األحكام (‪ ،)455/1‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)630/3‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)422‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)1421‬والرتمذي (‪ ،)3566‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)1141‬وابن ماجه (‪،)1112‬‬
‫وأحمد (‪ )151‬من حديث علي ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه‬
‫من حديث حماد بن سلمة»‪.‬‬
‫=‬

‫‪432‬‬
‫‪433‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫ف ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ اط ِ‬
‫اب‬ ‫ويف مصنف عبدالرزاق َع ْن ُع َب ْي ِد ْب ِن ُع َم ْي ُر َق َال‪ َِ :‬ال ْي ُت َخ ْل َ‬
‫ا ْل َغدَ اةَ‪َ ،‬ف َق َال فِي ُقنُوتِ ِه‪« :‬ال ال ُه ام إِناا ن َْست َِعينُ َك‪َ ،‬ون َْس َت ْغ ِف ُر َل‪َ ،‬و ُن ْثنِي َع َل ْي َك ا ْل َخ ْي َر‪َ ،‬و َال‬
‫ال نَ ْع ُبدُ َو َل َك ُن َصلي َون َْس ُادُ ‪َ ،‬وإ ِ َليْ َك‬ ‫َن ْك ُف ُر َل‪َ ،‬ون َْخ َل ُع َو َنت ُْر ُل َم ْن َي ْف ُا ُر َل‪ ،‬ال ال ُه ام إِ اي َ‬
‫ن َْس َعى َون َْح ِفدُ ‪َ ،‬ون َْر ُجو َر ْح َمت ََك‪َ ،‬ون َْخشـى َع َذا َب َك‪ ،‬إِ ان َع َذا َب َك بِا ْل َكافِ ِري َن ُم ْل َح ٌق»(‪.)1‬‬
‫ه ُ َ ِّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِب ﷺ)‪.‬‬ ‫ىلع انله ِّ‬ ‫قوهل‪( :‬ثم يصيل‬
‫عند ختم دعاء القنوت لما رواه الرتمذي عن عمر ﭬ‪« :‬إِ ان الدُّ َعا َء َم ْو ُق ٌ‬
‫وف َب ْي َن‬
‫ض َال َي ْص َعدُ مِنْ ُه شـي ٌء َحتاى ُت َصل َي َع َلى َنبِي َك ﷺ»(‪ ،)2‬وهذا عام يشمل‬ ‫السم ِ‬
‫اء َواألَ ْر ِ‬ ‫ا َ‬
‫القنوت وغيره‪.‬‬
‫وقد جاءت آثار عن بعض الصحابة يف ِالهتم على رسول ﷺ يف آخر دعائهم‪،‬‬
‫فاالقتداء هبم حسن‪ ،‬وختم دعاء القنوت بالصالة على الرسول ﷺ وإن لم يثبت فيه‬
‫شـيء مرفوع خاص إال أنه وارد عن بعض الصحابة كما بينه الشـيخ األلباين‪ :‬يف‬
‫إرواء الغليل(‪ ،)3‬وإن لم يختم به فال بأس‪ .‬وأما رواية النسائي يف ختم دعاء القنوت‬
‫اهلل َع َلى النابِي ُم َح ام ُد»(‪ )4‬فضعيف ٌة‪.‬‬
‫بـ‪ َِ « :‬الى ُ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويؤم ُن المأموم)‪.‬‬
‫إذا دعا اإلمام فيسن للمأموم التأمين على دعاء إمامه إذا كان يسمعه‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬ال نعلم فيه خال ًفا»‪.‬‬

‫=‬
‫وقال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)563/1‬رواه الثالثة بإسناد حسن أو ِحيح»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي‬
‫داود (‪.)1262‬‬
‫(‪ )1‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)4266‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)106/2‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )466‬موقوفًا على عمر ﭬ‪ .‬قال ابن كثير يف مسند الفاروق (‪« :)116/1‬وهذا إسناد‬
‫جيد»‪.‬‬
‫(‪ )3‬إرواء الغليل (‪.)111/2‬‬
‫(‪ )4‬ذكرها النسائي يف الماتبى (‪ )1146‬من حديث الحسن بن علي ﭭ‪ .‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير‬
‫(‪« :)605/1‬منقطع»‪ ،‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)431‬‬

‫‪433‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪434‬‬

‫فإذا لم يسمع قنوت إمامه فإنه يشتغل بالدعاء بنفسه‪ ،‬وال يبقى ساكتًا‪ ،‬وإليه‬
‫ذهب اإلمام أحمد(‪.)1‬‬
‫َ ه‬ ‫َُ‬ ‫ُ ُه َ َ ُ َ َُ ََ‬
‫وخارج الصالة ِ)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ن‬‫ه‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫قوهل‪( :‬ثم يمسح وجهه بِي‬
‫مسح الوجه باليدين بعد الدعاء اختلف العلماء يف مشـروعيته‪:‬‬
‫المذهب‪ :‬مشروعية ذلك بعد الدعاء يف القنوت وخارج الصالة‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫واستدلوا بأحاديث إال أهنا ضعيفة‪ ،‬ومنها‪ :‬حديث عمر ﭬ‪« :‬كان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ إذا َر َف َع َيدَ ْيه يف الدُّ َعاء لم َي ُح اط ُه َما حتى َيمسح بِ ِهما َو ْ‬
‫ج َه ُه» [رواه الرتمذي‪ ،‬وضعفه أبو‬

‫حاتم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والدارقطني](‪.)2‬‬


‫والرواية األخرى وهي األظهر‪ :‬أن مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ال يشـرع ال‬
‫داخل الصالة وال خارجها؛ ألن هذه األحاديث ضعيفة‪ ،‬ولذا ذهب اإلمام أحمد‬
‫يف رواية إلى أنه ال يفعل‪ ،‬وقال‪« :‬لم أسمع فيه بشـيء» ‪-‬أي ِحيح‪ ،-‬واختار هذا‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬واأللباين‪ ،‬وابن عثيمين‪ ،‬وأنه ال يصح عن رسول اهلل ﷺ‬
‫فيه حديث‪ ،‬ولم يثبت فيه عن الصحابة شـيء َي ْس َلم من مقال‪.‬‬
‫السلف ﭫ من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه يف‬
‫فيقتصـر على ما فعله ا‬
‫الصالة‪.‬‬
‫ا‬
‫وأما مسحهما به خارج الصالة فليس فيه إال حديثا ابن عباس وعمر ﭭ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)564/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )3366‬من حديث عمر ﭬ‪ .‬وسنده ضعيف؛ ألنه من طريق حماد بن عيسـى الاهني‪،‬‬
‫وقد ضعفه أبو حاتم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والدارقطني‪.‬‬
‫قال ابن الملقن يف البدر المنير (‪« :)640/3‬قال يحيى بن معين‪ :‬هذا حديث منكر‪ .‬وقال ابن أبي حاتم يف‬
‫علله‪ :‬قال أبو زرعة‪ :‬هذا حديث منكر‪ ،‬أخاف أن ال يكون له أِل‪ .‬وقال ابن الاوزي يف علله‪ :‬ال يصح»‪.‬‬
‫وجاء له شاهد ضعيف من حديث ابن عباس ﭭ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬فإذا فرغت فامسح هبما وجهك»‬
‫رواه ابن ماجه (‪ ،)1161‬وأبو داود (‪ .)1465‬ويف إسناده ِالح بن حسان‪ ،‬قال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪،‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬مرتول الحديث‪ ،‬وقال ابن أبي حاتم‪« :‬سألت أبي عن هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬منكر»‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫‪435‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫السابقين‪ ،‬وال يصح القول بأن أحدهما يقوي اآلخر بماموع طرقهما؛ لشدة‬
‫ضعفهما‪.‬‬
‫ويؤيد عدم مشـروعية المسح بعد الدعاء‪ :‬أن رفع اليدين يف الدعاء قد جاء يف‬
‫أحاديث كثيرة ِحيحة‪ ،‬وليس يف شـيء منها مسحهما بالوجه‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫نكارته وعدم مشـروعيته(‪.)1‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُُ ُ‬ ‫ُ‬
‫الوت ِر)‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ري‬‫غ‬ ‫يف‬ ‫وت‬ ‫ن‬‫الق‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬‫ر‬
‫ِ‬ ‫وك‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫اختلف العلماء يف القنوت يف غير الوتر‪ ،‬هل يشـرع أم ال؟ وسبب الخالف أنه‬
‫ثبت يف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ قنت يف الفار(‪.)2‬‬
‫فقيل‪ :‬القنوت يف الفرائض مشـروع مطل ًقا‪ ،‬و المداومة عليه سنة يف ِالة‬
‫أنس ﭬ قال‪« :‬ما ز َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫الفار؛ لما روى اإلمام أحمد يف المسند عن ُ‬
‫َ َ َ ُ‬
‫َي ْقنُ ُت فِي ا ْل َف ْا ِر َحتاى َف َار َق الدُّ ْن َيا»(‪.)3‬‬
‫القول الثاين‪ :‬وهو المذهب كراهة القنوت يف الفرائض إال إذا نزلت بالمسلمين‬
‫نازلة‪ ،‬وهذا هو الراجح؛ ألن رسول اهلل ﷺ قنت يف الفرائض لسبب ثم تركه عند‬
‫عدم ذلك السبب‪ ،‬وهذا هو المروي عن رسول اهلل ﷺ عدم القنوت إال يف نازلة‪،‬‬
‫ك األَ ْش َا ِعي‬ ‫وهو فعل الخلفاء الراشدين‪ ،‬كما روى الرتمذي وِححه َعن َأبِي مال ِ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ف رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َو َأبِي َب ْك ُر‪،‬‬ ‫ﭬ َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألَبِي‪َ :‬يا َأ َبت‪« :‬إِن َاك َقدْ َِ ال ْي َت َخ ْل َ َ ُ‬
‫س ِسنِي َن‪َ ،‬أكَانُوا‬ ‫اهنَا بِال ُكو َف ِة ن َْح ًوا مِ ْن َخ ْم ِ‬ ‫ان‪َ ،‬و َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ‬
‫ب‪َ ،‬ه ُ‬ ‫َو ُع َم َر‪َ ،‬و ُع ْث َم َ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)525/2‬إرواء الغليل (‪.)162/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1001‬ومسلم (‪ )611‬من حديث أنس بن مالك ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد (‪ )12651‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬ويف إسناده أبو جعفر الرازي‪ ،‬وقد وثقه غير واحد‪ .‬وقال‬
‫النسائي‪ :‬ليس بالقوي‪ .‬قال ابن الصالح‪ :‬هذا حديث قد حكم بصحته غير واحد من حفاظ الحديث‪ ،‬منهم‪ :‬أبو‬
‫عبداهلل محمد بن علي البلخي من أئمة الحديث‪ ،‬وأبو عبداهلل الحاكم‪ ،‬وأبو بكر البيهقي‪ .‬وتبعه النووي‪.....‬‬
‫وقال القرطبي يف المفهم‪ :‬الذي استقر عليه أمر رسول اهلل ﷺ يف القنوت ما رواه الدارقطني بإسناد ِحيح عن‬
‫أنس‪ ،...‬فذكر الحديث‪ .‬وأما ابن الاوزي فأعله يف "علله المتناهية"‪ .‬انظر‪ :‬البدر المنير (‪.)623/3‬‬

‫‪435‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪436‬‬

‫ث»(‪.)1‬‬ ‫ون؟‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْي ُبنَي ُم ْحدَ ٌ‬‫َي ْقنُ ُت َ‬


‫ا‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْقنُ ُت فِي ا ْل َف ْا ِر َحتاى َف َار َق الدُّ ْن َيا»‪.‬‬
‫وأما حديث أنس ﭬ‪َ « :‬ما َز َال َر ُس ُ‬
‫فالاواب عنه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن الحديث يف سنده أبو جعفر الرازي‪ ،‬وقد وثقه غير واحد‪ .‬وقال‬ ‫ً‬
‫النسائي‪ :‬ليس بالقوي‪ ،‬فال يعارض حديث أبي مالك يف النهي‪ ،‬فهو أِح‪،‬‬
‫وكثيرا ما يصحح الموضوعات‪ ،‬فإنه‬
‫ً‬ ‫وتصحيح الحاكم دون تحسـين الرتمذي‪،‬‬
‫معروف بالتسامح‪ .‬ذكره شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أنه محمول على أن المراد طول القراءة يف الفار‪ ،‬وأنه هدي رسول ﷺ‬
‫فيها‪ ،‬والقنوت قبل الركوع ال يختص بالدعاء‪ ،‬فإنه قد يراد به طول القراءة والقيام‪،‬‬
‫وهذا المراد به هنا كما قرره ابن تيمية وابن القيم خاِة‪ ،‬وقد نفاه طارق بن أشـيم‬
‫ان َو َعلِ ني‬‫ول اهللِ ﷺ َو َأبِي َب ْك ُر َو ُع َم َر َو ُع ْث َم َ‬ ‫ف رس ِ‬
‫حينما قال له ابنه‪َ :‬قدْ َِ ال ْي َت َخ ْل َ َ ُ‬
‫ون فِي ا ْل َف ْا ِر؟» َف َق َال‪َ :‬أ ْي ُبن اَي‬ ‫ين‪َ « ،‬ف َكا ُنوا َي ْقنُ ُت َ‬ ‫اهنَا بِا ْل ُكو َف ِة‪ ،‬نَحوا مِن َخم ِ ِ ِ‬
‫س سن َ‬ ‫ْ ً ْ ْ‬ ‫َه ُ‬
‫ث‪.‬‬‫ُم ْحدَ ٌ‬
‫واختار عدم مشـروعيته يف الفرائض إال يف النوازل فقهاء الحديث‪ ،‬كابن‬
‫المبارل‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأكثر أهل العلم‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن‬
‫َس ﭬ َأ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫َان‪َ « :‬ال‬ ‫القيم(‪ ،)2‬وقد روى ابن خزيمة يف ِحيحه َع ْن َأن ُ‬
‫ا‬
‫َي ْقنُ ُت إِ اال إِ َذا َد َعا ل ِ َق ْومُ‪َ ،‬أ ْو َد َعا َع َلى َق ْو ُم»(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬يستثنى من عدم مشـروعية القنوت يف الفرائض ‪-‬قنوت النوازل‪:-‬‬
‫فإنه سن ٌة ثابت ٌة إذا نزلت بالمسلمين نازلة من عدو‪ ،‬أو أسـر أو حصار‪ ،‬فيدعو‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)402‬وابن ماجه (‪ ،)1241‬وأحمد (‪.)15612‬‬
‫وِححه الرتمذي‪ ،‬وابن عبد الهادي يف التنقيح ‪ ،422/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)435‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)566/2‬الفتاوى (‪ ،)105/23‬زاد المعاد (‪ ،)216/1‬تحفة األحوذي (‪.)446/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن خزيمة (‪ )620‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وِححه ابن عبد الهادي يف التنقيح (‪ ،)431/2‬وابن حار‬
‫يف فتح الباري (‪.)226/6‬‬

‫‪436‬‬
‫‪437‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫كامال يدعو على أحياء من العرب‪،‬‬


‫ً‬ ‫شهرا‬
‫برفع ذلك‪ ،‬فقد قنت رسول اهلل ﷺ ً‬
‫ويدعو للمستضعفين من المسلمين‪.‬‬
‫ويقنت يف أي فرض شاء من الصلوات السـرية أو الاهرية؛ ألنه قد ثبت يف‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َك َ‬
‫ان‬ ‫الصحيحين عن أبي ُهر ْير َة ﭬ قال‪َ :‬واهللِ َألُ َقر َب ان بِ ُكم َِ َال َة رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫الص ْبحِ ‪َ ،‬و َيدْ ُعو ل ِ ْل ُم ْؤمِنِي َن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ُبو ُه َر ْي َر َة‪َ « :‬ي ْقنُ ُت في ال ُّظ ْه ِر‪َ ،‬وا ْلع َشاء ْاآلخ َرة‪َ ،‬و َِ َالة ُّ‬
‫َو َي ْل َع ُن ا ْل ُك اف َار»(‪.)1‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َش ْه ًرا ُم َتتَابِ ًعا فِي‬ ‫اس ﭭ َق َال‪َ « :‬قن ََت َر ُس ُ‬ ‫وألبي داود َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫الصبْحِ فِي ُد ُب ِر ُكل َِ َال ُة‪ ،‬إِ َذا َق َال‪َ :‬س ِم َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر َوا ْل َم ْغ ِر ِ‬
‫ب َوا ْلع َشاء َو َِ َالة ُّ‬
‫اء مِ ْن َبنِي ُس َل ْي ُم‪َ ،‬ع َلى ِر ْعلُ‪،‬‬ ‫اهلل لِمن ح ِمدَ ه مِن الر ْكع ِة ْاآل ِخر ِة‪ ،‬يدْ ُعو َع َلى َأحي ُ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ َ ُ َ ا َ‬
‫ان‪َ ،‬و ُعصـيةَ‪َ ،‬و ُي َؤم ُن َم ْن َخ ْل َف ُه»(‪.)2‬‬ ‫َو َذك َْو َ‬
‫وِالة الفار والمغرب آكد‪ ،‬كما ذكره شـيخ اإلسالم؛ لما روى مسلم عن‬
‫ب»(‪.)3‬‬ ‫الص ْبحِ ‪َ ،‬وا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫َان َي ْقنُ ُت في ُّ‬ ‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫ب ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫ا ْل َب َر ِاء ْب ِن َع ِ‬
‫از ُ‬
‫لسبب خاص‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والمشـروع أن يدعو بما يناسب النازلة؛ ألنه‬
‫وت َل ْي َس شـي ًئا ُم َع اينًا‪َ ،‬و َال َيدْ ُعو بِ َما َخ َط َر‬ ‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬والدُّ َعاء فِي ا ْل ُقنُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ا ْل ُقنُوت‪ ،‬ك ََما َأ ان ُه إ َذا َد َعا في‬ ‫ب َس َب َ‬ ‫َل ُه‪َ ،‬ب ْل َيدْ ُعو م ْن الدُّ َعاء ا ْل َمشـرو ِع بِ َما ُينَاس ُ‬
‫ار َد َعا بِ َما‬ ‫ب ا ْل َم ْق ُصو َد‪َ ،‬ف َك َذل ِ َك إ َذا َد َعا فِي ِاال ْستِن َْص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اال ْست ْس َقاء َد َعا بِ َما ُينَاس ُ‬
‫َان َيدْ ُعو بِ َما‬ ‫ب؛ َفإِ ان ُه ك َ‬ ‫الس َب ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ب ا ْل َم ْق ُصو َد‪ ،‬ك ََما َل ْو َد َعا َخ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َالة ل َذل َك ا‬ ‫ار َج ا‬ ‫ُينَاس ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ َو ُسنا ُة ُخ َل َفائِ ِه‬ ‫ب ا ْلم ْق ُصو َد‪َ ،‬ف َه َذا ُه َو ا ال ِذي َجاء ْت بِ ِه سنا ُة رس ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُينَاس ُ َ‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)121‬ومسلم (‪ )616‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1443‬وأحمد (‪ )2146‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬قال النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪« :)461/1‬رواه أبو داود بإسناد حسن‪ ،‬أو ِحيح»‪ .‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪،)621/3‬‬
‫وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)163/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )616‬من حديث الرباء بن عازب ﭭ‪.‬‬

‫‪431‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪438‬‬

‫ين»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الراشد َ‬
‫ا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم ْن‬ ‫وال يبدأ دعاء قنوت النوازل بقولـه‪« :‬ال ال ُه ام ْاهدنَا ف َ‬
‫يم ْن َهدَ ْي َت َو َعافنَا ف َ‬
‫َعا َفيْ َت»؛ ألن هذا دعاء علمه رسول اهلل ﷺ الحسن بن علي ﭭ يف الوتر‪ ،‬ولم‬
‫يكن هدي رسول اهلل ﷺ الدعاء به يف النوازل‪ ،‬وكان هديه الدعاء بما يناسب‬
‫الحال‪ ،‬فمرة دعا لقوم من المستضعفين حتى قدموا(‪ ،)2‬ومرة دعا على قوم من‬
‫كامال‪ ،‬فيدعو حسب النازلة التي تحل بالمسلمين من دفع عدو‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫شهرا‬
‫الكفار ً‬
‫فك أسـير‪ ،‬أو كشف فتنة‪ ،‬أو فك حصار‪ ،‬أو هالل باغُ‪ ،‬أو نصـرة قوم‪.‬‬
‫واختلف العلماء من الذي يقنت؟ وهل يشـرع إذن اإلمام؟‬
‫فالمذهب‪ :‬أن القنوت يشـرع لإلمام أو نائبه فقط؛ ألن الذي كان يقنت هو‬
‫رسول اهلل ﷺ فقط‪ ،‬ويف هذا نظر‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أن قنوت النوازل يشـرع لكل مساجد المسلمين‪ ،‬بل يشـرع لكل‬
‫مص ُل جماعة أو منفر ًدا؛ لعموم قول النبي ﷺ‪َ « :‬و َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»(‪.)3‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه ال يشرتأ إذن اإلمام يف هذا؛ ألنه عبادة ودعاء ال افتيات فيه‪ ،‬فإذا‬
‫حلت النازلة شـرع دعاء اهلل فيها؛ ألنه ال دليل على اشرتاأ إذن اإلمام‪ ،‬واختاره‬
‫شـيخ اإلسالم وابن باز‪.‬‬
‫لكن لو تقدم منع من السلطان لذلك من باب الضبط فامتثال أمره حسن‪،‬‬
‫ويدعو يف مواطن الدعاء يف الصالة كالساود والتشهد‪ ،‬ويحصل المقصود‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)115/23‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)402‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬

‫‪436‬‬
‫‪439‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫المغرب‪ُ ،‬ث هم َس َو ٌ‬ ‫ُهُ َ ْ ه َ‬ ‫وأفض ُل ه‬


‫الر َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اء‪.‬‬ ‫ثم‬
‫ِ َ َ ُّ ِ ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫الف‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫‪:‬‬ ‫ِب‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ا‬‫و‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ ََ َ َ َ َ ََ َ َ‬ ‫ه َ ُ َُه َ ُ َ ْ ٌ َ ََ‬
‫ان بعد‬‫ان بعدها‪ .‬وركعت ِ‬ ‫هر‪ َ .‬وركعت ِ‬ ‫الظ ِ‬ ‫ان قبل‬ ‫والروات ِب المؤكدة عَش‪ :‬ركعت ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫الف‬ ‫بل‬ ‫ق‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫كع‬ ‫ور‬ ‫ِ‪.‬‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫كع‬ ‫ور‬ ‫‪.‬‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫غر‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫َْ َ َ ُُ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ْ ه‬ ‫اء ه‬
‫الر َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ‬
‫رض ِه وكرث‪ ،‬فاألوىل تركه‪ .‬وف ِعل‬ ‫والوت ِر‪ .‬إال‪ :‬ما فات مع ف ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِب‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ويسن‪ :‬ق‬
‫ُ ِّ َ‬
‫الُك بِبيت‪ :‬أفضل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه‬ ‫ُ َ ُّ َ ْ ُ َ َ َ‬
‫رض وسنتِ ِه ب ِ ِقيام‪ ،‬أو لَكم)‪.‬‬ ‫ويسن‪ :‬الفصل بي الف ِ‬
‫أي ثم يلي الوتر يف األفضلية السنن الرواتب المتعلقة بالفريضة‪ ،‬وقد كان‬
‫رسول اهلل ﷺ يحافظ عليها‪ ،‬ويقضـي ما فاته(‪ ،)1‬وال يرتكها إال يف السفر(‪ .)2‬ومن‬
‫فضلها‪:‬‬
‫أن من ِالها يف يوم بنى اهلل له بيتًا يف الانة‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬ما مِ ْن َع ْب ُد ُم ْسلِ ُم‬
‫اهلل َل ُه َب ْيتًا فِي ا ْل َان ِاة‪،‬‬
‫يضة‪ ،‬إِ اال َبنَى ُ‬
‫يصلي ل ِ ال ِه ُك ال يو ُم ثِنْتَي َعشـر َة ر ْكع ًة َت َطو ًعا َغير َف ِر َ ُ‬
‫َْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬
‫َأ ْو إِ اال ُبن ِ َي َل ُه َب ْي ٌت فِي ا ْل َان ِاة» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫وأهنا تارب الخلل والنقص الذي يلحق ِالة الفريضة‪ ،‬كما دل له قوله ﷺ‪:‬‬
‫الر ُّب ‪ :‬ا ْن ُظ ُروا َه ْل ل ِ َع ْب ِدي مِ ْن َت َط ُّو ُع َف ُي َك ام َل‬ ‫« َفإِ ْن ا ْن َت َقص مِن َف ِر َ ِ ِ‬
‫يضته شـي ٌء‪َ ،‬ق َال ا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص م َن ال َف ِر َ‬
‫يضة» [رواه األربعة‪ ،‬وحسنه الرتمذي] ‪.‬‬ ‫بِ َها َما ا ْن َت َق َ‬
‫(‪)4‬‬

‫ُهُ َ ْ‬ ‫وأفض ُل ه‬
‫الر َ‬ ‫َ‬
‫ِب‪ :‬سنة الفج ِر)‪ :‬ألن رسول اهلل ﷺ كان يتعاهدها أكثر من‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ا‬‫و‬ ‫(‬
‫ُ‬
‫اهدً ا َع َلى َر ْك َعتَيِ‬ ‫غيرها‪ ،‬فـ‪َ « :‬ل ْم َي ُك ِن النابِ ُّي ﷺ َع َلى شـيء مِ َن الن َاوافِ ِل َأ َشدا مِنْ ُه َت َع ُ‬
‫ال َف ْا ِر» [متفق عليه](‪.)5‬‬
‫وهما خير من الدنيا وما فيها‪ ،‬ففي ِحيح مسلم عنه ﷺ قال‪َ « :‬ر ْك َعتَا ا ْل َف ْا ِر‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1233‬ومسلم (‪ )634‬من حديث أم سلمة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )662‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )126‬من حديث أم حبيبة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)423‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1162‬ومسلم (‪ )124‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪432‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪440‬‬

‫ب إ ِ َل اي مِ َن الدُّ ْن َيا َج ِمي ًعا»(‪.)2‬‬


‫يها» ‪ ،‬وقال‪َ « :‬ل ُه َما َأ َح ُّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ ْي ٌر م َن الدُّ ْن َيا َو َما ف َ‬
‫سفرا‪ ،‬كما يف الصحيحين عن‬
‫وألن رسول اهلل ﷺ لم يكن يدعها ال حضـرا وال ً‬
‫عائشة ڤ قالت‪َ « :‬و َل ْم َي ُك ْن َيدَ ْع ُه َما َأ َبدً ا»(‪.)3‬‬
‫وتتميز سنة الفار عن غيرها بأمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه يسن تخفيفها‪ ،‬ففي الصحيحين َع ْن َعائِ َش َة ڤ قالت‪« :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ول‬
‫آن»(‪.)4‬‬‫يهما بِ ُأم ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫اهللِ ﷺ ُي َصلي َر ْك َعت َِي ا ْل َف ْا ِر َف ُي َخف ُ‬
‫ف‪َ ،‬حتاى إِني َأ ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ه ْل َق َر َأ ف ِ َ‬
‫الثاين‪ :‬يستحب أن يقرأ فيها بقراءة معينة‪ ،‬كما كان رسول اهلل ﷺ يقرأ فيها‬
‫«بالكافرون واإلخالص» ففي ِحيح مسلم عن أبي ُه َر ْي َر َة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬
‫اهلل َأ َحدٌ »(‪.)5‬‬ ‫ﷺ َق َر َأ فِي َر ْك َعت َِي ا ْل َف ْا ِر‪ُ :‬ق ْل َيا َأ ُّي َها ا ْل َكافِ ُر َ‬
‫ون‪َ ،‬و ُق ْل ُه َو ُ‬
‫ويقرأ يف الركعة األولى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [البقرة‪.]136:‬‬
‫ويف الثانية‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ول اهلل ﷺ َي ْق َر ُأ‬
‫َان َر ُس ُ‬ ‫ﮉ﴾ [آل عمران‪]64:‬؛ لحديث ابن َع اب ُ‬
‫اس ﭬ قال‪« :‬ك َ‬
‫آل ِع ْم َر َ‬
‫ان‪﴿ :‬ﭭ ﭮ‬ ‫فِي ر ْك َعت َِي ا ْل َف ْا ِر‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾‪َ ،‬وا التِي فِي ِ‬
‫َ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾» [رواه مسلم](‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )125‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )125‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )1152‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1111‬ومسلم (‪ )124‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )126‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )121‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫‪441‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫الثالث‪ :‬أنه يشـرع االضطااع بعدهما؛ لحديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫َان النابِ ُّي‬
‫اض َط َا َع َع َلى ِشق ِه األَ ْي َم ِن» [متفق عليه](‪ ،)1‬وهو متأكد يف‬
‫ﷺ إِ َذا َِ الى َر ْك َعت َِي ال َف ْا ِر ْ‬
‫حق من قام الليل‪ ،‬كما اختاره شـيخ اإلسالم‪.‬‬
‫اء)‪ :‬ألنه جاء األمر هبا يف حديث خاص‪ ،‬ففي المسند‪َ « :‬ع ْن‬ ‫المغرب‪ُ ،‬ث هم َس َو ٌ‬ ‫ه َ‬
‫(ثم‬
‫ِ ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْأ ُم ُر بِ َص َال ُة َب ْعدَ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫َر ُجلُ‪َ ،‬ع ْن ُع َب ْي ُد َم ْو َلى النابِي ﷺ َق َال‪ُ :‬سئِ َل‪َ :‬أك َ‬
‫ب وا ْل ِع َش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء»(‪ ،)2‬لكن سنده‬ ‫ا ْل َم ْك ُتو َبة‪َ ،‬أ ْو س َوى ا ْل َم ْكتُو َبة؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم َب ْي َن ا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬
‫ضعيف؛ لاهالة الراوي عن عبيد‪.‬‬
‫َ ََ َ َ َ َ ََ َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ ُ َُه َ ُ َ ْ ٌ َ ََ‬
‫ان بعد‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫كع‬ ‫ور‬ ‫ا‪.‬‬ ‫ه‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫كع‬ ‫ور‬ ‫‪.‬‬‫هر‬‫ِ‬ ‫الظ‬ ‫بل‬ ‫ق‬ ‫ان‬
‫(والروات ِب المؤكدة عَش‪ :‬ركع ِ‬
‫ت‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫ان قبل الفج ِر)‪ :‬المذهب أن السنن‬ ‫ان بعد ال ِعشاءِ‪ .‬وركعت ِ‬ ‫غر ِب‪ .‬وركعت ِ‬ ‫الم ِ‬
‫ات‪:‬‬ ‫الرواتب عشـر؛ لحديث اب ِن ُعمر ﭭ َق َال‪« :‬ح ِف ْظ ُت مِن النابِي ﷺ َعشـر ر َكع ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْغ ِر ِ‬
‫ب في َب ْيته‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ‬ ‫َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل ال ُّظ ْه ِر‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َها‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫الص ْب ِح»(‪.)3‬‬ ‫الع َشاء في َب ْيته‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل َِالَة ُّ‬
‫ول اهللِ‬ ‫وقيل‪ :‬إهنا اثنتا عشـرة ركعة؛ لحديث ُأم َحبِي َب َة ڤ َقا َل ْت‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫يض ُة‪،‬‬ ‫ول‪َ « :‬ما مِ ْن َع ْب ُد ُم ْسلِ ُم ُي َصلي ل ِ ال ِه ُك ال َي ْو ُم ثِنْت َْي َعشـر َة َر ْك َع ًة َت َط ُّو ًعا َغ ْي َر َف ِر َ‬ ‫ﷺ َي ُق ُ‬
‫اهلل َل ُه َب ْيتًا فِي ا ْل َان ِاة‪َ ،‬أ ْو إِ اال ُبن ِ َي َل ُه َب ْي ٌت فِي ا ْل َان ِاة» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫إِ اال َبنَى ُ‬
‫وورد تفسـيرها عند الرتمذي‪َ « :‬م ْن َِ الى فِي َي ْو ُم َو َل ْي َل ُة ثِنْت َْي َعشـر َة َر ْك َع ًة ُبن ِ َي َل ُه‬
‫الم ْغ ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن‬ ‫الاناة‪َ :‬أ ْر َب ًعا َق ْب َل ال ُّظ ْه ِر‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َها‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ َ‬
‫َب ْي ٌت في َ‬
‫اء‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل َِ َال ِة ا ْل َف ْا ِر َِ َال ِة ا ْل َغدَ ِاة»(‪ .)5‬وهذا دليل على أهنا اثنتا‬ ‫الع َش ِ‬
‫بعدَ ِ‬
‫َْ‬
‫عشـرة ركعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1160‬ومسلم (‪ )136‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أحمد (‪.)23652‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1160‬ومسلم (‪ )122‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)432‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪ ،)415‬وِححه‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪442‬‬

‫ال َيدَ ُع َأ ْر َب ًعا َق ْب َل ال ُّظ ْه ِر‪،‬‬ ‫وحديث عائشة ڤ عند البخاري‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫َان َ‬
‫ا‬
‫َو َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل ال َغدَ ِاة»(‪.)1‬‬
‫فمن أخذ بحديث ابن عمر ﭭ قال‪ :‬الرواتب عشـر‪ ،‬ومن أخذ بحديث عائشة‬
‫وأم حبيبة ڤ قال‪ :‬هي اثنتا عشـرة‪.‬‬
‫وكال األمرين ثابت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فكان تارة يصليها عشـرا‪ ،‬وتارة اثنتي‬
‫عشـرة‪ ،‬واألخذ بالزيادة أولى؛ ألهنا أكمل وأكثر‪ ،‬وألنه ورد فضل خاص عظيم‬
‫مقيد باإلتيان باالثنتي عشـرة ركعة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫اء ه‬
‫الر َ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ‬
‫ض ُ‬
‫والوت ِر)‪ :‬إذا فاتت لعذر كما ثبت عن الرسول ﷺ وال‬
‫ِ‬ ‫ِب‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ا‬‫و‬ ‫(ويسن‪ :‬ق‬
‫يرتكها ليحصل ثواهبا كما فعل رسول اهلل ﷺ لما نام عن ِالة الفار حتى طلعت‬
‫الشمس فقضـى الراتبة قبل الصالة ولما شغله الوفد عن راتبة الظهر فقضاها بعد‬
‫العصـر‪.‬‬
‫وكان ﷺ إذا غلبه نوم أو وجع عن ِالة الليل وفيها الوتر قضاها يف النهار‪.‬‬
‫وإذا ترل الرواتب والوتر حتى ذهب وقتها‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون لتفريط منه وبال عذر‪ ،‬فال يشـرع قضاؤها؛ ألهنا سنة فات‬
‫وقتها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن تفوته لعذر من نسـيان‪ ،‬أو نوم‪ ،‬أو مرض‪ ،‬أو انشغال‪ ،‬فيشـرع له‬
‫ال َك اف َار َة َل َها إِ اال َذل ِ َك‬
‫قضاؤها؛ للعمومات‪ ،‬مثل‪َ « :‬م ْن نَسـي َِالَ ًة َف ْل ُي َصل إِ َذا َذك ََر َها‪َ ،‬‬
‫﴿ﭟ ﭠ ﭡ﴾»(‪ ،)2‬وقد ورد عن رسول اهلل ﷺ قضاؤها(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬وقضاء الوتر‪ :‬تقدم أنه على حالتين‪ :‬بعد طلوع الشمس يصليه شف ًعا‬
‫وترا‪.‬‬
‫وهو األولى‪ ،‬وقبل ِالة الفار يصليه ً‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1162‬ومسلم (‪ )130‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)265‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)426‬‬

‫‪442‬‬
‫‪443‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬م ْن نَا َم َع ْن‬ ‫وقد خرج أبو داود‪َ ،‬عن َأبِي س ِع ُ‬
‫يد ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِو ْت ِر ِه‪َ ،‬أ ْو نَسـي ُه‪َ ،‬ف ْل ُي َصل ِه إِ َذا َذك ََر ُه»(‪.)1‬‬
‫وأما الرواتب‪ :‬فيقضـيها ولو يف وقت النهي‪ ،‬كما فعل رسول اهلل ﷺ لما نام عن‬
‫ِالة الفار حتى طلعت الشمس قضـى الراتبة قبل الصالة(‪.)2‬‬
‫ويف حديث أم سلمة ڤ أن رسول اهلل ﷺ لما ِلى العصـر ِلى بعدها‬
‫ركعتين‪ ،‬فلما قيل له يف ذلك أخرب أنه انشغل بالوفد عنها فلم يصلها‪ ،‬فقضاها(‪.)3‬‬
‫فراتبة الفار مثالً إذا فاتت‪ :‬إن شاء قضاها بعد ارتفاع الشمس وهو أولى؛‬
‫لحديث‪َ « :‬م ْن َل ْم ُي َصل َر ْك َعت َِي ال َف ْا ِر َف ْل ُي َصل ِه َما َب ْعدَ َما َت ْط ُل ُع ا‬
‫الش ْم ُس»(‪.)4‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬وقد روي عن ابن عمر‪ :‬أنه فعله‪ ،‬والعمل على هذا عند بعض‬
‫أهل العلم‪ ،‬وبه يقول سفيان الثوري‪ ،‬وابن المبارل‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫وإسحاق»‪.‬‬
‫وإن شاء قضاها بعد ِالة الفار مباشـرة‪ ،‬فتكون من ذوات األسباب‪.‬‬
‫ول اهلل‬ ‫ويدل له‪ :‬ما رواه الرتمذي وأعله‪ ،‬عن قيس بن عمرو ﭬ قال‪َ :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫ْصـرف النابِ ُّي ﷺ َف َو َجدَ نِي ُأ َِلي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الص َال ُة‪َ ،‬ف َص ال ْي ُت َم َع ُه ُّ‬
‫الص ْب َح‪ُ ،‬ث ام ان‬ ‫يمت ا‬
‫ﷺ َف ُأقِ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل‪ ،‬إِني َل ْم َأ ُك ْن َر َك ْع ُت َر ْك َعت َِي‬ ‫ِ‬
‫َف َق َال‪َ « :‬م ْه ًال َيا َق ْي ُس‪َ ،‬أ َِ َال َتان َم ًعا»‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1431‬والرتمذي (‪ ،)465‬وأحمد (‪ )11264‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪ِ .‬ححه‬
‫النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)561/1‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)1265‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)266‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)432‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)423‬وابن خزيمة (‪ ،)1111‬وابن حبان (‪ ،)2412‬والحاكم (‪ ،)406/1‬والبيهقي يف‬
‫السنن (‪ )661/2‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه‪ ،..‬وال نعلم أحد ًا روى هذا الحديث عن همام‬
‫هبذا اإلسناد نحو هذا إال عمرو ابن عاِم الكالبي»‪.‬‬
‫قال البيهقي‪« :‬تفرد به عمرو بن عاِم‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪ ،‬وعمرو بن عاِم ثقة»‪ .‬وِححه األلباين يف‬
‫الصحيحة (‪.)2361‬‬

‫‪443‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪444‬‬

‫ال َف ْا ِر‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َال إِ َذ ْن»(‪ .)1‬قال الرتمذي‪« :‬وقد قال قو ٌم من أهل مكة هبذا الحديث‪،‬‬
‫بأسا أن يصلي الرجل الركعتين بعد المكتوبة قبل أن تطلع الشمس»‪.‬‬‫لم يروا ً‬
‫َْ َ َ ُُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ه‬
‫رض ِه وكرث‪ ،‬فاألوىل تركه)‪ :‬ألنه لم ينقل هذا عن النبي ﷺ‪،‬‬
‫(إال‪ :‬ما فات مع ف ِ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ عد ٌد من الصلوات لم ينقل عنه أنه ِلى معها‬ ‫ففي الخندق لما فات‬
‫النوافل‪ ،‬فيؤخذ منه ذلك أنه إذا كانت الفوائت كثيرة فإنه يرتكها‪ ،‬ولحصول المشقة‬
‫بقضائها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫(وف ِعل الُك بِبيت‪ :‬أفضل)‪ :‬فاألفضل يف ِالة النوافل والوتر أداء وقضاء‬
‫كوهنا يف البيت‪ ،‬وهذا هديه ﷺ يف الرواتب‪ ،‬كما نقل ذلك ابن عمر وعائشة‬
‫وحفصة ﭫ‪.‬‬
‫اج َع ُلوا فِي ُبيُوتِ ُك ْم مِ ْن‬ ‫ففي الصحيحين عن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ َق َال‪ْ « :‬‬
‫ال َتت ِ‬
‫َِالَتِ ُك ْم‪َ ،‬و َ‬
‫وها ُق ُب ً‬
‫ورا»‪.‬‬ ‫اخ ُذ َ‬
‫الصال َِة ف ِي‬‫ويف الصحيحين عن زيد بن ثابت ﭬ أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ف َع َل ْي ُك ْم بِ ا‬
‫الصالَ َة ا ْل َم ْك ُتو َب َة»‪.‬‬
‫ال ا‬‫ُب ُيوتِ ُك ْم َفإِ ان َخ ْي َر َِال َِة ا ْل َم ْر ِء فِي َب ْيتِ ِه إِ ا‬
‫الصالَ َة فِي‬ ‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َقضـى َأ َحدُ ُك ُم ا‬ ‫ولمسلم َع ْن َجابِ ُر َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫اع ٌل ف ِي َب ْيتِ ِه مِ ْن َِالَتِ ِه َخ ْي ًرا»‪.‬‬ ‫ا ِد ِه َف ْلياع ْل لِبيتِ ِه نَصـيبا مِن ِالَتِ ِه َفإِ ان اهلل ج ِ‬
‫َ َ‬ ‫ً ْ َ‬ ‫َ ْ َ َْ‬ ‫مس ِ‬
‫َ ْ‬
‫وِالة النافلة يف البيت فيها فوائد‪ ،‬منها‪:‬‬
‫تمام الخشوع واإلخالص والبعد عن الرياء‪.‬‬
‫وتربية أهل البيت على الصالة وكيفيتها وتنشـيطهم‪.‬‬
‫وامتثال أمر الرسول ﷺ‪.‬‬
‫وعمارة البيت بالطاعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)422‬وأبو داود (‪ ،)1261‬وابن ماجه (‪ ،)1154‬وأحمد (‪ )23160‬من حديث قيس بن‬
‫عمرو ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬وإنما يروى هذا الحديث مرسالً‪ ،...‬وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل؛ محمد‬
‫ابن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس»‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)1151‬‬

‫‪444‬‬
‫‪445‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه‬ ‫ُ َ ُّ َ ْ ُ َ َ َ‬
‫رض وسنتِ ِه ب ِ ِقيام‪ ،‬أو لَكم)‪ :‬إذا ِلى الفريضة فالسنة‬
‫(ويسن‪ :‬الفصل بي الف ِ‬
‫أن ال يصلها بنافلة‪ ،‬ويؤمر أن ياعل بينهما فاِالً‪ ،‬إما بتغيير المكان‪ ،‬أو بكالم بعد‬
‫ب ْب ِن‬ ‫السائِ ِ‬
‫السالم‪ ،‬وهذا يشمل الذكر والدعاء والقرآن وكالم البشـر؛ لحديث ا‬
‫اإل َما ُم ُق ْم ُت فِي‬ ‫َي ِزيدَ قال‪ َِ « :‬ال ْي ُت م َع معاوية ا ْل ُام َع َة فِي ا ْلم ْق ُصورةِ‪َ ،‬ف َلما س الم ْ ِ‬
‫ا َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َم َقامِي‪َ ،‬ف َص ال ْي ُت‪َ ،‬ف َل اما َد َخ َل َأ ْر َس َل إِ َل اي‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ال َت ُعدْ ل ِ َما َف َع ْل َت‪ ،‬إِ َذا َِ ال ْي َت ا ْل ُا ُم َع َة‬
‫ِ‬ ‫َف َال َت ِص ْلها بِص َال ُة حتاى َت َك الم َأو َت ْخرج‪َ ،‬فإِ ان رس َ ِ‬
‫وِ َل‬ ‫ول اهلل ﷺ َأ َم َرنَا بِ َذل َك‪َ ،‬أ ْن َال ُت َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َِ َال ٌة بِ َص َال ُة َحتاى َن َت َك ال َم َأ ْو ن َْخ ُر َج» ‪ ،‬وهذا يف النافلة بعد الفريضة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وأما النوافل‪ :‬فله أن يصل بينها من غير فاِل‪ ،‬إال السالم بين كل نافلتين‪ ،‬وقد‬
‫دل على ذلك قول رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وفعله يف أحاديث‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫قول عائشة ڤ‪«:‬كان رسول اهلل ﷺ ُي َصلي َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان‬
‫َو ُطول ِ ِه ان‪ُ ،‬ث ام ُي َصلي َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬فالَ َت َس ْل َع ْن ُح ْسن ِ ِه ان َو ُطول ِ ِه ان‪[ »...‬متفق عليه](‪.)2‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قتها‪ :‬ما بَ َ‬ ‫ُ َ َ ًَ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫هَ ُ‬ ‫ُ‬
‫والوت ِر)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫وو‬ ‫‪.‬‬‫ان‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫كع‬ ‫ر‬ ‫ون‬ ‫َِش‬ ‫ع‬ ‫‪:‬‬ ‫اويح‬‫والَّت‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫قيام رمضان جماعة سنه رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقد كان يرغب يف قيام رمضان من غير‬
‫احتِ َسا ًبا‪ُ ،‬غ ِف َر َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن‬ ‫ان إِ َ‬
‫يمانًا َو ْ‬ ‫أن يأمرهم فيه بعزيمة‪ ،‬فيقول‪َ « :‬م ْن َقا َم َر َم َض َ‬
‫َذ ْنبِ ِه» [متفق عليه]‪ ،‬فتويف رسول اهلل ﷺ واألمر على ذلك‪ ،‬ثم كان األمر على ذلك يف‬
‫خالفة أبي بكر‪ ،‬وِدرا من خالفة عمر على ذلك(‪.)3‬‬
‫وقد ِلى رسول اهلل ﷺ ذات ليلة يف المساد‪ ،‬فصلى بصالته ناس‪ ،‬ثم ِلى‬
‫من القابلة‪ ،‬فكثر الناس‪ ،‬ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة‪ ،‬فلم يخرج إليهم‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلما أِبح قال‪َ « :‬قدْ َر َأ ْي ُت ا ال ِذي َِنَ ْع ُت ْم‪َ ،‬و َل ْم َي ْمنَ ْعنِي مِ َن ُ‬
‫الخ ُروجِ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )663‬من حديث معاوية ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)425‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)2002‬ومسلم (‪ )152‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪446‬‬

‫شـيت َأ ْن ُت ْف َر َض َع َل ْي ُك ْم‪َ ،‬و َذل ِ َك فِي َر َم َض َ‬


‫ان» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫إِ َل ْي ُك ْم إِ اال َأني َخ ُ‬
‫وِالة الرتاويح‪ :‬إن اقتصر فيها على إحدى عشـرة ركعة؛ فقد قالت عائشة‬
‫ال فِي َغ ْي ِر ِه َع َلى إ ِ ْحدَ ى َعشـر َة‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ِزيدُ فِي َر َم َض َ‬
‫ان َو َ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ڤ‪َ « :‬ما ك َ‬
‫َر ْك َع ًة»(‪ ،)2‬وهذا محمول على أغلب هديه ﷺ‪ ،‬وهذا ثابت عن عمر ﭬ‪ ،‬كما رواه‬
‫تميما الداري وأبي بن كعب أن يقوما‬
‫مالك يف الموطأ بأِح األسانيد‪« :‬أن عمر أمر ً‬
‫بالناس بإحدى عشـرة ركعة»(‪.)3‬‬
‫وإن ِلى ثالث عشـرة ركعة أحيانًا فقد ثبت عن رسول اهلل ﷺ فعله‪ ،‬كما يف‬
‫اس ﭭ َق َال‪« :‬كَان َْت َِالَ ُة النابِي ﷺ َثال ََث َعشـر َة َر ْك َع ًة»(‪،)4‬‬
‫الصحيحين َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫َي ْعنِي بِال ال ْيلِ‪.‬‬
‫وإن زاد جاز وبه قال جمهور العلماء كما يشهد له قوله ﷺ‪َِ « :‬الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ الى» [متفق عليه]‪.‬‬ ‫َم ْثنَى‪َ ،‬فإِ َذا َخشـي َأ َحدُ ُك ُم ُّ‬
‫الص ْب َح َِ الى َر ْك َع ًة َواحدَ ًة ُتوت ُر َل ُه َما َقدْ َ‬
‫فاألفضل االقتصار على فعل رسول اهلل ﷺ وسنته‪ ،‬وأما الزيادة على ذلك‬
‫فاألقرب جواز ذلك؛ ألنه ليس يف السنة أمر بعدد ال يتااوزه العبد‪ ،‬بل يفعل الذي‬
‫يرغب فيه‪ ،‬وما يحصل فيه تأليف القلوب‪ ،‬وقد ورد عن عدد من الصحابة الزيادة‬
‫على ذلك‪ ،‬ووردت آثار عديدة رواها ابن أبي شـيبة‪ ،‬ولم يرد هني عن الزيادة‪ ،‬وهذا‬
‫اختيار شـيخ اإلسالم وشـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬واختلف أهل العلم يف قيام رمضان‪ ،‬فرأى بعضهم‪ :‬أن يصلي‬
‫إحدى وأربعين ركع ًة مع الوتر‪ ،‬وهو قول أهل المدينة‪ ،‬والعمل على هذا عندهم‬
‫ُ‬
‫وعلي‪ ،‬وغيرهما من أِحاب‬ ‫بالمدينة‪ ،‬وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2012‬ومسلم (‪ )161‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)426‬‬
‫(‪ )3‬رواه مالك يف الموطأ «رواية أبي مصعب الزهري» (‪ ،)260‬والنسائي يف الكربى (‪.)4610‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص(‪.)426‬‬

‫‪446‬‬
‫‪447‬‬ ‫ب صالةِ التطوُّعِ‬
‫با ُ‬

‫النبي ﷺ عشـرين ركعةً‪ ،‬وهو قول الثوري‪ ،‬وابن المبارل‪ ،‬والشافعي»(‪.)1‬‬


‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬والرتاويح إن ِالها كمذهب أبي حنيفة وأحمد‬
‫والشافعي عشـرين ركعة‪ ،‬أو كمذهب مالك ستًا وثالثين ركعة‪ ،‬أو ثالث عشـرة أو‬
‫إحدى عشـرة‪ ،‬فقد أحسن‪ ،‬نص عليه اإلمام أحمد؛ لعدم التوقيف‪ ،‬فيكون تكثير‬
‫الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصـره»(‪.)2‬‬
‫وقال ابن عثيمين‪« :‬ال ينبغي التشدد يف المسألة»(‪.)3‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫(ووقتها‪ :‬ما بي ال ِعشاءِ ِ‬
‫والوت ِر)‪ :‬وقت الرتاويح ما بين ِالة العشاء والوتر‪،‬‬
‫ويختم قيامه بالوتر‪ ،‬فإذا ِلى العشاء ِلى ما شاء من الركعات‪ ،‬ويمتد الوقت‬
‫إلى طلوع الفار‪ ،‬فإذا أراد أن يختم ِالته بالليل ِلى ركعة واحدة؛ لقول رسول‬
‫آخ َر َِالَت ِ ُك ْم بِال ال ْي ِل ِو ْت ًرا»(‪.)4‬‬
‫اهلل ﷺ‪« :‬اجع ُلوا ِ‬
‫ْ َ‬
‫وقولـه ﷺ‪َِ « :‬الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى َم ْثنَى‪َ ،‬فإِ َذا َخشـي َأ َحدُ ُك ُم ُّ‬
‫الص ْب َح َِ الى َر ْك َع ًة‬
‫احدَ ًة ُتوتِ ُر َل ُه َما َقدْ َِ الى»(‪ ،)5‬فله أن يصليها يف أي وقت من الليل شاء سواء أوله‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫أو أوسطه أو آخره مادام يف وقتها من بعد ِالة العشاء إلى طلوع الفار‪.‬‬
‫وقد روى اإلمام أبو داود والرتمذي عن خارجة بن حذافة ﭬ أن رسول اهلل‬
‫اهلل َل ُك ْم‬ ‫اهلل َأ َمدا ُك ْم بِ َص َال ُة ِهي َخ ْي ٌر َل ُك ْم مِ ْن ُح ْم ِر النا َع ِم‪ِ :‬‬
‫الو ْت ُر‪َ ،‬ج َع َل ُه ُ‬ ‫ﷺ قال‪« :‬إِ ان َ‬
‫َ‬
‫الع َش ِ‬
‫اء إ ِ َلى َأ ْن َي ْط ُل َع ال َف ْا ُر»(‪.)6‬‬ ‫فِيما بين ِ َال ِة ِ‬
‫َ َْ َ َ‬
‫والرتاويح والوتر يبدأ من بعد ِالة العشاء حتى ولو كانت جمع تقديم مع‬
‫المغرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬سنن الرتمذي (‪.)606( ،)160/3‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى الكربى (‪.)343/5‬‬
‫(‪ )3‬الممتع (‪.)14/4‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)422‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)421‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)425‬‬

‫‪441‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪448‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬
‫أفض ُل مِنَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ ه‬ ‫ُ‬
‫خري‪ُ:‬‬‫ار‪ .‬وانلِّـصـف األ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫انل‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫ص‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫أفض‬ ‫‪:‬‬ ‫يل‬ ‫الل‬ ‫الة‬ ‫وص‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ‬ ‫ه َ ُّ ُ ِ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫األ هو ِل‪ .‬واتلهجد‪ :‬ما اكن بعد انل ِ‬
‫وم‪.‬‬ ‫ه‬
‫هُُ َ‬ ‫َ ُ ُ َ ََ َ ََ‬ ‫ُ َ ُّ َ ُ ه‬
‫ِند انله ِ‬
‫وم‪.‬‬ ‫ي‪ .‬ون ِيته ع‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫يف‬ ‫ف‬ ‫خ‬
‫ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫كع‬ ‫بر‬ ‫ه‬ ‫اح‬ ‫ت‬‫ويسن‪ :‬قِيام الل ِ ْ ِ‬
‫ت‬‫واف‬ ‫‪.‬‬ ‫يل‬
‫َ ُّ ه َ ُّ ُ َ َ‬
‫بركعة)‪.‬‬ ‫وي ِصح‪ :‬اتلطوع‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ ه‬
‫ار)‪ :‬لورود النص بتفضـيلها يف قوله ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫انل‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫ص‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ل‬ ‫أفض‬ ‫‪:‬‬ ‫يل‬
‫(وصالة الل ِ‬
‫« َأ ْف َض ُل الص َال ِة بعدَ الص َال ِة ا ْلم ْك ُتوب ِة‪ ،‬الص َال ُة فِي جو ِ‬
‫ف ال ال ْي ِل» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ا‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬ ‫َْ‬ ‫ا‬
‫وألن شواغل القلب بالليل أقل من النهار‪ ،‬والقلب أحضـر للقراءة والتدبر‪.‬‬
‫وألهنا أقرب إلى اإلخالص حيث تعمل يف الخفاء بعيدا عن الناس‪.‬‬
‫وألن يف الليل ساعة التنزل اإللهي‪.‬‬
‫وألهنا دليل على قوة إيمان ِاحبها وِدقه يف محبة ربه‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خري‪ :‬أفضل مِن األو ِل)‪ :‬فالليل ليس كله بمنزلة واحدة‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫(وانلِّـصـف األ ِ‬
‫شهدت به النصوص‪ ،‬فآخره أفضل من أوله‪ ،‬ولذا قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َط ِم َع َأ ْن‬
‫ض ُل» [رواه‬ ‫آخ ِر ال ال ْي ِل َم ْش ُهو َدةٌ‪َ ،‬و َذل ِ َك َأ ْف َ‬
‫آخر ال اليلِ‪َ ،‬فإِ ان ِ َال َة ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ُقو َم آخ َر ُه َف ْل ُيوت ْر َ ْ‬
‫مسلم](‪.)2‬‬
‫وألن اهلل جل وعال ينزل إلى السماء الدنيا يف الثلث األخير‪ ،‬كما يف الصحيحين‬
‫ول اهللِ ﷺ قال‪َ « :‬ين ِْز ُل َر ُّبنَا َت َب َار َل َو َت َعا َلى ُك ال َل ْي َل ُة إِ َلى‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ‪َ :‬أ ان َر ُس َ‬
‫يب َل ُه‪َ ،‬م ْن‬ ‫ول‪ :‬م ْن َيدْ ُعونِي َف َأست ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َا َ‬ ‫ْ‬ ‫الس َماء الدُّ ْن َيا حي َن َي ْب َقى ُث ُل ُث ال ال ْي ِل اآلخ ُر َي ُق ُ َ‬
‫ا‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )1163‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )155‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫‪449‬‬ ‫فصـــل‬

‫َي ْس َأ ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه‪َ ،‬م ْن َي ْس َت ْغ ِف ُرنِي َف َأ ْغ ِف َر َل ُه»(‪.)1‬‬


‫عد انله ِ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ُّ ُ‬
‫وم)‪ :‬أمر اهلل بالتهاد بالليل‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﭽ‬ ‫(واتلههجد‪ :‬ما اكن ب‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [اإلسـراء‪.]12 :‬‬
‫والتهاد‪ :‬هو ما كان بعد النوم‪ ،‬هذا هو المعروف يف لغة العرب(‪.)2‬‬
‫وبه قال غير واحد من المفسـرين‪ ،‬منهم‪ :‬علقمة‪ ،‬واألسود‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪.‬‬
‫وهو الثابت عن رسول اهلل ﷺ يف األحاديث الصحاح أنه كان يتهاد بعد نومه‬
‫كحديث ابن عباس وعائشة وغير واحد من الصحابة ﭫ‪ ،‬فالتهاد إنما يصدق‬
‫على ما سبقه نوم بعد العشاء(‪.)3‬‬
‫وأما ناشئة الليل يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [المزمل‪،]6 :‬‬
‫فالمراد به هنا القيام بالليل‪ ،‬فإن النشأ هو القيام باللهاة الحبشـية‪ ،‬كما قال ابن‬
‫عباس ﭭ‪ ،‬والليل كله ناشئة‪ ،‬كما قال عمر وابن عباس وابن الزبير ﭫ‪ ،‬وغير‬
‫واحد‪ ،‬والمراد هنا ﴿ﭬ ﭭ ﭮ﴾ ‪-‬أي ساعاته وأوقاته‪ ،-‬وكل ساعة منه تسمى‬
‫ناشئة‪ ،‬كما بينه ابن كثير يف تفسـيره(‪.)4‬‬
‫والمقصود‪ :‬أن قيام الليل أشد مواطأة بين القلب واللسان‪ ،‬وأجمع على‬
‫التالوة‪ ،‬وأقرب لتدبر القلب وتفهمه من قيام النهار وقراءته؛ ألنه وقت انتشار‬
‫الناس‪ ،‬ولغط األِوات‪ ،‬وأوقات المعاش‪ ،‬وانشغال القلب بذلك‪ ،‬ولذا حث اهلل‬
‫‪ ‬على الصالة يف الليل‪ ،‬ومدح القائمين فيه‪.‬‬
‫ُ َ ُّ َ ُ ه‬
‫يل)‪ :‬قيام الليل عبادة عظيمة أثنى اهلل على أهلها ورغب فيها‪،‬‬
‫(ويسن‪ :‬قِيام الل ِ‬
‫ووعد فاعلها بالثواب العظيم‪ ،‬ا‬
‫ورغبت السنة فيه يف أحاديث كثيرة‪ ،‬فهو سنة مؤكدة‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1145‬ومسلم (‪ )156‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬معام مقاييس اللغة (‪ ،)34/6‬لسان العرب (‪.)431/3‬‬
‫(‪ )3‬تفسـير ابن كثير (‪.)103/5‬‬
‫(‪ )4‬تفسـير ابن كثير (‪.)252/6‬‬

‫‪442‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪450‬‬

‫ثابتة بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وإجماع األمة‪:‬‬


‫فقد وِف اهلل ‪ ‬به عباده الصالحين‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ﴾ [الفرقان‪.]64 :‬‬
‫وجعله من أعمال أهل الانان‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾‬
‫[الذاريات‪.]11 :‬‬
‫وجعله عالمة ألهل اإليمان الكامل‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [السادة‪.]16 :‬‬
‫وأمر به سبحانه وتعالى‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [اإلسـراء‪.]12 :‬‬
‫ويف القرآن ما يدل على أن أهله هم العالمون‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [الزمر‪.]2 :‬‬
‫وأما رسول اهلل ﷺ فقد اعتنى به عناية عظيمة‪ ،‬ف َقا َم َحتاى َت َو ار َم ْت َقدَ َما ُه‪َ ،‬ف ِق َيل‬
‫ورا»(‪.)1‬‬ ‫ون َع ْبدً ا َش ُك ً‬ ‫اهلل َل َك َما َت َقدا َم مِ ْن َذ ْنبِ َك َو َما َت َأ اخ َر‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ َفالَ َأ ُك ُ‬
‫َل ُه‪َ :‬غ َف َر ُ‬
‫ااس َأ ْف ُشوا ا‬
‫الس َال َم‪،‬‬ ‫وجعله من أسباب دخول الانة‪ ،‬فقال ﷺ‪َ « :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫ااس ن ِ َيا ٌم‪َ ،‬تدْ ُخ ُلوا ا ْل َانا َة بِ َس َال ُم»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْطع ُموا ال اط َعا َم‪َ ،‬وِ ُلوا ْاألَ ْر َحا َم‪َ ،‬و َِ ُّلوا بِال ال ْي ِل َوالن ُ‬
‫[رواه الرتمذي وِححه ](‪.)2‬‬
‫ور َها مِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهو سبب لرفعة الدرجات‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬إِ ان في َ‬
‫الاناة ُغ َر ًفا ُت َرى ُظ ُه ُ‬
‫ول اهللِ؟ َق َال‪ :‬ل ِ َم ْن‬
‫ور َها»‪َ ،‬ف َقا َم َأ ْع َرابِي َف َق َال‪ :‬ل ِ َم ْن ِهي َيا َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫ٌّ‬
‫ُب ُطون ِ َها‪َ ،‬و ُب ُطو ُن َها مِ ْن ُظ ُه ِ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)4636‬ومسلم (‪ )2612‬من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)2465‬وابن ماجه (‪ ،)3251‬وأحمد (‪ )23164‬من حديث عبداهلل بن سالم ﭬ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬هذا حديث ِحيح»‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫‪451‬‬ ‫فصـــل‬

‫ااس ن ِ َيا ٌم»(‪ .)1‬وقال‬ ‫اب ال َك َال َم‪َ ،‬و َأ ْط َع َم ال اط َعا َم‪َ ،‬و َأ َدا َم الصـيا َم‪َ ،‬و َِ الى بِال ال ْي ِل َوالن ُ‬
‫َأ َط َ‬
‫ااس ن ِ َيا ٌم»(‪.)2‬‬ ‫الس َالمِ‪َ ،‬وإِ ْط َعا ُم ال اط َعامِ‪َ ،‬و ا‬
‫الص َال ُة بِال ال ْي ِل َوالن ُ‬ ‫ات إِ ْف َشا ُء ا‬ ‫ﷺ‪َ « :‬والدا َر َج ُ‬
‫حي َن َق ْب َل ُك ْم‪َ ،‬و ُه َو‬‫ور اغب فيه‪ ،‬فقال ﷺ‪َ « :‬ع َلي ُكم بِ ِقيا ِم ال اليلِ‪َ ،‬فإ ِ انه د َأب الصال ِ ِ‬
‫ُ َ ُ ا‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ات‪َ ،‬و َمن َْها ٌة لِإلِ ْث ِم»(‪ .)3‬وغيرها كثير‪.‬‬ ‫ُقرب ٌة إِ َلى رب ُكم‪ ،‬وم ْك َفر ٌة لِلسـي َئ ِ‬
‫َ ْ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫فقيام الليل غبطة ألهله يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وفيه من السعادة واألنس لمن فتح‬
‫عليه فيه ما يفوق الوِف‪ ،‬وهو شـرف للمؤمن‪ ،‬وقراءة القرآن يف ِالة الليل‬
‫غنيمة للمؤمن‪.‬‬
‫ومواقف السلف يف هذا تطول حيث كان الصالحون من الصحابة ومن بعدهم‬
‫أهل قيام وقرآن‪.‬‬
‫فيســــــفر عــــــنهم وهــــــم ركــــــوع‬ ‫إذا مـــــا الليـــــل أظلـــــم كابـــــدوه‬
‫وأهــــل األمــــن يف الــــدنيا هاــــوع‬ ‫أطــــار الخــــوف نــــومهم فقــــاموا‬
‫أنــــــين منــــــه تنفــــــرج الضــــــلوع‬ ‫لهــم تحــت الظــالم وهــم ســاود‬
‫علــيهم مــن ســكينتهم خشــــــــــوع‬ ‫وخرس بالنهـار لطـول ِمـــــــــت‬
‫قال ابن كثير عن ليل عمر بن الخطاب ﭬ‪« :‬كان أحيانًا يصلي بالناس العشاء‪،‬‬
‫ثم يدخل بيته‪ ،‬فال يزال يصلي إلى الفار‪ ،‬وكان يقول لمعاوية بن خديج‪ :‬لئن نمت‬
‫بالنهار ألضـيعن الرعية ولئن نمت بالليل ألضـيعن نفسـي‪ ،‬فكيف بالنوم مع هذين‬
‫يا معاوية»‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)1264‬وأحمد (‪ )1336‬من حديث علي ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث غريب»‪،‬‬
‫وضعفه العراقي يف تخريج أحاديث اإلحياء ص (‪.)651‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)3233‬وأحمد (‪ )3464‬من حديث ابن عباس ﭭ (حديث اختصام المأل األعلى)‪.‬‬
‫وِححه البخاري والرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي (‪ )3542‬من حديث أبي أمامة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬وهذا أِح من حديث أبي إدريس عن‬
‫بالل»‪ .‬وحسنه العراقي يف تخريج اإلحياء ص (‪ ،)421‬واأللباين يف اإلرواء (‪ .)452‬قال ابن أبي حاتم يف‬
‫العلل (‪ )242/1‬عن أبيه‪« :‬هو حديث منكر؛ لم يروه غير معاوية»‪.‬‬

‫‪451‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪452‬‬

‫وكان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج إلى الاهاد مع الناس‪ ،‬فال يتحارسون‬
‫لكثرة ِالته وقيامه فكان يكفيهم‪ ،‬فلما مات دخل بعض أِحابه على أخته فقال‪:‬‬
‫أخربينا عنه‪ ،‬فقالت‪« :‬قام ليلة فاستفتح قول اهلل ‪﴿ :‬ﭤ﴾‪ ،‬فأتى على هذه اآلية‪:‬‬
‫﴿ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ﴾ [غافر‪ ،]16 :‬فما زال يرددها ويبكي حتى أِبح»‪.‬‬
‫وعلي بن بكار اإلمام الرباين المااهد العابد كانت جاريته تفرش له الفراش‬
‫ب ِ‬
‫بارد‪ ،‬وواهلل ما علوتك ليلتي»‪ ،‬فيصلي إلى‬ ‫فيلمسه بيده ويقول‪« :‬واهلل إنك ل َطي ٌ‬
‫الفار‪ ،‬وكان يقول‪« :‬منذ أربعين سنة ما أحزنني إال طلوع الفار» ‪-‬فرحمهم اهلل‬
‫رحمة واسعة‪.-‬‬
‫وكانت بعض الصالحات ِاحبة قيام بالليل فقيل لها‪ :‬إنك ال تنامين‪ ،‬فبكت‬
‫وقالت‪« :‬ربما اشتهيت أن أنام فال أقدر عليه‪ ،‬وكيف يقدر على النوم من ال ينام عنه‬
‫هنارا»‪.‬‬
‫ليال وال ً‬
‫حافظه ً‬
‫وأخبارهم يف الحرص على قيام الليل والتهاد‪ ،‬ومناجاة رب العالمين‪ ،‬وتعفير‬
‫وجوههم بين يدي اهلل ‪ ،‬وسكب عرباهتم على خدودهم‪ ،‬وتلذذهم بطول القيام‬
‫يطول ذكرها‪ ،‬نقل بعضها المروزي يف قيام الليل‪ ،‬ويف كتاب رهبان الليل شـيء‬
‫كثير‪ ،‬فحري بالعبد أن يحرص على القيام‪ ،‬وأن يااهد نفسه على تحصـيله‪ ،‬فإن‬
‫فتح عليه فهني ًئا له هذه الكرامة من ربه حيث اِطفاه ليكون ممن يناجون رهبم‬
‫باألسحار‪ ،‬فقد قال اهلل ‪ ‬فيهم‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [السادة‪.]16 :‬‬
‫وليعلم المسلم أن قيام الليل يحتاج إلى مااهدة ومصابرة حتى يناله‪.‬‬
‫قال ثابت البناين‪« :‬جاهدت نفسـي على قيام الليل عشـرين سنة‪ ،‬وتلذذت به‬
‫عشـرين سنة أخرى»‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫‪453‬‬ ‫فصـــل‬

‫فليااهد اإلنسان نفسه‪ ،‬وليقصـر أمله‪ ،‬وليبادر إلى اغتنام شبابه ونشاطه وفراغه‬
‫وعمره‪ ،‬ولينفض عنه غبار الكسل‪ ،‬فالعمر قصـير‪ ،‬وليشمر ليلحق بالصالحين‬
‫الذين قال اهلل ‪ ‬فيهم‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾‬
‫[الذاريات‪ .]16-11 :‬وليتذكر قوله تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ﴾ [العنكبوت‪.]62 :‬‬
‫َ ََ‬ ‫َ ُ ُ َ ََ‬
‫ي)‪ :‬يسن افتتاح قيام الليل بركعتين‪ ،‬يخفف فيهما‬ ‫ي خ ِفيفت ِ‬ ‫(وافتِتاحه بركعت ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ إ َذا‬
‫َان َر ُس ُ‬ ‫والركوع والساو َد؛ لفعل رسول اهلل ﷺ وقوله‪ ،‬فقد «ك َ‬ ‫َ‬ ‫القراء َة‬
‫َقا َم مِ َن ال ال ْي ِل ل ِ ُي َصل َي ا ْف َتت ََح َِ َال َت ُه بِ َر ْك َع َت ْي ِن َخ ِفي َف َت ْي ِن»(‪.)1‬‬
‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َذا َقا َم َأ َحدُ ُك ْم مِ َن ال ال ْيلِ‪َ ،‬ف ْل َي ْفتَتِ ْح َِ َال َت ُه بِ َر ْك َع َت ْي ِن َخ ِفي َف َت ْي ِن»(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫هُُ‬
‫وم)‪ :‬فيسن إذا أراد النوم أن ينوي القيام يف الليل ليعان عليه‬ ‫ِند انله ِ‬ ‫(ون ِيته ع‬
‫ويكتب له أجر نيته‪ ،‬فإن غلبته عيناه فلم يستيقظ أعطاه اهلل ‪ ‬أجر القيام؛ لقوله‬
‫اهلل َل ُه َأ ْج َر َِ َالتِ ِه‪،‬‬ ‫َب ُ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬ما مِ َن ا ْم ِر ُ َت ُك ُ‬
‫ون َل ُه َِ َال ٌة بِ َل ْي ُل َف َغ َل َب ُه َع َل ْي َها ن َْو ٌم إِ اال َكت َ‬
‫َان ن َْو ُم ُه َِدَ َق ًة َع َل ْي ِه»(‪.)3‬‬
‫َوك َ‬
‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َأ َتى فِ َر َاش ُه َو ُه َو َين ِْوي َأ ْن َي ُقو َم ُي َصلي مِ َن ال ال ْي ِل َف َغ َل َب ْت ُه َع ْينَا ُه َحتاى‬
‫َان ن َْو ُم ُه َِدَ َق ًة َع َل ْي ِه مِ ْن َرب ِه ‪.)4(»‬‬ ‫ب َل ُه َما ن ََوى‪َ ،‬وك َ‬ ‫ِ‬
‫َأ ِْ َب َح ُكت َ‬
‫َ ُّ ه َ ُّ ُ َ ْ َ‬
‫بركعة)‪ :‬التطوع بركعة واحدة له حالتان‪:‬‬ ‫(وي ِصح‪ :‬اتلطوع‬
‫األولى‪ :‬أن يكون يف الليل‪ :‬وهذا الوتر؛ لقوله ﷺ‪« :‬ا ْل ِو ْتر ر ْكع ٌة مِن ِ‬
‫آخ ِر‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )161‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )166‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مالك يف الموطأ (‪ ،)265‬وأبو داود (‪ ،)1314‬والنسائي يف الماتبى (‪ ،)1164‬وأحمد (‪ )25464‬من‬
‫حديث عائشة ڤ‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)1161‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي يف الماتبى (‪ ،)1161‬وابن ماجه (‪ ،)1344‬وابن خزيمة (‪ ،)1114‬وابن حبان (‪ )2566‬من‬
‫حديث أبي الدرداء ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)566/1‬والعراقي يف تخريج اإلحياء ص‬
‫(‪ ،)402‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)454‬‬

‫‪453‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪454‬‬

‫ال ال ْي ِل»(‪.)1‬‬
‫الثانية‪ :‬وأما يف النهار‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬قالوا‪ :‬ياوز‪ :‬واستدلوا‪ :‬بقوله ﷺ‪َِ « :‬الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى َم ْثنَى‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫احدَ ًة ُتوتِ ُر َل ُه َما َقدْ َِ الى»(‪ ،)2‬فدل أن ِالة‬ ‫َخشـي َأحدُ ُكم الصبح ِ الى ر ْكع ًة و ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ُ ُّ ْ َ َ‬
‫النهار بخالف ذلك‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬المنع منه‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام أحمد نصـرها ابن قدامة يف‬
‫المغني‪ ،‬ورجحها شـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫ألن العبادات توقيفية‪ ،‬ولم ينقل عنه ﷺ أو الصحابة التطوع بالنهار بركعة‪ ،‬فلو‬
‫جائزا لفعلوه‪ ،‬ولو فعلوه لنقل‪ ،‬وكذا النوافل المأمور هبا يف النهار كلها شفع‬
‫كان ً‬
‫كالضحى‪ ،‬واالستخارة‪ ،‬وركعتي الطواف‪ ،‬وتحية المساد‪ ،‬والرواتب‪ ،‬ولو كان‬
‫أقل من ذلك ياز لبينته السنة‪.‬‬
‫وأما قول رسول اهلل ﷺ‪َِ « :‬الَ ُة ال ال ْي ِل َم ْثنَى َم ْثنَى»‪ ،‬فاستداللهم بمفهومه على‬
‫الاواز فيه نظر؛ ألن المراد به هنا ركعتان ركعتان‪ ،‬وأما النهار فلك أن تصليها أرب ًعا‬
‫مقابال لهذا؛ ألنه لم ينقل عن رسول اهلل ﷺ فعله وال مرة‬
‫ً‬ ‫أو ستًا‪ ،‬وأما اإلفراد فليس‬
‫واحدة‪.‬‬
‫وأيضا هذه داللة مفهوم‪ ،‬وبرد هذا األمر إلى هدي رسول اهلل ﷺ وأمره نرى‬
‫ً‬
‫عدم وروده عنه البتة‪ ،‬فدل على عدم مشـروعيته ال سـيما وأن العبادات توقيفية‪.‬‬
‫وعليه فاألظهر‪ :‬المنع من التطوع بركعة يف النهار‪.‬‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ور‪ :-‬ن ِصف أج ِر القائ ِِم)‪.‬‬‫ري المعذ ِ‬
‫قوهل‪( :‬وأجر القا ِع ِد ‪-‬غ ِ‬
‫ياوز أن يصلي النافلة قاعدً ا وهو قادر على القيام‪ ،‬ونقل النووي اإلجماع على‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)324‬‬

‫‪454‬‬
‫‪455‬‬ ‫فصـــل‬

‫ذلك(‪.)1‬‬
‫ويدل لذلك‪ :‬فعل رسول اهلل ﷺ كما روى مسلم عن عائشة ڤ قالت‪َ « :‬وك َ‬
‫َان‬
‫َان إِ َذا َق َر َأ َو ُه َو َقائِ ٌم َرك ََع َو َس َادَ َو ُه َو‬ ‫يصلي َلي ًال َط ِو ًيال َقائِما‪ ،‬و َلي ًال َط ِو ًيال َق ِ‬
‫اعدً ا‪َ ،‬وك َ‬ ‫ً َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫اعدٌ ‪.)2(»...‬‬ ‫اعدً ا ركَع وسادَ و ُهو َق ِ‬ ‫َقائِم‪ ،‬وإِ َذا َقر َأ َق ِ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬
‫ف َأ ْج ِر‬ ‫اعدً ا‪َ ،‬ف َل ُه ن ِ ْص ُ‬
‫ويكون له نصف أجر القائم؛ لقوله ﷺ‪« :‬ومن ِ الى َق ِ‬
‫َ َ ْ َ‬
‫ال َقائِ ِم» [رواه البخاري](‪.)3‬‬
‫لعذر فهي ِحيحة وأجره تام؛ لقول‬ ‫ُ‬ ‫وإن كانت ِالته قاعدً ا‪ ،‬أو مضطا ًعا‬
‫ِ‬ ‫ب َل ُه مِ ْث ُل َما ك َ‬ ‫ِ‬
‫يما‬‫َان َي ْع َم ُل ُمق ً‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َم ِر َض ال َعبْدُ ‪َ ،‬أ ْو َسا َف َر‪ُ ،‬كت َ‬
‫يحا»(‪ ،)4‬وألنه أتى بما يقدر عليه حسب طاقته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َِح ً‬
‫مسألة‪ :‬وأما التطوع مضطا ًعا مع القدرة على القيام أو القعود‪.‬‬
‫فذهب الامهور إلى عدم الاواز؛ لعدم النقل فيه‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪،‬‬
‫وقال‪ :‬التطوع مضطاعا لغير عذر لم ياوزه إال طائفة قليلة من أِحاب الشافعي‬
‫وأحمد‪ ،‬ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه ِلى مضطاعا بال عذر‪ ،‬ولو كان هذا‬
‫مشـروعا لفعلوه(‪.)5‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز ذلك؛ لورود السنة فيه‪ ،‬ففي البخاري‪َ « :‬و َم ْن َِ الى نَائِ ًما‪َ ،‬ف َل ُه‬
‫اع ِد»(‪ ،)6‬وهذا لغير عذر‪.‬‬
‫ف َأج ِر ال َق ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ْص ُ ْ‬
‫كامال وهذا قول الحسن واختيار ابن حزم‪ ،،‬وابن‬
‫وأما المعذور فإن له األجر ً‬

‫(‪ )1‬شـرح مسلم (‪.)255/6‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )130‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )1115‬من حديث عمران بن حصـين ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )2226‬من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬النكت والفوائد السنية على هامش المحرر يف الفقه على مذهب ابن حنبل (‪ .)61/1‬الموسوعة الفقهية‬
‫الكويتية (‪.)163/21‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ )1115‬من حديث عمران بن حصـين ﭬ‪.‬‬

‫‪455‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪456‬‬

‫عبد الهادي ورجحه شـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ َ ُ ُّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ام)‪.‬‬ ‫ول ال ِقي ِ‬
‫وع والسجودِ‪ :‬أفضل مِن ط ِ‬ ‫الرك ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وكرثة‬
‫لمايء فضائل كثيرة فيه‪ ،‬فهو سبب لرفع الدرجات ودخول الانات‪ ،‬كما قال‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُاود ل اله‪َ ،‬فإِن َاك َال َت ْس ُادُ ل اله َس ْادَ ةً‪ ،‬إِ اال َر َف َع َك ُ‬
‫اهلل‬ ‫ﷺ لثوبان ﭬ‪َ « :‬ع َل ْي َك بِ َك ْث َرة ُّ‬
‫بِ َها َد َر َجةً‪َ ،‬و َح اط َعن َْك بِ َها َخطِي َئ ًة» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫ب ﭬ لما سأل رسول اهلل ُم َرا َف َقتَه فِي ا ْل َان ِاة‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫وحديث َربِي َع َة ْب ِن َك ْع ُ‬
‫ود» [رواه مسلم](‪.)2‬‬‫« َف َأ ِعني َع َلى َن ْف ِس َك بِ َك ْثر ِة السا ِ‬
‫َ ُّ ُ‬
‫وقد جاء يف طول القيام فضائل‪ ،‬كما جاء يف إكثار الركوع والساود فضائل‪،‬‬
‫ول ا ْل ُقنُ ِ‬ ‫الص َال ِة ُط ُ‬
‫وت»(‪ ،)3‬أي طول‬ ‫فروى مسلم أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬أ ْف َض ُل ا‬
‫القيام ومنها قراءة القرآن الذي هو أفضل الذكر‪ ،‬فكل واحد جاء فيه فضائل‪،‬‬
‫والمصلي يفعل األِلح لقلبه‪ ،‬ويراعي أحوال نفسه‪ ،‬فإذا كان خشوعه يف القيام‬
‫أكثر كان يف حقه أفضل‪ ،‬فإذا تساوت األمور فليكثر من الركوع والساود لمزيد‬
‫فضله‪.‬‬
‫َُْ‬ ‫َُ َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُّ َ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ َ ُّ َ ُ ُّ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وتسن‪ :‬صالة الضَح غِبا‪ .‬وأقلها‪ :‬ركعتان‪ .‬وأكرثها‪ :‬ثمان‪ .‬ووقتها‪ :‬مِن‬
‫احل ُّر)‪.‬‬
‫َ‬
‫اشت هد َ‬ ‫َ ُُ‬
‫ال‪ .‬وأفضله‪ :‬إذا‬ ‫ه َ‬ ‫َ َُ‬ ‫وج َو ْقت انله‬ ‫ُخ ُ‬
‫يل الزو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫إىل‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِالة الضحى سنة مؤكدة؛ وقد فعلها رسول اهلل ﷺ وأرشد إليها أِحابه‪،‬‬
‫وأوِـى هبا عد ًدا من الصحابة‪ ،‬كأبي هريرة وأبي الدرداء‪.‬‬
‫ال َأ َد ُع ُه ان َحتاى َأ ُم َ‬
‫وت‪ْ َِ :‬و ِم‬ ‫َث َ‬‫فعن َأبِي ُهرير َة ﭬ قال‪َ « :‬أوِانِي َخلِيلِي بِ َثال ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫الض َحى‪َ ،‬ون َْو ُم َع َلى ِو ْت ُر» [متفق عليه](‪ ،)4‬وعن أبي‬ ‫َثالَ َث ِة َأ ايا ُم مِ ْن ُكل َش ْه ُر‪َ ،‬و َِال َِة ُّ‬
‫الدرداء ﭬ قال‪ :‬أوِاين حبيبي ﷺ بثالث‪ ،‬لن أدعهن ما عشت‪« :‬بصـيام ثالثة‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)316‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)316‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )156‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)422‬‬

‫‪456‬‬
‫‪457‬‬ ‫فصـــل‬

‫أيام من كل شهر‪ ،‬وِالة الضحى‪ ،‬وبأن ال أنام حتى أوتر» [رواه مسلم](‪ ،)1‬والوِـية‬
‫للرجل الواحد وِـية لألمة جمي ًعا إال إذا دل الدليل على اختصاِه هبا‪.‬‬
‫وقد روى مسلم يف ِحيحه َع ْن َأبِي َذ نر ﭬ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ َأ ان ُه َق َال‪ُ « :‬ي ْصبِ ُح‬
‫يح ُة َِدَ َقةٌ‪َ ،‬و ُك ُّل َت ْح ِميدَ ُة َِدَ َقةٌ‪َ ،‬و ُك ُّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى ُكل ُس َال َمى م ْن َأ َحد ُك ْم َِدَ َقةٌ‪َ ،‬ف ُك ُّل َت ْسبِ َ‬
‫وف َِدَ َقةٌ‪َ ،‬ون َْه ٌي َع ِن ا ْل ُمنْ َك ِر َِدَ َقةٌ‪،‬‬ ‫َتهلِي َل ُة ِدَ َقةٌ‪ ،‬و ُك ُّل َت ْكبِير ُة ِدَ َق ٌة‪ ،‬و َأمر بِا ْلمعر ِ‬
‫َ ٌْ َ ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الض َحى» ‪ ،‬والسالمى هي‪ :‬العظام‬ ‫(‪)2‬‬
‫َان َي ْر َك ُع ُه َما مِ َن ُّ‬‫ويا ِز ُ مِن َذل ِ َك ر ْكعت ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ا ْزني م ْن َأ ْر َب ِع َر َك َعات في‬ ‫ِ‬ ‫ول اهلل ‪َ :‬يا ا ْب َن آ َدم‪َ ،‬ال ُت ْع ِ‬
‫َ‬ ‫والمفاِل‪ ،‬وقال ﷺ‪َ « :‬ي ُق ُ ُ‬
‫ار َل‪َ ،‬أك ِْف َك ِ‬
‫آخ َر ُه»(‪.)3‬‬ ‫َأ او ِل ن ََه ِ‬
‫اهلل َحتاى َت ْط ُل َع ا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس‪ُ ،‬ث ام‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬م ْن َِ الى ال َغدَ ا َة في َج َما َعة‪ُ ،‬ث ام َق َعدَ َي ْذ ُك ُر َ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬تا ام ُة َتا ام ُة‬ ‫َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن كَان َْت َل ُه ك ََأ ْج ِر َح اا ُة َو ُع ْم َر ُة»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َتا ام ُة» [رواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب](‪.)4‬‬
‫قال النووي‪« :‬هذه األحاديث كلها متفق ٌة ال اختالف بينها عند أهل التحقيق‪،‬‬
‫وحاِلها أن الضحى سن ٌة مؤكد ٌة»(‪.)5‬‬
‫(غ ًِّبا)‪ :‬المذهب‪ :‬أن السنة ِالهتا غبا‪ ،‬وال يداوم عليها؛ لحديث َأبِي س ِع ُ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ول‪َ :‬ال َيدَ ُع َها‪َ ،‬و َيدَ ُع َها َحتاى َن ُق َ‬
‫الض َحى َحتاى َن ُق َ‬ ‫َان رس ُ ِ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول اهلل ﷺ ُي َصلي ُّ‬ ‫ﭬ‪« :‬ك َ َ ُ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )122‬من حديث أبي الدرداء ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )120‬من حديث أبي ذر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)1262‬والنسائي (‪ ،)461‬وأحمد (‪ )22412‬من حديث نعيم بن همار ﭬ‪ .‬وِححه‬
‫النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)562/1‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪ .)1161‬وروى الرتمذي (‪)415‬‬
‫من حديث أبي الدرداء وأبي ذر ﭭ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار‬
‫أكفك آخره»‪ .‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ )566‬من طريق أبي الظالل‪ ،‬عن أنس ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن غريب»‪،‬‬
‫وسألت محمد بن إسماعيل عن أبي ظالل؟ فقال‪« :‬هو مقارب الحديث»‪ ،‬وقد حسنه المنذري‪ ،‬واأللباين‪،‬‬
‫وابن باز لشواهده‪.‬‬
‫(‪ )5‬شـرح النووي على مسلم (‪.)222/5‬‬

‫‪451‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪458‬‬

‫َال ُي َصل َ‬
‫يها» [رواه الرتمذي](‪.)1‬‬
‫وقيل‪ :‬إهنا سنة مؤكدة‪ ،‬وتشـرع مطل ًقا‪ ،‬والمداومة عليها مطلوب ال سـيما لمن‬
‫ليس من أهل الصالة يف الليل‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام أحمد قال هبا كثير من‬
‫األِحاب منهم اآلجري وابن عقيل والماد وابن الاوزي‪ ،‬واختاره ابن باز وابن‬
‫عثيمين وهو األظهر‪ ،‬ويدل لذلك‪:‬‬
‫ال َأ َد ُع ُه ان‬
‫َث َ‬‫ما يف الصحيحين َعن َأبِي ُهرير َة ﭬ َق َال‪َ :‬أوِانِي َخلِيلِي بِ َثال ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬
‫الض َحى‪َ ،‬ون َْو ُم َع َلى ِو ْت ُر»‪ ،‬وقول‬ ‫وت‪ْ َِ « :‬و ِم َثالَ َث ِة َأ ايا ُم م ْن ُكل َش ْه ُر‪َ ،‬و َِالَة ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحتاى َأ ُم َ‬
‫ث‪َ ،‬ل ْن َأ َد َع ُه ان َما ِع ْش ُت» فذكرها‪.‬‬ ‫َأبِي الدا رد ِاء‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أوِانِي حبِيبِي ﷺ بِ َث َال ُ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫وحديث أبي ذر ﭬ عند مسلم أن رسول اهلل ﷺ َق َال‪ُ « :‬ي ْصبِ ُح َع َلى ُكل ُس َال َمى‬
‫يح ُة َِدَ َقةٌ‪َ ،‬و ُك ُّل َت ْح ِميدَ ُة َِدَ َقةٌ‪َ ،‬و ُك ُّل َت ْهلِي َل ُة َِدَ َقةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن َأ َحد ُك ْم َِدَ َقةٌ‪َ ،‬ف ُك ُّل َت ْسبِ َ‬
‫ِ‬
‫وف َِدَ َقةٌ‪َ ،‬ون َْه ٌي َع ِن ا ْل ُمنْ َك ِر َِدَ َقةٌ‪َ ،‬و ُي ْا ِز ُ مِ ْن‬ ‫و ُك ُّل َت ْكبِير ُة ِدَ َقةٌ‪ ،‬و َأمر بِا ْلمعر ِ‬
‫َ ٌْ َ ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الض َحى»‪ ،‬وغيرها من األحاديث التي تدل على األمر هبا‪،‬‬ ‫ان َي ْر َك ُع ُه َما مِ َن ُّ‬
‫َذل ِ َك ر ْكع َت ِ‬
‫َ َ‬
‫وكون رسول اهلل ﷺ لم يداوم عليها ال يدل على عدم سنيتها ومشـروعية المداومة‬
‫عليها؛ ألسباب منها أنه قد يرتكها لبيان عدم وجوهبا‪.‬‬
‫ولكونه يدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشـية أن يداوم الناس عليه فيفرض‬
‫عليهم‪ ،‬وقد ثبت الحث عليها من قولـه ﷺ‪ ،‬والفعل تتطرق له االحتماالت‪.‬‬
‫واختار ابن تيمية المداومة عليها لمن لم يقم من الليل وله قاعدة وهي (ما ليس‬
‫براتب ال يداوم عليه كالراتب)(‪.)2‬‬
‫ََ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫(وأقلها‪ :‬ركعتان)‪ :‬أقل حد لصالة الضحى ركعتان‪ ،‬كما دلت له األدلة حيث‬
‫أوِـى أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر ﭫ بركعتي الضحى‪ ،‬ويف حديث أبي ذر‬
‫َان َي ْر َك ُع ُه َما مِ َن ُّ‬
‫الض َحى» [رواه مسلم]‪.‬‬ ‫ﭬ‪« :‬ويا ِز ُ مِن َذل ِ َك ر ْكعت ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ْ‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)411‬وأحمد (‪ ،)11155‬ويف إسناده عطية العويف؛ وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلنصاف (‪.)203/4‬‬

‫‪456‬‬
‫‪459‬‬ ‫فصـــل‬
‫َُ َ ََ‬
‫وأكرثها‪ :‬ثمان)‪ :‬ثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه ِالها‪:‬‬ ‫(‬
‫الض َحى َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬و َي ِزيدُ‬ ‫َان رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ُي َصلي ُّ‬ ‫أرب ًعا‪ :‬كما قالت عائشة ڤ‪« :‬ك َ َ ُ‬
‫َما َشا َء ُ‬
‫اهلل» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫وستًا‪ :‬كما قال جابر وأنس ﭭ‪« :‬إن رسول اهلل ﷺ ِلى الضحى ست‬
‫ركعات»(‪.)2‬‬
‫وثمان ًيا‪ :‬كما ذكرت أم هانئ ڤ‪َ « :‬أ ان الناب ِ اي ﷺ َد َخ َل َب ْيت ََها َي ْو َم َفتْحِ َم اكةَ‪َ ،‬ف َص الى‬
‫ف مِنْها‪َ ،‬غير َأ انه ك َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الر ُك َ‬
‫وع‬ ‫َان ُيت ُّم ُّ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َث َماني َر َك َعات‪َ ،‬ما َر َأ ْي ُت ُه َِ الى َِ َال ًة َق ُّط َأ َخ ا َ‬
‫الس ُاو َد» [متفق عليه](‪.)3‬‬
‫َو ُّ‬
‫والمؤلف ذهب إلى أنه ال تشـرع الزيادة على ثماينَ ركعات؛ لحديث أم هانئ‬
‫ڤ‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ُي َصلي‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫والصحيح أنه ال حد ألكثرها؛ لقول عائشة ڤ‪« :‬ك َ‬
‫اهلل»‪ ،‬ولم تقيده بعدد‪ ،‬فلو ِلى عشـر ركعات بنية‬‫الض َحى َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬و َي ِزيدُ َما َشا َء ُ‬
‫ُّ‬
‫الضحى ِح‪ ،‬وأما حديث أم هانئ ڤ فليس فيه دليل على التحديد؛ ألن بعض‬
‫أهل العلم قال‪ :‬إن هذه ِالة الفتح‪ ،‬وليست ِالة الضحى‪ ،‬فيستحب للقائد إذا‬
‫شكرا هلل‪ ،‬وهذا اختيار ابن كثير(‪.)4‬‬
‫فتح بلدً ا أن يصلي فيه ثمان ركعات ً‬
‫وأيضا اقتصاره على ثمان قضـية عين وليست حصـرا‪ ،‬وال يمنع من الزيادة‪،‬‬
‫ً‬
‫أرأيت لو لم يصل إال ركعتين هل نقول ال تزيد على ركعتين؟ فهذه مثلها(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )112‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أما حديث جابر ﭬ‪ :‬فرواه الطرباين يف األوسط (‪ ،)2124‬والبخاري يف التاريخ الكبير (‪ )666‬من طريق‬
‫محمد بن قيس‪ ،‬عن جابر ﭬ‪ .‬وأما حديث أنس ﭬ‪ :‬فرواه الطرباين يف األوسط (‪ )1216‬من طريق‬
‫الحسن‪ ،‬عن أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1103‬ومسلم (‪ )336‬من حديث أم هانئ ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬البداية والنهاية (‪.)236/2‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري (‪.)52/3‬‬

‫‪452‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪460‬‬

‫ال)‪ :‬وقت ِالة الضحى يبدأ‬ ‫ه َ‬ ‫َ َُ‬ ‫وج َو ْقت انله‬ ‫وو ْق ُتها‪ :‬مِن ُخ ُ‬
‫( َ‬
‫يل الزو ِ‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫إىل‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫من ارتفاع الشمس قيد رمح‪ ،‬ويستمر إلى قبيل الزوال هذا كله وقتها‪ ،‬ويف حديث‬
‫الصبْحِ ‪ُ ،‬ث ام َأ ْقصـر َع ِن‬ ‫عمرو بن عبسة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َِ « :‬ل َِ َال َة ُّ‬
‫الشمس حتاى َتر َت ِفع‪َ ،‬فإِناها َت ْط ُلع ِحين َت ْط ُلع بين َقرنَي شـي َط ُ‬ ‫ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫ُ َْ َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫الص َالة َحتاى َت ْط ُل َع ا ْ ُ َ‬ ‫ا‬
‫ور ٌة َحتاى َي ْست َِق ال الظ ُّل‬ ‫ِ ُِ‬
‫َوحينَئذ َي ْس ُادُ َل َها ا ْل ُك اف ُار‪ُ ،‬ث ام َِل َفإِ ان ا‬
‫الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ‬
‫الر ْمحِ ‪ُ ،‬ث ام َأ ْقصـر َع ِن ال اص َال ِة‪َ ،‬فإِ ان ِحينَئِ ُذ ُت ْس َا ُر َج َهن ُام»(‪.)1‬‬
‫بِ ُّ‬
‫اشت هد َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ‬
‫احل ُّر)‪ :‬لما روى مسلم عن زيد بن أرقم ﭬ أن رسول اهلل‬ ‫(وأفضله‪ :‬إذا‬
‫ﷺ قال‪َ َِ « :‬ال ُة ْاألَ اوابِي َن ِحي َن َت ْر َم ُض ا ْل ِف َص ُال»(‪ ،)2‬ومعنى َت ْر َم ُض‪ :‬أي حين تحرتق‬
‫أخفاف الفصال وهي الصغار من أوالد اإلبل من شدة حر الرمل‪.‬‬
‫ُ َ ُّ َ ه ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ج ِد)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وتسن‪ :‬حتِية المس ِ‬
‫يسن لداخل المساد أال يالس حتى يصلي ركعتين تحي ًة للمساد‪ ،‬وقد أمر‬
‫رسول اهلل ﷺ هبا‪ ،‬وهنى عن الالوس قبل فعلها‪ ،‬وأنكر على من لم يفعلها‪ ،‬ففي‬
‫ادَ ‪َ ،‬فالَ َي ْالِ ْس َحتاى ُي َصل َي‬ ‫الصحيحين أن النابِي ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُكم المس ِ‬
‫ُ َ ْ‬ ‫ا‬
‫َر ْك َع َت ْي ِن»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫وع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال‪َ :‬جا َء ُس َل ْي ٌك ا ْل َغ َط َفانِي َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِة‪َ ،‬و َر ُس ُ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ب‪َ ،‬ف َا َل َس‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪َ « :‬يا ُس َل ْي ُك ُق ْم َف ْارك َْع َر ْك َع َت ْي ِن‪َ ،‬و َت َا او ْز فِ ِ‬
‫يه َما‪ُ ،‬ث ام َق َال‪ :‬إِ َذا‬ ‫َي ْخ ُط ُ‬
‫يه َما» [متفق‬ ‫ب‪َ ،‬ف ْل َي ْرك َْع َر ْك َع َت ْي ِن‪َ ،‬و ْل َيت ََا او ْز فِ ِ‬ ‫َجاء َأ َحدُ ُكم َي ْوم ا ْل ُام َع ِة‪َ ،‬و ْ ِ‬
‫اإل َما ُم َي ْخ ُط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫عليه](‪.)4‬‬
‫وذكر المؤلف أن تحية المساد سنة مؤكدة‪ ،‬وعليه الامهور‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )632‬من حديث عمرو بن عبسة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )146‬من حديث زيد بن أرقم ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)444‬ومسلم (‪ )114‬من حديث أبي قتادة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)230‬ومسلم (‪ )615‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫‪461‬‬ ‫فصـــل‬

‫قال ابن حار‪« :‬واتفقت أئمة الفتوى على أن األمر يف ذلك للندب ونقل ابن‬
‫بطال عن أهل الظاهر الوجوب‪ ،‬والذي ِـرح به ابن حزم عدم الوجوب»(‪ ،)1‬وقال‬
‫النووي‪« :‬وهي سنة بإجماع المسلمين»(‪.)2‬‬
‫ومن الصوارف عن الوجوب‪:‬‬
‫اب الن ِ‬
‫ااس َي ْو َم‬ ‫َخ اطى ِر َق َ‬ ‫ما رواه أبو داود عن َع ْب ِداهلل ْب ِن ُبسـر قال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل َيت َ‬
‫اجلِ ْس َف َقدْ آ َذ ْي َت َوآ َن ْي َت»(‪،)3‬‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال َل ُه النابِ ُّي ﷺ‪ْ « :‬‬‫ا ْل ُا ُم َعة‪َ ،‬والنابِ ُّي ﷺ َي ْخ ُط ُ‬
‫ومعنى آذيت‪ :‬أي الناس بتخطيك‪ ،‬وآنيت‪ :‬أي أخرت المايء وأبطأت‪ ،‬ولم يأمره‬
‫بصالة تحية المساد مع أنه دخل وتخطى الرقاب‪.‬‬
‫الصال َِة؟ َف َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقول رسول اهلل ﷺ لمن قال‪َ :‬أ ْخبِ ْرني َما َذا َف َر َض ُ‬
‫اهلل َع َل اي م َن ا‬
‫الخ ْم َس إِ اال َأ ْن َت اط او َع شـي ًئا» [متفق عليه](‪.)4‬‬
‫ات َ‬‫«الص َلو ِ‬
‫ا َ‬
‫ومع ذلك فاألورع للمسلم عدم تركها إال لعذر؛ ألمر رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهنيه عن‬
‫الالوس قبل فعلها‪ ،‬حيث أمر ُس َل ً‬
‫يكا بالقيام وأدائها وهو يخطب‪.‬‬
‫وتحية المساد من ذوات األسباب‪ ،‬وقد اختلف العلماء يف فعلها أوقات النهي‪:‬‬
‫فالمذهب حرمة التنفل أوقات النهي إال ما استثناه النص وما سواه يبقى على‬
‫التحريم وما استثني كركعتي الطواف‪ ،‬وسنة الظهر البعدية إذا جمعها مع العصـر‪،‬‬
‫وإعادة جماعة أقيمت وهو يف المساد‪ ،‬ومثلها قضاء الفرائض يف أوقات النهي‪،‬‬
‫وفعل المنذورة فيها لعموم أحاديث النهي‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫(‪ )1‬الفتح (‪.)640/1‬‬


‫(‪ )2‬شـرح مسلم (‪ ،)233/5‬نيل األوطار (‪.)260/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)1116‬والنسائي (‪ ،)103/3‬وأحمد (‪ ،)11621‬وابن خزيمة (‪ ،)1611‬وابن حبان‬
‫(‪ ،)2120‬والحاكم (‪ )424/1‬من حديث عبداهلل بن بسـر ﭬ‪ِ .‬ححه النووي يف خالِة األحكام‬
‫وقواه ابن‬
‫(‪ ،)165/2‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)660/4‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪ّ ،)1024‬‬
‫حار يف فتح الباري (‪.)322/2‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)425‬‬

‫‪461‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪462‬‬

‫ال َِالَ َة َب ْعدَ ال َعصـر َحتاى‬ ‫الص ْبحِ َحتاى َت ْر َت ِف َع ا‬


‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َ‬ ‫ال َِالَ َة َب ْعدَ ُّ‬ ‫قوله ﷺ‪َ « :‬‬
‫ِ‬
‫الش ْم ُس» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫يب ا‬ ‫َتغ َ‬
‫ول اهللِ ﷺ َين َْهانَا َأ ْن‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ات ك َ‬‫اع ُ‬‫ث َس َ‬ ‫وحديث ُع ْق َب َة ْب ِن َعامِ ُر ﭬ قال‪َ :‬ث َال ُ‬
‫از َغ ًة َحتاى َت ْر َت ِف َع‪َ ،‬و ِحي َن‬ ‫يه ان َم ْو َتانَا‪ِ « :‬حي َن َت ْط ُل ُع ا‬
‫الش ْم ُس َب ِ‬ ‫يه ان‪َ ،‬أ ْو َأ ْن َن ْق ُب َر فِ ِ‬
‫ُن َصلي فِ ِ‬
‫َ‬
‫وب َحتاى َت ْغ ُر َب»‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس ل ْل ُغ ُر ِ‬
‫ضـيف ا‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬وحي َن َت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ُقو ُم َقائ ُم ال اظه َيرة َحتاى َتم َيل ا‬
‫[رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫والراجح‪ :‬جواز فعل ما له سبب من الصلوات يف أوقات النهي‪ ،‬كتحية‬
‫المساد‪ ،‬وركعتي الطواف‪ ،‬وِالة الانازة‪ ،‬والكسوف‪ ،‬وقضاء الفوائت‪،‬‬
‫ونحوها‪ ،‬وتحمل أدلة النهي على ما ليس له سبب‪ ،‬ويخص منها ذوات األسباب‬
‫جم ًعا بين النصوص؛ لوجود أدلة عديدة يف هذا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ت‪َ ،‬و َِ الى َأ اي َة َسا َع ُة‬‫اف بِه َذا البي ِ‬
‫َْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله ﷺ‪َ « :‬يا َبني َع ْبد َمنَاف‪َ ،‬ال َت ْمنَ ُعوا َأ َحدً ا َط َ َ‬
‫ار» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وِححه ](‪.)3‬‬ ‫َشا َء مِ ْن َل ْي ُل َأ ْو ن ََه ُ‬
‫الص َال َة َع ْن‬ ‫ون ا‬ ‫ف َأن َْت إِ َذا كَان َْت َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ‬‫وقوله ﷺ ألبي ذر ﭬ‪َ « :‬ك ْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ْقتِ َها؟ ‪َ -‬أ ْو‪ُ -‬ي ِمي ُت َ‬
‫الص َال َة َع ْن َو ْقت َها؟» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬ف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َال‪َِ :‬ل ا‬
‫الص َال َة‬ ‫ون ا‬
‫ل ِ َو ْقتِ َها‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َصل‪َ ،‬فإِن َاها َل َك نَافِ َلةٌ‪َ ،‬و َال َت ُق ْل إِني َقدْ َِ اليْ ُت َف َال ُأ َِلي»‬
‫[رواه مسلم](‪.)4‬‬
‫قال النووي‪« :‬ويف هذا الحديث أنه ال بأس بإعادة الصبح والعصـر والمغرب‬
‫ُ‬
‫ِالة‬ ‫كباقي الصلوات؛ ألن النبي ﷺ أطلق األمر بإعادة الصالة‪ ،‬ولم يفرق بين‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)566‬ومسلم (‪ )621‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )631‬من حديث عقبة بن عامر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)1624‬والرتمذي (‪ ،)666‬وأحمد (‪ ،)16136‬وابن خزيمة (‪ ،)2141‬وابن حبان‬
‫(‪ ،)1552‬والحاكم (‪ )611/1‬من حديث جبير بن مطعم ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪،‬‬
‫وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)212/3‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)461‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )646‬من حديث أبي ذر ﭬ‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫‪463‬‬ ‫فصـــل‬

‫ُ‬
‫وِالة‪ ،‬وهذا هو الصحيح يف مذهبنا»(‪.)1‬‬
‫مع أن إعادة الصبح والعصـر يلزم منه كون اإلعادة يف وقت النهي‪ ،‬وهنال أدلة‬
‫عديدة تدل على جواز فعل ذوات األسباب يف أوقات النهي‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام‬
‫الشافعي‪ ،‬ورواية عن أحمد‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬والنووي‪،‬‬
‫والسعدي‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين‪.‬‬
‫مسائل تابعة لتحية المساد‪:‬‬
‫جاهال‪َ ،‬و َل ْم يطل ا ْل َف ْصل شـرع له‬ ‫ً‬ ‫األولى‪ :‬من ترل تحية المساد ناسـيا أو‬
‫تداركها؛ لما يف الصحيحين أن س َليكًا ا ْل َغ َط َفانِي جاء يوم ا ْلامع ِة‪ ،‬ورس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َ َ َْ َ ُ ُ َ ََ ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫يه َما»‪.‬‬‫ب‪َ ،‬ف َا َل َس‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪َ « :‬يا ُس َل ْي ُك ُق ْم َف ْارك َْع َر ْك َع َت ْي ِن‪َ ،‬و َت َا او ْز فِ ِ‬
‫َي ْخ ُط ُ‬
‫ويف رواية‪َ :‬ف َق َال َل ُه‪َ « :‬أ َر َك ْع َت َر ْك َع َت ْي ِن؟ َق َال‪َ :‬ال‪َ ،‬ف َق َال‪ْ :‬ارك َْع»(‪ .)2‬فأمره الرسول‬
‫ﷺ باإلتيان هبا بعد أن جلس‪ ،‬واختاره النووي‪ ،‬والعراقي‪ ،‬وابن حار‪ ،‬وترجم له‬
‫ابن حبان‪ :‬أن تحية المساد ال تفوت بالالوس(‪.)3‬‬
‫الثانية‪ :‬تحية المساد تشـرع‪ ،‬ولو تكرر الخروج إذا طال الفصل‪ ،‬إال إذا كان‬
‫االنسان هو ق ّيم المساد وخادمه فال يكررها للمشقة الحاِلة‪ ،‬وكذا غيره إذا كان‬
‫الفاِل قري ًبا عر ًفا‪ ،‬واختار هذا شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن مفلح‪ ،‬وابن الملقن(‪.)4‬‬
‫الثالثة‪ :‬إذا دخل المساد ولم ُي ِرد الالوس‪.‬‬
‫فالراجح‪ :‬أنه ال يؤمر بتحية المساد؛ ألن األمر إنما هو لمن أراد الالوس‪،‬‬
‫ادَ َف ْل َي ْرك َْع َر ْك َع َت ْي ِن َق ْب َل َأ ْن َي ْالِ َ‬
‫س» [متفق‬ ‫حيث قال ﷺ‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُكم المس ِ‬
‫ُ َ ْ‬
‫عليه](‪ ،)5‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وروى ابن أبي شـيبة عن ابن‬
‫(‪ )1‬شـرح النووي على مسلم (‪.)146/5‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬
‫(‪ )3‬شـرح مسلم للنووي (‪ ،)164/6‬طرح التثريب (‪ ،)162/3‬الفتح (‪.)640/1‬‬
‫(‪ )4‬اإلعالم (‪ ،)336/3‬حاشـية الروض (‪.)235/2‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬

‫‪463‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪464‬‬

‫عمر ﭭ أنه كان يمر يف المساد وال يصلي فيه(‪ ،)1‬وكذا قال زيد بن أسلم ﭬ‪:‬‬
‫«كان أِحاب رسول اهلل ﷺ يدخلون المساد ثم يخرجون وال يصلون»(‪ ،)2‬وهذا‬
‫قول كثير من العلماء‪.‬‬
‫اجتِ ِه»(‪ ،)3‬فأِل‬ ‫وأما رواية أبي داود‪ُ « :‬ثم لِي ْقعدْ بعدُ إِ ْن َشاء‪َ ،‬أو لِي ْذ َه ِ‬
‫ب ل َح َ‬
‫َ ْ َ ْ‬ ‫ا َ ُ َْ‬
‫الحديث متفق عليه‪ ،‬وهذه الزيادة عند أبي داود قال عنها ابن رجب‪« :‬لعلها‬
‫مدرجة»(‪.)4‬‬
‫الرابعة‪ :‬المساد الذي تشـرع له تحية المساد‪ :‬ما أعد للصلوات الخمس‪،‬‬
‫وأما المصلى فال يدخل يف هذا؛ ألن الصحابة ما كانوا يصلوهنا يف مصلى العيد‪.‬‬
‫ادَ ) و "أل" للتعريف‪ ،‬وهو يف المساجد المعهودة‪ ،‬وإال‬ ‫وألنه قال‪( :‬المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫لشـرعت يف كل بقعة يراد الصالة هبا؛ ألن األرض كلها مساد ألمة محمد ﷺ؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقوله ﷺ‪َ « :‬و ُجع َل ْت لي األ َ ْر ُض َم ْسادً ا َو َط ُه ً‬
‫ورا» [متفق عليه](‪.)5‬‬
‫ومن أهل العلم من قال‪ :‬إن مصلى العيد المو َق َ‬
‫ف لذلك يأخذ أحكام‬
‫المساجد؛ ألن «النبي ﷺ أمر النساء أن يخرجن إلى ِالة العيد‪ ،‬وأمر الحيض أن‬
‫يعتزل َن المصلى» [متفق عليه](‪ ،)6‬والمرأة ال تعتزل إال المساد‪ ،‬أما مصالها يف بيتها‪،‬‬
‫فال مانع أن تمكث فيه‪ ،‬وهذا قول له وجاهة يف مصليات األعياد التي أوقفت‬
‫وحارت‪ ،‬وهو قول يف المذهب‪ ،‬رجحه ابن مفلح‪ ،‬والمرداوي‪ ،‬وابن عثيمين‪.‬‬
‫قال المرداوي‪« :‬مصلى العيد‪ :‬مسادٌ على الصحيح من المذهب»(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)222/1‬‬


‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود (‪ )466‬من حديث أبي قتادة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفتح (‪.)215/3‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)166‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)324‬ومسلم (‪ )620‬من حديث أم عطية ڤ‪.‬‬
‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪.)246/1‬‬

‫‪464‬‬
‫‪465‬‬ ‫فصـــل‬

‫وقال ابن مفلح‪« :‬والصحيح أن مصلى العيد مسادٌ ؛ ألنه أعد للصالة‬
‫حقيق ًة»(‪.)1‬‬
‫وقال شـيخنا ابن عثيمين‪« :‬مصلى العيد مساد له أحكام المساجد‪ ،‬وإذا دخله‬
‫اإلنسان ال يالس حتى يصلي ركعتين»(‪.)2‬‬
‫الخامسة‪ :‬دلت األدلة على أن تحية المساد ال تحصل بأقل من ركعتين‪،‬‬
‫بأكثر من ركعتين؛ ألنه أتى بالمأمور وأكثر منه‪ ،‬وقد كان رسول اهلل ﷺ‬ ‫وياز‬
‫يصلي الفريضة‪ ،‬ثم يالس‪ ،‬وبعضها أرب ًعا وثال ًثا‪ ،‬وال تكفي ركعة‪.‬‬
‫ُهُ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫الوضوءِ)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وسنة‬
‫والصالة عقب الوضوء سنة مؤكدة يف أي وقت من ليل أو هنار؛ لقول النبي ﷺ‪:‬‬
‫ف نَ ْع َل ْي َك َب ْي َن َيدَ اي‬‫اإل ْسالَمِ‪َ ،‬فإِني َس ِم ْع ُت َد ا‬ ‫« َيا بِال َُل َحد ْثنِي بِ َأر َجى َعم ُل َع ِم ْل َت ُه فِي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ورا في َسا َعة َل ْي ُل َأ ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الاناة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ما َعم ْل ُت َع َم ًال َأ ْر َجى عنْدي‪َ :‬أني َل ْم َأ َت َط اه ْر َط ُه ً‬ ‫في َ‬
‫ب لِي َأ ْن ُأ َِل َي» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫ور َما ُكت َ‬ ‫ار‪ ،‬إِ اال َِ ال ْي ُت ب ِ َذل ِ َك ال ُّط ُه ِ‬
‫ن ََه ُ‬
‫يه َما َن ْف َس ُه‪،‬‬‫ث فِ ِ‬ ‫ال ُي َحد ُ‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬م ْن َت َو اض َأ ن َْح َو ُو ُضوئِي َه َذا‪ُ ،‬ث ام َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن َ‬
‫اهلل َل ُه َما َت َقدا َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه» [متفق عليه](‪ .)4‬وقال ﷺ‪َ « :‬ما مِ ْن ُم ْسلِ ُم َيت ََو اض ُأ َف ُي ْح ِس ُن‬ ‫َغ َف َر ُ‬
‫ُو ُضو َء ُه‪ُ ،‬ث ام َي ُقو ُم َف ُي َصلي َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬م ْقبِ ٌل َع َل ْي ِه َما بِ َق ْلبِ ِه َو َو ْج ِه ِه‪ ،‬إِ اال َو َج َب ْت َل ُه ا ْل َانا ُة»‬
‫[رواه مسلم](‪.)5‬‬
‫مسألة‪ :‬وسنة الوضوء من ذوات األسباب التي تصلى يف أوقات النهي إذا كان‬
‫بالل ﭬ‪َ « :‬ما َع ِم ْل ُت َع َم ًال َأ ْر َجى ِعن ِْدي‪َ :‬أني َل ْم َأ َت َط اه ْر‬ ‫ُ‬ ‫محاف ًظا عليها؛ لقول‬
‫ب لِي َأ ْن ُأ َِل َي»‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ار‪ ،‬إِ اال َِ ال ْي ُت بِ َذل ِ َك ال ُّط ُه ِ‬
‫ور َما ُكت َ‬ ‫ورا‪ ،‬فِي َسا َع ِة َل ْي ُل َأ ْو ن ََه ُ‬
‫َط ُه ً‬
‫(‪ )1‬الفروع (‪.)263/1‬‬
‫(‪ )2‬الممتع (‪.)154/5‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1142‬ومسلم (‪ )2456‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)164‬ومسلم (‪ )226‬من حديث عثمان بن عفان ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )234‬من حديث عقبة بن عامر ﭬ‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪466‬‬

‫اختيار شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن باز(‪.)1‬‬


‫قال ابن حار‪« :‬فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء‪ ،‬والوضوء بالصالة‬
‫يف أي وقت كان»(‪ .)2‬وقال النووي‪« :‬وفيه فضـيلة الصالة عقب الوضوء‪ ،‬وأهنا سنة‪،‬‬
‫وأهنا تباح يف أوقات النهي عند طلوع الشمس واستوائها وغروهبا‪ ،‬وبعد ِالة‬
‫الصبح والعصـر؛ ألهنا ذات سبب»(‪.)3‬‬
‫وقال ابن باز‪« :‬الحديث واضح أن سنة الوضوء تصلى يف أي وقت من ليل أو‬
‫هنار»‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫يل)‪.‬‬
‫ام الل ِ‬ ‫ين‪ ،‬وهو مِن قِي ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وإحياء ما بي ال ِعشاء ِ‬
‫من السنة أن يعمر ما بين العشاءين بالصالة‪ ،‬فيصلي فيه غير السنة الراتبة من‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫اس ﭭ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫غير تحديد‪ ،‬وقد روى أبو داود بسند ضعيف َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ا ِد»(‪ ،)4‬وثبت‬‫ب‪َ ،‬حتاى َيتَ َفر َق َأ ْه ُل ا ْلمس ِ‬ ‫الر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ ا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ا‬ ‫اهلل ﷺ ُيط ُيل ا ْلق َرا َء َة في ا‬
‫عن أنس ﭬ أنه فسـر قوله تعالى‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [السادة‪ :]16 :‬أهنم يحيون ما بين العشائين‪َ .‬ق َال‪:‬‬
‫ب إ ِ َلى َِ َال ِة‬
‫ون مِ ْن َِ َال ِة ا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫َاس مِ ْن َأ ِْ َح ِ‬
‫اب النابِي ﷺ كَانُوا ُي َص ُّل َ‬ ‫«ن ََز َل ْت فِي ُأن ُ‬
‫اء» [رواه أبوداود](‪ ،)5‬وهو قول أبي حاز ُم ومحمد بن المنكدر‪ ،‬وقاال‪ :‬هي ِالة‬ ‫ا ْل ِع َش ِ‬
‫األوابين(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬ماموع الفتاوى (‪ ،)210/23‬ماموع فتاوى ابن باز (‪.)40/13‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري (‪.)35/3‬‬
‫(‪ )3‬شـرح مسلم للنووي (‪.)246/15‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1301‬والطرباين يف المعام الكبير (‪ )12323‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬وضعفه‬
‫األلباين يف ضعيف أبي داود (‪.)236‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ )1321‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)462‬‬
‫(‪ )6‬تفسـير البغوي (‪.)521/3‬‬

‫‪466‬‬
‫‪467‬‬ ‫فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬ ‫‪F‬‬


‫(يف سُجودِ التِّالوةِ)‬

‫ذكر أحكام ساود التالوة والشكر وأدخلها يف ِالة التطوع؛ ألنه يأخذ‬
‫حكمها‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫الوة ِ‪َ ،‬م َع ق َ‬ ‫ُ َ ُّ ُ ُ ُ‬
‫ود اتلِّ َ‬ ‫ُ‬
‫ئ والمست ِم ِع)‪.‬‬ ‫ار‬
‫ِ ِ‬ ‫للق‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ص‬ ‫الف‬ ‫َِص‬
‫ِ‬ ‫ج‬‫س‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫وي‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ساود التالوة سنة مؤكدة وهو مذهب اإلمام أحمد والشافعي ومالك يف‬
‫رواية‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ فِي‪( :‬إِ َذا‬ ‫فقد روى مسلم َع ْن َأبِي ُهر ْير َة ﭬ َق َال‪« :‬س َادْ نَا م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اس ِم َرب َك)»‪.‬‬ ‫الس َما ُء ان َْش اق ْت)‪ ،‬و‪( :‬ا ْق َر ْأ بِ ْ‬‫ا‬
‫ِ‬
‫الس ُاود‪َ ،‬و َقدْ َر َأ ْي ُت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َع ْن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫اس ﭭ َق َال‪(« :‬ص) َل ْي َس ْت م ْن َع َزائ ِم ُّ‬
‫يها» [رواه البخاري]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َي ْس ُادُ ف َ‬ ‫َ ُ‬
‫َو َعنْ ُه‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ َس َادَ بِالن ْاا ِم» [رواه البخاري]‪.‬‬
‫وِارف األمر عن الوجوب ثبوت تركه من رسول اهلل ﷺ أحيانًا‪ ،‬ففي‬
‫ت َع َلى النابِي ﷺ َوالن ْاا ِم َف َل ْم َي ْس ُادْ‬ ‫ت ﭬ َق َال‪َ « :‬ق َر ْأ ُ‬ ‫الصحيحين َعن َزي ِد ب ِن َثابِ ُ‬
‫ْ ْ ْ‬
‫يها»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬
‫ور ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الا ُم َعة َع َلى المنْ َب ِر بِ ُس َ‬‫اب ﭬ َق َر َأ َي ْو َم ُ‬ ‫الخ اط ِ‬‫وروى البخاري أن ُع َم َر ْب ِن َ‬
‫ِ‬
‫ااس‪َ ،‬حتاى إِ َذا كَانَت ُ‬
‫الا ُم َع ُة‬ ‫الس ْادَ َة ن ََز َل‪َ ،‬ف َس َادَ َو َس َادَ الن ُ‬ ‫الن ْاح ِل َحتاى إِ َذا َجا َء ا‬
‫ود‪َ ،‬ف َم ْن َس َادَ‬ ‫ال َقابِ َل ُة َقر َأ بِها حتاى إِ َذا جاء السادَ َة َق َال‪« :‬يا َأيها النااس إِناا َنمر بِالسا ِ‬
‫ُ ُّ ُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ َ‬ ‫َ َ ا ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫اب‪َ ،‬و َم ْن َل ْم َي ْس ُادْ َفالَ إِ ْث َم َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َل ْم َي ْس ُادْ ُع َم ُر ﭬ»‪.‬‬ ‫َف َقدْ َأ َِ َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1012‬ومسلم (‪ )511‬من حديث زيد بن ثابت ﭬ‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪468‬‬

‫الس ُاو َد إِ اال َأ ْن ن ََشا َء»(‪ ،)1‬وأقره الصحابة‪ ،‬ولم ينقل‬


‫ض ُّ‬ ‫ويف رواية‪« :‬إِ ان َ‬
‫اهلل َل ْم َي ْف ِر ِ‬
‫أن أحدً ا أنكر عليه‪ ،‬وهذا ِـريح يف عدم وجوبه‪.‬‬
‫وأما قولـه تعالى‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾‬
‫واستكبارا‪ ،‬كما قال الشـيطان‪« :‬أمرت‬ ‫ً‬ ‫[االنشقاق‪ ،]21،20 :‬فمعناه ال يسادون إبا ًء‬
‫بالساود فأبيت»(‪.)2‬‬
‫َ ْ‬ ‫ََ َ‬
‫َِص الفص ِل)‪ :‬ساود التالوة يسن بعد قراءة السادة مباشـرة‪ ،‬وأما إذا‬ ‫(مع ق ِ‬
‫طال الفصل بعد القراءة فال يسن؛ ألهنا سنة فات محلها‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ئ والمست ِم ِع)‪ :‬ساود التالوة مشـروع يف حق تالي القرآن والمستمع‬ ‫ار ِ‬ ‫ِ‬ ‫للق‬ ‫(‬
‫له‪ ،‬كما دلت عليه األدلة‪ ،‬قال ابن قدامة‪« :‬ال نعلم فيه خال ًفا»(‪.)3‬‬
‫َان النابِ ُّي ﷺ َي ْق َر ُأ ا‬
‫الس ْادَ َة َون َْح ُن‬ ‫ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫ادُ َأ َحدُ نَا ل ِ َا ْب َهتِ ِه َم ْو ِض ًعا َي ْس ُادُ‬ ‫ِعنْدَ ُه‪َ ،‬ف َيس ُادُ َونَس ُادُ م َع ُه‪َ ،‬فن َْز َد ِحم َحتاى ما َي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َع َل ْي ِه»(‪.)4‬‬
‫وأما السامع غير القاِد للسماع‪ :‬فمذهب اإلمام أحمد ومالك‪ :‬أنه ال يشـرع‬
‫يف حقه‪ ،‬وهذا مروي عن عثمان وابن عباس وعمران ﭫ‪ ،‬ف َع ِن ا ْب ِن ا ْل ُم ِ‬
‫سـيب َأ ان‬
‫الس ُاو ُد‬‫ان ﭬ‪« :‬إِن َاما ُّ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َق َال ُع ْث َم ُ‬ ‫اص َف َق َر َأ َس ْادَ ًة ل ِ َي ْس ُادَ َم َع ُه ُع ْث َم ُ‬‫ان َم ار بِ َق ن‬ ‫ُع ْث َم َ‬
‫اح َي ِة‬
‫سـيب يالِس فِي َن ِ‬
‫َان ا ْب ُن ا ْل ُم ِ َ ْ ُ‬ ‫است ََم َع» ُث ام َمضـى َو َل ْم َي ْس ُادْ ‪َ .‬و َقدْ ك َ‬ ‫َع َلى َم ِن ْ‬
‫ِ‬
‫س َل َها» [رواه‬ ‫ول‪« :‬إِني َل ْم َأ ْجلِ ْ‬ ‫الس ْادَ َة َف َال َي ْس ُادُ َم َع ُه‪َ ،‬و َي ُق ُ‬ ‫اص ا‬ ‫ا ْل َم ْس ِاد‪َ ،‬و َي ْق َر ُأ ا ْل َق ُّ‬
‫البخاري‪ ،‬معلقًا](‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)1011‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)364/2‬تحفة األحوذي (‪.)205/ 3‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)364/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1016‬ومسلم (‪ )515‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫لم يوجب الساود‪ ،‬ووِله‬ ‫(‪ )5‬رواه البخاري معلقًا‪ -‬كتاب أبواب ساود القرآن‪ /‬باب من رأى أن اهلل‬
‫عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)344/3‬وابن أبي شـيبة (‪ .)361/1‬قال ابن حار يف فتح الباري (‪:)556/2‬‬
‫=‬

‫‪466‬‬
‫‪469‬‬ ‫فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ‬

‫ت‬ ‫الس ْادَ ُة َع َلى َم َن َج َل َس َل َها‪َ ،‬فإِ ْن َم َر ْر َ‬ ‫اس ﭭ َق َال‪« :‬إِن َاما ا‬ ‫وع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫َ‬
‫َف َس َادُ وا َف َل ْي َس َع َل ْي َك ُس ُاو ٌد»(‪.)2()1‬‬
‫َ ُ ََُ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َب لها‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وهو‪ :‬اكنلهاف ِل ِة فِيِما يعت‬
‫َ ُّ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ ِّ‬ ‫َب إذا َس َج َد بال تَكب َ‬ ‫ُ َ‬
‫ك ِّ ُ‬
‫إحرام‪ ،‬وإذا َرفع‪ ،‬وَيلِس ويسل ُم بِال تشهد‪.‬‬ ‫رية ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫َ ْ ً ََ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ‬
‫ري إما ِم ِه‪ ،‬عمدا‪ :‬بطلت صالته‪.‬‬ ‫فس ِه‪ ،‬أو ل ِ ِقراءة ِ غ‬ ‫وإن سجد المأموم ل ِ ِقراءة ِ ن ِ‬
‫ََ َ ُ َََ َ ْ ً‬ ‫َِ ْ‬ ‫َ َُ َ ُ َ ُ ََُ‬
‫لزم المأموم متابعة إما ِم ِه يف صالة ِ اجله ِر‪ .‬فلو ترك متابعته عمدا‪:‬‬ ‫وي‬
‫َ‬
‫بطلت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََُ َ ُ‬
‫ئ يصلح إماما للمست ِم ِع‪ .‬فال يسجد إن لم يسجد‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ار‬
‫ِ‬ ‫الق‬ ‫ون‬ ‫ويعتَب‪ :‬ك‬
‫َ َ ُ ُ ِّ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُه َُ‬
‫‪.‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ي‬‫م‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ار‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫قدام‬
‫ُ َ ِّ‬ ‫َ ُ ِّ ٍّ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ُ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ ٌُ‬
‫وال يسجد رجل ِتل ِالوة ِ امرأة وخنَث‪ .‬ويسجد ِتل ِالوة ِ أيم‪ ،‬وزمِن‪ ،‬وممزي)‪.‬‬
‫َ ُ ََُ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َب لها)‪ :‬المذهب‪ :‬أن ساود التالوة كصالة النافلة‬ ‫(وهو‪ :‬اكنلهاف ِل ِة فِيِما يعت‬
‫يعترب له من الشـروأ ما يعترب لها من الطهارة‪ ،‬وسرت العورة‪ ،‬واستقبال القبلة‪،‬‬
‫والنية‪ ،‬وبه قال جمهور العلماء‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو داخل يف قوله ﷺ‪َ « :‬ال ُت ْق َب ُل َِ َال ٌة بِ َغ ْي ِر‬
‫ور» [رواه مسلم](‪.)3‬‬ ‫ُط ُه ُ‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ليس ِالة‪ ،‬وال يشرتأ له شـروطها‪.‬‬
‫وهو األقرب‪ ،‬وبه قال كثير من السلف‪ ،‬حكاه عنهم ابن بطال‪ ،‬وهو مروي عن‬
‫عثمان‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن المسـيب‪ ،‬وأبي عبدالرحمن السلمي(‪ ،)4‬ورجحه ابن‬
‫حزم‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬والصنعاين‪ ،‬والشوكاين‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين‪ ،‬وهو‬
‫ظاهر ِنيع البخاري‪ ،‬وحا ُة هذا‪:‬‬

‫=‬
‫«والطريقان ِحيحان»‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)344/3‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)361/1‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)361/2‬الفتح (‪.)556/2‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)214‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪ ،)356/2‬تحفة األحوذي (‪.)212/3‬‬

‫‪462‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪470‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬أنه ال يوجد دليل ِـريح على اشرتاأ الطهارة واستقبال القبلة فيه‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أنه ال يقاس بالصالة؛ لوجود الفارق‪ ،‬وال ينطبق عليه تعريفها‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ ساد‪ ،‬وساد معه من حضـره لما قرأ االنشقاق‬
‫والنام‪ ،‬ولم ينقل أنه ﷺ أمرهم بالوضوء أو نبه عليه‪ ،‬فلو كانت الطهارة واجبة‬
‫ألمرهم هبا مسب ًقا‪ ،‬أو سألهم بعد الفراغ من الساود ليبين لهم وجوهبا‪ ،‬ولم يقع‬
‫ذلك منه ﷺ‪.‬‬
‫وأيضا كان رسول اهلل ﷺ يساد يف الماامع العامة‪ ،‬ومع ذلك لم يكن يأمرهم‬
‫ً‬
‫بالطهارة كالصالة‪ ،‬فدل على عدم اشرتاأ ذلك لصحتها‪.‬‬
‫وال ريب أن كونه على طهارة أفضل؛ ألنه ذكر‪ ،‬وكذا توجهه إلى القبلة أولى(‪.)1‬‬
‫ََ‬ ‫َب إذا َس َج َد بال تَكب َ‬ ‫ُ َ‬
‫ك ِّ ُ‬
‫إحرام‪ ،‬وإذا َرفع)‪ :‬التكبير يف ساود التالوة ال‬
‫رية ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(ي‬
‫يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون داخل الصالة‪ :‬فيكرب عند الخفض والرفع باتفاق األئمة‬
‫َان ُي َصلي َل ُه ْم َف ُي َكب ُر ُك ال َما َخ َف َض‪َ ،‬و َر َف َع‪،‬‬
‫األربعة؛ لعموم حديث أبي ُه َر ْي َر َة ﭬ‪« :‬ك َ‬
‫ول اهللِ ﷺ» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫و َق َال‪َ :‬واهللِ إِني َأل َ ْش َب ُه ُكم َِ َال ًة بِرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون خارج الصالة‪ :‬فالمذهب‪ ،‬أنه يكرب عند الخفض والرفع‬
‫أيضًا(‪.)3‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْق َر ُأ‬ ‫واستدلوا‪ :‬بما رواه أبو داود َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫الس ْادَ ِة َك اب َر‪َ ،‬و َس َادَ ‪َ ،‬و َس َادْ نَا َم َع ُه»(‪.)4‬‬
‫آن‪َ ،‬فإِ َذا َم ار بِ ا‬
‫َع َل ْينَا ا ْل ُق ْر َ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)356/2‬هتذيب السنن (‪ ،)52/1‬تحفة األحوذي (‪ ،)212/3‬فتاوى اللانة (‪.)264/1‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)346‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)352/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1413‬والحاكم (‪ )344/1‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬وِححه الحاكم‪ ،‬والبيهقي‪.‬‬
‫وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)624/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪ ،)412‬ول اينه الحافظ يف بلوغ المرام‬
‫(‪ ،)325‬وقال ابن الملقن يف خالِة البدر المنير (‪« :)166/1‬من رواية عبداهلل بن عمر العمري‪ ،‬وفيه‬
‫=‬

‫‪410‬‬
‫‪471‬‬ ‫فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ‬
‫ُ َ ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫(وَيلِس ويسل ُم)‪ :‬فالمذهب يرون مشـروعية السالم بعد ساود التالوة‬
‫كصالة النافلة‪.‬‬
‫واألقرب‪ :‬عدم مشـروعية السالم؛ ألنه لم ينقل عن رسول اهلل ﷺ أنه كان يسلم‬
‫لساود التالوة‪.‬‬
‫َ ُّ‬
‫(بِال تشهد)‪ :‬فال يشـرع التشهد بعد الرفع من ساود التالوة؛ لعدم وروده عن‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال تحريم فيها فال تشهد‪.‬‬
‫َ ْ ً ََ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ‬
‫ري إما ِم ِه‪ ،‬عمدا‪ :‬بطلت‬ ‫فس ِه‪ ،‬أو ل ِ ِقراءة ِ غ ِ‬
‫اءة ِ ن ِ‬‫(وإن سجد المأموم ل ِ ِقر‬
‫َ ُ‬
‫صالته)‪ :‬المأموم ال ياوز له أن يساد ساود التالوة لقراءة نفسه‪ ،‬أو قراءة غير‬
‫ناس َب َط َل ْت َِ َالته؛‬ ‫ُ‬ ‫إمامه‪ ،‬فإن ساد المأموم أثناء الصالة لقراءته متعمدً ا غير‬
‫اإل َما ُم لِيُ ْؤ َت ام بِ ِه‪َ ،‬فالَ َت ْختَلِ ُفوا‬
‫لمخالفته إمامه‪ ،‬ومسابقته له‪ ،‬وقد قال ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫َ‬
‫َع َل ْيه» [متفق عليه](‪ ،)1‬وإن ساد ناس ًيا رجع للمتابعة وِحت ِالته‪.‬‬
‫َ َ ُ َََ َ ْ ً‬ ‫َْ‬ ‫َ َُ َ ُ َ ُ ََُ‬
‫اجله ِر‪ .‬فلو ت َرك متابعته عمدا‪:‬‬ ‫لزم المأموم متابعة إما ِم ِه يف صالة ِ‬ ‫(وي‬
‫َ‬
‫بطلت)‪ :‬إذا ساد اإلمام للتالوة يف الصالة الاهرية لزم المأموم متابعته‪ ،‬وإن‬
‫تخلف حرم وبطلت ِالته‪.‬‬
‫وأما يف الصالة السـرية‪ :‬فالمذهب أن المأموم مخير بين متابعته وعدمها؛ ألنه‬
‫ال يسن لإلمام قراءة آية فيها سادة يف السـرية‪.‬‬
‫واختار ابن قدامة أنه يلزم المأموم متابعة اإلمام يف الساود مطل ًقا‪ ،‬حتى يف‬
‫اإل َما ُم لِيُ ْؤ َت ام بِ ِه‪َ ،‬فالَ َت ْختَلِ ُفوا‬
‫السـرية؛ لعموم قول رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫َ‬

‫=‬
‫مقال‪ ،‬ورواه بنحوه الحاكم من رواية أخيه عبيد اهلل المتفق على عدالته‪ ،‬وقال ِحيح على شـرأ‬
‫الشـيخين»‪ .‬فخالفه أخوه الثقة ولم يذكر التكبير‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)122‬ومسلم (‪ )414‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪472‬‬

‫َع َل ْي ِه‪ ،»...‬وهو األظهر(‪.)1‬‬


‫وينبغي لإلمام أال يساد يف ِالة سـرية؛ ألنه لم يصح النقل عن الرسول ﷺ‬
‫فيها‪ ،‬وألنه يخشـى من اللبس على المأمومين‪ ،‬ويقتصـر على الصالة الاهرية فإن‬
‫ساد يف سـرية‪ .‬فالمذهب قالوا‪ :‬يكره؛ لما فيه من اإليهام على المأمومين‪.‬‬
‫واألظهر عدم الكراهة‪ ،‬وبه قال اإلمام الشافعي؛ ألن الكراهة حكم شـرعي‬
‫تفتقر إلى دليل شـرعي‪ ،‬وقد ورد حديث ضعيف عن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َأ ان النابِ اي ﷺ‪:‬‬
‫الس ْادَ ِة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫« َس َادَ في َِ َالة ال ُّظ ْه ِر‪ُ ،‬ث ام َقا َم َف َرك ََع‪َ ،‬ف َر َأ ْينَا َأ ان ُه َق َر َأ َتن ِْز َيل ا‬
‫َ ُ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫ً ُ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ُ ََُ َ ُ َ‬
‫ئ يصلح إماما للمست ِم ِع‪ .‬فال يسجد إن لم يسجد‪ ،‬وال‬ ‫ار ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق‬ ‫(ويعتَب‪ :‬كون‬
‫ُ َ‬ ‫ٌ‬
‫سج ُد َر ُجل ِتل َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ََ ُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُه َُ‬
‫امرأة وخنَث‪.‬‬‫ِالوة ِ َ‬ ‫اره ِ مع خل ِّو ي ِمينِ ِه‪ .‬وال ي‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫قدام‬
‫ُ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ٍِّّ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ويسجد ِتل ِالوة ِ أيم‪ ،‬وزمِن‪ ،‬وممزي)‪ :‬المذهب‪ :‬جعلوا ساود التالوة كصالة‬
‫النافلة‪ ،‬وألحقوا به أحكامها‪ ،‬فال يصح ساود التالوة خلف من ال تصح إمامته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فال يصح خلف المرأة‪ ،‬وال أمام اإلمام‪ ،‬وال عن يساره مع خلو يمينه‪.‬‬
‫واألقرب‪ :‬أنه ال يأخذ أحكام الصالة‪ ،‬فياوز الساود خلف من ال تصلح‬
‫إمامته‪ ،‬وكذا أمام اإلمام‪ ،‬وبه قال بعض الحنابلة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا لم يساد القار ‪ ،‬فال يساد المستمع؛ ألنه تبع للقار ‪ ،‬ويدل له‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ود ﭬ لِت َِم ِ‬
‫ما َقا َله ابن مسع ُ‬
‫يم ْب ِن َح ْذ َل ُم حين َق َر َأ َع َل ْيه َس ْادَ ةً‪َ ،‬ف َق َال‪ْ « :‬‬
‫اس ُادْ‬ ‫ْ ُ َ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫َفإِن َاك إِ َما ُمنَا ف َ‬
‫يها» [رواه البخاري‪ ،‬معلقًا](‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)311/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)601‬وأحمد (‪ ،)5556‬والحاكم (‪ ،)343/1‬والبيهقي يف السنن (‪ )456/2‬من حديث ابن‬
‫عمر ﭭ‪ .‬قال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)22/2‬وفيه أمية شـيخ لسليمان التيمي‪ ،‬رواه له عن أبي مالز‬
‫وهو ال يعرف‪ ،‬قاله أبو داود»‪ .‬وضعفه األلباين يف ضعيف أبي داود (‪.)143‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم‪ -‬كتاب أبواب ساود القرآن‪ /‬باب من ساد لساود القار ‪ ،‬ووِله يف التاريخ‬
‫الكبير (‪.)2021‬‬

‫‪412‬‬
‫‪473‬‬ ‫فَصلٌ يف سُجو ِد التِّالوةِ‬

‫مسألة‪ :‬المشـروع من األذكار يف ساود التالوة‪:‬‬


‫قول‪« :‬سبحان ربي األعلى»؛ لقوله ﷺ‪« :‬اجعلوها يف ساودكم»(‪ ،)1‬وهذا عام‪،‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬ويقول يف ساوده ما يقول يف ساود الصالة قال أحمد‪ :‬أما أنا‬
‫فأقول سبحان ربي األعلى»(‪.)2‬‬
‫وقول‪َ « :‬س َادَ َو ْج ِهي ل ِ ال ِذي َخ َل َق ُه‪َ ،‬و َش اق َس ْم َع ُه َو َبصـر ُه‪ ،‬بِ َح ْول ِ ِه َو ُق اوتِ ِه»‪ ،‬فقد‬
‫ول‬‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫روى أبو داود‪ ،‬وِححه الرتمذي َع ْن َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫آن بِال اليْ ِل»(‪.)3‬‬ ‫ذلك فِي سا ِ‬
‫ود ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫اج َع ْل َها لِي ِعنْدَ َل‬ ‫ِ‬
‫ب لي بِ َها عنْدَ َل َأ ْج ًرا‪َ ،‬و َض ْع َعني بِ َها ِو ْز ًرا‪َ ،‬و ْ‬
‫وقول‪« :‬ال الهم ا ْك ُت ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ا‬
‫ُذ ْخ ًرا‪َ ،‬و َت َق اب ْل َها مِني ك ََما َت َق اب ْلت ََها مِ ْن َع ْب ِد َل َد ُاو َد» [رواه الرتمذي](‪.)4‬‬
‫ومهما قال من ذلك ونحوه‪ ،‬فحسن‪ ،‬وإن جمعها جاز‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)5‬‬
‫مسألة‪ :‬األظهر يف عدد سادات القرآن أهنا خمس عشـرة سادة‪ ،‬وهذا رواية‬
‫عن اإلمام أحمد‪ ،‬ورجحه ابن باز‪ ،‬وهي يف‪« :‬األعراف‪ ،‬والرعد‪ ،‬واإلسـراء‪،‬‬
‫والنحل‪ ،‬ومريم‪ ،‬والحج اثنتان‪ ،‬والفرقان‪ ،‬والنمل‪ ،‬والسادة‪ ،‬وص‪ ،‬وفصلت‪،‬‬
‫والنام‪ ،‬واالنشقاق‪ ،‬والعلق»‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)346‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)352/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)1414‬والرتمذي (‪ ،)560‬والنسائي (‪ ،)222/2‬وأحمد (‪ .)24022‬وِححه النووي يف‬
‫خالِة األحكام (‪ ،)622/2‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)266/4‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)1213‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)512‬وابن خزيمة (‪ ،)562‬وابن حبان (‪ ،)2166‬والحاكم (‪ )341/1‬من حديث ابن‬
‫عباس ﭭ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث غريب من حديث ابن عباس‪ ،‬ال نعرفه إال من هذا الوجه»‪ ،‬وقال ابن‬
‫حار يف التلخيص الحبير (‪« :)22/2‬ضعفه العقيلي بالحسن ابن محمد بن عبيد اهلل بن أبي يزيد‪ ،‬فقال‪ :‬فيه‬
‫جهالة»‪.‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪.)362/2‬‬

‫‪413‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪474‬‬
‫ْ َ َ َ َ‬
‫اع انلِّقم‪ .‬وإن سجد هل ‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عم‪ ،‬وان ِدف ِ‬ ‫َ َ َ ُّ ِّ‬ ‫ُ َ ُّ ُ ُ ُ ُّ ْ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويسن‪ :‬سجود الشك ِر عِند جتد ِد انل ِ‬
‫جو ِد اتلِّ َ‬ ‫َ ُُ َ ُ ُ‬ ‫َُُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫الوة ِ)‪.‬‬ ‫وصفته‪ ،‬وأحاكمه‪ :‬كس‬ ‫بطلت‪ِ .‬‬ ‫اعل ِما ذاك ًِرا‪ -‬يف صالة‪:‬‬
‫ِّ َ‬ ‫َ‬
‫عم‪ ،‬وان ِدف ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ َ ُّ‬ ‫ُ َ ُّ ُ ُ ُ ُّ ْ‬
‫اع انلقم)‪ :‬لثبوته عنه ﷺ‬ ‫(ويسن‪ :‬سجود الشك ِر عِند جتد ِد انل ِ‬
‫والصحابة ﭫ‪.‬‬
‫[رواه أبو داود‪،‬‬ ‫اجدً ا َشاكِ ًرا ل ِ ال ِه»‬
‫سـرور‪َ ،‬أ ْو ُبشـر بِ ِه َخر س ِ‬
‫ا َ‬ ‫ُ‬ ‫فقد كان ﷺ‪« :‬إِ َذا َجا َء ُه َأ ْم ُر‬
‫والرتمذي وقال حسن غريب](‪.)1‬‬
‫ول اهلل ﷺ بإسالم همدان‪َ ،‬ف َق َر َأ كِتَا َب ُه َك اب َر َجال ِ ًسا‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ولما كتب علي إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َس َادَ ‪َ ،‬ف َق َال‪ « :‬ا‬
‫الس َال ُم َعلى َه ْمدَ ان» ث َالثا‪ ،‬ف َتتَا َب َع أ ْهل ال َي َمن َعلى اإل ْس َالم» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وكذا كعب بن مالك ﭬ ساد حين بشـر بتوبة اهلل عليه(‪.)3‬‬


‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ َ َ َ َ‬
‫(وإن سجد هل ‪-‬اعل ِما ذاك ًِرا‪ -‬يف صالة‪ :‬بطلت)‪ :‬ال ياوز الساود للشكر أثناء‬
‫الصالة‪ ،‬وإنما ينتظر حتى يفرغ منها؛ ألن سبب الساود ليس منها‪ ،‬فإن ساد‬
‫جاهال بالحرمة لم تبطل‪.‬‬
‫ً‬ ‫عامدً ا بطلت ِالته‪ ،‬وإن كان ناسـيا أو‬
‫وأحاك ُم ُه‪َ :‬ك ُس ُجو ِد اتلِّ َ‬
‫الوة ِ)‪ :‬يف هيئته وما يقال فيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َُُ‬
‫وصفته‪،‬‬
‫( ِ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)2114‬والرتمذي (‪ )1516‬من حديث أبي بكرة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن‬
‫غريب‪ ،‬ال نعرفه إال من هذا الوجه من حديث بكار بن عبدالعزيز‪ ،‬وبكار مقارب الحديث»‪ .‬وحسنه األلباين‬
‫يف اإلرواء (‪.)414‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف السنن (‪ )516/2‬من حديث الرباء بن عازب ﭭ‪ .‬قال البيهقي يف معرفة السنن واآلثار‬
‫(‪« :)311/3‬هذا إسناد ِحيح‪ ،‬قد أخرج البخاري ِدر الحديث‪ ،‬ولم يسقه بتمامه‪ ،‬وساود الشكر يف‬
‫تمام الحديث ِحيح على شـرطه»‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)626/2‬واأللباين يف اإلرواء‬
‫(‪.)222/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)4416‬ومسلم (‪ )2162‬من حديث كعب بن مالك ﭬ‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫‪475‬‬ ‫ت النَّهيِ‬
‫فصلٌ يف أوقا ِ‬

‫‪e‬‬ ‫ت النَّهيِ‬
‫َفصْ ٌل يف أوقَا ِ‬
‫‪F‬‬

‫ذكر يف هذا الفصل األوقات التي ُنهي عن الصالة فيها‪ ،‬وبعض األحكام‬
‫المتعلقة هبا‪ ،‬ثم ذكر الصلوات التي يرخص يف أدائها يف هذه األوقات‪.‬‬
‫واألِل أن ِالة التطوع مشـروعة يف كل وقت‪:‬‬
‫لعموم قولـه تعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحـج‪.]11 :‬‬
‫ود ل ِ ال ِه‪َ ،‬فإِن َاك َال‬
‫ولحديث ثوبان ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ع َلي َك بِ َك ْثر ِة السا ِ‬
‫َ ُّ ُ‬ ‫ْ‬
‫اهلل بِ َها َد َر َجةً‪َ ،‬و َح اط َعن َْك بِ َها َخطِي َئ ًة» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َت ْس ُادُ ل اله َس ْادَ ةً‪ ،‬إِ اال َر َف َع َك ُ‬
‫اود» [رواه‬
‫وقوله ﷺ لربيعة بن كعب ﭬ‪َ « :‬ف َأ ِعني َع َلى َن ْف ِس َك بِ َك ْثر ِة الس ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫َ‬
‫مسلم](‪.)2‬‬
‫وسفرا إال يف أوقات النهي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهنارا حضـرا‬ ‫ً‬ ‫ليال‬
‫فاألِل مشـروعيتها ً‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫اع الشم ِس قِيد ُرمح‪ .‬ومِن صالة ِ‬ ‫وع الف ْج ِر‪ ،‬إىل ارت ِف ِ‬ ‫ويه‪ :‬مِن ُطل ِ‬ ‫قوهل‪َ ِ ( :‬‬
‫َ َ َ َ ه َُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫وب الشم ِس‪ .‬وعِند قِيامِها‪ ،‬حَت تزول)‪.‬‬ ‫َص‪ ،‬إىل غر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اع الشم ِس قِيد ُرمح)‪ :‬هذا الوقت األول؛ لقوله‬ ‫وع الفج ِر‪ ،‬إىل ارت ِف ِ‬ ‫(مِن طل ِ‬
‫ِ‬ ‫الص ْبحِ َحتاى َت ْر َت ِف َع ا‬
‫ال َِالَ َة َب ْعدَ ال َعصـر َحتاى َتغ َ‬
‫يب‬ ‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َ‬ ‫ال َِالَ َة َب ْعدَ ُّ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬‬
‫الش ْم ُس» [متفق عليه](‪.)3‬‬‫ا‬
‫ِ‬
‫الص ْبحِ َحتاى‬
‫الصالَة َب ْعدَ ُّ‬ ‫ويف الصحيحين عن عمر ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ ن ََهى َع ِن ا‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)316‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)316‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬

‫‪415‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪476‬‬

‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َب ْعدَ ال َعصـر َحتاى َت ْغ ُر َب»(‪.)1‬‬ ‫َت َ‬


‫شـرق ا‬
‫ويبدأ النهي من طلوع الفار‪ ،‬ويستثنى من ذلك ركعتا الفار‪.‬‬
‫وهو قول األئمة الثالثة‪ :‬أحمد‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬ومالك؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬‬
‫ال َِالَ َة َب ْعدَ‬
‫ِ‬ ‫الص ْبحِ َحتاى َت ْر َت ِف َع ا‬
‫الص ْبحِ َحتاى َت َ‬
‫شـرق‬ ‫الش ْم ُس‪ ،»...‬و «هنَى َع ِن ا‬
‫الصالَة َب ْعدَ ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ا‬
‫الش ْم ُس»‪.‬‬
‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬ال َِ َال َة َب ْعدَ ال َف ْا ِر إِ اال َس ْادَ َت ْي ِن» [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي وقال غريب](‪.)2‬‬
‫والنبي ﷺ لم يكن يتنفل إذا طلع الفار غير الركعتين‪ ،‬كما قالت َح ْف َص ُة ڤ‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا َط َل َع ا ْل َف ْا ُر‪َ ،‬ال ُي َصلي إ ِ اال َر ْك َع َتيْ ِن َخ ِفي َف َت ْي ِن» [متفق عليه](‪ ،)3‬فال‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫«ك َ‬
‫يشـرع بعد طلوع الفار من النوافل إال ركعتا الفار وذوات األسباب‪.‬‬
‫ويستمر النهي حتى ترتفع الشمس قيد رمح بعين الناظر‪ ،‬فال تاوز الصالة مع‬
‫طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح‪ .‬والحكمة من النهي‪:‬‬
‫أهنا تطلع بين قرين شـيطان‪ ،‬إذا أرادت الخروج حاذاها الشـيطان بقرنه‪ ،‬فإذا‬
‫ارتفعت قارهنا‪ ،‬كما أخرجه مالك يف الموطأ(‪ ،)4‬قال شـيخ اإلسالم‪« :‬القرنان جانبا‬
‫رأسه»‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وترل التشبه بعبدة النار‪ ،‬فإهنم يسادون لها أول خروجها‪ ،‬والتحذير من‬
‫الساود لقرن الشـيطان‪ ،‬وألن يف منع العبد من الصالة يف بعض األوقات هتيياًا له‬
‫الغتنام ما يبقى مما ال منع فيه‪ ،‬فإذا وقع المنع زاد النشاأ يف غيره‪.‬‬
‫ويدل الستمرار النهي حتى ارتفاع الشمس‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َين َْهانَا َأ ْن‬
‫َان َر ُس ُ‬ ‫ث سا َع ُ‬
‫ات ك َ‬ ‫ِ‬
‫حديث ُع ْق َب َة ْب ِن َعام ُر ﭬ قال‪َ « :‬ث َال ُ َ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)561‬ومسلم (‪ )626‬من حديث عمر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)412‬وأبو داود (‪ ،)1216‬وأحمد (‪ )5611‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫«حديث غريب»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)616‬ومسلم (‪ )123‬من حديث حفصة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬موطأ مالك (‪( )11/1( ،)36‬رواية أبي مصعب الزهري)‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫‪477‬‬ ‫ت النَّهيِ‬
‫فصلٌ يف أوقا ِ‬

‫از َغ ًة َحتاى َت ْر َت ِف َع‪َ ،‬و ِحي َن‬ ‫يه ان َم ْو َتانَا‪ِ :‬حي َن َت ْط ُل ُع ا‬


‫الش ْم ُس َب ِ‬ ‫يه ان‪َ ،‬أ ْو َأ ْن َن ْق ُب َر فِ ِ‬
‫ُن َصلي فِ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس لل ُغ ُروب َحتاى ت ْغ ُر َب»‬ ‫ضـيف ا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬وحي َن ت‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ُقو ُم قائ ُم الظه َيرة َحتاى تميل ا‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫[رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫الص َال ِة َحتاى َت ْط ُل َع ا‬
‫الش ْم ُس َحتاى‬ ‫الص ْبحِ ‪ُ ،‬ث ام َأ ْقصـر َع ِن ا‬ ‫وقوله ﷺ‪َِ « :‬ل َِ َال َة ُّ‬
‫ُ ِ ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ْر َتف َع‪َ ،‬فإِن َاها َت ْط ُل ُع حي َن َت ْط ُل ُع َب ْي َن َق ْرن َْي شـي َطان‪َ ،‬وحينَئذ َي ْس ُادُ َل َها ا ْل ُك اف ُ‬
‫ار» [رواهما‬

‫مسلم](‪ ،)2‬ويقدر الوقت من طلوعها إلى ارتفاعها (ما بين عشـر إلى خمس عشـرة‬
‫دقيقة تقري ًبا)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫وب الشم ِس)‪ :‬هذا الوقت الثاين؛ لما يف‬ ‫َص‪ ،‬إىل غر ِ‬ ‫(ومِن صالة ِ الع ِ‬
‫ِ‬
‫الص ْبحِ َحتاى‬ ‫الصحيحين عن عمر ﭬ قال‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ ن ََهى َع ِن ا‬
‫الصالَة َب ْعدَ ُّ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َب ْعدَ ال َعصـر َحتاى َت ْغ ُر َب»‪ ،‬وحديث عمرو بن عبسة ﭬ عند‬ ‫شـرق ا‬ ‫َت َ‬
‫ور ٌة َحتاى ُت َصل َي ا ْل َعصـر‪،‬‬ ‫مسلم‪َ « :‬فإِ َذا َأ ْق َب َل ا ْل َف ْي ُء َف َصل‪َ ،‬فإِ ان ا‬
‫الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ‬
‫ان‪َ ،‬و ِحينَئِ ُذ‬
‫الشمس‪َ ،‬فإِناها َت ْغرب بين َقرنَي شـي َط ُ‬
‫َ ُ ُ َْ َ ْ ْ‬
‫ِ‬
‫الص َالة َحتاى َت ْغ ُر َب ا ْ ُ‬ ‫ُث ام َأ ْقصـر َع ِن ا‬
‫َي ْس ُادُ َل َها ا ْل ُك اف ُار»‪ ،‬وكذا حديث أبي سعيد‪ ،‬وعقبة ابن عامر ﭭ وتقدما‪.‬‬
‫َ َ َ َ ه َ َ‬
‫(وعِند قِيامِها‪ ،‬حَت ت ُزول)‪ :‬هذا الوقت الثالث‪ ،‬وهو من قيام الشمس يف كبد‬
‫السماء حتى تزول‪ .‬وقد ثبتت األدلة يف النهي عن الصالة يف هذا الوقت‪:‬‬
‫كحديث ُع ْق َب َة ْب ِن َعامِ ُر ﭬ قال‪ :‬وفيه‪َ « :‬و ِحي َن َي ُقو ُم َقائِ ُم ال اظ ِه َير ِة َحتاى َت ِم َيل‬
‫الش ْم ُس» [رواه مسلم](‪.)3‬‬ ‫ا‬
‫الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ‬
‫ور ٌة‬ ‫ثم َِل‪َ ،‬فإِ ان ا‬ ‫وحديث عمرو بن عبسة ﭬ‪ ،‬وفيه‪ « :‬ا‬
‫الص َالةِ‪َ ،‬فإِ ان ِحينَئِ ُذ ُت ْس َا ُر َج َهن ُام‪َ ،‬فإِ َذا َأ ْق َب َل‬ ‫ِ‬
‫َحتاى َي ْستَق ال الظ ُّل بِ ُّ‬
‫الر ْمحِ ‪ُ ،‬ث ام َأ ْقصـر َع ِن ا‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬

‫‪411‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪478‬‬

‫ور ٌة َحتاى ُت َصل َي ا ْل َعصـر» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫ا ْل َف ْي ُء َف َصل‪َ ،‬فإِ ان ا‬


‫الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ‬
‫مسألة‪ :‬هل يوم الامعة داخل يف النهي عن التنفل وقت الزوال أم ال؟‬
‫المذهب‪ :‬أن النهي مطلق يف الامعة وغيرها؛ لعمومات األدلة‪ ،‬كحديث عقبة‬
‫وعمرو بن عبسة ﭬ‪ ،‬ولم يأت حديث ِحيح يخصها‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن يوم الامعة مستثنى من النهي‪ ،‬فياوز التنفل وقت الزوال‪،‬‬
‫وهذا قول اإلمام األوزاعي‪ ،‬وأبي يوسف‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬ورجحه شـيخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وابن القيم(‪.)2‬‬
‫رغب يف التبكير للامعة‪ ،‬ثم ا‬
‫رغب يف الصالة إلى‬ ‫ويدل له‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ ا‬
‫دخول اإلمام من غير تخصـيص‪ ،‬فاعل غاية الصالة دخول اإلمام‪ ،‬واإلمام ال‬
‫يخرج إال بعد الزوال غال ًبا‪ ،‬كقوله ﷺ‪َ « :‬م ِن ا ْغت ََس َل ُث ام َأ َتى ا ْل ُا ُم َعةَ‪َ ،‬ف َص الى َما ُقد َر‬
‫َل ُه‪ُ ،‬ث ام َأن َْص َت َحتاى َي ْف ُر َغ م ِ ْن ُخ ْط َبتِ ِه‪ُ ،‬ث ام ُي َصلي َم َع ُه‪ُ ،‬غ ِف َر َل ُه َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ا ْل ُا ُم َع ِة‬
‫ْاألُ ْخ َرى‪َ ،‬و َف ْض ُل َث َال َث ِة َأ ايا ُم» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫وأيضا فإن الناس يكونون يف المساد تحت السقوف‪ ،‬وال يشعرون بوقت‬ ‫ً‬
‫متشاغال بالصالة ال يدري بوقت الزوال‪ ،‬وال يمكنه أن‬ ‫ً‬ ‫الزوال‪ ،‬والرجل يكون‬
‫يخرج‪ ،‬ويتخطى رقاب الناس‪ ،‬وينظر إلى الشمس ويرجع‪ ،‬وال يشـرع له ذلك‪،‬‬
‫وعد ابن القيم هذا من خصائص يوم الامعة‪ ،‬وجاء فيه حديث ِـريح لكنه غير‬
‫الش ْم ُس إِ اال َي ْو َم‬
‫ول ا‬‫ار َحتاى َت ُز َ‬ ‫الص َال ِة ن ِ ْص َ‬
‫ف الن َاه ِ‬ ‫ول اهلل ﷺ ن ََهى َع ِن ا‬‫ِحيح‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ا ْل ُا ُم َع ِة» [رواه الشافعي‪ ،‬والبيهقي](‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬


‫(‪ )2‬زاد المعاد يف هدي خير العباد (‪.)366/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )651‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ ،)63‬والبيهقي يف السنن (‪ )652/2‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال النووي‬
‫يف خالِة األحكام (‪« :)213/1‬طرقه كلها ضعيفة»‪ ،‬وضعفه الحافظ ابن حار يف التلخيص الحبير‬
‫(‪ ،)412/1‬وقال ابن القيم يف زاد المعاد (‪ :)366/1‬يف إسناده من ال يحتج به‪ ،‬قاله البيهقي قال‪« :‬ولكن إذا‬
‫=‬

‫‪416‬‬
‫‪479‬‬ ‫ت النَّهيِ‬
‫فصلٌ يف أوقا ِ‬

‫والمسألة محتملة‪ ،‬واألولى للمسلم تانب التنفل يف هذا الوقت‪ ،‬وظاهر‬


‫فص الى ما ُقد َر له‪ »...‬أنه بدأ بالصالة أول الدخول‪.‬‬‫حديث ابن عمر ﭭ‪َ « :‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ ُ ه َ ُّ‬ ‫ُ‬
‫قت‬ ‫قوهل‪( :‬فتحرم‪ :‬صالة اتلطو ِع يف ه ِذه ِ األوق ِ‬
‫ات‪ .‬وال تنع ِقد‪ ،‬ولو جاهِال للو ِ‬
‫يم)‪.‬‬ ‫ه‬
‫حر ِ‬
‫واتل ِ‬
‫ينهى عن التنفل يف أوقات النهي إال ما استثناه الشارع‪ ،‬وسواء كان وقت النهي‬
‫مضـيقًا أو موسعًا‪ ،‬وبه قال األئمة األربعة‪.‬‬
‫والمذهب‪ :‬أن النهي للتحريم؛ لصـراحة النهي عن رسول اهلل ﷺ يف حديث‬
‫ُع ْق َب َة وعمرو بن عبسة ﭭ وغيرهما‪ ،‬ولم يصح عن رسول اهلل ﷺ أنه تنفل فيهما‪،‬‬
‫وعائِ َش َة ﭭ‪.‬‬
‫إال ما ورد من ِالته الراتبة بعد العصـر يف حديث أم سلمة َ‬
‫ويااب عنه‪ :‬بأن رسول اهلل ﷺ َب اين عذره‪ ،‬وهو أنه شغل عن الراتبة بأحد‬
‫الوفود كما رواه مسلم(‪ ،)1‬فيؤخذ منه الرتخيص يف قضاء الراتبة وقت النهي لمن‬
‫ان َما َت َر َك ُه َما‬ ‫تركها لعذر من نسـيان أو انشغال‪ .‬وأما قول َعائِ َش َة ڤ‪َ ِ« :‬ال َت ِ‬
‫َ‬
‫ول اهللِ ﷺ فِي َب ْيتِي َق ُّط‪ ،‬سـرا َو َال َع َالن ِ َيةً‪َ ،‬ر ْك َعتَ ْي ِن َق ْب َل ا ْل َف ْا ِر‪َ ،‬و َر ْك َع َت ْي ِن َب ْعدَ‬
‫َر ُس ُ‬
‫ا ْل َعصـر» [رواه مسلم](‪ ،)2‬فذكر ابن رجب له خمسة توجيهات‪ ،‬ومنها‪ :‬أن من هدي‬
‫رسول اهلل ﷺ أنه‪« :‬إذا ِلى ِالة أثبتها»(‪ )3‬يعني داوم عليها‪ ،‬وكونه داوم عليها يف‬
‫هذا الوقت هذا من خصائصه‪.‬‬
‫ويشهد لهذا‪ :‬ما رواه اإلمام أحمد َع ْن ُأم َس َل َم َة ڤ أهنا َقا َل ْت‪َ « :‬أ َفنَ ْقضي ُه َما إِ َذا‬
‫َفا َتتَا؟ َق َال‪َ :‬ال»(‪.)4‬‬
‫=‬
‫انضمت هذه األحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة»‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)432‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )635‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )635‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد (‪ ،)26616‬وابن حبان (‪ )2653‬من حديث أم سلمة ڤ‪ .‬قال ابن رجب يف الفتح (‪:)61/5‬‬
‫«إسناده جيد»‪ .‬وقال األلباين يف إرواء الغليل (‪« :)166/2‬وإسناده معلول باالنقطاع بين ذكوان وأم سلمة‪،‬‬
‫=‬

‫‪412‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪480‬‬
‫َ‬ ‫َََ‬ ‫ُ ه ُّ ْ‬ ‫ُه َ ْ َ ََ َ ََ ه‬
‫وركعيت الط َو ِ‬
‫اف‪ .‬وسن ِة الظه ِر إذا مجع‪ .‬وإاعدة ِ‬ ‫ى‪ :‬سن ِة الفج ِر قبلها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬س َو‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫ج ِد‪.‬‬‫مجاعة أق َِيمت وهو بالمس ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ورة ِ‪ ،‬ولو نذ َرها فِيها)‪.‬‬
‫نذ َ‬ ‫اء الف َرائ ِض‪ .‬وف ِعل الم‬ ‫وَيُوز فِيها‪ :‬قض‬
‫المذهب حرمة التنفل أوقات النهي إال ما استثناه النص وما سواه يبقى على‬
‫التحريم والذي استثني كركعتي الطواف‪ ،‬وسنة الظهر البعدية إذا جمعها مع‬
‫العصـر‪ ،‬وإعادة جماعة أقيمت وهو يف المساد‪ ،‬ومثلها قضاء الفرائض يف أوقات‬
‫النهي‪ ،‬وفعل المنذورة‪.‬‬
‫فالتطوع بغير ما ذكر يف األوقات الخمسة نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما ال سبب له وهو التطوع المطلق فالمذهب أنه ال ياوز ولو ِالها لم‬
‫تصح ولو كان جاهالً للوقت والتحريم ألهنا وقعت يف غير محلها والنهي يقتضي‬
‫الفساد‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬ماله سبب كتحية المساد وقضاء الرواتب‪ ،‬ففي المذهب روايتان‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه ال ياوز وال يرخص إال فيما جاء فيه نص وهي المذكورات السابقة‬
‫وهي المذهب وعليها أكثر األِحاب‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬ياوز فعلها لوجود سبب‪ ،‬واختارها أبو الخطاب وشيخ اإلسالم‬
‫واألظهر‪ :‬إلحاق كل ما له سبب من الصلوات فياوز فعلها يف أوقات النهي‪،‬‬
‫وهو إحدى الروايتين عن أحمد‪ ،‬ومذهب الشافعي‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن‬
‫القيم‪ ،‬والنووي‪ ،‬والسعدي‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين(‪)1‬؛ لداللة أحاديث خاِة‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ف ُأقِيم ِ‬
‫ت‬ ‫ما رواه الرتمذي عن قيس بن عمرو ﭬ قال‪َ « :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫َ‬

‫=‬
‫وبأن األكثر من الرواة عن حماد لم يذكروا فيه الزيادة‪ ،‬فهي شاذة»‪.‬‬
‫(‪ )1‬الفتاوى (‪ ،)210/23‬شـرح مسلم للنووي (‪ ،)356/6‬فتح الباري البن حار (‪ ،)52/2‬المختارات الالية‬
‫للسعدي ص (‪.)51‬‬

‫‪460‬‬
‫‪481‬‬ ‫ت النَّهيِ‬
‫فصلٌ يف أوقا ِ‬

‫ْصـرف النابِ ُّي ﷺ َف َو َجدَ نِي ُأ َِلي‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬م ْه ًال َيا‬
‫َ‬ ‫الص َال ُة‪َ ،‬ف َص ال ْي ُت َم َع ُه ُّ‬
‫الص ْب َح‪ُ ،‬ث ام ان‬ ‫ا‬
‫ول اهللِ‪ ،‬إِني َل ْم َأ ُك ْن َر َك ْع ُت َر ْك َعت َِي ال َف ْا ِر‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫ان َم ًعا» ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬‫َقيس‪َ ،‬أِ َال َت ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫« َف َال إِ َذ ْن»(‪ .)1‬فهو قضاها بعد الفار مع أنه وقت هني‪ ،‬لكن لما كانت ذات سبب لم‬
‫ينهه‪.‬‬
‫وروى أبو داود‪ ،‬والرتمذي وِححه َع ْن ُج َب ْي ِر ْب ِن ُم ْط ِع ُم ﭬ أن النابِ اي ﷺ قال‪:‬‬
‫ت َو ُي َصلي َأ اي َسا َع ُة َشا َء مِ ْن َل ْي ُل‬
‫وف بِه َذا ا ْلبي ِ‬
‫َْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫« َيا َبني َع ْبد َمنَاف‪َ ،‬ال َت ْمنَ ُعوا َأ َحدً ا َي ُط ُ َ‬
‫ار»(‪.)2‬‬‫َأ ْو ن ََه ُ‬
‫ويف حديث أم سلمة ڤ أن رسول اهلل ﷺ لما شغله الوفد عن السنة بعد الظهر‬
‫قضاها بعد العصـر مع أنه وقت هني‪.‬‬
‫ف َأن َْت إِ َذا كَان َْت‬‫ول اهللِ‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫وروى مسلم َع ْن َأبِي َذ نر ﭬ َق َال‪َ « :‬ق َال لِي َر ُس ُ‬
‫الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫ون ا‬ ‫الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ ‪َ -‬أ ْو‪ُ -‬ي ِمي ُت َ‬ ‫ون ا‬ ‫َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ‬
‫الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َها‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َصل‪َ ،‬فإِن َاها َل َك‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ :‬ف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َال‪َِ :‬ل ا‬ ‫ُق ْل ُ‬
‫نَافِ َل ٌة»(‪.)3‬‬
‫وهذا عام حتى يف العصـر والفار‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ قاله حتى يف شأن ِالة‬
‫الفار‪.‬‬
‫ويف الصحيحين عن أبي قتادة ﭬ أن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُك ُم‬
‫ادَ ‪َ ،‬فالَ َي ْالِ ْس َحتاى ُي َصل َي َر ْك َع َت ْي ِن»(‪ ،)4‬وهذا عام يف جميع األوقات‪ ،‬وهبذا‬
‫المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫القول يحصل التوفيق بين األدلة‪.‬‬
‫وخالف يف ذلك كثير من العلماء‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال يصلي يف أوقات النهي ال ذوات‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)444‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬

‫‪461‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪482‬‬

‫أسباب وال غيرها‪.‬‬


‫واستدلوا‪ :‬بعمومات أدلة النهي‪ ،‬كحديث عقبة عند مسلم‪ ،‬وأبي سعيد‪ ،‬وابن‬
‫عباس ﭫ يف الصحيحين‪.‬‬
‫والقول األول أرجح‪ :‬فالصحيح مشـروعية ذوات األسباب حتى يف أوقات‬
‫النهي‪ ،‬مثل‪ِ :‬الة الكسوف‪ ،‬والانازة‪ ،‬وتحية المساد‪ ،‬والمنذورة‪ ،‬وسنة‬
‫الوضوء لمن حافظ عليها‪ ،‬واالستخارة ألمر يخشـى فواته‪ ،‬والفوائت‪ ،‬وركعتي‬
‫الطواف‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وعدم جواز التطوع مطل ًقا يف أوقات النهي إذا لم يكن له‬
‫سبب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اغ َصالة ِ نف ِس ِه‪ ،‬ال ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ار يف اتله‬ ‫َ‬
‫قوهل‪( :‬واالعتب ُ‬
‫بَشو ِع ِه فِيها‪،‬‬ ‫َص‪ :‬بِف َر ِ‬‫يم ْب ًعد َالع َ ِ‬ ‫حر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ه ََ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫أحرم بها ثم قلبها نفال‪ :‬لم يمنع مِن اتلطو ِع)‪.‬‬ ‫فلو‬
‫بكر هبا أو تأخر‪ ،‬ولو جمعها‬ ‫فوقت النهي للعصـر يدخل من بعد ِالة العصـر ّ‬
‫مع الظهر تقديمًا دخل عليه وقت النهي؛ لنص السنة على ذلك يف قوله ﷺ‪َ « :‬فإ ِ ان‬
‫الص َال ِة َحتاى َت ْغ ُر َب‬ ‫ور ٌة َحتاى ُت َصل َي ا ْل َعصـر‪ُ ،‬ث ام َأ ْقصـر َع ِن ا‬ ‫الص َال َة َم ْش ُهو َد ٌة َم ْح ُض َ‬ ‫ا‬
‫الش ْم ُس» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫ا‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َال َِ َال َة َب ْعدَ‬‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬ال َِ َال َة َب ْعدَ َِ َال ِة ا ْل َعصـر َحتاى َت ْغ ُر َب ا‬
‫الش ْم ُس» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫َِ َال ِة ا ْل َف ْا ِر َحتاى َت ْط ُل َع ا‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ه‬ ‫َُ ُ َ َُ ُ‬
‫يق‪ ،‬ومع حدث أصغ َر‪ ،‬وَنَاس ِة ثوب‪،‬‬ ‫رآن يف الط ِر ِ‬ ‫اح‪ :‬ق ِراءة الق ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وتب‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫وبدن‪ ،‬وفم‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رض ك َِفايَة‪ .‬ويَ َت َع ه ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫َي ُب يف الصالة ِ)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫فظ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫رآن‬
‫ِ‬ ‫الق‬ ‫ح فظ‬‫و ِ‬
‫ه‬ ‫َُ ُ َ َُ ُ‬
‫يق)‪ :‬قراءة القرآن أحد المباين التي تقوم عليها‬ ‫رآن يف الط ِر ِ‬ ‫(وتباح‪ :‬ق ِراءة الق ِ‬
‫آن وهو‬ ‫الصالة فناسب أن يذكر بعض أحكامه‪ ،‬ومنها أنه يباح لإلنسان قِراء ُة ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬

‫‪462‬‬
‫‪483‬‬ ‫ت النَّهيِ‬
‫فصلٌ يف أوقا ِ‬

‫يمشـي يف الطريق من غير كراهية‪ ،‬ويف الصحيحين عن عائشة ڤ قالت‪« :‬ك َ‬


‫َان‬
‫اهلل َع َلى ُكل َأ ْح َيان ِ ِه»(‪.)1‬‬
‫النابِ ُّي ﷺ َي ْذ ُك ُر َ‬
‫َان النابِي ﷺ َيتاكِ ُئ فِي َح ْا ِري َو َأنَا َحائِ ٌض‪ُ ،‬ث ام َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫آن» [متفق عليه](‪،)2‬‬ ‫و«ك َ‬
‫ُّ‬
‫ماش‪ ،‬وقد قال تعالى‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فتباح قراءة القرآن وهو قائم‪ ،‬أو قاعد‪ ،‬أو مضطاع‪ ،‬أو‬
‫﴿ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [آل عمران‪.]121 :‬‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫(ومع حدث أصغ َر)‪ :‬وقراءة القرآن حال الحدث ال تخلو من حالتين‪:‬‬
‫إن كان الحدث أِغر‪ ،‬فياوز له أن يقرأ من غير أن يمس المصحف‪ ،‬ونقل ابن‬
‫َان النابِ ُّي ﷺ َي ْذ ُك ُر َ‬
‫اهلل َع َلى‬ ‫حار اإلجماع عليه يف الفتح(‪)3‬؛ لحديث عائشة ڤ‪« :‬ك َ‬
‫ُكل َأ ْح َيان ِ ِه» [متفق عليه]‪.‬‬
‫وأما حال الحدث األكرب‪ ،‬ففيه نزاع‪ ،‬سبق تفصـيله يف كتاب الطهارة‪ ،‬وجمهور‬
‫العلماء يرون عدم جوازه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ‬
‫(وَنَاس ِة ثوب‪ ،‬وبدن‪ ،‬وفم)‪ :‬أي ياوز أن يقرأ القرآن‪ ،‬ولو كان على ثوبه أو‬
‫بدنه نااسة؛ لعدم النهي عن ذلك‪ ،‬وإن كانت السنة أن يتانب ذلك‪ .‬وأما نااسة‬
‫الفم‪ ،‬فأشار المؤلف إلى إباحة القراءة معها‪ ،‬وذهب بعض العلماء إلى كراهة‬
‫ذلك‪ ،‬وقد روى ابن ماجه َع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ُ‬
‫ب ﭬ َق َال‪« :‬إِ ان َأ ْف َو َاه ُك ْم ُط ُر ٌق‬
‫وها ب ِالسو ِ‬
‫ال»(‪.)4‬‬ ‫ل ِ ْل ُقر ِ‬
‫آن‪َ ،‬ف َطي ُب َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)253‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)221‬ومسلم (‪ )301‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفتح (‪.)363/1‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه (‪ )221‬موقوفًا على علي ﭬ‪ .‬وضعفه العراقي يف تخريج اإلحياء ص (‪،)156‬‬
‫والبوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪ ،)43/1‬وِحح األلباين حديثًا نحوه كما يف السلسلة الصحيحة‬
‫(‪.)1213‬‬

‫‪463‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪484‬‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫رآن‪ :‬فرض ك ِفاية)‪ :‬حفظ القرآن ً‬
‫كامال من فروض الكفايات التي‬ ‫ِ‬ ‫الق‬ ‫ح فظ‬
‫(و ِ‬
‫ياب أن يكون يف المسلمين من يقوم به‪ ،‬وهذا أمر تكفل اهلل به وبحفظه‪ ،‬ومن‬
‫حفظه إيااد من يحفظه من األمة‪ ،‬وقد رتب على حفظه وتعلمه من األجور ما لم‬
‫يرتب على أي علم‪ ،‬فخير األمة من تعلم القرآن وعلمه(‪ ،)1‬وحملة القرآن هم‬
‫المقدمون يف محاريب الناس للصلوات(‪ ،)2‬ويف القبور عند االزدحام(‪،)3‬‬
‫والماهرون به مع السفرة الكرام الربرة(‪ ،)4‬وال تزال السكينة تتنزل على ماالسهم‬
‫والمالئكة تحفهم(‪.)5‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َََه ُ‬
‫َي ُب يف الصالة ِ)‪ :‬ياب على المسلم أن يحفظ من القرآن‬
‫حفظ ما ِ‬ ‫(ويتعي‪ِ :‬‬
‫ما ال تصح ِالته إال به‪ ،‬وهي سورة الفاتحة‪ ،‬وهذا أمر واجب على كل مسلم؛‬
‫قدرا زائدً ا عليها من‬
‫ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬ويندب له أن يحفظ ً‬
‫السور ليمكنه الصالة هبا‪.‬‬
‫وتدبرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وفهما‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتعلما‪ ،‬وتالوةً‪،‬‬
‫ً‬ ‫وعلى المسلم أن يحرص على القرآن حف ًظا‪،‬‬
‫وعمال‪ ،‬ففيه النااة والفالح‪ ،‬وقد تضافرت النصوص بذلك‪ ،‬وبيان فضائله‪،‬‬
‫ً‬
‫وفضائل أهله‪:‬‬
‫آن‬‫آن َوع الم ُه» [رواه البخاري]‪ .‬وقال ﷺ‪« :‬ا ْق َر ُؤا ال ُق ْر َ‬ ‫فقال ﷺ‪َ « :‬خير ُكم َم ْن َت َع ال َم ال ُق ْر َ‬
‫ألِحابِ ِه» [رواه مسلم](‪.)6‬‬ ‫ِ ِ‬
‫فإِ ان ُه َي ْأيت َي ْوم القيامة َشفيعًا ْ‬
‫ون بِ ِه يف الدُّ ن َيا َتقدُ م ُه‬ ‫آن و َأ ْهلِ ِه ِ‬
‫الذين كا ُنوا ي ْع َم ُل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وقال ﷺ‪ُ « :‬ي ْؤتى ْيو َم القيامة با ْل ُق ْر َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )5021‬من حديث عثمان ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )613‬من حديث أبي مسعود األنصاري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )1343‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)4231‬ومسلم (‪ )126‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )2622‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )604‬من حديث أبي أمامة ﭬ‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫‪485‬‬ ‫ت النَّهيِ‬
‫فصلٌ يف أوقا ِ‬

‫ِاحبِ ِه َما» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ان‪ ،‬تحاج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ان َع ْن‬ ‫مر َ َ ا‬ ‫سور ُة الب َق َرة َوآل ع َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقر ُأ‬
‫الربرة‪َ ،‬وا الذي َ‬ ‫الكرا ِم َ‬ ‫الس َفرة َ‬ ‫مع ا‬ ‫آن َو ُهو ماه ٌر بِه َ‬ ‫قر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫وقال ﷺ‪« :‬ا الذي َي َ‬
‫يه و ُهو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أجران» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫اق َل ُه ْ‬ ‫عليه َش ٌّ‬ ‫ال ُق ْر َ‬
‫آن وي َت َت ْع َت ُع ف َ‬
‫فهو يقو ُم بِ ِه آنا َء ال الي ِل‬ ‫رآن‪َ ،‬‬ ‫رج ٌل آ َتا ُه اهلل ال ُق َ‬ ‫ال يف اثنَ َت ْين‪ُ :‬‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬ال َح َسدَ إ ُّ‬
‫النهار» [متفق عليه](‪.)3‬‬‫ِ‬ ‫ال‪ ،‬ف ُهو ُين ِْفق ُه آنَا َء ال ال ْي ِل َوآنَا َء‬ ‫رج ٌل آ َتا ُه اهلل َما ً‬ ‫وآنَا َء النا َه ِ‬
‫ار‪َ ،‬و ُ‬
‫آن‪ :‬ا ْقر ْأ َو ْار َت ِق َو َرت ْل كَما ُكن َْت ُت َرت ُل يف الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ف ا‬ ‫صاحب ا ْل ُقر ِ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬ي َق ُال ل ِ‬
‫إن‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫آية َت ْق َر ُؤ َها» [رواه أبوداود والرتمذي وِححه](‪.)5()4‬‬ ‫آخ ِر ُ‬ ‫من ِْز َلت ََك ِعنْد ِ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )605‬من حديث النواس بن سمعان ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)4231‬ومسلم (‪ )126‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1522‬ومسلم (‪ )615‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1464‬والرتمذي (‪ ،)2214‬وأحمد (‪ )6122‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح»‪ .‬وحسنه األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)2240‬‬
‫(‪ )5‬راجع لالستزادة‪ :‬التبيان للنووي‪ ،‬وآداب حملة القرآن لآلجري‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪486‬‬

‫‪e‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫عقد هذا الباب لبيان أحكام ِالة الاماعة‪ ،‬وما يتعلق هبا‪:‬‬
‫وال خالف بين أهل السنة يف مشـروعية ِالة الاماعة‪ ،‬وهم يذكروهنا يف كتب‬
‫االعتقاد أيضًا‪ ،‬وإنما خالف يف هذا الرافضة؛ ألهنم يرون أهنا ال تصلى الامعة‬
‫والاماعة إال خلف المعصوم‪ ،‬فال يصلوهنا خلف غيره‪.‬‬
‫وقد ا اتفق العلماء على أن ِالة الاماعة أفضل من ِالة الفذ؛ لداللة السنة‬
‫الصـريحة‪ ،‬وأناها من شعائر اإلسالم الظاهرة‪ ،‬حيث قال ﷺ‪َ « :‬ت ْف ُض ُل َِ َال ُة ا‬
‫الر ُج ِل‬
‫يث َأبِي‬‫س و ِعشـرين درج ًة» َه َك َذا فِي ح ِد ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫في ا ْل َا َما َعة َع َلى َِ َالته َو ْحدَ ُه بِ َخ ْم ُ َ‬
‫س و ِعشـرين(‪ ،)2‬ويف ح ِد ِ‬ ‫ِ ُ‬
‫يث ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‬ ‫ُه َر ْي َر َة ﭭ ‪َ ،‬و َأبِي َسعيد ﭬ بِ َخ ْم ُ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يحين‪.‬‬‫بِسب ُع و ِعشـرين(‪ ،)3‬وال اث َال َث ُة فِي الص ِح ِ‬
‫ا‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َ َ َ ً َ ًَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوهل‪ُ ( :‬‬ ‫ُ‬
‫ار‪ ،‬القاد ِِرين‪ ،‬حَضا وسفرا)‪.‬‬
‫ال‪ ،‬األحر ِ‬ ‫جتب‪ :‬ىلع الرج ِ‬ ‫ِ‬
‫فصالة الاماعة واجبة على األعيان على الرجال القادرين األحرار يف الحضـر‬
‫الة‪ ،‬فتصح بدون الاماعة مع عصـيان تاركها‪،‬‬ ‫والسفر‪ ،‬وليست شـر ًطا ل ِ ِصح ِة الص ِ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫والشافع اية‪ ،‬وبه‬ ‫ٌ‬
‫وقول للحنف اية ا‬ ‫وهو المنصوص عن اإلمام أحمد وفقهاء الحديث‪،‬‬
‫قال كثير من العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬اإلمام األوزاعي‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وابن خزيمة‪،‬‬
‫والبخاري‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وأكثر الحنفية (‪ .)4‬ويدل له‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)641‬ومسلم (‪ )642‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )646‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)645‬ومسلم (‪ )650‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬راجع كالما نفيسًا لشـيخ اإلسالم وابن القيم فيها‪ :‬الفتاوى الكربى (‪ ،)261/2‬الصالة وأحكام تاركها‬
‫(ص ‪.)26‬‬

‫‪466‬‬
‫‪487‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أن اهلل ‪ ‬أمر هبا وبالمحافظة عليها حال الخوف والحرب‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [النساء‪.]102 :‬‬
‫فلو كانت الاماعة سنة لكان أولى األعذار بسقوطها حال الخوف والقتال‪،‬‬
‫ولو كانت فرض كفاية ألسقطها اهلل عن الاماعة الثانية بقيام األولى هبا‪ ،‬فدل على‬
‫أهنا فرض عين‪.‬‬
‫هم بتحريق بيوت المتخلفين عن الاماعة‪ ،‬فلو لم تكن‬
‫ثانيًا‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ ا‬
‫فرض عين عليهم لم يهدد رسول اهلل ﷺ تاركها بالتحريق‪ ،‬كما يف الصحيحين عن‬
‫الص َال ِة َف ُت َقا َم‪ُ ،‬ث ام آ ُم َر‬
‫أبي هريرة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ل َقدْ َه َم ْم ُت َأ ْن آ ُم َر بِ ا‬
‫الص َالةَ‪َ :‬ف ُأ َحر َق َع َل ْي ِه ْم ُب ُيو َت ُه ْم‬
‫ون ا‬ ‫ااس‪ُ ،‬ث ام َأنْ َطلِ َق إ َلى َق ْو ُم َال َي ْش َهدُ َ‬
‫َر ُج ًال َف ُي َصلي بِالن ِ‬
‫َ‬
‫اار»(‪.)1‬‬ ‫بِالن ِ‬
‫ثالثًا‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ لم يرخص لألعمى البعيد الدار يف التخلف عنها‪ ،‬مع‬
‫األعذار المذكورة من العمى‪ ،‬وفقدان القائد‪ ،‬وبعد الدار‪ ،‬ووجود ُ‬
‫واد بينه وبين‬
‫المساد‪ ،‬وكثرة السباع والهوام‪ ،‬فهذا دليل ِـريح على وجوهبا على األعيان‪ ،‬كما‬
‫ول‬‫روى مسلم عن أبي هريرة ﭬ قال‪َ « :‬أ َتى النابِي ﷺ َر ُج ٌل َأ ْع َمى‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ص ل ُه‪،‬‬ ‫اهلل‪ ،‬إِ ان ُه َل ْي َس لي َقائدٌ َي ُقو ُدني إِ َلى ا ْل َم ْس ِاد‪َ ،‬ف َسأل َر ُسول اهلل ﷺ أن ُي َرخ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الص َالةِ؟»‬‫ص َل ُه‪َ ،‬ف َل اما َو الى‪َ ،‬د َعا ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ه ْل َت ْس َم ُع الندَ ا َء بِ ا‬
‫ِ ِِ‬
‫َف ُي َصل َي في َب ْيته‪َ ،‬ف َر اخ َ‬
‫ب»(‪.)2‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َأ ِج ْ‬
‫رابعًا‪ :‬أن التخلف عن الاماعة من عالمات النفاق والضالل‪ ،‬كما قال ابن‬
‫يض‪،‬‬ ‫الص َال ِة إِ اال ُمنَافِ ٌق َقدْ ُعلِ َم نِ َفا ُق ُه‪َ ،‬أ ْو َم ِر ٌ‬
‫ف َع ِن ا‬
‫مسعود ﭬ‪َ « :‬ل َقدْ َر َأ ْي ُتنَا َو َما َيت ََخ ال ُ‬
‫َان ا ْلم ِريض َليمشـي بين رج َلي ِن حتاى ي ْأتِي الص َال ِة»‪ ،‬و َق َال‪« :‬إِ ْن رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ ُ ْ َ َ َ ا‬ ‫إِ ْن ك َ َ ُ َ ْ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)644‬ومسلم (‪ )651‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )653‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪488‬‬

‫الص َال َة فِي ا ْل َم ْس ِا ِد ا ال ِذي ُي َؤ اذ ُن فِ ِيه»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬


‫َع ال َمنَا ُسن ََن ا ْل ُهدَ ى‪َ ،‬وإِ ان م ْن ُسن ََن ا ْل ُهدَ ى ا‬
‫خامسًا‪ :‬أنه لم ينقل خالف عن الصحابة يف وجوهبا‪ ،‬فقد ذكر ابن القيم‬
‫النصوص عن الصحابة يف وجوهبا‪ ،‬فقال‪« :‬ولم ينقل عن ِحابي واحد خالف‬
‫ذلك»(‪.)2‬‬
‫وغير ذلك من األدلة الكثيرة‪ ،‬وكل واحد منها دليل مستقل يف المسألة‪ ،‬فكيف‬
‫وقد تعاضدت وتضافرت‪.‬‬
‫الا َما َع ِة َت ْف ُض ُل َِالَ َة ال َفذ بِ َسبْ ُع َو ِعشـري َن َد َر َج ًة»‪ ،‬فقد‬
‫وأما حديث‪َِ « :‬الَ ُة َ‬
‫استدل به كثير من الفقهاء على أن ِالة الاماعة غير واجبة‪.‬‬
‫ويااب عنه‪ :‬بأن الحديث دال على أن ِالة المنفرد لغير عذر ِحيحة‪،‬‬
‫وبضمه مع األحاديث السابقة تدرل أن تارل الاماعة آثم إذا كان لغير عذر‪ ،‬فهذا‬
‫الحديث يصلح حاة على من قال‪ :‬إن الاماعة شـرأ لصحة الصالة‪.‬‬
‫وهبذا القول تاتمع األدلة‪ ،‬فصالة الاماعة واجبة على األعيان‪ ،‬ولكنها ليست‬
‫شـر ًطا لصحة الصالة‪ ،‬فمن ِلى منفر ًدا بغير عذر ِحت ِالته‪ ،‬وأثم برتل‬
‫ِالة الاماعة بغير عذر‪.‬‬
‫َ ُ َ ِّ َ‬
‫ال)‪ :‬فالاماعة واجبة على من توفرت فيه ثالث ِفات‪ :‬أن‬ ‫جتب‪ :‬ىلع الر ِ‬
‫ج‬ ‫( ِ‬
‫يكون رجالً‪ ،‬وأما النساء فال تاب عليهن الاماعة ال يف المساجد وال البيوت‪.‬‬
‫ار)‪ :‬وأما العبد فيخفف عنه‪ ،‬إال إذا لم يلحقه أذى من سـيده‪ ،‬فاألقرب‬ ‫َ‬
‫(األحر ِ‬
‫مساواته بالحر‪.‬‬
‫والقاعدة‪« :‬أن العبد كالحر يف كل العبادات البدنية المحضة»‪ ،‬وهذا قول اإلمام‬
‫أحمد‪ ،‬وظاهر ِنيع البخاري(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )654‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الصالة ص (‪.)61‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري البن رجب (‪.)452-446/5‬‬

‫‪466‬‬
‫‪489‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬
‫َ‬
‫القادِر َ‬
‫ين)‪ :‬أي القادرين على أدائها جماعة وأما العاجز لمرض أو خوف فال‬ ‫ِ‬ ‫(‬
‫تلزمه‪ ،‬كما سـيأيت يف األعذار المبيحة لرتل الامعة والاماعة‪.‬‬
‫َ َ ً َ َ‬
‫َضا وسف ًرا)‪ :‬فهي واجبة يف الحضـر والسفر؛ لعمومات األدلة‪ ،‬ولمحافظة‬ ‫(ح‬
‫الرسول ﷺ عليها حضـر ًا وسفر ًا إال أن المسافرين إن كانوا جماعة فيخفف لهم يف‬
‫الصالة يف رحالهم وال يلزمهم المايء لمساد الاماعة لما روى الرتمذي وِححه‬
‫ِ‬
‫عن َي ِزيدَ ْب ِن األَ ْس َود‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ش ِهدْ ُت َم َع النابِي ﭭ َح اا َت ُه‪َ ،‬ف َص ال ْي ُت َم َع ُه َِالَ َة ُّ‬
‫الص ْب ِح‬
‫ف َفإِ َذا ُه َو بِ َر ُج َل ْي ِن فِي ُأ ْخ َرى ال َق ْو ِم َل ْم‬ ‫ف‪َ ،‬ف َل اما َقضـى َِالَ َت ُه ان َْح َر َ‬ ‫الخي ِ‬ ‫ِ‬
‫في َم ْس ِاد َ ْ‬
‫ِ‬
‫ُي َصل َيا َم َع ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ع َل اي بِ ِه َما‪َ ،‬ف ِاي َء بِ ِه َما ُت ْرعَدُ َف َرائِ ُص ُه َما‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َمنَ َع ُك َما َأ ْن ُت َصل َيا‬
‫اهلل‪ ،‬إِناا ُكناا َقدْ َِ ال ْينَا فِي ِر َحالِنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فالَ َت ْف َعالَ‪ ،‬إِ َذا َِ ال ْي ُت َما فِي‬ ‫ول ِ‬ ‫ال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َم َعنَا‪َ ،‬ف َقا َ‬
‫اع ُة َف َصل َيا َم َع ُه ْم‪َ ،‬فإِن َاها َل ُك َما نَافِ َل ٌة»‪.‬‬
‫ِر َحال ِ ُك َما ُث ام َأ َت ْي ُت َما َم ْس ِادَ َج َم َ‬
‫َ ُّ َ َ ٌ َ ُ ٌ َ ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬وأقلها‪ :‬إمام ومأموم‪ ،‬ولو أنَث)‪.‬‬
‫تنعقد الاماعة باثنين إمام ومأموم؛ بإجماع العلماء‪ ،‬نقله الوزير ابن هبيرة‪،‬‬
‫وابن قدامة(‪ .)1‬لقوله ﷺ لمالك بن الحويرث ﭬ وِاحبه‪« :‬إِ َذا َأ ْن ُت َما َخ َر ْج ُت َما‪،‬‬
‫يما‪ُ ،‬ث ام ل ِ َي ُؤ ام ُك َما َأ ْك َب ُر ُك َما» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َف َأذنَا‪ُ ،‬ث ام َأ ُق َ‬
‫َ َ‬
‫أيضا مع المرأة إذا كانت محر ًما عند الخلوة‪ ،‬وما ثبت يف‬ ‫(ولو أنَث)‪ :‬وتنعقد ً‬
‫حق الذكر يثبت يف حق األنثى‪ ،‬إال لدليل‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وال تنع ِقد‪ :‬بالممزيِ‪ ،‬يف الف ْر ِض)‪.‬‬
‫المذهب‪ :‬أن الاماعة تنعقد بالصبي يف النافلة دون الفريضة‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ ،‬وهي األظهر‪ :‬أن الاماعة تنعقد بالصبي المميز‪ ،‬وتصح‬
‫مصا افته يف الفرض والنفل‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ويدل له‪ :‬إمامة َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ بقومه وهو ا ْب ُن ست َأ ْو َس ْب ِع سن َ‬
‫ين كما يف‬

‫(‪ )1‬اإلفصاح (‪ ،)155/1‬المغني (‪.)1/2‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)241‬‬

‫‪462‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪490‬‬

‫البخاري(‪ ،)1‬وهذا ِـريح يف ِحة مصا افة الصبي إذا عقل‪ ،‬فمن ِحت إمامته‬
‫ِحت مصا افته من باب أولى‪ ،‬ومثله مصا افة ابن عباس رسول اهلل ﷺ لما بات عند‬
‫خالته ميمونة كما يف الصحيحين(‪ ،)2‬وألنه متنفل وقد قال ﷺ يف الرجل الذي فاتته‬
‫الاماعة‪« :‬أال َر ُجل يتصدق َع َلى َه َذا فيصلي َم َع ُه» [أخرجه أبوداود]‪.‬‬
‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ ُ َ َ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ال)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫الر‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ات‬ ‫د‬‫ر‬
‫ِ‬ ‫نف‬‫م‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ِلن‬ ‫ول‬ ‫‪.‬‬‫د‬‫ِ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫بالم‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬‫اع‬ ‫م‬ ‫اجل‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫وت‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ َ ُ‬
‫ج ِد)‪ :‬المذهب‪ :‬أن أداء ِالة الاماعة يف المساد‬ ‫(وتسن اجلماعة‪ :‬بالمس ِ‬
‫سنة‪ ،‬وياوز أن تكون الاماعة يف البيت بال عذر‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أن ِالهتا يف المساد واجبة‪ ،‬إال لعذر كالمرض والخوف‪ ،‬وكذا‬
‫يخفف للمسافرين إن كانوا جماعة يف حضور المساد ماال يخفف يف غيرهم لما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫الص َال ِة َفتُ َقا َم‪ُ ،‬ث ام آ ُم َر َر ُج ًال َف ُي َصل َي‬
‫ويدل لذلك‪ :‬قوله ﷺ‪َ « :‬ل َقدْ َه َم ْم ُت َأ ْن آ ُم َر بِ ا‬
‫اار» [متفق‬ ‫الص َالةَ‪َ :‬ف ُأ َحر َق َع َل ْي ِه ْم ُبيُو َت ُه ْم بِالن ِ‬
‫ون ا‬ ‫ااس‪ُ ،‬ث ام َأ ْن َطلِ َق إ َلى َق ْو ُم َال َي ْش َهدُ َ‬
‫بِالن ِ‬
‫عليه](‪ ،)3‬وهذا ِـريح يف هذه المسألة‪ ،‬فالصالة ُمقا َمة يف المساد‪ ،‬لكن هؤالء لم‬
‫يحضـروها‪ .‬وروي عن جماعة من الصحابة حديث‪َ « :‬م ْن َس ِم َع الندَ ا َء َف َل ْم َي ْأتِ ِه‪َ ،‬ف َال‬
‫َِ َال َة َل ُه‪ ،‬إِ اال مِ ْن ُع ْذ ُر»‪ ،‬منهم‪ :‬ابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأبو موسـى ﭫ‪،‬‬
‫واألرجح وقفه(‪.)5()4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)163‬ومسلم (‪ )163‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)461‬‬
‫(‪ )4‬أما حديث ابن عباس ﭭ‪ :‬رواه ابن ماجه (‪ ،)123‬وابن حبان (‪ )2064‬مرفوعًا‪ .‬قال ابن رجب يف فتح‬
‫الباري (‪« :)442/5‬ولكن وقفه هو الصحيح عند اإلمام أحمد وغيره»‪ .‬وأما حديث أبي موسـى ﭬ‪ :‬فرواه‬
‫الحاكم (‪ ،)314/1‬والبيهقي يف السنن (‪ )246/3‬مرفوعًا‪ ،‬ورواه موقوفًا البيهقي يف السنن (‪.)246/3‬‬
‫قال ابن رجب يف الفتح (‪« :)442/5‬وقد اختلف على أبي بكر بن عياش يف رفعه ووقفه‪ ،...‬والموقوف‬
‫أِح‪ ،‬قاله البيهقي وغيره»‪.‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري البن رجب (‪.)442/5‬‬

‫‪420‬‬
‫‪491‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫قال الرتمذي‪« :‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬هذا على التغليظ والتشديد‪ ،‬وال رخصة‬
‫عذر»(‪.)1‬‬‫ألحد يف ترل الاماعة إال من ُ‬ ‫ُ‬
‫ار ا ْل َم ْس ِا ِد إِ اال فِي‬ ‫وروى ابن أبي شـيبة َع ْن َعلِي ﭬ َق َال‪َ « :‬ال َِ َال َة ل ِ َا ِ‬
‫ن‬
‫ا ْل َم ْس ِا ِد‪ ،‬قِ َيل‪َ :‬و َم ْن َج ُار ا ْل َم ْس ِا ِد؟ َق َال‪َ :‬م ْن َأ ْس َم َع ُه ا ْل ُمنَادي» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل َغدً ا ُم ْسلِ ًما‪،‬‬
‫وروى مسلم عن ابن مسعود ﭬ قال‪َ « :‬م ْن سـر ُه َأ ْن َي ْل َقى َ‬
‫شـرع لِنَبِي ُك ْم ﷺ ُسن ََن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الص َل َوات َح ْي ُث ُينَا َدى بِ ِه ان‪َ ،‬فإ ِ ان َ‬
‫اهلل‬ ‫َف ْل ُي َحاف ْظ َع َلى َه ُؤ َالء ا‬
‫ا ْل ُهدَ ى‪َ ،‬وإِ ان ُه ان َم ْن ُسنَ َن ا ْل ُهدَ ى‪َ ،‬و َل ْو َأ ان ُك ْم َِ ال ْي ُت ْم فِي ُب ُيوتِ ُك ْم ك ََما ُي َصلي َه َذا‬
‫ف فِي َب ْيتِ ِه‪َ ،‬لت ََر ْك ُت ْم ُسنا َة َنبِي ُك ْم‪َ ،‬و َل ْو َت َر ْك ُت ْم ُسنا َة َنبِي ُك ْم َل َض َل ْل ُت ْم»(‪.)3‬‬
‫ا ْل ُمت ََخل ُ‬
‫وروى مسلم عن أبي هريرة ﭬ قال‪َ « :‬أ َتى النابِ اي ﷺ َر ُج ٌل َأ ْع َمى‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا‬
‫ول اهللِ‪ ،‬إِ انه َليس لِي َقائِدٌ ي ُقودنِي إِ َلى ا ْلمس ِا ِد‪َ ،‬فس َأ َل رس َ ِ‬
‫ص‬ ‫ول اهلل ﷺ َأ ْن ُي َرخ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ص َل ُه‪َ ،‬ف َل اما َو الى‪َ ،‬د َعا ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ه ْل َت ْس َم ُع الندَ ا َء‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َل ُه‪َ ،‬ف ُي َصل َي في َب ْيته‪َ ،‬ف َر اخ َ‬
‫ِ‬
‫ب»(‪.)4‬‬ ‫الص َالة؟» َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َأ ِج ْ‬ ‫بِ ا‬
‫قال ابن القيم‪« :‬ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها يف المساد فرض‬
‫على األعيان‪ ،‬إال لعارض ياوز معه ترل الامعة والاماعة‪ ،‬فرتل حضور‬
‫المساجد لغير عذر كرتل أِل الاماعة لغير عذر (أي يف التحريم)‪ ،‬وهبذا تتفق‬
‫جميع األحاديث واآلثار‪ ،‬فالذي ندين اهلل به أنه ال ياوز ألحد التخلف عن‬

‫(‪ )1‬سنن الرتمذي (‪.)422/1( ،)211‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)303/1‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ .)421/1‬وضعفه النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪ ،)656/2‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)11/2‬حديث (ال ِالة لاار المساد إال يف‬
‫المساد) مشهور بين الناس‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ليس له إسناد ثابت‪ ،‬أخرجه الدارقطني عن جابر‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬ويف‬
‫الباب عن علي‪ ،‬وهو ضعيف أيضا»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )654‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)461‬‬

‫‪421‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪492‬‬

‫الاماعة يف المساد إال لعذر‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب»(‪.)1‬‬


‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ِّ َ‬
‫ال)‪ :‬أي ويسن للنساء أن يصلين الاماعة‬‫(ول ِلنساءِ منف ِردات عن الرج ِ‬
‫منعزالت عن الرجال‪ .‬وِالة النساء جماعة قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يصلين خلف اإلمام‪ ،‬فهذا مشـروع‪ ،‬وقد كانت نساء الصحابة‬
‫يحضـرن الاماعة خلف رسول اهلل ﷺ‪ ،‬إال أن ِالهتن يف البيوت أفضل لهن‪ ،‬كما‬
‫ال َتمنَ ُعوا إِماء اهللِ مس ِ‬
‫اجدَ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫روى الشـيخان عن ابن عمر ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪ْ َ « :‬‬
‫اهللِ»(‪ ،)2‬زاد أبو داود‪َ « :‬و ُب ُيو ُت ُه ان َخ ْي ٌر َل ُه ان»(‪.)3‬‬
‫الثاين‪ :‬أن تكون الاماعة نساء واإلمام امرأة‪.‬‬
‫فالمذهب يستحبون أن تصلي المرأة بالنساء جماعة‪ ،‬وهو قول الثوري‪،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وقد روى عبدالرزاق أن عائشة‪ ،‬وأم‬
‫سلمة ڤ‪َ « :‬أ امتا النساء‪َ ،‬و َقا َمتا َب ْينَ ُه ان فِي َِ َال ُة َم ْك ُتو َب ُة»(‪.)4‬‬
‫وروى أبو داود‪ ،‬وِححه ابن خزيمة‪ ،‬والحاكم‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ َأ َم َر ُأ ام َو َر َق َة‬
‫َأ ْن َت ُؤ ام َأ ْه َل َد ِار َها»(‪ ،)5‬لكن ال يتخذ ذلك عادة يداوم عليها ألنه لم يكن مشهور ًا‬
‫عند نساء الصحابة‪ ،‬وإذن رسول اهلل ﷺ ألم ورقة وفعل عائشة وأم سلمة كاف‬
‫لبيان المشـروعية(‪.)6‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا أ امت المرأة النساء قامت وسطهن؛ ألنه يستحب َل َها الت َاست ُُّر‪َ ،‬وك َْو ُن َها‬

‫(‪ )1‬الصالة (ص ‪.)116‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)200‬ومسلم (‪ )442‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)561‬وأحمد (‪ ،)5466‬وابن حزيمة (‪ ،)1664‬والحاكم (‪ )321/1‬من حديث ابن عمر‬
‫ﭭ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)616/2‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)516‬‬
‫(‪ )4‬أثر عائشة‪ ،‬وأم سلمة ﭭ‪ :‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)5062( ،)5066( ،)140/3‬وابن أبي شـيبة‬
‫(‪.)430/1‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)522‬وأحمد (‪ ،)21263‬وابن خزيمة (‪ ،)1616‬والحاكم (‪ )320/1‬من حديث أم ورقة‬
‫ڤ‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)423‬‬
‫(‪ )6‬المغني (‪.)31/3‬‬

‫‪422‬‬
‫‪493‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫يه ان‬ ‫الصف َأ ْست َُر َل َها؛ ِألَن َاها َت ْستَتِ ُر بِ ِه ان مِ ْن َجانِ َب ْي َها‪َ ،‬فإِ ْن َِ ال ْت َب ْي َن َأ ْي ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫في َو َسط ا‬
‫ِ‬
‫خالفت السنة‪ ،‬وِحت ِالهتا(‪.)1‬‬
‫اس ﭭ‪َ « :‬ت ُؤ ُّم ا ْل َم ْر َأ ُة الن َسا َء َت ُقو ُم فِي َو َسطِ ِه ان»(‪.)2‬‬ ‫قال اب ُن َع اب ُ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ َ ُّ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ْ َُه َ‬ ‫ُ‬
‫جد هلُ إمام رات ٌِب‪ .‬فال ت ِصح‪ :‬إال مع إذن ِ ِه‪ ،‬إن ك ِر َه‬ ‫قوهل‪ :‬وحرم‪ :‬أن يؤم بِمس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫الوقت )‬ ‫ذل ِكَ‪ ،‬ما لم ي ِض ِق‬
‫َ َ ٌ‬ ‫َ َ َُ ْ َُه َ ْ‬
‫جد هلُ إِمام َرات ٌِب)‪ :‬إذا كان المساد له إمام راتب‪ ،‬فهو‬ ‫(وحرم أن يؤم بِمس ِ‬
‫األحق باإلمامة‪ ،‬فال ياوز االفتئات عليه من غير إذنه؛ ألنه األحق باإلمامة؛ لقوله‬
‫الر ُج َل فِي ُس ْل َطان ِ ِه‪َ ،‬و َال َي ْق ُعدْ فِي َب ْيتِ ِه َع َلى َت ْك ِر َمتِ ِه إِ اال بِإِ ْذن ِ ِه»‬ ‫الر ُج ُل ا‬‫ﷺ‪َ « :‬و َال َي ُؤ ام ان ا‬
‫[رواه مسلم](‪ ،)3‬وهذا مساده داخل فيما هو من سلطانه‪ ،‬فال يفتات عليه فيه‪ ،‬ومثله‬
‫بيته ومزرعته‪.‬‬
‫اع ُة مِ َن‬‫ف‪َ ،‬أ ْو َج َم َ‬ ‫به‪َ ،‬أ ِو ا ْلواقِ ِ‬
‫َ‬
‫ان‪َ ،‬أو نَائِ ِ‬
‫ْ‬
‫واإلمام الراتب‪ :‬هو المولى من الس ْل َط ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اضـرين‪َ ،‬وإِن وجد منهم‬ ‫َ‬ ‫الصالَة َع َلى َغ ْي ِره م َن ا ْل َح‬ ‫ين‪ ،‬وهو مقدم في إِ َما َمة ا‬ ‫ا ْل ُم ْسلِم َ‬
‫وع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َأ ان ُه َأ َتى َأ ْر ًضا َل ُه‬ ‫ون َأ ْع َل َم مِنْ ُه َأ ْو َأ ْق َر َأ مِنْ ُه‪َ ،‬‬
‫أفضل منه‪ ،‬ك ََأ ْن َي ُك َ‬
‫ُ‬
‫يه مو ًلى ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ْب ِن ُع َم َر‪َ ،‬ف َص الى َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َس َأ ُلو ُه َأ ْن ُي َصل َي بِ ِه ْم‬ ‫َوعنْدَ َها َم ْس ِادٌ ُي َصلي ف َ ْ‬
‫ب ا ْل َم ْس ِا ِد َأ َح ُّق»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫َف َأ َبى‪َ ،‬و َقال‪َِ « :‬اح ُ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ُّ ه َ َ ْ‬
‫الوقت)‪ :‬من افتات على‬ ‫(فال ت ِصح‪ :‬إال مع إذن ِ ِه‪ ،‬إن ك ِر َه ذل ِك‪ ،‬ما لم ي ِض ِق‬
‫اإلمام الراتب مع كراهة اإلمام وعدم إذنه لم تصح ِالته على المذهب‪ ،‬إال إن‬
‫أذن له‪ ،‬أو ضاق الوقت؛ ألهنم يرون أن النهي يقتضـي الفساد مطلقًا‪ ،‬ويف هذا نظر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الصالة ِحيحة‪ ،‬لكنه يأثم؛ لتعديه على حق اإلمام بغير إذنه‪ ،‬ومخالفته‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)31/3‬‬


‫(‪ )2‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)140/3‬والبيهقي (‪.)161/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )613‬من حديث أبي مسعود األنصاري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ ،)55‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)322/2‬والبيهقي يف السنن (‪.)160/3‬‬
‫وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)522‬‬

‫‪423‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪494‬‬

‫أمر رسول اهلل ﷺ؛ ألن النهي ألمر خارج عن العبادة‪ ،‬وهذا هو األقرب‪ ،‬وإليه‬
‫ذهب الشافعية‪ ،‬وبعض الحنابلة كابن حمدون‪.‬‬
‫ياوز التقدم على اإلمام الراتب يف حالتين‪:‬‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ه ََ ْ‬
‫األولى‪( :‬إِال مع إِذن ِ ِه إِن ك ِر َه ذل ِك)‪ :‬لقولـه ﷺ‪« :‬إِ اال بِإِ ْذن ِ ِه»‪ ،‬وكما فعل رسول‬
‫اهلل ﷺ مع أبي بكر‪ ،‬وابن أم مكتوم ﭭ‪ ،‬وغيرهما حين أناهبم للصالة يف غيابه‪ ،‬أو‬
‫يعلم من حاله أنه ال يكره ذلك منه‪ ،‬فاإلذن العريف كاإلذن اللفظي‪.‬‬
‫ْ ْ ُ‬ ‫َ َْ َ‬
‫الثانية‪( :‬ما لم ي ِض ِق ال َوقت)‪ :‬فإذا ضاق الوقت عن الفرض أو تأخر اإلمام‬
‫تأخرا يشق على المأمومين انتظاره‪ ،‬فال بأس بالتقدم عليه‪ ،‬كما ثبت‪« :‬أن رسول اهلل‬
‫ً‬
‫ﷺ تأخر مرة فقدم الناس أبا بكر» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومرة قدموا عبدالرحمن بن عوف ﭬ‪ ،‬فلما أدركه رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬


‫«أحسنتم‪ ،‬كذلك فاِنعوا»(‪ ،)2‬ومثله لو ظنوا عدم حضوره‪ ،‬فال بأس بالتقدم‪ ،‬ولو‬
‫لم يتأخر الوقت‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إذا لم يكن للمساد إمام راتب‪ ،‬فلو تقدم يف كل فرض واحد جاز ذلك‪،‬‬
‫لكن يراعى األحق باإلمامة عند اإلقامة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرابعة‪ :‬إن كان معه اإلمام األعظم أو نَائ ُب ُه‪َ ،‬ف ُي َقدا مون على اإلمام ا‬
‫الراتب؛ لقوله‬
‫ال بِإِ ْذن ِ ِه»‪.‬‬
‫ال َي ْق ُعدْ َع َلى َت ْك ِر َمتِ ِه إِ ا‬
‫الر ُجل فِي ُس ْل َطان ِ ِه‪َ ،‬و َ‬ ‫الر ُجل ا‬ ‫ﷺ‪َ « :‬‬
‫ال َي ُؤ ام ان ا‬
‫ك َو َأن ًَسا فِي ُبيُوتِ ِه َما» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫ان بن مال ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫وألن النابِ اي ﷺ‪َ « :‬أ ام ع ْت َب َ ْ َ َ‬
‫ا‬
‫وألن تقدم غير ِاحب السلطان بحضـرته بدون إذنه ال يليق ببذل الطاعة‪،‬‬
‫وهذا قول عامة الفقهاء(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)664‬ومسلم (‪ )421‬من حديث سهل بن سعد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )214‬من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أما حديث عتبان بن مالك ﭬ‪ :‬فرواه البخاري(‪ ،)666‬ومسلم(‪ .)33‬وأما حديث أنس ﭬ‪ :‬فرواه‬
‫البخاري (‪ ،)360‬ومسلم (‪.)656‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪ ،)42/3‬الموسوعة الفقهية الكويتية (‪.)46/22‬‬

‫‪424‬‬
‫‪495‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫مسألة‪ :‬اختلف العلماء يف تكرار الاماعة يف المساد الراتب هل يعد افتئاتًا؟‬


‫على قولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه تكره إعادة الاماعة يف المساد الذي له إمام راتب‪ ،‬وال يقع يف‬
‫ممر الناس‪ ،‬إال بإذن اإلمام الراتب‪ ،‬فمن فاتته الاماعة مع اإلمام الراتب ِلى‬
‫منفرد ًا؛ لئال يفضي ذلك إلى اختالف القلوب‪ ،‬والعداوة‪ ،‬والتهاون يف الصالة مع‬
‫اإلمام الراتب‪ ،‬وهو قول جمهور‪ :‬الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬والشافعية‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنه ال يكره إعادة الاماعة يف المساد الذي له إمام راتب‪،‬‬
‫ويحمل النهي على الاماعة األولى التي فيها اإلمام وهذا أوجه‪.‬‬
‫وأما إن كان المساد يقع يف سوق‪ ،‬أو يف ممر الناس‪ ،‬أو ليس له إمام راتب‪ ،‬أو‬
‫له إمام راتب ولكنه أذن للاماعة الثانية‪ ،‬فال كراهة يف تكرار الاماعة‪ ،‬يف قول أكثر‬
‫س َو ِعشـري َن‬ ‫العلماء؛ لعموم قوله ﷺ‪َِ « :‬الَ ُة ا ْل َا َما َع ِة َت ْف ُضل َِالَ َة ا ْل َفذ بِ َخ ْم ُ‬
‫َد َر َجةً‪َ ،‬وفِي ِر َوا َي ُة‪ :‬بِ َس ْب ُع َو ِعشـري َن َد َر َج ًة» [متفق عليه]‪.‬‬
‫ادَ ‪َ ،‬و َقدْ َِ الى َر ُسول اهلل بِ َأ ِْ َحابِ ِه‪َ ،‬ف َقال‪َ :‬م ْن‬ ‫ويف السنن‪َ « :‬أ ان ر ُج ًال َد َخل ا ْلمس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َيت ََصدا ُق َع َلى َه َذا َف ُي َصلي َم َع ُه؟ َف َقا َم َر ُج ٌل م َن ا ْل َق ْو ِم َف َص الى َم َع ُه» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وألنه قادر على الاماعة‪ ،‬فاستحب له فعلها‪.‬‬


‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َهَ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ام األوىل‪َ :‬أدرك اجلماعة‪ .‬ومن أدرك‬ ‫اإلم ِ‬ ‫َب قبل تسلِيم ِة‬ ‫قوهل‪( :‬ومن ك‬
‫ُ ه ُ ُ ُ‬ ‫َ ه ُ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ ُ َ َ َ َ ٍّ‬
‫أدرك الركعة‪ ،‬واطمأن‪ ،‬ث هم تابع‪ .‬وسن‪ :‬دخول‬ ‫ري شاك‪:-‬‬ ‫الركوع ‪-‬غ‬
‫ََ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ِ ََ َ‬
‫المأموم مع إما ِم ِه كيف أدركه)‪.‬‬
‫َ َ ََ َ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َهَ َ َ َ َ‬
‫ام األوىل‪ :‬أدرك اجلماعة)‪ :‬المذهب‪ :‬أن ِالة‬ ‫اإلم ِ‬ ‫َب قبل تسلِيم ِة‬ ‫(ومن ك‬
‫الاماعة تدرل بإدرال تكبيرة اإلحرام قبل سالم إمامه‪ ،‬ووافقهم الحنفية‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)220‬وأبو داود (‪ ،)514‬وأحمد (‪ ،)11406‬وابن خزيمة (‪ ،)1632‬وابن حبان (‪)2322‬‬
‫من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن»‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)535‬‬

‫‪425‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪496‬‬

‫والشافعية؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلوا‪َ ،‬و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ال يدرل الاماعة إال بإدرال ركعة مع اإلمام‪ ،‬وهذا هو‬
‫األقرب‪ ،‬وهو مذهب اإلمام مالك‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم(‪ ،)2‬والسعدي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَة‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ا‬
‫الصالَ َة»‬ ‫ول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ا‬
‫أن َر ُس َ‬
‫ويدل له‪ :‬ا‬
‫[متفق عليه](‪ ،)3‬فدل بمفهومه أن من لم يدرل ركعة لم يدرل الصالة أي الاماعة‪.‬‬
‫والنبي ﷺ علق األحكام بإدرال الركعة يف أمور عديدة‪ ،‬فقال‪َ « :‬م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة‬
‫الصبْ َح‪َ ،‬و َم ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة مِ َن ا ْل َعصـر َقبْ َل‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ُّ‬
‫الصبْحِ َق ْب َل َأ ْن َت ْط ُل َع ا‬ ‫ِ‬
‫م َن ُّ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ا ْل َعصـر» [متفق عليه](‪.)4‬‬
‫َأ ْن َت ْغ ُر َب ا‬
‫وِالة الامعة ال تدرل إال بركعة‪ ،‬كما أفتى هبذا الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬ابن عمر‪،‬‬
‫وابن مسعود‪ ،‬وأنس ﭫ‪ ،‬وال يعلم لهم يف الصحابة مخالف‪ ،‬والتفريق بين إدرال‬
‫الامعة والاماعة يف هذا محل نظر‪.‬‬
‫َ ه ُ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُّ ُ َ َ َ َ ٍّ‬ ‫َ‬
‫أدرك الركعة‪ ،‬واطمأن‪ ،‬ث هم تابع)‪ :‬أي‬ ‫ري شاك‪:-‬‬ ‫(ومن أدرك الركوع ‪-‬غ‬
‫ويصدق عليه أنه أدرل الركعة مع اإلمام بأن يدرل الركوع وهو غير شال ويطمئن‬
‫قبل أن يرفع اإلمام فإن لم يحصل فاتته الركعة‪.‬‬
‫َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ه ُ ُ ُ َ ُ ِ ََ َ‬
‫وم مع إما ِم ِه كيف أدركه)‪ :‬السنة للمأموم أن يدخل مع‬ ‫(وسن‪ :‬دخول المأم‬
‫جالسا لينال األجر‬
‫ً‬ ‫قائما‪ ،‬أو ساجدً ا‪ ،‬أو‬
‫اإلمام على أي هيئة كان‪ ،‬سواء كان اإلمام ً‬
‫يف ذلك‪ ،‬لكن ال يعتد بركعة لم يدرل ركوعها‪.‬‬
‫ولو جاء واإلمام يف التشهد األخير‪ ،‬فظاهر السنة أن يدخل معه‪ ،‬وهذا هو‬
‫المذهب‪ ،‬وهو قول جمهور العلماء؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلوا‪َ ،‬و َما َفا َت ُك ْم‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)636‬ومسلم (‪ )602‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪.)332/23‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)560‬ومسلم (‪ )601‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)260‬‬

‫‪426‬‬
‫‪497‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫َف َأتِ ُّموا»‪ ،‬ولم يكن الصحابة ينتظرون سالم اإلمام ليصلوا جماعة أخرى‪ ،‬وإنما‬
‫يدخلون على أي حال أدركوه‪.‬‬
‫ومن أتى المساد فرأى الاماعة قد انصـرفوا‪ :‬فإن كان من غير تفريط أعطاه‬
‫وفضال؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َت َو اض َأ َف َأ ْح َس َن ُو ُضو َء ُه‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ً‬ ‫اهلل مثل أجر من أدركها كر ًما‬
‫ضـرها َال‬
‫َ‬ ‫اهلل َج ال َو َع از مِ ْث َل َأ ْج ِر َم ْن َِ اال َها َو َح‬
‫ااس َقدْ َِ ال ْوا َأ ْع َطا ُه ُ‬ ‫اح َف َو َجدَ الن َ‬‫َر َ‬
‫ص َذل ِ َك مِ ْن َأ ْج ِر ِه ْم شـيئًا»(‪.)1‬‬ ‫َينْ ُق ُ‬
‫َ ََ َْ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جع‪ :‬انقلبت نفال)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وإن قام المسبوق قبل تسلِيم ِة إما ِم ِه اثلانِيةِ‪ ،‬ولم ير ِ‬
‫ياب على المسبوق أال يقوم إلى الفائتة إال بعد تسليمة اإلمام الثانية‪ ،‬فلو قام‬
‫قبل سالم اإلمام الثانية انقلبت ِالته نافلة؛ ألنه شـرع باالنفراد بال عذر‪ ،‬ولم ِ‬
‫تنته‬
‫ِالة اإلمام بعد ألن التسليمتين واجبة‪ ،‬كما تقدم تقريره‪ ،‬وال ياوز للمأموم‬
‫مفارقة إمامه قبل الفراغ من ِالته‪.‬‬
‫لكن يستثنى من ذلك‪:‬‬
‫إذا نوى االنفراد لعذر‪ ،‬فصالته الفريضة ِحيحة‪ ،‬كقصة الرجل مع معاذ‬
‫ﭬ(‪.)2‬‬
‫جاهال بعدم جوازه‪ ،‬أو ناسـيًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وكذا لو كان‬
‫ومثله لو كان ال يرى وجوب التسليمة الثانية‪ ،‬كمذهب اإلمام مالك والشافعي‪،‬‬
‫فقام بعد سالم اإلمام األول‪ ،‬فصالته ِحيحة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)564‬والنسائي (‪ ،)111/2‬وأحمد (‪ ،)6241‬والحاكم (‪ ،)321/1‬والبيهقي يف السنن‬


‫وقوى إسناده ابن حار يف‬
‫(‪ )26/3‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬حسنه النووي يف خالِة األحكام (‪ّ ،)663/2‬‬
‫الفتح (‪ ،)131/6‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)513‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)315‬‬

‫‪421‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪498‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫اليت ي ِريـــد أن يصلـــى مــــع إمامِهـــا‪:‬‬‫ِ‬ ‫ــالة‬ ‫الص‬ ‫ــت‬
‫ِ‬ ‫ِيـم‬ ‫ق‬‫أ‬ ‫وإذا‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ ً‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َُُ‬ ‫َ َ‬
‫لم تنع ِق ِد ناف ِلته‪ .‬وإن أقِيمت وهو فِيها‪ :‬أتمها خفيفة)‪.‬‬
‫إذا أقيمت الصالة فصالته النافلة ال تخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إن أقيمت الصالة قبل الشـروع هبا‪ :‬لم ياز له أن يستفتح نافلة بعد‬
‫الص َال ُة َف َال َِ َال َة إِ اال ا ْل َم ْك ُتو َب ُة»‬ ‫اإلقامة؛ لصـراحة النهي يف قوله ﷺ‪« :‬إِ َذا ُأقِ ِ‬
‫يمت ا‬ ‫َ‬
‫[رواه مسلم](‪ ،)1‬حتى ولو كانت سنة الفار على الصحيح‪ ،‬وسواء كان داخل المساد‬
‫أو خارجه إذا كانت اإلقامة يف المساد الذي سـيصلي فيه‪ ،‬وهذا قول كثير من‬
‫العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬اإلمام ابن المبارل‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وابن حزم(‪.)2‬‬
‫والمذهب أهنا ال تنعقد لو كرب هبا بعد اإلقامة؛ ألهنم يرون أن النهي يقتضـي‬
‫الفساد مطلقًا‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن كان شـرع هبا قبل اإلقامة فإنه يتمها خفيفة‪ ،‬وحديث النهي متوجه‬
‫إلى افتتاحها ال إلى إتمامها‪ ،‬فيخير بعد اإلقامة بين اإلتمام والقطع‪ ،‬وإتمامها‬
‫خفيفة أولى‪ .‬وكيفية القطع له أن يقطعها بال سالم ألن السالم يكون إلتمام‬
‫الصالة‪ ،‬وله أن يسلم ولو لم تتم لما جاء عند مسلم يف قصة تطويل معاذ يف ِالة‬
‫ْصـرف»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ف َر ُج ٌل َف َس ال َم ُث ام َِ الى َو ْحدَ ُه َوان‬
‫العشاء‪ ،‬وفيه‪َ « :‬فان َْح َر َ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ ُ ه ْ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ َ ه ُه َ‬ ‫ُ‬
‫اجلماعة‪ :‬سن أن ي ِعيد‪ ،‬واأل ْوىل ف ْرضه)‪.‬‬ ‫ت‬‫قوهل‪( :‬ومن صىل‪ ،‬ثم أقِيم ِ‬
‫من ِلى الفرض وحده‪ ،‬أو مع جماعة‪ ،‬ثم أدرل الاماعة األولى يف مساد‬
‫ُس ّن له أن يصلي معهم‪ ،‬ولو كان يف وقت هني؛ لصـراحة األدلة يف ذلك‪ ،‬وتكون‬
‫ف َأن َْت إِ َذا كَان َْت‬ ‫األولى فرضه‪ ،‬والثانية نافلة يف حقه؛ لقوله ﷺ ألبي ذر ﭬ‪َ « :‬ك ْي َ‬
‫الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪:‬‬
‫ون ا‬ ‫الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ َأ ْو ُي ِمي ُت َ‬ ‫َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ‬
‫ون ا‬
‫الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َها‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َصل‪َ ،‬فإِن َاها َل َك نَافِ َلة»‬ ‫ِ‬
‫َف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َال‪َِ « :‬ل ا‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )110‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تحفة األحوذي (‪.)500/2‬‬

‫‪426‬‬
‫‪499‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫[رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫ولحديث يزيد بن األسود ﭬ أن رسول اهلل ﷺ َِ الى‪ ،‬فإِ َذا َر ُج َال ِن َل ْم ُي َصل َيا‬
‫َاح َي ِة ا ْل َم ْس ِا ِد‪َ ،‬فدَ َعا بِ ِه َما‪َ ،‬ف ِا َئ بِ ِه َما ُت ْرعَدُ َف َرائِ ُص ُه َما‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ما َمنَ َع ُك َما َأ ْن‬
‫فِي ن ِ‬
‫ُت َصل َيا َم َعنَا؟» َق َاال‪َ :‬قدْ َِ ال ْينَا فِي ِر َحالِنَا‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ال َت ْف َع ُلوا‪ ،‬إِ َذا َِ الى َأ َحدُ ُك ْم فِي‬
‫اإل َما َم َو َل ْم ُي َصل‪َ ،‬ف ْل ُي َصل َم َع ُه َفإِن َاها َل ُه نَافِ َل ٌة» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي]‪،‬‬ ‫ر ْحلِ ِه ُثم َأ ْدر َل ْ ِ‬
‫ا َ‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ُ‬ ‫وزاد‪ُ « :‬ثم َأ َت ْي ُتما مس ِ‬
‫ادَ َج َما َعة َف َصل َيا َم َع ُه ْم‪َ ،‬فإِ ان َها َل ُك َما نَاف َل ٌة» ‪.‬‬ ‫ا َ َ ْ‬
‫وهذا قول كثير من العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬الثوري‪ ،‬وابن المبارل‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫وإسحاق‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا ِلى المغرب وحده ثم أدرل جماعة‪ ،‬فإنه يدخل معهم ويشفع‬
‫بركعة؛ لما روى ابن أبي شـيبة عن علي وحذيفة ﭭ‪« :‬إِ َذا َأ َعا َد ا ْل َم ْغ ِر َب َي ْش َف ُع‬
‫بِ َر ْك َع ُة»‪ ،‬وهو قول عطاء‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬ومسـروق(‪.)3‬‬
‫ود اتلِّ َ‬‫ُ ُ َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ ه‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََ َ ه ُ‬ ‫ُ‬
‫الوة ِ‪.‬‬ ‫هو‪ .‬وسج‬ ‫الس‬ ‫ود‬ ‫ج‬ ‫وس‬ ‫‪.‬‬‫ة‬ ‫اء‬‫ر‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وم‬ ‫أم‬‫الم‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ام‬ ‫اإلم‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫وي‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ َ َ َ ِ َُ ه‬ ‫ه َ ُّ َ َ ه َ‬ ‫ُُ ِ‬
‫ُّ ْ َ َ ُ َ‬
‫وت‪ .‬والتشهد األول‪ ،‬إذا سبِق بركعة يف رباعِية)‪.‬‬ ‫َّتة‪ .‬وداع َء القن ِ‬ ‫والس‬
‫ذكر ستة أمور يتحملها اإلمام عن المأمومين‪:‬‬
‫َ ََ‬
‫اءة)‪ :‬أي قراءة الفاتحة‪ ،‬فال ياب على المأموم قراءهتا يف السـرية‬ ‫(ال ِقر‬
‫ِ‬
‫والمالكية‪ ،‬وتقدمت‬ ‫ِ‬
‫الحنابلة‪،‬‬ ‫مذهب‬ ‫تحملها إما ُمه عنه‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫والاهرية‪ ،‬و َي ا‬
‫المسألة يف أركان الصالة‪.‬‬
‫مذهب الشافعي‪،‬‬ ‫السـرية والا ِ‬
‫هرية‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫ب على المأمو ِم ُمطل ًقا يف‬ ‫وقيل‪ِ :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تا ُ‬
‫تفسـيره‪ ،‬واب ُن ُ‬
‫باز‪ ،‬واب ُن ُعثيمين؛‬ ‫ِ‬ ‫رطبي يف‬ ‫ُ‬
‫ورجحه اب ُن حزمُ‪ ،‬والق ُّ‬ ‫ا‬ ‫وال ُبخاري‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)462‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)515‬والرتمذي (‪ ،)212‬والنسائي (‪ ،)656‬وأحمد (‪ ،)11414‬وابن خزيمة (‪ ،)1636‬وابن‬
‫حبان (‪ )1565‬من حديث يزيد بن األسود ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪ .‬وِححه األلباين يف‬
‫ِحيح أبي داود (‪.)520‬‬
‫(‪ )3‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪ ،)16/2‬تحفة األحوذي (‪.)6/2‬‬

‫‪422‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪500‬‬

‫حديث ُعباد َة وأبي ُهرير َة ﭬ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لصـراحة‬
‫القول له وجاهته‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الاهرية‪ ،‬وهذا‬ ‫ب يف‬ ‫ِ‬
‫السـرية وال ِ‬ ‫وقيل‪ِ :‬‬
‫تا ُ‬ ‫ب يف‬ ‫تا ُ‬
‫ِ‬
‫القولين‬ ‫ِ‬
‫صوص‬ ‫بين ُن‬
‫جم ٌع َ‬
‫شـيخ اإلسالمِ‪ ،‬وفيه ْ‬ ‫ُ‬ ‫ورجحه‬‫رواي ٌة عن اإلمام أحمدَ ‪ ،‬ا‬
‫ين‪.‬‬‫الساب َق ِ‬
‫سكتاتِه‪،‬‬
‫ولكن َيتح اي ُن هبا َ‬
‫ْ‬ ‫ف إمامِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفاتحة حتى َخ ْل َ‬ ‫فالمشـروع للمأمو ِم قراء ُة‬
‫ُ‬
‫فإن لم َي ْقر ْأها يف الاهرية فصال ُته ِحيحةٌ‪ ،‬قال اإلما ُم أحمدُ ‪« :‬ما علِمنا أحدً ا مِن‬ ‫ْ‬
‫از ُ ِال ُة َمن خل َفه إذا لم‬ ‫بالق ِ‬
‫راءة ال ُت ِ‬ ‫إن اإلمام إذا جهر ِ‬ ‫أه ِل اإلسال ِم ُ‬
‫يقول‪ :‬ا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قر ْأ»(‪.)1‬‬
‫َي َ‬
‫ُ ُ َ ه‬
‫هو)‪ :‬أي ويتحمل اإلمام ساود السهو عن المأموم‪.‬‬
‫(وسجود الس ِ‬
‫فإذا حصل للمأموم ما يوجب ساود السهو عليه‪ ،‬فال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إن سها فيما أدرل إمامه فيه‪ ،‬فيتحمله اإلمام عنه يف قول عامة أهل‬
‫اإل َما ُم َضامِ ٌن» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي](‪.)2‬‬
‫العلم؛ لقوله ﷺ‪ِ ْ « :‬‬
‫الثانية‪ :‬وإن سها فيما لم يدرل اإلمام فيه‪ ،‬فال يتحمله اإلمام عنه‪.‬‬
‫ُ ُ َ‬
‫ود ِّ‬
‫اتل َ‬
‫الوة ِ)‪ :‬فإذا قرأ المأموم السادة أثناء الصالة‪ ،‬فال يساد؛ لما فيه‬ ‫(وسج‬
‫من المخالفة إلمامه‪.‬‬
‫ُّ ْ َ َ‬
‫َّتة)‪ :‬أي وتاز سرتة اإلمام عن المأمومين‪ ،‬فلو مر بين يدي المأموم‬ ‫(والس‬
‫ت‬‫شـيء لم يضـره ولم يؤمر برده؛ لما يف الصحيحين عن ابن عباس ﭭ قال‪َ « :‬أ ْق َب ْل ُ‬
‫ول اهلل ﷺ ُي َصلي بِ ِمنًى‬ ‫ت ِاال ْحتِالَ َم‪َ ،‬و َر ُس ُ‬ ‫ان‪َ ،‬و َأنَا َي ْو َمئِ ُذ َقدْ ن َ‬
‫َاه ْز ُ‬ ‫ار َأ َت ُ‬ ‫َراكِ ًبا َع َلى ِح َم ُ‬
‫ان َت ْر َت ُع‪َ ،‬فدَ َخ ْل ُت فِي‬
‫الصف‪َ ،‬و َأ ْر َس ْل ُت األَ َت َ‬
‫ض ا‬ ‫ت َب ْي َن َيدَ ْي َب ْع ِ‬ ‫إِ َلى َغ ْي ِر ِجدَ ُار‪َ ،‬ف َم َر ْر ُ‬
‫الصف‪َ ،‬ف َل ْم ُينْ َك ْر َذل ِ َك َع َل اي»(‪ ،)3‬وهذا دليل على أن المأمومين سرتهتم سرتة‬ ‫ا‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)262/2‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)246‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)16‬ومسلم (‪ )504‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫‪501‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫إمامهم‪ ،‬فال يضـرهم ما مر أمامهم‪ ،‬وقد كان رسول اهلل ﷺ يصلي بالصحابة‪ ،‬ولم‬
‫يأمرهم باتخاذ سرتة يف حال ائتمامهم خلفه‪.‬‬

‫ُُ‬ ‫ُ َ‬
‫(وداع َء القن ِ‬
‫وت)‪ :‬ففي دعاء القنوت يكتفي المأموم بالتأمين خلف إمامه‪ ،‬وله‬
‫مثل دعائه‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬قولـه تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [يونس‪ ،]62 :‬مع أن الداعي موسـى ڠ‪ ،‬وأما هارون ڠ فكان‬
‫يؤمن‪ ،‬وهكذا حال الصحابة‪ ،‬فإهنم كانوا يؤمنون خلف رسول اهلل ﷺ يف دعاء‬
‫النوازل‪ ،‬ولم يكونوا يرددون ما يقول‪.‬‬
‫َ ه‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫ه َ ُّ َ َ َ‬
‫بركعة يف ُرباعِية)‪ :‬أي ويسقط التشهد األول‬ ‫(والتشهد األ هول‪ ،‬إذا سبِق‬
‫للمسبوق بركعة‪ ،‬فيتابع إمامه إذا قام للركعة الثالثة‪ ،‬وهي بالنسبة له الثانية وال‬
‫يالس للتشهد األول‪ ،‬ويتحمله اإلمام؛ لئال يختلف على إمامه‪ ،‬ويثبت تب ًعا ما ال‬
‫ال‪.‬‬‫يثبت استقال ً‬
‫َ َ َ ََ ُ ًَ‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ َ َ َََهَ‬ ‫ُ ه َ ُ‬ ‫ُ‬
‫هريةِ‪ .‬ويقرأ الف ِ‬
‫احتة‪ ،‬وسورة‬ ‫اجل‬
‫َ َ ِ‬ ‫يف‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫وي‬ ‫‪،‬‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ف‬ ‫ست‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وم‬ ‫أم‬‫ِلم‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫وس‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ات إما ِم ِه‪َ ِ ،‬‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫الفاحتةِ‪ ،‬وبعدها‪ ،‬وبعد فر ِ‬
‫اغ‬ ‫ِ‬ ‫ويه‪ :‬قبل‬ ‫رشعت‪ ،‬يف سكت ِ‬ ‫حيث ِ‬
‫ال ِق َر َ‬
‫اءة ِ)‪.‬‬
‫َ ه‬ ‫َ َ َ َََهَ‬ ‫ُ ه َ ُ‬
‫هري ِة)‪ :‬يسن للمأموم يف الصالة‬ ‫وم‪ :‬أن يستفتِح‪ ،‬ويتعوذ يف اجل ِ‬ ‫أم ِ‬ ‫(وسن ل ِلم‬
‫السـرية أن يقرأ االستفتاح‪ ،‬ويتعوذ‪ ،‬ويبسمل قبل قراءة الفاتحة‪.‬‬
‫أما يف الصالة الاهرية‪ :‬فإن جاء قبل شـروع اإلمام يف القراءة‪ ،‬فإنه يستفتح‪،‬‬
‫ويتعوذ‪ ،‬ويبسمل‪ ،‬ويقرأ الفاتحة‪ ،‬ويتحين لقراءهتا سكتات إمامه إن تيسـر‪.‬‬
‫وإن جاء بعد شـروع اإلمام يف القراءة يف الاهرية‪ :‬فال يستفتح؛ ألنه سنة‬
‫مستقلة‪ ،‬والسماع للقراءة واجب‪ ،‬فيسقط عنه االستفتاح‪ ،‬ولكنه يتعوذ‪ ،‬ويبسمل‪،‬‬
‫ويقرأ الفاتحة؛ ألهنا تابعة للقراءة‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪502‬‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ََ َ َ َ ُ َ ً َ ُ ُ َ‬
‫ات إما ِم ِه)‪ :‬يتحين المأموم‬
‫رشعت‪ ،‬يف سكت ِ‬ ‫احتة‪ ،‬وسورة حيث ِ‬ ‫(ويقرأ الف ِ‬
‫القراءة يف سكتات اإلمام إن تيسـر‪ ،‬وإن لم يتيسـر له ذلك فقرأ الفاتحة واإلمام يقرأ‬
‫جاز لألدلة المخصصة لها دون ما زاد عليها‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫اغ ال ِق َر َ‬
‫اءة ِ)‪ :‬ذكر أن سكتات اإلمام يف‬ ‫عد ف َر ِ‬ ‫الفاحتَةِ‪ ،‬وبعدها‪ ،‬وب‬
‫ِ‬ ‫ويه‪ :‬قبل‬
‫( ِ‬
‫الصالة الاهرية ثالث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬بين تكبيرة اإلحرام والفاتحة‪ ،‬وهذه ثابتة مستحبة عند جمهور العلماء‪،‬‬
‫وهي بمقدار ما يقرأ اإلمام دعاء االستفتاح؛ لما يف الصحيحين من حديث أبي‬
‫الص َال ِة‪َ ،‬س َك َت ُهنَ اي ًة َق ْب َل َأ ْن َي ْق َر َأ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َان رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َك اب َر في ا‬ ‫هريرة ﭬ قال‪« :‬ك َ َ ُ‬
‫ول؟‬ ‫ول اهللِ بِ َأبِي َأن َْت َو ُأمي َأ َر َأ ْي َت ُس ُكو َت َك َب ْي َن ال ات ْكبِ ِير َوا ْل ِق َرا َءةِ‪َ ،‬ما َت ُق ُ‬
‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫شـرق َوا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫ت ب ْي َن ا ْلم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬أ ُق ُ‬
‫ب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اي ك ََما َباعَدْ َ َ‬ ‫ول‪ :‬الل ُه ام َباعدْ َب ْيني َو َب ْي َن َخ َطا َي َ‬
‫س‪ ،‬الل ُه ام ا ْغ ِس ْلنِي مِ ْن‬ ‫اي ك ََما ُينَ اقى الثا ْو ُب ْاألَ ْب َي ُض م ِ َن الدا َن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الل ُه ام نَقني م ْن َخ َطا َي َ‬
‫َخ َطاياي بِال اث ْلجِ وا ْلم ِ‬
‫اء َوا ْل َب َر ِد»(‪.)1‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫الثانية‪ :‬بين الفاتحة والقراءة األخرى‪ ،‬وورد فيها حديث سمرة ﭬ‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫ن ق َرا َءة ﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾» [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي‬
‫«وس ْك َت ًة إِ َذا َفر َغ مِ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وحسنه‪ ،‬وِححه ابن خزيمة وابن حبان‪ ،‬وقواه ابن القيم وابن حار](‪ ،)2‬وذهب الستحباب هذه‬
‫السكتة اإلمام األوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وهي سكتة لطيفة ليرتاد إليه‬
‫نفسه‪ ،‬وليفصل بين القراءتين‪ ،‬ولينظر ما يقرأ بعد الفاتحة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬بعد الفراغ من القراءة‪ ،‬وقبل تكبيرة الركوع‪ ،‬وهي سكتة قصـيرة بمقدار‬
‫ما يرتاد إليه النفس‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)354‬‬


‫(‪ )2‬سنن أبي داود (‪ ،)160‬ويأيت تخرياه‪.‬‬

‫‪502‬‬
‫‪503‬‬ ‫ب صَال ِة اجلَماعةِ‬
‫با ُ‬

‫ويشهد لها‪ :‬ما رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وحسنه من حديث ا ْل َح َس ِن َق َال‪َ :‬ق َال‬
‫الص َال ِة‪ :‬س ْك َت ًة إِ َذا َك ابر ْ ِ‬
‫اإل َما ُم َحتاى َي ْق َر َأ‪َ ،‬و َس ْك َت ًة إِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َس ُم َر ُة ﭬ‪َ « :‬حف ْظ ُت َس ْك َت َتيْ ِن في ا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ان ْب ُن‬ ‫الر ُكو ِع»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْن َك َر َذل ِ َك َع َل ْي ِه ِع ْم َر ُ‬ ‫َاب‪ ،‬وس ُ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َف َر َغ م ْن َفات َحة ا ْلكت ِ َ ُ َ‬
‫ورة عنْدَ ُّ‬
‫ِ‬
‫صـين‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َك َت ُبوا فِي َذل ِ َك إ ِ َلى ا ْل َم ِدين َِة إ ِ َلى ُأ َب ني َف َصدا َق َس ُم َر َة»‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُح‬
‫« َو َس ْك َت ًة إِ َذا َف َر َغ مِ َن ا ْل ِق َرا َء ِة»(‪.)1‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬وهو قول غير واحد من أهل العلم‪ :‬يستحبون لإلمام أن يسكت‬
‫بعدما يفتتح الصالة‪ ،‬وبعد الفراغ من القراءة‪ ،‬وبه يقول أحمد‪ ،‬وإسحاق‪،‬‬
‫وأِحابنا»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫َ‬
‫(ويقرأ فِيما ال َيهر فِي ِه مَت شاء)‪ :‬أي وللمأموم أن يقرأ يف السـرية ما شاء من‬
‫القرآن مع الفاتحة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)111‬والرتمذي (‪ ،)251‬وابن ماجه (‪ ،)645‬وأحمد (‪ ،)20245‬وابن خزيمة (‪ ،)1516‬وابن‬
‫حبان (‪ ،)1601‬والحاكم (‪ )335/1‬من حديث الحسن‪ ،‬عن سمرة بن جندب ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث‬
‫حسن»‪ .‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪ ،)505‬قال الدارقطني‪« :‬الحسن مختلف يف سماعه من سمرة‪ ،‬وقد سمع منه‬
‫حديثًا واحد ًا وهو حديث العقيقة»‪ .‬ويف سماع الحسن من سمرة ثالثة مذاهب‪:‬‬
‫المذهب األول‪ :‬أنه سمع منه مطلقًا‪ ،‬وهو قول ابن المديني‪ ،‬ذكره عنه البخاري‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه لم يسمع منه مطلقًا‪ ،‬واختاره ابن حبان‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه لم يسمع منه إال حديث العقيقة‪ ،‬قاله النسائي‪ ،‬وإليه مال الدارقطني يف سننه (نصب الراية ‪،62/1‬‬
‫البدر المنير ‪ ،62/4‬التلخيص الحبير ‪.)164/2‬‬

‫‪503‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪504‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬
‫للمأموم مع إمامه أربع حاالت‪ :‬المتابعة‪ ،‬والمسابقة ‪ ،‬والموافقة‪ ،‬والتخلف‪.‬‬
‫ذكر المؤلف عد ًدا من المسائل المتعلقة بمتابعة المأموم إلمامه‪.‬‬
‫َ َ َ َ ْ‬ ‫ََْ َ‬
‫إتما ِم ِه ِتلَكب َ‬ ‫ََ ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫اإلحر ِام‪ :‬لم تنع ِقد‬ ‫رية ِ‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫إما‬ ‫ع‬‫م‬ ‫م‬‫أحر‬ ‫ن‬ ‫وم‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ ُُ‬
‫صالته)‪.‬‬
‫ألنه يشرتأ لصحة تكبيرة اإلحرام من المأموم أن تكون بعد فراغ اإلمام من‬
‫النطق هبا‪ ،‬فال ينعقد ائتمامه إال بعد اإلتيان بالتكبير بعد فراغ اإلمام منه‪ ،‬فلو كرب‬
‫لإلحرام قبل إمامه‪ ،‬أو وافقه لم تنعقد ِالة المأموم‪ ،‬ويلزمه أن يعيد التكبيرة‪ ،‬فإن‬
‫ِحت ِالته نفالً‪.‬‬ ‫لم يفعل ا‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬واأل ْ‬
‫ال الصالة ِ بعد إما ِم ِه)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أفع‬ ‫يف‬ ‫ع‬ ‫َش‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وم‬ ‫أم‬‫للم‬ ‫ىل‬ ‫و‬
‫المشـروع للمأموم متابعة إمامه‪ ،‬وهي‪ :‬أن يأيت بأفعال الصالة بعد تلبس إمامه‬
‫هبا؛ فال يسابق اإلمام‪ ،‬وال يوافقه يف أفعال الصالة‪ ،‬وإنما يتابعه ويأيت هبا بعد إتيان‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه‪َ ،‬فإِ َذا َك اب َر َف َكب ُروا‪َ ،‬وإِ َذا َرك ََع‬
‫اإلمام هبا؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫َ‬
‫اس ُادُ وا» [متفق عليه] ‪ ،‬ويف حديث أبي موسـى ﭬ‪َ « :‬فإِ ان‬ ‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬
‫َف ْار َك ُعوا‪َ ،‬وإِ َذا َس َادَ َف ْ‬
‫ِْ‬
‫اإل َما َم َي ْر َك ُع َق ْب َل ُك ْم‪َ ،‬و َي ْر َف ُع َق ْب َل ُك ْم» [رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ ََ‬ ‫ُ‬
‫الم‪ :‬ك ِره)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬فإن َوافقه فِيها‪ ،‬أو يف الس ِ‬
‫أي ويكره للمأموم موافقة إمامه أثناء نطقه يف ألفاظ االنتقال يف الصالة يف‬
‫الركوع والساود والرفع والسالم‪ ،‬فيكرب مع تكبيره ويسلم مع سالمه‪ ،‬والموافقة‬
‫على قسمين‪:‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )404‬من حديث أبي موسـى ﭬ‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫‪505‬‬ ‫فـصل‬

‫األول‪ :‬موافق ٌة يف األقوال‪ :‬فإن وافقه يف تكبيرة اإلحرام لم تنعقد ِالته‪ ،‬وإن‬
‫وافقه يف السالم‪ ،‬أو يف تكبيرات االنتقال‪ُ ،‬كره ألنه مخالف لالئتمام‪ ،‬ولقوله ﷺ‪:‬‬
‫« َفإِ َذا َك اب َر َف َكب ُروا‪.)1(»...‬‬
‫جائز‪.‬‬
‫وإن وافقه يف التسبيحات يف الركوع والساود ونحوها‪ ،‬فهو ٌ‬
‫الثاين‪ :‬موافق ٌة يف األفعال‪ :‬وهي مكروهةٌ‪ ،‬كأن يركع أو يساد مع اإلمام؛ لقوله‬
‫ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َك اب َر َف َكب ُروا‪َ ،‬و َال ُت َكب ُروا َحتاى ُي َكب َر‪َ ،‬وإِ َذا َرك ََع َف ْار َك ُعوا‪َ ،‬و َال َت ْر َك ُعوا َحتاى‬
‫اس ُادُ وا‪َ ،‬و َال َت ْس ُادُ وا َحتاى َي ْس ُادَ ‪[ »...‬رواه أبو داود](‪.)2‬‬ ‫َي ْرك ََع‪َ ،‬وإِ َذا َس َادَ َف ْ‬
‫ََ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وإن سبقه‪ :‬ح ُرم)‪.‬‬
‫مسابقة المأموم إلمامه محرمة باتفاق العلماء‪ ،‬كما نقله شـيخ اإلسالم(‪.)3‬‬
‫وهي أن يسبق المأموم إمامه يف شـيء من أفعالها أو أقوالها الواجبة‪ ،‬كالركوع‪،‬‬
‫أو الساود‪ ،‬أو التكبير أو السالم‪ ،‬فيساد أو يركع أو يسلم قبل إمامه‪ ،‬ومن فعله‬
‫أثم واستحق العقوبة التي تردعه وأمثاله‪ .‬ويف الصحيحين عن أبي هريرة ﭬ أن‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول ﷺ قال‪َ « :‬ما َي ْأ َم ُن ا الذي َي ْر َف ُع َر ْأ َس ُه في َِ َالته َق ْب َل ْاإل َما ِم َأ ْن ُي َحو َل ُ‬
‫اهلل‬
‫ار»(‪.)4‬‬ ‫ور ِة ِح َم ُ‬ ‫ِ‬
‫ور َت ُه في ُِ َ‬
‫ُِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ً‬ ‫َََ َ‬‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ََ ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ج َع ِ َيل ِ َ‬
‫أَت ب ِه‬
‫َ‬
‫قوهل‪( :‬فمن ركع‪ ،‬أو سجد‪ ،‬أو رفع قبل إما ِم ِه عمدا‪ :‬ل ِزمه أن ير ِ‬
‫ََ‬
‫مع إما ِم ِه)‪.‬‬
‫إن سبق إمامه إلى ركوع أو ساود أو رفع‪ ،‬وهو متعمد حرم فعله‪ ،‬ولزمه أن‬
‫يرجع ويتابع اإلمام‪ ،‬فإن أبى المتابعة فله حالتان‪:‬‬
‫ً َ ْ ً ََ َ َ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫األولى‪( :‬فإن أَب اعل ِما عمدا‪ :‬بطلت صالته)‪ :‬لمخالفته واجب المتابعة وفعله‬
‫المسابقة‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)603‬وأحمد (‪ )6502‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪.)336/23‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)621‬ومسلم (‪ )421‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪505‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪506‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫الثانية‪( :‬ال‪ :‬صالة ناس وجاهِل)‪ :‬وإن سابق إمامه بركوع أو ساود ناسـيا أو‬
‫جاهال‪ ،‬فال تبطل ِالته‪ ،‬ويلزمه الرجوع لمتابعة إمامه إذا ذكر؛ فإن لم يذكر أو لم‬
‫ً‬
‫يعلم الحكم حتى فرغ من الصالة أو فات موضع المتابعة ِحت ِالته لقوله‬
‫اس ُت ْك ِر ُهوا َع َل ْي ِه»(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫سـيان‪َ ،‬و َما ْ‬‫اهلل َو َض َع َع ْن ُأ امتِي ا ْل َخ َط َأ‪َ ،‬والن‬
‫ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫والحالة الرابعة‪ :‬التخلف عن إمامه‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون لعذر‪ ،‬كسهو‪ ،‬أو جهل‪ ،‬أو انقطاع ِوت اإلمام‪ ،‬فال إثم على‬
‫المأموم‪ ،‬فإذا زال عذره أتى بالركن الذي تخلف فيه‪ ،‬ثم تابع إمامه‪.‬‬
‫إال إذا وِل اإلمام إلى الركن الذي هو فيه من الركعة الثانية‪ ،‬فإنه يتابع إمامه‬
‫يف الثانية وتصبح له ركعة ملفقة‪ ،‬فإذا سلم اإلمام قام وأتى بما فاته يف تخلفه‪ ،‬وهذا‬
‫نقله الحافظ ابن رجب يف الفتح عن اإلمام الزهري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬واختاره‬
‫شـيخنا ابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكون تخلفه لغير عذر‪ ،‬فله حالتان‪:‬‬
‫اإلمام يف الركن الذي تخلف عنه فيه قبل أن يفارقه‪،‬‬
‫َ‬ ‫األولى‪ :‬إن أدرل المأمو ُم‬
‫فصالته ِحيحة إال أنه خالف السنة يف ترل متابعة اإلمام المشـروعة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن فارق اإلما ُم الركن الذي تخلف عنه المأموم فيه‪ ،‬لم ياز ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ُ َ ُّ َ‬ ‫ُ‬
‫اإلتم ِ‬
‫ام)‪.‬‬ ‫ام‪ :‬اتلهخ ِفيف مع‬
‫لإلم ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ويسن‬
‫السنة تخفيف اإلمام ِالته مع إتمامها وكمالها؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ ام َأ َحدُ ُك ُم‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)2045‬وابن حبان (‪ ،)1212‬والحاكم يف المستدرل (‪ )2601‬من حديث ابن عباس‬
‫اووي يف‬
‫وحسنه الن ُّ‬
‫ا‬ ‫ِححه‪ :‬ابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬واأللباين يف إرواء الغليل (‪،)62‬‬
‫ﭬ مرفوعًا‪ .‬والحديث ا‬
‫األربعين رقم (‪ .)32‬وقد أنكر الحديث‪ :‬اإلمامان أحمد وأبو حاتم‪ ،‬وقد ن َق َل ا ُ‬
‫بن رجب يف جامع العلوم‬
‫وابن حار يف التلخيص (‪ )262/1‬عن محمد بن نصـر المروزي قوله‪« :‬ليس لهذا‬
‫ُ‬ ‫والحكم (‪،)365/2‬‬
‫حتج بمثله»‪ .‬وللحديث شواهد‪ :‬منها‪ :‬حديث أبي ذر‪ ،‬وعقبة بن عامر‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وثوبان‪،‬‬
‫الحديث إسنا ٌد ُي ُّ‬
‫وأبي الدرداء‪ ،‬وأم الدرداء ﭫ‪ ،‬لكنها ضعيفة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتح (‪ ،)144/6‬الممتع (‪.)264/4‬‬

‫‪506‬‬
‫‪507‬‬ ‫فـصل‬

‫يض‪َ ،‬فإِ َذا َِ الى‬ ‫الض ِع َ‬


‫يف‪َ ،‬وا ْل َم ِر َ‬ ‫الص ِغ َير‪َ ،‬وا ْل َكبِ َير‪َ ،‬و ا‬ ‫ف‪َ ،‬فإِ ان فِ ِ‬
‫يه ُم ا‬ ‫ااس‪َ ،‬ف ْل ُي َخف ْ‬ ‫الن َ‬
‫ف َشا َء» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫َو ْحدَ ُه َف ْل ُي َصل َك ْي َ‬
‫ولما ِلى معاذ ﭬ بقومه فافتتح بالبقرة وِلى هبا غضب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم‬
‫اس َم َرب َك‬
‫اها‪َ ،‬و َسبحِ ْ‬
‫س َو ُض َح َ‬ ‫اان َأن َْت ‪َ -‬ثالَ ًثا‪ -‬ا ْق َر ْأ‪َ :‬و ا‬
‫الش ْم ِ‬ ‫قال‪َ « :‬يا ُم َعا ُذ‪َ ،‬أ َفت ٌ‬
‫األَ ْع َلى‪َ ،‬ون َْح َو َها» [متفق عليه](‪ ،)2‬وهذا هو هدي الرسول ﷺ فإنه لم يكن يطيل‪،‬‬
‫وإنما كان يوجز الصالة ويكملها‪.‬‬
‫وِالة اإلمام ال تخلو من حاالت أربع‪:‬‬
‫األولى‪ :‬التطويل‪ :‬وهو جائز إذا علم أن المأمومين يؤثرون ذلك‪ ،‬وإن لم يعلم‬
‫رغبتهم‪ ،‬فالسنة عدم اإلطالة‪.‬‬
‫وما حصل من رسول اهلل ﷺ من اإلطالة‪ ،‬فمحمول على علمه محبة الصحابة‬
‫ذلك‪ ،‬وانحصارهم‪.‬‬
‫فالمساجد التي ال تنضبط الاماعة فيها‪ ،‬أو ال يعلم رغبة أِحاهبا يف التطويل‬
‫ال يشـرع التطويل فيها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬التوسط‪ :‬وهو التخفيف مع اإلتمام يف ِالته‪ ،‬هذا هو السنة الثابتة من‬
‫قول الرسول ﷺ وفعله‪ ،‬فيراعي أغلب ما كان يقرأه رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬التقصـير‪ :‬وهو التخفيف بال إتمام‪ ،‬واالقتصار على الواجب من القراءة‬
‫واألذكار ويرتل السنن‪ ،‬فهذا ماز ‪ ،‬لكنه خالف السنة‪ ،‬إال عند حصول عارض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَة ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َطو َل ف َ‬
‫يها‪َ ،‬ف َأ ْس َم ُع ُب َكا َء ا‬
‫الصبِي‪،‬‬ ‫فيفعله؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِني َألَ ُقو ُم في ا‬
‫اه َي َة َأ ْن َأ ُش اق َع َلى ُأم ِه» [متفق عليه](‪.)3‬‬
‫َف َأ َتاو ُز فِي ِالَتِي كَر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ا‬
‫الرابعة‪ :‬التفريط‪ :‬وهو أن يرتل بعض الواجبات‪ ،‬وهذا غير جائز‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)103‬ومسلم (‪ )461‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)6106‬ومسلم (‪ )465‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)101‬ومسلم (‪ )410‬من حديث أبي قتادة ﭬ‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪508‬‬

‫والضابط يف التخفيف والتطويل إلى ما ورد عن رسول اهلل ﷺ؛ ألن الصالة‬


‫عبادة‪َ ،‬ف َم َر ُّد مقاديرها إلى الشـرع‪ ،‬وليس الضابط عرف الناس وعاداهتم؛ ألهنا‬
‫ف َه ُؤ َال ِء َما َي ْستَطِي ُل ُه‬ ‫َخ ُّفه َه ُؤ َال ِء‪ ،‬ويست ِ‬
‫َخ ُّ‬ ‫ََْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تختلف‪ ،‬ف َقدْ َي ْستَط ُيل َه ُؤ َالء َما َي ْست ُ‬
‫َه ُؤ َال ِء‪ ،‬فالبد أن يضبط حد التخفيف بضابط الشـرع؛ ألهنا عبادة‪ ،‬وقد قال ﷺ‪:‬‬
‫« َِ ُّلوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي»(‪.)2()1‬‬
‫والغالب يف قراءة رسول اهلل ﷺ يف الصلوات أن يقرأ‪:‬‬
‫يف الفار‪ :‬ما بين الستين إلى المائة(‪.)3‬‬
‫ويف الظهر‪ :‬بنحو ثالثين آية يف كل ركعة من األوليين‪.‬‬
‫يد ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِ اي‬ ‫ويف العصـر‪ :‬على النصف من ذلك‪ ،‬كما يف حديث َأبِي س ِع ُ‬
‫َ‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن ْاألُو َل َي ْي ِن فِي ُكل َر ْك َع ُة َقدْ َر َث َالثِي َن آ َيةً‪َ ،‬وفِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان َي ْق َر ُأ في َِ َالة ال ُّظ ْه ِر في ا‬
‫ﷺك َ‬
‫الر ْك َع َت ْي ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْاألُ ْخريي ِن َقدْ ر َخمس َعشـر َة آيةً‪َ ،‬أو َق َال‪ :‬نِص َ ِ‬
‫ف َذل َك‪َ ،‬وفي ا ْل َعصـر في ا‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ف َذل ِ َك»‬ ‫ْاألُو َليي ِن فِي ُكل ر ْكع ُة َقدْ ر قِراء ِة َخمس َعشـر َة آيةً‪ ،‬وفِي ْاألُ ْخريي ِن َقدْ ر نِص ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫[رواه مسلم](‪.)4‬‬
‫ويف المغرب‪ :‬أحيانًا يقرأ بأواسط المفصل‪ ،‬كالمرسالت(‪ ،)5‬وأحيانًا بطواله‬
‫كالطور(‪ ،)6‬وأحيانًا بقصاره كالتين والمعوذتين‪ ،‬وكلها أحاديث مشهورة‪ ،‬ولم يكن‬
‫يداوم على قصار المفصل‪ ،‬بل المداومة من فعل مروان بن الحكم‪ ،‬وأنكر عليه‬
‫ب بِ ِق َص ِ‬
‫ار ا ْل ُم َف اصلِ‪َ ،‬و َقدْ َر َأ ْي ُت‬ ‫ت ﭬ‪ ،‬وقال‪َ :‬ما َل َك َت ْق َر ُأ فِي ا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫َزيدُ بن َثابِ ُ‬
‫ْ ْ ُ‬
‫ب بِ ُطو َلي ال ُّطو َل َي ْي ِن»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬ما ُطو َلي ال ُّطو َل َي ْي ِن؟‬ ‫ول اهلل ﷺ « َي ْق َر ُأ فِي ا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫َر ُس َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬


‫(‪ )2‬االقتضاء (‪ ،)260/1‬القواعد النورانية (‪ ،)202/1‬ماموع الفتاوى (‪.)521/22‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)216‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )452‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)163‬ومسلم (‪ )462‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)165‬ومسلم (‪ )463‬من حديث جبير بن مطعم ﭬ‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫‪509‬‬ ‫فـصل‬

‫اف‪َ ،‬و ْاألُ ْخ َرى ْاألَ ْن َعا ُم»(‪.)1‬‬


‫َق َال‪ْ :‬األَ ْع َر ُ‬
‫وروى ابن حبان يف ِحيحه عن أبي هريرة ﭬ يف ِفة ِالة الرسول ﷺ‪:‬‬
‫ب بِ ِق َص ِ‬
‫ار ا ْل ُم َف اص ِل»(‪ ،)2‬فيحمل إنكار زيد المداومة‬ ‫« َو َي ْق َر ُأ فِي ْاألُو َل َي ْي ِن مِ َن ا ْل َم ْغ ِر ِ‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫وأما العشاء‪ :‬فيقرأ فيها بأواسط المفصل‪ ،‬كما أمر معا ًذا ﭬ بذلك لما قال ﷺ‪:‬‬
‫اس َم َرب َك األَ ْع َلى َون َْح َو َها»‪ ،‬فينبغي لإلمام أن‬
‫اها َو َسبحِ ْ‬ ‫«ا ْق َر ْأ‪َ :‬و ا‬
‫الش ْم ِ‬
‫س َو ُض َح َ‬
‫ينوع‪ ،‬وأن يتحرى هدي رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأن يراعي أحوال المأمومين‪.‬‬
‫َ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ما لم يؤث ِِر المأموم اتلهط ِويل)‪.‬‬
‫فله التطويل يف القراءة يف ِالة الفريضة بشـرأ أن يعلم من المأمومين إيثارهم‬
‫ذلك‪ .‬وهذا ال يكون إال يف الاماعة المنحصـرة‪ ،‬وأما غير المنحصـرة فال يمكن‬
‫القطع بذلك‪ ،‬فلو كان مسادً ا عا ًما‪َ ،‬ي ِر ُد عليه أِحاب الحاجات‪ ،‬وعابروا السبيل‬
‫ممن يشق عليهم التطويل‪ ،‬فال ينبغي له أن يطول‪ ،‬وإنما يستعمل التخفيف مع‬
‫اإلتمام؛ ألن الاماعة ال ينضبطون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َُ ه‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫خل‪ ،‬إن لم يشق ىلع المأم ِ‬
‫وم)‪.‬‬ ‫ار دا ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وانتِظ‬
‫أي َول ِ ْإلِ َما ِم إذا دخل أحدٌ المسادَ وهو راكع أن ينتظره ويطيل الركوع ليدرل‬
‫الداخل الركعة إذا لم يشق على المأمومين‪ ،‬وقد ثبت االنتظار يف ِالة الخوف‬
‫لتدركه الطائفة الثانية‪ ،‬فإن كان يشق عليهم ُكره ذلك؛ ألن الذين معه أعظم حرمةً‪،‬‬
‫وأحق بالمراعاة من الداخل المتأخر‪ ،‬وهذا قول الشعبي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبي‬
‫ثور‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)612‬وأحمد (‪ )21646‬من حديث زيد بن ثابت ﭬ‪ .‬ورواه البخاري يف ِحيحه‬
‫(‪ )164‬أن مروان بن الحكم قال‪ :‬قال لي زيد بن ثابت‪« :‬ما لك تقرأ يف المغرب بقصار‪ ،‬وقد سمعت النبي‬
‫ﷺ يقرأ بطولي الطوليين»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه النسائي (‪ ،)263‬وأحمد (‪ ،)6366‬وابن خزيمة (‪ ،)520‬وابن حبان (‪ )1631‬من حديث أبي هريرة‬
‫ﭬ‪ .‬وِححه ابن عبد الهادي يف المحرر (‪.)236‬‬

‫‪502‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪510‬‬

‫والمذهب‪ :‬استحبابه‪ .‬وأما تأخير اإلقامة مراعا ًة الجتماع الاماعة‪ ،‬فثابت من‬
‫فعل الرسول ﷺ أنه يف « ِ ِ‬
‫آه ْم‬ ‫اجت ََم ُعوا َع اا َل‪َ ،‬وإِ َذا َر ُ‬‫آه ُم ْ‬ ‫الع َشاء َأ ْح َيانًا َو َأ ْح َيانًا‪ ،‬إِ َذا َر ُ‬
‫َأ ْب َط ُؤوا َأ اخ َر» [رواه البخاري](‪.)1‬‬
‫يتها‪َ :‬خ ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُُ‬ ‫َ َ َ ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ري‬ ‫ج ِد‪ :‬ك ِر َه منعها‪ ،‬وب‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫إىل‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫أم‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫قوهل‪( :‬ومن استأذنته امرأت‬
‫َ‬
‫َلا)‪.‬‬
‫إال إن خشـى الفتنة هبا‪ ،‬أو عليها‪ ،‬أو خاف عليها الضـرر؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا‬
‫ا ِد َفالَ َي ْمنَ ْع َها» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫َت امر َأ ُة َأ َح ِد ُكم إِ َلى المس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫است َْأ َذن ْ َ‬
‫ْ‬
‫وعلى المرأة إذا أرادت الخروج أن تراعي أمور ًا‪:‬‬
‫ا ِد‬ ‫ت امر َأ ُة َأ َح ِد ُكم إ ِ َلى المس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫است َْأ َذ َن ْ َ‬ ‫األول‪ :‬أن تستأذن زوجها؛ لقولـه ﷺ‪« :‬إِ َذا ْ‬
‫َفالَ َي ْمنَ ْع َها»‪ ،‬فلو لم يكن له إذن يف لما كان الستئذانه معنى‪.‬‬
‫قال ابن رجب‪« :‬وال نعلم خال ًفا بين العلماء‪ :‬أن المرأة ال تخرج إلى المساد‬
‫إال بإذن زوجها ‪ ،...‬لكن من المتقدمين من كان يكتفي يف إذن الزوج بعلمه‬
‫بخروج المرأة من غير منع»(‪ ،)3‬وهذا من باب اإلذن العريف‪ ،‬وهو يقوم مقام اإلذن‬
‫اللفظي‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن تخرج بال زينة‪ ،‬وال طيب‪ ،‬وال تربج‪ ،‬فإن حصل شـيء من هذه‬
‫األمور لم ياز لها الخروج‪ ،‬ووجب على وليها منعها؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ال َت ْمنَ ُعوا إِ َما َء‬
‫ت»(‪ .)4‬ولقوله ﷺ‪َ « :‬أ ُّي َما ا ْم َر َأ ُة َأ َِا َب ْت‬ ‫اجدَ اهللِ‪َ ،‬و َلكِ ْن ل ِ َي ْ‬
‫خ ُر ْج َن َو ُه ان َت ِف َال ٌ‬ ‫اهللِ مس ِ‬
‫َ َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)262‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)422‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري (‪.)53/6‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)565‬وأحمد (‪ ،)2645‬وابن خزيمة (‪ ،)1612‬وابن حبان (‪ )2214‬من حديث أبي‬
‫هريرة ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)612/2‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪،)46/5‬‬
‫واأللباين يف اإلرواء (‪.)515‬‬

‫‪510‬‬
‫‪511‬‬ ‫فـصل‬

‫ورا َف َال َت ْش َهدْ َم َعنَا ا ْل ِع َشا َء ْاآل ِخ َر َة» [رواه مسلم] ‪ .‬ويف الصحيحين عن عائشة ڤ‬
‫خ ً‬‫َب ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫ث الن َسا ُء َل َمنَ َع ُه ان ا ْل َم ْس ِادَ ك ََما ُمن ِ َع ْت‬


‫ول اهلل ﷺ َر َأى َما َأ ْحدَ َ‬ ‫قالت‪َ « :‬ل ْو َأ ان َر ُس َ‬
‫نِ َسا ُء َبنِي إِسـرائِ َيل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت ل ِ َع ْم َرةَ‪َ :‬أنِ َسا ُء َبنِي إِسـرائِ َيل ُمن ِ ْع َن ا ْل َم ْس ِادَ ؟ َقا َل ْت‪:‬‬
‫َن َع ْم»(‪.)2‬‬
‫واهلل المستعان من تساهل الناس يف هذا حتى أِبحت المساجد تعاين من تربج‬
‫بعض النساء؛ لتفريط‪ ،‬وغفلة‪ ،‬وهتاون اآلباء واألولياء‪.‬‬
‫ت َع َلى ا ْل َق ْو ِم‬ ‫ت ا ْل َم ْر َأ ُة‪َ ،‬ف َم ار ْ‬‫ويف سنن أبي داود َع ِن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا اس َتع َطر ِ‬
‫ْ ْ َ‬
‫يح َها‪َ ،‬ف ِه َي ك ََذا َوك ََذا» َق َال َق ْو ًال َش ِديدً ا»(‪.)3‬‬
‫ادُ وا ِر َ‬ ‫ل ِ َي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َينْ َف ُح‪،‬‬ ‫يح الط ِ‬ ‫أيضا َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ‪« :‬أنه َلق َي ْت ُه ا ْم َر َأ ٌة َو َجدَ من َْها ِر َ‬ ‫وروى ً‬
‫ت مِ َن ا ْل َم ْس ِا ِد؟ َقا َل ْت‪َ :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫ار‪ِ ،‬ج ْئ ِ‬ ‫َول ِ َذ ْيلِ َها إِ ْع َص ٌار ‪-‬أي ُغ َب ٌار‪َ -‬ف َق َال‪َ :‬يا َأ َم َة ا ْل َا اب ِ‬
‫ول‪َ « :‬ال ُت ْق َب ُل‬ ‫اس ِم ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ت؟ َقا َل ْت‪َ :‬نعم‪َ ،‬ق َال‪ :‬إِني س ِمع ُت ِحبي َأبا ا ْل َق ِ‬ ‫َق َال‪ :‬و َله َت َطيب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ اْ‬
‫الانَا َب ِة»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َال ٌة ِالمر َأ ُة َت َطيب ْت لِه َذا ا ْلمس ِ ِ‬
‫اد‪َ ،‬حتاى َت ْر ِج َع َف َت ْغتَس َل ُغ ْس َل َها م َن َ‬ ‫َ ْ‬ ‫اَ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َ ٌ َ‬ ‫َ ُ‬
‫(وبيتها‪ :‬خري َلا)‪ :‬فاألفضل للمرأة الصالة يف بيتها؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬و ُب ُيو ُت ُه ان َخ ْي ٌر‬
‫َل ُه ان»(‪ ،)5‬وهذا عام حتى ولو كانت يف مكة والمدينة‪.‬‬
‫وعند أبي داود أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ َِ « :‬ال ُة ا ْل َم ْر َأ ِة فِي َب ْيتِ َها َأ ْف َض ُل مِ ْن َِ َالتِ َها‬
‫فِي ُح ْا َرتِ َها‪َ ،‬و َِ َال ُت َها فِي َم ْخدَ ِع َها َأ ْف َض ُل مِ ْن َِ َالت ِ َها فِي َب ْيتِ َها»(‪ ،)6‬وهذا كله حف ًظا‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )444‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)662‬ومسلم (‪ )445‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)4113‬والرتمذي (‪ ،)2166‬والنسائي (‪ ،)5126‬وأحمد (‪ ،)12516‬وابن خزيمة‬
‫(‪ ،)1661‬وابن حبان (‪ ،)4424‬والحاكم (‪ )430/2‬من حديث أبي موسـى ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا‬
‫حديث حسن ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)4114‬وابن ماجه (‪ ،)4002‬وأحمد (‪ ،)1356‬وابن خزيمة (‪ )1662‬من حديث أبي‬
‫هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص(‪.)422‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو داود (‪ ،)510‬وابن خزيمة (‪ ،)1620‬والحاكم (‪ )326/1‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ِ .‬ححه‬
‫=‬

‫‪511‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪512‬‬

‫ِ‬
‫بالمفضول ما يقدمه على الفاضل إذا كان‬ ‫َف‬
‫للمرأة وسرتًا لها‪ ،‬إال أنه قد َي ْحت ُّ‬
‫كالم نفيس يف الحوادث والبدع(‪ )1‬يف التحذير من‬
‫بالضوابط الشـرعية‪ ،‬وألبي شامة ٌ‬
‫حضور النساء إلى المساجد إذا أدى إلى مفسدة‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك‪ :‬الصلوات التي ال تقام يف البيوت‪ ،‬فحضورها مرغب فيه‬
‫بالضوابط الشـرعية‪ ،‬كالعيد‪ ،‬واالستسقاء‪ ،‬ونحوه؛ لحديث أم عطية ڤ قالت‪:‬‬
‫ور‪َ ،‬أ ِو‬ ‫خدُ ِ‬ ‫«أمرنا رسول اهلل ﷺ ن َْخرج‪َ ،‬فنُ ْخ ِرج الحي َض‪ ،‬والعواتِ َق‪ ،‬و َذو ِ‬
‫ات ال ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُا‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫الم ْسلِمي َن‪َ ،‬و َد ْع َو َت ُه ْم‪،‬‬ ‫الخدُ ِ‬ ‫العواتِ َق َذو ِ‬
‫ور‪َ ،‬ف َأ اما ال ُح اي ُض‪َ :‬ف َي ْش َهدْ َن َج َما َع َة ُ‬ ‫ات ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫َو َي ْعت َِز ْل َن ُم َص اال ُه ْم» [متفق عليه](‪.)2‬‬

‫=‬
‫النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)616/2‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)512‬‬
‫(‪ )1‬الحوادث والبدع ص (‪.)45‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)211‬‬

‫‪512‬‬
‫‪513‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْ ٌل يف اإلمَامَةِ‬ ‫‪F‬‬


‫ذكر هنا جملة من المسائل المتعلقة باإلمام واإلمامة‪.‬‬
‫ٌ َ َُ ْ َ َ‬ ‫ََ ُ َُ ه ُ‬ ‫َ َُ َ ًَ‬ ‫َْ َ‬
‫قارئ َ ال يعلم ف ِقه صالت ِه ىلع‬ ‫قوهل‪( :‬األوىل بها‪ :‬األجود ق ِراءة‪ ،‬األفقه‪ .‬ويقدم‪:‬‬
‫َ ُ ِّ ٍّ ُ ه َ َ ُّ ُ ه َ َ ُ ُ ه َ َ ِ ْ َ ُ ُ ه ُ ْ َ ُ‬
‫ف ِقيه أيم‪ .‬ثم‪ :‬األسن‪ .‬ثم‪ :‬األرشف‪ .‬ثم‪ :‬األتَق واألورع‪ .‬ثم‪ :‬يقرع‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُّ ْ َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ح ُب َ‬ ‫َ‬
‫أوىل مِن العب ِد‪.‬‬ ‫ج ِد‪َ ،‬ولو عبدا‪ :‬أحق‪ .‬واحلر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يت‪ ،‬وإمام المس‬ ‫ابل ِ‬ ‫وصا ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ َ َ ِّ ُ َ‬
‫ئ‪ :‬أ ْوىل مِن ِضدهِم)‪.‬‬ ‫ري‪ ،‬والمتوض‬ ‫وابل ِص ُ‬
‫ِ‬
‫واحلاَض‪َ ،‬‬ ‫ِ ُ‬
‫َاب اهللِ‪َ ،‬فإِ ْن‬ ‫ب اين األحق باإلمامة وأنه مرتب يف قوله ﷺ‪َ « :‬ي ُؤ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ‬
‫السن ِاة َس َوا ًء‪َ ،‬ف َأ ْقدَ ُم ُه ْم ِه ْا َر ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السناة‪َ ،‬فإِ ْن كَا ُنوا في ُّ‬
‫كَا ُنوا فِي ا ْل ِقراء ِة سواء‪َ ،‬ف َأ ْع َلمهم بِ ِ‬
‫ُ ُ ْ ُّ‬ ‫َ َ َ َ ً‬
‫َفإِ ْن كَا ُنوا فِي ا ْل ِهار ِة سواء‪َ ،‬ف َأ ْقدَ مهم ِس ْلما»‪ ،‬ويف رواية‪َ « :‬فإِ ْن كَا ُنوا فِي ا ْل ِهارةِ‬
‫َْ‬ ‫ً‬ ‫ُُ ْ‬ ‫َْ َ َ ً‬
‫َس َوا ًء‪َ ،‬ف ْل َي ُؤ ام ُه ْم َأ ْك َب ُر ُه ْم ِسنا» [رواه مسلم] ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫َ َُ َ ًَ ََ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫(األوىل بها‪ :‬األجود ق ِراءة‪ ،‬األفقه )‪ :‬بال خالف ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َُ ه ُ‬


‫قارئ ال يعل ُم ف ِقه صالت ِه ىلع ف ِقيه أيم)‪ :‬ألن قراءة الفاتحة ركن‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫م‬ ‫(ويقد‬
‫واألمي من ال يحسنها؛ لحديث أبي مسعود ﭬ‪ ،‬ففيه تقديم األقرأ ‪ ،‬ولقوله ﷺ‪:‬‬
‫اإل َما َم ِة َأ ْق َر ُؤ ُه ْم» [رواه مسلم](‪« .)3‬و َل اما َق ِد َم‬ ‫«إِ َذا كَا ُنوا َث َال َث ًة َف ْل َي ُؤم ُهم َأ َحدُ ُهم‪َ ،‬و َأ َح ُّق ُهم بِ ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان َي ُؤ ُّم ُه ْم‬ ‫اء‪َ -‬ق ْب َل م ْقدَ ِم رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ون العصب َة ‪-‬مو ِضع بِ ُقب ُ‬
‫ون األَ او ُل َ ُ ْ َ َ ْ ٌ َ‬ ‫اج ُر َ‬ ‫الم َه ِ‬
‫ُ‬
‫َان َأ ْك َث َر ُه ْم ُق ْرآنًا» [رواه البخاري] ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫َسال ِ ٌم َم ْو َلى َأبِي ُح َذ ْي َفةَ‪َ ،‬وك َ‬
‫واألقرأ‪ :‬هو األكثر حف ًظا واألجود تالوة‪ ،‬فإن تساووا يف الحفظ قدم األجود‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )613‬من حديث أبي مسعود األنصاري ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)11/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )612‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )622‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪514‬‬

‫تالوة‪ ،‬وإن كان أحدهما أكثر حف ًظا واآلخر أقل لحنًا وأجود قراءة فهو أولى‪.‬‬
‫فمن جمع جودة القراءة وكثرة الحفظ فهو األقرأ‪ ،‬وإال قدم األحفظ‪.‬‬
‫عالما بأحكام الصالة ليأيت هبا على وجهها‪.‬‬
‫والبد أن يكون األقرأ ً‬
‫فإذا استووا يف القراءة فأعلمهم بالسنة وأفقههم فيها‪ :‬لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ ْن كَانُوا فِي‬
‫السن ِاة»‪ ،‬فإن الفقه يحتاج إليه يف الصالة ونحوها‪ ،‬ويقدم من‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْلق َرا َءة َس َوا ًء‪َ ،‬ف َأ ْع َل ُم ُه ْم بِ ُّ‬
‫كان أفقه بأحكام الصالة على غيره لالحتياج إليه‪.‬‬
‫السن ِاة َس َوا ًء‪َ ،‬ف َأ ْقدَ ُم ُه ْم ِه ْا َر ًة»‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ثم أقدمهم هارة‪ :‬لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ ْن كَا ُنوا في ُّ‬
‫والمراد أن يكون أحدهما أسبق هارة من دار الكفر إلى دار اإلسالم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُه ََ‬
‫(ثم‪ :‬األسن)‪ :‬لقوله ﷺ‪« :‬فإن كَا ُنوا في اله ْا َرة َس َوا ًء‪ ،‬فل َي ُؤ ام ُه ْم أ ْك َب ُر ُه ْم سنا»‪،‬‬
‫ولقول رسول اهلل ﷺ لمالك بن الحويرث ﭬ‪ُ « :‬ث ام ل ِ َي ُؤ ام ُك َما َأ ْك َب ُر ُك َما»(‪ ،)1‬وألن‬
‫المسن أحق بالتوقير والتقديم‪ ،‬كما قال رسول اهلل ﷺ لعبدالرحمن بن سهل يف‬
‫قصة القسامة «كَب ْر كَب ْر»‪.‬‬
‫فالمراتب‪ :‬األقرأ‪ ،‬ثم األعلم بالسنة‪ ،‬ثم األقدم هارة‪ ،‬ثم األقدم إسال ًما‪ ،‬ثم‬
‫األكرب سنًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رشف‪ .‬ث هم‪ :‬األتَق واأل ْو َرع‪ .‬ث هم‪ :‬يق َرع)‪ :‬عند التساوي يف األمور‬ ‫( ُث هم‪ :‬األ َ‬
‫الخمسة ذكر أنه يقدم األشـرف يف اإلمامة؛ لحديث‪َ « :‬قد ُموا ُق َر ْي ًشا َو َال َت َقدا ُم َ‬
‫وها»‬
‫[رواه النسائي](‪ ،)2‬ويف هذا نظر من وجهين‪:‬‬
‫أن الحديث ضعيف؛ ألنه مرسل‪.‬‬
‫وعلى فرض ثبوته‪ ،‬فالمراد هنا التقديم يف اإلمامة الكربى‪ ،‬ولذا فقد ذهب‬
‫جمهور العلماء إلى أنه ال يقدم يف اإلمامة يف الصالة بالنسب‪ ،‬كما اختاره أبو‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)241‬‬


‫(‪ )2‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ ،)216‬والبيهقي يف معرفة السنن واآلثار (‪ .)211‬قال ابن حار يف فتح‬
‫الباري (‪« :)530/6‬بإسناد ِحيح لكنه مرسل‪ ،‬وله شواهد»‪ ،‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)512‬‬

‫‪514‬‬
‫‪515‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وعليه فإن استووا يف هذه‬
‫الخصال‪ ،‬قدم أتقاهم وأورعهم؛ ألنه أشرف يف الدين‪ ،‬وأفضل وأقرب إلى‬
‫اإلجابة‪ ،‬وألن شرف الدين خير من شرف الدنيا‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ﴾ [الحارات‪ ،]13 :‬وهذا المعروف عن الرسول ﷺ يف تقديم ابن أم مكتوم‬
‫واستخالفه إذا خرج عن المدينة‪ ،‬وِالة سالم مولى أبي حذيفة بالصحابة وفيهم‬
‫عمر وغيره ﭫ‪.‬‬
‫فإذا استووا يف هذا كله أقرع بينهم نص عليه أحمد؛ ألن سعد بن أبي وقاص‬
‫ﭬ أقرع بينهم يف األذان(‪ ،)1‬فاإلمامة أولى‪ ،‬وألهنم تساووا يف االستحقاق‪ ،‬وتعذر‬
‫الامع‪ ،‬فأقرع بينهم كسائر الحقوق(‪.)2‬‬
‫وهذا الرتتيب على االستحباب ال على الوجوب‪ ،‬فلو قدم المفضول فهو‬
‫خالف السنة وِحت الصالة وبه قال عامة العلماء‪.‬‬
‫َ ُّ‬ ‫ح ُب َ‬ ‫َ‬
‫يت‪ ...‬أحق)‪ :‬إذا أقيمت الاماعة يف بيت أو ملك أو سلطان‪،‬‬ ‫ابل ِ‬ ‫(وصا ِ‬
‫فصاحبه أحق باإلمامة إن كان ممن تصح الصالة خلفه‪ ،‬ولو كان فيهم من هو أقرأ‬
‫الر ُج َل فِي ُس ْل َطان ِ ِه‪َ ،‬و َال َي ْق ُعدْ فِي َب ْيتِ ِه َع َلى َت ْك ِر َمتِ ِه‬
‫الر ُج ُل ا‬
‫منه؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬و َال َي ُؤ ام ان ا‬
‫إِ اال بِإِ ْذن ِ ِه» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َز َار َق ْو ًما َف َال َي ُؤ ام ُه ْم‪َ ،‬و ْل َي ُؤ ام ُه ْم َر ُج ٌل مِنْ ُه ْم»(‪.)4‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أِحاب النبي ﷺ‬

‫(‪ )1‬علقه البخاري‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب االستهام يف األذان‪ ،‬قال‪ :‬ويذكر‪« :‬أن أقواما اختلفوا يف األذان فأقرع‬
‫بينهم سعد»‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)131/2‬االختيارات ص (‪.)10‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)423‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)526‬والرتمذي (‪ ،)356‬وأحمد (‪ ،)15602‬وابن خزيمة (‪ )1520‬من حديث مالك بن‬
‫الحويرث ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪ ،‬ويشهد له حديث أبي مسعود األنصاري ﭬ‪.‬‬

‫‪515‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪516‬‬

‫وغيرهم قالوا‪ِ :‬احب المنزل أحق باإلمامة من الزائر»‪.‬‬


‫وقد فعل ذلك جمع من الصحابة ﭫ‪ ،‬قال ابن قدامة‪« :‬وال نعلم يف هذا‬
‫خال ًفا»(‪.)1‬‬
‫لكن يستثنى من ذلك‪:‬‬
‫إن أذن ِاحب الدار‪ ،‬فال بأس أن يصلي غيره؛ لقوله‪« :‬إِ اال بِإِ ْذن ِ ِه»‪.‬‬
‫وكذا إن كان يف البيت ذو سلطان‪ ،‬فله التقدم؛ ألن واليته على البيت وِاحبها‪.‬‬
‫وأنسا ﭭ يف بيوهتم(‪ ،)2‬ولم ينقل أنه استأذهنم‬ ‫َ‬
‫عتبان بن مالك ً‬ ‫وقد أم النبي ﷺ‬
‫يف ذلك‪ ،‬فوالية ولي األمر مقدمة على واليته‪ ،‬أو يحمل على علمهم بإذهنم يف‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬وإن اجتمع المؤجر والمستأجر يف الدار المؤجرة‪ ،‬فالمستأجر‬
‫أولى؛ ألنه أحق بالسكنى والمنفعة»(‪.)3‬‬
‫َ ُّ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ُ َ‬
‫ج ِد‪ ،‬ولو عبدا‪ :‬أحق)‪ :‬اإلمام الراتب هو األحق بالتقديم من‬ ‫(وإمام المس ِ‬
‫غيره‪ ،‬وليس لهم الحق يف االفتئات عليه؛ ألنه يف معنى السلطان وِاحب البيت‬
‫حتى ولو كان عبدً ا‪ ،‬فإن إمامته ِحيحة يف قول أكثر العلماء؛ لعموم قوله ﷺ‪َ « :‬ي ُؤ ُّم‬
‫َاب اهللِ»‪ ،‬ولم يفرق بين حر وعبد‪ ،‬ولقول أبي ذر ﭬ‪« :‬إن‬ ‫ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ‬
‫خليلي أوِاين أن أسمع وأطيع‪ ،‬وإن كان عبدً ا مادع األطراف»(‪.)4‬‬
‫أرضا له‪ ،‬وعندها مسادٌ يصلي فيه مو ًلى البن‬ ‫وع ْن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‪« :‬أنه أتى ً‬
‫َ‬
‫عمر‪ ،‬فصلى معهم‪ ،‬فسألوه أن يصلي هبم‪ ،‬فأبى‪ ،‬وقال‪ِ :‬احب المساد أحق»(‪،)5‬‬
‫لكن لو أذن اإلمام الراتب لغيره أن يصلي هبم فال مانع من تقدمه؛ لقولـه ﷺ‪« :‬إِ اال‬
‫(‪ )1‬المغني (‪.)42/3‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)424‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)151/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )646‬من حديث أبي ذر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)423‬‬

‫‪516‬‬
‫‪517‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫بِإِ ْذن ِ ِه»‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُ ُّ ْ َ‬
‫أوىل مِن العب ِد)‪ :‬أي بعد تساويهما يف الصفات السابقة‪ ،‬فيقدم الحر؛‬ ‫(واحلر‪:‬‬
‫ألن العبد تحت تصـرف سـيده‪ ،‬وهو مشغول بأعماله وخدمته‪ ،‬إال إذا كان العبد‬
‫أحسن يف الصفات‪ ،‬كالقراءة والفقه‪ ،‬فإنه يقدم‪ ،‬وقد اأم مولى أبي أسـيد‬
‫بالصحابة(‪ ،)1‬وسالم مولى أبي حذيفة ﭬ(‪ ،)2‬وفيهم عمر ولم يادوا غضاضة يف‬
‫ذلك‪ ،‬وهبذا قال اإلمام أحمد‪.‬‬
‫الم َسافِ ِر عند تساويهما يف الصفات السابقة؛ لئال يشوش‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُ‬
‫واحلاَض)‪َ :‬أ ْو َلى م َن ُ‬‫(‬
‫عليهم بالقصـر‪ ،‬ولتتم ِالهتم كاملة خلف اإلمام‪ ،‬ولو ِلى المسافر هبم ثم قصـر‬
‫جاز‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ ِلى بأهل مكة وهو مسافر(‪.)4()3‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ َ َ ِّ ُ َ ْ َ‬ ‫وابل ِص ُ‬
‫( َ‬
‫ري‪ ،‬والمتوضئ‪ :‬أوىل مِن ِضدهِم)‪ :‬أي عند تساويهما يف الصفات‬ ‫ِ‬
‫السابقة‪ ،‬فالبصـير يقدم على األعمى يف اإلمامة‪ ،‬وكذا المتوضئ على المتيمم‪.‬‬
‫وأما إن كان األعمى مقدما يف بعض الصفات فهو األولى من غيره؛ لعموم‬
‫حديث أبي مسعود ﭬ ولم يفرق بين أعمى ومبصـر‪.‬‬
‫وكان رسول اهلل ﷺ يقدم ابن أم مكتوم ويخلفه ليؤم الناس وهو أعمى‪.‬‬
‫والمتيمم للعذر كالمتوضئ‪ ،‬فهو متطهر طهارة شـرعية كاملة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ َُ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ري األوىل بِال إذن ِ ِه)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ة‬ ‫ام‬ ‫إم‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬‫كر‬ ‫وت‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫اإلخالل بالرتتيب وتقديم غير األحق يف اإلمامة مكروه عند أكثر أهل العلم‬
‫لمخالفته السنة‪.‬‬
‫و مذهب عامة العلماء أن هذا الرتتيب على االستحباب ال على الوجوب‪ ،‬فلو‬

‫(‪ )1‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)10462‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)30/2‬والبيهقي يف السنن‬
‫(‪ .)112/3‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)523‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)513‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)500‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)44/3‬‬

‫‪511‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪518‬‬

‫قدم المفضول فهو خالف السنة وِحت الصالة‪.‬‬


‫ُ‬
‫إيااب‪ ،‬ال‬ ‫ُ‬
‫اشرتاأ‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬
‫استحباب‪ ،‬ال تقديم‬ ‫قال ابن قدامة‪« :‬وهذا كله تقديم‬
‫جائزا؛ ألن األمر هبذا أمر ُ‬
‫أدب‬ ‫ً‬ ‫نعلم فيه خال ًفا‪ ،‬فلو قدم المفضول كان ذلك‬
‫ُ‬
‫واستحباب»(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫ْ ََ هَ َ َ َ‬ ‫َُُ‬ ‫ه‬ ‫َ ُّ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ريه ِ)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬‫ر‬‫ذ‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬‫ِي‬ ‫ع‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫ع‬ ‫مج‬ ‫يف‬ ‫‪:‬‬ ‫إال‬ ‫‪.‬‬‫ق‬ ‫س‬
‫ِ ِ‬ ‫ا‬ ‫الف‬ ‫ة‬‫ام‬ ‫إم‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬‫ص‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وال‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫الفاسق‪ :‬هو من خرج عن طاعة اهلل بفعل كبيرة أو اإلِـرار على ِغيرة‪.‬‬
‫واختلف يف إمامة الفاسق على روايتين يف المذهب‪:‬‬
‫األولى‪ :‬ال تصح الصالة خلفه‪ ،‬إال يف الامعة والعيد إذا تعذر وجود غيره؛‬
‫اج ٌر ُم ْؤمِنًا‪،‬‬
‫اجرا‪َ ،‬و َال َي ُؤم َف ِ‬
‫ا‬
‫ِ‬
‫لقوله ﷺ‪َ « :‬أ َال َال َت ُؤ ام ان ا ْم َر َأ ٌة َر ُج ًال‪َ ،‬و َال َي ُؤ ام َأ ْع َرابِ ٌّي ُم َه ً‬
‫اف سـي َف ُه َو َس ْو َط ُه»(‪.)2‬‬ ‫ان‪َ ،‬ي َخ ُ‬ ‫إِ اال َأ ْن ي ْقهره بِس ْل َط ُ‬
‫َ ََُ ُ‬
‫والثانية‪ :‬تصح إمامة الفاسق مع الكراهة وهو قول أكثر العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬الحنفية‪،‬‬
‫والمالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬وهو األظهر‪ .‬ويدل له‪:‬‬
‫الص َال َة َع ْن‬‫ون ا‬ ‫ف َأن َْت إِ َذا كَان َْت َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ‬ ‫قوله ﷺ ألَبِي َذ نر ﭬ‪َ « :‬ك ْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ْقتِ َها؟ َأ ْو ُي ِمي ُت َ‬
‫الص َال َة َع ْن َو ْقت َها؟ َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬ف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َال‪َِ :‬ل ا‬
‫الص َال َة‬ ‫ون ا‬
‫ل ِ َو ْقتِ َها‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َصل‪َ ،‬فإِن َاها َل َك نَافِ َل ٌة» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫م» [رواه‬ ‫ون َل ُك ْم‪َ ،‬فإِ ْن َأ َِابُوا َف َل ُك ْم‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْخ َط ُئوا َف َل ُك ْم َو َع َل ْي ِه ْ‬
‫وقوله ﷺ‪ُ « :‬ي َص ُّل َ‬
‫البخاري](‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)131/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1061‬والطرباين يف األوسط (‪ ،)1261‬والبيهقي يف السنن (‪ )244/3‬من حديث جابر‬
‫بن عبداهلل ﭭ‪ .‬وضعفه ابن رجب يف الفتح (‪ ،)125/6‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪،)433/4‬‬
‫والبوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪ ،)122/1‬واأللباين يف اإلرواء (‪)521‬؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان‪،‬‬
‫وعبداهلل بن محمد العدوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)405‬‬

‫‪516‬‬
‫‪519‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫وثبت أن الصحابة ﭫ كانوا يصلون خلف أئمة الاور الاماعات والامع‬


‫واألعياد‪ ،‬فابن عمر وأنس ﭭ كانوا يصلون خلف الحااج بن يوسف‪ ،‬وأبو‬
‫سعيد ﭬ خلف مروان بن الحكم‪.‬‬
‫وقال عبدالكريم البكاء‪« :‬أدركت عشـرة من أِحاب رسول اهلل ﷺ تصلي‬
‫خلف أئمة الاور»(‪ ،)1‬وهذا مذهب جمهور العلماء‪ ،‬ورجحه ابن باز‪ ،‬وابن‬
‫عثيمين‪ .‬ولذا قال الطحاوي‪« :‬ونرى الصالة خلف كل بر وفاجر من أهل‬
‫القبلة»(‪ ،)2‬لكن ال شك أن الصالة خلف الرب التقي خير من الفاسق‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما الصالة خلف المبتدع‪ ،‬فالراجح فيها التفصـيل‪:‬‬
‫فإن كانت بدعته مكفرة‪ :‬كغالة الرافضة‪ ،‬والقدرية‪ ،‬والاهمية‪ ،‬فال تصح‬
‫خلفهم باالتفاق‪.‬‬
‫وإن كانت بدعته غير مكفرة‪ :‬كاألشاعرة‪ ،‬والخوارج‪ ،‬والمرجئة‪ ،‬فالصالة‬
‫خلفهم ِحيحة؛ لما رواه البخاري يف باب إمامة المفتون والمبتدع‪« :‬عن عبي ِد اهللِ‬
‫َ ْ ُ َْ‬
‫ور‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِن َاك‬
‫ان ﭬ َو ُه َو َم ْح ُص ٌ‬ ‫ْب ِن َع ِدي ْب ِن ِخ َي ُ‬
‫ار َأ ان ُه َد َخ َل َع َلى ُع ْث َما َن ْب ِن َع اف َ‬
‫ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫إِ َما ُم َعا امة‪َ ،‬ون ََز َل بِ َك َما ن ََرى‪َ ،‬و ُي َصلي َلنَا إِ َما ُم ف ْتنَة‪َ ،‬و َنت ََح ار ُج؟ َف َق َال‪ :‬ا‬
‫الصالَ ُة َأ ْح َس ُن‬
‫ب‬ ‫ما يعم ُل النااس‪َ ،‬فإِ َذا َأحسن النااس‪َ ،‬ف َأح ِسن معهم‪ ،‬وإِ َذا َأساءوا َف ِ‬
‫اجتَن ْ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ْ ََُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ َ‬
‫إِ َسا َء َت ُه ْم»(‪.)3‬‬
‫وقال الحسن‪َِ « :‬ل َو َع َل ْي ِه بِدْ َع ُت ُه»(‪« ،)4‬وِلى ابن عمر خلف نادة‬
‫الحروري»‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬وأبي عبيد‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وابن المنذر(‪،)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)114/3‬‬


‫(‪ )2‬شـرح العقيدة الطحاوية البن أبي العز (‪.)522/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪.)625‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري معلقًا‪ -‬كتاب األذان‪ /‬باب إمامة المفتون والمبتدع‪ ،‬ووِله سعيد بن منصور كما يف فتح‬
‫الباري (‪.)166/2‬‬
‫(‪ )5‬الفتح البن رجب (‪.)120/6‬‬

‫‪512‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪520‬‬

‫السني أولى وأكمل‪.‬‬


‫لكن ال شك أن الصالة خلف ال َبر ُّ‬
‫وال يرتب الفساق والمبتدعة أئمة للمسلمين ما دام يوجد خير وأحق منهم‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ‬
‫ري حلن لم َيِ ِل المعن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫وك‬ ‫‪.‬‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫واأل‬ ‫‪.‬‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫األ‬ ‫عَّم‬ ‫األ‬ ‫ة‬‫إمام‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫وت‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ َ ِّ ُ ه َ َ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫اء‪ ،‬مع الك َراه ِة)‪.‬‬ ‫ام اذلي يكرر اتل‬ ‫واتلهمت ِ‬
‫المذهب‪ :‬أن إمامة هؤالء ِحيحة مع الكراهة للخالف يف ِحة إمامتهم‪،‬‬
‫وألن إمامة الصالة مبنية على الفضيلة والكمال وتحري أعلى الصفات المذكورة‬
‫يف حديث أبي مسعود‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أن األعمى يؤم بال كراهة‪ ،‬وقد كان رسول اهلل ﷺ يخلف ابن أم‬
‫مكتوم يؤم الناس يف المدينة وهو أعمى‪.‬‬
‫غيره أولى منه؛ ألنه إذا سها ال يمكن تنبيهه‪،‬‬ ‫يسمع‬ ‫ال‬ ‫الذي‬ ‫وهو‬ ‫)‪:‬‬ ‫(األَ َص ِّ‬
‫م‬
‫ُ‬
‫والمذهب كراهة إمامته‪.‬‬
‫َْ َ‬
‫(واألقل ِف)‪ :‬وهو غير المختون غيره أولى؛ ألنه إذا لم يقطع قلفة الذكر ِارت‬
‫سب ًبا لوجود النااسة فيها‪ ،‬فغيره أولى لتيقن الطهارة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫حلن لم َيِ ِل المعن)‪ :‬فتكره إمامته إال بمثله؛ ألن القراءة مقصودة يف‬ ‫ري‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث‬‫وك‬ ‫(‬
‫َاب اهللِ»(‪،)1‬‬
‫الصالة‪ ،‬وقد نص رسول اهلل ﷺ أن أحق القوم باإلمامة‪َ « :‬أ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ‬
‫فتقديم هذا مع وجود غيره خالف السنة‪ ،‬فالقول بالكراهة قوي إال إذا كان مع قوم‬
‫كلهم مثله‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما من يلحن لحنًا يحيل المعنى يف قراءته‪:‬‬
‫فإن كان لحنه يف الفاتحة‪ ،‬فال تصح إمامته بمن ال يلحن فيها؛ ألن قراءهتا ركن‪.‬‬
‫كثيرا‪ ،‬فإمامته ِحيحة‪ ،‬لكن تكره؛ لقوله‬‫وإن كان لحنه يف غير الفاتحة‪ ،‬وكان ً‬
‫ﷺ‪َ « :‬ي ُؤ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ‬
‫َاب اهلل»‪ ،‬فإذا أمهم غير األقرأ فقد خالفوا أمر النبي ﷺ‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫ك ِّر ُر اتله َ‬ ‫َْ‬
‫اء)‪ :‬وكذا الفأفاء‪ :‬وهو من يكرر الفاء‪ ،‬فيكره‬ ‫ام اذلي ي‬ ‫(واتلهمت ِ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)513‬‬

‫‪520‬‬
‫‪521‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫تقديمهما؛ ألهنما يزيدان يف الحروف‪ ،‬وتصح الصالة خلفهما؛ ألهنما يأتيان‬


‫بالحروف على الكمال‪ ،‬ويزيدان زيادة هما مغلوبان عليها‪ ،‬فعفي عنها‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ ُّ َ َ ُ َ‬
‫العاجز َعن َ ْ‬ ‫ُ‬
‫رشط‪ ،‬أو ُركن‪ ،‬إال‪ :‬ب ِ ِمثلِه‪ .‬إال‪ :‬اإلمام‬ ‫ِ‬ ‫ة‬‫ام‬ ‫إم‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وال‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ ُ َ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ َ ِّ‬ ‫َ ْ ُ ه ََِ ُ ه‬ ‫ه َ َ‬
‫جد‪ ،‬المرجو زوال عِلت ِه‪ ،‬فيصىل جال ِسا‪ ،‬وَيلِسون خلفه‪،‬‬ ‫الرات ِب بِمس ِ‬
‫َ ُّ َ ً‬
‫وت ِصح قِياما)‪.‬‬
‫العاجز عن اإلتيان بركن القيام‪ ،‬أو الساود‪ ،‬أو الركوع والعاجز عن اإلتيان‬
‫بشـرأ كالعاجز عن سرت العورة أو إزالة النااسة ال يؤم القادر عليها‪ ،‬إال بشـرطين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون هو اإلمام الراتب؛ ألنه ال حاجة هبم إلى تقديم عاجز عن‬
‫القيام إذا لم يكن اإلمام الراتب‪ ،‬فال ُيتحمل إسقاأ ركن يف الصالة لغير حاجة‪،‬‬
‫ورسول اهلل ﷺ يوم فعل ذلك كان هو اإلمام الراتب‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكون مرضه يرجى برؤه؛ ألن اتخاذ من ال يرجى برؤه إما ًما رات ًبا‬
‫يفضـي إلى تركهم القيام‪ ،‬أو الساود الشـرعي على الدوام‪ ،‬وال حاجة إلى ذلك‪،‬‬
‫واألِل يف ذلك فعل رسول اهلل ﷺ وقد كان يرجى برؤه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو اأم العاجز عن القيام مع عدم توفر الشـرطين‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬قالوا‪ :‬ال تصح إمامته‪.‬‬
‫واألرجح‪ِ :‬حة الصالة خلفه‪ ،‬وهذا مذهب أبي حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬ورجحه‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،‬والسعدي‪ ،‬وابن عثيمين‪ ،‬واستدلوا بأدلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أن رسول اهلل ﷺ ّأم الصحابة ﭫ وهو قاعد لما زاروه‪ ،‬وقال‪َ « :‬وإِ َذا َِ الى‬
‫َق ِ‬
‫اعدً ا‪َ ،‬ف َص ُّلوا ُق ُعو ًدا َأ ْج َم ُع َ‬
‫ون» [متفق عليه](‪ ،)1‬و َمن َِ احت ِالته ِحت إمامته(‪.)2‬‬
‫وقد رجح شـيخنا ابن عثيمين أن الرجل إذا كان هو األقرأ واألحق فإنه يصلى‬
‫عاجزا عن القيام‪ ،‬ويقدم على من دونه القادر على القيام؛ لعموم‬
‫ً‬ ‫خلفه ولو كان‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)64/3‬الفتاوى (‪ ،)46/2‬الممتع (‪.)331/4‬‬

‫‪521‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪522‬‬

‫َاب اهللِ»‪ ،‬وناقش الشـرطين السابقين‪.‬‬


‫قوله ﷺ‪َ « :‬ي ُؤ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ‬
‫جالسا لعذر‪ ،‬فيصلي من خلفه قعود ًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مسألة‪ :‬إذا ِلى اإلمام‬
‫الص َحا َبة‪ ،‬وال يعرف عنهم اختالف فِي‬
‫قال ابن رجب‪َ « :‬ه َذا ُه َو المروي َعن ا‬
‫ظاهرا‪ ،‬ولم ينكر عليهم عملهم‬
‫ً‬ ‫َذل ِ َك‪ ،...‬وكانوا يفعلون َذل ِ َك فِي مساجدهم‬
‫الص َحا َبة‪ :‬أسـيد بن حضـير‪،‬‬ ‫ِحابي وال تابعي»‪َ .‬ق َال اإلمام أحمد‪ :‬فعله أربعة من ا‬
‫وقيس بن قهد‪ ،‬وجابر‪ ،‬وأبو ُه َر ْي َرةَ‪َ .‬ق َال‪ :‬ويروى َعن خمسة‪َ ،‬عن النابِ ّي ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا‬
‫ِ‬
‫وسا»(‪ ،)1‬وال أعلم شـي ًئا يدفعه‪.‬‬ ‫َِ الى َجال ًسا َف َص ُّلوا ُج ُل ً‬
‫وقال هبذا كثير من العلماء‪ ،‬كاألوزاعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبي خيثمة‪ ،‬وابن‬
‫أبي شـيبة‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وهو القول الصحيح‪ ،‬وأما دعوى‬
‫أن هذه األحاديث منسوخة فإهنا ضعيفة‪ ،‬وقد ردها الحافظ ابن رجب من أوجه‬
‫عديدة(‪.)2‬‬
‫َ ُّ َ ً‬
‫(وت ِصح قِياما)‪ :‬أي لو ِلوا خلف اإلمام القاعد قيا ًما فصالهتم ِحيحة؛ ألن‬
‫قائما باإلعادة‪ ،‬لكنهم خالفوا السنة حيث أمر‬ ‫رسول اهلل ﷺ لم يأمر من ِلى خلفه ً‬
‫الرسول ﷺ من ِلى خلفه وهو قاعد بالقعود‪ ،‬وقال‪« :‬وإِ َذا ِ الى َق ِ‬
‫اعدً ا‪َ ،‬ف َص ُّلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون»‪.‬‬‫ُق ُعو ًدا َأ ْج َم ُع َ‬
‫ُ َ ِّ ً َ ه ْ‬ ‫َ ًْ ُ ًََ‬ ‫ُ ًْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫دلا‪ :‬صحت)‪.‬‬ ‫رشطا ُمتلفا في ِه‪ ،‬مق‬ ‫قوهل‪( :‬وإن ت َرك اإلمام ُركنا أو‬
‫كما لو ترل الوضوء من لحم اإلبل‪ ،‬أو التسليمة الثانية‪ ،‬أو االعتدال بعد‬
‫الركوع‪ ،‬فإن كان يرى وجوبه ثم تركه فال تصح ِالته؛ ألن مارد وجود الخالف‬
‫عذرا؛ إذ المرد إلى الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ليس ً‬
‫وإن كان ال يرى وجوبه فصالته ِحيحة‪ ،‬ولو كان ال يعرف الراجح فقلد من‬
‫ال يرى وجوبه فصالته ِحيحة‪ ،‬وكذا ِالة من خلفه‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪.)154/6‬‬

‫‪522‬‬
‫‪523‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ه َ َ ُ ُ َ ً ُْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ومن صىل خلفه معت ِقدا بطالن صالت ِ ِه‪ :‬أاعد)‪.‬‬
‫فمن ِلى خلف من يعتقد بطالن ِالته لم تصح ِالته؛ ألنه ائتم بمن يعتقد‬
‫بطالن ِالته‪ .‬وإن ِلى خلف من يعتقد ِحت ِالته ولو أخل بواجب ناسـيًا‬
‫أو مقلد ًا ِحت ِالته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ار يف مسائ ِِل االجتِها ِد)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وال إنك‬
‫المسائل التي لالجتهاد فيها ماال‪ ،‬وتختلف فيها أنظار العلماء وكل له مستنده‬
‫الشـرعي ال ُيلزم المخالف الماتهد برأي آخر‪ ،‬وإنما يبين الحق له بدليله يف نظر‬
‫المخالف‪ ،‬وتتسع ِدور العلماء للمخالف فيها‪.‬‬
‫وأما قول البعض‪« :‬ال إنكار يف مسائل الخالف» فغير ِحيح‪ ،‬فإن هنال مسائل‬
‫ال ماال لالجتهاد فيها‪ ،‬كمسائل االعتقاد‪ ،‬واألمور التي هي نص من الشارع‪ ،‬فهذه‬
‫ينكر على المخالف فيها‪.‬‬
‫أما المسائل التي تحتاج إلى استنباأ‪ ،‬والنصوص فيها محتملة‪ ،‬فالناس على‬
‫قسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬ماتهدون‪ :‬وهؤالء ال إنكار عليهم يف اختيارهم وال تعنيف‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬عامة‪ :‬وهؤالء ُي َردون إلى رأي علمائهم‪.‬‬
‫والمسائل المختلف فيها قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬مسائل ال يسوغ االختالف فيها‪ :‬وهي التي فيها نص من كتاب اهلل‬
‫أوسنة رسوله ﷺ‪ ،‬أو فيها إجماع ثابت‪ ،‬كمسائل االعتقاد‪ ،‬ووجوب الصالة‪،‬‬
‫وحرمة الفواحش‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذه ينكر على المخالف‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬مسائل يسوغ االجتهاد فيها‪ :‬وهي التي ال نص فيها ِـريح‪ ،‬وال إجماع‪،‬‬
‫فال ينكر على المخالف فيها إذا كان من أهل االجتهاد‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬وكل مسألة ليس فيها سنة وال إجماع ولالجتهاد فيها مساغ لم‬

‫‪523‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪524‬‬

‫ينكر على من عمل هبا ماتهدً ا أو مقلدً ا»(‪.)1‬‬


‫وقال شـيخ اإلسالم‪« :‬وقولهم مسائل الخالف ال إنكار فيها ليس بصحيح‪ ،‬فإن‬
‫كان القول يخالف سنة‪ ،‬أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا‪ ،‬وإن لم يكن كذلك‬
‫فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد‪ ،‬وهم عامة السلف‬
‫والفقهاء‪ ،‬وأما العمل‪ :‬فإذا كان على خالف سنة‪ ،‬أو إجماع وجب إنكاره أيضا‬
‫بحسب درجات اإلنكار»(‪.)2‬‬
‫وإن كانت المسألة ليس فيها سنة وال إجماع‪ ،‬ولالجتهاد فيها مساغ‪ ،‬فإنه ال‬
‫ينكر على المخالف سواء كان المخالف ماتهدً ا أو مقلدً ا‪.‬‬
‫وقال النووي‪« :‬المختلف فيه ال إنكار فيه‪ ،‬لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى‬
‫الخروج من الخالف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق‪ ،‬فإن العلماء‬
‫متفقون على الحث على الخروج من الخالف إذا لم يلزم منه إخالل بسنة‪ ،‬أو‬
‫وقوع يف خالف اخر»‪ ،‬والمراد بالخالف هنا‪ :‬المسائل التي ال نص فيها وال إجماع‬
‫ولالجتهاد فيها مساغ(‪.)3‬‬
‫َ ُ َ َ ِّ َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ‬
‫ال)‪.‬‬‫ِ‬ ‫ج‬ ‫بالر‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫رأ‬ ‫الم‬ ‫ة‬‫إمام‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وال‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ِ‬
‫ولو كان محر ًما لها؛ لعموم قوله ﷺ‪َ « :‬ل ْن ُي ْفل َح َق ْو ٌم َو ال ْوا َأ ْم َر ُه ُم ا ْم َرأ ًة» ‪ ،‬وورد‬
‫َ (‪)4‬‬

‫حديث ِـريح عند ابن ماجه‪َ « :‬أ َال َال َت ُؤ ام ان ا ْم َر َأ ٌة َر ُج ًال»(‪.)5‬‬


‫ولم ينقل إمامة المرأة للرجال عن الصحابة‪ ،‬والقرون المفضلة‪ ،‬ومن بعدهم‬
‫من المسلمين‪ ،‬وأما إمامة المرأة بالمرأة فصحيحة‪.‬‬

‫(‪ )1‬إعالم الموقعين (‪.)242/5‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى الكربى (‪.)26/6‬‬
‫(‪ )3‬شـرح النووي على مسلم (‪.)23/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )4425‬من حديث أبي بكرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)516‬‬

‫‪524‬‬
‫‪525‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫إمام ُت ُه يف انله‬
‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫الم َم ِّزي َ‬ ‫ُ‬
‫فل‪ .‬ويف‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫وت‬ ‫‪.‬‬‫رض‬
‫ِ‬ ‫الف‬ ‫يف‬ ‫ِغ‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫بابل‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ام‬ ‫إم‬ ‫وال‪:‬‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ‬
‫رض‪ :‬ب ِ ِمثلِ ِه)‪.‬‬
‫الف ِ‬
‫المميز إذا كان دون سن البلوغ فإمامته على ثالث حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إمامته بغير البالغ ِحيحة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إمامته بالبالغ يف النافلة ِحيحة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إمامته بالبالغ يف الفريضة‪ .‬المذهب‪ :‬عدم ِحتها‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ ،‬وهي األظهر‪ :‬أهنا ِحيحة فِي ال َف ِ‬
‫رض والنفل‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬واختاره ابن باز‪ ،‬وابن عثيمين وهو الذي دلت عليه السنة‪.‬‬
‫أم قومه زمن رسول اهلل ﷺ‬‫بن َس َل َم َة ﭬ ّ‬
‫فقد ثبت يف البخاري أن َعمرو َ‬
‫وعمره سبع سنين وكان أكثرهم قرآنا(‪ ،)1‬فلو كانت ِالهتم باطلة لبينه رسول اهلل‬
‫ﷺ وهذا نص ِـريح‪.‬‬
‫ولعموم قول رسول ﷺ‪َ « :‬ي ُؤ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ‬
‫َاب اهلل»(‪.)2‬‬
‫وأما اآلثار التي استدل هبا من منع من إمامة الصبي بالبالغ‪ ،‬كقول ابن مسعود‬
‫ﭬ‪« :‬ال يؤمن الغالم حتى تاب عليه الحدود»(‪ ،)3‬وقول ابن عباس ﭭ‪« :‬ال‬
‫يؤمن الغالم حتى يحتلم»(‪ ،)4‬فعلى ما فيها من ضعف هي معارضة بما هو أقوى‬
‫منها‪ ،‬وهو حديث َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ يف البخاري‪ ،‬فهؤالء جماعة من الصحابة‬
‫مخالف‬
‫ٌ‬ ‫اقتدوا بالغالم‪ ،‬قال ابن حار‪« :‬وقد نقل ابن حزم أنه ال ُيعلم لهم يف ذلك‬
‫منهم»(‪ ،)5‬فاألخذ بحديث َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ أولى؛ للقطع بصحته‪ ،‬وألنه يف حياة‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)513‬‬
‫(‪ )3‬قال ابن رجب يف فتح الباري (‪« :)113/6‬خرجه األثرم بإسناد منقطع عن ابن مسعود»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)1612‬والبيهقي يف السنن (‪ .)312/3‬وضعفه ابن حار يف الفتح‬
‫(‪.)165/2‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري البن حار (‪.)165/2‬‬

‫‪525‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪526‬‬

‫حياة الرسول ﷺ‪ ،‬ولم ينكره‪.‬‬


‫وملخص الاواب عن أثر ابن مسعود وابن عباس ﭫ‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أهنا ال تثبت من حيث السند‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أهنا مخالفة لعمومات األدلة يف تقديم األقرأ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أهنا مخالفة لما نقل عن الصحابة يف زمن الرسول ﷺ‪ ،‬كما يف حديث‬
‫َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫َنس يعل ُم ذل ِك)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وال‪:‬‬ ‫‪.‬‬‫ث‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ُم‬ ‫ة‬ ‫ام‬ ‫إم‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬‫ص‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وال‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫فال ياوز أن يؤم الناس وهو يعلم أنه على غير وضوء‪ ،‬أو أن عليه نااسة؛ ألن‬
‫رفع الحدث وإزالة النااسة شـرأ‪ ،‬فمن أخل به عالمًا بطلت ِالته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫َ ه‬ ‫َ ُ ُ َ ه َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫وم َوحده)‪.‬‬
‫أم ِ‬‫قوهل‪( :‬فإن ج ِهل هو والمأموم حَت انقضت‪ :‬صحت صالة الم‬
‫إذا ِلى اإلمام وهو محدث‪ ،‬فصالته باطلة‪ ،‬وأما ِالة من خلفه‪:‬‬
‫فمن علم منهم بحدث إمامه قبل فراغ الصالة لم تصح ِالته إن استمر معه‬
‫بعد علمه؛ ألنه ائتم بمن يعلم بطالن ِالته فإن انفصل عنه ِحت ِالته‪.‬‬
‫ومن لم يعلم إال بعد الفراغ من الصالة ِحت ِالته؛ لعدم علمه‪ ،‬والعتقاده‬
‫ون َل ُك ْم‪َ ،‬فإِ ْن َأ َِا ُبوا َف َل ُك ْم‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْخ َط ُئوا َف َل ُك ْم‬
‫ِحة ِالة إمامهم؛ لحديث‪ُ « :‬ي َص ُّل َ‬
‫َو َع َل ْي ِه ْم» [رواه البخاري](‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا ِلى وعليه نااسة يف بدنه أو ثوبه‪ ،‬فال يخلو من حاالت‪:‬‬
‫أن يعلم اإلمام والمأموم بالنااسة أثناء الصالة‪ ،‬فصالهتم باطلة؛ إلخاللهم‬
‫بشـرأ من شـروأ ِحة الصالة‪.‬‬
‫وإن لم يعلموا جمي ًعا إال بعد الصالة‪ ،‬فصالة الاميع ِحيحة؛ ألن النااسة‬
‫على الصحيح يعفى عنها بالنسـيان؛ لعموم قول اهلل ‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)405‬‬

‫‪526‬‬
‫‪527‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫ﯪ ﯫ﴾ [البقرة‪ ،]266 :‬ورسول اهلل ﷺ ِلى بنعلين وفيهما نااسة‪ ،‬فلما علم‬
‫نزعهما ولم يعد أو يستأنف الصالة(‪ ،)1‬فمن فعل المنهي عنه ناسـيا فال إثم عليه‪،‬‬
‫كما دل له الكتاب والسنة‪ ،‬وقد تقدم بيان هذا يف شـروأ ِحة الصالة‪ ،‬وهذا‬
‫اختيار ابن قدامة‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬والسعدي‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫وإن علم اإلمام بالنااسة أثناء الصالة وجهل المأموم‪ ،‬لزم اإلمام إزالتها أو‬
‫تقديم غيره‪ ،‬فإن لم يفعل وأتم الصالة مع جهل المأمومين‪ ،‬فإن ِالهتم ِحيحة‬
‫وِالته باطلة‪.‬‬
‫وإن علم المأموم وجهل اإلمام‪ ،‬فصالة الاميع ِحيحة؛ ألن اإلمام معذور‪.‬‬
‫ََ ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُّ َ َ ُ ُ ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫قوهل‪( :‬وال ت ِصح‪ :‬إمامة األيم ‪-‬وهو‪ :‬من ال َي ِسن الفاحتة‪ -‬إال ب ِ ِمثلِ ِه)‪.‬‬
‫األمي‪ :‬من ال يحسن القراءة والكتابة‪.‬‬
‫ويف اِطالح الفقهاء‪ :‬هو من ال يحسن قراءة الفاتحة ال حف ًظا وال تالوة‪ ،‬أو‬
‫يلحن هبا لحنًا يحيل المعنى‪ ،‬أو يبدل حر ًفا بغيره‪ ،‬كاأللثغ الذي يبدل الراء غينًا أو‬
‫ال ًما والسين ثا ًء ‪ ،‬فصالته لنفسه ِحيحة إذا لم يقدر على إزالة ُأميته؛ ألن اهلل ‪‬‬
‫قال‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [التغابن‪.]16:‬‬
‫وأما إمامته بغيره فال تصح إال بمثله ممن ال يحسن الفاتحة؛ ألهنم غير قادرين‪.‬‬
‫وأما إمامته بالقادر على اإلتيان هبا‪ ،‬فال تصح عند جمهور العلماء‪.‬‬
‫[متفق‬ ‫ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ‬
‫َاب»‬ ‫والدليل‪ :‬قول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬‬
‫عليه](‪ ،)3‬فالفاتحة ركن‪ ،‬والقراءة مقصود عظيم يف الصالة‪ ،‬ولذا يقدم األقرأ فيها‪،‬‬
‫واألولى المنع؛ لمخالفته قول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ي ُؤ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َر ُؤ ُه ْم لِكِت ِ‬
‫َاب اهلل»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)226‬‬


‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪.)22/22‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)326‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)513‬‬

‫‪521‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪528‬‬

‫مسألة‪ :‬فإن ِلى خلف إمام ولم يعلم أنه ال يحسن الفاتحة إال بعد الشـروع‪،‬‬
‫فهل يتم أو يقطع؟‬
‫هذه محل خالف‪ ،‬ولو قيل بصحتها هنا وعدم القطع لكان له وجه‪ ،‬وهبذا قال‬
‫عطاء‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وابن المنذر‪ ،‬وأحمد يف رواية(‪.)1‬‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ‬
‫رض‪ ،‬وال عكس)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وي ِصح‪ :‬انلهفل خلف الف ِ‬
‫ِالة النافلة خلف من يصلي الفريضة ِحيحة بال خالف‪.‬‬
‫واألدلة على هذا كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬ما رواه مسلم َع ْن َأبِي َذ نر ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال لِي‬
‫الص َال َة َع ْن َو ْقتِ َها؟ َأ ْو ُي ِمي ُت َ‬
‫ون‬ ‫ون ا‬‫ف َأن َْت إِ َذا كَان َْت َع َل ْي َك ُأ َم َرا ُء ُي َؤخ ُر َ‬ ‫ول اهللِ‪َ « :‬ك ْي َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫الص َال َة ل ِ َو ْقتِ َها‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْد َر ْكت ََها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َال َة َع ْن َو ْقت َها؟» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬ف َما َت ْأ ُم ُرني؟ َق َال‪َِ « :‬ل ا‬ ‫ا‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َصل‪َ ،‬فإِن َاها َل َك نَاف َل ٌة» ‪.‬‬
‫َ ْ َ‬
‫(وال عكس)‪ :‬المذهب‪ :‬أن الفريضة خلف النافلة ال تصح؛ لحديث‪« :‬إِن َاما‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه‪َ ،‬فالَ َت ْختَلِ ُفوا َع َل ْي ِه»(‪.)3‬‬
‫ُج ِع َل ِ‬
‫والرواية األخرى‪ ،‬وهي األظهر‪ :‬أن الفريضة خلف النافلة ِحيحة؛ لما يف‬
‫ول اهللِ ﷺ ا ْل ِع َشا َء ْاآل ِخ َرةَ‪ُ ،‬ث ام‬ ‫َان ُي َصلي م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫الصحيحين‪َ « :‬أ ان ُم َعا َذ ْب َن َج َب ُل ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الص َال َة»(‪ ،)4‬والثانية له نافلة‪ ،‬ولم ينكر عليه‬ ‫َي ْر ِج ُع إِ َلى َق ْومه‪َ ،‬ف ُي َصلي ب ِ ِه ْم ت ْل َك ا‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وروى أبو داود‪ ،‬يف ِالة الخوف أن رسول اهلل ﷺ‪ َِ « :‬الى بِ ِه ْم َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث ام‬
‫َس ال َم‪ُ ،‬ث ام َجا َء ُأو َلئِ َك َف َص ال ْوا َخ ْل َف ُه‪َ ،‬ف َص الى بِ ِه ْم َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث ام َس ال َم»(‪ ،)5‬والثانية يف حقه‬

‫(‪ )1‬الماموع (‪ ،)261/4‬الممتع (‪.)346/4‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)462‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)411‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)315‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)1246‬والنسائي (‪ ،)1551‬وأحمد (‪ ،)20406‬وابن حبان (‪ )2661‬من حديث أبي بكرة‬
‫ﭬ‪ .‬وحسنه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)622/2‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)6/5‬واأللباين يف‬
‫=‬

‫‪526‬‬
‫‪529‬‬ ‫فصلٌ يف اإلمامةِ‬

‫نفل؛ ألن الفرض تم بسالمه‪ .‬وروى البخاري عن َع ْم ِرو ْب ِن َس َل َم َة ﭬ‪« :‬أنه كان‬
‫يؤم قومه وهو ا ْب ُن ِس نت َأ ْو َس ْب ِع ِسنِي َن»(‪ ،)1‬وهي يف حقه نافلة؛ ألنه لم يبلغ‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬ورواية عن أحمد‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم(‪.)2‬‬
‫َ ُ ُ َ ُ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ ْ ه ُ َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سم)‪.‬‬
‫ِ ِ‬‫ال‬‫ا‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ساو‬ ‫ت‬ ‫يث‬ ‫ح‬ ‫ه‬‫كس‬‫وع‬ ‫ِ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫احلاَض‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫قوهل‪( :‬وت ِصح‪ :‬المق ِضية خل‬
‫كظهر مقضـية خلف ظهر حاضـرة‪ ،‬وعصـر خلف عصـر؛ ألن الصالة واحدة‪،‬‬
‫فكلها متفقة يف االسم‪ ،‬وإنما اختلف الزمن‪.‬‬
‫وأما إن اختلف االسم‪ ،‬مثل‪ :‬ظهر خلف عصـر‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬عدم ِحة ذلك‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أهنا ِحيحة‪ ،‬وال مانع يف الشـرع منه‪ ،‬وهذا اختيار شـيخ اإلسالم‪،‬‬
‫وجد ِه الماد‪ ،‬والصنعاين‪ ،‬وابن إبراهيم‪ ،‬وابن باز‪.‬‬
‫َ‬
‫وإذا ِلى المغرب خلف من يصلي العشاء‪ ،‬فيصح على الراجح‪ ،‬فإذا قام‬
‫اإلمام إلى الركعة الرابعة جلس هو للتشهد‪ ،‬وينتظره حتى يسلم ويغتفر هذا‬
‫التخلف؛ ألنه معذور شـرعا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأما إذا اختلفت الصلوات يف الهيئة اختالفا كبيرا‪ ،‬مثل‪ :‬الظهر خلف ِالة‬
‫الانازة‪ ،‬فال يصح االئتمام‪.‬‬

‫=‬
‫ِحيح أبي داود (‪.)1135‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬
‫(‪ )2‬الفتاوى (‪ ،)362/23‬فتاوى ابن إبراهيم (‪ ،)306/2‬الممتع (‪.)352/4‬‬

‫‪522‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪530‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬ ‫‪F‬‬


‫ف اإلمامِ‬
‫يف وُقو ِ‬

‫عقد هذا الفصل لبيان موقف اإلمام‪ ،‬وموقف المأمومين معه‪.‬‬


‫ِ َ َ َ َ ُ‬
‫أموم َ‬ ‫ُ َ ُّ ُ ُ‬
‫ِي)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ي ِصح‪ُ :‬وقوف اإلمام وسط الم‬
‫ألنه ورد عن ابن مسعود ﭬ أنه جعل علقمة واألسود عن يمينه وشماله(‪،)1‬‬
‫وفعل ابن مسعود ﭬ دليل على الاواز‪ ،‬والسنة جعلهما خلفه‪.‬‬
‫ومنع من ذلك الامهور‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه موقوف على ابن مسعود ﭬ‪ ،‬وهو‬
‫محاوج بفعل رسول اهلل ﷺ مع جابر وجبار‪ ،‬ومع أنس واليتيم ﭫ حينما جعلهم‬
‫خلفه‪.‬‬
‫ُّ ه ُ ُ ُ ُ ُ َ َ ِّ ً َ‬ ‫ُ‬
‫يهم)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬والسنة‪ :‬وقوفه متقدما عل ِ‬
‫ويكونون ِ ًفا خلفه‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬فعل رسول اهلل ﷺ حيث كان يتقدم الصحابة يف الصالة‪ ،‬وهم ِفوف‬
‫خلفه‪.‬‬
‫وج اب ُار ْب ُن َِ ْخ ُر عن‬ ‫وروى مسلم عن جابر بن عبداهلل ﭬ أنه‪« :‬لما ِلى هو َ‬
‫ول اهللِ ﷺ بِ َيدَ ْينَا َج ِمي ًعا‪َ ،‬فدَ َف َعنَا َحتاى‬
‫يمين رسول اهلل ﷺ ويساره‪ ،‬قال‪َ :‬ف َأ َخ َذ َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫َأ َقامنَا َخ ْل َفه»(‪ ،)2‬وحديث أنس ﭬ‪َ « :‬ف َقام رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َو َِ َف ْف ُت َوال َيت َ‬
‫يم َو َرا َء ُه‪،‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫وز م ْن َو َرائنَا» ‪.‬‬‫َوال َع ُا ُ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)534‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)3010‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)360‬ومسلم (‪ )656‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫‪531‬‬ ‫ف اإلمامِ‬
‫فصلٌ يف وُقو ِ‬
‫َُ ً َ‬ ‫َ ُ ه ُ ُ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫حد‪ :‬عن ي ِمينِ ِه‪ُ ،‬ماذِيا هلُ)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وي ِقف الرجل الوا ِ‬
‫متأخرا عنه؛ لحديث ابن عباس ﭭ‪« :‬فقام النبي ﷺ‪َ ،‬ف ُق ْم ُت َع ْن‬ ‫ً‬ ‫ال متقد ًما وال‬
‫ار ِه‪َ ،‬ف َا َع َلنِي َع ْن َي ِمين ِ ِه»(‪ .)1‬وروى مسلم إدارة الرسول ﷺ لاابر ﭬ لما وقف‬ ‫َي َس ِ‬
‫عن يساره‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ ِّ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُّ َ َ‬ ‫ُ‬
‫اره مع خلو ي ِمينِ ِه)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫عن‬ ‫وال‪:‬‬ ‫ه‪،‬‬‫لف‬ ‫خ‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬‫ص‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وال‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ال ياوز وقوف المأموم الواحد خلف اإلمام‪ ،‬وال عن يسار إمامه مع خلو‬
‫اليمين‪ ،‬فإن فعل فالمذهب أن ِالته ال تصح؛ إلدارة رسول اهلل ﷺ ابن عباس‬
‫وجابر ًا ﭫ‪ ،‬فلو كانت ِحيحة ألبقاهما‪ ،‬ولم ينشغل بإدارهتما‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن ِالته عن يسار إمامه ِحيحة‪ ،‬إال أهنا خالف السنة؛ ألن‬
‫جابرا وابن عباس ﭭ أديا جزء ًا من الصالة عن يساره‪ ،‬ولم يأمرهما الرسول ﷺ‬
‫ً‬
‫باإلعادة‪ ،‬ولم يقل لهما ال تعودا لهذا ثانية‪ ،‬وهو مذهب األئمة الثالثة‪ ،‬ورجحه‬
‫السعدي‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫فينبغي للمصلي تانب اليسار قدر الطاقة‪ ،‬وعدم التهاون به مع خلو اليمين‪،‬‬
‫خاِة أن قول الحنابلة له وجاهته‪ ،‬وإن كنا ال نقول بإعادة الصالة عن يسار اإلمام‬
‫مع خلو يمينه‪.‬‬
‫وأما ِالته خلفه من غير عذر‪ ،‬فال تصح للنصوص الصـريحة كما سـيأيت‪.‬‬
‫َ ُ َ َُ َ َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وت ِقف المرأة‪ :‬خلفه)‪.‬‬
‫رجال ِفت خلفه ولو كانت وحدها؛‬ ‫إذا كان المأموم امرأة‪ ،‬فإن كان اإلمام ً‬
‫وز مِ ْن َو َرائِنَا» [متفق عليه]‪.‬‬
‫لحديث أنس ﭬ قال‪َ « :‬وال َع ُا ُ‬
‫قال ابن عبدالرب‪« :‬أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل وحدها‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)111‬ومسلم (‪ )163‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الممتع (‪ِ ،)315/4‬الة المؤمن ص (‪.)561‬‬

‫‪531‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪532‬‬

‫ِ ًفا‪ ،‬وأن سنتها الوقوف خلف الرجل ال عن يمينه»(‪.)1‬‬


‫وإن كان اإلمام امرأة تصلي باملة من النساء‪ ،‬فإهنا تقف وسطهن؛ لوروده عن‬
‫عائشة وأم سلمة ﭭ‪« :‬أهنما إذا أ امتا النساء وقفن وسطهن»(‪ ،)2‬والمرأة مطلوب‬
‫منها السرت‪.‬‬
‫ولو ِلت هبن كصفوف الرجال ِح‪ ،‬إال أن األولى كوهنا وسطهن؛ لوروده‬
‫عن عائشة وأم سلمة ﭭ‪ ،‬ولكونه أسرت‪.‬‬
‫ٌَ‬ ‫ُ َ ً َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ًَ َ َْ‬ ‫َ ه ه ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجل َركعة خلف الصف منف ِردا‪ :‬فصالته باطِلة)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وإن صىل‬
‫المذهب‪ :‬أن ِالة المأموم وحده خلف الصف ال تصح مطل ًقا إن ِلى ركعة‬
‫الصف» [رواه ابن‬ ‫ف ا‬ ‫لمنْ َف ِر ُد َخ ْل َ‬ ‫ذاكرا أو ناسـيا؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬‬
‫ال َِالَ َة ُ‬ ‫جاهال‪ً ،‬‬‫ً‬ ‫عامدً ا أو‬
‫الصف َو ْحدَ ُه َف َأ َم َر ُه‬
‫ف ا‬ ‫ول اهللِ ﷺ َرأى َر ُج ًال ُي َصلي َخ ْل َ‬ ‫ماجه‪ ،‬وحسنه أحمد](‪« .)3‬وألَ ان َر ُس َ‬
‫ِ‬
‫َف َأ َم َر ُه َأ ْن ُيعيدَ ا‬
‫الصالَ َة» [رواه الرتمذي وحسنه](‪.)4‬‬
‫ثان‪ :‬أهنا تصح مطل ًقا لعذر أو لغيره‪ ،‬وهذا مذهب األئمة الثالثة؛‬ ‫وفيه قول ُ‬
‫جابرا وابن عباس ﭭ أديا جز ًءا من‬
‫ً‬ ‫وز مِ ْن َو َرائِنَا»‪ ،‬وألن‬
‫لحديث‪َ « :‬وال َع ُا ُ‬
‫ِالهتما خلف رسول اهلل ﷺ عند اإلدارة‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أهنا تصح لعذر‪ ،‬وتبطل لغيره‪ ،‬والعذر مثل‪ :‬تمام الصف‪ ،‬وهو قول‬

‫(‪ )1‬االستذكار (‪.)316/2‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)422‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1003‬وأحمد (‪ ،)16221‬وابن خزيمة (‪ ،)1562‬وابن حبان (‪ )2202‬من حديث علي‬
‫بن شـيبان ﭬ‪ .‬حسنه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)116/2‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير‬
‫(‪« :)22/2‬وقال األثرم عن أحمد‪ :‬هو حديث حسن»‪ ،‬وقال يف فتح الباري (‪« :)213/2‬ويف ِحته نظر»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)230‬وأبو داود (‪ ،)662‬وابن ماجه (‪ ،)1004‬وأحمد (‪ ،)16000‬وابن حبان (‪)2122‬‬
‫من حديث وابصة بن معبد ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وقال ابن عبد الهادي يف تنقيح التحقيق (‪« :)421/2‬قال‬
‫اإلمام أحمد‪ :‬حديث وابصة حديث حسن‪ ،‬وقال ابن المنذر‪ :‬ثبته أحمد وإسحاق»‪ .‬وِححه األلباين يف‬
‫اإلرواء (‪ ،)541‬وقال ابن عبدالرب يف التمهيد (‪« :)262/1‬وحديث وابصة مضطرب اإلسناد ال يثبته جماعة‬
‫من أهل الحديث»‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫‪533‬‬ ‫ف اإلمامِ‬
‫فصلٌ يف وُقو ِ‬

‫الحسن البصـري‪ ،‬ورجحه ابن تيمية‪ ،‬وابن القيم‪.‬‬


‫الصف»‪ ،‬لكن‬
‫ف ا‬ ‫لمنْ َف ِر ُد َخ ْل َ‬ ‫فاألِل عدم الاواز والصحة؛ لحديث‪َ « :‬‬
‫ال َِالَ َة ُ‬
‫اضطرارا‪ ،‬وهو غير‬
‫ً‬ ‫الواجبات تسقط بالعذر‪ ،‬وفعل ابن عباس وجابر ﭭ كان‬
‫مقصود منهما‪ ،‬وإنما ألجل التحول للاهة األخرى(‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫مكتمل‪ ،‬فال ياذب أحد ًا من الصف المقدم؛ ألن فيه‬ ‫مسألة‪ :‬من جاء والصف‬
‫ٌ‬
‫وتشويش عليه يف ِالته‪.‬‬ ‫اعتداء على الغير ممن أدرل الصف األول بإرجاعه‪،‬‬
‫رجال إليك إن ضاق بك المكان»(‪ ،)2‬فهي‬
‫ً‬ ‫وأما زيادة الطرباين‪« :‬أو اجرترت‬
‫مكتمال انتظر‪،‬‬
‫ً‬ ‫زيادة منكرة‪ ،‬فاالجرتار من حيث الرواية ال يثبت‪ ،‬فمن وجد الصف‬
‫فإن جاء أحد قبل ركوع اإلمام ِف معه‪ ،‬وإن لم يأت وخاف أن تفوته الصالة‬
‫ِلى خلف الصف وحده‪ ،‬ويسقط الوجوب للعاز وخوف فوات الصالة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ََُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الث مِئ ِة‬
‫اء بـإما ِم ِه‪ ،‬ولو اكن بينهما فوق ث ِ‬‫د‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫االق‬ ‫وم‬ ‫أم‬ ‫الم‬ ‫ن‬ ‫أمك‬ ‫وإن‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ه ْ ََ‬
‫ذ َِراع‪ :‬صح‪ ،‬إن رأى اإلمام‪ ،‬أو رأى من وراءه)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فإذا أمكن المأموم االقتداء بإمامه إن كان يراه‪ ،‬أو يسمع ِوته‪ ،‬أو يرى بعض‬
‫المأمومين ِح ذلك‪ ،‬ولو بعدت المسافة بينهما‪ ،‬ولو وجد فراغ بين الصفوف‪،‬‬
‫ولو كان المأموم خارج المساد بشـرأ أال يكون بينهما طريق تسـير فيه المراكب‬
‫هذا المذهب‪.‬‬
‫واقتداء المأمومين باإلمام داخل المساد أو خارجه له حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إن كانت الصفوف متصلة‪ ،‬فيصح االقتداء باإلمام‪ ،‬ولو كان خارج‬
‫المساد باالتفاق‪ ،‬نقله شـيخ اإلسالم(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪ ،)321/23‬إعالم الموقعين (‪.)226-41/3‬‬


‫(‪ )2‬رواه الطرباين يف المعام الكبير (‪ ،)324( ،)145/22‬والبيهقي يف السنن (‪ )142/3‬من حديث وابصة ﭬ‪.‬‬
‫قال البيهقي‪« :‬تفرد به السـري بن إسماعيل وهو ضعيف‪ ،‬ورواه أبو داود يف المراسـيل»‪ ،‬وقال ابن حار يف‬
‫التلخيص الحبير (‪« :)22/2‬فيه السـري بن إسماعيل‪ ،‬وهو مرتول»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ماموع الفتاوى (‪.)401/23‬‬

‫‪533‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪534‬‬
‫ُّ َ ُ َ َ َ َ ُ‬ ‫المسج ِد‪ :‬لم ت ُ َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ َ ُ ُ‬
‫الرؤية‪ ،‬وكَف سماع‬ ‫شَّت ِط‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وإن اكن اإلمام والمأموم يف‬
‫ري)‪.‬‬ ‫ه‬
‫اتلكبِ ِ‬
‫فإن كان المأموم داخل المساد الذي فيه إمامه لم يشرتأ رؤية اإلمام‬
‫والمأمومين‪ ،‬ويكتفي بسماع ِوت إمامه‪.‬‬
‫اإلمام أو‬
‫َ‬ ‫وإن كان المأموم خارج المساد‪ ،‬فيشرتأ مع سماع الصوت أن يرى‬
‫بعض المأمومين‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكونوا يف مكان واحد كالمساد‪ ،‬فيصح االقتداء‪ ،‬ولو لم تتصل‬
‫الصفوف‪ ،‬ولو كان بينهم مسافة طويلة‪ ،‬ولولم يره ويكفي سماع ِوته وإمكان‬
‫االقتداء والسنة تتابع الصفوف‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يكون بين المأمومين واإلمام حائل يمنع مشاهدته كالادار‪ ،‬وليس‬
‫بينهما طريق يمشـي الناس فيه‪ ،‬فإن أمكنهم متابعته بسماع ِوته‪ ،‬فيصح االقتداء‬
‫به‪ ،‬وبه قال اإلمام أحمد‪ ،‬واختاره ابن تيمية‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين؛ لحديث َعائِ َش َة‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الح ْا َرة َق ٌ‬
‫صـير‪،‬‬ ‫ول اهلل ﷺ ُي َصلي م َن ال ال ْي ِل في ُح ْا َرته‪َ ،‬و ِجدَ ُار ُ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫ڤ َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫ون بِ َصالَتِ ِه‪َ ،‬ف َأ ِْ َب ُحوا َفت ََحدا ُثوا ب ِ َذل ِ َك‪،‬‬ ‫َاس ُي َص ُّل َ‬‫ص النابِي ﷺ َف َقا َم ُأن ٌ‬ ‫ااس َش ْخ َ‬ ‫َف َر َأى الن ُ‬
‫ن َأ ْو َثال َ ًثا» [رواه‬ ‫ون بِ َصالَتِ ِه‪َِ ،‬نَ ُعوا َذل ِ َك َل ْي َل َت ْي ِ‬
‫َاس ُي َص ُّل َ‬ ‫ِ‬
‫َف َقا َم ال ال ْي َل َة ال اثان َيةَ‪َ ،‬ف َقا َم َم َع ُه ُأن ٌ‬
‫نصا‪ ،‬لكن يستأنس هبذا الحديث‪.‬‬ ‫البخاري] ‪ ،‬وإن لم يكن ً‬
‫(‪)1‬‬

‫َ ٌ َ َ ه‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ْ َ َ ََُ َ ٌ َ‬
‫هر جت ِري فِي ِه السف ُن‪ ،‬أو ط ِريق‪ :‬لم ت ِصح)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وإن اكن بينهما ن‬
‫هذه الحالة الرابعة إذا كان بين اإلمام والمأموم طريق تاري فيه المراكب‪ ،‬أو‬
‫هنر تاري فيه السفن‪ ،‬ففي ِحة االئتمام وجهان يف المذهب‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما ذكره المصنف أنه ال يصح‪ ،‬وهو المذهب؛ ألن الطريق ليست محال‬
‫للصالة‪ ،‬فأشبه ما يمنع االتصال وهو مذهب أبي حنيفة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه يصح‪ ،‬وهو مذهب مالك والشافعي؛ ورجحه ابن قدامة‪ ،‬والسعدي‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )122‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪534‬‬
‫‪535‬‬ ‫ف اإلمامِ‬
‫فصلٌ يف وُقو ِ‬

‫وابن باز؛ ألنه ال نص يف منع ذلك‪ ،‬وال إجماع‪ ،‬وال هو يف معنى ذلك‪ ،‬وألنه ال‬
‫يمنع االقتداء‪ ،‬فإن المؤثر يف ذلك ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت‪ ،‬وليس هذا‬
‫بواحد منهما‪ ،‬فإذا كان يمكنهم االقتداء به إما بسماع ِوته‪ ،‬أو رؤية بعض‬
‫المأمومين ِح ذلك ال سـيما عند الحاجة‪ ،‬وهو األظهر‪.‬‬
‫والعالمة ابن باز قال‪ :‬البد من رؤية اإلمام والمأمومين‪ ،‬ولو انقطعت‬
‫الصفوف‪.‬‬
‫وأما السعدي فقال‪ :‬يكفي القدرة على االقتداء‪ ،‬وإن لم يرهم‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫ُ‬
‫مالز‪:‬‬ ‫هنر»‪ ،‬وقال أبو‬
‫بعض السلف‪ ،‬قال الحسن‪« :‬ال بأس أن تصلي وبينك وبينه ٌ‬
‫جدار إذا سمع تكبير اإلمام»(‪.)2()1‬‬ ‫ٌ‬ ‫طريق أو‬
‫ٌ‬ ‫«يأتم باإلمام وإن كان بينهما‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫أم ِ‬ ‫اإلم ِ‬‫ُ َ ُ ُ ُّ َ‬ ‫ُ‬
‫وم‪ ،‬ال‪ :‬عكسه)‪.‬‬ ‫ام عن الم‬ ‫قوهل‪( :‬وك ِره‪ :‬علو‬
‫علو اإلمام عن المأمومين وارتفاعه عليهم أثناء الصالة مكروه‪ ،‬لحديث حذيفة‬
‫ان َأ ْر َف َع م ِ ْن‬
‫ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َأم الرج ُل ا ْل َقوم‪َ ،‬ف َال ي ُقم فِي م َك ُ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ا ا ُ‬
‫َم َقامِ ِه ْم»(‪.)3‬‬
‫وروى أبو داود َعن َهما ُم َأ ان ح َذي َف َة ﭬ َأم بِا ْلمدَ ِائ ِن َع َلى دك ُ‬
‫اان‪َ ،‬ف َأ َخ َذ َأ ُبو‬ ‫ُ‬ ‫ا َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ا‬
‫يص ِه َف َا َب َذ ُه‪َ ،‬ف َل اما َف َر َغ مِ ْن َِ َالتِ ِه َق َال‪َ « :‬أ َل ْم َت ْع َل ْم َأن ُاه ْم كَا ُنوا ُين َْه ْو َن َع ْن‬
‫ود بِ َق ِم ِ‬‫مسع ُ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َمدَ ْد َتني» ‪ .‬ويستثنى من الكراهة حالتان‪:‬‬ ‫َذل َك؟» َق َال‪َ « :‬ب َلى‪َ ،‬قدْ َذك َْر ُت ح َ‬

‫(‪ )1‬رواهما البخاري تعليقًا– كتاب األذان‪ /‬باب إذا كان بين اإلمام وبين القوم حائط أو سرتة‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪.)153/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)526‬والبيهقي يف السنن (‪ )155/3‬من حديث حذيفة ﭬ‪ .‬قال ابن عبد الهادي يف تنقيح‬
‫التحقيق (‪« :)426/2‬يف إسناد هذا الحديث رجل مبهم‪ ،‬وأبو خالد ليس بمعروف‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫الداالين‪ ،‬وفيه كالم»‪ ،‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)122/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)544‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)521‬والحاكم (‪ ،)322/1‬والبيهقي يف السنن (‪ .)154/3‬وِححه النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪ ،)122/2‬وقواه ابن حار يف التلخيص الحبير (‪ ،)111/2‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)610‬‬
‫وأعله الدارقطني وأبو حاتم‪.‬‬

‫‪535‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪536‬‬

‫األولى‪ :‬أن يرتفع بقصد التعليم‪ ،‬فال كراهة‪ ،‬وقد فعله رسول اهلل ﷺ كما يف‬
‫حديث سهل ﭬ أن رسول اهلل ﷺ ِلى على المنرب َو َك اب َر َو ُه َو َع َل ْيه‪ُ ،‬ث ام َرك ََع َو ُه َو‬
‫َع َليه‪ُ ،‬ثم ن ََز َل ال َقه َقرى‪َ ،‬فسادَ فِي َأِ ِل ِ‬
‫المنْ َب ِر ُث ام َعا َد‪َ ،‬ف َل اما َف َر َغ َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ‬
‫ااس‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ا‬
‫ااس‪ ،‬إِن َاما َِنَ ْع ُت َه َذا لِت َْأ َت ُّموا‪َ ،‬ول ِ َت َع ال ُموا َِالَتِي»(‪.)1‬‬
‫َف َق َال‪َ « :‬أ ُّي َها الن ُ‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون مع اإلمام يف المكان المرتفع بعض المأمومين‪ ،‬فإنه يزول‬
‫المنع؛ ألنه لم ينفرد يف المكان‪.‬‬
‫َ ُ ُ‬
‫(ال‪ :‬عكسه)‪ :‬فال كراهة يف علو بعض المأمومين على اإلمام‪ ،‬فقد روى‬
‫ا ِد بِ َصال َِة ِ‬
‫اإل َما ِم»(‪ ،)2‬وكذا‬ ‫البخاري‪« :‬أن أبا هريرة ﭬ ِ الى َع َلى س ْق ِ‬
‫ف المس ِ‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫روي عن ابن عمر ﭭ‪ ،‬وما دام أنه ثبت عن أبي هريرة ﭬ من غير نكير من‬
‫الصحابة فهو حاة‪ ،‬وهذا المذهب‪ ،‬واختاره ابن باز‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)3‬‬
‫ُ ْ ً َ َُ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ ً‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ج ِد)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وك ِره ل ِمن أكل بصال أو فجال وَنوه‪ :‬حضور المس ِ‬
‫أكل البصل والثوم حالل‪ ،‬وعلى هذا جماهير العلماء‪ ،‬ولذا قرهبا رسول اهلل ﷺ‬
‫َاجي» [متفق عليه](‪.)4‬‬ ‫َاجي م ْن َال ُتن ِ‬ ‫إلى بعض أِحابه‪ ،‬وقال‪ُ « :‬ك ْل َفإِني ُأن ِ‬
‫َ‬
‫الم ْس ِا ِد‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ إذا‬ ‫ور َ‬ ‫وينهى من أكل الثوم أو البصل عن ُح ُض ِ‬
‫وجد ريحها من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع؛ وقال ﷺ‪َ « :‬م ْن َأك ََل مِ ْن َه ِذ ِه‬
‫ادَ نَا‪َ ،‬فإِ ان ا ْلم َالئِ َك َة َت َأ اذى‪ ،‬مِما َيت ََأ اذى مِنْ ُه ْ ِ‬
‫الش َار ِة ا ْلمنْتِن َِة‪َ ،‬ف َال َي ْقر َب ان مس ِ‬
‫ْس» [متفق‬ ‫اإلن ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ا َ ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)211‬ومسلم (‪ )544‬من حديث سهل بن سعد ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري معلقًا‪ -‬كتاب الصالة‪ /‬باب الصالة يف السطوح والمنرب والخشب‪ .‬ووِله الشافعي يف‬
‫مسنده ص (‪ ،)50‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)4666‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)35/2‬والبيهقي يف‬
‫السنن (‪.)151/3‬‬
‫(‪ )3‬الممتع (‪.)426/4‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)655‬ومسلم (‪ )564‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪ .‬وينظر‪ :‬الفتح البن رجب‬
‫(‪.)15/6‬‬

‫‪536‬‬
‫‪537‬‬ ‫ف اإلمامِ‬
‫فصلٌ يف وُقو ِ‬

‫عليه](‪.)1‬‬
‫يح َها»‬ ‫ب ِر ُ‬ ‫اجدَ نَا‪َ ،‬حتاى َي ْذ َه َ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬م ْن َأك ََل مِ ْن َه ِذ ِه ا ْل َب ْق َل ِة َف َال َي ْقر َب ان مس ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫اث َف َال َي ْق َر َب ان‬ ‫وم [متفق عليه](‪ ،)2‬وقال ﷺ‪« :‬من َأك ََل ا ْل َب َص َل َوال ُّثو َم َوا ْل ُك ار َ‬ ‫ِ‬
‫َي ْعني‪ :‬ال ُّث َ‬
‫ادَ نَا‪َ ،‬فإِ ان ا ْل َم َالئِ َك َة َتت ََأ اذى مِ اما َيت ََأ اذى مِنْ ُه َبنُو آ َدمَ» [رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫مس ِ‬
‫َ ْ‬
‫ون َش َا َر َت ْي ِن َال َأ َر ُاه َما إِ اال َخبِي َث َت ْي ِن‪َ ،‬ه َذا‬
‫ااس إنكم َت ْأ ُك ُل َ‬
‫وقال عمر ﭬ‪َ « :‬أ ُّي َها الن ُ‬
‫ا ِد‪،‬‬ ‫يح ُهما مِ َن الر ُج ِل فِي ا ْلمس ِ‬ ‫ا ْلبص َل وال ُّثوم‪َ ،‬ل َقدْ ر َأيت رس َ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ا‬ ‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َو َجدَ ِر َ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َأ َم َر بِ ِه َف ُأ ْخ ِر َج إ ِ َلى ا ْل َبقيعِ‪َ ،‬ف َم ْن َأ َك َل ُه َما َف ْل ُيم ْت ُه َما َط ْب ًخا» [رواه مسلم] ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمذهب‪ :‬أن النهي للكراهة‪.‬‬
‫وذهب بعض العلماء أنه للتحريم‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ ،‬وابن رجب‪ ،‬وأهل‬
‫الظاهر‪ ،‬قال اإلمام أحمد‪« :‬إن أكل ودخل المساد أثم»(‪.)5‬‬
‫مسألة‪ :‬من أكلها فليصل الفريضة يف بيته‪ ،‬وال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫تحايال لرتل الاماعة‪ ،‬فهو آثم‪.‬‬
‫ً‬ ‫األولى‪ :‬إن أكلها‬
‫الثانية‪ :‬وإن أكلها لرغبته فيها‪ ،‬فال إثم عليه‪ ،‬ولكن ليس له أجر الاماعة يف‬
‫المساد؛ ألنه ليس كالمريض الذي حصل له المرض بغير اختياره‪ ،‬وينبغي‬
‫للمسلم أن يتحرى يف أكلها وقتًا تزول فيه رائحتها‪ ،‬أو يطبخها حتى ال يتخلف عن‬
‫الاماعة‪.‬‬
‫وكون رسول اهلل ﷺ نص على الثوم والبصل والكراث هذا قيد أغلبي‪ ،‬ويلحق‬
‫به ما كان رائحته كريهة تزعج المصلين‪ ،‬كالدخان‪ ،‬فال يحضـر المساجد‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)654‬ومسلم (‪ )563‬من حديث جابر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)653‬ومسلم (‪ )561‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )564‬من حديث جابر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )561‬من حديث عمر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الفتح البن رجب (‪.)14/6‬‬

‫‪531‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪538‬‬

‫آثم(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬إمام العراة نص أهل العلم أنه يكون وسطهم؛ ألنه أسرت له(‪.)2‬‬
‫مسألة‪ :‬السنة أن تسوى الصفوف وتعدل‪ ،‬وظاهر النصوص وجوب تسويتها‪،‬‬
‫ولذا توعد رسول اهلل ﷺ فقال‪َ « :‬ل ُتسو ان ِ ُفو َف ُكم‪َ ،‬أو َلي َخال ِ َفن اهلل بين وج ِ‬
‫وه ُك ْم»‬ ‫ا ُ َْ َ ُ ُ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫َ ُّ ُ‬
‫[رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْم َس ُح َمنَاكِ َبنَا فِي‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ود ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫وروى مسلم َعن َأبِي مسع ُ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ُق ُلوبُ ُك ْم‪ ،‬ل َيلِني منْ ُك ْم ُأو ُلو ْاأل َ ْح َال ِم‬‫است َُووا‪َ ،‬و َال َت ْختَلِ ُفوا‪َ ،‬فت َْختَلِ َ‬ ‫الص َال ِة‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫ول‪ْ « :‬‬ ‫ا‬
‫والنُّهى ُثم ا ال ِذين ي ُلو َنهم‪ُ ،‬ثم ا ال ِذين ي ُلو َنهم‪َ ،‬ق َال َأبو مسع ُ‬
‫ود‪َ :‬ف َأ ْن ُت ُم ا ْل َي ْو َم َأ َشدُّ‬ ‫ُ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ُ ْ ا‬ ‫ا‬ ‫َ َ‬
‫اختِ َال ًفا»(‪.)4‬‬‫ْ‬
‫الص َال ِة» [متفق عليه](‪،)5‬‬ ‫ِ‬
‫وقال ﷺ‪َ « :‬س ُّووا ُِ ُفو َف ُك ْم‪َ ،‬فإِ ان َت ْس ِو َي َة ا‬
‫الصف م ْن َت َما ِم ا‬
‫واألحاديث يف األمر هبا كثيرة‪ ،‬ورجح الوجوب ابن حزم‪ ،‬وشـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن‬
‫رجب‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين‪ ،‬فعلى اإلمام االهتمام هبذا كما كان رسول اهلل ﷺ‬
‫وِحابته يفعلون‪ ،‬وقد قال كعب‪« :‬إن كنت ألدع الصف المقدم من شدة قول‬
‫عمر استووا‪ ،‬فإذا لم يسوي الاماعة ِفوفهم فهم آثمون»(‪.)6‬‬
‫الحرص على الصف األول لما له من فضائل منها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وينبغي‬
‫ف ْاألَ او َل َع َلى مِ ْث ِل َِف‬ ‫أنه على مثل ِف المالئكة؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬وإِ ان ا‬
‫الص ا‬
‫ا ْل َم َالئِ َك ِة‪َ ،‬و َل ْو َعلِ ْم ُت ْم َما َفضـي َل ُت ُه َال ْبتَدَ ْر ُت ُمو ُه»(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬الفتح البن رجب (‪ ،)11/6‬الفتح البن حار (‪ ،)322/2‬الممتع (‪.)451/4‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)316/2‬الممتع (‪.)31/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)111‬ومسلم (‪ )436‬من حديث النعمان ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )432‬من حديث أبي مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)123‬ومسلم (‪ )433‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الفتح البن رجب (‪ ،)266/6‬تحفة األحوذي (‪ ،)15/2‬اإلعالم (‪ ،)460/2‬الممتع (‪.)11/4‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)554‬وأحمد (‪ ،)21265‬وابن خزيمة (‪ ،)1411‬وابن حبان (‪ ،)2056‬والحاكم‬
‫=‬

‫‪536‬‬
‫‪539‬‬ ‫ف اإلمامِ‬
‫فصلٌ يف وُقو ِ‬

‫ال َأ او ُل َها‪َ ،‬و َ‬


‫شـرها‬ ‫وف الر َج ِ‬ ‫وهو خير ِفوف الرجال؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬خير ِ ُف ِ‬
‫ُْ ُ‬
‫شـرها َأ او ُل َها» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫وف النس ِ‬
‫اء ِ‬ ‫آخر َها‪ ،‬و َخير ِ ُف ِ‬
‫ِ‬
‫آخ ُر َها‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلل َو َم َالئِ َك َت ُه ُي َص ُّل َ‬
‫ون َع َلى‬ ‫وألن اهلل ومالئكته يصلون عليه؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫الصف ا ْل ُم َقدا ِم»(‪.)2‬‬
‫ا‬
‫اض ْب ِن َس ِ‬
‫ار َي َة‬ ‫وألن النبي ﷺ استغفر له ثال ًثا؛ لما روى ابن ماجه َعن ِ‬
‫الع ْر َب ِ‬ ‫ْ‬
‫لصف ا ْل ُم َقدا ِم َث َال ًثا‪َ ،‬ولِل اثانِي َم ار ًة» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬
‫َان َي ْس َت ْغف ُر ل ا‬
‫وألنه أحصن الصفوف من الشـيطان‪ ،‬وورد فيه حديث ضعيف(‪.)4‬‬
‫يد ﭬ‪:‬‬ ‫وألن الصالة فيه تقتضـي التقدم إلى اهلل‪ ،‬كما روى مسلم َعن َأبِي س ِع ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ول اهللِ ﷺ َر َأى فِي َأ ِْ َحابِ ِه َت َأ ُّخ ًرا‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ْم‪َ « :‬ت َقدا ُموا َف ْأ َت ُّموا بِي‪َ ،‬و ْل َي ْأ َت ام بِ ُك ْم‬ ‫َأ ان َر ُس َ‬
‫اهلل»(‪.)5‬‬
‫ون َحتاى ُي َؤخ َر ُه ُم ُ‬ ‫َم ْن َب ْعدَ ُك ْم‪َ ،‬ال َي َز ُال َق ْو ٌم َيت ََأ اخ ُر َ‬
‫ااس َما‬ ‫وألنه موطن لتحصـيل األجور‪ ،‬ففي الصحيحين أنه ﷺ قال‪َ « :‬ل ْو َي ْع َل ُم الن ُ‬
‫=‬
‫(‪ ،)315/1‬والبيهقي يف السنن (‪ )66/3‬من حديث أبي بن كعب ﭬ‪ .‬قال الحاكم‪« :‬وقد حكم أئمة‬
‫الحديث‪ :‬يحيى بن معين‪ ،‬وعلي بن المديني‪ ،‬ومحمد بن يحيى الذهلي‪ ،‬وغيرهم لهذا الحديث بالصحة»‪،‬‬
‫وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)563‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )440‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه النسائي (‪ ،)646‬وأبو داود (‪ ،)664‬وابن ماجه (‪ ،)221‬وأحمد (‪ ،)16506‬وابن خزيمة (‪،)1551‬‬
‫وابن حبان (‪ ،)2115‬والحاكم (‪ )165/1‬من حديث الرباء بن عازب ﭭ‪ .‬وحسنه النووي يف خالِة‬
‫وجود إسناده ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)365/3‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي‬
‫األحكام (‪ّ ،)101/2‬‬
‫داود (‪.)610‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪ ،)226‬وأحمد (‪ ،)11156‬وابن خزيمة (‪ ،)1556‬والحاكم (‪ )334/1‬من حديث‬
‫العرباض بن سارية ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪.)112/2‬‬
‫(‪ )4‬قال ابن رجب يف فتح الباري (‪ :)214/6‬فروى قتادة‪ ،‬عن أبي قالبة أن النبي ﷺ قال ألِحابه‪« :‬أي شارة‬
‫أبعد من الخارف والخاذف؟» قالوا‪ :‬فرعها‪ .‬قال‪« :‬فكذلك الصف المقدم‪ ،‬هو أحصنها من الشـيطان»‪ ،‬ورواه‬
‫جماعة‪ ،‬فقالوا‪ :‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬والصواب‪ :‬عن أبي قالبة‪ ،‬قاله الدارقطني وغيره‪ ،‬وأنكر أبو زرعة‬
‫وِله‪ ،‬وروي نحوه من حديث أبي هريرة مرفوعًا بإسناد ضعيف‪ ،‬وانظر‪ :‬العلل للدارقطني (‪.)154/12‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )436‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪540‬‬

‫ادُ وا إِ اال َأ ْن َي ْست َِه ُموا َع َل ْي ِه َ‬


‫ال ْست ََه ُموا»(‪.)1‬‬ ‫الصف األَ او ِل‪ُ ،‬ثم َلم َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْ‬ ‫في الندَ اء َو ا‬
‫ويستحب الوقوف عن يمين الصف إذا كانوا جماعة‪ ،‬وأكثر العلماء على‬
‫تفضـيل ميمنة الصفوف وخلف اإلمام؛ لحديث الرباء ﭬ َق َال‪ُ « :‬كناا إِ َذا َِ ال ْينَا‬
‫ول اهللِ ﷺ َأ ْح َب ْبنَا َأ ْن َن ُك َ‬
‫ون َع ْن َي ِمين ِ ِه; ُي ْقبِ ُل َع َل ْينَا بِ َو ْج ِه ِه» [رواه مسلم](‪.)2‬‬ ‫ف رس ِ‬
‫َخ ْل َ َ ُ‬
‫ون َع َلى ميامِ ِن الص ُف ِ‬ ‫اهلل َو َم َالئِ َك َت ُه ُي َص ُّل َ‬
‫وف»(‪.)3‬‬ ‫ُّ‬ ‫ََ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫مسألة‪ :‬تكره الصالة بين السواري واألعمدة إال لحاجة؛ لما روى أبو داود‪،‬‬
‫ول اهلل ﷺ»(‪.)4‬‬ ‫أنس ﭬ قال‪ُ « :‬كناا َنت ِاقي َه َذا َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬‫وحسنه الرتمذي َع ْن ُ‬
‫َ ُ‬
‫اوي َة ب ِن ُقرةَ‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬
‫يه ﭬ َق َال‪ُ « :‬كناا‬ ‫ْ‬ ‫وروى ابن ماجه‪ ،‬وِححه الحاكم‪َ ،‬ع ْن ُم َع ِ َ ْ ا‬
‫ف َب ْي َن الس َو ِاري َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ ،‬و ُن ْط َر ُد َعن َْها َط ْر ًدا»(‪.)5‬‬ ‫ُنن َْهى َأ ْن ن َُص ا‬
‫َ ُ‬ ‫ا‬
‫وهذا مروي عن حذيفة‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وابن عباس ﭫ‪ ،‬وكرهه أحمد وإسحاق‪،‬‬
‫والنهي خاص بالمأموم دون اإلمام والمنفرد؛ ألنه يؤدي النقطاع الصفوف‪ ،‬وألنه‬
‫موطن النعال عادة(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)240‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )102‬من حديث الرباء ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)616‬وابن ماجه (‪ ،)1005‬وابن حبان (‪ ،)2160‬والبيهقي يف السنن (‪ )146/3‬من‬
‫حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫قال البيهقي‪ :‬والمحفوظ هبذا اإلسناد عن النبي ﷺ‪« :‬إن اهلل ومالئكته يصلون على الذين يصلون الصفوف»‪،‬‬
‫وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)110/2‬وحسنه ابن حار يف الفتح (‪ .)213/2‬وانظر‪ :‬فتح‬
‫الباري البن رجب (‪.)224/6‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)613‬والرتمذي (‪ ،)222‬والنسائي (‪ ،)621‬وأحمد (‪ ،)12332‬وابن خزيمة (‪،)1566‬‬
‫وابن حبان (‪ ،)2216‬والحاكم (‪ )322/1‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وِححه األلباين يف‬
‫ِحيح أبي داود (‪.)611‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1002‬وابن خزيمة (‪ ،)1561‬والحاكم (‪ )332/1‬من حديث معاوية ابن قرة‪ ،‬عن أبيه‬
‫ﭬ‪ .‬قال ابن رجب يف فتح الباري (‪« :)52/4‬وقال ابن المديني‪ :‬إسناده ليس بالصايف‪ ،‬قال‪ :‬وأبو مسلم هذا‬
‫ماهول‪ ،‬وكذا قال أبو حاتم‪ :‬هو ماهول»‪ .‬وله شاهد من حديث أنس ﭬ السابق‪.‬‬
‫(‪ )6‬تحفة األحوذي (‪.)16/2‬‬

‫‪540‬‬
‫‪541‬‬ ‫ف اإلمامِ‬
‫فصلٌ يف وُقو ِ‬

‫مسألة‪ :‬السنة يف ترتيب الصفوف تقديم الرجال على الصبيان؛ لقوله ﷺ‪« :‬ل ِ َيلِنِي‬
‫مِنْ ُك ْم ُأو ُلو ْاأل َ ْح َال ِم َوالن َُّهى‪ُ ،‬ث ام ا ال ِذي َن َي ُلو َن ُه ْم‪ُ ،‬ث ام ا ال ِذي َن َي ُلو َن ُه ْم» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫فإذا سبق الصبيان خلف اإلمام‪ ،‬فروي عن بعض السلف إقامة الصبيان‪،‬‬
‫وتقديم الكبار‪ ،‬كما فعله أبي بن كعب مع قيس بن عباد(‪.)2‬‬
‫وهو قول الثوري وأحمد‪ ،‬كما نقله ابن رجب عنهم(‪.)3‬‬
‫واألظهر‪ :‬أن الصبي المميز إذا سبق إلى الصف األُول‪ ،‬فال يؤخر من مكانه؛‬
‫وذلك‪:‬‬
‫ألنه سبق إلى ما لم يسبق إليه غيره‪.‬‬
‫ال ي ِقيم الرج ُل الرج َل مِن مالِ ِس ِه ُثم يالِس فِ ِ‬
‫يه»‬ ‫ا َ ْ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ا ُ‬ ‫ولعموم قول رسول اهلل ﷺ‪ ُ ُ َ « :‬ا ُ‬
‫[متفق عليه](‪ ،)4‬وأما حديث‪« :‬ل ِ َيلِنِي مِنْ ُك ْم ُأو ُلو ْاأل َ ْح َال ِم َوالن َُّهى‪ُ ،‬ث ام ا ال ِذي َن َي ُلو َن ُه ْم‪ُ ،‬ث ام‬
‫ِ‬
‫أمرا بتأخير الصغار‬ ‫ا الذي َن َي ُلو َن ُه ْم»‪ ،‬فهو حث الكبار على التقدم والمبادرة‪ ،‬وليس ً‬
‫وأيضا هذا يؤدي إلى تنفير الصغار‪ ،‬واختار هذا جماعة من العلماء‪،‬‬ ‫إن تقدموا‪ً ،‬‬
‫منهم‪ :‬أبو الربكات جد شـيخ اإلسالم‪ ،‬والمرداوي يف اإلنصاف‪ ،‬وابن باز‪،‬‬
‫وشـيخنا ابن عثيمين(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)536‬‬


‫(‪ )2‬رواه النسائي (‪ ،)606‬وأحمد (‪ ،)21264‬وابن خزيمة (‪ ،)1513‬وابن حبان (‪ ،)2161‬والحاكم‬
‫(‪.)334/1‬‬
‫(‪ )3‬الفتح (‪.)222/6‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)6262‬ومسلم (‪ )2111‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )5‬ماموع الفتاوى البن باز (‪ ،)416/4‬الممتع (‪.)322/4‬‬

‫‪541‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪542‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬
‫عقد هذا الفصل لذكر األعذار التي تسقط هبا ِالة الامعة والاماعة عن‬
‫العبد‪ ،‬وهي داخلة يف قاعدة‪" :‬المشقة تالب التيسـير"‪ ،‬و "الضـرر يزال"‪ ،‬وهي‬
‫دليل على يسـر الشـريعة ورحمتها بالعباد حيث خففت عنهم الواجبات عند‬
‫حصول الضـرر والمشقة عليهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُُ َ‬ ‫ُْ َُ َ‬ ‫ُ‬
‫واجلماعةِ‪ :‬الم ِريض‪ .‬واخلائ ِف حدوث الم َر ِض‪.‬‬ ‫اجلمع ِة‬ ‫كِ‬ ‫َّت‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ََ ُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َُ َ ٌ َ ُ‬ ‫ُ َ ُ َ َ َ ََ‬
‫ي‪ .‬ومن هل ضائ ِع يرجوه‪ .‬أو َياف ضياع ِ‬
‫ماهلِ‪ ،‬أو‬ ‫والمداف ِع أحد األخبث‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َِ َ ُ‬ ‫َف َواتَ ُه‪ ،‬أو َ َ‬
‫َض ً‬
‫جر ِحل ِف ِظ ِه‪ ،‬كنِطارة ِ بستان‪ .‬أو‬ ‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫است‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ىلع‬ ‫اف‬ ‫َي‬ ‫أو‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫ا‬‫ر‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫يل‬ ‫و‬
‫ِ ِ‬ ‫ط‬ ‫ت‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظ‬‫م‬ ‫ة‬‫يل‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ِ ِ‬‫ة‬ ‫د‬ ‫بار‬ ‫يح‬ ‫ور‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وج‬ ‫‪،‬‬ ‫ج‬ ‫أذ ًى بِمطر‪َ ،‬و َوحل‪ ،‬وثل‬
‫َ‬
‫إمام)‪.‬‬
‫اجلماعةِ‪ :‬الم ِريض)‪ :‬فالمرض عذر لرتل الامعة‬
‫َ ُ‬ ‫ُُ َ َ ََ َ‬
‫َّتكِ اجلمع ِة و‬ ‫(ي ْع َذ ُر ب َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والاماعة؛ لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ﴾ [النور‪ ،]61 :‬وقولـه تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [البقرة‪.]266 :‬‬
‫ِ‬
‫ضـرت‬ ‫ات فِ ِ‬
‫يه َف َح‬ ‫ويف الصحيحين‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ َل اما َم ِر َض َم َر َض ُه ا ال ِذي َم َ‬
‫س»(‪ ،)1‬مع أن بيته إلى جنب‬ ‫الصالَ ُة‪َ ،‬ف ُأذ َن‪َ ،‬ف َق َال‪ُ « :‬م ُروا َأ َبا َب ْك ُر َف ْل ُي َصل بِالناا ِ‬
‫ا‬
‫المساد‪.‬‬
‫الص َال ِة إِ اال ُمنَافِ ٌق َقدْ ُعلِ َم‬
‫ف َع ِن ا‬‫َخ ال ُ‬‫وقال ابن مسعود ﭬ‪َ « :‬ل َقدْ َر َأ ْي ُتنَا َو َما َيت َ‬
‫الص َال ِة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫يض َل َي ْمشـي َب ْي َن َر ُج َل ْي ِن َحتاى َي ْأت َي ا‬ ‫نِ َفا ُق ُه‪َ ،‬أ ْو َم ِر ٌ‬
‫يض‪ ،‬إِ ْن ك َ‬
‫َان ا ْل َم ِر ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)664‬ومسلم (‪ )416‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)461‬‬

‫‪542‬‬
‫‪543‬‬ ‫فصـــل‬

‫عذرا‪ :‬هو ما يلحق ِاحبه بحضوره حرج‬ ‫ً‬ ‫وضابط المرض الذي يكون‬
‫ومشقة‪ ،‬إما لعدم قدرته على المشـي‪ ،‬أو إذا جاء للمساد شق عليه الصالة مع‬
‫الاماعة‪ ،‬أو يخشـى زيادة المرض يف حضوره‪.‬‬
‫اع ِة‪.‬‬
‫الا َم َ‬ ‫ِ‬
‫الا ُم َعة َو َ‬
‫وأما إن لم يلحقه مشقة‪ ،‬فليس بعذر لرتل ُ‬
‫َ ُ ُ ُ َ َ‬
‫(واخلائ ِف حدوث الم َر ِض)‪ :‬فإذا خاف حدوث المرض لوجود أسبابه؛ ألنه يف‬
‫معنى المريض‪ ،‬كأن يكون به جرح ويخشـى إن حضـر أن يزداد من الهواء‪ ،‬أو‬
‫الربد‪ ،‬أو المشـي‪ ،‬ونحوه‪ ،‬فهو عذر‪.‬‬
‫ُ َ ُ َ َ َ ََ‬
‫ي)‪ :‬فإن كان يدافعه أحد األخبثين‪ ،‬وهما البول‬ ‫(والمداف ِع أحد األخبث ِ‬
‫والغائط‪ ،‬فإنه يذهب لقضاء حاجته‪ ،‬ولو أدى إلى فوات ِالة الاماعة‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬ ‫ضـرة ال اط َعامِ‪َ ،‬و َال ُه َو ُيدَ افِ ُع ُه ْ‬
‫األ َ ْخ َب َثان» [أخرجه‬
‫معذور هبذا؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ال ِ َال َة بِح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مسلم](‪.)1‬‬
‫والحكمة من ذلك‪ :‬أنه يشغل القلب عن الخشوع الذي هو لب الصالة‪.‬‬
‫وألنه يلحق المصلي ضـرر بحبسه البول والغائط‪.‬‬
‫و ُيلحق هبما‪ :‬انحباس الريح والقيء‪ ،‬فإذا كان يدافعهما وأقيمت الصالة‬
‫فليخرجها ثم يصلي‪.‬‬
‫ولو ِلى الحاقن فصالته ِحيحة عند جمهور العلماء‪ ،‬خال ًفا البن حزم‪.‬‬
‫ولو خشـي أال ياد ما ًء‪ ،‬فصالته بالتيمم بال احتقان أولى من ِالته بالوضوء‬
‫باالحتقان؛ ألن الصالة مع مدافعة أحد األخبثين منهي عنها‪ ،‬ويف ِحتها نزاع‪،‬‬
‫وأما ِالته بالتيمم فصحيحة ال كراهة فيها باالتفاق‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪،‬‬
‫وأحمد‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)324‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪.)213/21‬‬

‫‪543‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪544‬‬

‫ماهلِ‪ ،‬أو َف َواتَ ُه‪ ،‬أو َ َ‬ ‫ََ ُ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ ٌ َ ُ‬


‫َض ًرا فيه)‪ :‬أي ومن‬ ‫(ومن هلُ ضائ ِع يرج ْوهُ‪ .‬أو َياف ضياع ِ‬
‫األعذار أن يخاف فوات ماله‪ ،‬أو أهله‪ ،‬أو ولده‪ ،‬أو أمانة عنده؛ ألن القلب ينشغل‬
‫حقيرا ال يضـر فواته‪ ،‬فيلزمه‬
‫ً‬ ‫هبا‪ ،‬ويلحق العبد ضـرر بفواهتا‪ ،‬إال إن كان المال‬
‫حضور الاماعة‪ ،‬وال يفوهتا؛ لعدم المشقة حينئذ‪.‬‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ارة ِ بستان)‪ :‬أي ومن األعذار أن‬ ‫ج َر ِحل ِف ِظ ِه‪ ،‬كنِط‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫است‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ىلع‬ ‫اف‬ ‫(أو َي‬
‫اس ُت ْؤ ِج َر ل ِ ِح ْفظِ ِه من السـرقة والضـياع؛ ألنه يلحق ِاحبه المشقة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يخاف على َمال ْ‬
‫وخالِة ما ذكره يف الخوف الذي يعذر ِاحبه برتل الاماعة ثالثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يخاف على نفسه إن خرج للاماعة من عدو‪ ،‬أو سبع‪ ،‬أو مرض‪،‬‬
‫ونحوه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يخاف على أهله وعياله من عدو‪ ،‬أو ضـرر يلحق هبم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يخاف على ماله من الضـياع أو الفساد‪ ،‬فهي عذر يف ترل الاماعة‪.‬‬
‫اس ﭭ أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬من س ِمع ا ْلمن ِ‬
‫َاد َي َف َل ْم‬ ‫وقد ورد حديث ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫َ ْ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫اع ِه ُع ْذ ٌر‪َ - ،‬قا ُلوا‪َ :‬و َما ا ْل ُع ْذ ُر؟ َق َال‪َ :‬خ ْو ٌ‬
‫يمنَعه مِن اتب ِ‬
‫ف َأ ْو َم َر ٌض‪َ -‬ل ْم ُت ْق َب ْل منْ ُه ا‬
‫الص َال ُة‬ ‫َْ ُْ َ َ‬
‫ا التِي َِ الى» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫اس ﭭ بلفظ‪َ « :‬م ْن َس ِم َع الندَ ا َء َف َل ْم َي ْأتِ ِه‪َ ،‬ف َال‬ ‫وورد من طريق آخر َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫َِ َال َة َل ُه إِ اال مِ ْن ُع ْذ ُر»(‪.)2‬‬
‫وروى البخاري أن ابن عمر ﭭ ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪،‬‬
‫وكان بدريا‪ ،‬مرض يف يوم جمعة‪ ،‬فركب إليه بعد أن تعالى النهار‪ ،‬واقرتبت‬
‫الامعة‪ ،‬وترل الامعة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )551‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬وسنده ضعيف؛ فيه أبو جناب الكلبي‪ ،‬وهو ضعيف‪،‬‬
‫وضعفه النووي هبذا يف خالِة األحكام (‪ ،)655/2‬وابن عبد الهادي يف تنقيح التحقيق (‪.)456/2‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)420‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري يف ِحيحه (‪.)3220‬‬

‫‪544‬‬
‫‪545‬‬ ‫فصـــل‬
‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ً ََ َ َ َ‬
‫باردة بِليلة مظلِمة)‪ :‬فإذا وجد‬
‫ِ‬ ‫يح‬ ‫ور‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫يد‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وج‬ ‫‪،‬‬ ‫ج‬‫ل‬ ‫وث‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫(أو أذى بِمطر‪ ،‬وو‬
‫مطر‪ ،‬أو وحل‪ ،‬أو ثلج‪ ،‬أو ريح شديدة يحصل يف الخروج فيها مشقة‪ ،‬فهي عذر‬
‫لرتل الاماعة‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان َي ْأ ُم ُر ا ْل ُم َؤذ َن إِ َذا كَان َْت‬ ‫ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‪ :‬اأن َر ُس َ‬
‫ول‪َ « :‬أ َال َِ ُّلوا فِي ِر َحال ِ ُك ْم»(‪.)1‬‬
‫الس َف ِر َأ ْن َي ُق َ‬ ‫ِ‬
‫ات َم َط ُر في ا‬ ‫َل ْي َل ٌة َب ِ‬
‫ار َدةٌ‪َ ،‬أ ْو َذ ُ‬
‫قال ابن بطال‪« :‬ففيه دليل على أن التخلف عن الاماعة يف شدة المطر‬
‫والظلمة‪ ،‬والريح‪ ،‬وما أشبه ذلك مباح»(‪.)2‬‬
‫اس ﭭ َأ ان ُه َق َال ل ِ ُم َؤذنِ ِه فِي َي ْو ُم َمطِ ُير‪« :‬إِ َذا ُق ْل َت‪:‬‬ ‫ويف الصحيحين َع ْن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫الص َال ِة‪ُ ،‬ق ْل‪:‬‬ ‫َأ ْشهدُ َأ ْن َال إِ َله إِ اال اهلل‪َ ،‬أ ْشهدُ َأ ان محمدً ا رس ُ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ف َال َت ُق ْل‪َ :‬ح اي َع َلى ا‬ ‫ُ َ ا َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون مِ ْن َذا‪َ ،‬قدْ َف َع َل‬
‫ال‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ َت ْع َا ُب َ‬ ‫اس َتن َْك ُروا َذ َ‬ ‫ااس ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َِ ُّلوا في ُب ُيوت ُك ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َك َأ ان الن َ‬
‫َذا َم ْن ُه َو َخ ْي ٌر مِني‪ ،‬إِ ان ا ْل ُا ُم َع َة َع ْز َمةٌ‪َ ،‬وإِني ك َِر ْه ُت َأ ْن ُأ ْح ِر َج ُك ْم َفت َْم ُشوا فِي الط ِ‬
‫ين‬
‫ض»(‪.)3‬‬ ‫َوالدا ْح ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ فِي َس َف ُر‪َ ،‬ف ُمطِ ْرنَا‪،‬‬ ‫وروى مسلم َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال‪َ :‬خر ْجنَا م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫َف َق َال‪« :‬ل ِ ُي َصل َم ْن َشا َء مِنْ ُك ْم فِي َر ْحلِ ِه»(‪.)4‬‬
‫وكذلك الاليد إذا كان هنال مشقة بالخروج فيه‪ ،‬بل هو أولى من المطر‪.‬‬
‫َ َ َ ُ َ‬
‫باردة بِليلة مظلِمة)‪ :‬المذهب‪ :‬أن الريح الباردة إنما تكون عذر ًا إن‬ ‫وريح ِ‬ ‫( ِ‬
‫ات َم َط ُر فِي‬ ‫كانت يف الليل؛ لحديث ابن عمر ﭭ‪« :‬إِ َذا كَان َْت َل ْي َل ٌة َب ِ‬
‫ار َدةٌ‪َ ،‬أ ْو َذ ُ‬
‫الس َف ِر»‪.‬‬
‫ا‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)632‬ومسلم (‪ )621‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬شـرح ِحيح البخاري البن بطال (‪.)221/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)201‬ومسلم (‪ )622‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )626‬من حديث جابر ﭭ‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪546‬‬

‫هنارا‬
‫واألقرب‪ :‬عدم اشرتاأ الليل‪ ،‬فمتى وجدت المشقة هبا ولو كانت الريح ً‬
‫جاز الرتخص هبا‪ ،‬قال ابن حار‪« :‬ولم أر يف شـيء من األحاديث الرتخص بعذر‬
‫ِـريحا‪ ،‬لكن القياس يقتضـي إلحاقه»(‪ ،)1‬واختاره ابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫الريح يف النهار‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫خارجا‬
‫ً‬ ‫يل إمام)‪ :‬أي ومن األعذار أن يطول اإلما ُم يف الصالة تطويالً‬
‫ِ‬ ‫و‬‫ِ‬ ‫ط‬‫(أو ت‬
‫عن السنة يشق عليه متابعته‪ ،‬فيعذر برتل الاماعة؛ لقصة الرجل الذي ِلى مع‬
‫معاذ ﭬ‪ ،‬فلما قرأ البقرة انحرف فصلى وحده(‪ ،)3‬فلم يوبخه رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وإنما‬
‫َو اب َخ معا ًذا ﭬ على تطويله‪ ،‬فإذا لم ياد جماعة أخرى سقط عنه وجوب‬
‫الاماعة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو طرأت هذه األعذار أثناء الصالة‪ ،‬فله أن ينفرد عن اإلمام‪ ،‬ويكملها‬
‫ُ‬
‫معاذ ﭬ‪ ،‬إال إذا كان ال يستفيد من االنفراد شـي ًئا‪،‬‬ ‫منفر ًدا‪ ،‬كما يف قصة الرجل مع‬
‫مثل‪ :‬أن يكون اإلمام يف آخر الصالة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتح (‪.)134/2‬‬


‫(‪ )2‬الممتع (‪.)450/4‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)315‬‬

‫‪546‬‬
‫‪547‬‬ ‫باب صالة أهل األعذار‬

‫‪e‬‬ ‫ب صَالةِ أه ِل األعذَارِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫عقد هذا الباب لبيان كيفية ِالة أهل األعذار‪ ،‬وهنال أعذار يخفف عن‬
‫أِحاهبا يف الصالة‪ ،‬و ُيسقط عنهم بعض األركان والواجبات‪ ،‬وهذا من يسـر‬
‫الشـريعة‪ ،‬وهي ثالثة‪ :‬المرض‪ ،‬والسفر‪ ،‬والخوف‪ ،‬ولكل نو ُع أحكام تخصه‪ ،‬فأفرد‬
‫كل نوع بفصل مستقل‪.‬‬
‫وبدأ بعذر المرض‪ :‬وهو اعتالل الصحة وتغيرها‪ ،‬وب ّين حاالته مع الصالة‪.‬‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫ُ َ ِّ َ َ ُ َ َ ً‬ ‫َ َُ َ َ‬
‫يل المكتوبة قائ ِم َا‪ ،‬ولو مستنِدا‪ .‬فإن لم يست ِطع‬ ‫لزم الم ِريض‪ :‬أن يص‬ ‫قوهل‪( :‬ي‬
‫َ ُ ُ ُ ُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ََ‬
‫فقاعِدا‪ .‬فإن لم يست ِطع فعىل جنبِه‪ ،‬واأليمن أفضل‪ .‬ويومِئ بالرك ِ‬
‫وع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫ُّ ُ‬
‫وبالسجو ِد وَيعله أخفض‪ ،‬فإن عجز أومأ بطرف ِ ِه واستحَض ال ِفعل‬
‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫بقلبِ ِه‪ ،‬وكذا‪ :‬القول إن عج َز عنه بِلِسان ِ ِه‪.‬‬
‫َ َ َْ ُُ َ ً‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫وال تسقط‪ :‬ما دام عقله ثابِتا‪.‬‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ام أو القعو ِد يف أثنائ ِها‪ :‬انتقل إيل ِه‪.‬‬ ‫وم ْن ق َد َر ىلع ال ِقي ِ‬
‫َ َ َ ُ ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ََ ْ َُ َ ُ َ ً‬
‫اجلماعةِ‪ :‬خري)‪.‬‬ ‫ومن قد َر أن يقوم منف ِردا أو َيلِس يف‬
‫ُ َ ً‬ ‫ُ َ ِّ َ َ ُ َ َ ً‬ ‫َ َُ َ َ‬
‫يل المكتوبة قائ ِما‪ ،‬ولو مستنِدا)‪ :‬فإن قدر على القيام‬ ‫لزم الم ِريض‪ :‬أن يص‬ ‫(ي‬
‫من غير مشقة وجب عليه أن يصلي قائما؛ لعمومات النصوص‪ ،‬وهو داخل فيها‪،‬‬
‫مثل‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [البقرة‪.]236 :‬‬
‫الصال َِة‪،‬‬
‫اسـير‪َ ،‬ف َس َأ ْل ُت النابِ اي ﷺ َع ِن ا‬
‫ان ﭬ َق َال‪ :‬كَان َْت بِي َب َو ُ‬ ‫وحديث ِع ْم َر َ‬
‫ْب» [رواه‬‫اعدً ا‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َت ْستَطِ ْع َف َع َلى َجن ُ‬
‫َف َق َال‪ِ« :‬ل َقائِما‪َ ،‬فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫البخاري](‪.)1‬‬
‫ُ َ ً‬
‫المريض على القيا ِم متكئًا على عصا‪ ،‬أو مستند ًا على‬ ‫ُ‬ ‫(ولو مستنِدا)‪ :‬لو َق ِد َر‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)322‬‬

‫‪541‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪548‬‬

‫جدار من غير مشقة لزمه ذلك‪ ،‬ويقدمه على القعود؛ ألنه قادر على القيام من غير‬
‫ِ‬
‫ضـرر؛ لقول رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫ْت مِحص ُن ڤ‪َ « :‬أ ان رس َ ِ‬ ‫س بِن ِ‬ ‫وثبت عند أبي داود من حديث ُأم َق ْي ُ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫خ َذ َع ُمو ًدا فِي ُم َص اال ُه َي ْعت َِمدُ َع َل ْي ِه»(‪.)2‬‬ ‫َل اما َأ َس ان َو َح َم َل ال ال ْح َم ا ات َ‬
‫َ َ َ ْ ََ ً‬
‫(فإن لم يست ِطع فقاعِدا)‪ :‬إن شق عليه القيام وضـره ِلى قاعدً ا باإلجماع‪،‬‬
‫اعدً ا‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َت ْستَطِ ْع َف َع َلى‬‫كما نقله ابن قدامة(‪)3‬؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ‬
‫ْ ْ ْ‬
‫ب َف َر ًسا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْب»‪ ،‬ويف الصحيحين من حديث أنس ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬ ‫َجن ُ‬
‫ول اهلل ﷺ َرك َ‬
‫اعدٌ ‪َ ،‬ف َص ال ْينَا‬‫ات و ُهو َق ِ‬ ‫ح َش ِش ُّقه األَيمن‪َ ،‬فص الى ِالَ ًة مِن الص َلو ِ‬ ‫َفصـرع َعنْه َفا ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َْ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫َو َرا َء ُه ُق ُعو ًدا»(‪ ،)4‬وال يكلف اهلل نفسا إال وسعها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ولم يبين يف حديث عمران ِفة القعود‪ ،‬فدل على أنه كيفما قعد جاز‪،‬‬
‫سواء تربع‪ ،‬أو افرتش‪ ،‬أو اتكأ‪ ،‬أو احتبى‪.‬‬
‫واستحب الفقهاء أن يكون مرتب ًعا؛ لقول َعائِ َش َة ڤ‪َ « :‬ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ ُي َصلي‬
‫ُمت ََرب ًعا»(‪ ،)5‬فإن أمكنه هذا فهو أولى‪ ،‬وإن شق عليه فعل األيسـر يف حقه من التورل‪،‬‬
‫أو االفرتاش؛ لدخوله يف حديث‪َ « :‬فإِ ْن َلم َتستَطِع َف َق ِ‬
‫اعدً ا‪.»...‬‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫ويف حال القيام يضع يديه على ِدره‪ ،‬كحال القيام يف الصحة‪.‬‬
‫وعند الركوع ياعل يديه على ركبتيه ويحني ظهره‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)113‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)510/2‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬
‫(‪ )5‬رواه النسائي (‪ ،)1661‬وابن خزيمة (‪ ،)216‬وابن حبان (‪ )2512‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬وأعله النسائي‬
‫فقال‪« :‬ال أعلم أحدا روى هذا الحديث غير أبي داود وهو ثقة‪ ،‬وال أحسب هذا الحديث إال خطأ‪ ،‬واهلل‬
‫تعالى أعلم»‪ ،‬قال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)402/1‬وقد رواه ابن خزيمة‪ ،‬والبيهقي من طريق‬
‫محمد بن سعيد بن األِبهاين بمتابعة أبي داود‪ ،‬فظهر أنه ال خطأ فيه»‪ .‬وِححه األلباين يف ِفة الصالة‬
‫(‪.)106/1‬‬

‫‪546‬‬
‫‪549‬‬ ‫باب صالة أهل األعذار‬

‫والساود على األرض إن قدر عليه فهو الواجب‪ ،‬وإن لم يقدر حنى ظهره‪،‬‬
‫ِ‬
‫وجعل يديه على ركبتيه من باب‪َ « :‬وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم»‪ ،‬فإن لم‬
‫يقدر اكتفى باإليماء‪.‬‬
‫ْ َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫(فإن لم يست ِطع فعىل جنبِه)‪ :‬إن شق عليه الصالة قاعدً ا ِلى على جنبه‪.‬‬
‫أفض ُل)‪ :‬فاألفضل كونه على جنبه األيمن‪« :‬ألن النابِي ﷺ كان ُي ْع ِ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ا ُب ُه‬ ‫ا‬ ‫(واأليمن‬
‫ور ِه‪َ ،‬وفِي َش ْأن ِ ِه ُكل ِه» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫ال ات َي ُّم ُن‪ ،‬فِي َتنَ ُّعلِ ِه‪َ ،‬و َت َر ُّجلِ ِه‪َ ،‬و ُط ُه ِ‬
‫فإن شق عليه ِلى على شقه األيسـر‪ ،‬وجعل وجهه إلى جهة القبلة‪.‬‬
‫َ َ ُُ َ َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُ ُ ُّ ُ‬
‫بالرك ِ‬
‫وع وبالسجو ِد وَيعله أخفض)‪ :‬من ِلى مستلقيًا على ظهره‪،‬‬ ‫(ويومِئ‬
‫أو جنبه يومئ بالركوع والساود برأسه إلى جهة ِدره‪ ،‬وياعل الساود أخفض‬
‫من الركوع‪.‬‬
‫فإن لم يقدر على جنبه ِلى مستلق ًيا على ظهره ورجاله إلى القبلة‪ ،‬ويومئ‬
‫بالركوع والساود إلى جهة ِدره؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا مِنْ ُه َما‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم»‪.‬‬
‫ْ‬
‫َ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ْ َ َ‬
‫(فإن عجز أومأ بطرف ِ ِه واستحَض ال ِفعل بقلبِ ِه‪ ،‬وكذا‪ :‬القول إن عجز عنه‬
‫َ َ َْ ُُ َ ً‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫بِلِسان ِ ِه‪ .‬وال تسقط‪ :‬ما دام عقله ثابِتا)‪ :‬إن عاز عن الصالة على جنبه وظهره‪،‬‬
‫فهل يومئ بطرفه أو تسقط عنه الصالة؟‬
‫المذهب‪ :‬أنه يومئ بطرفه‪ ،‬وال تسقط عنه الصالة ما دام عقله ثابتًا‪ ،‬فتسقط عنه‬
‫األفعال دون األقوال‪ ،‬فياب أن يأيت بما يقدر عليه‪ ،‬وينوي الركوع والساود‪،‬‬
‫ويأيت بأذكار الركوع والساود يف مواضعها؛ لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾‬
‫ِ‬
‫[التغابن‪ ،]16 :‬ولقولـه ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم»‪ .‬وهذا أحوأ‬
‫للمسلم؛ لعمومات النصوص‪ ،‬وهو قول الامهور‪ :‬المالكية‪ ،‬والشافعية‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)166‬ومسلم (‪ )266‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪550‬‬

‫والحنابلة‪ ،‬ورجحه ابن باز‪ ،‬وابن عثيمين‪.‬‬


‫واختاره شـيخ اإلسالم أن الصالة تسقط عنه؛ ألن حديث عمران ﭬ لم يذكر‬
‫فيه إال األمور الثالثة‪ ،‬وهي‪ :‬القيام‪ ،‬أو الالوس‪ ،‬أو االضطااع‪ ،‬وأما مع عدمه فلم‬
‫يذكر اإليماء بالطرف‪ ،‬وقال‪« :‬وهذا القول أِح يف الدليل؛ ألن اإليماء بالعين‬
‫ليس من أعمال الصالة‪ ،‬وال يتميز فيه الركوع عن الساود‪ ،‬وال القيام عن القعود‪،‬‬
‫بل هو من نوع العبث الذي لم يشرعه اهلل تعالى‪ ،‬وأما اإليماء بالرأس‪ :‬فهو خفضه‪،‬‬
‫وهذا بعض ما أمر به المصلي‪ ،‬وقد قال النبي ﷺ يف الحديث المتفق على ِحته‪:‬‬
‫ِ‬
‫« َوإِ َذا َأ َم ْر ُت ُك ْم بِ َأ ْم ُر َف ْأ ُتوا منْ ُه َما ْ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم»‪ ،‬وهو ال يستطيع من الساود إال هذا‬
‫اإليماء‪ ،‬وأما تحريك العين فليس من الساود يف شيء»(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬وال يشـرع اإليماء باإلِبع‪ ،‬وال أِل له(‪.)2‬‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ َ‬
‫(ومن قد َر ىلع ال ِقيا ِم أو القعو ِد يف أثنائ ِها‪ :‬انتقل إيل ِه)‪ :‬إذا ِلى قاعد ًا وقدر‬
‫على القيام‪ ،‬أو ِلى على جنب وقدر على القعود أثناء الصالة‪ ،‬فإنه ينتقل إليه متى‬
‫زال عذره؛ ألن القيام فرض سقط بالعذر‪ ،‬ومتى زال العذر عاد وجوبه‪ ،‬ويف‬
‫َان ي ْقر ُأ َق ِ‬
‫اعدً ا‪َ ،‬حتاى إِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي ْرك ََع َقا َم‪،‬‬ ‫البخاري‪« :‬أن رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ لما َأ َس ان ك َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫َف َق َر َأ ن َْح ًوا مِ ْن َثالَثي َن آ َي ًة َأ ْو َأ ْر َبعي َن آ َي ًة ُث ام َرك ََع» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ُ ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ََ ْ َُ َ ُ َ ً‬
‫اجلماعةِ‪ :‬خري)‪ :‬أي خير بين الصالة‬ ‫(ومن قد َر أن يقوم منف ِردا أو َيلِس يف‬
‫قائما‪ ،‬وال حرج عليه؛ ألنه يفعل يف كل منهما‬ ‫مع الاماعة قاعد ًا‪ ،‬أو الصالة وحده ً‬
‫واج ًبا ويرتل واج ًبا‪.‬‬
‫قائما؛ ألن القيام ركن باالتفاق‪ ،‬بخالف ِالة الاماعة‬
‫وقيل‪ :‬يصلي منفر ًدا ً‬
‫ففيها خالف‪.‬‬

‫(‪ )1‬ماموع الفتاوى (‪ ،)13/23‬ماموع فتاوى ابن باز (‪ ،)243/12‬الممتع (‪.)332/4‬‬


‫(‪ )2‬الممتع (‪.)333/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )1116‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪550‬‬
‫‪551‬‬ ‫باب صالة أهل األعذار‬

‫وقيل‪ :‬يصلي مع الاماعة قاعدً ا أفضل إذا كان ال يشق عليه‪ ،‬وال يخرج من ذلك‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بأن رسول اهلل ﷺ ِلى قاعدً ا يف مرضه كما يف الصحيحين(‪،)1‬‬
‫ِ‬
‫الر ُج ُل ُي ْؤ َتى بِه ُي َها َدى َب ْي َن ا‬
‫الر ُج َل ْي ِن َحتاى ُي َقا َم‬ ‫َان ا‬‫وبقول ابن مسعود ﭬ‪َ « :‬و َل َقدْ ك َ‬
‫الصف» [رواه مسلم](‪ ،)2‬وألنه قد ينشط إذا رأى الاماعة‪ ،‬واختاره السعدي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫في ا‬
‫وشـيخنا ابن عثيمين(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُّ َ ه َ َ ْ َ َ ه َ‬
‫فس ِه‬
‫ووحل‪ .‬أو‪َ :‬ياف ىلع ن ِ‬ ‫حو مطر‪،‬‬ ‫بن‬ ‫حل ِة ل ِمن يتأذى‬ ‫قوهل‪( :‬وت ِصح‪ :‬ىلع الرا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ ْ‬ ‫َِ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫وهل‪ .‬وعلي ِه‪ :‬االستِقبال‪ ،‬وما يق ِدر علي ِه‪ .‬ويومِئ‪ :‬من بالماءِ‬ ‫مِن ن ُز ِ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ي)‪.‬‬‫ِ‬ ‫والط‬
‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُّ َ ه َ َ ْ َ ه َ‬
‫فس ِه مِن‬ ‫ووحل‪ .‬أو‪َ :‬ياف ىلع ن ِ‬ ‫حل ِة ل ِمن يتأذى بنح ِو مطر‪،‬‬ ‫(وت ِصح‪ :‬ىلع الرا ِ‬
‫ُ‬
‫وهل)‪ِ :‬الة الفريضة ال تاوز على الراحلة‪ ،‬ومثلها السـيارة؛ ألنه ال يقدر على‬ ‫ن ُز ِ‬
‫الركوع والساود الصحيح‪ ،‬إال إذا كان يف مكان ال يقدر على النزول إلى األرض‪،‬‬
‫كأن يخاف على نفسه من إدرال العدو له‪ ،‬أو كانت األرض فيها طين ووحل جاز‬
‫له أن يصلي على الراحلة؛ لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬
‫وروى الرتمذي عن َي ْع َلى ْب ِن ُم ار َة ﭬ‪َ « :‬أ ان ُه ْم كَانُوا َم َع النابِي ﷺ فِي َس َف ُر‪،‬‬
‫الس َما ُء مِ ْن َف ْوقِ ِه ْم‪َ ،‬والبِ ال ُة مِ ْن َأ ْس َف َل‬ ‫ِ‬
‫الص َال ُة‪َ ،‬ف ُمط ُروا‪ ،‬ا‬
‫ِ‬
‫ضـيق‪َ ،‬ف َحضـرت ا‬ ‫َفا ْن َت َه ْوا إِ َلى َم ُ‬
‫اح َلتِ ِه‪َ ،‬ف َص الى بِ ِه ْم‬ ‫ول اهللِ ﷺ و ُهو َع َلى ر ِ‬
‫اح َلتِ ِه‪ ،‬و َأ َقام‪َ ،‬فتَ َقدا م َع َلى ر ِ‬ ‫مِنْ ُه ْم‪َ ،‬ف َأ اذ َن َر ُس ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُاو َد َأ ْخ َف َض م َن ُّ‬
‫الر ُكو ِع»(‪.)4‬‬ ‫ُيوم ُئ إِ َ‬
‫يما ًء‪َ :‬ي ْا َع ُل ُّ‬
‫اء َوطِ ُ‬ ‫ك ﭬ‪َ « :‬أ انه ِ الى فِي م ُ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫قال الرتمذي‪« :‬وك ََذل َك ُر ِو َي َع ْن َأن ِ ْ َ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)461‬‬
‫(‪ )3‬الممتع (‪.)334/4‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)411‬وأحمد (‪ ،)11513‬والبيهقي (‪ )12/2‬من حديث يعلى بن مرة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫«هذا حديث غريب؛ تفرد به عمر بن الرماح البلخي ال يعرف إال من حديثه‪ ،‬وقد روى عنه غير واحد من‬
‫أهل العلم»‪ ،‬وقال البيهقي‪« :‬ويف إسناده ضعف»‪ ،‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)561‬‬

‫‪551‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪552‬‬

‫اق»‪.‬‬ ‫الع ْل ِم‪َ ،‬وبِ ِه َي ُق ُ‬


‫ول َأ ْح َمدُ ‪َ ،‬وإِ ْس َح ُ‬ ‫َع َلى دابتِ ِه»‪ ،‬قال‪ :‬والعم ُل َع َلى َه َذا ِعنْدَ َأ ْه ِل ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ا‬
‫مسألة‪ :‬وأما ِالة النافلة على الراحلة‪.‬‬
‫فإن كان يف السفر‪ :‬جاز باإلجماع‪ ،‬كما نقله العراقي‪ ،‬والنووي‪ ،‬وابن حار(‪،)1‬‬
‫ول اهللِ ﷺ كان يصلي َع َلى ر ِ‬
‫اح َلتِ ِه‪َ ،‬ح ْي ُث َت َو اج َه ْت(‪ ،)2‬واألحاديث تدل على‬ ‫ور ُس ُ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِالة الرسول ﷺ النافلة على الراحلة يف السفر‪.‬‬
‫وإن كان يف الحضـر‪ :‬فمذهب األئمة األربعة أنه ال ياوز أن يصلي النافلة على‬
‫الراحلة يف الحضـر؛ ألن األِل عدم الاواز‪ ،‬وإنما نقل عن رسول اهلل ﷺ التنفل‬
‫يف السفر‪ ،‬كما يف حديث عامر بن ربيعة وابن عمر ﭭ وغيرهما‪ ،‬وأما يف الحضـر‬
‫فلم يفعله‪ ،‬فيقتصـر على ما جاء به النص‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وِالة الفريضة يف السفن‪ ،‬ونحوها‪:‬‬
‫إن كان المكان معد ًا للصالة يمكنه اإلتيان بأركانه وشـروطها ِح‪.‬‬
‫وإن لم يكن مهيئًا كالسـيارة‪ ،‬فينتظر حتى ينزل‪ ،‬إال إن خشـي فوات وقتها‪،‬‬
‫وكانت ال تامع مع ما بعدها‪ ،‬فيصليها على حسب حاله‪ ،‬ويأيت بما يقدر عليه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ ُ َ ْ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ي)‪ :‬إذا ِلى‬ ‫ِ‬ ‫والط‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫بالم‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫ِئ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫وي‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫عل‬ ‫ر‬‫د‬‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫وما‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬ ‫قب‬‫ِ‬ ‫ت‬‫االس‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫(وعل‬
‫الفريضة على الراحلة لعذر‪ ،‬فيأيت ببقية الواجبات والفروض‪ ،‬كاستقبال القبلة‪،‬‬
‫والركوع‪ ،‬والساود‪ ،‬فإذا لم يقدر عليها كاملة أتى ببعضها‪ ،‬ويسقط عنه اآلخر‬
‫للعذر؛ لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ ُ َ ْ َ‬
‫(ويومِئ‪ :‬من بالماءِ والط ِ‬
‫ي)‪ :‬إذا كان يف األرض طين‪ ،‬وماء‪ ،‬ووحل جاز له أن‬
‫يصلي قائمًا‪ ،‬أو على راحلته ويومئ بالساود؛ لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ﴾ [التغابن‪ ،]16 :‬ولحديث َي ْع َلى ْب ِن ُم ار َة السابق‪.‬‬

‫(‪ )1‬شـرح مسلم للنووي (‪.)210/5‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬

‫‪552‬‬
‫‪553‬‬ ‫فصل يف صالة املسافر‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْ ٌل يف صَال ِة ا ُملسَافِرِ‬


‫‪F‬‬
‫ذكر ِالة المسافر وأحكامها من القصـر والامع وما يتبعها‪.‬‬
‫وقصـر الصالة الرباعية يف السفر مشـروع باإلجماع‪ ،‬وقد دل عليه‪:‬‬
‫قولـه تعالى‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾‬
‫[النساء‪.]101:‬‬
‫والسنة متواترة يف قصـره ﷺ يف السفر‪ ،‬ففي الصحيحين عن ابن عمر ﭭ قال‪:‬‬
‫اهلل‪َ ،‬و َِ ِح ْب ُت‬ ‫ِ‬ ‫«ِ ِحبت رس َ ِ‬
‫الس َف ِر‪َ ،‬ف َل ْم َي ِز ْد َع َلى َر ْك َع َت ْي ِن َحتاى َق َب َض ُه ُ‬
‫ول اهلل ﷺ في ا‬ ‫َ ْ ُ َ ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َِ ِح ْب ُت ُع َم َر‪َ ،‬ف َل ْم َي ِز ْد َع َلى َر ْك َع َت ْي ِن‬
‫َأ َبا َب ْك ُر‪َ ،‬ف َل ْم َي ِز ْد َع َلى َر ْك َع َت ْي ِن َحتاى َق َب َض ُه ُ‬
‫اهلل»‪َ ،‬و َقدْ َق َال‬ ‫اهلل‪ُ ،‬ث ام َِ ِح ْب ُت ُع ْث َم َ‬
‫ان‪َ ،‬ف َل ْم َي ِز ْد َع َلى َر ْك َع َت ْي ِن َحتاى َق َب َض ُه ُ‬ ‫َحتاى َق َب َض ُه ُ‬
‫اهلل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫اب‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫وروى مسلم عن َي ْع َلى ْب ِن ُأ َم اي َة ﭬ َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ل ِ ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ اط ِ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ َف َقدْ َأمِ َن‬
‫ول اهللِ ﷺ َع ْن َذل ِ َك‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ااس‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ع ِا ْب ُت مِ اما َع ِا ْب ُت مِنْ ُه‪َ ،‬ف َس َأ ْل ُت َر ُس َ‬ ‫الن ُ‬
‫اهلل بِ َها َع َل ْي ُك ْم‪َ ،‬فا ْق َب ُلوا َِدَ َق َت ُه»(‪.)2‬‬
‫« َِدَ َق ٌة َت َصدا َق ُ‬
‫ٍّ‬
‫َُ ً َ َ َُه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ه‬ ‫ُ َ ْ ُ ه‬
‫الرباعِيةِ‪ :‬أفضل ل ِمن ن َوى سف ًرا‪ ،‬مباحا‪ ،‬لمحل معي‪،‬‬ ‫َص الصالة ِ‬ ‫قوهل‪( :‬ق‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُُ هَ َ َ َ َْ َ ً‬
‫ري‬
‫ان َ يف َزمن معت ِدل بِس ِ‬ ‫قاصد ِ‬ ‫ان ِ‬ ‫ويه‪ :‬يوم ِ‬ ‫يبلغ ِستة عَش فرسخا‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األقد ِام‪ .‬إذا َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫فارق بيوت قريتِ ِه العام َِرة)‪.‬‬ ‫يب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ ،‬ودب‬ ‫َ األثق ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُّ ه‬ ‫ْ ُ ه‬
‫الرباعِيةِ‪ :‬أفضل)‪ :‬ب ّين أن القصـر يف السفر أفضل من اإلتمام‪،‬‬ ‫َص الصالة ِ‬ ‫(ق‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1102‬ومسلم (‪ )662‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )666‬من حديث عمر بن الخطاب ﭬ‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪554‬‬

‫وهذا مذهب جماهير العلماء‪ ،‬ألن القصـر سنة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلم يثبت عنه‬
‫اإلتمام يف السفر‪ ،‬وكذا خلفاؤه الراشدون‪ ،‬وقد قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ع َل ْي ُك ْم بِ ُسناتِي‬
‫اج ِذ»(‪.)1‬‬ ‫اش ِدي َن‪َ ،‬تمس ُكوا بِ َها‪َ ،‬و َع ُّضوا َع َل ْي َها بِالن َاو ِ‬ ‫وسن ِاة ا ْل ُ ِ‬
‫اء ا ْلمه ِديين الر ِ‬
‫َ ا‬ ‫خ َل َف َ ْ َ ا‬ ‫َ ُ‬
‫ب َأ ْن ُت ْؤ َتى ُر َخ ُص ُه‪ ،‬ك ََما َي ْك َر ُه َأ ْن ُت ْؤ َتى‬ ‫ِ‬
‫وألنه رخصة من اهلل ‪« :‬واهلل ُيح ُّ‬
‫َم ْعصـي ُت ُه»(‪ ،)2‬فهو سنة مؤكدة‪ ،‬ومن أتم ِحت ِالته لكنه خالف السنة‪ ،‬ونص‬
‫طائفة على كراهة اإلتمام‪ ،‬كما هو رواية عن اإلمام مالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬واختاره شـيخ‬
‫اإلسالم(‪.)3‬‬
‫ومما يشهد لاواز اإلتمام يف السفر‪:‬‬
‫أن األئمة األربعة نصوا على أن المسافر إذا ائتم بمقيم لزمه اإلتمام‪ ،‬ولو كان‬
‫الواجب ركعتين لما جازت الزيادة‪.‬‬
‫وأن عائشة ڤ كانت تتم يف السفر بعد موت رسول اهلل ﷺ(‪.)4‬‬
‫وكذا عثمان ﭬ أتم بمنى‪ ،‬وتابعه الصحابة‪ ،‬كما رواه مسلم(‪ ،)5‬إال أن متابعة‬
‫رسول اهلل ﷺ يف فعله هو األكمل‪.‬‬
‫ثم ب اين شروأ السفر الذي يقصـر فيه‪ ،‬والمذهب أنه البد من ثالثة شروأ‪:‬‬
‫َُ ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫األول‪( :‬ل ِمن ن َوى سف ًرا‪ ،‬مباحا)‪ :‬فسفر المعصـية ال يرتخص فيه برخص‬
‫السفر‪ ،‬وهذا مذهب جمهور العلماء؛ ألن الرخص تسهيل على المكلف‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)4601‬والرتمذي (‪ ،)2616‬وابن ماجه (‪ ،)42‬وأحمد (‪ ،)11144‬وابن حبان (‪ )5‬من‬
‫حديث العرباض بن سارية ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد (‪ ،)5666‬وابن خزيمة (‪ ،)250‬وابن حبان (‪ ،)2142‬والبيهقي يف السنن (‪ )200/3‬من‬
‫حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬قال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)122/2‬رواه البيهقي بإسناد جيد»‪ ،‬وِححه‬
‫األلباين يف اإلرواء (‪.)564‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪.)2/24‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪.)665‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )624‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫‪555‬‬ ‫فصل يف صالة املسافر‬

‫والعاِـي بسفره ال يستحق التسهيل‪ ،‬ولذا قال تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬


‫ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [البقرة‪.]113 :‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم‪ :‬أن هذا ال يشرتأ‪ ،‬فله القصـر يف السفر المحرم؛ ألن‬
‫القصـر منوأ بالسفر إلطالق النصوص‪ ،‬كما يف حديث َعائِ َش َة ڤ َقا َل ْت‪:‬‬
‫الس َف ِر‪َ ،‬و ِزيدَ فِي‬
‫ت َِ َال ُة ا‬ ‫الس َف ِر‪َ ،‬ف ُأقِ ار ْ‬ ‫ِ‬
‫الص َال ُة َر ْك َع َت ْي ِن َر ْك َع َت ْي ِن في ا ْل َحضـر َو ا‬
‫ِ‬
‫« ُف ِر َضت ا‬
‫الص َال َة َع َلى‬
‫اهلل ا‬ ‫اس ﭭ َق َال‪َ « :‬ف َر َض ُ‬ ‫وع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬‫َِ َال ِة ا ْل َحضـر» [رواه مسلم](‪َ ،)1‬‬
‫ف َر ْك َع ًة» [رواه مسلم](‪.)2‬‬ ‫ان َنبِي ُكم فِي ا ْلحضـر َأربعا‪ ،‬وفِي الس َف ِر ر ْكع َتي ِن‪ ،‬وفِي ا ْل َخو ِ‬ ‫لِس ِ‬
‫ْ‬ ‫ا َ َ ْ َ‬ ‫ًَْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقال‪« :‬وهذا القول هو الصحيح؛ فإن الكتاب والسنة قد أطلقا السفر ولم ينقل‬
‫سفرا من سفر مع علمه بأن السفر يكون حرا ًما‬
‫قط أحد عن النبي ﷺ أنه خص ً‬
‫ومباحا‪ ،‬ولو كان هذا مما يختص بنوع من السفر لكان بيان هذا من الواجبات‪ ،‬ولو‬
‫ً‬
‫بين ذلك لنقلته األمة‪ ،‬وما علمت عن الصحابة يف ذلك شيئا»‬
‫(‪)3‬‬

‫َ َ ٍّ ُ َ ه‬
‫الثاين‪( :‬لمحل معي)‪ :‬فلو لم يقصد مكانًا معينًا لم يقصـر على المذهب فال‬
‫ُ‬
‫وسائح‪ ،‬ال يقصد مكانًا معينًا ‪-‬أي أنه ال بد أن يقصد جهة‬ ‫قصر لِهائِ ُم‪ ،‬وتائِ ُه‪،‬‬
‫َ‬
‫معينة‪.-‬‬
‫مسافرا‪ ،‬فله‬
‫ً‬ ‫وقيل‪ :‬إن بلغ مسافة َق ْص ُر َق َص َر‪ ،‬وكذا سائح وتائه فما دام أنه خرج‬
‫القصـر‪ ،‬ولو لم يحدد المكان‪ ،‬وهذا له وجاهته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُُ هَ َ َ َ َْ َ ً‬
‫ري‬
‫ِ ِ‬‫س‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫عت‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ز‬ ‫يف‬ ‫ان‬‫د‬
‫ِ ِ ِ‬‫قاص‬ ‫ان‬ ‫وم‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫ويه‬
‫ِ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫خ‬ ‫الثالث‪( :‬بلغ ِستة عَش فرس‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫يب األقد ِام) أن يبلغ المسافة المحددة‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ود‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬
‫األث ِ‬
‫ق‬
‫الامهور قالوا‪ :‬السفر الذي يقصـر فيه محدد بمسافة‪ ،‬وهذا مذهب المالكية‪،‬‬
‫والشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬والمذهب حدها بأربعة برد‪ ،‬والربيد مسـيرة نصف يوم‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )665‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )661‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪ .)102/24‬المغني (‪ ،)115/3‬الممتع (‪.)350/4‬‬

‫‪555‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪556‬‬

‫ميال‪ ،‬وبالكيلوات قريب من ثمانين كيلو‪،‬‬ ‫ثمان وأربعين ً‬ ‫ُ‬ ‫واألربعة ُب ُرد قريب من‬
‫اس ﭫ‬ ‫َان ا ْب ُن ُع َم َر‪َ ،‬وا ْب ُن َع اب ُ‬
‫ورجحه ابن باز(‪ .)1‬ودليلهم‪ :‬ما يف البخاري‪َ « :‬وك َ‬
‫ان فِي َأ ْر َب َع ِة ُب ُر ُد‪َ ،‬و ِه َي ِس ات َة َعشـر َف ْر َس ًخا»(‪.)2‬‬
‫صـران‪ ،‬وي ْفطِر ِ‬
‫َُ َ‬
‫ِ‬ ‫َي ْق‬
‫القول الثاين‪ :‬أن السفر ال يحدد بمسافة‪ ،‬وإنما يرجع إلى العرف‪ ،‬فما تعارف‬
‫الناس أنه سفر فله القصـر فيه‪ ،‬ولو كان أقل من ثمانين كيلو‪ ،‬وما لم يتعارفوا على‬
‫أنه سفر لم يقصـر ولو كان أكثر‪ ،‬وهذا اختيار ابن قدامة‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وابن تيمية‪،‬‬
‫وابن القيم‪ ،‬والسعدي‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين(‪ ،)3‬وهذا أقوى‪ ،‬واهلل أعلم؛ ألن‬
‫النصوص مطلقة يف السفر‪ ،‬وما روي من التحديد ليس من باب التقييد‪ ،‬وإنما هو‬
‫حكاية حال‪.‬‬
‫سـير َة َث َال َث ِة‬ ‫َان رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َخ َر َج َم َ‬ ‫وروى مسلم عن أنس ﭬ قال‪« :‬ك َ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫طويال‬‫ً‬ ‫َأ ْم َيال‪َ ،‬أ ْو َث َال َثة َف َراس َخ َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن» ‪ ،‬وهذا يحتمل أنه كان إذا سافر ً‬
‫سفرا‬ ‫(‪)4‬‬

‫ِ‬
‫المسافة‬ ‫يقصـر إذا بلغ ثالثة أميال‪ ،‬فيكون معناه الشـروع يف القصـر بعد تااوز هذه‬
‫سفرا‬
‫وهو األولى‪ ،‬ويحتمل أنه إذا قصد هذا القدر من المسافة قصـر ولو لم يكن ً‬
‫طويال‪ ،‬كما اختاره الصنعاين‪.‬‬
‫ً‬
‫سفر أم ال؟‬
‫لكن لو اضطرب العرف ولم يعلم هل هذا ٌ‬
‫رجع إلى قول الامهور يف تحديد المسافة؛ ألنه أضبط‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ُُ َ َ َ‬
‫فارق بيوت قريتِ ِه العام َِرة)‪ :‬المسافر ال يرتخص برخص السفر حتى‬ ‫(إذا‬
‫يفارق بنيان بلده‪ ،‬وهذا مذهب األئمة األربعة‪ ،‬وهو قول علي ﭬ‪ ،‬ورواية عن ابن‬
‫عمر ﭭ‪ ،‬ويدل له‪:‬‬
‫(‪ )1‬المغني (‪.)115/3‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري معلقا‪ -‬كتاب أبواب تقصـير الصالة ‪ /‬باب يف كم يقصـر الصالة‪ .‬ووِله‪ :‬البيهقي يف السنن‬
‫(‪.)126/3‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)106/3‬ماموع الفتاوى (‪.)36/24‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )621‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪556‬‬
‫‪557‬‬ ‫فصل يف صالة املسافر‬

‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾‬


‫مسافرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫[النساء‪ ،]101:‬فأباح القصـر لمن ضـرب يف األرض‪ ،‬وقبل المفارقة ال يكون‬
‫وال ضار ًبا يف األرض‪.‬‬
‫َس ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ َِ الى ال ُّظ ْه َر بِا ْل َم ِدين َِة َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬و َِ الى‬ ‫ويف الصحيحين َع ْن َأن ُ‬
‫الح َل ْي َف ِة َر ْك َع َت ْي ِن» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ال َعصـر بِذي ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا َخر َج مسـير َة َث َال َث ِة َأم َي ُ‬
‫ال‪َ ،‬أ ْو َث َال َث ِة‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫وحديث أنس ﭬ‪« :‬ك َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫اس َخ َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن»‪.‬‬ ‫َفر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ب النابِي ﷺ في‬ ‫ِ‬
‫اري َِاح ِ‬ ‫ِ‬
‫وحديث عبيد ْب ِن َج ْب ُر َق َال‪ُ « :‬كن ُْت َم َع َأبِي َبصـر َة ا ْلغ َف ِ‬
‫وت َحتاى َد َعا‬ ‫او ِز ا ْل ُب ُي َ‬‫ان‪َ ،‬ف ُرفِ َع ُث ام ُقر َب َغدَ ا ُه‪َ ،‬ف َل ْم ُي َا ِ‬‫اأ فِي َر َم َض َ‬ ‫س ِفين َُة مِن ا ْل ُفس َط ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ب َع ْن سن ِاة رس ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫وت‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ َت ْر َغ ُ‬
‫ت‪َ :‬أ َل ْس َت َت َرى ا ْل ُب ُي َ‬‫الس ْف َر ِة‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْقت َِر ْب‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫بِ ُّ‬
‫ﷺ َف َأك ََل»(‪.)2‬‬
‫النبي ﷺ قصـر يف شـيء من أسفاره إال بعد خروجه‬
‫أعلم ا‬‫قال ابن المنذر‪« :‬وال ُ‬
‫عن المدينة‪ ،‬فال يقصـر إال بعد مفارقة البنيان حتى ولو كان قري ًبا غير بعيد»‪ ،‬واختار‬
‫هذا ابن قدامة‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين(‪ ،)3‬والعربة بمفارقة البيوت العامرة المسكونة‪،‬‬
‫وأما ما اتصل هبا من مزارع أو بيوت خربة فال عربة هبا‪ ،‬والمراد المفارقة البدنية ال‬
‫البصـرية‪ ،‬فلو فارقها وتعداها ببدنه فله الرتخص‪ ،‬ولو كان يرى أطرافها كما يف‬
‫حديث أبي بصـرة ﭬ‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ َ َ َ ُه َ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ال المساف ِة)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وال يعيد‪ :‬من قَص‪ ،‬ثم رجع قبل استِكم ِ‬
‫لو قصـر يف الطريق بعد خروجه من بلده ثم بدا له الرجوع‪ ،‬فصالته األولى‬
‫ِحيحة؛ ألن نيته األولى ِحيحة‪ ،‬وما ترتب على المأذون غير مضمون‪ ،‬وقد‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1541‬ومسلم (‪ )620‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)2412‬وأحمد (‪ ،)21232‬وابن خزيمة (‪.)2040‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)112/3‬الممتع (‪.)362/4‬‬

‫‪551‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪558‬‬

‫ُ‬
‫واحدة مرتين‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِالة‬ ‫فعل ما يلزمه يف وقته‪ ،‬ولم يأمره اهلل بفعل‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إن َد َخل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُُ َ ُ ه‬ ‫ُ‬
‫َض‪ .‬أو صىل خلف من‬ ‫احل‬ ‫يف‬ ‫و‬ ‫وه‬ ‫ها‬ ‫قت‬ ‫و‬ ‫ِ‪:‬‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫الص‬ ‫ام‬ ‫إتم‬ ‫ه‬ ‫م‬‫لز‬ ‫وي‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ‬ ‫َ ً ُِ َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الق ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫اإلحر ِام‪ .‬أو ن َوى إقامة مطلقة َ‪ .‬أو أكرث مِن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َص عِند‬ ‫نو‬
‫ِ‬ ‫يتِ ُّم‪ .‬أو لم ي‬
‫ه‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ه ْ‬ ‫ََ ه‬
‫ِض إال بعد األربعةِ‪ .‬أو أخ َر‬ ‫نق ِ َ‬ ‫حلاجة وظن أن ال ت‬ ‫أربع ِة أيام‪ .‬أو أقام ِ‬
‫َ ُْ َ َ‬ ‫ُ ْ َ ه‬ ‫ه َ‬
‫الصالة بِال عذر حَت ضاق َوقتها عنها)‪.‬‬
‫َ َ ُُ َ ُ ه‬
‫لزمه إتمام الصالة ِ) فيها‪:‬‬ ‫ذكر خمس حاالت (ي‬
‫الح ْظر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬
‫َض)‪ :‬ثم سافر‪ ،‬فيتم تغليبًا لاانب َ‬ ‫األولى‪( :‬إن دخل وقتها وهو يف احل ِ‬
‫واحتياطًا للصالة‪.‬‬
‫وقيل وله وجاهته يصليها قصـرا؛ ألن العربة بوقت فعل الصالة‪ ،‬وهو قول أكثر‬
‫العلماء‪ ،‬ورجحه شيخنا ابن عثيمين(‪.)1‬‬
‫َ ه َ َْ َ ْ ُ‬
‫الثانية‪( :‬أو صىل خلف من يتِ ُّم)‪ :‬فيلزمه اإلتمام‪ ،‬وبه قال جمهور العلماء‪:‬‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه»(‪ ،)2‬ولمسلم‬
‫الحنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫َ‬
‫أن ا ْب َن ُعمر ﭭ‪« :‬كان إِ َذا َِ الى م َع ْ ِ‬
‫اإل َما ِم َِ الى َأ ْربَ ًعا‪َ ،‬وإِ َذا َِ اال َها َو ْحدَ ُه َِ الى‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫َر ْك َع َت ْي ِن»(‪.)3‬‬
‫ولعموم قوله ﷺ‪َ « :‬ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلوا‪َ ،‬و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا» [متفق عليه](‪.)4‬‬
‫والمذهب‪ ،‬وهو قول أكثر العلماء‪ :‬أنه يلزمه اإلتمام‪ ،‬ولو لم يدرل مع اإلمام‬
‫اإل َما ُم ل ِ ُي ْؤ َت ام بِ ِه‪َ ،‬فالَ‬
‫ركعة؛ ألنه دخل معه يف الصالة؛ لعموم قوله ﷺ‪« :‬إِناما ُج ِع َل ِ‬
‫َ‬
‫َت ْختَلِ ُفوا َع َل ْي ِه» [متفق عليه](‪.)5‬‬
‫اس ﭭ كان بِ َم اكةَ‪َ ،‬فقيل له‪« :‬إِناا إِ َذا ُكناا َم َع ُك ْم َِ ال ْينَا‬
‫وروى أحمد أن ا ْب َن َع اب ُ‬

‫(‪ )1‬الممتع (‪.)361/4‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)323‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )624‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)426‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)411‬‬

‫‪556‬‬
‫‪559‬‬ ‫فصل يف صالة املسافر‬

‫اس ِم ﷺ»(‪.)1‬‬ ‫َأربعا‪ ،‬وإِ َذا رجعنَا إ ِ َلى ِرحالِنَا ِ الينَا ر ْكع َتي ِن‪َ .‬ق َال‪ :‬تِ ْل َك سنا ُة َأبِي ا ْل َق ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ًَْ َ َ َ ْ‬
‫ومن السلف من قال‪ :‬إِ ْن َأ ْد َر َل َم َع ُه َر ْك َع ًة َأ َت ام‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْد َر َل َم َع ُه َأ َقل مِ ْن َر ْك َع ُة‬
‫الز ْه ِري‪َ ،‬والن َاخ ِعي‪َ ،‬و َقتَا َدةَ‪ ،‬واألول أرجح(‪.)2‬‬ ‫َقصـر‪ ،‬وهو قول ا ْل َح َس ِن‪َ ،‬و ُّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اإلحر ِام)‪ :‬فالمذهب أنه يلزمه إتمام الصالة‪.‬‬ ‫َص عِند‬ ‫نو الق‬‫الثالثة‪( :‬أو لم ي ِ‬
‫واألظهر‪ :‬أنه يصليها قصـرا؛ ألن األِل القصـر‪ ،‬فكما أن المقيم ال تلزمه نية‬
‫اإلتمام‪ ،‬فالمسافر كذلك ال تلزمه نية القصـر من أولها‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪،‬‬
‫وأبي حنيفة‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين‪ ،‬ولم ينقل أن رسول اهلل‬
‫ﷺ كان يأمر أِحابه بنية القصـر عند االفتتاح‪.‬‬
‫َ ً ُ ََ ً‬ ‫َ‬
‫الرابعة‪( :‬أو ن َوى إقامة مطلقة)‪ :‬غير مقيدة بزمن‪ ،‬وال ينتقل منها إال لسبب‬
‫عارض‪ ،‬فحكمه حكم المقيم‪ ،‬و ُن ِق َل االتفاق عليه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ه ْ َ َ‬
‫نق ِ َ‬ ‫ََ ه‬ ‫الخامسة‪( :‬أو َ َ‬
‫ِض إال بعد‬ ‫أكرث مِن أربع ِة أيام‪ .‬أو أقام ِحلاجة وظن أن ال ت‬
‫َ ََ‬
‫األربع ِة)‪ :‬فالمذهب أنه يتم وإن كانت أقل قصـر‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬إن نوى اإلقامة أربعة أيام أتم‪ ،‬وأما دوهنا فله القصـر‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬ورواية عن أحمد‪.‬‬
‫اجر بِم اك َة بعدَ َق َض ِ‬
‫اء ُن ُسكِ ِه َث َال ًثا»‬ ‫ِ‬
‫[رواه‬ ‫يم ا ْل ُم َه ِ ُ َ َ ْ‬
‫بدليل قول رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬يق ُ‬
‫مسلم](‪ ،)3‬فدل على أن الثالث يف حكم السفر‪.‬‬
‫فالامهور قالوا بالتحديد‪ ،‬وأكثرهم حددها بأربعة أيام‪ ،‬واختار هذا ابن باز؛‬
‫ألن األربعة إقامة النبي ﷺ يف حاة الوداع‪ ،‬وما زاد عليها مختلف فيه‪ ،‬وألن يف‬
‫التحديد ضب ًطا للناس‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬باآلثار التي تحدد إقامة رسول اهلل ﷺ كما ِلى يف تبول‪ ،‬ونحوها‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أحمد (‪ ،)1662‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)511‬‬


‫(‪ )2‬المغني البن قدامة (‪ ،)264/2‬الموسوعة الفقهية الكويتية (‪.)261/21‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )1352‬من حديث العالء بن الحضـرمي ﭬ‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪560‬‬

‫القول الثالث وهو األقرب‪ :‬أن المدة ال تحدد بزمن‪ ،‬وإنما يرجع إلى حاله‪ ،‬فما‬
‫دام لم ُي ْا ِم ِع اإلقامة‪ ،‬ويريد الرجوع إلى بلده بعد قضاء حاجته‪ ،‬فله الرتخص حتى‬
‫ولو نوى أكثر من أربعة أيام‪.‬‬
‫ومن األدلة على ذلك‪ :‬عموم نصوص القصـر يف السفر‪ ،‬ولم تحده بأيام‪ ،‬بل‬
‫اس ﭭ َق َال‪:‬‬ ‫ثبت أنه ﷺ قصـر يف مدة أطول من أربعة‪ ،‬ففي البخاري َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ﭭ‪:‬‬ ‫« َأ َق ْمنَا َم َع النابِي ﷺ في َس َف ُر ت ْس َع َعشـر َة َن ْقصـر ا‬
‫الصالَ َة»‪َ ،‬و َق َال ا ْب ُن َع اب ُ‬
‫« َون َْح ُن َن ْقصـر َما َب ْينَنَا َو َب ْي َن تِ ْس َع َعشـرةَ‪َ ،‬فإِ َذا ِز ْدنَا َأ ْت َم ْمنَا»(‪ ،)1‬ولم يقل لألمة ال‬
‫يقصـر الرجل إذا أقام أكثر من ذلك‪ ،‬وإنما اتفقت إقامته هذه المدة‪.‬‬
‫ويف هذا دليل على أنه ياوز لإلنسان القصـر‪ ،‬وإن أقام أكثر من أربعة أيام ما دام‬
‫لم ينو االستيطان واإلقامة‪.‬‬
‫مسافرا‪ ،‬أو باقيًا يف‬
‫ً‬ ‫وهذا الراجح‪ :‬أنه ال يحدد‪ ،‬وإنما يضبط بضابط‪ :‬فإن كان‬
‫بلد ولم ينو االستيطان‪ ،‬ويصدق عليه أنه على سفر‪ ،‬فإنه يقصـر ولو كانت المدة‬
‫أكثر من أربعة أيام‪ ،‬واختار هذا القول شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪.‬‬
‫وأما من أقام يف بلد مدة طويلة ولم ينو االستيطان‪ ،‬كحال الطلبة الذين يتغربون‬
‫للدراسة سنوات يف بلد آخر‪ ،‬فاألحوأ يف حقهم أن يتموا وإن لم يامعوا اإلقامة‪:‬‬
‫خروجا من خالف أهل العلم واحتياطًا للصالة‪.‬‬
‫ً‬
‫وهؤالء ال يصدق عليهم أهنم مسافرون‪ ،‬أو على سفر‪ ،‬وإنما مستوطنون‪.‬‬
‫وإذا أتموا ِحت ِالهتم عند الاميع‪ ،‬وأما إن قصـروا فصالهتم غير تامة‬
‫على مذهب جماهير العلماء(‪.)2‬‬
‫َ ُْ َ َ‬ ‫ُ ْ َ ه‬ ‫ه َ‬ ‫ه‬
‫السادسة‪( :‬أو أخ َر الصالة بِال عذر حَت ضاق َوقتها عنها)‪ :‬فالمذهب يرون‬
‫أنه يتم الصالة وتكون قضاء‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )4222‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪ ،)16/24‬فقه السنة (‪ ،)146/2‬الممتع (‪.)312/4‬‬

‫‪560‬‬
‫‪561‬‬ ‫فصل يف صالة املسافر‬

‫واألقرب‪ :‬أنه يصليها قصـرا؛ ألن تأخيرها ال يمنع القصـر‪.‬‬


‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ه‬ ‫َْ ُ ُ ْ َ َ َ َ‬
‫دري مَت‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫ع‬ ‫أرب‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫اإلقام‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ن‬ ‫ال‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫اج‬ ‫قوهل‪( :‬ويقَص‪ :‬إن أقام ِحل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ ُ ًْ‬ ‫َ َ‬
‫تنق ِِض‪ ،‬أو حبِس ظلما‪ ،‬أو بمطر‪ ،‬ولو أقام ِسنِي)‪.‬‬
‫لغرض معين غير محدد بزمن ولم ينو اإلقامة فوق أربعة أيام‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أي من أقام ُ‬
‫ببلد‬
‫وإنما ارتبط بحاجته متى انتهت خرج‪ ،‬فقد تنتهي بيوم أو أكثر‪ ،‬وال يدري كم يبقى‪،‬‬
‫إجماعا‪ ،‬وعليه يحمل‬
‫ً‬ ‫فله القصـر ولو طالت المدة‪ ،‬وحكاه ابن المنذر‪ ،‬وابن القيم‬
‫ما روي من اآلثار عن الصحابة‪« :‬حين أقاموا برام هرمز سبعة أشهر يقصـرون‬
‫الصالة»‪.‬‬
‫ف َت َرى؟‬
‫ان‪َ ،‬ف َك ْي َ‬ ‫ام بِا ْل َغ ْز ِو بِ ُخ َر َ‬
‫اس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ﭭ‪« :‬إِناا ُنط ُيل ا ْلق َي َ‬ ‫ولما قيل ِال ْب ِن َع اب ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ين»(‪.)1‬‬‫َف َق َال‪َِ « :‬ل َر ْك َع َت ْي ِن َوإِ ْن َأ َق ْم َت َعشـر سن َ‬
‫فيتلخص أن المسافر ال يخلو من حاالت ثالث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن ينوي اإلقامة يف ُ‬
‫بلد إقامة مطلقة‪ ،‬فحكمه حكم المقيم باالتفاق‪.‬‬
‫ُ‬
‫لغرض معين غير محدد بزمن‪ ،‬وال يدري كم‬ ‫الثانية‪ :‬أن ينوي اإلقامة يف ُ‬
‫بلد‬
‫إجماعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يبقى‪ ،‬فله القصـر ولو طالت المدة‪ ،‬وحكاه ابن المنذر وابن القيم‬
‫لغرض معين‪ ،‬وزمن محدد معلوم‪ ،‬فاختلف‬ ‫ُ‬ ‫الثالثة‪ :‬أن ينوي اإلقامة يف ُ‬
‫بلد‬
‫العلماء هل يحدد بأيام‪ ،‬أو يضبط؟ وتقدم بيانه‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)201/2‬‬

‫‪561‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪562‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ يف اجلَمْعِ‬


‫‪F‬‬
‫عقده لبيان أحكام جمع الصالة‪ ،‬متى ياوز ومتى يمنع‪ ،‬وما يتعلق به من‬
‫مسائل‪.‬‬
‫واألِل يف الصلوات أن تؤدى يف وقتها الذي فرضه اهلل‪ ،‬وال ياوز تقديمها أو‬
‫تأخيرها عنه‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾‬
‫فرضا مؤقتًا‪ ،‬لكن مِن تيسـير الشـريعة أهنا راعت بعض الحاالت‬
‫[النساء‪ ،]103:‬أي ً‬
‫الحرج يف متابعة الوقت‪ ،‬فأباحت له الامع بين الصالتين‬
‫ُ‬ ‫المسلم فيها‬
‫َ‬ ‫التي يلحق‬
‫تيسـيرا للعباد‪ ،‬وإزالة للضـرر عند حصول األعذار‪.‬‬
‫ً‬ ‫يف وقت إحداهما؛‬
‫والامع مشـروع عند حصول سببه‪ ،‬كما دلت على ذلك السنة‪ ،‬كحديث ابن‬
‫اء»‬‫ب وا ْل ِع َش ِ‬
‫السـير َج َم َع َب ْي َن ا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬
‫ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان إِ َذا َجدا بِ ِه‬ ‫عمر ﭭ قال‪« :‬إِ ان َر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َس ﭬ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ‪« :‬إِ َذا َعا َل َع َل ْيه ا‬
‫الس َف ُر‪ُ ،‬ي َؤخ ُر ال ُّظ ْه َر‬ ‫[متفق عليه](‪ .)1‬وحديث َأن ُ‬
‫ت ا ْل َعصـر‪َ ،‬فيَ ْا َم ُع َب ْينَ ُه َما‪َ ،‬و ُي َؤخ ُر ا ْل َم ْغ ِر َب َحتاى َي ْا َم َع َب ْينَ َها َو َبيْ َن‬ ‫إِ َلى َأو ِل و ْق ِ‬
‫ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الش َف ُق» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫يب ا‬ ‫ا ْلع َشاء‪ ،‬حي َن َيغ ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر‪،‬‬ ‫اس ﭭ َق َال‪َ « :‬ج َم َع َر ُس ُ‬ ‫وحديث ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ف‪َ ،‬و َال َم َط ُر» َق َال ابن جبير‪َ :‬ف ُق ْل ُت ِال ْب ِن‬ ‫اء بِا ْلم ِدين َِة‪ ،‬فِي َغي ِر َخو ُ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ب وا ْل ِع َش ِ‬
‫َوا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬
‫ح ِر َج ُأ ام َت ُه» [رواه مسلم‪ ،‬وأِله متفق‬
‫ِ‬
‫اس‪َ :‬ما َح َم َل ُه َع َلى َذل َك‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ َرا َد َأ ْن َال ُي ْ‬ ‫َع اب ُ‬
‫عليه](‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1605‬ومسلم (‪ )103‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1111‬ومسلم (‪ )104‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )105‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫‪563‬‬ ‫فصل يف اجلمع‬

‫ول اهللِ ﷺ فِي َغ ْز َو ِة َت ُب َ‬


‫ول‪،‬‬ ‫اذ ﭬ َق َال‪َ « :‬خر ْجنَا م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫وروى مسلم َعن مع ُ‬
‫ْ َُ‬
‫ان ُي َصلي ال ُّظ ْه َر َوا ْل َعصـر َج ِمي ًعا‪َ ،‬وا ْل َم ْغ ِر َب َوا ْل ِع َشا َء َج ِمي ًعا»(‪.)1‬‬
‫َف َك َ‬
‫َ‬ ‫والع َْص‪ ،‬وال ِع َش َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ُّ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ُ َ َ‬
‫قت‬
‫ين‪ ،‬بِو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اء‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫الظ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫اجل‬ ‫‪:‬‬ ‫َص‬
‫ِ‬ ‫الق‬ ‫ر‬
‫قوهل‪( :‬ي ُباح بس ِ‬
‫ف‬
‫َ‬
‫إحداهما)‪.‬‬
‫فكل سفر يشرع فيه القصر يباح فيه الامع بين العشائين وبين الظهرين سائر ًا أم‬
‫ناز ً‬
‫ال‪.‬‬
‫والامع بين الصالتين قسمان‪ :‬جمع يف السفر‪ ،‬وجمع يف الحضـر‪ ،‬وذكر هنا أن‬
‫الامع يف السفر مشـروع‪ ،‬وال يختص بعرفة ومزدلفة‪ ،‬وبه قال جماهير العلماء‪،‬‬
‫واألدلة متكاثرة على أن رسول اهلل ﷺ جمع يف سائر أسفاره‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ول اهلل ﷺ يامع بين ِالَةِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫اس ﭭ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫ما يف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫َ ْ َ ُ َْ َ َ‬
‫الع َش ِ‬
‫بو ِ‬ ‫ال ُّظ ْه ِر َوال َعصـر‪ ،‬إِ َذا ك َ‬
‫اء»(‪.)2‬‬ ‫الم ْغ ِر ِ َ‬ ‫َان َع َلى َظ ْه ِر ُ‬
‫سـير‪َ ،‬و َي ْا َم ُع َب ْي َن َ‬
‫السـير َج َم َع‬
‫ُ‬ ‫ول اهللِ ك َ‬
‫َان إِ َذا َجدا بِ ِه‬ ‫وحديث ابن عمر ﭭ يف الصحيحين‪« :‬إِ ان َر ُس َ‬
‫ب وا ْل ِع َش ِ‬
‫اء»‪.‬‬ ‫َب ْي َن ا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬
‫مسألة‪ :‬والامع رخصة للمسافر إن شاء أخذ هبا‪ ،‬وإن شاء ترل‪ ،‬واألفضل‬
‫متابعة رسول اهلل ﷺ يف هديه‪:‬‬
‫فإن كان جا ًدا يف السـير وماشـيا يف سفره‪ ،‬فيامع بين الصالتين حتى ال يقطع‬
‫السـير َج َم َع َب ْي َن‬
‫ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا َجدا بِ ِه‬
‫سـير ُه كثرة النزول والتوقف‪« ،‬فقد كان َر ُس ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ب َوا ْل ِع َشاء»‪.‬‬
‫ا ْل َم ْغ ِر ِ‬
‫وأما إن كان ً‬
‫نازال‪ ،‬فالسنة يف حقه أن يصلي كل ِالة يف وقتها‪ ،‬كما فعل رسول‬
‫اهلل ﷺ يف منى فإنه كان يقصـر وال يامع(‪ ،)3‬ولو جمع وهو نازل فاألقرب جواز‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )106‬من حديث معاذ ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1101‬ومسلم (‪ )105‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1062‬ومسلم (‪ )624‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪563‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪564‬‬

‫ذلك‪ ،‬وهذا قول عطاء‪ ،‬وجمهور أهل المدينة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وابن المنذر‪،‬‬
‫ورجحه ابن باز‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ فِي‬
‫اذ ﭬ َق َال‪َ « :‬خر ْجنَا م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫والدليل‪ :‬ما رواه اإلمام مسلم َعن مع ُ‬
‫ْ َُ‬
‫ان ُي َصلي ال ُّظ ْه َر َوا ْل َعصـر َج ِمي ًعا‪َ ،‬وا ْل َم ْغ ِر َب َوا ْل ِع َشا َء َج ِمي ًعا»‪.‬‬ ‫َغ ْز َو ِة َت ُب َ‬
‫ول‪َ ،‬ف َك َ‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬ويف هذا الحديث أوضح الدالئل‪ ،‬وأقوى الحاج يف الرد على‬
‫من قال‪ :‬ال يامع بين الصالتين إال إذا جد به السير؛ ألنه كان يامع وهو نازل غير‬
‫سائر‪ ،‬ماكث يف خبائه‪ ،‬يخرج فيصلي الصالتين جميعا‪ ،‬ثم ينصرف إلى خبائه‪،‬‬
‫واألخذ هبذا الحديث متعين؛ لثبوته‪ ،‬وكونه ِريحا يف الحكم‪ ،‬وال معارض له‪،‬‬
‫وألن الامع رخصة من رخص السفر‪ ،‬فلم يختص بحالة السير‪ ،‬كالقصر والمسح‪،‬‬
‫ولكن األفضل التأخير؛ ألنه أخذ باالحتياأ‪ ،‬وخروج من خالف القائلين بالامع‪،‬‬
‫وعمل باألحاديث كلها»(‪.)1‬‬
‫لم َش هق ِة َك َ‬
‫رثة ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ه ٌ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويـباح‪ :‬ل ِمقيم م ِريض‪ ،‬يلحقه بَِّتك ِ ِه مشقة‪ .‬و‪ :‬ل ِم ْر ِضع‬
‫ُ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه َ َ ُ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬
‫ارة ِ ل ُِك صالة‪ .‬و‪ :‬ل ِعذر‪ ،‬أو شغل‪ ،‬يبيح ترك‬ ‫جز عن الطه‬ ‫انلجاسةِ‪ .‬و‪ :‬ل ِعا ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُُ َ‬
‫واجلماع ِة)‪.‬‬ ‫اجلمع ِة‬
‫هذا القسم الثاين‪ :‬وهو الامع يف الحضـر واألِل يف ِالة الحضـر وجوب‬
‫أدائها يف وقتها المحدد إال أنه يباح الامع يف الحضـر عند حصول أعذار‪:‬‬
‫َ َ ه ٌ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫األول‪( :‬ل ِمقيم م ِريض‪ ،‬يلحقه بَِّتك ِ ِه مشقة)‪ :‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪،‬‬
‫وأحمد؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر‪،‬‬ ‫اس ﭭ َق َال‪َ « :‬ج َم َع َر ُس ُ‬ ‫ولحديث ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ف‪َ ،‬و َال َم َط ُر» َق َال َس ِعيد بن جبير‪َ « :‬ف ُق ْل ُت‬ ‫اء بِا ْلم ِدين َِة‪ ،‬فِي َغي ِر َخو ُ‬ ‫ب وا ْل ِع َش ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬
‫اس‪َ :‬ما َح َم َل ُه َع َلى َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ َرا َد َأ ْن َال ُي ْح ِر َج ُأ ام َت ُه»‪.‬‬ ‫ِال ْب ِن َع اب ُ‬
‫وثبت أن رسول اهلل ﷺ‪ :‬أمر سهلة بن سهيل وحمنة بنت جحش لما‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)202/2‬‬

‫‪564‬‬
‫‪565‬‬ ‫فصل يف اجلمع‬

‫استحيضتا بتأخير الظهر وتعايل العصـر‪ ،‬ويامع بينهما بغسل واحد‪ ،‬فقال‪ْ « :‬‬
‫فإن‬
‫يت َع َلى َأ ْن ُت َؤخ ِري ال ُّظ ْه َر َو ُت َعالِي ال َعصـر‪ُ ،‬ث ام َت ْغت َِسلِي َن ِحي َن َت ْط ُه ِري َن‪َ ،‬و ُت َصلي َن‬‫َق ِو ِ‬
‫الع َشا َء‪ُ ،‬ث ام َت ْغت َِسلِي َن‪،‬‬
‫ال ُّظهر والعصـر ج ِميعا‪ُ ،‬ثم ُت َؤخ ِرين الم ْغ ِرب و ُتعالِين ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ا‬ ‫َ ً‬ ‫َْ َ َ‬
‫الص َال َت ْي ِن‪َ ،‬فا ْف َعلِي»(‪.)2()1‬‬ ‫ِ‬
‫َو َت ْا َمعي َن َب ْي َن ا‬
‫مسألة‪ :‬وضابط المرض المبيح للامع‪ :‬هو ما يلحقه برتل الامع مشقة‪ ،‬قيل‬
‫ألبي عبداهلل‪« :‬المريض يامع بين الصالتين؟ فقال‪ :‬إين ألرجو له ذلك‪ ،‬إذا ضعف‬
‫وكان ال يقدر إال على ذلك»(‪.)3‬‬
‫رثة ِ انلهجاس ِة)‪ :‬قال شـيخ اإلسالم‪َ « :‬و َي ُا ُ‬
‫وز ل ِ ْل ُم ْر ِض ِع‬
‫َ‬ ‫لم َش هق ِة َك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الثاين‪( :‬ول ِم ْر ِضع‬
‫َص َع َل ْي ِه َأ ْح َمدُ ‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬
‫ب في ُكل َِ َالة‪ ،‬ن ا‬
‫َان ي ُش ُّق َع َليها َغس ُل ال اثو ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َأ ْن َت ْا َم َع إ َذا ك َ َ‬
‫ب وا ْل ِع َش ِ‬
‫اء بِا ْل َم ِدين َِة‪ ،‬فِي َغ ْي ِر‬ ‫«جمع رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر‪َ ،‬وا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬
‫اس‪َ :‬ما َح َم َل ُه َع َلى َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ف‪َ ،‬و َال َم َط ُر» َق َال َس ِعيد بن جبير‪َ :‬ف ُق ْل ُت ِال ْب ِن َع اب ُ‬ ‫َخو ُ‬
‫ْ‬
‫َأ َرا َد َأ ْن َال ُي ْح ِر َج ُأ ام َت ُه»(‪.)4‬‬
‫ه َ َ ُ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ارة ِ ل ُِك صالة)‪ :‬كالمستحاضة ومن به سلس‪ ،‬أو‬ ‫جز عن الطه‬ ‫الثالث‪( :‬ول ِعا ِ‬
‫جرح ال يرقأ دمه‪ ،‬أو رعاف دائم ونحوه‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬فاألحاديث كلها تدل على أنه جمع يف الوقت الواحد‬
‫لرفع الحرج عن أمته‪ ،‬فيباح الامع إذا كان يف تركه حرج قد رفعه اهلل عن األمة‪،‬‬
‫وذلك يدل على الامع للمرض الذي يحرج ِاحبه بتفريق الصالة بطريق األولى‬
‫واألحرى ويامع من ال يمكنه إكمال الطهارة يف الوقتين إال بحرج كالمستحاضة‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)126‬وأبو داود (‪ ،)261‬وأحمد (‪ )21414‬من حديث حمنة بنت جحش ڤ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح‪ ،‬وسألت محمد ًا عن هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬هو حديث حسن‪ .‬وهكذا‬
‫قال أحمد بن حنبل‪ :‬هو حديث حسن ِحيح»‪ .‬وانظر‪ :‬العلل البن أبي حاتم (‪ ،)564/1‬اإلرواء (‪.)166‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)135/3‬فقه السنة (‪ ،)221/1‬الممتع (‪.)554/4‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)135/3‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى الكربى (‪.)31/2‬‬

‫‪565‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪566‬‬

‫وأمثال ذلك من الصور»(‪.)1‬‬


‫وقال أيضًا‪« :‬ويامع للمرض كما جاءت بذلك السنة يف جمع المستحاضة‪،‬‬
‫فإن النبي ﷺ أمرها بالامع يف حديثين»(‪.)2‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ ْ ُ ُ َ َ ُُ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫واجلماع ِة)‪ :‬قال شـيخ اإلسالم‪:‬‬ ‫اجلمع ِة‬ ‫الرابع‪( :‬ول ِعذر‪ ،‬أو شغل‪ ،‬يبيح ترك‬
‫«وأوسع المذاهب يف الامع مذهب أحمد‪ ،‬فإنه جوز الامع إذا كان له شغل‪،‬‬
‫وأول القاضي وغيره نص أحمد على أن المراد بالشغل الذي يبيح ترل الامعة‬
‫والاماعة»‪ ،‬ثم نقل تعداد األعذار‪ ،...‬وقال‪« :‬فإنه يبيح لهم الامع بين الصالتين‬
‫على ما قاله اإلمام أحمد والقاضي أبو يعلى»(‪.)3‬‬
‫َ ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ َ ه َْ َْ ٌ‬ ‫مج ِع ال ِع َش َ‬‫َ ْ َ ُّ َ َ َ ْ‬
‫ين‪ ،‬ولو صىل بِبيتِ ِه‪ :‬ثلج‪ .‬و‪ :‬جلِيد‪ .‬و‪َ :‬وحل‪.‬‬ ‫اء‬ ‫قوهل‪( :‬وَيتص ِِبواز‬
‫َ َ ٌ َ ُ ِ ُّ ِّ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ َ ه ٌ‬ ‫ٌ َ ٌَ ِ ٌ‬
‫باردة‪ .‬و‪ :‬مطر يبل اثلياب‪ ،‬وتوجد معه مشقة)‪.‬‬ ‫و‪ِ :‬ريِح ش ِديدة ِ‬
‫المذهب‪ :‬أن الامع للمطر والريح الشديدة الباردة والثلج والوحل خاص‬
‫وز ا ْل َا ْم ُع َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر فيه؛ ألَ ان ا ْل َم َش اق َة فِي‬ ‫ال َي ُا ُ‬ ‫بالمغرب والعشاء‪ ،‬و َ‬
‫العشاءين َأ َشدُّ أل ِ َْجل ال ُّظ ْل َم ِة‪ ،‬وألن اآلثار يف الامع كانت بين العشائين‪.‬‬
‫وز ا ْل َا ْم ُع َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر ك ََذل ِ َك‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام‬ ‫والراجح‪َ :‬أ ان ُه َي ُا ُ‬
‫أحمد ومذهب الشافعي‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬واختاره ابن باز‪ ،‬وابن عثيمين؛ لِح ِد ِ‬
‫يث ا ْب ِن‬ ‫َ‬
‫ب وا ْل ِع َش ِ‬ ‫اس ﭭ َق َال‪« :‬جمع رس ُ ِ‬
‫اء‬ ‫ول اهلل ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر‪َ ،‬وا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫َع اب ُ‬
‫اس‪َ :‬ما‬ ‫ف‪َ ،‬و َال َم َط ُر»‪َ .‬ق َال َس ِعيد بن جبير‪َ « :‬ف ُق ْل ُت ِال ْب ِن َع اب ُ‬ ‫بِا ْلم ِدين َِة‪ ،‬فِي َغي ِر َخو ُ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َح َم َل ُه َع َلى َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ َرا َد َأ ْن َال ُي ْح ِر َج ُأ ام َت ُه» [رواه مسلم‪ ،‬وأِله متفق عليه]‪.‬‬
‫َان َذل ِ َك فِي ال ال ْيل َأ ْم فِي الن َاه ِ‬
‫ار‪.‬‬ ‫وس َوا ٌء ك َ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْلع ال ُة‪ُ :‬و ُجو ُد ا ْل َم َط ِر‪َ ،‬‬
‫وقد « َج َم َع ُع َم ُر َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر فِي َي ْو ُم َمطِ ُير»(‪ ،)4‬فإذا وجد مطر يلحقهم‬
‫(‪ )1‬ماموع الفتاوى (‪.)63/24‬‬
‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪.)26/24‬‬
‫(‪ )3‬ماموع الفتاوى (‪ ،)456/21‬االختيارات الفقهية (ص‪.)435‬‬
‫(‪ )4‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪.)4440‬‬

‫‪566‬‬
‫‪567‬‬ ‫فصل يف اجلمع‬

‫معه مشقة جاز الامع بين الظهرين‪ ،‬والحكم يدور مع العلة وجو ًدا وعد ًما(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ َ ٌَ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ٌَْ‬
‫باردة)‪ :‬الامع بسبب‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫يد‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ح‬‫ي‬
‫ِِ‬ ‫ر‬ ‫و‪:‬‬ ‫‪.‬‬‫ل‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫و‪:‬‬ ‫‪.‬‬‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫و‪:‬‬ ‫‪.‬‬‫ج‬ ‫الخامس‪( :‬ثل‬
‫الز َل ُق والطين‪ ،‬فإذا تأثرت األسواق بالمطر‪ ،‬وشق على الناس المشـي‬ ‫الوحل وهو َ‬
‫فيها جاز الامع يف المساد؛ ألن المشقة تلحق فيه‪ ،‬ويتأذى الناس به يف ثياهبم‬
‫وأقدامهم‪ ،‬وقد يتعرض اإلنسان للزلق فيؤذي نفسه‪ ،‬ويقذر ثيابه‪ ،‬وهذا أعظم من‬
‫المطر يف العذر برتل الامعة والاماعة‪ ،‬فدل على‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الوحل‬ ‫البلل‪ ،‬وقد ساوى‬
‫تساويهما يف المشقة المرعية يف الحكم‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪ ،‬والحنابلة‪،‬‬
‫ورجحه ابن قدامة(‪.)2‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان َي ْأ ُم ُر ا ْل ُم َؤذ َن إِ َذا كَان َْت‬ ‫ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‪ :‬ا‬
‫أن َر ُس َ‬
‫ول‪َ « :‬أ َال َِ ُّلوا فِي ِر َحال ِ ُك ْم»‪ ،‬ولمسلم‪« :‬إين‬ ‫الس َف ِر َأ ْن َي ُق َ‬ ‫ِ‬
‫ات َم َط ُر في ا‬ ‫َل ْي َل ٌة َب ِ‬
‫ار َدةٌ‪َ ،‬أ ْو َذ ُ‬
‫الز َل ِل»(‪.)3‬‬
‫ض َو ا‬ ‫ك َِر ْه ُت َأ ْن َت ْم ُشوا فِي الدا ْح ِ‬
‫وقرر شـيخ اإلسالم أن الامع ألجل الوحل الشديد أو الريح الشديدة الباردة‬
‫ال جائز يف أِح قولي العلماء‪ ،‬كما هو‬‫يف الليلة المظلمة وإن لم يكن المطر ناز ً‬
‫مذهب اإلمام مالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬قال‪« :‬وذلك أولى من أن يصلوا يف بيوهتم»(‪.)4‬‬
‫َ َ َ ُ ُّ ِّ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ َ ه ٌ‬
‫السادس‪( :‬و‪ :‬مط ٌر يبل اثلياب‪ ،‬وتوجد معه مشقة)‪ :‬الامع بسبب المطر‬
‫وهذا جائز‪ ،‬وبه قال جماهير العلماء‪ ،‬كمالك والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪،‬‬
‫والوحل‪ ،‬والريح الشديدة‬
‫َ‬ ‫واألوزاعي‪ ،‬والفقهاء السبعة‪ ،‬ويلحق به الثلج والاليد‬
‫الباردة‪.‬‬
‫ول اهللِ‬ ‫ويدل لمشـروعيته‪ :‬ما يف الصحيحين عن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫اس ﭭ َق َال‪َ « :‬ج َم َع َر ُس ُ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)132/2‬الروض (‪ ،)313/13‬الممتع (‪.)556/4‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)133/3‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)545‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى (‪.)22/24‬‬

‫‪561‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪568‬‬

‫ب وا ْل ِع َش ِ‬
‫اء بِا ْلم ِدين َِة‪ ،‬فِي َغي ِر َخو ُ‬
‫ف‪َ ،‬و َال َم َط ُر»‪.‬‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر‪َ ،‬وا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬
‫قال سعيد بن جبير‪« :‬فقلت البن عباس‪ :‬ما حمله على ذلك‪ ،‬قال‪ :‬أراد أن ال‬
‫يحرج أمته»‪.‬‬
‫وثبت أن ابن عباس وابن عمر ﭫ كانا يامعان بسبب المطر‪ ،‬وكان األمراء‬
‫إذا جمعوا بين الصالتين؛ المغرب والعشاء يف المطر جمع ابن عمر معهم(‪.)1‬‬
‫وعن هشام بن عروة أن أباه عروة‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬وأبي بكر بن‬
‫عبدالرحمن بن الحارث بن هشام‪ :‬كانوا يامعون بين المغرب والعشاء يف الليلة‬
‫المطيرة إذا جمعوا بين الصالتين‪ ،‬وال ينكرون ذلك(‪.)2‬‬
‫فالامع بين المغرب والعشاء لعذر المطر جماهير العلماء على جوازه؛‬
‫لحديث ابن عباس ﭭ‪ ،‬واآلثار عن الصحابة والتابعين من غير نكير‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬فهذه االثار تدل على أن الامع للمطر من األمر القديم‬
‫المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين مع أنه لم ينقل أن أحدً ا من الصحابة‬
‫ٌ‬
‫منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك‪.)3(»...‬‬ ‫والتابعين أنكر ذلك‪ ،‬فعلم أنه‬
‫وقال أيضًا‪« :‬الصالة جم ًعا يف المساجد أولى من الصالة يف البيوت مفرق ًة‬
‫ُ‬
‫كمالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد»(‪.)4‬‬ ‫باتفاق األئمة الذين ياوزون الامع‪:‬‬
‫وضابط المطر الذي يامع فيه‪ :‬ما يحصل معه مشقة من الخروج‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬هو ما يبل الثياب‪ ،‬وتلحق المشقة بالخروج فيه‪ ،‬وأما ال اطل‬
‫والمطر الخفيف فالامع ال ياوز فيه‪ ،‬والثلج كالمطر يف جواز الامع»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه مالك يف الموطأ (‪ ،)362‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)4436‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪،)44/2‬‬
‫والبيهقي يف السنن (‪.)232/3‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف السنن (‪ ،)240/3‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)44/2‬‬
‫(‪ )3‬ماموع الفتاوى (‪.)63/24‬‬
‫(‪ )4‬ماموع الفتاوى (‪.)30/24‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪.)132/2‬‬

‫‪566‬‬
‫‪569‬‬ ‫فصل يف اجلمع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ ُْ َ َ‬
‫ريه ِ)‪.‬‬
‫خ ِ‬‫مع‪ ،‬أو تأ ِ‬
‫قوهل‪( :‬واألفضل‪ :‬ف ِعل األرف ِق‪ ،‬مِن تق ِدي ِ ِم اجل ِ‬
‫ياوز جمع التقديم والتأخير‪.‬‬
‫والقاعدة يف الامع‪ :‬أن يراعي حاجته‪ ،‬واألرفق به من التقديم أو التأخير‪،‬‬
‫وليس أحدهما بأولى من اآلخر‪ ،‬وإنما يرجع إلى الحاجة والمصلحة‪َ ،‬ف َقدْ َي ُك ُ‬
‫ون‬
‫اء‪ ،‬و ُهو َظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ُج ْم ُه ِ‬
‫اه ُر‬ ‫ور ا ْل ُع َل َم َ َ‬ ‫ون َه َذا َأ ْف َض َل‪َ ،‬و َه َذا َم ْذ َه ُ‬
‫َه َذا َأ ْف َض َل‪َ ،‬و َقدْ َي ُك ُ‬
‫ص َعنْ ُه َو َغ ْي ِر ِه‪ ،‬كما قرره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وعليه فما ثبت عن‬ ‫ب َأ ْح َمد ا ْل َمن ُْصو ِ‬
‫َم ْذ َه ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ فالسنة متابعته‪ ،‬كالامع يف عرفة فالسنة جمع التقديم‪ ،‬ويف مزدلفة‬
‫السنة جمع التأخير‪ ،‬وما لم يثبت فيه شـيء مقيد‪ ،‬فيفعل األيسـر واألرفق يف حقه‬
‫َان إِ َذا ْار َت َح َل َق ْب َل َأ ْن َت ِز َ‬
‫يغ‬ ‫وحق الاماعة‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ يراعي هذا‪ ،‬فقد‪« :‬ك َ‬
‫الشمس َأ اخر ال ُّظهر إ ِ َلى و ْق ِ‬
‫ت ال َعصـر‪ُ ،‬ث ام َي ْا َم ُع َب ْينَ ُه َما‪َ ،‬وإِ َذا َزا َغ ْت َِ الى ال ُّظ ْه َر ُث ام‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ا ْ ُ‬
‫ب»(‪ .)1‬وبنحوه عن معاذ ﭬ عند أبي داود(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َرك َ‬
‫مسألة‪ :‬هل الامع يف الحضـر مختص هبذه األعذار‪ ،‬أم أنه مضبوأ بالحاجة‬
‫والمشقة‪ ،‬ولو من غيرها؟ هذا موطن نزاع‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أن الامع جائز عند الحاجة إذا لم يتخذ عادة‪ ،‬واختاره ابن المنذر‪،‬‬
‫وشـيخ اإلسالم‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َب ْي َن ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َعصـر‪،‬‬
‫اس ﭭ َق َال‪َ « :‬ج َم َع َر ُس ُ‬ ‫ويدل له‪ :‬حديث ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ف‪َ ،‬و َال َم َط ُر»‪َ .‬ق َال َس ِعيد بن جبير‪َ « :‬ف ُق ْل ُت‬ ‫ب وا ْل ِع َش ِ‬
‫اء بِا ْلم ِدين َِة‪ ،‬فِي َغي ِر َخو ُ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْل َم ْغ ِر ِ َ‬
‫اس‪َ :‬ما َح َم َل ُه َع َلى َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ َرا َد َأ ْن َال ُي ْح ِر َج ُأ ام َت ُه»‪ ،‬وهذه قاعدة عامة‬ ‫ِال ْب ِن َع اب ُ‬
‫عند حصولها ياوز الامع‪ ،‬وهذا يدل على أن أسباب الامع مضبوطة وليست‬
‫معدودة محدودة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1111‬ومسلم (‪ )104‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1220‬والرتمذي (‪ ،)553‬وأحمد (‪ )22024‬من حديث معاذ ﭬ‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪570‬‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ه ُ ُ َ‬
‫ِند َ‬ ‫لص هح ِة َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َََ َ ً‬ ‫ُ‬
‫إحر ِام األوىل‪ .‬وأن‬ ‫مع‪ :‬ن ِـيـتـه ع‬‫اجل ِ‬ ‫اشَّتط ِ‬ ‫ا‬ ‫يم‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ع‬‫مج‬ ‫فإن‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َُ َ َ ََُ َ‬
‫حو ناف ِلة‪ ،‬بل‪ :‬بِقد ِر إقامة‪ ،‬ووضوء خ ِفيف‪ .‬وأن يوجد‬ ‫ِ‬ ‫ال يف ِّرق بينهما بِن‬
‫ََ ِ ه َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫اغ اثلانِي ِة)‪.‬‬‫ح ِهما‪ .‬وأن يست ِم هر إىل فر‬ ‫العذ ُر عِند افتِتا ِ‬
‫المذهب‪ :‬أنه يشرتأ لامع التقديم مراعاة أربعة أمور‪:‬‬
‫ُ َ‬ ‫ِند َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ ُ‬
‫إحر ِام األوىل)‪ :‬أن ينوي الامع عند تكبيرة اإلحرام‬ ‫األول‪( :‬ن ِـيـتـه ع‬
‫لألولى‪ ،‬مثل الظهر يامع معها العصـر‪ ،‬والمغرب يامع معها العشاء‪.‬‬
‫ويف هذا نظر‪ ،‬واألظهر أنه ال يشرتأ ذلك‪ ،‬لكن ينوي الامع عند إحرام الثانية؛‬
‫ألن رسول اهلل ﷺ لم يرد أنه أمر الصحابة به‪ ،‬ولو كان واج ًبا ألمرهم بالنية قبل‬
‫الصالة‪ ،‬وإنما يشرتأ وجود سبب الامع عند الامع‪ ،‬ونسبه شـيخ اإلسالم‬
‫للامهور‪ ،‬واختاره هو وابن عثيمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِّ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫حو ناف ِلة‪ ،‬بل‪ :‬بِقد ِر إقامة‪ ،‬ووضوء خ ِفيف)‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ه‬‫ين‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫وأن‬‫الثاين‪( :‬‬
‫فتشرتأ المواالة بين األولى والثانية‪ ،‬وأن ال يفرق بينهما بفاِل طويل‪ ،‬فإن أطال‬
‫الفصل بينهما بطل الامع‪ ،‬والمرجع يف الفصل اليسـير والطويل العرف‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن يف األمور التي ال ضابط لها يف الشـرع أو يف اللغة‪ ،‬كالحرز‪ ،‬والقبض‪،‬‬
‫وغيرهما‪ .‬قال ابن عثيمين‪« :‬وهذا األحوأ»‪.‬‬
‫وشـيخ اإلسالم يخالف يف هذا‪ ،‬واختار أنه ال تشرتأ المواالة بين الصالتين‪،‬‬
‫نصوِا عن اإلمام أحمد تدل على ما ذهب إليه(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ونقل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الثالث‪( :‬وأن يوجد العذ ُر عِند افتِتا ِ‬
‫ح ِهما)‪ :‬وقيل يشرتأ وجود العذر عند‬
‫افتتاح الثانية فقط‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫ََ ِ ه َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫اغ اثلانِي ِة)‪ :‬فإن زال العذر أثناء الصالة الثانية‬‫الرابع‪( :‬وأن يست ِم هر إىل فر‬
‫ِحت نفالً‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه يكفي استمرار العذر لحين الشـروع يف الثانية‪ ،‬كما ذكره ِاحب‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)136/3‬الفتاوى (‪ ،)54/24‬الممتع (‪.)562/3‬‬

‫‪510‬‬
‫‪571‬‬ ‫فصل يف اجلمع‬

‫الزاد‪ ،‬واختاره ابن قدامة‪ ،‬وما ترتب على المأذون غير مضمون(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬لو جمع بين الصالتين جمع تقديم‪ ،‬ثم زال العذر قبل دخول وقت‬
‫الثانية‪ ،‬فال إعادة عليه؛ ألهنا وقعت مازئه على الوجه الشـرعي‪ ،‬فربئت الذمة‪،‬‬
‫وألنه أدى فرضه حال العذر‪ ،‬فلم يبطل بزواله بعد ذلك‪ ،‬وما ترتب على المأذون‬
‫غير مضمون‪ ،‬كالمتيمم إذا أدى الصالة ثم وجد الماء(‪.)2‬‬
‫ُ َ ََْ ْ َ َ ُ‬ ‫اشَّت َط‪ :‬ن هِي ُة َ ْ َ‬
‫ً ُ‬ ‫ْ َََ‬
‫قت األوىل‪ ،‬قبل أن ي ِضيق َوقتها‬ ‫اجلم ِع بِو ِ‬ ‫ِ‬ ‫خريا‬‫قوهل‪( :‬وإن مجع تأ ِ‬
‫اثلان َِيةِ‪ .‬ال‪َ :‬غ ُ‬
‫ري)‪.‬‬
‫ه‬
‫ول َو ِ‬
‫قت‬
‫ُ ُ‬ ‫ََ ُ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫عنها‪ .‬وبقاء العذ ِر إىل دخ ِ‬
‫أي يشرتأ لامع التأخير شـرطان‪:‬‬
‫ُ َ ََْ ْ َ َ َ ُ َ‬ ‫األول‪( :‬ن هِي ُة َ ْ َ‬
‫قت األوىل‪ ،‬قبل أن ي ِضيق وقتها عنها)‪ :‬ألنه ال ياوز أن‬ ‫اجلم ِع بِو ِ‬
‫ئذ قضاء‬‫يؤخر الصالة عن وقتها بال عذر إال بنية الامع حيث جاز؛ ألهنا تصـير حين ُ‬
‫ال أدا ًء‪.‬‬
‫ه َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫ول َو ِ‬
‫قت اثلانِي ِة)‪ :‬فإن لم يستمر فالامع ال ياوز؛‬ ‫الثاين‪( :‬وبقاء العذ ِر إىل دخ ِ‬
‫ألن تأخير الصالة عن وقتها بال عذر حرام‪.‬‬
‫(ال‪َ :‬غ ُ‬
‫ري)‪ :‬إشارة إلى عدم اشرتاأ المواالة يف جمع التأخير‪ ،‬فلو ِ ّلى األولى‬
‫يف أول وقت الثانية‪ ،‬ثم ِ ّلى الثانية بعدها بساعة ِح‪.‬‬
‫والمذهب‪ :‬اشرتاأ المواالة يف جمع التقديم‪ ،‬دون جمع التأخير‪.‬‬
‫واختار شـيخ ِ‬
‫اإلسالم أن المواالة ال تشرتأ ال يف جمع التقديم وال التأخير‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل تامع ِالة العصـر مع الامعة يف السفر والحضـر؟‬
‫مذهب جمهور العلماء أنه ال ياوز الامع بينهما؛ ألن األِل يف العبادات‬
‫المنع إال بدليل‪ ،‬ولم يرد عن رسول اهلل ﷺ أنه جمع بين العصـر والامعة‪ ،‬وقد‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)201/2‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)201/2‬‬

‫‪511‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪572‬‬

‫قال‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)1‬‬


‫وألن السنة جاءت بالامع بين العصـر والظهر‪ ،‬وأما الامعة فلم تأت به السنة‪،‬‬
‫وقد وقع مطر فيه مشقة يف عهد النبي ﷺ استمر أسبوعًا‪ ،‬ولم يامع فيه بين العصـر‬
‫والامعة‪ ،‬كما يف الصحيحين(‪.)2‬‬
‫وألن الامعة ِالة مستقلة منفردة بأحكامها تفرتق عن الظهر بأكثر من‬
‫حكما‪ ،‬ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق أحد الصالتين باألخرى‪ ،‬وقياس‬
‫ً‬ ‫عشـرين‬
‫الامعة على الظهر قياس مع الفارق؛ ألهنا تختلف عنها يف الشـروأ والهيئة‬
‫واألركان والوقت وتوابعها‪ ،‬واختار هذا شـيخنا ابن عثيمين‪ ،‬والمصـير إلى قول‬
‫الامهور أحوأ‪ ،‬ولو جمع بينهما فرجح ابن عثيمين أن عليه اإلعادة سواء علم‬
‫قبل خروج الوقت أو بعده(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ه َُ َ َْ‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ِّ ه ِّ َ ُ‬ ‫ُ ََُ‬ ‫ُ‬
‫ي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫إمام‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ال‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫فل‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وم‬ ‫أم‬ ‫والم‬ ‫اإلمام‬ ‫اد‬ ‫شَّتط ُ للصحةِ‪ :‬احت‬ ‫قوهل‪( :‬وال ي‬
‫َ َُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ه ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫أو‪ :‬بِمأموم ُ األوىل‪ ،‬وبِآخ َر اثلانِية‪ ،‬أو‪ :‬خلف من لم َيمع‪ ،‬أو‪ :‬إحداهما‬
‫َ ه َ َْ ََْ َ ه‬ ‫ََ َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ً‬
‫منف ِردا واألخ َرى مجاعة‪ ،‬أو‪ :‬صىل بِمن لم َيمع‪ :‬صح)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ه َُ َ َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِّ َ ُ‬ ‫ِّ ه‬ ‫ُ ََُ‬
‫ي)‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫إمام‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ال‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫فل‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وم‬ ‫أم‬ ‫والم‬ ‫ِ‬
‫اإلمام‬ ‫اد‬ ‫شَّتط للصحةِ‪ :‬احت‬ ‫(وال ي‬
‫ِح الامع؛ لعدم المانع الشـرعي منها‪ ،‬وهذا ظاهر‪ ،‬وكذا لو ِلى األولى يف‬
‫مساد آخر لوجود العذر جاز له الدخول معهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مساد‪ ،‬واألخرى يف‬
‫َ ه ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫أو‪ :‬بِمأموم األوىل‪ ،‬وبِآخ َر اثلانِية)‪ :‬فياوز ذلك‪.‬‬ ‫(‬
‫َ ه َ‬ ‫ً‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ ُ َ ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫(أو‪ :‬خلف من لم َيمع‪ ،‬أو‪ :‬إحداهما منف ِردا واألخ َرى مجاعة‪ ،‬أو‪ :‬صىل بِمن‬
‫َْ ََْ َ ه‬
‫لم َيمع‪ :‬صح)‪ :‬فيصح أن يصلي كل ِالة خلف من لم يامع ما دام معه عذر‬
‫للامع‪ ،‬ولهذا ِور؛ لعدم المانع الشـرعي منها(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬


‫(‪ )2‬سيأيت تخرياه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الممتع (‪ ،)512/4‬ماموع فتاوى ورسائل العثيمين (‪.)314/15‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)140/3‬‬

‫‪512‬‬
‫‪573‬‬ ‫فصل يف اجلمع‬

‫مسألة‪ :‬إذا جمع يف وقت األولى‪ ،‬فله أن يصلي راتب َة الثانية منهما‪ ،‬ويوتر قبل‬
‫دخول وقت الثانية؛ ألهنا تابعة للصالة‪ ،‬وكذا الوتر؛ ألن وقته ما بين ِالة العشاء‬
‫والفار‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا جمع إمام المساد لعذر عام فيتبعه المأموم؛ ألن العذر إذا وجد من‬
‫ً‬
‫استقالال‪ ،‬واهلل‬ ‫البعض يف حكم يعم روعي األضعف‪ ،‬ويثبت تب ًعا ما ال يثبت‬
‫أعلم(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)134/3‬‬

‫‪513‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪574‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْ ٌل يف صَال ِة اخلَوفِ‬


‫‪F‬‬
‫ذكر هنا أحكام ِالة الخوف‪ ،‬وهذا دليل على اهتمام اإلسالم بالصالة حيث‬
‫لم تسقط حتى مع التحام الصفوف‪ ،‬وتطاير الرؤوس يف المعارل وميادين القتال‪،‬‬
‫ودليل على رفق اهلل بالعباد حيث يسـر أمرها‪ ،‬ولم ياعلها يف الصفة والواجبات‬
‫كالصالة حال األمن‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ َ ً َ َ ً َ ًَ‬ ‫ُ َ ُّ َ ُ َ‬
‫وف‪ ،‬إذا اكن ال ِقتال مباحا‪ :‬حَضا‪ ،‬وسفرا)‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬ت ِصح صالة اخل ِ‬
‫ِالة الخوف مشـروعة عند القتال‪ ،‬وقد دل على ذلك الكتاب‪ ،‬والسنة‪:‬‬
‫أما الكتاب‪ :‬فقوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ‪[ ﴾...‬النساء‪.]102:‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقد ِالها رسول اهلل ﷺ وِالها الصحابة خلفه وعملوا هبا من‬
‫علي ليلة الهدير‪،‬‬
‫بعده‪ ،‬ولم ينقل عن الصحابة اختالف يف فعلها بعده‪ ،‬فقد ِالها ٌّ‬
‫وأبو هريرة‪ ،‬وأبو موسـى‪ ،‬وحذيفة ﭫ‪ ،‬فهي ثابتة بعد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهذا ما‬
‫عليه جماهير األمة‪ ،‬فما ثبت يف حق النبي ﷺ ثبت يف حقنا‪ ،‬ما لم يقم ٌ‬
‫دليل على‬
‫اختصاِه به(‪.)1‬‬
‫َ ُ َُ ً‬ ‫َ‬
‫(إذا اكن ال ِقتال مباحا)‪ :‬فصالة الخوف إنما تشـرع يف القتال المأذون به‬
‫شـرعًا‪ ،‬وهو قتال المسلمين للكفار كما فعله الرسول ﷺ‪ ،‬وكذلك تاوز يف كل‬
‫ُ‬
‫شخص‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬
‫قتال ُ‬
‫مباح‪ ،‬كقتال أهل البغي‪ ،‬وقطاع الطرق‪ ،‬وقتال من قصد إلى نفس‬
‫قياسا على قتال الحربيين‪.‬‬
‫أهله أو ماله‪ً ،‬‬
‫وأما القتال المحرم مثل البغاة وقطاع الطرق فال تشـرع لهم؛ ألهنا رخص ٌة‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)221/2‬‬

‫‪514‬‬
‫‪575‬‬ ‫فصل يف صالة اخلوف‬

‫وتخفيف‪ ،‬ثبتت للدفع عن نفسه يف أمر مباح‪ ،‬فال يتمتع هبا العصاة؛ ألن يف ذلك‬
‫ٌ‬
‫إعان ًة على المعصـية‪ ،‬وإنما يؤمرون بالكف عن القتال‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ َ ً َ ًَ‬
‫(حَضا‪ ،‬وسفرا)‪ِ :‬الة الخوف مشـروع ٌة حضـر ًا وسفر ًا إذا احت َ‬
‫يج إليها‪ ،‬وال‬
‫تختص بالسفر؛ لعموم اآلية يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‪[ ﴾...‬النساء‪ ،]102:‬وهذا قول اإلمام أحمد‪ ،‬ومالك‪،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬واآلية عامة يف كل حال‪ ،‬وإنما لم ُينقل عن رسول اهلل ﷺ‬
‫فعلها يف الحضـر لغناه عنها‪ ،‬وقد كانت حروبه خارج المدينة‪ ،‬إال ما كان من غزوة‬
‫الخندق‪ ،‬وهي قبل شـرع ِالة الخوف(‪.)1‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ات الصالة ِ‪ ،‬بل‪ :‬يف ِصفتِها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ع‬ ‫ري‬
‫ِِِ‬ ‫غي‬ ‫ت‬ ‫يف‬ ‫‪:‬‬ ‫وف‬
‫ِ‬ ‫ِلخ‬ ‫ل‬ ‫ِري‬ ‫ث‬ ‫أ‬‫ت‬ ‫وال‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫رشوطِها)‪.‬‬ ‫وب ْع ِض ُ ُ‬
‫َ‬
‫اإل َما ِم َوا ْل َم ْأ ُمو ِم َج ِمي ًعا يف قول األئمة‬
‫ات فِي َحق ْ ِ‬ ‫ف َال ي َؤثر فِي َعدَ ِد الر َكع ِ‬
‫ا َ‬ ‫ا ْل َخ ْو َ ُ ُ‬
‫األربعة‪ ،‬وهو قول ابن عمر ﭭ فلو ِلوها يف حضـر لم يقصـروا(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫طائفة ركعةً‪ ،‬وتتم‬ ‫سفر يبيح القصـر ِ ّلى هبم ركعتين‪ّ ،‬‬
‫بكل‬ ‫فإذا كانوا يف ُ‬
‫ألنفسها أخرى‪.‬‬
‫ُ‬
‫طائفة ركعتين‪ ،‬وتتم ألنفسها‬ ‫وإذا كانوا يف الحضـر ِ ّلى هبم أربعًا‪ّ ،‬‬
‫بكل‬
‫أخرى‪ .‬هذا قول أكثر العلماء‪.‬‬
‫ألن ِالة الخوف مبنية على التّخفيف‪،‬‬ ‫الصالة؛ ّ‬ ‫واألولى أن يخ ّفف هبم اإلمام ّ‬
‫ُ‬
‫خفيفة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بسورة‬ ‫وكذلك ال ّطائفة ا ّلتي تفارقه تص ّلي لنفسها‪ ،‬تقرأ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وف‪َ :‬صلهوا ر َج ًاال ُ‬
‫َه َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لزم‬ ‫ريها‪ ،‬وال ي‬
‫ِ‬ ‫وغ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫بل‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫لل‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ان‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ور‬ ‫ِ‬ ‫اخل‬ ‫د‬ ‫اشت‬ ‫ا‬‫وإذ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ َ ُْ ُْ َ َ ََُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫افتِتاحها إيلها‪ ،‬ولو أمكن‪ ،‬يومِئون طاقتهم)‪.‬‬
‫ال وركبانًا‬ ‫عند اشتداد الخوف والتحام الصفين‪ :‬يصلون كيفما أمكنهم‪ ،‬رجا ً‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)221/2‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)226/2‬‬

‫‪515‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪576‬‬

‫إلى القبلة‪ ،‬وإلى غيرها حسب الطاقة‪ ،‬ويتقدمون ويتأخرون‪ ،‬ويضـربون ويطعنون‪،‬‬
‫و َيكِ ُّرون ويفرون‪ ،‬وال يؤخرون الصالة عن وقتها‪ ،‬وهذا قول أكثر أهل العلم‪.‬‬
‫والدليل عليه‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫َان َخ ْو ًفا ُه َو‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾‪ ،‬قال ابن عمر ﭭ‪َ « :‬فإِ ْن ك َ‬
‫َأ َشدا مِ ْن َذل ِ َك َِ ال ْوا ِر َجاال قِ َيا ًما َع َلى َأ ْقدَ امِ ِه ْم‪َ ،‬أ ْو ُر ْك َبانًا ُم ْس َت ْقبِلِي ا ْل ِق ْب َلةَ‪َ ،‬و َغ ْي َر‬
‫ال ُأ َرى َع ْبدَ اهللِ ْب َن ُع َم َر َذك ََر َذل ِ َك إِ اال َع ْن‬ ‫يها»‪ ،‬زاد البخاري‪َ :‬ق َال نَافِ ٌع‪َ « :‬‬ ‫ُم ْس َت ْقبِلِ َ‬
‫ول اهلل ﷺ»(‪.)1‬‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫الخوف وردت على عدة أوجه‪ ،‬وكل ِفة من هذه جائزةٌ‪ ،‬فيراعي‬ ‫ِ‬ ‫وِال َة‬
‫المصلي الحالة التي هو فيها(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وكذا‪ :‬يف حال ِة اله َر ِب مِن عد ٍّو‪ ،‬أو‪ :‬سيل‪ ،‬أو‪ :‬سبع‪ ،‬أو‪ :‬نار‪ ،‬أو‪ :‬غ ِريم‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََََ‬ ‫ُُ‬ ‫َْ َْ‬ ‫َ‬
‫فس ِه‪ ،‬أو أهلِ ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ىلع‬ ‫اف‬ ‫خ‬ ‫أو‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ف‬‫ر‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫وف‬
‫ِ‬ ‫ق‬‫الو‬ ‫ت‬
‫تو ِ‬
‫ق‬ ‫وف فو ِ‬
‫ظال ِم‪ ،‬أو‪ :‬خ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ ٍّ َ‬
‫ريه ِ)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫وع‬ ‫‪،‬‬ ‫ِك‬ ‫ذل‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫أو ِ‬
‫ماهل‪ ،‬أو‪ :‬ذب‬
‫ِ‬
‫أي تاوز َِ َال ُة ا ْل َخ ْوف يف غير قتال الكفار عند االحتياج إليها‪ ،‬كالهرب خوفًا‬
‫ال أو‬ ‫مِ ْن َس ُب ُع َأ ْو سـي ُل َأ ْو َح ِر ُيق‪ ،‬أو دافع عن نفسه أو أهله أو ماله فيصلوهنا رجا ً‬
‫ركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ويومئون قدر طاقتهم‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪« :‬أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن المطلوب يصلي‬
‫على دابته وأنه يومئ إيما ًء»(‪.)3‬‬
‫وكذا ل َخوف فوت وقت الوقوف بعرفة فله ِالة الفريضة على الراحلة‪.‬‬
‫وأما إن كان طالبًا‪ :‬فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه ينزل إلى األرض‪ ،‬فيصلي‬
‫عليها إال إن خاف فوات الطلب‪ ،‬وقال الشافعي‪« :‬إال أن يخاف أن ينقطع عن‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)4535‬ومسلم (‪ )632‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المحلى (‪ ،)23/5‬شـرح النووي (‪ ،)315/6‬زاد المعاد (‪.)510/1‬‬
‫(‪ )3‬اإلجماع البن المنذر ص (‪.)42‬‬

‫‪516‬‬
‫‪577‬‬ ‫فصل يف صالة اخلوف‬

‫أِحابه فيومئ إيما ًء»(‪.)1‬‬


‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ه َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ْ ََ هَ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وإن خاف عد ًّوا إن ِّتلف عن ُرفقتِ ِه‪ ،‬فصىل صالة خائ ِف‪ ،‬ث هم بان أم ُن‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ه‬
‫يق‪ :‬لم يــ ِعــد)‪.‬‬ ‫الط ِر ِ‬
‫ِ‬
‫الظن وجو َد‬ ‫ألنه فعل ما أذن له فيه‪ ،‬وِالة الخوف ياوز فعلها عند غلبة‬
‫العدو هذه الرواية األولى يف المذهب‪ ،‬وهي األرجح‪.‬‬
‫فلو ِلوا ِالة الخوف ظنًا منهم قرب العدو فبان بعيد ًا‪:‬‬
‫فإن بنوا على غلبة الظن‪ ،‬فال إعادة عليهم‪ ،‬وما ترتب على المأذون غير‬
‫مضمون‪.‬‬
‫وإن لم يتحروا وِلوها مع عدم قيام دا ُع إليها‪ ،‬فيلزمهم إعادة الصالة؛ ألن‬
‫األِل اإلتيان بواجبات الصالة وشـرطها‪ ،‬وال تسقط إال بعذر‪.‬‬
‫ََ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ومن خاف أو أم َِن يف صالت ِ ِه‪ :‬انتقل‪ ،‬وبن)‪.‬‬
‫لو زال الخوف أثناء ِالة الخوف لزمهم إتمامها كاملة‪ ،‬كصالة األمن ويبنوا‬
‫ِحيحا قبل األمن‪.‬‬
‫ً‬ ‫على ما سبق‪ ،‬وال يلزمهم إعادة ما مضـى؛ ألنه كان‬
‫ُ‬
‫بشـيء من واجباهتا بعد األمن‪ ،‬فسدت ِالهتم‪.‬‬ ‫فإن أخ ّلوا‬
‫الصالة امنين‪ ،‬ثم حدث الخوف‪ ،‬واحتاجوا أن يركبوا‬
‫وعكس ذلك لو ابتدئوا ّ‬
‫ويستدبروا القبلة أتموها ِالة خوف‪ ،‬وبنوا على ما سبق‪.‬‬
‫َ ُ ُ ُ‬ ‫ُ َ ٍّ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫بطل ب ُط ِ‬
‫وهلِ)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ول ِمصل‪ :‬ك ٌّر َوف ٌّر ل ِمصلحة‪ .‬وال ت‬
‫للمصلي عند اشتداد الخوف أن يكر ويفر‪ ،‬ويرمي‪ ،‬ويتقدم ويتأخر‪ ،‬ويضـرب‬
‫ويطعن إلى القبلة وإلى غيرها إن لم يمكنهم؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾‪ .‬قال ابن عمر‬
‫َان َخ ْو ًفا ُه َو َأ َشدا مِ ْن َذل ِ َك َِ ال ْوا ِر َجاال قِ َيا ًما َع َلى َأ ْقدَ امِ ِه ْم‪َ ،‬أ ْو ُر ْك َبانًا‬
‫ﭭ‪َ « :‬فإِ ْن ك َ‬

‫(‪ )1‬فتح الباري (‪.)431/2‬‬

‫‪511‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪578‬‬

‫ِ‬
‫ُم ْس َت ْقبِلِي ا ْلق ْب َلةَ‪َ ،‬و َغ ْي َر ُم ْس َت ْقبِلِ َ‬
‫يها»(‪.)1‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫حلاجة‪ :‬محل َنَس‪ ،‬وال ي ِعيد)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وجاز ِ‬
‫ال ياوز للمصلي عند االختيار أن يحمل النااسة‪.‬‬
‫فإن وجدت الحاجة لحملها أثناء ِالة الخوف جاز حملها‪ ،‬وال إعادة عليه‪،‬‬
‫كأن يحتاج لحمل السالح‪ ،‬وفيه دم ناس يشق غسله‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬يشـرع للمقاتل حمل بعض السالح أثناء الصالة ليأخذ العدة لو باغته‬
‫العدو‪ ،‬وليكون أهيب لئال يتارأ عليه العدو يف ِالته؛ ألنّهم ال ْيأمنون أن يفاأهم‬
‫عدوهم‪ ،‬فيميلون عليهم‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ّ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾‪ ،‬ومذهب اإلمام أحمد‪ ،‬وأبي حنيفة‪:‬‬
‫أن حمل السالح أثناء ِالة الخوف مستحب‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ياب‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬ومالك مع القدرة‪ ،‬وإليه‬
‫مال ابن هبيرة وابن قدامة؛ ألمر اهلل ‪ ‬به‪ ،‬وتأكيده بقوله تعالى‪﴿ :‬ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ﴾‪ ،‬ثم قال‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‪ ،‬فنف ُي الحرج‬
‫عند األذى دليل أنه مع عدمه يلزم‪ ،‬فظاهر األمر يف اآلية الوجوب‪ ،‬وحتى على‬
‫القول باالستحباب إذا خشوا مباغتة العدو وجب عليهم أن يأخذوا ما يدافعوا به‬
‫عن أنفسهم‪ ،‬وإنما قولهم باالستحباب عند عدم خشـية مباغتة العدو لهم‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وأما مع وجود األذى كمطر ومرض‪ ،‬فال ياب عليهم حمل السالح أثناء‬
‫ف‪ ،‬لكن يأخذوا حذرهم؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫الصالة بِ َغي ِر ِخ َال ُ‬
‫ْ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ﴾‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)516‬‬

‫‪516‬‬
‫‪579‬‬ ‫فصل يف صالة اخلوف‬

‫وللمصلي مع هذه الصفات خمس حاالت‪:‬‬


‫الحالة األولى‪ :‬أن يكون العدو بعيد ًا ال يخافون مباغتته فيلزمهم أن يصلوها‬
‫تامة‪ ،‬كحال السلم واألمن‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون هنال خوف والعدو يف جهة القبلة فيصف المصلون‬
‫كلهم خلف إمامهم ِفين أو أكثر‪ ،‬فيكربون ويركعون ويرفعون مع إمامهم‬
‫جميعًا‪ ،‬فإذا ساد اإلمام ساد معه الصف األول وبقي الصف الثاين قائمًا لئال‬
‫يباغتهم العدو حال ساودهم‪ ،‬فإذا هنضوا من السادة الثانية ساد الصف الثاين‪،‬‬
‫ثم تقدموا إلى الصف األول وتأخر الصف األول‪ ،‬فإذا ركع اإلمام ِنعت‬
‫الطائفتان كما ِنعوا يف األولى‪ ،‬فإذا جلس اإلمام للتشهد ساد الصف المؤخر‬
‫سادتين ولحقوه يف التشهد‪ ،‬فيسلم هبم جميعًا‪ ،‬فيكون لهم ركعتان مع اإلمام‪،‬‬
‫وكل طائفة تدرل الصف األول يف ركعة‪ ،‬وقد دل له حديث جابر ﭬ [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يكون العدو يف غير جهة القبلة وله عدة ِفات يراعي‬
‫المصلون األيسـر يف حقهم‪ ،‬واألبلغ يف الحراسة‪ ،‬واألحوأ يف الصالة‪:‬‬
‫الصفة األولى‪ :‬أن يصلي اإلمام بإحدى الطائفتين ركعة‪ ،‬ثم يقوم اإلمام للثانية‬
‫ويطيل القراءة‪ ،‬فتقضـي هي الركعة الثانية وتسلم قبل ركوعه‪ ،‬فتأيت الطائفة األخرى‬
‫فتصلي معه الركعة الثانية‪ ،‬فإذا جلس للتشهد قامت فقضت ركعة وهو يف التشهد‪،‬‬
‫ثم يسلم هبا‪ ،‬وهذه متفق عليها من حديث ِالح بن خوات‪ ،‬عن سهل بن أبي‬
‫حثمة ﭬ(‪.)2‬‬
‫وهبا قال اإلمام أحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي(‪.)3‬‬
‫الصفة الثانية‪ :‬أن يصلي أربع ركعات‪ ،‬كل طائفة تصلي معه ركعتين وتسلم‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )640‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)4122‬ومسلم (‪ )641‬من حديث سهل بن أبي حثمة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)222/2‬‬

‫‪512‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪580‬‬

‫منهما‪ ،‬فيكون له أربعًا ولهم ركعتين‪ ،‬وهذه متفق عليها من حديث جابر ﭬ(‪.)1‬‬
‫الصفة الثالثة‪ :‬أن يصلي بالطائفة األولى ركعتين ويسلم هبم‪ ،‬ثم يصلي‬
‫باألخرى ركعتين ويسلم‪ ،‬فيكون قد ِلى بكل طائفة ِال ًة مستقلة‪ ،‬وهذه‬
‫أخرجها النسائي من حديث جابر ﭬ(‪ ،)2‬وأبو داود من حديث أبي بكرة ﭬ(‪،)3‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬وهذه ِفة حسنة‪ ،‬قليلة الكلفة‪ ،‬ال يحتاج فيها إلى مفارقة إمامه‪،‬‬
‫وال إلى شـرح كيفية الصالة»(‪.)4‬‬
‫الصفة الرابعة‪ :‬أن ياعلهم اإلمام فرقتين‪ :‬فرقة أمام العدو‪ ،‬وفرقة تصلي معه‪،‬‬
‫فالفرقة التي معه تصلي ركعة‪ ،‬ثم تنصـرف يف ِالهتا إلى مكان الفرقة األخرى‪،‬‬
‫وهم ما زالوا يف الصالة‪ ،‬وتأيت الفرقة األخرى إلى مكان الفرقة األولى‪ ،‬فتصلي مع‬
‫اإلمام الركعة الثانية ثم يسلم‪ ،‬وتقضـي كل طائفة ركعة بعد السالم‪ ،‬وهذه متفق‬
‫عليها من حديث ابن عمر ﭭ(‪ ،)5‬وهبا قال أبو حنيفة‪.‬‬
‫الصفة الخامسة‪ :‬أن يصلي بطائفة ركعة فتسلم وتذهب‪ ،‬وال تقضـي شـيئًا‪،‬‬
‫وباألخرى ركعة وال تقضـي شـيئًا‪ ،‬فيكون له ركعتان ولهم ركعة ركعة [أخرجه أحمد‪،‬‬

‫والنسائي من حديث ابن عباس ﭭ(‪ ،)6‬وِححه ابن القيم](‪.)7‬‬


‫وكل هذه الصفات جائزة‪ ،‬وقد روي ِفات أخرى كلها ترجع إليها‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬عند اشتداد الخوف والتحام الصفين يصلون كيفما أمكنهم‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)4136‬ومسلم (‪ )643‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه النسائي (‪ ،)1552‬وابن خزيمة (‪ ،)1353‬والدارقطني (‪ ،)412/2‬والبيهقي (‪ )122/2‬من حديث جابر‬
‫بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)526‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)301/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)242‬ومسلم (‪ )632‬من حديث جابر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه النسائي (‪ ،)1533‬وأحمد (‪ ،)2063‬وابن خزيمة (‪ ،)1343‬وابن حبان (‪ ،)2611‬والحاكم‬
‫(‪ )465/1‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد (‪.)512/1‬‬

‫‪560‬‬
‫‪581‬‬ ‫فصل يف صالة اخلوف‬

‫ال وركبانًا إلى القبلة‪ ،‬وإلى غيرها حسب الطاقة؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭚ ﭛ‬
‫رجا ً‬
‫ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [البقرة‪:‬‬

‫‪.]232‬‬
‫ويلحق هبذه الحالة‪ :‬الهارب من عدو أو سبع‪ ،‬أو الخائف من التخلف عن‬
‫ول اهللِ‬ ‫س ﭬ َق َال‪َ « :‬ب َع َثنِي َر ُس ُ‬ ‫رفقته‪ ،‬أو يفوته الطلب‪ ،‬كما يف قصة ع ْب ِدال ال ِـه ْب ِن ُأ َن ْي ُ‬
‫ب َفا ْق ُت ْل ُه‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ان ا ْل ُه َذلِي‪َ ،‬وك َ‬ ‫ﷺ إِ َلى َخال ِ ِد ْب ِن ُس ْفيَ َ‬
‫َان ن َْح َو ُع َر َن َة َو َع َر َفات‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْذ َه ْ‬
‫ون َب ْينِي َو َب ْينَ ُه َما إِ ْن ُأ َؤخ ِر‬
‫اف َأ ْن َي ُك َ‬ ‫ت‪ :‬إِني َأ َخ ُ‬ ‫ضـرت َِ َال ُة ا ْل َعصـر‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬‫ْ‬ ‫َف َر َأ ْي ُت ُه َو َح‬
‫ِ‬
‫يما ًء‪ ،‬ن َْح َو ُه»(‪.)1‬‬‫الص َالةَ‪َ ،‬فانْ َط َل ْق ُت َأ ْمشـي َو َأنَا ُأ َِلي‪ُ ،‬أوم ُئ إِ َ‬ ‫ا‬
‫الحالة الخامسة‪ :‬إذا اشتد الخوف تمامًا فلم يستطيعوا اإليماء جاز تأخيرها‪،‬‬
‫وعلى هذا يحمل فعل الصحابة عند فتح مدينة تسرت‪.‬‬
‫قال ابن رشد‪« :‬ومن باشـر الحروب‪ ،‬وانشغل القلب والاوارح فيها عرف‬
‫كيف يتعذر اإليماء»‪ ،‬ورجح هذا شـيخنا ابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫وهذه الصفات ِالها رسول اهلل ﷺ يف أيام مختلفة‪ ،‬بأشكال متباينة‪ ،‬فيتحرى‬
‫فيها األحوأ للصالة‪ ،‬واألبلغ للحراسة‪ ،‬فهي على اختالف ِورها متفقة المعنى‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1242‬وأحمد (‪ ،)16046‬وابن خزيمة (‪ ،)262‬والبيهقي يف السنن (‪ )65/2‬من حديث‬
‫عبداهلل بن أنيس ﭬ‪ .‬حسنه ابن حار يف الفتح (‪ ،)431/2‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)562‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)302/2‬فتح الباري (‪ ،)434/2‬الشـرح الممتع (‪.)412/4‬‬

‫‪561‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪582‬‬

‫‪e‬‬ ‫ب صَال ِة اجلُمُعَةِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬

‫شـرع المؤلف يف بيان أحكام ِالة الامعة‪.‬‬


‫وِالة الامعة واجبة بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪:‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الامعة‪.]2 :‬‬
‫اهلل َع َلى ُق ُلوبِ ِه ْم‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقوله ﷺ‪َ « :‬ل َينْت َِه َي ان َأ ْق َوا ٌم َع ْن َو ْدع ِه ُم ا ْل ُا ُم َعات‪َ ،‬أ ْو َل َي ْخت َم ان ُ‬
‫َل َي ُكو ُن ان مِ َن ا ْل َغافِلِي َن» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫اهلل َع َلى َق ْلبِ ِه»(‪.)2‬‬
‫اونًا بِ َها َط َب َع ُ‬
‫وقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َت َر َل َثال ََث ُج َم ُع َت َه ُ‬
‫ب َع َلى ُكل ُم ْحتَلِ ُم»(‪.)3‬‬ ‫اج ٌ‬‫اح ا ْل ُام َع ِة َو ِ‬ ‫وقوله ﷺ‪َ « :‬ر َو ُ‬
‫ُ‬
‫ونقل ابن المنذر اإلجماع على أهنا فرض عين على األحرار البالغين المقيمين‬
‫الذين ال عذر لهم(‪.)4‬‬
‫وسميت الامعة‪ :‬قيل الجتماع خلق آدم فيه‪ ،‬واختاره ابن حار يف الفتح‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقيل‪ :‬الجتماع الناس للصالة فيها(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )665‬من حديث عبداهلل بن عمر وأبي هريرة ﭫ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1052‬والرتمذي (‪ ،)500‬والنسائي (‪ ،)1362‬وابن ماجه (‪ ،)1125‬وأحمد (‪،)15426‬‬
‫وابن خزيمة (‪ ،)1656‬وابن حبان (‪ ،)2166‬والحاكم (‪ )415/1‬من حديث أبي الاعد الضمري ﭬ‪.‬‬
‫وحسنه الرتمذي‪ ،‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)563/4‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪.)265‬‬
‫(‪ )3‬رواه النسائي (‪ )1311‬من حديث حفصة ڤ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪،)156/2‬‬
‫واأللباين يف ِحيح الاامع (‪.)3521‬‬
‫(‪ )4‬اإلجماع البن المنذر ص (‪.)40‬‬
‫(‪ )5‬المحلى (‪ ،)45/5‬فتح الباري (‪ ،)353/2‬حاشـية الروض (‪.)416/2‬‬

‫‪562‬‬
‫‪583‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫وليوم الامعة فضائل وخصائص ذكر ابن القيم منها ثالثًا وثالثين‪:‬‬
‫ون َي ْو َم‬ ‫السابِ ُق َ‬ ‫اآلخ ُر َ‬‫فهو اليوم الذي هدانا اهلل له‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬نَحن ِ‬
‫ون َون َْح ُن ا‬ ‫ْ ُ‬
‫َاب مِ ْن َق ْبلِنَا َو ُأوتِينَا ُه مِ ْن َب ْع ِد ِه ْم‪ُ ،‬ث ام َه َذا ا ْل َي ْو ُم‬ ‫ُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْلق َيا َمة‪َ ،‬بيْدَ َأ ان ُك ال ُأ امة ُأوت َيت ا ْلكت َ‬
‫يه َت َب ٌع‪ ،‬ا ْل َي ُهو ُد َغدً ا َوالن َاص َارى َب ْعدَ َغ ُد»‬ ‫ا ال ِذى َك َتبه اهلل َع َلينَا َهدَ انَا اهلل َله‪َ ،‬فالنااس َلنَا فِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َُ ُ ْ‬
‫[متفق عليه](‪.)1‬‬
‫الش ْم ُس‬ ‫وهو خير يوم طلعت عليه الشمس‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬خ ْي ُر َي ْو ُم َط َل َع ْت َع َل ْي ِه ا‬
‫يه ُأ ْخ ِر َج مِن َْها» [رواه مسلم](‪.)2‬‬ ‫يه ُأد ِخ َل ا ْلاناةَ‪ ،‬وفِ ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َي ْو ُم ا ْل ُا ُم َعة‪ ،‬فيه ُخلِ َق آ َد ُم‪َ ،‬وف ْ‬
‫وهو يوم المزيد ألهل الانة‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬إِ ان فِي ا ْل َان ِاة َل ُسو ًقا َي ْأ ُتون ََها ُك ال‬
‫ون ُح ْسنًا َو َج َم ًاال»‬ ‫وه ِه ْم َوثِ َياب ِ ِه ْم َف َي ْز َدا ُد َ‬
‫ال‪َ ،‬فتَح ُثو فِي وج ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫الشم ِ‬
‫يح ا َ‬ ‫ب ِر ُ‬
‫ُ‬
‫ُج ُم َعة‪َ ،‬ف َت ُه ُّ‬
‫[رواه مسلم](‪.)3‬‬
‫ال ُي َوافِ ُق َها‬
‫وفيه ساعة تااب فيها الدعوات‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬إِ ان فِي ا ْل ُا ُم َع ِة َل َسا َع ًة َ‬
‫ال َأ ْع َطا ُه إِ ايا ُه» [متفق عليه](‪.)4‬‬
‫اهلل َخ ْي ًرا إِ ا‬ ‫ِ ِ‬
‫ُم ْسل ٌم َقائ ٌم ُي َ َصلى َي ْس َأ ُل َ‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ه‬ ‫ُ ِّ َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫جت ُب‪ :‬ىلع ُك ذكر‪ ،‬مسلِم‪ ،‬ملكف ح ٍّر‪ ،‬ال عذ َر هلُ‪ .‬وكذا‪ :‬ىلع مساف ِر ال‬ ‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ َ ََُ َ َ ُُ َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ َُ َ ْ‬
‫ارج ابلدلِ‪ ،‬إذا اكن بينهما وبي اجلمع ِة ‪-‬‬ ‫ىلع َ ُّم ِقيم خ ِ‬ ‫َص‪َ ،‬و‪َ ٌ :‬‬ ‫يباح هل الق‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َوقت ف ِعلِها‪ -‬فرسخ فأقل)‪.‬‬
‫فصالة الامعة تاب إذا توفرت شـروطها الخمسة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ُ ِّ َ َ‬
‫(ىلع ُك ذكر)‪ :‬فال تاب على النساء باإلجماع‪ ،‬كما نقله ابن المنذر(‪ ،)5‬ويف‬
‫ب َع َلى ُكل ُم ْسلِ ُم فِي َج َما َع ُة‪،‬‬ ‫حديث طارق بن شهاب مرفوعًا‪« :‬ا ْل ُام َع ُة َح ٌّق َو ِ‬
‫اج ٌ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)616‬ومسلم (‪ )655‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )654‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )2633‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)235‬ومسلم (‪ )652‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬اإلجماع ص (‪.)40‬‬

‫‪563‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪584‬‬

‫يض»(‪.)1‬‬‫ول‪َ ،‬أ ِو ا ْم َر َأةٌ‪َ ،‬أ ْو َِبِ ٌّى‪َ ،‬أ ْو َم ِر ٌ‬ ‫إِ ا‬


‫ال َأ ْر َب َعةً‪َ :‬عبْدٌ َم ْم ُل ٌ‬
‫ُ ه‬ ‫ُ‬
‫(مسلِم‪ ،‬ملكف)‪ :‬وهي شـروأ لوجوب كل عبادة‪.‬‬
‫ُ‬
‫(ح ٍّر)‪ :‬وأما العبد‪ ،‬فال تاب عليه على المذهب؛ لحديث طارق ابن شهاب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تاب عليه مطلقًا؛ لعمومات النصوص‪ ،‬ولم تفرق بين حر وعبد‪،‬‬
‫وضعفوا حديث طارق ﭬ‪ ،‬وهي رواية عن أحمد‪ ،‬واختاره السعدي‪.‬‬
‫ب َع َلى ُكل ُم ْحتَلِ ُم»‪ ،‬وهذا عام‪.‬‬ ‫اح ا ْل ُام َع ِة َو ِ‬
‫اج ٌ‬ ‫واستدل بحديث‪َ « :‬ر َو ُ‬
‫ُ‬
‫وقيل‪ :‬تاب إن أذن له سـيده‪ ،‬وتسقط إن لم يأذن‪ ،‬وهي رواية يف المذهب‬
‫رجحها شـيخنا ابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫ُ ْ َ‬
‫(ال عذ َر هلُ)‪ :‬فيشرتأ لوجوهبا كونه ال عذر له يف ترل حضور الامعة‬
‫والاماعة‪ ،‬كما سبق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اح هلُ الق ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫َص)‪ :‬فالمسافر ال تلزمه الامعة‪ ،‬وقد كان‬ ‫(وكذا‪ :‬ىلع مساف ِر ال يب‬
‫رسول اهلل ﷺ يسافر ومعه المئات من الصحابة‪ ،‬ولم يكونوا يصلون الامعة يف‬
‫مار‪ ،‬وال‬ ‫ظهرا قصـرا‪ ،‬لكن إن كان المسافر ً‬
‫نازال يف البلد غير ن‬ ‫السفر‪ ،‬بل يصلوها ً‬
‫سائر‪ ،‬وسمع النداء‪ ،‬فالمشـروع يف حقه أن يصلي مع الاماعة؛ لعموم قوله ﷺ‪:‬‬
‫« َم ْن َس ِم َع الندَ ا َء َف َل ْم َي ْأتِ ِه‪َ ،‬ف َال َِ َال َة َل ُه إِ اال مِ ْن ُع ْذ ُر» [رواه ابن ماجه‪ ،‬ورجح أحمد وقفه](‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫ب» [رواه‬ ‫الص َالة؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ِج ْ‬ ‫وقوله ﷺ لألَ ْع َمى‪َ « :‬ه ْل َت ْس َم ُع الندَ ا َء بِ ا‬
‫مسلم](‪ ،)4‬ولقولـه ﷺ‪« :‬ا ْل ُا ُم َع ُة َع َلى ُكل َم ْن َس ِم َع الندَ ا َء»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1061‬والحاكم (‪ )425/1‬من حديث طارق بن شهاب‪ ،‬وِححه النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪ ،)151/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)522‬‬
‫(‪ )2‬الممتع (‪.)2/5‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)420‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)461‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ )1056‬من حديث عبداهلل بن عمرو مرفوعًا‪ .‬قال أبو داود‪« :‬روى هذا الحديث جماعة‪ ،‬عن سفيان‪،‬‬
‫مقصور ًا على عبداهلل بن عمرو‪ ،‬ولم يرفعوه‪ ،‬وإنما أسنده قبيصة»‪ ،‬وقال ابن رجب يف الفتح (‪« :)156/6‬وروي‬
‫=‬

‫‪564‬‬
‫‪585‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫ً‬
‫استقالال‪.‬‬ ‫وهذا المذهب‪ ،‬وبه أفتى ابن باز‪ ،‬ويثبت تب ًعا ما ال يثبت‬
‫َُ ُ َُ َ‬
‫الق ْ ُ‬
‫َص)‪ :‬كمن سفره محرم‪ ،‬أو ال يريد جهة معينة فتاب عليه‬ ‫(ال يباح هل‬
‫الامعة‪.‬‬
‫وتقدم الراجح يف هؤالء وأن لهم حكم المسافر يف القصـر‪ ،‬وكذلك هنا‪.‬‬
‫َ َ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ََُ َ َ ُُ َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ ُ‬
‫اجلمع ِة ‪َ -‬وقت ف ِعلِها‪ -‬فرسخ‬ ‫ابلدلِ‪ ،‬إذا اكن بينهما وبي‬ ‫ارج‬
‫َ َ ُّ(و‪ :‬ىلع م ِقيم خ ِ‬
‫فأقل)‪ :‬إذا نودي للامعة‪ ،‬فال يخلو المقيم من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون داخل البلد فتلزمه الامعة‪ ،‬ولو كان البلد مرتامي األطراف ال‬
‫يسمع النداء يف موضعه؛ ألن البلد كالشـيء الواحد‪.‬‬
‫مقيما خارج البلد فإن كان يف موض ُع يسمع فيه النداء إذا كانت‬ ‫الثانية‪ :‬أن يكون ً‬
‫الرياح ساكنة والعوارض منتفية لزمه الحضور؛ ألثر‪« :‬ا ْل ُا ُم َع ُة َع َلى ُكل َم ْن َس ِم َع‬
‫الص َال ِة؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫الندَ ا َء»‪ ،‬و يشهد له قوله ﷺ لألَ ْع َمى‪َ « :‬ه ْل َت ْس َم ُع الندَ ا َء بِ ا‬
‫َف َأ ِج ْ‬
‫ب» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫وإن لم يمكنه السماع فال يلزمه الحضور‪.‬‬
‫َ ُ َ َ َُ ُ َُ َ‬
‫الق ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َص)‪.‬‬ ‫جتب‪ :‬ىلع من يباح هل‬
‫قوهل‪( :‬وال ِ‬
‫وهو المسافر‪ ،‬لكن إن كان ً‬
‫نازال يف بلد وسمع النداء لها فيشـرع له أن يشهدها‪،‬‬
‫ولو ِالها مع رفقته جماعة قصـرا جاز‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َُه‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ‬
‫وامرأة)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وال‪ :‬ىلع عبد‪ ،‬ومبعض‪،‬‬
‫فالمرأة ال تاب عليها الامعة‪ ،‬وكذا العبد فالمذهب عدم وجوهبا‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ْ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫أهل‬
‫ِ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫يس‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وال‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫‪-‬‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َي‬ ‫م‬ ‫ول‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬‫ت‬ ‫أ‬‫أجز‬ ‫م‪:‬‬ ‫ِنه‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َض‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫وم‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ‬ ‫ُّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫تصح إمامتهم فِيها)‪.‬‬ ‫دل‪ -‬مِن األرب ِعي‪ .‬وال ِ‬ ‫ابل ِ‬
‫فالذين ال تلزمهم ِالة الامعة‪ ،‬كالمرأة‪ ،‬والمسافر لو ِلوها جمعة مع‬

‫=‬
‫موقوفا‪ ،‬وهو أشبه»‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)461‬‬

‫‪565‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪586‬‬

‫المقيمين أجزأهتم عن الظهر‪ ،‬باإلجماع كما نقله ابن المنذر(‪.)1‬‬


‫وهل تصح إمامتهم فيها‪ ،‬وهل يحسبوا من العدد؟‬
‫المذهب‪ :‬أهنم ال يحسبون من العدد‪ ،‬وال تصح إمامتهم لغيرهم فيها؛ ألهنم من‬
‫غير أهل الوجوب‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬التفصـيل‪ ،‬أما إمامتهم لغيرهم فتصح إال المرأة فال تصح‪.‬‬
‫[رواه‬ ‫فالمرأة ال تصح إمامتها؛ لحديث‪َ « :‬ل ْن ُي ْفلِ َح َق ْو ٌم َو ال ْوا َأ ْم َر ُه ُم ا ْم َر َأ ًة»‬
‫البخاري](‪.)2‬‬
‫وأما إمامة المسافر بالمقيمين فالراجح أهنا تصح‪ ،‬ومن ِحت ِالته ِحت‬
‫إمامته إال لدليل‪ ،‬وال دليل على المنع هنا‪ ،‬وبه قال األئمة الثالثة‪ ،‬واختاره شـيخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬بل نقل ابن حامد ِحتها باإلجماع خلف المسافر‪ ،‬وهو ظاهر كالم‬
‫اإلمام أحمد (‪.)3‬‬
‫وأما العبد فإن إمامته تصح‪« ،‬وقد كان َسال ِ ٌم َم ْو َلى َأبِي ُح َذ ْي َف َة ﭬ يصلي‬
‫َان َأ ْك َث َر ُه ْم ُق ْرآنًا»(‪ ،)4‬فما دام‬
‫بالصحابة لما قدم المدينة‪ ،‬وفيهم عمر ﭬ‪َ ،‬وك َ‬
‫ِحت إمامته يف الفرض فتصح يف الامعة‪ ،‬وال مانع شـرعي يف هذا‪.‬‬
‫وأما حساهبم من العدد‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أن من ال تلزمهم الامعة ال يحسبون من العدد المعترب إن شهدوها‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أهنم يحسبون من العدد على القول باشرتاطه‪ ،‬ورجح هذا شـيخ‬
‫اإلسالم؛ ألن من ِحت منه انعقدت به‪ ،‬وِحت إمامته‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلجماع ص (‪.)40‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)524‬‬
‫(‪ )3‬الفروع (‪ ،)132/3‬حاشـية ابن قاسم (‪ ،)421/2‬الممتع (‪.)23/5‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)513‬‬

‫‪566‬‬
‫‪587‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫أرب َع ُة ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫ه‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫رشوط‪:‬‬ ‫اجلمع ِة‬ ‫ورشط ل ِِصح ِة‬‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫وجتب‪ُ:‬‬‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫قت الظه ِر‪ِ .‬‬ ‫خ ِر و ِ‬ ‫قت ال ِعي ِد‪ ،‬إىل آ ِ‬ ‫أحدها‪ :‬الوقت‪ .‬وهو‪ :‬مِن أو ِل و ِ‬
‫َْ َ ْ َ ُ‬
‫وال‪ ،‬وبعدهُ‪ :‬أفضل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫بالز‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َُ َُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ‬ ‫ه‬
‫اثلاين‪ :‬أن تكون بِق ْرية‪ ،‬ولو مِن قصب‪ ،‬يستوطِنها أربعون‪ ،‬استِيطان إقامة‪،‬‬
‫الص َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ً َ ُّ‬ ‫َ َُ َ َ ً‬
‫حراءِ‪.‬‬ ‫قارب ابلُنيان مِن‬ ‫اء‪ .‬وت ِصح‪ :‬فِيما‬ ‫ال يظعنون صيفا وال ِشت‬
‫أن ُفوا ُظ ً‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ ُ ََْ َ َ‬ ‫أربع َ‬ ‫ه ُ ُ ُ ُ َ‬
‫هرا‪.‬‬ ‫ي‪ .‬فإن نقصوا قبل إتمامِها‪ :‬است‬ ‫اثلال ِث‪ :‬حضور ِ‬
‫ه ُ َ َ ُّ ُ ُ َ َ‬
‫ي)‪.‬‬‫الرابِــع‪ :‬تقدم خطبت ِ‬
‫ذكر هنا شـروأ ِحة ِالة الامعة‪ ،‬وأهنا أربعة‪:‬‬
‫َْ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫الوقت)‪ :‬فيشرتأ أن تكون يف الوقت بال خالف‪.‬‬ ‫(أحدها‪:‬‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ْ ه‬ ‫ُ‬
‫وال‪ ،‬وبعدهُ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وجت ُب‪ :‬ه‬
‫بالز‬ ‫قت الظه ِر‪ِ .‬‬ ‫خ ِر َو ِ‬ ‫قت ال ِعي ِد‪ ،‬إىل آ ِ‬ ‫(وهو‪ :‬مِن أو ِل َو ِ‬
‫ْ َ ُ‬
‫أفضل)‪ :‬واختلفوا يف دخوله‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه يدخل من أول وقت العيد‪ ،‬وهو ارتفاع الشمس قيد رمح إلى‬
‫اخر وقت الظهر‪ ،‬واستدلوا‪ :‬بحديث ضعيف رواه الدارقطني عن عبداهلل بن‬
‫سـيدان السلمي(‪.)1‬‬
‫َْ َ ْ َ ُ‬
‫(وبعدهُ‪ :‬أفضل)‪ :‬فاألفضل أداؤها بعد الزوال ألنه أغلب هديه ﷺ خروجًا من‬
‫الخالف‪.‬‬
‫واختار الامهور أنه ال يدخل إال بعد زوال الشمس كالظهر؛ لما رواه البخاري‬
‫َان ُي َصلي ا ْل ُا ُم َع َة ِحي َن َت ِم ُيل ا‬
‫الش ْم ُس»(‪.)2‬‬ ‫َس ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫َع ْن َأن ُ‬
‫ويف الصحيحين عن سلمة بن األكوع ﭬ قال‪ُ « :‬كناا ن َْا َم ُع َم َع رسول اهلل ﷺ إِ َذا‬

‫(‪ )1‬رواه عبدالرزاق (‪ ،)5210‬وابن أبي شـيبة (‪ ،)444/1‬والدارقطني (‪ .)330/2‬قال النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪« :)113/2‬واتفقوا على ضعفه‪ ،‬وضعف ابن سـيدان»‪ ،‬وقال ابن حار يف فتح الباري (‪:)361/2‬‬
‫«عبداهلل بن سـيدان تابعي كبير‪ ،‬إال أنه غير معروف العدالة‪ ،‬قال ابن عدي‪ :‬شبه الماهول‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬ال‬
‫يتابع على حديثه‪ ،‬بل عارضه ما هو أقوى منه»‪ ،‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)525‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )204‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪561‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪588‬‬

‫لش ْم ُس‪ُ ،‬ث ام ن َْر ِج ُع َن َتتَ اب ُع َا ْل َف ْي َء»(‪ ،)1‬وروى ابن أبي شـيبة عن سويد بن غفلة‪:‬‬ ‫َزا َل ِ‬
‫ت َا ا‬
‫«أنه ِلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس»(‪ .)2‬وهذه األدلة أقوى من خرب ابن‬
‫سـيدان‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬قول الامهور‪ ،‬إال أنه يخفف فيها‪ ،‬فياوز أن تصلى قبيل الزوال‬
‫بمدة قصـيرة؛ لداللة حديث سلمة ﭬ‪ُ « :‬كناا ُن َصلي م َع رس ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َا ْل ُا ُم َعةَ‪ُ ،‬ث ام‬ ‫َ َ ُ‬
‫ان ظِ ٌّل ن َْستَظِ ُّل بِ ِه» [متفق عليه]‪.‬‬ ‫حي َط ِ‬ ‫ْصـرف و َليس ل ِ ْل ِ‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫َنن‬
‫وحديث سهل ﭬ‪َ « :‬ما ُكناا ن َِق ُيل َو َال َن َت َغدا ى إِ اال َب ْعدَ َا ْل ُا ُم َع ِة يف عهد رسول اهلل‬
‫ب إِ َلى‬ ‫َان ُي َصلي ‪-‬أي النبي ﷺ ‪ُ ،-‬ث ام ن َْذ َه ُ‬ ‫ﷺ» [متفق عليه](‪ .)3‬وحديث جابر ﭬ‪« :‬ك َ‬
‫الش ْم ُس» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫ول ا‬ ‫يح َها ِحي َن َت ُز ُ‬ ‫ِ‬
‫ِج َمالنَا َفنُ ِر ُ‬
‫قال اإلمام أحمد‪« :‬روي عن ابن مسعود‪ ،‬وجابر‪ ،‬وسعد‪ ،‬ومعاوية أهنم ِلوا‬
‫قبل الزوال»‪ ،‬فياوز فعلها قبيل الزوال بيسـير بحيث ينصـرف منها عند الزوال‪ ،‬إال‬
‫خروجا من الخالف‪ ،‬وهو أغلب هدي‬
‫ً‬ ‫أن األحوأ أن ال تصلى إال بعد الزوال‬
‫رسول اهلل ﷺ كما نقله سلمة ﭬ‪ ،‬وإلى جواز فعلها قبل الزوال وبعده مع تقديم‬
‫كوهنا بعد الزوال ذهب اإلمام أحمد يف رواية‪ ،‬كما قال عبداهلل بن اإلمام أحمد‪:‬‬
‫« سئل أبي وأنا أسمع عن الامعة هل تصلى قبل أن تزول الشمس؟ فقال‪ :‬حديث‬
‫ابن مسعود ﭬ‪« :‬أنه ِلى هبم الامعة ضحى وأنه لم تزل الشمس»‪ ،‬وحديث أبي‬
‫حازم عن سهل بن سعد ﭬ‪َ « :‬ما ُكناا ن َِق ُيل َو َال َن َت َغدا ى إِ اال َب ْعدَ َا ْل ُا ُم َع ِة يف عهد‬
‫رسول اهلل ﷺ» [متفق عليه]‪.‬‬
‫فهذا يدل على أنه قبل الزوال‪ ،‬ورأيته كأنه لم يدفع هبذه األحاديث أهنا قبل‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)4166‬ومسلم (‪ )660‬من حديث سلمة بن الكوع ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ .)265/1‬قال ابن حار يف الفتح (‪« :)361/2‬إسناده قوي»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)236‬ومسلم (‪ )652‬من حديث سهل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )656‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫‪589‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫الزوال‪ ،‬وكان رأيه على أنه إذا زالت الشمس فال شك يف الصالة‪ ،‬ولم أره يدفع‬
‫حديث ابن مسعود وسهل بن سعد على «أنه كان قبل الزوال»‪ ،‬وهذا اختيار عدد‬
‫من علمائنا‪ ،‬منهم‪ :‬ابن باز‪ ،‬واأللباين‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬وآخر وقت الامعة هو آخر وقت ِالة الظهر حين يصـير ظل الشـيء‬
‫كطوله بعد يفء الزوال‪ ،‬فإذا أدرل ركعة قبل خروج وقتها فقد أدرل الامعة‪ ،‬وإال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَة‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ا‬
‫الصال َ َة» [متفق‬ ‫ِالها ظهر ًا أربعًا؛ لحديث‪َ « :‬م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ا‬
‫عليه](‪ ،)2‬وهذا اختيار ابن قدامة‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين(‪.)3‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َُ َُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ه‬
‫(اثلاين‪ :‬أن تكون بِق ْرية‪ ،‬ولو مِن قصب‪ ،‬يستوطِنها أربعون‪ ،‬استِيطان إقامة‪،‬‬
‫َ َُ َ َ ً‬
‫يفا وال ِش َت ً‬
‫اء)‪ :‬فال تاب الامعة إال على المستوطنين يف بلد‪ ،‬أو‬ ‫ال يظعنون ص‬
‫مكان ال يظعنون عنه ِـي ًفا وال شتا ًء إذا كان مبن ًيا بما جرت به عادهتم من طين‪ ،‬أو‬
‫أسمنت‪ ،‬أو خشب‪ ،‬أو قصب‪ ،‬أو جريد‪ ،‬أو نحوه‪ ،‬هذا مذهب أكثر أهل العلم‪،‬‬
‫وأما المسافرون فال جمعة عليهم‪ ،‬وكذا البدو الرحل الذين يتنقلون بخيامهم ال‬
‫جمعة عليهم‪.‬‬
‫والدليل على ذلك‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ لم ينقل عنه أنه ِالها يف سفره مع أنه‬
‫ظهرا قصـرا‪ ،‬وكذا يف عرفة يف حاة‬
‫كان يسافر معه الخلق الكثير‪ ،‬وإنما كان يصليها ً‬
‫ظهرا‪.‬‬
‫الوداع لم يصلها جمعة‪ ،‬وإنما ِالها ً‬
‫وقد كانت قبائل العرب حول المدينة‪ ،‬فلم يقيموا جمعة‪ ،‬ولم يأمرهم النبي ﷺ‬
‫يام ُع فيها‪ ،‬كما ثبت يف‬ ‫بإقامتها كما أمرهم بإقامة الصالة‪ ،‬وأما القرى فقد كانت ا‬
‫اس ﭭ َأ ان ُه َق َال‪« :‬إِ ان َأ او َل ُج ُم َع ُة ُجم َع ْت َب ْعدَ ُج ُم َع ُة فِي َم ْس ِا ِد‬
‫البخاري َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬

‫(‪ )1‬مسائل عبداهلل ص (‪ ،)12‬المغني (‪ ،)264/2‬شـرح مسلم (‪ ،)62/3‬إرواء الغليل (‪ ،)232/3‬الممتع‬


‫(‪ِ ،)41/5‬الة المؤمن ص (‪.)122‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)426‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)235/2‬الممتع (‪.)43/5‬‬

‫‪562‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪590‬‬

‫س بِ ُا َوا َثى مِ َن ال َب ْح َر ْي ِن»(‪ ،)1‬وهي قرية هنال‪.‬‬


‫ول ال ال ِـه ﷺ فِي َم ْس ِا ِد َع ْب ِد ال َق ْي ِ‬
‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫فالضابط‪ :‬كوهنم مستوطنين ببناء متقارب ال يظعنون عنه ِـي ًفا وال شتا ًء‪ ،‬فمن‬
‫لم يستوطن يف محل لم تاب عليه الامعة‪ ،‬وال عربة بنوع البناء وإنما بحال‬
‫أهلها(‪.)2‬‬
‫ه‬
‫الص َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫حراءِ)‪ :‬األِل أن تقام ِالة الامعة يف‬ ‫قارب ابلُنيان مِن‬ ‫(وت ِصح‪ :‬فِيما‬
‫المساجد داخل المدن‪ ،‬كما كان الرسول ﷺ يصليها يف مساده‪ ،‬ولم يكن يخرج‬
‫إلى المصلى كما كان يفعل يف العيد‪.‬‬
‫وياوز إقامتها خارج البلد يف مكان قريب‪ ،‬كمصلى العيد‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬أن أسعد بن زرارة ﭬ‪« :‬أول من جمع يف َح ار ِة َبنِي َب َي َ‬
‫اض َة»(‪ ،)3‬وهي‬
‫على ميل من المدينة‪ ،‬فإقامتها يف المساد ليس شـر ًطا إذا توفرت الشـروأ‬
‫األخرى‪ ،‬وهذا المذهب‪.‬‬
‫أن ُفوا ُظ ً‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ ُ ََْ َ َ‬ ‫ه ُ ُ ُ ُ َ‬
‫أربع َ‬
‫هرا)‪ :‬فيشرتأ‬ ‫ي‪ .‬فإن نقصوا قبل إتمامِها‪ :‬است‬ ‫ِ‬ ‫(اثلال ِث‪ :‬حضور‬
‫لصحتها حضور‬
‫أربعين من أهل وجوهبا‪ ،‬وهم الرجال البالغون المستوطنون وهذا المذهب‪.‬‬
‫السنا ُة‬ ‫ِ‬
‫واستدلوا بأدلة ال تخلو من نظر‪ ،‬منها‪ :‬قول جابر بن عبداهلل ﭬ‪َ « :‬م َضت ُّ‬
‫َأ ان فِي ُكل َأرب ِعين َفص ِ‬
‫اعدً ا ُج ُم َع ًة»(‪ ،)4‬وكل األحاديث معلولة‪ ،‬ال يصح منها شـيء‪،‬‬ ‫َْ َ َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )622‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪.)166/24‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)1062‬وابن ماجه (‪ )1062‬من حديث كعب بن مالك ﭬ‪ .‬وحسنه ابن حار يف‬
‫التلخيص الحبير (‪ ،)132/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)600‬‬
‫(‪ )4‬رواه الدارقطني (‪ ،)306/2‬والبيهقي يف السنن (‪ )252/3‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪ .‬قال البيهقي‪:‬‬
‫«تفرد به عبدالعزيز القرشـي‪ ،‬وهو ضعيف»‪ ،‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)131/2‬وعبدالعزيز‬
‫قا ل أحمد‪ :‬اضـرب على حديثه فإهنا كذب أو موضوعة‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬منكر‬
‫الحديث»‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫‪591‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫وقد ساقها الدارقطني‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬والحافظ ابن حار‪ ،‬واأللباين‪ ،‬وبينوا عللها‪،‬‬
‫وليس يف عدد األربعين حديث ثابت‪ ،‬إال حديث كعب بن مالك ﭬ‪َ « :‬أ او ُل َم ْن‬
‫اض َة فِي ن َِقي ُع ُي َق ُال َل ُه ن َِقي ُع‬
‫يت مِ ْن َح ار ِة َبنِى َب َي َ‬ ‫جمع بِنَا أسعد بن زرارة ف ِي َه ْز ِم النابِ ِ‬
‫َ ا َ‬
‫ون» [رواه البخاري]‪ ،‬وهذه واقعة عين ال‬ ‫ات‪ُ .‬ق ْل ُت ك َْم َأ ْن ُت ْم َي ْو َمئِ ُذ؟ َق َال‪َ :‬أ ْر َب ُع َ‬
‫ا ْل َخ ِضم ِ‬
‫َ‬
‫تدل على شـرطية العدد‪ ،‬وإنما حصل العدد اتفا ًقا‪ ،‬وال يوجد دليل ِحيح ِـريح‬
‫على اشرتاطه(‪.)1‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬أنه ال يشرتأ لصحتها حضور أربعين‪ ،‬فتصح بثالثة‪ :‬واحدٌ‬
‫إمام‪ ،‬واثنان معه جماعة‪ ،‬وقد روى أبو داود قوله ﭬ‪َ « :‬ما مِ ْن َثالَ َث ُة فِي َق ْر َي ُة َو َ‬
‫ال‬
‫ان‪َ ،‬ف َع َل ْي َك بِا ْل َا َما َع ِة»(‪.)2‬‬
‫است َْح َو َذ َع َل ْي ِه ُم الشـي َط ُ‬ ‫يهم الصالَ ُة إِ ا ِ‬
‫ال َقد ْ‬
‫ِ‬ ‫فِي بَدْ ُو َ‬
‫ال ُت َقا ُم ف ِ ُ ا‬
‫وكما أن ِالة الاماعة ال يشرتأ لها هذا العدد‪ ،‬فالامعة كذلك‪.‬‬
‫[الامعة‪:‬‬ ‫واألِل وجوهبا على المقيمين‪ ،‬وقد قال تعالى‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾‬
‫‪ ،]2‬وهذا بصـيغة الامع‪ ،‬وأقل الامع ثالثة‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن باز‪،‬‬
‫وابن عثيمين(‪.)3‬‬
‫ه ُ َ َ ُّ ُ ُ َ َ‬
‫ي)‪ :‬يف قول عامة أهل العلم؛ ألن رسول اهلل ﷺ واظب‬ ‫(الرابِــع‪ :‬تقدم خطبت ِ‬
‫ِ‬
‫عليها‪ ،‬ولم ينقل عنه اإلخالل هبا‪ ،‬وقال ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُموني ُأ َ‬
‫ِلي» [متفق‬

‫عليه]‪ ،‬وقال ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق عليه]‪ ،‬والعبادات‬
‫توقيفية‪ ،‬ولو كانت تاز بدوهنا لرتكها ولو مرة لبيان الاواز‪ ،‬قال عمر ﭬ‪:‬‬
‫خ ْط َب ِة»(‪.)4‬‬
‫َت ا ْل ُا ُم َع ُة َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬ف ُا ِع َل ْت َر ْك َع َت ْي ِن مِ ْن َأ ْج ِل ا ْل ُ‬
‫«كَان ِ‬

‫(‪ )1‬إرواء الغليل (‪.)62/3‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)541‬والنسائي (‪ ،)641‬وأحمد (‪ )21110‬من حديث أبي الدرداء ﭬ‪ .‬وِححه‬
‫النووي يف الخالِة (‪ ،)211/1‬وحسنه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)556‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري (‪ ،)423/2‬الممتع (‪.)53/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)461/1‬‬

‫‪521‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪592‬‬

‫ظهرا‪،‬‬
‫فلو لم يخطبوا قبل ِالة الامعة لعذر أو لغير عذر‪ ،‬فإهنم يصلوهنا ً‬
‫ويشرتأ كوهنما خطبتين كما كان رسول اهلل ﷺ يفعل‪ ،‬ففي الصحيحين عن ابن‬
‫َان النابِ ُّي ﷺ َي ْخ ُط ُ‬
‫ب ُخ ْط َب َت ْي ِن َي ْق ُعدُ َبيْنَ ُه َما»(‪ ،)1‬ولو خطب واحدة‬ ‫عمر ﭭ قال‪« :‬ك َ‬
‫فال تاز ‪ ،‬وهذا مذهب الامهور(‪.)2‬‬
‫ِّ ه ُ ُ ُ ُ‬
‫وع ُه َما َح َ ً‬ ‫ه َ َ َ ُ َ َ َْ ُ‬ ‫قوهل‪( :‬مِن َ ْ‬
‫َضا‪.‬‬ ‫الوقت‪ .‬وانلـية‪ .‬ووق‬ ‫رش ِط ِصحتِ ِهما مخسة أشياء‪:‬‬
‫َ ُ َ ه َ ُّ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ‬
‫وحضور األرب ِعي‪ .‬وأن يكونا مِمن ت ِصح إمامته فِيها)‪.‬‬
‫َْ ُ‬
‫الوقت)‪ :‬فتكون يف وقت ِالة الامعة؛ ألهنا تابعة لها‪ ،‬فتأخذ حكمها يف‬ ‫(‬
‫الوقت‪ ،‬والتابع تابع‪ ،‬وألهنا بدل الركعتين فياب أن تكون يف وقت الصالة‪،‬‬
‫ومضـى بيانه‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه وقت ِالة العيد‪ ،‬وتقدم أن السنة دلت على أنه بعد الزوال‪،‬‬
‫قليال‪.‬‬
‫وياوز تقدمها على الزوال ً‬
‫هُ‬
‫(وانلِّـية)‪ :‬بأن ينوي أهنا خطبة الامعة؛ ألهنا عبادة مخصوِة‪ ،‬فالبد من‬
‫ات‪َ ،‬وإِن َاما ل ِ ُكل ا ْم ِر ُ َما ن ََوى» [متفق عليه]‪.‬‬
‫تعيينها؛ لحديث‪« :‬إِناما األَ ْعم ُال بِالني ِ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ُُ ُ َُ َ َ‬
‫ووقوعهما حَضا)‪ :‬فلو خطبوا يف السفر وِلوها جمعة‪ ،‬فصالهتم غير‬ ‫(‬
‫مسافرا والاماعة‬
‫ً‬ ‫ِحيحة؛ ألن من شـروطها االستيطان‪ ،‬وأما لو كان الخطيب‬
‫مقيمين‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬ال تصح‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬أن إمامة المسافر بالمقيمين يف الامعة ِحيحة‪ ،‬والخطبة مثلها‪،‬‬
‫ً‬
‫استقالال‪.‬‬ ‫ولكنها ليست واجبة عليه بانفراده‪ ،‬وإنما يثبت تب ًعا ما ال يثبت‬
‫ُ ُ ُ َ َ‬
‫ربع َ‬
‫ي)‪ :‬شـرأ لصحة الامعة والخطبة على المذهب‪ ،‬فإن نقصوا‬ ‫(وحضور األ ِ‬
‫لم تاز ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)226‬ومسلم (‪ )661‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬شـرح النووي على مسلم (‪ ،)150/6‬المغني (‪.)224/2‬‬

‫‪522‬‬
‫‪593‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫من ثالثة‪ ،‬كما قرره شـيخ‬ ‫وتقدم أن هذا العدد ليس شـر ًطا‪ ،‬وأهنا تاز‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫َُُ َ‬ ‫َ ُ َ ه َ ُّ‬
‫(وأن يكونا مِمن ت ِصح إمامته فِيها)‪ :‬فال تصح خطبة المسافر والعبد على‬
‫المذهب؛ لعدم ِحة إمامتهم فيها‪ ،‬وسبق أن الراجح ِحة إمامة هؤالء يف‬
‫ِحت إمامته إال لدليل‪ ،‬وإنما أخرجنا المرأة‬ ‫ا‬ ‫ِحت ِالته‬ ‫ا‬ ‫الامعة‪ ،‬ومن‬
‫للدليل‪ ،‬وأما هؤالء فتصح‪.‬‬
‫َ َُ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫هٌ َ ُ‬ ‫ُُ‬
‫اب‬
‫ول اهلل‪ .‬وق ِراءة آية مِن ك ِت ِ‬
‫قوهل‪( :‬وأرَكنهما ِستة‪ :‬محد اهلل‪ .‬والصالة ىلع رس ِ‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َُُ ََ ه‬ ‫ه‬ ‫َ هُ َ‬ ‫ه‬
‫واجله ُر ِحبَيث يس ِمع‬ ‫قوى اَّللِ‪ .‬ومواالتهما مع الصالة ِ‪.‬‬‫بت َ‬ ‫اَّللِ‪ .‬والو ِصية‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َََ َ ُ‬
‫َب‪ ،‬حيث ال مان ِع)‪.‬‬ ‫العدد المعت‬
‫ال تصح الخطبة إال هبا على المذهب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫( َمح ُد اهلل)‪ :‬لحديث‪ُ « :‬ك ُّل ك ََال ُم َال يبدَ ُأ فِ ِ‬
‫يه بِا ْل َح ْمدُ ل ِ ال ِه َف ُه َو َأ ْج َذ ُم»(‪.)1‬‬ ‫ُْ‬
‫وألن رسول اهلل ﷺ كان يخطب‪ ،‬فيحمد اهلل ‪ ،‬ويثني عليه بما هو أهله(‪،)2‬‬
‫ومذهب جمهور العلماء استحباب حمد اهلل من غير اشرتاأ‪ ،‬فلو لم يحمد اهلل لم‬
‫تبطل خطبته؛ ألن ما نقل فعل يدل على االستحباب ال على اإليااب‪ ،‬وهذا قول‬
‫الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬ورجحه السعدي‪ ،‬وهو األظهر‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫ه ُ‬
‫ول اهلل)‪ :‬المذهب يرون ركنيته‪ ،‬وخالف فيه جملة‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫(والصالة ىلع رس ِ‬
‫تصح بدونه؛ إذ ال دليل على اشرتاطه‪ ،‬وهذا اختيار ابن القيم‪ ،‬وشـيخنا ابن‬
‫عثيمين‪ ،‬فهي مشـروعة يف الخطبة ومن كمالها ال من أركاهنا‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ َُ َ ْ َ‬
‫اب اَّللِ)‪ :‬وقد ِح أن رسول اهلل ﷺ كان يقرأ آيات من‬‫(وق ِراءة آية مِن ك ِت ِ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )4640‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬ورواه ابن ماجه (‪ )1624‬بلفظ‪« :‬كل أمر ذي بال‪ ،‬ال‬
‫يبدأ فيه بالحمد أقطع»‪ ،‬وعند النسائي يف الكربى (‪ ،)10255‬وابن حبان يف ِحيحه (‪ )1‬بلفظ‪« :‬بحمد اهلل‬
‫فهو أقطع»‪ .‬وضعفه ابن حار يف فتح الباري (‪ ،)220/6‬واأللباين يف إرواء الغليل (‪ ،)2‬وقد رجح بعض‬
‫العلماء أنه مرسل‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬والتلخيص الحبير (‪.)323/3‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )661‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬

‫‪523‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪594‬‬

‫القرآن يف الخطبة يذكر الناس هبا‪ ،‬كما يف ِحيح مسلم عن جابر بن َس ُم َر َة ﭬ‬


‫قال‪« :‬كَان َْت لِلنابِي ﷺ ُخ ْطبت ِ‬
‫َان َي ْالِ ُس َب ْينَ ُه َما َي ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن‪َ ،‬و ُي َذك ُر الن َ‬
‫ااس»(‪ ،)1‬وكان‬ ‫َ‬
‫يقرأ‪« :‬ق والقرآن المايد»(‪« ،)2‬والمرسالت»‪ ،‬والصحيح أن هذا مستحب غير‬
‫واجب‪ ،‬والخطبة تصح بدونه؛ ألن ما ورد عن رسول اهلل ﷺ مارد فعل‪ ،‬فال يكون‬
‫شـر ًطا يف هذا‪ ،‬ولكن ال شك أن القرآن أعظم واعظ وشفاء لما يف القلوب‪ ،‬فعلى‬
‫الخطيب اإلكثار من االستشهاد به‪ ،‬وعدم الوجوب رواية عن اإلمام أحمد‪،‬‬
‫واختاره ابن قدامة‪ ،‬والسعدي‪.‬‬
‫ه‬ ‫بت َ‬ ‫َ هُ َ‬
‫قوى اَّللِ)‪ :‬والمذهب ركنيتها‪.‬‬ ‫(والو ِصية‬
‫ُ َُُ ََ ه‬
‫(ومواالتهما مع الصالة ِ)‪ :‬ألن رسول اهلل ﷺ كان يوالي بينهما‪ ،‬ولم يفصل بين‬
‫الصالة والخطبة بفاِل طويل لم تصح‪ ،‬ولزمته اإلعادة‪ ،‬وإن كان قصـير ًا لم يضـر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َُْ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َََ َ ُ‬
‫َب‪ ،‬حيث ال مان ِع)‪ :‬فمن أركان الخطبة أن‬ ‫(واجلهر ِحبيث يس ِمع العدد المعت‬
‫يرفع الخطيب ِوته ليسمع العدد المعترب؛ ألن الحكمة منها وعظ المصلين‬
‫سمعهم فما فائدة الخطبة إ ًذا‪،‬‬ ‫وتذكيرهم‪ ،‬وهذا ال يكون إال بإسماعهم‪ ،‬فإذا لم ي ِ‬
‫ُ‬
‫ت َع ْينَا ُه‪َ ،‬و َع َال َِ ْو ُت ُه‪َ ،‬و ْاشتَدا َغ َضبُ ُه‪،‬‬ ‫اح َم ار ْ‬
‫ب ْ‬ ‫ولذا كان رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َخ َط َ‬
‫ول‪ َِ « :‬اب َح ُك ْم َو َم اسا ُك ْم» [رواه مسلم](‪.)3‬‬ ‫َحتاى ك ََأ ان ُه ُمن ِْذ ُر َج ْي ُ‬
‫ش‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫واألظهر‪ :‬أن أغلب ما ذكره يعترب من مكمالت الخطبة ال أركاهنا‪ ،‬فالركنية‬
‫تحتاج إلى دليل‪ ،‬وال دليل هنا يسلم‪ ،‬وإنما يشرتأ يف الخطبة‪:‬‬
‫األول‪ :‬المواالة بينها وبين الصالة بال قاطع طويل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن ياهر بمقدار ما يسمع العدد المعترب‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تشتمل على ما يسمى خطبة عر ًفا من وعظ وتذكير‪ ،‬وهذا مذهب‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )662‬من حديث جابر بن سمرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )612‬من حديث عمرة بنت عبد الرحمن‪ ،‬عن أخت لعمرة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )661‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫‪595‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫كثير من العلماء‪ ،‬كما نقله النووي عنهم(‪ ،)1‬منهم‪ :‬الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬وإليه يميل‬
‫السعدي حيث قال‪« :‬وأما اشرتاأ تلك الشـروأ يف الخطبتين‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬والصالة‬
‫على رسول اهلل‪ ،‬وقراءة آية من كتاب اهلل‪ ،‬فليس على اشرتاأ ذلك دليل‪ ،‬والصواب‬
‫أنه إن خطب خطبة يحصل هبا المقصود والموعظة أن ذلك ُ‬
‫كاف‪ ،‬وإن لم يلتزم‬
‫بتلك المذكورات‪ ،‬أما كون هذه شـر ًطا ال تصح إال هبا سواء تركها عمدً ا‪ ،‬أو خ ًطا‪،‬‬
‫سهوا‪ ،‬ففيه نظر ظاهر»(‪.)2‬‬
‫أو ً‬
‫لكن على الخطيب أن يراعي هذه األمور المذكورة‪ ،‬وأن يحرص على أن‬
‫تشتمل الخطبة على الحمد والثناء على اهلل ‪ ،‬والتشهد والصالة على رسول اهلل‬
‫ﷺ‪ ،‬وشـي ُء من القرآن‪ ،‬وشـي ُء من حديث رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والوِـية بالتقوى‪،‬‬
‫والوعظ والتذكير‪ ،‬هكذا كانت خطب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وخير الهدي هديه ﷺ‪ ،‬قال‬
‫ُ‬
‫خطبة من الخطبتين أن يحمد اهلل تعالى‪ ،‬ويصلي‬ ‫الشافعي‪« :‬وأقل ما يقع عليه اسم‬
‫ً‬
‫معقوال أن الخطبة جمع‬ ‫على النبي ﷺ‪ ،‬ويوِـي بتقوى اهلل‪ ،‬ويدعو يف االخرة؛ ألن‬
‫بعض‪ ،‬وهذا أوجز ما يامع من الكالم»(‪.)3‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وجوه إلى‬ ‫بعض الكالم من‬
‫وذكر العالمة ابن القيم ِفة خطبة رسول اهلل ﷺ فقال‪« :‬وكان مدار خطبه على‬
‫حمد اهلل والثناء عليه باالئه وأوِاف كماله ومحامده‪ ،‬وتعليم قواعد اإلسالم‪،‬‬
‫وذكر الانة والنار والمعاد‪ ،‬واألمر بتقوى اهلل‪ ،‬وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه‪،‬‬
‫ُ‬
‫وقت بما تقتضـيه حاجة‬ ‫فعلى هذا كان مدار خطبه‪ ،‬وكان يخطب يف كل‬
‫المخاطبين ومصلحتهم‪ ،‬ولم يكن يخطب خطب ًة إال افتتحها بحمد اهلل‪ ،‬ويتشهد‬
‫فيها بكلمتي الشهادة‪ ،‬ويذكر فيها نفسه باسمه العلم»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬شـرح مسلم (‪.)322/6‬‬


‫(‪ )2‬المختارات ص (‪.)10‬‬
‫(‪ )3‬األم (‪.)230/1‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد (‪.)161/1‬‬

‫‪525‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪596‬‬
‫للمسلم َ‬ ‫ُّ َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ه َُ َ ُْ َ‬
‫الع َ‬ ‫ُ َُُ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ورة ِ‪ .‬وإزالة انلهجاسةِ‪ .‬وادلاعء‬ ‫قوهل‪( :‬وسننهما‪ :‬الطهارة‪ .‬وسَّت‬
‫ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ٌ َ ُ ه‬ ‫َ ه‬ ‫ْ َََه َُ‬
‫بهما حس َب الطاقةِ‪ .‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫وت‬
‫ِ‬ ‫الص‬ ‫فع‬‫ور‬ ‫‪.‬‬‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ِ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫الص‬ ‫مع‬ ‫ا‪،‬‬ ‫م‬ ‫وأن يتواله‬
‫َ َ َ َُ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ ُ َ ً‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫َيط َب قائ ِما ىلع مرتفع‪ ،‬معت ِمدا ىلع سيف‪ ،‬أو عصا‪ .‬وأن َيلِس بينهما‬
‫ً َ َ َ َ ََُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ً‬
‫قلِيال‪ .‬فإن أَب‪ ،‬أو خط َب جال ِسا‪ :‬فصل بينهما بسكتة‪.‬‬
‫واثلان َِي ُة َ ُ‬
‫ه‬ ‫ُ ه َ ْ ُ ُ‬
‫أقَص)‪.‬‬ ‫َصهما‪،‬‬ ‫وسن‪ :‬ق‬
‫ذكر ما يستحب للخطيب أن يأيت به عند خطبة الامعة‪ ،‬وال ياب‪.‬‬
‫ه َُ‬
‫(الطهارة)‪ :‬أثناء الخطبة؛ لما فيها من األذكار والقرآن‪ ،‬وقد كان رسول اهلل ﷺ‬
‫يحرص على الطهارة حين يريد ذكر اهلل‪ ،‬ولئال يحتاج للخروج للوضوء بين‬
‫الخطبة والصالة‪.‬‬
‫َ ُْ َ‬
‫الع َ‬
‫ورة ِ)‪ :‬وسرت العورة إن أريد من السـرة إلى الركبة فواجب‪.‬‬ ‫(وسَّت‬
‫وإن أريد فوق ذلك وهو الظاهر‪ ،‬فهذا من السنن المؤكدة‪ ،‬وهو من الزينة التي‬
‫أمر اهلل هبا بقوله‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ﴾ [األعراف‪.]31 :‬‬
‫َ َ‬ ‫َُ‬
‫(وإزالة انلهجاس ِة)‪ :‬عن بدنه وثوبه‪ ،‬وليس ذلك شـر ًطا لصحة الخطبة‪ ،‬لكنها‬
‫من السنن المتأكدة خاِة وقد ُأمر القادم للامعة باالغتسال‪.‬‬
‫للمسلم َ‬ ‫ُّ َ ُ ُ‬
‫ي)‪ :‬ألهنا ساعة ترجى فيها اإلجابة‪ ،‬فيدعو باوامع الدعاء له‬ ‫ِِ‬ ‫(وادلاعء‬
‫وللمسلمين‪ ،‬وال ينبغي اإلطالة يف الدعاء؛ ألنه لم يكن هد ًيا معرو ًفا عن الرسول‬
‫ﷺ‪ ،‬وإنما يأخذ جوامع الدعاء‪ ،‬وقد جاء يف شأن ساعة الامعة قوله ﷺ‪ِ « :‬ه َي َما‬
‫َب ْي َن َأ ْن َي ْالِ َس ْ ِ‬
‫اإل َما ُم إِ َلى َأ ْن ُت ْقضـى ا‬
‫الص َال ُة» [رواه مسلم](‪.)1‬‬
‫َان يس َت ْغ ِفر ل ِ ْلم ْؤمِنِين وا ْلم ْؤمِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫وع ْن َس ُمرة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫َات‪،‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ول اهلل ﷺ ك َ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ات ُك ال ُج ُم َع ُة»(‪.)2‬‬
‫وا ْلمسلِ ِمين وا ْلمسلِم ِ‬
‫َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ ُ ْ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )653‬من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البزار (‪ )4664‬من حديث سمرة ﭬ‪ .‬قال البزار‪« :‬وهذا الكالم ال نعلمه يروى عن النبي ﷺ هبذا‬
‫=‬

‫‪526‬‬
‫‪597‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬
‫ٌ‬ ‫َ ه‬ ‫ْ َََه َُ‬
‫حد)‪ :‬كما كان الرسول ﷺ وخلفاؤه يخطبون‬‫(وأن يتوالهما‪ ،‬مع الصالة ِ‪ ،‬وا ِ‬
‫ويصلون بالمسلمين الامعة‪ ،‬فإن ِلى غير الخطيب خالف السنة‪ ،‬وِالهتم‬
‫ِحيحة؛ ألنه ال يشرتأ اتحاد الخطيب والمصلي‪ ،‬وما نقل مارد فعل دال على‬
‫السنية ال الوجوب‪ ،‬قال اإلمام أحمد يف اإلمام يخطب يوم الامعة ويصلي األمير‬
‫بالناس‪ :‬ال بأس إذا حضـر األمير الخطبة؛ ألنه ال يشرتأ اتصالها هبا‪ ،‬فلم يشرتأ‬
‫أن يتوالهما واحد‪ ،‬كصالتين(‪.)1‬‬
‫ه َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ ه‬
‫بهما حس َب الطاق ِة)‪ :‬وهذا أبلغ وأوقع يف النفس‪ ،‬وأقرب إلى‬ ‫وت ِ‬ ‫(ورفع الص ِ‬
‫ت َع ْينَا ُه‪َ ،‬و َع َال َِ ْو ُت ُه‪،‬‬
‫اح َم ار ْ‬
‫ب ْ‬‫السنة‪ ،‬كما ثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه‪« :‬إِ َذا َخ َط َ‬
‫َو ْاشتَدا َغ َض ُب ُه‪َ ،‬حتاى ك ََأ ان ُه ُمن ِْذ ُر َج ْي ُ‬
‫ش َي ُق ُ‬
‫ول‪ َِ « :‬اب َح ُك ْم َو َم اسا ُك ْم» [رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫ْ َ ُ‬
‫(وأن َيط َب قائ ِما)‪ :‬وهذا أبلغ يف التأثير‪ ،‬وهو هدي الرسول ﷺ‪ ،‬وسنة خلفائه‬
‫الراشدين‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭿ ﮀ﴾ [الامعة‪.]11 :‬‬
‫ب َقائِ ًما‪ُ ،‬ث ام‬ ‫وروى مسلم عن جابر بن سمرة ﭬ قال‪« :‬كان النبي ﷺ َي ْخ ُط ُ‬
‫ب َجال ِ ًسا‪َ ،‬ف َقدْ ك ََذ َب‪َ ،‬ف َقدْ‬ ‫ب َقائِ ًما‪َ ،‬ف َم ْن َن اب َأ َل َأ ان ُه ك َ‬
‫َان َي ْخ ُط ُ‬ ‫َي ْالِ ُس‪ُ ،‬ث ام َي ُقو ُم‪َ ،‬ف َي ْخ ُط ُ‬
‫واهلل َِ ال ْي ُت َم َع ُه َأ ْك َث َر مِ ْن َأ ْل َف ْى َِال َُة»(‪.)3‬‬
‫ُ ََ‬
‫(ىلع مرتفع)‪ :‬ألنه ثابت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فبعد ما وضع له المنرب كان يخطب‬
‫الامعة عليه‪ ،‬وأما قبل فكان يخطب إلى جنب جذع نخلة يف مقدمة المساد(‪،)4‬‬
‫ااس َويسمعوا ُخ ْط َبتَه(‪ ،)5‬فكان يقف على‬ ‫ُ‬ ‫وقد كان منربه ﷺ َث َال َ‬
‫ث َد َر َجات ليراه الن ُ‬
‫=‬
‫اللفظ إال عن سمرة هبذا اإلسناد»‪ ،‬وقال ابن حار يف بلوغ المرام (‪« :)430‬رواه البزار بإسناد لين»‪ ،‬وقال‬
‫الهيثمي يف مامع الزوائد (‪« :)121/2‬ويف إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي‪ ،‬وهو ضعيف»‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكايف يف فقه اإلمام أحمد (‪.)326/1‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)524‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )662‬من حديث جابر بن سمرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )3563‬من حديث عبداهلل بن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )544‬من حديث سهل بن سعد ﭬ‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪598‬‬

‫الدرجة الثالثة ويالس يف مسرتاحه‪ ،‬وهكذا خلفاؤه من بعده خطبوا على منربه‪،‬‬
‫وإنما عرفت المبالغة يف رفع المنرب يف دولة بني أمية‪ ،‬فال ينبغي المبالغة يف رفعه(‪.)1‬‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ً‬
‫(معت ِمدا ىلع سيف‪ ،‬أو عصا)‪ :‬فمن السنة أن يتكئ الخطيب على عصا‪ ،‬أو‬
‫قوس؛ لحديث الحكم بن َح ْز ُن ﭬ أهنم وفدوا على رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ش ِهدْ نَا‬
‫اهلل َو َأ ْثنَى‬ ‫ِ‬
‫س‪َ ،‬ف َحمدَ َ‬‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َقا َم ُمت ََوك ًئا َع َلى َع ًصا‪َ ،‬أ ْو َق ْو ُ‬‫يها ا ْل ُام َع َة م َع رس ِ‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫ف َ‬
‫ِ‬
‫ات مبارك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ ُ ِ ُ‬
‫َات»(‪.)2‬‬ ‫َع َل ْيه‪ ،‬كَل َمات َخفي َفات َطي َب ُ َ َ‬
‫َان النابِ ُّي ﷺ َي ُقو ُم َع َلى َع ًصا‬ ‫وروى البيهقي َع ِن اب ِن جري ُج َق َال‪ُ « :‬ق ْل ُت لِع َط ُ‬
‫اء‪َ :‬أك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعت َما ًدا» ‪ ،‬ولم يرد هذا إال يف حديث‬ ‫َان َي ْعتَمدُ َع َل ْي َها ْ‬‫ب؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪ .‬ك َ‬‫إِ َذا َخ َط َ‬
‫(‪)3‬‬

‫كاف يف‬ ‫الحكم ﭬ مع كثرة من نقل خطب الرسول ﷺ من الصحابة‪ ،‬وهو ُ‬


‫المشـروعية‪ ،‬لكن يظهر أنه ليس هديًا دائمًا له ﷺ‪ ،‬وعليه فإن اعتمد على عصا‬
‫فقد ثبت‪ ،‬وإن لم يعتمد على شـيء فال بأس‪.‬‬
‫وأما االعتماد على سـيف‪ ،‬فلم يحفظ عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬كما قرره ابن القيم‪،‬‬
‫لكنهم قاسوه على القوس(‪.)4‬‬
‫َ َ َ َُ َ ً‬
‫(وأن َيلِس بينهما قلِيال)‪ :‬وجمهور العلماء أن هذه الالسة سنة‪ ،‬كما ثبت أن‬
‫ون َ‬
‫اآلن» [رواه مسلم]‪.‬‬ ‫ب َقائِ ًما‪ُ ،‬ث ام َي ْق ُعدُ ‪ُ ،‬ث ام َي ُقو ُم‪ ،‬ك ََما َت ْف َع ُل َ‬
‫َان َي ْخ ُط ُ‬
‫النبي ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫ولكن لو لم يالسها فيصح مع مخالفته السنة‪ ،‬وقد ورد عن جماعة أهنم‬
‫سـردوا الخطبة‪ ،‬منهم‪ :‬المغيرة‪ ،‬وعلي‪ ،‬وأبي بن كعب ﭬ(‪.)5‬‬
‫لكن يلزمه أن يفصل بين الخطبتين بفاِل من سكوت‪ ،‬ونحوه‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شـرح الزرقاين على المواهب اللدنية (‪.)526/6‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1026‬وأحمد (‪ )11656‬من حديث الحكم بن حزن ﭬ‪ .‬وحسنه النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪ ،)121/2‬وابن حار يف التلخيص الحبير (‪ ،)152/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)616‬‬
‫(‪ )3‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ ،)66‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)5246‬والبيهقي يف السنن (‪.)222/3‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد (‪ ،)120/1‬الممتع (‪.)63/5‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪.)211/2‬‬

‫‪526‬‬
‫‪599‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬
‫ً َ َ َ َ ََُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫(فإن أَب‪ ،‬أو خط َب جال ِسا‪ :‬فصل بينهما بسكتة)‪ :‬أي إذا لم يالس بين‬
‫الخطبتين‪ ،‬فيلزمه أن يفصل بين الخطبتين بسكوت‪ ،‬وال يسـردها خطبة واحدة‪،‬‬
‫فالخطبتان واجبة‪ ،‬ويفصل بينهما بفاِل حتى تتميزا‪ ،‬والسنة أن يالس‪ ،‬فإن لم‬
‫يالس فليسكت بينهما‪.‬‬
‫واثلان َِي ُة َ ُ‬
‫ه‬ ‫ُ ه َ ْ ُ ُ‬
‫أقَص)‪ :‬فالسنة اختصار الخطبة من غير إخالل؛ ألن‬ ‫َصهما‪،‬‬ ‫(وسن‪ :‬ق‬
‫يف هذا اتباعًا للسنة‪ ،‬وعدم إمالل للسامعين‪ ،‬وأدعى لفهم الحاضـرين لها‬
‫ول‬ ‫ول‪« :‬إِ ان ُط َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫وحفظها‪ ،‬وروى مسلم عن َع امار ﭬ قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫خ ْط َبةَ‪َ ،‬وإِ ان‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَ َة َوا ْقصـروا ا ْل ُ‬ ‫الر ُج ِل َوقصـر ُخ ْط َبته َمئنا ٌة م ْن ف ْق ِهه‪َ ،‬ف َأطي ُلوا ا‬ ‫َِالَة ا‬
‫ان ِس ْح ًرا»(‪.)1‬‬ ‫مِن ا ْلبي ِ‬
‫َ ََ‬
‫ب»(‪.)2‬‬ ‫خ َط ِ‬ ‫ول اهلل ﷺ بِإِ ْق َص ِ‬
‫ار ا ْل ُ‬ ‫وروى أبوداود عن َع امار ﭬ َق َال‪َ « :‬أ َم َرنَا َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َكان َْت َِ َال ُت ُه‬ ‫وع ْن َجابِ ِر ْب ِن سمر َة ﭬ َق َال‪ُ « :‬كن ُْت ُأ َِلي م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫ال ُيطِ ُيل ا ْل َم ْو ِع َظ َة َي ْو َم‬
‫ول اهلل ﷺ َ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫َق ْصدً ا‪َ ،‬و ُخ ْط َب ُت ُه َق ْصدً ا» [رواه مسلم](‪« .)3‬وك َ‬
‫ات»(‪.)4‬‬ ‫سـير ٌ‬
‫ات َي َ‬ ‫ا ْل ُا ُم َع ِة‪ ،‬إِن َاما ُه ان كَلِ َم ٌ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حيفة)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وال بأس‪ :‬أن َيطب مِن ص ِ‬
‫أما رسول اهلل ﷺ وخلفاؤه الراشدون‪ ،‬فقد كانوا يخطبون من ِدورهم بال‬
‫ِحف‪ ،‬لكن لو احتاج الخطيب أن يخطب من أوراق أو ما يقوم مقامها من‬
‫األجهزة الحديثة فال بأس به وال كراهة‪ ،‬وكذا الصالة لو احتاج لإلمسال‬
‫بالمصحف فال بأس به‪ ،‬والخطبة من باب أولى‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )662‬من حديث عمار ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )1106‬من حديث عمار ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )666‬من حديث جابر بن سمرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ )1101‬من حديث جابر بن سمرة ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪،)126/2‬‬
‫وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)631/4‬‬

‫‪522‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪600‬‬

‫ومن السنة إذا ِعد المنرب أن يسلم على المأمومين قبل الخطبة‪ ،‬فعن َع َط ُ‬
‫اء َأ ان‬ ‫َ ْ‬
‫الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم»(‪.)1‬‬ ‫َان إِ َذا َِ ِعدَ ا ْل ِمنْ َب َر َأ ْق َب َل بِ َو ْج ِه ِه َع َلى الن ِ‬
‫ااس‪َ ،‬ف َق َال‪ « :‬ا‬ ‫النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫ويشهد للحديث ويقويه جريان عمل الخلفاء عليه‪ ،‬فقد ورد عن أبي بكر‪،‬‬
‫وعمر‪ ،‬وعثمان ﭬ أهنم كانوا يفعلونه(‪.)2‬‬
‫ومن السنة أن يقبل الخطيب على المأمومين يف جميع خطبته‪.‬‬
‫وأال يكثر فيها من الحركة ورفع اليدين‪ ،‬فليس من السنة كثرة تحريك اليدين‬
‫أثناء خطبة الامعة‪ ،‬إال إذا استسقى‪ ،‬وروى مسلم َع ْن ُع َم َار َة ْب ِن ُر َؤ ْي َب َة ﭬ َق َال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َع َلى ا ْلمنْ َب ِر َراف ًعا َيدَ ْيه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ق اب َح ُ‬
‫اهلل َها َت ْي ِن ا ْل َيدَ ْي ِن‪َ ،‬ل َقدْ َر َأ ْي ُت‬ ‫« َر َأى بِشـر ْب َن َم ْر َو َ‬
‫ول بِ َي ِد ِه َه َك َذا‪َ ،‬و َأ َش َار بِإِ ِْ َب ِع ِه ا ْل ُم َسب َح ِة»(‪.)3‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َما َي ِزيدُ َع َلى َأ ْن َي ُق َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫مسـروق‪ :‬أنه راهم رافعين أيديهم يوم الامعة‪ ،‬واإلمام‬ ‫ُ‬ ‫وروى عبدالرزاق عن‬
‫يخطب‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم اقطع أيديهم»(‪.)4‬‬
‫وعن الزهري‪« :‬أنه قال عن رفع اليدين يف يوم الامعة‪ :‬محدث»(‪.)5‬‬
‫وينبغي كون الخطبة فصـيحة‪ ،‬بليغة‪ ،‬مرتبة‪ ،‬واضحة المعاين‪ ،‬من غير تقعر يف‬
‫ول اهللِ ﷺ َال ُيطِ ُيل ا ْل َم ْو ِع َظ َة َي ْو َم‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫األلفاظ‪ ،‬وال إطالة يف الكالم‪ ،‬وقد‪« :‬ك َ‬
‫ول اهللِ ﷺ َت ْرتِ ٌيل‪َ ،‬أ ْو‬ ‫َان فِي ك ََال ِم رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ات»‪ ،‬و«ك َ‬
‫سـير ٌ‬ ‫ا ْل ُا ُم َع ِة‪ ،‬إِن َاما ُه ان كَلِ َم ٌ‬
‫ات َي َ‬

‫(‪ )1‬رواه عبدالرزاق (‪.)5261‬‬


‫(‪ )2‬رواه عبدالرزاق (‪ ،)5262‬وابن أبي شـيبة (‪ )442/1‬من طريق الشعبي قال‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا ِعد‬
‫المنرب أقبل على الناس بوجهه‪ ،‬وقال‪« :‬السالم عليكم»‪ ،‬قال‪ :‬فكان أبو بكر وعمر يفعالن ذلك بعد النبي ﷺ‪.‬‬
‫وروى ابن أبي شـيبة (‪ )442/1‬من طريق أبي نضـرة قال‪« :‬كان عثمان قد كرب‪ ،‬فإذا ِعد المنرب سلم‪ ،‬فأطال‬
‫قدر ما يقرأ إنسان أم الكتاب»‪ ،‬سلسلة األحاديث الصحيحة (‪.)101/5‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )614‬من حديث عمارة بن رؤيبة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪.)5260‬‬
‫(‪ )5‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪.)5216‬‬

‫‪600‬‬
‫‪601‬‬ ‫باب صالة اجلمعة‬

‫ول اهللِ ﷺ ك ََال ًما َف ْص ًال َي ْف َه ُم ُه ُك ُّل َم ْن َس ِم َع ُه»(‪.)2‬‬


‫َان ك ََالم رس ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َت ْر ٌ‬
‫سـيل»(‪ ،)1‬و«ك َ‬
‫والسنة للخطيب أن ال يحضـر للامعة إال بعد دخول الوقت‪ ،‬بحيث يشـرع‬
‫فيها أول دخوله‪ ،‬وهذا المنقول عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلم يكن يدخل يتنفل قبل‬
‫الخطبة‪ ،‬وإنما يتنفل يف البيت إن أراد ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)4636‬من حديث جابر ﭬ‪ ،‬ويف سنده ماهول‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )4632‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬ورواه الرتمذي (‪ )3632‬بلفظ‪« :‬ما كان رسول اهلل ﷺ‬
‫يسـرد سـردكم هذا‪ ،‬ولكنه كان يتكلم بكالم يبينه‪ ،‬فصل‪ ،‬يحفظه من جلس إليه»‪ ،‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث‬
‫حسن ِحيح‪ ،‬ال نعرفه إال من حديث الزهري»‪.‬‬

‫‪601‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪602‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬

‫عقده لبيان جملة من المسائل المهمة المتعلقة بصالة الامعة‪.‬‬


‫ُ َْ َ ُُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َُْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫قوهل‪َ( :‬ي ُرم‪ :‬اللَكم واإلمام َيط ُب‪ ،‬وهو مِنه ِحبَيث يسمعه)‪.‬‬
‫ياب اإلنصات لخطبة الامعة‪ ،‬ويحرم الكالم واإلمام يخطب إن كان يسمع‬
‫كالمه‪ ،‬ونقل ابن عبدالرب اإلجماع على وجوب اإلنصات على من يسمع الخطبة‬
‫احبِ َك َأن ِْص ْت َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِة‬‫إال عن قليل من التابعين(‪)1‬؛ لحديث‪« :‬إِ َذا ُق ْل َت لِص ِ‬
‫َ‬
‫ت» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫ب َف َقدْ َل َغ ْو َ‬ ‫َو ِ‬
‫اإل َما ُم َي ْخ ُط ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬م ْن َت َك ال َم‬ ‫اس ﭭ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وروى اإلمام أحمد‪َ ،‬ع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ول َل ُه‪:‬‬ ‫ار َي ْح ِم ُل َأ ْس َف ًارا‪َ ،‬وا ال ِذي َي ُق ُ‬ ‫اإلمام ي ْخ ُطب‪َ ،‬فهو كَم َث ِل ا ْل ِ‬
‫ح َم ِ‬ ‫ُ َُ َ‬
‫ِ‬
‫َي ْو َم ا ْل ُا ُم َعة َو ِ ِ َ ُ َ‬
‫َأن ِْص ْت‪َ ،‬ل ْي َس َل ُه ُج ُم َع ٌة»(‪ ،)3‬ومعنى قوله‪َ ( :‬ل ْي َس َل ُه ُج ُم َع ٌة)‪ :‬كما قال ابن باز‪« :‬أي‬
‫يفوته فضلها‪ ،‬وإال فهي تازئه‪ ،‬ولكن ال مانع من اإلشارة لألمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر؛ ألن اإلشارة ال مانع منها يف الصالة للحاجة»(‪.)4‬‬
‫مسألة‪ :‬ويباح كالم اإلمام أو من يخاطبه اإلمام؛ لما روى مسلم عن أبي رفاعة‬
‫ِ‬
‫يب‬ ‫ب‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت َيا َر ُسو َل اهلل َر ُج ٌل َغ ِر ٌ‬ ‫ﭬ قال‪« :‬ا ْنت ََه ْي ُت إِ َلى الناب ِي ﷺ َو ُه َو َي ْخ ُط ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ َو َت َر َل ُخ ْط َب َت ُه‬
‫ال َيدْ ِرى َما ِدينُ ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْق َب َل َع َل اى َر ُس ُ‬
‫َجا َء َي ْس َأ ُل َع ْن ِدين ِ ِه َ‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫حتاى ا ْنتَهى إ ِ َلى‪َ ،‬ف ُأتِى بِ ُكرسـي ح ِسبت َقوائِمه ح ِديدً ا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َقعدَ ع َلي ِه رس ُ ِ‬
‫َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )1‬التمهيد (‪.)32/12‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)234‬ومسلم (‪ )651‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد (‪ )2033‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬ويف إسناده ماالد بن سعيد؛ ليس بالقوي‪ ،‬وقال ابن‬
‫حار يف فتح الباري (‪« :)414/2‬وله شاهد قوي يف جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفًا»‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري (‪.)414/2‬‬

‫‪602‬‬
‫‪603‬‬ ‫فَصْلٌ‬

‫آخ َر َها»(‪.)1‬‬ ‫وجع َل يعلمن ِي مِما َع المه اهلل‪ُ ،‬ثم َأ َتى ُخ ْطب َته َف َأ َتم ِ‬
‫َ ُ ا‬ ‫َ ُ ُ ا‬ ‫ا‬ ‫َ َ َ َُ ُ‬
‫اب‬‫الا ُم َع ِة مِ ْن َب ُ‬
‫َس ْب ِن َمالك ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُج ًال َد َخ َل َي ْو َم ُ‬
‫ِ ُ‬ ‫ويف الصحيحين عن َأن ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ َقائِ ًما‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫اس َت ْق َب َل َر ُس َ‬‫ب‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬ ‫المنْب ِر‪ ،‬ورس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َقائ ٌم َي ْخ ُط ُ‬
‫ِ‬
‫َان ِو َجا َه َ َ َ ُ‬ ‫ك َ‬
‫اهلل ُي ِغي ُثنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َر َف َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يا رس َ ِ‬
‫الس ُب ُل‪َ ،‬فا ْد ُع َ‬ ‫الم َواشـي‪َ ،‬وا ْن َق َط َعت ُّ‬ ‫ول اهلل‪َ :‬ه َل َكت َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫اس ِقنَا»(‪.)2‬‬ ‫ول اهلل ﷺ يدَ ي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال الهم اس ِقنَا‪ ،‬ال الهم ِ‬‫ِ‬
‫اسقنَا‪ ،‬ال ال ُه ام ْ‬ ‫ُ ا ْ‬ ‫ُ ا ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ضـرير‪ ،‬أو غاف ُل من الوقوع هبلكة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وكذا يباح ألمر ضـروري‪ ،‬كتحذير‬
‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ََُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ُ‬
‫رشع يف داعء)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ويباح‪ :‬إذا سكت بينهما‪ ،‬أو‬
‫يباح الكالم أثناء السكوت بين الخطبتين‪ ،‬وال يقال‪ :‬ال جمعة له؛ ألنه ال يصدق‬
‫ُ‬
‫حينئذ‪ ،‬والنهي عن الكالم إنما جاء حال تكلم الخطيب‪.‬‬ ‫عليه أنه يخطب‬
‫والسنة السكوت حتى بين الخطبتين‪ ،‬كما ورد عن الصحابة‪َ « :‬أن ُاه ْم كَا ُنوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َي ْو َم ا ْل ُا ُم َعة َو ُع َم ُر َجال ٌس َع َلى ا ْلمنْ َب ِر‪َ ،‬فإِ َذا َس َك َت ا ْل ُم َؤذ ُن َق َ‬
‫ام ُع َم ُر َف َل ْم‬ ‫َيت ََحدا ُث َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َيت ََك ال ْم َأ َحدٌ َح اتى َي ْقضـي ا ْل ُخ ْط َب َت ْي ِن ك ْل َت ْي ِه َما‪َ ،‬فإِ َذا َقا َمت ا‬
‫الص َال ُة َون ََز َل ُع َم ُر‬
‫َت َك ال ُموا»(‪.)3‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫رشع يف داعء)‪ :‬ويباح الكالم إن شـرع الخطيب يف الدعاء آخر الخطبة؛‬ ‫(أو‬
‫ألنه ليس من أركاهنا‪.‬‬
‫واألقرب‪ :‬أنه ينهى عن الكالم‪ ،‬ولو لم يكن من أركاهنا؛ لعموم النهي يف قوله‬
‫الام َع ِة‪َ :‬أن ِْص ْت‪َ ،‬و ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت»‪ ،‬فكلها‬‫ب‪َ ،‬ف َقدْ َل َغ ْو َ‬
‫اإل َما ُم َي ْخ ُط ُ‬ ‫ﷺ‪« :‬إِ َذا ُق ْل َت ل َصاحبِ َك َي ْو َم ُ ُ‬
‫داخلة يف اسم الخطبة‪ ،‬واختاره السعدي‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )616‬من حديث أبي رفاعة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1013‬مسلم (‪ )621‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الشافعي ص(‪ ،)63‬والبيهقي يف السنن (‪ .)214/3‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪.)606/2‬‬
‫(‪ )4‬المختارات ص (‪ ،)11‬الممتع (‪.)140/5‬‬

‫‪603‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪604‬‬
‫َ ََ ه‬ ‫َ‬ ‫وإقام ُة ال ِعي ِد‪ -‬يف َ َ‬
‫َ‬ ‫َُ ُُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ابلدلِ‪ ،‬إال‬ ‫وضع مِن‬
‫أكرث مِن م ِ‬ ‫اجلمع ِة‪-‬‬ ‫قوهل‪( :‬وحتُرم‪ :‬إقامة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ َ‬
‫وف ف ِتنة)‪.‬‬ ‫حلاجة‪ ،‬ك ِضيق‪ ،‬وبعد‪ ،‬وخ ِ‬ ‫ِ‬
‫يحرم تعدد إقامة الامعة يف البلد الواحد بال حاجة‪ ،‬قال ابن قدامة‪« :‬ال نعلم‬
‫فيه مخال ًفا»(‪ ،)1‬وكذا العيد‪ ،‬واألِل يف الامعة والعيد أن تقام يف موضع واحد يف‬
‫البلد‪ ،‬ولم يكن يقام جمعة يف المدينة يف زمن رسول اهلل ﷺ إال يف مساده‪ ،‬وكذا‬
‫ِحابته والتابعون كان يف كل بلد مساد واحد للامعة؛ لما يف ذلك من اجتماع‬
‫الكلمة وإظهار كثرة المسلمين‪ ،‬وأول ما تعددت يف بغداد عام (‪216‬هـ)؛ لصعوبة‬
‫إقامتها يف مساد واحد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ه َ َ َ‬
‫وف ف ِتنة)‪ :‬فإذا كان هنال حاجة لتعددها جاز‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وخ‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫وب‬ ‫‪،‬‬ ‫يق‬‫ض‬‫(إال ِحلاجة‪ِ ،‬‬
‫ك‬
‫وذكر ثالثة أنواع من الحاجة‪:‬‬
‫َ‬
‫(ك ِضيق)‪ :‬كأن يضـيق المكان فيكثر الزحام فيه‪ ،‬فياوز ِالهتا يف محل آخر‪.‬‬
‫ُْ‬
‫(وبعد)‪ :‬كأن يكون البلد واسعًا‪ ،‬ويشق المايء لبعده‪ ،‬فياوز تعددها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وف ف ِتنة)‪ :‬كأن توجد شحناء‪ ،‬فيخشـى من الفتنة عند االجتماع‪ ،‬وجواز‬ ‫(وخ ِ‬
‫تعددها عند الحاجة قال به األئمة األربعة‪ ،‬وهذا يشمل الامعة والعيدين‪.‬‬
‫ودليله‪ :‬أن عل ًيا ﭬ استخلف من يصلي بضعفة الناس يف المساد ِالة‬
‫العيد‪ ،‬وهو يصلي بالناس خارج الصحراء بالكوفة(‪ ،)2‬ولم يكن هذا يفعل من قبل‪،‬‬
‫وعلي ﭬ من الخلفاء الراشدين‪ ،‬فدل على جواز التعدد للحاجة‪.‬‬
‫وما زالت تفعل يف األمصار العظيمة حين احتيج إليها من غير نكير من أهل‬
‫العلم‪ ،‬وقد قرر هذا شـيخ اإلسالم‪ ،‬وبين أن أكثر أهل العلم أجازوا ذلك‬
‫للحاجة(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬المغني (‪.)246/2‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف السنن (‪ .)434/3‬قال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)625/2‬رواه الشافعي بإسناد‬
‫ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪.)206/24‬‬

‫‪604‬‬
‫‪605‬‬ ‫فصـــل‬

‫وجعل أهل العلم اإلذن يف تعدد الامعة يف البلد راجع للسلطان‪ ،‬أو من ينيبه‬
‫لضبط الناس؛ لئال يحصل الخلل‪ ،‬فإن لم يأذن لهم لم ياز إقامتها‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ ه‬ ‫ه َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََه َ‬ ‫ُ‬
‫حيحة)‪.‬‬ ‫ري ذل ِك‪ :‬فالسابِقة باإلحر ِام ِ‬
‫يه الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫د‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫فإن‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫إذا تعددت الامعة من غير حاجة‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أن التي مع اإلمام هي الصحيحة‪ ،‬واألخرى باطلة‪.‬‬
‫فإن لم يكن معهم اإلمام‪ ،‬فالتي أذن فيها‪ ،‬فإن لم يكن أذن فاألسبق منها‪ ،‬قال‬
‫ظهرا؛ ألن‬
‫ابن قدامة‪« :‬فإن لم يعلم األولى أو كيفيتهما بطلتا‪ ،‬ولزمهم أن يصلوها ً‬
‫إحداهما ظهر واألخرى جمعة مازئة‪ ،‬وال يعلم ما هي»(‪.)1‬‬
‫ويف أمر من ِلوا بال إذن السلطان باإلعادة نظر‪ ،‬وال دليل عليه‪.‬‬
‫واألظهر‪ :‬أن ِالهتم ِحيحة سواء كان التعدد لعذر أو لغيره ما دام أهنم‬
‫فعلوها مع إمام معترب‪ ،‬وال إعادة عليهم سواء ِلوا مع المتأخر أو المتقدم‪.‬‬
‫وعلى السلطان إذا علم باماعة يف جمعة ال حاجة لها‪ ،‬فعليه إيقافها‪ ،‬وأما‬
‫ِالهتم فصحيحة‪ ،‬واختار هذا السعدي(‪.)2‬‬
‫وهذا دليل على اهتمام اإلسالم بالامعة‪ ،‬وأهنا تصلى كما فعلها رسول اهلل ﷺ‬
‫يف مكان واحد؛ ليحصل المقصود من االجتماع واأللفة‪ ،‬ويف عدد من بالد اإلسالم‬
‫تقام الامعة يف كل مساد من غير حاجة‪ ،‬وال يفرقون بين الامعة والظهر‪ ،‬وهذا‬
‫ال شك أنه خطأ ومخالف لمقصد الشارع‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ ًَ َه ًَُُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫باجل ُمع ِة يف َوقتِها‪ ،‬وأدرك مع اإلم ِ‬
‫ام ركعة‪ :‬أتم مجعة‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬ومن أحرم‬
‫َ َ ه‬
‫أقل‪ :‬نَ َوى ُظ ً‬
‫هرا)‪.‬‬ ‫وإن أدرك‬
‫الشافِ ِع ُّي‪َ ،‬و َأ ْح َمدُ ‪ :‬فالامعة ال تدرل إال بإدرال‬
‫وهذا مذهب الامهور‪ ،‬ومنهم ا‬
‫ركعة مع اإلمام‪ ،‬ومن لم يدرل ركعة ِالها ظهر ًا أربع ركعات‪ .‬ويدل له‪:‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)242/2‬‬


‫(‪ )2‬المختارات الالية ص (‪.)11‬‬

‫‪605‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪606‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَة‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ا‬
‫الصالَ َة» [متفق عليه](‪ .)1‬وقوله‬ ‫قوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م َن ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ‪َ « :‬م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة م ْن َِالَة ا ْل ُا ُم َعة َأ ْو َغ ْي ِر َها‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْد َر َل ا‬
‫الصالَةَ»(‪.)2‬‬
‫وأخرج ابن أبي شـيبة عن ابن مسعود ﭬ قال‪« :‬إذا أدركت ركعة من الامعة‬
‫فأضف إليها أخرى‪ ،‬فإذا فاتك الركوع فصل أرب ًعا»(‪.)3‬‬
‫ْت مِ َن ا ْل ُا ُم َع ِة َر ْك َع ًة َف َأ ِض ْ‬
‫ف‬ ‫وأخرج البيهقي َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َق َال‪« :‬إِ َذا َأ ْد َرك َ‬
‫إِ َل ْي َها ُأ ْخ َرى‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْد َر ْك َت ُه ْم ُج ُل ً‬
‫وسا َف َصل َأ ْر َب ًعا»(‪.)4‬‬
‫ظهرا أربع ركعات‪ ،‬وهذا مذهب‬ ‫فإذا أدرل أقل من ركعة فاتته الامعة‪ ،‬فيتمها ً‬
‫الشافِ ِع ُّي َو َأ ْح َمدُ ؛ لمفهوم حديث‪َ « :‬م ْن َأ ْد َر َل َر ْك َع ًة مِ َن‬
‫جمهور العلماء‪ ،‬ومنهم‪ :‬ا‬
‫ِ‬
‫الصالَ َة»‪ ،‬فدل أن من لم يدرل ركعة لم يكن مدركًا للصالة‪،‬‬ ‫الصالَة َف َقدْ َأ ْد َر َل ا‬
‫ا‬
‫ولثبوته عن ابن مسعود وابن عمر ﭭ أهنما قاال‪« :‬فإذا فاتك الركوع فصل أرب ًعا»‪،‬‬
‫أي بعد سالم اإلمام‪.‬‬
‫هٌ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُّ ُّ ه َ َ‬ ‫ُ‬
‫وأكرثها‪ِ :‬ستة)‪.‬‬ ‫ان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫كع‬ ‫ر‬ ‫ها‪:‬‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫الس‬ ‫وأقل‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫التنفل بعد الامعة مستحب‪ ،‬وقد ورد ثالث ِفات‪:‬‬
‫َان ُي َصلى َب ْعدَ ا ْل ُا ُم َع ِة َر ْك َع َت ْي ِن ف ِي َب ْيتِ ِه» [متفق عليه](‪.)5‬‬
‫ورد‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫ِ‬
‫وورد قوله ﷺ‪« :‬إ َذا َِ الى َأ َحدُ ُك ُم ا ْل ُا ُم َع َة َف ْل ُي َصل َب ْعدَ َها َأ ْر َب ًعا» [رواه مسلم] ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)426‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1123‬والنسائي (‪ )551‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬قال ابن حار يف التلخيص الحبير‬
‫(‪« :)101/2‬قال ابن أبي داود والدارقطني‪ :‬تفرد به بقية عن يونس‪ ،‬وقال ابن أبي حاتم يف العلل عن أبيه‬
‫(‪ :)432-431/2‬هذا خطأ يف المتن واإلسناد‪ ،‬وإنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا‪:‬‬
‫«من أدرل من ِالة ركعة فقد أدركها»‪ ،‬وأما قوله‪« :‬من ِالة الامعة» فوهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)461/1‬والبيهقي يف السنن (‪ .)262/3‬وِححه األلباين يف اإلرواء‬
‫(‪.)62/3‬‬
‫(‪ )4‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)266/3‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)441‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )661‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪606‬‬
‫‪607‬‬ ‫فصـــل‬

‫وورد عن ابن عمر ﭭ موقوفًا أهنا ست ركعات‪ ،‬كما روى َأ ُبو َد ُاو َد َع ْن اِ ْب ِن‬
‫َان إِ َذا ك َ‬
‫َان بِ َم اك َة َف َص الى ا ْل ُا ْم َع َة َت َقدا َم َف َص الى َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث ام َت َقدا َم َف َص الى‬ ‫ُع َمر َبأ ان ُه ك َ‬
‫َان بِا ْل َم ِدين َِة َِ الى ا ْل ُا ْم َعةَ‪ُ ،‬ث ام َر َج َع إِ َلى َب ْيتِ ِه َف َص الى َر ْك َع َت ْي ِن‪َ ،‬و َل ْم ُي َصل‬
‫َأ ْر َب ًعا‪َ ،‬وإِ َذا ك َ‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْف َع ُل َذل ِ َك»(‪.)1‬‬ ‫فِي ا ْل َم ْس ِا ِد‪َ ،‬ف ِق َيل َل ُه فِي َذل ِ َك‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫قوال‪ ،‬وأما الست‬ ‫فعال وأربع ً‬ ‫وقال النووي‪« :‬ثبت عنه ﷺ ركعتان بعد الامعة ً‬
‫ِـريح‪ ،‬وإنما ثبتت عن ابن عمر ﭬ من فعله‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِحيح‬ ‫ُ‬
‫بحديث‬ ‫فلم تثبت عنه ﷺ‬
‫وروي عن ُ‬
‫علي أنه أمر هبا»‪.‬‬
‫وقال العراقي عن حديث ابن عمر ﭭ‪« :‬إنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب؛‬
‫ألنه لم يصح أنه ﷺ ِلى الامعة بمكة»‬
‫وموقف العلماء من هذا التنوع يف عدد ركعات الراتبة بعد الامعة ما يلي‪:‬‬
‫ذهب بعض العلماء إلى أنه اختالف تنوع يف العبادة‪ ،‬فأحيانًا يصلي اثنتين‬
‫وأحيانًا أرب ًعا‪ ،‬وكلها تحصل هبا السنة‪ ،‬وهذا قول اإلمام أحمد‪ ،‬وقال‪ٌ « :‬‬
‫كل‬
‫حسن»(‪ ،)2‬ومال لهذا شـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫وذهب بعض العلماء إلى أنه اختالف حاالت‪ ،‬فتحمل كل ِفة على حالة‪:‬‬
‫فإن ِلى يف بيته ِالها ركعتين؛ لحديث ابن عمر ﭭ‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫َان‬ ‫ا‬
‫ُي َصلى َب ْعدَ ا ْل ُا ُم َع ِة َر ْك َع َت ْي ِن فِي َب ْيتِ ِه»‪.‬‬
‫وإن ِلى يف المساد ِالها أرب ًعا؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َِ الى َأ َحدُ ُك ُم ا ْل ُا ُم َع َة‬
‫َف ْل ُي َصل َب ْعدَ َها َأ ْر َب ًعا»‪ ،‬وهذا األولى‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم(‪ ،)3‬وهو‬
‫عام بمكة وغيرها‪ ،‬وإن ِالها أحيانا بمكة ستًا نحو ما روي عن ابن عمر ﭭ‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )1130‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪،)612/2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪ ،)1035‬وقال العراق ُّي‪« :‬إِ ْسنَا ُد ُه َِح ٌ‬
‫يح»‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪.)262/2‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد (‪.)440/1‬‬

‫‪601‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪608‬‬

‫فله مستند‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬واألولى بالعمل عندي أن يصلي الرجل بعد الامعة أرب ًعا؛ ألنه‬
‫قد ثبت عنه ﷺ ً‬
‫قوال‪ ،‬وأمرنا به‪ ،‬وحثنا عليه‪ ،‬واهلل تعالى أعلم»(‪.)1‬‬
‫وأما التنفل قبل ِالة الامعة‪ :‬فليس قبلها سنة راتبة محددة‪ ،‬فإن النبي ﷺ كان‬
‫بالل يف أذان الامعة‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬لكن يشـرع‬ ‫يخرج من بيته‪ ،‬فإذا ِعد المنرب أخذ ٌ‬
‫التنفل المطلق قبل الامعة؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ِن ا ْغت ََس َل ُث ام َأ َتى ا ْل ُا ُم َعةَ‪َ ،‬ف َص الى َما ُقد َر‬
‫َل ُه‪ُ ،‬ث ام َأن َْص َت َحتاى َي ْف ُر َغ مِ ْن ُخ ْط َبتِ ِه‪ُ ،‬ث ام ُي َصل َى َم َع ُه ُغ ِف َر َل ُه َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ا ْل ُا ُم َع ِة‬
‫األُ ْخ َرى‪َ ،‬و َف ْض َل َثالَ َث ِة َأ ايا ُم» [رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم(‪.)3‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ ه َ َُ ُ َ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ورة ِ الكه ِف يف يومِها)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬ق ِراءة س‬
‫يد ﭬ‪َ « :‬م ْن‬ ‫فيستحب أن يقرأ سورة الكهف يف يوم الامعة؛ لحديث َأبِي س ِع ُ‬
‫َ‬
‫يق»‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف فِي َي ْو ِم ا ْل ُا ُم َع ِة َأ َضا َء َل ُه م ِ َن الن ِ‬
‫ُّور َما َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ا ْل َب ْيت ا ْل َعت ِ‬ ‫َقر َأ سور َة ا ْل َكه ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫رواية‪َ « :‬ما َب ْي َن ا ْل ُا ُم َع َت ْي ِن»(‪ ،)4‬فاألولى أن يقرأها حتى على ترجيح وقفه‪ ،‬فإن هذا ال‬
‫يقال من قبيل الرأي‪.‬‬
‫اثلان َِيةِ‪{ :‬هل أَت}‪ .‬وتُ َ‬ ‫ه‬ ‫ه ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬
‫كرهُ‪:‬‬ ‫جرها‪{ :‬الم} السجدة‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫أ‬‫قر‬ ‫ي‬ ‫وأن‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َُ َ َُُ َ َ َ‬
‫يهما)‪.‬‬
‫مداومته عل ِ‬
‫ومن السنة أن يقرأ اإلمام هاتين السورتين يف ِالة فار يوم الامعة؛ لما يف‬
‫الر ْك َع ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْبحِ ‪َ ،‬ي ْو َم ا ْل ُا ُم َعة‪ :‬بِألم َتن ِْز ُيل في ا‬
‫ِ‬ ‫الصحيحين‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫َان َي ْق َر ُأ في ُّ‬ ‫ا‬

‫(‪ )1‬شـرح النووي على مسلم (‪.)110/6‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)161‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد (‪ ،)431/1‬اإلنصاف (‪.)406/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه الحاكم (‪ ،)322/2‬البيهقي يف السنن (‪ )353/3‬مرفوعًا‪ .‬ورواه الدارمي (‪ ،)3450‬والبيهقي يف‬
‫السنن (‪ )353/3‬موقوفًا‪ .‬وِححه مرفوعًا الحاكم‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪ ،)626‬وحسنه ابن حار‪،‬‬
‫ورجح النسائي‪ ،‬وابن القيم يف زاد المعاد (‪ )366/1‬وقفه (التلخيص الحبير ‪.)115/2‬‬

‫‪606‬‬
‫‪609‬‬ ‫فصـــل‬

‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْاألُو َلى‪َ ،‬وفي ال اثان َية‪َ :‬ه ْل َأ َتى َع َلى ْاإلن َْسان حي ٌن م َن الدا ْه ِر َل ْم َي ُك ْن شـي ًئا َم ْذ ُك ً‬
‫ورا»(‪.)1‬‬
‫وإن تركها أحيانًا فحسن‪ ،‬وأما نصه على كراهة المداومة‪ ،‬ففيه نظر؛ ألن‬
‫الكراهة تحتاج إلى دليل شـرعي‪ ،‬وقد ورد عند الطرباين‪« :‬يديم ذلك»(‪ ،)2‬قال ابن‬
‫حار‪« :‬رجاله ثقات‪ ،‬إال أن أبا حاتم ِحح إرساله»(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬يف الامعة ساعة إجابة ال يوافقها مسلم يدعو اهلل فيها إال أعطي سؤاله‪،‬‬
‫واختلف يف تحديدها وأرجحها قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أهنا من جلوس اإلمام على المنرب إلى انقضاء الصالة‪.‬‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫ودليل هذا‪ :‬ما رواه مسلم َع ْن َأبِي ُموسـى ﭬ َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫اإل َما ُم إِ َلى َأ ْن ُت ْقضـى ا‬
‫الص َال ُة»(‪.)4‬‬ ‫ول‪ِ « :‬هي ما َب ْي َن َأ ْن َي ْالِ َس ْ ِ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫َ َ‬
‫وقد بحثها ابن رجب(‪ )5‬ومال إلى هذا القول مستشهد ًا بما يف الصحيحين أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ قال‪« :‬إِ ان في ا ْل ُا ُم َعة َل َسا َعةً‪َ ،‬ال ُي َواف ُق َها ُم ْسل ٌم‪َ ،‬قائ ٌم ُي َصلي‪َ ،‬ي ْس َأ ُل َ‬
‫اهلل َخ ْي ًرا‪،‬‬
‫إِ اال َأ ْع َطا ُه إِ ايا ُه» َو َق َال بِ َي ِد ِه‪ُ :‬ي َقل ُل َها ُي َزهدُ َها(‪.)6‬‬
‫نص يف موضع الخالف‪ ،‬فال يلتفت إلى غيره»‪.‬‬ ‫وقال القرطبي‪« :‬هو ٌ‬
‫مرفوعا‬
‫ً‬ ‫أيضا بكونه‬
‫وقال النووي‪« :‬هو الصحيح‪ ،‬بل الصواب‪ ،‬ورجحه ً‬
‫ِـريحا‪ ،‬ويف أحد الصحيحين»(‪.)7‬‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)621‬ومسلم (‪ )660‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الطرباين يف المعام الصغير (‪.)266‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري البن حار (‪ ،)316/2‬وقال ابن رجب يف فتح الباري (‪« :)131/6‬وإرساله أِح عند‬
‫البخاري‪ ،‬وأبي حاتم‪ ،‬والدارقطني»‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)526‬‬
‫(‪ )5‬الفتح (‪.)306/6‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)235‬ومسلم (‪ )652‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتح الباري البن حار (‪.)421/2‬‬

‫‪602‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪610‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أهنا بعد العصـر‪:‬‬


‫ول اهللِ ﷺ َأ ان ُه َق َال‪َ « :‬ي ْو ُم‬ ‫ويدل له‪ :‬ما رواه أبو داود َع ْن َجابِ ُر ﭬ‪َ ،‬ع ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهلل ‪،‬‬ ‫اهلل ‪ ‬شـي ًئا‪ ،‬إ ِ اال َأ َتا ُه ُ‬ ‫وجدُ ُم ْسل ٌم َي ْس َأ ُل َ‬‫ا ْل ُا ُم َعة ثنْتَا َعشـر َة ‪ُ -‬ي ِريدُ ‪َ -‬سا َعةً‪َ ،‬ال ُي َ‬
‫آخ َر َسا َع ُة َب ْعدَ ا ْل َعصـر»(‪.)1‬‬‫وها ِ‬‫َفا ْلت َِم ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب‬ ‫وقول عبداهلل بن سالم ﭬ‪« :‬ه َي آخ ُر َسا َعة م ْن َي ْو ِم ا ْل ُا ُم َعة َق ْب َل َأ ْن َتغ َ‬
‫اع ُة مِ ْن َي ْو ِم ا ْل ُا ُم َع ِة‪َ ،‬و َقدْ َق َال َر ُس ُ‬ ‫ف ِهي ِ‬
‫ول‬ ‫آخ ُر َس َ‬ ‫الش ْم ُس»‪ .‬فقال له أبو هريرة‪َ :‬ك ْي َ َ‬ ‫ا‬
‫يها‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع ُة َال ُي َصلي ف َ‬ ‫الس َ‬ ‫اهلل ﷺ‪َ « :‬ال ُي َصاد ُف َها َعبْدٌ ُم ْسل ٌم َو ُه َو ُي َصلي»‪َ ،‬وت ْل َك ا‬
‫الص َالةَ‪َ ،‬ف ُه َو فِي‬ ‫ِ‬ ‫عبدُ اهللِ بن س َالمُ‪َ :‬أ َلم ي ُق ْل رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َج َل َس َم ْالِ ًسا َينْتَظ ُر ا‬ ‫ْ َ َ ُ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫ال»(‪.)2‬‬ ‫َِ َال ُة َحتاى ُي َصلي؟» َق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ه َو َذ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السا َع َة ا التي ُت ْر َجى‬ ‫َس ﭬ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬التَم ُسوا ا‬ ‫وروى الرتمذي َع ْن َأن ُ‬
‫س»(‪.)3‬‬ ‫الا ُم َع ِة َب ْعدَ ال َعصـر إِ َلى َغ ْيبُو َب ِة ا‬
‫الش ْم ِ‬ ‫في َي ْو ِم ُ‬
‫ِ‬
‫ِحيح إلى أبي سلمة بن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بإسناد‬ ‫ُ‬
‫منصور‬ ‫قال الحافظ‪« :‬وروى سعيد بن‬
‫ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الامعة ثم افرتقوا‪ ،‬فلم‬
‫عبدالرحمن أن ً‬
‫ُ‬
‫ساعة من يوم الامعة»‪ ،‬وقال به من الصحابة أبو هريرة‪ ،‬وعبداهلل‬ ‫يختلفوا أهنا اخر‬
‫بن سالم‪ ،‬ورجحه اإلمام أحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وابن حار‪ ،‬وابن باز(‪.)4‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪« :‬أكثر األحاديث يف الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1046‬والنسائي (‪ )1362‬من حديث جابر ب‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪ ،)155/2‬واأللباين يف ِحيح أبي داود (‪ ،)263‬وحسنه ابن حار يف فتح الباري (‪.)420/2‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1046‬والرتمذي (‪ )421‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وِححه الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي (‪ )462‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ ،...‬ومحمد‬
‫بن أبي حميد يضعف ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه‪ ،‬ويقال له حماد بن أبي حميد‪ ،‬ويقال‪ :‬هو أبو‬
‫إبراهيم األنصاري وهو منكر الحديث»‪ ،‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)155/2‬وابن حار يف‬
‫التلخيص الحبير (‪.)420/3‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد (‪ ،)362/1‬فتح الباري البن حار (‪.)422/2‬‬

‫‪610‬‬
‫‪611‬‬ ‫فصـــل‬

‫أهنا بعد ِالة العصـر‪ ،‬وترجى بعد زوال الشمس»(‪.)1‬‬


‫قال ابن القيم‪« :‬كان سعيد بن جبير إذا ِلى العصـر لم يكلم أحدً ا حتى تغرب‬
‫الشمس»(‪ ،)2‬وهذا عليه أكثر األحاديث‪ ،‬والسلف‪ ،‬وكثير من األئمة‪ ،‬وأما قوله ﷺ‪:‬‬
‫« َال يص ِ‬
‫اد ُف َها َع ْبدٌ ُم ْسلِ ٌم َو ُه َو ُي َصلي»‪ ،‬فوجهها ابن سالم بقوله‪َ « :‬م ْن َج َل َس َم ْالِ ًسا‬ ‫ُ َ‬
‫الص َال َة َف ُه َو فِي َِ َال ُة َحتاى ُي َصل َي»‪ ،‬أو تحمل على الدعاء‪ ،‬وأن من معاين‬ ‫ِ‬
‫َينْتَظ ُر ا‬
‫الصالة الدعاء‪.‬‬
‫فأرجى الساعات هي ساعة العصـر‪ ،‬ثم يليه ساعة جلوس اإلمام على المنرب‬
‫إلى الفراغ من ِالة الامعة‪ ،‬فحري بالمسلم أن يغتنم هاتين الساعتين‪ ،‬فمن‬
‫اغتنمهما بالدعاء فهو حري باإلجابة‪.‬‬
‫وقد ساق ابن حار األجوبة عن حديث أبي موسـى‪ ،‬ثم قال‪« :‬وسلك ِاحب‬
‫ً‬
‫مسلكا اخر‪ ،‬فاختار أن ساعة اإلجابة منحصـر ًة يف أحد الوقتين المذكورين‪،‬‬ ‫الهدى‬
‫وأن أحدهما ال يعارض االخر؛ الحتمال أن يكون ﷺ دل على أحدهما يف ُ‬
‫وقت‬
‫وعلى االخر يف وقت اخر‪ ،‬وهذا كقول ابن عبدالرب‪ :‬الذي ينبغي االجتهاد يف الدعاء‬
‫يف الوقتين المذكورين‪ ،‬وسبق إلى نحو ذلك اإلمام أحمد‪ ،‬وهو أولى يف طريق‬
‫الامع‪ ،‬وقال ابن المنير يف الحاشـية‪ :‬إذا علم أن فائدة اإلهبام لهذه الساعة ولليلة‬
‫القدر بعث الداعي على اإلكثار من الصالة والدعاء‪ ،‬ولو بين التكل الناس على‬
‫ذلك وتركوا ما عداها‪ ،‬فالعاب بعد ذلك ممن ياتهد يف طلب تحديدها»(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا وافق العيد يوم الامعة‪ ،‬فقد دلت السنة على أن من ِلى العيد لم‬
‫ياب عليه حضور الامعة‪ ،‬وإن لم يحضـرها ِالها ظهرا‪ ،‬أما اإلمام فإن عليه‬
‫إقامة الامعة على الصحيح ليأتيها من لم يحضـر العيد‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف (‪.)402/2‬‬


‫(‪ )2‬زاد المعاد (‪.)362/1‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري البن حار (‪.)422/2‬‬

‫‪611‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪612‬‬

‫والدليل على هذا‪ :‬قوله ﷺ‪َ « :‬ق ِد اجتَمع فِي يومِ ُكم َه َذا ِعيدَ ِ‬
‫ان‪َ ،‬ف َم ْن َشا َء َأ ْج َز َأ ُه‬ ‫َْ ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫فطر على عهد‬ ‫جمعة‪ ،‬ويوم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ون»(‪ .)1‬وقال عطا ٌء‪ :‬اجتمع يوم‬ ‫مِ َن ا ْل ُا ُم َع ِة‪َ ،‬وإِناا ُم َام ُع َ‬
‫واحد»‪ ،‬فامعهما جمي ًعا‪ ،‬فصالهما‬ ‫ُ‬ ‫ابن الزبير‪ ،‬فقال‪« :‬عيدان اجتمعا يف يو ُم‬
‫ركعتين بكرةً‪ ،‬لم يزد عليهما حتى ِلى العصـر(‪.)2‬‬
‫قال ابن باز‪« :‬هذه تدل على أنه ال بأس أن يرتل الامعة من حضـر ِالة العيد‪،‬‬
‫ظهرا‪ ،‬فقد غلط‪ ،‬وهو كاإلجماع من أهل‬
‫ظهرا‪ ،‬ومن قال‪ :‬ال يصلي ً‬
‫لكن يصلي ً‬
‫العلم»(‪.)3‬‬
‫وما روي عن ابن الزبير حينما ترل الظهر اكتفاء بصالة العيد‪ ،‬فهذا اجتهاد منه‪،‬‬
‫ولعله ِالها يف بيته‪ ،‬والصواب أنه البد من ِالة الظهر‪ ،‬والرخصة يف ترل‬
‫حضور الامعة فقط‪ ،‬بل ِح يف حديثه ما يدل على أن المسلمين ِلوا الظهر‪،‬‬
‫الزبي ِر فِي يو ِم ِع ُ‬ ‫ِ‬
‫يد‪،‬‬ ‫َْ‬ ‫فقد روى أبو داود َع ْن َع َطاء ا ْب ِن َأبِي َر َباحُ َق َال‪ َِ « :‬الى بِنَا ا ْب ُن ُّ َ ْ‬
‫ار‪ُ ،‬ث ام ُر ْحنَا إِ َلى ا ْل ُا ُم َع ِة‪َ ،‬ف َل ْم َي ْخ ُر ْج إِ َل ْينَا َف َص ال ْينَا ُو ْحدَ انًا‪،‬‬
‫فِي َي ْو ِم ُج ُم َع ُة َأ او َل الن َاه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫السنا َة»(‪.)4‬‬ ‫اب ُّ‬ ‫اس بِال اطائف‪َ ،‬ف َل اما َقد َم َذك َْرنَا َذل َك َل ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ َِ َ‬ ‫َان ا ْب ُن َع اب ُ‬‫َوك َ‬
‫مسألة‪ :‬يسن االغتسال لصالة الامعة‪ ،‬وهو سنة مؤكدة عند جماهير العلماء؛‬
‫ب َع َلى ُكل ُم ْحتَلِ ُم‪،‬‬ ‫لألحاديث الكثيرة‪ ،‬منها‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬ا ْل ُغس ُل َي ْوم ا ْل ُام َع ِة َو ِ‬
‫اج ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َو َأ ْن َي ْس َت ان‪َ ،‬و َأ ْن َي َم اس طِي ًبا إِ ْن َو َجدَ » [متفق عليه] ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1013‬وابن ماجه (‪ )1311‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫قال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)210/2‬ويف إسناده بقية‪ ،...‬وِحح الدارقطني إرساله‪ ،...‬وكذا‬
‫ِحح ابن حنبل إرساله»‪ ،‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)264‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)1012‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ .)5125‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)263‬‬
‫(‪ )3‬سبل السالم (‪ ،)162/3‬فتاوى اللانة الدائمة (‪ِ ،)23/1‬الة المؤمن ص (‪.)163‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ .)1011‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪.)262‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)660‬ومسلم (‪ )646‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫‪613‬‬ ‫فصـــل‬

‫الا ُم َعةَ‪َ ،‬ف ْل َي ْغت َِس ْل» [متفق عليه](‪.)1‬‬


‫وقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َجا َء َأ َحدُ ُك ُم ُ‬
‫الا ُم َع ِة ُغ ْس َل‬‫مسألة‪ :‬ويسن التبكير للامعة؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ِن ا ْغت ََس َل َي ْو َم ُ‬
‫السا َع ِة ال اثان ِ َي ِة‪َ ،‬ف َك َأن َاما َق ار َب َب َق َرةً‪،‬‬ ‫الانَاب ِة ُثم راح‪َ ،‬ف َك َأناما َقرب بدَ َنةً‪ ،‬ومن ر ِ‬
‫اح في ا‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ا َ َ‬ ‫َ َ ا َ َ‬
‫الرابِ َع ِة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السا َعة ا‬‫اح في ا‬
‫ومن راح فِي السا َع ِة ال اثال ِ َث ِة‪َ ،‬ف َك َأناما َقرب َكب ًشا َأ ْقر َن‪ ،‬ومن ر ِ‬
‫َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ا َ ْ‬ ‫ا‬ ‫َ َ ْ َ َ‬
‫الخامِ َس ِة‪َ ،‬ف َك َأن َاما َق ار َب َب ْي َضةً‪َ ،‬فإِ َذا َخ َر َج‬‫السا َع ِة َ‬‫اح في ا‬
‫َف َك َأناما َقرب دجاجةً‪ ،‬ومن ر ِ‬
‫َ ا َ َ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫ون الذك َْر» [متفق عليه] ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المالَئِ َك ُة َي ْست َِم ُع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َما ُم َحضـرت َ‬
‫مسألة‪ :‬وأول ساعات الرواح للامعة تبدأ من بعد طلوع الشمس؛ ألنه قبل‬
‫ذلك وقت السعي لصالة الفار‪ ،‬وهذا مذهب الحنفية‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من بعد طلوع الفار؛ إذ الغسل يبدأ من بعد طلوع الفار‪ ،‬والرواح مثله‪،‬‬
‫وهذا مذهب الشافعية‪ ،‬والحنابلة(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬ومما يشـرع فعله يف يوم الامعة من السنن ما يلي‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإلكثار من الصالة والسالم على رسول اهلل ﷺ؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ ان مِ ْن‬
‫وض ٌة‬‫يه‪َ ،‬فإِ ان َِ َال َت ُك ْم َم ْع ُر َ‬ ‫َأ ْف َض ِل َأيامِ ُكم يوم ا ْلامع ِة‪َ ،‬ف َأكْثِروا َع َلي مِن الص َال ِة فِ ِ‬
‫ا َ ا‬ ‫ُ‬ ‫ا ْ َْ َ ُ ُ َ‬
‫َع َل اي»(‪.)4‬‬
‫الثاين‪ :‬المشـي على األقدام؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َغ اس َل َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِة َوا ْغت ََس َل‪ُ ،‬ث ام َب اك َر‬
‫َان َل ُه بِ ُكل ُخ ْط َو ُة َع َم ُل‬ ‫است ََم َع َو َل ْم َي ْل ُغ ك َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َوا ْب َت َك َر‪َ ،‬و َمشـى َو َل ْم َي ْرك ْ‬
‫َب‪َ ،‬و َدنَا م َن ْاإل َما ِم َف ْ‬
‫َسن َُة‪َ ،‬أ ْج ُر ِـيامِ َها َوقِ َيامِ َها» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي وحسنه](‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)611‬ومسلم (‪ )644‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)661‬ومسلم (‪ )650‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفتح البن رجب (‪.)62/6‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1041‬والنسائي (‪ ،)1314‬وأحمد (‪ )16162‬من حديث أوس بن أوس ﭬ‪ .‬وِححه‬
‫النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)441/1‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)4‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)345‬والرتمذي (‪ ،)426‬وابن ماجه (‪ ،)1061‬وأحمد (‪ )16113‬من حديث أوس بن‬
‫أوس ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬والنووي يف خالِة األحكام (‪ ،)115/2‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي‬
‫=‬

‫‪613‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪614‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ِن ا ْغت ََس َل َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِة‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َل ُه‬
‫َب ُ‬ ‫ور ُه‪َ ،‬و َلبِ َس م ْن َأ ْح َس ِن ث َيابِه‪َ ،‬و َم اس َما َكت َ‬ ‫َف َأ ْح َس َن ُغ ْس َل ُه‪َ ،‬و َت َط اه َر َف َأ ْح َس َن ُط ُه َ‬
‫يب َأ ْهلِ ِه‪ُ ،‬ث ام َأ َتى ا ْل ُا ُم َع َة َو َل ْم َي ْل ُغ َو َل ْم ُي َفر ْق َبيْ َن ا ْثنَ ْي ِن‪ُ ،‬غ ِف َر َل ُه َما َب ْينَ ُه َو َبيْ َن‬
‫مِ ْن طِ ِ‬
‫ا ْل ُا ُم َع ِة ْاألُ ْخ َرى»(‪.)1‬‬
‫الرابع‪ :‬التبكير إلى الامعة قدر طاقته؛ لما تقدم‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يكثر من الدعاء خاِة يف وقت اإلجابة‪ ،‬وتقدم بيان وقتها‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن ال يتخطى رقاب الناس‪ ،‬وال يفرق بين اثنين عند دخوله المساد‬
‫يم ان َأ َحدُ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫لصالة الامعة‪ ،‬وال يقيم أحدً ا من مكان سبقه إليه؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ال ُيق َ‬
‫ول ا ْف َس ُحوا»(‪.)2‬‬ ‫يه‪َ ،‬و َلكِ ْن َي ُق ُ‬‫ف إِ َلى م ْقع ِد ِه‪َ ،‬في ْقعدَ فِ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َأ َخا ُه َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِة‪ُ ،‬ث ام ْل ُي َخال ِ ْ‬
‫الر ُج ُل َأ َخا ُه مِ ْن‬
‫يم ا‬
‫ِ‬
‫ويف الصحيحين عن ابن ُع َم َر ﭭ قال‪« :‬ن ََهى النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُيق َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫الا ُم َعةَ؟ َق َال‪ُ :‬‬
‫الا ُم َع َة َو َغ ْي َر َها»(‪.)3‬‬ ‫َم ْق َعده‪َ ،‬و َي ْالِ َس فيه‪ُ ،‬ق ْل ُت لنَافعُ‪ُ :‬‬
‫ِ ِ‬
‫س‬ ‫اب الناا ِ‬ ‫وروى أبو داود عن َع ْبداهلل ْب ِن ُبسـر ﭬ‪ :‬قال َجا َء َر ُج ٌل َيت ََخ اطى ِر َق َ‬
‫اجلِ ْس َف َقدْ آ َذ ْي َت»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال َل ُه النابِ ُّي ﷺ‪ْ « :‬‬ ‫َي ْو َم ا ْل ُا ُم َعة‪َ ،‬والنابِ ُّي ﷺ َي ْخ ُط ُ‬
‫السابع‪ :‬إذا دخل المساد واإلمام يخطب‪ ،‬فال يالس حتى يصلي ركعتين؛‬
‫ب‪َ ،‬ف ْل َي ْرك َْع َر ْك َع َت ْي ِن‪َ ،‬و ْل َيت ََا او ْز‬ ‫لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َجاء َأ َحدُ ُكم َي ْوم ا ْل ُام َع ِة‪َ ،‬و ْ ِ‬
‫اإل َما ُم َي ْخ ُط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫فِ ِ‬
‫يه َما» [متفق عليه](‪.)5‬‬
‫احضـروا الذك َْر‪َ ،‬وا ْدنُوا مِ َن‬ ‫الثامن‪ :‬أن يدنو من اإلمام ويقرب منه؛ لقوله ﷺ‪ْ « :‬‬
‫=‬
‫داود (‪.)313‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1021‬وأحمد (‪ )21532‬من حديث أبي ذر ﭬ‪ .‬وِححه البوِـيري يف مصباح‬
‫الزجاجة (‪ ،)131/1‬واأللباين يف ِحيح الاامع (‪.)6064‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )2116‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )211‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)461‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬

‫‪614‬‬
‫‪615‬‬ ‫فصـــل‬

‫الر ُج َل َال َي َز ُال َي َت َباعَدُ َحتاى ُي َؤ اخ َر فِي ا ْل َان ِاة‪َ ،‬وإِ ْن َد َخ َل َها»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ْاإل َمامِ‪َ ،‬فإِ ان ا‬
‫مسألة‪ :‬حاز المكان يف المساد ال يخلو من حاالت‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن يحاز وهو يف بيته أو سوقه قبل أن يأيت‪ ،‬فيأمر من يضع له‬
‫ساادة‪ ،‬فال ياوز له ذلك‪ ،‬ونقل شـيخ اإلسالم اتفاق الفقهاء على النهي عنه(‪،)2‬‬
‫كثير من الناس من تقديم مفارش إلى المساد يوم الامعة أو‬
‫وقال‪« :‬ما يفعله ٌ‬
‫محرم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫منهي عنه باتفاق المسلمين؛ بل‬
‫ٌ‬ ‫غيرها قبل ذهاهبم إلى المساد‪ ،‬فهذا‬
‫وِاحبه قد خالف الشـريعة من وجهين‪:‬‬
‫مأمور بالتقدم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫من جهة تأخره‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬
‫لطائفة من المساد‪ ،‬ومنعه السابقين إلى المساد أن يصلوا‬ ‫ومن جهة غصبه‬
‫فيه‪ ،‬وأن يتموا الصف األول فاألول‪ ،‬ثم إنه يتخطى الناس إذا حضـروا‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‬ ‫وروى ابن ماجه‪َ :‬أ ان َر ُج ًال َد َخ َل ا ْل َم ْس ِادَ َي ْو َم ا ْل ُا ُم َع ِة‪َ ،‬و َر ُس ُ‬
‫اجلِ ْس‪َ ،‬ف َقدْ آ َذ ْي َت َوآ َن ْي َت»‪.‬‬ ‫ول اهلل ﷺ‪ْ « :‬‬ ‫ااس‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َا َع َل َيت َ‬
‫َخ اطى الن َ‬ ‫يخ ُط ُ‬
‫ْ‬
‫خ َذ ِجسـرا‬ ‫الا ُم َع ِة ا ات َ‬ ‫اب الن ِ‬
‫ااس َي ْو َم ُ‬ ‫َوفي الرتمذي بإسناد ضعيف‪َ « :‬م ْن َت َخ اطى ِر َق َ‬
‫ِ‬
‫إِ َلى َج َهن َام»(‪.)3‬‬
‫الص َال ُة َم َكا َن ُه على‬ ‫ومن قدم فوجد من حاز على هذا النحو‪ ،‬فله َر ْف ُع ُه َو ا‬
‫الصحيح من أقوال العلماء‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم؛ ا‬
‫ألن المساد لمن سبق ال‬
‫مأمور‬
‫ٌ‬ ‫لمن حاز؛ وألن هذا السابق يستحق الصالة يف ذلك الصف المقدم‪ ،‬وهو‬
‫أيضا‪ ،‬وهو ال يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء هذا الحق إال برفع ذلك‬
‫بذلك ً‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1106‬وأحمد (‪ )20116‬من حديث سمرة بن جندب ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح‬
‫أبي داود (‪.)1015‬‬
‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪.)162/22‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي (‪ ،)513‬و ابن ماجة (‪ ،)1116‬وأحمد (‪ )15602‬من حديث معاذ بن أنس ﭬ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬حديث غريب‪ ،‬ال نعرفه إال من حديث رشدين بن سعد»‪ ،‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪ ،)166/2‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)663/4‬‬

‫‪615‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪616‬‬

‫وأيضا فذلك المفروش وضعه‬


‫مأمور به‪ً ،‬‬
‫ٌ‬ ‫المفروش‪ ،‬وما ال يتم المأمور إال به فهو‬
‫منكر‪ ،‬لكن ينبغي أن يراعى يف ذلك أن ال يؤول‬
‫ٌ‬ ‫هنال على وجه الغصب‪ ،‬وذلك‬
‫ُ‬
‫منكر أعظم منه‪ ،‬فلو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء‪ ،‬أو ما أشبه‬ ‫إلى‬
‫ذلك‪ ،‬فال يرفع؛ «ألن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح»(‪.)1‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يحاز ويالس يف محل آخر يف المساد‪ ،‬للقراءة‪ ،‬أو الصالة‪،‬‬
‫أو النوم؛ فياوز له ذلك‪ ،‬ألنه ما زال يف المساد‪ ،‬لكن إذا اتصلت الصفوف لزمه‬
‫الرجوع إلى مكانه؛ لئال يتخطى رقاب الناس‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يحاز ويخرج من المساد‪ ،‬فإن كان لغير عذر‪ ،‬فال ياوز له‬
‫ذلك‪ ،‬ولإلنسان أن يرفع المصلى المفروش‪.‬‬
‫ألن القاعدة‪ :‬ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق‪.‬‬
‫وإن كان لعذر طار ‪ ،‬فياوز له ذلك‪ ،‬لكن إن طال الفصل‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬يرون عدم أحقيته بالمحل‪ ،‬ورجح شـيخنا ابن عثيمين‪ :‬أنه وإن طال‬
‫الفصل ما دام العذر باق‪ ،‬فهو أحق به من غيره؛ ألن استمرار العذر كابتدائه‪ ،‬فإنه‬
‫إذا جاز أن يخرج من المساد‪ ،‬و ُيبقي المصلى إذا حصل له عذر‪ ،‬فكذلك إذا‬
‫استمر به العذر(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ماموع الفتاوى (‪.)121/22‬‬


‫(‪ )2‬الشـرح الممتع (‪.)103/5‬‬

‫‪616‬‬
‫‪617‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫‪e‬‬ ‫ب صَال ِة العِيدَينِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬

‫عقد هذا الباب للكالم على أحكام ِالة العيد‪ ،‬وِفتها‪ ،‬وشـروطها‪،‬‬
‫وحكمها‪ ،‬وسننها‪ ،‬وما يتعلق هبا من مسائل‪ ،‬وناسب ذكرها بعد الامعة؛‬
‫الشرتاكهما يف كثير من األحكام‪.‬‬
‫وتعريف العيد لغ ًة‪ :‬اسم لما يعود ويتكرر مرة بعد مرة‪.‬‬
‫والمراد بالعيد شـرعًا‪ :‬يوم الفطر‪ ،‬واألضحى‪.‬‬
‫واألعياد يف اإلسالم ثالثة‪ :‬عيد الفطر‪ ،‬واألضحى‪ ،‬والامعة‪.‬‬
‫ويوم النحر أفضل من يوم الفطر‪ ،‬فهو أفضل أيام العام‪ ،‬ويوم الامعة أفضل‬
‫أيام األسبوع‪ ،‬وكان المشـركون لهم أعياد قبل اإلسالم فأبطلها اهلل‪ ،‬وشـرع هذه‬
‫يه َما‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ ا ْل َم ِدينَ َة َو َل ُه ْم َي ْو َما ِن َي ْل َع ُب َ‬
‫ون فِ ِ‬ ‫َس ﭬ َق َال‪َ :‬ق ِد َم َر ُس ُ‬ ‫بدلها‪ ،‬ف َع ْن َأن ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫اهلِ اي ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫يهما فِي ا ْلا ِ‬
‫َ‬
‫ان؟ َقا ُلوا‪ُ :‬كناا َن ْلع ِ‬
‫بف ِ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ان ا ْليوم ِ‬
‫َْ َ‬
‫َف َق َال‪ :‬ما َه َذ ِ‬
‫َ‬
‫اهلل َقدْ َأ ْبدَ َل ُك ْم بِ ِه َما َخ ْي ًرا مِنْ ُه َما‪َ :‬ي ْو َم ْاألَ ْض َحى‪َ ،‬و َي ْو َم ا ْلف ْطر» ‪.‬‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬
‫«إِ ان َ‬
‫وال ياوز إقامة أعياد غير هذه الثالثة‪ ،‬وما سواها بدعة‪ ،‬كأعياد الميالد‪ ،‬وعيد‬
‫المولد‪ ،‬وعيد الحب‪ ،‬وكذا أسبوع المساجد‪ ،‬ذكر شـيخنا ابن عثيمين أنه بدعة؛‬
‫لتكرره على ِفة معينة‪ ،‬والرتباطه بعبادة(‪.)2‬‬
‫وأما ح َفالت تخريج الطلبة لحفظ القرآن والسنة‪ ،‬فال تدخل يف األعياد؛ ألمور‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1134‬والنسائي (‪ ،)1556‬وأحمد (‪ )1362‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وِححه البغوي يف شـرح‬
‫السنة (‪ ،)222/4‬والنووي يف خالِة األحكام (‪ ،)612/2‬وابن حار يف فتح الباري (‪ ،)442/2‬واأللباين يف‬
‫ِحيح أبي داود (‪.)1032‬‬
‫(‪ )2‬الممتع (‪.)146/5‬‬

‫‪611‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪618‬‬

‫األول‪ :‬أهنا ال تتكرر بالنسبة لهؤالء الذين احتفل هبم‪.‬‬


‫أمرا ماضـيًا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن لها مناسبة حاضـرة‪ ،‬وليست ً‬
‫الثالث‪ :‬أن وقتها متفاوت(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ويه‪ :‬فرض ك ِفاية)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫وِالة العيد مشـروعة باإلجماع‪ ،‬كما نقله ابن حزم يف مراتب اإلجماع(‪ ،)2‬وقد‬
‫أمر الشـرع هبا‪ ،‬وداوم رسول اهلل ﷺ وخلفاؤه على إقامتها‪ ،‬واألحاديث يف هذا‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫والمذهب‪ :‬أهنا فرض كفاية‪ ،‬ومن ِوارف الوجوب العيني‪:‬‬
‫حديث طلحة بن عبيد اهلل ﭬ‪ ،‬وفيه‪ :‬لما ذكر الصلوات الخمس‪َ :‬ف َق َال‪َ « :‬ه ْل‬
‫ال‪ ،‬إِ اال َأ ْن َت َط او َع» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫َع َلي َغ ْي ُر َها؟ َق َال‪َ :‬‬
‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َع َلى ا ْلع َباد‪َ ،‬ف َم ْن َجا َء به ان َل ْم ُيضـي ْع‬ ‫ُ‬
‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬خ ْم ُس َِ َل َوات َك َت َب ُه ان ُ‬
‫َان َله ِعنْدَ اهللِ َعهدٌ َأ ْن يدْ ِخ َله ا ْلاناةَ‪ ،‬ومن َلم ي ْأ ِ‬
‫ت ب ِ ِه ان‬ ‫مِنْهن شـي ًئا ِ‬
‫ُ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫است ْخ َفا ًفا بِ َحق ِه ان‪ ،‬ك َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ا‬
‫َف َل ْي َس َل ُه ِعنْدَ اهللِ َع ْهدٌ ‪ ،‬إِ ْن َشا َء َع اذ َب ُه‪َ ،‬وإِ ْن َشا َء َأ ْد َخ َل ُه ا ْل َانا َة» [رواه أبو داود](‪.)4‬‬
‫وألنه ال يشـرع لها أذان وال إقامة‪ ،‬فلم تاب على األعيان‪ ،‬كصالة الانازة‪،‬‬
‫ويتأكد حضورها‪:‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [الكوثر‪.]2 :‬‬
‫ات‬‫العيدَ ي ِن‪ ،‬و َذو ِ‬‫وحديث ُأم َعطِي َة ڤ َقا َل ْت‪ُ « :‬أمِرنَا َأ ْن ُن ْخ ِرج الحي َض يوم ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ُا َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫الح اي ُض َع ْن ُم َص اال ُه ان‪،‬‬ ‫الم ْسلِمي َن َو َد ْع َو َت ُه ْم‪َ ،‬و َي ْعت َِز ُل ُ‬
‫ور‪َ ،‬ف َي ْش َهدْ َن َج َما َع َة ُ‬ ‫الخدُ ِ‬
‫ُ‬
‫ول اهللِ إِحدَ انَا َليس َلها ِج ْلباب‪َ ،‬ق َال‪ :‬ل ِ ُت ْلبِسها ِ ِ‬
‫اح َب ُت َها مِ ْن‬ ‫ت ا ْم َر َأةٌ‪َ :‬يا َر ُس َ‬‫َقا َل ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬الممتع (‪.)146/5‬‬


‫(‪ )2‬مراتب اإلجماع ص (‪.)32‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)425‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)321‬‬

‫‪616‬‬
‫‪619‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫ِج ْل َبابِ َها» [متفق عليه](‪.)1‬‬


‫وألن رسول اهلل ﷺ وخلفاءه الراشدين داوموا عليها حتى فارقوا الدنيا‪.‬‬
‫وألهنا من أعالم الدين الظاهرة‪.‬‬
‫واختار بعض العلماء وجوب حضورها وقول يف مذهب أحمد‪ ،‬ورجحه شـيخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬والسعدي‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما النساء فيسن لهن الحضور‪ ،‬وال تاب عليهن؛ ألهنن لسن من أهل‬
‫الاماعة‪ ،‬وهذا اختيار ابن باز(‪.)3‬‬
‫َ ُْ ََ‬ ‫ُُ َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ي) ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫ط‬ ‫اخل‬ ‫ا‬ ‫عد‬ ‫ما‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫ع‬ ‫م‬‫اكجل‬ ‫ها‪:‬‬ ‫وط‬ ‫ورش‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫شـروأ ِحة ِالة العيد كشـروأ الامعة‪ ،‬وهي أربعة‪:‬‬
‫األول‪ :‬الوقت‪ :‬ودخوله شـرأ‪ ،‬لكن الصحيح أنه ليس كوقت الامعة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬العدد‪ :‬والمذهب ياب بلوغ أربعين‪ ،‬وتقدم عدم اشرتاطه يف الامعة‪،‬‬
‫ففي العيدين من باب أولى‪.‬‬
‫واألقرب‪ :‬عدم اشرتاطه‪ ،‬وأنه يكفي ثالثة‪ ،‬كما اختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الخطبتان‪ :‬والمذهب أهنا شـرأ يف الامعة‪ ،‬وسنة يف العيد‪ ،‬فلو لم‬
‫يخطب لكانت ِالة العيد ِحيحة؛ ألنه ال ياب حضورها‪.‬‬
‫وذهب بعض العلماء وله قوة أن خطبة العيد واجبة على اإلمام؛ لمداومة‬
‫رسول اهلل ﷺ عليها‪ ،‬ولقوله ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي ُأ َِلي» [متفق عليه](‪ ،)4‬ولكن‬
‫ب ﭬ َق َال‪َ « :‬ش ِهدْ ُ‬ ‫الس ِائ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‬ ‫ال ياب حضورها؛ لما روى أبو داود َع ْن َع ْبداهلل ْب ِن ا‬
‫ب َأ ْن َي ْالِ َس‬ ‫ِ‬ ‫مع رس ِ ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف َم ْن َأ َح ا‬ ‫الص َالةَ‪َ ،‬ق َال‪ :‬إِناا ن َْخ ُط ُ‬
‫ول اهلل ﷺ ا ْلعيدَ ‪َ ،‬ف َل اما َقضـى ا‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)211‬‬
‫(‪ )2‬االختيارات ص (‪ ،)123‬ماموع الفتاوى (‪ ،)161/23‬كتاب الصالة ص (‪ ،)11‬المختارات الالية ص‬
‫(‪ ،)12‬ماموع فتاوى ابن باز (‪ ،)1/13‬الممتع (‪.)151/5‬‬
‫(‪ )3‬ماموع فتاوى ابن باز (‪.)1/13‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬

‫‪612‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪620‬‬

‫ل ِ ْل ُ ِ‬
‫ب َف ْليَ ْذ َه ْ‬
‫ب»(‪.)1‬‬ ‫خ ْط َبة َف ْل َي ْالِ ْس‪َ ،‬و َم ْن َأ َح ا‬
‫ب َأ ْن َي ْذ َه َ‬
‫الرابع‪ :‬االستيطان‪ :‬فالمسافر ال تصح منه العيد إال َت َب ًعا للمستوطن‪ ،‬كما قررناه‬
‫يف ِالة الامعة‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وت ُ َس ُّن‪ :‬بالص َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬
‫حراءِ)‪.‬‬
‫السنة يف ِالة العيد أن تكون يف المصليات ال يف المساجد إظهار ًا لهذه‬
‫يخرج يوم ِ‬
‫الف ْط ِر َواألَ ْض َحى إِ َلى‬ ‫الشعيرة؛ ولفعل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقد «كَان ْ ُ ُ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ْصـرف‪َ ،‬ف َي ُقو ُم ُم َقابِ َل الن ِ‬
‫ااس» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫ُ‬ ‫الم َص الى‪َ ،‬ف َأ او ُل شـيء َي ْبدَ ُأ بِه ا‬
‫الصالَ ُة‪ُ ،‬ث ام َين‬ ‫ُ‬
‫وهذا عام يف األمصار‪ ،‬ويف مساد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬حيث كان يفعله وهو‬
‫بالمدينة‪ ،‬وهذه السنة الماضـية منذ الزمن األول‪ .‬وإن كان هنال مشقة يف الخروج‬
‫إلى المصلى‪ ،‬لوجود مطر‪ ،‬أو خوف‪ ،‬أو دحض يف األرض‪ ،‬أو زحام شديد‪،‬‬
‫فتصلى يف المساجد‪ ،‬وإذا ِلوا يف المساد ِلوا تحية المساد قبل الالوس إن‬
‫كان اإلمام لم يشـرع يف الصالة‪.‬‬
‫وأما يف مكة فإهنا تصلى يف المساد الحرام؛ ألن فيه الكعبة‪ ،‬وهي قبلة‬
‫المسلمين‪ ،‬فكيف يخرج عنها‪ ،‬وألن الخروج يف مكة شاق؛ لكثرة جبالها‬
‫وأوديتها‪ ،‬وكثرة الناس فيها‪ ،‬وهذا المنقول منذ الزمن األول‪ ،‬كما نقله النووي‪،‬‬
‫ورجحه ابن باز(‪.)3‬‬
‫َ َ ََْ ُ ََ ُ َ ه‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويُ َ‬
‫فارق ِة المصىل)‪.‬‬ ‫كرهُ‪ :‬انلهفل قبلها‪ ،‬وبعدها قبل م‬
‫إذا ِلوا العيد يف المصلى‪ ،‬فال يصلوا قبلها وال بعدها شـي ًئا‪ ،‬ال اإلمام وال‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1155‬وابن ماجه (‪ )1220‬من حديث عبداهلل ابن السائب ﭬ‪ .‬قال أبو داود‪« :‬هذا مرسل عن‬
‫عطاء‪ ،‬عن النبي ﷺ»‪ ،‬ورجح اإلرسال‪ :‬أبو زرعة‪ ،‬وابن معين (علل الحديث البن أبي حاتم ‪ ،460/2‬تاريخ ابن‬
‫معين رواية الدوري ‪.)56‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)256‬ومسلم (‪ )662‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬شـرح مسلم (‪ِ ،)421/6‬الة المؤمن ص (‪.)640‬‬

‫‪620‬‬
‫‪621‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫المأمومين؛ ألَ ان «النابِي ﷺ ِ الى يوم ِ‬


‫الف ْط ِر َر ْك َع َت ْي ِن َل ْم ُي َصل َق ْب َل َها َو َ‬
‫ال َب ْعدَ َها»(‪.)1‬‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ا‬
‫قال ابن القيم‪« :‬ولم يكن هو وال أِحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شـي ًئا‬
‫قبل الصالة وال بعدها»(‪.)2‬‬
‫والمذهب كراهة ذلك؛ لمخالفته المنقول عن الرسول ﷺ‪ ،‬والصحابة ﭫ‪،‬‬
‫وقد أنكر اإلمام أحمد على من قال‪ :‬إن فعل رسول اهلل ﷺ لكونه إما ًما‪ ،‬وقال‪ :‬إن‬
‫ابن عمر وابن عباس ﭭ رويا أنه لم يصل قبلها وال بعدها‪ ،‬وكرها الصالة حتى‬
‫أيضا عن سلمة ابن األكوع‪ ،‬وبريدة‪ ،‬وجابر‪،‬‬
‫للمأموم‪ ،‬وهما أعلم بما رويا‪ ،‬وروي ً‬
‫وعلي‪ ،‬وابن أبي أوىف ﭫ أهنم لم يصلوا قبلها وال بعدها‪ ،‬وقال الزهري‪« :‬ما‬
‫علمنا أحدً ا كان يصلي قبل خروج اإلمام»‪ ،‬وهذا قول اإلمام مالك‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫وإسحاق(‪.)3‬‬
‫وقال ابن حار‪« :‬ونقل بعض المالكية اإلجماع على أن اإلمام ال يتنفل يف‬
‫المصلى»‪.‬‬
‫وقت‬
‫وقال ابن العربي‪« :‬التنفل يف المصلى لو فعل لنقل‪ ،‬ومن أجازه رأى أنه ٌ‬
‫مطلق للصالة‪ ،‬ومن تركه رأى أن النبي ﷺ لم يفعله‪ ،‬ومن اقتدى فقد اهتدى‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫والحاِل أن ِالة العيد لم يثبت لها سن ٌة قبلها وال بعدها خال ًفا لمن قاسها على‬
‫الامعة‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)4‬‬
‫وإذا رجع إلى بيته‪ ،‬فإن المشـروعية تعود إلى أِلها‪ ،‬ولذا يشـرع له ِالة‬
‫َان َال يصلي َقب َل ا ْل ِع ِ‬
‫يد شـي ًئا‪َ ،‬فإِ َذا َر َج َع‬ ‫ْ‬ ‫الضحى‪ ،‬والتنفل المطلق؛ ألَ ان النابِ اي ﷺ‪« :‬ك َ ُ َ‬
‫إِ َلى َمن ِْزل ِ ِه ِلى َر ْك َع َت ْي ِن»(‪ .)5‬وأما إذا ِلوا يف المساد لعذر‪ :‬فال يالس حتى يصلي‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)264‬ومسلم (‪ )664‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد (‪.)443/1‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري البن رجب (‪.)20/2‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري البن حار (‪.)416/2‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن ماجه (‪ )1223‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪ .‬وحسنه الحافظ ابن حار يف الفتح (‪،)416/2‬‬
‫=‬

‫‪621‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪622‬‬

‫ادَ ‪َ ،‬فالَ َي ْالِ ْس َحتاى ُي َصل َي‬


‫تحية المساد؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ُكم المس ِ‬
‫ُ َ ْ‬
‫َر ْك َع َت ْي ِن» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫ولو تأخر اإلمام يف المصلى‪ ،‬فيشتغل بالتكبير‪ ،‬والذكر‪ ،‬والقرآن‪ ،‬كما هو‬
‫المنقول عن السلف رحمهم اهلل‪ ،‬وال يشتغل بنوافل الصالة‪.‬‬
‫ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪َ ( :‬و َوقتها‪ :‬كصالة ِ الضَح)‪.‬‬
‫من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى الزوال‪ ،‬وهذا مذهب جمهور‬
‫ااس َي ْو َم فِ ْط ُر َأ ْو َأ ْض َحى‪،‬‬‫العلماء‪ ،‬لحديث َع ْب ِدال ال ِـه ْب ِن ُبسـر ﭬ‪َ « :‬أ ان ُه َخ َر َج َم َع الن ِ‬
‫يح»(‪.)2‬‬ ‫اإل َمامِ‪َ ،‬و َق َال‪ :‬إِ ْن ُكناا َل َقدْ َف َر ْغنَا َسا َع َتنَا َه ِذ ِه‪َ ،‬و َذل ِ َك ِحي َن الت ْاسبِ ِ‬ ‫َف َأن َْكر إِ ْب َطاء ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله‪« :‬حي َن الت ْاسبِيحِ »‪ :‬أي حين حل النافلة‪ ،‬وذلك بعد ارتفاع الشمس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ض ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ه‬ ‫الز َ‬‫عد ه‬ ‫ه َ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ‬
‫اء)‪.‬‬ ‫ال‪ :‬صلوا مِن الغ ِد ق‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫إال‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫ع‬‫ِ‬ ‫بال‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫فإن‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫إذا لم يعلموا بالعيد إال بعد الزوال‪ ،‬فقد خرج وقتها لذلك اليوم‪ ،‬ويؤخروهنا‬
‫إلى الغد‪ ،‬ويصلوهنا يف وقتها؛ لما روى اإلمام أحمد وأبو داود َع ْن َأبِي ُع َم ْي ِر ْب ِن‬
‫اب رس ِ ِ‬ ‫ك َق َال‪« :‬حدا َثنِي ُعمومتِي مِن ْاألَنْص ِ ِ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫ار م ْن َأ ِْ َح ِ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َأن ِ ْ َ‬
‫ار‪،‬‬‫آخ ِر الن َاه ِ‬ ‫ال‪َ ،‬ف َأِبحنَا ِـياما‪َ ،‬فااء ركْب مِن ِ‬ ‫َقا ُلوا‪ُ :‬أ ْغ ِمي َع َل ْينَا ِه َال ُل َش او ُ‬
‫َ َ َ ٌ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َف َش ِهدُ وا ِعنْدَ النابي ﷺ أن ُاه ْم َرأ ُوا اله َالل باأل ْمس‪ ،‬فأ َم َر ُه ْم َر ُسول اهلل ﷺ أن ُيفط ُروا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يد ِه ْم مِ َن ا ْل َغ ِد»(‪.)3‬‬‫و َأ ْن ي ْخرجوا إِ َلى ِع ِ‬
‫َ َ ُ ُ‬

‫=‬
‫والبوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪ ،)153/1‬واأللباين يف إرواء الغليل (‪.)100/3‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)460‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم‪ -‬كتاب أبواب العيدين‪/‬باب التبكير إلى العيد‪ .‬ووِله أبو داود (‪ ،)1135‬وابن‬
‫ماجه (‪ )1311‬من حديث عبداهلل بن بسـر ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)621/2‬واأللباين يف‬
‫ِحيح أبي داود (‪.)1040‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)1151‬والنسائي (‪ ،)1551‬وابن ماجه (‪ ،)1653‬وأحمد (‪ .)20512‬وِححه البيهقي‬
‫(‪ ،)442/3‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)25/5‬واأللباين يف إرواء الغليل (‪ ،)634‬وقال ابن حار يف‬
‫التلخيص الحبير (‪« :)206/2‬وِححه ابن المنذر‪ ،‬وابن السكن‪ ،‬وابن حزم»‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫‪623‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫مسألة‪ :‬األفضل يف أداء ِالة العيد‪:‬‬


‫أن يعال ِالة عيد األضحى أول وقتها ليبادروا لذبح األضحية‪.‬‬
‫قليال ليتسع وقت إخراج ِدقة الفطر‪ ،‬قال ابن القيم‪« :‬وكان‬
‫ويؤخر عيد الفطر ً‬
‫يؤخر ِالة عيد الفطر‪ ،‬ويعال األضحى‪ ،‬وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة ال‬
‫يخرج حتى تطلع الشمس‪ ،‬ويكرب من بيته إلى المصلى»‪ ،‬وقد ورد فيه حديث‬
‫مرسل ضعيف(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬حاالت الصلوات بالنسبة للقضاء ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬نوع يقضـى بعد زوال العذر‪ ،‬ولو يف غير وقته كالصلوات الخمس‪ ،‬فمن‬
‫نام عن ِالة أو نسـيها فليصلها إذا ذكرها‪ ،‬ولو يف غير وقتها‪.‬‬
‫ظهرا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬نوع ال يقضـى‪ ،‬وإنما يصار إلى بدله كالامعة إذا فاتت تصلى ً‬
‫الثالث‪ :‬نوع ال يقضـى إال يف وقته‪ ،‬ولو يف غير يومه‪ :‬كصالة العيد إذا فات وقتها‬
‫يف يوم العيد‪ ،‬فإهنا تصلى يف وقتها من اليوم الثاين‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫ُ ه َ ُ َ ُ ِ َ َ ُّ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ام إىل َو ِ‬
‫قت الصالة ِ‪ .‬وإذا مَض يف‬ ‫اإلم ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬تبك ُِري المأموم‪ .‬وتأخر‬
‫ُُ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َطريق َر َج َع يف أ َ‬
‫اجلمعة)‪.‬‬ ‫خرى‪ .‬وكذا‪:‬‬
‫أشار إلى بعض السنن التي يشـرع مراعاهتا يف العيدين‪:‬‬
‫ُ ه َ ُ َ ُ‬
‫أم ِ‬
‫وم)‪ :‬وكان ابن عمر ﭭ‪« :‬يصلي يف مساد رسول‬ ‫األول‪( :‬وسن‪ :‬تبكِري الم‬
‫اهلل ﷺ‪ ،‬ثم يخرج إلى المصلى»(‪ ،)2‬وهذا من المسابقة للخيرات‪ ،‬وإذا كان ينتظر‬
‫الصالة لم يزل يف ِالة‪ ،‬ويحصل له الدنو من اإلمام‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ َ ُّ ُ َ‬
‫قت الصالة ِ)‪ :‬فالسنة لإلمام أال يخرج للمساد إلى‬ ‫ام إىل َو ِ‬
‫اإلم ِ‬ ‫الثاين‪( :‬وتأخر‬
‫ول اهللِ ﷺ ي ْخرج يوم ِ‬
‫الف ْط ِر‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫أن يحين وقت الصالة؛ لحديث‪« :‬وقد ك َ‬
‫َ ُ ُ َْ َ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)216/2‬زاد المعاد (‪ ،)422/1‬الممتع (‪.)156/5‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)466/1‬‬

‫‪623‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪624‬‬

‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َواألَ ْض َحى إ ِ َلى ُ‬
‫الم َص الى‪َ ،‬ف َأ او ُل شـيء َي ْبدَ ُأ بِه ُ ا‬
‫الصالَ ُة‪[ »...‬متفق عليه](‪.)1‬‬
‫ُُ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َض يف َطريق َر َج َع يف أ َ‬ ‫َ َ‬
‫اجلمعة)‪ :‬متابع ًة لرسول‬ ‫خرى‪ .‬وكذا‪:‬‬ ‫الثالث‪( :‬وإذا م‬
‫اهلل ﷺ يف هديه‪ ،‬وليشهد له الطريقان وسكاهنما‪ ،‬وليظهر شعار اإلسالم(‪« ،)2‬وقد‬
‫َان يوم ِع ُ‬
‫ف ال اط ِر َيق» [رواه البخاري](‪.)3‬‬ ‫يد َخا َل َ‬ ‫َان النابِ ُّي ﷺ إِ َذا ك َ َ ْ ُ‬
‫ك َ‬
‫الرابع‪ :‬أن يذهب لصالة العيد ماشـيا إن تيسـر إال من عذر‪ ،‬كبعد المساد‬
‫يد َماشـيا‪َ ،‬و َي ْر ِج ُع َماشـيا»(‪.)4‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ ي ْخرج إِ َلى ا ْل ِع ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ونحوه‪« :‬وقد ك َ‬
‫َ ُ ُ‬
‫الع ِ‬
‫يد َماشـيا‪َ ،‬و َأ ْن َت ْأ ُك َل شـي ًئا َق ْب َل َأ ْن‬ ‫و َق َال علي ﭬ‪« :‬مِن السن ِاة َأ ْن َت ْخرج إِ َلى ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫َت ْخ ُر َج»(‪ .)5‬قال الرتمذي‪« :‬والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم‪:‬‬
‫عذر»‪.‬‬ ‫يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشـيا‪ ،‬وأن ال يركب إال من ُ‬
‫سـيرا َء ِعنْدَ‬‫الخامس‪ :‬أن يتزين ويلبس أحسن الثياب؛ ألَ ان ُع َم َر ﭬ َر َأى ُح ال ًة َ‬
‫الا ُم َع ِة َول ِ ْل َو ْف ِد إِ َذا‬ ‫ِِ‬ ‫اب المس ِا ِد‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل َل ِو ْاشت ََر ْي َت َهذه‪َ ،‬ف َلبِ ْست ََها َي ْو َم ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َب ِ َ ْ‬
‫َق ِد ُموا َع َل ْي َك» [متفق عليه](‪.)6‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬وهذا يدل على أن التامل عندهم يف هذه المواضع كان‬
‫مشهورا»(‪ ،)7‬وقال اإلمام مالك‪« :‬سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة يف‬
‫ً‬
‫كل عيد»‪ .‬قال ابن حار‪ :‬روى ابن أبي الدنيا بإسناد ِحيح إلى ابن عمر ﭭ‪:‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)620‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)262/2‬زاد المعاد (‪ ،)442/1‬الفتح (‪.)413/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )266‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه (‪ )1225‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)622/2‬وابن‬
‫الملقن يف البدر المنير (‪.)611/4‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪ ،)530‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)5661‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪،)466/1‬‬
‫والبيهقي يف السنن (‪ .)326/3‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)622/2‬وابن‬
‫الملقن يف البدر المنير (‪)616/4‬؛ يف إسناده الحارث األعور‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)666‬ومسلم (‪ )2066‬من حديث عمر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )1‬المغني (‪.)214/2‬‬

‫‪624‬‬
‫‪625‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫«أنه كان يلبس أحسن ثيابه يف العيدين»(‪.)1‬‬


‫السادس‪ :‬الغسل يوم العيد؛ لوروده عن الصحابة ﭫ‪ ،‬فورد عن علي ﭬ يف‬
‫االغتسال يوم الفطر ويوم النحر(‪ ،)2‬وورد عن ابن عمر ﭭ‪« :‬أنه كان يغتسل يوم‬
‫الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى»(‪ ،)3‬ولم يرد فيه عن رسول اهلل ﷺ شـيء ِحيح‪.‬‬
‫السابع‪ :‬االشتغال بالتكبير إلى مصلى العيد ويرفع ِوته به؛ لعموم قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]165‬وكان ابن ُعمر ﭭ‪« :‬إِ َذا َغدَ ا إِ َلى ا ْلمص الى يوم ا ْل ِع ِ‬
‫يد َك اب َر َف َر َف َع َِ ْو َت ُه‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ُ ََ‬
‫بِالت ْاكبِ ِير»(‪.)4‬‬
‫جهرا إذا خرج من بيته حتى يأيت المصلى»‪ ،‬روى‬ ‫وقال اإلمام أحمد‪« :‬يكرب ً‬
‫ذلك عن علي وابن عمر وأبي أمامة و ُأ َبي ﭫ‪ ،‬وهذا قول كثير من العلماء‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وابن المنذر(‪.)5‬‬
‫الثامن‪ :‬من السنة الخروج بالنساء والصبيان ليشهدوا الخير ودعوة المسلمين‪،‬‬
‫مع الحرص على تسرت النساء‪ ،‬ويف الصحيحين َع ْن ُأم َعطِ اي َة ڤ َقا َل ْت‪ُ :‬أمِ ْرنَا َأ ْن‬
‫ِ‬ ‫العيدَ ي ِن‪ ،‬و َذو ِ‬ ‫ُن ْخ ِرج الحي َض يوم ِ‬
‫ين‪،‬‬‫الم ْسلِم َ‬ ‫اع َة ُ‬ ‫ور َف َي ْش َهدْ َن َج َم َ‬ ‫الخدُ ِ‬‫ات ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُا‬ ‫َ‬
‫ول اهللِ إِ ْحدَ انَا َل ْي َس َل َها‬ ‫ود ْعو َتهم ويعت َِز ُل الحي ُض َعن مص اال ُهن‪َ ،‬قا َل ِ‬
‫ت ا ْم َر َأةٌ‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ا‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ُا‬ ‫َ َ َ ُ ْ ََْ‬
‫اس ﭬ‬ ‫اح َب ُت َها مِ ْن ِج ْل َبابِ َها»‪ ،‬ويف البخاري عن ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫ِج ْلباب؟ َق َال‪« :‬ل ِ ُت ْلبِسها ِ ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ٌ‬
‫ِ‬
‫ب‪ُ ،‬ث ام َأ َتى الن َسا َء‪،‬‬ ‫َق َال‪َ « :‬خ َر ْج ُت َم َع النابِي ﷺ َي ْو َم ف ْط ُر َأ ْو َأ ْض َحى َف َص الى‪ُ ،‬ث ام َخ َط َ‬
‫الصدَ َق ِة»(‪ ،)6‬وهو ِغير‪.‬‬ ‫َف َو َع َظ ُه ان‪َ ،‬و َذك َار ُه ان‪َ ،‬و َأ َم َر ُه ان بِ ا‬

‫(‪ )1‬فتح الباري (‪.)432/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ .)365‬وِححه األلباين يف إرواء الغليل (‪.)111/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه مالك يف الموطأ (‪ ،)602‬والشافعي يف مسنده ص (‪.)13‬‬
‫(‪ )4‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ ،)13‬والبيهقي يف معرفة السنن واآلثار (‪.)6612‬‬
‫(‪ )5‬الشـرح الكبير على المقنع (‪.)231/2‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ )215‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫‪625‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪626‬‬

‫اس‪،‬‬‫مسألة‪ :‬ال يشـرع األذان واإلقامة لصالة العيد‪ ،‬ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬


‫َو َجابِ ِر ﭫ َق َاال‪َ « :‬ل ْم َي ُك ْن ُي َؤ اذ ُن َي ْو َم ا ْل ِف ْط ِر‪َ ،‬و َال َي ْو َم ْاأل َ ْض َحى»(‪.)1‬‬
‫لص َال ِة َي ْوم ا ْل ِف ْط ِر‪ِ ،‬حي َن َي ْخر ُج ْ ِ‬
‫اإل َما ُم‪،‬‬ ‫وروى مسلم عن جابِ ُر ﭬ‪َ « :‬أ ْن َال َأ َذ َ ِ‬
‫ان ل ا‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َو َال َب ْعدَ َما َي ْخ ُر ُج‪َ ،‬و َال إ ِ َقا َمةَ‪َ ،‬و َال نِدَ ا َء‪َ ،‬و َال شـي َء‪َ ،‬ال نِدَ ا َء َي ْو َمئِ ُذ‪َ ،‬و َال إ ِ َقا َم َة»(‪ ،)2‬وهذا‬
‫دليل على أن األذان يف ِالة العيد محدث‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬وكان ﷺ إذا انتهى إلى المصلى أخذ يف الصالة من غير ُ‬
‫أذان‬
‫إقامة‪ ،‬وال قول‪ :‬الصالة جامعةٌ‪ ،‬والسنة‪ :‬أنه ال يفعل شـي ٌء من ذلك»(‪.)3‬‬ ‫ُ‬ ‫وال‬
‫ََْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك ِّ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫اإلحر ِام وقبل‬ ‫َ‬ ‫كبرية ِ‬ ‫َب يف األوىل‪ ،‬بعد ت‬ ‫ان‪ .‬ي‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وصالة العي ِد‪َ :‬ركعت‬
‫ُك تَكب َ‬ ‫َ َ ُ ِّ‬ ‫َ َ َْ ً َ َ ُ ََ‬ ‫ه َ َ َ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬
‫رية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫رف‬ ‫ي‬ ‫ا‪.‬‬ ‫س‬ ‫مخ‬ ‫ِ‪:‬‬ ‫ة‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫بل‬ ‫اتلهع ُّوذِ‪ِ :‬ستا‪ ،‬ويف اثلانِيةِ‪ ،‬ق‬
‫َ ُ ه َ ً ُ َ َ ه ُ ًَ‬ ‫أكَب َكب ً‬ ‫اَّلل َ ُ‬ ‫هُ‬ ‫َُ ُ ََُ‬
‫كرة‬ ‫ريا‪ ،‬واحلمد َّللِ كثِريا‪ ،‬وسبحان اَّللِ ب‬ ‫ِ‬ ‫ويقول بينهما‪« :‬‬
‫َ ه َ ً‬ ‫ُم همد ِّ‬ ‫َُ‬ ‫َ ه هُ‬ ‫ً‬
‫انلِب وآهلِ وسل َم تسلِيم ُا»‪.‬‬ ‫وأصيال‪ ،‬وصىل ُاَّلل ىلع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ ُ‬ ‫قرأ َج ً‬ ‫يذ‪ُ ،‬ث هم يَ َ‬ ‫ُه َ َ ُ‬
‫الغاشي ِة»‪ :‬يف‬ ‫ِ‬ ‫الفاحتَة‪ ،‬ث هم بِـ«سبح»‪ :‬يف األوىل‪ ،‬و «‬ ‫ِ‬ ‫هرا‬ ‫ثم يست ِع‬
‫ه َ‬
‫اثلانِية‪.‬‬
‫ُ ُ َ َ ْ ُ َ ُّ‬ ‫َ َُُ َ ُ ْ ََ‬ ‫َ هَ َ َ َ ُ ََ‬
‫كن يسن‪ :‬أن‬ ‫ي‪ .‬وأحاكمهما‪ :‬كخطبيت اجلمعةِ‪ .‬ل ِ‬ ‫ب خطبت ِ‬ ‫فإذا سلم‪ :‬خ ُط‬
‫ه ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ستفتِ َح األوىل بتِس ِع تكب َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ريات‪ ،‬واثلانِية بِسبع‪.‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ِّ َ َ َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫صح؛ ألن اتله َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ َ‬
‫الزوائ ِد‪ ،‬واذلكر بينهما‪،‬‬ ‫ات‬‫كبري ِ‬ ‫وإن صىل ال ِعيد اكنلهاف ِلةِ‪:‬‬
‫ُهٌ‬ ‫ُ َ‬
‫ي‪ ،‬سنة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واخلطبت‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ‬ ‫ُ ُّ َ‬
‫ال)‪.‬‬ ‫وسن ل ِمن فاتته‪ :‬قضاؤها‪ ،‬ولو بعد الزو ِ‬
‫شـرع يف بيان ِفة ِالة العيد‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫ُ‬
‫ان)‪ :‬وهذا باإلجماع‪ ،‬ولم ينقل أن رسول اهلل ﷺ زاد‬ ‫(وصالة العي ِد‪ :‬ركعت ِ‬
‫الف ْط ِر َر ْك َع َت ْي ِن َل ْم ُي َصل َق ْب َل َها َو َ‬
‫ال‬ ‫عليهما‪ ،‬ويف الصحيحين‪َ « :‬أ ان النابِي ﷺ ِ الى يوم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)260‬ومسلم (‪ )666‬من حديث ابن عباس‪ ،‬وجابر ﭫ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )666‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد (‪.)421/1‬‬

‫‪626‬‬
‫‪627‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫َان ي ْخرج يوم ا ْل ِع ِ‬


‫يد َف ُي َصلي َر ْك َع َت ْي ِن»(‪.)1‬‬ ‫بعدَ ها»‪ .‬ويف النسائي‪َ « :‬أ ان رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ َ ُ ُ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫َان‪ ،‬وا ْلامع ُة ر ْكعت ِ‬
‫َان‪،‬‬ ‫وروى النسائي َعن ُعمر ﭬ َق َال‪َ ِ« :‬ال ُة الس َف ِر ر ْكعت ِ‬
‫َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫ا َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫ول اهللِ ﷺ»(‪.)2‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ان رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوا ْلعيدَ ان َر ْك َعتَان‪َ ،‬ت َما ٌم َغ ْي ُر َقصـر‪َ ،‬ع َلى ل َس َ ُ‬
‫والصالة قبل الخطبة على الوجوب عند جماهير العلماء‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬و َأ ُبو َب ْك ُر َو ُع َم ُر‬ ‫لما يف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫الخ ْط َب ِة»(‪.)3‬‬
‫العيدَ ْي ِن َق ْب َل ُ‬ ‫ون ِ‬ ‫ﭭ ُي َص ُّل َ‬
‫يد َق ْب َل‬‫اب َق َال‪َ :‬أو ُل من بدَ َأ بِا ْل ُخ ْطب ِة يوم ا ْل ِع ِ‬ ‫ار ِق ْب ِن ِش َه ُ‬ ‫وخرج مسلم َع ْن َط ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ا َ ْ َ‬
‫الص َال ُة َق ْب َل ا ْل ُخ ْط َب ِة‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬قدْ ُت ِر َل َما ُهنَال ِ َك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ام إِ َل ْيه َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا‬
‫ان‪َ .‬ف َق َ‬ ‫الص َال ِة َم ْر َو ُ‬‫ا‬
‫ول‪َ « :‬م ْن َر َأى‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫يد‪َ :‬أ اما َه َذا َف َقدْ َقضـى َما َع َل ْي ِه‪َ ،‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َف َق َال َأبو س ِع ُ‬
‫ُ َ‬
‫مِنْ ُك ْم ُمن َْك ًرا َف ْل ُي َغي ْر ُه بِ َي ِد ِه‪.)4(»...‬‬
‫ه َ َ َ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬ ‫عد تَ َ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ك ِّ ُ‬
‫اإلحر ِام وقبل اتلهع ُّوذِ‪ِ :‬ستا‪ ،‬ويف اثلانِيةِ‪ ،‬قبل‬ ‫َ‬ ‫كبري ِة‬ ‫َب يف األوىل‪ ،‬ب‬ ‫(ي‬
‫ْ ً‬ ‫َ‬ ‫ال ِق َر َ‬
‫اءة ِ‪ :‬مخسا)‪ :‬التكبير يف الركعة األولى قبل الفاتحة سبع تكبيرات مع تكبيرة‬
‫اإلحرام‪.‬‬
‫ويف الركعة الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة‪ ،‬هذا أرجح األقوال؛ لما روى‬
‫َان ُي َكب ُر فِي ا ْل ِف ْط ِر َو ْاأل َ ْض َحى‪ ،‬فِي‬‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬ ‫أبو داود َع ْن َعائِ َش َة ڤ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫الر ُكو ِع(‪.)5‬‬ ‫ْاألُو َلى َس ْب َع َت ْكبِ َيرات‪َ ،‬وفي ال اثان َية َخ ْم ًسا»‪ ،‬س َوى َت ْكبِ َير َت ِي ُّ‬

‫(‪ )1‬رواه النسائي (‪ ،)1512‬وابن ماجه (‪ ،)1266‬وأحمد (‪ )11506‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه النسائي (‪ ،)1420‬وابن ماجه (‪ ،)1063‬وأحمد (‪ )251‬من حديث عمر ﭬ‪ .‬وانظر‪ :‬التلخيص‬
‫الحبير (‪ ،)163/2‬والعلل البن أبي حاتم (‪ ،)224/2‬وعلل الدارقطني (‪.)111/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)263‬ومسلم (‪ )666‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )62‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)1142‬وابن ماجه (‪ )1260‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬وإسناده فيه ابن لهيعة‪ ،‬وهو ضعيف‪،‬‬
‫وضعفه البخاري كما يف علل الرتمذي ص (‪ ،)23‬قال الدارقطني يف العلل (‪« :)110/14‬واالضطراب فيه‬
‫من ابن لهيعة»‪.‬‬

‫‪621‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪628‬‬

‫َو َع ْن ابن عمرو ﭭ َق َال‪َ :‬ق َال َنبِ ُّي َاهللِ ﷺ‪َ « :‬ال ات ْكبِ ُير فِي َا ْل ِف ْط ِر َس ْب ٌع فِي َا ْألُو َلى‪،‬‬
‫َو َخ ْم ٌس فِي َا ْآل ِخ َر ِة‪َ ،‬وا ْل ِق َرا َء ُة َب ْعدَ ُه َما كِ ْل َت ْي ِه َما»(‪.)1‬‬
‫وخمسا يف الثانية‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫ً‬ ‫وأكثر الصحابة واألئمة يكربون سب ًعا يف األولى‬
‫اإلمام أحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم وابن القيم(‪.)2‬‬
‫ُك تَكب َ‬ ‫َ َ ُ ِّ‬ ‫َ َُ ََ‬
‫رية)‪ :‬أي يسن رفع اليدين يف كل تكبيرة‪ ،‬وهذا مذهب‬ ‫ِ‬ ‫(يرفع يدي ِه‪ :‬مع‬
‫األئمة الثالثة‪ :‬مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬ورجحه ابن باز‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين(‪.)3‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْر َف ُع َيدَ ْي ِه َم َع‬
‫لعموم حديث َوائِ ِل ْب ِن ُح ْا ُر ﭬ َق َال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت َر ُس َ‬
‫ال ات ْكبِ ِير»(‪ ،)4‬قال أحمد‪« :‬أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله»(‪.)5‬‬
‫وعن عمر ﭬ‪« :‬أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة يف الانازة والعيدين»(‪.)6‬‬
‫وعن الوليد بن مسلم قال‪« :‬سألت مالك بن أنس عن ذلك ‪-‬يعني الرفع يف‬
‫التكبيرات الزوائد؟‪ -‬فقال‪ :‬نعم ارفع يديك مع كل تكبيرة‪ ،‬ولم أسمع فيه شـي ًئا»‪.‬‬
‫ُ َ َ ه ُ ًَ‬
‫ريا‪ ،‬وسبحان اَّللِ بكرة‬ ‫مد هَّللِ َكثِ ً‬
‫َ ُ‬ ‫أكَب َكب ً‬
‫ريا‪ ،‬واحل‬
‫هُ‬
‫اَّلل َ ُ‬ ‫َُ ُ ََُ‬
‫(ويقول بينهما‪« :‬‬
‫ِ‬
‫َ ه َ ً‬ ‫َُه‬ ‫َ ه هُ‬ ‫ً‬
‫انلِب وآهلِ وسل َم تسلِيما»)‪ :‬فيستحب هذا الذكر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وأصيال‪ ،‬وصىل اَّلل ىلع ُممد‬
‫وهو أولى من السكوت بين التكبيرات‪ ،‬وليس فيه شـيء مرفوع إلى رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫لكن ورد عن ابن مسعود بمعناه‪ ،‬ومع ذلك لو أثنى على اهلل وحمده‪ ،‬وِلى على‬
‫رسول اهلل ﷺ بغيرها ِح‪ ،‬ولو قال ما ذكره المصنف لكان حسنًا؛ ألنه جامع لما‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1151‬وابن ماجه (‪ ،)1216‬وأحمد (‪ )6666‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ‪ .‬قال ابن‬
‫حار يف التلخيص الحبير (‪« :)200/2‬وِححه أحمد‪ ،‬وعلي‪ ،‬والبخاري‪ ،‬فيما حكاه الرتمذي»‪ ،‬وينظر‪:‬‬
‫إرواء الغليل (‪.)106/3‬‬
‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪ ،)220/24‬زاد المعاد (‪ .)443/1‬راجع كال ًما جيدً ا للشـيخ ابن عثيمين يف أدب الخالف‬
‫بعد كالمه على هذه المسألة يف الممتع (‪.)116/5‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)263/2‬الممتع (‪.)161/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد (‪ )16646‬من حديث وائل بن حار ﭬ‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)641‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪.)263/2‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )6‬رواه البيهقي يف السنن (‪ .)412/3‬وضعفه األلباين يف إرواء الغليل (‪ ،)640‬و ُأع ال باالنقطاع‪.‬‬

‫‪626‬‬
‫‪629‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫ذكره ابن مسعود ﭬ‪ ،‬ولم يحفظ عن رسول اهلل ﷺ فيها ذكر معين‪.‬‬
‫اهلل‪َ ،‬و ُت ْثنِي‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر‪َ ،‬و َت ْح َمدُ َ‬
‫ول‪ُ :‬‬ ‫فروى الطرباين عن ابن مسعود ﭬ قال‪َ « :‬ت ُق ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬و ُت ْثنِي َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُت َصلي‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيه‪َ ،‬و ُت َصلي َع َلى النابِي ﷺ‪َ ،‬و َتدْ ُعو َ‬
‫اهلل‪ُ ،‬ث ام ُت َكب ُر‪َ ،‬و َت ْح َمدُ َ‬
‫اب(‪ ،)1‬وقول‬ ‫َع َلى النابِي ﷺ‪ُ ،‬ث ام ت َكب ْر‪ ،»...‬وعنده ُح َذ ْي َف ُة‪َ ،‬و َأ ُبو ُموسـى‪ ،‬فقاال‪َ :‬أ َِ َ‬
‫الصحابي حاة إذا لم يخالفه غيره‪.‬‬
‫قرأُ َج ً‬
‫هرا)‪ :‬أي بعد التكبيرة السابعة يف األولى يستعيذ باهلل‪،‬‬ ‫يذ‪ُ ،‬ث هم يَ َ‬
‫ُه َ َ ُ‬
‫(ثم يست ِع‬
‫ثم يبسمل‪ ،‬ثم يقرأ الفاتحة وسورة بعدها‪ ،‬والسنة جهر اإلمام بالقراءة‪ ،‬وهذا قول‬
‫أكثر أهل العلم‪ ،‬كما نقله ابن المنذر(‪.)2‬‬
‫ويدل لذلك‪ :‬األحاديث التي نقل فيها الصحابة السور التي كان رسول اهلل ﷺ‬
‫يقرؤها يف ِالة العيد‪ ،‬فإهنا دليل على أنه كان ياهر بالقراءة‪ ،‬ولذا عرفوا قراءته‪،‬‬
‫وهي شبيهة بصالة الامعة التي ياهر هبا‪ ،‬فالظاهر منها أن النبي ﷺ كان ياهر‬
‫هبما‪ ،‬ولذلك عرفوا أنه قرأ هبما‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬ال نعلم خال ًفا بين أهل العلم أنه يسن الاهر هبا»(‪.)3‬‬
‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫الغاشي ِة»‪ :‬يف اثلانِية)‪ :‬السنة يف ِالة‬ ‫ِ‬ ‫الفاحتَة‪ ،‬ث هم بِـ«سبح»‪ :‬يف األوىل‪ ،‬و «‬ ‫( ِ‬
‫العيد أن يقرأ فيها ما كان رسول اهلل ﷺ يقرأه‪ ،‬وقد ثبت عنه القراءة بِـاألعلى‪،‬‬
‫الا ُم َع ِة‪ :‬بِ َسبحِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َان َي ْق َر ُأ في العيدَ ْي ِن َوفي ُ‬
‫َوالغاشـية‪ ،‬كما روى مسلم أن النبي ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫اح ُد َف َي ْق َر ُأ‬
‫اشـية‪ ،‬وربما اجتَمعا فِي يو ُم و ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َُاَ ْ َ َ‬
‫يث ال َغ ِ‬‫ال َح ِد ُ‬
‫اس َم َرب َك األ َ ْع َلى‪َ ،‬و َه ْل َأ َت َ‬
‫ْ‬
‫ور َت ْي ق‪ ،‬والقمر(‪.)5‬‬ ‫بِ ِه َما» ‪ ،‬وثبت أنه كان يقرأ بِ ُس َ‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف المعام الكبير(‪ ،)2515‬والبيهقي يف السنن الكربى (‪ .)410/3‬وقال‪« :‬وهذا من قول‬
‫عبداهلل بن مسعود ﭬ موقوف عليه»‪ ،‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)642‬‬
‫(‪ )2‬األوسط (‪.)264/4‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)261/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )616‬من حديث النعمان بن بشـير ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )621‬من حديث أبي واقد الليثي ﭬ‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪630‬‬

‫فيشـرع لإلمام أن يقرأ هبذا مرة وهبذا مرة‪ ،‬ويراعي األحوال؛ إحيا ًء للسنة‪ ،‬ولو‬
‫قرأ غيرها جاز(‪.)1‬‬
‫والحكمة من قراءة هذه السور يف الماامع الكبار‪ :‬ما تضمنته من تقرير‬
‫التوحيد‪ ،‬وقصص األنبياء‪ ،‬والمبدأ والمعاد‪ ،‬وعاقبة المؤمنين والمكذبين(‪.)2‬‬
‫َ هَ َ َ َ ُ ََ‬
‫ي)‪ :‬الواجب أن تكون خطبتا العيد بعد الصالة هذا‬ ‫(فإذا سلم‪ :‬خطب خطبت ِ‬
‫الثابت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والصحابة الكرام ﭫ‪ ،‬ولم يعلم فيه خالف إال عن‬
‫بعض أمراء بني أمية‪ ،‬وقد أنكره عليهم الصحابة؛ لمخالفته السنة‪ ،‬واإلجماع‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬و َأ ُبو َب ْك ُر‪،‬‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫السابق‪ ،‬ويف الصحيحين َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫الخ ْط َب ِة»(‪.)3‬‬ ‫ون ِ‬
‫العيدَ ْي ِن َق ْب َل ُ‬ ‫َو ُع َم ُر ﭭ ُي َص ُّل َ‬
‫خ ْط َب ِة َي ْو َم‬
‫اب ﭬ َق َال‪َ « :‬أ او ُل َم ْن َبدَ َأ بِا ْل ُ‬ ‫ار ِق ْب ِن ِش َه ُ‬ ‫ويف ِحيح مسلم َع ْن َط ِ‬
‫خ ْط َب ِة‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬قدْ ُت ِر َل‬ ‫ِ‬ ‫الص َال ِة َم ْر َو ُ‬
‫ان‪َ .‬ف َقا َم إِ َل ْيه َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا‬
‫الص َال ُة َق ْب َل ا ْل ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْلعيد َق ْب َل ا‬
‫َما ُهنَال ِ َك‪ ،‬فأنكر عليه أبو سعيد»(‪.)4‬‬
‫والمنقول عن أهل العلم أن للعيد خطبتين‪ ،‬واألحاديث الصحيحة لم تصـرح‬
‫بأهنما خطبتان‪ ،‬وإنما اعتمد الفقهاء على ما جاء عن عبيد اهلل بن عبداهلل بن عتبة‪،‬‬
‫وهو أحد الفقهاء السبعة زمن التابعين أنه قال‪« :‬السنة أن يخطب اإلمام يف العيد‬
‫خطبتين‪ ،‬يفصل بينهما بالوس»(‪ ،)5‬قال الشوكاين وابن باز‪« :‬ويعضد هذا‪ :‬القياس‬
‫على خطبة الامعة»(‪.)6‬‬
‫ِ‬ ‫وقد ورد يف هذا حديث عند ابن ماجه َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال‪َ « :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‬

‫(‪ )1‬راجع الممتع (‪ )120/5‬فيه فائدة جيدة حول إحياء السنن‪.‬‬


‫(‪ )2‬زاد المعاد (‪.)406/1‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)621‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)621‬‬
‫(‪ )5‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ ،)11‬والبيهقي يف السنن (‪.)420/3‬‬
‫(‪ )6‬المغني (‪ ،)265/2‬نيل األوطار (‪ ،)606/2‬الممتع (‪ِ ،)121/5‬الة المؤمن ص (‪.)612‬‬

‫‪630‬‬
‫‪631‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫ب َقائِ ًما‪ُ ،‬ث ام َق َعدَ َق ْعدَ ةً‪ُ ،‬ث ام َقا َم»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َي ْو َم ف ْط ُر َأ ْو َأ ْض َحى‪َ ،‬ف َخ َط َ‬
‫ُُ َ‬ ‫َ َُُ َ ُ ْ ََ‬
‫اجلمع ِة)‪ :‬أي أحكام خطبتي العيد كأحكام خطبتي‬ ‫(وأحاكمهما‪ :‬كخطبيت‬
‫الامعة‪ ،‬ما يستحب وما ياب‪ ،‬وفيه تفصـيل‪:‬‬
‫أما الحضور‪ :‬فإهنا تفارق خطبة الامعة‪ ،‬فيباح االنصـراف بعد الصالة يف‬
‫العيد؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِناا ن َْخ ُطب‪َ ،‬فمن َأحب َأ ْن يالِس ل ِ ْل ُ ِ‬
‫ب‬‫خ ْط َبة َف ْل َي ْالِ ْس‪َ ،‬و َم ْن َأ َح ا‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ َ ْ َ ا‬
‫َأ ْن َي ْذ َه َ‬
‫ب َف ْل َي ْذ َه ْ‬
‫ب» [رواه أبو داود](‪.)2‬‬
‫وأما تحريم الكالم‪ :‬فالمذهب قالوا‪ :‬إن جلس فيحرم عليه الكالم‪ ،‬فاالستماع‬
‫واجب ما دام حاضـرا‪ ،‬فعلى المسلم أن ال يتكلم حال الخطبة‪ ،‬وقد كره ذلك‬
‫جملة من السلف‪ ،‬منهم‪ :‬الحسن‪ ،‬وابن سـيرين(‪.)3‬‬
‫ه ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُّ‬
‫كن يسن‪ :‬أن يستفتِح األوىل بِتِس ِع تكبِريات‪ ،‬واثلانِية بِسبع)‪ :‬أي يسن‬ ‫(ل ِ‬
‫للخطيب أن يبدأ الخطبة بالتكبير ال بالحمد‪ ،‬فيبدأ األولى بتسع تكبيرات والثانية‬
‫بسبع‪ ،‬هذا المذهب‪ ،‬وفيه نظر؛ ألنه ال دليل عليه‪ ،‬وإنما احتاوا بما ذكره عبيد بن‬
‫عبداهلل بن عتبة أنه يكرب قبل الخطبة تسع تكبيرات(‪ ،)4‬وبحديث َس ْع ُد ا ْل ُم َؤذ ِن َق َال‪:‬‬
‫خ ْط َب ِة‪ُ ،‬ي ْكثِ ُر ال ات ْكبِ َير فِي ُخ ْط َب ِة ا ْل ِعيدَ ْي ِن»(‪.)5‬‬ ‫َان النابِي ﷺ‪« :‬ي َكبر بين َأ ْضع ِ‬
‫اف ا ْل ُ‬ ‫ُ ُ َْ َ َ‬ ‫ُّ‬
‫ك َ‬
‫َان َي ْفتَتِ ُح َها بِ ِه‪.‬‬
‫َو َهو َال َيدُ ُّل َع َلى َأ ان ُه ك َ‬
‫واألولى أن تبدأ خطبة العيد بالحمد‪ ،‬كما هو هديه ﷺ يف سائر خطبه‪ ،‬وال بأس‬
‫إشعارا بمشـروعية التكبير يف مثل هذا الموسم‪ ،‬كما‬
‫ً‬ ‫أن يكرب بعدها‪ ،‬أو أثناءها‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ )1262‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭭ‪ .‬يف إسناده إسماعيل بن مسلم‪ ،‬وهو ضعيف‪،‬‬
‫وضعفه األلباين يف الضعيفة (‪.)5162‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)612‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪ ،)261/2‬الممتع (‪.)123/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)420/3‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1261‬والحاكم (‪ ،)103/3‬والبيهقي يف السنن (‪ .)420/3‬وإسناده ضعيف؛ لضعف‬
‫عبدالرحمن بن سعد‪ ،‬وجهالة والده (إرواء الغليل ‪.)120/3‬‬

‫‪631‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪632‬‬

‫اختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪.‬‬


‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬لم ينقل أحد عن رسول اهلل ﷺ أنه افتتح خطبة بغير‬
‫الحمد‪ ،‬ال خطبة عيد‪ ،‬وال استسقاء‪ ،‬وال غير ذلك‪ ،‬والصواب أهنما ي ْف َتتَح ِ‬
‫ان‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ َ ُ‬
‫يه بِ َح ْم ِد اهللِ‪َ ،‬ف ُه َو َأ ْج َذ ُم»‪،‬‬
‫ال َال يبدَ ُأ فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِا ْل َح ْمد؛ ألَ ان النابِي ﷺ َق َال‪« :‬ك َُّل َأ ْم ُر ذي َب ُ ُ ْ‬
‫َان َي ْفتَتِ ُح ُخ َط َب ُه ُك ال َها بِا ْل َح ْم ِد ل ِ ال ِه»(‪.)1‬‬
‫َوك َ‬
‫ُ‬
‫حديث‬ ‫وقال ابن القيم‪« :‬وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد هلل‪ ،‬ولم يحفظ عنه يف‬
‫ُ‬
‫واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير‪ ،‬وأما قول ُ‬
‫كثير من الفقهاء‪ :‬إنه يفتتح‬
‫خطبة االستسقاء باالستغفار‪ ،‬وخطبة العيدين بالتكبير‪ ،‬فليس معهم فيه سن ٌة عن‬
‫النبي ﷺ البتة‪ ،‬وسنته تقتضـي خالفه‪ ،‬وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد هلل‪ ،‬وهو‬
‫أحد الوجوه الثالثة ألِحاب أحمد‪ ،‬وهو اختيار شـيخنا»(‪ .)2‬ورجح هذا‬
‫الشوكاين(‪.)3‬‬
‫ِّ َ َ َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ألن اتله َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ه‬
‫كر بينهما‪،‬‬ ‫الزوائ ِد‪ ،‬واذل‬ ‫ات‬
‫كبري ِ‬ ‫(وإن صىل ال ِعيد اكنلهاف ِلةِ‪ :‬صح؛‬
‫ُ‬ ‫ُهٌ‬ ‫ُ َ‬
‫تكبيرات زوائد‪ ،‬فإن ِالته‬ ‫ي‪ ،‬سنة)‪ :‬أي لو ِلى العيد كصالة النافلة بال‬ ‫واخلطبت ِ‬
‫ِحيحة‪ ،‬لكنه خالف السنة؛ ألنه أتى بالواجب وهو تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وتكبيرات‬
‫االنتقال‪ ،‬وأما الزوائد فإهنا سنة‪ ،‬قال يف المغني‪« :‬وال نعلم فيه خال ًفا»(‪.)4‬‬
‫ُهٌ‬ ‫ُ َ‬
‫ي‪ ،‬سنة)‪ :‬أشار هنا إلى أن حكم خطبة العيد سنة يف حق اإلمام غير‬ ‫(واخلطبت ِ‬
‫واجبة‪ ،‬فلو انصـرفوا ولم يأتوا هبا ِحت ِالهتم؛ ألن رسول اهلل ﷺ رخص لمن‬
‫لم يرد أن يسمعها أن يقوم‪ ،‬ولو كانت واجبة لوجب حضورها‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أهنا واجبة على اإلمام أن يأيت هبا؛ ألنه لم ينقل أن رسول اهلل ﷺ‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)323/22‬‬


‫(‪ )2‬زاد المعاد (‪.)432/1‬‬
‫(‪ )3‬السـيل الارار (‪.)312/1‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪ ،)264/2‬الروض (‪ ،)453/2‬الممتع (‪.)200/5‬‬

‫‪632‬‬
‫‪633‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫أخل هبا مرة واحدة‪ ،‬وهكذا خلفاؤه الراشدون‪ ،‬وقد قال ﷺ‪ُّ َِ « :‬لوا ك ََما َر َأ ْي ُت ُمونِي‬
‫ُأ َِلي» [متفق عليه](‪ ،)1‬وقال‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد» [متفق عليه](‪.)2‬‬
‫فياب على اإلمام إقامة الخطبة لتقوم ِالة العيد وفق السنة‪ ،‬ولكن دلت‬
‫السنة على الرخصة يف عدم حضورها‪ ،‬وهذا اختيار ابن عقيل‪ ،‬ومال إليه شـيخنا‬
‫ابن عثيمين‪ ،‬وهو األقرب إال لمن فاتته مع اإلمام‪ ،‬فيصليها بال خطبة(‪.)3‬‬
‫َ َ‬
‫عد ه‬
‫الز َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ‬ ‫ُ ُّ َ‬
‫ال)‪ :‬من فاتته ِالة العيد فلم يدركها‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ولو‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫(وسن ل ِمن فاتته‪ :‬قضاؤ‬
‫مع اإلمام‪ ،‬فيسن له قضاؤها‪ ،‬وهذا مذهب كثير من العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬اإلمام مالك‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وابن المنذر‪ ،‬والبخاري؛ لفعل أنس ﭬ‪« :‬حين َأ َم َر‬
‫المصـر َو َت ْكبِ ِير ِه ْم»‪.‬‬ ‫يه‪ ،‬وِ الى كَصال َِة َأ ْه ِل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال ُهم بِ ا ِ‬
‫َ‬ ‫الز ِاو َية َف َا َم َع َأ ْه َل ُه َو َبن َ َ‬ ‫َم ْو َ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫يد م َع ْ ِ‬
‫اإل َما ِم َج َم َع َأ ْه َل ُه َف َص الى بِ ِه ْم‬ ‫َان‪« :‬إِ َذا َفا َت ْت ُه َِ َال ُة ا ْلع َ‬
‫ويف رواية البيهقي َأ ان ُه ك َ‬
‫اإلما ِم فِي ا ْل ِع ِ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يد»(‪.)4‬‬ ‫م ْث َل َِ َالة ْ َ‬
‫واختار شيخ اإلسالم أنه ال يستحب قضاؤها؛ ألن ذلك لم يرد عن رسول اهلل‬
‫(‪)5‬‬
‫ﷺ‪ ،‬وألهنا ِالة ذات اجتماع معين‪ ،‬فال تشـرع إال على هذا الوجه‬
‫واألظهر‪ :‬أن من فاتته لعذر فقضاها‪ ،‬فله سلف‪ ،‬وهو ثابت عن بعض الصحابة‬
‫ﭫ‪ ،‬ولم ينقل هني يف ذلك‪ ،‬وال يعرف لهم مخالف‪.‬‬
‫فإن قضاها فاألولى له أن يقضـيها على ِفتها‪ :‬سبع تكبيرات يف األولى‪،‬‬
‫وخمس يف الثانية قبل الفاتحة‪ ،‬كما يصلي اإلمام‪ ،‬كما نقل عن أنس ﭬ‪ ،‬وبه قال‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)341‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)215‬‬
‫(‪ )3‬الممتع (‪.)201/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم– كتاب أبواب العيدين‪/‬باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين‪ ،‬ووِله‬
‫البيهقي يف السنن (‪ ،)421/3‬وعبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)5655‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)4/2‬‬
‫وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)646‬‬
‫(‪ )5‬االختيارات ص (‪ ،)62‬الممتع (‪.)206/5‬‬

‫‪633‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪634‬‬

‫الحسن‪ ،‬والنخعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬


‫وإن تركها هتاونًا وتفري ًطا‪ ،‬فال يشـرع له قضاؤها؛ ألهنا سنة فات محلها‪ ،‬وإنما‬
‫شـرع قضاؤها لمن تركها لعذر‪ ،‬كالرواتب‪ ،‬ونحوها(‪.)1‬‬
‫وال ينبغي تعمد التخلف عن اإلمام‪ ،‬وِالهتا يف البيوت آلحاد الناس؛ ألن يف‬
‫هذا تفويتًا للمصلحة العظيمة من شـرعيتها‪ ،‬وألنه لم ينقل عن الصحابة‪ ،‬ولم‬
‫مشـروعا لما تركوه‪ ،‬ولو فعلوه لنقل‪.‬‬
‫ً‬ ‫يفعله السلف‪ ،‬ولو كان‬
‫ومن قضاها ُخ ّير بين أن يقضـيها جماعة أو وحده‪ ،‬كما اختاره اإلمام أحمد(‪.)2‬‬
‫ال)‪ :‬إن فاهتم العيد‪ ،‬فلهم حالتان‪:‬‬ ‫َ َ ه َ‬
‫(ولو بعد الزو ِ‬
‫األولى‪ :‬أن تفوت الاميع‪ ،‬فال يقضوها بعد الزوال‪ ،‬وإنما يقضوهنا يف وقتها من‬
‫اليوم الثاين‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن تفوته مع اإلمام لعذر‪ ،‬فيصليها إذا زال العذر‪ ،‬ولو بعد الزوال‪ ،‬وهذا‬
‫مراد المؤلف هنا‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري البن رجب (‪.)16/2‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)220/2‬الفتح البن رجب (‪ ،)61/2‬الفتح البن حار (‪ ،)415/2‬الروض (‪،)456/2‬‬
‫الممتع (‪.)206/5‬‬

‫‪634‬‬
‫‪635‬‬ ‫باب صالة العيدين‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬
‫‪F‬‬
‫ََ ِ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫المطلَ ُق‪َ ،‬‬
‫واجل ُ‬ ‫ُ ُ َ ُّ ه ُ ُ‬
‫اغ اخلطبةِ‪،‬‬ ‫هر ب ِه‪ :‬يف يلليت ال ِعيدين إىل فر‬ ‫قوهل‪( :‬يسن‪ :‬اتلكبري‬
‫ه‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫َش ذِي احل ِجةِ‪.‬‬ ‫ويف ُك َ ه ِ‬
‫ع‬
‫ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ِّ َ َ َ ه‬ ‫ه ُ ُ ُ‬
‫ري المقيد‪ِ :‬يف األضَح‪ ،‬ع ِقب ُك ف ِريضة صالها يف مجاعة‪ ،‬مِن صالة ِ‬ ‫واتل َكبِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫المحر َم فيك ِّ ُ‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َب مِن صالة ِ‬ ‫ِ‬ ‫َشيق‪ ،‬إال‬
‫ِ‬ ‫خ ِر أي ِ‬
‫ام الت‬ ‫َص آ ِ‬‫وم عرفة إىل ع ِ‬ ‫جر ي ِ‬ ‫ف‬
‫ه‬ ‫ُ ِ َ‬
‫وم انلحر‪.‬‬ ‫هر ي ِ‬ ‫ُ ظ ِ‬
‫ه‬ ‫ُ ُ َِ َ‬ ‫وي ه ُ‬
‫اس‪.‬‬ ‫كَب اإلمام مستقبِل انل ِ‬
‫ََ ه هُ هُ َُ هُ َُ ه‬ ‫َُ هُ‬
‫اَّلل َ ُ‬ ‫ه‬ ‫َُُ َ ْ ً‬
‫أكَب وَّلل‬ ‫أكَب‪ ،‬ال إهل إال اَّلل واَّلل أكَب‪ ،‬اَّلل‬ ‫وصفته شفعا‪« :‬اَّلل أكَب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ََهَ هُ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ريه‪ :‬تقبل اَّلل مِنا ومِنك)‪.‬‬ ‫وهلِ ل ِغ ِ‬ ‫احلمد»‪ .‬وال بأس‪ :‬بِق ِ‬
‫عقده للكالم على التكبير أيام العيد‪ ،‬وبيان أنواعه‪ ،‬وِفته‪ ،‬وبدايته‪ ،‬وهنايته‪.‬‬
‫ُ َ ُّ ه ُ ُ َ ُ‬
‫كبري المطلق)‪ :‬يسن التكبير المطلق أيام العيد عند جماهير العلماء؛‬ ‫(يسن‪ :‬اتل‬
‫لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ﴾ [البقرة‪ ،]165:‬وهذا يف تكبير عيد الفطر‪ ،‬ولقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾‬
‫[الحج‪ ،]26 :‬وهذا يف عيد األضحى‪ ،‬وعشـر ذي الحاة‪.‬‬
‫وقولـه تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [البقرة‪ ،]203 :‬وهذا يف أيام‬
‫التشـريق‪ .‬قال ابن عباس ﭭ‪« :‬المعلومات أيام العشـر‪ ،‬والمعدودات أيام‬
‫التشـريق»(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم– كتاب أبواب العيدين‪ /‬باب فضل العمل يف أيام التشـريق‪ .‬ووِله البيهقي‬
‫يف السنن الكربى (‪ .)313/5‬قال ابن الملقن (‪« :)430/6‬رواه البيهقي عنه بإسناد ِحيح‪ ،‬وِححه ابن‬
‫السكن‪ ،‬وهذا هو المشهور عنه»‪.‬‬

‫‪635‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪636‬‬

‫ب إ ِ َل ْي ِه مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وعن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‪َ ،‬ع ِن النابِي ﷺ َق َال‪َ « :‬ما م ْن َأ ايا ُم َأ ْع َظ ُم عنْدَ اهلل‪َ ،‬و َال َأ َح ُّ‬
‫يه ان مِ َن الت ْاهلِيلِ‪َ ،‬وال ات ْكبِ ِير‪،‬‬ ‫يه ان مِ ْن َه ِذ ِه ْاألَ ايا ِم ا ْل َعشـر‪َ ،‬ف َأكْثِ ُروا فِ ِ‬ ‫ا ْل َع َم ِل فِ ِ‬
‫يد»(‪.)1‬‬ ‫والتاح ِم ِ‬
‫َ ْ‬
‫إظهارا للشعيرة‪ ،‬وقد‬ ‫هر ب ِه)‪ :‬يشـرع الاهر بالتكبير أيام العيد للرجال؛‬ ‫واجل ُ‬
‫( َ‬
‫ً‬
‫وق فِي َأ ايا ِم‬ ‫ان إِ َلى الس ِ‬
‫ُّ‬
‫روى البخاري أن ابن ُعمر‪ ،‬و َأبا ُهرير َة ﭭ كَانَا «ي ْخرج ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬
‫ااس بِ َت ْكبِ ِير ِه َما» ‪ ،‬لكن النساء يكربن سـرا‪ ،‬إال إذا لم يكن‬ ‫ِ‬
‫ال َعشـر ُي َكب َران‪َ ،‬و ُي َكب ُر الن ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫حولهن رجال‪ ،‬فال حرج يف الاهر‪.‬‬


‫ََ ِ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫اغ اخلطب ِة)‪ :‬يسن التكبير المطلق من ليلتي عيد الفطر‬‫(يف يلليت ال ِعيدين إىل فر‬
‫واألضحى‪ ،‬ويستمر إلى ِالة العيد‪ ،‬وال يتقيد دبر الصلوات‪ ،‬بل يف كل وقت‬
‫ومكان يف البيت‪ ،‬والسوق‪ ،‬والطريق‪ ،‬والمساد‪ ،‬ويف الليل‪ ،‬وبعد الفار‪.‬‬
‫ََ ِ ُ َ‬
‫اغ اخلطب ِة)‪ :‬هذا يف حق اإلمام‪ ،‬وأما المأموم فإلى دخول اإلمام لصالة‬ ‫(إىل فر‬
‫َان ي ْغدُ و يوم ا ْل ِع ِ‬
‫يد‪َ ،‬و ُي َكب ُر َو َي ْر َف ُع َِ ْو َت ُه‪َ ،‬حتاى َي ْب ُل َغ‬ ‫َْ َ‬ ‫العيد‪ ،‬ف َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ‪َ « :‬أ ان ُه ك َ َ‬
‫ِْ‬
‫اإل َما ُم»(‪.)3‬‬
‫وعن الزهري قال‪« :‬كان الناس يكربون يف العيد حين يخرجون من منازلهم حتى‬
‫يأتوا المصلى‪ ،‬وحتى يخرج اإلمام‪ ،‬فإذا خرج اإلمام سكتوا‪ ،‬فإذا كرب كربوا»(‪.)4‬‬
‫جبير‪ ،‬وعبدالرحمن ابن أبي‬ ‫زياد قال‪« :‬خرجت مع سعيد بن ُ‬ ‫وعن يزيد بن أبي ُ‬
‫ليلى‪ ،‬فلم يزاال يكربان‪ ،‬ويأمران من مر هبما بالتكبير»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه أحمد (‪ )5446‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬وِححه أحمد شاكر‪ ،‬واأللباين‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري معلقًا بصـيغة الازم– كتاب أبواب العيدين‪ /‬باب فضل العمل يف أيام التشـريق‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الشافعي يف مسنده ص (‪ ،)13‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ ،)461/1‬والبيهقي يف السنن الكربى‬
‫(‪ .)324/3‬قال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)642/2‬هذا هو الصحيح موقوف على ابن عمر»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)466/1‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)466/1‬‬

‫‪636‬‬
‫‪637‬‬ ‫فصـــل‬
‫ه‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫َش ذِي احل ِج ِة)‪ :‬يسن التكبير المطلق يف األضحى من أول عشـر‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫(ويف ُك‬
‫ذي الحاة إلى آخر أيام التشـريق‪ ،‬ودليله يف العشـر‪:‬‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الحج‪ ،]26 :‬قال ابن‬
‫عباس ﭭ‪« :‬هي أيام العشـر»‪.‬‬
‫يه ان مِ ْن َه ِذ ِه‬
‫ب إ ِ َل ْي ِه مِ َن ا ْل َع َم ِل فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬ما م ْن َأ ايا ُم َأ ْع َظ ُم عنْدَ اهلل‪َ ،‬و َال َأ َح ُّ‬
‫يهن مِن التاهلِيلِ‪ ،‬وال ات ْكبِ ِير‪ ،‬والتاح ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد» [رواه أحمد]‪ ،‬وهذا‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْاألَ ايا ِم ا ْل َعشـر‪َ ،‬ف َأكْث ُروا ف ِ ا َ ْ‬
‫الوارد عن علي‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫ودليله يف أيام التشـريق‪ :‬قولـه سبحانه‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾‬
‫[البقرة‪ ،]203 :‬قال ابن عباس ﭭ‪« :‬أيام التشـريق»‪.‬‬
‫شـرب َو ِذك ُْر لِله» [رواه مسلم](‪.)1‬‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اشـريق َأ ايا ُم َأ ْك ُل َو‬ ‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬أ ايا ُم الت‬
‫ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ه ُ َُهُ‬
‫ري المقيد‪ِ :‬يف األضَح‪ ،‬ع ِق َب ُك ف ِريضة صالها يف مجاعة‪ ،‬مِن‬ ‫قوهل‪( :‬واتلكبِ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫َشيق)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ام الت‬ ‫خ ِر أي ِ‬
‫َص آ ِ‬‫وم عرفة إىل ع ِ‬ ‫جر ي ِ‬ ‫صالة ِ ف ِ‬
‫المذهب أن التكبير يف األضحى نوعان‪ :‬مطلق‪ .‬ومقيد‪.‬‬
‫محال‬
‫فالمطلق‪ :‬يف كل وقت و مكان‪ ،‬ولكل مسلم‪ ،‬إال يف األماكن التي ليست ً‬
‫لذكر اهلل تعالى‪ ،‬وهذا يبدأ من أول ذي الحاة إلى ِالة العيد‪.‬‬
‫والتكبير المقيد‪ :‬الذي يتأكد أدبار الصلوات‪ ،‬وياهر به يف ذي الحاة من ِالة‬
‫فار يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق لغير المحرم‪.‬‬
‫الم ْح ِرم‪ :‬فيبدأ المقيد له من ِالة الظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشـريق‪.‬‬
‫وأما ُ‬
‫وهذا التقسـيم إلى مقيد ومطلق ليس فيه شـيء مرفوع إلى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬لكن‬
‫ورد عن جملة من الصحابة التكبير عقب الصلوات من بعد فار عرفة إلى آخر أيام‬
‫التشـريق‪ ،‬منهم‪ :‬عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وابن مسعود ﭫ‪ ،‬وقد ِحح‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )1141‬من حديث نبيشة الهذلي ﭬ‪.‬‬

‫‪631‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪638‬‬

‫أسانيدها النووي‪ ،‬واأللباين(‪.)1‬‬


‫واألظهر‪ :‬أن التكبير يف عيد األضحى يبدأ من أول الشهر إلى هناية أيام التشـريق‬
‫يف كل وقت‪ ،‬ويتأكد أدبار الصلوات من فار عرفة‪ ،‬فيكرب بعد كل ِالة فريضة‪،‬‬
‫ولو ترل التكبير بعد الصلوات أيام التشـريق‪ ،‬أو قدمه على أذكار الصالة‪ ،‬فله‬
‫سلف‪ ،‬واألمر فيه واسع‪.‬‬
‫واألولى أن يقدم االستغفار‪ ،‬وقول‪« :‬اللهم أنت السالم» على التكبير؛ ألهنا‬
‫يسن عقيب الصالة مباشـرة‪ ،‬كما اختاره‬
‫فإن االستغفار ّ‬‫ألصق بالصالة من التكبير‪ ،‬ا‬
‫شـيخنا ابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫ََ َ‬ ‫ُ ِّ َ َ َ ه‬ ‫َ‬
‫(ع ِق َب ُك ف ِريضة صالها يف مجاعة)‪ :‬فالتكبير المقيد أيام التشـريق إنما‬
‫يستحب بعد الفرائض دون النوافل‪.‬‬
‫والمذهب‪ :‬استحباهبا لمن ِالها جماعة دون من ِالها منفرد ًا؛ لوروده عن‬
‫ابن عمر وابن مسعود ﭭ‪ ،‬قال ابن مسعود ﭬ‪« :‬إنما التكبير على من ِلى يف‬
‫جماعة‪ ،‬وكان ابن عمر ال يكرب إذا ِلى وحده‪ ،‬وروي عنه خالفه»(‪.)3‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه عام بعد الفرائض‪ ،‬سواء ِالها جماعة أو منفر ًدا‪ ،‬وهذا رواية عن‬
‫اإلمام أحمد‪ ،‬وهو مذهب اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وهو ظاهر اختيار البخاري‪،‬‬
‫قال ابن حار‪« :‬واآلثار تساعده»‪ ،‬وال يوجد دليل عن رسول اهلل ﷺ يخصها‬
‫بالاماعة‪ ،‬وروي عن ابن عمر ﭭ أنه كان يكرب إذا ِلى وحده يف الفرض‪ ،‬وأما‬
‫التطوع فال‪ .‬قال شـيخنا ابن عثيمين‪« :‬واألمر يف ذلك واسع»‪.‬‬
‫وأما النفل‪ :‬فقال اإلمام أحمد‪« :‬أحب إلي أن يكرب يف الفرض دون النفل»(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إرواء الغليل (‪.)125/3‬‬
‫(‪ )2‬الممتع (‪ ،)216/5‬وينظر‪ :‬المغني (‪ ،)223/2‬شـرح النووي على مسلم (‪ ،)430/6‬زاد المعاد‬
‫(‪ ،)442/1‬الفتح البن حار (‪.)462/2‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)223/2‬‬
‫(‪ )4‬القواعد النورانية (‪ ،)200/1‬فتح الباري (‪ ،)462/2‬الممتع (‪.)216/5‬‬

‫‪636‬‬
‫‪639‬‬ ‫فصـــل‬

‫وم انله‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ َ ُ‬


‫في َك ِّ ُ‬
‫حر)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫هر‬
‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫ص‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫َب‬ ‫حرم‬
‫قوهل‪( :‬إال الم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فالمحرم يبدأ تكبيره المقيد م ْن َِ َالة ظهر َي ْو ِم الن ْاح ِر؛ ألنه قبل ذلك مشغول‬
‫بالتلبية‪ ،‬فإذا رمى جمرة العقبة انقطعت التلبية يف حقه‪ ،‬وبقي التكبير‪.‬‬
‫ُ ُ َ َ‬ ‫قوهل‪( :‬ويُ ه ُ‬
‫اس)‪.‬‬‫كَب اإلمام مستقبِل انله ِ‬
‫أي إذا فرغ من الصلوات كرب وهو مستقبل الناس بوجهه‪.‬‬
‫ََ ه هُ هُ َُ هُ‬
‫اَّلل َ ُ‬ ‫اَّلل َ ُ‬ ‫َُ هُ‬ ‫ه‬ ‫َُُ َ ْ ً‬
‫أكَب‬ ‫أكَب‪ ،‬ال إهل إال اَّلل واَّلل أكَب‪،‬‬ ‫وصفته شفعا‪« :‬اَّلل أكَب‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫ه َْ ُ‬
‫وَّلل احلمد»)‪.‬‬
‫وهذه واردة عن عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن مسعود ﭫ‪ ،‬وهبا قال الثوري‪ ،‬وابن‬
‫المبارل‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ .‬قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وهذه المنقولة عن‬
‫أكثر الصحابة»‪ ،‬وورد تكرار التكبير ثال ًثا(‪.)1‬‬
‫وقد روي عن غيرهم غيرها‪ ،‬فإن كرب هبذه الصـيغة فحسنة؛ لورودها عن أكثر‬
‫الصحابة‪ ،‬فيكثر من الصـيغة الواردة عن الصحابة اقتداء هبم‪ ،‬والشتمالها على‬
‫أي ِفة من التكبير تحصل هبا السنة؛ وإن غ ّيرها‬
‫التكبير‪ ،‬والتحميد‪ ،‬والتهليل‪ ،‬و ُّ‬
‫ونوع فال بأس‪ ،‬ألنه لم يرد تحديد ِفة معينة عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬لكن ورد‬
‫أحيانًا ّ‬
‫عن بعض الصحابة عدة ِـيغ لو راعاها لكان حسنًا‪ ،‬وهذا يدل على التوسعة يف‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر َال إ ِ َل َه إِ اال‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬
‫هذا األمر‪ ،‬وأشهر ما ورد عن الصحابة هي هذه الصفة‪ُ « :‬‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر َول ِ ال ِه ا ْل َح ْمدُ »‪.‬‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر ُ‬
‫ال ّلـَ ُه‪َ ،‬و ُ‬
‫َ‬ ‫َ ه هُ ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ريه‪ :‬تقبل اَّلل مِنا ومِنك)‪.‬‬ ‫وهلِ ل ِغ ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وال بأس‪ :‬بِق ِ‬
‫والتهنئة بذلك يف العيد قد فعلها الصحابة ﭫ‪ ،‬وليس فيها سنة مرفوعة إلى‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فمن فعله فحسن؛ لوروده عن جملة من الصحابة‪ ،‬ولما فيه من‬
‫األلفة‪ ،‬ومن تركه فال شـيء عليه‪ ،‬وليس يف االبتداء بالتهنئة بالعيد سنة مأمور هبا‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف السنن الكربى (‪ .)441/3‬وانظر‪ :‬المغني (‪ ،)223/2‬الفتاوى لشـيخ اإلسالم‬
‫(‪ ،)220/24‬سبل السالم (‪.)241/3‬‬

‫‪632‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪640‬‬

‫أيضا منهي عنه‪ ،‬وما دام أنه ثبت عن الصحابة‪ ،‬وفيه‬


‫عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال هو ً‬
‫تأليف للقلوب‪ ،‬ففعله أحسن من تركه‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫وقد ورد عن محمد بن زياد قال‪« :‬كنت مع أبي أمامة وغيره من أِحاب النبي‬
‫ﷺ‪ ،‬فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض‪ :‬تقبل اهلل منا ومنك»‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪« :‬إسناده جيد‪ ،‬وهو مروي عن واثلة بن األسقع»‪.‬‬
‫قال اإلمام مالك‪« :‬لم نزل نعرف هذا بالمدينة»(‪.)2‬‬
‫أيضا‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وأما االبتداء بالتهنئة‪ ،‬فليس سنة مأمور هبا‪ ،‬وال هو ً‬
‫مما هنى عنه‪ ،‬فمن فعله فله قدوة‪ ،‬ومن تركه فله قدوة»(‪.)3‬‬
‫بعضا بما هو مستفيض بينهم‪،‬‬
‫وقال ابن قاسم‪« :‬وال بأس بتهنئة الناس بعضهم ً‬
‫وقد ورد عن جملة من الصحابة أهنم كانوا يفعلونه لعموم التهنئة بما يحدث اهلل من‬
‫النعم ويدفع من نقم‪ ،‬وهنال آثار يحتج هبا‪ ،‬ولما فيه من التودد وإظهار السـرور‪،‬‬
‫إال أهنا ليست سنة مأمورا هبا»(‪.)4‬‬
‫وأما هتنئة الكفار بأعيادهم الدينية‪ :‬فحرام باالتفاق‪ ،‬كما نقل ذلك ابن القيم‪،‬‬
‫وكثير ممن ال قدر للدين عنده يقع يف ذلك وال يدري قبح ما فعل‪ ،‬فمن هنأ عبد ًا‬
‫بمعصـية‪ ،‬أو بدعة‪ ،‬أو كفر‪ ،‬فقد تعرض لمقت اهلل وسخطه‪ ،‬وإنما كانت هتنئة‬
‫الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا؛ لما فيه من إقرارهم بشعائر الكفر‪ ،‬ورضـى هبا‪،‬‬
‫وإذا هنئونا بأعيادهم فال نايبهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [الفتح‪.)5(]22 :‬‬
‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)226/2‬الفتاوى لشـيخ اإلسالم (‪ ،)253/24‬فتح الباري (‪.)446/2‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)226/2‬فتح الباري (‪.)446/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى (‪.)253/24‬‬
‫(‪ )4‬حاشـية الروض (‪ )522/2‬بتصـرف وزيادة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أحكام أهل الذمة (‪ ،)441/1‬وراجع كالم شـيخ اإلسالم على أعياد الكفار يف االقتضاء (‪،)511/2‬‬
‫المواالة والمعاداة للالعود (‪.)133/2‬‬

‫‪640‬‬
‫‪641‬‬ ‫فصـــل‬

‫وأما هتنئة الظلمة بالواليات‪ :‬فينبغي تانبه‪ ،‬وإن بلي به فليدع بالسداد والتوفيق‬
‫للخير‪ .‬قال ابن القيم‪« :‬كان أهل الورع من أهل العلم يتانبون هتنئة الظلمة‬
‫بالواليات‪ ،‬وهتنئة الاهال بمنصب القضاء والتدريس واإلفتاء تان ًبا لمقت اهلل‪،‬‬
‫وإن بـلي الرجل بذلك فتعاطاه دف ًعا لشـر يتوقعه منهم‪ ،‬فمشـى إليهم ولم يقل إال‬
‫خيرا‪ ،‬ودعا لهم بالتوفيق والتسديد‪ ،‬فال بأس بذلك‪ ،‬وباهلل التوفيق»(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫مسألة‪ :‬التعريف باألمصار‪ :‬وهي أن ياتمع من لم يحج يف المساجد عشـية‬
‫عرفة للذكر والدعاء حتى تغرب الشمس‪ ،‬كما يفعل أهل الموقف‪ ،‬وهذا‪:‬‬
‫أجازه طائفة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ورد عن ابن عباس‪ ،‬وعمرو بن حريث ﭭ أهنما فعاله‪،‬‬
‫وهما ِحابيان‪ ،‬وهذا مروي عن طائفة من السلف‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬المنع من التعريف لغير أهل الموقف‪ ،‬وإليه ذهب كثير من العلماء‬
‫ألن العبادات توقيفية‪.‬‬
‫وألن رسول اهلل ﷺ لم يفعله‪ ،‬وكذا خلفاؤه الراشدون‪ ،‬وسائر الصحابة‪.‬‬
‫وأول من ِنع ذلك ابن عباس ﭭ‪ ،‬كما قاله الحسن البصـري‪ ،‬وإلى المنع‬
‫منه ذهب اإلمام أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وسئل عنه الحكم‪ ،‬وحماد‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫«محدث»‪ ،‬وقال شـيخ اإلسالم‪« :‬إنه بدعة»‪ ،‬وكذا قال ابن إبراهيم‪ ،‬وشـيخنا ابن‬
‫عثيمين ‪-‬رحم اهلل الاميع‪.-‬‬
‫وأما فعل ابن عباس ﭭ‪ :‬فإن ِح‪ ،‬فلعله فعله يف البيت مع أهله‪ ،‬وأما فعله يف‬
‫المساجد بحيث ياتمع الناس ويلزمون المساجد‪ ،‬فليس له أِل‪ ،‬والراجح المنع‬
‫منه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أحكام أهل الذمة (‪.)441/1‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)226/2‬حاشـية الروض (‪ ،)523/2‬فتاوى ابن إبراهيم (‪ ،)122/3‬الممتع (‪.)221/5‬‬

‫‪641‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪642‬‬

‫‪e‬‬ ‫ب صَال ِة ال ُكسُوفِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُهٌ ْ َ ُ َ‬
‫ري خطبة‪َ .‬و َوقتها‪ :‬مِن ابتِداءِ الكس ِ‬
‫وف إىل ذهابِه‪.‬‬ ‫قوهل‪( ُ :‬ويه‪ْ :‬سنةَ‪ ،‬مِن غ ِ‬
‫َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫فات‬
‫َ َُ‬ ‫إن‬ ‫قَض‬ ‫وال ت‬
‫ََ ُ ًَ َ ًَ ُه َ َ ُ َ ً‬ ‫ً‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫ورة طويلة‪ .‬ثم‪ :‬يركع طويال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفاحتة‪ ،‬وس‬ ‫ان‪ ،‬يقرأ يف األوىل جهرا‪:‬‬ ‫ويه‪ :‬ركعت ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ًَ َ ًَ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ه َ َ ُ ُ َ ِّ ُ َ ْ َ‬
‫احتة»‪ ،‬وسورة ط ِويلة‪.‬‬ ‫ثم‪ :‬يرفع فيسمع وَيمد‪ ،‬وال يسجد‪ ،‬بل يقرأ «الف ِ‬
‫ُ ه ُ َ ِّ ه َ َ‬ ‫ُ ه َ َ ُ ُ ه َ َ ُ ُ ه َ ُ ُ َ َ َ َ ََ‬
‫ي ط ِويلتي‪ .‬ثم‪ :‬يصيل اثلانِية‬ ‫ثم‪ ُ :‬ي َركع ُ‪ .‬ثم‪ :‬يرفع‪ .‬ثم‪ ِّ :‬يسجد سجدت ِ‬
‫َ َ ه ُ َُ‬
‫اكألوىل‪ .‬ث هم‪ :‬يتشهد‪ ،‬ويسل ُم‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ِّ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫الث ُركواعت‪ ،‬أو أربع‪ ،‬أو مخس‪ :‬فال بأس‪ .‬وما بعد‬ ‫وإن َأَت يف ُك ركعة بِث ِ‬
‫ه َُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُهٌ‬
‫الركعة‪.‬‬ ‫درك ب ِه‬ ‫األ هو ِل‪ :‬سنة‪ ،‬ال ت‬
‫َ‬ ‫ُ َ ِّ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫وي ِصح‪ :‬أن يصليها اكنلهاف ِل ِة)‪.‬‬
‫تكلم على أحكام ِالة الكسوف‪ ،‬وهي ِالة ذات ِفة مخصوِة تشـرع‬
‫عند انحااب ضوء أحد النيرين بسبب غير معتاد‪.‬‬
‫ويطلق الكسوف على الشمس والقمر‪ ،‬وقد يطلق الكسوف على الشمس‪،‬‬
‫إمام يف اللغة‪.‬‬
‫والخسوف على القمر‪ .‬قال ثعلب‪« :‬وهذا أجود» ‪ ،‬وهو ٌ‬
‫(‪)1‬‬

‫َ ُهٌ‬
‫ويه‪ :‬سنة)‪ِ :‬الة الكسوف سنة مؤكدة عند األئمة األربعة‪ ،‬كما بينه النووي‬‫(‬
‫وابن قدامة(‪)2‬؛ ألن رسول اهلل ﷺ بادر إلى فعلها عند انعقاد سببها‪ ،‬كما يف حديث‬
‫ابن عباس وعائشة ﭫ‪ ،‬وحث عليها بقولـه ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم َذل ِ َك‪َ ،‬فا ْف َز ُعوا إِ َلى‬
‫الصال َِة» [متفق عليه](‪.)3‬‬
‫ا‬

‫(‪ )1‬لسان العرب (‪.)61/2‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)312/2‬الماموع (‪.)44/5‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1056‬ومسلم (‪ )201‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪642‬‬
‫‪643‬‬ ‫باب صالة الكسوف‬

‫وقيل‪ :‬إهنا فرض كفاية؛ ألمر رسول اهلل ﷺ بذلك‪ ،‬وألنه ﷺ‪« :‬خرج فز ًعا خائ ًفا‬
‫وقواه ابن القيم‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)2‬‬‫وِلى ِالة طويلة» [متفق عليه] ‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ري خطبة)‪ :‬ذكر أنه ال يشـرع لصالة الكسوف خطبة‪ ،‬وهذا مذهب‬ ‫ِ‬ ‫غ‬ ‫(مِن‬
‫الحنابلة‪ ،‬والحنفية‪ ،‬والمالكية؛ ألن رسول اهلل ﷺ لم يقصد لها الخطبة‬
‫بخصوِها‪ ،‬وإنما أراد أن يبين خطأ ما ُي ْع َت َقدُ أن الكسوف لموت أحد‪ ،‬ولذا لم‬
‫يأمر بالخطبة لما أمر بالصالة عند الكسوف‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬مشـروعية الخطبة للكسوف‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي‪ ،‬وإسحاق‪،‬‬
‫وأكثر أِحاب الحديث‪ ،‬واختاره ابن دقيق العيد‪ ،‬وشـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪،‬‬
‫والشوكاين‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين‪ ،‬وغيرهم؛ لثبوته عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد ورد يف‬
‫حديث عائشة وأسماء ﭭ‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ خطب لها» [متفق عليه](‪ ،)3‬ويف حديث‬
‫عائشة ڤ‪« :‬ثم قام‪ ،‬فأثنى على اهلل بما هو أهله‪[ »...‬متفق عليه](‪.)4‬‬
‫فالسنة دلت على مشـروعية التذكير بعدها بخطبة واحدة قصـيرة من غير ِعود‬
‫للمنرب‪ ،‬فيذكرهم ويعظهم بما يناسب الحال‪ ،‬واألِل مشـروعية االتباع‪،‬‬
‫والخصائص ال تثبت إال بدليل‪ ،‬والموعظة التي يلقيها اإلمام بعد الصالة هي‬
‫الخطبة المرادة‪ ،‬فيشـرع لإلمام تذكير الاماعة بعد ِالة الكسوف‪ ،‬فإن فعل فقد‬
‫أحسن‪ ،‬وإن لم يفعل فال حرج(‪.)5‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫( َو َوقتها‪ :‬مِن ابتِدا ِء الكس ِ‬
‫وف إىل ذهابِه)‪ :‬يبدأ وقت ِالة الكسوف من بداية‬
‫الكسوف ويستمر إلى ذهابه‪ ،‬فإن ِالها أوله‪ ،‬أو وسطه‪ ،‬أو آخره‪ ،‬فكله وقتها؛‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1052‬ومسلم (‪ )212‬من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الممتع (‪.)236/5‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1053‬ومسلم (‪ )205‬من حديث أسماء ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1046‬ومسلم (‪ )201‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المغني (‪ ،)315/2‬الفتح البن حار (‪ ،)620/2‬الممتع (‪.)241/5‬‬

‫‪643‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪644‬‬

‫اهلل َو َِ ُّلوا َحتاى َين َْالِ َي» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ُم ُ‬
‫وه َما‪َ ،‬فا ْد ُعوا َ‬
‫مسألة‪ :‬إذا انالى الكسوف وهو يف الصالة‪ ،‬فال يقطعها‪ ،‬ولكن يتمها خفيفة؛‬
‫ألن السبب الذي ألجله شـرعت قد زال؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ُم ُ‬
‫وه َما‪َ ،‬فا ْد ُعوا َ‬
‫اهلل‬
‫َو َِ ُّلوا َحتاى َين َْالِ َي»‪ ،‬واألولى أن يتمها على هيئتها‪ ،‬وإن أتمها على هيئة النافلة‬
‫جاز‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو انتهت الصالة والكسوف ال يزال باق ًيا‪ ،‬فالسنة اإلكثار من الذكر‪،‬‬
‫والدعاء‪ ،‬واالستغفار؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬فا ْف َزعوا إلى ذكر اهلل تعالى‪ ،‬ودعائه‪ ،‬واستغفاره»‬
‫[متفق عليه](‪.)2‬‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫(وال تقَض إن فاتت)‪ :‬إذا فاتت ِالة الكسوف حتى خرج وقتها لم يشـرع‬
‫قضائها باتفاق األئمة‪ ،‬كما ذكره ابن مفلح؛ ألهنا سنة شـرعت لسبب فتزول بزواله‪،‬‬
‫والقاعدة يف هذا‪« :‬أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشـروعيتها»‪.‬‬
‫َ َ ُ َ ً َ َ ً ُ ه َ َُ‬ ‫وىل َج ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفاحتة‪ ،‬وسور ُة طويلة‪ .‬ثم‪ :‬يركع‬ ‫هرا‪:‬‬ ‫قرأ يف األ‬ ‫ان‪ ،‬ي‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫كع‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫ويه‬
‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫ُ ًَ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً ُ ه َ َ ُ ُ َ ِّ ُ َ ْ َ‬
‫احتة»‪ ،‬وسورة‬ ‫طويال‪ .‬ثم‪ :‬يرفع فيسمع وَيمد‪ ،‬وال يسجد‪ ،‬بل يقرأ «الف ِ‬
‫ُ ه ُ َ ِّ‬ ‫َ ًَ ُ ه َ َ ُ ُ ه َ َ ُ ُ ه َ ُ ُ َ َ َ َ ََ‬
‫ي ط ِويلتي‪ .‬ثم‪ :‬يصيل‬ ‫ط ِويل َة‪ .‬ثم ُ‪َ :‬يرك ُع‪ .‬ثم‪ :‬يرفع‪ .‬ثم ِّ‪ :‬يسجد سجدت ِ‬
‫َ َ ه ُ َُ‬ ‫ه َ‬
‫اثلانِية اكألوىل‪ .‬ث هم‪ :‬يتشهد‪ ،‬ويسل ُم)‪.‬‬
‫هذه ِفة ِالة الكسوف يف حديث عائشة ڤ‪ ،‬وخالِته أن يكرب لإلحرام‪،‬‬
‫ثم يقرأ سورة الفاتحة‪ ،‬وسورة طويلة جهر ًا‪ ،‬ثم يركع ويطيل‪ ،‬ثم يرفع رأسه ويقرأ‬
‫طويال‪ ،‬ثم يرفع رأسه ويقول الذكر‬
‫ً‬ ‫ركوعا‬
‫ً‬ ‫سورة الفاتحة وسورة طويلة‪ ،‬ثم يركع‬
‫الوارد بعد الركوع‪ ،‬ويثني على اهلل بما هو أهله‪ ،‬ثم يساد سادتين يطيل فيهما‪ ،‬ثم‬
‫يقوم ويقرأ الفاتحة وسورة بعدها‪ ،‬ثم يركع ويطيل‪ ،‬ثم يرفع رأسه‪ ،‬ثم يقرأ الفاتحة‬
‫وسورة بعدها‪ ،‬ثم يركع‪ ،‬ثم يرفع رأسه‪ ،‬ثم يساد سادتين ويسلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1060‬ومسلم (‪ )215‬من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1052‬ومسلم (‪ )212‬من حديث أبي موسـى ﭬ‪.‬‬

‫‪644‬‬
‫‪645‬‬ ‫باب صالة الكسوف‬

‫ول اهللِ ﷺ‪،‬‬


‫الشم َس َخس َف ْت َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ويف الصحيحين َع ْن َعائ َش َة ڤ َأ ان ا ْ‬
‫ات فِي‬
‫َاديا‪« :‬الص َال ُة جامِع ٌة» َفاجتَمعوا‪ ،‬و َت َقدا م َف َكبر‪ ،‬وِ الى َأربع ر َكع ُ‬
‫ََْ َ َ‬ ‫َ َ اَ َ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫َف َب َع َث ُمن ً‬
‫ر ْكع َتي ِن‪ ،‬و َأربع سادَ ُ‬
‫ات(‪.)1‬‬ ‫َ َ ْ َُ ْ َ َ َُ َ‬
‫ََ ُ ًَ َ ًَ‬ ‫َ‬
‫وىل ج ً‬ ‫َ‬ ‫(ي َ َ‬
‫الفاحتة‪ ،‬وسورة طويلة)‪ :‬المذهب‪ :‬أن ِالة الكسوف‬ ‫ِ‬ ‫هرا‪:‬‬ ‫قرأ يف األ‬
‫هنارا‪ ،‬واختاره البخاري‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وشـيخ‬ ‫يشـرع فيها الاهر مطل ًقا‪ً ،‬‬
‫ليال كانت أو ً‬
‫اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬والسنة ِـريحة يف ذلك‪ ،‬كما يف الصحيحين عن عائشة ڤ‪:‬‬
‫«أن رسول اهلل ﷺ جهر يف ِالة الخسوف بقراءته»(‪.)2‬‬
‫يث َعائِ َش َة فِي ا ْلاه ِر َأِح مِن ح ِد ِ‬
‫يث َس ُم َر َة»(‪ُ ،)3‬ي ِريدُ َق ْو َل‬ ‫ار ُّي‪َ « :‬ح ِد ُ‬ ‫َق َال ا ْل ُب َخ ِ‬
‫َ ْ َ ُّ ْ َ‬
‫ول اهللِ ﷺ فِي ُكس ُ‬
‫وف َل ْم ن َْس َم ْع َل ُه َِ ْو ًتا»(‪.)4‬‬ ‫َس ُم َر َة ﭬ‪ َِ « :‬الى بِنَا َر ُس ُ‬
‫ُ‬
‫شك‪ ،‬وقد تضمن زيادة الاهر؛ فهذه ثالث‬ ‫وقال ابن القيم‪« :‬هو أِـرح منه بال ُ‬
‫ترجيحات للاهر على اإلسـرار»(‪.)5‬‬ ‫ُ‬
‫وهنارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ليال‬
‫فالسنة الاهر بالقراءة ً‬
‫والقاعدة‪ :‬أن الصالة الاهرية يف النهار إنما تكون فيما ياتمع الناس عليه‪.‬‬
‫وذهب جمهور العلماء إلى أنه ال ياهر يف كسوف الشمس‪ ،‬وياهر يف خسوف‬
‫قياسا على ِالة الفريضة‪ ،‬فإن الظهر والعصـر يف النهار ال ياهر هبما‪ ،‬وأما‬
‫القمر ً‬
‫المغرب والعشاء والفار يف الليل فياهر هبا‪ ،‬فألحقوا هذا هبذا‪ ،‬والراجح األول(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1066‬ومسلم (‪ )201‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1065‬ومسلم (‪ )201‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬علل الرتمذي (‪.)21/1‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)562‬وابن ماجه (‪ ،)1264‬والنسائي (‪ ،)1425‬وأحمد (‪ )20160‬من حديث سمرة‬
‫ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪ ،‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)212/2‬وِححه‬
‫الرتمذي‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وأعله ابن حزم باهالة ثعلبة بن عباد راويه عن سمرة‪ ،‬وقد قال ابن‬
‫المديني‪ :‬إنه ماهول‪ ،‬وقد ذكره ابن حبان يف الثقات مع أنه ال راوي له إال األسود بن قيس»‪.‬‬
‫(‪ )5‬إعالم الموقعين (‪.)261/2‬‬
‫(‪ )6‬المغني (‪ ،)313/2‬المحلى (‪ ،)24/5‬فتح الباري (‪ ،)55/2‬تحفة األحوذي (‪ ،)146/3‬الممتع‬
‫=‬

‫‪645‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪646‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ِّ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫الث ُركواعت‪ ،‬أو أربع‪ ،‬أو مخس‪ :‬فال بأس)‪ :‬ورد‬
‫(وإن أَت يف ُك ركعة بِث ِ‬
‫لصالة الكسوف ِفات عديدة مع أن رسول اهلل ﷺ لم يصلها يف حياته إال مرة‬
‫واحدة‪ ،‬فورد أهنا ركعتان كالنافلة المعتادة [أخرجه أبو داود](‪.)1‬‬
‫وأِحها يف كل ركعة ركوعين [متفق عليه](‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫ثالث ركوعات [رواه مسلم](‪.)3‬‬ ‫وورد يف كل ركعة‬
‫وورد يف كل ركعة أربع ركوعات [رواه مسلم](‪.)4‬‬
‫خمس ركوعات [خرجه أبو داود](‪.)5‬‬
‫ُ‬ ‫وورد يف كل ركعة‬
‫وألهل العلم تااه هذه الصفات مسلكان‪:‬‬
‫مسلك الامع‪ ،‬وأن كل ما ورد جاز العمل به‪ ،‬ويخير بينها كصالة الخوف‪،‬‬
‫وهو مذهب الحنابلة‪ ،‬وبه قال إسحاق‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬والخطابي‪ ،‬وابن المنذر‪.‬‬
‫ومسلك الرتجيح بين هذه الروايات‪ ،‬ويقدم حديث عائشة ڤ المتفق عليه‪،‬‬
‫وهبذا قال اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد يف رواية‪ ،‬والبخاري‪ ،‬واختاره شـيخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وهو األرجح‪.‬‬
‫ويشهد له‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ لم يصل الكسوف إال مرة واحدة‪ ،‬فكيف تعددت‬
‫الصفات‪ ،‬فدل على وجود خطأ يف النقل‪ ،‬واإلمام البخاري أعرض عن كل‬
‫الروايات ما عدا حديث عائشة ڤ‪ ،‬وشـيخ اإلسالم يرى أن كل ما خالف ِفة‬

‫=‬
‫(‪.)242/5‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1124‬وأحمد (‪ )6463‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )2‬من حديث عائشة ڤ‪ :‬وقد سبق تخرياه قريبًا‪ ،‬ومن حديث ابن عباس ﭭ‪ :‬رواه البخاري (‪،)1052‬‬
‫ومسلم (‪.)202‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )201‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )206‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬ومن حديث علي ﭬ‪ :‬رواه أحمد (‪.)1216‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)1162‬وأحمد (‪ )21225‬من حديث أبي بن كعب ﭬ‪ .‬وضعفه النووي يف خالِة‬
‫األحكام ‪ ،656/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)661‬‬

‫‪646‬‬
‫‪647‬‬ ‫باب صالة الكسوف‬

‫حديث عائشة ڤ فهو غلط‪ ،‬ولأللباين رسالة خلص فيها إلى أن كل ما عدا ِفة‬
‫الصالة يف حديث عائشة ڤ ضعيف‪ ،‬أو شاذ(‪.)1‬‬
‫ه َُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُهٌ‬ ‫ه‬ ‫َ َ َ‬
‫(وما بعد األو ِل‪ :‬سنة‪ ،‬ال تدرك ب ِه الركعة)‪ :‬الركعة يف ِالة الكسوف إنما‬
‫تدرل بالركوع األول ال الثاين؛ ألن األول هو الركوع األِلي وما بعده سنة‪ ،‬ولذا‬
‫ورد عن بعض الصحابة أنه ِالها كالنافلة‪ ،‬فلو دخل مسبوق بركعة لزمه أن‬
‫يقضـي ركعة كاملة‪ ،‬ورجح هذا ابن باز‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ِّ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫(وي ِصح‪ :‬أن يصليها اكنلهاف ِل ِة)‪ :‬لورودها يف حديث ابن عمرو ﭭ‪ ،‬وكذا كل‬
‫زيادة وردت يف حديث ِحيح‪ ،‬أو فعلها بعض الصحابة هذا المذهب‪ ،‬واختار‬
‫هذا طائفة من أهل الحديث‪ ،‬كإسحاق‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬والخطابي‪.‬‬
‫واألولى االقتصار على الصفة المشهورة يف حديث عائشة ڤ؛ لسالمتها من‬
‫اإلعالل‪ ،‬وألن الرسول ﷺ لم يصل الكسوف إال مرة واحدة‪ ،‬وكبار األئمة ُيع ّلون‬
‫ما خالف حديث عائشة ڤ‪ ،‬كاإلمام أحمد‪ ،‬والبخاري‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وقد أعرض‬
‫عنها البخاري‪ ،‬فلم يخرج شـيئا منها يف الصحيح؛ غير حديث عائشة وابن عباس‬
‫أهنا أربعًا وقال‪ :‬أِح الروايات عندي يف ِالة الكسوف أربع ركعات يف أربع‬
‫سادات‪.‬‬
‫والذي ذهب إليه الشافعي‪ ،‬والبخاري‪ ،‬وأحمد يف رواية من ترجيح األخبار‬
‫أولى؛ ألن األخبار كلها ترجع إلى حكاية ِالته ﷺ يوم تويف ابنه(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬وقع خالف يف ِالة الكسوف يف أوقات النهي؟‬
‫فقيل‪ :‬إهنا ال تصلى‪ ،‬وإنما يكثر من االستغفار‪ ،‬والذكر‪ ،‬والدعاء‪.‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)316/2‬الفتاوى لشـيخ اإلسالم (‪ ،)16-11/16‬زاد المعاد (‪ ،)432-436/1‬إرواء الغليل‬


‫(‪.)132-122/3‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪ ،)311/2‬الممتع (‪ ،)252/5‬مالة البحوث اإلسالمية (‪.)26/13‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد (‪.)432-436/1‬‬

‫‪641‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪648‬‬

‫والراجح‪ :‬أهنا تصلى يف أوقات النهي‪ ،‬وأن عموم النهي عن الصالة أوقات‬
‫النهي مخصوص بذوات األسباب‪ ،‬فتباح فيها‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم َذل ِ َك‪،‬‬
‫الصال َِة»‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن‬ ‫َفا ْف َز ُعوا إ ِ َلى ا‬
‫القيم‪ ،‬والسعدي‪ ،‬وتقدم ذكر األدلة على فعل ذوات األسباب يف أوقات النهي‪،‬‬
‫وهذه منها(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا غابت الشمس كاسفة‪ ،‬أو غاب القمر خاسفًا‪ ،‬ولم يشـرعوا‬
‫بالصالة‪ ،‬فإهنم ال يصلون الكسوف؛ ألن وقت االنتفاع به قد ذهب‪ ،‬وقد زال‬
‫سلطاهنا‪ ،‬وألهنا غابت‪ ،‬فنرجع لألِل وهو عدم الكسوف‪.‬‬
‫وإن غابت بعد أن شـرعوا يف ِالة الكسوف‪ ،‬فإهنم يتموهنا خفيفة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬تشـرع ِالة الكسوف جماعة وفرادى يف الحضـر والسفر‪ ،‬وال يشتـرأ‬
‫الصال َِة»‪ ،‬وألهنا‬ ‫ِ‬
‫لها إذن اإلمام؛ لعموم قولـه ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم َذل َك‪َ ،‬فا ْف َز ُعوا إ ِ َلى ا‬
‫نافلة أشبهت سائر النوافل‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد(‪.)2‬‬
‫قال ابن رجب‪« :‬والشغل بالصالة فرادى يف البيوت أكثر الناس على استحبابه‪،‬‬
‫وهو مروي عن ابن عباس‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وجماعة»(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬وتشـرع ِالة الكسوف يف حق النساء؛ ألن عائشة وأسماء ﭭ ِلين‬
‫مع رسول اهلل ﷺ(‪ ،)4‬فيشـرع لهن شهود ِالة الكسوف مع اإلمام‪ ،‬فإذا لم تصل‬
‫المرأة مع اإلمام فتصليها يف بيتها وحدها؛ ألنه ال يشرتأ لها الاماعة‪.‬‬
‫الص َال ُة َجامِ َع ٌة»‪ ،‬ويف الصحيحين َع ْن ا ْب ِن‬
‫مسألة‪ :‬ويسن أن ينادى لها بقوله‪ « :‬ا‬
‫ِ‬ ‫الشمس ع َلى عه ِد رس ِ ِ‬ ‫َعم ُرو ﭭ‪َ « :‬لما كَس َف ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ُنود َي إِ ان ا‬
‫الصالَ َة‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ت ا ْ ُ َ‬ ‫ا َ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)311/2‬الممتع (‪.)251/5‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)312/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتح (‪.)250/2‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)643‬‬

‫‪646‬‬
‫‪649‬‬ ‫باب صالة الكسوف‬

‫َجامِ َع ٌة»(‪.)1‬‬
‫ول اهللِ‬
‫الشم َس َخس َف ْت َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ويف ِحيح مسلم َع ْن َعائ َش َة ڤ‪َ :‬أ ان ا ْ‬
‫الص َال ُة َجامِ َع ٌة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫ﷺ‪َ ،‬ف َب َع َث ُمنَاد ًيا‪ « :‬ا‬
‫وليس لهذه اللفظة عدد معين يف التكرار‪ ،‬وإنما يكرر بمقدار ما يغلب على ظنه‬
‫أنه أبلغ الناس لياتمعوا‪ ،‬وهذا يختلف بحسب اختالف الليل والنهار‪ ،‬ووقت‬
‫غفلة الناس وانتباههم‪ ،‬ووجود المكربات من عدمها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬اختلف العلماء هل تشـرع هذه الصالة لغير الكسوف من اآليات‪،‬‬
‫كالزالزل‪ ،‬والرباكين‪ ،‬والرياح الشديدة؟‬
‫واألظهر‪ :‬مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبي ثور أنه يصلى للزلزلة دون ما‬
‫اس‬‫سواها من الصواعق والرياح؛ لثبوته عن بعض الصحابة‪ :‬فقد ثبت َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫وت‪ ،‬فلما فرغ قال‪َ :‬ه َك َذا َِ َال ُة‬ ‫ِ‬
‫صـرة‪َ ،‬ف َأ َط َال ا ْل ُقنُ َ‬ ‫الز ْل َز َل ِة بِا ْل َب‬
‫ﭭ‪َ « :‬أ ان ُه َِ الى فِي ا‬
‫ات»(‪ ،)3‬وثبت عن حذيفة ﭬ‪« :‬أنه ِالها بالمدائن بأِحابه»(‪ ،)4‬وفعل‬ ‫ْاآلي ِ‬
‫َ‬
‫الصحابة حاة إذا لم يخالفه غيره‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ال يصلى لغير الكسوف؛ ألن النبي ﷺ لم يصل لغيره‪ ،‬وكذا خلفاؤه‬
‫الراشدون‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يصلي لكل آية خارجة عن المعتاد من ِواعق‪ ،‬ورياح‪ ،‬وبراكين‪،‬‬
‫ونحوها؛ لعموم قولـه ﷺ‪« :‬إهنما آيتان من آيات اهلل يخوف اهلل هبما عباده‪،»...‬‬
‫وقالوا‪ :‬يحصل أحيانًا يف بعض اآليات كربة أشد من الكربة التي تحصل يف‬
‫الكسوف‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام أبي حنيفة‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن حزم‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1045‬ومسلم (‪ )210‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)645‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)4222‬وِححه ابن حار يف الفتح (‪.)521/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪.)4230‬‬

‫‪642‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪650‬‬

‫وإليه مال شـيخنا ابن عثيمين(‪.)1‬‬


‫فائدة‪ :‬تشـرع الصدقة عند الكسوف لدفع هذا البالء؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم‬
‫اهلل‪َ ،‬وكَب ُروا‪َ ،‬و َِ ُّلوا‪َ ،‬و َت َصدا ُقوا» [رواه البخاري]‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َذل َك‪َ ،‬فا ْد ُعوا َ‬
‫فائدة‪ :‬بين شـيخ اإلسالم أن الكسوف ال يحصل إال يف أيام االستسـرار وهي‬
‫يوم (‪ )22-26‬من الشهر؛ ألن سببه حيلولة القمر بيننا وبين الشمس‪ ،‬وهذا ال‬
‫يكون إال يف أيام االستسـرار حين يكون القمر قري ًبا من الشمس‪.‬‬
‫وأما الخسوف فال يكون إال يف أيام اإلبدار؛ ألن سببه حيلولة األرض بين القمر‬
‫والشمس‪ ،‬وهذا يكون يف اإلبدار‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬الكسوف يمكن أن يدرل بالحساب قبل وقوعه‪ ،‬كما هو واقع‪ ،‬وهذا ال‬
‫يخرجه عن كونه آية يخوف اهلل هبا العباد‪ ،‬ولو أخربنا الفلكيون بوقت كسوف‪ ،‬فال‬
‫نصلي بمارد اإلخبار حتى نراه رؤية عادية‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم َذل ِ َك‪،‬‬
‫الصال َِة»(‪.)2‬‬
‫َفا ْف َز ُعوا إ ِ َلى ا‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)316/2‬المحلى (‪ ،)26/5‬االختيارات ص (‪ ،)64‬الفتح البن رجب (‪ ،)250/2‬الممتع‬


‫(‪.)256/5‬‬
‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪ ،)251/24‬الممتع (‪.)236/5‬‬

‫‪650‬‬
‫‪651‬‬ ‫ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ‬
‫با ُ‬

‫‪e‬‬ ‫ب صَال ِة االسْ ِتسْقَاءِ‬


‫با ُ‬
‫‪F‬‬
‫االستسقاء‪ :‬هو التعبد هلل ‪ ‬بطلب سقيا المطر على ِفة مخصوِة‪.‬‬
‫وذكر أحكامه‪ ،‬وأحواله‪.‬‬
‫ُهٌ‬ ‫ُ‬
‫ويه‪ :‬سنة)‪.‬‬
‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫ِالة االستسقاء سنة ثابتة عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وخلفائه عند االحتياج إليها‪ ،‬وقد‬
‫دل على ذلك أحاديث كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْو ًما َي ْست َْس ِقي‪َ ،‬ف َا َع َل إ ِ َلى‬ ‫حديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن َز ْي ُد ڤ َق َال‪َ « :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫ن» [متفق‬ ‫اس َت ْق َب َل ا ْل ِق ْب َلةَ‪َ ،‬و َح او َل ِر َدا َء ُه‪ُ ،‬ث ام َِ الى َر ْك َع َت ْي ِ‬ ‫الناا ِ‬
‫س َظ ْه َر ُه‪َ ،‬يدْ ُعو َ‬
‫اهلل‪َ ،‬و ْ‬
‫عليه](‪.)1‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ُق ُح َ‬
‫وأ ا ْل َم َط ِر‪َ ،‬ف َأ َم َر‬ ‫ااس إ ِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫وحديث َعائ َش َة ڤ َقا َل ْت‪َ « :‬ش َكا الن ُ‬
‫يه‪َ ،‬ف َخرج رس ُ ِ‬ ‫ون فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫بِمنْ َب ُر‪َ ،‬ف ُوض َع َل ُه في ا ْل ُم َص الى‪َ ،‬و َوعَدَ الن َ‬
‫ااس َي ْو ًما َي ْخ ُر ُج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِحي َن َبدَ ا َح ِ‬
‫اهلل ‪.)2(»...‬‬ ‫س‪َ ،‬ف َق َعدَ َع َلى ا ْلمنْ َب ِر‪َ ،‬ف َك اب َر ﷺ‪َ ،‬و َحمدَ َ‬
‫الش ْم ِ‬
‫ب ا‬ ‫اج ُ‬
‫واإلجماع‪ :‬منعقد على مشـروعيتها عند احتباس المطر‪ ،‬كما نقله ابن عبدالرب‬
‫وغيره‪ ،‬فال خالف بين علماء المسلمين يف ذلك(‪.)3‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وصفتها‪ ،‬وأحاكمها‪ :‬كصالة ِ ال ِعي ِد)‪.‬‬ ‫قوهل‪َ ( :‬و َوقتها‪ِ ،‬‬
‫يد يف الوقت‪ ،‬والصفة‪ ،‬واألحكام‪.‬‬ ‫ِالة االستسقاء كَص َال ِة ا ْل ِع ِ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1012‬ومسلم (‪ )624‬من حديث عبداهلل بن زيد ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )1113‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬قال أبو داود‪« :‬وهذا حديث غريب‪ ،‬إسناده جيد»‪،‬‬
‫وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)610/2‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)152/5‬وحسنه األلباين‬
‫يف اإلرواء (‪.)666‬‬
‫(‪ )3‬التمهيد (‪.)112/11‬‬

‫‪651‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪652‬‬

‫خمسا‪ ،‬وتشـرع يف المصلى؛ لقول‬‫ً‬ ‫ففي الصفة‪ :‬يكرب يف األولى سب ًعا‪ ،‬ويف الثانية‬
‫ابن عباس ﭭ‪َ « :‬ف َص الى َر ْك َع َت ْي ِن ك ََما ُي َصلي فِي ا ْل ِعيدَ ْي ِن»(‪.)1‬‬
‫وأما وقت ِالة االستسقاء‪ :‬فاألولى أن تكون أول النهار؛ ألن «رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َ ُ‬
‫س‪َ ،‬ف َق َعدَ َع َلى ا ْل ِمنْ َب ِر»‪ .‬وهذا للندب ال للوجوب‪،‬‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫ب ا‬ ‫اج ُ‬ ‫خرج ِحي َن َبدَ ا َح ِ‬
‫فياوز فعلها يف غير هذا الوقت من سائر النهار‪ ،‬إال أوقات النهي فتمنع بغير‬
‫خالف؛ ألهنا ال تفوت‪ ،‬فلهم ِالهتا آخر الصبح أو الظهر‪ ،‬واألولى عدم فعلها يف‬
‫وج ْم ُع الناس‬
‫ليال‪َ ،‬‬
‫هنارا ال ً‬
‫الليل؛ ألن هدي رسول اهلل ﷺ وأِحابه الخروج لها ً‬
‫ليال يشق‪ ،‬وهو سبب المتناع أكثرهم‪ ،‬إال إن لم يصلح لهم إال الليل‪ ،‬فيباح ذلك‬
‫ً‬
‫لعدم المانع الشـرعي منه(‪.)2‬‬
‫مسألة‪ :‬والسنة كون الصالة يف المصلى‪ ،‬كما فعله رسول اهلل ﷺ « حين َش َكا‬
‫ول اهللِ ﷺ ُق ُح َ‬
‫وأ ا ْل َم َط ِر‪َ ،‬ف َأ َم َر بِ ِمنْ َب ُر‪َ ،‬ف ُو ِض َع َل ُه فِي ا ْل ُم َص الى‪َ ،‬و َوعَدَ‬ ‫ااس إ ِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫الن ُ‬
‫يه» [رواه أبو داود]‪ ،‬ونقل ابن رجب اإلجماع عليه(‪ ،)3‬ولو‬ ‫ون فِ ِ‬
‫ااس َي ْو ًما َي ْخ ُر ُج َ‬
‫الن َ‬
‫ِلوها يف المساجد ِحت‪ ،‬والسنة كوهنا يف المصليات‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ولالستسقاء حاالت ثالث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون يف ِالة االستسقاء‪ ،‬وهذا ثابت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬كما يف‬
‫حديث عبداهلل بن زيد ﭬ المتفق عليه‪ ،‬وعائشة ڤ عند أبي داود‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون يف خطبة الامعة‪ ،‬وهذا مشـروع عند ورود سببه‪ ،‬وقد فعله‬
‫اس َت ْق َب َل َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ حين دخل عليه رجل ورس ُ ِ‬
‫ول‬ ‫ب‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ول اهلل ﷺ َقائ ٌم َي ْخ ُط ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫اهلل ُي ِغي ُثنَا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهللِ ﷺ َقائِما‪ُ ،‬ثم َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ه َل َكت األَ ْم َو ُال َوا ْن َق َط ْعت ُّ‬
‫الس ُب ُل‪َ ،‬فا ْد ُع َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ً ا‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1165‬والرتمذي (‪ ،)556‬والنسائي (‪ ،)1506‬وأحمد (‪ ،)2032‬وابن حبان (‪ )2662‬من حديث‬
‫ابن عباس ﭭ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح»‪ ،‬وِححه ابن الملقن يف البدر المنير (‪،)143/5‬‬
‫وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)665‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الفتح البن رجب (‪.)202/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتح البن رجب (‪.)202/2‬‬

‫‪652‬‬
‫‪653‬‬ ‫ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ‬
‫با ُ‬

‫ول اهللِ ﷺ َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث ام َق َال‪« :‬ال ال ُه ام َأ ِغ ْثنَا‪ ،‬ال ال ُه ام َأ ِغ ْثنَا‪ ،‬ال ال ُه ام َأ ِغ ْثنَا» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫َف َر َف َع َر ُس ُ‬
‫ُ‬
‫شـيء مِ ْن ُد َعائِ ِه إ ِ اال‬ ‫ال َي ْر َف ُع َيدَ ْي ِه فِي‬ ‫وإذا استسقى رفع يديه؛ ألن «النبي ﷺ ك َ‬
‫َان َ‬
‫اض إ ِ ْب َط ْي ِه» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫فِي ِاالستِس َق ِ‬
‫اء‪َ ،‬وإِ ان ُه َي ْر َف ُع َحتاى ُي َرى َب َي ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِالة‪ ،‬وهذا جائز‪ ،‬ويشهد لهذا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الثالثة‪ :‬أن يكون الدعاء يف غير‬
‫اس ِقنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما رواه أبو داود َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال‪َ :‬أ َتت النابِ اي ﷺ َب َواكي‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال ال ُه ام ْ‬
‫آج ُل»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْط َب َق ْت َع َل ْي ِه ُم‬ ‫اج ًال َغ ْير ِ‬ ‫َغ ْي ًثا م ِغي ًثا‪ ،‬م ِري ًئا م ِري ًعا‪ ،‬نَاف ِ ًعا َغ ْير َضار‪َ ،‬ع ِ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الس َما ُء ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ا‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وياوز االستسقاء بالدعاء تب ًعا للصلوات الراتبة»‪ ،‬وقال‬
‫ابن القيم‪« :‬ومنها أنه استسقى وهو جالس»(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ َ ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫وج‬‫أراد اإلمام اخل ُروج لها‪َ :‬وعظ انلهاس‪ ،‬وأم َرهم باتلهوبةِ‪ ،‬واخل ُر ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وإذا‬
‫َ ُ ُ ُ َ َ ً ُ َ ِّ ً‬ ‫َََ ه ُ‬ ‫َََ ه ُ ََ‬ ‫َ َ‬
‫اضعا‪ ،‬متخشعا‪،‬‬ ‫مِن المظال ِِم‪ .‬ويتنظف لها‪ ،‬وال يتطيب‪ .‬وَيرج متو ِ‬
‫ُّ ُ ُ ُ َ ُ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫أهل ِّ‬ ‫ََُ ُ‬ ‫ُ َ َ ِّ ً ُ َ َ ِّ ً‬
‫الح‪ ،‬والشيوخ‪ .‬ويباح‪ :‬خ ُروج‬ ‫والص ِ‬ ‫ين‬ ‫ادل‬ ‫ه‬‫ع‬ ‫وم‬ ‫‪.‬‬‫اع‬ ‫مت َذلال‪ ،‬متَض‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه ُّ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫والعجائ ِز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وابلهائ ِِم‪ ،‬واتلوسل بالصاحل ِي)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‪،‬‬
‫األطف ِ‬
‫أشار هنا إلى ما يستحب فعله عند الخروج لالستسقاء‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ َ ََ‬ ‫َ َ َ‬
‫وج مِن‬ ‫أراد اإلمام اخل ُروج لها‪َ :‬وعظ انلهاس‪ ،‬وأم َرهم باتلهوبةِ‪ ،‬واخل ُر ِ‬ ‫(وإذا‬
‫َ َ‬
‫المظال ِِم)‪ :‬ألن الذنوب هي سبب القحط والادب‪ ،‬ونقص األرزاق‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)603‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1031‬ومسلم (‪ )625‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )1162‬من حديث جابر ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)612/2‬واأللباين‬
‫يف ِحيح أبي داود (‪ ،)1060‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪ :)231/2‬وقد أعله الدارقطني يف العلل‬
‫باإلرسال‪ ،‬وقال‪ :‬رواية من قال عن يزيد الفقير من غير ذكر جابر أشبه بالصواب‪ ،‬وكذا قال أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫وجرى النووي يف األذكار على ظاهره فقال‪ِ :‬حيح على شـرأ مسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪ ،)320/2‬الفتاوى (‪ ،)32/24‬زاد المعاد (‪.)451/1‬‬

‫‪653‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪654‬‬

‫ﰌ﴾ [الروم‪ ،]41 :‬فإذا تابوا كان هذا سب ًبا لنزول الغيث‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ﴾ [األعراف‪.]26 :‬‬
‫ون فِ ِ‬
‫يه‪.‬‬ ‫ااس َي ْو ًما َي ْخ ُر ُج َ‬
‫وأن يحدد يو ًما للخروج‪ ،‬كما َو َعدَ الرسول ﷺ الن َ‬
‫ب‬ ‫ين َبدَ ا َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأن يكون الخروج أول النهار‪ ،‬كما َخرج رس ُ ِ‬
‫اج ُ‬ ‫ول اهلل ﷺ ح َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫الش ْم ِ‬
‫س‪.‬‬ ‫ا‬
‫َََ ه ُ ََ‬
‫(ويتنظف لها)‪ :‬لئال تكون به رائحة كريهة‪.‬‬
‫َََ ه‬
‫(وال يتطي ُب)‪ :‬ألنه لم ينقل عن الرسول ﷺ‪ ،‬وألنه يوم سكينة وافتقار‪.‬‬
‫َض ًاع)‪ :‬كما « َخرج رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫تخ ِّش ًعا‪ُ ،‬م َت َذلِّ ًال‪ُ ،‬م َت َ ِّ‬
‫َ ُ ُ ََُ ً ُ َ‬
‫اضعا‪ ،‬م‬
‫(وَيرج متو ِ‬
‫َ َ َ ُ‬
‫متَو ِ‬
‫اض ًعا ُم َت َبذ ًال ُمت ََخش ًعا ُمت ََرس ًال ُمتَضـر ًعا»(‪.)1‬‬ ‫ُ َ‬
‫وأن تكون الصالة يف المصلى‪ ،‬كما فعل النابِ ُّي ﷺ حين « َخ َر َج إِ َلى ُ‬
‫الم َص الى‬
‫است َْس َقى»‪ ،‬ولو ِلى يف المساد جاز‪.‬‬ ‫َف ْ‬
‫ُّ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬‫َ‬
‫الح‪ ،‬والشيوخ)‪ :‬ألهنم أحرى باإلجابة‪ ،‬كما فعل عمر‬ ‫والص ِ‬ ‫ين‬
‫(ومعه أهل ادل ِ‬
‫مع العباس ابن عبد المطلب ﭫ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ ُ ُ ُ َ َ‬
‫ال‪ ،‬والعجائ ِِز وابلهائ ِِم)‪َ :‬وأما البهائم فلم ينقل عن‬
‫(ويباح‪ :‬خروج األطف ِ‬
‫الرسول ﷺ والصحابة تقصد الخروج هبا‪.‬‬
‫وال يشـرع لها أذان وال إقامة‪ ،‬قال ابن قدامة‪« :‬وال نعلم فيه خال ًفا»؛ ألن رسول‬
‫اهلل ﷺ لم يفعله‪ ،‬وال خلفاؤه الراشدون(‪.)2‬‬
‫وحث الصالحين على الدعاء واإللحاح على اهلل ‪ ،‬كما فعل عمر مع العباس‬
‫ﭫ‪ ،‬وكما استسقى معاوية ﭬ بيزيد بن األسود(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪ )652‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المغني (‪.)320/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن عساكر يف تاريخ دمشق (‪ .)112/65‬وِححه ابن حار يف التلخيص الحبير (‪،)234/2‬‬
‫=‬

‫‪654‬‬
‫‪655‬‬ ‫ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ‬
‫با ُ‬

‫واالجتهاد يف الدعاء وتكثير االستغفار‪ ،‬وقد كان عمر ﭬ إذا خرج يستسقي‬
‫غفارا حتى يأيت المصلى»(‪.)1‬‬
‫لم يزل يقول‪« :‬اللهم اغفر لنا إنك كنت ً‬
‫ه‬
‫بالصاحل َ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ِي)‪ :‬ومراده أن يحثهم على الدعاء؛ ألهنم أقرب إجابة‪ ،‬كما‬ ‫(واتلهوسل‬
‫فعل عمر مع العباس‪ ،‬ومعاوية مع يزيد بن األسود ﭫ‪ ،‬ويف البخاري‪َ :‬أ ان ُع َم َر‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال ال ُه ام إِناا ُكناا َنت ََو اس ُل‬‫الم اطلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ْب ِن َع ْبد ُ‬ ‫است َْس َقى بِال َع اب ِ‬ ‫َان إِ َذا َق َح ُطوا ْ‬
‫ﭬك َ‬
‫اس ِقنَا»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُي ْس َق ْو َن(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫إِ َل ْي َك بِنَبِينَا َفت َْسقينَا‪َ ،‬وإِناا َنت ََو اس ُل إِ َل ْي َك بِ َعم َنبِينَا َف ْ‬
‫وليس مقصوده التوسل بسؤال اهلل هبم‪ ،‬فهذا من البدع المحرمة‪.‬‬
‫والتوسل بالصالحين نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬التوسل بدعائهم له‪ ،‬فهذا جائز‪ ،‬وقد دل له طلب عمر ﭬ من أويس‬
‫بن عامر(‪ ،)3‬والعباس بن عبد المطلب ﭬ أن يدعوا لهم‪ ،‬لكن ينبغي أال يتخذ‬
‫ٌ‬
‫واتكال على دعائهم‪.‬‬ ‫سؤالهم عادة؛ ألنه فتنة للداعي والمدعو له‪،‬‬
‫الثاين‪ :‬التوسل بذواهتم وسؤال اهلل هبم‪ ،‬فهذا من البدع المحدثة‪ ،‬وهي مسألة‬
‫مشـروعا لما عدل عمر‬
‫ً‬ ‫خطيرة زل فيها أقوام‪ ،‬ولو كان التوسل بذوات الصالحين‬
‫والصحابة ﭫ عن التوسل بذات رسول اهلل ﷺ إلى التوسل بالعباس ﭬ‪ ،‬ويف‬
‫عهد عمر ﭬ جماعة من الصحابة أفضل من العباس‪ ،‬كعثمان وعلي ﭫ‪ ،‬وكان‬
‫قرب رسول اهلل ﷺ قري ًبا منهم ولم يتوسلوا به‪ ،‬ولكن الصحابة أعلم الناس هبذه‬
‫المسألة‪ ،‬وأبعد الناس عن اإلحداث يف الدين‪ ،‬وقد أكثر أهل البدع االستدالل‬
‫بحديث العباس ﭬ باواز التوسل بذوات الصالحين‪ ،‬وهذا خطأ فليس فيه إال‬
‫التوسل بدعائه‪.‬‬

‫=‬
‫واأللباين يف اإلرواء (‪.)140/3‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن شبه يف تاريخ المدينة (‪ ،)136/2‬وابن المنذر يف األوسط (‪.)315/4‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)1010‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )2542‬من حديث عمر ﭬ‪.‬‬

‫‪655‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪656‬‬
‫ُ َ‬ ‫فتت ُح َها باتله‬ ‫َ ً َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ ِّ ُ ه َ ْ ُ ُ ُ َ ً‬
‫ري كخطب ِة ال ِعي ِد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ة‬ ‫قوهل‪( :‬فيصيل‪ ،‬ثم َيطب خطب‬
‫ََُْ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ‬
‫غف َ‬ ‫ويُ ِ ُ‬
‫ار‪ ،‬وق ِراءة آيات فِيها األمر ب ِه‪ .‬ويرفع يدي ِه‬ ‫كرث ف َِيها االستِ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫دعو ب ِ ُد َاعءِ انله ِّ‬ ‫َ ه َ ََ ُ‬ ‫َُ ُ ُ‬
‫ِب ﷺ‪ ،‬ويؤم ُن المأموم‪.‬‬ ‫هورهما َنو السماءِ‪ .‬في‬ ‫وظ‬
‫ََ ُ َ َ‬ ‫هُ ه َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ثم يَستقبل ال ِقبلة يف أثنا ِء اخلطبةِ‪ ،‬فيقول ِ ًّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِسا‪« :‬اللهم إنك أمرتنا بِداعئ ِك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ْ ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ َ َ َ َ َ َ ََ َ ََ‬ ‫َ َ ْ ََ‬
‫جب َنلَا كما َوعدتنا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ووعدتنا إجابتك‪ ،‬وق َد دعوناك ك َما أم ْرتن َا‪ ،‬فاست‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫يرس‪ ،‬واأل َ َ‬ ‫يم َن ىلع األ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه ُ َ ِّ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫يرس ىلع األيم ِن‪ .‬وكذا‪ :‬انلهاس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األ‬ ‫ل‬ ‫ثم َيول رداءه‪ ،‬فيجع‬
‫َ ُ ُِ َ ُ َ ه َ ُ ُ َ َ َ‬
‫َنعوه مع ثِيابِهم‪.‬‬ ‫ْ وي َُّتكونه ه حَت ي ِ‬
‫ً َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اثلا)‪.‬‬ ‫فإن سقوا‪ :‬وإال اعدوا ثانِيا‪ ،‬وث ِ‬
‫َ ُ َ ِّ ُ َ ْ ُ‬
‫(فيصيل‪ ،‬ث هم َيط ُب)‪ِ :‬الة االستسقاء قبل الخطبة‪ ،‬وهذا قول الامهور‪،‬‬
‫ومنهم‪ :‬اإلمام أحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬واختاره ابن إبراهيم‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن‬
‫عثيمين‪ ،‬ومال إليه ابن قدامة؛ لحديث أبي هريرة ﭬ‪ِ« :‬لى ركعتين‪ ،‬ثم‬
‫خطبنا»(‪.)1‬‬
‫اض ًعا ُم َت َبذ ًال‪ُ ،‬مت ََخش ًعا‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ متَو ِ‬ ‫ولقول ابن عباس ﭭ‪َ « :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫ُ َ‬
‫ب ُخ ْط َب َت ُك ْم َه ِذ ِه»(‪،)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُمتَضـر ًعا‪َ ،‬ف َص الى َر ْك َع َت ْي ِن ك ََما ُي َصلي في ا ْلعيدَ ْي ِن‪َ ،‬و َل ْم َي ْخ ُط ْ‬
‫فيفعل فيها كما يفعل يف ِالة العيد تمامًا‪ ،‬فإذا حضـر اإلمام ِلى وإذا فرغ خطب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الخطبة قبل الصالة؛ لحديث عائشة ڤ‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ خطب قبل‬
‫الصالة»(‪.)3‬وحديث َع ْب ِداهللِ ْب ِن َز ْي ُد ﭬ‪َ « :‬خ َر َج الناب ِ ُّي ﷺ َي ْست َْس ِقي‪َ ،‬فت ََو اج َه إ ِ َلى‬
‫الق َرا َء ِة»(‪.)4‬‬
‫يهما بِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الق ْب َلة َيدْ ُعو َو َح او َل ِر َدا َء ُه‪ُ ،‬ث ام َِ الى َر ْك َع َت ْي ِن َج َه َر ف ِ َ‬
‫وقالوا‪ :‬حديث أبي هريرة ﭬ السابق معلول‪ ،‬كما بين ذلك الدارقطني‪ ،‬وابن‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1266‬وأحمد (‪ )6321‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ ،‬وأع ّله الدارقطني يف العلل (‪،)24/2‬‬
‫وضعفه األلباين يف السلسلة الضعيفة (‪ ،)5630‬وِححه البوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪.)150/1‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)652‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)651‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)651‬‬

‫‪656‬‬
‫‪657‬‬ ‫ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ‬
‫با ُ‬

‫عبدالرب‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬وأما حديث ابن عباس ﭭ‪ ،‬فليس ِـريحًا‪.‬‬


‫والراجح‪ :‬التوسعة يف هذا‪ ،‬وأنه مخير يف الخطبة قبل الصالة أو بعدها؛ لورود‬
‫األخبار باألمرين‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أحمد(‪.)1‬‬
‫َ ً‬ ‫ُ ه َُْ ُ ُ ًَ‬
‫حدة)‪ :‬السنة أن تكون خطبة االستسقاء واحدة‪ ،‬ولم ينقل‬ ‫(ثم َيطب خطبة وا ِ‬
‫عن رسول اهلل ﷺ الالوس أثناءها‪ ،‬والخطبة ليست هي المقصودة إنما المقصود‬
‫الدعاء واالستغفار‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬فالخطبة ثابتة يف حديث أبي هريرة‬
‫ب ُخ َط َب ُك ْم َه ِذ ِه»‪ ،‬فيه داللة على‬
‫وعائشة ڤ‪ ،‬وقول ابن عباس ﭭ‪َ « :‬و َل ْم َي ْخ ُط ْ‬
‫تغيرها عن خطب العادة يف المضمون والعدد‪ ،‬فهي خطبة واحدة ُيكثر فيها‬
‫االستغفار والدعاء‪ ،‬ويف الصفة؛ ألنه ليس بينهما جلسة‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫فتت ُح َها باتله‬
‫َ َ‬
‫ري كخطب ِة ال ِعي ِد)‪ :‬هذا المذهب واألظهر افتتاحها بالحمد‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ك‬ ‫ِ‬ ‫(ي‬
‫كما كان رسول اهلل ﷺ يفعل يف جميع خطبه‪ ،‬وهذا قول اإلمام مالك‪ ،‬ورجحه‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وابن رجب‪ ،‬والشوكاين(‪.)2‬‬
‫مر ب ِه)‪ :‬كما قال ابن عباس‬ ‫اء َة آيَات فِيها األَ ُ‬ ‫ار‪ ،‬وق َِر َ‬ ‫غف َ‬‫َ‬ ‫(ويُ ِ ُ‬
‫كرث فِيها االستِ‬
‫ﭭ‪« :‬و َلم ي ْخ ُطب ُخ َطب ُكم ه ِذ ِه‪ ،‬و َلكِن َلم ي َز ْل فِي الدُّ َع ِ‬
‫اء‪َ ،‬والتاضـرعِ‪َ ،‬وال ات ْكبِ ِير»(‪.)3‬‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َ ه َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ ُ‬ ‫ََُْ ََ‬
‫(ويرفع يدي ِه وظهورهما َنو السماءِ)‪ :‬فالسنة رفع اإلمام يديه يف دعاء‬
‫االستسقاء‪ ،‬ورفع المأمومين أيديهم كذلك‪ ،‬وهذا يشمل الدعاء يف خطبة ِالة‬
‫االستسقاء‪ ،‬وإذا استسقى يف خطبة الامعة‪ ،‬وهو عام لإلمام والمأموم‪ ،‬وهو ثابت‬
‫عن رسول اهلل ﷺ يف خطبة الامعة وِالة االستسقاء‪ ،‬ففي الصحيحين َع ْن َأن ِ‬
‫َس‬
‫ُ‬
‫شـيء مِ ْن ُد َعائِ ِه إِ اال فِي‬ ‫ال َي ْر َف ُع َيدَ ْي ِه فِي‬
‫َان النابِي ﷺ َ‬ ‫ب ِن مال ِ ُ‬
‫ك ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬
‫ُّ‬ ‫ْ َ‬

‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)321/2‬فتاوى ابن إبراهيم (‪ ،)132/3‬الممتع (‪.)260/5‬‬


‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪ ،)323/22‬زاد المعاد (‪ ،)441/1‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)200/2‬السـيل الارار‬
‫(‪.)312/1‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)652‬‬

‫‪651‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪658‬‬

‫ِاالستِس َق ِ‬
‫اء‪َ ،‬وإِ ان ُه َي ْر َف ُع َحتاى ُي َرى َب َيا ُض إِبْ َط ْي ِه»‪.‬‬ ‫ْ ْ‬
‫ويف رواية البخاري‪« :‬فرفع النبي ﷺ ورفع الناس أيديهم»(‪ ،)1‬وإلى هذا ذهب‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬وأحمد‪ .‬وأما بعد الفراغ من المواعظ‪ :‬فلم يكن هدي الرسول ﷺ أن‬
‫يرفع يديه عند الدعاء فيها‪ ،‬كما بينه ابن باز(‪.)2‬‬
‫وورد لرفع اليدين يف االستسقاء عدة ِفات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن ياعل بطوهنما إلى السماء(‪.)3‬‬
‫الثانية‪ :‬أن ياعل ظهورهما للقبلة‪ ،‬وبطوهنما إلى وجهه(‪.)4‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يقلب الكفين وياعل ظهورهما إلى السماء وبطوهنما لألرض‪ ،‬ويف‬
‫مسلم « َأ ان النابِي ﷺ استَس َقى‪َ ،‬ف َأ َشار ب ِ َظه ِر َك افي ِه إِ َلى السم ِ‬
‫اء»(‪.)5‬‬ ‫ا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ا‬
‫وقيل يف معناه‪ :‬ياعل ظهورها إلى السماء ابتدا ًء‪ ،‬وبه قال حماد بن سلمة‪،‬‬
‫والحميدي‪ ،‬ومالك‪ ،‬ورجحه ابن رجب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لشدة رفعهما واجتهاده يف الدعاء كان الرائي يرى ظهورها نحو السماء‪،‬‬
‫وهذا اختيار شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬اإلشارة بإِبع واحدة إلى السماء‪.‬‬
‫ودل لها‪ :‬حديث سعد ﭬ عند الطرباين‪ ،‬ويف سنده ضعف(‪.)7()6‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)652‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪ِ ،)214/2‬الة المؤمن ص (‪.)1002‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )1014‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)1166‬والرتمذي(‪ )551‬من حديث عمير مولى آل اللحم ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف ِحيح أبي‬
‫داود (‪.)1052‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )625‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطرباين يف المعام األوسط (‪ ،)5261‬والبخاري يف التاريخ الكبير (‪ )2216‬من حديث سعد ﭬ‪.‬‬
‫قال الطرباين‪« :‬ال يروى هذا الحديث عن سعد إال هبذا اإلسناد‪ ،‬تفرد به محمد بن يحيى األزدي»‪ ،‬وقال‬
‫البخاري‪« :‬يف إسناده نظر»‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شـرح النووي (‪ ،)300/3‬فتح الباري البن رجب (‪.)212/2‬‬

‫‪656‬‬
‫‪659‬‬ ‫ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ‬
‫با ُ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫دعو ب ِ ُد َاعءِ انله ِّ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِب ﷺ‪ ،‬ويؤم ُن المأموم)‪ :‬السنة الدعاء بما ثبت عن رسول‬ ‫(في‬
‫اس ِقنَا َغ ْي ًثا ُم ِغي ًثا‪َ ،‬م ِري ًئا َم ِري ًعا‪ ،‬نَاف ِ ًعا‬ ‫اهلل ﷺ‪ ،‬وله الزيادة عليه‪ ،‬ومنه‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬ال ال ُه ام ْ‬
‫آج ُل»(‪.)1‬‬ ‫اج ًال َغ ْير ِ‬ ‫َغ ْير َضار‪َ ،‬ع ِ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ين‪َ ،‬ال إ ِ َل َه إِ اال‬
‫ك َي ْو ِم الد ِ‬ ‫يم مال ِ ِ‬ ‫وقوله ﷺ‪« :‬ا ْلحمدُ ل ِ ال ِه رب ا ْلعا َل ِمين الرحم ِن ِ‬
‫الرح ِ َ‬ ‫َ ا ْ َ ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫اهلل‪َ ،‬ال إ ِ َل َه إِ اال َأن َْت ا ْل َغن ِ ُّي َون َْح ُن ا ْل ُف َق َرا ُء‪َ ،‬أن ِْز ْل َع َل ْينَا‬‫اهلل‪َ ،‬ي ْف َع ُل َما ُي ِريدُ ‪ ،‬ال ال ُه ام َأن َْت ُ‬
‫ُ‬
‫ِ ُ (‪)2‬‬
‫اج َع ْل َما َأن َْز ْل َت َلنَا ُق او ًة َو َب َال ًغا إ ِ َلى حين» ‪.‬‬ ‫ا ْل َغ ْي َث‪َ ،‬و ْ‬
‫وقوله ﷺ‪« :‬ال ال ُه ام ْاس ِق ِع َبا َد َل َو َب َهائِ َم َك‪َ ،‬وانْشـر َر ْح َمت ََك َو َأ ْح ِي َب َلدَ َل ا ْل َم اي َت»(‪.)3‬‬
‫ََ ُ َ َ‬ ‫هُ ه َ‬ ‫ول ِ ًّ‬ ‫ُ َ ََُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ه َ َْ ُ‬
‫ِسا‪« :‬اللهم إنك أمرتنا بِداعئ ِك‪،‬‬ ‫ثم يستقبِل ال ِقبلة يف أثناءِ اخلطبةِ‪ ،‬فيق‬ ‫(‬
‫َ ْ َ ََ َ َ ْ ََ‬ ‫ََ َ َ َ َ َ َ ََ َََْ‬ ‫َ َ ْ ََ‬
‫جب نلا كما وعدتنا»)‪ :‬السنة‬ ‫ووعدتنا إجابتك‪ ،‬وقد دعوناك كما أمرتنا‪ ،‬فاست ِ‬
‫للخطيب بعد الخطبة‪ ،‬والدعاء فيها‪ ،‬وقبل النزول أن يتوجه للقبلة‪ ،‬ويدعو ربه سـر ًا‬
‫أن يغيثهم‪.‬‬
‫وقد دل على مشـروعيته‪ :‬حديث عبداهلل بن زيد ﭬ يف البخاري‪َ « :‬ق َال‪َ :‬ف َح او َل‬
‫ااس َظهره‪ ،‬واس َت ْقب َل ِ‬
‫الق ْب َل َة َيدْ ُعو‪ُ ،‬ث ام َح او َل ِر َدا َء ُه‪.)4(»..‬‬ ‫إِ َلى الن ِ ْ َ ُ َ ْ َ‬
‫ويف حديث عائشة ڤ عند أبي داود‪ ،‬وفيه بعد الدعاء‪ُ « :‬ث ام َر َف َع َيدَ ْي ِه‪َ ،‬ف َل ْم َي َز ْل‬
‫ب‪َ ،‬أ ْو َح او َل ِر َدا َء ُه‪،‬‬ ‫اض إِب ِ َط ْي ِه‪ُ ،‬ث ام َح او َل إ ِ َلى الن ِ‬
‫ااس َظ ْه َر ُه‪َ ،‬و َق َل َ‬ ‫الر ْف ِع َحتاى َبدَ ا َب َي ُ‬‫في ا‬
‫ِ‬
‫َو ُه َو َرافِ ٌع َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث ام َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ‬
‫ااس َون ََز َل‪َ ،‬ف َص الى َر ْك َعتَ ْي ِن»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪ )653‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪ )651‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )1116‬من حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده ﭬ‪ .‬ورواه مالك يف الموطأ (رواية‬
‫أبي مصعب الزهري) (‪ )610‬مرسالً‪ .‬قال النووي يف خالِة األحكام (‪« :)660/2‬رواه أبو داود بإسناد‬
‫حسن متصالً»‪ ،‬وحسنه األلباين يف ِحيح أبي داود (‪ ،)1061‬ورجح الرواية المرسلة أبو حاتم كما يف العلل‬
‫البنه (‪.)56/2‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)651‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)651‬‬

‫‪652‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪660‬‬

‫قال ابن رجب‪« :‬وتولية الظهر إلى الناس واستقبال القبلة؛ ألن الدعاء إلى‬
‫القبلة أفضل‪ ،‬وأجمع لقلب الداعي حيث ال يرى أحدً ا من الناس‪ ،‬وأما يف الامعة‬
‫فال يفعله؛ ألنه خطاب للحاضـرين»(‪ .)1‬فإن ذكر ما ذكره المؤلف فحسن‪ ،‬وإن قال‬
‫غيره فله ذلك وال تثبت ِفة معينة مرفوعة يف ذلك حيث كان دعاؤه ﷺ سـر ًا‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫يم َن ىلع األَ َ‬
‫يرس‪ ،‬واأل َ َ‬ ‫ُ ه ُ َ ِّ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ‬
‫يرس ىلع األيم ِن‪ .‬وكذا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫(ثم َيول ِرداءه‪ ،‬فيجعل األ‬
‫ُ‬
‫انلهاس)‪ :‬السنة أن يحول اإلمام رداءه بعد الفراغ من الدعاء‪ ،‬ويحول الناس‬
‫أرديتهم؛ لحديث عبداهلل بن زيد ﭬ‪ُ « :‬ث ام َح او َل ِر َدا َء ُه»‪ ،‬وتحويل الرداء عام لإلمام‬
‫والمأموم يف قول أكثر أهل العلم‪.‬‬
‫ويشهد له‪ :‬ما رواه اإلمام أحمد‪« :‬وحول الناس معه»(‪.)2‬‬
‫َ ُ ُ َُ َ ه َ ُ ََ َ‬
‫َنعوهُ مع ثِيابِهم)‪ :‬ذكر أن األولى أال يعيد الرداء على هيئته‬
‫(ويَّتكونه حَت ي ِ‬
‫حتى ينزع ثيابه‪ ،‬وليس يف ذلك سنة خاِة‪.‬‬
‫والعلة‪ :‬ألنه أبلغ يف التذلل‪ ،‬وله أن يعيده إلى هيئته بعد الخروج من المصلى؛‬
‫ألن تطبيق السنة حصل بالقلب بعد الدعاء‪ ،‬ولم يرد نص ينهى عن نزعه‪ ،‬أو يأمر‬
‫بإبقائه‪ ،‬أو يحدد مدة يف ذلك‪ ،‬فاألمر فيه واسع‪.‬‬
‫والحكمة من قلب الرداء‪ :‬التفاؤل بتحول الحال عما هي عليه‪.‬‬
‫والمرأة إذا كانت تتكشف بتحويل الرداء‪ ،‬فإهنا ال تفعله؛ لما يف ذلك من‬
‫تبذلها‪ ،‬وحصول الفتنة بذلك‪ ،‬وأما إذا كانت يف مكان ال يراها الرجال فحكمها‬
‫حكم الرجل‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫اثلا)‪ :‬إذا استمر القحط ولم ينزل المطر‬
‫(فإن سقوا‪ :‬وإال اعدوا ثانِيا‪ ،‬وث ِ‬
‫استحب تكرار االستسقاء؛ ألنه دعاء‪ ،‬فال ييأسوا من رحمة اهلل‪ ،‬وهو أبلغ يف‬
‫التضـرع واالفتقار‪ ،‬وهذا مذهب الامهور‪ :‬مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد؛ ألن اهلل‬

‫(‪ )1‬فتح الباري (‪.)212/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه أحمد (‪ )16465‬من حديث عبداهلل بن زيد ﭬ‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)615‬‬

‫‪660‬‬
‫‪661‬‬ ‫ب صَال ِة االسْتِسْقاءِ‬
‫با ُ‬

‫يحب الملحين يف الدعاء(‪.)2()1‬‬


‫َ ُ َ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُّ ُ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫الوقوف يف أو ِل المط ِر‪ .‬والوضوء واالغتِسال مِنه‪ .‬وإخراج رحلِ ِه‬ ‫ُ‬ ‫قوهل‪( :‬ويسن‪:‬‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫وثِياب ِ ِه ِيلُ ِصيبها)‪.‬‬
‫فالثابت عن رسول اهلل ﷺ عند نزول المطر‪ :‬أنه يحسـر عن ثوبه‪ ،‬فيشـرع هذا‪،‬‬
‫َس ﭬ َق َال‪:‬‬ ‫وكذا يخرج رأسه‪ ،‬أو بعض بدنه ليصـيبه‪ ،‬ويف ِحيح مسلم َع ْن َأن ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ َث ْو َب ُه َحتاى َأ َِا َب ُه مِ َن‬ ‫ول اهللِ ﷺ َم َط ٌر‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َحسـر َر ُس ُ‬ ‫َأ َِا َبنَا َون َْح ُن م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يث َع ْهد بِ َربه َت َعا َلى» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ل َم َِنَ ْع َت َه َذا؟ َق َال‪« :‬ألَ ان ُه َحد ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْل َم َط ِر‪َ ،‬ف ُق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫اس ﭭ أنه كان يقول‬ ‫الرحل والثياب‪ :‬فروى البيهقي َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬ ‫وأما إخراج ا‬
‫لغالمه إذا أمطرت‪َ « :‬أ ْخ ِر ْج فِ َراشـي َو َر ْحلِي ُيصـي ُب ُه ا ْل َم َط ُر‪َ ،‬ف َق َال َأ ُبو ا ْل َا ْو َز ِاء ِال ْب ِن‬
‫َاب اهللِ‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫ِ‬
‫اهلل؟ َف َق َال‪َ :‬أ َما َت ْق َر ُأ كت َ‬
‫اس‪ :‬ل َم َت ْف َع ْل َه َذا َي ْر َح ُم َك ُ‬
‫َعب ُ ِ‬
‫ا‬
‫صـيب ا ْل َب َر َك ُة فِ َراشـي َو َر ْحلِي»(‪.)4‬‬ ‫َ‬ ‫ب َأ ْن ُي‬ ‫ِ‬
‫ﮣ﴾ [ق‪َ ،]2 :‬ف ُأح ُّ‬
‫َ َ َ‬ ‫هُ َ َ َ‬ ‫َ ُُ ُ ه َ ُ‬ ‫ْ َ َُ َ َ َ ه‬ ‫ُ‬
‫خيف مِنه‪ :‬سن قول‪« :‬الله هم ح َوايلنا وال علينا‪،‬‬ ‫رث المط ُر حَت ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وإن ك‬
‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫هُه‬
‫ت الشج ِر»‪( ،‬ﯹ ﯺ‬ ‫ون األودِيةِ‪ ،‬ومناب ِ ِ‬ ‫اب‪ ،‬وبط ِ‬ ‫اللهم ىلع اآلاك ِم والظر ِ‬
‫ََ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) ‪ ..‬اآلية)‪.‬‬
‫أي إذا دام المطر وكثر‪ ،‬وخشـي على األنفس والزروع والمنازل منه‪ ،‬فيشـرع‬
‫الدعاء بإبقاء بركته‪ ،‬وإزالة ضـرره‪ ،‬وجعله على اآلكام وبطون األودية‪.‬‬
‫ت‬‫ت األَمو ُال وا ْن َق َطع ِ‬ ‫ول اهللِ‪َ :‬ه َل َك ِ‬‫كما فعل رسول اهلل ﷺ حين قيل له‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫ول اهللِ ﷺ َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث ام َق َال‪« :‬ال ال ُه ام َح َوا َل ْينَا‪،‬‬‫اهلل ُي ْم ِس ْك َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َر َف َع َر ُس ُ‬
‫الس ُب ُل‪َ ،‬فا ْد ُع َ‬
‫ُّ‬
‫اب‪ ،‬واألَو ِدي ِة‪ ،‬ومنَابِتِ‬ ‫الا َب ِ‬
‫ال َع َل ْينَا‪ ،‬ال ال ُهم َع َلى اآلكَامِ‪َ ،‬و ِ‬
‫اآلجامِ‪َ ،‬والظ َر ِ َ ْ َ َ َ‬ ‫ال‪َ ،‬و َ‬ ‫ا‬ ‫َو َ‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف الدعاء (‪ ،)20‬والعقيلي يف الضعفاء (‪ )452/4‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬قال أبو حاتم كما يف‬
‫العلل البنه (‪« :)423/5‬هذا حديث منكر»‪ ،‬وقال األلباين يف اإلرواء (‪« :)611‬موضوع»‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني (‪.)326/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )626‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البيهقي يف معرفة السنن (‪ ،)1232‬قال الشافعي‪ :‬وروي عن ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫‪661‬‬
‫كـتـاب الـصـالة‬ ‫‪662‬‬

‫الش َا ِر» َق َال‪َ :‬فا ْن َق َط َع ْت» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫ا‬


‫َ َ‬ ‫َُُْ ُ َ َ‬ ‫ه َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه‬ ‫ُ‬
‫ورمحتِ ِه»‪ .‬وَيرم‪ :‬م ِطرنا بِنوءِ كذا‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬قول‪« :‬م ِطرنا بفض ِل اَّللِ‬
‫َ َ‬ ‫َُ ُ‬
‫ويباح‪ :‬يف نوءِ كذا)‪.‬‬
‫إذا نزل المطر فالسنة أن يقول‪« :‬مطرنا بفضل اهلل ورحمته» هذا دعاء المؤمنين‪،‬‬
‫الص ْب ِح‬ ‫كما يف حديث زي ِد ب ِن َخال ِ ُد ا ْلاهنِي ﭬ َق َال‪ ِ :‬الى بِنَا رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َِ َال َة ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َْ ْ‬
‫ْصـرف َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ‬
‫ااس َف َق َال‪َ « :‬ه ْل‬ ‫َ‬ ‫بِا ْلحدَ يبِي ِة فِي إِ ْث ِر السم ِ‬
‫اء كَان َْت مِ َن ال ال ْيلِ‪َ ،‬ف َل اما ان‬ ‫ا َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫ادي ُم ْؤم ِ ٌن‬ ‫ون ما َذا َق َال رب ُكم؟ َقا ُلوا‪ :‬اهلل ورسو ُله َأ ْع َلم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال‪َ :‬أِبح مِن ِعب ِ‬
‫ْ ََ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ ُّ ْ‬ ‫َتدْ ُر َ َ‬
‫َب‪،‬‬ ‫بِي َوكَافِ ٌر‪َ ،‬ف َأ اما َم ْن َق َال‪ُ :‬مطِ ْرنَا بِ َف ْض ِل اهللِ َو َر ْح َمتِ ِه َف َذل ِ َك ُم ْؤمِ ٌن بِي كَافِ ٌر بِا ْل َك ْوك ِ‬
‫َب» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫َو َأ اما َم ْن َق َال‪ُ :‬مطِ ْرنَا بِن َْو ِء ك ََذا َوك ََذا َف َذل ِ َك كَافِ ٌر بِي ُم ْؤمِ ٌن بِا ْل َك ْوك ِ‬
‫ومن الناس من يقول‪« :‬مطرنا بنوء كذا»‪ ،‬فينسبه لغير اهلل بباء السببية‪ ،‬وهذا ال‬
‫ياوز‪ ،‬وهو نسبة الخير لغير مسديه‪ ،‬وقد قال تعالى‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾‬
‫[الواقعة‪.]62 :‬‬
‫ومن الناس من يقول‪« :‬مطرنا يف نوء كذا»‪ ،‬فيعتقد أن المنزل هو اهلل ‪ ،‬ولكن‬
‫يريد أنه نزل يف الوقت الفالين‪ ،‬أي أنه عالمة وميقا ًتا لألمطار‪ ،‬ويف هذا خالف‪:‬‬
‫فأجازه طائفة‪ ،‬كما ذكره المؤلف‪ ،‬وقالوا‪ :‬األِل الاواز‪ ،‬وهذا عالمة‪ ،‬وقد‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [النحل‪ ،]16 :‬واختاره شـيخنا ابن‬
‫عثيمين(‪.)3‬‬
‫وكرهه طائفة من العلماء كراهة تنزيه ال تحريم؛ ألنه ليس منطق أهل اإليمان‪،‬‬
‫بل فيه شبه بشعار الكفار عند نزول األمطار‪ ،‬وممن كرهها النووي‪ ،‬واآلمدي(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)603‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1036‬ومسلم (‪ )11‬من حديث زيد بن خالد الاهني ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬القول المفيد (‪.)261/2‬‬
‫(‪ )4‬شـرح مسلم (‪.)420/2‬‬

‫‪662‬‬
‫‪663‬‬ ‫ب اجلَنَائِزِ‬
‫كِتَا ُ‬

‫كــتــاب‬
‫الـجـنـائـز‬

‫‪663‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪664‬‬

‫‪664‬‬
‫‪665‬‬ ‫ب اجلَنَائِزِ‬
‫كِتَا ُ‬

‫‪e‬‬ ‫جلنَائِزِ‬
‫با َ‬
‫كِتَا ُ‬
‫‪F‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫واإلكث ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ ُ َ ُّ‬
‫ار مِن ذِك ِره ِ‪.‬‬ ‫وت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬يسن َ‪ :‬االستِعداد للم‬
‫َْ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ َ َ ِّ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫وف ف ِتنة‪.‬‬ ‫وت‪ ،‬إال ِخل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِي‪ .‬وتمين الم‬ ‫ويك َرهُ‪ :‬األن‬
‫َ ه ه َ ً‬ ‫َ ُُ َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ ُ َ‬
‫يض المسلِ ِم‪ .‬وتل ِقينه عِند موت ِه‪« :‬ال إهلَ إال اَّلل» م هرة‪ .‬ولم‬ ‫وتسن‪ :‬عِيادة الم ِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫اءةُ « ِ َ‬ ‫تلك ه َم‪ .‬وق َِر َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ ه‬
‫جيهه إىل ال ِقبلةِ‪ ،‬ىلع‬ ‫الفاحت هة»‪ َ ،‬و «يس»‪ .‬وتو ِ‬ ‫ي ِزد إال َأن ي‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ََ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫هره ِ‪.‬‬‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫وإال‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫اك‬ ‫جنبِ ِه األيم ِن‪ ،‬مع سع ِة الم‬
‫ه‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ َ َْ َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ه َ‬
‫ول اَّلل»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ــا‬ ‫ف‬‫و‬ ‫وىلع‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫سم‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫ول‬ ‫وق‬ ‫‪.‬‬‫ه‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ع‬ ‫يض‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫غ‬ ‫فإذا ْمات‪ ،‬سن‪ :‬ت‬
‫َ َ َ َِ‬ ‫هَ‬ ‫َ َ َ‬
‫وال بأس‪ :‬بِتقبيلِ ِه‪ ،‬وانلظ ِر إيل ِه‪ ،‬ولو بعد تك ِفينِ ِه)‪.‬‬
‫عقد هذا الباب لبيان ما يتعلق بالميت من تلقين‪ ،‬وتغسـيل‪ ،‬وتكفين‪ ،‬وِالة‪،‬‬
‫ودفن‪ ،‬وتعزية‪ ،‬وأحكام أخرى‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫واإلكث ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ َ ُّ‬
‫ار مِن ذِك ِره ِ)‪ :‬ينبغي للعبد أن يكون الموت‬ ‫وت‪.‬‬
‫(يسن‪ :‬االستِعداد للم ِ‬
‫نصب عينيه‪ ،‬ويوقن أنه مهما طالت غيبته فالبد من الورود عليه‪ ،‬ا‬
‫فإن تذكر الموت‬
‫يردع عن المعاِـي‪ ،‬ويلين القلب القاسـي‪ ،‬ويمنع النفوس عن القبائح‪ ،‬ويحمل‬
‫على اإلقبال على اآلخرة‪ ،‬والتزود من الطاعات‪ ،‬ويكسـر النفوس عن الكرب‪ ،‬فال‬
‫ينبغي للعبد أن يغفل عن الموت وإال قسا قلبه وتمرد‪ ،‬وقصـر يف الطاعة وعصـى‪.‬‬
‫ويكثر اإلنسان من تذكره‪ ،‬ويستدعي األسباب لذلك من زيارة القبور‪ ،‬وشهود‬
‫الانائز‪ ،‬وحضور المحتضـرين؛ ليكون ذلك حامالً له على تقصـير األمل‪ ،‬وإتقان‬
‫العمل‪ ،‬وترل الكسل‪ ،‬وهار المعاِـي التي هي سبب لسوء الخاتمة‪ ،‬والندامة‬
‫عند نزول السكرات‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾‪.‬‬
‫ويتذكر اختالف الناس عند نزوله‪ ،‬ففريق يبشـرون بالرضـى والانة‪ ،‬وفريق‬

‫‪665‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪666‬‬

‫يبشـرون بالسخط والعذاب‪ ،‬والنصوص يف الحث على تذكر الموت واالستعداد‬


‫له كثيرة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‪.‬‬
‫ت»(‪.)1‬‬ ‫ات‪َ :‬ا ْلمو ِ‬ ‫اذ ِم َال ال اذ ِ‬
‫وقال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أكْثِروا ِذكْر َه ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫يب‪َ ،‬أ ْو َعابِ ُر َسبِي ُل»‪،‬‬ ‫وأوِـى ابن عمر ﭭ فقال‪ُ « :‬ك ْن في الدُّ ْن َيا ك ََأن َاك َغ ِر ٌ‬
‫اح‪َ ،‬وإِ َذا َأ ِْ َب ْح َت َفالَ َتنْتَظِ ِر‬ ‫ِ‬
‫سـيت َفالَ َتنْتَظ ِر ا‬
‫الص َب َ‬ ‫وكان ابن عمر يقول‪« :‬إِ َذا َأ ْم َ‬
‫ا ْل َم َسا َء‪َ ،‬و ُخ ْذ مِ ْن ِِ احتِ َك ل ِ َم َر ِض َك‪َ ،‬ومِ ْن َح َياتِ َك ل ِ َم ْوتِ َك» [رواه البخاري](‪.)2‬‬
‫ت ِذك ًْرا‪،‬‬ ‫ولما سئل رسول اهلل ﷺ َأي ا ْلم ْؤمِنِين َأ ْكيس؟ َق َال‪َ « :‬أ ْك َثر ُهم ل ِ ْلمو ِ‬
‫ُ ْ َْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ِ‬ ‫و َأحسنُهم لِما بعدَ ه ِ‬
‫اس»(‪.)3‬‬ ‫است ْعدَ ا ًدا‪ُ ،‬أو َلئ َك األَ ْك َي ُ‬
‫َ ْ َ ُ ْ َ َْ ُ ْ‬
‫ويكون االستعداد للموت بأمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫التوبة من الذنوب‪ ،‬ورد الحقوق إلى أهلها‪ ،‬وكتابة الوِـية‪ :‬كما َق َال ﷺ‪َ « :‬ما‬
‫يت َل ْي َل َت ْي ِن إِ ا‬
‫ال َو َوِـي ُت ُه َم ْك ُتو َب ٌة‬ ‫ح ُّق ام ِر ُ مسلِ ُم َله شـيء ي ِريدُ َأ ْن يوِـى فِ ِ‬
‫يه َيبِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِعنْدَ ُه» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫والعمل الصالح والمبادرة إليه‪ :‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬


‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)2301‬وابن ماجه (‪ ،)4256‬وأحمد (‪ )1225‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫«هذا حديث حسن غريب»‪ ،‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)621/2‬وابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪ ،)161/5‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)662‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )6416‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫وجود إسناده العراقي يف تخريج‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪ ،)4252‬والحاكم (‪ )562/4‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ّ .‬‬
‫اإلحياء ص (‪ ،)1626‬وحسنه األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)1364‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)2136‬ومسلم (‪ )1621‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪666‬‬
‫‪667‬‬ ‫ب اجلَنَائِزِ‬
‫كِتَا ُ‬

‫فعســـــى أن يكــــون موتــــك بغتــــة‬ ‫اغتــــنم يف الفــــراغ فضــــل الركــــوع‬


‫ذهبــــت نفســــه الصــــحيحة فلتــــة‬ ‫كم من ِحيح رأيت من غيـر سـقم‬
‫واإلكثار من تذكر الموت وما بعده‪ :‬روى الحاكم وِححه‪« :‬أن ِج ْب ِر َيل ڠ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َم ْن َأ ْح َب ْب َت‬ ‫َجا َء إِ َلى النابِي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا ُم َح امدُ ‪ ،‬ع ْش َما ش ْئ َت َفإِن َاك َمي ٌت‪َ ،‬و َأ ْحبِ ْ‬
‫شـرف ا ْل ُم ْؤم ِ ِن قِ َيا ُم‬
‫ُ‬ ‫ار ُق ُه‪َ ،‬وا ْع َم ْل َما ِش ْئ َت َفإِن َاك َم ْا ِز ٌّي بِ ِه‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬يا ُم َح امدُ‬
‫َفإِن َاك َم َف ِ‬
‫استِ ْغن َُاؤ ُه َع ِن الن ِ‬
‫ااس»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ال ال ْيلِ‪َ ،‬وع ُّز ُه ْ‬
‫ابن عمر ﭭ بقوله‪ُ « :‬ك ْن فِي الدُّ ْن َيا‬ ‫وتقصـير األمل‪ :‬كما أوِـى رسول اهلل ﷺ َ‬
‫يب‪َ ،‬أ ْو َعابِ ُر َسبِي ُل»‪ ،‬فالموت يأيت فاأة‪ ،‬فكم من الندامات حين نزول‬ ‫ك ََأن َاك َغ ِر ٌ‬
‫السكرات‪.‬‬
‫لعلــي حــين أِــبح لســت أمســـي‬ ‫ومــــــا أدري وإن أ ام ْلـ ُ‬
‫ـــــت عمــــــر ًا‬
‫وعمـــرل فيـــه أقصــــر منـــه أمـــس‬ ‫ألـــــم تـــــر أن كـــــل ِـــــباح يـــــو ُم‬
‫ويتذكر فتنة القبور‪ ،‬وما فيها من نعيم أو جحيم‪ :‬فقد روى الرتمذي‪ :‬أن ُع ْث َم َ‬
‫ان‬
‫ف َع َلى َق ْب ُر َي ْبكِي َحتاى َي ُب ال ل ِ ْح َي َت ُه‪َ ،‬ف ِق َيل َل ُه‪َ :‬ت ْذ ُك ُر ا ْل َانا َة َوالن َاار َو َ‬
‫ال‬ ‫َان إِ َذا َو َق َ‬
‫ﭬك َ‬
‫اآلخ َر ِة‪،‬‬
‫َاز ِل ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ ان ا ْل َق ْب َر َأ او ُل َمن ِ‬ ‫َت ْبكِي‪َ ،‬و َت ْبكِي مِ ْن َه َذا؟ َق َال‪ :‬إِ ان َر ُس َ‬
‫َفإِ ْن َن َاا مِنْ ُه‪َ ،‬ف َما َب ْعدَ ُه َأ ْيسـر مِنْ ُه‪َ ،‬وإِ ْن َل ْم َين ُْج مِنْ ُه‪َ ،‬ف َما َب ْعدَ ُه َأ َشدُّ مِنْ ُه‪َ ،‬و َق َال ﷺ‪َ :‬ما‬
‫ال َوا ْل َق ْب ُر َأ ْف َظ ُع مِنْ ُه»(‪.)2‬‬
‫َر َأ ْي ُت َمنْ َظ ًرا َق ُّط إِ ا‬
‫ويحرص على الزهد يف الدنيا‪ ،‬فإهنا تلهي وتطغي غالبًا‪ ،‬ويحرص على طلب‬
‫اآلخرة ومنازلها والرفعة فيها‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ﴾‪.‬‬
‫َت ِ‬
‫اآلخ َر ُة َه ام ُه‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬من كَان ِ‬ ‫وروى الرتمذي َع ْن َأن ُ‬
‫َس ﭬ َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َ ْ‬

‫(‪ )1‬رواه الحاكم (‪ )360/4‬من حديث سهل بن سعد ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )2306‬وقال‪« :‬حسن غريب»‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)4261‬وأحمد (‪.)454‬‬

‫‪661‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪668‬‬

‫اغمةٌ‪ ،‬ومن كَا َن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ت الدُّ ْن َيا‬ ‫َج َع َل ال الـ ُه غنَا ُه فى َق ْلبِه‪َ ،‬و َج َم َع َل ُه َش ْم َل ُه‪َ ،‬و َأ َت ْت ُه الدُّ ْن َيا َوه َى َر َ َ َ ْ‬
‫ال َما ُقد َر‬ ‫َه ام ُه َج َع َل ال الـ ُه َف ْق َر ُه َب ْي َن َع ْينَ ْي ِه‪َ ،‬و َف ار َق َع َل ْي ِه َش ْم َل َه‪َ ،‬و َل ْم َي ْأتِ ِه مِ َن الدُّ ْن َيا إِ ا‬
‫َل ُه»(‪.)1‬‬
‫ِي)‪ :‬وهو رفع الصوت بالتوجع والتأوه من األلم‪ ،‬وقد روي عن‬ ‫ك َرهُ‪ :‬األَن ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫(وي‬
‫طاوس كراهته‪ ،‬وال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫إن كان على جهة الازع والتسخط َح ُرم؛ لمخالفته الصرب الواجب‪.‬‬
‫وإن كان لغلبة الوجع‪ ،‬أو يشكو لصاحبه مع رضا القلب وِربه جاز مع‬
‫أن النابِ اي ﷺ قال‪َ « :‬ب ْل َأنَا َوا َر ْأ َسا ْه»(‪.)2‬‬ ‫الكراهة لما تقدم‪ ،‬ويف ِحيح البخاري َ‬
‫وهذا إخبار باأللم بال أنين‪.‬‬
‫َْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ َ ِّ َ‬
‫وف ف ِتنة)‪ :‬يكره تمني الموت مهما اشتد به الضـر؛ لقوله‬ ‫وت‪ ،‬إال ِخل ِ‬ ‫(وتمين الم ِ‬
‫ت َف ْل َي ُقلِ‪:‬‬‫ال بدا متَمنيا ل ِ ْلمو ِ‬ ‫ت لِضـر ن ََز َل بِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬ ‫ال َيت ََمنا َي ان َأ َحدٌ مِنْ ُك ُم ا ْل َم ْو َ‬
‫َان َ ُ ُ َ ً َ ْ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬‬
‫َت ا ْل َو َفا ُة َخ ْي ًرا لِي» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫َت ا ْلحيا ُة َخيرا ل ِي‪ ،‬و َتو افنِي إِ َذا كَان ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ًْ‬
‫ال الهم َأحيِنِي ما كَان ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ا ْ‬
‫اس ﭬ وهو يشتكي‪ ،‬فتمناى ع اباس‬ ‫ولما دخل رسول اهلل ﷺ على الع اب ِ‬
‫ت‪َ ،‬فإِن َاك إِ ْن ُكن َْت ُم ْح ِسنًا َفإِ ْن‬ ‫ال َتت ََم ان ا ْل َم ْو َ‬
‫الموت‪ ،‬فقال له رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬يا َعم‪َ ،‬‬
‫َب مِ ْن‬ ‫ِ‬
‫ُت َؤ اخ ْر َت ْز َد ْد إِ ْح َسانًا إ ِ َلى إ ِ ْح َسان َك َخ ْي ٌر َل َك‪َ ،‬وإِ ْن ُكن َْت ُمسـي ًئا َفإِ ْن ُت َؤ اخ ْر َف ُت ْس َت ْعت ْ‬
‫ت»(‪.)4‬‬ ‫إِ َسا َءتِ َك َخ ْي ٌر َل َك‪َ ،‬فالَ َتت ََم ان ا ْل َم ْو َ‬
‫َْ‬ ‫ه َ‬
‫وف ف ِتنة)‪ :‬إذا خشـي الفتنة يف دينه لكثرهتا وعازه عن الثبات أمامها‪،‬‬ ‫(إال ِخل ِ‬
‫اد َل فِ ْتنَ ًة َفا ْقبِ ْضنِى إِ َلي َك َغير م ْف ُت ُ‬ ‫ت بِ ِعب ِ‬
‫ون»(‪.)5‬‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫جاز تمنيه؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬وإِ َذا َأ َر ْد َ َ‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )2465‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وحسنه األلباين يف الصحيحة (‪.)242‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )5666‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)6351‬ومسلم (‪ )2660‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد (‪ ،)26614‬والحاكم وِححه (‪ )462/1‬من حديث أم الفضل ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪ ،)3233‬وأحمد (‪ )3464‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬ورواه الرتمذي (‪ )3235‬من‬
‫حديث معاذ ﭬ‪ ،‬وِححه البخاري والرتمذي‪.‬‬

‫‪666‬‬
‫‪669‬‬ ‫ب اجلَنَائِزِ‬
‫كِتَا ُ‬

‫فإن المسلم إذا عاش سليمًا من الفتن ثم ُقبِ َض قبل وقوعها كان ذلك نااة له‬
‫من الشـر كله‪ ،‬وقد دعا بذلك الصحابة والتابعون والصالحون لما خشوا الفتن‪،‬‬
‫فهذا عمر ﭬ يف آخر حاة حاها رفع رأسه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال ال ُه ام َك ُب َر ِسني‪َ ،‬و َض ُع َف ْت‬
‫أ»‪ .‬فما انسلخ ذو‬ ‫َشـرت ر ِعيتِي‪َ ،‬فا ْقبِ ْضنِي إِ َلي َك َغير مضـي ُع و َال م َفر ُ‬
‫ُق اوتِي‪َ ،‬وا ْنت‬
‫َ ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ا‬
‫الحاة حتّى قتل عمر ﭬ(‪ .)1‬ودعا علي ﭬ ربه أن يريحه حين سئم من رعيته‬
‫ّ‬
‫فقتل عن قريب‪.‬‬
‫ولما ضار عمر بن عبدالعزيز من رعيته‪ ،‬وثقل عليهم قيامه فيهم بالحق طلب‬
‫من رجل معروف بإجابة الدعوة أن يدعو له بالموت‪ ،‬فدعا له ولنفسه فماتا‪.‬‬
‫ودعي طائفة من السلف إلى والية القضاء‪ ،‬فاستمهلوا ثالثة أيام‪ ،‬فدعوا‬
‫ألنفسهم بالموت فماتوا(‪ .)2‬فينبغي للعبد أن يقيد الدعاء بالموت ألنه ال يدري ما‬
‫َت ا ْلحيا ُة َخيرا لِي‪ ،‬و َتو افنِي إِ َذا كَان ِ‬
‫َت‬ ‫يستقبل من أمره‪ ،‬ويقول‪« :‬ال الهم َأحيِنِي ما كَان ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ًْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ا ْ‬
‫ا ْل َو َفا ُة َخ ْي ًرا لِي»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ ُ َ‬
‫يض المسلِ ِم)‪ :‬وفيها أجر عظيم‪ ،‬وكلما كان له حق من علم‬ ‫(وتسن‪ :‬عِيادة الم ِر ِ‬
‫أو دين أو جيرة أو قرابة كان أولى‪ ،‬ويف الصحيحين أن من حق المسلم على أخيه‪:‬‬
‫«أن يعوده إذا مرض»(‪.)3‬‬
‫يضا َل ْم َي َز ْل فِي ُخ ْر َف ِة ا ْل َان ِاة َحتاى‬‫وروى مسلم عن رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َعا َد َم ِر ً‬
‫ير ِجع» قِ َيل‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل َو َما ُخ ْر َف ُة ا ْل َان ِاة؟ َق َال‪َ :‬جن َ‬
‫َاها»(‪.)4‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫وروى الرتمذي عن رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ما مِ ْن ُم ْسلِ ُم َي ُعو ُد ُم ْسلِ ًما ُغدْ َو ًة إِ اال َِ الى‬
‫ك َحتاى ُي ْمسـي‪َ ،‬وإِ ْن َعا َد ُه َعشـي ًة إِ اال َِ الى َع َل ْي ِه َس ْب ُع َ‬
‫ون َأ ْل َ‬
‫ف‬ ‫ف م َل ُ‬ ‫َع َل ْي ِه َس ْب ُع َ‬
‫ون َأ ْل َ َ‬

‫(‪ )1‬رواه الحاكم (‪.)26/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬اختيار األولى يف شـرح حديث اختصام المأل األعلى البن رجب ص (‪.)121‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1240‬ومسلم (‪ )2162‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )2566‬من حديث ثوبان ﭬ‪.‬‬

‫‪662‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪670‬‬

‫الان ِاة»(‪.)1‬‬ ‫َان َله َخ ِر ٌ ِ‬


‫يف في َ‬
‫ُ‬
‫َم َلك َحتاى ُي ْصبِ َح‪َ ،‬وك َ ُ‬
‫والذي له الحق يف الزيارة هو المسلم‪ ،‬وأما الكافر فال حق له فيها‪ ،‬فإن وجدت‬
‫مصلحة كدعوته وتأليفه لإلسالم‪ ،‬أو كان قريبًا ُ‬
‫كأ نم وأخُ ‪ ،‬فتشـرع زيارته‪ ،‬كما فعل‬
‫رسول اهلل ﷺ مع عمه أبي طالب(‪ ،)2‬ومع الغالم اليهودي(‪.)3‬‬
‫ووقت الزيارة ومدة المقام عند المريض ال تحدد بزمن معين‪ ،‬وإنما يرجع إلى‬
‫حال المريض والزائر‪ ،‬وال يطيل عند المريض‪ ،‬إال إن رغب المريض‪ ،‬وإليه ذهب‬
‫ابن القيم وابن مفلح‪.‬‬
‫ثم ذكر المؤلف بعض ما يشـرع عند حضور المحتضـر‪:‬‬
‫َ ه ه َ ً‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُُ‬
‫(وتل ِقينه عِند موت ِه‪« :‬ال إهلَ إال اَّلل» م هرة)‪ :‬يسن تلقين المحتضـر الشهادة‬
‫ال إِ َل َه إِ ا‬
‫ال ال ّلـَ ُه» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫لتكون آخر كالمه من الدنيا؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬لقنُوا َم ْو َتا ُك ْم َ‬
‫اهلل َد َخ َل ا ْل َانا َة»(‪.)5‬‬ ‫ال ُ‬ ‫آخ ُر َكالَمِ ِه َ‬
‫ال إِ َل َه إِ ا‬ ‫َان ِ‬
‫ولقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن ك َ‬
‫وهل يلقنه بلفظ األمر‪ ،‬أم يقولها عند رأسه تذكير ًا؟ هذا راجع لحال المريض‪.‬‬
‫فإن كان كافر ًا‪ :‬فيأمره‪ ،‬كما فعل رسول اهلل ﷺ حين َق َال ألَبِي َطال ِ ُ‬
‫ب‪َ « :‬يا َعم‬
‫اهلل كَلِ َم ًة َأ ْش َهدُ َل َك ب ِ َها ِعنْدَ اهللِ» [متفق عليه]‪.‬‬
‫ال ُ‬ ‫ال إ ِ َل َه إِ ا‬
‫ُق ْل‪َ :‬‬
‫وإن كان مسلمًا‪ :‬فتكرارها عنده ليذكره هبا يكفي؛ ألن المقصود تذكيره ليختم‬
‫هبا الحياة‪ ،‬وله أمر ُه بذلك وإخباره بالفضل‪ ،‬كما قال رسول ﷺ حين دخل على‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)262‬وأبو داود (‪ ،)3022‬وأحمد (‪ )612‬من حديث علي ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا‬
‫حديث حسن غريب‪ ،‬وقد روي عن علي هذا الحديث من غير وجه‪ ،‬منهم من وقفه ولم يرفعه»‪ ،‬وِححه‬
‫األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)1361‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1360‬ومسلم (‪ )24‬من حديث سعيد بن المسـيب‪ ،‬عن أبيه ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )1356‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )216‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)3116‬وأحمد(‪ ،)22034‬والحاكم‪ 503/1‬من حديث معاذ ﭬ‪ .‬وِححه ابن الملقن‬
‫يف البدر المنير (‪ ،)162/5‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)661‬‬

‫‪610‬‬
‫‪671‬‬ ‫ب اجلَنَائِزِ‬
‫كِتَا ُ‬

‫اهلل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ َو َخ ٌال َأنَا‬


‫ال ُ‬ ‫ال إِ َل َه إِ ا‬
‫رج ُل من بني الن ّّاار يعوده‪ ،‬فقال له‪َ « :‬يا َخ ُال‪ُ ،‬ق ْل‪َ :‬‬
‫ال ُه َو‪َ ،‬ق َال‪َ :‬خ ْي ٌر لِي؟ َق َال‪:‬‬ ‫ال إِ َل َه إِ ا‬ ‫َأ ْو َع ٌّم؟ َف َق َال النابِي ﷺ‪َ :‬‬
‫ال َب ْل َخ ٌال‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪ُ :‬ق ْل‪َ :‬‬
‫ُّ‬
‫َن َع ْم»(‪ .)1‬وترل التلقين تقصـير يف حقه يف وقت هو بأمس الحاجة إلى هذه الكلمة‬
‫فليتنبه لهذا‪.‬‬
‫َ َ َه‬ ‫َ ْ ه‬
‫(ولم ي ِزد إال أن يتلكم)‪ :‬إذا قالها المحتضـر فال يكررها عليه لئال يضار؛ ألن‬
‫المقصود حصل‪ ،‬إال إن تكلم المحتضـر بعدها بغيرها‪ ،‬فيذكره هبا ليختم هبا حياته‪،‬‬
‫نسأل اهلل حسن الختام‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬واألمر هبذا التلقين أمر ندب‪ ،‬وأجمع العلماء على هذا التلقين‪،‬‬
‫وكرهوا اإلكثار عليه والمـواالة لئال يضار بضـيق حاله وشدة كربه‪ ،‬فيكره ذلك‬
‫بقلبه‪ ،‬ويتكلم بما ال يليق‪ ،‬وإذا قاله مرة ال يكرر عليه إال أن يتكلم بعده بكال ُم آخر‪،‬‬
‫فيعاد التعريض به ليكون آخر كالمه»(‪.)2‬‬
‫َ َُ‬
‫الفاحتَة»‪ ،‬و «يس»)‪ :‬أي يستاب قراءة يس والفاتحة عند المحتضـر؛‬ ‫اءة « ِ‬ ‫(وق ِر‬
‫م يس» [أخرجه أبوداود‪ ،‬وضعفه الدارقطني‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وابن‬ ‫لحديث‪« :‬ا ْق َر ُءوا َع َلى َم ْو َتا ُك ْ‬
‫حار](‪ .)3‬قال أحمد‪« :‬ويقرءون عند المبيت إذا حضر ليخفف عنه باقرآن»‪.‬‬
‫ولم يصح فيها حديث‪ ،‬وإنما جاءت السنة من قولـه وفعله األمر بقول‪( :‬ال إله‬
‫إال اهلل) فقط‪ ،‬ولم يصح عنه سواها مع حضوره المحتضـرين‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أحمد (‪ ،)12543‬والبزار (‪ )352/13‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف أحكام الانائز‬
‫ص (‪.)11‬‬
‫(‪ )2‬شـرح مسلم للنووي (‪.)321/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)3121‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)10646‬وابن ماجه (‪ )1446‬من حديث معقل بن يسار‬
‫ﭬ‪ .‬قال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪« :)245/2‬أعله ابن القطان باالضطراب‪ ،‬وبالوقف‪ ،‬وباهالة‬
‫حال أبي عثمان وأبيه‪ ،‬ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال‪ :‬هذا حديث ضعيف اإلسناد‪ ،‬ماهول‬
‫المتن‪ ،‬وال يصح يف الباب حديث»‪ ،‬وقال ابن القيم‪« :‬هو حديث مضطرب معلول‪ ،‬ماهول السند‪ ،‬ال تقوم‬
‫به حاة»‪ ،‬وضعفه األلباين يف ضعيف أبي داود (‪ .)552‬وانظر‪ :‬أحكام الانائز ص (‪ ،)20‬تصحيح الدعاء‬
‫ص (‪.)425‬‬

‫‪611‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪672‬‬
‫ه ََ َ َ‬ ‫َ َ ََ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ‬
‫هره ِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫وإال‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫اك‬ ‫الم‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫يم‬ ‫األ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ن‬ ‫ج‬ ‫ىلع‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ة‬ ‫بل‬‫ق‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫إىل‬ ‫ه‬‫جيه‬
‫(وتو ِ‬
‫ُ َ َْ‬ ‫َ َ َ ُ ه َ‬
‫فإذا مات‪ ،‬سن‪ :‬تغ ِميض عيني ِه)‪ :‬أي ويستحب لمن حضـر المحتضـر أن يوجهه‬
‫للقبلة إن أمكن‪.‬‬
‫لعموم قوله ﷺ عن البيت الحرام‪« :‬قبلتكم أحيا ًء وأمواتًا»(‪.)1‬‬
‫ولم يرد يف هذا سنة خاِة‪ ،‬والذي يظهر من عمل رسول اهلل ﷺ والصحابة‬
‫ﭫ أهنم لم يتقصدوا توجيه المحتضـر إلى القبلة‪ ،‬فرسول اهلل ﷺ لما مات عند‬
‫عائشة ڤ لم يذكر أهنا وجهته‪ ،‬ولما حضـر رسول اهلل ﷺ وفاة أبي سلمة ﭬ‬
‫وغيره لم ينقل أنه وجههم‪ ،‬وما استدل به على االستحباب ليس ِـريحًا على‬
‫التوجيه حال االحتضار‪ ،‬بل األقرب أن المراد عند الدفن‪ ،‬وبعضها ال يخلو من‬
‫مقال‪ ،‬وقد أخذ هبا بعض السلف‪ ،‬وبعضهم لم يأخذ هبا‪ ،‬منهم‪ :‬ابن المسـيب‪ ،‬فإن‬
‫فعل فال بأس‪ ،‬وإن ترل فال بأس‪ ،‬وال يؤذ المحتضـر بكثرة تحريكه‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ُ‬
‫ول اَّلل»)‪ :‬وقول هذه العبارة ثابتة عند‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ــا‬ ‫ف‬‫و‬ ‫وىلع‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫سم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫ول‬ ‫(وق‬
‫الدفن‪ ،‬وأما عند المحتضـر فلم ترد عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وإنما وردت عن بكر بن‬
‫ول اهللِ ﷺ»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اة رس ِ‬ ‫ِ‬
‫عبداهلل َق َال ْ‪« :‬إِ َذا َغ ام ْض َت ا ْل َمي َت َف ُق ْل‪ :‬بِ ْس ِم اهلل َو َع َلى َو َف َ ُ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫(وال بأس‪ :‬بِتقبيلِ ِه‪ ،‬وانلهظ ِر إيل ِه‪ ،‬ولو بعد تك ِفينِ ِه)‪ :‬ويف البخاري عن عائشة‬
‫وابن عباس ﭫ‪« :‬أن أبا بكر ﭬ ق ابل رسول اهلل ﷺ بعد موته»(‪ ،)2‬وقالت عائشة‬
‫ڤ‪« :‬ق ابل رسول اهلل ﷺ عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسـيل‬
‫على وجهه» [رواه الرتمذي وِححه](‪.)3‬‬
‫ويسن اإلسـراع يف تاهيز الميت‪ ،‬وغسله‪ ،‬وتكفينه‪ ،‬والصالة عليه‪ ،‬ودفنه‪:‬‬
‫ان ََاز ِة‪َ ،‬فإِ ْن َت ُك َِال ِ َح ًة َف َخ ْي ٌر ُت َقد ُمون ََها‪َ ،‬وإِ ْن َي ُك ِس َوى َذل ِ َك‪،‬‬
‫لقوله ﷺ‪َ « :‬أسـر ُعوا بِا ْل ِ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)2615‬والحاكم (‪ )121 /1‬من حديث عبيد بن عمير‪ ،‬عن أبيه ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )4455‬من حديث عائشة وابن عباس ﭫ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي (‪ ،)262‬وأبو داود (‪ ،)3163‬وابن ماجه (‪ ،)1456‬وأحمد (‪ )24165‬من حديث عائشة‬
‫ڤ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫‪673‬‬ ‫ب اجلَنَائِزِ‬
‫كِتَا ُ‬

‫َفشـر َت َض ُعو َن ُه َع ْن ِر َقابِ ُك ْم» [متفق عليه](‪ .)1‬قال اإلمام أحمد‪« :‬كرامة الميت تعايله»‪،‬‬
‫وال حرج أن ينتظر به مقدار ما ياتمع له جماعة‪ ،‬كما فعل ابن عباس ﭭ حين‬
‫مات ولده ب ُع ْس َفان(‪ ،)2‬بشـرأ أن ال يشق على الناس‪ ،‬وال يخاف عليه التعفن‪ ،‬وال‬
‫تطول المدة(‪.)3‬‬
‫ويسن المبادرة يف قضاء َد ْينِه‪ :‬لقوله ﷺ‪َ « :‬ن ْف ُس َا ْلمـُ ْؤمِ ِن ُم َع ال َق ٌة بِدَ ْين ِ ِه‪َ ،‬حتاى‬
‫ِ‬
‫ب لورثته أو‬ ‫ُي ْقضـى َعنْ ُه» [رواه الرتمذي وحسنه] ‪ ،‬فإن تعذر إيفاء دينه يف الحال اس ُتح ا‬
‫(‪)4‬‬

‫غيرهم أن يتكفلوا به عنه‪ ،‬كما فعل أبو قتادة ﭬ‪« :‬حين قال للرسول ﷺ لما امتنع‬
‫ول اهللِ َو َع َل اي َد ْينُ ُه‪،‬‬
‫عن الصالة على من عليه دين ولم يرتل وفا ًء‪َِ :‬ل َع َل ْي ِه َيا َر ُس َ‬
‫َف َص الى َع َل ْي ِه» [رواه البخاري](‪.)5‬‬
‫فائدة‪ :‬إذا خرجت روح الميت‪ ،‬فعلى الحاضـرين أن يعملوا ما يلي‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يغمضوا عينيه ويدعو له؛ لما روى مسلم عن أم سلمة ڤ قالت‪:‬‬
‫وح إِ َذا‬ ‫«د َخ َل رس ُ ِ‬
‫ول َاهلل ﷺ َع َلى َأبِي َس َل َم َة َو َقدْ ُش اق َبصـر ُه َف َأ ْغ َم َض ُه‪ُ ،‬ث ام َق َال‪ :‬إِ ان َا ُّلر َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ُقبِ َض ا ات َب َع ُه ا ْل َبصـر‪ُ ،‬ث ام َق َال‪َ :‬ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر ِألَبِي َس َل َمةَ‪َ ،‬و ْار َف ْع َد َر َج َت ُه فِي َا ْل َم ْه ِديي َن‪،‬‬
‫اخ ُل ْف ُه فِي َع ِقبِ ِه»(‪.)6‬‬
‫يه‪َ ،‬و ْ‬ ‫وا ْف ِسح َله فِي َقب ِر ِه‪ ،‬ونَور َله فِ ِ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫الثاين‪ :‬أن يغطوه بثوب يسرت جميع بدنه؛ لما يف الصحيحين أن رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«حين تويف ساي بربد حربة»(‪ ،)7‬أما من مات محرمًا فال يغطى رأسه‪ ،‬ويغطى ما‬
‫سواه؛ لقوله ﷺ يف شأن الذي وقصته راحلته فمات وهو محرم‪« :‬وال تخمروا‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1315‬ومسلم (‪ )244‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)246‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)361/3‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)1012‬وابن ماجه (‪ )2413‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وِححه‬
‫النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)230/2‬واأللباين يف ِحيح الاامع (‪.)6112‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ )2262‬من حديث سلمة بن األكوع ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )220‬من حديث أم سلمة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)5614‬ومسلم (‪ )242‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪613‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪674‬‬

‫رأسه» [رواه البخاري](‪.)1‬‬


‫ان ََاز ِة‪َ ،‬فإِ ْن َت ُك َِال ِ َح ًة‬
‫الثالث‪ :‬أن يعالوا بتاهيزه؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬أسـر ُعوا بِا ْل ِ‬
‫َف َخ ْي ٌر ُت َقد ُمون ََها‪َ ،‬وإِ ْن َي ُك ِس َوى َذل ِ َك‪َ ،‬فشـر َت َض ُعو َن ُه َع ْن ِر َقابِ ُك ْم» [متفق عليه]‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يدفن يف البلد الذي مات فيه‪ ،‬ونقله عن البلد بال مصلحة خالف‬
‫السنة؛ لما روى أبو داود‪ ،‬وِححه الرتمذي َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال‪ُ « :‬كناا َح َم ْلنَا ا ْل َق ْت َلى‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْأ ُم ُر ُك ْم َأ ْن َتدْ فِنُوا‬‫َادي النابِي ﷺ َف َق َال‪ :‬إِ ان َر ُس َ‬ ‫يوم ُأح ُد لِنَدْ فِنَهم‪َ ،‬فااء من ِ‬
‫ُ ْ َ َ ُ‬ ‫َْ َ ُ‬
‫َاه ْم»(‪ ،)2‬وروى البيهقي أن عائشة ڤ مات أخ لها‬ ‫اج ِع ِه ْم‪َ ،‬ف َر َد ْدن ُ‬
‫ا ْل َق ْت َلى فِي م َض ِ‬
‫َ‬
‫بوادي الحبشة فحمل من مكانه‪ ،‬فأتيناها نعزيها‪ ،‬فقالت‪َ « :‬ما َأ ِجدُ فِي َن ْفسـي‪َ ،‬أ ْو‬
‫ان ُدفِ َن فِي َم َكان ِ ِه»(‪.)3‬‬ ‫َي ْح ُز ُننِي فِي َن ْفسـي إِ اال َأني َو ِد ْد ُ‬
‫ت َأ ان ُه َك َ‬
‫الخامس‪ :‬أن يبادروا لقضاء دينه‪ ،‬على ما ذكرناه قبل‪.‬‬
‫السادس‪ :‬الواجب الصرب عند الموت‪ ،‬وعدم الازع والنياحة‪ ،‬ويكثروا من‬
‫ف لِي َخ ْي ًرا مِن َْها)‪.‬‬‫قول‪( :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬الل ُه ام ْأ ُج ْرنِي فِي ُمصـي َبتِي‪َ ،‬و َأ ْخلِ ْ‬
‫ويف ِحيح مسلم عن أم سلمة ڤ قالت‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪َ « :‬ما‬
‫اهلل‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)‪ ،‬الل ُه ام ْأ ُج ْرنِي‬ ‫ول َما َأ َم َر ُه ُ‬ ‫مِ ْن ُم ْسلِ ُم ُتصي ُب ُه ُمصي َبةٌ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ات‬‫اهلل َل ُه َخ ْي ًرا مِن َْها‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬ف َل اما َم َ‬
‫ف ُ‬ ‫ف لِي َخ ْي ًرا مِن َْها‪ ،‬إِ اال َأ ْخ َل َ‬ ‫فِي ُمصي َبتِي‪َ ،‬و َأ ْخلِ ْ‬
‫ول اهللِ‬
‫اجر إ ِ َلى رس ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ ُ‬ ‫ت‪َ :‬أ ُّي ا ْل ُم ْسلمي َن َخ ْي ٌر م ْن َأبِي َس َل َمةَ؟ َأ او ُل َب ْيت َه َ َ‬ ‫َأ ُبو َس َل َمةَ‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ»(‪.)4‬‬ ‫اهلل لِي َر ُس َ‬‫ف ُ‬ ‫ﷺ ُث ام إِني ُق ْل ُت َها‪َ ،‬ف َأ ْخ َل َ‬
‫وال حرج بالبكاء من غير نوح وال جزع‪ ،‬وقد ثبت عن رسول اهلل ﷺ البكاء يف‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)33‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3165‬والرتمذي (‪ ،)1111‬وأحمد (‪ .)14162‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن‬
‫ِحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البيهقي (‪ ،)24/4‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪ .)64/3‬وِححه األلباين يف أحكام الانائز ص‬
‫(‪.)14‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )216‬من حديث أم سلمة ڤ‪.‬‬

‫‪614‬‬
‫‪675‬‬ ‫ب اجلَنَائِزِ‬
‫كِتَا ُ‬

‫ال َن ُق ُ‬
‫ول‬ ‫ب َي ْح َز ُن‪َ ،‬و َ‬‫مواضع‪ :‬ففي موت إبراهيم بكى وقال‪« :‬إِ ان ال َع ْي َن َتدْ َم ُع‪َ ،‬وال َق ْل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون» [رواه البخاري](‪.)1‬‬ ‫يم َل َم ْح ُزو ُن َ‬‫إِ اال َما َي ْرضـى َر ُّبنَا‪َ ،‬وإِناا بِف َراق َك َيا إِ ْب َراه ُ‬
‫ولما اشتكى سعد بن عبادة ف شكوى له‪ ،‬فأتاه النبي ﷺ يعوده‪ ،‬وبكى النبي‬
‫ال ُي َعذ ُب بِدَ ْم ِع‬ ‫ون إِ ان َ‬
‫اهلل َ‬ ‫ال َت ْس َم ُع َ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فلما رأى القوم بكاء النبي ﷺ بكوا‪ ،‬فقال‪َ « :‬أ َ‬
‫ب‪َ ،‬و َلكِ ْن ُي َعذ ُب بِ َه َذا ‪َ -‬و َأ َش َار إ ِ َلى ل ِ َسان ِ ِه‪َ -‬أ ْو َي ْر َح ُم» (‪.)2‬‬
‫ال بِ ُح ْز ِن ال َق ْل ِ‬
‫ال َع ْي ِن‪َ ،‬و َ‬
‫السابع‪ :‬ياوز اإلعالم بالوفاة إذا لم يقرن هبا ما يشبه نعي الااهلية «كما َن َعى‬
‫ات فِ ِ‬
‫يه‪َ ،‬ف َخ َر َج بِ ِه ْم إِ َلى ا ْلمـُ َص الى‪َ ،‬و َك اب َر‬ ‫س الن َاااشـي فِي ا ْل َي ْو ِم ا ال ِذي َم َ‬‫النبي ﷺ لِلناا ِ‬
‫َأربع َت ْكبِير ُ‬
‫ات» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬
‫وجعفرا‪ ،‬وابن رواحة ﭫ للناس قبل أن يأتيهم خربهم(‪.)4‬‬‫ً‬ ‫ونعى زيدً ا‪،‬‬
‫فالنعي ليس ممنوعًا كله‪ ،‬وإنما هني عما كان أهل الااهلية يصنعونه‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬ويستحب طلب الدعاء‪ ،‬واالستغفار للميت عند اإلخبار به‪ ،‬ولما َن َعى‬
‫اس َت ْغ ِف ُروا ِألَ ِخي ُك ْم» [متفق عليه](‪.)5‬‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ الن َاااشـي َق َال‪ْ « :‬‬ ‫َ ُ‬
‫ولحسن الخاتمة عالمات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫النطق بالشهادة عند الموت‪ :‬لقوله ﷺ‪« :‬من ك َ ِ‬
‫َان آخ ُر ك ََالمه َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫اهلل َد َخ َل‬ ‫َ ْ‬
‫ا ْل َانا َة» [رواه أبوداود](‪.)6‬‬
‫ين» [رواه الرتمذي‬ ‫الابِ ِ‬ ‫الم ْؤمِ ُن َي ُم ُ‬
‫وت ب ِ َع َر ِق َ‬ ‫والموت برشح الابين‪ :‬لقوله ﷺ‪ُ « :‬‬
‫وحسنه](‪ .)7‬لشدة الموت‪ ،‬فيشتد الموت على المؤمن بحيث يعرق جبينه من الشدة؛‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )1303‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1304‬ومسلم (‪ )224‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1333‬ومسلم (‪ )251‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )3151‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬فتح الباري (‪.)116/3‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1321‬ومسلم (‪ )251‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)600‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)262‬والنسائي (‪ ،)1626‬وابن ماجه (‪ )1452‬من حديث بريدة ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪.‬‬

‫‪615‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪676‬‬

‫لتمحيص ذنوبه‪ ،‬ولتزيد درجته‪ ،‬وهو عالمة الخير عند الموت‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬يعرق جبينه حيا ًء من اهلل؛ ألن المؤمن إذا جاءته البشـرى مع ما كان قد‬
‫خال واستحى من اهلل تعالى‪ ،‬فعرق لذلك‬ ‫ٌ‬ ‫اقرتف من الذنوب حصل له بذلك‬
‫جبينه(‪.)1‬‬
‫والموت ليلة الامعة وهنارها‪ :‬لما روى الرتمذي بسند منقطع أن رسول اهلل‬
‫اهلل فِ ْتنَ َة ال َق ْب ِر»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الا ُم َعة إِ اال َو َقا ُه ُ‬
‫ِ‬
‫الا ُم َعة َأ ْو َل ْي َل َة ُ‬ ‫ﷺ قال‪َ « :‬ما مِ ْن ُم ْسلِ ُم َي ُم ُ‬
‫وت َي ْو َم ُ‬
‫واالستشهاد يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫وكذا الموت يف الطاعون‪ ،‬أو الغرق‪ ،‬أو الحرق‪ ،‬أو الهدم‪ ،‬أو المرأة تموت يف‬
‫نفاسها‪ ،‬أو يف الدفاع عن نفسه‪ ،‬أو عرضه‪ ،‬أو أهله‪ ،‬أو ماله‪ :‬واألحاديث فيه‬
‫كثيرة(‪.)3‬‬
‫اأ َي ْو ُم َو َل ْي َل ُة َخ ْي ٌر مِ ْن ِـيا ِم َش ْه ُر‬
‫والموت يف الرباأ يف سبيل اهلل‪ :‬لقوله ﷺ‪ِ « :‬ر َب ُ‬
‫َان َي ْع َم ُل ُه‪َ ،‬و ُأ ْج ِر َي َع َل ْي ِه ِر ْز ُق ُه‪َ ،‬و َأمِ َن‬
‫ات َج َرى َع َل ْي ِه َع َم ُل ُه ا ال ِذي ك َ‬
‫َوقِ َيامِ ِه‪َ ،‬وإِ ْن َم َ‬
‫ا ْل َفت َ‬
‫اان» [رواه مسلم](‪.)4‬‬
‫والموت على عمل ِالح‪ ،‬كأن يموت وهو يصلي‪ ،‬أو ِائم‪ ،‬أو يقرأ القرآن‪:‬‬
‫اهلل ا ْبتِ َغا َء َو ْج ِه اهللِ ُختِ َم َل ُه بِ َها َد َخ َل ا ْل َاناةَ‪َ ،‬و َم ْن َِا َم‬
‫لقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َق َال َال إِ َل َه إِ اال ُ‬
‫َي ْو ًما ا ْبتِ َغا َء َو ْج ِه اهللِ ُختِ َم َل ُه بِ َها َد َخ َل ا ْل َاناةَ‪َ ،‬و َم ْن َت َصدا َق بِ َصدَ َق ُة ا ْبتِ َغا َء َو ْج ِه اهللِ ُختِ َم‬
‫َل ُه بِ َها َد َخ َل ا ْل َانا َة»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬تحفة األحوذي (‪.)36/3‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)1014‬وأحمد (‪ )6562‬من حديث ابن عمرو ﭭ‪ .‬وأع ّله الرتمذي باالنقطاع‪ ،‬وضعفه‬
‫ابن حار يف الفتح (‪.)253/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)2622‬ومسلم (‪ )1214‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )1213‬من حديث سلمان ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد (‪ )23324‬من حديث حذيفة ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف أحكام الانائز ص (‪.)43‬‬

‫‪616‬‬
‫‪677‬‬ ‫ل امليتِ‬
‫ل يف غَس ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬ ‫‪F‬‬


‫(يف غَس ِل امليتِ)‬

‫َ ُ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ِّ‬ ‫ُ‬
‫ت‪ :‬ف ْرض ك ِفاية‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وغسل المي ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ هُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫س ِل‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والعقل‪،‬‬ ‫ورشط‪ :‬يف الماءِ‪ :‬الطهورية‪ ،‬واإلباحة‪ .‬ويف الغا َِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُّ ُ َ ْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ٌ َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫واتلميِزي‪ .‬واألفضل‪ :‬ث ِقة‪ ،‬اع ِرف بأحاك ِم الغس ِل‪ .‬واألوىل ب ِ ِه‪ :‬و ِصيه العدل‪.‬‬
‫َ ً َ ُ َ ِّ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ُ ُ ً ُ ه َ ُ ُّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫خ ْرقة فينجي ِه بِها‪.‬‬ ‫َّت عورته ُوجوبا‪ .‬ثم يلف ىلع ي ِده ِ ِ‬ ‫رشع يف غسلِ ِه‪ :‬س‬ ‫وإذا‬
‫ََ َ‬ ‫َ ُ َ ْ ُ‬
‫وَيب‪ :‬غسل ما ب ِ ِه مِن َناسة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َ ََ ه َْ‬ ‫َ ُ ه ْ ََ ه‬ ‫َ ُ ُ َ ُّ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ‬
‫وَيرم‪ :‬مس عورة ِ من بلغ سبع ِسنِي‪ .‬وسن‪ :‬أن ال يمس سائ َِر بدن ِه إال ِِبِرقة‪.‬‬
‫َْ َ ْ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ََُ‬ ‫ْ ُ َ ِّ َ َ َ َ‬ ‫ه ُ‬
‫جها‪،‬‬ ‫ون سبع‪ .‬وللمرأة ِ‪ :‬غسل زو ِ‬ ‫وللرجل‪ :‬أن يغسل زوجته‪ ،‬وأمته‪ ،‬وبِنت د ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫ون سبع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وابن د‬ ‫ِ‬ ‫وسي ِدها‪،‬‬
‫ُْ ُ‬ ‫ََ َ َ ْ‬ ‫َ ُ ُ َ ُّ َ ُ ْ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ‬
‫خل‬ ‫كن‪ :‬ال يد ِ‬ ‫َيب‪ ،‬ويسن‪ :‬كغس ِل اجلنابةِ‪ .‬ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِيما‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫الم‬ ‫ل‬ ‫وحكم غ َ ِ‬
‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خرقة مبلولة‪ ،‬فيمسح بها أسنانه‪ ،‬ومن ِخ َري ِه‪.‬‬ ‫اء يف ف ِم ِه وأن ِف ِه‪ ،‬بل يأخذ ِ‬ ‫الم َ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ْ َ َْ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ك َرهُ‪ :‬االقت َص ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫ار يف غسلِ ِه ىلع م هرة‪ ،‬إن لم َي ُرج مِنه َش ٌء‪ .‬فإن خ َرج‪َ :‬وج َب‬ ‫ِ‬ ‫وي‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َُ َ ْ‬
‫مسك‪:‬‬ ‫إاعدة الغس ِل إىل سبع‪ .‬فإن خرج بعد ُها‪ :‬ح َِش بِقطن‪ ،‬فإن لم يست ِ‬
‫ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ ٍّ ُ ه َ ُ َ َ ه ُ ه‬ ‫َ‬
‫غسل المحل‪ ،‬وي َوضأ ُوجوبا‪ ،‬وال غسل‪ .‬وإن خرج بعد‬ ‫فبِ ِطي حر‪ ،‬ثم ي ِ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫َ َُ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وء‪ ،‬وال الغسل)‪.‬‬ ‫تك ِفينِه‪ :‬لم يع ِد الو‬
‫وِفته‪ ،‬ومن الذي ُي ْغ َسل‪ ،‬ومن الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الميت‬ ‫عقد هذا الفصل لبيان حكم َغس ِل‬
‫ال ُي ْغ َسل من األموات‪ ،‬وما ُيشرتأ وما ُيسن يف الغاسل‪.‬‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ِّ‬
‫ت‪ :‬ف ْرض ك ِفاية)‪ :‬ياب على المسلمين غسل أمواهتم‪ ،‬باإلجماع‬ ‫(وغسل المي ِ‬
‫كما نقله ابن المنذر‪ ،‬وابن حزم(‪ ،)1‬وهدي المسلمين منذ عهد الرسول ﷺ إلى‬
‫يومنا هذا‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلجماع البن المنذر ص (‪ ،)44‬ومراتب اإلجماع البن حزم ص (‪.)34‬‬

‫‪611‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪678‬‬

‫اء َو ِسدْ ُر‪،‬‬ ‫وقد أمر رسول اهلل ﷺ بغسل الذي وقصته راحلته‪ ،‬فقال‪« :‬ا ْغ ِس ُلوه بِم ُ‬
‫ُ َ‬
‫َوكَفنُو ُه فِي َث ْو َب ْي ِن» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫وقال حين توفيت ابنته‪« :‬ا ْغ ِس ْلن ََها َثالَ ًثا‪َ ،‬أ ْو َخ ْم ًسا‪َ ،‬أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك إِ ْن َر َأ ْي ُت ان‬
‫ورا َأ ْو شـي ًئا م ِ ْن كَا ُف ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ور» [متفق عليه](‪.)2‬‬ ‫اج َع ْل َن في اآلخ َرة كَا ُف ً‬ ‫َذل َك‪ ،‬بِ َماء َوسدْ ُر‪َ ،‬و ْ‬
‫ول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬م ْن‬ ‫وقد جاء يف فضل تغسـيل الميت والقيام عليه‪ :‬أن َر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س‬ ‫السنْدُ ِ‬‫اهلل م َن ُّ‬ ‫َغ اس َل َميتًا َف َكت ََم َع َل ْيه ُغف َر َل ُه َأ ْر َبعي َن َم ارةً‪َ ،‬و َم ْن َك اف َن َميتًا ك ََسا ُه ُ‬
‫يه ُأ ْج ِر َي َل ُه مِ َن ْاألَ ْج ِر ك ََأ ْج ِر َم ْس َك ُن‬
‫ت َقبرا َف َأجناه فِ ِ‬
‫ًْ َ ُ‬
‫وإِس َتبر ِق ا ْلان ِاة‪ ،‬ومن ح َفر لِمي ُ‬
‫َ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ُأ ْسكِنَ ُه إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َيا َم ِة»(‪.)3‬‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ هُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ورشط‪ :‬يف الماءِ‪ :‬الطهورية‪ ،‬واإلباحة)‪ :‬يشرتأ لتغسـيل الميت كون الماء‬ ‫( ِ‬
‫طاهرا؛ ألن الناس ال يطهر‪.‬‬ ‫ً‬
‫ويشرتأ اإلباحة؛ فالمغصوب والمسـروق ال يحل استعماله‪ ،‬فلو غسل به لم‬
‫يصح على المذهب‪ ،‬وتقدم الخالف يف باب المياه‪.‬‬
‫واألقرب‪ِ :‬حته مع اإلثم‪ ،‬وأما الناس فال ياز ‪.‬‬
‫زي)‪ :‬ألن تغسـيله عبادة‪ ،‬وهذه شـروأ‬‫والع ْق ُل‪ ،‬واتلهمي ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫(ويف الغا ِس ِل‪ :‬اإلسالم‪،‬‬
‫ِ‬
‫يف ِحة كل عبادة‪ ،‬إال إن لم يوجد غيرهم‪ ،‬فياز تغسـيل الكافر للمسلم‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ٌ َ ٌ‬
‫(واألفضل‪ :‬ث ِقة‪ ،‬اع ِرف بأحاك ِم الغس ِل)‪ :‬ليقوم بالواجب من غير إخالل ويسرت‬
‫ما يحتاج إلى سرت ويكون عار ًفا بأحكام التغسـيل وطريقته‪ ،‬وثقة مأمونًا حتى ال‬
‫يخل بتغسـيله‪ ،‬ويسرت ما ياب سرته؛ ألن الميت ستنكشف عورته فالبد أن يكون‬
‫المغسل أمينًا‪ ،‬والبن ماجه مرفوعًا‪« :‬ل ِ َي ْغ ِس ْل َم ْو َتا ُك ُم ا ْل َم ْأ ُمو ُن َ‬
‫ون» [أخرجه الحاكم‪ ،‬وفيه‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)33‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1253‬ومسلم (‪ )232‬من حديث أم عطية ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الحاكم (‪ )505/1‬من حديث أبي رافعت‪ .‬وِححه الحاكم‪ ،‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪،)62‬‬
‫وقال ابن حار يف الدراية (‪« :)230/1‬إِ ْسنَاده قوي»‪.‬‬

‫‪616‬‬
‫‪679‬‬ ‫ل امليتِ‬
‫ل يف غَس ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ضعف](‪ ،)1‬أي من تأتمنوهم على الغسل وعلى إخفاء ما ال يليق إظهاره للناس من‬
‫حال الميت‪.‬‬
‫َ ُّ ُ َ ْ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫(واألوىل ب ِ ِه‪ :‬و ِصيه العدل)‪ :‬عند المشاحة والتنازع نقدم من أوِـى الميت أن‬
‫س؛ ا ْم َر َأ ُت ُه‪َ ،‬ف ُقدمت»(‪.)2‬‬ ‫يغسله‪ ،‬وأبو بكر ﭬ‪َ « :‬أ ْوِـى َأ ْن ُت َغس َل ُه َأ ْس َما ُء بِن ُْت ُع َم ْي ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ‬
‫وروى البيهقي عن أسماء بنت عميس ڤ‪َ « :‬أ ان َفاطِم َة بِن َْت رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َأ ْو َِت َْها َأ ْن ُت َغس َل َها إِ َذا َما َت ْت ِه َي‪َ ،‬و َعلِ ٌّي‪َ ،‬ف َغ اس َلت َْها ِه َي َو َعلِ ٌّي ﭫ» ‪ ،‬فإن لم يوجد‬
‫(‪)3‬‬

‫فاألِول كاألب‪ ،‬ثم الفروع كاألبناء‪ ،‬ثم الحواشـي كاإلخوة واألعمام‪ ،‬ثم ذوي‬
‫األرحام‪.‬‬
‫ثم بين طريقة تغسـيل الميت‪ ،‬وما يفعل المغسل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ ََ َ ََُ ُ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ورته ُوجوبا)‪ :‬يارد الميت من مالبسه‪ ،‬وتسرت‬ ‫رشع يف غسلِ ِه‪ :‬سَّت ع‬ ‫(وإذا‬
‫عورته المغلظة وجوبًا بوضع ساتر عليها‪.‬‬
‫رجال ُسرت من السـرة إلى الركبة؛ ألن حرمته ميتًا كحرمته ح ًيا‪،‬‬ ‫فإن كان الميت ً‬
‫ُ‬
‫حي َو َال َميت» [رواه‬
‫َ ُ ِ َ ِ َ َ َ َ ُ ا َِ َ ِ ِ‬
‫ولقوله ﷺ لعلي ﭬ‪« :‬ال ت ْبر ْز فخذل‪َ ،‬وال تنْظ َرن إلى فخذ َ ن‬
‫أبوداود وضعفه](‪.)4‬‬
‫رجل امرأ ًة أجنبية للحاجة وجب عليه سرت كل بدهنا؛ لحديث‪:‬‬ ‫وإن غسل ٌ‬
‫الم ْر َأ ُة َع ْو َر ٌة»(‪ .)5‬وتاريد الميت من ثيابه غير العورة ثابت من فعل الصحابة‬
‫« َ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ )1461‬من حديث ابن عمر ﭭ‪ .‬قال البوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪« :)24/2‬هذا‬
‫إسناد ضعيف»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الحاكم (‪ ،)66/3‬والبيهقي (‪ .)551/3‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)236/2‬واأللباين يف‬
‫اإلرواء (‪.)626‬‬
‫(‪ )3‬رواه البيهقي (‪ ،)556/3‬والدارقطني (‪.)441/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ )3140‬وابن ماجه (‪ ،)1460‬وأحمد (‪ )1242‬من حديث علي ﭬ‪ .‬قال أبو داود‪« :‬هذا‬
‫الحديث فيه نكارة»‪ .‬وضعفه ابن رجب يف فتح الباري (‪ ،)401/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)262‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪ )1113‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬وقال‪« :‬حسن ِحيح غريب»‪ ،‬وِححه األلباين يف‬
‫اإلرواء (‪.)213‬‬

‫‪612‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪680‬‬

‫ول اهللِ ﷺ مِ ْن ثِ َياب ِ ِه‬


‫ﭫ‪َ « :‬ل اما َأ َرا ُدوا َغ ْس َل النابِي ﷺ َقا ُلوا‪َ :‬واهللِ َما نَدْ ِري َأ ُن َار ُد َر ُس َ‬
‫ك ََما ُن َار ُد َم ْو َتانَا‪َ ،‬أ ْم َن ْغ ِس ُل ُه َو َع َل ْي ِه ثِ َيا ُب ُه»(‪ ،)1‬وألنه أبلغ يف التطهير‪.‬‬
‫َ ً َ ُ َ ِّ ْ‬ ‫ُ ه َ ُ ُّ َ َ‬
‫خ ْرقة فينجي ِه بِها)‪ :‬يلف الغاسل على يده خرقة‪ ،‬أو ما يقوم‬ ‫(ثم يلف ىلع ي ِده ِ ِ‬
‫مقامها كالقفازين‪ ،‬ثم يناي الميت هبا‪ ،‬ويزيل النااسة العالقة به إذا احتاج إلى‬
‫ذلك‪ ،‬ويرفع رأس الميت إلى قرب جلوسه‪ ،‬ويمر يده على بطنه ويعصـره برفق‬
‫ليخرج ما هو مستعد للخروج‪ ،‬ويكثر عندها من ِب الماء ليزيل النااسة‬
‫الخارجة بسبب عصـر بطنه ثم ينايه‪ ،‬وال يحل له مس عورته من غير حاجة‪ ،‬فإذا‬
‫انقطع الخارج غسله‪ ،‬وهذا حسن؛ لما فيه من التطهير‪ ،‬وليس فيه سنة معينة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫وَي ُب‪ :‬غسل ما ب ِ ِه مِن َنَاسة)‪ :‬فيبدأ بغسل النااسة الخارجة من بدن‬
‫( ِ‬
‫ال‪ ،‬ثم يوضأه كوضوء الصالة‪ ،‬ثم يفيض‬ ‫عليه‪ ،‬فينايه أو ً‬ ‫ِ‬
‫الماء ِ‬ ‫ِ‬
‫إفاضة‬ ‫الميت َ‬
‫قبل‬
‫الماء عليه‬
‫ه‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ ه‬ ‫َ ُ ه ْ‬ ‫َ ُ ُ َ ُّ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ‬
‫(وَيرم‪ :‬مس عورة ِ من بلغ سبع ِسنِي‪ .‬وسن‪ :‬أن ال يمس سائ ِر بدن ِه إال‬
‫َ‬
‫ِِب ِْرقة)‪ :‬وإنما يفيض الماء‪ ،‬وينايه به من غير مس إال عند الحاجة‪ ،‬والمسلم له‬
‫حرمة ال تزول بالموت‪.‬‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ََ‬ ‫ُ ه ْ ََ ه‬
‫(وسن‪ :‬أن ال يمس سائ َِر بدن ِه إال ِِب ِْرقة)‪ :‬إكرامًا للميت‪ ،‬ولما روى البيهقي‬
‫يص‪َ ،‬وبِ َي ِد َعلِ ني ﭬ ِخ ْر َق ٌة ُي ْتبِ ُع‬ ‫ِ‬
‫َأ ان َعلِيا ﭬ‪َ « :‬غ اس َل النابِ اي ﷺ َو َع َلى النابِي ﷺ َقم ٌ‬
‫بِ َها َت ْح َت ا ْل َق ِم ِ‬
‫يص»(‪.)2‬‬
‫َ َْ َ ْ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََُ ْ َ ُ‬ ‫ْ ُ َ ِّ َ َ َ َ‬ ‫ه ُ‬
‫جها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫غ‬ ‫ِ‪:‬‬ ‫ة‬ ‫أ‬‫ر‬ ‫وللم‬ ‫‪.‬‬‫ع‬ ‫ب‬‫س‬ ‫ون‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬‫ت‬ ‫وأم‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ت‬ ‫وللرجل‪ :‬أن يغسل زوج‬ ‫(‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫ون سبع)‪ :‬ياوز للرجل أن يغسل زوجته وأمته‪ ،‬وللمرأة غسل‬ ‫وابن د ِ‬
‫وسي ِدها‪ِ ،‬‬
‫إجماعا(‪ ،)3‬وقد روى ابن ماجه أن رسول اهلل‬ ‫ً‬ ‫زوجها وسـيدها‪ ،‬حكاه ابن المنذر‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)3141‬وأحمد (‪ )26306‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬وحسنه النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪ ،)235/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)102‬‬
‫(‪ )2‬السنن الكربى للبيهقي (‪ )545/3‬وسنده ضعيف؛ لحال يزيد بن أبى زياد‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلجماع البن المنذر ص (‪.)44‬‬

‫‪660‬‬
‫‪681‬‬ ‫ل امليتِ‬
‫ل يف غَس ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ك‪ ،‬و َك افنْ ُت ِ‬


‫ك‪َ ،‬ف َغس ْل ُت ِ‬
‫ت َع َلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ﷺ قال لعائشة ڤ‪َ « :‬ما ضـرل َل ْو مت َق ْبلِي‪َ ،‬ف ُق ْم ُ ْ‬
‫ك‪ ،‬ود َفنْ ُت ِ‬
‫ِ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫َو َِ ال ْي ُت َع َل ْي َ َ‬
‫علي ﭬ فاطم َة ڤ‪ ،‬ولم ُينكره منكر»(‪ ،)2‬وروى أبو داود عن‬ ‫« َ َ‬
‫وغ اسل ٌ‬
‫استَدْ َب ْر ُت‪َ ،‬ما َغ َس َل ُه إِ اال نِ َس ُ‬
‫اؤ ُه»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْق َب ْل ُت م ْن َأ ْم ِري َما ْ‬
‫عائشة ڤ قالت‪َ « :‬ل ْو ْ‬
‫وأوِـى أبو بكر ﭬ أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس(‪ ،)3‬وهذه أدلة على‬
‫جواز غسل المرأة زوجها خال ًفا لمن منعه‪ ،‬والموت ليس قاط ًعا لتوابع الزوجية‪،‬‬
‫فلها أن تمسه‪ ،‬وتنظر إلى عورته عند الغسل؛ ألهنا ليست أجنبية عنه‪.‬‬
‫ََ َ‬ ‫ُ َ ُّ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ‬
‫اجلناب ِة)‪ :‬فكل ما يستحب‬ ‫َي ُب‪ ،‬ويسن‪ :‬كغس ِل‬
‫ِ‬ ‫ِيما‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫الم‬ ‫ل‬
‫(وحكم غ ِ‬
‫س‬
‫أو ياب يف الغسل الواجب من الانابة‪ ،‬يستحب وياب هنا‪.‬‬
‫فيسن أن يوضأ الميت كوضوء الصالة؛ بعد إزالة النااسة عنه؛ لقوله ﷺ ألم‬
‫اض ِع الو ُض ِ‬
‫وء مِن َْها»(‪ ،)4‬فيبدأ‬ ‫عطية ڤ فِي غسل ابنته‪« :‬ابدَ ْأ َن بِميامِنِها ومو ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ َ َ ََ‬ ‫ْ‬
‫باليمين‪.‬‬
‫ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ُ َ‬
‫الم َ‬ ‫َ ْ‬
‫خرقة مبلولة‪ ،‬فيمسح بها‬ ‫اء يف ف ِم ِه وأن ِف ِه‪ ،‬بل يأخذ ِ‬ ‫خل‬
‫كن‪ :‬ال يد ِ‬ ‫(ل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫أسنانه‪ ،‬ومن ِخ َري ِه)‪ :‬ففي المضمضة واالستنشاق‪ :‬ال يدخل الماء إلى فم الميت؛‬
‫لئال يدخل يف جوفه فتخرج النااسة‪ ،‬وإنما يبل الخرقة أو األِابع‪ ،‬ثم يدخل‬
‫سبابته بين الشفتين‪ ،‬فيمسح الفم واألنف‪ ،‬وينظفهما‪ ،‬فيقوم المسح فيهما مقام‬
‫الغسل‪ ،‬ثم يغسل سائر جسده‪ ،‬ويفيض عليه الماء‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ك َرهُ‪ :‬االقت َص ُ‬
‫ار يف غسلِ ِه ىلع م هرة‪ ،‬إن لم َي ُرج مِنه َش ٌء)‪ :‬يكره االقتصار‬ ‫ِ‬ ‫(وي‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1465‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)100‬‬


‫(‪ )2‬رواه الحاكم (‪ ،)112/3‬والبيهقي (‪ .)556/3‬قال الحافظ يف التلخيص (‪« :)321/2‬وإسناده حسن‪ ،‬وقد‬
‫احتج هبذا الحديث أحمد وابن المنذر‪ ،‬وىف جزمهما بذلك دليل على ِحته عندهما»‪ ،‬وحسنه األلباين يف‬
‫اإلرواء (‪.)101‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)612‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)616‬‬

‫‪661‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪682‬‬

‫ُ‬
‫واحدة لاسد الميت‪ ،‬وبه قال أكثر العلماء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫غسلة‬ ‫على‬
‫ويكره أقل من ثالث غسالت؛ ألمر النبي ﷺ هبا بقوله‪« :‬ا ْغ ِس ْلن ََها بِالسدْ ِر ِو ْت ًرا‬
‫َثالَ ًثا‪َ ،‬أ ْو َخ ْم ًسا‪َ ،‬أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك‪ ،‬إِ ْن َر َأ ْي ُت ان َذل ِ َك»‪.‬‬
‫فإن اقتصـر على واحدة أجزأ مع الكراهة‪ ،‬إال أن تخرج نااسة‪ ،‬فتاب الزيادة‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َُ َ ْ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫(فإن خ َرج‪َ :‬وج َب إاعدة الغس ِل إىل سبع)‪ :‬إن خرج من الميت نااسة وجب‬
‫خمسا‪ ،‬أو سب ًعا؛ لقوله‬ ‫ً‬ ‫إعادة الغسل إلى سبع حتى ينظفه‪ ،‬والسنة القطع على وتر‪،‬‬
‫ﷺ ألم عطية ڤ‪« :‬ا ْغ ِس ْلن ََها بِالسدْ ِر ِو ْت ًرا َثالَ ًثا‪َ ،‬أ ْو َخ ْم ًسا‪َ ،‬أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك‪ ،‬إ ِ ْن‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورا» [متفق عليه](‪.)1‬‬ ‫اج َع ْل َن في اآلخ َرة كَا ُف ً‬‫َر َأ ْي ُت ان َذل َك‪َ ،‬و ْ‬
‫ُ ٍّ ُ ه َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬
‫غسل‬ ‫مسك‪ :‬فبِ ِطي حر‪ ،‬ثم ي ِ‬ ‫َش بِقطن‪ ،‬فإن لم يست ِ‬ ‫ج بعدها‪ :‬ح ِ‬ ‫(فإن خر‬
‫الغسلة السابعةِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َ ه َُ ه ُ ُ ُ ً‬
‫المحل‪ ،‬ويوضأ وجوبا‪ ،‬وال غسل)‪ :‬إن استمر خروج النااسة بعد‬
‫ُحشـي المحل بشـيء يوقف خروجها‪ ،‬قطن أو طين أو ما يقوم مقامها ويوضئه‪،‬‬
‫وال ياب إعادة غسله‪ ،‬للمشقة يف الزيادة على السبع‪ ،‬ولحصول الغسل بالعدد‬
‫السابق‪ ،‬وألن الخرب لم يأت بأكثر من سبع‪ ،‬وإن زاد عليها جاز‪.‬‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ َُ ُ ُ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬
‫وء‪ ،‬وال الغسل)‪ :‬إذا خرج من الميت‬ ‫ض ُ‬ ‫(وإن خ َرج بعد تك ِفينِه‪ :‬لم يع ِد الو‬
‫شـيء بعد الغسل والتكفين ال يلزمه إعادة ا ْلو ُض ِ‬
‫وء َو َال ا ْل َغ ْسل للمشقة يف ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فيتلخص أن الميت إذا خرج منه نااسة بعد تغسـيله ال يخلو من حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون قبل الغسلة السابعة والتكفين‪ ،‬فياب أن يزيد حتى يبلغ‬
‫سب ًعا؛ لقوله ﷺ‪« :‬ا ْغ ِس ْلن ََها َثالَ ًثا‪َ ،‬أ ْو َخ ْم ًسا‪َ ،‬أ ْو َس ْب ًعا‪َ ،‬أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك‪ ،‬إِ ْن َر َأ ْيتُ ان‬
‫ذلك»‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن خرج بعد السبع‪ ،‬فياعل على المحل شـي ًئا يمنع خروجه‪ ،‬وال يلزمه‬
‫أكثر من سبع غسالت‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إن خرج شـيء بعد التكفين‪ ،‬فال يلزمه إعادة غسله؛ لما فيه من المشقة‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)616‬‬

‫‪662‬‬
‫‪683‬‬ ‫ل امليتِ‬
‫ل يف غَس ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫يف نقض الكفن ونحوه‪ ،‬قال ابن قدامة‪« :‬ال نعلم فيه خال ًفا»(‪.)1‬‬
‫والزيادة على سبع غسالت جائزة بال كراهة إذا رأى يف ذلك مصلحة‪ ،‬أو‬
‫حاجة‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬ا ْغ ِس ْلن ََها َثالَ ًثا‪َ ،‬أ ْو َخ ْم ًسا‪َ ،‬أ ْو َس ْب ًعا‪َ ،‬أ ْو َأ ْك َث َر مِ ْن َذل ِ َك‪ ،‬إ ِ ْن‬
‫سدرا؛‬ ‫كافورا‪ ،‬أو ً‬
‫ً‬ ‫َر َأ ْي ُت ان ذلك» [متفق عليه]‪ .‬ومن السنة أن ياعل مع الغسلة األخيرة‬
‫اآلخ َر ِة‬
‫ِ‬ ‫اج َع ْل َن فِي‬
‫ألنه ُي َصلب الاسد‪ ،‬ويطرد الهوام برائحته؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬و ْ‬
‫كَا ُف ً‬
‫ورا»(‪.)2‬‬
‫والسنة يف حق المرأة أن ُي ْض َف َر شعرها ثالثة قرون وتاعل خلفها؛ لقول أم‬
‫عطية ڤ‪َ « :‬ف َض َفرنَا َشعر َها َثالَ َث َة ُقر ُ‬
‫ون‪َ ،‬و َأ ْل َق ْين َ‬
‫َاها َخ ْل َف َها» [متفق عليه](‪ ،)3‬ثم ينشف‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫الميت‪ ،‬ويكفن على ما يأيت بيانه‪.‬‬
‫وِفة الغسل السابقة هي المستحبة‪ ،‬وياز يف الغسل لو أفاض الماء عليه‬
‫وأنقى‪ ،‬بال تكرار‪ ،‬وبه قال الامهور‪ :‬مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬
‫وقال النخعي‪« :‬غسل الميت كغسل الانابة»‪ .‬وكذلك قال الفقهاء‪ ،‬وهم أعلم‬
‫بمعاين الحديث(‪.)4‬‬
‫فائدة‪ :‬يستحب لمن غسل ميتًا أن يغتسل؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َغ ّس َل َم ْيتًا‬
‫َف ْل َي ْغت َِس ْل»(‪ .)5‬وظاهر األمر يفيد الوجوب‪ ،‬ومن ِوارف الوجوب‪:‬‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)362/3‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)616‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1263‬ومسلم (‪ )232‬من حديث أم عطية ڤ‪.‬‬
‫(‪ )4‬شـرح السنة للبغوي (‪ ،)306/5‬تحفة األحوذي (‪.)43/4‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)3161‬والرتمذي (‪ ،)223‬وابن ماجه (‪ )1463‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وأعله اإلمام‬
‫أحمد وابن المديني‪ ،‬وقاال‪ :‬ال يصح يف هذا الباب شـيء‪ ،‬ورجح أبو حاتم وقفه‪( .‬العلل ص‪ ،142‬فتح‬
‫الباري ‪ ،)121/3‬وِححه ابن القيم يف هتذيب السنن (‪ ،)305/6‬واأللباين‪ ،‬وحسنه الرتمذي‪ .‬انظر‪ :‬البدر‬
‫المنير (‪ ،)524/2‬التلخيص الحبير (‪ ،)310/1‬اإلرواء (‪.)144‬‬

‫‪663‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪684‬‬

‫قول ابن ع اباس ﭭ‪َ « :‬ل ْي َس َع َل ْي ُك ْم فِي ُغ ْس ِل َميتِ ُك ْم ُغ ْس ٌل إِ َذا َغ اس ْل ُت ُمو ُه‪ ،‬إِ ان‬
‫س‪َ ،‬ف َح ْس ُب ُك ْم َأ ْن َت ْغ ِس ُلوا َأ ْي ِدي ُك ْم»(‪ .)1‬وقول ابن‬ ‫مي َت ُكم َلم ْؤمِن َط ِ‬
‫اه ٌر‪َ ،‬و َل ْي َس بِنَ َا ُ‬ ‫َ ْ ُ ٌ‬
‫عمر ﭭ‪ُ « :‬كناا ُن َغس ُل ا ْلمـي َت‪َ ،‬ف ِمناا َم ْن َي ْغت َِس ُل‪َ ،‬ومِناا َم ْن َال َي ْغت َِس ُل»(‪.)2‬‬
‫وال يحضـر الغسل إال المغسل ومن يساعده؛ ألنه أسرت للميت‪ ،‬فربما كان فيه‬
‫ما يكره اطالعه‪ ،‬وألن حرمته ميتًا كحرمته ح ًيا‪ ،‬وحضور غير المغسلين لغير حاجة‬
‫مكروه يف المذهب‪.‬‬
‫ُ َ ه‬ ‫ه‬ ‫ُ َ‬ ‫َُ ه ُ‬ ‫ُ ً‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫عركةِ‪ ،‬والمقتول ظلما‪ :‬ال يغسل‪ .‬وال يكف ُن‪ .‬وال يصىل‬ ‫الم َ‬ ‫قوهل‪( :‬وش ِهيد‬
‫َ‬
‫علي ِه‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ ََ ُ َ َ َ‬
‫اء د ِم ِه عليِه‪ .‬ودفنه يف ثِيابِه‪.‬‬ ‫وَيب‪ :‬بق‬
‫َ َ َ َ ُُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫رشب‪ ،‬أو‪ :‬نام‪ ،‬أو‪ :‬تكل َم‪ ،‬أو‪ :‬عطس‪ ،‬أو‪ :‬طال بقاؤه‬ ‫أو‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫أك‬ ‫ف‬ ‫ِل‬ ‫وإن مح‬
‫ََ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُ َ َ َ ِ ُ ُ ُ ْ َ‬ ‫ًُْ‬
‫ريه)‪.‬‬
‫جب الغس َل‪ُ ،‬مِن َن ِو جنابة‪ :‬فهو كغ ِ‬ ‫عرفا‪ ،‬أو‪ :‬ق َتِل وعلي ِه ما يو ِ‬
‫ُ ه‬ ‫َ ُ ُ ُ ًْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫الم َ‬
‫عركةِ‪ ،‬والمقتول ظلما‪ :‬ال يغسل)‪ :‬شهيد المعركة ال يغسل‪ ،‬وهو‬ ‫(وش ِهيد‬
‫قول جماهير العلماء؛ لما رواه البخاري يف شأن شهداء أحد‪« :‬أن النبي ﷺ َأ َم َر‬
‫بِدَ ْفن ِ ِه ْم بِ ِد َمائِ ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم ُي َصل َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه ْم»(‪.)3‬‬
‫وروى أبو داود‪ ،‬والرتمذي عن أنس ﭬ‪َ « :‬أ ان ُش َهدَ ا َء ُأ ُح ُد َل ْم ُي ْغ َس ُلوا‪َ ،‬و ُدفِنُوا‬
‫بِ ِد َمائِ ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم ُي َص ال َع َل ْي ِه ْم»(‪ .)4‬وروى ابن حبان‪« :‬أن حنظلة بن أبي عامر استشهد‬
‫فغسلته المالئكة» (‪ ،)5‬ولو كان واج ًبا لما اكتفى بغسل المالئكة‪ ،‬وغيرها من األدلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي(‪)451/1‬وضعف المرفوع‪ :‬البيهقي‪ ،‬واأللباين يف الضعيفة (‪ ،)6304‬وِحح المرفوع‪:‬‬


‫الحاكم‪ ،‬وحسنه ابن حار يف التلخيص الحبير (‪.)312/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني (‪ ،)434/2‬والبيهقي (‪ .)451/1‬وِحح إسناده ابن حار يف التلخيص (‪ ،)313/1‬و‬
‫األلباين يف أحكام الانائز ص (‪.)54‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )1341‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)3135‬والرتمذي (‪ ،)1016‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وحسنه ابن الملقن يف البدر المنير‬
‫(‪ ،)243/5‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)55‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن حبان (‪ ،)1025‬والحاكم (‪ ،)225/3‬من حديث عبداهلل بن الزبير ﭬ‪ .‬قال النووي يف خالِة‬
‫=‬

‫‪664‬‬
‫‪685‬‬ ‫ل امليتِ‬
‫ل يف غَس ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ََ ُ َ‬ ‫ُ َ ه َ‬ ‫ُ َ ه‬
‫اء د ِم ِه عليِه‪ .‬ودفنه يف ثِيابِه)‪ :‬بين‬ ‫(وال يكف ُن‪ .‬وال يصىل علي ِه‪ .‬وَيب‪ :‬بق‬
‫أن الشهيد ال يؤتى بكفن جديد‪ ،‬وإنما يدفن بثيابه التي قتل فيها‪ ،‬وال تغسل عنه‬
‫دمائه؛ لحديث جابر ﭬ عند البخاري‪َ « :‬و َأ َم َر بِدَ ْفن ِ ِه ْم بِ ِد َمائِ ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم ُي َصل َع َل ْي ِه ْم‪،‬‬
‫وه ْم فِي‬ ‫َو َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه ْم»‪ ،‬وروى اإلمام أحمد أن رسول اهلل ﷺ قال يوم أحد‪َ « :‬زم ُل ُ‬
‫ثِ َيابِ ِه ْم»(‪.)1‬‬
‫وهذا مذهب عامة أهل العلم‪ ،‬إال إن كان عليهم حديد أو جلود‪ ،‬فتنزع؛ لما‬
‫ول اهللِ ﷺ بِ َق ْت َلى ُأ ُح ُد َأ ْن ُين َْز َع َعنْ ُه ُم ا ْل َح ِديدُ َوا ْل ُا ُلو ُد‪،‬‬ ‫روى أبو داود قال‪َ « :‬أ َم َر َر ُس ُ‬
‫َو َأ ْن ُيدْ َفنُوا ب ِ ِد َمائِ ِه ْم َوثِ َيابِ ِه ْم»(‪.)3()2‬‬
‫ُ َ ه َ‬
‫(وال يصىل علي ِه)‪ :‬ال يصلى على الشهيد‪ ،‬وهو قول األئمة الثالثة‪ ،‬خالفًا ألبي‬
‫حنيفة‪ ،‬لما رواه البخاري عن جابر ﭬ يف شهداء أحد‪« :‬أن النبي ﷺ َأ َم َر بِدَ ْفن ِ ِه ْم‬
‫بِ ِد َمائِ ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم ُي َصل َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم َي ْغ ِس ْل ُه ْم»‪ .‬وروى أبو داود عن أنس ﭬ‪َ « :‬أ ان‬
‫ُش َهدَ ا َء ُأ ُح ُد َل ْم ُي ْغ َس ُلوا‪َ ،‬و ُدفِنُوا بِ ِد َمائِ ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم ُي َص ال َع َل ْي ِه ْم»‪.‬‬
‫وأما خرب ابن الزبير ﭭ يف ِالة رسول اهلل ﷺ على قتلى أحد‪ ،‬فإنه شاذ؛ ألن‬
‫األخبار متظافرة يف عدم الصالة على قتلى أحد‪ ،‬كما ذكر اإلمام الشافعي(‪.)4‬‬
‫ومن أهل العلم من توسط وقال‪ :‬هو مخير بين الصالة عليه وتركها؛ لمايء‬

‫=‬
‫األحكام (‪« :)242/2‬إِ ْسنَاده جيد»‪ ،‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)113‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد (‪ )23651‬من حديث عبداهلل بن ثعلبة بن ُِعير ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف أحكام الانائز ص‬
‫(‪.)55‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3134‬وابن ماجه (‪ )1515‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬وضعفه النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪ ،)241/2‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)253/5‬وابن حار يف التلخيص الحبير (‪،)216/2‬‬
‫واأللباين يف اإلرواء (‪.)110‬‬
‫(‪ )3‬المغني (‪.)411/3‬‬
‫(‪ )4‬األم‪ -‬كتاب الانائز‪ /‬باب ما يفعل بالشهيد (‪.)305/1‬‬

‫‪665‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪686‬‬

‫األخبار هبما‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام أحمد(‪.)1‬‬


‫وعدم الصالة عليه أرجح؛ لقوة األدلة‪ ،‬وهو الثابت من هدي الرسول ﷺ مع‬
‫شهداء أحد‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد ﷺ‪ ،‬ولو ِلى عليه فإنه مباح؛ لمايء آثار‬
‫يف هذا‪.‬‬
‫والحكمة من ترل الصالة عليه‪ :‬أن الصالة شفاعة للميت ودعاء له بالمغفرة‪،‬‬
‫والشهادة تكفر كل شـيء إال الدا ين‪ ،‬بل إن الشهيد ُي َش اف ُع يف سبعين من أهل بيته(‪،)2‬‬
‫فلذا لم يؤمر بالصالة عليه‪ ،‬كما جاء األمر بالصالة على من مات يف فراشه‪.‬‬
‫والحكمة يف ترل التكفين والغسل‪ :‬ألجل أن يلقى اهلل بكلمه ودمه الذي أِابه‬
‫يف سبيل اهلل؛ ألن ريحه يكون ريح المسك‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬ال تغسلوهم‪ ،‬فإن كل‬
‫جرح يفوح مس ًكا يوم القيامة‪ ،‬ولم ُيصل عليهم»(‪ ،)3‬ولتكون شاهدة له عند اهلل على‬
‫ما قدم وبذل‪ ،‬نسأل اهلل الكريم من فضله‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ه‬ ‫ُ َ ه‬ ‫َُ ه ُ‬ ‫َ ُ ُ ُ ًْ‬
‫(والمقتول ظلما‪ :‬ال يغسل‪ .‬وال يكف ُن‪ .‬وال يصىل علي ِه)‪ :‬حكمه حكم‬
‫الشهيد‪ ،‬ال يغسل‪ ،‬وال يك ّفن‪ ،‬وال يص ّلى عليه‪ ،‬وياب بقاء دمه عليه‪ ،‬ودفنه يف‬
‫ون َمال ِ ِه َف ُه َو َش ِهيدٌ ‪َ ،‬و َم ْن ُقت ِ َل‬
‫ثيابه؛ هذا المذهب ألنه شهيد؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن ُقتِ َل ُد َ‬
‫ون ِدين ِ ِه َف ُه َو َش ِهيدٌ » [رواه أبوداود‪ ،‬والرتمذي وِححه](‪.)4‬‬‫ون َدمِ ِه‪َ ،‬أ ْو ُد َ‬
‫ون َأ ْهلِ ِه‪َ ،‬أ ْو ُد َ‬
‫ُد َ‬
‫واألظهر‪ :‬قول جمهور العلماء أنه يصلى عليه‪ ،‬ويدفن‪ ،‬ويكفن‪ ،‬و ُي ْغ َسل‪ ،‬وليس‬
‫له أحكام الشهيد يف الدنيا‪ ،‬وإن كان له أجر الشهيد يف اآلخرة؛ ألن عمر وعثمان‬
‫وِلي عليهم‪.‬‬‫وغدرا‪ ،‬و ُغسلوا‪ُ ،‬‬
‫ً‬ ‫وعل ًيا ﭫ ُقتلوا ً‬
‫ظلما‬

‫(‪ )1‬هتذيب السنن مع عون المعبود (‪ ،)264/6‬زاد المعاد (‪ ،)125/3‬أحكام الانائز ص (‪.)63‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)1663‬وابن ماجه (‪ ،)2122‬وأحمد (‪ )11162‬من حديث المقدام ابن معدي كرب‬
‫ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث ِحيح غريب»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد (‪ )14162‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)164/3‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)4112‬والرتمذي (‪ ،)1421‬والنسائي (‪ ،)4024‬وأحمد (‪ )1652‬من حديث سعيد بن‬
‫زيد ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن ِحيح»‪ ،‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)106‬‬

‫‪666‬‬
‫‪687‬‬ ‫ل امليتِ‬
‫ل يف غَس ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫والشهداء ثالثة أقسام‪:‬‬


‫األول‪ :‬شهيد يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهو من قتل يف المعركة لتكون كلمة اهلل هي‬
‫العليا‪ ،‬فله أحكام الشهيد يف الدنيا‪ ،‬وله أجر الشهيد يف اآلخرة‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫جماهير العلماء‪ ،‬واختاره ابن القيم‪ ،‬وابن حار‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)1‬‬
‫ظلما يلحق به ويأخذ أحكام الشهيد يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫والمذهب‪ :‬أن المقتول ً‬
‫واألظهر‪ :‬قول الامهور‪ :‬أنه يأخذ أحكام الشهيد يف اآلخرة دون الدنيا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬شهيد يف الدنيا دون اآلخرة‪ ،‬وهو من قتل يف سبيل اهلل ال يريد وجه اهلل‪،‬‬
‫فله أحكام الشهيد يف الدنيا‪ ،‬وليس له أجر الشهيد يف اآلخرة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬شهيد يف اآلخرة فقط‪ ،‬وهو من سمي شهيدً ا يف النصوص من غير قتلى‬
‫الم ْب ُطو ُن‪َ ،‬وال َغ ِر ُق‪،‬‬‫ون‪َ ،‬و َ‬ ‫الم ْط ُع ُ‬
‫الش َهدَ ا ُء َخ ْم َسةٌ‪َ :‬‬ ‫المعركة‪ ،‬كما يف قوله ﷺ‪ُّ « :‬‬
‫الش ِهيدُ فِي َسبِي ِل اهلل»(‪ ،)2‬وعند أبي داود عن جابر بن عتيك ﭬ‬ ‫الهدْ مِ‪َ ،‬و ا‬
‫ب َ‬
‫ِ‬
‫َو َِاح ُ‬
‫ون َش ِهيدٌ ‪،‬‬ ‫الش َها َد ُة َس ْب ٌع ِس َوى ا ْل َق ْت ِل فِي َسبِي ِل اهللِ‪ :‬ا ْل َم ْط ُع ُ‬ ‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪ « :‬ا‬
‫ب ا ْل َح ِر ِيق‬ ‫ِ‬ ‫احب َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َش ِهيدٌ ‪َ ،‬و َِاح ُ‬ ‫ْب َش ِهيدٌ ‪َ ،‬وا ْل َم ْب ُط ُ‬ ‫ات ا ْل َان ِ‬ ‫َوا ْل َغ ِر ُق َش ِهيدٌ ‪َ ،‬و َِ ُ‬
‫وت بِ ُا ْم ُع َش ِهيدٌ »(‪ ،)3‬ونحوهم‬ ‫وت َت ْح َت ا ْل َهدْ ِم َش ِهيدٌ ‪َ ،‬وا ْل َم ْر َأ ُة َت ُم ُ‬‫َش ِهيدٌ ‪َ ،‬وا ال ِذي َي ُم ُ‬
‫ممن جاء الدليل بوِفهم بالشهادة‪ ،‬فلهم أجر الشهداء يف اآلخرة‪ ،‬وأما يف الدنيا‬
‫فيأخذون أحكام أموات المسلمين يف غسلهم‪ ،‬وتكفينهم‪ ،‬والصالة عليهم(‪.)4‬‬
‫مسألة‪ :‬من مات يف أرض المعركة حتف أنفه‪ ،‬أو سقط من راحلته‪ ،‬أومن جبل‪،‬‬
‫فإنه ُي ْغ َسل ويصلى عليه يف قول جماهير العلماء؛ ألن األِل وجوب الغسل‬
‫الكفار قت َله‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والصالة‪ ،‬وهذا لم يباشـر‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد (‪ ،)266/2‬فتح الباري (‪ ،)242/2‬الشـرح الممتع (‪.)361/5‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)616‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)3111‬والنسائي (‪ ،)1646‬وأحمد (‪ .)23153‬وِححه األلباين يف أحكام الانائز ص‬
‫(‪.)40‬‬
‫(‪ )4‬شـرح مسلم للنووي (‪.)63/13‬‬

‫‪661‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪688‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ه‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ َ ََ‬
‫رشب‪ ،‬أو‪ :‬نام‪ ،‬أو‪ :‬تكل َم‪ ،‬أو‪ :‬عطس‪ ،‬أو‪ :‬طال‬ ‫أو‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫قوهل‪( :‬وإن محِل فأك‬
‫ََ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُ َ َ َ ِ ُ ُ ُ ْ َ‬ ‫ََ ُُ ُ ًْ‬
‫ريه)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ك‬ ‫فهو‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫اب‬ ‫ن‬‫ج‬ ‫و‬
‫ِ‬ ‫َن‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫الغ‬ ‫ب‬‫ج‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬‫ل‬ ‫وع‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ق‬ ‫أو‪:‬‬ ‫ا‪،‬‬ ‫بقاؤه عرف‬
‫متأثرا باراحه‪ ،‬فله حالتان‪:‬‬ ‫من أِـيب يف المعركة‪ ،‬ثم مات ً‬
‫خطيرا‪ ،‬ولم تستقر حياته ومات بعده بمدة قصـيرة عر ًفا‪ ،‬فإنه ال‬ ‫ً‬ ‫إن كان جرحه‬
‫ُي ْغ َسل وال يصلى عليه؛ ألنه مات بقتل الكفار‪.‬‬
‫متأثرا به‪ ،‬ف ُي ْغ َسل ويصلى عليه‪ ،‬كما حصل لسعد‬
‫وإن استقرت حياته‪ ،‬ثم مات ً‬
‫وحمل إلى المساد‪ ،‬ثم انفار عليه‬
‫ابن معاذ ﭬ‪« :‬فإنه جرح يف غزوة الخندق‪ُ ،‬‬
‫جرحه‪ ،‬ومات منه‪ ،‬ثم غسل‪ ،‬وكفن‪ ،‬وِلي عليه» [متفق عليه](‪ ،)1‬وهذا دليل على أن‬
‫طول البقاء ياعل ِاحبه كغيره من األموات ُيغسل ويصلى عليه‪.‬‬
‫وألحقوا به ما يدل على استقرار الحياة‪ ،‬كاألكل بشهوة‪ ،‬والشـرب‪ ،‬والنوم‪،‬‬
‫والبول‪ ،‬والكالم‪ ،‬والعطاس‪ ،‬ولو ُقيدَ بطول البقاء عرفًا لكان أحسن‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُ ُ ُ ْ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬
‫ريه)‪ :‬من قتل شهيد ًا‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ك‬ ‫فهو‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫اب‬ ‫ن‬‫ج‬ ‫و‬
‫ِ‬ ‫َن‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫الغ‬ ‫ب‬‫ج‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫(أو‪ :‬قتِل وعل‬
‫وعليه جنابة‪.‬‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه ُي ْغ َسل؛ ألن المالئكة غسلت حنظلة بن أبي عامر ﭬ لما‬
‫استشهد(‪.)2‬‬
‫واألقرب‪ :‬أنه ال ُي ْغ َسل؛ ألدلة عدم تغسـيل الشهداء‪ ،‬ولو كان واج ًبا لما اكتفى‬
‫رسول اهلل ﷺ بتغسـيل المالئكة لحنظلة ﭬ؛ ألنه ليس من تكليفنا‪ ،‬بل هو من‬
‫الكرامة‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬ورجحه الحافظ ابن حار‪،‬‬
‫والشوكاين(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)4122‬ومسلم (‪ )1162‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)664‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري (‪ ،)253/3‬نيل األوطار (‪.)30/4‬‬

‫‪666‬‬
‫‪689‬‬ ‫ل امليتِ‬
‫ل يف غَس ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫َ ُ َ ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ٌ َ ََ‬ ‫ُ‬


‫قوهل‪( :‬و ِسقط ألربع ِة أشهر‪ :‬اكلمولو ِد حيا)‪.‬‬
‫السقط يطلق على المولود قبل تمامه‪ ،‬وله حالتان‪:‬‬
‫استهل ِارخًا و ُعرفت حياته ُغسل‪ ،‬وكفن‪ ،‬وِلى عليه باإلجماع(‪.)1‬‬ ‫ا‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫يستهل ِارخًا‪:‬‬ ‫وإن لم‬
‫فالامهور‪ :‬مالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬والشافعي أنه ال يصلى عليه‪.‬‬
‫والمذهب‪ :‬أنه إن بلغ أربعة أشهر‪ ،‬فكالمولود الحي‪ :‬يصلى عليه و ُي ْغ َسل ولو‬
‫لم يستهل ِارخًا‪ ،‬وما قبل ذلك ال يصلى عليه إال إن استهل ِارخًا‪ ،‬وهذا قول‬
‫ابن المسـيب‪ ،‬وابن سـيرين؛ لعموم قوله ﷺ‪َ « :‬والس ْق ُط ُي َص الى َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُيدْ َعى‬
‫الر ْح َم ِة»(‪ ،)2‬وألنه نسمة نفخ فيه الروح فيصلى عليه‪ ،‬وتحديده‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ل َوالدَ ْيه بِا ْل َم ْغف َرة َو ا‬
‫بأربعة أشهر؛ لحديث ابن مسعود ﭬ‪ ،‬وفيه‪« :‬أنه ينفخ فيه الروح ألربعة أشهر»‬
‫[متفق عليه](‪ ،)3‬وما قبل نفخ الروح ليس بميت؛ ألنه لم تنفخ فيه الروح‪ ،‬بل يلف يف‬
‫خرقة‪ ،‬ويدفن‪ ،‬كما ذكره ابن قدامة(‪.)4‬‬
‫ث َحتاى َي ْست َِه ال»‪ ،‬فرواه‬
‫ور ُ‬ ‫وأما حديث‪« :‬الط ْف ُل َال ُي َص الى َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َال َي ِر ُ‬
‫ث‪َ ،‬و َال ُي َ‬
‫الرتمذي‪ ،‬وال يصح مرفوعًا(‪.)5‬‬
‫ُ َ ِّ َ َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ‬ ‫َ ِّ ًّ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وال يغسل مسلِ ٌم اكف ًِرا‪ ،‬ولو ذِميا‪ ،‬وال يكفنه‪ ،‬وال يصيل علي ِه‪ ،‬وال‬
‫اري ِه)‪.‬‬‫و‬ ‫ـــع َج َنازتَ ُه‪ .‬بَل‪ :‬يُ َو َ‬
‫ارى ل َِع َد ِم َمن يُ َ‬ ‫ه ُ‬
‫ِ‬ ‫يتبِ‬
‫الكفار إذا ماتوا ال يغسلوا‪ ،‬وال يكفنوا‪ ،‬وال يصلى عليهم؛ لقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮯ‬
‫(‪ )1‬اإلجماع البن المنذر ص (‪.)44‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3160‬والرتمذي (‪ )1031‬وقال‪« :‬حسن ِحيح» من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬
‫وِححه ابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)116‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1454‬ومسلم (‪ )2643‬من حديث عبداهلل بن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪.)452/3‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪ ،)1032‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)6324‬وابن ماجه (‪ )2150‬من حديث جابر بن عبداهلل‬
‫ﭬ‪ .‬قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث قد اضطرب الناس فيه»‪ ،‬ورجح وقفه هو‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬وابن‬
‫حار يف الفتح (‪.)462/11‬‬

‫‪662‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪690‬‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ‬
‫ﯢ﴾‪.‬‬
‫والتغسـيل خاص بموتى المسلمين‪ ،‬وأما الكفار فغير داخلين يف هذا‪ ،‬ولو كانوا‬
‫من أهل الكتاب‪ ،‬فإهنم كفار‪ ،‬كما قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬وا ال ِذي َن ْف ُس ُم َح ام ُد بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ال‬
‫وت َو َل ْم ُي ْؤمِ ْن بِا ال ِذي‬ ‫ود ٌّي‪َ ،‬و َال نَصـران ِ ٌّي‪ُ ،‬ث ام َي ُم ُ‬
‫يسمع بِي َأحدٌ مِن َه ِذ ِه ْاألُم ِة يه ِ‬
‫ا َُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ُ‬
‫اار» [رواه مسلم] ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫َان مِ ْن َأ ِْ َح ِ‬
‫اب الن ِ‬ ‫ُأ ْر ِس ْل ُت بِ ِه‪ ،‬إِ اال ك َ‬
‫وال يستغفر لهم؛ ألنه ال تنفعهم الشفاعة‪ ،‬كما هنى اهلل نبيه عن االستغفار ألمه‪،‬‬
‫فإن لم يوجد من يواريه ويدفنه من الناس‪َ ،‬ف ُيحفر له حفرة من غير لحد ويدفنه‬
‫فيها‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬ما رواه أبو داود عن علي ﭫ قال‪ :‬قلت للنبي ﷺ‪« :‬إِ ان َع ام َك‬
‫ال‪ُ ،‬ث ام َال ُت ْح ِد َث ان شـي ًئا‪َ ،‬حتاى َت ْأتِ َينِي‪،‬‬
‫ب َف َو ِار َأ َب َ‬ ‫ات‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْذ َه ْ‬ ‫الض اال َقدْ َم َ‬ ‫الشـيخ ا‬‫َ‬
‫ت‪َ ،‬و َد َعا لِي»(‪.)2‬‬ ‫َف َذ َه ْب ُت َف َو َار ْي ُت ُه‪َ ،‬و ِج ْئ ُت ُه‪َ ،‬ف َأ َم َرنِي َفا ْغت ََس ْل ُ‬
‫والكافر المحارب يف المعركة‪ ،‬ال ياب دفنه‪ ،‬كما هو معروف يف غزوات‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬وأما كون قتلى بدر من المشـركين ُس ِح ُبوا إِ َلى َقلِ ِ‬
‫يب َبدْ ُر‪ ،‬فهو تحقير‬
‫لهم‪ ،‬ولئال يتأذى الناس برائحتهم‪ ،‬وليس هو دفنا؛ ألن الحربي ال ياب دفنه‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )153‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3214‬والنسائي (‪ ،)2006‬وأحمد (‪ )1023‬من حديث علي ﭬ‪ .‬وِححه األلباين يف‬
‫اإلرواء (‪ ،)111‬وانظر‪ :‬عون المعبود (‪.)24/2‬‬

‫‪620‬‬
‫‪691‬‬ ‫ني امليتِ‬
‫ل يف تَكف ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬ ‫‪F‬‬


‫(يف تَكفنيِ امليتِ)‬

‫ُ ْ‬ ‫َ ُ َ ُْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫أس المح ِر ِم‪،‬‬ ‫َّت مجِي ِع ِه ‪ِ -‬س َوى َر ِ‬ ‫جب‪ :‬س‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫والو‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫اي‬ ‫ِف‬ ‫ك‬ ‫رض‬ ‫قوهل‪( :‬وتك ِفينه‪ :‬ف‬
‫ْ َ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫وس‬ ‫وَي ُب‪ :‬أن يكون مِن ملب ِ‬ ‫حرم ِة‪ -‬بِثوب ال ي ِصف البَشة‪ِ .‬‬ ‫ووج ِه الم َ ُِ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مِثلِ ِه‪ ،‬ما لم يو ِص بِدون ِ ِه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه ُ‬ ‫ُّ ه ُ َ‬
‫عضها‪،‬‬ ‫الث لفائ ِف بِيض‪ ،‬مِن قطن‪ ،‬تبس َط ىلع ب ِ‬ ‫والسنة‪ :‬تك ِفي الرج ِل‪ :‬يف ث ِ‬
‫ِّ‬ ‫ليا م َِن اجلان ِب األ َ‬ ‫ُ َ ُ َ َ ُ َ ً ُ ه َ ُ ُّ َ َ َ ُ َ‬
‫يرس ىلع ِشق ِه‬ ‫ويوضع عليها مستل َ ِقيا‪ ،‬ثم يرد طرف الع‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ َ ُ ه ه َ َ ُ ه ه َِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ََ‬
‫اثلة كذل ِك‪.‬‬ ‫يرس‪ ،‬ثم اثلانِية‪ ،‬ثم اثل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُاأليم ِن‪ ،‬ث هم ط َرفها األيم َن ىلع األ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫نَث‪ :‬يف َمخ َس ِة َ‬ ‫َ‬
‫ي‪.‬‬‫ومخار‪ ،‬وق ِميص‪ ،‬ول ِفافت ِ‬ ‫أثواب بِيض‪ ،‬مِن قطن؛ إزار‪،‬‬ ‫واأل‬
‫َ َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِب‪ :‬يف ثوب‪ ،‬ويباح‪ :‬يف ثالثة‪.‬‬ ‫والص ُّ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ه ِ َُ‬
‫ي‪.‬‬‫والص ِغرية‪ :‬يف ق ِميص ول ِفافت ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫ويُ َ‬
‫ي بشعر‪ ،‬وصوف‪ ،‬ومزعفر‪ ،‬ومعصفر‪ ،‬ومنقوش‪.‬‬ ‫كرهُ‪ :‬اتلهك ِف‬
‫ُ َ ه‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ‬
‫ِبدل‪ ،‬وح ِرير‪ ،‬ومذهب)‪.‬‬ ‫وَيرم‪ِ ِ :‬‬
‫بين هنا ما يتعلق بتكفين الميت‪ ،‬ومؤنة التاهيز‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ُُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ف الميت يف ثوب فأكثر‪ ،‬وهو من‬ ‫(وتك ِفينه‪ :‬فرض ك ِفاية)‪ :‬التكفين هو َل ُّ‬
‫فروض الكفايات باتفاق العلماء؛ ألمر النبي ﷺ بذلك بقوله‪َ « :‬وكَفنُو ُه فِي َث ْو َب ْي ِن»‬
‫[متفق عليه](‪.)1‬‬
‫وثمنه من مال الميت‪ ،‬وهو مقدم على الدا ين واإلرث‪ ،‬وإن وجد من يتربع به‬
‫جاز‪.‬‬
‫ْ‬
‫َ ُ َ ُ َ‬
‫َّت مجِي ِع ِه)‪ :‬الواجب يف الكفن أن يسرت جميع البدن من رأسه إلى‬ ‫جب‪ :‬س‬
‫(والوا ِ‬
‫قدميه‪ ،‬كما فعل رسول اهلل ﷺ مع مصعب بن عمير ﭬ‪« :‬حين ُقتِ َل َي ْو َم ُأ ُح ُد‪،‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪ ،)33‬وانظر‪ :‬اإلفصاح (‪.)165/1‬‬

‫‪621‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪692‬‬

‫ت ِر ْجالَ ُه‪َ ،‬وإِ َذا َغ اط ْينَا ِر ْج َل ْي ِه بَدَ ا‬


‫َو َت َر َل ن َِم َرةً‪ ،‬قال خباب‪َ :‬ف ُكناا إِ َذا َغ اط ْينَا بِ َها َر ْأ َس ُه بَدَ ْ‬
‫ول اهللِ ﷺ َأ ْن ُن َغط َي َر ْأ َس ُه‪َ ،‬ون َْا َع َل َع َلى ِر ْج َل ْي ِه شـي ًئا مِ ْن إِ ْذ ِخ ُر»(‪،)1‬‬ ‫َر ْأ ُس ُه‪َ ،‬ف َأ َم َرنَا َر ُس ُ‬
‫وحديث أم عطية ڤ‪ ،‬وفيه‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ َأ ْع َطانَا ِح ْق َو ُه ‪َ -‬ت ْعنِي إِ َز َار ُه‪َ -‬ف َق َال‪:‬‬
‫َأ ْش ِع ْرن ََها إِ ايا ُه» [متفق عليه](‪ ،)2‬هذا القدر الواجب‪ ،‬فلو اقتصـر عليه أجزأ‪ ،‬والسنة أن ال‬
‫تقل اللفائف عن ثالث‪ ،‬كما ُفعل برسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫ُ ْ‬
‫أس المح ِر ِم)‪ :‬فال ياوز تغطيته؛ ألنه يبعث يوم القيامة ملبيًا؛ لقوله ﷺ‬ ‫( ِس َوى َر ِ‬
‫ِ ِ‬
‫يف الذي مات وهو محرم‪َ « :‬وال ُت َخم ُروا َر ْأ َس ُه‪َ ،‬فإِ ان َ‬
‫اهلل َي ْب َع ُث ُه َي ْو َم ا ْلق َيا َمة ُي َلبى» [متفق‬

‫عليه](‪.)3‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫حرم ِة)‪ :‬قياسًا على المحرم؛ ألهنا تبعث يوم القيامة ملبية‪ ،‬وقد قال‬ ‫(ووج ِه الم ِ‬
‫س ال ُق اف َاز ْي ِن» [متفق عليه](‪ ،)4‬إال إن كان‬ ‫الم ْر َأ ُة ال ُم ْح ِر َم ُة‪َ ،‬و َ‬
‫ال َت ْل َب ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ال َتنْت َِق ِ‬
‫ﷺ‪َ « :‬‬
‫سـيحضـر جنازهتا غير المحارم‪ ،‬فياب تغطية الوجه كحال الحياة‪.‬‬
‫َ َ ََ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َشة)‪ :‬فال يكون شفافًا؛ ألنه ال يسرت‪ ،‬والسنة أن يكون‬ ‫(بِثوب ال ي ِصف الب‬
‫الكفن نظيفًا سابغًا ِفيقًا يسرت جميع البدن؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َك اف َن َأ َحدُ ُك ْم َأ َخا ُه‬
‫َف ْل ُي ْح ِس ْن َك َفنَه» [رواه مسلم](‪.)5‬‬
‫ويدخل يف اإلحسان‪ :‬نظافته‪ ،‬وكثافته‪ ،‬وسرته‪ ،‬وتوسطه‪ ،‬وياعل أحسن‬
‫ألن الكفن للميت بمثابة ال ّلباس‬
‫ال ّلفائف أعالها‪ ،‬فيظهر للنّاس حسن الكفن؛ ّ‬
‫للحي‪.‬‬
‫وليس المراد السـرف فيه والمغاالة‪ ،‬ويف البخاري عن أبي بكر ﭬ قوله‪:‬‬
‫ثوبي هذين؛ ألن الحي أحوج إلى الاديد من الميت‪ ،‬وإنما هو للمهلة‬
‫«كفنوين يف ا‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )3621‬من حديث خباب ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)616‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)33‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )1636‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )243‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫‪693‬‬ ‫ني امليتِ‬
‫ل يف تَكف ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫والرتاب»(‪.)1‬‬
‫ْ َ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫(وَيِ ُب‪ :‬أن يكون مِن ملب ِ‬
‫وس مِثلِ ِه)‪ :‬يف العادة؛ ألنه ال إجحاف فيه على‬
‫الميت‪ ،‬وال ياوز المغاالة يف الكفن واإلسـراف فيه‪ ،‬لما فيه من إضاعة المال وقد‬
‫[متفق‬ ‫قال ﷺ‪« :‬إن اهلل كره لكم ثالثًا‪ :‬قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعة المال»‬
‫عليه](‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫(ما لم يو ِص بِدون ِ ِه)‪ :‬فيعمل بوِـيته؛ ألنه حقه وقد أسقطه‪.‬‬
‫ْ ُْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه ُ‬ ‫ُّ ه ُ َ‬
‫الث لفائ ِف بِيض‪ ،‬مِن قطن)‪ :‬السنة يف كفن‬ ‫(والسنة‪ :‬تك ِفي الرج ِل‪ :‬يف ث ِ‬
‫الرجل‪:‬‬
‫اض‪َ ،‬فإِن َاها مِ ْن َخ ْي ِر ثِ َيابِ ُك ْم‪،‬‬ ‫أن يكون أبيضًا؛ لقوله ﷺ‪« :‬ا ْل َب ُسوا مِ ْن ثِ َيابِ ُك ُم ا ْل َب َي َ‬
‫يها َم ْو َتا ُك ْم»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َوكَفنُوا ف َ‬
‫اب َي َمان ِ َي ُة‪ ،‬بِ ُ‬
‫يض‪،‬‬ ‫وأن يكون ثالثة أثواب؛ ألن رسول اهلل ﷺ « ُكف َن فِي َثالَ َث ِة َأ ْث َو ُ‬
‫ال ِع َما َم ٌة» [متفق عليه](‪.)4‬‬ ‫يص َو َ‬ ‫ف‪َ ،‬ليس فِ ِ ِ‬
‫يه ان َقم ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫سحولِي ُة‪ ،‬مِن ُكرس ُ‬
‫ْ ْ ُ‬ ‫َ ُ ا‬
‫وأن يطيب ويبخر الكفن؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ ْج َم ْر ُت ُم ا ْل َمي َت‪َ ،‬ف َأ ْج ِم ُرو ُه َث َال ًثا»(‪.)5‬‬
‫ولو ُدهن جسده بالطيب جاز‪ ،‬فقد ثبت عند ابن أبي شـيبة أن ابن عمر ﭭ‪:‬‬
‫«طلي بالمسك»‪ ،‬وروي نحوه عن أنس ﭬ(‪ ،)6‬إال من مات محرمًا فيانب‬
‫الطيب؛ لقوله ﷺ‪« :‬وال تطيبوه»(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )1361‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1411‬ومسلم (‪ )523‬من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)3616‬والرتمذي (‪ ،)224‬وابن ماجه (‪ )1412‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬وِححه‬
‫الرتمذي‪ ،‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)611/4‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)62‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1264‬ومسلم (‪ )241‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد (‪ ،)14540‬وابن حبان (‪ ،)3031‬والحاكم (‪ )506/1‬من حديث جابر ﭬ‪ .‬وِححه‬
‫النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)251/2‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)64‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)461-460/2‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)33‬‬

‫‪623‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪694‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ً ُ َ ُّ َ َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫عضها‪ ،‬ويوضع عليها مستل ِق َيا‪ ،‬ث هم ي ُرد َط َرف العليا م َِن‬ ‫قوهل‪( :‬تبسط َىلع ب ِ‬
‫َ ُ ه ََ‬ ‫َ‬
‫يم َ‬ ‫َ ُه َ َََ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫يرس‪ ،‬ث هم اثلانِية‪،‬‬
‫ِ‬ ‫األ‬ ‫ىلع‬ ‫ن‬ ‫األ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ف‬‫ر‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫األيم‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫يرس ىلع ِش‬
‫ُاجلان ِِب َاأل ِ‬
‫َ‬ ‫ه ه َ‬
‫اثلة كذل ِك)‪.‬‬‫ثم اثل ِ‬
‫ِفة تكفين الميت‪:‬‬
‫أن يحضـر ثالث لفائف بيض‪ ،‬يبسط بعضها فوق بعض‪ ،‬وياعل أعالها‬
‫أحسنها وأوسعها‪ ،‬ثم يرشها بماء مطيب‪ ،‬وياعل حنوطًا بين األكفان‪.‬‬
‫ثم يوضع الميت عليها مستلقيًا على ظهره‪.‬‬
‫ثم يأيت بقطعة قماش قدر السوأتين‪ ،‬ثم يلفها على فرجه وإليته‪ ،‬ويربطها لتنشد‬
‫عليه‪ ،‬وإن خشـي من خروج شـيء فله أن ياعل بين إليتيه قطنًا ليرد ما يخرج عند‬
‫تحريكه وتقليبه‪ ،‬وقد قال هبذا طائفة من السلف‪ ،‬منهم‪ :‬عطاء‪ ،‬والحسن‪،‬‬
‫وإسحاق‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد رحمهم اهلل‪.‬‬
‫ثم يلف الكفن‪ ،‬وياعل أكثر الفاضل من الكفن عند رأسه‪.‬‬
‫ثم يعقدها ويربطها لئال تنتشـر‪ ،‬فإذا أدخل القرب حلوا العقد؛ لقول ابن مسعود‬
‫ﭬ‪« :‬إذا أدخلتم الميت فحلوا العقد»(‪.)1‬‬
‫ولو جعل مع الكفن قميصًا ُيلبس جاز؛ لما روى البخاري‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ‬
‫ألبس عبداهلل بن ُأبي قميصه لما مات»(‪.)2‬‬
‫هذه ِفة تكفين الرجل والمرأة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ذكره ِاحب الروض المربع (‪ ،)13/3‬وقال‪ :‬رواه األثرم‪ .‬وروي عند أبي داود يف المراسـيل (‪،)412‬‬
‫والبيهقي (‪ .)511/3‬وضعفه األلباين يف السلسلة الضعيفة (‪.)1163‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)4610‬ومسلم (‪ )2400‬من حديث عبداهلل بن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪624‬‬
‫‪695‬‬ ‫ني امليتِ‬
‫ل يف تَكف ِ‬
‫فَصْ ٌ‬
‫َ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫قوهل‪( :‬واألنَث‪ :‬يف مخس ِة أثواب بِيض‪ ،‬مِن قطن؛ إزار‪ ،‬ومخار‪ ،‬وق ِميص‪،‬‬
‫َ ََ‬
‫ي‪.‬‬‫ول ِفاف َ ِ‬
‫ت‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ه َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ه‬
‫ي)‪.‬‬
‫ِب‪ :‬يف ثوب‪ ،‬ويباح‪ :‬يف ثالثة‪ .‬والص ِغرية‪ :‬يف ق ِميص ول ِفافت ِ‬ ‫والص ُّ‬
‫ِ‬
‫المرأة يستحب تكفينها بخمسة أثواب‪ ،‬فتزيد على الرجل بثوبين؛ ألنه أسرت‬
‫لها؛ لحديث ليلى الثقفية يف تكفين ابنة النبي ﷺ‪« :‬يف خمسة أثواب»‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َُ ُ‬
‫(ويباح‪ :‬يف ثالثة)‪ :‬كالرجل؛ ألن الرسول ﷺ كفن يف ثالثة أثواب‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫قوهل‪( :‬ويُ َ‬
‫ي بشعر‪ ،‬وصوف‪ ،‬وم َزعفر‪ ،‬ومعصفر‪ ،‬ومنقوش)‪.‬‬ ‫كرهُ‪ :‬اتلهك ِف‬
‫يف حق الرجال والنساء؛ ألنه لم ينقل عن الرسول ﷺ‪ ،‬والصحابة‪ ،‬والتابعين‬
‫لهم بإحسان‪.‬‬
‫ُُ ْ‬
‫ِبدل)‪.‬‬‫قوهل‪( :‬وَيرم‪ِ ِ :‬‬
‫فيحرم التكفين بالالود؛ لما روى أبو داود عن ابن ع ّباس ﭭ َق َال‪َ « :‬أ َم َر‬
‫ول اهللِ ﷺ بِ َق ْت َلى ُأ ُح ُد َأ ْن ُين َْز َع َعنْ ُه ُم ا ْل َح ِديدُ َوا ْل ُا ُلو ُد‪َ ،‬و َأ ْن ُيدْ َفنُوا بِ ِد َمائِ ِه ْم‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َوثِ َيابِ ِه ْم»(‪.)1‬‬
‫ُ َ ه‬ ‫َ‬
‫قوهل‪( :‬وح ِرير‪ ،‬ومذهب)‪.‬‬
‫ويحرم تكفين الرجال بكفن من حرير أو مذهب‪.‬‬
‫وأما النساء فينهى عنه؛ لما فيه من المباهاة واإلسـراف‪ ،‬وألنه خالف عمل‬
‫السلف‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪ ،)665‬وهو ضعيف‪.‬‬

‫‪625‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪696‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬ ‫‪F‬‬


‫(يف الصال ِة على امليتِ)‬

‫ذكر أحكام الصالة على الميت‪ ،‬وكيفيتها‪.‬‬


‫ه ُ َ َ َ ُ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬والصالة علي ِه‪ :‬ف ْرض ك ِفاية)‪.‬‬
‫ألمر النبي ﷺ هبا يف قولـه ﷺ‪ُّ ِ« :‬لوا َع َلى ِ ِ‬
‫احب ِ ُك ْم» [متفق عليه](‪ ،)1‬وقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫« َِ ُّلوا َع َلى الن َاااشـي» [متفق عليه](‪ ،)2‬ومحافظته على الصالة على األموات‪ ،‬وكذا‬
‫الصحابة ﭫ من بعده‪ ،‬فال ياوز دفن مسلم قبل الصالة عليه إال الشهيد‪.‬‬
‫والواجب الصالة على كل مسلم بر ًا كان أو فاجر ًا‪ ،‬ولو كان ِغير ًا‪ ،‬أو ظالمًا‪،‬‬
‫حد‪ ،‬أو قصاص‪ ،‬أو قتل نفسه‪ ،‬هذا قول عامة العلماء‪ ،‬وقد قال رسول اهلل‬ ‫أو ُقتل يف ُ‬
‫اح َب ُك ْم َغ ال فِي َسبِي ِل اهللِ»(‪ ،)3‬فالرسول ﷺ لما‬
‫احبِ ُكم‪ ،‬إِ ان ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ﷺ‪ُّ ِ«:‬لوا َع َلى ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ترل الصالة على الغال زجر ًا ألمثاله أمر أِحابه أن يصلوا عليه ليأتوا بالواجب‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬ومن امتنع من الصالة على أحدهم ‪-‬يعني القاتل‪،‬‬
‫والغال‪ ،‬والمدين الذي ليس له وفاء‪ -‬زجر ًا ألمثاله عن مثل فعله كان حسنًا‪ ،‬ولو‬
‫امتنع يف الظاهر ودعا له يف الباطن ليامع بين المصلحتين كان أولى من تفويت‬
‫إحداهما»(‪.)4‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ ُ َه‬
‫قوهل‪( :‬وتسقط‪ :‬بِملكف‪ ،‬ولو أنَث)‪.‬‬
‫إذا ِ ّلى عليه مكلف واحد ذكر أو أنثى‪ ،‬سقط الفرض‪ ،‬فال يشرتأ إلقامتها‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2226‬ومسلم (‪ )1612‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)3611‬ومسلم (‪ )252‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)2110‬والنسائي (‪ ،)1252‬وابن ماجه (‪ ،)2646‬وأحمد (‪ )11031‬من حديث زيد بن‬
‫خالد ﭬ‪ .‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪)126‬؛ لاهالة أبي عمرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬االختيارات ص (‪.)52‬‬

‫‪626‬‬
‫‪697‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫جماعة‪ ،‬وال ذكورية‪ ،‬وفرض الكفاية هنا يسقط بواحد بشـرأ كونه مكلفًا؛ ألن‬
‫الصالة على الانازة فرض‪ ،‬والفرض ال يقوم به إال المكلف‪.‬‬
‫َ ُْ‬
‫َ‬
‫الع َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫هُ‬ ‫ُ ُ ُ َ ٌَ‬
‫ورة ِ‪.‬‬‫ورشوطها ثمانِية‪ :‬انلية‪ .‬واتلهلكِيف‪ .‬واستِقبال ال ِقبلةِ‪ .‬وسَّت‬ ‫قوهل‪( :‬‬
‫ُ َ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ َ ِّ‬ ‫َ ُ ه َ َ‬
‫المصيل‬ ‫ت‪ ،‬إن اكن بابلدلِ‪ .‬وإسالم‬ ‫واجتِناب انلجاسةِ‪ .‬وحضور المي ِ‬
‫ُ ْ‬
‫َّتاب ل ِعذر)‪.‬‬ ‫ار ُت ُهما‪ ،‬ولَو ب ُ َ‬
‫وط َه َ‬
‫َ‬
‫‪.‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫ُ َ ه َ‬
‫والمصىل عل‬
‫ِ‬ ‫ُ ُ ُ َ ٌَ‬
‫(ورشوطها ثمانِية)‪ :‬لصحة الصالة على الانازة ثمانية شـروأ‪:‬‬
‫هُ‬
‫(انلية)‪ :‬أن ينوي ِالة الانازة؛ ألهنا عبادة‪ ،‬فال تصح إال هبا‪.‬‬
‫ُ‬
‫(واتلهلكِيف)‪ :‬وغير المكلف تصح منه‪ ،‬وال يسقط به الفرض‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫الع َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ورة ِ‪ .‬واجتِناب انلهجاس ِة)‪ :‬ألهنا من الصلوات‪،‬‬ ‫(واستِقبال ال ِقبلةِ‪ .‬وسَّت‬
‫فتأخذ حكمها يف اشرتاأ ذلك‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫ُ ُ ُ َ ِّ‬
‫دل)‪ :‬ألنه ال ِالة بدون ميت‪ ،‬ولم ينقل أن رسول‬ ‫ت‪ ،‬إن اكن بابل ِ‬‫(وحضور المي ِ‬
‫ﷺ ِلى على ميت حاضـر يف البلد إال والانازة بين يديه‪.‬‬
‫َ ََ‬
‫ليستثن اشرتاأ ذلك لمن كان غائبًا‪ ،‬فالمذهب والشافعية‬ ‫ِ‬ ‫دل)‪:‬‬
‫بابل ِ‬ ‫(إن اكن‬
‫يرون ِحة الصالة على الغائب مطلقًا على كل مسلم‪ُِ ،‬لي عليه أم ال‪.‬‬
‫واستدلوا‪« :‬بصالة رسول اهلل ﷺ على النااشـي»‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ال تشـرع مطلقًا‪ :‬وهذا مذهب الحنفية‪ ،‬والمالكية‪.‬‬
‫خلق كثير من الصحابة ﭫ خارج المدينة‪ ،‬ولم ينقل أن‬
‫واستدلوا‪ :‬بأنه مات ٌ‬
‫رسول اهلل ﷺ ِلى عليهم‪.‬‬
‫وأيضًا‪ :‬لم يصل المسلمون خارج المدينة على رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال الخلفاء‬
‫الراشدون ﭫ‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن كان من أهل الفضل واألثر يف المسلمين‪ ،‬كأهل العلم الكبار‪،‬‬
‫والخلفاء‪ ،‬ونحوهم ِلى عليه‪ ،‬وإال فال(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬واختارته اللانة الدائمة (‪.)416/6‬‬

‫‪621‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪698‬‬

‫والراجح‪ :‬التفصـيل وبه تاتمع األدلة‪ :‬وهو أنه ال يصلى على الغائب إال إذا‬
‫كان لم يصل عليه؛ ألن الصالة على الانازة عبادة‪ ،‬وهي توقيفية‪ ،‬ولم يحفظ عن‬
‫رسول اهلل ﷺ ِالة الغائب إال على النااشـي؛ ألنه مات بين أمة مشـركة‪ ،‬وهم‬
‫ليسوا من أهل الصالة على الميت‪ ،‬ومن كان منهم أسلم‪ ،‬فال يعرف كيفية الصالة‬
‫على الميت‪ ،‬فلذا ِلى عليه النبي ﷺ‪ ،‬وقد مات جملة من الصحابة من أهل‬
‫الفضل ولم ينقل أن رسول اهلل ﷺ أو الخلفاء الراشدون ﭫ ِلوا عليهم‪ ،‬وهذا‬
‫اختيار شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وشـيخنا ابن عثيمين(‪.)1‬‬
‫ُ ُ َ ِّ‬
‫(وإسالم المصيل)‪ :‬فال تصح ِالة الكافر؛ ألن عباداته مردودة‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾‪.‬‬
‫ُ َ ه َ‬
‫(والمصىل علي ِه)‪ :‬ألن الصالة على الكافر ال تاوز؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾‪،‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ﴾‪.‬‬
‫ومن حكمنا بكفره من أهل البدع فال تاوز الصالة عليه(‪.)2‬‬
‫َّتاب ل ِعذر)‪ :‬فال تصح ِالة الانازة إال بطهارة؛ لقوله ﷺ‪:‬‬
‫ُ ْ‬ ‫ار ُت ُهما‪ ،‬ولَو ب ُ َ‬ ‫وط َه َ‬
‫َ‬
‫(‬
‫ِ‬
‫ث َحتاى َيت ََو اض َأ» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫اهلل َِالَ َة َأ َح ِد ُك ْم إِ َذا َأ ْحدَ َ‬
‫ال َي ْق َب ُل ُ‬
‫« َ‬
‫َ َُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ه َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ ٌََ‬
‫الفاحتَةِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ريات األربع‪ .‬وق ِراءة‬ ‫رضها‪ .‬واتلكبِ‬ ‫قوهل‪( :‬وأرَكنها سبعة‪ :‬ال ِقيام يف ف ِ‬
‫لكن‪ :‬ال َي َت ه ُ‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫والَّتت ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َُه‬ ‫ه ُ‬
‫عي‬ ‫ِيب‪.‬‬ ‫وادلاع ُء للميت‪ .‬والسالم‪.‬‬ ‫والصالة ىلع ُممد‪.‬‬
‫َُ ُ َ َ ه َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ ُ ُّ َ‬
‫الرابِع ِة)‪.‬‬ ‫اثلةِ‪ ،‬بل َيوز بعد‬ ‫ادلاعءِ يف اثل ِ‬ ‫كون‬
‫َ ُ َ ٌََ‬
‫(وأرَكنها سبعة)‪ :‬ال تصح بدوهنا‪.‬‬
‫(‪ )1‬المغني (‪ ،)436/3‬زاد المعاد (‪ ،)501/1‬الشـرح الممتع (‪ ،)436/5‬الروض المربع (‪.)101/3‬‬
‫(‪ )2‬الكايف البن قدامة ‪ ،366/1‬الموسوعة الفقهية الكويتية (‪.)31/16‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)214‬‬

‫‪626‬‬
‫‪699‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫َ ُ َ َ‬
‫رضها)‪ :‬أي القيام مع القدرة يف فرضها‪ ،‬وهي الصالة األولى عليه‪،‬‬ ‫(ال ِقيام يف ف ِ‬
‫وأما الثانية فهي نافلة‪ ،‬فأشبهت النوافل يف جوازها قاعد ًا‪.‬‬
‫ه َ ُ َ َُ‬
‫(واتلكبِريات األربع)‪ :‬فال تاز بأقل من أربع تكبيرات؛ ألنه لم يثبت أن‬
‫رسول اهلل ﷺ أنقص عن أربع‪ ،‬وقد قال ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ِم َل َع َم ًال َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو‬
‫َر ٌّد» [متفق عليه](‪ ،)1‬وأما الزيادة على أربع فاائز؛ لثبوهتا عنه ﷺ‪.‬‬
‫َ َُ‬
‫ال َِالَ َة ل ِ َم ْن َل ْم َي ْق َر ْأ‬ ‫الفاحتَ ِة)‪ :‬كسائر الصلوات؛ لعموم قوله ﷺ‪َ « :‬‬ ‫ِ‬ ‫(وق ِراءة‬
‫آن َف ِه َي‬ ‫َاب» [متفق عليه](‪ ،)2‬وقال‪« :‬من ِ الى ِ َال ًة َلم ي ْقر ْأ فِيها بِ ُأم ا ْل ُقر ِ‬ ‫بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اج ‪َ -‬ث َال ًثا‪َ -‬غ ْي ُر َت َما ُم» [رواه مسلم](‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫خدَ ٌ‬
‫َاب‪،‬‬ ‫وروى البخاري أن ابن عباس ﭭ ِلى َع َلى َجن ََاز ُة َف َق َر َأ بِ َفاتِ َح ِة الكِت ِ‬
‫و َق َال‪« :‬لِي ْع َل ُموا َأن َاها ُسنا ٌة»(‪ ،)4‬وهو قول الشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪.‬‬
‫السنا ُة فِي‬ ‫وتقرأ سـر ًا ال جهر ًا؛ لما روى النسائي عن أبي أمامة ﭬ قال‪ُّ « :‬‬
‫الص َال ِة َع َلى ا ْلان ََاز ِة َأ ْن ي ْقر َأ فِي ال ات ْكبِير ِة ْاألُو َلى ب ِ ُأم ا ْل ُقر ِ‬
‫آن ُم َخا َف َت ًة»(‪.)5‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫َُه‬ ‫ه ُ‬
‫(والصالة ىلع ُممد)‪ :‬وقال بركنيتها يف ِالة الانازة وتوقف ِحة الصالة‬
‫الشافعي‪ ،‬وأحمد فِي المشهور من مذهبهما‪.‬‬ ‫عليها‪ّ :‬‬
‫ودليلهم‪ :‬أنه وارد عن الرسول ﷺ والصحابة فعله‪ ،‬فروى الحاكم وِححه‬
‫الص َال ِة‬ ‫ِ‬
‫السنا َة في ا‬ ‫رجل من أِحاب النّبي ﷺ‪َ « :‬أ ان ُّ‬ ‫عن أبي أمامة بن سه ُل أنّه أخربه ٌ‬
‫َاب َب ْعدَ ال ات ْكبِ َير ِة ْاألُو َلى سـرا فِي‬ ‫اإل َما ُم‪ُ ،‬ث ام َي ْق َر َأ بِ َفاتِ َح ِة ا ْلكِت ِ‬
‫َع َلى ا ْل َان ََاز ِة َأ ْن ُي َكبر ْ ِ‬
‫َ‬
‫ات‪َ ،‬و َال َي ْق َر ُأ فِي‬‫َن ْف ِس ِه‪ُ ،‬ثم يصلي َع َلى النابِي ﷺ‪ ،‬وي ْخلِص الدُّ َعاء ل ِ ْلان ََاز ِة فِي ال ات ْكبِير ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ا ُ َ َ‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)215‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص(‪.)326‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص(‪.)326‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪.)1335‬‬
‫(‪ )5‬رواه النسائي (‪ )1262‬من حديث أبي أمامة بن سهل ﭬ‪ .‬وِححه النووي يف الماموع (‪،)233/5‬‬
‫واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪ .)111‬وانظر‪ :‬الماموع (‪.)232/5‬‬

‫‪622‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪700‬‬

‫ُ‬
‫شـيء مِنْ ُه ان‪ُ ،‬ث ام ُي َسل َم سـرا فِي َن ْف ِس ِه»(‪ .)1‬وأي نوع من الصالة على الرسول ﷺ‬
‫ياز ‪ ،‬واألولى أن يص ّلي عليه ﷺ يف الانازة كما يص ّلي عليه يف الت ّ‬
‫ّشهد؛ ألن‬
‫الصالة عليه(‪.)3()2‬‬
‫النّبي ﷺ علم ذلك أِحابه لما سألوه عن كيفية ّ‬
‫َ ِّ‬ ‫ُّ َ‬
‫وادلاع ُء للميت)‪ :‬لفعله ﷺ‪ ،‬ونقل فيه ما لم ينقل يف القراءة‪ ،‬وألمره بقوله‪:‬‬ ‫(‬
‫«إِ َذا ِ الي ُتم َع َلى ا ْلمي ِ‬
‫ت َف َأ ْخلِ ُصوا َل ُه الدُّ َعا َء»(‪ ،)4‬وهذا يشمل إخالص الدعاء‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫للميت‪ ،‬واإلخالص هلل يف السؤال‪.‬‬
‫وقال النووي‪« :‬الدعاء واجب يف الثالثة بال خالف»(‪.)5‬‬
‫ويراعي ما ثبت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فهو أكمل‪ ،‬وإن دعا بغيره جاز‪.‬‬
‫ه ُ‬
‫(والسالم)‪ :‬ألنه ﷺ كان يسلم يف ِالة الانائز‪ ،‬وقال‪ِ« :‬لوا كما رأيتموين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أِلي» ‪ ،‬وقال يف الصالة‪َ « :‬و َت ْحلي ُل َها الت ْاسل ُ‬
‫يم» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي](‪.)7‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫والسنة أن تكون تسليمة واحدة‪ :‬هذا المنقول عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وبه قال‬
‫ول ﷺ َِ الى َع َلى ِجن ََاز ُة َف َك اب َر َع َل ْي َها َأ ْر َب ًعا‪،‬‬ ‫الامهور‪ ،‬ف َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ان ََاز ِة»(‪.)8‬‬ ‫وس الم َتسلِيم ًة التاسلِيم ُة ا ْلو ِ‬
‫احدَ ُة َع َلى ا ْل ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫(‪ )1‬رواه الشافعي يف مسنده (‪( )561‬ترتيب السندي)‪ ،‬والحاكم (‪ ،)512/1‬والبيهقي (‪ )64/4‬من حديث أبي‬
‫أمامة أنه أخربه رجل من أِحاب النبي ﷺ‪ ،‬فذكره‪ .‬وِححه الحاكم‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)134‬‬
‫(‪ )2‬كما يف حديث كعب بن عارة ﭬ‪ :‬رواه البخاري (‪ ،)3310‬ومسلم (‪.)406‬‬
‫(‪ )3‬جالء األفهام ص (‪.)364‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)3122‬وابن ماجه (‪ )1421‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وِححه ابن حبان (‪،)3016‬‬
‫وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)132‬‬
‫(‪ )5‬الماموع (‪.)236/5‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص(‪.)341‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)30‬‬
‫(‪ )6‬رواه الحاكم (‪ ،)513/1‬والبيهقي يف السنن (‪ )10/4‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال الحاكم‪« :‬قد‬
‫ِحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب‪ ،‬وعبداهلل بن عمر‪ ،‬وعبداهلل بن عباس‪ ،‬وجابر بن عبداهلل بن أبي‬
‫أوىف‪ ،‬وأبي هريرة أهنم كانوا يسلمون على الانازة تسليمة واحدة»‪ ،‬وحسنه األلباين يف أحكام الانائز ص‬
‫(‪.)122‬‬

‫‪100‬‬
‫‪701‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫قيل لإلمام أحمد‪ :‬أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يسلم على الانازة‬
‫تسليمتين؟ قال‪« :‬ال‪ ،‬ولكن عن ستة من أِحاب النبي ﷺ أهنم كانوا يسلمون‬
‫تسليمة واحدة خفيفة عن يمينه»(‪.)1‬‬
‫وقواه‬‫وجود إسناده النووي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وياوز أن ُيسلم اثنتان؛ لما روى الطرباين‪،‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْف َع ُل ُه ان‪َ ،‬ت َر َك ُه ان‬ ‫الهيثمي عن ابن مسعود ﭬ قال‪ِ « :‬خ َال ٌل ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫الص َال ِة»(‪ ،)2‬كما هو‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اإل َما ِم في ا ْل َان ََازة م ْث َل َت ْسلِيمه في ا‬
‫ِ‬ ‫ااس‪ ،‬إِ ْحدَ ُاه ان‪َ :‬تسلِيم ْ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫الن ُ‬
‫مذهب أبي حنيفة(‪.)3‬‬
‫ه‬
‫والَّتت ُ‬
‫ِيب)‪ :‬بين األركان‪ ،‬فال ُي َقدم ركنًا على اآلخر‪.‬‬ ‫(‬
‫ُ ُ َ َ ه َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫لكن‪ :‬ال َي َت ه ُ‬
‫ْ‬
‫الرابِع ِة)‪ :‬فالسنة الدعاء‬ ‫اثلةِ‪ ،‬بل َيوز بعد‬ ‫ادلاعءِ يف اثل ِ‬ ‫عي كون‬ ‫(‬
‫بعد التكبيرة الثالثة‪ ،‬وياوز أن يدعوا بعد الرابعة؛ لما روى ابن ماجه عن ابن أبي‬
‫اهلل َأ ْن‬
‫ول َما َشا َء ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان ُي َكب ُر َأ ْر َب ًعا‪ُ ،‬ث ام َي ْم ُك ُث َسا َعةً‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫أوىف ﭬ‪« :‬أن َر ُس َ‬
‫َي ُق َ‬
‫ول‪ُ ،‬ث ام ُي َسل ُم»(‪.)4‬‬
‫َ‬
‫َ َ ُ ه ُ َ ِّ َ َ َ َ َ َ ُ ه ُ َ‬ ‫َُ‬
‫َب‪ ،‬ويُ َص ِّ َ‬
‫يل ىلع‬ ‫ك ِّ َ‬ ‫احتة‪ .‬ثم ي‬ ‫نوي‪ .‬ثم يكَب‪ ،‬ويقرأ الف ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصفتها‪ :‬أن ي‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫ه ُ ه َ ُ هُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ ُ ه ُ َ ِّ َ َ ُ َ َ ِّ‬ ‫َُه َ‬
‫حو‪« :‬اللهم ارمحه»‪ .‬ثم‬ ‫ت َبن َ ُ ِ‬
‫ُممد‪ ،‬ك ِِف التشه ِد‪ .‬ثم يكَب‪ ُ ،‬ويدعو للمي ِ‬
‫ُ‬
‫َ َ ه‬
‫ورمحة اَّلل»)‪.‬‬ ‫حدة‪ ،‬ولو لم يقل‪« :‬‬
‫ٌَ‬ ‫ُ‬ ‫ك ِّ َ َ َ َ ً ُ َ ِّ َ‬ ‫ُ َ‬
‫َب‪ ،‬وي ِقف قلِيال‪ ،‬ويسلم‪ .‬وجت ِزئ وا ِ‬ ‫ي‬
‫أي الصالة على الانازة‪.‬‬
‫َ‬
‫نو َي)‪ :‬الصالة على الانازة‪ ،‬وتقدم أنه شـرأ‪.‬‬ ‫(أن ي ِ‬
‫ُه ُ َ‬
‫ك ِّ َ‬
‫َب)‪ :‬وهي تكبيرة اإلحرام لهذه الصالة‪ ،‬ويرفع يديه يف التكبيرة األولى‬ ‫( ثم ي‬

‫(‪ )1‬الكايف البن قدامة (‪.)365/1‬‬


‫(‪ )2‬رواه الطرباين يف المعام الكبير (‪ ،)10022‬البيهقي يف السنن (‪ .)11/4‬قال النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪« :)262/2‬رواه البيهقي بإسناد جيد»‪ .‬وحسنه األلباين يف أحكام الانائز ص (‪.)121‬‬
‫(‪ )3‬عمدة القاري (‪.)123/6‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه (‪ )1503‬من حديث ابن أبي أوىف ﭬ‪ .‬وضعفه البوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪،)32/2‬‬
‫وِححه األلباين يف أحكام الانائز ص (‪.)126‬‬

‫‪101‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪702‬‬

‫ول اهللِ ﷺ َك اب َر‬


‫باإلجماع‪ ،‬نقله ابن المنذر(‪)1‬؛ وروي فيه حديث ضعيف‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫َع َلى َجن ََاز ُة‪َ ،‬ف َر َف َع َيدَ ْي ِه فِي َأ او ِل َت ْكبِ َير ُة‪َ ،‬و َو َض َع ال ُي ْمنَى َع َلى ال ُيسـرى»(‪.)2‬‬
‫وأما بقية التكبيرات‪ :‬فاألولى أن يرفع يديه يف كل تكبيرة؛ لألثر والقياس‪.‬‬
‫َان َي ْر َف ُع َيدَ ْي ِه فِي ُكل‬
‫أما األثر‪ :‬فلوروده عن ابن عمر ﭭ بسند جيد‪« :‬أنه ك َ‬
‫ان ََاز ِة»(‪ .)3‬وكذا عن أنس ﭬ(‪ ،)4‬وروي ذلك عن كثير من السلف‪،‬‬ ‫َت ْكبِير ُة َع َلى ا ْل ِ‬
‫َ‬
‫منهم‪ :‬عمر ابن عبدالعزيز‪ ،‬وعطاء ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫وقياسًا على الصالة المفروضة‪ ،‬حيث يشـرع فيها رفع اليدين يف كل تكبيرة‬
‫وهو قائم‪ ،‬فقاسوه عليه لما كانت التكبيرات حال القيام‪.‬‬
‫ولم يثبت رفع اليدين يف تكبير الانازة عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وما روي عنه فسنده‬
‫ضعيف‪ ،‬كما بين علته الدارقطني‪ ،‬وابن حار‪ ،‬واأللباين‪.‬‬
‫وقال بالرفع يف تكبيرات ِالة الانازة أكثر العلماء‪ ،‬قال الرتمذي‪َ « :‬ر َأى َأ ْك َث ُر‬
‫الر ُج ُل َيدَ ْي ِه فِي ُكل َت ْكبِ َير ُة‬ ‫ِ‬
‫اب النابِي ﷺ َو َغ ْي ِره ْم‪َ :‬أ ْن َي ْر َف َع ا‬ ‫الع ْل ِم مِ ْن َأ ِْ َح ِ‬ ‫َأ ْه ِل ِ‬
‫اق»(‪.)6‬‬‫الشافِ ِعي‪َ ،‬و َأ ْح َمدَ ‪َ ،‬وإِ ْس َح َ‬
‫الم َب َار ِل‪َ ،‬و ا‬ ‫ِ‬
‫الان ََازة‪َ ،‬و ُه َو َق ْو ُل ا ْب ِن ُ‬
‫َع َلى َ‬
‫واألولى أن يضع يديه على ِدره‪ ،‬ويقبض يده اليسـرى باليمنى على ِدره؛‬
‫لألحاديث العامة‪ ،‬فإهنا تشمل الانازة وغيرها‪ ،‬كما روى البخاري َع ْن َس ْه ِل ْب ِن‬
‫اع ِه‬‫ون َأ ْن ي َضع الرج ُل اليدَ اليمنَى َع َلى ِذر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ َ ا ُ‬ ‫ااس ُي ْؤ َم ُر َ‬
‫َان الن ُ‬ ‫َس ْع ُد ﭬ َق َال‪« :‬ك َ‬

‫(‪ )1‬اإلجماع ص (‪.)44‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )1011‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وضعفه الرتمذي‪ ،‬والنووي يف الخالِة (‪،)264/2‬‬
‫والدارقطني يف العلل (‪ ،)150/2‬واأللباين يف الانائز ص (‪.)116‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شـيبة (‪ ،)420/2‬وِححه ابن حار يف التلخيص الحبير (‪.)332/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)12/4‬‬
‫(‪ )5‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)421 ،420/2‬‬
‫(‪ )6‬زاد المعاد (‪ ،)144/1‬فتح الباري (‪ ،)221/3‬أحكام الانائز ص (‪.)116‬‬

‫‪102‬‬
‫‪703‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫لصال َِة»(‪ ،)1‬وهنال أحاديث خاِة لكنها ضعيفة(‪.)2‬‬ ‫ِ‬


‫ال ُيسـرى ف َي ا ا‬
‫َ َ َ َ‬
‫احتَة)‪ :‬سـر ًا بعد التكبيرة األولى؛ لما تقدم أن ابن عباس ﭭ‪:‬‬ ‫(ويقرأ الف ِ‬
‫َاب‪َ ،‬ق َال‪ :‬لِت ْع َل ُموا َأن َاها ُسنا ٌة»(‪ ،)3‬ومذهب الشافعي‬
‫«ِلى َع َلى َجن ََاز ُة َف َق َر َأ بِ َفات ِ َح ِة الكِت ِ‬
‫وأحمد أهنا فرض‪.‬‬
‫وتكون قراءهتا سـر ًا ال جهر ًا؛ لما روى النسائي‪َ ،‬ع ْن َأبِي ُأ َما َم َة ﭬ َق َال‪:‬‬
‫«السنا ُة فِي الص َال ِة َع َلى ا ْلان ََاز ِة َأ ْن ي ْقر َأ فِي ال ات ْكبِير ِة ْاألُو َلى بِ ُأم ا ْل ُقر ِ‬
‫آن ُم َخا َف َت ًة»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُّ‬
‫َُه‬ ‫ُ ه ُ َ ِّ َ ُ َ َِّ‬
‫(ثم يكَب‪ ،‬ويصيل ىلع ُممد)‪ :‬أي ثم يكرب الثانية‪ ،‬ويصلي على النبي ﷺ‪،‬‬
‫وهي مشـروعة بال خالف‪ ،‬والمذهب وجوهبا‪.‬‬
‫ودليل مشـروعيتها‪ :‬ما رواه الحاكم وِححه عن َأبي ُأ َما َم َة ْب ُن َس ْه ُل ﭬ‪َ « :‬أ ان‬
‫َاب َب ْعدَ ال ات ْكبِ َير ِة‬
‫اإل َما ُم‪ُ ،‬ث ام َي ْق َر َأ بِ َفاتِ َح ِة ا ْلكِت ِ‬
‫الص َال ِة َع َلى ا ْل َان ََاز ِة َأ ْن ُي َكبر ْ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السنا َة في ا‬
‫ُّ‬
‫ْاألُو َلى سـرا فِي َن ْف ِس ِه‪ُ ،‬ث ام ُي َصل َي َع َلى النابِي ﷺ‪ ،»...‬والصحابة ال يقولون من السنة‬
‫إال لسنة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫َ ُّ‬ ‫َ‬
‫(ك ِِف التشه ِد)‪ :‬فصفة الصالة هنا كصفتها يف التشهد األخير المستحب منها‬
‫والواجب‪ ،‬فأي نوع من الصالة على الرسول ﷺ ياز ؛ ألنه لم تثبت ِفة معينة‬
‫يف الصالة على رسول اهلل ﷺ يف ِالة الانازة‪ ،‬فأي ِفة أتى هبا أجزأته‪ ،‬فلو قال‪:‬‬
‫«اللهم ِل وسلم على محمد» أجزأ‪ ،‬ولو جاء بالصالة اإلبراهيمية لكان أكمل(‪.)4‬‬
‫َ ُ‬ ‫هُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه ُ َ ِّ َ َ ُ َ َ ِّ‬
‫حو‪« :‬الله هم ارمحه»)‪ :‬أي ثم يكرب الثالثة‪ ،‬ويدعو‬
‫ِ‬ ‫بن‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫(ثم يكَب‪ ،‬ويدعو للم‬
‫للميت‪ ،‬ويخلص له الدعاء‪ ،‬ويراعي ما ثبت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو األكمل‪ ،‬وإن‬
‫دعا بغيره جاز‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )140‬من حديث سهل بن سعد ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أحكام الانائز ص (‪.)111‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)100‬‬
‫(‪ )4‬جالء األفهام ص (‪ ،)364‬أحكام الانائز ص (‪.)122‬‬

‫‪103‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪704‬‬

‫ويراعي ما ثبت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فهو أكمل‪ ،‬وإن دعا بغيره جاز‪ ،‬ومن دعائه‬
‫ف َعنْ ُه َو َأك ِْر ْم ُن ُز َل ُه‪َ ،‬و َوس ْع ُمدْ َخ َل ُه‪َ ،‬وا ْغ ِس ْل ُه‬ ‫ﷺ‪« :‬ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر َل ُه َو ْار َح ْم ُه‪َ ،‬و َعافِ ِه َوا َع ُ‬
‫س‪َ ،‬و َأبْ ِد ْل ُه‬ ‫اء َوال اث ْلجِ َوا ْل َب َر ِد‪َ ،‬ونَق ِه مِ َن ا ْل َخ َطا َيا ك ََما ُينَ اقى ال اث ْو ُب ْاألَ ْب َي ُض مِ َن الدا َن ِ‬ ‫بِا ْلم ِ‬
‫َ‬
‫َد ًارا َخ ْي ًرا مِ ْن َد ِار ِه‪َ ،‬و َأ ْه ًال َخ ْي ًرا مِ ْن َأ ْهلِ ِه‪َ ،‬و َز ْو ًجا َخ ْي ًرا مِ ْن َز ْو ِج ِه‪َ ،‬و َأ ْد ِخ ْل ُه ا ْل َاناةَ‪،‬‬
‫اب الن ِاار» [رواه مسلم](‪.)1‬‬ ‫اب ا ْل َق ْب ِر َومِ ْن َع َذ ِ‬ ‫َو َأ ِع ْذ ُه مِ ْن َع َذ ِ‬
‫اه ِدنَا‬ ‫وقول‪« :‬ال الهم ا ْغ ِفر لِحينَا وميتِنَا‪ ،‬وِ ِغ ِيرنَا و َكبِ ِيرنَا‪ ،‬و َذك َِرنَا و ُأ ْن َثانَا‪ ،‬و َش ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ُ ا‬
‫اإليمان‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َغائبِنَا‪ ،‬ال ال ُه ام َم ْن َأ ْح َي ْي َت ُه مناا َف َأ ْحيِه َع َلى ْاإل ْس َالمِ‪َ ،‬و َم ْن َت َو اف ْي َت ُه مناا َفت ََو اف ُه َع َلى ْ َ‬
‫ال ال ُه ام َال َت ْح ِر ْمنَا َأ ْج َر ُه‪َ ،‬و َال َت ْفتِناا َب ْعدَ ُه» [رواه األربعة‪ ،‬وِححه الحاكم‪ ،‬وابن حبان](‪.)2‬‬
‫وقول‪« :‬ال ال ُه ام إِ ان ُف َال َن ْب َن ُف َال ُن فِي ِذ امتِ َك َو َح ْب ِل ِج َو ِار َل‪َ ،‬ف ِق ِه مِ ْن فِ ْتن َِة ا ْل َق ْب ِر َومِ ْن‬
‫اء وا ْلحق‪َ ،‬فا ْغ ِفر َله وارحمه إِن َاك َأن َْت ا ْل َغ ُفور ِ‬ ‫ِ‬
‫يم»‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ ا‬ ‫ْ ُ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫اب الن ِاار‪َ ،‬ف َأن َْت َأ ْه ُل ا ْل َو َف َ َ‬ ‫َع َذ ِ‬
‫[رواه أبوداود‪ ،‬وِححه ابن حبان](‪.)3‬‬
‫وقول‪« :‬ال ال ُه ام َأن َْت َر ُّب َها‪َ ،‬و َأن َْت َخ َل ْق َت َها‪َ ،‬و َأن َْت َر َز ْقت ََها‪َ ،‬و َأن َْت َهدَ ْي َت َها ل ِ ْإلِ ْس َالمِ‪،‬‬
‫سـرها َو َع َالن ِ َيت ََها‪ِ ،‬ج ْئنَا ُش َف َعا َء َفا ْغ ِف ْر َل َها» [رواه أبوداود](‪.)4‬‬‫َ‬ ‫َو َأن َْت َق َب ْض َت ُر َ‬
‫وح َها‪َ ،‬و َت ْع َل ُم‬
‫ُ ه ُ َ ِّ َ َ َ َ ً‬
‫(ثم يكَب‪ ،‬وي ِقف قلِيال)‪ :‬أي ثم يكرب الرابعة‪ ،‬ويبقى قليالً‪ ،‬ويسلم‪ ،‬وإن شاء‬
‫سكت بين التكبيرة الرابعة والسالم‪ ،‬وهذا الذي يفهم من األحاديث‪ ،‬وإن شاء دعا‬
‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان ُي َكب ُر‬ ‫للميت؛ لما روى ابن ماجه عن ابن أبي أوىف ﭬ‪« :‬أن َر ُس َ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )263‬من حديث عوف بن مالك ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3201‬والرتمذي (‪ ،)1024‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)10652‬وابن ماجه (‪ )1426‬من‬
‫حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وِححه الحاكم‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)211/5‬واأللباين‬
‫يف أحكام الانائز ص (‪.)124‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)3202‬وابن ماجه (‪ ،)1422‬وأحمد (‪ )16016‬من حديث واثلة بن األسقع ت‪.‬‬
‫وِححه ابن حبان (‪ ،)3014‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)125‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)3200‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)10646‬وأحمد (‪ )1411‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫وضعفه األلباين يف المشكاة (‪.)1666‬‬

‫‪104‬‬
‫‪705‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ول‪ُ ،‬ث ام ُي َسل ُم»(‪.)1‬‬ ‫اهلل َأ ْن َي ُق َ‬


‫ول َما َشا َء ُ‬ ‫َأ ْر َب ًعا‪ُ ،‬ث ام َي ْم ُك ُث َسا َعةً‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫َ َُ ه‬ ‫َ َُ‬ ‫ٌَ‬ ‫ُ َ ِّ َ ُ ُ‬
‫ورمحة اَّلل»)‪ :‬أي يسلم بعد الرابعة‪ ،‬ولو‬ ‫حدة‪ ،‬ولو لم يقل‪« :‬‬ ‫(ويسلم‪ .‬وجت ِزئ وا ِ‬
‫قال السالم عليكم أجزأ واألكمل أن يزيد ورحمة اهلل كتسليم الصالة‪ ،‬والسنة أن‬
‫تكون تسليم ًة واحدة‪ ،‬هذا المنقول عن رسول اهلل ﷺ كما روى الحاكم‪َ « :‬أ ان‬
‫ان ََاز ِة»(‪.)2‬‬‫احدَ ُة َع َلى ا ْل ِ‬‫ول ﷺ س الم َتسلِيم ًة التاسلِيم ُة ا ْلو ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫مسألة‪ :‬أغلب هدي الرسول ﷺ التكبير أربعًا‪ ،‬وتاوز الزيادة على أربع ال‬
‫سـيما على من له فضل وأثر؛ وثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه كرب أربعًا وخمسًا‪،‬‬
‫خمسا‪ ،‬وذكر ّ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫وخمسا وستا‪ ،‬فكرب زيد بن أرقم‬
‫ً‬ ‫الصحابة بعده أرب ًعا‬
‫وكرب بعض ّ‬
‫النّبي ﷺ ك ّبرها(‪.)3‬‬
‫بدر ستا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫حنيف ستا(‪ ،)4‬وكان يكرب على أهل ُ‬ ‫علي ﭬ على سهل بن‬
‫وكرب ٌ‬
‫خمسا‪ ،‬وعلى سائر النّاس أرب ًعا(‪.)5‬‬
‫ً‬ ‫الصحابة‬‫وعلى غيرهم من ّ‬
‫ابي ﷺ لم يمنع مما زاد على‬ ‫آثار ِحيح ٌة تدل على جواز الزيادة‪ ،‬والن ُّ‬
‫وهذه ٌ‬
‫األربع‪ ،‬بل فعله هو وأِحابه من بعده‪ ،‬إال أن أكثر هدي رسول اهلل ﷺ أربع‬
‫تكبيرات‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا ِلى على الطفل فإنه يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة‪ :‬لقوله ﷺ‪:‬‬
‫ح َمة» [رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي‬
‫«والس ْق ُط يص الى َع َلي ِه‪ ،‬ويدْ َعى لِوالِدَ ي ِه بِا ْلم ْغ ِفر ِة والر ِ‬
‫َ َ َ ا ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫وِححه](‪ ،)6‬فيدعوا بالدعاء العام‪« :‬ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر ل ِ َحينَا َو َميتِنَا‪َ ،‬و َِ ِغ ِيرنَا َو َكبِ ِيرنَا‪،‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)100‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)100‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪.)251‬‬
‫(‪ )4‬رواه عبدالرزاق (‪ ،)6403‬والبيهقي (‪ .)52/4‬وِححه األلباين يف الانائز ص (‪.)113‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن أبي شـيبة (‪ ،)426/2‬والدارقطني (‪ ،)435/2‬والبيهقي (‪ .)60/4‬وِححه األلباين يف أحكام‬
‫الانائز ص (‪.)113‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)662‬‬

‫‪105‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪706‬‬

‫اه ِدنَا َو َغائِبِنَا‪ ،‬ال ال ُهم م ْن َأ ْح َي ْي َت ُه مِناا َف َأ ْحيِ ِه َع َلى ْ ِ‬


‫اإل ْس َالمِ‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫و َذك َِرنَا و ُأ ْن َثانَا‪ ،‬و َش ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ا َ‬
‫ان‪ ،‬ال ال ُه ام َال َت ْح ِر ْمنَا َأ ْج َر ُه َو َال َت ْفتِناا َب ْعدَ ُه»(‪ ،)1‬ولوالديه‬ ‫اإليم ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت َو اف ْي َت ُه مناا َفت ََو اف ُه َع َلى ْ َ‬
‫بالمغفرة والرحمة‪.‬‬
‫ومما ورد‪ :‬قول َأبِي هريرة ﭬ‪« :‬ال ال ُه ام ْ‬
‫اج َع ْل ُه َلنَا َف َر ًطا‪َ ،‬و َس َل ًفا‪َ ،‬و َأ ْج ًرا»(‪،)2‬‬
‫اج َع ْل ُه َس َل ًفا ل ِ َوالِدَ ْي ِه‪َ ،‬و َف َر ًطا‪َ ،‬و َأ ْج ًرا»(‪.)3‬‬
‫وقول الحسن‪« :‬ال ال ُه ام ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‪ :‬مِن دفنـِـــ ِه‪ ،‬إىل شهر وَشء‪ .‬وَي ُرم‪:‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ىل ىلع المي ِ‬ ‫ـــوز أن يُ َص ه َ‬
‫ُ‬ ‫وَيُ‬‫قوهل‪( :‬‬
‫َ َ َ‬
‫بعد ذل ِك)‪.‬‬
‫الصالة على الميت يف القرب بعد دفنه جائزة باتفاق األئمة األربعة؛ لوروده عن‬
‫الرسول ﷺ حيث استفاضة السنة بفعله ذلك‪:‬‬
‫ففي الصحيحين‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ ِلى على قرب امرأة سوداء»(‪.)4‬‬
‫وعن ابن عباس ﭭ‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ ِلى على قربُ بعد شهر»(‪.)5‬‬
‫ويف الصحيحين‪« :‬أن النبي ﷺ ِلى على قرب منبوذ‪ ،‬فصفهم‪ ،‬وتقدم فكرب عليه‬
‫أربعًا»(‪ .)6‬قال ابن القيم‪« :‬الصالة على قربه من جنس الصالة عليه يف نعشه»‪.‬‬
‫إال أنه لم يكن هديًا دائما يف كل من يفوته‪ ،‬فما يفعله البعض من الصالة على‬
‫القبور الماضـية لم يكن من عمل السلف‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫(وَي ُرم‪ :‬بعد ذل ِك)‪ :‬المذهب‪ :‬حرمة الصالة على قرب بعد دفنه بشهر‪ .‬قال‬
‫أحمد‪ ،‬وإسحاق‪ :‬يص ّلى على القرب إلى ُ‬
‫شهر‪ ،‬وقاال‪ :‬أكثر ما سمعنا عن ابن‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)104‬‬


‫(‪ )2‬رواه البيهقي (‪.)15/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبدالرزاق يف المصنف (‪ ،)6562‬وانظر‪ :‬نيل األوطار (‪ ،)55/4‬أحكام الانائز ص (‪.)126‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)456‬ومسلم (‪ )256‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الدارقطني (‪ ،)445/2‬والبيهقي (‪ .)15/4‬قال ابن حار يف الفتح (‪« :)205/3‬وهذه روايات شاذة‪،‬‬
‫وسـياق الطرق الصحيحة يدل على أنه ِلى عليه يف ِبيحة دفنه»‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ،)1312‬ومسلم (‪ )254‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪707‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫المسـيب‪َ « :‬أ ان الناب ِ اي ﷺ َِ الى َع َلى َق ْب ِر ُأم َس ْع ِد بْ ِن ُع َبا َد َة َب ْعدَ َش ْه ُر»(‪.)1‬‬


‫وتحديده بشهر فيه ضبط واكتفاء بأقصـى ما روي‪ ،‬لكن ليس على سبيل‬
‫التحريم مما زاد؛ ألن ما حصل من النبي ﷺ من ِالته على قرب بعد شهر موافقة‪،‬‬
‫ال ظاهر ًا‪ ،‬وقد كان التابعون ال يصلون‬
‫ولم يحدد مدة‪ ،‬ما لم تكن المدة طويلة طو ً‬
‫على قرب النبي ﷺ؛ ألهنم يوم موته لم يكونوا من أهل الصالة عليه‪ ،‬ولطول المدة‪،‬‬
‫فإذا كانت المدة طويلة فإنه يكتفى بالدعاء له‪ ،‬واالستغفار له دون الصالة عليه(‪.)2‬‬
‫مسألة‪ :‬دلت السنة على أن اإلمام يقف من الانازة عند الصالة عليها وراء‬
‫رأس الرجل‪ ،‬ووسط المرأة‪:‬‬
‫ب‪،‬‬ ‫ف النابِي ﷺ‪َ ،‬و َِ الى َع َلى ُأم َك ْع ُ‬ ‫لحديث سمرة ﭬ قال‪ َِ « :‬ال ْي ُت َخ ْل َ‬
‫لص َال ِة َع َل ْي َها َو َس َط َها» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ما َتت و ِهي ُن َفساء‪َ ،‬ف َقام رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ل ا‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ‬
‫ك َع َلى َجن ََاز ِة َر ُجلُ‪َ ،‬ف َقا َم‬ ‫َس ب ِن مال ِ ُ‬
‫غالب قال‪ َِ « :‬ال ْي ُت َم َع َأن ِ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫وحديث أبي‬
‫ش‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬يا َأ َبا َح ْم َز َة َِل َع َل ْي َها‪َ ،‬ف َقا َم‬ ‫ِح َي َال َر ْأ ِس ِه‪ُ ،‬ث ام َجا ُءوا بِ َان ََاز ِة ا ْم َر َأ ُة مِ ْن ُق َر ْي ُ‬
‫الان ََاز ِة‬ ‫ُ‬
‫السـرير‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ال َع َال ُء ْب ُن ِز َياد‪َ :‬ه َك َذا َر َأ ْي َت النابِ اي ﷺ َقا َم َع َلى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِحي َال وس ِ‬
‫ط‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬
‫الر ُج ِل ُم َقا َم َك منْ ُه؟ َق َال‪ :‬نَ َع ْم» [رواه الرتمذي وحسنه] ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َقا َم َك من َْها‪َ ،‬وم َن ا‬
‫(‪)4‬‬

‫مسألة‪ :‬تاوز الصالة على الميت جماعة وفرادى بال خالف‪ ،‬والسنة أن تصلى‬
‫جماعة؛ لألحاديث المشهورة يف الصحيح يف ذلك مع إجماع المسلمين‪ ،‬واألفضل‬
‫أن ال يقل العدد عن أربعين؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ما مِ ْن َر ُج ُل ُم ْسلِ ُم َي ُم ُ‬
‫وت‪َ ،‬ف َي ُقو ُم َع َلى‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)1036‬والبيهقي (‪ .)60/4‬وقال‪« :‬وهو مرسل ِحيح»‪ ،‬وضعفه األلباين يف اإلرواء‬
‫(‪ .)131‬وانظر‪ :‬سنن الرتمذي (‪.)346/3‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد (‪ ،)423/1‬إعالم الموقعين (‪ ،)200/4‬فتح الباري (‪.)210/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1331‬ومسلم (‪.)264‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ ،)1034‬وأبو داود (‪ ،)3124‬وابن ماجه (‪ .)1424‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وِححه ابن الملقن‬
‫يف البدر المنير (‪ ،)251/5‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)102‬‬

‫‪101‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪708‬‬

‫يه» [رواه مسلم](‪ ،)1‬وكلما‬ ‫ون بِاهللِ شـي ًئا‪ ،‬إِ اال َش افعهم اهلل فِ ِ‬ ‫ون َر ُج ًال‪َ ،‬ال ُيشـر ُك َ‬ ‫َجن ََازتِ ِه َأ ْر َب ُع َ‬
‫َُ ُ ُ‬
‫ت‬‫كثر العدد فهو أولى ليكثر الداعون له والمرتحمون عليه؛ لقوله ﷺ‪« :‬ما مِن مي ُ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ون مِا َئةً‪ُ ،‬ك ُّل ُه ْم َي ْش َف ُع َ‬
‫ون َل ُه‪ ،‬إ ِ اال ُشف ُعوا فيه» [رواه‬ ‫ُت َصلي َع َل ْي ِه ُأ ام ٌة مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َي ْب ُل ُغ َ‬
‫مسلم](‪.)2‬‬
‫مسألة‪ :‬األفضل أال تقل الصفوف وراء اإلمام يف الانازة عن ثالثة ِفوف؛‬
‫وف مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن‪ ،‬إ ِ اال‬
‫وت َفيصلي َع َلي ِه َث َال َث ُة ِ ُف ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫لقوله ﷺ‪َ « :‬ما م ْن ُم ْسلِ ُم َي ُم ُ ُ َ‬
‫استقل أهل الانازة جزأهم ثالثة‬ ‫ّ‬ ‫ب»‪ ،‬وكان مالك بن هبيرة ‪-‬الراوي‪ -‬إذا‬ ‫َأ ْو َج َ‬
‫ُ‬
‫ِفوف للحديث(‪.)3‬‬
‫راتب ُقدم على‬
‫ٌ‬ ‫إمام‬
‫مسألة‪ :‬األحق باإلمامة هو األحق بالصالة‪ ،‬فإن وجد ٌ‬
‫غيره‪ ،‬وإال روعي الرتتيب يف حديث أبي مسعود ﭬ(‪.)4‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا اجتمع أكثر من جنازة ِلى عليهم جميعًا ِالة واحدة‪ ،‬وياعل‬
‫الذكور مما يلي اإلمام‪ ،‬واإلناث مما يلي القبلة‪ ،‬وِ ّلى ابن عمر على تسع جنائز‬
‫جمي ًعا‪« :‬فاعل الرجال يلون اإلمام‪ ،‬والنّساء يلين القبلة‪ ،‬فص ّف ّ‬
‫هن ِفا واحدً ا‪،...‬‬
‫ُ‬
‫سعيد‪ ،‬وأبو قتادة‪« :‬هي السنّة»(‪.)5‬‬ ‫ُ‬
‫عباس‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وأبو‬ ‫فقال ابن‬
‫مسألة‪ :‬تاوز الصالة على الانازة يف المساد من غير كراهة‪ ،‬كما « َِ الى‬
‫ا ِد» [رواه مسلم](‪.)6‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َع َلى سهي ِل اب ِن بي َضاء فِي جو ِ‬
‫ف ا ْلمس ِ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ ْ ْ َْ َ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )246‬من حديث ابن عباس ﭭ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )241‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)3166‬والرتمذي (‪ ،)1026‬وابن ماجه (‪ )1420‬من حديث مالك ابن هبيرة ﭬ‪.‬‬
‫وحسنه الرتمذي‪ ،‬وِححه الحاكم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪َ « )613‬يؤُ ُّم ا ْل َق ْو َم َأ ْق َرؤُ ُه ْم لكت ِ‬
‫َاب اهلل‪.»...‬‬
‫(‪ )5‬رواه النسائي (‪ .)1216‬وحسنه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)262/2‬وِححه ابن حار يف التلخيص‬
‫الحبير (‪.)332/2‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم (‪ )213‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪709‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫واألفضل الصالة عليها خارج المساد‪ ،‬كما كان غالب هدي النبي ﷺ‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬من فاته بعض التكبيرات يف ِالة الانازة‪ ،‬دخل مع اإلمام على أي‬
‫ِفة كان؛ لعموم قوله ﷺ‪َ « :‬ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلوا‪َ ،‬و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا» [متفق عليه](‪.)1‬‬
‫وإذا كان مسبوقًا‪ :‬فظاهر المذهب أنه يتابع اإلمام‪ ،‬فلو دخل يف الثالثة يدعو‬
‫للميت؛ ألن الدعاء للانازة يخشـى فواته برفعها‪ ،‬وهذا اجتهاد‪ ،‬وال نص يف‬
‫المسألة‪ ،‬ورجحه شـيخنا ابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫واألظهر‪ :‬أنه يعترب ما أدركه من التكبيرات أول الصالة له‪ ،‬فيقرأ الفاتحة لو‬
‫أدرل اإلمام يف الثانية؛ لعموم قوله ﷺ‪َ « :‬ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلوا‪َ ،‬و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا»‪،‬‬
‫ولو رفعت الانازة فيكمل الصالة‪ ،‬ويدعوا للميت‪ ،‬ولو كانت مرفوعة‪ ،‬ويثبت‬
‫تبعًا ما ال يثبت استقال ً‬
‫ال‪ ،‬والدعاء يصل ولو كانت الانازة مرفوعة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا سلم إمامه‪ ،‬فيقضـي ما فاته‪ ،‬وهذا مذهب الحنابلة‪ ،‬والشافعية‪.‬‬
‫فإذا خشـي رفع الانازة‪ ،‬فهل يتابع التكبيرات‪ ،‬ولو رفعت الانازة؟‬
‫المذهب‪ :‬أنه يواليها‪ ،‬ولو من غير ذكر وال دعاء؛ ألن الفرض سقط بصالة‬
‫اإلمام‪ ،‬فما بعد ِالة اإلمام يعترب نافلة‪ ،‬والنافلة ياوز قطعها(‪.)3‬‬
‫بمقدار ولو يسـير من الدعاء والصالة على النبي ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫واألولى يف هذا أن يأيت‬
‫يف موضعه‪ ،‬ويخففه؛ لعموم قوله ﷺ‪َ « :‬ف َما َأ ْد َر ْك ُت ْم َف َص ُّلوا‪َ ،‬و َما َفا َت ُك ْم َف َأتِ ُّموا»‪،‬‬
‫والقضاء يحكي األداء‪ ،‬ولم ينقل نص خاص يف المسألة‪ ،‬فنبقى على عموم‬
‫الحديث أنه يتمها على ِفتها‪ ،‬وكون الانازة ترفع بعد شـروعه يف الصالة عليها ال‬
‫ال‪ ،‬وقد افتتح الصالة والانازة حاضـرة‪،‬‬‫يضـر؛ ألنه يثبت تبعًا ما ال يثبت استقال ً‬
‫فيكملها على ِفتها الشـرعية ولو رفعت‪ ،‬هذا األولى‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪.)426‬‬


‫(‪ )2‬حاشـية الروض المربع (‪ ،)26/3‬الشـرح الممتع (‪.)342/5‬‬
‫(‪ )3‬حاشـية الروض المربع (‪.)22/3‬‬

‫‪102‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪710‬‬

‫مسألة‪ :‬تاوز الصالة على الانازة أوقات النهي؛ ألهنا من ذوات األسباب‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ياوز إعالم الناس بوفاة أحد إذا لم يكن على وجه المفاخرة‪ ،‬كأن‬
‫يخرب أقاربه‪ ،‬أو جماعة مساده‪ ،‬وجيرانه‪ ،‬وبه قال جمهور العلماء؛ لما يف‬
‫ات فِ ِ‬
‫يه‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َن َعى لِلن ِ‬
‫ااس الن َاااشـي فِي ا ْل َي ْو ِم ا ال ِذي َم َ‬ ‫الصحيحين‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫َف َخرج بِ ِهم إِ َلى ا ْلمص الى‪ ،‬و َكبر َأربع َت ْكبِير ُ‬
‫ات»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫َ اَ ْ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ويف البخاري أن رسول اهلل ﷺ أخرب بموت زيد بن حارثة‪ ،‬وجعفر‪ ،‬وعبداهلل‬
‫ابن رواحة ﭫ حين قتلوا يف مؤتة‪ ،‬وهو قائم على المنرب‪ ،‬فقال‪َ « :‬أ َخ َذ ا‬
‫الرا َي َة َز ْيدٌ‬
‫اح َة َف ُأ‬ ‫ِ‬ ‫ِـيب‪ُ ،‬ث ام َأ َخ َذ َها َج ْع َف ٌر َف ُأ‬‫َف ُأ‬
‫ِـيب»(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫ِـيب‪ُ ،‬ث ام َأ َخ َذ َها َع ْبدُ اهلل ْب ُن َر َو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ويف الصحيحين من حديث أبي هريرة ﭬ‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ حين ُأخرب‬
‫بموت المرأة السوداء‪ ،‬أو الشاب الذي كان يقم المساد قال‪« :‬أال آذنتموين»(‪.)3‬‬
‫فهذا يدل على أن مارد اإلعالم بالموت ليس نعيًا محرمًا‪ ،‬وإن كان باعتبار‬
‫اللغة يصدق عليه اسم النعي‪ ،‬لكن ليس كل نعي وإخبار منهي عنه‪ ،‬وإنما الذي‬
‫ينهى عنه ما كان فيه نياحة‪ ،‬أو مفاخرة‪ ،‬أو ما كان على ِفة نعي الااهلية جمعًا‬
‫بين األخبار‪.‬‬
‫فيؤخذ من ماموع األحاديث أن النعي واإلعالم بالموت له ثالث حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إعالم األهل واألِحاب‪ ،‬فهذا ثابت يف السنة‪ ،‬وعليه يحمل ما ورد‬
‫عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأخرج سعيد بن منصور عن ابن سـيرين أنه قال‪« :‬ال أعلم‬
‫بأسًا أن يؤذن الرجل ِديقه وحميمه»‪ ،‬وقال النخعي‪« :‬ال بأس أن يعلم الرجل‬
‫قرابته»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)615‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)615‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)106‬‬
‫(‪ )4‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)416/2‬‬

‫‪110‬‬
‫‪711‬‬ ‫ل يف الصالةِ على امليتِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫الثانية‪ :‬اإلعالم العام فهذا مكروه‪ ،‬ولم يكن عليه عمل الصحابة‪ ،‬وقد روى‬
‫الرتمذي وقال غريب عن ابن مسعود ﭬ‪ ،‬عن النابِي ﷺ قال‪« :‬إِ ايا ُك ْم َوالنا ْع َي‪َ ،‬فإ ِ ان‬
‫ان بِالمي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت(‪.)1‬‬ ‫الااهل اية» َق َال َع ْبدُ اهلل‪َ :‬والنا ْع ُي‪َ :‬أ َذ ٌ َ‬
‫النا ْع َي م ْن َع َم ِل َ‬
‫وروى الرتمذي وحسنه عن حذيفة ﭬ قال‪« :‬إِ َذا مِ ُّت َف َال ُت ْؤ ِذنُوا بِي‪ ،‬إِني‬
‫ول اهللِ ﷺ َين َْهى َع ِن النا ْع ِي»(‪.)2‬‬ ‫ون َن ْع ًيا‪َ ،‬فإِني َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫اف َأ ْن َي ُك َ‬
‫َأ َخ ُ‬
‫الثالثة‪ :‬اإلعالم الذي يصحبه نياحة أو مفاخرة‪ ،‬وهذا محرم‪ ،‬ويدخل يف النهي‬
‫يف األحاديث السابقة‪.‬‬
‫فإخبار األقارب واألِحاب بموت قريبهم جائز‪ ،‬لكن ال ينبغي أن يتوسع يف‬
‫ذلك‪ ،‬فينادى يف المساجد أن فالنًا مات‪ ،‬أو يكتب يف الارائد‪ ،‬فهذا مكروه‪ ،‬ولم‬
‫يكن من هدي السلف‪ ،‬ولو كان خير ًا لسبقونا إليه‪ ،‬وهو جدير بما قال الرتمذي‪:‬‬
‫«وقد كره بعض أهل العلم النعي‪ ،‬والنعي عندهم أن ينادى يف الناس أن فالنًا مات‬
‫ليشهدوا جنازته»(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬جاء يف فضل الصالة على الانازة أحاديث‪ ،‬منها‪:‬‬
‫اأ‪َ ،‬و َم ْن َش ِهدَ َها َحتاى ُتدْ َف َن َف َل ُه‬ ‫« َم ْن َش ِهدَ ا ْل َان ََاز َة َحتاى ُي َص الى َع َل ْي َها َف َل ُه قِ َير ٌ‬
‫يم ْي ِن» وكان ابن عمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ق َيرا َطان‪ ،‬ق َيل‪َ :‬و َما ا ْلق َيرا َطان؟ َق َال‪« :‬م ْث ُل ا ْلاـَ َب َل ْي ِن ا ْل َعظ َ‬
‫يط‬‫يص ّلي عليها ثم ينصـرف‪ ،‬فلما بلغه حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪َ « :‬ل َقدْ ضـي ْعنَا َق َر ِار َ‬
‫كَثِ َير ًة» [متفق عليه](‪.)4‬‬
‫َان َم َع ُه َحتاى ُي َص الى َع َل ْي َها‬‫احتِ َسا ًبا‪َ ،‬وك َ‬ ‫يمانًا َو ْ‬ ‫ِ‬
‫وللبخاري‪َ « :‬م ْن َتبِ َع َجن ََاز َة ُم ْسل ُم إِ َ‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )264‬من حديث ابن مسعود ﭬ وقال‪« :‬حديث غريب»‪ ،‬وقال الدارقطني يف العلل‬
‫(‪« :)166/5‬والصحيح من قول عبداهلل»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ ،)266‬وابن ماجه (‪ ،)1416‬وأحمد (‪ .)23455‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وابن حار يف الفتح‬
‫(‪.)111/3‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري (‪.)116/3‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1325‬ومسلم (‪ )245‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪712‬‬

‫اأ مِ ْث ُل ُأ ُح ُد»(‪.)1‬‬
‫وي ْفر َغ مِن د ْفنِها‪َ ،‬فإِ انه ير ِجع بِ ِقيرا َطي ِن‪ُ ،‬ك ُّل قِير ُ‬
‫َ‬ ‫ُ َْ ُ َ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َُ َ‬
‫فالقيراأ األول‪ :‬يحصل بالصالة عليها‪.‬‬
‫والقيراأ ال ّثاين‪ :‬ال يحصل ّإال بالفراغ من إهالة التّراب؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬و َم ْن‬
‫ان»‪ ،‬وال يلزم أن يدفن معهم‪.‬‬ ‫َش ِهدَ َها حتاى ُتدْ َفن َف َله قِيرا َط ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫وا ْل ِق َيراأ‪ :‬مقدار من ال ّثواب معلوم عند ال ّله تعالى‪ ،‬وعند أبي داود‪َ « :‬ف َل ُه‬
‫ان‪َ ،‬أ ِْ َغ ُر ُه َما مِ ْث ُل ُأ ُح ُد ‪َ -‬أ ْو َأ َحدُ ُه َما مِ ْث ُل ُأ ُح ُد‪ ،)2(»-‬وال يلزم من هذا أن يكون‬
‫قِيرا َط ِ‬
‫َ‬
‫هذا هو القيراأ المذكور فيمن اقتنى كل ًبا غير مأذون فيه‪ ،‬فياوز أن يكون مثل هذا‪،‬‬
‫ّ‬
‫وأقل‪ ،‬وأكثر‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )41‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )3166‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪713‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْلٌ‬ ‫‪F‬‬


‫ت ودَفنِه)‬
‫(يف حَم ِل املي ِ‬

‫ذكر هنا حمل الميت‪ ،‬ودفنه‪ ،‬وِفته‪ ،‬وما يتبع ذلك من أحكام‪.‬‬
‫َُُْ َ ُُ َ ُ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬ومحله‪ ،‬ودفنه‪ :‬فرض ك ِفاية)‪.‬‬
‫دفن الميت من الواجبات؛ إذ هو سنة المسلمين الثابتة بالكتاب والسنة أن‬
‫يوارى الميت‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ﴾‪ ،‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾‪.‬‬
‫وال يمكن الدفن إال بالحمل‪ ،‬وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬فتبين هبذا‬
‫أن حمل الميت ودفنه من فروض الكفايات التي إذا قام هبا البعض سقط الطلب‬
‫واإلثم عن الباقين‪.‬‬
‫والسنة دلت على دفن الكافر إذا مات بين أظهر المسلمين‪ ،‬وأن ال ترتل جيفته‬
‫على ظهر األرض‪ ،‬كما‪« :‬أمر النبي ﷺ يوم بدر بأربعة وعشـرين من ِناديد قريش‪،‬‬
‫فألقوا يف بئر من آبار بدر»(‪« ،)1‬وأمر عليًا أن يواري والده أبا طالب لما مات»(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫وادل ْف ُن‪ ،‬واتلهكف ُ‬
‫مل‪ ،‬ه‬‫ْ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ي‪ ،‬بالاكف ِِر)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قوهل‪( :‬لكن‪ :‬يسقط احل‬
‫فلو قام كافر بحمل الميت ودفنه أجزأ؛ ألن فاعلها ال يختص بكونه من أهل‬
‫القربة‪ ،‬بخالف التغسـيل والصالة عليه فياب كونه من أهل القربة‪.‬‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويُ َ‬
‫كرهُ‪ :‬أخذ األجرة ِ ىلع ذل ِك‪ ،‬وىلع الغس ِل)‪.‬‬
‫َ‬
‫الر ُ‬
‫زق من بيت المال‬ ‫ألنه عبادة‪ ،‬فاألِل فيها التعبد المحض‪ ،‬وفعلها هلل‪ ،‬وأما َ‬
‫والاعل والعطاء من غير أجرة فال يكره‪ ،‬ولو تفرغ أحد لهذا العمل كما هو اآلن‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)3216‬ومسلم (‪ )2615‬من حديث أبي طلحة ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)620‬‬

‫‪113‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪714‬‬

‫يف بعض المقابر ومغاسل األموات‪ ،‬فياوز أخذ األجرة عليه بال كراهة؛ للمصلحة‬
‫الظاهرة‪ ،‬ولمنفعة المسلمين‪ ،‬ولعدم النهي‪ ،‬وألن األجرة التي يأخذها ليست‬
‫لمارد الغسل‪ ،‬وإنما لتفرغه للقيام هبذا الواجب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫ُ ه َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِب خلفها‪ .‬والقرب مِنها‪:‬‬ ‫اَش أمام اجلنازة ِ‪ ،‬والراك ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬كون‬
‫ْ ُ‬
‫أفضل)‪.‬‬
‫الذي يمشـي مع الانازة بالخيار إن شاء مشـى أمامها‪ ،‬أو عن يمينها‪ ،‬أو خلفها؛‬
‫الماشـي َح ْي ُث َشا َء مِن َْها»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الان ََازة‪َ ،‬و َ‬
‫ف َ‬ ‫ب َخ ْل َ‬ ‫لقوله ﷺ‪ِ « :‬‬
‫الراك ُ‬ ‫ا‬
‫والسنة كونه أمامها؛ لحديث ابن عمر ﭭ َق َال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت النابِ اي ﷺ َو َأ َبا َب ْك ُر‬
‫ون َأ َما َم ا ْل َان ََاز ِة»(‪.)2‬‬
‫َو ُع َم َر َي ْم ُش َ‬
‫الان ََاز ِة»‪ ،‬وراكب‬ ‫ف َ‬ ‫ب َخ ْل َ‬ ‫وأما الراكب فالسنة كونه خلفها؛ لقوله ﷺ‪ِ « :‬‬
‫الراك ُ‬
‫ا‬
‫السـيارة يأخذ أحكام راكب الدواب‪ ،‬فتكون خلفهم إال إن كانت تؤذي الحاملين‬
‫والماشـين‪ ،‬فإهنا تتقدم وتكون أمام الانازة‪ ،‬وهذا كله على سبيل الندب ال‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫ان ََازةِ‪َ ،‬فإِ ْن َت ُك َِال ِ َح ًة‬
‫والسنة اإلسـراع يف الانازة؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬أسـر ُعوا بِا ْل ِ‬
‫َف َخ ْي ٌر ُت َقد ُمون ََها‪َ ،‬وإِ ْن َي ُك ِس َوى َذل ِ َك‪َ ،‬فشـر َت َض ُعو َن ُه َع ْن ِر َقابِ ُك ْم» [متفق عليه](‪.)3‬‬
‫وروى أبو داود عن عيينة بن عبدالرحمن‪ ،‬عن أبيه أنّه كان يف جنازة عثمان بن‬
‫أبي العاص‪ ،‬وكنّا نمشـي مشـيا خفي ًفا‪ ،‬فلحقنا أبو بكرة‪ ،‬فرفع سوطه‪ ،‬فقال‪َ « :‬ل َقدْ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)3160‬والرتمذي (‪ ،)1031‬والنسائي (‪ ،)1242‬وأحمد (‪ )16114‬من حديث المغيرة‬
‫بن شعبة ﭬ‪ .‬وقال الرتمذي‪« :‬حديث حسن ِحيح»‪ ،‬وِححه ابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء‬
‫(‪.)116‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3112‬والرتمذي (‪ ،)1001‬والنسائي (‪ ،)1244‬وابن ماجه (‪ )1462‬من حديث ابن‬
‫عمر ﭭ‪ .‬واختلف يف وِله وإرساله‪ :‬فرجح اإلرسال‪ :‬أحمد‪ ،‬والبخاري‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬ورجح‬
‫الموِول‪ :‬البيهقي‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪ .)132‬وانظر‪ :‬التلخيص الحبير (‪.)262/2‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)612‬‬

‫‪114‬‬
‫‪715‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ول اهللِ ﷺ ن َْر ُم ُل َر َم ًال»(‪ .)1‬وروى أبو داود وضعفه عن ابن‬ ‫ر َأ ْي ُتنَا َون َْح ُن م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ب‪،‬‬‫ون ا ْل َخ َب ِ‬
‫مسعود ﭬ قال‪ :‬سألنا نب اينا ﷺ عن المشـي مع الانازة‪ ،‬فقال‪َ « :‬ما ُد َ‬
‫إِ ْن َي ُك ْن َخ ْي ًرا َت َع اا َل إِ َل ْي ِه‪َ ،‬وإِ ْن َي ُك ْن َغ ْي َر َذل ِ َك َف ُب ْعدً ا ِألَ ْه ِل الن ِ‬
‫اار»(‪.)2‬‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫(والقرب مِنها‪ :‬أفضل)‪ :‬فالقرب من الانازة حال حملها أفضل من البعد عنها‪،‬‬
‫ليحصل التشييع والعظة والمعاونة وهو ظاهر فعل الرسول ﷺ والصحابة‪.‬‬
‫ُ‬
‫والق ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َ َُْ ه‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬ويُ َ‬
‫كرهُ‬
‫آن)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫‪،‬‬ ‫كر‬
‫ِ‬ ‫باذل‬ ‫ولو‬ ‫ها‪،‬‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫وت‬
‫ِ‬ ‫الص‬ ‫ع‬‫ف‬‫ور‬ ‫ا‪.‬‬ ‫َل‬ ‫ام‬ ‫ي‬‫ق‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫(ويُ َ‬
‫كرهُ‪ :‬ال ِقيام َلا)‪ :‬ال يشـرع القيام للانازة عند الامهور‪ ،‬بل نص‬
‫ول اهللِ ﷺ َقا َم‬ ‫الحنابلة على الكراهة؛ لما روى مسلم عن َعلِي ﭬ‪َ « :‬ر َأ ْينَا َر ُس َ‬
‫ن‬
‫َف ُق ْمنَا‪َ ،‬و َق َعدَ َف َق َعدْ نَا َي ْعنِي فِي ا ْل َان ََاز ِة»(‪ ،)3‬فيفهم أن الالوس آخر األمرين من‬
‫الرسول ﷺ‪.‬‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫وروى اإلمام أحمد‪ ،‬وِححه ابن حبان عن علي ﭬ قال‪« :‬ك َ‬
‫اهللِ ﷺ َأمرنَا بِا ْل ِق َيا ِم فِي ا ْل ِ‬
‫ان ََاز ِة‪ُ ،‬ث ام َج َل َس َب ْعدَ َذل ِ َك‪َ ،‬و َأ َم َرنَا بِا ْل ُا ُل ِ‬
‫وس»(‪.)4‬‬ ‫ََ‬
‫وقيل‪ :‬القيام عند مرور الانازة مستحب‪ ،‬وهذا األقرب‪ ،‬ويدل له‪:‬‬
‫ما يف الصحيحين عن النابِي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َر َأى َأ َحدُ ُك ُم ا ْل َان ََازةَ‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َي ُك ْن‬
‫وض َع مِ ْن َق ْب ِل َأ ْن ُت َخل َف ُه»(‪.)5‬‬
‫خل َف ُه‪َ ،‬أ ْو ُت َ‬
‫َماشـيا َم َع َها‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْم َحتاى ُت َ‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)3162‬والنسائي (‪ ،)1212‬وأحمد (‪ .)20400‬وِححه ابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والنووي‬
‫يف خالِة األحكام (‪ ،)226/2‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)12‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3164‬والرتمذي (‪ )1011‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪ .‬وضعفه أبو داود‪ ،‬وقال ابن‬
‫حار يف التلخيص الحبير (‪« :)264/2‬وضعفه البخاري‪ ،‬وابن عدي‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والبيهقي‪،‬‬
‫وغيرهم»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )262‬من حديث علي ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد (‪ ،)623‬وابن حبان (‪ )3056‬من حديث علي ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)1306‬ومسلم (‪ )256‬من حديث عامر بن ربيعة ﭬ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪716‬‬

‫اد ِ‬
‫سـية‪،‬‬ ‫ف ﭬ كَانَا بِا ْل َق ِ‬ ‫ويف الصحيحين َأ ان َقيس بن سع ُد‪ ،‬وسه َل بن حنَي ُ‬
‫ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ ُ ْ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ض‪َ ،‬ف َق َاال‪ :‬إِ ان َر ُس َ‬ ‫َف َم ار ْت بِ ِه َما َجن ََاز ٌة َف َقا َما‪َ ،‬ف ِق َيل َل ُه َما‪ :‬إِن َاها مِ ْن َأ ْه ِل ْاألَ ْر ِ‬
‫ت بِ ِه جن ََازةٌ‪َ ،‬ف َقام‪َ ،‬ف ِق َيل‪ :‬إِ انه يه ِ‬
‫ود ٌّي‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬أ َل ْي َس ْت َن ْف ًسا»(‪.)1‬‬ ‫ﷺ َم ار ْ‬
‫َُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول اهللِ ﷺ‬ ‫ام َل َها َر ُس ُ‬‫ويف ِحيح مسلم عن جابر ﭬ قال‪َ :‬م ار ْت َجن ََازةٌ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ت َف َز ٌع‪َ ،‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ُم‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬إِناها يه ِ‬
‫ود ايةٌ‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ ان ا ْل َم ْو َ‬ ‫َو ُق ْمنَا َم َع ُه َف ُق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َ َُ‬
‫ا ْل َان ََاز َة َف ُقو ُموا»(‪.)2‬‬
‫عمرو ﭭ أنه سأل رجل رسول اهللِ‬ ‫ويف مسند اإلمام أحمد عن عبداهلل بن ُ‬
‫ول اهللِ َت ُم ُّر بِنَا َجن ََاز ُة ا ْل َكافِ ِر َأ َفنَ ُقو ُم َل َها؟ َف َق َال‪َ « :‬ن َع ْم ُقو ُموا َل َها‪،‬‬‫ﷺ فقال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ِ ِ‬
‫وس»(‪.)3‬‬ ‫ون إِ ْع َظا ًما ل الذي َي ْقب ِ ُض النُّ ُف َ‬‫ون َل َها‪ ،‬إِن َاما َت ُقو ُم َ‬‫َفإِ ان ُك ْم َل ْس ُت ْم َت ُقو ُم َ‬
‫وهذا رواية عن اإلمام أحمد‪ ،‬وقول إسحاق‪ ،‬واختاره ابن عقيل‪ ،‬والنووي‪،‬‬
‫باق‪ ،‬وما نقله علي ﭬ‬ ‫وشـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وابن باز‪ ،‬فاالستحباب ُ‬
‫مارد فعل تتطرق له االحتماالت‪ ،‬فيحمل على بيان جواز القعود‪ ،‬وأن القيام‬
‫للانازة ليس على الوجوب‪ ،‬وإنما للندب واالستحباب‪ ،‬وما علل به رسول اهلل‬
‫ِ ِ‬
‫وس» باق على‬ ‫ون إِ ْع َظا ًما ل الذي َي ْقبِ ُض النُّ ُف َ‬
‫ت َف َز ٌع‪ ،‬وإِن َاما َت ُقو ُم َ‬
‫ﷺ‪« :‬إِ ان ا ْل َم ْو َ‬
‫حاله‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪« :‬إن قام لم أعبه‪ ،‬وإن قعد فال بأس»؛ لمايء األمرين‬
‫هبما جميعًا(‪.)4‬‬
‫مسألة‪ :‬السنة لمن تبع جنازة أال يالس حتى توضع؛ لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا ا ات َب ْع ُت ْم‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1312‬ومسلم (‪.)261‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )260‬من حديث جابر بن عبداهلل ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد (‪ ،)6513‬وابن حبان (‪ )3053‬من حديث عبداهلل بن عمرو ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المغني (‪ ،)404/3‬شـرح النووي على مسلم (‪ ،)32/1‬زاد المعاد (‪ ،)521/1‬نيل األوطار (‪،)160/2‬‬
‫حاشـية الروض المربع (‪ ،)115/3‬الشـرح الممتع (‪.)442/5‬‬

‫‪116‬‬
‫‪717‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫َجن ََازةً‪َ ،‬ف َال َت ْالِ ُسوا َحتاى ُت َ‬


‫وض َع»(‪ ،)1‬والمراد هنا‪ :‬وضعها على األرض على‬
‫الصحيح‪ ،‬كما قرره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وبوب له البخاري‪ ،‬وأما رواية أبي داود‪:‬‬
‫«حتى توضع يف اللحد»‪ ،‬فقد ضعفها الرتمذي‪ ،‬وغيره(‪ ،)2‬وهذا مروي عن عدد‬
‫من الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬الحسن‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأبو هريرة ﭫ‪ ،‬واختاره شـيخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وابن القيم(‪.)3‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا وضعت الانازة على األرض‪ ،‬فالالوس أثناء الدفن جائز‪،‬‬
‫ب ﭬ َق َال‪َ « :‬خ َر ْجنَا َم َع‬ ‫از ُ‬‫وهذا مروي عن النبي ﷺ يف حديث ا ْل َب َر ِاء ْب ِن َع ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ فِي َجن ََاز ِة َر ُج ُل مِ َن ْاألَن َْص ِ‬
‫ار‪َ ،‬فا ْنت ََه ْينَا إِ َلى ا ْل َق ْب ِر َو َل ّمـَا ُي ْل َحدْ‪،‬‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َو َج َل ْسنَا َح ْو َل ُه ك ََأن َاما َع َلى ُر ُءوسنَا ال اط ْي ُر‪ ، »...‬ولو قام‬
‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫َف َا َل َس َر ُس ُ‬
‫فال حرج‪ ،‬فليس فيه سنة خاِة‪ ،‬ولم يكن رسول ﷺ يأمر الناس بالالوس‪،‬‬
‫فاألمر فيه سعة‪ ،‬وال بأس بتذكير الحاضـرين من غير التزام‪ ،‬وال إثقال‪ ،‬فإن‬
‫النبي ﷺ ذكّر الصحابة ﭫ‪ ،‬لكن لم يكن يفعله يف كل جنازة‪.‬‬
‫ُ‬
‫والق ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ََ‬ ‫َُْ ه‬
‫آن)‪ :‬يكره أثناء اتباع الانازة‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫‪،‬‬ ‫كر‬
‫ِ‬ ‫باذل‬ ‫ولو‬ ‫ها‪،‬‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫وت‬
‫ِ‬ ‫الص‬ ‫(ورفع‬
‫والمشـي معها رفع الصوت والصـراخ‪ ،‬ولو بقراءة القرآن والتكبير والذكر‪ ،‬وقد‬
‫حكى شـيخ اإلسالم االتفاق عليه؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ال ُت ْتبع ا ْلان ََاز ُة بِصو ُ‬
‫ت‪َ ،‬و َال‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ َ‬
‫َار»(‪ ،)5‬وهنى عن ذلك عدد من الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬عمر‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وأبو سعيد‪،‬‬ ‫ن ُ‬
‫وعائشة ﭫ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1310‬ومسلم (‪ )252‬من حديث أبي سعيد ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سنن الرتمذي (‪.)1020‬‬
‫(‪ )3‬تقريب علوم ابن القيم ص (‪.)110‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)4153‬والنسائي (‪ ،)2001‬وأحمد (‪ )16534‬من حديث الرباء بن عازب ﭬ‪.‬‬
‫وِححه الحاكم‪ ،‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)152‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود (‪ ،)3111‬وأحمد (‪ )10631‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وضعفه النووي يف خالِة‬
‫األحكام (‪ ،)1003/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)142‬‬

‫‪111‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪718‬‬

‫وهذا من فعل أهل الكتاب‪ ،‬فإهنم يرفعون أِواهتم باألناجيل عند الانائز‪ ،‬وقد‬
‫هنينا عن التشبه هبم‪ ،‬وقد كان هدي الصحابة عند السـير السكوت‪ ،‬كما قال قيس‬
‫بن عباد‪« :‬كان أِحاب النبي ﷺ يكرهون رفع الصوت عند الانائز»(‪« ،)1‬وقال‬
‫ابن عمر وسعيد بن جبير لمن كان يمشـي مع الانازة ويقول استغفروا له‪ :‬ال غفر‬
‫اهلل لك بعد»(‪)2‬؛ ألن هذا من المحدثات‪ ،‬وإنما قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬استغفروا‬
‫ألخيكم وسلوا له التثبيت‪ ،‬فإنه يسأل»(‪ )3‬قاله بعد الفراغ من الدفن مرة‪ ،‬ولم يكن‬
‫يقول شـيئًا عند السـير‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬واعلم أن الصواب المختار وما كان عليه السلف ﭫ السكوت‬
‫يف حال السـير مع الانازة‪ ،‬فال يرفع ِوته بقرآن‪ ،‬وال ذكر‪ ،‬وال غير ذلك‪،‬‬
‫والحكمة أنه أسكن لخاطره‪ ،‬وأجمع لفكره فيما يتعلق بالانازة»(‪.)4‬‬
‫َ َ ُ ِّ َ َ‬ ‫َ ٍّ َ‬ ‫ُ ه ْ َُه َ َُْ َُ ه َ‬ ‫ُ‬
‫كِف‪ :‬ما يمنع السباع‪،‬‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬أن يعمق القَب‪ ،‬ويوسع بِال حد‪ .‬وي ِ‬
‫ه َ‬
‫اِئَة)‪.‬‬
‫والر ِ‬
‫ِ‬
‫السنة يف القرب أن يعمق ويوسعه‪ :‬لقوله ﷺ يف قتلى أحد‪ ،‬وقد ُشكي إِ َلى رس ِ‬
‫ول‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫اح ِف ُروا‪َ ،‬و َأ ْو ِس ُعوا‪َ ،‬و َأ ْح ِسنُوا‪َ ،‬وا ْدفِنُوا ِاال ْثنَ ْينِ‬ ‫ُ‬
‫ات َي ْو َم ُأ ُحد‪َ ،‬ف َق َال‪ْ « :‬‬ ‫اح ُ‬ ‫ال ّلـ َِه ﷺ ِ‬
‫الا َر َ‬
‫اح ُد‪َ ،‬و َقد ُموا َأ ْك َث َر ُه ْم ُق ْرآ ًنا»(‪.)5‬‬
‫وال اث َال َث َة فِي َقب ُر و ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ولقوله ﷺ ُيوِـي ا ْل َحافِ َر‪َ « :‬أ ْو ِس ْع مِ ْن قِ َب ِل ِر ْج َل ْي ِه‪َ ،‬أ ْو ِس ْع مِ ْن قِ َب ِل َر ْأ ِس ِه»(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي (‪ .)124/4‬قال األلباين يف الانائز ص (‪« :)11‬رجاله ثقات»‪.‬‬


‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)414/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )3221‬من حديث عثمان بن عفان ﭬ‪ .‬وحسنه النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪ ،)1026/2‬وِححه الحاكم‪ ،‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)156‬‬
‫(‪ )4‬األذكار للنووي ص (‪ ،)202‬حاشـية الروض المربع (‪.)115/3‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪ ،)1113‬وأبو داود (‪ ،)3215‬والنسائي (‪ )2010‬من حديث هشام ابن عامر ﭬ‪.‬‬
‫وِححه الرتمذي‪ ،‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)332/5‬واأللباين يف الانائز ص (‪.)143‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو داود (‪ ،)3332‬وأحمد (‪ .)23465‬وِححه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)1014/2‬وابن‬
‫حار يف التلخيص الحبير (‪ ،)226/2‬واأللباين يف الانائز ص (‪.)144‬‬

‫‪116‬‬
‫‪719‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ُ ه َ َ َ ٍّ‬
‫(وي َوسع بِال حد)‪ :‬فلم يرد تقدير حد معين للتعميق والتوسـيع‪.‬‬
‫ه َ‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫كِف‪ :‬ما يمن ُع السباع‪ ،‬والر ِ‬
‫اِئَة)‪ :‬فيكفي يف التعميق ما يمنع السباع من‬ ‫(وي ِ‬
‫الوِول إليه‪ ،‬والرائحة من الخروج‪.‬‬
‫َ َُ َ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫الق َْب َخ َش ًبا‪ ،‬وما مسته ن ٌ‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫وكر َ‬‫ُ‬
‫ووضع ف َِراش حتته‪ .‬وجعل‬‫ار‪َ .‬‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫إدخ‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫قوهل‪ِ َ (َ :‬‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُِمدة حتت َرأ ِس ِه)‪.‬‬
‫ألن هذا لم ينقل فعله عن الرسول ﷺ‪ ،‬وال الصحابة‪ ،‬وألنه إتالف مال بال‬
‫ضـرورة‪ ،‬فإن فعلوا ذلك لحاجة كوجود ماء ونحوه فال كراهة‪ ،‬وعليه يحمل ما‬
‫ول اهللِ ﷺ َقطِي َف ٌة َح ْم َرا ُء»(‪،)1‬‬
‫اس ﭭ َق َال‪ُ « :‬ج ِع َل فِي َق ْب ِر رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫رواه مسلم َع ِن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫وهذه القطيفة ألقاها شقران مولى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وذهب الامهور إلى كراهة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وشقران ﭬ انفرد بفعل‪ ،‬وقال‪« :‬كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول اهلل‬
‫ﷺ»(‪ ،)2‬وخالفه غيره‪ ،‬فروى البيهقي عن ابن عباس ﭭ‪« :‬أنه كره أن ياعل‬
‫تحت الميت ثوب يف قربه»(‪ ،)3‬وعن أبي موسـى ﭬ قال‪« :‬ال تاعلوا بيني وبين‬
‫األرض شـيئا»‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ ُ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫خلِ ِه الق ْ َ‬ ‫ُ ه َ ُ ُ‬
‫ول اَّلل»)‪.‬‬ ‫سم اَّللِ‪ ،‬وىلع مِل ِة رس ِ‬ ‫َب‪« :‬ب ِ ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬قول مد ِ‬
‫َان إِ َذا َو َض َع ا ْل َمي َت فِي‬‫أو سنة رسول اهلل؛ لحديث ا ْب ِن ُع َم َر ﭭ َأ ان النابِي ﷺ ك َ‬
‫ا‬
‫ول اهللِ ﷺ»‪ ،‬و َقال َم ارةً‪« :‬ب ْسم اهلل َوباهلل‪َ ،‬و َعلى‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َق ْب ِر َق َال‪« :‬بِس ِم اهللِ‪َ ،‬و َع َلى سن ِاة رس ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ول اهللِ»(‪.)4‬‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬و َقا َل مرةً‪ :‬بِس ِم اهللِ َوبِاهللِ‪َ ،‬و َع َلى سن ِاة رس ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َا ْ‬
‫مِ ال ِة رس ِ‬
‫َ ُ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)261‬‬


‫(‪ )2‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)513/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه البيهقي يف السنن (‪.)513/3‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (‪ ،)3213‬والرتمذي (‪ ،)1046‬وابن ماجه (‪ )1550‬من حديث ابن عمر ﭬ‪ .‬قال‬
‫الرتمذي‪« :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»‪ ،‬وقال ابن حار يف التلخيص الحبير (‪:)300/2‬‬
‫«وأعل بالوقف‪ ،...‬فرجح الدارقطني وقبله النسائي الوقف‪ ،‬ورجح غيرهما رفعه»‪ ،‬وِححه الحاكم‪،‬‬
‫=‬

‫‪112‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪720‬‬
‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫وَي ُب‪ :‬أن يستقبِل ب ِه ال ِقبلة)‪.‬‬ ‫قوهل‪ِ ( :‬‬
‫ياب توجيهه للقبلة‪ ،‬وعلى هذا جرى عمل المسلمين منذ عهد رسول اهلل ﷺ‬
‫إلى يومنا هذا يف كل مقابرهم‪ ،‬ولقوله ﷺ‪« :‬قِ ْب َلتِ ُك ْم َأ ْح َيا ًء َو َأ ْم َوا ًتا» [رواه أبو داود](‪.)1‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ُّ َ َ َ‬
‫قوهل‪( :‬ويسن‪ :‬ىلع جنبِ ِه األيم ِن )‪.‬‬
‫وهذا هو األفضل‪ ،‬وهو منصوص اإلمام أحمد إلحاقا للوفاة بالنوم‪ ،‬وقد كان‬
‫مستلق على قفاه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫النبي ﷺ يعابه التيمن يف شأنه كله‪ ،‬وياوز أن ياعله‬
‫ورة)‪.‬‬ ‫َِض َ‬ ‫فن َغريه ِ َعلَي ِه‪ ،‬أو َم َع ُه‪ ،‬هإال ل َ ُ‬‫وَي ُر ُم‪َ :‬د ُ‬‫َ‬
‫قوهل‪( :‬‬
‫ِ‬
‫الواجب أن يدفن الميت وحده يف القرب عند السعة واالختيار‪ ،‬هكذا جرت سنة‬
‫المسلمين منذ زمن الرسول ﷺ‪.‬‬
‫ورة)‪ :‬فياوز عندها دفن أكثر من واحد يف قرب واحد‪ ،‬كما فعل‬ ‫( هإال ل َ ُ‬
‫َِض َ‬
‫َان النابِ ُّي‬‫الرسول ﷺ لما كثر القتلى يف ُأ ُحد‪ ،‬ففي البخاري َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال‪ :‬ك َ‬
‫اح ُد‪ُ ،‬ث ام َي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬أ ُّي ُه ْم َأ ْك َث ُر َأ ْخ ًذا‬ ‫بو ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج َل ْي ِن م ْن َق ْت َلى ُأ ُحد في َث ْو ُ َ‬ ‫ﷺ َي ْا َم ُع َب ْي َن ا‬
‫شـير َل ُه إِ َلى َأ َح ِد ِه َما َقدا َم ُه فِي ال ال ْح ِد»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل ْل ُق ْرآن‪َ ،‬فإِ َذا ُأ َ‬
‫َ َ ً ُ َُ ُ‬ ‫ُ ه َ ْ ُ ُّ َ‬
‫اب علي ِه ثالثا‪ ،‬ث هم يهال)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬حثو الَّت ِ‬
‫ول ال ّلـ َِه‬
‫عليه حتى يمتلئ القرب؛ لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫ت‪َ ،‬ف َح َثى َع َل ْي ِه مِ ْن قِ َب ِل َر ْأ ِس ِه َث َال ًثا»(‪.)3‬‬‫ﷺ ِ الى َع َلى ِجن ََاز ُة‪ُ ،‬ثم َأ َتى َقبر ا ْلمي ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫َُ َ َُ َ َ ه ْ‬ ‫َ َ ه‬
‫قوهل‪( :‬واستحب األكرث‪ :‬تل ِقينه بعد ادلف ِن)‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بحديث أبي أمامة ﭬ عند الطرباين‪ ،‬وفيه‪« :‬أنه يقال له بعد تسوية‬
‫ِ ِ‬
‫قربه‪ :‬يا فالن بن فالن ا ْذ ُك ْر َما َخ َر ْج َت َع َل ْيه م َن الدُّ ْن َيا‪َ :‬ش َها َد َة َأ ْن ال إِ َل َه إِال ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َأ ان‬

‫=‬
‫واأللباين يف اإلرواء (‪.)141‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص(‪ .)612‬وانظر‪ :‬المحلى (‪.)113/5‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )1343‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪ )1565‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬قال أبو حاتم كما يف العلل البنه (‪« :)411/2‬هذا‬
‫حديث باطل»‪ ،‬وِححه البوِـيري يف مصباح الزجاجة (‪ ،)41/2‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)151‬‬

‫‪120‬‬
‫‪721‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ضـيت بِاهللِ ربا‪َ ،‬وبِ ِ‬


‫اإل ْسال ِم ِدينًا‪َ ،‬وبِ ُم َح ام ُد َنبِيا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُم َح امدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬و َأن َاك َر‬
‫َ‬
‫وبِا ْل ُقر ِ‬
‫آن إِ َما ًما»(‪.)1‬‬ ‫َ ْ‬
‫والراجح‪ :‬أنه ال يشـرع؛ ألن حديث أبي أمامة ضعيف ال تقوم به حاة‪ ،‬وضعفه‬
‫شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬والنووي‪ ،‬بل قال الصنعاين‪« :‬ويتحصل من كالم أئمة‬
‫التحقيق أنه حديث ضعيف‪ ،‬والعمل به بدعة‪ ،‬وال يغرت بكثرة من يفعله»(‪.)2‬‬
‫َ ُُ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ه َ ُّ َ ْ‬
‫ورفعه قد َر ِشَب)‪.‬‬ ‫َب بالماءِ‪.‬‬
‫قوهل‪( :‬وسن‪ :‬رش الق ِ‬
‫لورود آثار‪ ،‬لكن فيها إرسال‪ ،‬منها‪ :‬ما روي‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ رش قرب ابنه‬
‫إبراهيم»(‪ ،)3‬ومن الحكم كونه يحفظ الرتاب من أن تطير به الريح‪ ،‬وليكون أقوى‬
‫تماسكًا وِالبة‪.‬‬
‫َ ُُ َْ‬
‫ورفعه قد َر ِشَب)‪ :‬ليتميز عن سائر األرض‪ ،‬فال تطؤه األقدام‪ ،‬وال يبالغ يف‬ ‫(‬
‫ب َع َليْ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرفع‪ ،‬ولذا قيدوه قدر شرب؛ لحديث َجابِ ُر ﭬ‪َ « :‬أ ان النابِ اي ﷺ ُأ ْلحدَ ‪َ ،‬و ُنص َ‬
‫ض ن َْح ًوا مِ ْن ِش ْب ُر»(‪ ،)4‬وضابطه ما ذكره الشافعي‪« :‬أن‬ ‫ال البِ ُن ن ََص ًبا‪َ ،‬و ُرفِ َع َق ْب ُر ُه مِ َن ْاألَ ْر ِ‬
‫ال يزيد يف القرب غير ترابه؛ ألنه إذا زيد ارتفع جد ًا‪ ،‬وإذا رده فقط ارتفع بقدر شرب‬
‫تقريبًا»(‪.)5‬‬
‫ان الت اام ِ‬
‫ار‪َ « :‬أ ان ُه َر َأى َق ْب َر النابِي ﷺ‬ ‫وأن يكون ُم َسنامًا‪ :‬لما روى البخاري َع ْن ُس ْف َي َ‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف الكبير (‪ )242/6‬من حديث أبي أمامة ﭬ‪ .‬وضعفه العراقي يف تخريج اإلحياء ص‬
‫(‪ ،)1615‬واأللباين يف اإلرواء (‪ ،)153‬وقال الهيثمي يف مامع الزوائد (‪« :)45/3‬رواه الطرباين يف الكبير‪،‬‬
‫ويف إسناده جماعة لم أعرفهم»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪ ،)226/26‬زاد المعاد (‪ ،)206/1‬سبل السالم (‪ ،)161/2‬أحكام الانائز ص‬
‫(‪.)121‬‬
‫(‪ )3‬رواه الشافعي يف المسند (‪ )522‬ترتيب السندي‪ ،‬وأبو داود يف المراسـيل (‪.)424‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن حبان (‪ ،)6635‬والبيهقي (‪ )516/3‬من حديث جابر ﭬ‪ .‬وحسنه األلباين يف أحكام الانائز‬
‫ص (‪.)153‬‬
‫(‪ )5‬األم (‪ ،)245/1‬وأحكام الانائز ص (‪.)125‬‬

‫‪121‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪722‬‬

‫ُم َسن ًاما»(‪.)1‬‬


‫ه ُ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ َ ُ ُ‬
‫ريهُ‪ .‬وتقبِيله‪ .‬والط َواف ب ِه‪.‬‬ ‫بخ ُ‬ ‫كره‪ :‬تزويقه‪ .‬وجت ِصيصه‪ .‬وت ِ‬ ‫قوهل‪( :‬وي‬
‫ُّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ‬
‫حك عِنده‪ .‬واحل ِديث يف أم ِر ادلنيا‪.‬‬ ‫واالتكاء إيل ِه‪ .‬والمبيت‪ ،‬والض ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ َ ُ هْ ه َ‬ ‫ُُ ُ‬ ‫َ َُ َ‬
‫وف شوك وَن ِوه ِ)‪.‬‬ ‫واجللوس‪ .‬وابلِناء‪ .‬والمَش بانلع ِل‪ ،‬إال ِخل ِ‬ ‫والكِتابة علي ِه‪.‬‬
‫ه ُ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ َُ َ ُ ُ َ‬
‫ريهُ‪ .‬وتقبِيله‪ .‬والط َواف ب ِه)‪ :‬والتعبير‬ ‫بخ ُ‬‫ِ‬ ‫وت‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬‫يص‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫وجت‬ ‫(ويكره‪ :‬تزويقه‪.‬‬
‫بالكراهة فيه نظر‪ ،‬إال إن قصد كراهة التحريم‪ ،‬والصواب أن هذه من البدع‬
‫المحرمة‪ ،‬وبعضها أشد من بعض‪:‬‬
‫فمنها ما هو محرم‪ :‬كالتزويق‪ ،‬والتاصـيص‪ ،‬والتبخير‪ ،‬والتقبيل‪ ،‬وأول من‬
‫ول اهللِ ﷺ َأ ْن‬
‫أحدثه الرافضة‪ ،‬وقد روى مسلم َع ْن َجابِ ُر ﭬ َق َال‪« :‬ن ََهى َر ُس ُ‬
‫ص ا ْل َق ْب ُر‪َ ،‬و َأ ْن ُي ْق َعدَ َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َأ ْن ُي ْبنَى َع َل ْي ِه»(‪.)2‬‬
‫ُي َا اص َ‬
‫ومنها ما هو شـرل‪ :‬كالطواف بالقبور‪ ،‬فهو محرم باالتفاق يف أي قرب كان‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬ال ّطواف ال يشـرع ّإال بالبيت العتيق با ّتفاق المسلمين‪،‬‬
‫ولهذا ا ّتفقوا على تضليل من يطوف بغير ذلك‪ ،‬مثل من يطوف ّ‬
‫بالصخرة‪ ،‬أو‬
‫بحارة النّبي ﷺ‪ ،‬أو بالمساجد المبنية بعرفة‪ ،‬أو منى‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬أو بقرب بعض‬
‫فإن ال ّطواف‬
‫جهال المسلمين‪ّ ،‬‬
‫كثير من ّ‬
‫المشايخ‪ ،‬أو بعض أهل البيت‪ ،‬كما يفعله ٌ‬
‫بغير البيت العتيق ال ياوز با ّتفاق المسلمين‪ ،‬بل من اعتقد ذلك دينا وقرب ًة عرف ّ‬
‫أن‬
‫ذلك ليس بدين با ّتفاق المسلمين‪ّ ،‬‬
‫وأن ذلك معلو ٌم بالضـرورة من دين اإلسالم‪،‬‬
‫فإن أِـر على ا ّتخاذه دينا قتل»(‪.)3‬‬
‫حرام بإجماع المسلمين‪ ،‬ومن اعتقد ذلك‬
‫ٌ‬ ‫وقال‪« :‬ال ّطواف باألنبياء ّ‬
‫والصالحين‬
‫كافر سوا ٌء طاف ببدنه‪ ،‬أو بقربه»(‪.)4‬‬
‫دينا فهو ٌ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)1320‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )210‬من حديث جابر ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ماموع الفتاوى (‪.)250/26‬‬
‫(‪ )4‬ماموع الفتاوى (‪.)306/2‬‬

‫‪122‬‬
‫‪723‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫وقال الشـيخ محمد بن إبراهيم‪« :‬الطواف شـرل‪ ،‬ال يطاف إال ببيت اهلل‪،‬‬
‫والطواف بحارته طواف به‪ ،‬فهو شـرل أكرب»(‪.)1‬‬
‫ك ُ‬‫ِّ َ‬
‫اء إيل ِه)‪ :‬ذكر أنه مكروه‪ ،‬والصحيح أن االتكاء على القبور والالوس‬ ‫(واالت‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ص إِ َلى‬ ‫عليها محرم؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ألَ ْن َي ْالِ َس َأ َحدُ ُك ْم َع َلى َج ْم َرة َف ُت ْح ِر َق ث َيا َب ُه‪َ ،‬فت َْخ ُل َ‬
‫ِج ْل ِد ِه‪َ ،‬خ ْي ٌر َل ُه مِ ْن َأ ْن َي ْالِ َس َع َلى َق ْب ُر» [رواه مسلم](‪.)2‬‬
‫ور‪َ ،‬و َال َت ْالِ ُسوا َع َل ْي َها»(‪.)3‬‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬ال ُت َص ُّلوا إِ َلى ا ْل ُق ُب ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ ُمت َاك ًأ َع َلى َق ْب ُر‪،‬‬ ‫ويف المسند عن عمرو بن حزم ﭬ قال‪َ :‬رآنِي َر ُس ُ‬
‫ب َه َذا ا ْل َق ْب ِر‪َ ،‬أ ْو َال ُت ْؤ ِذ ِه»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َق َال‪َ « :‬ال ُت ْؤذ َِاح َ‬
‫ْ ُّ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ادلنيا)‪ :‬أي يكره ذلك‪ ،‬فالمبيت‬ ‫واحل ِديث يف أم ِر‬ ‫حك عِند ُه‪.‬‬ ‫(والمبيت‪ ،‬والض ِ‬
‫عندها ليس من عمل الرسول ﷺ‪ ،‬وال الصحابة ﭫ‪ ،‬ولو قصد ترقيق القلوب‪،‬‬
‫وكذا الضحك‪ ،‬والمزاح‪ ،‬والكالم بأمور الدنيا من بيع ومتع ونحوها؛ إذ السنة عند‬
‫زيارهتا تذكر الموت واآلخرة‪ ،‬والدعاء لألموات‪.‬‬
‫وأما الضحك والحديث بالدنيا فهو عالمة غفلة‪ ،‬وقسوة قلب‪ ،‬ولم يؤثر ذلك‬
‫عن السلف‪ ،‬بل نقل عنهم عكسه‪ ،‬وقد روى الرتمذي عن هانئ مولى عثمان قال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان إِ َذا َو َق َ‬
‫ف َع َلى َق ْب ُر َب َكى َحتاى َي ُب ال ل ْح َي َت ُه‪َ ،‬فق َيل َل ُه‪ُ :‬ت ْذك َُر َ‬
‫الانا ُة َوالن ُاار َف َال‬ ‫َان ُع ْث َم ُ‬
‫ك َ‬
‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ ان ال َق ْب َر َأ او ُل َمن ِْز ُل مِ ْن َمن ِ‬
‫َاز ِل‬ ‫َت ْبكِي َو َت ْبكِي مِ ْن َه َذا؟ َف َق َال‪ :‬إِ ان َر ُس َ‬
‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬فإِ ْن ن ََاا مِنْ ُه َف َما بَ ْعدَ ُه َأ ْيسـر مِنْ ُه‪َ ،‬وإِ ْن َل ْم َين ُْج مِنْ ُه َف َما َب ْعدَ ُه َأ َشدُّ مِنْ ُه» قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وقال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ما َر َأ ْي ُت َمنْ َظ ًرا َق ُّط إِ اال َوال َق ْب ُر َأ ْف َظ ُع مِنْ ُه»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬ماموع فتاوى محمد بن إبراهيم (‪.)135/6‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )211‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )212‬من حديث أبي مرثد الغنوي ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد (‪ ،)24002‬والحاكم (‪ )661/3‬من حديث عمرو بن حزم ﭬ‪ِ .‬ححه ابن حار يف الفتح‬
‫(‪ ،)225/3‬واأللباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)2260‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخرياه ص (‪.)661‬‬

‫‪123‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪724‬‬
‫َ َُ َ‬
‫(والكِتابة علي ِه)‪ :‬الكتابة على القرب مكروهة على المذهب‪.‬‬
‫ص‬‫وقيل‪ :‬تحرم؛ لصـراحة النهي‪ ،‬وال ِارف له‪« :‬فقد َن َهى النابِ ُّي ﷺ َأ ْن ُت َا اص َ‬
‫َب َع َل ْي َها‪َ ،‬و َأ ْن ُي ْبنَى َع َل ْي َها‪َ ،‬و َأ ْن ُتو َط َأ»(‪ ،)1‬والنهي يشمل الكتابة على‬
‫ور‪َ ،‬و َأ ْن ُي ْكت َ‬
‫ال ُق ُب ُ‬
‫القبور مطلقًا‪ ،‬سواء كانت كتابة ثناء‪ ،‬أو اسم الميت‪ ،‬وهذا مذهب الحنابلة‪،‬‬
‫والشافعية‪ ،‬واختاره الشوكاين‪.‬‬
‫وتعليم القرب يكون بالحار‪ ،‬كما فعل رسول اهلل ﷺ لما مات عثمان بن‬
‫مظعون ﭬ ودفن‪ ،‬أتى النبي ﷺ بحار‪ ،‬فوضعها عند رأسه‪ ،‬وقال‪َ « :‬أ َت َع ال ُم بِ َها‬
‫ات مِ ْن َأ ْهلِي»(‪.)2‬‬
‫َق ْب َر َأ ِخي‪َ ،‬و َأ ْدف ِ ُن إِ َل ْي ِه َم ْن َم َ‬
‫ولم يكتب رسول اهلل ﷺ على القبور وهنى عنها‪ ،‬ولم يفعله الصحابة ﭫ‪،‬‬
‫وهو باب قد يصعب غلقه إذا انفتح‪ ،‬فالراجح النهي مطلقًا‪.‬‬
‫قال ابن باز‪« :‬ال بأس بوضع عالمة على القرب ليعرف‪ ،‬كحار‪ ،‬أو عظم من غير‬
‫كتابة وال أرقام؛ ألن األرقام كتابة‪ ،‬وقد ِح النهي من النبي ﷺ عن الكتابة على‬
‫القرب‪ ،‬أما وضع حار على القرب‪ ،‬أو ِبغ الحار باألسود أو األِفر حتى يكون‬
‫عالمة على ِاحبه فال يضـر؛ ألنه يروى أن النبي ﷺ علم على قرب عثمان بن‬
‫مظعون بعالمة»(‪.)3‬‬
‫ُُ ُ‬
‫واجللوس)‪ :‬على القرب‪ ،‬ذكر كراهته‪.‬‬ ‫(‬
‫والراجح‪ :‬تحريم االتكاء على القبور‪ ،‬والالوس عليها‪ ،‬ويف المسند عن عمرو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بن حزم ﭬ قال‪ :‬رآنِي رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ُمت َاك ًأ َع َلى َق ْب ُر‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ال ُت ْؤذ َِاح َ‬
‫ب َه َذا‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َق ْب ِر َأ ْو َال ُت ْؤ ِذ ِه»‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)1052‬والنسائي (‪ )2021‬من حديث جابر ﭬ‪ .‬وِححه الرتمذي‪ ،‬وأِله يف مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3206‬حسنه النووي يف الخالِة (‪ ،)1010/2‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪،)325/5‬‬
‫وابن حار يف التلخيص (‪ ،)301/2‬واأللباين يف الانائز ص (‪.)155‬‬
‫(‪ )3‬ماموع فتاوى ابن باز (‪ .)200/13‬وانظر‪ :‬نيل األوطار (‪ ،)65/4‬حاشـية الروض المربع (‪،)122/3‬‬
‫الشـرح الممتع (‪ ،)366/5‬أحكام الانائز ص (‪.)262‬‬

‫‪124‬‬
‫‪725‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ص إ ِ َلى ِج ْل ِد ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫وقال ﷺ‪َ « :‬ألَ ْن َي ْالِ َس َأ َحدُ ُك ْم َع َلى َج ْم َرة َف ُت ْح ِر َق ث َيا َب ُه‪َ ،‬فت َْخ ُل َ‬
‫ور‪َ ،‬و َال‬ ‫َخ ْي ٌر َل ُه مِ ْن َأ ْن َي ْالِ َس َع َلى َق ْب ُر» [رواه مسلم]‪ ،‬وقال أيضًا‪َ « :‬ال ُت َص ُّلوا إِ َلى ا ْل ُق ُب ِ‬
‫َت ْالِ ُسوا َع َل ْي َها» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫اء)‪ :‬على القبور‪ ،‬كوضع القباب‪ ،‬أو رفعه باألحاار‪ ،‬محرم باتفاق‬ ‫(وابل َن ُ‬
‫ِ‬
‫العلماء‪ ،‬وقد ثبت يف الصحيح والسنن النهي عن البناء على القبور‪ ،‬وهو من‬
‫وسائل الشـرل‪ ،‬وقد لعن رسول اهلل ﷺ أهل الكتاب‪ ،‬وأخرب أهنم كانوا يبنون على‬
‫قبور الصالحين(‪ ،)1‬وأوِـى عليًا ﭬ بتسوية القبور المشـرفة والمبني عليها(‪،)2‬‬
‫ولعن رسول اهلل ﷺ المتخذين عليها المساجد والسـرج ونحوه(‪ ،)3‬ككسوة القبور‬
‫بالثياب‪ ،‬وقد نقل شـيخ اإلسالم اتفاق األئمة على أنه منكر‪.‬‬
‫وأولهم وآخرهم‬ ‫قال الشوكاين‪« :‬اعلم أناه قد اتفق الناس‪ ،‬سابقهم والحقهم‪ ،‬ا‬
‫رفع القبور والبناء عليها بدع ٌة من البدع‬
‫أن َ‬‫من لدن الصحابة ﭫ إلى هذا الوقت‪ :‬ا‬
‫النهي عنها‪ ،‬واشتدا وعيدُ رسول اهلل لفاعلها‪ ،‬و َلم يخالف يف ذلك أحدٌ من‬
‫ُ‬ ‫التي ثبت‬
‫المسلمين أجمعين»(‪.)4‬‬
‫وقال الشـيخ سليمان بن عبداهلل‪« :‬وقد أجمع العلماء على النهي عن البناء على‬
‫القبور‪ ،‬وتحريمه‪ ،‬ووجوب هدمه لهذه األحاديث الصحيحة الصـريحة التي ال‬
‫مطعن فيها بوجه من الوجوه‪ ،‬وال فرق يف ذلك بين البناء يف مقربة مسبلة‪ ،‬أو‬
‫مملوكة‪ ،‬إال أنه يف المملوكة أشد‪ ،‬وال عربة بمن شذ من المتأخرين فأباح ذلك‪ ،‬إما‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1341‬ومسلم (‪ )526‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )262‬من حديث علي ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ ،)3236‬والرتمذي (‪ ،)320‬والنسائي (‪ ،)2043‬وأحمد (‪ )2603‬من حديث ابن عباس‬
‫ﭭ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬وِححه ابن حبان‪ ،‬وضعفه ابن حار يف التلخيص (‪ ،)313/2‬واأللباين يف‬
‫اإلرواء (‪.)161‬‬
‫(‪ )4‬تطهير االعتقاد ص (‪.)102‬‬

‫‪125‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪726‬‬

‫مطل ًقا‪ ،‬وإما يف المملوكة»(‪.)1‬‬


‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وف شوك وَن ِوه ِ)‪ :‬فالمشـي بالنعال بين القبور مكروه؛‬ ‫َش بانلهع ِل‪ ،‬إال ِخل ِ‬ ‫والم ُ‬ ‫(‬
‫لحديث بشـير مولى رسول اهلل ﷺ أن رسول اهلل ﷺ نَظر‪َ ،‬فإِ َذا َر ُج ٌل َي ْمشـي فِي‬
‫ب الس ْبتِ اي َت ْي ِن‪َ ،‬و ْي َح َك َأ ْل ِق ِس ْبتِ اي َت ْي َك» فنظر الرجل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْل ُقب ِ ِ‬
‫ور َع َل ْيه َن ْع َالن‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬يا َِاح َ‬ ‫ُ‬
‫فلما عرف رسول ال ّله ﷺ خلعهما فرمى هبما(‪ ،)2‬وهذا من باب احرتام الموتى‪،‬‬
‫وهو أدعى لرقة القلب‪ ،‬وقال اإلمام أحمد‪« :‬إسناد حديث بشـير بن الخصاِـية‬
‫جيد‪ ،‬أذهب إليه إال من علة»‪.‬‬
‫فينهى عن المشـي بالنعال بين القبور إال عند الحاجة‪ ،‬كوجود شول‪ ،‬أو حرارة‬
‫األرض ونحوه‪ ،‬أما إذا لم يكن هنال حاجة فينكر عليه‪ ،‬كما أنكر ﷺ على ِاحب‬
‫السبتيتين‪ ،‬و ُيع الم الحكم الشـرعي(‪.)3‬‬
‫وأما دخول السـيارات المقربة‪ ،‬فينبغي تانبه إال لحاجة؛ ألهنا تضـيق على‬
‫الناس‪ ،‬وتزيل رهبة المقربة‪ ،‬فإن احتيج لدخولها لكرب المقربة وبعد المسافة‬
‫وِعوبة الوِول‪ ،‬فال بأس و ُتبعد عن القبور‪.‬‬
‫َ ُُ َ ُ ََ‬
‫إِساج المقاب ِ ِر)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وَيرم‪:‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء على ذلك؛ للعن النبي ﷺ من فعل ذلك‪ ،‬ولما فيه من مشاهبة‬
‫المشـركين‪ ،‬ولما فيه من ذريعة الشـرل‪ ،‬وتعظيم القبور‪ ،‬وإضاعة األموال‪.‬‬
‫اخ ِذي َن َع َل ْي َها ا ْلمس ِ‬
‫ور‪ ،‬وا ْلمت ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فقد‪َ « :‬لعن رس ُ ِ‬
‫السـرج»‬
‫َ‬ ‫اجدَ َو‬ ‫َ َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َزائ َرات ا ْل ُق ُب ِ َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫[رواه الرتمذي وحسنه](‪ ،)4‬و ُنقل اإلجماع على النهي عنه‪.‬‬

‫(‪ )1‬تيسـير العزيز الحميد ص (‪.)216‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3230‬والنسائي (‪ ،)2046‬وابن ماجه (‪ )1566‬من حديث بشـير بن الخصاِـية ﭬ‪.‬‬
‫وِححه ابن حبان‪ ،‬والحاكم‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪ ،)160‬وحسنه النووي يف خالِة األحكام‬
‫(‪.)1010/2‬‬
‫(‪ )3‬ماموع فتاوى ابن باز (‪.)355/13‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخرياه ص (‪.)125‬‬

‫‪126‬‬
‫‪727‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬ويحرم اإلسـراج على القبور‪ ،‬وا ّتخاذ المساجد عليها‬
‫وبينها‪ ،‬ويتعين إزالتها‪ ،‬وال أعلم فيه خال ًفا بين العلماء المعروفين»(‪.)1‬‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫هْ ُ َ َ‬
‫ري‪ ،‬وينبش)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الغ‬ ‫ِلك‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ويف‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫قوهل‪( :‬وادلفن بالم‬
‫الدفن بالمساجد‪ ،‬أو بناء المساجد على القبور محرم باالتفاق‪ ،‬وهو من أظهر‬
‫ور َأ ْنبِ َيائِ ِه ْم‬
‫ون ُقبُ َ‬
‫َان َقب َل ُكم كَا ُنوا يت ِ‬
‫اخ ُذ َ‬ ‫َ‬ ‫وسائل الشـرل؛ لقوله ﷺ‪َ ..« :‬أ َال َوإِ ان َم ْن ك َ ْ ْ‬
‫اجدَ ‪ ،‬إِني َأن َْها ُك ْم َع ْن َذل ِ َك»(‪.)2‬‬ ‫اجدَ ‪َ ،‬أ َال َف َال َتت ِ‬
‫اخ ُذوا ا ْل ُق ُبور مس ِ‬
‫َ َ َ‬
‫يهم مس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َِالح ِ ْ َ َ‬
‫اجدَ » ُي َحذ ُر‬ ‫ود َوالن َاصارى‪ ،‬ا ات َخ ُذوا ُقبُور َأ ْنبِ َيائِ ِهم مس ِ‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬لعنَ ُة اهللِ َع َلى اليه ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬
‫َما َِنَ ُعوا(‪.)3‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬بناء المساجد على القبور ليس من دين المسلمين‪ ،‬بل هو‬
‫منهي عنه بالنّصوص ال ّثابتة عن النّبي ﷺ‪ ،‬وا ّتفاق أئمة الدّ ين‪ ،‬بل ال ياوز ا ّتخاذ‬
‫ٌ‬
‫الصالة عندها‪ ،‬بل‬‫القبور مساجد سوا ٌء كان ذلك ببناء المساد عليها‪ ،‬أو بقصد ّ‬
‫أئمة الدّ ين متّفقون على النّهي عن ذلك»(‪.)4‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما جعل المقربة أمام المساد‪ ،‬فإن لم يوجد حائط لكل من المساد‬
‫والمقربة حرمت الصالة فيه‪ ،‬وإن وجد فهو مباح‪ ،‬واألولى التحرز منه سدا‬
‫للذريعة‪.‬‬
‫شـرعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫قال الشـيخ ابن إبراهيم‪« :‬وجود المقابر بقبلة المساد وبقربه ال ياوز‬
‫كما يف حديث َأبي مرثد الغنوي قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ال ُتص ُّل ْوا إِلى‬
‫ا ْل ُق ُب ْور َوال تالِ ُس ْوا عل ْيها» [رواه مسلم]‪ .‬فال بد من نبش القبور من قبلة مسافة مرتين‬
‫جدارا فاِالً‪ ،‬وال تصح الصالة يف‬ ‫ً‬ ‫على األَقل‪ ،‬وجعل ما بين المساد والمقربة‬

‫(‪ )1‬االختيارات الفقهية ص (‪.)445‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )532‬من حديث جندب ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)435‬ومسلم (‪ )531‬من حديث عائشة وعبداهلل بن عباس ﭫ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ماموع الفتاوى (‪.)466/21‬‬

‫‪121‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪728‬‬

‫مثل هذه الحالة‪ ،‬كما ال تصح الصالة يف المقربة‪ ،‬وال يكفي جدار المقربة‪ ،‬وال‬
‫جدار المساد‪ ،‬بل البد من حائل ساتر منفصل‪ ،‬فإذا َأمكن وضع حائل ساتر بين‬
‫المساد والقبور فهذا هو المتعين‪ ،‬وإال فيزال َ‬
‫المتأخر منهما»(‪.)1‬‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ري‪ ،‬وينبش)‪ :‬لما فيه من إفساد ملكه بغير حق‪ ،‬إال إن أذن يف‬‫ِلك الغ ِ‬
‫ويف م ِ‬ ‫( ِ‬
‫دفعه يف ملكه وينبش من دفن يف مساد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هْ ُ ه‬
‫بالص َ‬
‫حراءِ‪ :‬أفضل)‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وادلفن‬
‫فاألفضل كون المقربة خارج البلد لئال تضـيق على الناس يف مساكنهم‪ ،‬والنبي‬
‫ﷺ كان يدفن أِحابه بالبقيع‪ ،‬ودفن القتلى يف أماكن المعارل‪ ،‬ولم تزل الصحابة‬
‫والتابعون ومن بعدهم يقربون يف الصحارى‪ ،‬وال يقربون يف البيوت‪.‬‬
‫ولو جعلوا المقربة داخل البلد وال مضـرة يف ذلك جاز لعدم النهي‪.‬‬
‫وذهب عامة الفقهاء إلى جواز وقف األرض لتكون مقربة‪.‬‬
‫َ َ َ ِّ َ ُ َ ُ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ ُّ َ‬ ‫ْ َ‬
‫احلامِل‪ :‬ح ُرم شق بطنِها‪ ،‬وأخرج النساء من ترَج حياته‪.‬‬ ‫ت‬‫قوهل‪( :‬وإن مات ِ‬
‫ْ َ َ َ ُ ُ َ ًّ ُ ه َ‬ ‫ْ ََ ه َ ُ َ َ ه َُ َ‬
‫فإن تعذ َر‪ :‬لم تدفن حَت يموت‪ .‬وإن خ َرج بعضه حيا‪ :‬شق للب ِاِق)‪.‬‬
‫شق بطن المرأة الحامل إذا ماتت ال يخلوا من حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إذا كانت وما يف بطنها أموات‪ ،‬فال ياوز شق بطنها؛ ألنه ُمثلةٌ‪ ،‬وتشويه‬
‫للميت بال مصلحة‪ ،‬وإنما يدفن معها‪ ،‬والميت له حرمة‪ ،‬ولذا قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ت َك َك ِ‬
‫سـره َحيا»(‪.)2‬‬ ‫«كَسـر َع ْظ ِم ا ْلمي ِ‬
‫َ‬
‫الثانية‪ :‬إذا كان ما يف بطنها حيًا‪ ،‬وأمكن إخراجه‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬يحرم شق بطنها؛ ألنه هتك حرمة متيقنة إلبقاء حياة متوهمة‪ ،‬وإنما‬
‫تخرجه النساء بالمعالاات‪ ،‬وإدخال اليد على الانين‪ ،‬فإن تعذر لم تدفن حتى‬

‫(‪ )1‬فتاوى ورسائل سماحة الشـيخ محمد بن إبراهيم (‪.)115/2‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3201‬وابن ماجه (‪ ،)1616‬وأحمد (‪ )24306‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬وِححه ابن‬
‫حبان‪ ،‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ ،)162/6‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)163‬‬

‫‪126‬‬
‫‪729‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫يموت ما يف بطنها‪ ،‬واحتاوا بالحديث السابق‪.‬‬


‫والراجح‪ :‬أنه إن أمكن إخراجه من غير شق حرم الشق‪ ،‬وإن لم يمكن إال‬
‫بالشق جاز شق بطنها ويخرج الولد‪ ،‬السـيما يف زماننا حيث تطور الطب‪،‬‬
‫وأِبحت الاراحة سهلة وال تعد مثلة‪ ،‬وليس يف الحديث نص على هذه المسألة‪،‬‬
‫بل لو قيل إنه دليل على الاواز لما كان بعيد ًا‪ ،‬فإن كسـر عظم الحي وشق بطنه‬
‫للمصلحة الراجحة جائز‪ ،‬وهكذا شق بطن الحامل يف حياهتا إلخراج الانين جائز‪،‬‬
‫فيفعلونه باألحياء برضاهم ورغبتهم‪ ،‬وهذا مثله‪.‬‬
‫والقاعدة‪ :‬أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد ُقدم أعلى المصلحتين‪،‬‬
‫وارتكب أهون المفسدتين‪ ،‬وسالمة الولد مصلحة أكرب‪ ،‬وهذا مذهب الحنفية‪،‬‬
‫وقال محمد بن الحسن‪« :‬ال يسع إال ذلك»‪ ،‬واختاره السعدي(‪.)1‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يخرج بعضه حيًا‪:‬‬
‫فالمذهب‪ :‬ياوز شق بطنها إلخراجه؛ لوجود مصلحة قوية متحققة‪ ،‬ولما‬
‫راعى أكثر مما‬
‫يرتتب على عدم الشق يف هذه الحالة من مفسدة موته‪ ،‬والحي ُي َ‬
‫يراعى الميت‪.‬‬
‫َ َ َ ُّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫احلامِل‪ :‬ح ُرم شق بطنِها)‪ :‬لحرمتها‪.‬‬
‫ت َ‬ ‫(وإن مات ِ‬
‫َ َ َ ِّ َ ُ َ ُ ْ َ َ َ ُ‬
‫(وأخرج النساء من ترَج حياته)‪ :‬بأن كان يتحرل حركة قوية‪ ،‬وانفتحت‬
‫المخارج‪ ،‬وله ستة أشهر فأكثر‪ ،‬ويحرم شق بطنها على المذهب‪ ،‬وتقدم الراجح‪.‬‬
‫ْ ََ ه َ ُ َ َ ه َُ َ‬
‫(فإن تعذ َر‪ :‬لم تدفن حَت يموت)‪ :‬الحمل لحرمته‪.‬‬
‫ْ َ َ َ ُ ُ َ ًّ ُ ه َ‬
‫(وإن خ َرج بعضه حيا‪ :‬شق للب ِاِق)‪ :‬لتيقن حياته بعد أن كانت متوهمة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬اللحد والشق يف ِفة القرب جائز‪:‬‬
‫واللحد‪ :‬أن يحفر يف حائط القرب مكانًا يسع الميت‪ ،‬ثم يوضع اللبن عليه‪.‬‬
‫والشق‪ :‬أن يحفر يف وسط القرب كالنهر‪ ،‬ويبني جانباه‪ ،‬فيكون الشق كالحوض‪،‬‬
‫(‪ )1‬فتاوى السعدي ص (‪ ،)162‬الموسوعة الفقهية الكويتية (‪.)10/16‬‬

‫‪122‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪730‬‬

‫ثم يوضع فيه الميت‪ ،‬ويسقف بأحاار ثم يدفن‪ ،‬وعند االختيار اللحد أفضل؛ ألن‬
‫رسول اهلل ﷺ جعل له لحد ًا‪ ،‬كما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص ﭬ أنه قال‬
‫فِي مرضه ا الذي هلك فيه‪« :‬ا ْل َحدُ وا لِي َل ْحدً ا‪َ ،‬وان ِْص ُبوا َع َل اي ال البِ َن ن َْص ًبا‪ ،‬ك ََما ُِن ِ َع‬
‫ول اهللِ ﷺ»(‪ ،)1‬وقال ﷺ‪« :‬ال ال ْحدُ َلنَا‪َ ،‬و ا‬
‫الش ُّق ل ِ َغ ْي ِرنَا»(‪.)2‬‬ ‫بِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫لكن إذا كانت األرض رخوة ال يثبت فيها اللحد‪ ،‬فيصار إلى الشق‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬أجمع أهل العلم على أن الدفن يف اللحد والشق جائزان»(‪،)3‬‬
‫أنس بن مالك ﭬ‬ ‫وقد وردت أحاديث يف جواز األمرين جميعًا‪ ،‬منها‪ :‬حديث ِ‬
‫آخر يضـرح‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬نَست ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َخ ُير‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َان بِا ْل َمدينَة َر ُج ٌل َي ْل َحدُ ‪َ ،‬و َ ُ َ‬
‫قال‪َ « :‬ل اما ُت ُوفي النابِي ﷺ ك َ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫احب ال الحد‪ِ،‬‬ ‫ربنَا‪ ،‬و َنبع ُث إ ِ َلي ِهما‪َ ،‬ف َأيهما سبِ َق َتر ْكنَاه‪َ ،‬ف ُأر ِس َل إ ِ َلي ِهما‪َ ،‬فسب َق ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ُّ ُ َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َا َ َْ‬
‫َف َل َحدُ وا لِلنابِي ﷺ»(‪.)4‬‬
‫مسألة‪ :‬األولى أن يتولى دفن المرأة وإنزالها القرب رجل لم يطأ زوجته تلك‬
‫الليلة‪ ،‬ولو كان أبعد من غيره يف القرابة؛ لما روى البخاري عن أنس بن مالك ﭬ‬
‫ول اهللِ ﷺ َجال ِ ٌس َع َلى ال َق ْب ِر‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َر ُس ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬ش ِهدْ نَا بِنْتًا لِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫َف َر َأ ْي ُت َع ْينَ ْي ِه َتدْ َم َعان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َال‪َ « :‬ه ْل منْ ُك ْم َر ُج ٌل َل ْم ُي َق ِ‬
‫ارف ال ال ْي َلةَ؟» َف َق َال َأ ُبو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َط ْل َحةَ‪َ :‬أنَا‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فان ِْز ْل» َق َال‪َ :‬فن ََز َل فِي َق ْب ِر َها(‪.)5‬‬
‫ف)‪ :‬قيل‪ :‬لم يذنب‪ ،‬ذكره البخاري يف باب من يدخل قرب المرأة‪.‬‬ ‫ار ْ‬ ‫( َل ْم ُي َق ِ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )266‬من حديث سعد بن وقاص ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)3206‬والرتمذي (‪ ،)1045‬والنسائي (‪ ،)2002‬وابن ماجه (‪ )1554‬من حديث ابن‬
‫عباس ﭭ‪ .‬ضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)1012/2‬وابن الملقن يف البدر المنير ‪226/5‬؛ وابن‬
‫حار يف التلخيص (‪.)226/2‬‬
‫(‪ )3‬الماموع (‪.)261/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1551‬وأحمد (‪ )12415‬من حديث أنس بن مالك ﭬ‪ِ .‬ححه البوِـيري يف‬
‫مصباح الزجاجة (‪ ،)32/2‬وحسنه األلباين يف الانائز ص (‪.)144‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ )1265‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪731‬‬ ‫ل امليتِ ودَفنِه‬
‫ل يف حَم ِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫وقيل‪ :‬لم ياامع تلك ال ّليلة‪ ،‬بدليل أنّه ذكر ال ّليل‪ ،‬والغالب من ذلك الفعل‬
‫وقوعه بال ّليل‪ ،‬وبه جزم ابن حزمُ‪.‬‬
‫قال ابن حار‪« :‬ويف الحديث إيثار البعيد العهد عن المالذ يف مواراة الميت‪،‬‬
‫ولو كان امرأ ًة على األب والزوج»(‪.)1‬‬
‫فائدة‪ :‬إذا ماتت كتابية‪ ،‬ويف بطنها ولد مسلم فال تدفن يف مقابر المسلمين‪ ،‬وال‬
‫يف مقابر النصارى؛ ألنه اجتمع مسلم وكافر‪ ،‬بل تدفن منفردة‪ ،‬وياعل ظهرها إلى‬
‫القبلة؛ ألن وجه الطفل إلى ظهرها‪ ،‬والطفل يكون مسلمًا بإسالم والده‪ ،‬ذكره‬
‫شـيخ اإلسالم(‪.)2‬‬
‫فائدة‪ :‬قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وال يستحب للرجل أن يحفر قربه قبل أن يموت‪،‬‬
‫ّ‬
‫فإن النّبي ﷺ لم يفعل ذلك هو وال أِحابه‪ ،‬والعبد ال يدري أين يموت‪ ،‬وإذا كان‬
‫الصالح»(‪.)3‬‬
‫مقصود الرجل االستعداد للموت‪ ،‬فهذا يكون من العمل ّ‬

‫(‪ )1‬فتح الباري ‪ ،152/3‬شـرح السنة للبغوي (‪ ،)325/5‬نيل األوطار (‪.)105/4‬‬


‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪.)225/24‬‬
‫(‪ )3‬االختيارات الفقهية ص (‪.)446‬‬

‫‪131‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪732‬‬

‫‪e‬‬ ‫َفصْ ٌل‬ ‫‪F‬‬


‫ب والتَّعزيةِ‬
‫يف أحكا ِم املُصا ِ‬

‫َ َ‬ ‫هُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ه‬ ‫ُ َ ُّ َ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬


‫أجرك‪،‬‬ ‫عزية المسلِ ِم‪ ،‬إىل ثالث ِة أيام‪ .‬فيقال هل‪« :‬أعظ َم اَّلل‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫َ َ َ هُ ُ َ َ َ َ َِ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ِّ َ‬
‫وأحسن عزاءك‪ ،‬وغفر ل ِميتِك»‪ .‬ويقول هو‪« :‬استجاب اَّلل داعءك‪ ،‬ورمحنا‬
‫ه َ‬
‫وإياك»)‪.‬‬
‫إذا حلت بالمسلم مصـيبة من موت قريب‪ ،‬أو نحوه‪ ،‬فيسن تعزيته وتصبيره‬
‫وتثبيته‪ ،‬كما عزى النبي ﷺ ابنته لما مات أحد أوالدها‪ ،‬وعزى امرأ َة جعفر ﭬ‪،‬‬
‫اهلل ‪َ ‬ي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ُح ال ًة ُي ْحبَ ُر‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫وقال ﷺ‪َ « :‬م ْن َع ازى َأ َخا ُه ا ْل ُم ْؤم َن م ْن ُمصـي َبة ك ََسا ُه ُ‬
‫ول اهللِ‪َ :‬ما ُي ْح َب ُر بِ َها؟ َق َال‪ُ « :‬ي ْغ َب َط بِ َها»(‪.)1‬‬
‫بِ َها»‪ .‬قِ َيل َيا َر ُس َ‬
‫َ َ ه‬
‫(إىل ثالث ِة أيام)‪ :‬وقت التعزية يبدأ من حين الموت‪ ،‬ولو لم يدفن‪ ،‬ولم يأت يف‬
‫النصوص تحديده بالدفن‪ ،‬والغرض منها‪ :‬مواساة المصاب‪ ،‬وقد عزى رسول اهلل‬
‫ﷺ إحدى بناته يف طفلها قبل أن يدفن‪.‬‬
‫وأما آخرها‪ :‬فالمذهب قالوا‪ :‬إلى ثالثة أيام‪.‬‬
‫واألقرب‪ :‬أنه ال يحدد بثالثة أيام‪ ،‬فمتى رأى الحاجة للتعزية عزى‪ ،‬ولو بعد‬
‫مضـي ثالثة أيام‪ ،‬فما دامت المصـيبة باقية فله ذلك‪ ،‬والحكم يدور مع علته وجود ًا‬
‫وعدمًا‪ ،‬وقد ثبت أن رسول اهلل ﷺ عزى بعد ثالث يف موت جعفر‪ ،‬واختاره شـيخ‬
‫اإلسالم (‪.)2‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ ِّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫هُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اءك‪ ،‬وغف َر ل ِميتِك»)‪ :‬أما ِـيغة‬‫أجرك‪ ،‬وأحسن عز‬ ‫(فيقال هل‪« :‬أعظ َم اَّلل‬
‫التعزية وما يقال ألهل الميت‪ ،‬فإنه يعزيهم بما يظن أنه يسليهم‪ ،‬ويكف حزهنم‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف الدعاء (‪ )1226‬من حديث أنس ﭬ‪ .‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)211/3‬‬
‫(‪ )2‬أحكام الانائز ص (‪.)210‬‬

‫‪132‬‬
‫‪733‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ويحملهم على الرضا‪ ،‬ويراعي ما ثبت عن رسول اهلل ﷺ إن حفظه‪ ،‬وإال فما تيسـر‬
‫له من الكالم الحسن‪ ،‬ومما ثبت عن رسول اهلل ﷺ قول‪« :‬إِ ان ل ِ ال ِه َما َأ َخ َذ‪َ ،‬و َل ُه َما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب» قاله رسول اهلل ﷺ البنته لما‬ ‫َأ ْع َطى‪َ ،‬و ُك ٌّل عنْدَ ُه بِ َأ َج ُل ُم َسمى‪َ ،‬ف ْلت َْصبِ ْر‪َ ،‬و ْلت َْحتَس ْ‬
‫مات أحد أوالدها(‪.)1‬‬
‫وقوله ﷺ يف موت أبي سلمة ﭬ‪« :‬الل ُه ام ا ْغ ِف ْر ِألَبِي َس َل َمةَ‪َ ،‬و ْار َف ْع َد َر َج َت ُه فِي‬
‫اخ ُل ْف ُه فِي َع ِقبِ ِه فِي ا ْل َغابِ ِري َن‪َ ،‬وا ْغ ِف ْر َلنَا َو َل ُه َيا َر اب ا ْل َعا َل ِمي َن‪َ ،‬وا ْف َس ْح َل ُه‬
‫ا ْل َم ْه ِديي َن‪َ ،‬و ْ‬
‫يه» [رواه مسلم](‪ .)2‬وغيره من الكالم الحسن الذي يحقق الغرض‪،‬‬ ‫فِي َقب ِر ِه‪ ،‬ونَور َله فِ ِ‬
‫ْ َ ْ ُ‬
‫وال يخالف الشـرع‪.‬‬
‫وقد كان ابن الزبير وعبدال ّله بن عمر ﭭ يقوالن يف التعزية‪َ « :‬أ ْع َق َب َك ُ‬
‫اهلل ُع ْق َبى‬
‫ب ِع َبا َد ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْلمت ِاقين‪َ ِ ،‬لو ٌ ِ‬
‫ات منْ ُه َو َر ْح َمةٌ‪َ ،‬و َج َع َل َك م َن ا ْل ُم ْهتَدي َن‪َ ،‬و َأ ْع َق َب َك ك ََما َأ ْع َق َ‬ ‫ُ َ َ َ‬
‫حي َن»(‪.)3‬‬‫ْاألَ ْنبِياء والصال ِ ِ‬
‫َ َ َ ا‬
‫ميت فوقف عليهم‪ ،‬فقال‪َ « :‬أ ْع َظ َم‬ ‫أن الحسن مر بأهل ُ‬ ‫وقال عبدالرزاق‪ :‬بلغني ّ‬
‫احبِ ُك ْم‪ُ ،‬ث ام َمضـى َو َل ْم َي ْق ُعدْ ‪ُ ،‬ق ْلنَا َل ُه‪َ :‬م ْن ُي َع ازى؟ َق َال‪ُ :‬ي َع ازى‬ ‫اهلل َأجر ُكم‪ ،‬و َغ َفر اهلل لِص ِ‬
‫ُ َْ ْ َ َ ُ َ‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل َح ِزينًا ل َصاحبِه َو َأخيه َأشدا م ْن ُح ْزن َأ ْهلِه َع َل ْيه» ‪.‬‬ ‫ون ا‬ ‫ُك ُّل َح ِز ُ‬
‫ين‪َ ،‬ف َقدْ َي ُك ُ‬
‫فكلها ألفاظ تعزية‪ ،‬وإن َذك َار ُه بالنصوص التي تصربه وتسليه فحسن‪.‬‬
‫ه َ‬ ‫َ َ َ هُ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َُ ُ ُ‬
‫المعزى بذلك‪،‬‬
‫ا‬ ‫ور ِمحنا وإياك»)‪ :‬أي يرد‬ ‫(ويقول ه َو‪« :‬استجاب اَّلل داعءك‪،‬‬
‫كما رد به اإلمام أحمد‪ ،‬أو يقول آمين‪ ،‬أو جزال اهلل خير ًا‪.‬‬
‫والتعزية تحصل بدون مصافحة وال معانقة‪ ،‬فلم ينقل ذلك عن الرسول ﷺ‪،‬‬
‫والصحابة‪ ،‬وليس يف ذلك سنة متبعة‪ ،‬ولو فعله‪ ،‬فال إنكار فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1264‬ومسلم (‪ )223‬من حديث أسامة بن زيد ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)613‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)56/3‬‬
‫(‪ )4‬مصنف عبدالرزاق (‪.)6014‬‬

‫‪133‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪734‬‬

‫وليس من السنة الالوس يف البيوت للتعازي‪ ،‬وهو المذهب وعليه أكثر‬


‫األِحاب وقد كره ذلك جماعة‪ ،‬بل ينبغي أن ينصـرفوا يف حوائاهم‪ ،‬فمن‬
‫ِادفهم عزاهم‪ ،‬وال فرق بين الرجال والنساء‪ ،‬ولم يؤثر هذا عن النبي ﷺ‪،‬‬
‫والصحابة‪ ،‬قال الشافعي‪« :‬وأكره المآتم‪ :‬وهي الاماعة وإن لم يكن لهم البكاء‪،‬‬
‫فإن ذلك يادد الحزن‪ ،‬ويكلف المؤنة مع ما مضـى فيه من األثر»(‪ ،)1‬ورجحه‬
‫األلباين‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)2‬‬
‫وعنه الرخصة فيه ألهل الميت‪ ،‬وعنه الرخصة لهم ولغيرهم‪.‬‬
‫َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‪.‬‬‫قوهل‪( :‬وال بأس‪ :‬بابلُاكءِ ىلع المي ِ‬
‫ُ‬ ‫ياح ُة‪َ ،‬‬
‫ِّ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫هْ ُ‬
‫ويه‪َ :‬رفع‬ ‫ت‪ .‬وانل‬‫وَيرم‪ :‬انلدب‪ ،‬وهو‪ :‬ابلُاك ُء مع تعدا ِد ُما ِس ِن المي ِ‬ ‫ُ‬
‫َ ه‬ ‫ه‬
‫وت بذل ِك ب ِ َرنة‪.‬‬ ‫الص ِ‬
‫َ ُ َ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُّ َ ُ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ ِّ‬ ‫ُ ُ َ ُّ ه‬
‫َشهُ‪ ،‬وحلقه)‪.‬‬ ‫عر‪ ،‬ون‬
‫ِ‬ ‫الش‬ ‫تف‬ ‫ون‬ ‫‪.‬‬‫اخ‬ ‫والَص‬ ‫‪.‬‬ ‫د‬ ‫اخل‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫ول‬ ‫‪.‬‬‫وب‬
‫ِ‬ ‫اثل‬ ‫وَيرم‪ :‬شق‬
‫َ ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت)‪ :‬البكاء على الميت جائز قبل الدفن وبعده‪ ،‬ما‬ ‫(وال بأس‪ :‬بابلاكءِ ىلع المي ِ‬
‫لم يصل لحد النياحة والازع‪.‬‬
‫ُ‬
‫عوف‬ ‫وقد بكى رسول اهلل ﷺ على موت إبراهيم‪ ،‬فقال له عبدالرحمن بن‬
‫ف إِ ان َها َر ْح َم ٌة»‪ ،‬وقال‪« :‬إِ ان ال َع ْي َن َتدْ َم ُع‪،‬‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬يا ابن َعو ُ‬ ‫ﭬ‪َ :‬و َأن َْت َيا َر ُس َ‬
‫َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون»(‪.)3‬‬ ‫يم َل َم ْح ُزو ُن َ‬‫ول إ ِ اال َما َي ْرضـى َر ُّبنَا‪َ ،‬وإِناا بِف َراق َك َيا إِ ْب َراه ُ‬
‫ال َن ُق ُ‬
‫ب َي ْح َز ُن‪َ ،‬و َ‬ ‫َوال َق ْل َ‬
‫وهدي رسول اهلل ﷺ أكمل هدي‪ ،‬وهو الموافق لطبع اإلنسان‪ ،‬فإن البكاء ال‬
‫يعارض الصرب‪ ،‬وال يعارض الرضا بالمصـيبة؛ ألنه يحصل رحمة بالميت وحزنًا‬
‫على فراقه‪ ،‬والعربة بالقلب هل هو جزع من هذه المصـيبة أم ال؟ فإن كان ِابر ًا أو‬
‫راضـيًا بالمصـيبة فال بأس بالبكاء وبدمع العين‪.‬‬

‫(‪ )1‬األم للشافعي (‪.)316/1‬‬


‫(‪ )2‬أحكام الانائز ص (‪.)211‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخرياه ص (‪.)615‬‬

‫‪134‬‬
‫‪735‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫قال شـيخ اإلسالم‪ :‬ويستحب البكاء على الميت رحم ًة له‪ ،‬وهو أكمل من‬
‫اد ِه»(‪.)1‬‬‫وب ِعب ِ‬ ‫الفرح؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬ه ِذ ِه رحم ٌة جع َلها ِ‬
‫اهلل في ُق ُل ِ َ‬
‫َ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫َ ِّ‬ ‫ُ َ ُ ََ َ َ‬ ‫هْ ُ‬ ‫( ُ‬
‫ت)‪ :‬ذكر هنا ما يحرم عند‬ ‫وَيرم‪ :‬انلدب‪ ،‬وهو‪ :‬ابلاكء مع تعدا ِد ُما ِس ِن المي ِ‬
‫اإلِابة بموت قريب ونحوه‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫النادْ ُب‪ :‬وهو البكاء مع تعداد محاسن الميت؛ لما يف ذلك من الازع‪ ،‬وعدم‬
‫الصرب‪ ،‬كأن يقول‪ :‬واسـيداه‪ ،‬من لأليتام بعدل‪ ،‬أو من ألوالدل بعدل؛ لقوله ﷺ‪:‬‬
‫اج َب َال ْه‪َ ،‬واسـيدَ ا ْه‪َ ،‬أ ْو ن َْح َو َذل ِ َك‪ ،‬إِ اال ُوك َل‬ ‫وت َفي ُقوم باكِ ِ‬
‫يه‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬و َ‬ ‫« َما م ْن َميت َي ُم ُ َ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ان َي ْل َه َزان ِ ِه‪َ :‬أ َه َك َذا ُكن َْت؟»(‪.)2‬‬
‫بِ ِه م َل َك ِ‬
‫َ‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وما يهيج المصـيبة من إنشاد ّ‬
‫الشعر والوعظ فمن‬
‫النّائحة»(‪.)3‬‬
‫ويباح ذكر ما يرجى للميت من الخير بسبب ِالحه من غير تسخط وندب؛‬
‫َس ﭬ َق َال‪َ « :‬ل اما َث ُق َل النابِ ُّي ﷺ َج َع َل َي َت َغ اشا ُه‪َ ،‬ف َقا َل ْت‬ ‫لما روى البخاري َع ْن َأن ُ‬
‫يك ك َْر ٌب َب ْعدَ ال َي ْومِ‪َ ،‬ف َل اما‬ ‫َفاطِم ُة َع َليها السالَم‪ :‬وا كَرب َأباه‪َ ،‬ف َق َال َلها‪َ :‬ليس َع َلى َأبِ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َْ ا ُ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫س َم ْأ َوا ْه‪َ ،‬يا َأ َبتَا ْه إ ِ َلى‬ ‫ِ‬
‫اب َربا َد َعا ُه‪َ ،‬يا َأ َبتَا ْه َم ْن َجنا ُة الف ْر َد ْو ِ‬ ‫ات َقا َل ْت‪َ :‬يا َأ َبتَا ُه َأ َج َ‬‫َم َ‬
‫ِج ْب ِر َيل َننْ َعا ْه‪.)4(»...‬‬
‫َ ه‬ ‫َ َ ُ ه‬ ‫َ ُ‬
‫وت بذل ِك ب ِ َرنة)‪ :‬فتحرم النياحة بأن يرفع ِوته‬ ‫ويه‪ :‬رفع الص ِ‬ ‫(وانلِّياحة‪،‬‬
‫بالصـراخ والصـياح برنة و َت ْر ِجيع‪ ،‬ومنه‪ :‬اجتماع النساء للبكاء على الميت‪ ،‬وقد‬
‫َان فِي الن ِ‬
‫ااس ُه َما بِ ِه ْم ُك ْف ٌر‪ :‬ال اط ْع ُن‬ ‫جعلها رسول اهلل ﷺ من أمر الااهلية فقال‪« :‬ا ْثنَت ِ‬
‫ب‪ ،‬والنياح ُة َع َلى ا ْلمي ِ‬ ‫ِ‬
‫ت»(‪.)5‬‬ ‫َ‬ ‫في الن َاس ِ َ َ َ‬
‫(‪ )1‬االختيارات الفقهية ص (‪.)446‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )1003‬وقال‪« :‬حسن غريب» من حديث أبي موسـى ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬االختيارات الفقهية ص (‪.)446‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )4462‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )61‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪736‬‬

‫اب‪،‬‬‫اهلِ اي ِة‪َ ،‬ال َيت ُْر ُكو َن ُه ان‪ :‬ا ْل َف ْخ ُر فِي ْاأل َ ْح َس ِ‬
‫و َق َال ﷺ‪َ « :‬أربع فِي ُأمتِي مِن َأم ِر ا ْلا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ا‬ ‫ٌَْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوال اط ْع ُن فِي ْاألَن َْس ِ‬
‫ب‬‫اح ُة»‪َ ،‬و َق َال‪« :‬الناائ َح ُة إِ َذا َل ْم َتتُ ْ‬ ‫اب‪َ ،‬و ْاال ْست ْس َقا ُء بِالن ُُّاومِ‪َ ،‬والن َي َ‬
‫ب» [رواه‬ ‫ان‪َ ،‬و ِد ْر ٌع مِ ْن َج َر ُ‬ ‫َقب َل موتِها‪ُ ،‬ت َقام يوم ا ْل ِقيام ِة و َع َليها سـرب ٌال مِن َقطِر ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َْ َ َ َ َ َْ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫مسلم](‪.)1‬‬
‫َ ُ ُ‬ ‫الشعر‪ ،‬ون َ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُّ َ ُ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ ِّ‬ ‫ُ ُ َ ُّ ه‬
‫َشهُ‪ ،‬وحلقه)‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫تف‬ ‫ون‬ ‫‪.‬‬ ‫اخ‬ ‫والَص‬ ‫‪.‬‬ ‫د‬ ‫وب‪ .‬ولطم اخل‬ ‫(وَيرم‪ :‬شق اثل ِ‬
‫شق الايوب والثياب‪ ،‬أو لطم الخدّ والاسد‪ ،‬أو‬ ‫فيحرم أن يحمله الازع على ّ‬
‫الشعر‪ ،‬أو نشـره‪ ،‬أو حلقه‪.‬‬ ‫الصـراخ والعويل‪ ،‬أو نتف ّ‬
‫اهلِ اي ِة»‬
‫خدُ ود‪ ،‬و َش اق الايوب‪ ،‬ود َعا بِدَ ْعوى الا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫لقوله ﷺ‪َ « :‬ل ْي َس مناا َم ْن َل َط َم ال ُ َ َ‬
‫الحال ِ َق ِة‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الصال َقة‪َ ،‬و َ‬
‫ِ‬
‫[متفق عليه] ‪ .‬وقول أبي موسـى ﭬ‪َ « :‬ب ِر َ رسول اهلل ﷺ م َن ا‬
‫(‪)2‬‬

‫الشا اق ِة» [متفق عليه](‪.)3‬‬ ‫َو ا‬


‫والصالقة‪ِ :‬ه َي ا التِي َت ْر َف ُع َِ ْو َت َها ِعنْدَ ا ْل ُـمصـي َب ِة‪.‬‬
‫َوا ْل َحال ِ َق ُة‪ِ :‬ه َي ا التِي َت ْحلِ ُق َش ْع َر َها ِعنْدَ ا ْل ُـمصـي َب ِة‪.‬‬
‫الشا اق ُة‪ِ :‬ه َي ا التِي َت ُش ُّق َث ْو َب َها ِعنْدَ ا ْل ُـمصـي َب ِة‪.‬‬ ‫َو ا‬
‫وإظهار للتاسخط وهو محرم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وكل هذا دليل على الازع‪،‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ ِّ َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َُ ُُ‬ ‫ُ َ ُّ‬ ‫ُ‬
‫وإن اجتازت المرأة بقَب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‪.‬‬ ‫ء‬‫ا‬ ‫س‬ ‫للن‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬‫كر‬ ‫وت‬ ‫‪.‬‬ ‫ال‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫للر‬ ‫ور‬
‫ِ‬ ‫ب‬‫الق‬ ‫ة‬ ‫يار‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫وت‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫فح َسن‪ٌ.‬‬ ‫َ َ َُ َ‬ ‫َ َ هَ‬ ‫َ‬
‫يف ط ِري ِقها‪ ،‬فسلمت عليِه‪ ،‬ودعت هل‪:‬‬
‫ي‪،‬‬ ‫ار َقوم ُمؤمن َ‬ ‫يكم َد َ‬‫ه ُ َ َ ُ‬ ‫ْ َُ َ‬
‫ور‪ ،‬أو م هر بها‪ :‬أن يقول‪« :‬السالم عل‬
‫َ‬ ‫الق ُب َ‬‫ُ ه َ ْ َ َ ُ‬
‫وسن لمن زار‬
‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ ُ َ َ َ ُ هُ ُ َ‬ ‫ه ْ َ َ هُ‬
‫حقون‪ ،‬ويرحم اَّلل المستق ِدمِي مِنكم‬ ‫وإنا إن شاء اَّلل بِكم لال ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ََ هُه َ َ‬ ‫َ ُ هَ ََ َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫خ ِرين‪ ،‬نسأل اَّلل نلا ولكم العافِية‪ .‬اللهم ال حت ِرمنا أجرهم‪ ،‬وال‬ ‫والمستأ ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ ه َ َ ُ‬
‫تفتِنا بعدهم‪ ،‬واغ ِفر نلَا ولهم»)‪.‬‬
‫ِّ َ‬ ‫َُ ُُ‬ ‫ُ َ ُّ‬
‫ال)‪ :‬لما فيها من التزهيد بالدنيا والتذكير باآلخرة‬ ‫ور للرج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫الق‬ ‫ة‬ ‫يار‬ ‫ز‬
‫(وتس ِ‬
‫‪:‬‬ ‫ن‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )234‬من حديث أبي مالك األشعري ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1224‬ومسلم (‪ )103‬من حديث ابن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1226‬ومسلم (‪ )104‬من حديث أبي موسـى األشعري ﭬ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫‪737‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫والسالم والدعاء لألموات‪ ،‬فزيارة القبور يف حق الرجال سنة‪ ،‬لفعله ﷺ وقوله‪،‬‬


‫فقد كان يزور قبور أِحابه ويدعو لهم‪ ،‬وحكى النووي اإلجماع عليه(‪.)1‬‬
‫والزيارة مستحبة من غير شد رحل؛ لقوله ﷺ‪« :‬ن ََه ْي ُت ُك ْم َع ْن ِز َي َار ِة ا ْل ُق ُب ِ‬
‫ور‬
‫وها»(‪ .)2‬زاد الرتمذي‪َ « :‬فإِناها ُت َذكر ِ‬
‫اآلخ َر َة»(‪.)3‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َف ُز ُ‬
‫ور َ‬
‫وأما شد الرحال ألجل زيارة قرب‪:‬‬
‫ا ِد‬ ‫َ ْ‬
‫ال ُت َشدُّ الر َح ُال إِ اال إِ َلى َثالَ َث ِة مس ِ‬
‫اجدَ ‪ :‬المس ِ‬
‫َ َ‬ ‫فالراجح‪ :‬المنع منه؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬‬
‫ا ِد األَ ْقصـى» [متفق عليه](‪ ،)4‬وهذه من المسائل‬ ‫َ ْ‬
‫ا ِد الرس ِ‬
‫ول ﷺ‪َ ،‬ومس ِ‬
‫ا ُ‬
‫الحرامِ‪َ ،‬ومس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫التي أوذي بسببها شـيخ اإلسالم‪ ،‬وبينها أتم بيان‪ ،‬وكذا تلميذه ابن عبد الهادي يف‬
‫كتابه الصارم المنكي(‪ ،)5‬وبين أن النهي يشمل السفر ألجل الصالة يف بقعة غير‬
‫المساجد الثالثة‪ ،‬وهذا سفر لم يأمر النبي ﷺ به باتفاق األئمة األربعة لنص رسول‬
‫اهلل ﷺ على أن الرحال ال تشد إال للمساجد الثالث‪.‬‬
‫ِّ َ‬ ‫(وتُ َ‬
‫كرهُ‪ :‬للنساءِ)‪ :‬المذهب أن زيارة النساء للقبور مكروهة من غير تحريم؛‬
‫الحتمال األدلة‪ ،‬الاواز والتحريم‪ ،‬فتوسطوا يف ذلك‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬التحريم؛ للنصوص التي تنهى المرأة عن الزيارة‪ ،‬وهذا األظهر‪.‬‬
‫ألدلة منها‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َزائِر ِ‬
‫ات‬ ‫اس ﭭ َق َال‪َ « :‬ل َع َن َر ُس ُ‬ ‫ما رواه الرتمذي وحسنه عن ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫َ‬
‫السـرج»(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫اجدَ َو‬‫خ ِذي َن َع َل ْي َها ا ْلمس ِ‬
‫ور‪ ،‬وا ْلمـُ ات ِ‬
‫ا ْل ُق ُب ِ َ‬
‫َ َ‬
‫ور» [رواه الرتمذي‬
‫ول اهللِ ﷺ َلعن َزوار ِ‬
‫ات ال ُق ُب ِ‬ ‫وعن أبي هريرة ﭬ‪َ « :‬أ ان َر ُس َ‬
‫َ َ ا َ‬

‫(‪ )1‬الماموع (‪.)310/5‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )1211‬من حديث بريدة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الرتمذي (‪.)1054‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1162‬ومسلم (‪ )1321‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الصارم المنكي ص (‪.)32‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخرياه ص (‪.)125‬‬

‫‪131‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪738‬‬

‫وِححه](‪.)1‬‬
‫وعن أم عط اية ڤ قالت‪ُ « :‬ن ِهينَا َع ِن ات َبا ِع ا ْل َانَائِ ِز‪َ ،‬و َل ْم ُي ْع َز ْم َع َل ْينَا» [متفق عليه](‪.)2‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬فإِ َذا نِ ْس َو ٌة‬ ‫ويف سنن ابن ماجه عن علِي ﭬ قال‪َ :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ما ُي ْالِ ُس ُك ان» ُق ْل َن‪َ :‬ننْتَظ ُر ا ْلان ََازةَ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ه ْل َت ْغس ْل َن؟» ُق ْل َن‪َ :‬ال‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُج ُل ٌ‬
‫يم ْن ُيدْ لِي؟» ُق ْل َن‪َ :‬ال‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ « :‬ه ْل َت ْحم ْل َن؟» ُق ْل َن‪َ :‬ال‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ه ْل ُتدْ لي َن ف َ‬
‫ات»(‪.)3‬‬ ‫ات َغير م ْأجور ُ‬
‫« َفار ِجعن م ْأ ُزور ُ‬
‫َْ َ ُ َ‬ ‫ْ ْ َ َ َ‬
‫وألن المرأة ضعيفة الصرب‪ ،‬سـريعة الازع‪ ،‬وزيارهتا تؤدي إلى النياحة‪.‬‬
‫وألن المقابر أماكن ُت َذكر اآلخرة‪ ،‬ودخول النساء فيها ياعلها محالً للفتنة‪،‬‬
‫وزوال مثل هذه الحكمة العظيمة‪.‬‬
‫وهذا قول كثير من العلماء من الشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬والحنفية‪ ،‬والمالكية نصوا‬
‫على التحريم‪ ،‬وهو قول أكثر أهل الحديث‪ ،‬واختاره شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪،‬‬
‫والنووي‪ ،‬والشـيخ محمد بن عبدالوهاب‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين(‪.)4‬‬
‫وأما قول أم عطية ڤ‪َ « :‬و َل ْم ُي ْع َز ْم َع َل ْينَا»‪ ،‬فيقال‪ :‬إهنا أثبتت النهي عن رسول‬
‫اهلل ﷺ‪ ،‬وقولـها‪َ « :‬و َل ْم ُي ْع َز ْم َع َل ْينَا»؛ ألنه اكتفى بالنهي‪ ،‬والصحابيات يمتثلن النهي‪،‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َزائِر ِ‬
‫ات‬ ‫وقد دلت أدلة أخرى على أنه عزيمة للتحريم‪ ،‬كما يف‪َ « :‬ل َع َن َر ُس ُ‬
‫َ‬
‫ا ْل ُق ُب ِ‬
‫ور»‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)1056‬وابن ماجه (‪ ،)1514‬وأحمد (‪ )6442‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ِ .‬ححه‬
‫الرتمذي‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬واأللباين يف اإلرواء (‪.)114‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1216‬ومسلم (‪ )236‬من حديث أم عطية ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪ )1516‬من حديث علي ﭬ‪ .‬وضعفه النووي يف خالِة األحكام (‪ ،)1004/2‬واأللباين‬
‫يف الضعيفة (‪.)2142‬‬
‫(‪ )4‬راجع رسالة قيمة عن زيارة النساء للقبور للشـيخ بكر أبو زيد ص (‪ ،)101‬ماموع فتاوى ابن باز‬
‫(‪ ،)332/5‬الشـرح الممتع (‪.)416/5‬‬

‫‪136‬‬
‫‪739‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫وأما زيارة عائشة ڤ لقرب أخيها(‪ ،)1‬فسنة رسول اهلل ﷺ ال تعارض بقول أحد‬
‫كائنًا من كان‪ ،‬ولعلها لم يبلغها النهي أو تأولته‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫َ َ‬
‫وإن اجتازت المرأة بقَب يف ط ِري ِقها‪ ،‬فسلمت عليِه‪ ،‬ودعت هل‪ :‬فحسن)‪ :‬إذا‬
‫( ِ‬
‫مرت المرأة بقرب يف طريقها من غير قصد الزيارة‪ ،‬فال حرج فيه‪ ،‬كما فعلت عائشة‬
‫ول‬ ‫ف َأ ُق ُ‬‫ڤ لما لحقت رسول اهلل ﷺ حتى أتى البقيع‪ ،‬ولقول عائشة ڤ َك ْي َ‬
‫ار مِ َن ا ْل ُم ْؤمِنِي َن َوا ْل ُم ْسلِ ِمي َن‪،‬‬
‫السالَ ُم َع َلى َأ ْه ِل الد َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلهم يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬قولي‪ :‬ا‬ ‫ُ ْ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون» ‪.‬‬ ‫اهلل ا ْل ُم ْس َت ْقدمي َن مناا َوا ْل ُم ْست َْأخ ِري َن‪َ ،‬وإِناا إِ ْن َشا َء ُ‬
‫اهلل بِ ُك ْم َلال َح ُق َ‬ ‫َو َي ْر َح ُم ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ه ُ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ار الق ُب َ‬ ‫ُ ه َ‬
‫لم ْن َز َ‬
‫ور‪ ،‬أو م هر بها‪ :‬أن يقول‪« :‬السالم عليكم دار قوم‬ ‫(وسن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ ُ َ َ َ ُ هُ ُ َ‬ ‫ه ْ َ َ هُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حقون‪ ،‬ويرحم اَّلل المستق ِدمِي مِنكم‬ ‫مؤ ِمنِي‪ ،‬وإنا إن شاء اَّلل بِكم لال ِ‬
‫َ ه‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ هُ‬ ‫َ ُ هَ َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫أجرهم‪ ،‬وال تفتِنا‬ ‫خ ِرين‪ ،‬نسأل اَّلل نلَا ولكم العافِية‪ .‬الله هم ال حت ِرمنا‬ ‫والمستأ ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫بعدهم‪ ،‬واغ ِفر نلَا ولهم»)‪ :‬إذا زار القبور أو مر هبا‪ ،‬فيسن له السالم على األموات‪،‬‬
‫السالم عليهم‪ ،‬وقد وردت عدة ِـيغ كلها مشـروعة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وتح اية من في القبور ا‬
‫ون‪،‬‬ ‫اهلل بِ ُك ْم َل َال ِح ُق َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ار م َن َا ْلمـُ ْؤمني َن َوا ْل ُم ْسلمي َن‪َ ،‬وإِناا إِ ْن َشا َء ُ‬
‫« َالس َالم َع َلى َأ ْه ِل َالدي ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ا ُ‬
‫هلل َلنَا َو َل ُك ُم ا ْل َعافِ َي َة» [رواه مسلم] ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َأ ْس َأ ُل َا َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ومنها‪« :‬السالَم َع َلى َأ ْه ِل الدي ِ ِ‬
‫ار م َن ا ْل ُم ْؤمني َن َوا ْل ُم ْسلمي َن‪َ ،‬و َي ْر َح ُم ُ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ون» [رواه مسلم]‪.‬‬ ‫ا ْل ُم ْس َت ْقدمي َن مناا َوا ْل ُم ْست َْأخ ِري َن‪َ ،‬وإِناا إِ ْن َشا َء ُ‬
‫اهلل بِ ُك ْم َلال َح ُق َ‬
‫ون‪َ ،‬وإِناا‬‫ون‪َ ،‬غدً ا ُم َؤ اج ُل َ‬ ‫السالَ ُم َع َل ْي ُك ْم َد َار َق ْو ُم ُم ْؤمِنِي َن‪َ ،‬و َأ َتا ُك ْم َما ُتوعَدُ َ‬‫ومنها‪ « :‬ا‬
‫ون‪ ،‬ال ال ُه ام ا ْغ ِف ْر لهم» [رواه مسلم](‪.)4‬‬ ‫ال ِح ُق َ‬ ‫إِ ْن َشا َء ُ‬
‫اهلل بِ ُك ْم َ‬
‫مسألة‪ :‬من مر بمقربة غير مسورة‪ ،‬استحب له السالم عليهم‪ ،‬ولو لم يتقصد‬

‫(‪ )1‬رواه الحاكم (‪ ،)532/1‬والبيهقي (‪ .)131/4‬قال العراقي يف تخريج اإلحياء (‪« :)2606/6‬رواه ابن أبي‬
‫الدنيا يف كتاب القبور بسند جيد»‪ ،‬وِححه األلباين يف اإلرواء (‪.)115‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )214‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )215‬من حديث بريدة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪ )214‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪740‬‬

‫ول اهللِ‬ ‫اس ﭭ َق َال‪َ :‬م ار َر ُس ُ‬ ‫الزيارة‪ ،‬وبه قال جمهور العلماء(‪)1‬؛ لحديث ا ْب ِن َع اب ُ‬
‫ور‪َ ،‬ي ْغ ِف ُر‬
‫الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم َيا َأ ْه َل ال ُق ُب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور ِ ِ‬
‫المدينَة‪َ ،‬ف َأ ْق َب َل َع َل ْي ِه ْم بِ َو ْج ِهه‪َ ،‬ف َق َال‪ « :‬ا‬‫ﷺ بِ ُق ُب ِ َ‬
‫اهلل َلنَا َو َل ُك ْم‪َ ،‬أ ْن ُت ْم َس َل ُفنَا‪َ ،‬ون َْح ُن بِاألَ َث ِر»(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫وروى ابن أبي شـيبة عن موسـى بن عقبة أنّه رأى سالم بن عبدال ّله ال يمر بلي ُل‬
‫الس َال ُم َع َل ْي ُك ْم» َف ُق ْل ُت َل ُه‬
‫هنار بقربُ ّإال يس ّلم عليه‪ ،‬ونحن مسافرون معه يقول‪ « :‬ا‬ ‫وال ُ‬
‫َان َي ْصن َُع َذل ِ َك(‪.)3‬‬ ‫يه َعن َأبِ ِ‬
‫يه َأ ان ُه ك َ‬ ‫ْ‬
‫فِي َذل ِ َك‪َ ،‬ف َأ ْخبرن ِ ِ‬
‫ََ‬
‫وقد كانت المقابر يف ذلك الوقت غير مسورة‪.‬‬
‫وإذا مر بمقربة مسورة‪ ،‬فالمسألة محتملة‪ ،‬فقيل‪ :‬ال يسلم عليهم؛ ألنه ال يعترب‬
‫مار ًا ال سـيما إن كان ال يرى القبور‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬له السالم عليهم؛ لعموم الحديث‪ ،‬وقد مر بالمقربة‪ ،‬والسور ال يمنع‬
‫السالم‪ ،‬واألمر واسع‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬يشـرع الذهاب للقبور بقصد السالم؛ لحديث عائشة ڤ عند مسلم‬
‫ول اهللِ ﷺ ي ْخرج مِن ِ‬
‫آخ ِر ال ال ْي ِل‬ ‫َان َل ْي َل ُت َها مِ ْن رس ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ُك ال َما ك َ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫قالت‪ :‬ك َ‬
‫َ ُ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫السالَ ُم َع َل ْي ُك ْم َد َار َق ْو ُم ُم ْؤمِنِي َن‪.»...‬‬ ‫إِ َلى ا ْل َب ِقيعِ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪ « :‬ا‬
‫الميت بوجهه‪ ،‬ويكون ظهره للقبلة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫َ‬ ‫قال بعض العلماء‪ :‬يستقبل المسلم‬
‫عند الدعاء للميت يستقبل القبلة وليس فيه شـيء مرفوع للرسول ﷺ‪ ،‬واألمر‬
‫واسع ما دام سالمًا على الميت‪ ،‬وأما الدعاء له‪ ،‬فاألولى استقبال القبلة‪.‬‬
‫وياوز رفع اليدين يف الدعاء لألموات‪ ،‬كما فعل رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬حتاى َجا َء‬
‫ث مر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات»(‪.)4‬‬ ‫ا ْل َبق َ‬
‫يع‪َ ،‬ف َر َف َع َيدَ ْيه َث َال َ َ ا‬

‫(‪ )1‬المغني (‪.)511/3‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )1053‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ .‬وقال‪« :‬حديث غريب»‪.‬‬
‫(‪ )3‬مصنف ابن أبي شـيبة (‪.)21/3‬‬
‫(‪ )4‬أحكام الانائز ص (‪.)246‬‬

‫‪140‬‬
‫‪741‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫وأما رفعه عند قرب خاص بعد دفنه أو أثناء الزيارة‪ ،‬فلم يثبت يف ذلك حديث عن‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬وإنما يسلم على الميت‪ ،‬ويستغفر له من غير رفع يدين‪ ،‬وال إطالة‪.‬‬
‫قال الشـيخ ابن إبراهيم‪« :‬قد يعمل بعض الناس حال هذا الدعاء المشـروع‬
‫بشكل غير مشـروع‪ ،‬وهو أن يقوم ِف يتقدمهم شخص قد يكون أمثلهم يدعون‬
‫هذا الدعاء‪ ،‬كما أن رفع اليدين حال هذا الدعاء لم يرد فيه شـيء‪ ،‬وهذا شـيء بدعة‬
‫لم يرد به سنة عن النبي ﷺ»(‪.)1‬‬
‫وأما زيارة قرب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فال يتقصد الدعاء لنفسه عنده‪ ،‬فإن تحري الدعاء‬
‫عند الحارة بعد السالم عليه ال أِل له‪ ،‬ولم يفعله الصحابة‪ ،‬وال التابعون لهم‬
‫بإحسان‪.‬‬
‫منهي عنه‬
‫ٌ‬ ‫فإن هذا ك ّله‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وال يدعو هنال مستقبل الحارة‪ّ ،‬‬
‫با ّتفاق األئمة‪ ،...‬وال يقف عند القرب للدّ عاء لنفسه‪ّ ،‬‬
‫فإن هذا بدعةٌ‪ ،‬ولم يكن أحدٌ‬
‫الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه»(‪.)2‬‬
‫من ّ‬
‫وقال مالك‪« :‬ال أرى أن يقف الرجل عند قرب النبي ﷺ يدعوا‪ ،‬ولكن يسلم‬
‫على النبي ﷺ وعلى أبي بكر وعمر‪ ،‬ثم يمضـي»‪.‬‬
‫وهو المنقول عن ابن عمر أنه كان يقول‪« :‬السالم عليك يا رسول اهلل‪ ،‬السالم‬
‫عليك يا أبا بكر‪ ،‬السالم عليك يا أبت‪ ،‬ثم ينصـرف‪ ،‬وال يقف يدعو‪ ،‬فرأى مالك‬
‫ذلك من البدع»(‪.)3‬‬
‫وإن دعا لنفسه من غير تقصد واعتقاد لتلك البقعة على غيرها‪ ،‬فإنه يستقبل‬
‫القبلة وال يستقبل قرب رسول اهلل ﷺ باتفاق األئمة األربعة‪ ،‬وأما عند السالم عليه‬
‫فيستقبل الحارة‪ ،‬ويسلم عليه من تلقاء وجهه عند األئمة الثالثة خالفًا ألبي‬

‫(‪ )1‬فتاوى ورسائل سماحة ابن إبراهيم (‪.)126/3‬‬


‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪.)141/26‬‬
‫(‪ )3‬اإلخنائية ص (‪.)266‬‬

‫‪141‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪742‬‬

‫حنيفة حيث قال‪ :‬يستقبل القبلة عند السالم(‪.)1‬‬


‫مسألة‪ :‬قراءة القرآن عند القرب‪ ،‬وعند زيارة القبور ال أِل لها يف السنة‪ ،‬ولما‬
‫سألت عائش ُة ڤ رسول اهلل ﷺ أخربها بالسالم عليهم واالستغفار لهم‪ ،‬وكذا‬ ‫ْ‬
‫كان يفعل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ولم يثبت عنه أنه قرأ القرآن‪ ،‬أو أمر به عند القبور‪ ،‬وال‬
‫أِحابه ﭫ‪ ،‬ومذهب جمهور العلماء كراهة قراءة القرآن عند القبور‪ ،‬قال اإلمام‬
‫مالك‪« :‬ما علمت أحد ًا فعل ذلك»‪ ،‬بل نص شـيخ اإلسالم أهنا بدعة(‪.)2‬‬
‫وبعد أن ذكر السالم على الميت وِفته أشار هنا إلى السالم على الحي‪:‬‬
‫َ َ ِّ ُ ه ٌ َ ُّ َ ُ َ َ‬ ‫َ ُ ه‬ ‫ُ‬
‫وردهُ‪ :‬فرض ك ِفاية)‪.‬‬ ‫اء الس ِ‬
‫الم ىلع الَح‪ :‬سنة‪.‬‬ ‫قوهل‪( :‬وابتِد‬
‫فالسالم على من لقيت من المسلمين سنة مؤكدة‪ ،‬كما دل عليه الكتاب‪،‬‬
‫والسنة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ ‪-‬أي فليسلم بعضكم‬
‫على بعض‪ ،-‬وقال جابر بن عبداهلل ﭬ‪« :‬إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم‬
‫تحية من عند اهلل مباركة طيبة»(‪ .)3‬ويف الصحيحين عن ابن عمرو ﭬ‪َ :‬أ ان َر ُج ًال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السالَ َم َع َلى َم ْن‬ ‫َس َأ َل النابِ اي ﷺ‪َ :‬أ ُّي اإل ْسالَ ِم َخ ْي ٌر؟ َق َال‪ُ « :‬ت ْطع ُم ال اط َعا َم‪َ ،‬و َت ْق َر ُأ ا‬
‫ف»(‪.)4‬‬ ‫َع َر ْف َت َو َم ْن َل ْم َت ْع ِر ْ‬
‫ون ا ْل َانا َة َحتاى ُت ْؤمِنُوا‪َ ،‬و َال ُت ْؤمِنُوا َح اتى‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬وا ال ِذي َن ْفسـي ب ِ َي ِد ِه َال َتدْ ُخ ُل َ‬
‫ُ‬
‫م» [رواه‬ ‫َت َحا ُّبوا‪َ ،‬أ َو َال َأ ُد ُّل ُك ْم َع َلى شـيء إِ َذا َف َع ْل ُت ُمو ُه َت َحا َب ْب ُت ْم؟ َأ ْف ُشوا ا‬
‫الس َال َم َب ْينَ ُك ْ‬
‫مسلم](‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أحكام الانائز ص (‪.)250‬‬


‫(‪ )2‬اقتضاء الصـراأ المستقيم (‪.)264/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري يف األدب المفرد (‪ .)1025‬وِححه األلباين يف ِحيح األدب (‪.)423‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)12‬ومسلم (‪ )32‬من حديث ابن عمرو ﭭ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم (‪ )54‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪743‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫ِ‬
‫الس َال َم‪َ ،‬و َأ ْطع ُموا ال اط َعا َم‪َ ،‬و َِ ُّلوا بِال ال ْي ِل َوالن ُ‬
‫ااس‬ ‫ااس َأ ْف ُشوا ا‬
‫وقال ﷺ‪َ « :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫ن ِ َيا ٌم‪َ ،‬تدْ ُخ ُلوا ا ْل َانا َة بِ َس َال ُم»(‪.)1‬‬
‫ول اهللِ؟‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬ح ُّق ا ْل ُم ْسلِ ِم َع َلى ا ْل ُم ْسلِ ِم ِس ٌّت» قِ َيل‪َ :‬ما ُه ان َيا َر ُس َ‬
‫«إِ َذا َل ِقي َت ُه َف َسل ْم َع َل ْي ِه‪.)2(»...‬‬
‫وللسالم فوائد‪ ،‬منها‪ :‬أن إفشاءه بين المسلمين يوجب المحبة‪ ،‬واإللفة‪،‬‬
‫والعطف‪ ،‬والمحبة شأهنا عظيم‪ ،‬والسالم من موجباهتا‪ ،‬وأداء حق أخيه المسلم‪،‬‬
‫وأولى النّاس بال ّله من بدأهم بالسالم‪ ،‬وحصول الحسنات التي ِحت هبا‬
‫الروايات‪.‬‬
‫يم َوال ُّل ْط ُ‬ ‫ِ‬
‫ـــــف‬ ‫اـاس َد ْه ًـرا َلـ ْي َس َب ْيـن َُه ُم ُو ٌّد َف َي ْز َر ُعـــــ ُه الت ْاســـــل ُ‬
‫َقدْ َي ْم ُك ُث الن ُ‬
‫ُ‬
‫وقال ﷺ‪َ « :‬ما َح َسدَ ْت ُك ْم ا ْل َي ُهو ُد َع َلى شـيء َما َح َسدَ ْت ُك ْم َع َلى ا‬
‫الس َال ِم‬
‫ين»(‪.)3‬‬ ‫َوالت ْاأمِ ِ‬
‫َق َال مااهد‪« :‬كان عبداهلل بن عمر ﭭ يأخذ بيدي‪ ،‬فيخرج إلى السوق يقول‪:‬‬
‫إين ألخرج وما لي حاجة إال ألسلم ويسلم علي‪ ،‬فأعطي واحدة‪ ،‬واخذ عشـرا‪ ،‬يا‬
‫مااهد إن السالم من أسماء اهلل تعالى‪ ،‬فمن أكثر السالم أكثر ذكر اهلل»(‪.)4‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ ُ‬
‫وردهُ‪ :‬فرض ك ِفاية)‪ :‬رد السالم واجب يف الاملة‪ ،‬وقد ذكر ابن حزمُ‪ ،‬وابن‬ ‫(‬
‫عبدالرب‪ ،‬وشـيخ اإلسالم اإلجماع على وجوب الر ّد‪ ،‬لكن هل وجوبه عيني أم‬
‫كفائي؟‬
‫المذهب‪ :‬أنه على الكفاية إذا كانوا جماعة‪ ،‬وإن كان واحد ًا فرده فرض عين‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)3251‬والرتمذي (‪ )2465‬وِححه‪ ،‬من حديث ابن سالم ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪ )2162‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪ )656‬من حديث عائشة ڤ‪ .‬وِححه ابن خزيمة‪ ،‬والبوِـيري يف مصباح الزجاجة‬
‫(‪.)106/1‬‬
‫(‪ )4‬رواه البيهقي يف شعب اإليمان (‪ ،)6414‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)246/5‬‬

‫‪143‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪744‬‬

‫وياب أن يكون الرد فور ًا‪ ،‬وأن يكون مسموعًا لمن ألقى السالم‪ ،‬فإذا لم يسمعه‬
‫ال يسقط الفرض‪.‬‬
‫علي ﭬ قال‪َ :‬ق َال النابِ ُّي ﷺ‪ُ « :‬ي ْا ِز ُ َع ْن ا ْل َا َما َع ِة إ َذا َم ُّروا‬ ‫ودليلهم‪ :‬حديث ٌّ‬
‫َأ ْن ُي َسل َم َأ َحدُ ُه ْم‪َ ،‬و ُي ْا ِز ُ َع ْن ا ْل ُا ُل ِ‬
‫وس َأ ْن َي ُر اد َأ َحدُ ُه ْم»(‪.)1‬‬
‫قالوا‪ :‬الحديث وإن كان ضعيف السند‪ ،‬إال أنه حسن لشواهده‪ ،‬كما ذهب إلى‬
‫هذا النيسابوري‪ ،‬واأللباين‪ ،‬قال النووي‪« :‬األفضل أن يرد الاميع‪ ،‬فإن رد واحد‬
‫سقط الحرج عن الباقين»‪.‬‬
‫ُ‬
‫باماعة فس ّلم عليهم‪ ،‬فلم ير ّدوا ڠ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وسئل اإلمام أحمد عن رج ُل مر‬
‫«يسـرع يف خطاه‪ ،‬ال تلحقه ال ّلعنة مع القوم»(‪.)2‬‬
‫ُّ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قوهل‪( :‬وتش ِميت العاط ِِس‪ ،‬إذا محِد‪ :‬فرض ك ِفاية‪ .‬ورده‪ :‬فرض عي)‪.‬‬
‫إذا عطس المسلم‪ ،‬فالسنة أن يحمد اهلل بقوله‪« :‬الحمد هلل»‪ ،‬وياب على‬
‫السامع أن يشمته بقوله‪« :‬يرحمك اهلل»‪ ،‬ثم يقول هو‪« :‬يهديكم اهلل ويصلح بالكم»‪،‬‬
‫وورد عن ابن عمر ﭭ‪« :‬ويغفر لنا ولكم»(‪.)3‬‬
‫لقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َع َطس َأحدُ ُكم َف ْلي ُق ْل‪ :‬الحمدُ ل ِ ال ِه‪ ،‬و ْلي ُق ْل َله َأ ُخوه َأو ِ ِ‬
‫اح ُب ُه‪:‬‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫اهلل َو ُي ْصلِ ُح َبا َل ُك ْم»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬فإِ َذا َقا َل َل ُه‪َ :‬ي ْر َح ُم َك ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪َ :‬ي ْهدي ُك ُم ُ‬ ‫َي ْر َح ُم َك ُ‬
‫َ َ َ‬
‫(إذا محِد)‪ :‬إنما ياب تشميت العاطس إذا حمد اهلل‪ ،‬فإذا لم يحمد فال يسن‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )5210‬من حديث علي ﭬ‪ .‬وإسناده ضعيف؛ فيه سعيد بن خالد الخزاعي‪ ،‬ضعيف‪،‬‬
‫ضعفه أبو زرعة‪ ،‬وأبو حاتم‪ ،‬وقال البخاري‪« :‬فيه نظر»‪ .‬وقال الدارقطني‪« :‬الحديث غير ثابت»‪ ،‬وقال ابن‬
‫حار يف الفتح (‪« :)1/11‬ويف سنده ضعف‪ ،‬لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطرباين‪ ،‬ويف‬
‫سنده مقال‪ ،‬وآخر مرسل يف الموطأ عن زيد بن أسلم»‪ ،‬وحسنه األلباين يف اإلرواء (‪.)116‬‬
‫(‪ )2‬شـرح مسلم للنووي (‪ ،)324/1‬تحفة األحوذي (‪ ،)502/1‬عون المعبود (‪ ،)12/14‬غذاء األلباب‬
‫(‪ ،)216/1‬الفقه على المذاهب األربعة (‪.)51/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري يف األدب المفرد (‪ ،)233‬وابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)211/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )6224‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪745‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫تشميته؛ لما يف الصحيحين عن أنس ﭬ قال‪َ :‬ع َط َس ِعنْدَ النابِي ﷺ َر ُج َال ِن‪،‬‬
‫ت ْاآل َخ َر‪َ ،‬ف َق َال ا ال ِذي َل ْم ُي َشم ْت ُه‪َ :‬ع َط َس ُف َال ٌن َف َش ام ات ُه‪،‬‬
‫َف َشم َت َأحدَ ُهما و َلم ي َشم ِ‬
‫َ َ َ ْ ُ‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬وإِن َاك َل ْم َت ْح َمد َ‬
‫اهلل»(‪.)1‬‬ ‫َو َع َط ْس ُت َأنَا َف َل ْم ُت َشمتْني‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِ ان َه َذا َحمدَ َ‬
‫َ ُ َ َ‬
‫(فرض ك ِفاية)‪ :‬بين أن تشميت العاطس فرض كفاية‪ ،‬وهذا مذهب الامهور‪:‬‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬واختاره ابن رشد‪ ،‬وابن العربي‪ ،‬وابن حار‪ ،‬فيكفي‬
‫الاماعة إذا عطس عندهم أحد أن يشمته أحدهم‪.‬‬
‫ول اهللِ؟‪َ ،‬ق َال‪:‬‬‫وقولـه ﷺ‪َ « :‬ح ُّق ا ْل ُم ْسلِ ِم َع َلى ا ْل ُم ْسلِ ِم ِس ٌّت» قِ َيل‪َ :‬ما ُه ان َيا َر ُس َ‬
‫اس َتن َْص َح َك َفان َْص ْح َل ُه‪َ ،‬وإِ َذا َع َط َس‬ ‫«إِ َذا َل ِقي َت ُه َفسلم َع َل ْي ِه‪َ ،‬وإِ َذا َد َع َ ِ‬
‫ال َف َأج ْب ُه‪َ ،‬وإِ َذا ْ‬ ‫َ ْ‬
‫اهلل َف َسم ْت ُه‪َ ،‬وإِ َذا َم ِر َض َف ُعدْ ُه‪َ ،‬وإِ َذا َم َ‬
‫ات َفا اتبِ ْع ُه» [رواه مسلم](‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َف َحمدَ َ‬
‫وذهب الشافعي أنه سنة وأدب‪ ،‬وحمل الحديث على الندب واألدب‪.‬‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫اهلل ُيح ُّ‬ ‫واختار ابن القيم أنه فرض عين؛ لما رواه البخاري عن النابِي ﷺ‪« :‬إِ ان َ‬
‫اهلل‪َ ،‬ف َح ٌّق َع َلى ُكل ُم ْسلِ ُم َس ِم َع ُه َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫اس‪َ ،‬و َي ْك َر ُه ال ات َث ُاؤ َب‪َ ،‬فإِ َذا َع َط َس َف َحمدَ َ‬
‫ال ُع َط َ‬
‫ُي َشم َت ُه»(‪ ،)3‬فحري بالمسلم أن يحرص على هذا الحق تااه أخيه المسلم‪ ،‬وأن ال‬
‫يحمله التكاسل على تشميته من يعطس عنده(‪.)4‬‬
‫ُّ َ ُ َ‬
‫(ورده‪ :‬فرض عي)‪ :‬أي رد العاطس على من شمته فرض عين عليه‪ ،‬ال يقوم‬
‫اهلل َو ُي ْصلِ ُح َبا َل ُك ْم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫غيره به؛ لقوله ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َق َال َل ُه‪َ :‬ي ْر َح ُم َك ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪َ :‬ي ْهدي ُك ُم ُ‬
‫وتشميت العاطس إلى ثالث‪ ،‬وبعد الثالث ال يشمت؛ ألن رسول اهلل ﷺ قال‬
‫يف الثالثة لمن عطس عنده ثالث مرات‪« :‬هذا رجل مزكوم»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)6221‬ومسلم (‪ )2221‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخرياه ص (‪.)143‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )6223‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري (‪ ،)616/10‬تحفة األحوذي (‪ ،)6/6‬غذاء األلباب (‪.)342/1‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪ ،)2143‬وأحمد (‪ )16522‬من حديث سلمة بن األكوع ﭬ‪ .‬وِححه الرتمذي‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪746‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح»(‪،)1‬‬ ‫وقال علي ﭬ‪َ « :‬شمت ا ْل َعاط َس َما َب ْين ََك َو َب ْينَ ُه َث َال ًثا‪َ ،‬فإِ ْن َزا َد َف ُه َو ِر ٌ‬
‫ات َف َشم ُتو ُه‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫ث مر ُ‬
‫وروي عن عمرو بن العاص ﭬ‪« :‬إِ َذا َع َط َس َأ َحدُ ُك ْم َث َال َ َ ا‬
‫َزا َد َف َال ُت َشم ُتو ُه‪َ ،‬فإِن َاما ُه َو َدا ٌء َي ْخ ُر ُج مِ ْن َر ْأ ِس ِه»(‪.)3()2‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا ترل العاطس الحمد فالثابت أن رسول اهلل ﷺ لم يذكّر التارل‪ ،‬فلما‬
‫اهلل‪َ ،‬وإِن َاك‬ ‫ِ‬
‫فالن فشمتّه‪ ،‬وعطست أنا فلم تشمتني‪ ،‬قال‪« :‬إِ ان َه َذا َحمدَ َ‬ ‫ٌ‬ ‫قال عطس‬
‫ِ‬
‫اهلل» هذا ظاهر السنة‪ ،‬لكن لو نبهه إن كان ناسـيًا أو غافالً فال بأس؛ ألنه‬ ‫َل ْم َت ْح َمد َ‬
‫من التعليم والتعاون على الخير‪ ،‬وقد عطس رجل عند اإلمام أحمد فلم يحمد اهلل‪،‬‬
‫فلما أراد أن يقوم قال له‪« :‬كيف تقول إذا عطست؟ قال‪ :‬أقول‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬قال أبو‬
‫عبداهلل‪ :‬يرحمك اهلل»‪ ،‬فإن كان جاهالً أو ناسـيًا فال بأس بتذكيره‪ ،‬وأما إن كان‬
‫تركها ِعناد ًا أو مكابرة‪ ،‬فال يذكره(‪.)4‬‬
‫ه‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ ِّ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫مس)‪.‬‬ ‫اجل ُم َع ِة قبل ُطل ِ‬
‫وع الش ِ‬ ‫وم ُ‬ ‫عرف الميت زائ ِره‪ :‬ي‬
‫ِ‬ ‫(وي‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫المذهب‪ :‬أن الميت يعرف زائره‪ ،‬وخصه بيوم الامعة قبل طلوع الشمس‪،‬‬
‫وتخصـيصه به ال دليل عليه‪.‬‬
‫وقد بحثها ابن القيم بتوسع يف كتابه الروح‪ ،‬ورجح أن الميت يعرف زائره‪ ،‬وأن‬
‫األرواح تتالقى‪ ،‬وهذا اختيار شـيخ اإلسالم‪ .‬واستدل بـ‪:‬‬
‫َان َي ْع ِر ُف ُه فِي الدُّ ْن َيا َف َس ال َم‬
‫يه ا ْل ُم ْؤمِ ِن ك َ‬ ‫قول رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما مِن َأح ُد مر بِ َقب ِر َأ ِخ ِ‬
‫َ ْ َ َا ْ‬
‫َع َل ْي ِه إِ ا‬
‫ال َع َر َف ُه َو َر اد ڠ»(‪.)5‬‬
‫ول مِنْ ُه ْم‪َ ،‬غ ْي َر َأ ان ُه ْم‬‫وقوله ﷺ‪َ « :‬وا ال ِذي َن ْف ُس ُم َح ام ُد بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ما َأ ْن ُت ْم بِ َأ ْس َم َع ل ِ َما َأ ُق ُ‬

‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)262/5‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شـيبة يف المصنف (‪.)262/5‬‬
‫(‪ )3‬تحفة األحوذي (‪ ،)16/6‬غذاء األلباب (‪.)345/1‬‬
‫(‪ )4‬غذاء األلباب (‪.)341/1‬‬
‫(‪ِ )5‬ححه ابن عبدالرب‪ ،‬والعراقي‪ ،‬وعبدالحق‪ ،‬وضعفه ابن الاوزي يف العلل (‪ ،)422/2‬وابن رجب‪،‬‬
‫واأللباين يف الضعيفة (‪)4423‬؛ لحال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪747‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫َال َي ْستَطِي ُع َ‬
‫ون َأ ْن َي ُر ُّدوا َع َل اي شـي ًئا»(‪.)1‬‬
‫وقوله ﷺ‪« :‬إِ ان ا ْل َعبْدَ ‪ ،‬إِ َذا ُو ِض َع فِي َق ْب ِر ِه‪َ ،‬و َت َو الى َعنْ ُه َأ ِْ َحا ُب ُه‪ ،‬إِ ان ُه َل َي ْس َم ُع َق ْر َع‬
‫يموا َح ْو َل َق ْب ِري َقدْ َر َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ن َعال ِه ْم» [متفق عليه] ‪ .‬وقول عمرو بن العاص ﭬ‪ُ « :‬ث ام َأق ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫اج ُع بِ ِه ُر ُس َل َربي»(‪.)3‬‬ ‫ُتن َْحر َج ُزور َو ُي ْقسم َل ْحم َها‪َ ،‬حتاى َأست َْأنِ َس بِ ُكم‪َ ،‬و َأ ْن ُظر ما َذا ُأر ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ار مِ َن ا ْل ُم ْؤمِنِي َن‬ ‫السالَ ُم َع َل ْي ُك ْم َأ ْهل الد َي ِ‬ ‫وقوله ﷺ يف السالم على الموتى‪ « :‬ا‬
‫ون»‪.‬‬ ‫اهلل بِ َك ْم َلال َِح ُق َ‬ ‫ِِ‬
‫َوا ْلمـُ ْسلمي َن‪َ ،‬وإِناا إِ ْن َشا َء ُ‬
‫خطاب لمن يسمع ويعقل‪ ،‬ولوال ذلك لكان هذا‬ ‫ٌ‬ ‫قال ابن القيم‪« :‬وهذا‬
‫الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والاماد‪ ،‬قال‪ :‬ويقوي ذلك المرائي الكثيرة‪،‬‬
‫وهي من باب‪( :‬أرى رؤياكم قد تواطأت)»‪.‬‬
‫وقال العز بن عبدالسالم‪« :‬وال ّظاهر ّ‬
‫أن الميت يعرف الزائر؛ ألنّا أمرنا بالسالم‬
‫عليهم‪ ،‬والشـرع ال يأمر بخطاب من ال يسمع»‪.‬‬
‫وقال شـيخ اإلسالم‪« :‬قد جاءت اآلثار بتالقيهم وتعارفهم‪ ،‬وعرض أعمال‬
‫األحياء على األموات»‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من قال‪ :‬إن األموات ال يعرفون زائرهم‪ ،‬وال يسمعون‬
‫كالمهم‪ ،‬واستدلوا‪ :‬بعموم قوله تعالى‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫النصوص السابقة‪ ،‬منها‪ :‬ما هو خاص‪ ،‬كحال قتلى بدر‪ ،‬ومنها‪ :‬ما هو مخصوص‬
‫بحال الدفن‪ ،‬وهو سمع قرع النعال‪ ،‬ومنها‪ :‬ما هو ضعيف‪ ،‬كحديث معرفة المسلم‬
‫من يسلم عليه‪.‬‬
‫والتوقف عن الخوض يف أمثال هذه المسائل أولى وأسلم؛ ألهنا من الغيب‬
‫الذي ال يمكن القول فيه إال بنص قاطع‪ ،‬وإنما يفعل المسلم المشـروع من الزيارة‪،‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخرياه ص (‪.)113‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1336‬ومسلم (‪ )2610‬من حديث أنس ﭬ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )121‬من حديث عمرو بن العاص ﭬ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪748‬‬

‫والسالم‪ ،‬والدعاء للميت‪ .‬واهلل أعلم(‪.)1‬‬


‫واختلف من قال‪ :‬إهنم يعرفون من يزورهم‪ :‬هل السماع له وقت معين؟‬
‫فالمذهب‪ :‬أنه مخصص بيوم الامعة؛ لآلثار‪ ،‬والمرائي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه غير مخصص بيوم‪ ،‬ورجحه شـيخ اإلسالم‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫«األحاديث واالثار ّ‬
‫تدل على ّ‬
‫أن الزائر متى جاء علم به المزور وسمع سالمه‪،‬‬
‫حق ّ‬
‫الشهداء وغيرهم‪ ،‬وأنّه ال توقيت يف ذلك وهو‬ ‫عام يف ّ‬
‫وأنس به ور ّد عليه‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫أِح»(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫مسألة‪ :‬يشـرع أن يصنع ألهل الميت طعامًا من غير كلفة‪ ،‬ويرسل إليهم؛ إعان ًة‬
‫لهم وجربًا لقلوهبم؛ النشغالهم بمصـيبتهم‪ ،‬وبمن يأيت إليهم عن إِالح طعا ُم‬
‫جعفر حين قتل قال‬‫ُ‬ ‫جعفر ف قال‪ :‬لما جاء نعي‬ ‫ُ‬ ‫ألنفسهم؛ لحديث عبدال ّله بن‬
‫ِ‬
‫اِنَ ُعوا آل ِل َج ْع َف ُر َط َعا ًما‪َ ،‬ف َقدْ َأ َت ُ‬
‫اه ْم َما َي ْش َغ ُل ُه ْم»(‪.)3‬‬ ‫النّبي ﷺ‪ْ « :‬‬
‫وال يحدد بثالثة أيام‪ ،‬بل متى كانت المصـيبة قائمة فهو مشـروع‪ ،‬ويكون‬
‫الطعام ألهل الميت من غير إسـراف وال مباهاة‪.‬‬
‫مسألة‪ِ :‬نع الطعام‪ ،‬ووضع الوالئم‪ ،‬واالجتماع عند أهل الميت من‬
‫المحدثات؛ لقول جرير بن عبداهلل ﭬ‪ُ « :‬كناا نَرى ِاالجتِماع إِ َلى َأ ْه ِل ا ْلمي ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫اح ِة»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫َو َِنْ َع َة ال اط َعا ِم م َن الن َي َ‬

‫(‪ )1‬فتاوى العز بن عبدالسالم ص (‪ ،)44‬ماموع الفتاوى (‪ ،)331/24‬الروح ص (‪ ،)6 ،1‬مرعاة المفاتيح‬
‫(‪ ،)263/3‬اآليات البينات يف عدم سماع األموات لآللوسـي‪.‬‬
‫(‪ )2‬شـرح منتهى اإلرادات (‪.)364/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي (‪ ،)226‬وأبو داود (‪ ،)3132‬وابن ماجه (‪ ،)1610‬وأحمد (‪ )1151‬من حديث عبداهلل بن‬
‫جعفر ﭬ‪ .‬وحسنه الرتمذي‪ ،‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪ ،)211‬وِححه الحاكم‪ ،‬وابن الملقن يف‬
‫البدر المنير (‪.)355/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه (‪ ،)1612‬وأحمد (‪ .)6205‬وِححه النووي يف الماموع (‪ ،)320/5‬والبوِـيري يف‬
‫مصباح الزجاجة (‪ ،)53/2‬واأللباين يف أحكام الانائز ص (‪.)210‬‬

‫‪146‬‬
‫‪749‬‬ ‫ل يف أحكا ِم املُصابِ والتَّعزيةِ‬
‫فَصْ ٌ‬

‫وقد كره الالوس يف البيوت للتعازي جماعة‪ ،‬منهم‪ :‬اإلمام الشافعي‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫بل ينبغي أن ينصـرفوا يف حوائاهم‪ ،‬فمن ِادفهم عزاهم‪ ،‬وال فرق بين الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬ولم يؤثر هذا عن النبي ﷺ‪ ،‬والصحابة‪ ،‬وتقدمت المسألة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ألمور‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫وكره العلماء إطعام أهل الميت للنااس‪ ،‬ووضع الوالئم لهم؛‬
‫أن هذا خالف أمر رسول اهلل ﷺ بقوله‪« :‬اِنعوا آلل جعفر طعامًا»‪.‬‬
‫وألن االجتماع يف بيت الميت على هذه الصفة عده بعض أهل العلم من‬
‫النياحة‪ ،‬كما قال جرير ﭬ‪ُ « :‬كناا نَرى ِاالجتِماع إِ َلى َأ ْه ِل ا ْلمي ِ‬
‫ت َو َِنْ َع َة ال اط َعا ِم‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫اح ِة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م َن الن َي َ‬
‫ألن ذلك يكون يف السـرور ال يف‬ ‫ال ألهل الميت وتكليفًا لهم؛ ّ‬ ‫وألن فيه إشغا ً‬
‫المصائب(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬وأما إهداء القرب لألموات‪ ،‬فالذي عليه كثير من العلماء أن الميت‬
‫ينتفع بإهداء الثواب إليه من ِدقة وحج‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬أما الصدقة عن الميت‪ ،‬فإنه ينتفع هبا باتفاق المسلمين‪،‬‬
‫وكذلك ينفعه الحج‪ ،‬واألضحية عنه‪ ،‬والعتق‪ ،‬والدعاء‪ ،‬واالستغفار له بال نزاع بين‬
‫األئمة»(‪.)2‬‬
‫واألئمة متفقون على أن الصدقة تصل إلى الميت‪ ،‬وكذلك العبادات المالية‬
‫كالعتق‪ ،‬وإنما تنازعوا يف العبادات البدنية‪ ،‬كالصـيام‪ ،‬والصالة‪ ،‬والقراءة‪.‬‬
‫ات َو َع َل ْي ِه ِـيا ٌم‬
‫وقد جاء قضاء الصـيام الواجب عن الميت يف قوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َم َ‬
‫َِا َم َعنْ ُه َول ِ ُّي ُه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬الماموع (‪ ،)306/5‬أحكام الانائز ص (‪.)210‬‬


‫(‪ )2‬ماموع الفتاوى (‪.)314/23‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1252‬ومسلم (‪ )1141‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫كـتـاب الـجـنائـز‬ ‫‪750‬‬

‫وقال شـيخ اإلسالم‪« :‬الصحيح أنه ينتفع الميت باميع العبادات البدنية من‬
‫الصالة والصوم والقراءة‪ ،‬كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والعتق ونحوها‬
‫باتفاق األئمة»‪ ،‬واألمر كما قال شـيخ اإلسالم‪ ،‬إال أنه لم يكن من عادة السلف إذا‬
‫ِلوا‪ ،‬أو ِاموا تطوعًا‪ ،‬أو حاوا تطوعًا‪ ،‬أو قرؤوا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى‬
‫أموات المسلمين‪ ،‬فال ينبغي العدول عن طريق السلف‪ ،‬فإنه أفضل وأكمل(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َُ َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ ه‬ ‫ُ‬
‫ري)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫باخل‬ ‫‪:‬‬ ‫ع‬‫ف‬‫ِ‬ ‫نت‬ ‫وي‬ ‫‪.‬‬‫ه‬ ‫ِند‬
‫ع‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫نك‬‫بالم‬ ‫ى‪:‬‬‫أذ‬ ‫ت‬ ‫وي‬‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قوهل‬
‫فياب على المسلم أن يحرتم قبور المسلمين‪ ،‬فال يفعل المعاِـي عندها‪،‬‬
‫وال يبارز بالفسوق قريبًا منها‪.‬‬
‫قال شـيخ اإلسالم‪« :‬وقد استفاضت األخبار بمعرفة الميت بحال أهله‬
‫وأِحابه يف الدّ نيا‪ ،‬وأن ذلك يعرض عليه‪ ،‬وأنه يرى ويدري بما يفعل عنده‪ ،‬ويسـر‬
‫بما كان حسنا‪ ،‬ويتألم بما كان قبيحا»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬االختيارات ص (‪ ،)54‬ماموع الفتاوى (‪ ،)314/23‬المغني (‪ ،)521/3‬حاشـية الروض المربع‬


‫(‪ ،)136/3‬أحكام الانائز ص (‪ ،)221‬الشـرح الممتع (‪.)466/5‬‬
‫(‪ )2‬مختصـر الفتاوى المصـرية ص (‪.)120‬‬

‫‪150‬‬
‫‪751‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪e‬‬ ‫‪F‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫المقدمة ‪5 ---------- --------------------------------‬‬


‫أِناف الناس تااه كتب الفقه ‪2 -----------------------------‬‬
‫كتب الحنابلة يف الفقه ‪10 ---------------------------------‬‬
‫ترجمة إمام المذهب أحمد بن حنبل ‪14 ------------------------‬‬
‫أِول فقه اإلمام أحمد ‪15 --------------------------------‬‬
‫ترجمة مؤلف كتاب [دليل الطالب] هو الشـيخ مرعي بن يوسف الكرمي ‪11 ----‬‬
‫مقدمة المتن ‪12 --------------------------------------‬‬
‫شرح البسملة ‪12 -------------------------------------‬‬
‫ِلى على رسول اهلل ﷺ امتثا ً‬
‫ال ألمر اهلل ‪22 ----------------------‬‬
‫ـهـار ِة ‪21 -----------------------------------‬‬ ‫َــاب الـ اط َ‬
‫كــت ُ‬
‫ِ‬
‫باب المياه ‪22 ------- --------------------------------‬‬
‫الفرق بين رفع الحدث وزوال الخبث ‪31 ------------------------‬‬
‫اء ‪31 ------- --------------------------------‬‬ ‫أقسام الم ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ضابط الماء الطهور‪ ،‬وأقسامه ‪35 ----------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم دخول الحمام ‪32 -----------------------------‬‬
‫ضابط الماء الطاهر ‪40 ----------------------------------‬‬
‫ضابط الماء الناس‪ ،‬وحكم استعماله ‪43 ------------------------‬‬
‫ضابط الماء الكثير ‪45 -----------------------------------‬‬
‫اب اآلنِ َي ِة ‪41 ------- --------------------------------‬‬ ‫َب ُ‬
‫األِل يف األواين اإلباحة والطهارة ‪41 -------------------------‬‬

‫‪151‬‬
‫فهرس موضوعات‬ ‫‪752‬‬

‫مسألة‪ :‬استعمال آنية الذهب والفضة واتخاذها ‪46 -------------------‬‬


‫حاالت ثياب الكفار وأوانيهم ‪50 ----------------------------‬‬
‫أقسام أجزاء الميتة الطاهرة يف حال الحياة ‪51 ----------------------‬‬
‫أقسام الحيوان الطاهر يف الحياة كالتالي‪53 ---------------------- :‬‬
‫اب الت َاخلي ‪55 ---------------------------‬‬ ‫باب االستِنا ِ‬
‫اء‪ ،‬وآ َد ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ضابط اإلنقاء باالستنااء بالماء ‪51 ---------------------------‬‬
‫حاالت االستنااءوإزالة النااسة بعد قضاء الحاجة ‪51 ----------------‬‬
‫شروأ ِحة االستامار ‪56 -------------------------------‬‬
‫فصل‪ :‬اآلداب التي تراعى عند قضاء الحاجة ‪62 --------------------‬‬
‫ما يكره عند قضاء الحاجة ‪64 ------------------------------‬‬
‫القب َل ِة واستِد َب ُار َها ‪66 --------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬استِقب ُال ِ‬
‫َ‬
‫المواطن التي ينهى عن قضاء الحاجة فيها ‪61 ---------------------‬‬
‫ال ‪11 --------------------------------------‬‬ ‫باب السو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫المواضع التي يتأكد فيها استحباب السوال ‪13 ---------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف سنن الفطرة ‪16 ----------------------------------‬‬
‫وء ‪63 --------------------------------------‬‬ ‫باب الو ُض ِ‬
‫ُ ُ‬
‫التسمية يف الوضوء ‪63 ----------------------------------‬‬
‫فروض الوضوء ‪66 ------------------------------------‬‬
‫شروأ الوضوء ‪21 ------------------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف النية وبعض أحكامها ‪25 ----------------------------‬‬
‫وء ‪21 ---------------------------------‬‬ ‫َفص ٌل يف ِِ َف ِة الو ُض ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َف ْص ٌل يف سنن الوضوء ‪100 --------------------------------‬‬
‫الخ اف ْي ِن ‪102 ------------------------------‬‬
‫باب ال َمسحِ على ُ‬ ‫ُ‬
‫شروأ ِحة المسح على الخفين ‪111 -------------------------‬‬

‫‪152‬‬
‫‪753‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫مسألة‪ :‬حكم المسح على الخف المخرق ‪112 --------------------‬‬


‫توقيت المسح ‪114 ------------------------------------‬‬
‫متى تبدأ مدة المسح؟ ‪116 --------------------------------‬‬
‫مبطالت المسح على الخفين ‪116 ----------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف أحكام الابيرة ‪121 -------------------------------‬‬
‫ض الو ُض ِ‬ ‫ِ‬
‫وء ‪125 --------------------------------‬‬ ‫باب نَواق ِ ُ‬
‫ُ‬
‫حاالت النوم ‪122 -------------------------------------‬‬
‫مس الذكر ‪130 --------------------------------------‬‬
‫تغسيل الميت ‪134 ------------------------------------‬‬
‫حم اإلبِ ِل ‪135 ------------------------------------‬‬
‫أكل َل ِ‬
‫ُ‬
‫الردة ‪131 --------- --------------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل فيما يحرم على المحدث ‪136 --------------------------‬‬
‫ف ‪140 -----------------------------------‬‬ ‫مس المصح ِ‬
‫َ ُّ ُ َ‬
‫ب ال ُغ ْس َل ‪144 --------------------------------‬‬ ‫باب ما ُي ِ‬
‫وج ُ‬ ‫ُ‬
‫َف ْص ُل شروأ الغسل وسننه وِفته ‪151 -------------------------‬‬
‫المست ََح اب ِة ‪160 ----------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫غسال ُ‬ ‫َف ْص ٌل يف األ َ َ‬
‫مسألة‪ :‬حكم نوم الانب قبل الغسل والوضوء؟ ‪166 -----------------‬‬
‫اب ال ات َي ُّم ِم ‪166 --------------------------------------‬‬
‫َب ُ‬
‫شـروأ ِحة التيمم ‪162 ---------------------------------‬‬
‫مسألة التيمم خشـية فوات العبادة ‪114 -------------------------‬‬
‫فروض التيمم ‪112 ------------------------------------‬‬
‫ُمبطِالت التيمم ‪161 -----------------------------------‬‬
‫ِفة التيمم ‪163 --------------------------------------‬‬
‫اااس ِة ‪166 ----------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫باب َإزا َلة الن َ‬
‫ُ‬

‫‪153‬‬
‫فهرس موضوعات‬ ‫‪754‬‬

‫أقسام النااسات ‪166 -----------------------------------‬‬


‫النااسة المخففة وضابطها وكيفية تطهيرها ‪162 -------------------‬‬
‫التفريق بين بول الصبي وبول الاارية ‪120 -----------------------‬‬
‫النااسة المائعة إذا وقعت على أرض أو حوض أو إناء ‪121 -------------‬‬
‫نااسة الخمرة ‪122 ------------------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف النااسات ‪124 ---------------------------------‬‬
‫ضوابط يف النااسات ‪124 --------------------------------‬‬
‫ض ‪206 -------------------------------------‬‬‫الح ْي ِ‬
‫باب َ‬‫ُ‬
‫أقل الحيض وأكثره ‪201 ---------------------------------‬‬
‫الحائض تختلف عن الطاهرات يف أمور ‪212 ----------------------‬‬
‫األمور التي تاب وتلزم بالحيض ‪216 -------------------------‬‬
‫عالمات الطهر من الحيض ‪221 -----------------------------‬‬
‫حاالت الكدرة والصفرة ‪222 ------------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف المستحاضة ‪224 --------------------------------‬‬
‫الفروق بين دم الحيض واالستحاضة ‪224 -----------------------‬‬
‫حاالت المستحاضة ‪224 --------------------------------‬‬
‫فصل أحكام النفساء ‪231 --------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬متى يتخلق الانين‪ ،‬ومتى ال يتخلق؟ ‪232 -------------------‬‬
‫كــتــاب الــصـالة ‪231 ----------------------------------‬‬
‫ان واإلقا َم ِة ‪232 ---------------------------------‬‬ ‫باب األَ َذ ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫أفضل تولي األذان‪ ،‬أو اإلمامة؟ ‪232 -------------------‬‬ ‫مسألة‪ :‬أ ُّيهما‬
‫حكم األذان واإلقامة ‪241 --------------------------------‬‬
‫ُ‬
‫ألذان للمسافر ‪242 ------------------------------------‬‬ ‫ا‬
‫األ ُ‬
‫ذان للنساء ‪243 -------------------------------------‬‬

‫‪154‬‬
‫‪755‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫شروأ ِحة األذان واإلقامة ‪243 ----------------------------‬‬


‫األول للفار‪ ،‬وكم بينه وبين األذان الثاين؟ ‪241 -------------‬‬ ‫ُ‬
‫األذان ا‬ ‫وقت‬
‫المؤذن ‪250 ----------------------‬‬ ‫ِ‬ ‫توفرها يف‬
‫ستحب ُ‬
‫ُّ‬ ‫األمور التي ُي‬
‫األمور التي ُيستحب مراعا ُتها عند األذان ‪253 ---------------------‬‬
‫وِف ُة وض ِع اإلِبعين؟ ‪251 --------------------------‬‬ ‫مسألة‪ِ :‬‬
‫االلتفات يف الحيعلتين ‪251 --------------------------------‬‬
‫َ‬
‫المؤذن ‪261 --------------‬‬ ‫إجابة المؤذن وما الذي يشرع قوله لمن سمع‬
‫ِ‬
‫الصالة ‪263 --------------------‬‬ ‫مسألة‪ :‬إذا سمع األذان وهو يف ِ‬
‫أثناء‬
‫مسألة‪ :‬إذا سمع أكثر من مؤذن ‪264 ---------------------------‬‬
‫ُ‬
‫استدرال ما فاته؟ ‪264 -------------‬‬ ‫ِ‬
‫األذان‪ ،‬فهل له‬ ‫بعض‬
‫سمع َ‬ ‫مسألة‪ :‬إذا ِ‬
‫خمس ُسنَن ُيشـرع له المحافظ ُة عليها ‪264 ------‬‬ ‫َ‬
‫األذان فهنال‬ ‫المسلم‬ ‫سمع‬‫إذا ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الخروج من المسادَ بعد األذان ‪261 --------------------------‬‬
‫المؤذن على أذانِه من المال ‪266 -------------------‬‬ ‫ُ‬ ‫مسألة‪ :‬ما َي ُ‬
‫أخذه‬
‫مسألة‪ِ :‬فات األذان ‪266 --------------------------------‬‬
‫ِ‬
‫اإلقامة؟ ‪210 -----------------‬‬ ‫ِ‬
‫للصالة عند‬ ‫مسألة‪ :‬متى َيقو ُم المأمو ُم‬
‫األذان‪211 ----------------------------- :‬‬ ‫ِ‬ ‫يب يف‬ ‫مسألة‪ :‬الت ِ‬
‫اطر ُ‬
‫الصالةِ ‪213 ---------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫باب ُش ُروأ ا‬ ‫ُ‬
‫اإلسالم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتميز‪ ،‬والطهارة مع القدرة ‪213 -----------------‬‬
‫ول الو ِ‬
‫قت ‪214 -------------------------------‬‬ ‫دخ ُ َ‬‫امس‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫الخ ُ‬
‫وقت الصالةِ ‪214 -------------------------------------‬‬ ‫ُ‬
‫الوقت َ ‪260 ------------------------------‬‬ ‫ِ‬ ‫مسألةٌ‪ :‬بما يدرل‬
‫مسأل ٌة‪ :‬لو حاضت امرأة أول الوقت‪ ،‬فهل ياب عليها القضاء؟ ‪260 ---------‬‬
‫أحكام ‪264 -------‬‬ ‫ِ‬
‫الفريضة حتى خرج وقتها تر اتب عليها‬ ‫إذا فا َت ِ‬
‫ت العبدَ ِال ُة‬
‫ٌ‬
‫الفوائت بثالثة أمور ‪261 -----------------------‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قضاء‬ ‫الرتتيب يف‬
‫ُ‬

‫‪155‬‬
‫فهرس موضوعات‬ ‫‪756‬‬

‫أقسام العورة ‪266 -------------------------------------‬‬


‫الم َح ار ِم ‪222 -----‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مسألة‪ :‬ح ِ‬
‫المغصوب‪ ،‬أو المسـروق‪ ،‬أو ُ‬ ‫الثوب‬ ‫الصالة يف‬ ‫كم‬
‫اااس ِة ‪221 -----------------------------‬‬ ‫َاب الن َ‬
‫ِ‬
‫ـــع‪ :‬اجتن ُ‬‫السابِ ُ‬
‫ا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المصلي‪ ،‬ال يخلو من حاالت ‪222 --------‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوجو ُد النااسة على بدَ ن أو ِ‬
‫ثوب ُ‬
‫الصالة فيها ‪300 -------------------------‬‬ ‫ِ‬ ‫األماكن التي ال تصح‬ ‫ِ‬
‫القبور ودفن الميت يف المساد ‪302 -----------‬‬‫ِ‬ ‫ساجد على‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫مسألةٌ‪ :‬بنا ُء َ‬
‫القب َل ِة ‪306 --------------------------------‬‬ ‫ال اثامِن‪ :‬استِقب ُال ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حاالت التنفل يف السفر ‪306 -------------------------------‬‬
‫بلة متنوع ٌة ‪302 --------------------‬‬ ‫الق ِ‬
‫وال ُّطر ُق التي يستدَ ُّل هبا على ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تحر ‪311 -----------------------‬‬ ‫ُ‬ ‫مسألةٌ‪ :‬لو ِ الى ِ‬
‫بغير اجتهاد وال ن‬
‫ااس ُع‪ :‬الن اي ُة ‪311 -------------------------------------‬‬ ‫الت ِ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الاماعة أو قط ِع‬ ‫ِ‬
‫إكمال‬ ‫حصل لإلما ِم ُعذر طار ٌ حمله على ِ‬
‫ترل‬ ‫َ‬ ‫مسألةٌ‪ :‬لو‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫‪315 ------------ --------------------------------‬‬
‫الاماعة إلى ِاالنفرادِ ‪315 ---------------------‬‬
‫ِ‬ ‫تحو َل المأمو ِم مِ َن‬
‫ُّ‬
‫الة ‪311 -------------------------------------‬‬ ‫كِتَاب الص ِ‬
‫ُ ا‬
‫الصالة ‪311 ----------------------------------‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باب أركان ا‬ ‫ُ‬
‫فضائل الصال ُة ‪311 ------------------------------------‬‬
‫حاالت َترل الصال َة ‪312 ---------------------------------‬‬
‫الفرق بين أركان وواجبات وسنن الصالة ‪322 ---------------------‬‬ ‫ُ‬
‫رض ‪322 ---------------------------‬‬ ‫الركن األول‪ِ :‬‬
‫الق َيا ُم يف ال َف ِ‬
‫اإلحرا ِم ‪324 --------------------------------‬‬ ‫َ‬ ‫ال اثاين‪َ :‬تكبِ َير ُة‬
‫ال اثال ِ ُث‪ :‬قِ َرا َء ُة الفاتِ َح ِة ُم َر ات َب ًة ‪326 -----------------------------‬‬
‫وع ‪330 -----------------------------------‬‬ ‫الر ُك ُ‬ ‫الرابِ ُ‬
‫ــــع‪ُّ :‬‬ ‫ا‬
‫فع مِن ُه ‪331 ---------------------------------‬‬ ‫الر ُ‬ ‫الخام ُس‪ :‬ا‬
‫َ ِ‬

‫‪156‬‬
‫‪757‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫اد ُس‪ :‬االعتِدَ ُال قائِ ًما ‪331 ------------------------------‬‬


‫الس ِ‬
‫ا‬
‫الس ُاو ُد ‪332 ----------------------------------‬‬ ‫السابِ ُ‬
‫ــع‪ُّ :‬‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض وأعضاء الساود ‪334 --------------------‬‬ ‫أقسام الحائل بين‬
‫الس ُاودِ ‪336 ------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫الر ْف ُع من ُّ‬
‫ِ‬
‫ال اثام ُن‪ :‬ا‬
‫السادَ َت ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪336 --------------------------‬‬ ‫وس َبي َن ا‬ ‫الا ُل ُ‬ ‫التااس ُع‪ُ :‬‬
‫اش ُر‪ :‬ال ُّط َمأنِينَ ُة ‪331 ----------------------------------‬‬ ‫الع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الحادي َع َش َر‪ :‬الت َاش ُّهدُ األَخ ُير ‪336 ----------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األخير؟ ‪332 ---------‬‬ ‫ِ‬
‫التشهد‬ ‫ِ‬
‫الرسول ﷺ يف‬ ‫ب الصال ُة على‬ ‫مسألةٌ‪ :‬هل ِ‬
‫تا ُ‬
‫يمت ِ‬‫ِ‬
‫َين ‪341 -----------------------‬‬ ‫وس َل ُه‪ ،‬وللتاسل َ‬ ‫الا ُل ُ‬‫ال اثاين َع َشر‪ُ :‬‬
‫َان ‪341 ------------------------------‬‬ ‫ال اثال ِ َث َع َشر‪ :‬التاسلِيمت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عشر‪َ :‬ترتِيب األرك ِ‬
‫َان ‪345 ---------------------------‬‬ ‫ُ‬ ‫الرابِ َ‬
‫ــــع َ َ‬ ‫ا‬
‫واجبات الصالةِ ‪346 ------------------------------‬‬ ‫ِ‬ ‫َف ْص ٌل يف‬
‫حاالت م ْن نسـي التشهدَ األول ‪351 ---------------------------‬‬
‫الصالةِ ‪353 -----------------------------‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف ْص ٌل في َب َيان ُسن َِن ا‬
‫السن ٌن القولي ٌة ‪353 -------------------------------------‬‬
‫مسألة‪َ :‬ا ْل َب ْس َم َلة ‪356 ------------------------------------‬‬
‫ِ‬
‫الفعلية ‪366 -------------------------------------‬‬ ‫السنن‬
‫ِ‬
‫الصالة ‪361 -----------------------‬‬ ‫ين يف‬ ‫ِ‬
‫مواض ُع رف ِع اليدَ ِ‬ ‫مسألة‪:‬‬
‫رفع اليدَ ِ‬
‫ين يف الصالة ‪366 -----------------------‬‬ ‫مسألة‪ِ :‬فات ُ‬
‫ين ‪362 ----------------------------‬‬ ‫قبض اليدَ ِ‬
‫مسألةٌ‪ِ :‬فات ُ‬
‫ِ‬
‫القبض ‪310 ----------------------‬‬ ‫مسأل ٌة‪ :‬مكان وضع اليدين ِ‬
‫أثناء‬
‫السرتاحة ‪316 ----------------------------------‬‬‫ِ‬ ‫مسألة‪ :‬ا‬
‫ِفات التورل ‪312 ------------------------------------‬‬
‫ِ‬
‫التشهد ‪360 ------------------------‬‬ ‫قبض ِ‬
‫اليد ال ُيمنى يف‬ ‫ِ‬ ‫ِفات‬

‫‪151‬‬
‫فهرس موضوعات‬ ‫‪758‬‬

‫الصالةِ ‪364 ------------------------------‬‬


‫كر ُه يف ا‬
‫ِ‬
‫َف ْص ٌل ف َ‬
‫يما ُي َ‬
‫أنواع االلتفات يف الصالة ‪364 ------------------------------‬‬
‫الت َاخ ُّص ُر يف الصالة ‪361 ----------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا ِلي وهو حاقن أو بحضـرة طعام ‪324 -------------------‬‬
‫ِ‬
‫الصال َة ‪326 -------------------------------‬‬ ‫َف ْص ٌل فيما ُيبط ُل ا‬
‫وجوب استقبال القبلة يسقط يف حاالت ‪321 ----------------------‬‬
‫العمل الذي يبطل الصالة ما توفرت فيه ثالثة قيود ‪326 ----------------‬‬
‫إذا نسـي التشهد األول ‪322 -------------------------------‬‬
‫الس ِ‬
‫هو ‪402 ----------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫باب ُس ُاود ا‬
‫ُ‬
‫الساود قبل السالم وبعده ‪413 -----------------------------‬‬
‫إذا سها المأموم يف ِالته فال يخلو من حالتين ‪411 ------------------‬‬
‫إذا ترل التشهد األول‪ ،‬فال يخلو من حالتين ‪412 --------------------‬‬
‫الشك يف العبادة ال يلتفت إليه يف ثالث حاالت ‪421 ------------------‬‬
‫باب ِ ِ‬
‫الة ال ات َط ُّو ِع ‪422 ----------------------------------‬‬ ‫ُ َ‬
‫الو ُتر ‪425 --------- --------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫القنوت يف الوتر مشـروع ‪430 ------------------------------‬‬
‫مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ‪434 --------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬قنوت النوازل ‪436 --------------------------------‬‬
‫ُسنا ُة ال َف ْا ِر ‪432 --------------------------------------‬‬
‫لم َؤ اكدَ ُة ‪441 ----------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫با ُ‬
‫الر َوات ُ‬
‫ا‬
‫مسألة‪ :‬وقضاء الوتر ‪442 ---------------------------------‬‬
‫اويح ‪445 ---------------------------------------‬‬ ‫الت َار ُ‬
‫َف ْص ٌل يف َِال ُة ال الي ِل ‪446 ---------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬التطوع مضطا ًعا مع القدرة على القيام أو القعود ‪455 ------------‬‬

‫‪156‬‬
‫‪759‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫ِالة الضحى سنة مؤكدة ‪456 ------------------------------‬‬


‫سا ِد ‪460 ------------------------------------‬‬ ‫ح اي ُة الم ِ‬
‫َ‬
‫َت ِ‬
‫وء ‪465 -------------------------------------‬‬ ‫سنا ُة الو ُض ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫من السنة أن يعمر ما بين العشاءين بالصالة ‪466 --------------------‬‬
‫اود التالوةِ ‪461 -------------------------------‬‬ ‫َفص ٌل يف س ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مسألة‪ :‬إذا لم يساد القار ‪ ،‬فال يساد المستمع ‪412 ----------------‬‬
‫مسألة‪ :‬المشـروع من األذكار يف ساود التالوة ‪413 ------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬عدد سادات القرآن ‪413 ----------------------------‬‬
‫الش ْك ِر ‪414 ------------------------------------‬‬ ‫ُس ُاو ُد ُّ‬
‫َفص ٌل يف أو َق ِ‬
‫ات الناهيِ ‪415 --------------------------------‬‬ ‫ْ‬
‫مسألة‪ :‬هل يوم الامعة داخل يف النهي عن التنفل وقت الزوال أم ال؟ ‪416 -----‬‬
‫رآن ‪464 ------------------------------‬‬ ‫مسألة‪ :‬حكم ِح ْف ُظ ال ُق ِ‬
‫ماعة ‪466 ---------------------------------‬‬ ‫الة الا ِ‬ ‫باب ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫حكم ِالة الاماعة يف المساد ‪420 --------------------------‬‬
‫حكم ِالة الاماعة للنساء ‪422 ----------------------------‬‬
‫ياوز التقدم على اإلمام الراتب يف حالتي ‪424 ---------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬تكرار الاماعة يف المساد الراتب ‪425 --------------------‬‬
‫بم تدرل ِالة الاماعة؟ ‪425 ------------------------------‬‬
‫إذا أقيمت الصالة فصالته النافلة ال تخلو من حالتين ‪426 --------------‬‬
‫األمور التي يتحملها اإلمام عن المأمومين ‪422 --------------------‬‬
‫سكتات اإلمام يف الصالة الاهرية ‪502 -------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف اإلمامة ‪504 -----------------------------------‬‬
‫المسائل المتعلقة بمتابعة المأموم إلمامه ‪504 ---------------------‬‬
‫ِالة اإلمام ال تخلو من حاالت ‪501 --------------------------‬‬

‫‪152‬‬
‫فهرس موضوعات‬ ‫‪760‬‬

‫المرأة إذا أرادت الخروج عليها أن تراعي أمور ًا ‪510 -----------------‬‬


‫َف ْص ٌل يف اإل َما َم ِة ‪513 -----------------------------------‬‬
‫األحق باإلمامة ‪513 ------------------------------------‬‬
‫إمام ُة ال َف ِ‬
‫اس ِق ‪516 -------------------------------------‬‬ ‫َ َ‬
‫مسألة‪ :‬الصالة خلف المبتدع ‪512 ----------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬من يلحن لحنًا يحيل المعنى يف قراءته ‪520 ------------------‬‬
‫المميز إذا كان دون سن البلوغ فإمامته على حاالت ‪525 ---------------‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا ِلى وعليه نااسة يف بدنه أو ثوبه‪ ،‬فال يخلو من حاالت ‪526 ------‬‬
‫إ َما َم ُة األُمي ‪521 --------------------------------------‬‬
‫ِالة النافلة خلف من يصلي الفريضة ‪526 ----------------------‬‬
‫َفص ٌل يف و ِ‬
‫قوف اإلما ِم ‪530 --------------------------------‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اقتداء المأمومين باإلمام داخل المساد أو خارجه له حاالت ‪533 ---------‬‬
‫سا ِد لمن أكل البصل أو الثوم ‪536 ---------------------‬‬
‫ُح ُضور الم ِ‬
‫ُ َ‬
‫مسألة‪ :‬إمام العراة ‪536 ----------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬تسوية الصفوف ‪536 -------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬الصالة بين السواري واألعمدة ‪540 ----------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف األعذار التي تسقط هبا ِالة الامعة والاماعة ‪542 ------------‬‬
‫األعذ ِار ‪541 -------------------------------‬‬ ‫َ‬ ‫باب ِ ِ‬
‫الة أه ِل‬ ‫ُ َ‬
‫ِالة الفريضة ال تاوز على الراحلة ‪551 -----------------------‬‬
‫مسألة‪ِ :‬الة النافلة على الراحلة ‪552 -------------------------‬‬
‫الم َسافِ ِر ‪553 -------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫َف ْص ٌل يف َِالة ُ‬
‫القصـر يف السفر ‪553 -----------------------------------‬‬
‫شروأ السفر الذي يقصـر فيه ‪554 ---------------------------‬‬
‫الصالةِ ‪556 -----------------------‬‬
‫إتما ُم ا‬
‫الحاالت التي َي َلزم فيها َ‬

‫‪160‬‬
‫‪761‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫َف ْص ٌل يف َ‬
‫الا ْم ِع ‪562 -----------------------------------‬‬
‫الامع يف الحضـر ‪564 ----------------------------------‬‬
‫ضابط المطر الذي يامع فيه ‪566 ----------------------------‬‬
‫شروأ جمع التقديم ‪510 ---------------------------------‬‬
‫شروأ جمع التأخير ‪511 ---------------------------------‬‬
‫الخ ِ‬
‫وف ‪514 -------------------------------‬‬ ‫َفص ٌل يف ِ ِ‬
‫الة َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حاالت المصلي مع ِفات ِالة الخوف ‪512 --------------------‬‬
‫الا ُم َع ِة ‪562 ----------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫باب َِالة ُ‬
‫ُ‬
‫فضل وخصائص يوم الامعة ‪562 ---------------------------‬‬
‫شـروأ وجوب ِالة الامعة ‪563 ---------------------------‬‬
‫َشرو ِ‬
‫أ ِِ احة الخطبة ‪522 --------------------------------‬‬ ‫ْ‬
‫أركان الخطبة ‪523 ------------------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف مسائل مهمة متعلقة بصالة الامعة ‪602 -------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬تعدد إقامة الامعة يف البلد الواحد ‪604 --------------------‬‬
‫در َل ال ُا ُم َع ًة؟ ‪605 ----------------------------------‬‬‫بم ت َ‬
‫ِفات التنفل بعد الامعة ‪606 -----------------------------‬‬
‫قراءة سورة الكهف يف يوم الامعة ‪606 -------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬ساعة إجابة يف يوم الامعة ‪602 -------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا وافق العيد يوم الامعة ‪611 -------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬االغتسال لصالة الامعة ‪612 --------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬ما يشـرع فعله يف يوم الامعة من السنن ‪613 ------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬حاز المكان يف المساد ‪615 --------------------------‬‬
‫الة ِ‬
‫العيدَ ي ِن ‪611 ---------------------------------‬‬ ‫باب ِ ِ‬
‫ُ َ‬
‫مسألة‪ :‬ح َفالت تخريج الطلبة لحفظ القرآن والسنة ‪611 ---------------‬‬

‫‪161‬‬
‫فهرس موضوعات‬ ‫‪762‬‬

‫شـروأ ِحة ِالة العيد ‪612 ------------------------------‬‬


‫السنن التي يشـرع مراعاهتا يف العيدين‪623 ---------------------- :‬‬
‫ِفة ِالة العيدين ‪626 ---------------------------------‬‬
‫أح َكا ُم ُخ ْط َبتَي العيد ‪631 ---------------------------------‬‬
‫َف ْص ٌل يف التكبير أيام العيد ‪635 ------------------------------‬‬
‫التكبير المطلق ‪635 ------------------------------------‬‬
‫التاكبِ ُير ُ‬
‫الم َق ايدُ ‪631 ------------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬التعريف باألمصار ‪641 -----------------------------‬‬
‫وف ‪642 ---------------------------------‬‬ ‫الة ال ُكس ِ‬
‫باب ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫مسألة‪ :‬إذا انالى الكسوف وهو يف الصالة ‪644 --------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬لو انتهت الصالة والكسوف ال يزال باق ًيا ‪644 -----------------‬‬
‫ِفات ِالة الكسوف ‪644 -------------------------------‬‬
‫مسألة‪ِ :‬الة الكسوف يف أوقات النهي؟ ‪641 ---------------------‬‬
‫مسألة‪ِ :‬الة الكسوف جماعة وفرادى يف الحضـر والسفر ‪646 -----------‬‬
‫مسألة‪ِ :‬الة الكسوف يف حق النساء ‪646 -----------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬هل تشـرع هذه الصالة لغير الكسوف من اآليات‪...‬؟ ‪642 ----------‬‬
‫فائدة‪ :‬أن الكسوف ال يحصل إال يف أيام االستسـرار ‪650 ---------------‬‬
‫اء ‪651 --------------------------------‬‬ ‫الة االستِس َق ِ‬
‫باب ِ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫حاالت االستسقاء ‪652 ----------------------------------‬‬
‫ما يستحب فعله عند الخروج لالستسقاء ‪653 ---------------------‬‬
‫التوسل بالصالحين ‪655 ---------------------------------‬‬
‫ِفات رفع اليدين يف االستسقاء ‪660 --------------------------‬‬
‫إذا استمر القحط ولم ينزل المطر استحب تكرار االستسقاء ‪660 ----------‬‬
‫إذا نزل المطر فالسنة أن يقول‪« :‬مطرنا بفضل اهلل ورحمته» ‪662 -----------‬‬

‫‪162‬‬
‫‪763‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫كــتــاب الـاـنـائـز ‪663 ----------------------------------‬‬


‫باب ما يتعلق بالميت من تلقين‪ ،‬وتغسـيل‪ ،‬وتكفين‪ ،‬وِالة ‪665 ----------‬‬
‫وت يكون بأمور ‪665 ---------------------------‬‬ ‫االستِعدَ اد للم ِ‬
‫ُ َ‬
‫تلقين المحتضـر الشهادة ‪610 ------------------------------‬‬
‫ما يشرع عند حضور المحتضر ‪613 ---------------------------‬‬
‫عالمات حسن الخاتمة ‪615 -------------------------------‬‬
‫ِ‬
‫الميت ‪611 --------------------------------‬‬ ‫َف ْص ٌل يف َغس ِل‬
‫طريقة تغسـيل الميت ‪612 --------------------------------‬‬
‫تغسيل الرجل لزوجته ‪660 --------------------------------‬‬
‫الميت إذا خرج منه نااسة بعد تغسـيله ال يخلو من حاالت ‪662 -----------‬‬
‫ول ُظ ْل ًما ‪664 ---------------------------‬‬ ‫والمق ُت ُ‬ ‫َش ِهيدُ الم ِ‬
‫عركَة‪َ ،‬‬
‫َ َ‬
‫أقسام الشهداء ‪661 ------------------------------------‬‬
‫حاالت السقط ‪662 ------------------------------------‬‬
‫ِ‬
‫الميت ‪621 --------------------------------‬‬ ‫َف ْص ٌل يف َت ِ‬
‫كفين‬
‫ِفة تكفين الميت ‪624 ---------------------------------‬‬
‫ِ‬
‫الميت ‪626 ----------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة على‬ ‫َف ْص ٌل يف‬
‫وأ ِحة الصالة على الانازة ‪621 -------------------------‬‬‫ُش ُر ُ‬
‫ِِ َفة ِالة الانازة ‪101 ---------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا ِلى على الطفل فإنه يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة ‪105 -------‬‬
‫مسألة‪ :‬موقف اإلمام من الانازة ‪101 --------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬الصالة على الانازة يف المساد ‪106 ----------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬من فاته بعض التكبيرات يف ِالة الانازة ‪102 ----------------‬‬
‫مسألة‪ :‬الصالة على الانازة أوقات النهي ‪110 ---------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬إعالم الناس بوفاة أحد إذا لم يكن على وجه المفاخرة ‪110 ---------‬‬

‫‪163‬‬
‫فهرس موضوعات‬ ‫‪764‬‬

‫حاالت النعي واإلعالم بالموت ‪110 --------------------------‬‬


‫مسألة‪ :‬فضل الصالة على الانازة ‪111 -------------------------‬‬
‫الميت و َدفنِه ‪113 -----------------------------‬‬
‫ِ‬ ‫َف ْص ٌل يف َحم ِل‬
‫موقف الماشي من الانازة ‪114 -----------------------------‬‬
‫القيام للانازة ‪115 ------------------------------------‬‬
‫السنة يف القرب أن يعمق ويوسع ‪116 ---------------------------‬‬
‫حكم التزويق والتاصيص والتبخير ‪122 ------------------------‬‬
‫المشـي بالنعال بين القبور ‪126 ------------------------------‬‬
‫اج ِد‪ ،‬وفِي مِ ِ‬
‫لك ال َغ ِير‪ ،‬و ُين َب ُش) ‪121 ---------------‬‬ ‫قوله‪( :‬والدا ْف ُن بالمس ِ‬
‫َ َ‬
‫الدفن بالمساجد‪ ،‬أو بناء المساجد على القبور ‪121 ------------------‬‬
‫شق بطن المرأة الحامل إذا ماتت ال يخلوا من حاالت ‪126 --------------‬‬
‫مسألة‪ :‬اللحد والشق يف ِفة القرب ‪122 -------------------------‬‬
‫صاب والت ِ‬
‫الم ِ‬
‫اعزية ‪132 -------------------------‬‬ ‫َف ْص ٌل يف أحكا ِم ُ‬
‫البكاء على الميت جائز قبل الدفن وبعده ‪134 ---------------------‬‬
‫ور للر َج ِ‬
‫يار ُة ال ُق ُب ِ‬
‫ال ‪136 ---------------------------------‬‬ ‫ِز َ‬
‫زيارة النساء للقبور ‪131 ---------------------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬يشـرع الذهاب للقبور بقصد السالم ‪140 --------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬قراءة القرآن عند القرب ‪142 ----------------------------‬‬
‫الحي ‪142 ----------------------------------‬‬ ‫السال ِم ع َلى َ‬
‫ا‬
‫ِ‬
‫يت العاطس ‪144 -----------------------------------‬‬ ‫ِ‬
‫َتشم ُ‬
‫مسألة‪ :‬هل الميت يعرف زائره يوم الامعة ‪146 --------------------‬‬
‫مسألة‪ :‬يشـرع أن يصنع ألهل الميت طعامًا من غير كلفة‪ ،‬ويرسل إليهم ‪146 ----‬‬
‫مسألة‪ِ :‬نع الطعام‪ ،‬ووضع الوالئم‪ ،‬واالجتماع عند أهل الميت ‪146 -------‬‬
‫مسألة‪ :‬إهداء القرب لألموات ‪142 ---------------------------‬‬

‫‪164‬‬

You might also like