You are on page 1of 92

‫جامعة الشهيد حمه لخضر ‪ -‬الوادي‬

‫معهد العموم اإلسالمية‬


‫قسم أصول الدين‬

‫الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي‬


‫وموقفه مه المستشرقيه‬

‫مذكرة تخرج لنيل شهادة الليسانس في العلوم اإلسالمية – تخصص‪ :‬دعوة وثقافة‬
‫إسالمية‬

‫اإلشراف ‪:‬‬ ‫إعــــــــداد الطــــالــــــــــبات ‪:‬‬


‫‪ ‬الدكتور معمر قول‬ ‫‪ ‬الشيماء مصطفاوي‬
‫‪ ‬مـــــــــــــــــريم حـــــــــــــر‬
‫‪ ‬نـــور الهــــدى نيهى‬

‫السنة الجامعية‪3418-3417 :‬ﻫ‪1037-1036/‬م‬


‫الملـــــــــــــــــــــخـــص‬

‫الملخص‬
‫ ٌهدف هذا‬،‫للمطلع أو القارئ مضمون المذ ّكرة باختصار وفً وقت ضئٌل‬ ّ ‫حتى ٌتس ّنى‬
ً‫ بداٌة بال ّتعرف على البٌئة الت‬،‫الملخص إلى ذكر أهم ما جاء فً هذا البحث باختصار‬
،‫ رغم ندرة ما ّدٌتها‬- ‫ رحمه هللا‬- ً‫عاش فٌها اإلمام محمد سعٌد رمضان البوط‬
‫ كما ٌنحو‬، ‫ من أمثال هذا اإلمام الفاضل‬،‫وافتقارها لكثرة ال ّدعاة و العلماء فً هذا العصر‬
‫نحو نشأته ونسبه و تعلّمه ومجهوداته العلمٌة ونشر دعوته وتنوّ ع أسلوبه لل ّتصدي‬
‫ حٌث كان‬،‫لدعاوي االستشراق الذي كاد ٌضلّل أبناء المسلمٌن المفتقرٌن لل ّرد على هؤالء‬
‫ناقدا لهم ولدعاوٌهم ومفحما للعدٌد من شبهاتهم المزعومة وخاصة فً كتبه " ال ٌأتٌه‬
‫ فكانت طرٌقة رده‬، ... ‫ وفقه السٌرة النبوٌّة" وغٌرها‬،‫الباطل و ٌغالطونك إذ ٌقولون‬
.‫على المستشرقٌن هادئة اعتمد فٌها على حجج وأدلَّة مقنعة ومدحضة ألقاوٌلهم الباطلة‬
Abstract:

In order to provide the reader with the contents of the graduation


note briefly and in a short time, this summary aims at mentioning
the most Important of this research briefly, beginning with the
know edge of the environment in which Imam Mohammed said
Ramadan el Bouti. May God have mercy on him. Lived despite the
scarcity of it materiality and lack of many preachers, The scholars
of this era such as the Imam El Fadil, also tend its origins, its
proportions, its learning, its scientific efforts, the propagation of its
vocation, and the diversity of its style to counter the claims of
orientalism which almost mislead the sons of Muslims who were
not able to respond to them. Of their alleged suspicions, especially
in his books, falsehood does not come to him And the jagltonk as
they say, and the jurisprudence of the prophet s biography and
others…, was the method of his response to Orientalists calm and
relied on the arguments and evidence cornicing and refuting their
false claims.

‫مـــقدمـــــــــة‬

‫مــــقــــــدمـــــــــة‬

‫وعمَّم البيان‪ ،‬وخمق اإلنسان‪ ،‬فبأي‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬الذي أعطى المسان‪َ ،‬‬
‫أالء ربكما تكذبان‪ ..‬لك الحمد يا من ىو لمحمد أىل‪ ،‬و يا من ىو أىل لمثناء والمجد‪،‬‬
‫يطمبون نصرتَك‪ ..‬لك‬ ‫و ُّ‬
‫أحق ما قالو العبد وكمنا لك عبد‪ .‬لك الحمد‪ ..‬من ضعفاء ُ‬
‫يطمبون عزك‪ ..‬لك الحمد‪..‬‬
‫يطمبون غناك‪ ..‬و لك الحمد‪ ..‬من أذلة ُ‬
‫الحمد‪ ..‬من فقراء ُ‬
‫حسن ٍ‬
‫ظن بك‪ ..‬وما رجوناك إال ثق ًة فيك‪ ،‬وما خفناك إال تصديقًا‬ ‫َ‬ ‫ما دعوناك إال‬
‫بوعدك ووعيدك‪ ..‬فمك الحمد‪ ..‬والصالة والسالم عمى عمم األعالم‪ ،‬وامام كل إمام‪،‬‬
‫محمد بن عبد اهلل وعمى آلو وصحبو أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫إن اليجوم عمى دين اهلل "اإلسالم" ومحاربتو ظاىرة ليست بحديثة العيد أو جديدة‬
‫المظير‪ .‬إنيا ظاىرة يالحظيا كل مؤمن باهلل من خالل قراءة كتب السير‪ ،‬والتاريخ وما‬
‫كان من أعداء الدين اإلسالمي في الماضي وما يمكن رؤيتو رأي العين مما يجري من‬
‫أحداث في الزمن الحاضر‪.‬‬
‫إن الماضي يظير لنا كيف أن الرسول الكريم صمى اهلل عميو وسمم واجو الكثير‬
‫من العنت والعناد في سبيل الدعوة إلى اهلل‪ ،‬وكيف أن ىذا التصدي لإلسالم وأتباعو‬
‫استمر إلى يومنا ىذا بما تمثمو ىجمات األعداء بالسالح تارة وبالغزو الفكري تارة‬
‫أخرى وىم بذلك يقصدون صرف الناس عن اهلل ورباطو الوثيق‪ ،‬فكثرت ىذه الدعاوى‬
‫في طعن اإلسالم بالقول بأنو دين باطل ورسالة النبي صمى اهلل عميو وسمم زائفة‬
‫وباطمة‪ .‬ويأتي في مقدمة ىذه الدعاوى ما جاء في كتب المستشرقين التي عمدت إلى‬
‫الطعن في حقيقة الدين اإلسالمي وصدق نبوة محمد صمى اهلل عميو وسمم والغمز في‬
‫كتاب اهلل العزيز والسنة المطيرة وبقية أصول الدين‪ ،‬وأن كل ذلك من وضعو صمى اهلل‬
‫عميو وسمم وتمفيق أصحابو وأتباعو رضوان اهلل عمييم أجمعين‪ ،‬وىكذا يقولون زو ًار من‬
‫القول وتصف ألسنتيم الكذب‪ .‬ولكن نرى أن ىناك فئة ظيرت في الشرق تدين‬
‫باإلسالم قد من اهلل عمييا باإليمان باهلل رِّبا‪ ،‬وبمحمد ِّ‬
‫نبيا ورسوًال ‪ ،‬وبالقرآن مني حياة‬
‫حيث لم يبقوا مكتوفين األيادي وممسكين األلسن ومعطمين عقوليم ينظرون إلى العالم‬
‫العربي واإلسالمي كيف يشوه ويطعن وىم في صمت وسبات‪ ،‬ال بل كان كثير منيم‬

‫أ‬
‫مـــقدمـــــــــة‬

‫من المجتيدين والغيورين والمدافعين عمى أوطانيم بشتى األساليب‪ ،‬ومن أحد ىؤالء‬
‫نخصو بالدراسة في ىذه المذكرة ىو الدكتور الشيخ محمد سعيد‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫الشجعان‪ ،‬والذي‬
‫رمضان البوطي ؛ الذي رد عمى العديد من شبياتيم في مختمف مؤلفاتو وبالخصوص‬
‫كتاب "ال يأتيو الباطل "‪" ،‬ىذه مشكالتيم" و "فقو السيرة" وغيرىا من المؤلفات التي‬
‫بث فييا موقفو من المستشرقين‪.‬‬

‫أىمية الموضوع‪:‬‬

‫تكمن أىمية الموضوع بأن االستشراق والمستشرقين من المواضيع التي حصل بشأنيا‬
‫تمبس كبير ‪ ،‬وأريد أن تفيم عمى غير وجييا الصحيح‪ ،‬وقد تبنى أتباع المستشرقين‬
‫وتالميذىم في عالمنا اإلسالمي والعربي ‪ ،‬خط اإلسراف والمغاالة في تقدير‬
‫المستشرقين‪ ،‬وجعميم فوق مستوى مؤاخذة الشبيات وحاولوا تضميل الناس وخدعيم بأن‬
‫الحركة االستشراقية حركة عممية بريئة من األغراض واألىواء‪ ،‬والنزعات العدائية لمعالم‬
‫اإلسالمي وأنيا ال عالقة ليا البتة بمؤازرة القوى المعادية لإلسالم والمسممين‪ ،‬وحرصوا‬
‫عمى رسم صورة مشرفة مضاءة لالستشراق‪ ،‬ال تشوبيا أي شائبة وىذا مسمك خداع عن‬
‫الحقيقة‪ ،‬وطمس لمعممو‪.‬‬

‫االشكالية‪:‬‬

‫ما منزلة الشيخ البوطي الفكرية؟ وما ىي جيوده في الرد عمى المستشرقين؟‬

‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬

‫من أسباب اختيارنا لمموضوع أسباب موضوعية وأخرى ذاتية‪:‬‬

‫‪ .1‬السبب الموضوعي الذي ساقنا لدراسة ىذا الموضوع ىو أننا عمى ضوء ما جادت‬
‫بو عقولنا وأقالمنا من تدوين بعض األساليب المعتمدة التي اعتمدناىا كمنطمق من‬
‫أسس ىؤالء الفطاحل من العمماء فنحن بدورنا ولو بالجيد المقل نترك إلى ما بعدنا من‬
‫األجيال لمواصمة تأسيس المعارف والعموم واألفكار التي تقف كحصن منيع لمتصدي‬

‫ب‬
‫مـــقدمـــــــــة‬

‫لمشبيات المستقبمية من طرف الجاحدين والحاقدين من الناس رغم تفضل اهلل عمييم‬
‫باآلالء التي ال نحصي ليا عدد‪.‬‬

‫‪ .2‬أما األسباب الذاتية‪ :‬وتكمن اجمال ىذه االسباب في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬فضولنا في معرفة كيفية اقتباسنا ألساليب الرد عمى األباطيل التي اتصف بيا‬
‫الشيخ البوطي ‪-‬رحمة اهلل عميو‪ -‬وتعممنا منو‪.‬‬

‫‪ -‬محاولتنا التركيز عمى تثبيت أسس الحق المتبعة التي ال يحيد عنا إال جاحد أو مثير‬
‫لنعرات التشكيك وعدم االستقرار األمني‪.‬‬

‫‪ -‬رغبتنا في االطالع عمى أساليب الشيخ البوطي ‪-‬رحمو اهلل‪ -‬في الرد عمى الطاعنين‬
‫في اإلسالم والرغبة في البحث المتعمق حول شخصية البوطي‪.‬‬

‫‪ -‬أىمية ىذه الشخصية فرغبنا في التعمق في البحث عنيا واالستطالع عن أعماليا‬


‫ومجيوداتيا من أجل الدفاع عن الشريعة االسالمية ‪.‬‬

‫أىداف الدراسة‪:‬‬

‫من األىداف التي نروم تحقيقيا من ىذا البحث‪:‬‬

‫‪ -‬دحض بعض الشبيات و تثبيت عقيدة المسممين التي ال ينتابيا ريب وال شك‪.‬‬

‫‪-‬إظيار الدعوة التي تدعوا إلى التمسك باإلسالم ورفع قيمو العميا وابراز قوتو وعظمتو‬
‫واثبات ضعف المثل الغربية أمامو‪.‬‬

‫الدراسات السابقة ‪:‬‬

‫من أىم الدراسات السابقة التي اعتمدنا عمييا ىي‪:‬‬

‫‪-‬عثمان الحسين‪ ،‬محمد سعيد رمضان البوطي وآثاره األدبية‪.‬‬

‫‪ -‬سمير ُّروبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه‬
‫االعتقادية‪.‬‬

‫ت‬
‫مـــقدمـــــــــة‬

‫‪ -‬أندلوسي محمد‪ ،‬الترجمة األدبية من العربية عند المستشرقين " المدرسة الفرنسية‬
‫نموذجا" ‪.‬‬

‫المنيج المتبع‪:‬‬

‫اتبعنا في ىذا البحث المني االستقرائي التحميمي واستفدنا أيضا من المني الوصفي‬
‫بالرجوع إلى كتب البوطي التي تتحدث عن حياتو الشخصية والعممية وعصره‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫بعد االستعانة ‪-‬باهلل تعالى‪ -‬في وضع خطة البحث التي جاءت مبنية عمى مقدمة‬
‫وفصمين وممحقين وخاتمة عمى النحو التالي‪:‬‬

‫كان الفصل األول بعنوان الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياتو ويندرج‬
‫تحتو مبحثا ن األول بعنوان عصر الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وتحتو أربعة‬
‫مطالب‬

‫المطمب األول الحالة السياسية ‪ ،‬المطمب الثاني الحالة االقتصادية ‪ ،‬المطمب الثالث‬
‫الحالة االجتماعية والدينية ‪ ،‬المطمب الرابع الحالة الثقافية ‪.‬‬

‫والمبحث الثاني كان بعنوان حياة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وتحتو أربعة‬
‫مطالب‪ ،‬المطمب األول اسمو ونسبو ‪ ،‬المطمب الثاني مولده ونشأتو ‪ ،‬المطمب الثالث‬
‫المسار العممي )شيوخو وتالميذه(‪ ،‬المطمب الرابع وفاتو وآثاره‪.‬‬

‫أما في الفصل الثاني بعنوان ماىية االستشراق ومدارسو وأىم أعالميا وموقف اإلمام‬
‫البوطي منيا تحتو مبحثان ‪ ،‬المبحث األول بعنوان ظاىرة االستشراق ومدارسو ‪،‬‬
‫المطمب األول مفيوم االستشراق) لغة واصطالحا( ‪،‬المطمب الثاني نشأة االستشراق‪،‬‬
‫المطمب الثالث مدارس االستشراق وأىم أعالميا ‪ ،‬المطمب الرابع أىداف االستشراق‬
‫ودوافعو‪.‬‬

‫ث‬
‫مـــقدمـــــــــة‬

‫والمبحث الثاني كان بعنوان موقف اإلمام البوطي من المستشرقين ‪ ،‬تحتو ثالثة مطالب‬
‫‪ ،‬المطمب األول بعنوان نموذج عن طعون المستشرقين في القرآن الكريم ورد الشيخ‬
‫البوطي عنيم ‪ ،‬المطمب الثاني نموذج عن طعون المستشرقين في السيرة النبوية ورد‬
‫الشيخ البوطي عنيم‪ ،‬المطمب الثالث نموذج عن طعون المستشرقين في العقيدة‬
‫اإلسالمية ورد الشيخ البوطي عنيم ‪،‬أما في المالحق فتحدثنا في األول عن موقف‬
‫الشيخ البوطي من العممانيين ورد البوطي عمييم ‪ ،‬والممحق الثاني أدرجنا فيو بعض‬
‫الصور لمشيخ البوطي وأىم المستشرقين ‪ ،‬وفي الخاتمة استخمصنا أىم النتائ واقترحنا‬
‫بعض التوصيات ‪.‬‬

‫أىم الصعوبات‪:‬‬

‫من الصعوبات التي واجيتنا‪:‬‬

‫‪-‬توظيف المصطمحات العممية والمغوية والتعبيرية والنحوية والفكرية التي يستقي‬


‫المطمع عمييا‪ ،‬إذ ليس من الممكن بحال أن يم صاحب البحث بحثو بكل سيولة إذ‬
‫البد عميو أن يكون لو رصيد ذاتي يستطيع التعبير بو‪.‬‬

‫‪ -‬تنوع األساليب التي اتخذىا الشيخ حيث صعب عمينا أن نحدد أسموب معين لدحض‬
‫الشبيات في ميدىا وفي أقرب وقت قبل انتشارىا والقائمة عمى الدليل النقمي والعقمي‪.‬‬

‫ج‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلمام الشيخ محمد سعيد‬
‫رمضان البوطي عصره وحياته‬
‫المبحث األول‪ :‬عصر الشيخ محمد سعيد رمضان‬
‫البوطي‬
‫المطلب األول‪ :‬الحـــــــــــالة الســـــــياسيــــــــــــــــــة‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحـــــــــــــالة االقتــــــــصاديــــــــــــــة‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الحـــــــــــــالة االجتماعيــــــة والدينــــية‬
‫المطلب الرابع‪ :‬الحــــــــــــــالة الثقــــــافيـــــــــــــــــــــة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حياة الشيخ محمد سعيد رمضن البوطي‬


‫المطلب األول‪ :‬اسمـــــــــــــــــه ونسبـــــــــــــــــــــه‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مــــــــــــولـــــده ونشـــــــــــأتـــــــه‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المســـــار العلمي ( شيوخه وتالميذه)‬
‫المطلب الرابع‪ :‬وفـــــــــاته وآثــــــــــاره( مؤلفاته‪ ،‬لقاءاته التلفزيونية ‪ ،‬خطبه)‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫الفصل األول‪ :‬اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياتو‪.‬‬

‫تمييد‬

‫جعيات‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي من عمماء سوريا المشيورين‪ ،‬ومن المر ّ‬ ‫ُيعتَ ُبر ال ّشيخ ّ‬
‫ينية الميمة عمى مستوى العالم اإلسالمي ‪ ،‬ح ِ‬
‫ض َي باحترام العديد من كبار العمماء‬ ‫الد ّ‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫اإلسالميين‪ ،‬ويعتبر ممن يمثمون التوجو المحافظ عمى مذاىب أىل السنة األربعة وعقيدة أىل‬
‫السنة من األشاعرة ‪.‬‬

‫كما ترك الشيخ البوطي أزيد من ستين مؤلفا في العموم الشرعية واآلداب والتصوف‬
‫والفمسفة واالجتماع ومشكالت الحضارة ‪.‬‬

‫أصبحت مكانة الشيخ البوطي في فترة أحداث سوريا مثا ار لمجدل والخالف بسبب موقفو‬
‫تجاه األحداث التي وقعت بسوريا‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول ‪ :‬عصر الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي‬


‫تمييد‬

‫طالعنا عمى المصادر التي تدرس العصر الذي عاش فيو ال ّشيخ محمد سعيد رمضان‬ ‫بعد ا ّ‬
‫الدينية‬
‫وتمعننا في خضم المراحل السياسية و االقتصادية و الثّقافية واالجتماعية و ّ‬
‫ّ‬ ‫البوطي‬
‫طات التي سنقوم بعرضيا في‬
‫أىم المح ّ‬
‫التي عاشيا فضيمة الشيخ‪ ،‬حاولنا التّوقف عند ّ‬
‫مطالب ىذا البحث‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬الحالة السياسية‬

‫شيدت سورية في الفترة التي عاش فييا ال ّشيخ البوطي تنقالت سياسية وتقمبات قيادية كثيرة‪،‬‬
‫يمكن أن نقسميا إلى ثالث مراحل‪:‬‬

‫المرحمة األولى ‪ :‬قامت الثورة السورية الكبرى بقيادة الزعيم سمطان باشا األطرش‬
‫عام‪ 5291‬م وابتدأت من جبل العرب وانتشرت في جميع أنحاء سورية‪ ،‬قُتل فييا أكثر من‬
‫فوضع‬
‫‪ 5111‬فرنسي مما دفع فرنسا إلى قبول المفاوضات مع الزعماء الوطنيين السوريين ‪ُ ،‬‬
‫دستور لمبالد ولكن سرعان ما اصطدمت بنوده بمصالح الفرنسيين ثم أُعمن عن انتخابات‬
‫عام ‪ 5295‬م‪.‬‬

‫فتم األمر وانتخب ىاشم األتاسي‪ 1‬رئيسًا لمجميورية السورية‪ ،‬ثم تم تعيين تاج الدين‬
‫الحسني‪ 2‬رئيسًا بعده ‪،‬ثم ُعين شكري القوتمي‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫ىاشم األتاسي‪ ) 5291- 5781( :‬سياسي سوري ‪ ،‬ابن مفتي حمص ‪ ،‬ولد وتمفى عمومو االبتدائية فييا والثانوية في‬
‫المكتب الممكي باآلستانة ‪ ،‬عين مأمو ار بمعية والي بيروت عام ‪ ،5721‬ثم قائم مقام عام‪،5728‬انظر(الموسوعة السياسية‬
‫لعبد الوىاب الكيالي‪ ،‬ج ‪) 7‬ص‪.97‬‬
‫‪2‬‬
‫تاج الدين الحسني‪ :‬تاج الدين الحسني ‪ :‬ىو محمد بن محمد ‪(،5999‬انظر قاموس االعالم لمزركمي ‪ ،‬ج‪ )9‬ص‪.79‬‬
‫‪3‬‬
‫شكري القوتمي‪5978-5917( :‬ه=‪5298- 5725‬م) شكري بن محمود بن عبد الغني القوتمي ‪ :‬أول زعيم وطني تولى‬
‫رئاسة الجميورية السورية‪ ،‬دمشقي المولد واألسرة ‪ ،‬انظر(قاموس األعالم لخير الدين الزركمي ‪ ،‬ج ‪ )9‬ص‪.589‬‬

‫‪3‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫‪1‬‬
‫ونالت سورية استقالليا في ‪ 58‬نيسان عام ‪ 5219‬م فاعتبر ىذا اليوم عيدًا وطنيًا ليا‬

‫المرحمة الثانية ‪ :‬وتمتد من عام ‪5211‬م حتى عام ‪ 5285‬م وىذه المرحمة كان فييا الغميان‬
‫عمى أشده ذلك ألن سورية بدأت لمتو بتشكيل دولتيا ودستورىا ‪ ،‬فتعاقبت الحكومات وكثُرت‬
‫االنقالبات حتى استقر األمر عمى شكري القوتمي رئيساً لسورية‪ ،‬وأبرمت اتفاقية الوحدة بين‬
‫‪2‬‬
‫سورية ومصر عام ‪ 5217‬م باسم ميثاق الجميورية المتحدة من قبل جمال عبد الناصر‬

‫وشكري القوتمي‪ ،‬واعتُبر عبد الناصر ىو الرئيس ليذه الجميورية‪ ،‬فأُلغيت الو ازرات اإلقميمية‬
‫لصالح و ازرة البرلمان في القاىرة ‪،‬ثم انتيت الوحدة بانقالب عسكري ‪5299‬م وأعمنت‬
‫‪3‬‬
‫الجميورية العربية السورية‪ ،‬وتصدر األحداث حزب البعث العربي االشتراكي‬

‫المرحمة الثالثة‪ :‬وتبدأ مع بداية السبعينات من القرن الماضي استمم قيادة سورية حافظ االسد‬
‫الذي بقي رئيساً‪ ،‬حتى عام‪ 9111‬م حيث وافتو المنية واتسمت تمك الحقبة باليدوء واألمان‬
‫واالستقرار باستثناء حادثة اإلخوان المسممين التي كانت بين ‪ 5282‬م و‪5271‬م حيث ثارت‬
‫جماعة اإلخوان بالسالح فأخمدىا حافظ األسد بالنار والقتل والتقتيل والسجون ومجزرة حماة‬
‫ىي المعممة الكبرى لذلك ‪.‬‬

‫وبعد عام ‪ 9111‬آلت القيادة في سورية إلى ابنو بشار حافظ األسد التي تميزت بالضعف‬
‫والترّىل ويمكن أن نرى بوضوح ذلك من خالل نقاط ثالث ‪:‬‬

‫‪ -5‬انسحاب القوات السورية من لبنان بعد أن كانت حصا ًار إلسرائيل فييا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-9‬انتشار البطالة والفقر بين األوساط االجتماعية‪.‬‬

‫عثمان الحسين‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية ‪،)2015(،‬ص‪.12‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫جمال عبد الناصر‪ )5281-5257=5921-5999( :‬جمال عبد الناصر بن حسين بن خميل بن سمطان عبد الناصر ‪:‬‬
‫ثائر عسكري وتولى رئاسة الوزراء ‪ ،‬وأذيع أن نجيب يريد إبعاد الجيش عن الحكم واعادتو إلى المدنيين‪ ،‬فحجزه جمال في‬
‫بيتو وتسمم الزمام (‪ )5211‬وانتخب رئيسا لمجميورية(‪)19‬وفي أيامو خرج آخر جندي بريطاني من األرض المصرية (‪)19‬‬
‫فأمم شركة قناة السويس ‪ ،‬وحول مصر إلى النظام االشتراكي (‪ )5295‬و أعمنت الوحدة المصرية السورية(‪،)17‬انظر(‬
‫قاموس االعالم لخير الدين الزركمي‪ ،‬ج ‪) 9‬ص ‪.591‬‬

‫‪3‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية‪(،‬مرجع سابق) ص ‪12‬‬

‫‪4‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫الصراع من أجل التغيير وسورية اآلن ساحة‬


‫‪ -‬قيام الثورة السورية والتي ماتزال مستمرة في ّ‬
‫‪2‬‬
‫لصراع ثالثة أطراف ‪ :‬النظام السوري‪ ،‬والمعارضة السورية‪ ،‬وتنظيم داعش‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية‪(،‬المرجع نفسو) ص ‪.01‬‬
‫‪2‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪.51‬‬

‫‪5‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المطمب الثالث ‪ :‬الحالة االقتصادية‬

‫اتفق المؤرخون عمى أن سورية ابتميت بالتبعية االقتصادية لفرنسا مما جعل ىذه الفترة‬
‫االنتدابية الفرنسية عمى سورية كانت كارثة اقتصادية ‪ ،‬ومما يفسر ذلك تعمق الرباط‬
‫االستعماري لسورية وجعميا جزءا من االقتصاد الفرنسي‪ ،‬والسبب الذي جعل االستعمار‬
‫يفرض أجواء نقدية لمصمحة رجال االعمال في فرنسا ىو سيطرة بنك "سوريا ولبنان " عمى‬
‫نقد البالد ‪,‬فطغت بذلك البضائع الفرنسية عمى أسواق سورية‪ ،‬وقد فرض االستعمار عمى‬
‫تخصص منتجات تحتاجيا مصانع‬
‫ّ‬ ‫القطاعات السورية المنتجة ـ خاصة جانب الزراعة‪ ،‬أن‬
‫‪1‬‬
‫فرنسا‪ ،‬كالقطن‪ ،‬والتبغ‪ ،‬والحرير‪ ،‬والحبوب ‪.‬‬

‫ويعني ىذا أن فرنسا لم تبن بنية تحتية حديثة كما كانت متوقعا بموجب االنتداب ‪,‬وخربت‬
‫ىامة تشكل‬
‫دورة سورية الطبيعية التي تكونت عبر قرون‪ ،‬وأضعفت مدنيا كمراكز إقميمية ّ‬
‫‪2‬‬
‫مركز تواصل لعالقات تجارية بين مناطقيا والدول األخرى‬

‫‪.1‬والدة الدولة الوطنية‪:‬‬

‫في حين كانت سورية تبني قدراتيا الوطنية وتسعى لالنتداب الفرنسي ولنيل االستقالل‪ ،‬لم‬
‫يغب عن أنظار زعمائيا ما يجري في فمسطين حيث اختمف نمط االنتداب البريطاني جذريا‬
‫عن مثيمو الفرنسي‪ ،‬فالشعب الفمسطيني وقيادتو قد أقمقتو سياسة االنتداب البريطاني‪ ،‬ألنيا‬
‫كانت تتحرك ضد مصالح الفمسطينيين ما يفيد االستيطان الييودي وميميشات الحركة‬
‫الصييونية ‪ ،‬فالوضع الذي كان يعيشو الفمسطينيون في أواسط الثالثينيات‪ ،‬وقد بين ىذا‬
‫الوضع أن بالدىم عمى وشك أن تضيع من أيدييم ‪,‬فانطمقوا في عام ‪ 5299‬م في ثورة ضد‬
‫مس السوريين في الصميم ‪,‬في الفترة التي لم تكن فييا‬ ‫االحتالل البريطاني‪ ،‬فيذا الوضع ّ‬
‫‪3‬‬
‫فكرة المواطنة السورية مقتصرة عمى حدود سورية االنتدابية‬

‫‪1‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق) ص‪.92‬‬
‫‪2‬‬
‫كمال ديب‪ ،‬تاريخ سوريا المعاصر من االنتداب الفرنسي إلى صيف ‪(، 9155‬بيروت لبنان‪ ،‬دار النيار لمنشر‪،‬ط‪، 5‬‬
‫تشرين األول ‪9155‬م و ط‪ 9‬نيسان ‪9159‬م) ص ص ‪. 98 - 99‬‬
‫‪3‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق) ص ‪.92‬‬

‫‪6‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫فمشاعر السوريين اتجاه فمسطين قائمة عمى أن فمسطين ىي جزء من الوطن الذي يتعرض‬
‫اغتصاب منظم ومرتب عمى أيدي اإلنكميز والحركة الصييونية‪ ،‬فالسوريون أصبحوا يعتبرون‬
‫أن مطالبة الفمسطينيين بالحرية واالستقالل ىو جزء من الثورة السورية عامة ضد االستعمار‪،‬‬
‫أما لبنان فقد قامت بإضراب عام وتظاىرات شعبية حاولت فرنسا قمعيا بالقوة‪ ،‬إال ّأنيا‬
‫الضغط األمريكي والتيديد البريطاني فحصل لبنان بعد ذلك‬
‫استسممت في النياية إلى ّ‬
‫أدى ىذا إلى تشجيع سورية بتعديل‬‫عمى استقاللو يوم ‪ 99‬تشرين الثاني‪"5219‬م‪ ،‬مما ّ‬
‫برلمانيا (الدستور)في االتجاه المبناني نفسو‪ ،‬ووافقت فرنسا عمى مطالب البمدين وعمى‬
‫انسحاب الجيش الفرنسي من البالد وتسميم المصالح واإلدارات العامة لمحكومة الوطنية فيما‬
‫‪1‬‬
‫كل من السعودية والعراق ومصر بسورية ولبنان ‪.‬‬
‫بعد سرعان ما اعترفت ّ‬

‫وفي األشير التالية اعترف كل من االتحاد السوفيتي والواليات المتحدة باستقالليما (سورية‬
‫ولبنان)‪ ،‬وقد شارك البمدان بعد إعالن الحرب عمى المانيا سنة ‪5211‬م في اجتماعات‬
‫الدول‬
‫أدى ىذا إلى والدة جامعة ّ‬
‫تحضيرية لتأسيس منظمة مشابية تجمع الدول العربية‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫العربية في آذار‪5211‬م‪.‬‬

‫‪.2‬االقتصاد بعد االستقالل ‪:‬‬

‫الصراع العربي والدولي ىدد سوريا عمى استقاللو وسيادتو عمى أرضيا‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫كان اقتصادىا في األربعينات يعاني من التدىور بسبب التضخم الناجم عن الحرب العالمية‬
‫الرواتب‪ ،‬مما أفقر ىذا الوضع‬
‫أدى إلى ارتفاع األسعار وعدم زيادة األجور و ّ‬
‫الثانية‪ ،‬مما ّ‬
‫ار فادحة بمستويات المعيشة‪ ،‬وانتشار أغنياء‬
‫شرائح كبرى من المجتمع السوري‪ ،‬وألحق أضرًا‬
‫‪3‬‬
‫الحرب‪ ،‬و ّشجع التيريب والمضاربات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق) ص ‪92‬‬
‫‪2‬‬
‫كمال ديب‪ ،‬تاريخ سوريا المعاصر من انتداب الفرنسي إلى صيف ‪9155‬م (مرجع سابق)‬
‫‪3‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق)ص ‪. 91‬‬

‫‪7‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن العوامل التي ساعدت سورية عمى الخروج من أزمتيا نذكر ‪:‬‬

‫‪)5‬االستناد الى بدائل محمية بسبب توقف استيراد البضائع في الحرب ما عزز الصناعة‬
‫والزراعة الوطنية ‪.‬‬

‫‪)9‬إنفاق جيوش المرابطة في سوريا المال عمى البضائع والخدمات لتمويل عساكرىا‪.‬‬

‫‪)9‬البنية التحتية التي أقامتيا جيوش الحمفاء واالستثمار في المنشآت؛ لخدمة مجيودىا‬
‫‪1‬‬
‫الحربي ‪.‬‬

‫السوري عمى اقتصاد‬


‫وبسبب ىيمنة الدول الغربية عمى اقتصاد لبنان فُصل االقتصاد ّ‬
‫‪2‬‬
‫لبنان‪ ،‬وذلك من خالل إنياء الوحدة الجمركية بين البمدين‬

‫‪1‬‬
‫كمال ديب‪ ،‬تاريخ سوريا المعاصر من االنتداب الفرنسي إلى صيف ‪(، 9155‬مرجع سابق ) ص ‪.517‬‬
‫‪2‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق)ص ‪91‬‬

‫‪8‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المطمب الثالث‪ :‬الحالة االجتماعية والدينية‪.‬‬

‫عند الحديث عن مالمح الحياة االجتماعية‪ ،‬البد أن نبين تركيبة المجتمع السوري والتعددية‬
‫التي ينقسم الييا من الناحيتين الدينية و االثنية‪ ،‬فقد بمغ عدد الجماعات المذىبية ‪ 59‬طائفة‬
‫السنة (‪ )%81‬من السكان‪ ،‬ثم العمويون من (‪%59‬الى‪ ،)%51‬ثم يمييم‬‫مثال نسبة اىل ّ‬
‫الروم األرثوذكس (‪ ،)%1‬فالدروز (‪ ،)%9‬ثم بقية الطوائف المسيحية والروم الكاثوليك‬
‫والتين وبروتستانت وسريان‪ ,‬اضافة الى اإلسماعيميين‪ ،‬في جبل السميمة الى شرق جبال‬
‫العمويين وأقمية صغيرة جدا من الشيعة واالثنا عشرية واليزيدين وعدد قميل من الييود‪ ،‬وقد‬
‫‪1‬‬
‫بمغ مجموع المسيحيين في سوريا (‪ )%59‬من السكان ‪.‬‬

‫أما عن الصعيد المغوي فإن المغة العربية كانت المغة األم لـ ‪ 21‬من السكان‪ ،‬اضافة الى‬
‫لغات اخرى تكمموا بيا كالسريانية والكردية واألرمينية والشركسية والتركمانية‪.‬‬

‫وفي تصور مجمل في القرن الـ ‪ 91‬م لمحياة االجتماعية والدينية‪ ،‬يمكن القول أن تركيبة‬
‫المجتمع السوري ال تختمف كثي ار عن المجتمعات العربية المجاورة ليا‪ ،‬إضافة إلى تنوع‬
‫األحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار‪ ،‬فالمجتمع السوري يشبو مجتمع‬
‫لبنان من ناحية تعدد طوائفو‪ ،‬كما نشأ الشيخ البوطي في بيئة فقيرة عمى أطراف مدينة‬
‫دمشق بحي اسمو ركن الدين وسكانو غالبا من األكراد المياجرين‪.‬‬

‫والده عالم جميل وفقيو شافعي كبير عمل بالتجارة لتأمين لقمة العيش ‪,‬فكان يشتري‬
‫المنشورات والكتب اإلسالمية ثم يسافر ويبيعيا لطمبة في شرق سوريا‪ ،‬ثم يعود إلى دمشق‬
‫‪2‬‬
‫باأللبان واألجبان والقمح ليبيعو ىناك‪ ،‬عموما فحياة الشيخ البوطي اتسمت بالفقر والبساطة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪.91‬‬
‫‪2‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪.91‬‬

‫‪9‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المطمب الرابع ‪ :‬الحالة الثقافية‪.‬‬

‫طالعنا عمى الحياة الثقافية و العممية في ىذا العصر ادركنا ان ىناك في منتصف‬
‫بعد ا ّ‬
‫القرن الماضي تطو ار في التعميم الجامعي كما ذكره بعض الدارسين وسر ذلك مما آلت اليو‬
‫سوريا ّابان االحتالل الفرنسي ومما قام بو المحتل من نشر االمية وسياسة التجييل مما‬
‫أودت الى ضعف كبير في كل القطاعات ‪،‬وىذا مما جعل الطبقة المثقفة من ابناء سوريا أن‬
‫تنيض حذو نيضة عممية وخاصة في التعميم الجامعي غير ان التعميم الميني والتقني عرف‬
‫تذبذبا مما جعمو يتراوح في مكانو‪ ،‬ومما زاد الطين بمة فشل النظام التعميمي لما قامت سوريا‬
‫بتعريب المناىج في اوائل االستقالل مع بقائيا عمى بيداغوجية فرنسية إلنشاء كوادر يخدم‬
‫مصالحيا السيئة‪ ،‬وليس بناء كوادر وطنية تخدم مصمحة الشعب السوري‪.‬‬

‫ومما جعل كثير من الطبقات العممية المثقفة تياجر الى بعض دول االقميم نتيجة االستبداد‬
‫السياسي الذي سمطو النظام البعثي عمى ىؤالء وكانت نتيجة ذلك ضعفا في شتى القطاعات‬
‫وعمى راسيا المنظومة االقتصادية مما أدى إلى انتشار الفوضى والفساد والمحسوبية التي‬
‫تفشت في الوسط االجتماعي‪.1‬‬

‫شرعي‪ ،‬ويقوم االسد االب باستغالل ذلك‬


‫النظام االسدي يعطي احيانا ىامشا لمتّعميم ال ّ‬
‫كان ّ‬
‫دعائيا مثل تسمية معاىد االسد لتحفيظ القرآن ‪.‬‬

‫وفي الختام فان ىذا العصر يوصف بعصر الضعف والركود في العالم االسالمي بشكل‬
‫عام‪ ،‬فمم يعد ىناك الجديد بل النقل والتقميد والركون الى ما كتب سطر السابقون‪ ،‬وىذا حال‬
‫االمة في مختمف الميادين وشتى المجاالت ‪،‬وذلك بسبب البعد عن الدين واالنجرار وراء كل‬
‫‪2‬‬
‫ناعق وصاحب ىوى وشعار براق يخفي الموت الزعاف في طياتو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪98‬‬
‫‪2‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية‪ ( ،‬مرجع سابق) ص ‪.97‬‬

‫‪01‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬حياة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي‬

‫تمييد‬

‫بعد دراستنا لمعصر الذي ّمر بو الشيخ البوطي ‪ -‬رحمو اهلل ‪ ،-‬نشرع اآلن في حياتو ولو‬
‫الحق إلى األذىان‬
‫ّ‬ ‫بصفة مختصرة وما القاه من متاعب وجيد كبير في إيصال صوت‬
‫الصادرة من أفواه الفالسفة‬
‫صدعت رأس الشيخ ّ‬ ‫الراقية‪ ،‬و إقحاما لمتّرىات التي طالما ّ‬ ‫ّ‬
‫والغربيين والعممانيين‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬اسمــــو ونسبــــــو‬

‫‪ /1‬اســــــمو ‪:‬‬

‫ىو الشيخ محمد سعيد بن رمضان بن عمر بن مراد البوطي‪ ،‬والده العالم الفقيو الداعية‬
‫بم َال‪1‬رمضان )حتى ظن الناس أن اسمو ُم َال‪ ،‬وأن رمضان‬ ‫الشيخ رمضان‪ ،‬وكان يمقب ُ‬
‫كنيتو (‪.2‬‬

‫‪ /2‬نســـــــبو ‪:‬‬

‫الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ينحدر من أصل كردي ‪ ،‬وكان والده يريد أن يسميو‬
‫محمد فضيل ‪ ،‬ولكن عندما ذىب بو إلى أحد الشيوخ وىو الشيخ سعيد؛ المشيور بمقب "شيخ‬
‫سيدا" ‪ ،‬طمب من والده ُم َال رمضان أن يكون ىذا الطفل َس ِمَيو فسماه بمحمد سعيد ‪ ،‬أما اسم‬
‫والدة الشيخ محمد سعيد فتسمى ُمنجى وىي من أقرباء والده ‪.3‬‬

‫ُم َال‪ :‬ىو لقب ديني معروف في بالد العراق والشام ‪ ،‬ومعناه القارئ لكتاب اهلل تعالى ‪،‬أنظر‪ ( ،‬ىذا والدي) ص ‪.59‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ىذا والدي ‪(،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق سوريا‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬د ط ‪ ،‬د ت )‬
‫ص ‪.59‬‬
‫‪3‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري ‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق ) ص‪.92‬‬

‫‪00‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المطمب الثاني ‪ :‬مولده ونشأتو‪.‬‬

‫ولد محمد سعيد في قرية جيمكا التابعة لجزيرة بوطان ‪ ،1‬عام ‪5292‬م من والدين صالحين‬
‫كريمين معروفين بالصالح والتقوى‪ ،‬وكان والده عالماً جميالً‪ ،‬ووليًا صالحاً ‪ ،‬وفقيياً مشيو ًار‪.‬‬

‫عاش ىذا الطفل بين أحضان والديو وكان والده شديد العناية بو ‪ ،‬يأخذه معو في نزىاتو‬
‫‪2‬‬
‫ورحالتو بين الحقول يالعبو ويداعبو‪.‬‬

‫تقبع تحت الحكم العمماني األتاتوركي الذي حارب‬ ‫عندما ولد الشيخ البوطي كانت قريتو َ‬
‫االسالم ‪ ،‬وىدم دولة الخالفة االسالمية ‪ ،‬وألغى اآلذان بالعربية ‪ ،‬وكذلك منع تالوة القرآن‬
‫في األماكن العامة ‪،‬وأجبر الرجال عمى لبس القبعة العربية ‪ ،‬والنساء عمى رفع كل من‬
‫النقاب والحجاب ‪،‬ىذه األسباب التي من أجميا كره الشيخ ُم َال رمضان البقاء في ىذه القرية‬
‫وبعد التشاور مع زوجتو قرر أن يترك ىذه القرية ويتجو إلى الشام أي دمشق‪.‬‬

‫وكانت أول قرية يصمون إلييا بعد اجتياز الحدود ىي عين ديوار ‪ ،‬وىناك كانت الوالدة‬
‫س ّجمت أسماؤىم عمى أساس أنيم مواطنون سورّيون ‪،‬‬
‫الرسمية لألسرة بأكمميا ‪ ،‬حيث ُ‬
‫وأعطوا الوثائق على هذا األساس ‪،‬وبعد أٌام أكملت األسرة طرٌقها إلى أن وصلوا إلى‬
‫دمشق‪ ،‬واستقروا فً حً األكراد‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫جزيرة بوطان ‪:‬والمعروفة اليوم باسم جزيرة ابن عمر ‪ ،‬تمك التي تقع عمى شاطئ دجمة ‪ ،‬وتمتد في اتساع شاسع بين‬
‫اليضاب والتالل الخضر الواقعة في شمال العراق ‪ ،‬واسم ىذه الجزيرة يتألق في مقدمة بوع كردستان التي تمتاز معظميا‬
‫بقسط وافر من جمال الطبيعة وبيائيا ‪ ،‬إذ تتشعب بين ريض طبيعة بديعة ‪ ،‬وينعكس إلييا من سائر أطرافيا بريق دجمة‬
‫الذي يحف بمعظم جياتيا ‪ ،‬كما يزيد في روعتيا جباليا الشاىقة في جو السماء ‪ ،‬وتنتشر من حوليا سر الخمود وآيات‬
‫الجالل‪ ،‬انظر (رواية مموزين ‪ ،‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي) ص‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬محمد سعيد رمضان وآراؤه األدبية ‪(،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪3‬سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق) ص ‪. 11‬‬

‫‪02‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثالث ‪:‬المسار العلمي‪.‬‬


‫نشأ الشٌخ البوطً فً بٌت علم وصالح ‪،‬فأبوه ال ُمالَّ عالم ٌشار الٌه بالبنان ‪،‬مشهور‬
‫‪1‬‬
‫بالصالح و الوالٌة بٌن علماء الشام ‪.‬‬
‫توفٌت والدته وله من العمر ثالثة عشر عاما‪ .‬فتزوج والده من زوجة أخرى‪ ،‬من أسرة‬
‫‪2.‬‬
‫تركٌة فاضلة‪ ،‬فكانت سببا فً إلمامه باللغة التركٌة باإلضافة إلى اللغة الكردٌة والعربٌة‪.‬‬
‫وقد نال محمد سعٌد العناٌة الكبرى من والده علما وتربٌة‪ 3‬فٌقول محمد سعٌد فً كتاب‬
‫هذا والدي ‪:‬‬
‫(أما أنا وقد كنت االبن الوحٌد ‪،‬فقد عهد بً وأنا فً السادسة من عمري إلى امرأة فاضلة ‪،‬‬
‫كانت تعلم األطفال قراءة القران‪ ،‬وأوصاها بً ‪ ...‬فكانت َتعْ َتنً وتهتم بً فً تلقٌنً القران‬
‫وتلقٌه منها على الوجه السلٌم‪ ،‬وقد علمت فٌما بعد أننً ختمت تالوة القران عندها خالل ‪6‬‬
‫أشهر ‪ ...‬ثم إنه عهد بً إلى مدرسة ابتدائٌة أهلٌة خاصة ‪...‬ولم تكن تلك المدرسة ُتعْ نً إال‬
‫بتعلٌم الدٌن ومبادئ اللغة العربٌة و الرٌاضٌات ‪)...‬‬
‫وكان أبً هو معلمً األوحد بعد ذلك ‪...‬علمنً أوال مبادئ العقٌدة اإلسالمٌة‪ ،‬ثم علمنً‬
‫موجزا من سٌرة سٌدنا رسول هللا ‪ -‬صلى هللا علٌه وسلم‪ -‬من خالل رسالة (ذخٌرة اللبٌب‬
‫فً سٌرة الحبٌب ) ‪...‬ثم أخذ ٌعلمنً مبادئ علوم اآللة من نحو وصرف ‪...‬ثم حفظت ألفٌة‬
‫ابن مالك فً النحو ‪...‬فاذكر أننً حفظت األلفٌة كلها خالل أقل من عام‪ ،‬ولم أكن قد ناهزت‬
‫‪4‬‬
‫البلوغ بعد ‪.‬‬
‫ثم حفظت نظم الغاٌة والتقرٌب للعمرٌطً فً الشافعٌة ‪0211‬بٌت من الشعر‪ ،‬وبعد‬
‫انقضاء المرحلة االبتدائٌة التحق بالجامع (منجك ) عند الشٌخ حسن حبنكة المٌدانً وكان‬
‫‪5‬‬
‫نظام المعهد داخلً اي ٌبقى فٌه طوال االسبوع ثم ٌعود ٌوما منه الى بٌته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬محمد سعيد رمضان البوطي وآثاره األدبية‪( ،‬مرجع سابق) ص‪. 55‬‬
‫‪2‬‬
‫موقع نسيم الشام‪ ،‬نبذة عن حياة العالمة اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي‪( ،‬مرجع سابق)‪ 18:11‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬محمد سعيد رمضان البوطي وآثاره األدبية‪( ،‬مرجع سابق) ص‪.55‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ىذا والدي القصة الكاممة لحياة الشيخ مال رمضان البوطي من والدتو إلى وفاتو‪( ،‬بيروت ‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬د‪ -‬ط‪ ،‬د‪ -‬ت) ص ص ‪.18 ،19‬‬
‫‪5‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬محمد سعيد رمضان البوطي وآثاره األدبية‪( ،‬مرجع سابق) ص ص‪.55،59‬‬

‫‪03‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫وٌتحدث الشٌخ عن هذه المرحلة بالقول‪ .. ( :‬أقبل إلً ذات ٌوم قبل أن ٌمضً بً‬
‫َ‬
‫أصغ َر تلمٌذ إلى شٌوخ معهد التوجٌه اإلسالمً‪ٌ ،‬نصحنً وٌحدثنً عن آماله التً‬ ‫فٌسلمنً‬
‫ٌعلقها علً ‪ ..‬وقال لً فٌما قال ‪:‬أعلم ٌا بنً أننً لو عرفت أن الطرٌق الموصل إلى هللا‬
‫ٌكمن فً كسح القمامة من الطرق‪ ،‬لجعلت منك زباال‪ ،‬ولكنً نظرت فوجدت أن الطرٌق‬
‫الموصل إلى هللا هو العلم به وبدٌنه‪ ،‬فمن أجل ذلك قررت أن أسلك بك هذا الطرٌق‪ .‬ثم شدد‬
‫علً وأكد كثٌرا‪ ،‬أن ال أجعل قصدي من دراسة هذا العلم أي شهادة أو وظٌفة ‪ ..‬بعد أٌام‬
‫مضى بً إلى دار الشٌخ حسن حبنكة رحمه هللا‪ ،‬وتركنً أمانة بٌن ٌدٌه وفً معهده‪،‬‬
‫ومضى عائدا إلى شأنه‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الٌوم انقطعت عن الدار‪ ،‬وأصبحت طالبا داخلٌا فً معهد التوجٌه اإلسالمً‪،‬‬
‫وكنت أتردد على الدار لرؤٌة والدي أٌام الثالثاء فقط من كل أسبوع‪ ،‬أبقى عنده بٌاض ذلك‬
‫‪.‬النهار‪ ،‬حتى إذا أقبل المساء استأذنته عائدا على منجك‪.‬‬
‫كنت أشترك مع الطلبة الكبار فً الجلوس إلى دروسهم التً ٌتلقونها من الشٌخ دون أن‬
‫‪1‬‬
‫أعً منهم إال النزر القلٌل‪ ،‬ولكنً تبٌنت بعد ذلك أن حضوري كان مفٌدا‪...‬‬
‫وكان ورده الٌومً عشرة أ جزاء من القران الكرٌم فكان ٌستحضر اآلٌات ومواقعها ‪ ،‬وفً‬
‫عام ‪0953‬م اتم دراسته فً معهد التوجٌه االسالمً الذي تحول بعد ذلك الى معهد نظامً‬
‫شرعً رسمً‪.‬‬
‫وأنهى دراسته فً الثانوٌة فً دمشق‪ ،‬ثم التحق بكلٌة الشرٌعة فً األزهر وحصل على‬
‫إجازتها عام ‪0955‬م‪ ،‬ثم حصل على دبلوم التربٌة من كلٌة اللغة العربٌة فً األزهر عام‬
‫‪0956‬م ‪ ،‬واخذ عام ‪0960‬م من جامعة دمشق إلى جامعة األزهر للحصول على األستاذٌة‬
‫فً الفقه وأصوله ‪،‬ثم حصل عام ‪0965‬م على الدكتوراه فً الفقه وأصوله من الجامعة‬
‫المذكورة ‪ ،‬ثم عٌن مدرسا فً كلٌة الشرٌعة عام ‪0965‬م ثم وكٌال فعمٌدا لها ‪،‬وشغل وظٌفة‬
‫‪2‬‬
‫رئٌس قسم العقائد واالدٌان فً جامعة دمشق ‪.‬‬

‫‪ 1‬موقع نسيم الشام‪ ،‬نبذة عن حياة العالمة االمام محمد سعيد رمضان البوطي ( مرجع سابق)‪ 8:59‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬العناية بالعبادات أساس البد منو لتثبيت المجتمع اإلسالمي‪ (،‬الكويت‪ ،‬و ازرةاإلمام مطبعة‬
‫حكومة الكويت‪ ،‬د‪ -‬ط‪ ،‬د ‪ -‬ت) ص‪.12‬‬

‫‪04‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫ثم اشترك فً عشرات المؤتمرات العالمٌة فً البالد العربٌة واالسالمٌة وغٌرها ‪ ،‬ثم‬
‫‪1‬‬
‫عضو فً المجمع الملكً لبحوث الحضارة االسالمٌة فً االردن ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬شيوخه‪.‬‬
‫مر الشٌخ البوطً فً مسٌرته العلمٌة على شٌوخ مثله مثل العلماء وقد وقفنا من خالل ما‬
‫درسناه فً مسٌرته العلمٌة على أسماء الشٌوخ الذٌن درسوه وهم ‪:‬‬
‫اوال‪ :‬اولده مال رمضان البوطً‪.‬‬
‫ثانٌا‪ :‬امرأة علمته القران لم ٌذكر اسمها فً المصادر والمراجع التً تطرقنا لها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حسن حبنكة المٌدانً‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬باإلضافة إلى زوجة أبٌه التً كانت سببا فً إلمامه باللغة التركٌة والكردٌة والعربٌة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تالميذه‪.‬‬
‫وبعد جهد كبٌر قمنا به فً البحث عن تالمٌذ لإلمام محمد سعٌد رمضان البوطً‪ ،‬توصلنا‬
‫إلى أن الشٌخ قد درس فً الجامع األموي بدمشق‪ ،‬وعلٌه فإن تالمٌذه ٌعدون باآلالف ‪.‬‬
‫كما تمكن أن ٌضاف إلى تالمٌذه أولئك الذٌن كانوا ٌواظبون على حضور دروسه‬
‫ومداخالته وخطبه فً كل األماكن والبدان التً زارها‪.‬‬
‫فلم ٌكن تالمٌذه من أقام بدمشق فقط‪ ،‬وهو ما تأكده رحالت البوطً ومساهمته المختلفة مثال‬
‫ذلك مساهمته ومشاركته فً الملتقٌات الفكر اإلسالمً التً كانت تعقد فً الجزائر ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد سعٌد رمضان البوطً‪ ،‬العناٌة بالعبادات أساس البد منه لتثبٌت المجتمع اإلسالمً‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪.19‬‬

‫‪05‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫المطمب الرابع ‪ :‬وفاتو و آثــــاره )مؤلفاتو وأحاديثو ولقاءاتو و ِخطَ ُبو)‬

‫‪/1‬وفاتو‪:‬‬

‫في تاريخ ‪ 95‬آذار الذي يوافق اليوم األول من فصل الربيع من عام ‪9159‬م الموافق لِـ‪2‬‬
‫مساءا وبينما كان الدكتور عمى كرسي التدريس في‬
‫ً‬ ‫جمادى األول ‪5191‬ه‪ ،‬يوم الخميس‬
‫جامع اإليمان كعادتو من كل أسبوع بنشر النور والخير ويمأل أفئدة الحضور والمستمعين‬
‫إيمانًا وحبًا وتعمقا باهلل تعالى ويفيض عمى عقوليم عمومًا و فيومًا امتدت يد الغدر الفاجرة‬
‫اآلثمة بانفجار حصل في المسجد وتوفي عمى إثرىا مباشرة متأثرة بجراحو النازفة من قمبو‬
‫الذي لطالما نبض حبًا وشفقة ورأفة عمى عباد اهلل‪ ،‬فقد رحل ىذا الطود الشامخ ونزل‬
‫الفارس المقدام عن صيوة جواده‪ ،‬وآذنت شمسو بالمغيب‪ ،‬بل غابت ًّ‬
‫حقا عن عمر يناىز‬
‫الرابع والثمانين‪.‬‬

‫أحب بقاع األرض إلى اهلل وعينو تنظر الى كالم اهلل و يده‬
‫طاىر من ّ‬ ‫ٌ‬ ‫غادر وىو متوضئ‬
‫عمى كالم اهلل ولسانو يبمغ عن اهلل عمى ىذه الحال رحل إلى اهلل ‪.‬‬

‫الصالحين البساً لباس‬


‫ارتفع ذلك الكوكب ممتحقاً بأسالفو وأحبابو من الربانيين واألولياء و ّ‬
‫الشيداء المخمصين‪ ،‬وعادت تمك الروح إلى فمكيا النوراني التي طالما حممت بو وتغنت‬
‫بربوعو واشتاقت إلى ضيائو‪ ،‬غادر مخمفاً إرثاً عظيماً من العمم واليداية والذرية الطيبة‬
‫والتالميذ المحبين والمخمصين‪ ،‬دفن ذلك الجسد الطاىر في دمشق مجاو ًار الشييد صالح‬
‫الدين االيوبي بالقرب من الجامع األموي الشيير‪ ،‬عميو من اهلل سحائب الرضوان وفيوض‬
‫الرحمات و ىوامع البركات إلى يوم الدين ‪.‬آمين‬

‫فنوحيا يبكيني‬
‫دمشق ُ‬
‫َ‬ ‫وسموا‬ ‫السعيد فيال طول أنيني‬
‫ُ‬ ‫حل‬
‫ر َ‬

‫البركات ركن الدين‬


‫ُ‬ ‫الخير و‬
‫و ُ‬ ‫نوره‬
‫أشرق ُ‬
‫َ‬ ‫يا عالم ـاً بالش ـ ـ ـام‬
‫‪1‬‬
‫تمشي ونمشي خمفكم بيقين‬ ‫لت فينا حاض ار‬
‫يا شيخنا ماز َ‬

‫‪1‬‬
‫عثمان الحسين ‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية ‪( ،‬مرجع سابق) ص‪.99‬‬

‫‪06‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫كما كان لمشيخ البوطي‪-‬رحمو اهلل‪ -‬إنتاج عممي كبير ومتنوع من الكتابات التي تتناول‬
‫الدينية مع‬
‫شتى العموم اإلسالمية‪ ،‬وال سيما الفقو وأصولو والعقيدة‪ ،‬وكذلك المناقشات الفكرية و ّ‬
‫المخالفين في المنيج أو التوجو إضافة إلى المواعظ الرقيقة والنفحات األدبية واألخالقية‬
‫والروحية‪ ،‬وىو في ىذا كّمو يتمتع بصياغة رشيقة ‪ ،‬يمكن تقسيم ما كتبو إلى نوعين آثار‬
‫مكتوبة وىي مؤلفاتو وآثار شفوية وىي دروسو ولقاءاتو وحواراتو ‪.‬‬

‫‪ /2‬مؤلفاتو ‪:‬‬

‫لقد ترك الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أزيد من ستين مؤلفا منيا ‪:‬‬

‫أ‪ /‬دراسات في الشريعة ‪:‬وأىم مؤلفاتو فييا ‪ - :‬ضوابط المصمحة في الشريعة االسالمية –‬
‫مباحث الكتاب والسنة – قضايا فقيية معاصرة – الجياد في االسالم كيف نفيمو وكيف‬
‫نمارسو‪ -‬محاضرات في الفقو المقارن – المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع‬
‫االسالمي – المذاىب االقتصادية بين الشيوعية واإلسالم – مسائل تحديد النسل وقاية‬
‫‪1‬‬
‫وعالجا‪.‬‬

‫ب‪ /‬دراسات حول القرآن‪ :‬وأىم مؤلفاتو ‪- :‬من روائع القرآن – ال يأتيو الباطل – منيج‬
‫الحضارة اإلنسانية في القرآن –منيج تربوي فريد في القرآن ‪.‬‬

‫جـ‪/‬دراسات في العقيدة والفكر ‪:‬وأىميا ‪ - :‬كبرى اليقينيات الكونية الدالة عمى ( وجود‬
‫الدين‬
‫مخير – مدخل إلى فيم الجذور – ّ‬ ‫مسير أم ّ‬
‫الخالق ووظيفة المخموق) – اإلنسان ّ‬
‫سيد القدر في حياة اإلنسان ‪-‬العقيدة‬
‫والفمسفة – اإلنسان وعدالة اهلل في األرض‪ -‬من ىو ّ‬
‫زمنية مباركة ال مذىب إسالمي – نقض أوىام‬
‫السمفية مرحمة ّ‬
‫اإلسالمية والفكر المعاصر – ّ‬
‫‪2‬‬
‫الجدلية والديالكتيك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المادية‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬محمد سعٌد رمضان البوطً‪ ،‬العقوبات اإلسالمٌة وعقٌدة التناقض بٌنها وبٌن ما ٌسمى بطبٌعة العصر‪( ،‬د‪-‬ط‪ ،‬د‪-‬م‪ ،‬د‪-‬‬
‫ت) ص ص ‪.16-15‬‬
‫‪ 2‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬مجمل الشبيات التي تثار حول تطبيق الشريعة اإلسالمية في العصر الحديث ‪( ،‬د ب‪،‬‬
‫د ط ‪،‬د ت) ص‪.11‬‬

‫‪07‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫د‪ /‬دراسات في التصوف‪ :‬وأىميا ‪ - :‬الحكم العطائية شرح وتحميل – تجربة التربية‬
‫اإلسالمية في ميزان البحث العممي‪ -‬باطن اإلثم الخطر األكبر في حياة المسممين‪.‬‬

‫ىـ‪ /‬دراسات في التراجم والتاريخ‪ :‬وأىميا ‪ - :‬شخصيات استوقفتني – ىذا والدي – عائشة‬
‫أم المؤمنين‪ -‬فقو السيرة النبوية ‪.‬‬

‫و‪ /‬دراسات في الفكر االسالمي ‪:‬وأىميا ‪ - :‬اإلسالم مالذ المجتمعات – يغالطونك إذ‬
‫يقولون – ىذه مشكالتيم –ىذه مشكالتنا – منيج العودة إلى االسالم – ىكذا فمندع إلى‬
‫اإلسالم – اإلسالم ومشكالت الشباب – إلى كل فتاة تؤمن باهلل – اهلل أم االنسان أقدر عمى‬
‫رعاية حقوق اإلنسان‪-‬حرية االنسان في ظل عبوديتو هلل – حكم وحكمة – حوار حول‬
‫مشكالت حضارية – من المسؤول عن تخّمف المسممين – مشورات اجتماعية – مع الناس‬
‫مشورات وفتاوى – االسالم والعصر تحديات وآفاق لمطيب تيزيني – التغيير مفيومو وطريقو‬
‫– كممات في مناسبات – ىذا ما قمتو أمام المموك والرؤساء – البدايات باكورة أعمالي‬
‫الفكرية‪.‬‬

‫مموزين قصة حب نبت في األرض وأينع في السَماء –‬


‫ي‪ /‬دراسات في األدب ‪:‬وأىميا ‪ًّ -:‬‬
‫‪1‬‬
‫سيامند ابن األدغال – من الفكر والقمب ‪.‬‬

‫‪ِ /3‬خ َ‬
‫طبــــــُو‪:‬‬

‫طب نذكر منيا ‪:‬‬ ‫ألقى الشيخ البوطي العديد من ِ‬


‫الخ َ‬

‫تدابر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬ىل يمكن لمعدو أن َيحيل المودة إلى ُ‬
‫‪ -‬أصل أمراض المجتمع والسبيل إلى صالحو‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬اإلسالم دين السمم والسالم والحوار‪ ...‬ولكن متى وكيف ؟‬

‫‪1‬‬
‫محمد سعيد مضان ال بوطي ‪ ،‬حقوق المرأة وعقدة التناقض بينيا وبين الشريعة اإلسالمية ‪(،‬د ب‪ ،‬د ط ‪ ،‬د ت)ص‪.17‬‬
‫‪2‬‬
‫موقع نسٌم الشام‪ ،‬نبذة عن حٌاة العالمة اإلمام محمد سٌد رمضان البوطً‪ (،‬مرجع سابق)‪05:57 ،‬م‪27 ،‬فٌفري‪.2107‬‬

‫‪08‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬تخمي األمة عن مبدأ الخالفة الواحدة ‪ ...‬التاريخ يكرر نفسو‪.‬‬

‫‪ -‬أساس رقي األمم يتمثل في دعامتين‪.‬‬

‫‪ -‬وجو الشبو بين سيدنا يوسف واإلسالم‪.‬‬

‫‪ -‬محبتنا لرسول اهلل ‪ ...‬دعوى تحتاج لبرىان‪.‬‬

‫‪ -‬ىل االحتفال بذكرى المولد بدعة ؟‬

‫‪ -‬تذكير لميائسين ( إن ليذا الدين إقباالً وادبا اًر)‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫‪ -‬مياىكم تقمصت ‪ ...‬والسبب ؟‬

‫‪ /4‬لقاءاتو التمفزيونية ‪:‬‬

‫إعالميا في حمقات‪:‬‬
‫ً‬ ‫شارك الدكتور البوطي‬

‫‪ -‬ال يأتيو الباطل عمى قناة شام وقناة صانعي القرار‪.‬‬

‫‪ -‬دراسات قرآنية عمى القناة الفضائية السورية ‪.‬‬

‫‪ -‬شرح كتاب "كبرى اليقينيات الكونية" ضمن برنامج الكالم الطَّيب عمى قناة الرسالة‪.‬‬

‫‪ -‬مشاىد وعبر عمى قناة الرسالة‪.‬‬

‫‪ -‬فقو السيرة عمى قناة اق أر‪ -.‬شرح الحكم العطائّية عمى قناة صوفية‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا ىو الجياد عمى قناة أزىري‪.‬‬

‫‪ -‬الجديد في إعجاز القرآن الكريم عمى قناة اق أر‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ -‬مع البوطي في حياتو وفكره قناة شام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫موقع نسيم الشام نبذة عن حياة العالمة اإلمام الشييد محمد سعيد رمضان البوطي‪( ،‬مرجع سابق)‪51:18‬م‪98 ،‬فيفري‬
‫‪9158‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫سمير روبين عبد الحميم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي و آراؤه االعتقادية‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪.19‬‬

‫‪09‬‬
‫اإلمام محمد سعيد رمضان البوطي‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحالة االقتصادية‪.‬‬


‫اتفق المؤرخون على أن سورٌة ابتلٌت بالتبعٌة االقتصادٌة لفرنسا مما جعل هذه‬
‫الفترة االنتدابٌة الفرنسٌة على سورٌة كانت كارثة اقتصادٌة‪ ،‬ومما ٌفسر ذلك تعمق‬
‫الرباط االستعماري لسورٌة وجعلها جزءا من االقتصاد الفرنسً‪ ،‬والسبب الذي جعل‬
‫االستعمار ٌفرض أجواء نقدٌة لمصلحة رجال االعمال فً فرنسا هو سٌطرة بنك‬
‫"سورٌا ولبنان " على نقد البالد‪ ،‬فطغت بذلك البضائع الفرنسٌة على أسواق سورٌة‪،‬‬
‫وقد فرض االستعمار على القطاعات السورٌة المنتجة ـ خاصة جانب الزراعة‪ ،‬أن‬
‫‪1‬‬
‫تخصّص منتجات تحتاجها مصانع فرنسا‪ ،‬كالقطن‪ ،‬والتبغ‪ ،‬والحرٌر‪ ،‬والحبوب ‪.‬‬
‫وٌعنً هذا أن فرنسا لم تبن بنٌة تحتٌة حدٌثة كما كانت متوقعا بموجب االنتداب‪،‬‬
‫وخربت دورة سورٌة الطبٌعٌة التً تكونت عبر قرون‪ ،‬وأضعفت مدنها كمراكز إقلٌمٌة‬
‫‪2‬‬
‫هامّة تشكل مركز تواصل لعالقات تجارٌة بٌن مناطقها والدول األخرى‪.‬‬
‫‪.1‬والدة الدولة الوطنية‪:‬‬

‫فً حٌن كانت سورٌة تبنً قدراتها الوطنٌة وتسعى لالنتداب الفرنسً ولنٌل‬
‫االستقالل‪ ،‬لم ٌغب عن أنظار زعمائها ما ٌجري فً فلسطٌن حٌث اختلف نمط االنتداب‬
‫البرٌطانً جذرٌا عن مثٌله الفرنسً‪ ،‬فالشعب الفلسطٌنً وقٌادته قد أقلقته سٌاسة‬
‫االنتداب البرٌطانً‪ ،‬ألنها كانت تتحرك ضد مصالح الفلسطٌنٌٌن ما ٌفٌد االستٌطان‬
‫الٌهودي ومٌلٌشات الحركة الصهٌونٌة‪ ،‬فالوضع الذي كان ٌعٌشه الفلسطٌنٌون فً‬
‫أواسط الثالثٌنٌات‪ ،‬وقد بٌن هذا الوضع أن بالدهم على وشك أن تضٌع من أٌدٌهم‪،‬‬
‫فانطلقوا فً عام ‪ 6391‬م فً ثورة ضد االحتالل البرٌطانً‪ ،‬فهذا الوضع مسّ السورٌٌن‬
‫فً الصمٌم‪ ،‬فً الفترة التً لم تكن فٌها فكرة المواطنة السورٌة مقتصرة على حدود‬
‫‪3‬‬
‫سورٌة االنتدابٌة‪.‬‬

‫‪ 1‬سمير روبين عبد الحليم الجعبري‪ ،‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآراؤه االعتقادية (مرجع سابق) ص‪.92‬‬
‫‪ 2‬كمال دٌب‪ ،‬تارٌخ سورٌا المعاصر من االنتداب الفرنسً إلى صٌف ‪(، 1166‬بٌروت لبنان‪ ،‬دار النهار للنشر‪،‬ط‪، 6‬‬
‫تشرٌن األول ‪1166‬م و ط‪ 1‬نٌسان ‪1161‬م) ص ص ‪. 16 - 11‬‬
‫‪ 3‬سمٌر روبٌن عبد الحلٌم الجعبري‪ ،‬الشٌخ محمد سعٌد رمضان البوطً وآراؤه االعتقادٌة (مرجع سابق) ص ‪.13‬‬

‫‪6‬‬
‫االمام محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫ونالت سورٌة استقاللها فً ‪ 75‬نٌسان عام ‪ 7724‬م فاعتبر هذا الٌوم عٌدا وطنٌا لها ‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪ :‬وتمتد من عام ‪7723‬م حتى عام ‪ 7757‬م وهذه المرحلة كان فٌها الغلٌان‬
‫على أشده ذلك ألن سورٌة بدأت للتو بتشكٌل دولتها ودستورها ‪ ،‬فتعاقبت الحكومات‬
‫وكثرت االنقالبات حتى استقر األمر على شكري القوتلً رئٌسا لسورٌة‪ ،‬وأبرمت اتفاقٌة‬‫ُ‬
‫الوحدة بٌن سورٌة ومصر عام ‪ 7736‬م باسم مٌثاق الجمهورٌة المتحدة من قبل جمال عبد‬
‫‪1‬‬
‫الناصر‪.‬‬
‫وشكري القوتلً‪ ،‬واع ُتبر عبد الناصر هو الرئٌس لهذه الجمهورٌة‪ ،‬فأُلغٌت الوزارات‬
‫اإلقلٌمٌة لصالح وزارة البرلمان فً القاهرة ‪،‬ثم انتهت الوحدة بانقالب عسكري ‪ 7741‬م‬
‫‪2‬‬
‫وأعلنت الجمهورٌة العربٌة السورٌة ‪،‬وتصدر األحداث حزب البعث العربً االشتراكً‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬وتبدأ مع بداٌة السبعٌنات من القرن الماضً استلم قٌادة سورٌة حافظ االسد‬
‫الذي بقً رئٌسا‪ ،‬حتى عام‪ 0222‬م حٌث وافته المنٌة واتسمت تلك الحقبة بالهدوء واألمان‬
‫واالستقرار باستثناء حادثة اإلخوان المسلمٌن التً كانت بٌن ‪ 7757‬م و‪7762‬م حٌث ثارت‬
‫جماعة اإلخوان بالسالح فأخمدها حافظ األسد بالنار والقتل والتقتٌل والسجون ومجزرة‬
‫حماة هً المعلمة الكبرى لذلك ‪.‬‬
‫وبعد عام ‪ 0222‬آلت القٌادة فً سورٌة إلى ابنه بشار حافظ األسد التً تمٌزت بالضعف‬
‫والترهّل وٌمكن أن نرى بوضوح ذلك من خالل نقاط ثالث ‪:‬‬
‫‪ -7‬انسحاب القوات السورٌة من لبنان بعد أن كانت حصارا إلسرائٌل فٌها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-0‬انتشار البطالة والفقر بٌن األوساط االجتماعٌة‪.‬‬

‫‪ 1‬جمال عبد الناصر‪ ) 7752-7776=7172-7114( :‬جمال عبد الناصر بن حسٌن بن خلٌل بن سلطان عبد الناصر ‪:‬‬
‫ثائر عسكري وتولى رئاسة الوزراء ‪ ،‬وأذٌع أن نجٌب ٌرٌد إبعاد الجٌش عن الحكم وإعادته إلى المدنٌٌن‪ ،‬فحجزه جمال‬
‫فً بٌته وتسلم الزمام (‪ )7732‬وانتخب رئٌسا للجمهورٌة(‪)34‬وفً أٌامه خرج آخر جندي برٌطانً من األرض المصرٌة‬
‫(‪ ) 34‬فأمم شركة قناة السوٌس ‪ ،‬وحول مصر إلى النظام االشتراكً (‪ )7747‬و أعلنت الوحدة المصرٌة‬
‫السورٌة(‪،)36‬انظر( قاموس االعالم لخٌر الدٌن الزركلً‪ ،‬ج ‪) 0‬ص ‪712‬‬
‫‪2‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية‪(،‬مرجع سابق) ص ‪90‬‬
‫‪3‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية‪(،‬المرجع نفسو) ص ‪09‬‬

‫‪4‬‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬قيام الثورة السورية والتي ماتزال مستمرة في الصّراع من أجل التغيير وسورية‬
‫اآلن ساحة لصراع ثالثة أطراف ‪ :‬النظام السوري‪ ،‬والمعارضة السورية‪ ،‬وتنظيم‬
‫‪1‬‬
‫داعش‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عثمان الحسين‪ ،‬البوطي وآثاره األدبية‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪01‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬ظــــــــــاهرة االستشراق‬
‫وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬
‫المبحث األول‪ :‬االستشراق‪،‬نشأته ومدارسه وأهدافه‬
‫ودوافعه‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم االستشراق (لغة و اصطالحا )‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة االستشراق‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مدارس االستشراق وأهم أعالمها‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أهداف االستشراق ودوافعه‬

‫المبحث الثاني‪ :‬موقــــــــف اإلمــــــــام البوطي من‬


‫المستشرقين‬
‫المطلب األول‪ :‬نموذج عن طعون المستشرقين في القرآن الكريم ورد الشيخ‬
‫البوطي عليهم‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نموذج عن طعون المستشرقين في السيرة النبوية ورد الشيخ‬
‫البوطي عليهم‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نموذج عن طعون المستشرقين في العقيدة اإلسالمية ورد‬
‫الشيخ البوطي عليهم‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول ‪ :‬ماىية االستشراق ومدارسو وأىم أعالميا‪.‬‬


‫تمييد‬

‫نظرا لقوة االسالم الذاتٌة‪ ،‬ومالئمته للفطرة االنسان‪ ،‬دخلت كثٌر من الشعوب فٌه‪،‬‬
‫وبسطت الدولة اإلسالمٌة نفوذها على كثٌر من األقطار‪ ،‬مما جعل الغرب ٌفكر جدٌا فً‬
‫مواجهة هذا الدٌن بكافة الوسائل فشن حروبا على دٌار اإلسالم عرفت بالحروب الصلٌبٌة‬
‫فلما فشلوا فً الوصول الى غاٌتهم انصرفوا إلى وسٌلة أخرى‪ ،‬وهً التشكٌك فً اإلسالم‬
‫العظٌم وهذه حٌلة الضعٌف العاجز أمام القوي المنتصر‪ ،‬وذلك لٌحولوا بٌن اإلسالم وبٌن‬
‫شعوبهم‪.‬‬
‫وكان من أضخم المؤسسات التً تبنت حرب اإلعالم بهذا السبٌل التبشٌر واالستشراق‬
‫المؤسستان المكملتان فً األهداف والغاٌات والقرٌبتان فً الوسائل‪.‬‬
‫وبما ان بحثنا سٌكون على االستشراق سٌكون حدٌثنا على مفهوم االستشراق ونشاته‬
‫ومدارسه واهم اعالم كل مدرسة واهداف ودوافع االستشراق‪.‬‬

‫المطمب األول ‪ :‬مفيومو (لغة ‪ ،‬اصطالحا)‬

‫‪ /1‬االستشراق لغة ‪:‬‬

‫جاء في لساف العرب شرؽ‪ :‬شرقت الشمس تشرؽ شركقا كشرقا ‪ ،‬أم طمعت ‪ ،‬كاسـ‬
‫المكضع المشرؽ ‪ ،‬كالشرؽ‪ :‬المشرؽ كالجمع إشراؽ كالتشريؽ أخذ في ناحية المشرؽ ‪ ،‬يقاؿ‬
‫ككؿ ما طمع مف‬
‫كشرقكا بمعنى ذىبكا إلى الشرؽ أك أتكا الشرؽ ‪ٌ ،‬‬ ‫ً‬ ‫شتٌاف بيف مشر ً‬
‫كمغرب‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ؽ‬
‫‪1‬‬
‫المشرؽ فقد شرؽ ‪ ،‬كيستعمؿ في الشمس كالقمر كالنجكـ‪.‬‬

‫كجاء في القامكس المحيط الشرؽ ‪ :‬الشمس ‪ ،‬كيحرؾ كأسفارىا كحيث تشرؽ الشمس ‪...‬‬
‫ش ًرؽ‪،‬‬
‫كشرقت الشمس شرقا شركقا بمعنى طمعت كأشرقت ‪ ،‬كالشاة شرقا بمعنى شؽ أذنيا ‪ ..‬ي‬
‫كأشرؽ بمعنى دخؿ في شركؽ الشمس ‪ ...‬كالتشريؽ يعني الجماؿ ‪ ،‬كاشراؽ الكجو ‪ ،‬كاألخذ‬
‫‪2‬‬
‫في ناحية الشرؽ‪ ...‬كمنو أياـ التشريؽ بمعنى انشقت‪...‬‬

‫‪1‬‬
‫ابف منظكر ‪ ،‬لساف العرب‪(،‬بيركت ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬د‪-‬ف‪ ،‬المجمد ‪ ،10‬د‪.‬ت) ص ‪.173‬‬
‫‪2‬‬
‫مجد الديف محمد بف يعقكب الفيركز األبادم ‪ ،‬القامكس المحيط ‪(،‬بيركت لبناف ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬ط ‪1456 ،8‬ىػ‬
‫‪2005‬ـ) ص‪.897‬‬

‫‪22‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ىذا فيما يخص المعاجـ العربية القديمة التي خمت مف المفظة المراد البحث عنيا ‪ ،‬أم‬
‫االستشراؽ‪ ،‬حيث ىي غير معركفة آنذاؾ كأقرب لفظة لممعنى المراد ىي كممة "استعراب" ك"‬
‫مستعرب" كالتي تعني دخكؿ غير العرب في لغة العرب كآثارىـ كتقاليدىـ‪.‬‬

‫كتمكنيـ تمكنا متفاكتا ‪ ،‬فمفظ شرؽ ‪ :‬نقطة أك جية األفؽ التي تطمع منيا الشمس عمى‬
‫مدار السنة ‪ ،‬الشرؽ ‪ :‬البمداف أك المناطؽ الكاقعة في الشرؽ جية طمكع الشمس كتشرؽ‬
‫مستشرقا ‪ ،‬تشرؽ أكركبي‪ ،‬استشرؽ بمعنى صار مستشرقا‪ ،‬أم اىتـ بالدراسات الشرقية‬
‫"استشراؽ فرنسي"‪ ،‬كاستشراؽ ‪ :‬اتجاه الغربييف نحك االىتماـ بتراث الشرؽ كحضارتو كلغاتو‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كمستشرؽ كالجمع مستشرقكف ‪ :‬كىك أديب غربي ييتـ بدس تراث الشرؽ كحضارتو كلغاتو‬
‫لـ تعرؼ ىذه الكممة في معاجـ المغة العربية ألنيا مف العبارات المستحدثة ‪.‬‬

‫‪ /2‬االستشراق اصطالحا ‪:‬‬

‫االستشراؽ مدرسة فكرية ذات خصائص كدكافع كغايات ‪ ،‬ىي كليد صراع طكيؿ بيف‬
‫الحضارتيف اإلسالمية كالمسيحية ‪ ،‬كىي نتاج تجربة حية مف تناقض كتبايف بيف عقيدتيف‬
‫‪2‬‬
‫كثقافتيف كحضارتيف‪.‬‬

‫كما أنو عبارة عف اتجاه فكرم يعني بدراسة حضارة األمـ الشرقية كحضارة اإلسالـ‬
‫كالعرب‪ ،‬كقد كاف في بداياتو مقتص ار عمى دراسة اإلسالـ كالمغة العربية ثـ اتسع ليشمؿ‬
‫‪3‬‬
‫دراسة الشرؽ بكاممو‪ ،‬بكؿ لغاتو كتقاليده كآدابو‪.‬‬

‫أما داللة االستشراؽ عند المفكريف الغربييف فقد تعددت كتباينت آراؤىـ كنذكر مف ذلؾ ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫قكؿ تشارلز دكتي ‪:‬‬

‫‪ 1‬أندلكسي محمد ‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف –المدرسة الفرنسية نمكذجا‪( -‬كمية األدب كالمغات األجنبية‬
‫‪ ،‬قسـ المغة كاألدب العربي ‪ )2010_2009 ،‬ص ص ‪.33-32‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد فاركؽ النبياف ‪ ،‬االستشراؽ تعريفو ‪ ،‬مدارسو ‪ ،‬آثاره ‪( ،‬الرباط المممكة المغربية ‪ ،‬منشكرات المنظمة اإلسالمية‬
‫لمتربية كالعمكـ كالثقافة ‪ ،‬ايسيسكك ‪1433 ،‬ىػ‪2012/‬ـ )ص ‪.12‬‬
‫‪3‬‬
‫قحطاف حمدم محمد ‪ ،‬أدكار المستشرقيف في تشكيو معالـ السنة النبكية ‪ ( ،‬مجمة الدراسات التاريخية كالحضارية ‪ ،‬مجمة‬
‫عممية محكمة ‪ ،‬ـ ‪ ، 13‬ع ‪ ،10‬د ‪ -‬ت ‪ ،‬جامعة تكريت ) ص ‪.06‬‬
‫‪ 4‬قحطان حمدي محمد ‪ ،‬أدوار المستشرقٌن فً تشوٌه معالم النبوٌة ‪( ،‬مرجع سابق) ص ‪.33‬‬

‫‪23‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫«إن الشمس جعمتني عربيا ولكنيا ما شوىتني قط باالستشراق»‬

‫أما قامكس أكسفكرد الجديد فيحدد المستشرؽ بأنو ‪:‬‬

‫« من تبحر في لغات المشرق وآدابو وذلك ىو التفسير الذي سنعتمد عميو في حديثنا ‪،‬‬
‫وان كان يفرض عمينا أ ّال ندع لآلخرين أن يكتبوا عن ذلك الجم الغفير من ذوي الشيرة‬
‫والصيت الذين عرفوا الشرق معرفة جيدة ‪ ،‬والذين استميموا أدبا بديعا ‪ ،‬ولكنيم‬

‫خرجوا عن حد التعريف السابق فال يستطاع تسميتيم مستشرقين»‪.‬‬

‫المستشرؽ ىك الغربي الذم قدـ دراسات كبحكث عف آداب كلغات الشرؽ ‪,‬كأردؼ قامكس‬
‫اكسفكرد رافضا تسميت الفكر االسالمي ليؤالء بالمستشرقيف ألنيـ عرفكا الشرؽ ذلؾ ألنو‬
‫قامكس غربي ‪.‬‬

‫كيعرؼ جكيدم‪ 1‬عمـ االستشراؽ أنو ‪:‬‬

‫«الوسيمة لدرس كيفية النفوذ المتبادل بين الشرق والغرب ‪ ،‬إنما ىو (عمم الشرق) ‪ ...‬أنو‬
‫بناء عمى االرتباط المتين بين التمدن الغربي والتمدن الشرقي‪ ،‬وليس عمم الشرق إال باباً‬
‫‪2‬‬
‫من أبواب تاريخي الروح اإلنساني»‬

‫‪1‬‬
‫إينياتٍ ٍسييك‪ ،‬جكيدم ‪iganzio‬‬
‫جكيدم‪1354- 1260( :‬ىػ=‪1935- 1844‬ـ) إغناطيكس كاإليطاليكف يمفظكنيا ٍ‬
‫‪، guidi‬مستشرؽ إيطالي عالـ بالعربية كالحبشية كالسريانية ‪ ،‬مف أعضاء المجمع العممي العربي‪ ،‬كاف شيخ المستشرقيف في‬
‫عصره ‪ ،‬كلد في ركما كعيد إليو بتعميـ العربية في جامعتيا سنة ‪1885‬ـ ‪ ،‬ثـ كاف أستاذان في الجامعة المصرية سنة‬
‫‪1908‬ـ يمقي محاضراتو بالعربية "محاض ارت أدبيات الجغرافيا كالتاريخ كالمغة عند العرب باعتبار عالقتيا بأكركبا خصكصا‬
‫بإيطاليا " ‪ ،‬أربعكف محاضرة ألقاىا في الجامعة المصرية ‪ ،‬ك"جداكؿ كتاب األغاني " يحتكم عمى فيارس الشعراء كالقكافي‬
‫كاألعالـ كاألمكنة ‪ ،‬ك"المختصر "رسالة في عمـ المغة العربية الجنكبية القديمة كنشر كتابي "االستدراؾ عمى سيكبيو" لمزبيدم‬
‫ك"األفعاؿ كتصاريفيا " البف القكطية‪ .‬أنظر (األعالـ قامكس التراجـ ألشير الرجاؿ كالنساء مف العرب كالمستعربيف‬
‫كالمستشرقيف‪ ،‬خير الديف الزركمي ‪،‬ج‪ )1‬ص‪.336‬‬
‫‪2‬‬
‫قحطاف حمدم محمد ‪ ،‬أدكار المستشرقيف في تشكيو معالـ النبكية ‪( ،‬مرجع سابؽ) ص ‪.03‬‬

‫‪24‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وٌقصد به التوغل فً كل ما ٌتعلق بالشرق بهدف التعرف عن أسراره مع نقاط ضعفه من‬
‫أجل غرس ما ٌجب غرسه من أفكار غربٌة مع أخذ ما ٌجب أخذه من فكر شرقً و‬
‫تعرٌف جوٌدي ما هو إال تعرٌف مزخرف على أن االستشراق باب من أبواب الروح‬
‫اإلنسانً‪.‬‬

‫كما يي ٍعرؼ االستشراؽ أيضا أنو ‪ :‬دراسة عمكـ الشرؽ‪ ،‬كأحكالو كتاريخو كمعتقداتو كبيئاتو‬
‫الطبيعية كالعمرانية كالبشرية‪ ،‬كدراسة لغاتو كليجاتو كطبائع األمة الشخصية في كؿ مجتمع‬
‫شرقي‪ ،‬فمكؿ أمة مشخصاتيا كدراسة األشخاص كالييئات كالتيارات الفكرية كالمذىبية في‬
‫شتى صكرىا‪.‬‬

‫ص ىنا إلى أف االستشراؽ عمـ يحاكؿ أصحابو دراسة الشرؽ ككؿ ما يتعمؽ بو مف‬ ‫ً‬
‫ىن ٍخم ي‬
‫‪1‬‬
‫لغات كليجات كطبائع األمة الشخصية كما شاكميا‪.‬‬

‫‪ /3‬التعريف اإلجرائي ‪:‬‬

‫يتبيف لنا مما سبؽ أف االستشراؽ ىك تيار فكرم يتجو نحك الشرؽ لدراسة حضارتو كأديانو‬
‫كثقافتو كلغتو كآدابو مف خالؿ أفكار اتسـ معظميا بالتعصب كالرغبة في خدمة االستعمار ك‬
‫تنصيرالمسمميف‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد المتعال محمد الجبري‪ ،‬االستشراق وجه االستعماري الفكري(دراسة فً تارٌخ االستشراق و أهدافه و أسالٌبه الخفٌة‬
‫فً الغزو الفكري لإلسالم)‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬ط‪1411 ،1-‬هـ‪1995/‬م)‪،‬ص‪.13‬‬

‫‪25‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطمب الثاني ‪ :‬نشأة االستشراق‬

‫نشأت حركة االستشراؽ كظاىرة ثقافية في أعقاب ذلؾ الصداـ العنيؼ بيف الحضارتيف‬
‫المختمفتيف‪ ،‬الحضارة اإلسالمية ال ٌشابة ك المتكثٌبة‪ ،1‬كالحضارة الغربية المسيحية المترٌنخة ك‬
‫المتخاذلة‪ ،2‬كاستطاعت الحضارة اإلسالمية أف تبسط سمطانيا عمى جزء كبير مف آسيا‬
‫كافريقيا‪ ،‬كامتدت الى جنكب أكركبا كأقامت دكال كبيرة ذات قكة كحضارة‪ ،‬كأسيمت في ثقافة‬
‫اإلنساف كأضافت الكثير مف المعارؼ كالنظريات كاآلراء في مختمؼ حقكؿ المعرفة االنسانية‪،‬‬
‫كلما أصاب الحضارة اإلسالمية الرككد كالتكقؼ‪ ،‬كاضطربت أكضاع المسمميف‪ ،‬كتمزقت‬
‫عدكىـ الجاثـ عمى حدكدىـ المترقب‬‫دكليـ‪ ،‬كانصرفكا إلى الترؼ كالميك‪ ،‬طمع فييـ ٌ‬
‫ألكضاعيـ الطامع في أرضيـ كأخذ يعد نفسو لمكاجية ذلؾ العدك المدكد‪ ،3‬رأل فريؽ أف‬
‫البداية الحقيقية لالستشراؽ كانت مع الحركب الصميبية حيث بدأ االحتكاؾ السياسي كالديني‬
‫بيف اإلسالـ كالصميبية العربية النازية‪ ،‬كاستحكـ العداء بيف المسمميف كالغرب الصميبي أياـ‬
‫نكر الديف زنكي‪ 4‬كصالح الديف االيكبي‪ 5‬كالممؾ العادؿ إثر اليزائـ المتكررة التي ألحقيا‬
‫‪6‬‬
‫ىؤالء القادة العظاـ بالصميبييف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المتكثبة‪ :‬كثب الشخص الى المكاف بمعنى قفز ‪ ،‬كثب عميو في مخبئو بمعنى ارتمى كانقض كىجـ عميو‪(.‬انظر معجـ‬
‫المعاني الجامع ‪ ،‬المعجـ الكسيط ) ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المتخاذلة‪ :‬تخاذؿ القكـ كاخذ كؿ منيـ طريقو أم خذلو بعضيـ بعضا بمعنى تخمى كؿ منيـ عف اآلخر(مرجع‬
‫‪3‬‬
‫محمد فاركؽ النبياف‪ ،‬االستشراؽ تعريفو‪ ،‬مدارسو‪ ،‬آثاره‪( ،‬مرجع سابؽ) ص ‪.8‬‬
‫‪4‬نكر الديف زنكي‪ :‬ىك نكر الديف محمكد بف محمكد زنكي التركي‪ ،‬صاحب الشاـ‪ ،‬كالممؾ العادؿ‪ ،‬نكر الديف‪ ،‬ناصر امير‬
‫المؤمنيف‪ ،‬تقي الممكؾ‪ ،‬ليث اإلسالـ‪ ،‬ابك القاسـ محمكد بف األتابؾ قسيـ الدكلة أبي سعيد زنكي بف األمير الكبير أ ٍق يس ٍن ىق ٍر‬
‫ثـ‬
‫التركي‪ ،‬كلد في شكاؿ سنة ‪ 511‬ككاف نكر الديف حامؿ رايتي العدؿ ك الجياد‪ ،‬ق ٌؿ اف ترل العيكف مثمو‪ ،‬حاصر دمشؽ ٌ‬
‫تمٌمكيا‪(.،‬انظر سير اعالـ النبالء لمذىبي ص ص ‪) 534، 532، 531‬‬
‫‪ 5‬صالح الديف االيكبي ‪ :‬ينتمي صالح الديف إلى عائمة كردية‪ ،‬كريمة األصؿ‪ ،‬عظيمة الشرؼ‪ ،‬ىذه العائمة ممكت مصر‬
‫كالشاـ كعرفت بالدكلة االيكبية‪ ،‬كتنسب ىذه العائمة إلى قبيمة كردية تعد مف أشرؼ األكراد نسبنا كعشيرة‪ ،‬ىذه القبيمة تعرؼ‬
‫"بالركادية" مف بطكف "اليذيانية" ‪ ،‬كىي اكبر القبائؿ الكردية‪ ،‬كينسب صالح الديف إلى نجـ الديف ايكب بف شاذم بف مركاف‬
‫َّ‬
‫الكردم‪ ( ،‬انظر صالح الديف االيكبي بطؿ حطيف كمحرر القدس مف الصميبييف عبد اهلل ناصح عمكاف) ص ص ‪،11‬‬
‫‪.12‬‬
‫‪ 6‬محمد عبد هللا الشرقاوي‪ ،‬االستشراق فً الفكر المعاصر‪(،‬كلٌة دار العلوم‪ ،‬جامعة القاهرة) ص ‪.26‬‬

‫‪26‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يرد نشأة االستشراؽ إلى‬


‫ككؿ ىذا دفع الغرب إلى االنتقاـ بكؿ الكسائؿ‪ ،‬كىنالؾ قسـ آخر ٌ‬
‫الدمكية التي نشبت بيف المسمميف في األندلس ‪.‬‬
‫الحركب ٌ‬

‫كرأل قسـ آخر أف نشكء االستشراؽ كاف لحاجة الغرب لمرد عمى اإلسالـ أكال‪ ،‬ثـ لمعرفة‬
‫أسباب ىذه القكة الدافعة ألبنائو ثانيا‪ ،‬يبدك أف االستشراؽ قد بدأ بداية حقيقة منتظمة بقرار‬
‫المجمع الكنسي في فيينا بالمكافقة عمى تدريس المغات الشرقية في خمس مف جامعات أكركبا‬
‫ٌ‬
‫‪1‬‬
‫الكبرل كىي ‪:‬باريس ‪ ،‬أكسفكرد‪ ،‬بكلكنيا‪ ،‬سممنكا‪ ،‬البابكية‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد عبد هللا الشرقاوي‪ ،‬االستشراق فً الفكر المعاصر‪(،‬مرجع سابق) ص‪.28‬‬

‫‪27‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطمب الثالث ‪ :‬مدارس االستشراق وأىم عالميا‪.‬‬

‫ظيرت مدارس متعددة مثمت الفكر االستشراقي‪ ،‬كمف أىـ المدارس االستشراقية ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المدرسة الفرنسية‪:‬‬

‫تيعد المدرسة االستشراقية في فرنسا مف أبرز المدارس االستشراقية‪ ،‬كأغناىا فك انر كأخصبيا‬
‫إنتاجا كأكثرىا كضكحا‪ ،‬كيعكد سبب ذلؾ لمعالقات الكثيقة التي تربط فرنسا بالعالـ العربي‬
‫قديما كحديثنا‪ ،‬ككانت فرنسا مكجكدة في معظـ عالقات العرب بأكركبا‪ ،‬في‬
‫ن‬ ‫كاإلسالمي‬
‫حاالت السمـ كالحرب‪ ،‬فالعرب كصمكا إلى حدكد فرنسا كأخافكىا‪ ،‬ككانت فرنسا عمى عالقة‬
‫كثيقة بدكلة الخالفة العباسية في أياـ "شار لماف "ك الرشيد"‪ ،‬كشاركت في الحركب الصميبية‪،‬‬
‫كتطمعت إلى احتالؿ أجزاء مف الكطف العربي‪ ،‬كغ از نابميكف مصر‪ ،‬كأقاـ عالقات سياسية‬
‫كاقتصادية معيا‪ ،‬كاحتمت فرنسا المغرب العربي كسكريا كلبناف‪.‬‬

‫كىذا التاريخ السياسي المتكاصؿ‪ ،‬جعؿ فرنسا مف أكائؿ الدكؿ األكركبية التي عنيت‬
‫بالدراسات العربية كاإلسالمية‪ ،‬لالستفادة منيا كترجمة آثارىا كانشاء كراسي عممية لتدريسيا‬
‫منذ القرف الثاني‪ ،‬كأكفدت طالبيا لمدارس األندلس لدراسة الفمسفة كالحكمة كالطب فييا‪.‬‬

‫كصدرت في فرنسا مجالت اىتمت بالتراث العربي كاإلسالمي كالتعريؼ بو‪ ،‬كاستطاع‬
‫األدب العربي أف يؤثر في األدب الفرنسي‪ ،‬كانتشرت بعض الكتب األدبية العربية في فرنسا‪،‬‬
‫كما تأثر بعض المفكريف الفرنسييف بما اطمعكا عميو مف تراث العرب كفمسفتيـ مف أمثاؿ" ابف‬
‫رشد" ك "ابف خمدكف" كالنزعات الصكفية‪ ،‬كاستعممكا كثير مف المصطمحات الدينية التي كانت‬
‫‪1‬‬
‫سائدة في التراث العربي اإلسالمي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد فاركؽ النبياف‪ ،‬االستشراؽ تعريفو ‪ ،‬كمدارسو آثاره‪( ،‬مرجع السابؽ)‪،‬ص‪.21‬‬

‫‪28‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫_ أشير أعالم المدرسة الفرنسية‬

‫كمف اىـ المستشرقيف الفرنسييف الذيف اىتمكا بالحضارة العربية اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ _1‬بوستال (‪1505‬م – ‪1581‬م)‪:‬‬

‫الذم تعمـ المغات الشرقية‪ ،‬كقاـ بتككيف الطالئع األكلى لجيؿ المستشرقيف‪ ،‬كدرس المغة‬
‫العربية في فيينا‪ .‬ككتب عف قكاعد المغة العربية‪ ،‬كعف التكافؽ بيف القرآف كاإلنجيؿ‪ ،‬كعف‬
‫عادات كشريعة المسمميف‪.‬‬

‫‪ -2‬البارون دي ساسي (‪1758‬م – ‪1838‬م )‪:‬‬

‫ككاف مكمفا بالمخطكطات الشرقية في مكتبة باريس الكطنية‪ ،‬ككتب عف قدماء العرب‬
‫كعف اليمف كعف ديانة الدركز‪ ،‬كاىتـ بكتب القزكيني‪ ،‬كلخص بعض الكتب العربية‪ ،‬ككتب‬
‫ئيسا ليا‪ ،‬كقضى‬
‫عف تاريخ مصر كعرب الحجاز‪ ،‬ككاف مف مؤسسي الجمعية اآلسيكية كر ن‬
‫حياتو في خدمة االستشراؽ بتأليؼ كالترجمة كالتحقيؽ كالنشر‪ ،‬ككاف مف أبرز المستشرقيف‬
‫في عصره‪.‬‬

‫‪ -3‬كاترمير (‪1782‬م‪1852 -‬م )‪:‬‬

‫ئيسا لتحرير المجمة اآلسيكية‪ ،‬كيتميز بكثرة إنتاجو‬


‫ككاف مف تالميذ الباركف دم ساسي كر ن‬
‫العممي ككثرة مصنفاتو عف اإلسالـ كثقافتو كحضارتو‪ ،‬كاىتـ بمصنفات الميداني‪ ،‬كترجـ‬
‫كتاب " السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ" لممقريزم‪ ،‬كصنؼ كتابا عف المغة العربية كآدابيا‪.‬‬

‫‪ -4‬البارون دي سالن(‪1801‬م _ ‪1878‬م )‪:‬‬

‫ككاف مف تالميذ دم ساسي‪ ،‬كاىتـ بدراسة المغرب‪ ،‬كنر ديكاف امرئ القيس‪ ،‬كترجـ‬
‫لبعض المشيكريف في اإلسالـ‪ ،‬كصنؼ عف البربر كاألسر اإلسالمية التي ممكت في شماؿ‬
‫‪1‬‬
‫عددا مف البحكث‬
‫إفريقيا‪ ،‬كنر منتخبات مف تاريخ مصر‪ ،‬ككتب في المجمة اآلسيكية ن‬

‫‪ 1‬حمد فاروق النبهان‪ ،‬االستشراق تعرٌفه مدارسه آثاره‪(،‬مرجع سابق)‪،‬ص‪.21‬‬

‫‪29‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كتبا ىامة عف شماؿ إفريقيا كالمغرب‪،‬‬


‫عف المجاز في بعض مفردات الشعر العربي‪ ،‬كترجـ ن‬
‫كالسكداف كمكريتانيا‪.‬‬

‫‪ -5‬شربوتو(‪1813‬م – ‪1882‬م )‪:‬‬

‫ككاف مف تالميذ دم ساسي‪ ،‬كاىتـ بآداب العرب في السكداف‪ ،‬كتاريخ بعض األسر‬
‫الحاكمة في بالد المغرب‪ ،‬ككتب عف تاريخ العباسييف‪ ،‬كرحمة العبدرم الى شماؿ إفريقيا‪،‬‬
‫كتاريخ أسرة بني حفص‪ ،‬كتاريخ األدب العربي في السكداف‪ ،‬ككاف أستا نذا لمعربية في مدرسة‬
‫المغات الرقية‪.‬‬

‫ككنكا المدرسة الفرنسية‪ ،‬كتابعكا مسيرة‬


‫كىناؾ العشرات مف المستشرقيف الفرنسييف الذيف َّ‬
‫الدراسات االستشرقية‪ ،‬كأكدكا قكة المدرسة الفرنسية كقدرتيا عمى البحث كالمثابرة‪ ،‬مف أبرزىـ‪:‬‬
‫شارؿ بيال‪ ،‬كمكسيـ ركدنسكف‪ ،‬كليككنت‪ ،‬كمكيؿ اندرك‪ ،‬كجاؾ بيرؾ‪ ،‬كبكسكو الذم اىتـ‬
‫بدراسة الفقو اإلسالمي‪ ،‬كالكست‪ ،‬كبالشير‪ ،‬كبرفنساؿ‪...‬‬

‫كال يمكف إغفاؿ المكانة الخاصة لممستشرؽ لكيس ماسينيكف _ المتكفى عاـ ‪1962‬ـ‪_،‬‬
‫نظر لصالتو القكية بالعالـ العربي‪ ،‬كمكاقفو المكضكعية‬
‫في مدرسة االستشراؽ الفرنسية‪ ،‬نا‬
‫كالمنصفة في الغالب‪ ،‬مف قضايا العالـ اإلسالمي‪ ،‬كدفاعو عف حؽ العرب في أرضيـ‬
‫‪1‬‬
‫كاستقالليـ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المدرسة اإليطالية‪:‬‬

‫افاءا لممنطؽ كالتاريخ‪ ،‬فإيطاليا كانت أعرؽ امـ الغرب‬


‫إف البدء بالمدرسة اإليطالية إال ن‬
‫منكعا‪ ،‬كنالت الثقافة العربية كالمغات الشرقية مف‬
‫ن‬ ‫كثيقا‬
‫ال ن‬ ‫التي اتصمت بالشرؽ األدنى اتصا ن‬
‫مكفكر‪.‬‬
‫نا‬ ‫الترجمة كالحفظ كالتعميـ كالنشر فضؿ الفاتيكاف حظنا‬

‫كبالتالي فميس مف المبالغة القكؿ أف إيطاليا ميد الدراسات العربية كاإلسالمية في أكركبا‬
‫‪2‬‬
‫كمف المعركؼ ًّ‬
‫جدا دكر الفاتيكاف كالباباكات المسيحية في التأسيس لمدراسات االستشراقية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد فاركؽ النبياف‪ ،‬االستشراؽ تعريفو ‪ ،‬كمدارسو آثاره‪)،‬مرجع سابؽ)‪،‬ص‪.21‬‬
‫‪2‬‬
‫أندلكسي محمد‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف‪(،‬مرجع سابؽ)ص‪.61‬‬

‫‪33‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫_أشير أعالم ىذه المدرسة ‪:‬‬

‫‪ _1‬إغناطيوس جويدي (‪1935 -1844‬م)‪:‬‬

‫مكلكد في ركما‪ ،‬تعمـ العربية فييا ثـ صار أستا نذا ليا في جامعتيا منذ سنة ‪1885‬ـ‪،‬‬
‫انتدبتو الجامعة المصرية أستا نذا لألدب العربي تاريخيا كجغرافيا‪ ،‬يعد بحؽ شيخ المستشرقيف‬
‫في المغات السامية‪ ،‬خاصة السريانية كالحبشية‪ ،‬آثاره كثيرة تنكعت بيف كتب كمحاضرات‬
‫كمقاالت نقدية مف أىميا نجد‪ :‬نماذج مف الكتابة الككفية‪ ،‬ككتاب األفعاؿ كتصريفيا البف‬
‫القكطية‪ ،‬كدراسة نص كميمة كدمنة‪.‬‬

‫‪ -2‬األمير ليوني كايتاني (‪1926 -1869‬م)‪:‬‬

‫كلد في ركما‪ ،‬كدرس كتخرج مف جامعتيا‪ ،‬تعمـ كأتقف سبع لغات كبرل منيا العربية‬
‫عاشقا لمثقافة‬
‫ن‬ ‫كالفارسية‪ ،‬كاف ثرًّيا كقد سمح لو ثراؤه بإشباع رغباتو المعرفية حيث كاف‬
‫الشرقية عامة كالعربية عمى كجو الخصكص‪ ،‬تنقؿ بيف عدة عكاصـ عربية مثؿ بيركت‬
‫كدمشؽ كالقاىرة‪ ،‬ككذا دليي عاصمة اليند‪ ،‬كجمع مكتبة شرقية زاخرة بالمخطكطات النفيسة‪،‬‬
‫مف أىـ مؤلفاتو‪ :‬حكليات اإلسالـ‪ ،‬كانتشار اإلسالـ كتطكر الحضارة‪ ،‬التاريخ الشرقي ‪:‬سيرة‬
‫الرسكؿ‪.‬‬

‫‪ -3‬كارلو نالينو(‪1938 -1872‬م) ‪:‬‬

‫مف مكاليد مدينة تكرينك‪ ،‬درس كتعمـ المغة العربية في جامعتيا‪ ،‬صار أستا نذا لمعربية في‬
‫المعيد العممي الشرقي نابكلي‪ ،‬ثـ أستا نذا في جامعة البرمك كركما‪ ،‬كبعد ذلؾ أنشئ لو‬
‫خصيصا كرسي لمتاريخ كالدراسات اإلسالمية‪ ،‬كىك يحاضر باستمرار في مصر ‪.‬‬

‫من أىم آثاره ‪ :‬تككيف القبائؿ العربية في اإلسالـ‪ ،‬فيرس المخطكطات العربية في المكتبة‬
‫‪1‬‬
‫الكطنية لمجمع العمكـ في تكرينك‪ ،‬شعر ابف الفارض كالتصكؼ اإلسالمي‪ ،‬كغيرىا كثير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد فاركؽ النبياف ‪ ،‬االستشراؽ تعريؼ ‪ ،‬مدارسو آثاره ‪( ،‬مرجع السابؽ) ص ص‪.27-26‬‬

‫‪31‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثالثا‪ :‬المدرسة اإلنجميزية‪:‬‬

‫تتميز المدرسة االستشراقية االنجميزية بالعمؽ كالدقة‪ ،‬كىي أكثر المدارس صمة بالشرؽ‪ ،‬ك‬
‫بخاصة بالشرقيف األكسط كاألقصى‪ ،‬ككانت صالت بريطانيا بالمشرؽ‪.‬‬

‫قكية‪ ،‬عف طريؽ االتصاالت الثقافية كالسياسية كالعسكرية كاالقتصادية‪ ،‬ككانت المدرسة‬
‫اإلنجميزية كثيقة الصمة بمنطقة الخميج كالعراؽ كفمسطيف كمصر‪ ،‬باإلضافة الى صالتيا‬
‫الكثيقة باليند‪ ،‬كاإلسالـ في المنطقة اليندية لو تراث عريؽ‪ ،‬كال يمكف إغفاؿ أىمية تمؾ البالد‬
‫اليندية في إغناء الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫كمف الطبيعي أف تتأثر المدرسة اإلنجميزية باىتمامات المناطؽ الجغرافية التي تسيطر‬
‫عمييا‪ ،‬كأف تكجو اىتماميا لفيـ إسالـ كؿ منطقة كمككناتو كفكره كتراثو كقضاياه‪.‬‬

‫كالمدارس االستشراقية األكركبية انطمقت في البداية كحركة استشراقية غربية أكركبية‬


‫كاحدة‪ ،‬كلـ تكف ليا عاصمة خاصة‪ ،‬انطمقت مف رغبة الغرب في اكتشاؼ عمكـ الشرؽ‬
‫بشكؿ عاـ كالشرؽ اإلسالمي بشكؿ خاص‪ ،‬كمعرفة ىذا العمـ الغامض الذم انطمقت منو‬
‫الحضارات اإلنسانية ذات اإلشعاع الركحي كالبعد اإلنساني‪.‬‬

‫كدكر الكنيسة كاضح في تشجيع الدراسات االستشرقية منذ القرف العاشر ك الحادم عشر‪،‬‬
‫حيث كاف البابا يشجع دراسة عمكـ الشرؽ ك الحضارات الشرقية‪ ،‬كربما كانت حممة نابميكف‬
‫مف العكامؿ المباشرة ك المؤثرة في تشجيع الدراسات االستشراقية‪ ،‬الف الغرب اكتشؼ‬
‫مصالحو الحيكية في الشرؽ‪ ،‬كلـ أنشئت الكراسي العممية لمدراسات الشرقية‪ ،‬تككنت نكاة‬
‫المدارس االستشراقية‪ ،‬ككانت جامعة اكسفكرد مف أكائؿ الجامعات اإلنجميزية التي أنشأت‬
‫‪1‬‬
‫قسما لمدراسات الشرقية‪ ،‬ثـ لمدراسات العربية كاإلسالمية عاـ ‪1636‬ـ ‪.‬‬
‫ن‬

‫‪1‬‬
‫محمد فاركؽ النبياف ‪،‬االستشراؽ تعريفو مدارسو آثاره‪( ،‬مرجع سابؽ) ص ص ‪.29-28‬‬

‫‪32‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أقساما لمدراسات الشرقية‪ ،‬كمعظـ‬


‫ن‬ ‫ثـ أخذت الجامعات اإلنجميزية األخرل تنشئ‬
‫الجامعات اإلنجميزية اليكـ تدرس المغات كالدراسات الشرقية‪ ،‬ثـ أخذت ىذه الجامعات تنشئ‬
‫مدارس ككميات تابعة ليا‪ ،‬في إفريقيا كالبالد العربية كاإلسالمية كفي اليند كباكستاف‪.‬‬

‫أشير أعالم ىذه المدرسة‪:‬‬

‫‪ _1‬ىاممتون جيب (‪1971 -1895‬م)‪. :‬‬

‫كلد باإلسكندرية‪ ،‬كاتجو إلى الدراسات األدبية‪ ،‬كأىتـ بتاريخ الثقافة العربية‪ ،‬كأشرؼ عمى‬
‫الدراسات العربية في جامعتي لندف كأكسفكرد‪ ،‬ككتب عف االتجاىات الحديثة في اإلسالـ‪،‬‬
‫كعف التفكير الديني في اإلسالـ‪ ،‬كعف الديانة المحمدية‪ ،‬كعف الحضارة اإلسالمية‪ ،‬كعف‬
‫فتكحات العرب في آسيا الكسطى‪ ،‬كعف الحمالت الصميبية‪ ،‬كعف النظرية اإلسالمية عند ابف‬
‫خمدكف‪ ،‬كعف نظرية الماكردم في الخالفة‪.‬‬

‫‪ -2‬ارثر جون اربري (‪1945 -1868‬م)‪:‬‬

‫اتجو منذ دراساتو األكلى الى المغات الالتينية كاليكنانية كالفارسية‪ ،‬كتأثر بأستاذه نيكمسكف‬
‫الذم أخذ عنو االىتماـ باالستشراؽ‪ ،‬كتعمـ منو العربية‪ ،‬كقضى فترة مف حياتو بالقاىرة‪،‬‬
‫كأشرؼ عمى قسـ الدراسات القديمة بالجامعة المصرية‪ ،‬كنشر كتاب" المكقؼ كالخطابات"‬
‫لمنفرم في التصكؼ‪ ،‬كأعد فيارس لممخطكطات العربية في جامعة "كمبردج"‪ ،‬كعيف أستا نذا‬
‫بكرسي المغات العربية في مدرسة الدراسات الشرقية كاإلفريقية‪ ،‬كأعتبر ذلؾ شرنفا لو‪ ،‬كاىتـ‬
‫"اربرم" بالدراسات الفارسية كترجمة بعض التراث الفارسي‪ ،‬كأىـ أعمالو العممية ترجمتو‬
‫لمقرآف‪ ،‬كىي ترجمة أقرب ما تككف الى التفسير‪ ،‬إال انو لـ يمتزـ بضكابط الترجمة‪ ،‬كانما أراد‬
‫‪1‬‬
‫إعطاء المعاني القرآنية كتكضيحيا بأسمكب مشرؽ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أندلكسي محمد ‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف (مرجع سابؽ) ص‪.66- 65‬‬

‫‪33‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -3‬رينولد نيكمسون (‪1945 -1868‬م)‪:‬‬

‫ييعد نيكمسكف مف أبرز المستشرقيف في المدرسة اإلنجميزية الذيف اىتمكا بالتصكؼ‬


‫اإلسالمي‪ ،‬ككاف أستا نذا بجامعة كمبريدج‪ ،‬كانصرؼ الى دراسة التصكؼ‪ ،‬ككتب مقاالت‬

‫عديدة عف الصكفية في اإلسالـ‪ ،‬كأىداؼ التصكؼ اإلسالمي‪ ،‬كسيرتي ابف الفارض كابف‬
‫عربي‪ ،‬كنشر ديكاف جالؿ الديف الركمي (المثنكم)‪ ،‬كديكاف (ترجماف األشكاؽ) البف عربي‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬المدرسة الروسية‪:‬‬

‫ليا عالقة كثيقة بالعالـ العربي اإلسالمي منذ العصر العباسي كتبادؿ السفارات بيف‬
‫الخالفة كاإلمبراطكرية‪ ،‬ىذا مف جية كمف جية ثانية فإف ركسيا أك االتحاد السكفياتي كبحكـ‬
‫ضمو لعدة جميكريات مسممة تحت مظمتو فقد كانت عالقتيا بثقافة كعادات ىذه الجميكريات‬
‫قائمة عمى نكع مف االحتكاؾ كالمعرفة التي تتيح ليا التعامؿ معيا بما يناسبيا دكف غيرىا‬
‫كفي الجانب األكاديمي فال تكاد تخمك جامعة ركسية اليكـ مف كراس لمغة العربية كالتاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كمف أىميا جامعة مكسكك المركزية‪ ،‬جامعة قازاف التاريخية‪ ،‬كجامعة بطرسبرغ‪،‬‬
‫كبالطبع فإف ىذه المراكز االستشراقية قد ساىمت في تخريج يع ٌدة ال بأس بيا مف المستشرقيف‬
‫الالمعيف الذيف حممكا لكاء االستشراؽ الركسي‪.‬‬

‫أشير أعالم ىذه المدرسة‪:‬‬

‫‪ _1‬إغناطيوس كراتشكو فسكي (‪1951 -1883‬م )‪:‬‬

‫أبدا‪ ،‬درس‬
‫رائد االستشراؽ الركسي المعاصر ك حامؿ لكائو‪ ،‬فال يذكر أحدىما دكف اآلخر ن‬
‫المغات اليكنانية كالالتينية‪ ،‬ثـ اعتمد عمى نسفو في درس العربية‪ ،‬ثـ التحؽ بكمية المغات‬
‫الشرقية في جامعة بطرسبرغ كدرس فييا المغات التركية كالفارسية كالعبرية‪ ،‬اىتـ بالشعر‬
‫‪1‬‬
‫العربي في العصريف األمكم كالعباسي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اندلوسً محمد‪ ،‬الترجمة األدبٌة من العربٌة عند المستشرقٌن‪(،‬مرجع سابق) ص ‪66‬‬

‫‪34‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ - 2‬ليونيد ايفانوف(‪1930- 1886‬م)‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫اىتـ بدراسة الفرقة الشيعية اإلسماعمية في مصر‪.‬‬

‫‪ -3‬بارتولد(‪1930 -1869‬م)‪:‬‬

‫درس التاريخ اإلسالمي في جامعة ساف بطرسبرغ ثـ عمؿ فييا أستا نذا لمشرؽ اإلسالمي‬
‫كتاريخو‪ .‬اىتـ بدراسة المصادر الكبرل لمتاريخ اإلسالمي‪ ،‬كما اىتـ بدراسة مؤلفات ابف‬
‫عضكا في مجمع العمكـ الركسي‪ ،‬كرئيسا لمجنة‬
‫ن‬ ‫خمدكف خاصة نظريتو في الحكـ‪ ،‬أنتخب‬
‫المستشرقيف‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬المدرسة األلمانية‪:‬‬

‫كانت الحركب الصميبية ىي المحرؾ األىـ في عالقات الغرب المسيحي بالعالـ العربي‬
‫كاإلسالمي‪ ،‬كمف الطبيعي أف ينصرؼ اىتماـ االلماف الى دراسة المغات الشرقية بعد أف‬
‫بدأت ىذه الدراسات تحظى باىتماـ العمماء في فرنسا كانجمترا‪ ،‬ككانت عالقات ألمانيا مع‬
‫الدكلة العثمانية قكية بسبب الركابط كالمصالح السياسية كاالقتصادية‪ ،‬ككاف المستشرقكف‬
‫األكائؿ في المدرسة الفرنسية ىـ ركاد المدارس االستشراقية في أكركبا كميا‪ ،‬كلما شعرت‬
‫ألمانيا بأىمية الدراسات الشرقية‪ ،‬أنشأت في جامعاتيا معاىد المغات الشرقية‪ ،‬كفي بداية ىذا‬
‫القرف ازداد اىتماـ الجامعات األلمانية بالدراسات العربية كاإلسالمية‪.‬‬

‫كأسس "ىارتماف" الجمعية الشرقية األلمانية لمدراسات اإلسالمية‪ ،‬التي أصدرت مجمة‬
‫"عالـ اإلسالـ"‪ ،‬كما أصدر المستشرقكف عددا مف المجاالت عف الشرؽ كتراث الشرؽ‪.‬‬

‫كتتميز المدرسة األلمانية بالجدية كالعمؽ كالدقة كمف الصعب تجاىؿ دكرىا في مجاؿ‬
‫البحث كالدراسة‪ ،‬كبالرغـ مف أنيا بدأت في كقت متأخر‪ ،‬فإف المستشرقيف األلماف أكدكا‬
‫‪2‬‬
‫أصالة ىذه المدرسة كقكتيا كقدرتيا عمى التصدم لقضايا فكرية ىامة ‪.‬‬

‫‪ 1‬أندلكسي محمد‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف‪( ،‬مرجع سابؽ) ص‪.66‬‬
‫‪ 2‬محمد فاروق النبهان‪ ،‬االستشراق تعرٌفه ‪،‬مدارسه وآثاره ‪(،‬مرجع سابق) ص‪.31‬‬

‫‪35‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أشير أعالم ىذه المدرسة‪:‬‬

‫‪ _1‬كارل بروكممان(‪1956 -1868‬م )‪:‬‬

‫يعد برككمماف مف أشير المستشرقيف األلماف بسبب كتابو الشيير "تاريخ األدب العربي"‪،‬‬
‫كتتممذ عمى يد المستشرؽ نيمدكو‪ ،‬كأخذ عنو اىتمامو بالدراسات العربية‪ ،‬كبدأ عممو العممي‬
‫بدراسة عف العالقة بيف كتاب "الكامؿ " البف األثير ككتاب "أخبار الرسؿ" لمطبرم‪ ،‬كعيف‬

‫كعضكا في عدد مف المجامع العممية‪ ،‬كمنيا مجمع‬


‫ن‬ ‫أستا نذا في عدد مف الجامعات األلمانية‪،‬‬
‫دمشؽ‪ ،‬ك اشتير برككمماف بنشاطو العممي كعمقو كصبره كدقتو‪ ،‬كلو آثار عممية كثيرة‪ ،‬في‬
‫التاريخ كالسيرة كالتراجـ كالمغات الشرقية القديمة‪ ،‬كلو دراسات في المغة العثمانية القديمة‪،‬‬
‫حيث كاف يتقف إحدل عشرة لغة مف المغات السامية القديمة‪.‬‬

‫‪ -2‬جوزيف شاخت (‪1969 -1902‬م)‪:‬‬

‫تخرج شاخت مف الجامعة األلمانية‪ ،‬كعيف أستا نذا لمدراسات الشرقية فييا‪ ،‬كانتدب لتدريس‬
‫فقو المغة في الجامعة المصرية ‪ ،‬ثـ انتقؿ إلى انجمترا‪ ،‬كعمؿ في اإلذاعة البريطانية ضد‬
‫بالده‪ ،‬كحصؿ عمى الدكتكراه مرة ثانية مف اكسفكرد‪ ،‬كحاضر فييا‪ ،‬ثـ عيف أستا نذا في‬
‫جامعة ليدف في ىكلندا‪...‬كاىتـ بدراسة الفقو اإلسالمي كنشر عدة كتب فقيية‪ ،‬منيا كتاب‬
‫"الحيؿ في الفقو" لمقزكيني‪ ،‬ككتاب "اختالؼ الفقياء" لمطبرم‪ ،‬ك ىكتب أبحاثا في عمـ الكالـ‬
‫عند عمماء اإلسالـ‪.‬‬

‫وأىم آثاره‪" :‬بداية الفقو اإلسالمي" كىك كتاب ركز فيو عمى دراسة المذىب الشافعي مف‬
‫خالؿ كتاب "الرسالة" لإلماـ الشافعي‪ ،‬كألؼ كتابا سماه " المدخؿ لمفقو اإلسالمي" بالمغة‬
‫اإلنجميزية‪ ،‬ك اىتـ بدراسة الشريعة كالقانكف في مصر‪ ،‬كاىتـ بدراسة المخطكطات العربية‬
‫المكجكدة في إسطنبكؿ كالقاىرة كفاس كتكنس‪ ،‬ككاف دقيقا في كتاباتو الفقيية‪ ،‬كاسع االطالع‬
‫عمى مراجعو العممية‪ ،‬ككتاباتو في تاريخ الفقو اإلسالمي ٌقيمة كمفيدة‪ ،‬كتدؿ عمى عمؽ‬
‫‪1‬‬
‫معرفتو كاطالعو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أندلكسي محمد ‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف ‪(،‬مرجع سابؽ)ص‪.68‬‬

‫‪36‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫سادسا‪ :‬المدرسة األمريكية‪:‬‬

‫مقارنة بالمدارس االستشراقية األكركبية خاصة‪ ،‬فإف االستشراؽ األمريكي جاء متأخ ار‬
‫كذلؾ ألسباب عديدة منيا التاريخية (تأخر ظيكر الكاليات األمريكية المتحدة إلى الكجكد)‬
‫كمنيا العممية كالتقنية (عدـ ظيكر المراكز االستشراقية كتعزيزىا بالمستشرقيف األكفاء‬
‫األخيار)‪،‬إال أف ذلؾ لـ يدـ طكيال‪ ،‬كبمساعدة مف بريطانيا كبشراكة معيا بدأت الجامعات‬
‫ككف مكتباتيا الخاصة مف المخطكطات العربية النفيسة‪ .‬كمع انتياء الحرب‬
‫األمريكية تي ٌ‬
‫العالمية الثانية انتدبت الجامعات األمريكية عددا كبي ار مف أعالـ المستشرقيف‪ ،‬اإلنجميز‬
‫منيـ خاصة كافتتحت مراكز عديدة بمعية ىؤالء‪.‬‬

‫كيحسب لممدرسة األمريكية أنيا خطت باالستشراؽ خطكات جديدة جعمتو يتجو أكثر نحك‬
‫االختصاص كالتخصص أكثر فأكثر فأصبحت الدراسات أكثر دقة في منطقة معينة كفي فرع‬
‫مف فركع المعرفة دكف غيره‪.‬‬

‫أشير أعالم ىذه المدرسة‪:‬‬

‫‪ _1‬جورج سارتون(‪1956 -1884‬م) ‪:‬‬

‫بمجيكي األصؿ‪ ،‬كاف اختصاصو العمكـ الطبيعية كالرياضية‪ ،‬درس العربية في بيركت في‬
‫الجامعة األمريكية ىناؾ‪ ،‬ألقى محاضرات كثيرة حكؿ أحداث التاريخ اإلسالمي كفضؿ العرب‬
‫عمى الفكر اإلنساني‪ ،‬مف أىـ إنتاجاتو كالتي ركز فييا عمى دكر العرب كالمسمميف في‬
‫‪1‬‬
‫الحضارة اإلنسانية كتابو الميـ "المدخؿ الى تاريخ العمـ"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اندلكسي محمد‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف‪ (،‬مرجع سابؽ) ص‪.68‬‬

‫‪37‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -2‬دنكن بالك ماكدونالد (‪1943 -1863‬م)‪:‬‬

‫مف أصؿ إنجميزم‪ ،‬بدأ حياتو العممية في إسكتمندا‪ ،‬كبعد انتقالو األكؿ‪ ،‬الى برليف أيف‬
‫تتممذ عمى بعض المستشرقيف األلماف كأخذه عنيـ‪ ،‬تكجو إلى أمريكا مف أجؿ تعميـ المغات‬
‫السامية‪ .‬تنكع إنتاجو بيف الدراسات الشرعية كالدراسات المغكية مف أىـ أعمالو تأسيسو "مجمة‬
‫العالـ اإلسالمي" مع جمع مف المستشرقيف كالمتخصصيف األمريكييف"‪.‬‬

‫‪ -3‬غوستاف فون غروبناوم(‪1972 -1909‬م)‬

‫نمساكم المكلد‪ ،‬درس في جامعة فيينا‪ ،‬ثـ جامعة برليف ‪ ،‬ىاجر الى الكاليات المتحدة‬
‫كالتحؽ بجامعة نيكيكرؾ‪ ،‬ثـ ارتحؿ الى جامعة شيكاغك‪ ،‬ليستقربو المقاـ في جامعة كاليفكرنيا‬
‫حيث جد كاجتيد ككاف لو الفضؿ األكبر في تأسيس مركز دراسات الشرؽ االكسط بيا‪ ،‬مف‬
‫الميتميف بدراسة األدب العربي كمف أىـ كتبو المعركفة " اإلسالـ في العصر الكسيط"‬

‫ىذا كفضال عف ىذه المدارس التي سقناىا أمثمة كنماذج‪ ،‬فإف ىناؾ مدارس أخرل متميزة‬
‫مثؿ المدرسة اليكلندية‪ ،‬كالمدرسة اليكغسالفية‪ ،‬كلكؿ منيا رجاالتيا الذيف ليـ مكانتيـ في‬
‫‪1‬‬
‫تاريخ االستشراؽ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أندلكسي محمد ‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف ‪(،‬مرجع سابؽ)ص‪.68‬‬

‫‪38‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطمب الرابع‪ :‬أىداف االستشراق ودوافعو‬

‫بحث العمماء في أىداؼ األبحاث كالدراسات التي تغص بيا مكتبات االستشراؽ ‪،‬‬
‫كدكافع الكتابة في الطعف في القرآف كالحديث ‪ ،‬فذكركا مجمكعة مف األىداؼ كالدكافع ‪،‬‬
‫نحاكؿ تقريرىا باختصار‪: 1‬‬

‫‪/1‬األىداف ‪:‬‬

‫الم ٍستى ٍش ًرًق ى‬


‫يف "في يجممتيـ" مف الدراسات االستشراقية إلى ثالثة أىداؼ‪:‬‬ ‫تنقسـ أىداؼ ي‬
‫أ‪ -‬اليدف العممي المشبوه ‪ ،‬وييدف إلى ‪:‬‬

‫‪ .1‬التشكيؾ بصحة رسالة النبي ‪‬كمصدرىا اإلليي‪ ،‬فجميكرىـ ينكر أف يككف الرسكؿ نبيا‬
‫مكحى إليو مف عند اهلل جؿ شأنو كيتخبطكنو في تفسير مظاىر الكحي التي كاف يراىا‬
‫أصحاب النبي صمى اهلل عميو كسمـ أحياننا‪ ،‬كبخاصة عائشة أـ المؤمنيف ‪ ،--‬فمف‬
‫المستشرقيف مف يرجع ذلؾ إلى« صرع »كاف ينتاب النبي صمى اهلل عميو كسمـ حينا بعد‬
‫حيف ‪ ،‬كمنيـ مف يرجعو إلى تخيالت كانت تمأل ذىف النبي صمى اهلل عميو كسمـ ‪ ،‬كمنيـ‬
‫مف يفسرىا بمرض نفسي‪ ،‬كىكذا كأف اهلل لـ يرسؿ نبيا قبمو حتى يصعب عمييـ تفسير ظاىرة‬
‫الكحي‪ ،‬كلما كانكا كميـ ما بيف ييكد كمسيحييف يعترفكف بأنبياء التكراة‪ ،‬كىـ كانكا أقؿ شأنان‬
‫مف محمد صمى اهلل عميو كسمـ في التاريخ كالتأثير كالمبادئ التي نادل بيا ‪ ،‬كاف إنكارىـ‬
‫التعصب الديني الذم يمأل نفكس أكثرىـ كرىباف‬
‫ٌ‬ ‫لنبكة النبي صمى اهلل عميو كسمـ تعنتا مبعثو‬
‫‪2‬‬
‫كقسس كمبشريف‪.‬‬

‫مصطفى السباعي ‪ ،‬المستشرقكف ماليـ كما عمييـ ‪(،‬د ‪ -‬ب‪ ،‬دار الكراؽ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬د ‪-‬ط‪ ،‬د ‪ -‬ت ) ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.26-25‬‬
‫‪2‬‬
‫مصطفى السباعي ‪ ،‬المستشرقكف ماليـ كما عمييـ ‪(،‬المرجع نفسو ) ص‪.26‬‬

‫‪39‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ال عميو مف عند اهلل عز كجؿ ‪ ،‬كحيف‬


‫كيتبع ذلؾ إنكارىـ أف يككف القرآف كتابنا منز ن‬
‫يفحميـ ما كرد فيو مف حقائؽ تاريخية عف األمـ الماضية مما يستحيؿ صدكره عف أمي مثؿ‬
‫محمد صمى اهلل عميو كسمـ ‪ ،‬يزعمكف ما زعمو المشرككف الجاىميكف في عيد الرسكؿ مف أنو‬
‫استمد ىذه المعمكمات مف أناس كانكا يخبركنو بيا‪ ،‬كيتخبطكف في ذلؾ تخبطا عجيبا ‪،‬‬

‫كحيف يفحميـ ما جاء في القرآف مف حقائؽ عممية لـ تعرؼ كتكتشؼ إال في ىذا العصر ‪،‬‬
‫كيرجعكف ذلؾ إلى ذكاء النبي صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬فيقعكف في تخبط أشد غرابة مف سابقو‪.‬‬

‫‪.2‬كيتبع إنكارىـ لنبكة الرسكؿ كسماكية القرآف ‪ ،‬إنكارىـ أف يككف اإلسالـ دينا مف عند اهلل‬
‫كانما ىك ممفؽ عندىـ مف الديانتيف الييكدية كالمسيحية ‪ ،‬كليس ليـ في ذلؾ مستند يؤيده‬
‫البحث العممي ‪ ،‬كانما ىي ادعاءات تستند عمى بعض نقاط االلتقاء بيف اإلسالـ كالدينيف‬
‫‪1‬‬
‫السابقيف ‪.‬‬

‫كيالحظ أف المستشرقيف الييكد أمثاؿ جكلد تسيير‪ 2‬كشاخت ىـ أشد حرصا عمى ادعاء‬
‫استمداد اإلسالـ مف الييكدية كتأثيرىا فيو ‪ ،‬أما المستشرقكف المسيحيكف فيجركف كراءىـ في‬
‫ىذه الدعكل ‪ ،‬إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعكف أف يزعمكا تأثر اإلسالـ بو كأخذه منو‪،‬‬
‫كانما فيو مبادئ أخالقية زعمكا أنيا أثرت في اإلسالـ ‪ ،‬كدخمت عميو منيا ‪،‬كأف المفركض‬
‫في الديانات اإلليية أف تتعارض مبادئيا األخالقية ‪ ،‬ككأف الذم أكحى بديف ىك غير الذم‬
‫أكحى بديف آخر ‪ ،‬فتعالى اهلل عما يقكلكف عمكنا كبي ار‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى السباعي ‪ ،‬المستشرقكف ماليـ كما عمييـ ‪(،‬مرجع سابؽ ) ص ‪.26-25‬‬
‫‪2‬‬
‫جكلد زيير‪ :‬مستشرؽ ييكدم لكد سنة‪1850‬ـ‪ ،‬في بالد المجرف كىمؾ فييا‪1921‬ـ‪ ،‬كيعتبر مف أبرز محررم دائرة‬
‫المعارؼ اإلسالمية(أنظر المستشرقكف‪ ،‬نجيب العقيقي ج‪ )2‬ص ‪.909‬‬
‫‪3‬‬
‫مصطفى السباعي ‪ ،‬المستشرقكف ماليـ ك ما عمييـ ‪( ،‬المرجع نفسو) ص ‪.27-26‬‬

‫‪43‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -3‬التشكيؾ في صحة الحديث النبكم الذم اعتمده عمماؤنا المحققكف ‪ ،‬كيتذرع ىؤالء‬
‫المستشرقكف بما دخؿ عمى الحديث النبكم مف كضع كدس ‪ ،‬متجاىميف تمؾ الجيكد التي‬
‫بذليا عمماؤنا لتنقية الحديث الصحيح مف غيره ‪ ،‬مستنديف إلى قكاعد بالغة الدقة في التثبت‬
‫كالتحرم ‪ ،‬مما لـ يعيد عندىـ في ديانتيـ عشر معشاره في التأكد مف صحة الكتب المقدسة‬

‫عندىـ ‪ ،‬كقد ناقشتيـ في ذلؾ نقاشنا عممينا في كتابي ‪"":‬السنة كمكانتيا في التشريع اإلسالمي‬
‫‪1‬‬
‫"" الذم صدر حديثان ‪.‬‬

‫كالذم حمميـ عمى رككب متف الشطط في دعكاىـ ىذه ‪ ،‬ما رأكه في الحديث النبكم الذم‬
‫اعتمده عمماؤنا مف ثركة فكرية كتشريعية مدىشة ‪ ،‬كىـ ال يعتقدكف بنبكة الرسكؿ ‪ ،‬فادعكا أف‬
‫ىذا ال يعقؿ أف يصدر كمو عف محمد األمي بؿ ىك عمؿ المسمميف خالؿ القركف الثالثة‬
‫األكلى‪ ،‬فالعقدة النفسية عندىـ ىي عدـ تصديقيـ بنبكة الرسكؿ ‪ ،‬كمنيا ينبعث كؿ‬
‫تخبطاتيـ كأكىاميـ ‪.‬‬

‫‪ -4‬التشكيؾ بقيمة الفقو اإلسالمي الذاتية ‪ ،‬ذلؾ التشريع اليائؿ الذم لـ يجتمع مثمو لجميع‬
‫األمـ في جميع العصكر‪ ،‬لقد سقط في أيدييـ حيف اطالعيـ عمى عظمتو كىـ ال يؤمنكف‬
‫بنبكة الرسكؿ ‪ ،‬فمـ يجدكا بدنا مف الزعـ بأف ىذا الفقو العظيـ مستمد مف الفقو الركماني ‪ ،‬أم‬
‫أنو مستمد منيـ كليس مستمدان مف أم فقو آخر ‪ ،‬ما يفحـ المتعنتيف منيـ ‪ ،‬كيقنع المنصفيف‬
‫‪2‬‬
‫ال‪.‬‬
‫الذيف ال يبغكف غير الحؽ سبي ن‬

‫‪ -5‬التشكيؾ في قدرة المغة العربية عمى مسايرة التطكر العممي‪ ،‬لتظؿ عالة عمى‬
‫مصطمحاتيـ التي تشعرنا بفضميـ كسمطانيـ األدبي عمينا‪ ،‬كتشكيكيـ في غنى األدب‬
‫العربي‪ ،‬كاظياره مجدبان فقي انر لنتجو إلى آدابيـ‪ ،‬كذلؾ ىك االستعمار األدبي الذم يبغكنو مع‬
‫‪3‬‬
‫االستعمار العسكرم الذم يرتكبكنو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى السباعي‪ ،‬المستشرقكف ماليـ ك ما عمييـ‪( ،‬مرجع سابؽ) ص ‪.27‬‬
‫‪ 2‬مصطفى السباعي‪ ،‬المستشرقكف ماليـ ك ما عمييـ‪( ،‬مرجع نفسو) ص‪.28‬‬
‫‪ 3‬عبد هللا محمد األمٌن النعٌم‪ ،‬االستراق فً السٌرة النبوٌة‪( ،‬معهد العالمً للفكر اإلسالمً ط ‪1414، 1-‬هـ ‪1997،‬م) ص‬
‫‪.35‬‬

‫‪41‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تمؾ ىي األىداؼ العممية التي يعمؿ ليا أكثرىـ أك جميرتيـ الساحقة ‪.‬‬

‫ب‪ /‬األىداف الدينية والسياسية ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األىداف الدينية‪:‬‬

‫لقد برز االستشراؽ منذ البداية بقصد إيقاؼ التأثير اإلسالمي في العمـ الغربي‪ ،‬ثـ تطكر‬
‫ليخدـ مشركع تنصير المسمميف‪ ،‬كلقد كاف ىدؼ االستشراؽ منذ نشأتو خدمة الكنيسة‬

‫كاالستعمار‪ .‬كحسب ما يرل بعض الباحثيف فإف االستشراؽ قد بدأ بنشاط الرىباف في مجاؿ‬
‫الترجمة‪ ،‬حيث تكجيت البعثات العممية المسيحية إلى األندلس‪.‬‬

‫ككاف ضمف باباكات الكنيسة مف تعٌمـ في األندلس "جربر دم اراليؾ"‪ ،‬الذم تكلى منصب‬
‫البابكية في الفترة مف ‪ 999‬إلى ‪ 1003‬باسـ "سمفستر الثاني‪ "،‬كلقد قاـ "بطرس" بتشكيؿ‬
‫جماعة مف المترجميف لمحصكؿ عمى معرفة مكضكعية عف اإلسالـ‪ ،‬كما أنو أكعز بترجمة‬
‫انكب المفسركف‬
‫القرآف إلى الالتينية‪ .‬فقد كاف البد مف معرفة جيدة عمى مستكل العقيدة‪ .‬ك ٌ‬
‫المسيحيكف عمى ترجمة القرآف كدراستو مف أجؿ نقده‪ ،‬كىذا النقاش الالىكتي لـ يكف دائما‬
‫صاد ار عف حسف ٌنية‪ ،‬كىك كاف ساىـ في التعريؼ باإلسالـ إال أنو لـ يساىـ في إيجاد تفاىـ‬
‫أفضؿ‪.‬‬

‫امتد النفكذ الكنسي عمى االستشراؽ حتى كصؿ الى المعاىد العممية‪ .‬فمثال قرار‬
‫كلقد ٌ‬
‫نص صراحةن عمى خدمة‬ ‫إنشاء كرسي المغة العربية في جامعة "كمبردج" سنة ‪1636‬ـ َّ‬
‫ىدفيف أحدىما تجارم‪ ،‬كاآلخر تنصيرم‪ ،‬كنتيجة ليذا التأثير الكنسي عمى الباحثيف‬
‫المستشرقيف‪ ،‬فإف دكافعو تضؿ غير بريئة‪ ،‬إذ لـ تكف مقاصدىا الدخكؿ في حكار مع اإلسالـ‬
‫أك محاكلة استيعاب تعاليمو بقدر ما كانت غايتيـ تقديـ صكرة كريية كمشكىة‪ ،‬تم ٌكف‬
‫‪1‬‬
‫الكنيسة مف االحتفاظ برعاياىا كالحيمكلة دكف دخكليـ في اإلسالـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد اهلل محمد األميف النعيـ‪ ،‬االستشراؽ في السيرة النبكية(مرجع سابؽ) ص ‪35‬‬

‫‪42‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثانيا‪ :‬األىداف السياسية و االستعمارية‪:‬‬

‫كىك العامؿ األكضح في حركة االستشراؽ‪ ،‬فاالستشراؽ في صكرتو األكلى تطمٌع معرفي‬
‫كىدؼ ثقافي‪ ،‬كلما امتدت مطامح الغرب في الشرؽ ألىداؼ استراتيجية كاقتصادية‪،‬‬

‫كاف االستشراؽ ىك جياز المعمكمات القادر عمة اف يمد األجيزة التنفيذية بمخططات‬
‫جغرافية كاجتماعية كسكانية كثقافية‪ ،‬كيبيف بكؿ دقة مككنات كؿ منطقة في العالـ‬
‫كخصائصيا كمكاطف القكة كالضعؼ فييا‪ ،‬كىذا التحالؼ االستراتيجي بيف حركة االستشراؽ‬

‫كالمطامح االستعمارية‪ ،‬افقد المؤسسة االستشراقية اىـ خصكصياتيا الثقافية ك األخالقية‪،‬‬


‫كأدل التحالؼ الى النتائج التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ضعف الثقة بالدراسات االستشراقية‪:‬‬

‫مف حيث نزاىة ىذه الدراسات كالتزاميا بالمكضكعية كالحياد‪ ،‬كالبحث عف الحقيقة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ايجاد فجوة بين الدراسات االستشراقية وحركة الثقافة الوطنية‪:‬‬

‫كأصبح منيج الدراسات االستشراقية مكطنا لمشؾ كالريبة‪ ،‬كبخاصة اف الدراسات‬


‫االستشراقية لـ تحترـ خصكصيات الثقافة االسالمية‪ ،‬بؿ استخدمت أسمكبا يمكف اف يكصؼ‬
‫بأسمكب االستفزاز كالتحدم‪ ،‬كبخاصة عندما لقضايا ثقافية‪ ،‬كيصدر حكما مسبقا قبؿ اف‬
‫‪1‬‬
‫تتضح لو الحقيقة كما اثبتيا البحث العممي‪.‬‬

‫كمف الطبيعي أف يتسع العامؿ السياسي لكي يشمؿ عكامؿ جديدة أسيمت في تشجيع‬
‫المدرسة االستشراقية عمى أف تخضع حركتيا لممصالح االستراتيجية لمغرب‪ ،‬سكاء كانت‬
‫‪2‬‬
‫المصالح سياسية أك اقتصادية أك اعالمية أك عسكرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد اهلل محمد األميف النعيـ‪ ،‬االستشراؽ في السيرة النبكية( مرجع سابؽ) ص ‪.35‬‬
‫‪2‬‬
‫اندلكسي محمد‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف(مرجع سابؽ) ص ‪.41‬‬

‫‪43‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثالثا‪ :‬االىداف العممية‪:‬‬

‫كىي مف الدكافع بالغة األىمية‪ ،‬إذ أف الحالة المتردية ألكركبا في القركف الكسطى لـ‬
‫تكف لترضي طمكح شعكبيا كخاصة المتنكريف المتفتحيف منيـ كالذيف أركا أنو البد مف األخذ‬
‫بأسباب الحضارة كالرقي لمخركج مف ظالـ تمؾ الفترة‪ .‬ك أركا أنو ال سبيؿ ليـ إلرساء نيضتيا‬
‫–أم أكركبا‪ -‬إال عمى أساس مف التراث اإلنساني الذم تمثمو الثقافة العربية‪ .‬فقد كاف التطكر‬
‫كالتقدـ الذم حققتو المدينة اإلسالمية خاصة في أزىى عصكرىا صاعقا كمثؿ النمكذج‬
‫كنز حضاريا ال نظير لو في بقاع العالـ األخرل‪،‬‬
‫يعد نا‬
‫الكاجب االحتذاء بو‪ ،‬كالعالـ العربي ٌ‬
‫ففيو شيدت حضارات كثقافات‪ ،‬كنشأت لغات كفمسفات ككلدت عمكـ كفنكف‪ ...‬فقد حفظت‬
‫الحضارة اإلسالمية تراثا إنسانيا ىائال مف الزكاؿ كنمتو كطكرتو بصكرة أك بأخرل ك ما كاف‬

‫لكؿ ىذا الصيت الذم اكتسبتو أف يمر مركر الكراـ عمى باقي األصقاع المتاحة‪ ،‬أثارت كؿ‬
‫ىذه القيـ كالمنجزات اىتماـ عمماء الغرب‪ ،‬فاىتمكا بدراستيا كاكتشاؼ اسرارىا‪ ،‬فشدكا الرحاؿ‬
‫الى حكاضر العمـ المعركفة آنذاؾ في العالـ العربي مثؿ بغداد ك الشاـ كبالد األندلس التي‬
‫كانت كال ريب مف أىـ محطات استقباليـ‪ ،‬نظ ار لمقرب الجغرافي ككذا عمكـ التسامح الذم‬
‫تمتعت بو ىذه البيئة عف غيرىا‪ ،‬كقد كانت فائدة اكركبا مف ىذه البعثات عظيمة كال تقدر‬
‫بثمف‪ ،‬حيث أصبح أفرادىا بعد عكدتيـ مف األندلس شعمة عممية تضيء غياىب أكطانيا‪،‬‬
‫كأخذت تنشر العمكـ كالفمسفات كاآلداب كالحقائؽ فدفعت بشعكبيا خطكات جبارة ال يمنؾ‬
‫التغاضي عنيا عند النظر في تطكر العمـ في العالـ‪.‬‬

‫كخالصة األمر أف طمب العمـ الذم كانت البالد العربية كاإلسالمية مكئالن لو كاف أحد‬
‫أىـ دكافع االستشراؽ‪ ،‬كالحقيقة الخالدة التي يجب تذكرىا دائما دكف مغاالة كال مبالغة كانما‬
‫إنصاؼ لمحؽ كالتاريخ‪ ،‬ىي أف المدينة األكركبية الحديثة كالعممية أيضا تديف بالكثير‬
‫لمحضارة اإلسالمية‪ ،‬ىذا إف لـ نقؿ أف مبعث ىذه المدينة األكركبية المتعاظمة كاف مف‬
‫‪1‬‬
‫أرض الشرؽ كخاصة ديار االسالـ فيو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اندلكسي محمد‪ ،‬الترجمة األدبية مف العربية عند المستشرقيف(مرجع سابؽ)ص ص ‪.42-41‬‬

‫‪44‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪/2‬الدوافع ‪:‬‬

‫تتعدد دكافع المستشرقيف في دراساتيـ كيمكف إجماليا فيما يمي‪:‬‬


‫ٌ‬

‫أوال‪ :‬الدافع الديني‪:‬‬

‫لقد لفت نظر النصارل منذ قركف طكيمة سرعة انتشار اإلسالـ‪ ،‬كقدرتو الفائقة عمى‬
‫التكسع كالتغمب عمى خصكمو‪ ،‬كخاصة عندما غ از اإلسالـ الصميبية كانتصر عمييا في عقر‬
‫دارىا كأقاـ حضارة كدكلة في األندلس‪ ،‬ثـ حينما استبكت الصميبية مع اإلسالـ في الشرؽ‬
‫"الحركب الصميبية " كتراجعت منكسرة ميزكمة تجر أذياؿ الخيبة‪ ،‬كباإلضافة إلى ىذا فإف‬
‫اإلسالـ يياجـ معتقدات النصارل الباطمة كيفندىا‪ ،‬كيقرر زيفيا كبطالنيا باألدلة الدامغة مثؿ‬
‫التثميث كبنكة المسيح كالصمب كالفداء‪ ،‬فأدرككا أف اإلسالـ يمثؿ تيديدان حقيقيان لمنصرانية التي‬
‫غزاىا في عقر دارىا‪ ،‬كأقاـ سدان منيعان في كجو انتشارىا‪ ،‬كىبكا يكتبكف عف اإلسالـ‪.‬‬

‫بركح متعصبة كقمكب حاقدة كقامت طالئع المستشرقيف تعمؿ في دأب عمى تشكيو صكرة‬
‫اإلسالـ لدل األكركبييف حتى ال يعتنقكنو ‪ ،‬كلـ تترؾ نقيصة كال رذيمة إال كألصقتيا باإلسالـ‬
‫‪1‬‬ ‫كرسكلو كتاريخو كرجالو‪ ،‬مف منطمؽ كراىيتيـ لإلسالـ كاعتقادىـ بأنو ديف و‬
‫معاد لمنصرانية‪.‬‬

‫كقد اعترؼ المستشرقكف المعاصركف بذلؾ األمر‪ ،‬فقاؿ ركدل بارت‪ "":2‬حقيقة إف العمماء‬
‫كرجاؿ الالىكت في العصر الكسيط كانكا يتصمكف بالمصادر األكلى في تعرفيـ عمى‬
‫اإلسالـ ككانكا يتصمكف بيا عمى نطاؽ كاسع ‪ ،‬كلكف كؿ محاكلة لتقييـ ىذه المصادر عمى‬
‫نحك مكضكعي نكعا ما ‪ ،‬كانت تصطدـ بحكـ سابؽ يتمثؿ في أف ىذا الديف المعادم‬
‫‪3‬‬
‫لمنصرانية ال يمكف أف يككف فيو خير‪ ،‬ىكذا كاف الناس ال يكلكف تصديقيـ‬

‫‪1‬‬
‫إسماعيؿ عمي محمد ‪ ،‬االستشراؽ بيف الحقيقة كالتضميؿ ‪(،‬دار الكممة ‪ ،‬د ب ‪ ،‬ط ‪1421 ،3 -‬ىػ‪2000 /‬ـ)ص‬
‫ص‪.29- 28‬‬
‫‪2‬‬
‫ركدل بارت‪ ) 1901-1983(RUDI PARET:‬مستشرؽ ألماني ‪ ،‬ترجـ القرآف إلى األلمانية مع شرح فيمكلكجي‪ ،‬كلد في‬
‫‪3‬أبريؿ ‪1901‬في ‪ Wittendorf‬بنكاحي ‪ Freudenstadt‬في الغابة السكداء بجنكبي ألمانيا ‪ ،‬مف أسرة يكثر فييا القساكسة‬
‫المسيحيكف انظر( مكسكعة المستشرقيف لعبد الرحماف بدكم‪ ،‬ط ‪ )3‬ص‪.62‬‬
‫‪ 3‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل ‪(،‬دار الكلمة ‪ ،‬د ب ‪ ،‬ط ‪1421 ،3 -‬هـ‪2333 /‬م)ص ص‪.29-28‬‬

‫‪45‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إال لتمؾ المعمكمات التي تتفؽ مع ىذا الرأم المتخذ مف قبؿ‪ ،‬ككانكا يتمقفكف منيـ كؿ‬
‫األخبار التي تمكح ليـ مسيئة إلى النبي العربي كالى ديف اإلسالـ"‪.‬‬

‫كلألسؼ الشديد فإف ىذه الركح العدائية في الكتابة عف اإلسالـ قد ظمت مصاحبة لالستشراؽ‬
‫طكاؿ مراحمو‪ ،‬كبقيت حتى اآلف أحقادا كامنة لـ تطفئيا األياـ‪ ،‬تفرز سمكمان كأفكا انر عدائية‬
‫تخريبية ضد اإلسالـ كالمسمميف ‪.‬‬

‫كقد سار الدافع الديني لالستشراؽ في اتجاه آخر إباف ظيكر ما سمي بحركة اإلصالح‬
‫الديني المسيحي‪ ،‬حيف شعر المسيحيكف بركستانت ككاثكليؾ‪ ،‬بحاجات ضاغطة إلعادة‬
‫النظر في شركح كتبيـ الدينية كلمحاكلة تفيميا عمى أساس التطكرات الجديدة التي تمخضت‬
‫عنيا حركة اإلصالح ‪ ،‬كمف ىنا اتجيكا إلى دراسة العبرانية‪ ،‬كىذه أدت بيـ إلى الدراسات‬
‫العربية فاإلسالمية ألف األخيرة كانت ضركرية لفيـ األكلى‪ ،‬كخاصة ما كاف منيا متعمقنا‬
‫بالجانب المغكم كبمركر ال زمف اتسع نطاؽ الدراسات الشرقية حتى شممت أدياف كلغات‬
‫كثقافات غير إسالمية كغير عربية‪ ،‬كعندما قامت حركة "لكثر"(‪1483‬ق‪1546-‬ـ) بالثكرة‬
‫عمى الفاتيكاف‪ ،‬بدأ دعكتو بالدعكة إلى دراسة التكراة في لغتيا األكلى ‪ ،‬كىي العبرية ‪ ،‬كلما‬
‫كانت العالقة بيف العبرية كبيف العربية كثيقة‪ ،‬ككانت العربية لغة تائية المعالـ ‪ ،‬كغير‬
‫مضبكطة‪ ،‬فإف االعتماد عمى المغة العربية في التعرؼ عمى الكممات العبرية كاف أم ار‬
‫ضركريا‪.‬‬

‫كليذا نشط في ألمانيا نشاط جـ لدراسة العبرية كالعربية مف اجؿ بعث الكتاب المقدس في‬
‫صكرة صادقة جديدة بعيدة عف التفسيرات الخرافية التي تتبناىا الكنيسة ‪.‬‬

‫ك في غمار تمؾ الحركات اإلصالحية التي تفجرت ينابيعيا كتدفؽ عبر القركف ضد‬
‫الكنيسة تيارىا‪ ،‬تتحدل سمطانيا‪ ،‬كتيتؾ أستارىا‪ ،‬كتكشؼ سكءاتيا‪ ،‬برز دافع ديني لدراسة‬
‫‪1‬‬
‫اإلسالـ‪ ،‬كتعرؼ المزيد عنو لعرض "نقائصو" كما يتخيمكف ىـ كلتشكيو صكرتو ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل ‪(،‬مرجع سابق) ص‪.29-28‬‬

‫‪46‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كاإلكثار مف الحديث عف مساكئو " المزعكمة " حتى تتصرؼ جمكع النصارل في الغرب‬
‫عف تكجيو النقد لتصرفات رجاؿ الديف تأث انر بما يشيعو أرباب حركات اإلصالح المتتابعة‬
‫خالؿ اإلعصار كلينصرفكا كذلؾ عف التنبو لما في دينيـ مف تحريفات كخرافات ما أنزؿ اهلل‬
‫بيا مف سمطاف ‪ ،‬كحماية الكنيسة مف األخطار التي تكاجييا ‪ ،‬كتزكيدىـ بمعمكمات يمكف أف‬
‫احد كاف ""راعيا ألكؿ ترجمة التينية لمقرآف ‪ ،‬كما‬
‫يكظفكىا كيتحصنكا بيا ضد اإلسالـ‪ ،‬كىذا ك ه‬
‫‪1‬‬
‫كاف ىك نفسو صاحب حممة جدلية طائشة ضد اإلسالـ" ‪.‬‬

‫كىك بطرس المكقر‪ 2‬حيث كاف يعتبر اإلسالـ ىرطقة نصرانية ‪ ،‬يبرر جيكده في سبيؿ‬
‫إيجاد تمؾ الترجمة التي ظيرت عاـ ‪ 1143‬فيقكؿ ‪ ":‬إذا كاف ىذا العمؿ يبدك مف النكافؿ‬
‫الزائدة ألف العدك ليس عرضة لميجكـ بمثؿ ىذا السالح ‪ ،‬فإني أرد بأف في بالد ممؾ عظيـ‬
‫تككف بعض األشياء لمدفاع ‪ ،‬كبعضيا لمزينة ‪ ،‬كبعضيا لكمييما‪ ...‬إلى أف قاؿ ‪ :‬ككذلؾ‬
‫الحاؿ مع ىذا العمؿ فإذا لـ يكف باإلمكاف تنصير المسمميف بو ‪ ،‬فمف حؽ العالـ عمى األقؿ‬
‫أف يساند إخكانو الضعفاء في الكنيسة الذيف يسيؿ افتضاحيـ بأشياء صغية"‪.‬‬

‫كفي الكقت ذاتو خشي النصارل في الغرب مف كصكؿ الصكرة الحقيقية لإلسالـ إلى‬
‫جماىيرىـ النصرانية ‪ ،‬حتى ال تعتنقو ‪ :‬إذ اإلسالـ ديف الفطرة ‪ ،‬كلك أتيح لغير المسمميف‬
‫التعرؼ عميو كدراستو في جك مف االتزاف كاإلنصاؼ ‪ ،‬لما ترددكا في اإليماف كالرضا بو‬
‫دينان‪ ،‬يعرؼ ىذه الحقيقة األحبار كالرىباف ‪ ،‬فيندفعكف كالمجانيف يشكىكف صكرة اإلسالـ‬
‫العظيـ في مجافاة بالغة لمعقؿ كالمنطؽ ‪ ،‬كالمعايير األخالقية النبيمة‪.‬‬

‫كقد سبؽ أف أكردنا ما اعترؼ بو جيبير النكجنتي مف أنو ال يعتمد في كتاباتو عف‬
‫اإلسالـ عمى أية مصادر مكتكبة ‪ ،‬كأشار فقط إلى آراء العامة كأنو ال يكجد لديو كسيمة‬
‫‪3‬‬
‫لتمييز‬

‫‪1‬‬
‫إسماعيؿ عمي محمد ‪ ،‬االستشراؽ بيف الحقيقة كالتضميؿ(مرجع سابؽ)‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪2‬‬
‫بطرس المكقر‪ :‬راىب كالىكتي فرنسي ‪ ،‬كلد حكالي ‪ 1092‬في أكقرف كسط فرنسا‪ ،‬كجيو أىمو لمحياة الرىبانية ‪ ،‬كنشأ في‬
‫دير قريب مف سككسيالنج ‪ Sauxilanges‬تابع لدير كمكني ‪،Cluny‬انظر(مكسكعة المستشرقيف لعبد الرحماف بدكم ‪ ،‬ط‪8‬‬
‫) ص‪.110‬‬
‫‪3‬‬
‫إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق)‪ ،‬ص ص ‪.32،33‬‬

‫‪47‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بيف الخطأ كالصكاب‪ ،‬كأنو قاؿ مبر نار مفترياتو عف اإلسالـ كنبيو ‪":‬ال جناح عمى المرء إذا‬
‫‪1‬‬
‫ذكر بالسكء مف يفكؽ خبثو كؿ سكء يمكف أف يتصكره المرء"‪.‬‬

‫كمما يذكر أف المسمميف لما فتحكا مدينة القسطنطينية عاصمة الدكلة الركمانية الشرقية ‪،‬‬
‫كفييا مركز البابكية لمكنائس الشرقية ىب رجاؿ الكنيسة كقدىا ليـ الخطب العظيـ ‪ ،‬فأخذكا‬
‫في االفتراء كالتشنيع عمى اإلسالـ كتشكيو أحكامو اإلليية العادلة ‪ ،‬ككاف الدافع ليـ في ىذه‬
‫الحممة الحيمكلة بيف رعاياىـ الذيف أقبمكا عمى الدخكؿ في ديف اهلل أفكاجان ‪ ،‬ليصدكىـ عف‬
‫اإلسالـ الذم يبيح تعدد الزكجات كالطالؽ‪.‬‬

‫كقد برز الدافع الديني لالستشراؽ أكثر ما برز في اتجاه خطير‪ ،‬أال كىك التبشير ‪ ،‬حيث‬
‫رغب النصارل في تنصير المسمميف‪ ،‬كالقياـ بأعماؿ كأنشطة تبشيرية بينيـ‪ ،‬كبذؿ كؿ ما في‬
‫كسعيـ لحمؿ المسمميف عمى ترؾ اإلسالـ‪ ،‬أك ترؾ تعاليمو‪ ،‬كالتخمي عف اتخاذىـ منيج‬
‫‪2‬‬
‫كدستكر يحكـ جميع شؤكنيـ‪.‬‬
‫ان‬ ‫الحياة ليـ‪،‬‬

‫كبيذا الدافع كاف اإلقباؿ عمى تعمـ المغة العربية كآدابيا ‪ ،‬ليتـ ليـ قراءة العمكـ اإلسالمية ‪،‬‬
‫كالتعرؼ عمى مبادئ اإلسالـ كمصادره كشعكبو‪ ،‬ككضع الخطط كالتصكرات المناسبة لتشكيؾ‬
‫المسمميف في دينيـ‪ ،‬كتشكيو صكرتو أماميـ حتى يسيؿ عمييـ القياـ بأعماؿ التبشير بينيـ ‪.‬‬

‫كمف أظير الدالئؿ عمى كجكد ىذا الدافع التبشيرم لمدراسات االستشراقية ما جاء في‬
‫تقرير المراجع األكاديمية المسئكلة في جامعة كمبردج بالنسبة إلنشاء كرسي المغة العربية‬
‫فييا ‪ ،‬في خطاب مؤرخ في ‪ 9‬مايك ‪1636‬ـ إلى مؤسسي ىذا الكرسي "كنحف ندرؾ أننا ال‬
‫نيدؼ مف ىذا العمؿ إلى االقتراب مف األدب الجيد بتعريض جانب كبير"‪ 3‬مف المعرفة لمنكر‬
‫بدالن مف احتسابو في نطاؽ ىذه المغة التي نسعى لتعمميا ‪ ،‬كلكننا نيدؼ أيضا إلى تقديـ‬
‫‪4‬‬
‫خدمة نافعة إلى الممؾ كالدكلة عف طريؽ تجارتنا مع األقطار الشرقية ‪ ،‬كالى تمجيد اهلل‬

‫‪1‬‬
‫إسماعيؿ عمي محمد ‪ ،‬االستشراؽ بيف الحقيقة كالتضميؿ(مرجع سابؽ)‪ ،‬ص‪.32-30‬‬
‫‪2‬‬
‫إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق)‪.32 ،‬‬

‫‪ 3‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق)‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪ 4‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق)‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫‪48‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بتكسيع حدكد الكنيسة ‪ ...‬كالدعكة إلى الديانة المسيحية بيف ىؤالء الذيف يعيشكف اآلف في‬
‫الظممات ‪.‬‬

‫فيذا الخطاب كما ىك كاضح ينص صراحة عمى خدمة ىدفيف ‪:‬‬

‫أحدىما تجارم كاآلخر تبشيرم‪ ،‬كقد ذكرت المصادر التاريخية أف مجمع فيينا الكنسي قرر‬
‫سنة ‪1312‬ـ إدخاؿ العربية مع لغات أخرل في جامعات ‪ :‬باريس ‪ ،‬بكلكنيا‪ ، ،‬أكسفكرد‪،‬‬
‫سممنكا ‪ ،‬ككاف الغرض مف ىذا القرار تبشيريا خالصان ككنسيان ال عمميان‪.‬‬

‫كقد كاف ذلؾ القرار نتيجة لمقترحات المبشريف إذ ذلؾ كعمى رأسيـ "رامكف لؿ القطمكني"‬

‫المبشر المسيحي القديـ كىك أشير المبشريف في عصره‪ ،‬كفي ىذا يقكؿ المستشرؽ" جكستاؼ‬
‫‪1‬‬
‫إفكف جركنيباكـ"‪.‬‬

‫فإنو يقصد{ لؿ القاطمكني} لما مثؿ أماـ مجمس فييف (‪ )1312-1311‬اقترح أمكر ثالثة‬
‫لممحافظة عمى شرؼ العقيدة الكاثكليكية المقدسة كتكقيرىا كنشرىا ‪ :‬أكليا ‪ ،‬أنو ينبغي أف‬
‫تبنى أماكف معينة يتكفر فييا‪ 2‬أشخاص بأعيانيـ مف القانتيف ذكم الذكاء الرفيع عمى دراسة‬
‫لغات شتى بغية التبشير باإلنجيؿ المقدس لمشعكب كافة‪ ،‬كثانييا أنو ينبغي أف يتككف مف‬
‫جميع الفرساف المسيحييف نظاـ خالص ‪ ،‬ينبغي أف يدأب جاىدنا لفتح األراضي المقدسة ‪،‬‬
‫كثالثيا أنو معارضة لرأم ابف رشد الذم حاكؿ في أشياء كثيرة تفنيد اآلراء المذككرة ‪ ،‬كتبيت‬
‫‪3‬‬
‫كؿ مف يرل ذلؾ الرأم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إفكف جركنيباكـ‪ )1909-1972 GUSTAVE EVON GRUNEBAUM):‬مستشرؽ نمساكم كلد في فيينا اكؿ‬
‫سبتمبر ‪ 1909‬ـ ‪ ،‬كتعمـ في مدارس فيينا كفي جامعتيا ‪ ،‬ثـ في جامعة برليف ‪ ،‬مف اىـ أعمالو كتابو "االسالـ في العصر‬
‫الكسيط" أعيد طبعو ‪ ،1954‬كترج إلى الفرنسية ‪ ،1961‬انظر ( مكسكعة المستشرقيف‪ ،‬عبد الرحماف بدكم ‪ ،‬ط‪)8‬‬
‫ص‪.182‬‬
‫‪ 2‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق)‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ 3‬إسماعيؿ عمي محمد ‪ ،‬االستشراؽ بيف الحقيقة كالتضميؿ(مرجع سابؽ)‪ ،‬ص‪.35‬‬

‫‪49‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ككانت الثمرة المباشرة لمقترحو األكؿ‪ ،‬ىي إصدار المجمس ق ار ار بإنشاء خمس كميات‬
‫لتعميـ العبرية كالعربية كالكمدانية في ركما كبكلكنيا كباريس كأكسفكرد ك سالمنكا ‪.‬‬

‫كقد اعترؼ "يكىاف فيكؾ" بالدافع الديني التبشيرم في صراحو فقاؿ‪ :‬إف االستشراؽ لـ يكف‬
‫عمال عمميان محضان‪ ،‬بؿ إف المراد منو ىك الرد عمى اإلسالـ‪ ،‬كالتبشير بالنصرانية بيف‬
‫المسمميف‪ ،‬كذلؾ بتراجـ عربية لإلنجيؿ‪ ،‬كذلؾ في كتابو "تاريخ االستشراؽ كالمستشرقيف في‬
‫أكركبا بدءا مف القرف "التاسع عشر" كقد نشره سنة ‪1955‬ـ لتأكيد ىذا المعنى ‪.‬‬

‫كسجؿ الحركة االستشراقية حافؿ بالكثير مف المبشريف‪ 1‬كرجاؿ الديف‪ ،‬الذيف لبسكا أردية‬
‫ٌ‬
‫العمـ فكؽ مسمكح الكياف‪ ،‬كراحكا يشغمكف باالستشراؽ لخدمة التبشير‪ ،‬حيث سكدكا آالؼ‬
‫الصحائؼ كالمجمدات عرضا لإلسالـ‪ ،‬كانتقاصنا منو كطعننا فيو‪ ،‬فكانكا بمثابة المصنع الذم‬
‫يصنع الشبيات كيقذؼ بالدراسات المناكئة لإلسالـ كالمسمميف‪ ،‬ككانت الحركة التبشيرية تقكـ‬
‫بدكر التسكيؽ كالتركيج ليذه الدراسات ك تكظيفيا بما يخدـ أغراضيـ‪ ،‬كمنذ البداية كاف ىناؾ‬
‫تجاكب في القصد بيف المستشرؽ األكاديمي كالمبشر اإلنجيمي‪.‬‬

‫كمف المبشريف نفر يشتغمكف باآلداب العربية ك العمكـ اإلسالمية‪ ،‬أك يستخدمكف غيرىـ في‬
‫سبيؿ ذلؾ‪ ،‬ثـ يرمكف ركميـ مما يكتبكف إلى أف يكازنكا بيف اآلداب العربية كاآلداب األجنبية‪،‬‬
‫أك بيف العمكـ اإلسالمية كالعمكـ الغربية (التي يعدكنيا نصرانية ألف أمـ الغرب تديف‬
‫بالنصرانية) ليخرجكا دائما بتفضيؿ اآلداب الغربية عمى اآلداب العربية اإلسالمية‪ ،‬كبالتالي‬
‫إلى إبراز نكاحي النشاط الثقافي في العرب كتفضيميا عمى أمثاليا في تاريخ العرب كاإلسالـ‪،‬‬
‫كما غايتيـ مف ذلؾ إال خمؽ تخاذؿ ركحي كشعكر بالنقص في نفكس الشرقييف كحمميـ مف‬
‫‪2‬‬
‫ىذا الطريؽ عمى الرضا بالخضكع لممدينة المادية الغربية‪.‬‬

‫كيقكؿ الدكتكر" إسماعيؿ عمي محمد" في" كتابو االستراؽ بيف الحقيقة كالتضميؿ" ‪ :‬كقد مر‬
‫‪3‬‬
‫بنا أف االستشراؽ قاـ في أكؿ أمره عمى أكتاؼ الرىباف كالقسس‪ ،‬كذكرنا بعض األسماء‬

‫‪ 1‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل (مرجع سابق)‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ 2‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل (المرجع نفسه)‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ 3‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل (المرجع نفسه)‪،‬ص ‪.37‬‬

‫‪53‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كيضاؼ إلييا ىنا المبشر كالمستشرؽ صامكيؿ زكيمر‪ ،1‬ككذلؾ ماسينيكف ‪ ،2‬كالفيجرم‪،3‬‬
‫كغيرىـ كثيركف ‪ ،‬يضيؼ المقاـ ىنا عف اإللماـ بيـ" ‪.‬‬

‫كال ننسى كنحف نتحدث عف الدافع الديني لالستشراؽ ىنا المستشرقيف الييكد ‪ ،‬خاصة ‪،‬‬
‫فإنيـ كما ذكر أحد الباحثيف‪ ":‬أقبمكا عمى االستشراؽ ألسباب دينية كىي محاكلة إضعاؼ‬
‫اإلسالـ كالتشكيؾ في قيمو بإثبات فضؿ الييكدية في نظرىـ ىي مصدر اإلسالـ األكؿ‪،‬‬
‫كألسباب سياسية تتصؿ بخدمة الصييكنية ‪ :‬فكرة أكالن ثـ دكلة ثانيا‪ ،‬ىذه كجية نظر ربما ال‬
‫تجد مرجعان مكتكبان يؤيدىا غير أف الظركؼ المترادفة في كتابات ىؤالء المستشرقيف تعزز‬
‫‪4‬‬
‫الكجية ‪ ،‬كتخمع عمييا بعض خصائص االستنتاج العممي‪.‬‬
‫كالحقيقة أف عداكة الييكد لإلسالـ ال تحتاج إلى جيد كبير في التدليؿ عمييا ‪ ،‬كيكفي أف‬
‫اهلل تعالى قاؿ ‪ :‬ﭧ ﭨ ﱡ ﲆ ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ‬
‫ﲎﲏﱠ[المائدة \اآلية ‪ ، ]82‬أك لما بعث اهلل رسكلو محمد صمى اهلل عميو كسمـ ‪ ،‬كأخذ‬
‫يدعك إلى اإلسالـ كاف عمى رأس مف ناصبو العداء الييكد‪ ،‬فقادكا محاكالت التشكيؾ‬
‫كالتشكيو كتزييؼ الحقائؽ‪ ،‬ككانكا يمدكف الكفار الكثنييف بالشبيات التي ينثركنيا في كجو‬
‫الدعكة اإلسالمية‪ ،‬كاشتعمت بسببيـ نار الحرب الفكرية‪ ،‬ككانكا بمثابة الشيطاف في عصابة‬
‫‪5‬‬
‫المجرميف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫صامكيؿ زكيمر ‪:‬كلد في الثاني عشر مف شير أبريؿ عاـ ‪1867‬ـ‪ ،‬ككاف ترتيبو في أسرتو الثالث عشر مف خمسة عشر‬
‫‪ ،‬يعد صمكيؿ مارينكس زكيمر مف أشير الشخصيات البارزة في التنصير ‪ ،‬كأشتير بأنو منصر أكثر مما عرؼ بأنو‬
‫مستشرؽ ‪ ،‬فقد عرؼ المغة العربية ‪ ،‬ككاف عارفا محترفا في االسالميات كمنص ار مقنعا‪ ،‬انظر ( ممخص بحث‪ ،‬صمكيؿ‬
‫زكيمر‪ ،‬حياتو كرحاله ‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬ناصر بف إبراىيـ آؿ تكيـ)ص‪.1‬‬
‫‪2‬‬
‫ماسينيكس‪ ،1883-1962 )LOUIS MASSIGNON):‬مستشرؽ فرنسي عظيـ كىك مف بيف المستشرقيف في مكانة ال‬
‫يضارعو فييا إال "نيمدكو" ك"نمينك" ك"جكلد زيير" امتاز منيـ جميعا بنفكذ النظرة كعمؽ االستبطاف كالقدرة عمى استنباط‬
‫التيارات المستكرة كراء المذاىب الظيرة كاالفكار السطحية‪ ،‬انظر(مكسكعة المستشرقيف لعبد الرحماف بدكم ‪ ،‬ط‪)8‬‬
‫ص‪.529‬‬
‫‪3‬‬
‫ال فيجرم‪:‬شارؿ انطكاف مارسياؿ الفيجرم ‪ ،‬كلد في‪31‬أكتكبر‪1825‬بمدينة كير قرب بايكف عمى سفكح جباؿ البريني ‪،‬‬
‫كىك االبف األكبر في عائمتو المتككنة مف أخ كأختيف ‪ ،‬أظير الفيجرم منذ صباه تكجيا دينيا خالصا‪ ،‬انظر(مذكرة النشاط‬
‫التنصيرم لكاردنياؿ الفيجرم في الجزائر‪ ،‬طيار ليمى )ص‪.29‬‬
‫إسماعيؿ عمي محمد ‪ ،‬االستشراؽ بيف الحقيقة كالتضميؿ(مرجع سابؽ)‪ ،‬ص‪.37‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق)‪ ،‬ص‪37‬‬

‫‪51‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كلقد ظؿ الييكد خالؿ أدكار التاريخ المتعاقبة يقذفكف باألفكار المعادية لإلسالـ ‪،‬‬
‫كيصدكف عف سبيؿ اهلل ك يبغكنيا عكجان ‪ ،‬حتى عصرنا الحاضر الذم شيد نشاطان ييكدينا‬
‫محمكمنا في ىذا المجاؿ‪ ،‬فقامكا عمى كؿ صعيد‪ ،‬كركبكا كؿ سبيؿ‪ ،‬كجندكا كؿ شيء مف‬
‫أجؿ نشر الفكر المعادم لبني اإلنساف بعامة ‪ ،‬كاإلسالـ كالمسمميف خاصة ‪.‬‬

‫كقد برز في عالـ اإلستشراؽ رمكز كثيرة مف الييكد الذيف كانت دراستيـ طافحة بالتحامؿ‬
‫كالتعصب ضد اإلسالـ‪ ،‬كصارت لألسؼ مراجع لمباحثيف في اإلسالـ مف الغربييف ‪ ،‬بؿ‬
‫كلبعض المسمميف الذيف يدرسكف في الغرب ‪ ،‬مف ىؤالء المستشرقيف الييكد ‪ :‬جكلد زيير ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫يكسؼ شانت‪ ،‬غ‪ .‬فكف جركنباكـ‪ ،‬ك كليـ ركدلؼ‪ ،‬كغيرىـ‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬الدافع العممي‬

‫كىذا الدافع قد تمثؿ في اتجاىيف عمى النحك التالي ‪:‬‬

‫األول‪ :‬دافع عممي‬

‫يقصد بو دراسة عمكـ الشرؽ اإلسالمي في مختمؼ التخصصات العممية‪ ،‬كنقميا إلى الغرب‬
‫لتنيض أكركبا كتتقدـ نحك الرقي الحضارم الذم سبقيا بو المسممكف بمسافات شاسعة إباف‬
‫ازدىار الحضارة اإلسالمية‪ ،‬حيث كاف الغرب يعيش في ظالـ دامس‪ ،‬كتخمؼ حضارم‬
‫مطبؽ‪ ،‬ففتح عينو عمى تقدـ المسمميف في العمكـ‪ ،‬كتفكقيـ الحضارم كسبقيـ في شتى‬
‫المياديف‪ ،‬كخاصة عندما فتح المسممكف األندلس‪ ،‬كأقامكا فييا حضارة زاىرة‪ ،‬كمدنية راقية‪،‬‬
‫كاكبيا نيضة عممية خارقة‪ ،‬فحرص عمى أف يتحمؿ مف عمكـ الشرؽ اإلسالمي‪ ،‬كيقتبس مف‬
‫حضارتو لينيض مثؿ المسمميف‪ ،‬فكاف ال بد مف تعمـ المغة العربية ‪،‬كتتممذ عمى أيدم عمماء‬
‫المسمميف‪ ،‬كالرحمة إلى حيث يقيمكف‪ ،‬كانكب الغربيكف عمى عمكـ الشرؽ اإلسالمي ينيممكف‬
‫مف معينيا الصافي‪ ،‬كيجمعكف المخطكطات اإلسالمية إلى المغات األكركبية في شتى‬
‫المياديف‪ ،‬كينقمبكف إلى أىمييـ في الغرب عمييـ ‪ ،‬كيتخمصكا مف سيطرتيـ‪ ،‬إذ اعتقدكا أنيـ‬
‫‪2‬‬
‫لف يستطيعكا التغمب عمى المسمميف إال بتعمـ عمكميـ‪.‬‬

‫‪ . 1‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق) ص‪.38‬‬


‫‪ 2‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق) ص‪.39‬‬

‫‪52‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كنقؿ تراثيـ‪ ،‬كقد ظؿ ىؤالء المستشرقيف يدرسكف كينقمكف تمؾ العمكـ عمى يد العرب‬
‫كالمسمميف محتفظيف ألنفسيـ بعقائدىـ كاتجاىاتيـ البغيضة نحك اإلسالـ كالمسمميف ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬دافع عممي لبعض المستشرقين‬

‫القصد منو البحث العممي الخالص‪ ،‬كدراسة اإلسالـ كعمكمو‪ ،‬بتجرد عف اليكل كنزاىة‬
‫عف التعصب‪ ،‬دراسة تجمى ليـ بعض الحقائؽ التي خفيت عنيـ‪.‬‬

‫"كمف المستشرقيف نفر قميؿ جدا أقبمكا عمى االستشراؽ بدافع مف حب االطالع عمى‬
‫حضارات األمـ كأديانيا كثقافاتيا كلغاتيا ‪ ،‬كىؤالء كانكا أقؿ خطأ في فيـ اإلسالـ كتراثو ‪،‬‬
‫ألنيـ لـ يككنكا يتعمدكف الدس كالتحريؼ‪ ،‬فجاءت أبحاثيـ أقرب إلى الحؽ كالى المنيج‬
‫العممي السميـ مف أبحاث الجميرة الغالبة مف المستشرقيف"‪.‬‬

‫" كىـ مع إخالصيـ في البحث كالدراسة ال يسممكف مف األخطاء كاالستنتاجات البعيدة عف‬
‫الحؽ‪ ،‬إما لجيميـ بأساليب المغة العربية‪ ،‬كاما لجيميـ باألجكاء اإلسالمية التاريخية عمى‬
‫حقيقتيا‪ ،‬فيحبكف أف يتصكركىا كما يتصكركف مجتمعاتيـ‪ ،‬ناسيف الفركؽ الطبيعية كالنفسية‬
‫كالزمنية التي تفرؽ بيف األجكاء التاريخية التي يدرسكنيا‪ ،‬كبيف األجكاء الحاضرة التي‬
‫‪1‬‬
‫يعيشكنيا "‪.‬‬

‫‪ 1‬إسماعٌل علً محمد ‪ ،‬االستشراق بٌن الحقٌقة والتضلٌل(مرجع سابق) ص‪.42‬‬

‫‪53‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬موقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬

‫تمييد‬

‫ط ىعنكا في شتى‬‫تبيف لنا خالؿ مسيرة بحثنا ىذا ٌأنو يكجد فئة مف المستشرقيف الذيف ن‬
‫ٌ‬
‫النبكية كالعقيدة‬
‫ٌ‬ ‫السيرة‬
‫شريفة ك ٌ‬
‫السنة ال ٌ‬
‫تخص اإلسالـ مف القرآف الكريـ ك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫المكاضيع التي‬
‫اإلسالمية‪ ...‬كغير ذلؾ مف المكاضيع التي أكردكا فييا ال ٌشبيات كاألكاذيب‪ ،‬ساعييف بذلؾ‬
‫ٌ‬
‫إلى القضاء عمى اإلسالـ كىدـ أصكلو كأركانو‪ ،‬كلكف رغـ تطاكليـ عمى ما سبؽ ذكره يك ًجد‬
‫الدليؿ العقمي كالنقمي؛ كمنيـ الدكتكر سعيد‬
‫بالحجة ك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫العديد مف العمماء الذيف كاجيكىـ‬
‫يرد عمييـ بأساليب الحكمة كالمكعظة الحسنة ‪،‬‬
‫رمضاف البكطي ‪ -‬رحمة اهلل عميو ‪ ، -‬فكاف ٌ‬
‫السكية أك‬
‫ٌ‬ ‫يدعكف الحقيقة كيثيركف ال ٌشبيات البعيدة عف المفاىيـ كاألفكار‬
‫أما الذيف ٌ‬
‫ٌ‬
‫الرمية يرمكف بأفكارىـ المسمكمة مف بعيد ‪ ،‬فكاف أسمكبو مع ىؤالء‪ ،‬الجداؿ بالتي‬‫كأصحاب ٌ‬
‫ألف فييا قطع عذر الكافريف كازالة شبياتيـ؛ فكاف أسمكبو ىذا مطيعا لما أمر بو‬
‫ىي أحسف‪ٌ ،‬‬
‫عز كجؿ في كتابو ﭧ ﭨ ﱡ ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ‬
‫اهلل ٌ‬
‫ﲡﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﱠ‬
‫ﲢ‬ ‫ﲞ ﲟﲠ‬
‫ردىا عمييـ كاف يريد مكاجيتيـ كجيا‬ ‫كلكف رغـ كؿ الردكد التي ٌ‬
‫[النحؿ‪\ :‬اآلية ‪ٌ ، ]125‬‬
‫الدكتكر سعيد رمصاف‬ ‫الصائب ‪ ،‬فقاؿ ٌ‬
‫الرأم ٌ‬
‫الصارمة ك ٌ‬
‫ليتبيف ليـ كلغيرىـ الحقيقة ٌ‬
‫لكجو ٌ‬
‫البكطي في مقدمة كتابو" ال يأتيو الباطؿ‪ ":‬كاألمر المضحؾ في ذلؾ كمِّو ٌأنيـ ال يطيمكف‬
‫ال داخؿ جدراف مغمقة‪ ،‬ليس معيـ فيو أحد‪ ،‬فيـ كمف يصارعكف اليكاء‬ ‫لمنيؿ منو‪ ،‬إ ٌ‬
‫ألسنتيـ ٌ‬
‫المحيط بيـ‪ ،‬أك كمف يجادلكف أشباحيـ المر ٌئية داخؿ المرآة المثبتة أماميـ!‪ ..‬عندما‬
‫تصادفيـ المكاجيات‪ ،‬يخمعكف أقنعة العداكة كالبغضاء‪ ،‬كيستبدلكف بيا مظاىر التقدير‬
‫الحؽ أينما الح‪ ..‬فإذا خال بعضيـ إلى بعض‪ ،‬قاؿ‬‫ٌ‬ ‫كرغائب المسالمة كالتٌعاكف ابتغاء إحقاؽ‬
‫كجددكا العزـ فيما بينيـ عمى ممارسة الكيد‪ ،‬كتزييؼ‬
‫قائميـ‪ٌ :‬إنا معكـ‪ٌ ،‬إنما نحف مستيزؤكف‪ٌ -‬‬
‫الديف كالحاكم لمجامع‬
‫الحؽ‪ ،‬كاختالؽ األكاذيب كلصؽ االفتراءات بكتاب اهلل‪ ،‬باعتباره ينبكع ٌ‬
‫ٌ‬
‫الرسؿ كاألنبياء‪".‬‬
‫المشترؾ لما بعث بو سائر ٌ‬

‫‪54‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يتٌضح لنا مف خالؿ ما تقدـ مفيكـ االستشراؽ كبعض أىداؼ ىؤالء المستشرقيف في‬
‫طعنيـ في اإلسالـ ك أركانو كأصكلو كمصادره‪ ،‬كننتقؿ اآلف إلى الحديث في ىذا المبحث‬
‫يخص القرآف الكريـ أكالن‪ ،‬كالسيرة‬
‫ٌ‬ ‫يرددىا بعض ىؤالء المستشرقيف فيما‬‫عف ال ٌشبيات التي ٌ‬
‫رد اإلماـ سعيد رمضاف البكطي – رحمو‬ ‫النبكية ثانيا‪ ،‬كالعقيدة االسالمية ثالثا‪ ،‬كنقكـ بسرد ٌ‬
‫اهلل ‪ -‬عمييا ‪ -‬بإذف اهلل تعالى‪.-‬‬

‫‪55‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطمب االول ‪ :‬نموذج عن طعون المستشرقين في القرآن الكريم ورد الشيخ‬


‫البوطي عمييم‪.‬‬

‫إف شبية الغيب كالعمـ الحديث ىي إحدل شبيات المستشرقيف التي أكردىا االماـ‬ ‫ٌ‬
‫الرد عمييا كتكضيحيا كىي كما يمي‪:‬‬
‫البكطي في كتابو "ال يأتيو الباطؿ "كعمؿ عمى ٌ‬

‫إف العمـ الحديث في نظر المستشرقيف م ٌكف اإلنساف مف معرفة الكثير مف الظكاىر‬
‫ٌ‬
‫لمدة ٌأياـ‪ ،‬كأمكر‬
‫الجكية حتى ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الطبيعية كمكاعيدىا كاألعاصير كالبراكيف‪ ،‬ككذا األحكاؿ‬
‫الرسكؿ‬
‫أف ٌ‬
‫كيبرر ذلؾ أف القرآف كالـ مخمكؽ ال خالؽ ك ٌ‬
‫كاف يحكـ عمى الدنيا ‪‬أخرل‪ٌ ...‬‬
‫كٌميا بما يعرفو مف حاؿ الجزيرة العربية آنذاؾ فيقكؿ أحد المستشرقيف إف القراف يقكؿ‪:‬‬
‫ﭧ ﭨﱡ ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱠ‬
‫مزؽ حجب الغيب أماـ اإلنساف‪ ،‬فأصبح بإمكانو أف يعمـ‬ ‫[النمؿ‪\ :‬اآلية ‪ ]65‬كالعمـ الحديث ٌ‬
‫غيكب الماضي كالمستقبؿ كمٌيا‪ ،‬كاألجنة في األرحاـ ‪ ،‬كما تأتي بو قادمات األياـ مف‬
‫أف القرآف كالـ محمد الذم كاف يحكـ‬
‫كحر كبرد كأمطار‪ ،‬كىذا دليؿ عمى ٌ‬
‫كسكؼ كخسكؼ ٌ‬
‫الدنيا كمٌيا بما يعرفو مف حاؿ الجزيرة العربية في عصره !‪..‬‬
‫عمى ٌ‬
‫كحسب ما نراه في رأم المستشرقيف نجد أنيـ عمى جيؿ بمفيكـ الغيب كخمطيـ ما بيف‬
‫نفسر شفاء بعض البشر كنجاتيـ‬‫قدرات العمـ الحديث كقدرات اهلل سبحانو كتعالى كا ٌال كيؼ ٌ‬
‫أف ىناؾ‬
‫مف المكت رغـ جزـ الطب كالعمـ بنياية حياتيـ ‪ ،‬كىنا تكصؿ اإلماـ البكطي إلى ٌ‬
‫لبس في فيـ المستشرقيف لمغيب كمفاتيح الغيب ‪.‬‬

‫المتبجح بكممات العمـ كالفقير إلى مضمكنو‬


‫ٌ‬ ‫يقكؿ اإلماـ الشييد البكطي ‪ « :‬كأقكؿ ليذا‬
‫العممية الحديثة‪ ،‬لف يصؿ إلى يقيف عممي‬
‫ٌ‬ ‫إف اإلنساف ميما أكتي مف القدرات كالميارات‬‫‪ٌ :‬‬
‫بالمغيبات ًّأيا كانت‪ .‬كسبب ذلؾ ٌ‬
‫أف مفاتيح المغيبات ليست بيده‪ ،‬كليس لو مف سمطاف‬
‫‪1‬‬
‫عمييا»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد سعيد رمضاف البكطي ‪ ،‬ال يأتيو الباطؿ(دمشؽ‪ ،‬د ‪ -‬الفكر‪،‬ط ‪1،1428-‬ىػ‪2007 /‬ـ) ص ص ‪. 17 -16‬‬

‫‪56‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مقدمات‬
‫أف اإلنساف يعمـ الغيب عف طريؽ العمـ الذم ينطمؽ مف ٌ‬
‫فاإلماـ البكطي يكضح ٌ‬
‫‪1‬‬
‫بالنتائج مع التجربة كالتكرار‪.‬‬
‫كينتيي ٌ‬

‫ال عالقة التٌجربة‬


‫الميـ إ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫"إننا ال نممؾ العمـ بأم عالقة بيف ىذه المقدمات كنتائجيا‪،‬‬
‫فقاؿ ٌ‬
‫المرات المقبمة‬
‫النتائج ذاتيا في ٌ‬
‫تكرث اإلنساف طمأنينة كبيرة إلى ٌ‬
‫المتكررة الٌتي مف شأنيا أف ِّ‬
‫ٌ‬
‫السـ ؛‬
‫تجرع ٌ‬
‫الدكاء‪ ،‬كنتٌكقع اليالؾ بعد ٌ‬
‫ككضح بمثاؿ ‪" ...‬نحف نتكقع ال ٌشفاء بعد تناكؿ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫"‪.‬‬
‫السـ كأثره ؟ ىذا ما ال نعممو ‪".‬كىذا ما‬
‫الدكاء كأثره‪ ،‬أك ٌ‬
‫كلكف ما مصدر الفاعمية الكامنة بيف ٌ‬
‫‪2‬‬
‫سماه الشيخ البكطي ‪-‬رحمو اهلل ‪ -‬بمفاتيح الغيب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫"كؿ ما يتكقعو اإلنساف مما لـ يحدث بعد‪ ،‬بناء عمى دالئؿ‬ ‫كيقكؿ في تعريفو لمغيب ٌ‬
‫السـ‪،‬‬
‫تجرع ٌ‬
‫الدكاء‪ ،‬كالمكت بعد ٌ‬
‫اعتمدىا‪ ". ..‬كأعطى مثاال عمى ذلؾ "تكٌقع ال ٌشفاء بعد تناكؿ ٌ‬
‫بالنظرية العممية ًّأيا كانت ٌ‬
‫ألنيا لـ تصؿ إلى‬ ‫أف أحدا يؤمف ٌ‬‫مف الغيب"‪ .‬كما ال يتصكر ٌ‬
‫العممية سيأتي مف يفنِّدىا‪ .‬ىذا ما أدلى بو فضيمة الشيخ محمد‬
‫ٌ‬ ‫النظرية‬
‫ألف ٌ‬
‫عممية‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫حقيقة‬
‫الغزالي – رحمو اهلل ‪ ، -‬في إحدل خطبو ‪.3‬‬

‫قضية مفاتيح الغيب بيد اهلل‬


‫يتحدث عف ٌ‬
‫أف اإلماـ البكطي تكٌقع ظيكر مجادال ٌ‬
‫كلكف نجد ٌ‬
‫صح ىذا الذم يقكؿ‪ ،‬فإنا سنجد أنفسنا في كضع ال‬
‫لعؿ مجادال يقكؿ ‪ ":‬فإذا ٌ‬
‫فقاؿ‪ ":‬كلكف ٌ‬
‫المسببات تنقطع‬
‫ألف الثٌقة التي بيننا كبيف عالـ األسباب ك ٌ‬
‫نستطيع أف نتعامؿ فيو مع الحياة‪ٌ ،‬‬
‫عندئذ كتؤكؿ إلى زكاؿ‪.‬‬

‫الداء‪ ..‬لف ننيض لمتٌسبب‬


‫الدكاء تنقطع سببيتو عف ٌ‬ ‫فمعؿ ٌ‬
‫لف نأخذ أنفسنا يكمئذ بعالج‪ٌ ،‬‬
‫النيراف المحرقة‬
‫ألف الفاعمية هلل‪ ..‬بؿ لف ٌنحمي أنفسنا مف ٌ‬
‫لسبب ال قيمة لو‪ٌ ،‬‬
‫لعؿ ا ٌ‬
‫بالرزؽ‪ ،‬إذ ٌ‬
‫ٌ‬
‫لعؿ الفاعمية التي فييا كىـ ال حقيقة لو‪ ،‬أك لعمٌيا تنفصؿ عف‬
‫السمكـ الميمكة‪ ،‬إذ ٌ‬‫كال مف ٌ‬
‫‪4‬‬
‫السـ باإلىالؾ‪".‬‬
‫النار باإلحراؽ كعالقة ٌ‬
‫فتنفؾ عالقة ٌ‬
‫ٌ‬ ‫آثارىا‬

‫‪1‬‬
‫محمد سعٌد رمضان البوطً ‪ ،‬ال ٌأتٌه الباطل( مرجع سابق) ص ‪.17‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد سعيد رمضاف البكطي‪ ،‬ال يأتيو الباطؿ( مرجع سابؽ) ص ص‪.17 ،15‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد سعٌد رمضان البوطً‪ ،‬ال ٌأتٌه الباطل( المرجع نفسه) ص ص‪.17 ،15‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد سعيد رمضاف البكطي‪ ،‬ال يأتيو الباطؿ( ال مرجع نفسو ) ص‪.20‬‬

‫‪57‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطمب الثاني‪ :‬نموذج عن طعون المستشرقين في السيرة النبوية ورد الشيخ‬


‫البوطي عمييم‬

‫بالدراسات‬
‫شيد العصر الحديث كالمعاصر اىتماما بالغا مف الباحثيف كالمستشرقيف ٌ‬
‫بكية عمى كجو خصكص‪ ،‬فقد ترجمكا سيرة ابف ىشاـ كأٌلفكا عف‬
‫الن ٌ‬
‫السيرة ٌ‬
‫اإلسالمية عامة ك ٌ‬
‫الرسكؿ صمى اهلل عميو كسمـ كتبا حكؿ حياتو كشخصيتو كمغازيو‪...‬بغض النظر عف قربيـ‬
‫أك بعدىـ مف النزاىة العممية في التأليؼ‪.‬‬

‫كقد حظيت سيرة النبي‪ ‬باىتماـ بالغ‪ ،‬كنالت مف الدراسات كالبحكث قديما كحديثا ما لـ تنمو‬
‫أم سيرة أخرل‪ ،‬كالذم ال يخمك فيو مجاؿ مف الحديث عف رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ‪،‬‬‫ٌ‬
‫تشد إلييا دراسات استشراقية عالمية فردية‬
‫النبكية العالمية أف ٌ‬
‫كقد تم ٌكنت أبعاد الشخصية ٌ‬
‫كجماعية‪ ،‬كتغكص في أعماقيا‪.‬‬

‫فمقد ركز المستشرقكف في دراساتيـ كمؤلفاتيـ عمى نقاط معينة في السيرة النبكية بقصد‬
‫‪1‬‬
‫التشكيش كاثارة شبيات غير صحيحة كدعاكم كاذبة‪ ،‬لتشكيؾ في اإلسالـ كمو‪.‬‬

‫حتى قاـ الشيخ محمد سعيد رمضاف البكطي بالحديث عمى شبيات المستشرقيف في كتابو‬
‫أف حياة الرسكؿ صمى اهلل عميو كسمـ ىي‬ ‫فقو السيرة النبكية كىذه الشبيات تمثٌمت في ٌ‬
‫الرجاؿ الذيف سبقكه أك الذيف جاؤكا مف‬
‫عظمة إنسانية مجردة مثؿ صفات العديد مف القادة ك ٌ‬
‫بعده‪.‬‬

‫كأف الفتح اإلسالمي الذم قاده النبي صمى اهلل عميو كسمـ ىك عبارة عف ثكرة سياسية‬
‫(شيكعية) اقتصادية ضد اليمينية (الرأسمالية) المتطرفة‪ ،‬ككثير منيـ حاكلكا أف يي ٍف ًي يمكا ٌ‬
‫الناس‬
‫الرغبة الخفية لدل النبي صمى اهلل عميو كسمـ بعد قيامو بالفتح ىي‬ ‫كيقنعكىـ بيذه الفكرة‪ ،‬كاف ٌ‬
‫‪2‬‬
‫الزعامة كالسيادة مف أيدم األعاجـ إلى العرب‪.‬‬
‫نقؿ ٌ‬

‫‪1‬‬
‫قنكف فاطمة ‪ ،‬شكاشي خديجة ‪ ،‬صكرة نبي اإلسالـ في الفكر الغربي الحديث ‪،‬كمية اآلداب كالمغات ‪ ،‬قسـ المغة كاألدب‬
‫العربي ‪1434،‬ق ‪1435‬ق‪2014،‬ـ ‪2013‬ـ‪.‬ص‪06‬‬
‫محمد سعيد رمضاف البكطي‪ ،‬فقو السيرة النبكية ‪ (،‬دمشؽ سكرية دار الفكر ‪ ،‬ط ‪1411 10-‬ىػ‪1991 /‬ـ) ص‪.09‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪58‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫رد عمى ىذه‬


‫الضاليف المضٌميف فقد ٌ‬
‫بؽ مكتكؼ األيدم أما ىؤالء ٌ‬ ‫فالشيخ البكطي لـ ىي ى‬
‫ال ٌشبيات التي ال تميؽ بالنبي صمى اهلل عميو كسمـ ‪ ،‬قائال ‪:‬‬

‫الناس‬
‫كؿ ما كتبو المستشرقكف حكؿ سيرة الرسكؿ صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬لـ يصدقو ٌ‬
‫بأف ٌ‬
‫« ٌ‬
‫بأف عظمة رسكؿ اهلل ىي ثمرة مف ثمرات ٌنبكتو قبؿ‬
‫خاصة‪ ،‬كبقكا عمى يقيف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫عامة كالمثقفكف‬
‫ٌ‬
‫أف الفتح الذم قاـ بو ىك القياـ بأمر مف اهلل كليس اٌلمحاؽ‬
‫أف تككف مف نسيج إنسانيتو ‪ ،‬ك ٌ‬
‫أف السيادة فكؽ األرض ىي لإلنساف المستخمؼ في األرض‬ ‫كراء الماؿ كما يزعمكف‪ ،‬ك ٌ‬
‫‪1‬‬
‫الناس »‬
‫الصالح‪ ،‬ال باالمتيازات األخرل التي يتباىى بيا ٌ‬
‫كيتفاكتكف فييا بالتٌقكل كالعمؿ ٌ‬

‫‪ 1‬محمد سعٌد رمضان البكطي ‪ ،‬فقو السيرة النبكية‪( ،‬مرجع سابؽ) ص‪.09‬‬

‫‪59‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطمب الثالث‪ :‬نموذج طعون المستشرقين في العقيدة اإلسالمية‬

‫التصكرات الممكثة التي بثٌيا الذيف مف‬


‫ٌ‬ ‫أف العقيدة اإلسالمية لـ تسمـ ىي أيضا مف‬
‫نجد ٌ‬
‫كصفيـ الشيخ البكطي بمحترفي الغزك الفكرم أم (المستشرقيف)‪ ،‬حيث أساؤكا إلييا‬
‫بألسنتيـ‪ ،‬كأثاركا العديد مف ال ٌشبيات الباطمة في العديد مف مجاالتيا‪.‬‬

‫تختص في‬
‫ٌ‬ ‫العقائدية كالتي‬
‫ٌ‬ ‫كمف ىذه التصكرات العديدة‪ ،‬صادفتنا شبية مف الشبيات‬
‫التصكرات‪ ،‬كالتي منيا ممخص‬
‫ٌ‬ ‫الغيبية؛ أال كىي َّ‬
‫"الجنة" التي أكردكا عمييا العديد مف‬ ‫ٌ‬ ‫األمكر‬
‫يشد آماؿ العرب إليو ‪ ،‬عندما‬
‫أف محمدا استطاع بذكائو أف ٌ‬ ‫تصكر بعض المستشرقيف بػ " ٌ‬
‫ٌ‬
‫بأعز ما يحممكف بو كيطمحكف إليو مما يح وريمكا منو‪ ،‬في أكثر بقاعيـ التي‬
‫مناىـ ككعدىـ ٌ‬
‫ٌ‬
‫كانكا يعيشكف فييا ‪ ،‬أال كىي الجناف الكارفة الخضراء‪ ،‬كالمياه الكثيرة المتدفقة‪.‬‬

‫تحدث الشيخ البكطي عمى ىذه الشبية المزعكمة بإثراء ىذا المكضكع بأسئمة كأجكبة‬ ‫كقد ٌ‬
‫أف النبي صمى اهلل عميو كسمـ ليس كاذبا فيما أخبر بو‪.‬‬
‫الجنة حقيقة ك ٌ‬
‫أف ٌ‬ ‫يؤكد بيا ٌ‬
‫الجنة‪ ،‬كاف كانت في المغة تعني األرض‬ ‫إف كممة ٌ‬ ‫"الجنة " قائال‪ٌ "":‬‬
‫ٌ‬ ‫إذ بدأ بتعريفو لكممة‬
‫التي نمت فكقيا أشجار متقاربة كثيفة ‪ ،‬تجف الداخميف إلييا كتسترىـ عف األنظار ‪ ،‬إال ٌأنيا‬
‫ال اهلل عز كجؿ‪ ،‬تكافرت فيو سائر‬
‫في المصطمح القرآني‪ ،‬اسـ لعالـ ال يعمـ مدل اتٌساعو إ ٌ‬
‫أف‬
‫شؾ ٌ‬
‫كتطكرىا خالؿ العصكر ‪ ..‬كال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أنكاع ا ٌلنعيـ كأسباب المتعة‪ ،‬عمى اختالفيا في النكع‬
‫الجناف الكارفة كالمياه المتدفٌقة جزء أساسي منو‪ ،‬إذف فالكممة مف قبيؿ إطالؽ الجزء كارادة‬
‫الكؿ‪ ،‬كىك استعماؿ مألكؼ في الٌمغة العربية ""‬
‫ٌ‬

‫بأنيا ليست مجرد أشجار خضراء تجرم مف تحتيا األنيار‪ ،‬بؿ ىي عالـ‬ ‫الجنة ٌ‬
‫كما كصؼ ٌ‬
‫كدعـ كالمو ىذا بآيات مف القرآف الكريـ كحديث نبكم شريؼ ‪ ،‬يثبت‬
‫مترامي األطراؼ‪ٌ ،‬‬
‫كصحة ما يقكؿ‪ ،‬كمف ىذه اآليات ﭧ ﭨﱡ ﲩﲪﲫﲬﲭ‬
‫ٌ‬ ‫حقيقة الجنة‬

‫ﲮﲯ ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﱠ [الزخرؼ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫\اآلية ‪]71‬‬

‫‪ 1‬محمد سعيد رمضاف البكطي‪ ،‬ىذه مشكالتيـ‪( ،‬مرجع سابؽ) ص‪.180‬‬

‫‪63‬‬
‫ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ﭧ ﭨﱡ ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﱠ [األنبياء ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫\اآلية‪]110‬‬
‫الجنة حقيقة ال خياؿ ‪ ،‬فمك عاد ىؤالء الزاعمكف‬
‫أف ٌ‬ ‫النقمية ىي التي تثبت ٌ‬
‫ٌ‬ ‫فيذه األدٌلة‬
‫تممس ىؤالء الكاىمكف‬
‫الشيخ البكطي في ىذا‪« :‬كلك ٌ‬
‫إلييا لما قالكا ىذه الشبية المزٌيفة ؛ فقاؿ ٌ‬
‫المكىمكف تفسير كممة " الجنة " في القرآف ذاتو ‪ ،‬لكقفكا عمى ما يكقظيـ مف الكىـ إف‬
‫ى‬ ‫‪ ،‬أك‬
‫يخيب آماليـ إف كانكا مكىميف»‪.‬‬‫كانكا كاىميف‪ ،‬أك عمى ما ٌ‬

‫كطرح البكطي سؤاال عف تركيز القرآف الكريـ عمى الجناف الخضراء كاألنير المتد ٌفقة دكف‬
‫النعيـ كجعمو منيا رم از لمعالـ الذم نفى المستشرقكف كجكده ‪ ،‬كأجاب قائال‬
‫غيرىا مف أنكاع ٌ‬
‫«إف تأممت في مظاىر النعيـ المختمفة‪ ،‬رأيتيا جميعان خاضعة لمتطكر كالتبدؿ خالؿ األحقاب‬
‫النفكس كال‬
‫مستمر ثابتنا‪ ،‬ال تمٌمو ٌ‬
‫ٌنا‬ ‫كالعصكر‪ ،‬إالَّ نكعا معينا منيا‪ ،‬فيك ٌ‬
‫يمتد كالعمكد الفقرم‬
‫تغير‪ .‬أال كىك خضرة‬ ‫أم تطكر أك ٌ‬ ‫يتسرب إلى جكىره ٌ‬‫تتجاكزه الحضارات كالمدنيات‪ ،‬كال ٌ‬
‫‪2‬‬
‫األشجار كالرياحيف‪ ،‬كفكح األزىار كالكركد‪ ،‬كمنظر المياه الجارية المتد ٌفقة أماـ األبصار»‪.‬‬

‫ميالة إلى الخضرة بطبعيا ميما ارتقت إلى أعمى‬


‫أف الفطرة اإلنسانية ٌ‬
‫كأ ٌكد البكطي عمى ٌ‬
‫التطكر كىك سبب اختيار البياف اإلليي لو ليككف أساس عالمو المكعكد لممؤمنيف‬
‫ٌ‬ ‫درجات‬
‫الصالحيف """ كميما رأيت بمدانا أك شعكبا نالت قصب السبؽ في مضمار الحياة الحضارية‪،‬‬
‫مقكمات العيش كأسباب النعيـ‪ ،‬فإنيا تظؿ ٌتكاقة‬
‫التفنف في ٌ‬
‫التطكر ك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كارتقت إلى أعمى درجات‬

‫بيـ مف الخضرة الزاىية المرعة‪ ،‬كحريصة عمى أف ال يحجب بريؽ المياه‬ ‫إلى أف تحيط نفسيا ٌ‬
‫‪3‬‬
‫الجارية عف أعينيا‪ ،‬كأف ال ينقطع ىدرىا المتدفؽ عف آذانيا‪""".‬‬

‫‪ 1‬محمد سعٌد رمضان البوطً‪ ،‬هذه مشكالتهم‪(،‬مرجع سابق) ص‪.183‬‬


‫‪ 2‬محمد سعٌد رمضان البوطً‪ ،‬هذه مشكالتهم‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪ 3‬محمد سعيد رمضاف البكطي‪ ،‬ىذه مشكالتيـ‪( ،‬المرجع نفسو)‪ ،‬ص‪.182‬‬

‫‪61‬‬
‫خامتة‬
‫الخـــــــــــــــاتمة‬

‫الخــــــــــاتمة‬
‫وشكر دائمين متالزمين‪ ،‬ال يحصي عددىما إالّ ىو‬
‫ًا‬ ‫حمدا‬
‫نحمد اهلل تعالى ونشكره‪ً ،‬‬
‫السالمة من مشاغل‬
‫أمدنا بو من العون والتيسير والجيد والصحة و ّ‬
‫سبحانو وتعالى‪ ،‬عمى ما ّ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫التي تعيق عن المواصمة واالستقرار ّ‬
‫محمد سعيد‬
‫ّ‬ ‫الشيخ‬
‫تطرقنا فييا لمحديث عن اإلمام ّ‬‫العممية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫بعد ىذه الرحمة‬
‫رمضان البوطي _‪-‬رحمو اهلل‪ -‬وموقفو من المستشرقين‪ ،‬يمكننا أن نقف عند أىم نتاج ىذا‬
‫البحث المتواضع‪:‬‬

‫الشيخ البوطي في تركيا وانتقل بعدىا مع والده إلى سوريا‪ ،‬حيث عاش قرابة ‪88‬‬
‫‪ -1‬ولد ّ‬
‫سنة فييا‪.‬‬
‫التدريس وتأليف الكتب ونشرىا‪.‬‬
‫كرس حياتو لمعمم و ّ‬
‫‪ّ -2‬‬
‫الصالح والوالية‪.‬‬
‫ال رمضان المشيور بالعمم و ّ‬ ‫‪ -3‬تأثّر من ناحية عممو وسموكو بوالده ُم ّ‬
‫شرعية في الجامعات والمساجد والمحافل العر ّبية‪.‬‬ ‫مدرسًا لمعموم ال ّ‬
‫‪ -4‬كان ّ‬
‫‪ -5‬استشيد في بيت من بيوت اهلل حيث كان يمقي خطبتو األخيرة‪.‬‬
‫عية‬
‫الشيخ البوطي – رحمو اهلل – أزيد من ستّين مؤلفًا كانت بين العموم ال ّشر ّ‬
‫‪ -6‬ترك ّ‬
‫وخطبو ولقائاتو‬
‫السمعية البصرّية ُ‬
‫ّ‬ ‫واألدبية باإلضافة إلى العديد من محاضراتو‬
‫يونية‪.‬‬
‫التمفز ّ‬
‫وصوفي وفقيو‬
‫ّ‬ ‫الشيخ البوطي – رحمو اهلل‪ -‬موسوعة لشتّى الفنون فيو فيمسوف‬
‫‪ -7‬إن ّ‬
‫وعقدي وأصولي‪.‬‬
‫ّ‬
‫اإلسالمي في‬
‫‪ -8‬أن االستشراق ّتيار ف ْكري ُيدرس لغات وآداب وحضارات العالم العربي و ْ‬
‫الشرق‪...‬الخ‪ ،‬بغية الغزو الفكري والثقافي واكتشاف نقاط الضعف في اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -9‬لنشأة ظاىرة االستشراق فريقان فمنيم من يرى أن البداية الحقيقية لو كانت مع‬
‫الصميبية‪ ،‬والبعض اآلخر يرى أن ظيوره لحاجة الغرب ّلرد عمى اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫الحروب‬
‫القوة الدافعة ألبنائو ثانياً‪.‬‬
‫أوالً‪ ،‬ثم لمعرفة أسباب ىذه ّ‬

‫‪62‬‬
‫الخـــــــــــــــاتمة‬

‫اإليطالية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نسية‪ ،‬والمدرسة‬
‫عدة مدارس منيا‪ :‬المدرسة الفر ّ‬
‫لالستشراق ّ‬ ‫‪-18‬‬
‫واإلنجميزية‪...‬الخ‪.‬‬
‫السياسية والعممّية‪...‬الخ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدينية و‬
‫ّ‬ ‫تعددت أىداف المستشرقين ودوافعيم منيا‬
‫ّ‬ ‫‪-11‬‬
‫ومفحمة لمطاعن المستشرقين‬ ‫لشيخ البوطي ‪-‬رحمو اهلل – ردود عظيمة ُ‬
‫كان ّ‬ ‫‪-12‬‬
‫النبوية المطّيرة والعقيدة‬
‫ّ‬ ‫السيرة‬
‫عدة شبيات عن القرآن الكريم و ّ‬
‫الذين أحدثوا ّ‬
‫اإلسالمية‪...‬الخ‪.‬‬
‫ّ‬
‫توصيات واقتراحات‪:‬‬

‫نقدم في ختام ىذا البحث جممة من التوصيات منيا‪:‬‬

‫الشخصية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدراسات حول ىذه‬
‫‪ -1‬القيام بمزيد من ّ‬
‫‪ -2‬االىتمام بمواضع الشيخ البوطي اليادفة خاصة في مجال الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫العممانيين‪...‬الخ‬
‫ّ‬ ‫الماديين و‬
‫ّ‬ ‫التوسع في دراسة موقف اإلمام البوطي من‬
‫‪ّ -3‬‬
‫‪ -4‬التّعمم من أسموب اإلمام البوطي الحواري وغير المتعصب الذي يواجو بو من يطعنون‬
‫في ىذا الدين‪.‬‬
‫المتكرر عمى إنيائنا بفضمو وكرمو واحسانو من كتابة ىذه‬
‫ّ‬ ‫فالحمد والثناء والشكر هلل‬
‫المذ ّكرة والبحث في جزئياتيا‪ ،‬ونسألو سبحانو وتعالى الذي حفظنا فيما مضى أن يحفظنا فيما‬
‫بقى‪ ،‬وأن يجعل خير أعمالنا خواتميا وخير ّايامنا يوم نمقاه فيو وأن يجعل آخر كالمنا في‬
‫مجيب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يب‬
‫لدنيا ال إلو إال اهلل إنو قر ُ‬
‫اّ‬

‫الشيطان ونستغفر اهلل‬


‫وفي األخير فإن اصبنا فمن اهلل وان أخطأنا فمن انفسنا ومن ّ‬
‫طاىرين‪.‬‬
‫سيدنا محمد و آلو ال ّ‬
‫العظيم وصمى اهلل عمى ّ‬

‫‪63‬‬
‫مالحق‬
‫المــــــالحــــــــق‬

‫ملحق (موقف الشيخ البوطي من العلمانيين)‬


‫من خالل اطالعنا على كتب الشٌخ البوطً –رحمه هللا‪ -‬التً تتحدث عن موقفه من‬
‫المستشرقٌن صادفتنا مصادر أخرى مثل كتاب "نقده أوهام المادية الجدلية" الذي نقد‬
‫فٌه المادٌٌن‪.‬‬
‫كما كان له موقف آخر من بعض المسلمٌن الذٌن انتقدوه‪ ،‬باإلضافة إلى كتابه‬
‫"يغالطونك إذ يقولون " الذي رد فٌه على أغلوطات العلمانٌٌن المختلفة‪ ،‬فاخترنا منه‬
‫قضٌة المرأة –أنموذجا‪ -‬كمثال على ما جاء فً هذا الكتاب‪.‬‬
‫قولهم‪ :‬أن المرأة مهضومة الحقوق فً ظل الشرٌعة اإلسالمٌة‪ ،‬أي قولهم أن االسالم‬
‫أجرم فً حق المرأة‪ ،‬وأساء الٌها وسلب حقوقها‪.‬‬
‫ولكن رغم ذلك رد علٌهم الشٌخ البوطً –رحمه هللا‪ -‬فتعجب من هؤالء قاال‪:‬‬
‫"ٌا عجبا لمتهم تش ُّم راحة الجرٌمة من ك ّفٌه‪ ،‬ومع ذلك ٌأبى إال أن ٌقف قاضٌا لٌ َجرّ َم‪،‬‬
‫ولٌجرّم من؟‪ ...‬لٌجرم الشرٌعة ممتحنا إٌاها باإلساءة إلى حقوق المرأة‪.‬‬
‫وقبل رده وتحدثه عن الشرٌعة اإلسالمٌة الم َّتهمة‪ ،‬قال أنه ٌحب لفت النظر إلى أنه لن‬
‫ٌتحدث عن القوانٌن المكتوبة والمحفوظة فً أدراج هٌئة األمم المتحدة‪ ،‬وال فً أي صقع‬
‫من أصقاع العالم األوروبً أو األمرٌكً‪ ،‬وإنما قال سأتحدث عن واقع المرأة الغربٌة فً‬
‫‪1‬‬
‫المجتمعات الغربٌة وما قٌمة القوانٌن الشكلٌة أمام الواقع التنفٌذي فً هذا الصدر؟‬
‫ثم بدأ بمناقشة هذه الدعوة وبٌّن منها نقاط التهمة التً توجهت الى الشرٌعة اإلسالمٌة‪،‬‬
‫حٌث الحظ بعد البحث فً الواقع اإلسالمً والغربً والمناقشة لهذه المقولة تبٌن أن‬
‫األمر ٌقتضً عكس ذلك‪ ،‬فقال ٌقتضً أن ٌوضع الغرب ‪-‬ال غٌره – فً قفص االتهام‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وأن ٌوقف أمام قضاء عادل ٌنظر فً إساءته البالغة الكبرى وهضمه لحقوقها‪.‬‬

‫محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬يغالطونك إذ يقولون‪( ،‬الصديق لمعموم‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪ -‬ط‪ ،‬شوال ‪0241‬هـ‪ 01 ،‬كانون الثاني‬
‫‪ )4111.‬ص ‪402‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬يغالطونك إذ يقولون‪( ،‬المرجع نفسه) ص ‪.422‬‬


‫‪2‬‬

‫‪64‬‬
‫المــــــالحــــــــق‬

‫كما استدل الشٌخ البوطً – رحمه هللا – على كالمه من خالل مناقشته‪ ،‬وقد فقال‬
‫كشفت هذه المناقشة عن الذي أجرم فً حق المرأة واساء إلٌها وخنق حقوقها‪.‬‬
‫وكان استدالله على ذلك وضعه لمثال من الواقع أال وهو؛ فقال‪:‬‬
‫تصور أن امرأة بارزة المفاتن والمغرٌات من جسدها‪ ،‬تشترك مع الرجال فً موضوع‬
‫علمً او مشكلة اجتماعٌة‪ ،‬ما الذي ٌبصره هؤالء الرجال منها؟ أٌبصرون منها الباحثة‬
‫العلمٌة والخبٌرة االجتماعٌة‪ ،‬أم ٌغٌب ذلك كلّه عن أبصارهم و ال ٌرون فٌها إال أنوثة‬
‫تغري وتستثٌر الغرائز؟‪...‬‬
‫الجواب معلوم للجمٌع ال ٌحتمل تجاهال و ال جدال؟‬
‫ودعونً أضعكم أمام مثال واقعً‪ :‬كنت فً أحد ملتقٌات الفكر اإلسالمً التً كانت‬
‫تعقد فً الجزائر وكان بٌن المدعوٌن امرأة ألمانٌة ذات اختصاص اجتماعً صحافً‪،‬‬
‫قامت وتكلمت وألقت بحثها‪ ،‬وكانت كاشفة الصدر وكثٌرا من الظهر بادٌة المفاتن‪،‬‬
‫وكانت خالل حدٌثها تفضً على حركاتها مزٌدا من اإلغراء‪ ،‬أخذت انظر إلى الرجال‬
‫ٌمٌنا وشماال‪ ،‬أبحث فً وجوههم عما ٌشغلهم منها‪ ،‬فال وهللا لم أر فٌهم من تتبع كالمها‬
‫بفكرة‪ ،‬وإنما كان الجمٌع مشغولٌن عن حدٌثها بمفاتنها‪.‬‬
‫وكان لسان حال كل منهم ٌقول لها ‪ :‬إنك لجدٌرة بشًء اخر‪ ،‬انكً اداة رائعة الستجابة‬
‫الغرائز وحاجات الرجولة‪...‬وما اعتقد أن فٌهم من استوعب كالمها قط‪.‬‬
‫ولو ان هذه المرأة قامت فتكلمت وهً محجبة بالحجاب اإلسالمً السلٌم الذي مر هللا‬
‫به‪ ،‬طبق الحدود المرسومة‪ ،‬إذا لتجه الرجال الى شخصٌتها الفكرٌة والثقافٌة‪ ،‬و لشعروا‬
‫أنها تقف فً مستوى الرجال وتمارس ندٌة علمٌة معهم‪.‬‬
‫إذن افترون أن الحجاب اإلسالمً الذي شرعه هللا هبط بالمرأة إلى التخلف والتعثر‪ ،‬أم‬
‫سما بها إلى التقدم والندٌة الحقٌقة مع الرجال؟ إن المثال الواقعً الذي ذكرته ٌجٌب عن‬
‫هذا السؤال بأبلغ مما قد ٌسمو إلٌه المنطق والبٌان‪.‬‬
‫إذن فلنعد إلى تأكٌد الحقٌقة القائلة‪ :‬إن المجتمع الغربً هو الذي ٌجٌب أن ٌقاضً فً‬
‫‪3‬‬
‫المسألة‪ ،‬وأن ٌوضع فً قفص االتهام‪ .‬ولن تجد قاضٌا عدال ٌحاكمه إال اإلسالم‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪ 3‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬يغالطونك إذ يقولون‪( ،‬المرجع نفسه) ص ‪422‬‬

‫‪65‬‬
‫مــــــــــــــــــــــالحق‬

‫‪‬اللهم أنشئنا ما نشأ عليه الشيخ من علم‬

‫واخالق وسلوك وجهاده يف سبيل اهلل من‬

‫أجل إنقاذ األمة من الضالل‪‬‬

‫‪66‬‬
‫مــــــــــــــــــالحق‬

‫‪‬اللهم إجعلنا هداة‬

‫مهتدين وسببا ملن‬

‫اهتدى ‪‬‬

‫‪67‬‬
‫مــــــــــــــــــــــــالحق‬

‫ملحق (‪ )3‬وفاة الشيخ البوطي ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱈﱊﱋ ﱌﱍ‬
‫ﱆﱇ ﱉ‬
‫ﱐﱒﱓﱔﱕﱠ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ‬ ‫ﱑ‬ ‫ﱎﱏ‬
‫ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐ ﭐسورة األحزاب اآلية ‪33‬‬

‫‪68‬‬
‫مــــــــــــــــــــــــالحق‬

‫المستشرق لويس ماسينيون‬

‫المستشرق إغناطيوس جويدي‬

‫‪69‬‬
‫الفـــــهـــــــــارس‬
‫اآلـيـــــــت‬ ‫‪ ‬فهرس‬
‫القرآنـيــة‬
‫األعالم المترجم‬ ‫‪ ‬فهرس‬
‫لهت‬
‫المصتدر‬ ‫‪ ‬فهرس‬
‫والمراجع‬
‫‪ ‬فهرس الموضوعت‬
‫الفهــــــــــــــــارس‬

‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫الصفحة ‪‬‬ ‫رقم‬ ‫السورة‬ ‫طرف اآليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪‬‬


‫ورقمها ‪ ‬اآليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪ 28‬‬ ‫المائدة‬ ‫ﲪﲬﲭﲮﲯ ‪..‬ﭐﵚ‬


‫ﲫ‬
‫‪.........‬‬ ‫ﭐ ﵛ ﲧﲨ ﲩ‬
‫‪1‬‬
‫‪‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪ 125‬‬ ‫النحل‬ ‫ﱍ ﱏ ﱐﱑ ﱠ‬


‫ﱎ‬ ‫ﱡﭐ‬
‫‪ 51‬‬
‫‪‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪ 110‬‬ ‫األنبياء‬ ‫ﭐﱡﭐﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﱠ‬


‫‪ 85‬‬
‫‪‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪ 65‬‬ ‫النمل‬ ‫ﱡﭐﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﱠ‬


‫‪ 87‬‬
‫‪‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪ 71‬‬ ‫الزخرف‬ ‫ﲞ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﱠ‬


‫ﭐﱡﭐﲛﲜﲝ ﲟ‬
‫‪ 54‬‬

‫‪71‬‬
‫الفهـــــــــــــــارس‬

‫فهرس األعالم المترجم لها‬

‫الصفحة‬ ‫االســــــــــــم‬
‫‪30‬‬ ‫‪‬هشام الاتاس ي‬
‫‪30‬‬ ‫‪‬تاج الدين الحسني‬
‫‪30‬‬ ‫‪‬شكري القوتلي‬
‫‪30‬‬ ‫‪ ‬جمال الدين عبد الناصر‬
‫‪11‬‬ ‫‪‬مال رمضان‬
‫‪40‬‬ ‫‪ ‬جويدي‬
‫‪42‬‬ ‫‪‬نور الدين زنكي‬
‫‪42‬‬ ‫‪ ‬صالح الدين ألايوبي‬
‫‪03‬‬ ‫‪‬جولد زيهر‬
‫‪04‬‬ ‫‪‬رودي بارت‬
‫‪04‬‬ ‫‪ ‬بطرس املوقر‬
‫‪04‬‬ ‫‪‬افون جرونيبام‬
‫‪41‬‬ ‫‪‬صامويل زويمر‬
‫‪41‬‬ ‫‪ ‬لويس ماسينيوس‬

‫‪74‬‬
‫قــــــــــائمة المصـــــــادر والمـــــــراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ ‬القرآن الكريم ؛ رواية ورش عن نافع‬

‫أوال ‪ :‬الكتب العامة‬


‫‪ .1‬األبادي مجد الدين بن يعقوب الفيروز‪ ،‬القاموس المحيط‪ ( ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬ط‪1456 ، 8‬ه‪2005-‬م)‪.‬‬

‫‪ .2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ )،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬د ‪-‬ن‪ ،‬م ‪،- 11‬د‪ -‬ت)‪.‬‬

‫‪ .3‬شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذىبي ‪ ،‬سير أعالم النبالء(‪......‬‬

‫‪ .4‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين)ط‪ ،3‬ط‪.) 8‬‬

‫‪ .5‬عبد اهلل محمد األمين النعيم ‪ ،‬االستشراق في السيرة النبوية ‪(،‬المعيد‬


‫العالمي لمفكر اإلسالمي ‪،‬ط‪1،1417‬ه‪1997-‬م)‪.‬‬
‫‪ .6‬عبد المتعال محمد الجبري ‪ ،‬االستشراق وجو االستعمار الفكري ‪،‬‬
‫(القاىرة ‪ ،‬مكتبة وىبة ‪ ،‬ط‪1،1411‬ه‪1995-‬م)‪.‬‬
‫‪ .7‬عبد الوىاب الكيالي ‪ ،‬الموسوعة السياسية ‪.‬‬
‫‪ .8‬كمال ديب ‪،‬تاريخ سورية المعاصر من االنتداب الفرنسي إلى‬
‫صيف‪(2011‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬دار اليناء لمنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬تشرين األول‬
‫‪ ،2011‬ط‪،2‬نيسان ‪2012‬م)‪.‬‬
‫‪ .9‬محمد إسماعيل عمي ‪ ،‬االستشراق بين الحقيقة والتضميل‪(،‬دار الكممة‬
‫‪،‬دب ‪ ،‬ط‪1،1419‬ه‪1998-‬م)‪.‬‬
‫‪ .10‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬ىذه مشكالتيم (دمشق سورية‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ ،‬بيروت لبنان ‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬دت‪ ،‬دط)‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫قــــــــــائمة المصـــــــادر والمـــــــراجع‬

‫‪ .11‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬مجمل الشبيات التي تثار حول تطبيق‬
‫الشريعة اإلسالمية في العصر الحديث (دب ‪ ،‬دط‪ ،‬دت )‪.‬‬
‫‪ .12‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬العقوبات اإلسالمية وعقد التناقض‬
‫بينيا وبين مايسمى بطبيعة العصر(دب‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ .13‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬رواية مموزين ( دب‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ .14‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬ال يأتيو الباطل ( دمشق ‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬محرم ‪1428‬ه كانون الثاني ‪ ،‬يناير ‪2007‬م)‪.‬‬
‫‪ .15‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬ىذا والدي (دمشق سورية ‪،‬دار الفكر‬
‫‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬بيروت لبنان ‪ ،‬دط ‪ ،‬د ت)‪.‬‬
‫‪ .16‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬يغالطونك إذ يقولون (دمشق ‪،‬‬
‫الصديق لمعموم‪ ،‬دط ‪ ،‬دت )‪.‬‬
‫‪ .17‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،‬فقو السيرة النبوية (دمشق سورية ‪،‬‬
‫دار الفكر ‪ ،‬ط‪1411 ،10‬ه‪1991-‬م)‪.‬‬
‫‪ .18‬محمد عبد اهلل الشرقاوي ‪ ،‬االستشراق في الفكر المعاصر( كمية دار‬
‫العموم ‪ ،‬جامعة القاىرة )‪.‬‬
‫‪ .19‬مصطفى السباعي ‪ ،‬المستشرقون ماليم وماعمييم ( دب‪ ،‬دار الوراق‬
‫‪ ،‬المكتب اإلسالمي ‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ .20‬معجم المعاني الجامع ن المعجم الوسيط ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المقاالت والبحوث‬

‫‪76‬‬
‫قــــــــــائمة المصـــــــادر والمـــــــراجع‬

‫‪ .1‬سمير روبين عبد الحميم الجعبري ‪ ،‬الشيخ البوطي وآراؤه اإلعتقادية (كمية‬
‫الدراسات العميا ‪ ،‬قسم أصول الدين ‪ ،‬فرع العقيدة )‪.‬‬
‫‪ .2‬عموان عبد اهلل ناصح ‪ ،‬صالح الدين بطل حطين ومحرر القدس(‬
‫‪1437‬ه‪ ،‬كانون األول ‪2015‬م)‪.‬‬
‫‪ .3‬قحطان حمدي محمد ‪ ،‬أدوار المستشرقين في تسوية معالم السنة النبوية (‬
‫مجمة الدراسات التاريخية والحضارية ‪ ،‬مجمة عممية محكمة ‪،‬‬
‫م‪،13‬ع‪،10‬تشرين الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ م ‪ ،‬ذو الحجة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ه ‪ ،‬جامعة تكريت)‪.‬‬
‫‪ .4‬قنون فاطمة ‪ ،‬شواشي خديجة ‪ ،‬صورة نبي اإلسالم في الفكر الغربي(‬
‫كمية اآلداب والمغات ‪ ،‬قسم المغة واألدب العربي‪1434 ،‬ه‪1435-‬ه‪،‬‬
‫‪.)2014-2013‬‬
‫‪ .5‬محمد فاروق النبيان ‪ ،‬االستشراق تعريفو ومدارسو وآثاره (الرباط ‪،‬‬
‫المممكة المغربية ‪ ،‬منشورات المنظمة اإلسالمية لمتربية والعموم والثقافة‬
‫ايسيسكو‪1433 ،‬ه‪2012-‬م)‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬المواقع اإللكترونية‬
‫‪ -‬موقع نسيم الشام ‪ ،‬نبذة عن حياة العالمة الغمام الشييد البوطي ‪،‬‬
‫خطب أ‪،‬د محمد سعيد رمضان البوطي ‪ 27،‬فيفري‪)3:57 ،2017 ،‬‬

‫‪77‬‬
‫فهــــرس الموضــــوعات‬

‫فهـرس الموضــوعـات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ملخص البحث‬
‫إهداء‬
‫شكر وعرفان‬
‫أ‬ ‫مقدمة‬
‫‪2‬‬ ‫الفصل االول‪ :‬الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي عصره وحياته‬
‫‪3‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬عصر الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي‬
‫‪3‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬الحالة السياسية‬
‫‪6‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الحالة االقتصادية‬
‫‪9‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬الحالة االجتماعية والدينية‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬الحالة الثقافية‬
‫‪11‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬حياة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬اسمه ونسبه‬
‫‪12‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مولده ونشأته‬
‫‪13‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬المسار العلمي شيوخه وتالميذه‬
‫‪16‬‬ ‫المطلب الربع‪ :‬وفاته وآثاره (مؤلفاته‪ ،‬لقاءاته‪ ،‬خطبه)‬
‫‪21‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬ظاهرة االستشراق وموقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬
‫‪22‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬ماهية االستشراق ومدارسه وأشهر أعالمها‬
‫‪22‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬مفهوم االستشراق (لغة‪ ،‬و اصطالحا)‬
‫‪26‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة االستشراق‬
‫‪28‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬مدارس االستشراق وأهم أعالمها‬
‫‪39‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬اهداف االستشراق ودوافعه‬
‫‪54‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬موقف الشيخ البوطي من المستشرقين‬
‫‪56‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬نموذج من طعون المستشرقين في القرآن ورد الشيخ‬
‫البوطي عليهم‬
‫‪58‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬نموذج من طعون المستشرقين في السيرة ورد الشيخ‬
‫البوطي عليهم‬
‫‪60‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬نموذج من طعون المستشرقين في العقيدة ورد الشيخ‬
‫البوطي عليهم‬
‫‪62‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪64‬‬ ‫المالحق‬

‫‪78‬‬
‫فهــــرس الموضــــوعات‬

‫‪72‬‬ ‫الفهارس‬
‫‪73‬‬ ‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫‪74‬‬ ‫فهرس األعالم المترجم لها‬
‫‪75‬‬ ‫قامة المصادر والمراجع‬
‫‪78‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫‪79‬‬

You might also like