You are on page 1of 680

‫العباس بن عبد املطلب‬

‫عم النيب‬
‫فهرسة مكتبة الكويت الوطنية أثناء النشر‬
‫‪ 8.932‬أمحد‪ ،‬سيد أمحد علي أمحد ‪.‬‬
‫العباس بن عبد املطلب عم النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ /‬أمحد سيد أمحد علي‬
‫أمحد ـ ط‪ 1‬ـ الكويت مربة اآلل واألصحاب‪8014 ،‬‬
‫‪ 278‬ص؛ ‪84‬سم ‪ .‬ـ ـ (سرية اآلل واألصحاب‪)12 :‬‬
‫ردمك ‪ 8‬ـ ـ ‪ 81‬ـ ـ ‪ 24‬ـ ـ ‪ 99922‬ـ ‪972‬‬
‫أ‪ .‬العنوان‬ ‫‪ 8‬ـ ـ الصحابة التابعون‬ ‫‪ 1‬ـ ـ العباس بن عبد املطلب‬

‫رقم اإليداع‪8014/272 :‬‬


‫ردمك‪ 8 :‬ـ ـ ‪ 81‬ـ ‪ 24‬ـ ـ ‪ 99922‬ـ ‪972‬‬

‫حقوق الطبع حمفوظة ملربة اآلل واألصحاب‬


‫إال ملن أراد اتلوزيع اخلريي برشط عدم اتلرصف يف املادة العلمية‬

‫الطبعة األوىل‬
‫‪3416‬هـ‪1034/‬م‬

‫هاتف‪ 55202522 :‬ــ ‪ 55225222‬فاكس‪55202220 :‬‬


‫ص‪ .‬ب‪ 15251 :‬الشامية الرمز البريدي ‪ 51022‬الكويت‬
‫‪ mail: almabarrh@gmail. com‬ــ ‪E‬‬
‫‪www. almabarrah. net‬‬
‫العباس بن عبد املطلب‬
‫عم النيب‬
‫إحبار يف سريته ومسريته وشخصيته‬
‫وردٌّ لبعض ما ورد حوله من إشكاالت وشبهات‬

‫د‪ .‬أمحد سيد أمحد علي‬


‫الباحث مبركز البحوث والدراسات باملربة‬
‫‪ ‬إىل رجل أسلمت هل السيادة زمامها طائعة‪ ،‬واحننت عنده العظمة‬
‫ً‬
‫إجالال وهيبة‪.‬‬
‫ر ر رْ‬ ‫ر ر ر‬ ‫‪ ‬إىل رجل من ر ر‬
‫كسب‬‫َس روات آل بيت انلبوة‪ ،‬زانه حلِم‪ ،‬وعاله فهم‪ِ ،‬‬
‫ل‬ ‫ك م ره َّند‪َّ ،‬‬
‫وأقر ر‬ ‫ر ر ل‬
‫برشفه ك عظيم‪.‬‬ ‫حباهل‬ ‫ِ‬
‫ْرْر‬ ‫ررر ر ر‬ ‫ْر ْ ر ر‬ ‫ْرْ ر‬ ‫رر ر‬
‫ت األنساب‬ ‫ت األخدان عِند ذِك ِر ف ِضيلتِ ِه‪ ،‬وتباعد ِ‬ ‫‪ ‬إىل رجل تالش ِ‬
‫ع ِْن رد ذ ِْكر رع ِش ر‬
‫ريت ِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬إىل رجل أحب انليب ‪ ‬حبا خالط شغاف قلبه‪ ،‬وأحبه انليب‬
‫َّ‬ ‫ًّ‬
‫‪ ‬حبا أظهرته العبارة قبل اإلشارة‪ ،‬وأجله إجالل الودل‬
‫وادله‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬إىل رجل أجله الصديق‪ ،‬واستسىق به عمر‪ ،‬وقدره عثمان‪ ،‬وقبل عيل‬
‫يده‪.‬‬

‫عم انليب ‪ ،‬وقرة عينه‪ ،‬وصنو أبيه‪.‬‬ ‫‪ ‬إىل َّ‬


‫ْر ر‬ ‫ر َّ ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ر ر‬
‫ب روالق رراب ِة‪.‬‬
‫صاحب السقاي ِة والرفادة والنس ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ ‬إىل‬
‫َّ‬
‫إىل العباس بن عبد املطلب أهدي هذا ابلحث‬
‫‪‬‬ ‫يف رحاب العباس بن عبد املطلب‬

‫‪ ‬انليب ‪‬‬ ‫‪ ‬إن عم الرجل صنو أبيه‪.‬‬

‫‪ ‬انليب ‪‬‬ ‫‪ ‬العباس مين وأنا منه‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ ‬ما رأيت رسول اهلل عليه الصالة والسالم جيل أحدا ما جيل‬
‫‪ ‬السيدة اعئشة‬ ‫العباس‬

‫فتسقينا وإنا‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬امهلل إنا كنا نتوسل إيلك بنبينا‬


‫نتوسل إيلك بعم نبينا فاسقنا‪ ،‬قال‪ :‬فيسقون‪.‬‬

‫‪ ‬عمر بن اخلطاب‬

‫ر ر ر ر ر ر ْ ر ر ْ ر ْ ر ر ر ر ر َّ ر َّ ْ‬ ‫ر ْ ً ر ر َّ‬
‫‪ ‬مهال يا عباس‪ ،‬فواهللِ ِإل ِسالمك يوم أسلمت َكن أحب إِل مِن‬
‫ر‬ ‫رْ ر ْ ر‬ ‫ْ ِ ْ ر َّ‬
‫‪ ‬عمر بن اخلطاب‬ ‫اب لو أسلم‪.‬‬ ‫إِسالم اخلط ِ‬
‫‪‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المقدمة ‪31 .............................................‬‬

‫العباس يف بيته وأسرته(إطاللة ذاتية وإشراقة اجتماعية)‬


‫الناس معادن ‪52........................................‬‬
‫أرومة العباس‪12........................................‬‬
‫‪ ‬قبيلة قريش‪52....................................‬‬
‫‪ ‬بنو هاشم ‪11 .....................................‬‬
‫العباس إطاللة ذاتية‪12 ...................................‬‬
‫‪ ‬اسمه ونسبه‪23 ...................................:‬‬
‫‪ ‬مولده‪22....................................... :‬‬
‫‪ ‬كنيته‪22 ....................................... :‬‬
‫‪ ‬صفته ~‪21 .................................... :‬‬
‫(بيت العباس) أهل بيته زوجاته وأوالده ‪41.................‬‬
‫‪ ‬أم الفضل أكرم النساء أصهارا ‪20......................‬‬
‫أوالد العباس ~‪11....................................:‬‬
‫‪ ‬أبناء العباس ‪22...................................‬‬
‫‪ -‬الفضل بن العباس‪22.........................‬‬
‫‪ -‬قثم بن العباس ‪22 ..........................‬‬

‫‪5‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫معبد بن العباس ‪20..........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫عبد اهلل بن العباس ‪20........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫عبيد اهلل بن العباس ‪02 ......................‬‬ ‫‪-‬‬
‫كثير بن العباس‪05...........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫تمام بن العباس ‪02..........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫عبد الرحمن بن العباس ‪00....................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحارث بن العباس‪00........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫عون بن العباس ‪05..........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫تباعد قبور بني العباس ‪66 ...............................‬‬
‫‪ ‬بنات العباس‪52..................................:‬‬
‫‪ -‬أم حبيب بنت العباس ‪52.....................‬‬
‫‪ -‬أميمة بنت العباس ‪52 ........................‬‬
‫‪ -‬صفية ب ِْنت ا ْل َع َّباس ‪52 ........................‬‬
‫إخوة العباس‪ ( :‬أوالد عبد المطلب )‪24................... :‬‬
‫موالـي العبـاس‪61......................................:‬‬
‫(العباس واليوم المحتوم) (أما آن للمسافر أن يقيم؟) ‪51 .......‬‬

‫العبـاس يف مكـة‬
‫مشاركة العباس في بناء الكعبة‪301 ............................. :‬‬
‫جعفر في كفالة العباس‪302 ................................... :‬‬
‫العباس وريث مجد تليد وسليل بيت حميد >العباس والسقاية< ‪330.....‬‬

‫‪3‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫تعريف السقاية ‪333 ...................................‬‬
‫السقاية شرف ال يجادل فيه أحد ‪334 ......................‬‬
‫السقاية نظرة تاريخية (السقاية عبر آباد الزمن)‪336 .......... .‬‬
‫قصي والسقاية‪112 .................................‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد مناف والسقاية ‪151 ............................‬‬ ‫‪‬‬
‫هاشم والسقاية ‪155 ...............................‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد المطلب وحفر زمزم‪152.........................‬‬ ‫‪‬‬
‫العباس وإرث السقاية ‪315 ..............................‬‬
‫‪ ‬أنعم بالم ِقر والم َقر له ‪121 ...........................‬‬
‫‪ ‬العباس وحنين المآثر ‪122 ..........................‬‬
‫‪ ‬علي بن أبي طالب وشرف المحاولة ‪120................‬‬
‫‪ ‬صفة سقاية العباس ‪125.............................‬‬
‫‪ ‬السقاية في عقب العباس‪123.........................‬‬
‫العباس في الشعب‪340 ........................................‬‬
‫العباس يوم العقبة >أُيدت تلك الليلة بعمي العباس<‪341 ............ .‬‬
‫العباس ويوم بدر‪316 .........................................‬‬
‫‪ -‬العباس ورؤيا عاتكة قبل بدر ‪125 ........................‬‬
‫‪ -‬المشركون وجنون االرتياب ‪ ..‬توجس وخيفة‪102 ............‬‬
‫‪ -‬العباس في األسر‪( :‬أسير البشر أم المالئكة؟) ‪102 ...........‬‬
‫‪ -‬النبي ‘ وأنين العباس ‪152 ............................‬‬
‫‪ -‬الفداء (نبأني العليم الخبير) ‪151 .........................‬‬

‫‪2‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫العباس يف املدينة‬
‫مدخل ‪325 .................................................‬‬
‫‪ ‬العباس في ركب اإليمان (إسالمه ~)‪131 ....................‬‬
‫‪ -‬األقوال في وقت إسالم العباس ~ ‪361 .................‬‬
‫‪ -‬القول األول‪ :‬إسالمه قبل الهجرة وإخفاؤه أمر إسالمه‬
‫التزاما باتفاق بينه وبين النبي ‘‪132 ....................‬‬
‫‪ -‬القول الثاني‪ :‬إسالم العباس بعد هجرة النبي ‘ وقبل بدر‪523 .‬‬
‫‪ -‬القول الثالث‪ :‬إسالم العباس بعد غزوة بدر مباشرة ‪552 .....‬‬
‫‪ -‬القول الرابع‪ :‬إسالمه قبل فتح خيبر‪522 ................ .‬‬
‫‪ -‬القول الخامس‪ :‬إسالمه عام الفتح‪ ،‬قبيل فتح مكة‪525 ..... .‬‬
‫‪ -‬القول السادس‪ :‬إسالمه بعد الفتح‪525 ................. .‬‬
‫‪ -‬الترجيح‪522 .....................................:‬‬
‫‪ ‬هجرة العباس وجهاده ‪522 ................................‬‬
‫‪ -‬هجرة العباس ~ ‪522 ..............................‬‬
‫‪ -‬جهاده ~‪501 ....................................‬‬
‫* العباس يوم فتح مكة ‪501 ....................‬‬
‫* يوم حنين وزئير األسد ‪555 ..................‬‬
‫* يوم الطائف واإلقدام على المنايا‪552 ...........‬‬
‫* العباس يوم العسرة ‪531......................‬‬
‫* العباس وفتح بيت المقدس في خالفة الفاروق ‪532‬‬
‫‪ ‬العباس ومنبر النبي ‘‪530 ..............................:‬‬

‫‪12‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ ‬ميمونة والزواج الميمون ‪522 ..............................‬‬
‫‪ ‬العباس ومرض النبي ‘ ‪522 .............................‬‬
‫‪ -‬إنك ميت وإنهم ميتون‪............................‬‬
‫‪ ‬العباس والبيعة‪212 ......................................‬‬
‫ــ موقف العباس من بيعة الخلفاء الثالثة ‪215..............‬‬

‫العباس مكانته ومناقبه‬


‫‪ -1 ‬العباس مكانة ومنزلة ‪212.................................‬‬
‫‪ -‬مكانته ~ عند قريش (في الجاهلية)‪212................ .‬‬
‫‪ -‬النبي والعباس مكانة رفيعة وحب متبادل‪255 ............. .‬‬
‫* مكانة العباس عند النبي ‘ وحب النبي ‘ له ‪255 ...‬‬
‫* مكانة النبي ‘ عند العباس وحبه له ‪222 ...........‬‬
‫‪ -‬مكانة العباس عند الصحابة رضي اهلل عنهم‪223 ........... .‬‬
‫* من صور إجالل الصحابة وتقديرهم للعباس‪223 ..... .‬‬
‫‪ -5 ‬العباس بين الفضائل والمناقب ‪222 ........................‬‬
‫‪ -‬صحيح فضائل العباس ~‪225 .........................‬‬
‫‪ -‬الضعيف والموضوع في فضائل العباس ~ ‪201............‬‬
‫‪ -‬آيات روي نزولها في العباس ~ ‪232 ...................‬‬

‫العباس شخصيته وأخالقه‬


‫‪ ‬شخصيته ~ ‪222 .........................................‬‬
‫‪ -‬مفتاح شخصية العباس ~‪212 .........................‬‬

‫‪11‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ -‬حكمة العباس وسداد رأيه ‪215 .........................‬‬
‫‪ -‬البعد االقتصادي في شخصية العباس ~ (غناؤه وثراؤه) ‪215 .‬‬
‫‪ -‬شواهد ثرائه‪212 ....................................‬‬
‫‪ -‬البذل والعطاء‪250 ...................................‬‬
‫‪ -‬االعتزاز بالنفس‪255 .................................‬‬
‫‪ ‬مالمح من أخالق العباس وصفاته ~ ‪252 ......................‬‬
‫‪ -‬تأدبه مع النبي ‘ ‪252 ...............................‬‬
‫‪ -‬شجاعته ~‪222 ....................................‬‬
‫‪ -‬صدقه‪221 .........................................‬‬
‫‪ -‬عفته ورعايته لألخالق ‪225 ............................‬‬
‫‪ -‬ثباته‪222 ..........................................‬‬
‫‪ -‬جواره وحمايته للمظلوم ‪222 ...........................‬‬
‫‪ -‬جوده وكرمه‪ :‬العباس بحر من العطاء ال ساحل له ‪225 .......‬‬
‫‪ -‬إنفاقه في سبيل اهلل‪222 ...............................‬‬
‫‪ -‬حنوه وإشفاقه وبخاصة على أهل اإلسالم‪221 ..............‬‬

‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬


‫مرويات العباس ~ ‪225 ..................................‬‬ ‫‪‬‬
‫فقه العباس ~ ‪201 .......................................‬‬ ‫‪‬‬
‫بالغة العباس ~ ‪205 .....................................‬‬ ‫‪‬‬
‫العباس شاعرا ‪251 ......................................‬‬ ‫‪‬‬

‫‪15‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫العباس إشكاالت وشبهات‬


‫أوال‪ :‬إشكاالت على العباس‪252 .................................‬‬
‫ــ لماذا لم يكن العباس من العشرة المبشرين بالجنة؟ ‪252 .......‬‬
‫ــ لماذا لم يكن العباس في أهل الشورى؟ ‪232 ..............‬‬
‫ثانيا‪ :‬شبهات على العباس‪230 ...................................‬‬
‫الشبهة األولى‪( :‬العباس واإلمامة) الراوندية أو العباسية وإمامة‬
‫العباس بن عبد المطلب‪235...............................‬‬
‫* تقرير الشبهة ‪233 ...............................‬‬
‫نص النبي ‘ على إمامة العباس؟ ‪222 ......‬‬ ‫* الرد‪ :‬هل ّ‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬العباس ليس من جملة الصحابة ‪222 .............‬‬
‫* تقرير الشبهة ‪222 ...............................‬‬
‫* الرد عليها‪222 .................................‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬العباس وبيعة أبي بكر رضي اهلل عنهما (السقيفة) ‪210‬‬
‫* تقرير الشبهة والرد عليها ‪210 ......................‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬ذ ُّم العباس ووصمه بالذلة ‪222 .................‬‬
‫* تقرير الشبهة ‪222 ...............................‬‬
‫* الرد على الشبهة ومتضمناتها‪202 .................. :‬‬
‫‪ 1‬ــ تهافت البناء العام للشبهة ‪205 ............‬‬
‫نقض النص على إمامة علي ‪205 ...........‬‬
‫‪ 5‬ــ نقض ذلة العباس وبيان عزته (العباس من‬
‫أعز قريش وأشجعها) ‪255 ...............‬‬
‫‪ 2‬ــ العباس ليس من الطلقاء‪252 ..............‬‬

‫‪12‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 2‬ــ العباس وفدك ‪255 .....................‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬شبهة سوء العالقة بين عمر والعباس ‪225 ........‬‬
‫‪ 1‬ــ عمر وميزاب العباس ‪222 ...........................‬‬
‫* تقرير الشبهة ‪222 ...............................‬‬
‫* الرد عليها‪223 .................................‬‬
‫‪ 5‬ــ سوق عكاظ بين عمر والعباس ‪025 ...................‬‬
‫* تقرير الشبهة ‪025 ...............................‬‬
‫* الرد عليها‪022 .................................‬‬
‫‪ 2‬ــ قصة النزاع في دار العباس (بين الشح والخصومة) ‪025 ....‬‬
‫* تقرير الشبهة ‪025 ...............................‬‬
‫* الرد عليها‪023 .................................‬‬
‫‪ 2‬ــ عمر وصدقة العباس ‪015 ...........................‬‬
‫* تقرير الشبهة ‪015 ...............................‬‬
‫* الرد عليها‪012 .................................‬‬
‫ــ دفع االلتباس عما ورد في منع العباس ‪012 ....‬‬
‫ــ تعجيل أم تأجيل ‪010 .....................‬‬
‫يزوجه من أم كلثوم بنت علي ‪055 .....‬‬
‫‪ 2‬ــ إجبار عمر للعباس ل ِّ‬
‫* تقرير الشبهة ‪055 ...............................‬‬
‫* الرد عليها‪052 .................................‬‬
‫* تقرير وبيان (قلوب انصهرت على المحبة) ‪022 ........‬‬
‫الخاتمة‪611 .................................................‬‬
‫المراجع ‪021 ................................................‬‬

‫‪12‬‬
‫‪E‬‬

‫‪E‬‬
‫الحمد هلل خالق المصنوعات‪ ،‬وبارئ البريات‪ ،‬ومدبر الكائنات‪،‬‬
‫ومصرف األلسن الناطقات‪ ،‬ذي النعم السوابغ والفضل الواسع والحجج‬
‫البوالغ‪ ،‬أحمده استتماما لنعمته‪ ،‬واستسالما لعزته‪ ،‬واستعصاما من‬
‫(‪)1‬‬
‫معصيته‪ ،‬وأستعينه فاقة إلى كفايته‪ ،‬إنه ال يضل من هداه‪ ،‬وال يئل‬
‫من عاداه‪ ،‬وال يفترق من كفاه‪.‬‬
‫وأصلي وأسلم على عبده ورسوله‪ ،‬وأمين وحيه‪ ،‬وخاتم رسله‪،‬‬
‫وبشير رحمته‪ ،‬ونذير نقمته‪ ،‬محمد ‪ ،‬بعثه على حين فترة من‬
‫الرسل‪ ،‬ودروس من السبل‪ ،‬فدمغ به الطغيان‪ ،‬وأظهر به اإليمان‪ ،‬ورفع‬
‫دينه على سائر األديان‪ ،‬فصلى اهلل عليه وسلم وبارك ما دار في السماء‬
‫فلك‪ ،‬وما سبح في الملكوت ملك‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أعالم الدجى‪،‬‬
‫وأرباب الحجا‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫فدراسة تاريخ الصحابة زرافات ووحدانا مطلب عظيم يحيي في‬


‫األمة جانب التأسي واالقتداء؛ ألنهم ‪ ‬أفضل هذه األمة‪ ،‬وأبرها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يئل‪ :‬ينجو ويخلُص‪( .‬جمهرة اللغة ‪ /‬وأل)‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪E‬‬

‫قلوبا‪ ،‬وأعمقها علما‪ ،‬وأقلها تكلفا‪ .‬وفضائلهم ال زالت تعيها ذاكر ُة‬
‫الدهر‪ ،‬ويرويها لسا ُن التاريخ‪.‬‬
‫فهم السابقون األولون وتابعوهم بإحسان الذين أثنى عليهم ربنا‬
‫في كتابه بقوله عز من قائل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ}‬
‫[سورة التوبة‪ ،‬آية‪.]122 :‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‪[ }....‬سورة الفتح‪ ،‬اآلية‪.]52 :‬‬
‫وقال فيهم رسول اهلل ‪َ :‬خ ْي ُر أُ َّم ِتي قَ ْرنِي‪ ،‬ثُ َّم ال َّ ِذ َ‬
‫ين‬
‫يَلُونَ ُه ْم‪ ،‬ثُ َّم ال َّ ِذ َ‬
‫ين يَلُونَ ُه ْم(‪.)1‬‬
‫إنهم أناس شهد لهم القرآن بالفضل‪ ،‬والسنة بالعدل‪ ،‬إن عبتهم‬
‫بشيء لم تعبهم إال أنهم دون المالئكة‪ ،‬أناس دارت الكرة األرضية في‬
‫عهدهم ثالث دورات‪ :‬واحدة حول الشمس‪ ،‬وثانية‪ :‬حول نفسها‪،‬‬
‫وثالثة حولهم(‪.)5‬‬
‫وتاريخهم وتراثهم عليهم سحائب الرضوان مليء بالدروس والعبر‬
‫التي تحتاجها أمتنا في بناء حاضرها وصنع مستقبلها؛ ألنه إذا أُحسن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2022‬‬
‫(‪ )5‬من كالم للرافعي في كتابه السمو الروحي األعظم والجمال الفني في البالغة النبوية‪:‬‬
‫ص‪.13‬‬

‫‪10‬‬
‫‪E‬‬

‫عرضه يغذِّي األرواح ويهذِّب النفوس‪ ،‬وينِّور العقول‪ ،‬ويشحذ الهمم‪،‬‬


‫ويسهل العبر‪ ،‬وينضج األفكار‪ ،‬فنستفيد من ذلك في‬
‫ِّ‬ ‫ويق ِّدم الدروس‪،‬‬
‫إعداد الجيل المسلم وتربيته على منهاج النبوة‪ ،‬حيث صنع الرسول‬
‫‪ ‬بأصحابه مسيرة خير‪ ،‬آتت أكلها عطاء ونماء‪ ،‬وال تزال تؤتي‬
‫أكلها كل حين بإذن ربها‪.‬‬

‫وهذا البحث بين أيدينا يحوي حديثا طيبا عن نفس طيبة زكية‪،‬‬
‫آمنت بيقين‪ ،‬وانقادت باختيار‪ ،‬وأحلَّت حب النبي ‪ ‬في‬
‫سويدائها‪ ،‬وكان حبها عمال واتباعا‪ ،‬وقد صاغت حياتها وفق المنهج‬
‫اإللهي الرباني القرآني النبوي‪ ،‬وأسهمت في بناء المسيرة اإلسالمية‬
‫التي بناها الباني األول محمد ‪.‬‬
‫إنه الحديث عن شخصية عم النبي ‪ ‬العباس ‪ ،‬هذه‬
‫الشخصية المظلومة والمهضوم حقها في مجال التأليف‪.‬‬
‫وكان مما دفعني إلى البحث في سيرة العباس ‪ ‬بجانب ما‬
‫سبق؛ أن أحدا لم يُفرد له ــ فيما أعلم ــ تأليفا مستقال مطبوعا(‪،)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ألَّف أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي جزءا في فضائل العباس‪ ،‬أورد فيه‬
‫قرابة العشرين رواية في فضل العباس‪ ،‬وهو في األصل مخطوط في مجاميع المدرسة‬
‫العمرية‪ ،‬الموجودة في المكتبة الظاهرية‪ ،‬رقم المجموع‪ 2522 :‬عام [مجاميع ‪]15‬‬
‫رقم المخطوط في المجموع‪ ،12 :‬عدد أوراق المخطوط‪ 122( 3 :‬ــ ‪ )121‬قام‬
‫بنسخه مكتبة أحمد الخضري‪ .‬وهو غير قادح فيما ُذكر أعاله من أن أحدا لم يفرد=‬

‫‪15‬‬
‫‪E‬‬

‫وجل سيرته ‪ ‬مبثوثة ومتفرقة في مظانها‬ ‫وبخاصة من المحدثين‪ّ ،‬‬


‫من كتب الطبقات والسير والتراجم والتواريخ؛ فكان أن شمرت عن‬
‫سواعد الجد مستلهما من ربي المدد والتوفيق‪ ،‬مستشعرا الرهبة لمحاولتي‬
‫االقتراب من محراب وساحة عم النبي ‪ ‬العباس ‪.‬‬
‫وقد تتبعت قدر جهدي ووسع طاقتي في هذا البحث سيرة عم‬
‫النبي العباس ‪ ‬ومسيرته منذ والدته حتى وفاته مرورا بحياته في‬
‫بيته وأسرته من حيث نسبه وأبنائه وإخوته‪ ،‬معرجا على حياته في مكة‬
‫متتبعا بعض فصولها من نحو حصاره في الشعب‪ ،‬وموقفه يوم العقبة‪،‬‬
‫ومشاركته مكرها في بدر‪ ،‬ثم حياته في المدينة‪ ،‬مسلطا األضواء على‬
‫توقيت إسالمه وما ورد فيه من أقوال وما طرأ عليه من استشكاالت‬
‫شكَّلت لغزا يصعب فهمه أحيانا‪ ،‬ثم هجرته ومشاهده في ميادين الجهاد‬
‫مع رسول اهلل ‪ ،‬ثم موقفه من بيعة الصديق والخلفاء بعده‬
‫‪ ،‬متلوا بالحديث عن ظالل شخصيته من نحو‪ :‬مكانته وفضائله ما‬
‫صح منها وما لم يصح‪ ،‬وكذا صفاته ال ُخلقية‪ ،‬ومعالم شخصيته‪ ،‬وروايته‬
‫َّ‬
‫وفقهه وأشعاره وبالغته‪ ،‬إلى غير ذلك من مشتمالت سيرته ‪،‬‬
‫خاتما بحثي بفصل كامل عن أهم االستشكاالت والشبهات التي لحقت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= العباس ببحث مستقل مطبوع؛ ألن األمر ال يتعدى سوق بعض الفضائل والتي ال‬
‫يمكن بحال اعتبارها تأليفا مستقال شامال لحياة العباس من ميالده إلى وفاته‪ .‬وأظن‬
‫هذا الجزء مقتطعا من مؤلَّف عن فضائل الصحابة أو آل البيت بداللة صغر حجمه‬
‫(‪ 3‬صفحات)‪ .‬وإال ففضائل العباس في بعض المصنفات تعدت أضعاف عدد‬
‫صفحات المخطوط‪ .‬بما ال يمكن معه اعتباره مؤلَّفا قادحا فيما ذكرنا أعاله‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪E‬‬

‫أو قد تلحق به ‪.‬‬


‫وقد حاولت جهدي في هذا البحث أن أبحر بعيدا في شخصية‬
‫العباس ‪ ‬منتشرا في نسيجها‪ ،‬ومتخلال دروبها‪ ،‬ومختلجا في‬
‫نبضها‪ ،‬ومتتبعا بل وراصدا كل حركة فيها‪ ،‬وهو أمر ال يتم إال بسب ٍر‬
‫لكل فصول حياتها وصفحات تاريخها‪.‬‬
‫وكان موقعي في الدراسة موقع المؤرخ بحيادية‪ ،‬والمحلل‬
‫عم النبي‬
‫بموضوعية‪ ،‬وإن كنت لم أستطع تنحية عاطفتي تجاه ِّ‬
‫‪ ‬في كثير من صفحات الدراسة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫إن هذا البحث يكشف عن معالم السيادة التي ولد العباس‬
‫وشب تحت خمائلها‪ .‬كما أنه يبرهن على‬ ‫ّ‬ ‫وغذي بها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تحت ظاللها‪،‬‬
‫عم النبي ‪ ‬العباس ‪ ،‬ويثبت للقارئ أنه كان عظيما‬ ‫عظمة ّ‬
‫وحب النبي ‪ ‬له‪ ،‬عظيما‬ ‫ِّ‬ ‫بإيمانه‪ ،‬عظيما بحبه للنبي ‪‬‬

‫بخلقه وفكره وحكمته وسعة عقله وسداد رأيه‪ ،‬عظيما ببالغته وبيانه‪،‬‬
‫فرضي اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬
‫إن حياة العباس صفحة مشرقة من صفحات تاريخنا اإلسالمي‬
‫الذي بهر كل تاريخ وفاقه‪ ،‬ولم تح ِو تواريخ األمم مجتمعة بعض ما‬
‫حوى من الشرف والمجد واإلخالص والجهاد والدعوة في سبيل اهلل‪،‬‬
‫ولذلك قمت بتتبع أخباره وحياته وعصره في المصادر والمراجع‬
‫واستخرجتها من بطون الكتب وقمت بترتيبها وتنسيقها وتوثيقها وتحليلها‬
‫قدر المستطاع لكي تصبح في متناول الدعاة والخطباء والعلماء وطالب‬

‫‪12‬‬
‫‪E‬‬

‫العلم وعامة الناس لعلهم يستفيدون منها في حياتهم ويقتدون بها في‬
‫أعمالهم فيكرمهم اهلل بالفوز في الدارين(‪.)1‬‬

‫وقد انتظم البحث في مقدمة وسبعة فصول وخاتمة‪ ،‬وكان على‬


‫النحو التالي إجماال‪:‬‬
‫المقدمة‪ :‬وتحتوي على أهمية البحث في تاريخ الصحابة زرافات‬
‫ووحدانا‪ ،‬وخصوصية البحث في حياة العباس ‪ ،‬ثم منهج البحث‬
‫وخطته‪.‬‬
‫* الفصل األول‪ :‬العباس في بيته وأسرته (إطاللة ذاتية وإشراقة‬
‫اجتماعية)‬
‫ويشمل الحديث على أرومة العباس وأصله ونسبه‪ ،‬ثم الحديث‬
‫عن أهل بيته زوجاته وأوالده‪ ،‬ثم إخوته ومواليه‪ ،‬وانتهاء بالحديث عن‬
‫وفاته ‪.‬‬
‫* الفصل الثاني‪ :‬العبـاس في مكـة‬
‫ويتضمن استقراء لبعض معالم حياة العباس ‪ ‬في مكة‪،‬‬
‫وأشهر مشاهده فيها‪ ،‬من نحو‪ :‬مشاركته في بناء الكعبة‪ ،‬وكفالته لجعفر‪،‬‬
‫مرورا بسقايته‪ ،‬ثم مشاركته في معاناة النبي ‪ ‬ومن معه في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أوردها الصالبي عن أبي بكر وعمر‪ ،‬ويصلح إيرادها عن العباس‪ ،‬بل وكل أعالم‬
‫الصحابة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪E‬‬

‫الشعب‪ ،‬وانتقاال لدوره يوم العقبة‪ ،‬ومشاركته في بدر مع المشركين‬


‫ِّ‬
‫ووقوعه في األسر‪.‬‬
‫* الفصل الثالث‪ :‬العباس في المدينة‬
‫بعض معالم حياته في المدينة بدءا‬
‫ُ‬ ‫ويُعرض فيه بشيء من التفصيل‬
‫من الحديث عن لحوقه بركب اإليمان‪ ،‬وعرض األقوال في وقت‬
‫إسالمه ‪ ،‬ثم الترجيح‪ ،‬وانتقاال بالحديث عن هجرته واألقوال في‬
‫وقتها‪ ،‬وجهاده‪ ،‬ثم عرضا لبعض مشاهده ومواقفه في المدينة‪ ،‬كتزويجه‬
‫ميمونة للنبي ‪ ،‬ودوره إبَّان مرض النبي ‪ ،‬ووفاته‪،‬‬
‫وموقفه من بيعة الخلفاء الثالثة األول ‪.‬‬
‫* الفصل الرابع‪ :‬العباس مكانته ومناقبه‬
‫ويتضمن هذا الفصل الحديث عن مكانة العباس ‪ ‬جاهلية‬
‫وإسالما‪ ،‬وبخاصة مكانته عند النبي والصحابة‪ ،‬وحبه للنبي ‪،‬‬
‫صح من مرويات في فضائله ومناقبه‪ ،‬وما ضعف‬
‫ثم الحديث عن ما َّ‬
‫منها أو ُحكم عليه بالوضع‪ ،‬مع تخريج تلك الروايات من مظانها‬
‫المعتبرة‪ ،‬والحكم عليها‪.‬‬
‫شخصية وأخالق ًا‬
‫ً‬ ‫* الفصل الخامس‪ :‬العباس‬
‫وفي هذا الفصل سنتعرض تفصيال للحديث عن شخصية العباس‬
‫‪ ،‬ومحور ارتكازها‪ ،‬أو إن شئت فقل‪ :‬مفتاحها ومناط امتيازها‪،‬‬
‫ثم مالمح وصور من أخالقه ‪ ‬من واقع النصوص والروايات‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪E‬‬

‫* الفصل السادس‪ :‬العباس في محراب العلم والحكمة‬


‫وسنلقي في هذا الفصل الضوء على الناحية العلمية في حياة‬
‫العباس ‪ ،‬انطالقا من مروياته للحديث‪ ،‬ومرورا بفقهه‪ ،‬ثم انتهاء‬
‫ببالغته وشعره ‪.‬‬
‫* الفصل السابع‪ :‬العباس إشكاالت وشبهات‬
‫وهذا هو الفصل األخير من فصول البحث‪ ،‬وهو كما يظهر من‬
‫عنوانه سيتناول بشيء من التفصيل واإلطناب بعض اإلشكاالت التي قد‬
‫تطرأ على ذهن من يطالع سيرة العباس ‪ ،‬في محاولة لإلجابة عليها‪،‬‬
‫بما يطمئن القارئ الكريم ويزيل عنه أي إشكال بعون من اهلل وتوفيق‪.‬‬
‫كما يتطرق الفصل أخيرا للحديث عن أهم الشبهات التي تثار على‬
‫عم النبي ‪ ،‬على اختالف مثيريها‪ ،‬ور ّدها من واقع دالالت‬
‫الروايات الصحيحة‪ ،‬ومسلمات العقول السليمة‪.‬‬
‫ثم الخاتمة‪ :‬وتحتوي على أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫هذا واهلل سبحانه أسأل التوفيق والسداد‪ ،‬مع غفر الزلل في القلب‬
‫والقول والعمل‪ ،‬مشفوعا بخالص دعائي وشكري وتقديري لمبرة اآلل‬
‫واألصحاب‪ ،‬التي أَ ْش ُرف باالنضواء تحت لوائها البحثي‪ ،‬والتي أشرفت‬
‫على هذا البحث تكليفا ودعما وطباعة ونشرا‪ ،‬فجزاهم اهلل خير الجزاء‪،‬‬
‫كتبه الراجي عفو ربه‬ ‫وكلل مساعيهم باليمن والتوفيق‪.‬‬
‫أمحد سيد أمحد عيل‬

‫‪55‬‬
‫العباس يف بيته وأسرته‬
‫إطاللة ذاتية وإشراقة اجتماعية‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫وسنعنى في هذا الفصل بذكر نسب العباس بن عبد المطلب‬


‫‪ ،‬ومولده‪ ،‬وصفته‪ ،‬ثم نتطرق للحديث عن أهل بيته >زوجاته<‬
‫وأوالده‪ ،‬ثم إخوته ذكورا وإناثا‪ ،‬ومواليه‪ ،‬انتهاء بوفاته ‪ ‬وأرضاه‪.‬‬
‫الناس معادن‪:‬‬
‫شبها وسلوكا‪،‬‬
‫وخلقا‪ ،‬أو َ‬
‫لألسرة تأثير بالغ في األعقاب َخلقا ُ‬
‫فالشيء من معدنه ال يستغرب‪ ،‬والولد صورة أبيه‪ ،‬بل ربما حمل شبه‬
‫جد بعيد لم يره ولم يعاصره‪ ،‬كما قال نبينا ‪ ‬مجيبا من جاء‬
‫يسأله عن سبب مفارقة ابنه له في اللون‪ ،‬حيث كان أسودا بخالف‬
‫والده‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬ل َ َعلَّ ُه نَ َز َع ُه ِع ْرق(‪.)1‬‬
‫أي َج َذبه‪ ،‬وال ِعرق هو األصل من النسب(‪.)5‬‬
‫وهذا ما يسمى بقانون الوراثة‪ ،‬وهو من القوانين المهمة في حياة‬
‫الموجودات الحية‪ .‬وهذا القانون هو الذي يكفل للنبات والحيوان‬
‫واإلنسان بقاء صورها النوعية الخاصة بها‪ .‬وعلى هذا األساس يكتسب‬
‫األبناء صفات اآلباء من دون حاجة إلى أي نشاط إرادي منهم(‪.)2‬‬
‫فتأثر األبناء باآلباء قائم نظريا وواقع فعليا ال يماري فيه أحد‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2222‬‬
‫(‪ )5‬شرح النووي على مسلم‪ )122/12( :‬وقال ابن حجر‪ :‬أصل النزع الجذب‪ ،‬وقد‬
‫يطلق على الميل‪( .‬فتح الباري‪.)222/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الطفل بين الوراثة والتربية‪ :‬محمد تقي فلسفي‪.25/1 ،‬‬

‫‪52‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫وتأثير الدم والسالالت في أخالق األجيال وصالحياتها ومواهبها وطاقاتها‬


‫أمر مقرر وإلى ح ّد بعيد‪ ،‬بل وفي أكثر األحوال‪.‬‬
‫فالصفات الوراثية تنتقل من جيل إلى آخر وفقا لقوانين‪ ،‬والجيل‬
‫الالحق يكتسب صفات الجيل السابق(‪.)1‬‬
‫وهذا التأثير ال يقف فقط عند حد الجانب الخلقي أو ما يتعلق‬
‫بعلم الوراثة‪ ،‬وتأثير الدم الموروث في أعضاء األسرة‪ ،‬بل إنه يتعداه‬
‫إلى غيره من نحو‪:‬‬
‫ــ القيم والمثل التي يؤمن بها آباء وأجداد هذه األسرة‪.‬‬
‫ــ حكايات اآلباء وعظماء األسرة في البطولة والفروسية والشهامة‬
‫والجود والسخاء(‪.)5‬‬
‫كلية مطلقة وقاعدة مطردة‪ ،‬ال تقبل استثناء وال‬ ‫وهذا ليس َّ‬
‫شذوذا‪ ،‬فهي ليست سنَّة إةيهل ال تتغير وال تتبدل‪ ،‬بل قد يشذّ عن هذا‬
‫األمر أناس‪ ،‬ولكن األكثر على ثبوت هذا اإلرث النسبي‪ ،‬مصداقا لما‬
‫الجا ِهلِ َّيةِ ِخ َي ُار ُه ْم ِفي‬ ‫ِ‬
‫اس َم َعادِ ُن‪ِ ،‬خ َي ُار ُه ْم في َ‬
‫نطق به لسان النبوة‪ :‬النَّ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بل لقد توصل العلم الحديث إلى أبعد من ذلك فقد قرر أن اإلنسان قد يرث من أبويه‬
‫أو أجداده البعيدين صفاتا كانت مختفية فيهم ولكن توفر بعض الشروط والظروف‬
‫المناسبة والبيئة الخاصة أدى إلى ظهور تلك الصفات في األجيال الالحقة‪( .‬راجع‪:‬‬
‫الطفل بين الوراثة والتربية‪.)02/1 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المرتضى للندوي‪ :‬ص‪ 12‬ــ ‪ 10‬بتصرف شديد‪ .‬ط‪ :5‬المجمع اإلسالمي‬
‫العلمي‪ ،‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫ا ِإل ْسالَمِ‪ِ ،‬إ َذا فَ ُق ُهوا(‪.)1‬‬

‫والمع ِدن هو ما اس َّ‬


‫تقر في باطن األرض‪ ،‬وتارة يكون نفيسا وتارة‬
‫يكون خسيسا‪ ،‬وكذلك الناس تتفاوت قيمتهم وقدرهم بحسب ما‬
‫اشتملت عليه نفوسهم من خسة أو شرف‪.‬‬
‫وهكذا فال بد للوالد أن يترك في ولده بصمة‪ ،‬وال بد لالبن أن‬
‫يحمل من أبيه شبها‪ ،‬أو يرث منه شرفا‪ ،‬أو يكتسب منه خلقا‪ ،‬أو‬
‫يستقي منه طبعا‪.‬‬
‫وهذا هو الحال مع العباس ‪ ،‬الذي ورث الشرف من آبائه‪،‬‬
‫فكان فرعا ألصل كريم‪.‬‬

‫‪ ‬أرومة العباس(‪:)1‬‬
‫العباس ‪ ‬سليل بيت كريم‪ ،‬ورث المجد كابرا عن كابر‪ .‬فهو‬
‫عربي قرشي هاشمي‪ ،‬وقريش سادة العرب‪ ،‬وبنو هاشم واسطة عقد‬
‫درة تاج‬ ‫درة تاج بني هاشم‪ ،‬بل َّ‬ ‫قريش‪ ،‬ومنهم سيدنا محمد ‪َّ ‬‬
‫الجنس البشري بعامة‪.‬‬
‫اص َط َفى ِكنَانَ َة ِم ْن َول َ ِد‬ ‫وذلك مصداقا لقوله ‪ِ :‬إ َّن اهللَ ْ‬
‫ش بَ ِني َه ِاش ٍم‪،‬‬ ‫اص َط َفى ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬
‫اصطَ َفى قُ َر ْيشا ِم ْن ِكنَانَ َة‪َ ،‬و ْ‬
‫ِإ ْس َما ِع َيل‪َ ،‬و ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2232‬‬
‫(‪ )5‬األرومة‪ :‬أَ ْص ُل ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُم ْج َت َم ُع ُه‪( .‬مقاييس اللغة‪ /‬أرم)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫اصطَ َفانِي ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم<(‪.)1‬‬


‫َو ْ‬
‫فدل الحديث على فضل كنانة واصطفائها من ولد إسماعيل‪ ،‬ثم‬‫َّ‬
‫َّ‬
‫دل على فضل قريش واصطفائها من كنانة‪.‬‬
‫فضل اهلل العرب على؛ العجم ألنهم كانوا ال ينكحون البنات‬‫فقد َّ‬
‫وفضل اهلل مضر بن نزار على سائر العرب؛ ألنهم كانوا‬
‫وال األخوات‪َّ ،‬‬
‫أعلمهم بسنة إبراهيم صلى اهلل عليه وعلى محمد وآله وألزمهم‬
‫وفضل اهلل قريشا على سائر مضر؛ ألنهم كانوا ال يظلمون‬‫لمناسكه‪َّ ،‬‬
‫وفضل اهلل بني هاشم على قريش؛‬ ‫الجار وال يغير بعضهم على بعض‪َّ ،‬‬
‫وفضل اهلل بني‬
‫ألنهم كانوا أوصلهم لألرحام وأك ُّفهم عن اآلثام‪َّ ،‬‬
‫عبد المطلب على سائر بني هاشم بوالدة محمد صلى اهلل عليه وعلى‬
‫وفضل اهلل محمدا صلى اهلل عليه على سائر بني عبد المطلب؛ ألنه‬
‫آله‪َّ ،‬‬
‫كان خيرهم وأبرهم وأصدقهم وأوصلهم ‪.)5(‬‬
‫وهنا واستقاء مما سبق سنشير إيجازا إلى وضع األسرة والساللة ــ‬
‫اللتين ولد ونشأ فيهما العباس ‪ ‬ــ العرقي واالجتماعي‪ ،‬وما كانتا‬
‫تمتازان به من خصائص وأعراف‪ ،‬وتقاليد وتراث خلقي ونفسي‪ ،‬وكيف‬
‫كان العرب ينظرون إليهما ويقرون لهما بالفضل‪ ،‬ونبدأ في ذلك‬
‫بقريش‪ ،‬ثم نثنِّي ببني هاشم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪.)5550‬‬
‫(‪ )5‬المنمق البن حبيب‪ :‬ص‪.51‬‬

‫‪53‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫‪ ‬قبيلة قريش‪:‬‬
‫قريش كما هو معلوم سادة العرب وقادتها‪ ،‬عرفوا بفصاحة اللسان‬
‫وقوة البيان وكرم األخالق والشجاعة والفتوة‪ ،‬فلغة قريش أفصح‬
‫اللغات ونسبها أصح األنساب‪.‬‬
‫وتنتسب قريش إلى فهر بن مالك فهو المراد بقريش‪ ،‬وقيل‪ :‬النضر‬
‫النضر بن كنانة<‪ ،‬فهو أبو >قريش<(‪.)5‬‬
‫وأما > ّ‬
‫ّ‬ ‫‪:‬‬‫المعارف‬ ‫وفي‬ ‫‪.‬‬‫(‪)1‬‬
‫ابن كنانة‬
‫واألكثرون على أن المراد بقريش فهر بن مالك‪ ،‬ال النضر‪.‬‬
‫ففي نسب قريش‪ :‬فولد مالك بن النضر‪ :‬فهرا‪ ،‬وهو قريش(‪.)2‬‬
‫وقال ابن حجر‪َ :‬و َه َذا قَ ْو ُل ْاألَ ْك َثرِ َوبِه ِ َج َز َم ُم ْص َعب قَ َال‪َ :‬و َم ْن ل َ ْم‬
‫يَلِ ْد ُه ِف ْهر فَلَ ْي َس قُ َر ِش ًّيا(‪.)2‬‬
‫وأصل لفظة قريش راجع إلى عدة أمور‪ :‬فيقال‪ :‬قريش من‬
‫وسميت بذلك ألنها‬ ‫التجمع في بعض كالم العرب‪ُ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫التقرش‪ ،‬وهو‬ ‫ُّ‬
‫ش ِم ْن َمنَا ِزلِه ِْم ِإلَى َم َّك َة يَ ْس َت ِع ُّز‬
‫جمع قَ ْو َم ُه ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬
‫تجمعت مع قصي حين َ‬ ‫َّ‬
‫بِ ِه ْم عند ِخالفه مع ُخزاعة ونَف ِيه لهم عن َ‬
‫(‪)2‬‬
‫الح َرم ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذخائر العقبى للمحب الطبري‪ :‬ص‪.22‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المعارف‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬ص‪.05‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫نسب قريش‪ :‬ص‪.15‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فتح الباري‪ 222/0 :‬ــ سيرة ابن هشام‪ .22/1 :‬وانظر‪ :‬المفصل في تاريخ العرب‬ ‫(‪)2‬‬
‫قبل اإلسالم‪ :‬جواد علي‪.13/5 ،‬‬
‫أخبار مكة لألزرقي‪.123/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪52‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫وقيل‪ُ :‬سميت قريش بذلك نسبة إلى قريش بن بدر بن يخلد بن‬
‫النضر‪ ،‬وكان دليل بني كنانة في تجارتهم‪ ،‬فكان يقال‪ :‬قدمت ِعير‬
‫قريش‪ ،‬فسميت قريش بذلك(‪ .)1‬وقيل‪ :‬إن أصل تسميتها راجع إلى‬
‫دواب البحر‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫دابة في البحر ُتسمى القرش‪ ،‬ولها نوع سيادة على‬
‫وجمع ابن حجر األقوال في سبب تسمية قريش بهذا وقال‪ :‬قَ َال‬
‫اب ا ْلب ْحرِيَّةِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ِي‪ُ :‬س ِّم َي ْت قُ َر ْيش بِ َدابَّة في ا ْل َب ْحرِ ه َي َسيِّ َد ُة ال َّد َو ِّ َ‬ ‫ا ْل ُم َط ِّرز ُّ‬
‫الشا ِعر‪:‬‬
‫س قَ َال َّ‬ ‫َو َك َذلِ َك قُ َر ْيش َس َاد ُة النَّا ِ‬
‫ـــر ْيش قُ َر ْي َشــــا‬ ‫بِ َهــــا ُسـ ِّ‬
‫ـــم َي ْت قُـ َ‬ ‫وقريش ِه َي ال َّ ِتـي تسـكن ا ْل َب ْحـر‬
‫ِيشــا‬
‫ـاح ْي ِن ر َ‬‫ْتتــرك ِفي ـه ِ لِ ـ ِذي َجنَـ َ‬ ‫الســــ ِم َ‬
‫ين َو َال‬ ‫ــــث َو َّ‬ ‫َت ْأ ُك ُ‬
‫ــــل ا ْل َغ َّ‬
‫َه َك َ ِ‬
‫ــذا فــي ا ْلــب َِالدِ َح ُّ‬
‫(‪)5‬‬
‫يشــا‬‫ش يَــ ْأ ُكلُو َن ا ْلــب َِال َد أَ ْكــال َك ِم َ‬ ‫ــي قُ َــر ْي ٍ‬
‫ــــر ال َّز َمـــــا ِن نَ ِبـــــي يُ ْك ِث ُـر ا ْل َق ْتـ َـل ِفــيه ِْم َوا ْل ُخ ُم َ‬ ‫ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫وشــا‬ ‫ــــم آخـ ُ‬‫َول َ ُهـ ْ‬
‫اح ُب ا ْل ُم ْح َكمِ‪ :‬قُ َر ْيش َدابَّة ِفي ا ْل َب ْحرِ َال َت َد ُع َدابَّة ِفي ا ْل َب ْح ِر‬ ‫َوقَ َال َص ِ‬
‫اب َت َخافُ َها‪َ ،‬وأَ ْن َش َد ا ْل َب ْي َت ْاألَ َّو َل‪ ،‬قُ ْل ُت‪ ):‬ابن‬ ‫ِإ َّال أَ َكلَ ْت َها‪ ،‬فَ َج ِم ُيع ال َّد َو ِّ‬
‫ف َو ُس ُكو ِن‬ ‫حجر) َوال َّ ِذي َس ِم ْع ُت ُه ِم ْن أَ ْف َواهِ أَ ْه ِل ا ْلب ْح ِر‪ :‬ا ْل ِق ْرش بِ َك ْسرِ ا ْل َقا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ور َشا ِهد َص ِحيح فَلَ َعلَّ ُه ِم ْن َت ْغيِيرِ ا ْل َع َّامةِ فَ ِإ َّن ا ْل َب ْي َت‬ ‫ِ‬
‫الراء ل َ ِك َّن ا ْل َب ْي َت ا ْل َمذْ ُك َ‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نسب قريش‪ :‬ص‪ .15‬وراجع‪ :‬فتح الباري‪.222/0 :‬‬
‫(‪ )5‬الكميش‪ :‬سريع الحركة‪ ،‬وتقال للرجل العزوم الماضي‪( .‬مجمل اللغة البن فارس‪،‬‬
‫جمهرة اللغة‪ :‬ابن دريد ‪ /‬شكم)‪.‬‬
‫ماش ُة‪ :‬الجناية‬
‫(‪ )2‬الخموش‪ :‬ما دون القتل من الجراح وغيرها‪ .‬ومفردها خمش‪ ،‬ومنه ال ُخ َ‬
‫والجراحة والكدمة‪( .‬العين‪ :‬الخليل بن أحمد ‪ /‬خشم)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫ور ِة يَ ُد ُّل َعلَى أَنَّ ُه ِم ْن ِش ْع ِر ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ ثُ َّم ظ ََه َر لِي‬ ‫ْاألَ ِخ َير ِم َن ْاألَ ْب َي ِ‬
‫ات ا ْل َمذْ ُك َ‬
‫ف‪َ ،‬وقَ ْد أخرج ا ْل َب ْي َه ِق ّي من َطرِيق ابن‬ ‫ش ال َّ ِذي بِ َك ْسرِ ا ْل َقا ِ‬ ‫أَنَّ ُه ُم َص َّغ ُر ا ْل ِق ْر ِ‬
‫ش َو ِه َي َدابَّة ِفي ا ْل َب ْحرِ َال َت ُم ُّر بِ َش ْي ٍء ِم ْن‬ ‫س قَ َال‪ :‬قُ َر ْيش َت ْص ِغ ُير قِ ْر ٍ‬ ‫َع َّبا ٍ‬
‫ِش َع ْن‬ ‫ر‬‫ق‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ا‬‫ك‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫َغث َو َال َس ِمي ٍن ِإ َّال أَ َكلَ ْت ُه(‪َ ،)1‬وقِ َيل‪ُ :‬س ِّمي قُريشا ِ‬
‫أل‬
‫َ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫يش‪َ ،‬وقِ َيل‪ُ :‬س ُّموا‬ ‫ِيش‪ُ :‬ه َو ال َّت ْف ِت ُ‬
‫اج ِته ِْم َويَ ُس ُّد َها‪َ ،‬وال َّت ْقر ُ‬ ‫س َو َح َ‬ ‫َخلَّةِ النَّا ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ِيش َو ْق ُع ْاألَسنَّة‪َ ،‬وق َيل‪ :‬ال َّت َق ُّر ُ‬
‫ش ال َّتنَ ُّز ُه‬ ‫بِ َذلِ َك لِ َم ْع ِرفَ ِته ِْم بِالط َِّعا ِن‪َ ،‬وال َّت ْقر ُ‬
‫ت ا ْل َعظ َْم َول َ ْم‬ ‫الش َّج ُة ِإ َذا َص َّد َع ِ‬‫ت َّ‬‫َع ْن َر َذائِ ِل ْاألُ ُمو ِر‪َ ،‬وقِ َيل‪ُ :‬ه َو ِم ْن أَ ْق َر َش ِ‬
‫ش بِ َك َذا ِإ َذا َس َعى ِفيه ِ فَ َوقَ َع ل َ ُه‪َ ،‬وقِ َيل َغ ْي ُر َذلِ َك(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫ُت َه ِّش ْم ُه‪َ ،‬وق َيل‪ :‬أَ ْق َر َ‬

‫أقر العرب كلهم بعلو نسب قريش‪ ،‬وسيادتها‪ ،‬وفصاحة‬ ‫وقد َّ‬
‫لغتها‪ ،‬ونصاعة بيانها‪ ،‬وكرم أخالقها وشجاعتها وفتوتها‪ ،‬وذهب ذلك‬
‫مثال ال يقبل نقاشا وال جداال‪ ،‬وكانوا حلفاء متآلفين متمسكين بكثير من‬
‫شريعة إبراهيم الخليل عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولم يكونوا كاألعراب‬
‫الذين ال يوقرهم دين‪ ،‬وال يزينهم أدب‪ ،‬وكانوا يحبون أوالدهم‪،‬‬
‫ويحجون البيت‪ ،‬ويقيمون المناسك‪ ،‬ويكفنون موتاهم‪ ،‬ويغتسلون من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬روى الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )12232‬أن معاوية سأل ابن عباس لِ َم ُس ِّم َي ْت قُ َر ْيشا؟‬
‫ٍ‬
‫اب ا ْل َب ْحرِ َخطَرا‪َ ،‬ال َت ْظ َف ُر ب َِش ْيء ِم ْن َد َو ِّ‬
‫اب‬ ‫قَ َال‪ :‬بِ َدابَّةٍ َت ُكو ُن ِفي ا ْل َب ْحرِ‪ِ ،‬ه َي أَ ْع َظ ُم َد َو ِّ‬
‫ا ْل َب ْحرِ ِإ َّال أَ َكلَ ْت ُه‪ ،‬فَ ُس ِّم َي ْت قُ َر ْيش؛ ِألَنَّ َها أَ ْع َظ ُم ا ْل َع َر ِب ِف َعاال‪.‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.222/0 :‬‬

‫‪21‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫الجنابة‪ ،‬ويتبرءون من الهرابذة(‪ ،)1‬ويتباعدون عن المناكح من البنت‬


‫وبنت البنت واألخت وبنت األخت‪ ،‬غيرة وبعدا من المجوسية‪ ،‬ونزل‬
‫القرآن بتأكيد صنيعهم وحسن اختيارهم‪ ،‬وكانوا يتزوجون بالصداق‬
‫والشهود ويطلقون ثالثا(‪ ،)5‬ومما زاد شرفهم أنهم كانوا يتزوجون من أي‬
‫قبيلة شاءوا‪ ،‬وال شرط عليهم في ذلك‪ ،‬وال يزوجون أحدا حتى‬
‫(‪)2‬‬
‫يحل لهم‬
‫يشترطوا عليه أن يكون متحمسا على دينهم‪ ،‬يرون ذلك ال ّ‬
‫وال يجوز لشرفهم‪ ،‬حتى يدان إليهم وينقاد(‪.)2‬‬
‫وقد ذكرت قريش باسمها في القرآن‪ ،‬في سورة سميت باسمها‬
‫(سورة قريش)‪ ،‬وقال فيها رسول اهلل ‪ ‬فيما روته عائشة‪> :‬ل َ ْو َال‬
‫أَ ْن َت ْبطَ َر قُ َر ْيش‪َ ،‬ألَ ْخ َب ْر ُت َها بِ َما ل َ َها ِع ْن َد اهلل ِ َع َّز َو َج َّل<(‪.)2‬‬
‫وفي البخاري َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة ‪ ،‬أَ َّن النَّب َِّي ‪ ‬قَ َال‪:‬‬
‫الش ْأ ِن‪ُ ،‬م ْسلِ ُم ُه ْم َت َبع لِ ُم ْسلِ ِمه ِْم‪َ ،‬و َك ِاف ُر ُه ْم‬
‫ش ِفي َه َذا َّ‬
‫اس َت َبع لِ ُق َر ْي ٍ‬
‫>النَّ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫معرب‪ ،‬واحدها اله ِْربِ ُذ بالكسر‪ ،‬فيقال‪َ :‬هرابِ َذ ِة المجو ِ‬
‫س‪ ،‬وهم َخ َد ُم‬ ‫اله َرابِ َذة‪ :‬فارسي َّ‬
‫َ‬ ‫(‪)1‬‬
‫النارِ‪ ،‬أو َّقوام بيت النار‪ ،‬وقيل‪ :‬عظماء الهند أو علماؤهم‪( .‬الصحاح ‪ /‬هربذ)‪.‬‬
‫بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب لأللوسي (‪ .)522/1‬ط‪ :2‬القاهرة‬ ‫(‪)5‬‬
‫التحمس‪ :‬التشدد في الدين‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫المرتضى للندوي‪ :‬ص (‪ 15‬ــ ‪ ،)13‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب (‪.)522/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه أحمد‪ :‬ح (‪ )52522‬وإسناده صحيح‪ ،‬رجاله ثقات رجال الشيخين‪ ،‬وسعيد‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن عمرو بن سعيد األموي والد إسحاق‪ ،‬سمع من عائشة فيما قال البخاري في‬
‫>التاريخ الكبير< ‪ .222/2‬وأورده الهيثمي في >مجمع الزوائد< ‪ 52/12‬ح‪:‬‬
‫(‪ )10222‬وقال‪ :‬رواه أحمد‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫َت َبع لِ َك ِافرِ ِه ْم(‪.)1‬‬


‫وقال ‪ ‬فيما رواه عنه معاوية‪ِ > :‬إ َّن َه َذا األَ ْم َر ِفي قُ َر ْي ٍ‬
‫ش الَ‬
‫ين<(‪.)5‬‬ ‫يُ َعادِيه ِْم أَ َحد‪ِ ،‬إ َّال َك َّب ُه اهللُ َعلَى َو ْج ِهه ِ‪َ ،‬ما أَقَ ُاموا ال ِّد َ‬

‫‪ ‬بنو هاشم‪:‬‬
‫بنو هاشم أشرف قبائل قريش وأعظمها‪ ،‬وهم أبناء هاشم بن عبد‬
‫مناف‪ ،‬وكان له من الولد‪ :‬عبد المطلب‪ ،‬والشفاء‪ ،‬وأمهما‪ :‬سلمى بنت‬
‫عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش من الخزرج‪.‬‬
‫ونضلة بن هاشم‪ ،‬انقرض عقبه‪ ،‬وأمه‪ :‬أميمة بنت أد بن علي من‬
‫بني سالمان بن سعد هذيم‪..‬‬
‫وأسد بن هاشم‪ ،‬انقرض عقبه إال من ابنته فاطمة ابنة أسد؛ وأمه‪:‬‬
‫قيلة‪ ،‬ويقال لها‪> :‬الجزور< لعظمها‪ ،‬بنت عامر بن مالك بن المصطلق‪،‬‬
‫واسمه جذيمة‪ ،‬ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة من خزاعة‪.‬‬
‫وأبا صيفي‪ ،‬انقرض عقبه إال من بنته رقية‪ ،‬هي أم مخرمة بن‬
‫نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كالب‪.‬‬
‫وصيفيا‪ ،‬درج(‪)2‬؛ أمهما‪ :‬هند بنت عمرو بن ثعلبة بن الخزرج‪..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )2222‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)1313‬‬
‫وكبه اهلل‪ :‬أذله وخذله وألقاه منكوسا في جهنم‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪َّ .)2222‬‬
‫(‪ )2‬درج‪ :‬تقال للرجل ِإذا لم يخلف نَ ْسال‪( .‬جمهرة اللغة ‪ /‬درج)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫وضعيفة؛ وخالدة‪ ،‬وكانت تسمى قبة الديباج؛ وأمهما‪ :‬واقدة بنت‬


‫أبي عدي‪..‬‬
‫وحية بنت هاشم‪ ،‬وأمها‪ :‬أم عدي بنت حبيب بن الحارث بن‬
‫مالك بن حطيط بن جشم ابن قسي‪ ،‬وهو ثقيف‪ ،‬ابن منبه بن بكر بن‬
‫هوازن(‪.)1‬‬
‫وهاشم بن عبد مناف رأس الساللة الهاشمية قد حظي بمكانة‬
‫عظيمة عند قريش وأصبح في عهده زعيم مكة الذي ال ينازع‪.‬‬
‫وكان بنو هاشم واسطة العقد في قريش‪ ،‬وإذا قرأنا ما حفظه‬
‫التاريخ وكتب السيرة من أخبارهم وأقوالهم ــ وهو قليل من كثير جدا ــ‬
‫استدللنا به على ما كان يمتاز به هؤالء من مشاعر اإلنسانية الكريمة‪،‬‬
‫واالعتدال في كل شيء‪ ،‬ورجاحة العقل‪ ،‬وقوة اإليمان بما للبيت من‬
‫مكانة عند اهلل‪ ،‬والبعد عن الظلم ومكابرة الحق‪ ،‬وعلو الهمة‪ ،‬والعطف‬
‫على الضيف والمظلوم‪ ،‬والسخاء‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬وما تشتمل عليه كلمة‬
‫(الفروسية) عند العرب من معان كريمة وخالل حميدة‪ ،‬والسيرة التي‬
‫تليق بأجداد الرسول الكريم ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬تتفق ويتفق مع ما كان يفضله‬
‫ويدعو إليه من مكارم األخالق‪ ،‬غير أنهم عاشوا في زمن الفترة‪،‬‬
‫وسايروا أبناء قومهم في عقائد الجاهلية‪ ،‬وعباداتها(‪.)5‬‬
‫وجد‬
‫ومن خيار بني هاشم‪ :‬عبد المطلب بن هاشم‪ :‬والد العباس ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نسب قريش‪ 12 :‬ــ ‪.10‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬المرتضى للندوي‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫الرسول ــ ‪ ،‬واسمه شيبة‪ ،‬وهو الذي أتى به عمه المطلب من‬


‫عند أخواله في المدينة‪ ،‬وهو الذي حفر بئر زمزم بعد أن رأى رؤيا‬
‫حددت له مكان البئر‪ ،‬فحفرها وسقى منها الحجيج(‪.)1‬‬
‫وقد ورث عبد المطلب مكانة أبيه هاشم‪ ،‬مستحقا إياها بجدارة‪،‬‬
‫ومتطلعا إلى آفاق بعيدة في السيادة والشرف‪ ،‬حيث سعى إلى تعزيز‬
‫موقع ومكانة قريش بين القبائل‪ ،‬بل وجعل مكة في عهده حاضرة كبيرة‬
‫يتوفر فيها الماء وشتى االحتياجات للقادمين إليها من التجار‪ ،‬كما واجه‬
‫بشجاعة التحديات التي تربصت بها‪.‬‬
‫فكان سيد قريش غير مدافع‪ ،‬قد أعطاه اهلل ما لم يعط أحدا‪،‬‬
‫وسقاه زمزم وذا الهرم‪ ،‬وحكمته قريش في أموالها‪ ،‬وأطعم في المحل‬
‫حتى أطعم الطير والوحوش في الجبال(‪.)5‬‬
‫وكان عبد المطلب من حكَّام قريش‪ ،‬وكان يقال له‪> :‬ال ّفياض<‬
‫ِ‬
‫السماء<؛ ألنه كان يرفع من مائدته للطير‬ ‫لجوده‪ ،‬و> ُم ْط ِعم َط ْي ِر‬
‫حرم الخمر على نفسه في‬ ‫والوحوش في رءوس الجبال‪ ،‬وكان ممن َّ‬
‫الجاهلية‪ .‬وكان يأمر بترك الظلم والبغي‪ ،‬ويحث قومه على مكارم‬
‫األخالق‪ ،‬وينهاهم عن دنيئات األمور‪ ،‬وتؤثر عنه سنن جاء القرآن‬
‫بأكثرها وجاءت السنة بها‪ ،‬منها‪ :‬الوفاء بالنذر‪ ،‬والمنع من نكاح‬
‫المحارم‪ ،‬وقطع يد السارق‪ ،‬والنهي عن قتل الموءودة‪ ،‬وتحريم الخمر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أخبار مكة‪ 223/1 :‬ــ ‪ 222‬برقم (‪.)022‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ اليعقوبي‪.12/5 :‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫والزنا وأن ال يطوف بالبيت عريان(‪.)1‬‬


‫عمه‬
‫وقد ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة‪ ،‬بعد ِّ‬
‫المطلب‪ ،‬فأقامهما للناس‪ ،‬وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم‬
‫من أمرهم‪ ،‬وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه‪ ،‬وأحبه قومه‬
‫وعظم خطره(‪ )5‬فيهم(‪.)2‬‬
‫ولم يكن عبد المطلب أغنى رجل في قريش‪ ،‬ولم يكن سيد مكة‬
‫الوحيد المطاع‪ ،‬كما كان قُصى‪ ،‬إذ كان في مكة رجال كانوا أكثر منه‬
‫ماال وسلطانا‪ ،‬إنما كان وجيه قومه؛ ألنه كان يتولى السقاية والرفادة‪،‬‬
‫وبئر زمزم‪ ،‬فهي وجاهة ذات صلة بالبيت(‪.)2‬‬
‫وله قصة مع أبرهة في عام الفيل مشهورة ومعروفة‪ ،‬ذكرها أصحاب‬
‫التواريخ والسير(‪.)2‬‬
‫ومات عبد المطلب بعد أن جاوز الثمانين‪ ،‬وعمر الرسول‬
‫‪ ‬ثمان سنين‪ ،‬ومعنى ذلك أنه توفى حوالي سنة ‪ 253‬للميالد‪،‬‬
‫وذكر أنه لم تقم بمكة سوق أياما كثيرة لوفاة عبد المطلب(‪.)0‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بلوغ األرب‪ 252/1 :‬وما بعدها‪ ،‬وراجع‪ :‬المفصل في تاريخ العرب‪.251/12 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخطر يراد به هنا الشرف‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سيرة ابن هشام‪.125/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪.53/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سيرة ابن هشام‪.22/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المفصل‪.31/5 :‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪20‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫ومن أوالد عبد المطلب العباس ‪ ،‬وارث شرف أبيه وسقايته‬


‫ورفادته وعمارته للمسجد الحرام‪ ،‬وفيما يلي ذكر نسبه كامال‪.‬‬

‫العباس إطاللة ذاتية‬


‫لعل من المتعارف عليه عند دراسة أي شخصية واستقراء تاريخها‬
‫وإبراز مكامن شخصيتها أن يتم وضعها تحت المجهر ذاتيا واجتماعيا‪،‬‬
‫لتشمل الدراسة الحديث عن جوانب الشخصية الذاتية واالجتماعية‬
‫أصال وفرعا وسكنا‪ ،‬من نحو إبراز سلسلة النسب‪ ،‬من جهتيه‪،‬‬
‫والحديث عن صفة صاحب الشخصية وأبنائه وإخوته إلى غير ذلك من‬
‫مفردات الناحية االجتماعية واألُسرية‪ ،‬وهذا ما سنل ِمح إليه في صفحات‬
‫البحث التالية فيما يتعلق بالعباس ‪.‬‬
‫وعند الحديث عن العباس ‪ ‬أجد الكلمات تتصاغر فال توفيه‬
‫حقه‪ ،‬والمعاني تتضاءل فال تناسب قدره‪ ،‬والصفحات تتداخل فال تسع‬
‫ذكره‪ ،‬وحينما أغض الطرف عن هذا كله وأحاول تناسيه تاركا لنفسي‬
‫مجاال للحديث عن العباس ‪ ،‬فإذ بالحيرة تأخذني والدهشة‬
‫تعلوني‪ ،‬ترى من أين أبدأ‪ ،‬وكيف أبدأ‪ ،‬وبأي لسان أتكلم وبأي يراع‬
‫أسطر؟ ترى هل أنا أهل لهذا الحديث‪ ،‬أو يحتاج عم النبي ‪‬‬

‫إلى مثلي ليتحدث عنه؟ أو يتسع إناء لماء البحر؟ ولكن عذري أني‬
‫أكتب بمداد المحبة للنبي ‪ ‬وعمه وصحبه‪ ،‬وقلم االتباع على‬
‫صفحات الشرف والنور‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫‪ ‬اسمه ونسبه ‪:‬‬


‫هو‪ :‬العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن‬
‫كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن‬
‫كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن‬
‫عدنان(‪.)1‬‬
‫النسابين من نسبه ‪ ،‬وما بعد‬‫وهذا هو القدر المتفق عليه بين َّ‬
‫ذلك مختلف فيه‪ ،‬إال أنهم اتفقوا على أن النسب يرجع إلى إسماعيل‬
‫ابن ابراهيم خليل اهلل(‪.)5‬‬
‫أمه (أم العباس)‪ :‬نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو‬
‫ابن عامر بن زيد مناة بن عامر وهو الضحيان بن سعد بن الخزرج بن‬
‫تيم اهلل بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن‬
‫أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان(‪.)2‬‬
‫وفي تاريخ دمشق‪ :‬أن اسمها نتيلة بنت خباب بن كليب(‪.)2‬‬
‫وواضح أن نسب والد العباس ووالدته يلتقي في نزار بن معد بن‬
‫عدنان‪.‬‬
‫ووالدة العباس هي أول عربية كست البيت الحرام الحرير والديباج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات الكبرى‪.2/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذخائر العقبى للمحب الطبري‪ :‬ص‪.22‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ .2/2 :‬وانظر‪ :‬تاريخ دمشق‪.552/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ دمشق‪.553/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪23‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫ضل وهو صبي‪ ،‬فنذرت كسوة البيت إن‬


‫وأصناف الكسوة؛ ألن العباس َّ‬
‫وجدته‪ ،‬فلما وجدته وفَّت بنذرها(‪.)1‬‬
‫اجر ِْي َن َواألَ ْن َصا ِر‬ ‫ابن سعد في الطَّ َب َق ُة ال َّثانِ َي ُة ِم َن ُ‬
‫الم َه ِ‬ ‫ترجم له ُ‬ ‫وقد َ‬
‫ِم َّم ْن ل َ ْم يَ ْش َه ْد بَ ْدرا‪َ ،‬وبَ َدأَ بِه(‪.)5‬‬

‫‪ ‬مولده ‪:‬‬
‫قبل عام الفيل بثالث‬ ‫‪‬‬ ‫كان مولد العباس بن عبد المطلب‬
‫سنين‪.‬‬
‫فقد روى ابن سعد بسنده عن شعبة مولى ابن عباس قال‪ :‬سمعت‬
‫عبد اهلل بن عباس يقول‪ :‬ولد أبي العباس بن عبد المطلب قبل قدوم‬
‫أصحاب الفيل بثالث سنين‪ ،‬وكان أس َّن من رسول اهلل ‪ ‬بثالث‬
‫سنين(‪.)2‬‬
‫وفي تاريخ دمشق‪ :‬وولد ــ أي العباس ــ قبل النبي ‪ ‬ــ قال‬
‫الذهلي‪ :‬قال يحيى بن كثير‪ :‬بثالث سنين‪ ،‬وقال الواقدي‪ :‬ولد العباس‬
‫قبل الفيل بثالث سنين‪ ،‬فكان أس َّن من رسول اهلل بثالث سنين(‪.)2‬‬
‫اس أَ َس َّن‬
‫وروى الحاكم بسنده عن ال ُّزبَ ْي ُر ْب ُن بَكَّا ٍر‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الوافي بالوفيات‪ :‬الصفدي‪.222/2 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.2/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الطبقات‪.2/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ دمشق‪.553/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫ين< أُتِ َي ِإلَى أُ ِّمي فَ ِق َيل ل َ َها‪َ :‬ول َ َد ْت‬ ‫ث ِس ِن َ‬ ‫ِم ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬بِ َث َال ِ‬
‫آخ َذة بِ َي ِدي َح َّتى َد َخ ْلنَا َعلَ ْي َها‪،‬‬ ‫ين أَ ْصب ْح ُت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنَ ُة ُغ َالما فَ َخ َر َج ْت بِي ح َ َ‬
‫اء يُ َح ِّد ْثنَ ِني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫فَ َكأَنِّي أَ ْن ُظ ُر ِإل َ ْيه ِ يَ ْم َص ُع ر ِْجلَ ْيه ِ في َع ْر َصته ِ‪َ ،‬و َج َع َل الن ِّ َس ُ‬
‫َويَ ُق ْل َن‪ :‬قَ ِّب ْل أَ َخا َك(‪.)5‬‬
‫اس أَ ْن َت‬ ‫بن بَكَّا ٍر‪ُ :‬س ِئ َل َ‬
‫الع َّب ُ‬ ‫وفي سير أعالم النبالء‪ :‬قَ َال ال ُّزبَ ْي ُر ُ‬
‫أَ ْك َب ُر أَ ْم َر ُس ْو ُل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ فَ َق َال‪ُ :‬ه َو أ َ ْك َب ُر ِمنِّي َوأَنَا أَ َس ُّن ِم ْن ُه‪،‬‬
‫َم ْولِ ُد ُه بَ ْع َد َع ْقلِي أُتِ َي ِإلَى أُ ِمي فَ ِق ْي َل ل َ َها‪َ :‬ول َ َد ْت آ ِمنَ ُة ُغالَما فَ َخ َر َج ْت بِي‬
‫ِحي َن أَ ْصب َح ْت ِ‬
‫آخ َذة بِ َي ِدي َح َّتى َد َخ ْلنَا َعلَ ْي َها فَ َكأَنِّي أَ ْن ُظ ُر ِإل َ ْيه ِ يَ ْم َص ُع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بِر ِْجلَ ْيه ِ ِفي َع َر َص ِته ِ‪ ،‬وجعل النساء يجبذنني َعلَ ْيه ِ َويَ ُق ْل َن‪ :‬قَبِّ ْل أَ َخا َك(‪.)2‬‬

‫‪ ‬كنيته ‪:‬‬
‫كان العباس ‪ ‬يُكنى أبَا الفضل‪ ،‬نسبة إلى ابنه الفضل اآلتية‬
‫ترجمته(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يمصع‪ :‬يحرك‪ .‬فيقال‪ :‬مصع الطَّائِر بِ َذن ِبهِ‪ِ ،‬إذا ّ‬
‫حركه‪( .‬جمهرة اللغة ‪ /‬صعم)‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪.)2222‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سير أعالم النبالء‪ ،221/2 :‬وراجع‪ :‬تهذيب الكمال‪ .555/12 :‬وفي تاريخ دمشق‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ )532/50‬مولده أبعد عقلي‪ .‬وأخرج الحاكم نحوا منه في مستدركه‪ :‬ح (‪)2222‬‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ دمشق‪.552/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫‪ ‬صفته ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫حبا المولى تعالى العباس ‪ ‬صفاتا خلقية عديدة‪ ،‬فكان‬
‫بهي الرونق‪ ،‬رائع المجتلى‪ ،‬ترتاح العين لمرآه‪ ،‬وتأنس النفس للقياه‪،‬‬
‫بسطت عليه النعمة ظاللها‪ ،‬وجلله الحسب بردائه‪ .‬فكان أبيض الوجه‪،‬‬
‫طويال‪ ،‬معتدل القامة‪ ،‬حسن الصورة‪.‬‬
‫روى ابن عساكر بسنده عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ُ :‬ولِد أبي‬
‫قبل الفيل بثالث سنين‪ ،‬ومات بالمدينة وهو ابن ثمان وثمانين سنة‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكان العباس معتدل القناة(‪ )1‬وكان عبد المطلب معتدل القناة‪..‬‬
‫قال عكرمة‪ :‬وكان عبد اهلل معتدل القناة‪ ،‬وكان علي بن عبد اهلل معتدل‬
‫حسن االنتصاب‪ ،‬ليس فيه جنأ(‪.)5‬‬‫القناة‪ ،‬يعني طويال‪َ ،‬‬
‫وعن صفة العباس ‪ ‬روى البالذري بسنده عن علي بن أبي طلحة‬
‫(‪)2‬‬
‫حسن اللحية‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬‫الشعر‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫رج‬ ‫عن ابن عباس قال‪ :‬كان أبي أبيض بضا‬
‫في رقة‪ ،‬تام القامة رحب الجبهة أهدب األشفار(‪ ،)2‬أو قال‪ :‬أوطف(‪،)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫القناة‪ :‬القامة‪( .‬الزاهر‪.)122/5 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أجنَأُ‪،‬‬
‫احديداب الظهر وعدم اعتداله‪ .‬فيقال‪ :‬رجل ْ‬ ‫تاريخ دمشق‪ .532/50 :‬والجنأ‪ْ :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫أي أحدب الظهر‪( .‬الصحاح ‪ /‬جنأ)‪.‬‬
‫رجل بض بَين البضاضة والبضوضة ِإذا َكا َن ناصع ا ْل َبياض ِفي سمن‪( .‬جمهرة اللغة‬ ‫(‪)2‬‬
‫البن دريد‪ 51/1 :‬مادة ‪ /‬بضض)‪.‬‬
‫َويل َش َعر األجفا ِن‪( .‬النهاية ‪ /‬هدب)‪.‬‬
‫أهدب األشفار‪ :‬ط ُ‬ ‫(‪)2‬‬
‫الوطَف‪َ :‬ك ْث َرة َش َعر الحاجبين واألشفار واسترخاؤه‪( .‬راجع جمهرة اللغة‪255/5 :‬‬ ‫َ‬ ‫(‪)2‬‬
‫مادة ‪ /‬طفو ــ وتهذيب اللغة‪ 55/12 :‬مادة ‪ /‬وطف)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫أقنى األنف(‪ )1‬عظيم العينين سهل الخدين بادنا جسيما‪ ،‬وكان قبل أن‬
‫تكبر سنه ذا ضفيرتين‪ ،‬وكف بصره قبل موته بخمس سنين‪ ،‬وقد كان‬
‫خضب ثم ترك الخضاب(‪.)5‬‬
‫وذكر الذهبي في سيره‪ :‬قال الكلبي‪ :‬كان العباس شريفا‪ ،‬مهيبا‪،‬‬
‫عاقال‪ ،‬جميال‪ ،‬أبيض‪ ،‬بضا‪ ،‬له ضفيرتان‪ ،‬معتدل القامة‪ ...‬قلت ــ أي‬
‫الذهبي ــ‪ :‬بل كان من أطول الرجال‪ ،‬وأحسنهم صورة‪ ،‬وأبهاهم‪،‬‬
‫وأجهرهم صوتا‪ ،‬مع الحلم الوافر‪ ،‬والسؤدد(‪.)2‬‬
‫اس‬
‫ومن حديث ابن أبي شيبة عن صفة العباس ‪َ :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫الس َم ِاء(‪.)2‬‬
‫س َش ْح َم َة آ َذا ٍن ِإلَى َّ‬
‫أَ ْق َر َب النَّا ِ‬
‫وزاد ابن عبد ربه‪ :‬وكان إذا طاف بالبيت يشبه الفسطاط العظيم‪،‬‬
‫وإذا مشى بين قوم تحسبه راكبا(‪.)2‬‬
‫وهذا يدل على طوله وعظم جسمه ‪ ،‬حتى يروي البخاري‬
‫وغيره عن َجابِ َر ْب َن َع ْب ِد اهلل ِ ‪ ،‬قَ َال‪ :‬ل َ َّما َكا َن يَ ْو َم بَ ْد ٍر أُتِ َي‬
‫ظر النَّبِي ‪‬‬
‫ُّ‬ ‫س َول َ ْم يَ ُك ْن َعلَ ْيه ِ ثَ ْوب‪> ،‬فَنَ َ َ‬ ‫بِأُ َس َارى‪َ ،‬وأُتِ َي بِ َ‬
‫الع َّبا ِ‬
‫يص َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن أُبَي يَ ْق ُد ُر َعلَ ْيه ِ‪ ،‬ف َ َك َس ُاه‬ ‫ل َ ُه قَ ِميصا‪ ،‬فَ َو َج ُدوا قَ ِم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال َقنا ِفي األَنف‪ :‬طُول ُ ُه ودِقَّة أَ ْرنبته َم َع ح َدب ِفي َو َس ِطهِ‪( .‬لسان العرب ‪ /‬قنى (‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أنساب األشراف‪.55/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف‪ :‬ح (‪.)22022‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫العقد الفريد‪.522/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪25‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫النَّب ُِّي ‪ِ ‬إيَّ ُاه(‪.)1‬‬


‫وقال ابن حجر في معنى قوله >يَ ْق ُد ُر َعلَ ْيه ِ بِ َض ِّم ال َّدا ِل<‪َ :‬و ِإنَّ َما َكا َن‬
‫اس َكا َن بَ ّي َن الطُّو ِل َو َك َذلِ َك َكا َن َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن أُبَ ّي(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫َذلِ َك ألَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫وجل من تحدث عن صفة العباس ذكر طوله غير ابن طاهر‬ ‫ُ‬
‫المقدسي‪ ،‬فقد ذكر في ترجمته للعباس أنه كان قصير القامة طويل‬
‫اللحية(‪ .)2‬ولعله تحريف‪ ،‬أو وهم منه‪ ،‬وبخاصة وأنه ذكره دون إسناد‪.‬‬
‫هورِي الصوت‪ ،‬وعن َجهورية صوته يقول‬‫وكان العباس ‪َ ‬ج َ‬
‫الذهبي‪ :‬قال الضحاك بن عثمان الحزامي‪ :‬كان يكون للعباس الحاجة‬
‫إلى غلمانه وهم بالغابة‪ ،‬فيقف على سلع(‪ ،)2‬وذلك في آخر الليل‪،‬‬
‫فيناديهم فيسمعهم‪ .‬والغابة نحو من تسعة أميال‪ .‬قلت‪( :‬الذهبي) كان‬
‫تام الشكل‪ ،‬جهوري الصوت ج ًّدا‪ ،‬وهو الذي أمره النبي ‪ ‬أن‬
‫يهتف يوم حنين‪ :‬يا أصحاب الشجرة‪..‬‬
‫وقال األصمعي‪ :‬كان للعباس راع يرعى له على مسيرة ثالثة‬
‫أميال‪ ،‬فإذا أراد منه شيئا صاح به‪ ،‬فأسمعه حاجته(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2223‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فتح الباري‪.122/0 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫البدء والتاريخ‪.122/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سلع‪ :‬في أصله شق بالجبل‪ ،‬وهو هنا موضع بقرب المدينة‪( .‬معجم البلدان‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪.)520/2‬‬
‫سير أعالم النبالء‪ .222/2 :‬وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪.252/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫فكان العباس ‪ ‬بهذا جميال من أحسن الناس صورة حتى أنه‬


‫وكما يروي أحمد بسنده عن محمد بن علي بن الحسين‪ :‬أَ ْق َب َل على‬
‫ِ‬
‫ول‬‫ض‪ ،‬فَلَ َّما َر ُآه َر ُس ُ‬ ‫النبي ‪َ ‬و َعلَ ْيه ِ ُحلَّة‪َ ،‬ول َ ُه َضف َير َتا ِن َو ُه َو أَ ْب َي ُ‬
‫ول اهلل ِ‪َ ،‬ما أَ ْض َح َك َك‪ ،‬أَ ْض َح َك‬ ‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫اهلل ‪َ ‬ت َب َّس َم‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ِ‬
‫اس‪َ :‬ما ا ْل َج َم ُال‬ ‫اهللُ ِسنَّ َك؟ فَ َق َال‪> :‬أَ ْع َج َب ِني َج َم ُال َع ِّم النَّب ِِّي<‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫الر َجا ِل؟ قَ َال‪> :‬الل َِّسا ُن<(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫في ِّ‬
‫اس ْب ُن‬ ‫وفي حديث جابر من رواية أبي نعيم والبيهقي‪ :‬أَ ْق َب َل ا ْل َع َّب ُ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو َعلَ ْيه ِ ثِ َياب بَ َياض فَلَ َّما نَ َظ َر ِإل َ ْيه ِ النَّب ُِّي ‪َ ‬ت َب َّس َم فَ َق َال‬
‫اب ا ْل َق ْو ِل بِا ْل َح ِّق<‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫ول اهلل ِ‪َ ،‬ما ا ْل َج َم ُال؟ قَ َال‪َ > :‬ص َو ُ‬ ‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫الص ْد ِق<(‪.)5‬‬ ‫فَ َما ا ْل َك َم ُال؟ قَ َال‪ُ > :‬ح ْس ُن ا ْل ِف َعا ِل بِ ِّ‬
‫ورغم كبر سن العباس ‪ ‬حين موته إال أنه مات معتدل القناة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في فضائل الصحابة‪ :‬ح (‪ )1522‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪)2252‬‬
‫وزاد في السند‪ :‬عن أبيه‪( ،‬علي بن الحسين) وقال الذهبي في التلخيص‪ :‬مرسل‪.‬‬
‫وعليه فالحديث معضل من رواية أحمد‪ ،‬ومرسل من رواية الحاكم‪ .‬وفيه الحكم بن‬
‫المنذر لم أجد من ذكره‪ ،‬وكذا شيخه‪ ،‬واسمه عند الحاكم‪ :‬محمد بن بشر الخثعمي‪،‬‬
‫وعند ِاإلمام أحمد وغيره‪ :‬عمر بن بشر الخثعمي‪( .‬وراجع تحقيق سعد آل حميد على‬
‫مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم البن الملقن‪ ،‬حاشية‪:‬‬
‫‪ 5210/2‬ــ ‪ ،5215‬ح‪.)522 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو نعيم في فضائل الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص‪122‬ح‪ )122( :‬وتاريخ أصبهان‪:‬‬
‫تفرد به عمر بن إبراهيم‬ ‫‪ ،23/5‬والبيهقي في شعب اإليمان‪ :‬ح (‪ )2012‬وقال‪َّ :‬‬
‫وليس بالقوي‪ ،‬وعنه ابن عساكر في التاريخ‪ .222 /50 :‬وض َّعفه األلباني في سلسلة‬
‫األحاديث الضعيفة ‪ 152/5‬رقم‪.523 :‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫فلم ينحن ظهره‪ ،‬وهكذا كان أبوه عبد المطلب بل إنه ــ عبد المطلب ــ‬
‫وكما يروي الحاكم ــ مات وهو أعدل قناة من العباس(‪.)1‬‬
‫ويروى أنه ُك َّف بصره قبل أن يموت(‪ .)5‬كما ُك َّف بَ َص ُر‬
‫س‪.‬‬‫َع ْب َد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و ُك َّف بَ َص ُر َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫روى ابن عساكر بسنده عن األصمعي قال‪ :‬وقد كان العباس قد‬
‫ع ِمي قبل موته(‪.)2‬‬
‫وروى أيضا عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬قال ابن عباس في تسمية‬
‫العميان من األشراف العباس بن عبد المطلب(‪.)2‬‬
‫وذكره الجاحظ عند تسميته العميان من األشراف(‪.)2‬‬
‫أضر في آخر عمره(‪.)0‬‬
‫وذكر ابن األثير في األُسد‪ :‬أنه ّ‬
‫‪( ‬بيت العباس) أهل بيته زوجاته وأوالده‪:‬‬
‫تزوج العباس بن عبد المطلب أكثر من واحدة‪ ،‬وحفلت كتب‬
‫التاريخ والتراجم بذكر زوجتين له إضافة إلى أمهات أوالد‪ ،‬ورزقه اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المستدرك‪.205/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الخميس‪.100/1 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تاريخ دمشق‪.250/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ دمشق‪.250/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫البرصان والعرجان والعميان والحوالن‪ :‬ص‪.202‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أسد الغابة‪.102/2 :‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫جملة من البنين والبنات‪ ،‬وفيما يلي بيان زوجتيه‪ ،‬وأبنائه من كل‬


‫واحدة منهن‪ ،‬وكذا أبنائه من أمهات األوالد‪ ،‬مع التفصيل في ترجمة أم‬
‫وأم أكثر أبنائه‪.‬‬
‫الفضل أشهر زوجاته ّ‬

‫‪ ‬أم الفضل أكرم النساء أصهارا‪:‬‬


‫هي أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن بن بجير بن‬
‫الهزم‪ ...‬ابن قيس بن عيالن بن مضر(‪.)1‬‬
‫ذكرها ابن األثير وقال‪ :‬أم الفضل‪ :‬لبابة بنت الحارث بن حزن بن‬
‫بجير بن الهزم بن دويبة بن عبد اهلل بن هالل بن عامر بن صعصعة‬
‫الهاللية‪ ،‬أم الفضل وهي زوج العباس بن عبد المطلب وأم الفضل‬
‫وعبد اهلل ومعبد وعبيد اهلل وقثم وعبد الرحمن وغيرهم من بنى العباس‪،‬‬
‫وهي لبابة الكبرى وهي أخت ميمونة زوج النبي ‪ ‬وخالة خالد‬
‫ابن الوليد يقال‪ :‬إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة‪ ،‬وكان النبي‬
‫‪ ‬يزورها ويقيل عندها‪ ،‬وكانت من المنجبات‪ ،‬ولدت للعباس‬
‫ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم ولها يقول عبد اهلل بن يزيد الهاللي‪:‬‬
‫ــــــه أَ ْو َس ْ‬
‫ــــــه ِل‬ ‫بِ َج َبــــــ ٍل نَ ْعلَ ُم ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫َمــا َول َـ َد ْت نَ ِج َيبــة ِمـ ْـن فَ ْح ـ ِل‬
‫ـــن بَطْـــ ِن أُ ِّم ا ْل َف ْضـــ ِل أَ ْكـــر ِْم بِ َهـــا ِمـ ْ‬
‫ــن َك ْهلَـــةٍ َو َك ْهـــ ِل‬ ‫َك ِســـ َّتةٍ ِم ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪.0/2 :‬‬
‫(‪ )5‬الفحل‪ :‬تطلق على الذكر من اإلبل ومن النخيل‪ ،‬وعلى ذوي النجدة من الرجال‪.‬‬
‫(راجع‪ :‬العين‪ ،‬الصحاح‪ /‬فحل)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫(‪)1‬‬
‫الر ْسـ ِل‬
‫الر ُسـ ِل َو َخ ْيـرِ ُّ‬
‫ـاتمِ ُّ‬
‫َو َخـ َ‬ ‫َع ُّم النَّب ِِّي ا ْل ُم ْصطَ َفى ِذي ا ْل َف ْضـ ِل‬
‫ولبابة أخت أسماء وسلمى وسالمة بنات عميس الخثعميات‬
‫ألمهن‪ ،‬وأخوهن ألمهن محمية بن جزء الزبيدي أمهن كلهن هند بنت‬
‫عوف الكنانية‪ ،‬وقيل‪ :‬الحميرية‪ ...‬وهي ـ لبابة ـ التي قيل فيها‪ :‬إنها أكرم‬
‫الناس أصهارا؛ ألن رسول اهلل ‪ ‬تزوج ميمونة‪ ،‬والعباس زوج‬
‫لبابة الكبرى وجعفر بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب‬
‫أزواج أسماء بنت عميس وحمزة بن عبد المطلب زوج سلمى بنت‬
‫عميس وخلف عليها بعده شداد ابن الهاد والوليد بن المغيرة زوج لبابة‬
‫الصغرى وهي أم خالد وكان المغيرة من سادات قريش فأوالد العباس‬
‫وأوالد جعفر ومحمد بن أبي بكر ويحيى بن علي وخالد بن الوليد أوالد‬
‫خالة‪ ،‬روت عن النبي ‪ ‬أحاديث روى عنها ابناها عبد اهلل وتمام‬
‫وأنس بن مالك وعبد اهلل بن الحارث بن نوفل وعمير موالها‪.)5(..‬‬
‫ات ُم ْؤ ِمنَات‪:‬‬ ‫وفي لبابة وأخواتها قال رسول اهلل ‪ْ > :‬األَ َخ َو ُ‬
‫مي ُمونَ ُة َز ْو ُج النَّبِي ‪َ ،‬وأُ ْخ ُت َها أُ ُّم ا ْل َف ْض ِل بِ ْن ُت ا ْل َحار ِ‬
‫ِث‪َ ،‬وأُ ْخ ُت َها‬ ‫ِّ‬ ‫َْ‬
‫س أُ ْخ ُت ُه َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء بِ ْن ُت ُع َم ْي ٍ‬ ‫َس ْل َمى بِ ْن ُت ا ْل َحارِث ْام َرأَ ُة َح ْم َزة‪َ ،‬وأَ ْس َم ُ‬
‫ِألُ ِّم ِه َّن<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬واألبيات نقال عن االستيعاب‪ ،1223/2 :‬وذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد‬
‫(‪ )551/2‬وأوردها ابن سعد مختصرة في الطبقات‪.2/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أسد الغابة‪ :‬ابن األثير‪ 520/5 ،‬ــ الطبقات الكبرى‪ 0/2 :‬ــ اإلصابة‪ 222/3 :‬ــ‬
‫مجمع الزوائد‪ 551/2 :‬رقم‪.12232 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن سعد في الطبقات‪ )123/3( :‬والنسائي في الكبرى‪ :‬ح (‪=)3253‬‬

‫‪25‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫وقد أنجبت أم الفضل للعباس سبعة من أوالده‪.‬‬


‫* ومن زوجاته‪ :‬حجيلة بنت جندب بن الربيع بن عامر بن كعب‬
‫ابن عمرو بن الحارث‪ ...‬ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‪،‬‬
‫وأنجبت له الحارث بن العباس‪.)1(..‬‬
‫* وكان للعباس أمهات أوالد أنجبن له بعض أوالده‪.‬‬
‫ــ فكانت له أم ول ٍد أنجبت له‪ :‬كثيرا وتماما‪.‬‬
‫ــ وأخرى أنجبت له ابنته صفية‪.‬‬
‫ــ وثالثة أنجبت له آمنة‪ ،‬ويقال‪ :‬اسمها أميمة(‪.)5‬‬
‫‪ ‬أوالد العباس ‪:‬‬
‫رزق اهلل العباس بن عبد المطلب ‪ ‬جملة من األوالد ذكورا‬
‫وإناثا‪ ،‬وقد اختلف العلماء في عدتهم‪ ،‬وفي أسماء بعضهم‪.‬‬
‫وقد أوصل ابن سعد في طبقاته عدد أبناء العباس إلى اثني عشر ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= والطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )15153‬وابن منده في >المعرفة< (‪ )253/5‬والحاكم في‬
‫المستدرك‪ :‬ح (‪( )0321‬واللفظ له) وقال‪> :‬صحيح على شرط مسلم<‪ .‬ووافقه‬
‫وصححه األلباني في صحيح الجامع‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الذهبي‪ ،‬وابن عساكر في >التاريخ< (‪)552/2‬‬
‫(‪222/1‬ح‪ .)5523 :‬وقال الهيثمي في المجمع‪502/2( :‬ح‪َ )12210 :‬ر َو ُاه‬
‫الص ِحي ِح‪ ،‬وذكره ابن عبد البر في‬ ‫الطَّ َب َرانِ ُّي بِ ِإ ْسنَ َاد ْي ِن‪َ ،‬ور َِجالُ أَ َح ِد ِه َما ر َِجالُ َّ‬
‫االستيعاب‪ ،1222/2 :‬وابن حجر في اإلصابة‪.222/3 :‬‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 0/2 :‬ــ اإلصابة‪ :‬البن حجر‪.122/5 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬نسب قريش للزبيري ص ‪ 55‬ــ ‪ ،53‬أنساب األشراف للبالذري ‪.55/2‬‬

‫‪23‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِم َن‬ ‫بين ذك ٍر وأنثى‪ ،‬ومن قوله في ذلك‪َ :‬كا َن لِ ْل َع َّبا ِ‬


‫ا ْل َول َ ِد‪ :‬ا ْل َف ْض ُل َو َكا َن أَ ْك َب َر َول َ ِد ِه َوبِه ِ َكا َن يُ ْكنَى‪َ ..‬و َع ْب ُد اهلل ِ َو ُه َو ا ْل َح ْب ُر‪..‬‬
‫الر ْح َم ِن‪َ ..‬وقُ َث ُم‪َ ..‬و َم ْع َبد‪َ ..‬وأُ ُّم َحب َِيب َة‪َ .‬وأُ ُّم ُه ْم َج ِميعا‬ ‫َو ُع َب ْي ُد اهلل ِ‪َ ..‬و َع ْب ُد َّ‬
‫أُ ُّم ا ْل َف ْض ِل َو ِه َي ل ُ َبابَ ُة ا ْل ُك ْب َرى بِ ْن ُت الحارث بن حزن الهاللية‪.‬‬
‫س أَ ْيضا ِم َن ا ْل َول َ ِد ِم ْن َغ ْيرِ أُ ِّم الفضل‪ :‬كثير بن عباس ْب ِن‬ ‫َو َكا َن لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪َ ..‬و َت َّم ُام‪َ ..‬و َص ِف َّي ُة‪َ ،‬وأُ َم ْي َم ُة‪َ ،‬وأُ ُّم ُه ْم أُ ُّم َول َ ٍد‪َ .‬وا ْل َحار ُِث ْب ُن‬
‫الربِي ِع(‪ .)1‬ولم يذكر من جملتهم‬ ‫س‪َ ،‬وأُ ُّم ُه ُح َج ْيلَ ُة بِ ْن ُت ُج ْن ُد ِب ْب ِن َّ‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫عونا‪.‬‬
‫وبلغت عدتهم عند مصعب الزبيري أحد عشر ولدا‪ ،‬بإسقاطه‬
‫عبد الرحمن من جملة من ذكرهم ابن سعد(‪ .)5‬وكذا لم يذكر عونا‪.‬‬
‫أما ابن عبد البر فقد ذكر أن للعباس عشرة من الولد‪ ،‬بإضافة عون‬
‫على ما ذكره ابن سعد‪ ،‬ولم يذكر من جملتهم أميمة وصفية(‪.)2‬‬
‫وكذا فعل ابن الجوزي في المنتظم‪ ،‬فلم يذكر أميمة وصفية‪ ،‬وزاد‬
‫على ابن عبد البر أن أسقط عونا(‪.)2‬‬
‫وفي البداية البن كثير‪ :‬أنهم عشرة غير اإلناث‪ .‬وأورد منهم عونا(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات‪.2/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نسب قريش‪ :‬ص‪.50‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫االستيعاب‪ .120/1 :‬وراجع‪ :‬الطبقات الكبرى‪ .0/2 :‬وعند الحصر نجد أن عدد‬ ‫(‪)2‬‬
‫من ذكرهم ابن عبد البر أحد عشر ولدا‪ ،‬وليس عشرة‪.‬‬
‫المنتظم‪.22/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫البداية والنهاية‪.101/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫وعند أبي نعيم من رواية ابن إسحاق أن عدتهم عشرة من الذكور‪،‬‬


‫بإضافة عون إليهم‪ ،‬وثالثا من النساء‪ ،‬هن‪ :‬أم حبيب وصفية وآمنة بدال‬
‫من أميمة(‪.)1‬‬
‫وبلغت عدتهم عند الذهبي في السير عشرة‪ .‬ولم يذكر فيهم عون‬
‫ابن العباس‪ ،‬وال صفية(‪.)5‬‬
‫وقد تف َّرد ابن الكلبي بذكر صبيح ومسهر في أبناء العباس‪ .‬وقال‬
‫ارقطني في اإلخوة‪ :‬ال يتابع عليه(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫الد‬
‫الدار ّ‬
‫ّ‬
‫وذكر السخاوي من أبنائه‪ :‬صبح(‪ .)2‬كما ذكر الهيثمي في جملة‬
‫أوالده‪ :‬روح‪ .‬وأوصلهم إلى ثالثة عشر ولدا‪ ،‬عشرة ذكور وثالث‬
‫إناث(‪.)2‬‬
‫وعند البالذري في األنساب‪ :‬أن عددهم اثنا عشر ولدا‪ ،‬السبعة‬
‫المذكورين من أم الفضل‪ ،‬وتمام وكثير والحارث‪ ،‬وصفية وآمنة ويقال‪:‬‬
‫أمينة(‪.)0‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫معرفة الصحابة‪ ،5152/2 :‬ح (‪.)2250‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اإلصابة‪ .222/1 :‬والغريب أن ابن الكلبي لم يورد هذان االسمان عند ذكره ألبناء‬ ‫(‪)2‬‬
‫العباس في الجمهرة‪ .‬راجع الجمهرة‪ :‬ص‪.2‬‬
‫قال السخاوي في التحفة اللطيفة‪ )454/1( :‬صبح بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي‬ ‫(‪)2‬‬
‫معدود في بنيه‪ ،‬وقال ابن عبد البر لكلهم صحبة‪ ..‬ولم أجد له ذكرا في غير التحفة‪.‬‬
‫مجمع الزوائد‪.551/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أنساب األشراف‪.55/2 :‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪22‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫وذكر ابن الكلبي وابن حزم أن عدة الذكور منهم‪ ،‬تسعة‪ ،‬ليس‬
‫فيهم عونا(‪.)1‬‬
‫وذكر ابن حبيب في المحبر في معرض حديثه عن أصهار العباس‪:‬‬
‫أن بناته ثالثة‪ :‬أم حبيب‪ ،‬وصفية‪ ،‬وأميمة(‪.)5‬‬
‫ومع االختالف السابق بين العلماء في تحديد عدة أبناء العباس‪،‬‬
‫إال أننا نلمح عدة أمور‪:‬‬
‫* أنهم مجتمعون على ذكر أوالد العباس السبعة من أم الفضل‪،‬‬
‫دون اختالف يُذكر‪.‬‬
‫* أن كثيرا منهم لم يذكر عونا في أبناء العباس‪ ،‬كما فعل‬
‫البالذري‪ ،‬وابن الكلبي‪ ،‬والزبيري‪ ،‬وابن سعد‪ ،‬وابن الجوزي‪،‬‬
‫والذهبي‪ ،‬وابن حزم‪.‬‬
‫غير أن ابن عبد البر ترجم له‪ ،‬وكذا ع َّده ابن حجر من أبناء‬
‫العباس‪ ،‬وترجم له في اإلصابة(‪ .)2‬وكذا ذكره ابن كثير في أوالد‬
‫العباس‪ ،‬كما أورده أبو نعيم في روايته عن ابن إسحاق‪ .‬مما يقتضي‬
‫ترجمته‪.‬‬
‫* أنه ورد اختالف في اسم أميمة بنت العباس‪ ،‬فبعضهم أسماها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جمهرة أنساب العرب‪ :‬البن الكلبي‪ ،‬ص‪ ،2‬وجمهرة أنساب العرب البن حزم‪،‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫(‪ )5‬المحبر‪ :‬ص‪.02‬‬
‫(‪ )2‬اإلصابة‪.20/2 :‬‬

‫‪21‬‬
‫العباس يف بيته وأَسته‬

‫آمنة والبعض أميمة‪ ،‬والبعض أسماها أمينة‪.‬‬


‫* نسب البعض للعباس بعض األبناء الذين ال يُعرفون‪ ،‬كما فعل‬
‫ابن الكلبي بذكره مسهر وصبيح من أبناء العباس‪ ،‬والسخاوي بذكره‬
‫صبح‪ ،‬وكذا الهيثمي بذكره روح من أبنائه‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر‪ :‬وكل بني العباس لهم رواية‪ ،‬وللفضل وعبد اهلل‬
‫وعبيد اهلل سماع ورواية(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي ذكر تراجم ما اتفق عليه أغلب العلماء وع ُّدوه من أبناء‬
‫العباس‪ ،‬مع إدراج عون بينهم تأسيا بابن عبد البر‪ ،‬والحافظ ابن كثير‪،‬‬
‫وابن حجر؛ ليكون القارئ على بينة من بيت العباس بن عبد المطلب‬
‫وعلى معرفة بأوالده‪ ،‬وهو أمر له أهميته في حديثنا عن العباس بن عبد‬
‫المطلب‪ ،‬مستهلين التراجم بأبنائه الذكور‪ ،‬ثم بناته رضي اهلل عنهم‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪ .120/1 :‬وراجع‪ :‬الطبقات الكبرى‪.0/2 :‬‬

‫‪25‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫‪‬‬
‫أبناء َّ‬
‫العباس‬
‫بلغ عدد أبناء العباس الذكور عشرة أبناء‪ ،‬وبيانهم مع تراجمهم‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪ 3‬ــ الفضل بن العباس‬
‫ذكره ابن عبد البر في االستيعاب وقال‪ :‬الفضل بن العباس بن‬
‫عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي‪ ،‬يكنى أبا‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وقيل‪ :‬بل يكنى أبا محمد‪ ،‬أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث بن‬
‫حزن الهاللية‪ ..‬أخت ميمونة زوج النبي ‪ ،‬وهى أم إخوته(‪.)1‬‬
‫وفي اإلصابة‪ :‬كان أكبر اإلخوة وبه كان يكنى أبوه وأمه‪ ..‬ثبت في‬
‫الصحيح أن النبي ‪ ‬أردفه في حجة الوداع‪ ،‬وفي صحيح مسلم‪:‬‬
‫مه َر َع ُنه(‪.)5‬‬
‫أن النبي ‪َ ‬ز َّو َج ُه وأَ َ‬
‫غزا مع رسول اهلل ‪ ‬حنينا‪ ،‬وشهد معه حجة الوداع‪،‬‬
‫وشهد غسله ‪ ،‬وهو الذي كان يصب الماء على علي يومئذ‪.‬‬
‫واختلف في وقت وفاة الفضل‪ :‬فقيل‪ :‬أصيب في يوم أجنادين في‬
‫خالفة أبي بكر الصديق ‪ ‬في سنة ثالث عشرة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل قتل يوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪ :‬ابن عبد البر‪.1502/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬اإلصابة‪ :‬ابن حجر‪.535/2 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫مرج الصفر وذلك أيضا سنة ثالث عشرة‪..‬‬


‫وقد قيل‪ :‬مات الفضل في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة‬
‫وقيل‪ :‬إنه قتل يوم اليرموك سنة خمس عشرة في خالفة عمر بن‬
‫الخطاب ‪.)1(‬‬
‫ور َّجح ابن سعد وابن عساكر وفاته في طاعون عمواس سنة ثماني‬
‫عشرة من الهجرة‪ ،‬وذلك في خالفة عمر بن الخطاب(‪.)5‬‬
‫وذكر ابن حبان أن وفاته كانت في معركة اليرموك بالشام في عهد‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬وهو ابن ثنتين وعشرين سنة(‪.)2‬‬
‫وكان أجمل الناس وجها‪ ،‬ولم يترك ولدا إال أم كلثوم تزوجها‬
‫الحسن بن علي ‪ ،‬ثم فارقها فتزوجها أبو موسى األشعري‪ .‬ثم‬
‫عمران بن طلحة بن عبيد اهلل بن عثمان التيمي‪ .‬روى عنه أخوه عبد اهلل‬
‫ابن عباس‪ ،‬وروى عنه أبو هريرة ‪.)2(‬‬

‫‪ 1‬ــ قُ َث ُم بن العباس‬
‫أورده ابن سعد وقال‪ :‬قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم‬
‫ابن عبد مناف‪ ،‬وأمه أم الفضل وهي لبابة الكبرى بنت الحارث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االستيعاب‪ 1502/2 :‬ــ ‪.1552‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ .22/2 :‬ــ تاريخ مدينة دمشق‪.212/23 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫مشاهير علماء األمصار‪ :‬ابن حبان‪ ،‬ص‪ .53‬وانظر في تاريخ وفاته‪ :‬اإلصابة‪.533/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االستيعاب‪ 1502/2 :‬ــ ‪ .1552‬المحبر‪ :‬ص ‪.222‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪22‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫الهاللية‪ ،‬وكان قثم يشبه رسول اهلل ‪ ،‬وغزا قثم خراسان وكان‬
‫عليها سعيد بن عثمان‪ ،‬فقال له‪ْ :‬أضر ُِب لك بألف سهم‪ ،‬فقال‪ :‬ال بل‬
‫أَ ْخ ِم ْس ثم أعط الناس حقوقهم ثم أعطني بعد ما شئت‪ ،‬وكان قثم ورعا‬
‫فاضال‪ ،‬وتوفي بسمرقند(‪.)1‬‬
‫و َكا َن قثم آخر من خرج من قبر النبي ‪ ‬ممن نزل ِفيه ِ‪ ،‬وقد‬
‫ادعى َذلِ َك ا ْل ُم ِغ َيرة ْبن ُش ْع َبة لقصة ذكرها فأنكر َذلِ َك ْابن َع َّباس‪َ ،‬وقَ َال‪:‬‬
‫آخر الناس عهدا بالنبي ‪ ‬قثم ْبن ا ْل َع َّباس‪ .‬وقد روي َع ْن علي‬
‫مثل َذلِ َك سواء ِفي أَنَّ ُه أنكر َما ادعى ا ْل ُم ِغ َيرة من َذلِ َك‪َ ،‬وقَ َال‪ :‬آخر‬
‫الناس عهدا بالنبي ‪ ‬قثم ْبن ا ْل َع َّباس‪.‬‬
‫وكان قثم ْبن ا ْل َع َّباس واليا لعلي ْبن أَبِي طالب على مكة‪ ،‬وذلك أن‬
‫عليا لما ولي الخالفة عزل َخالِد ْبن العاصي ْبن ِه َشام ْبن ا ْل ُم ِغ َيرة‬ ‫ًّ‬
‫ا ْل َم ْخ ُزو ِم ّي َع ْن مكة‪ ،‬ووالها أَبَا قَ َت َادة األَ ْن َصار ِّي‪ ،‬ثُ َّم عزله‪ ،‬وولى قثم ْبن‬
‫ا ْل َع َّباس‪ ،‬فلم يزل واليا عليها َح َّتى قتل علي رحمه اهلل َه َذا قول خليفة‪.‬‬
‫وقال ال ُّزبَ ْير‪ :‬استعمل على ْبن أَبِي طالب قثم ْبن ا ْل َع َّباس‪ ،‬على المدينة‪.‬‬
‫َر َوى َع ْن ُه أَبُو ِإ ْس َحاق السبيعي وغيره‪ .‬مات قثم ْبن ا ْل َع َّباس‬
‫بسمرقند‪ ،‬واستشهد بها‪( ،‬سنة سبع وخمسين للهجرة) َو َكا َن خرج إليها‬
‫مع َس ِعيد ْبن ُع ْث َمان ْبن َعفَّان زمن ُم َعاوِيَة‪َ ،‬و َكا َن قثم ْبن ا ْل َع َّباس يُ َّ‬
‫شبه‬
‫بالنبي ‪.)5(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ .205/5 :‬وانظر‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ابن كثير‪.32/3 :‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪ 1222/2 :‬وانظر‪ :‬الوافي بالوفيات‪ :‬الصفدي‪.122/52 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫وفي طرائف المقال‪ :‬قثم بن العباس بن عبد المطلب‪ ..‬قبره‬


‫بسمرقند‪ ..‬وكان واليا من جانب أمير المؤمنين ‪ ‬في مكة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫في المدينة‪ ،‬ثم ذهب في زمان معاوية إلى سمرقند ففاز بالشهادة(‪.)1‬‬
‫‪ 1‬ــ َم ْع َبد بن العباس‬
‫معبد بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي‪،‬‬
‫يكنى أبا العباس‪ ،‬ولد على عهد رسول اهلل ‪ ،‬ولم يحفظ عنه‪،‬‬
‫قتل بإفريقية شهيدا سنة خمس وثالثين في زمن عثمان‪ ،‬وكان غزاها مع‬
‫ابن أبي سرح‪ ،‬وأمه أم الفضل لبابة بنت الحارث أخت ميمونة زوج‬
‫النبي ‪ ‬وهى أم الفضل وعبد اهلل وعبيد اهلل وقثم ومعبد‬
‫وعبد الرحمن وأم حبيبة بني العباس بن عبد المطلب(‪.)5‬‬
‫وقيل‪ :‬إن استشهاده بإفريقية كان في خالفة معاوية‪ ،‬وذكر‬
‫واله مكة(‪.)2‬‬
‫الدارقطني في كتاب األخوة أن عليا َّ‬
‫‪ 4‬ــ عبد اهلل بن العباس (حبر األمة)‬
‫عبد اهلل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‪ ،‬أبو‬
‫العباس القرشي الهاشمي‪ ،‬ابن عم رسول اهلل ‪ ،‬كني بأبيه‬
‫العباس‪ ..‬وأمه لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهاللية وهو ابن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬طرائف المقال‪ :‬علي البروجردي‪.122/5 ،‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪ 1255/2 :‬ــ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة‪ :‬على خان المدني‪،‬‬
‫ص‪.125‬‬
‫(‪ )2‬اإلصابة‪.525/0 :‬‬

‫‪20‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫خالة خالد بن الوليد‪ ،‬وكان يسمى البحر لسعة علمه ويسمى حبر األمة‬
‫ولد والنبي ‪ ‬وأهل بيته بالشعب من مكة فأتى به النبي ‪‬‬

‫فحنكه بريقه وذلك قبل الهجرة بثالثة سنين‪ ،‬وقيل غير ذلك(‪.)1‬‬
‫وقال الذهبي في ترجمته‪ :‬صحب النبي ‪ ‬نحوا من ثالثين‬
‫شهرا‪ ،‬وح َّدث عنه بجملة صالحة‪ ،‬وعن عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬ومعاذ‪ ،‬ووالده‪،‬‬
‫وعبد الرحمن ابن عوف‪ ،‬وأبي سفيان صخر بن حرب‪ ،‬وأبي ذر‪ ،‬وأبي‬
‫ابن كعب‪ ،‬وزيد بن ثابت وخلق‪ .‬وقرأ على أبي‪ ،‬وزيد‪ .‬قرأ عليه‬
‫مجاهد‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬وطائفة‪...‬‬
‫قال الزبير بن بكار‪ :‬توفي رسول اهلل ‪ ‬والبن عباس ثالث‬
‫عشرة سنة‪ .‬قال أبو سعيد بن يونس‪ :‬غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي‬
‫سرح‪ ،‬وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفسا‪ .‬قال أبو عبد اهلل بن‬
‫منده‪ :‬أمه هي أم الفضل أخت أم المؤمنين ميمونة‪ ،‬ولد قبل الهجرة‬
‫بسنتين‪ .‬وكان أبيض‪ ،‬طويال‪ ،‬مشربا صفرة‪ ،‬جسيما‪ ،‬وسيما‪ ،‬صبيح‬
‫الوجه‪ ،‬له وفرة‪ ،‬يخضب بالحناء‪ ،‬دعا له النبي ‪ ‬بالحكمة‪.‬‬
‫قلت ــ الذهبي ــ‪ :‬وهو ابن خالة خالد بن الوليد المخزومي‪..‬‬
‫وانتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح‪ ،‬وقد أسلم‬
‫قبل ذلك‪ ،‬فإنه صح عنه أنه قال‪ :‬كنت أنا وأمي من المستضعفين‪ ،‬أنا‬
‫من الولدان‪ ،‬وأمي من النساء(‪.)2()5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أسد الغابة‪.521/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب إذا أسلم الصبي فمات‪ ،‬ح (‪.)1521‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪.231/2 ،‬‬

‫‪25‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫الله َّم فَ ِّق ْه ُه ِفي‬


‫بالفقه والعلم فقال‪ُ :‬‬ ‫وقد دعا له النبي‬‫‪‬‬

‫ال ِّد ْي ِن‪َ ،‬و َعل ِّْم ُه ال َّت ْأو ِْي َل(‪.)1‬‬
‫واستجاب اهلل دعاء نبيه ‪ ،‬فكان ابن عباس رحمه اهلل‬
‫قل من‬‫بحرا في العلم ال ساحل له‪ ،‬وبلغ مبلغا عظيما في الفقه والتأويل َّ‬
‫يناظره فيه أو يدانيه‪.‬‬
‫وفي أسد الغابة‪ :‬عن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة أن عمر كان إذا‬
‫جاءته األقضية المعضلة قال البن عباس‪ :‬إنها قد طرأت علينا أقضية‬
‫وعضل فأنت لها وألمثالها‪ ،‬ثم يأخذ بقوله وما كان يدعو لذلك أحدا‬ ‫ُ‬
‫سواه‪ ،‬قال عبيد اهلل‪ :‬وعمر عمر‪ ،‬يعنى في حذقه واجتهاده هلل‬
‫وللمسلمين‪.‬‬
‫وقال عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة‪ :‬كان ابن عباس قد فات الناس‬
‫بخصال بعلم ما سبقه وفقه فيما احتيج إليه من رأيه وحلم ونسب‬
‫وتأويل‪ ،‬وما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول اهلل‬
‫‪ ‬منه وال بقضاء أبى بكر وعمر وعثمان منه وال أفقه في رأى‬
‫منه‪ ،‬وال أعلم بشعر وال عربية وال بتفسير القرآن وال بحساب وال‬
‫بفريضة منه‪ ،‬وال أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه‪ ،‬ولقد كان يجلس يوما‬
‫وال يذكر فيه إال الفقه ويوما التأويل ويوما المغازي ويوما الشعر ويوما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الله َّم فَ ِّق ْه ُه ِفي ال ِّد ْي ِن‪َ ،‬و َعل ِّْم ُه‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،222/1‬ح‪ )2125‬بلفظ‪ُ :‬‬
‫ال َّت ْأو ِْي َل‪ .‬مسند عبد اهلل بن العباس‪ ،‬وقال الشيخ شعيب‪ :‬إسناده صحيح على شرط‬
‫س أَ َّن النَّب َِّي ‪َ ‬د َخ َل ال َخالَ َء‪ ،‬فَ َو َض ْع ُت ل َ ُه‬ ‫مسلم‪ .‬وله شاهد من حديث ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫الله َّم فَ ِّق ْه ُه ِفي ال ِّدي ِن<‪ ،‬ح (‪.)122‬‬
‫>م ْن َو َض َع َه َذا؟ فَأُ ْخب َِر‪ ،‬فَ َق َال‪ُ :‬‬
‫َو ُضوءا قَ َال‪َ :‬‬

‫‪23‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫أيام العرب‪ ،‬وال رأيت عالما قط جلس إليه إال خضع له‪ ،‬وما رأيت‬
‫سائال قط سأله إال وجد عنده علما(‪.)1‬‬
‫وفي >التهذيب<‪ :‬من الرواة عنه مئتان سوى ثالثة أنفس‪..‬‬
‫وأوالده‪ ،‬الفضل‪ ،‬ومحمد‪ ،‬وعبيد اهلل‪ ،‬ماتوا وال عقب لهم‪ .‬ولبابة ولها‬
‫أوالد وعقب من زوجها علي بن عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب‪ ،‬وبنته‬
‫األخرى أسماء وكانت عند ابن عمها عبد اهلل بن عبيد اهلل بن العباس‪،‬‬
‫فولدت له حسنا‪ ،‬وحسينا(‪.)5‬‬
‫وتوفي ابن عباس بالطائف في سنة ثمان وستين فصلى عليه محمد‬
‫ابن الحنفية وقال‪ :‬اليوم مات رباني هذه األمة ‪ ،‬ور َّجحه‬
‫الذهبي(‪.)2‬‬
‫وقال علي بن المديني‪ :‬توفي ابن عباس سنة ثمان أو سبع وستين‪.‬‬
‫وقال الواقدي‪ ،‬والهيثم‪ ،‬وأبو نعيم‪ :‬سنة ثمان‪ .‬وقيل‪ :‬عاش إحدى‬
‫وسبعين سنة‪ .‬ومسنده ألف وست مئة وستون حديثا‪ .‬وله من ذلك في‬
‫وتفرد البخاري له بِما َئةٍ وعشرين حديثا‪،‬‬
‫>الصحيحين< خمسة وسبعون‪َّ .‬‬
‫وتفرد مسلم بتسعة أحاديث(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أسد الغابة‪.521/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.231/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫طبقات الحفاظ للذهبي‪.21/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سير أعالم النبالء‪ .222/2 :‬وانظر في ترجمة عبد اهلل بن عباس‪ :‬نسب قريش‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مصعب الزبيري‪ :‬ص‪.50‬‬

‫‪22‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫‪ 1‬ــ عبيد اهلل بن العباس (تيار الفرات)‬


‫عبيد اهلل بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي‪ ،‬ابن عم رسول اهلل‬
‫‪ ،‬وأخو عبد اهلل‪ ،‬وكثير‪ ،‬والفضل‪ ،‬وقثم‪ ،‬ومعبد‪ ،‬وتمام‪،‬‬
‫وأمهم أم الفضل لبابة بنت الحارث الهاللية‪ .‬ولد في حياة النبي‬
‫‪ .‬والظاهر أنه ولد قبل بدر‪ ،‬وقد جزم به ابن سعد فقال‪ :‬مات‬
‫النبي ‪ ‬وله اثنتا عشرة سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬له رؤية‪ ،‬وقال ابن سعد‪:‬‬
‫رأى النبي ‪ ‬وسمع منه‪ ،‬وقال ابن حبان‪ :‬له صحبة‪ ،‬حدث‬
‫عنه‪ :‬ابنه عبد اهلل‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬وسليمان بن يسار‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وكان أميرا‪ ،‬شريفا‪ ،‬جوادا‪ ،‬ممدحا‪ .‬ذكره محمد بن سعد في الطبقة‬
‫الخامسة من الصحابة فقال‪ :‬كان أصغر من عبد اهلل بسنة واحدة‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬سمع من النبي ‪ .‬وكان رجال تاجرا مات بالمدينة‪.‬‬
‫وقد عرف عبيد اهلل واشتهر بالجود والكرم‪ ،‬قال ابن عساكر‪ :‬وكان‬
‫عبيد اهلل من كرماء قريش وجودائهم‪.‬‬
‫وكان معاوية يقول‪ :‬إن عبيد اهلل بن عباس علَّم قريشا الجود‪.‬‬
‫وروى ابن عساكر بسنده إلى محمد بن سعد نا الواقدي قال‪:‬‬
‫سمعت عمي يقول‪ :‬كان يقال بالمدينة‪ :‬من أراد العلم والسخاء والجمال‬
‫فليأت دار العباس بن عبد المطلب‪ ،‬أما عبد اهلل فكان أعلم الناس‪ ،‬وأما‬
‫عبيد اهلل فكان أسخى الناس‪ ،‬وأما الفضل فكان أجمل الناس‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬كان عبد اهلل وعبيد اهلل ابنا العباس إذا قدما‬
‫مكة أوسعهم عبد اهلل علما‪ ،‬وأوسعهم عبيد اهلل طعاما‪ ،‬وكان عبيد اهلل‬

‫‪02‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫رجال تاجرا‪ ،‬ومات عبيد اهلل بالمدينة‪.‬‬


‫وقال الزبير‪ :‬كان سخيا جوادا‪ ،‬وكان ينحر ويذبح ويطعم في‬
‫وحج‬
‫موضع المجزرة بالسوق بمكة‪ ،‬واستعمله علي ‪ ‬على اليمن‪َّ ،‬‬
‫بالناس سنة ست وثالثين‪ .‬وقد ذبح بسر بن أرطاة ولديه عدوانا وظلما‪،‬‬
‫وتولهت أمهما عليهما‪ ،‬وهرب عبيد اهلل‪ .‬قيل‪ :‬إن عبيد اهلل وصل مرة‬
‫رجال بمئة ألف‪ .‬قال الفسوي‪ :‬مات زمن معاوية‪ ،‬وقال خليفة وغيره‪:‬‬
‫مات سنة ثمان وخمسين‪ .‬وأما أبو عبيد وأبو حسان الزيادي‪ ،‬فقاال‪:‬‬
‫مات سنة سبع وثمانين‪.‬‬
‫وقال الواقدي‪ :‬بقي إلى دهر يزيد بن معاوية وبه جزم أبو نعيم‪،‬‬
‫وقال أبوعبيدة ويعقوب بن شيبة‪ :‬مات سنة سبع وثمانين‪.‬‬
‫وقال ابن عساكر‪ :‬ومات عبيد اهلل بالمدينة سنة سبع وثمانين‪،‬‬
‫فكأنه مات وله بضع وثمانون سنة‪ ،‬وكان لعبيد اهلل بن عباس من الولد‬
‫محمد وبه كان يكنى‪ ،‬وعباس والعالية وميمونة وأمهم عائشة بنت‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وعبد اهلل بن جعفر وعمرة ألمهات أوالد ولبابة وأم محمد‪.‬‬
‫ولبابة ابنته هي التي تزوجها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان(‪.)1‬‬
‫وفي شرح نهج البالغة‪ :‬عبيد اهلل بن العباس بن عبد المطلب‪،‬‬
‫وكان عبيد اهلل عامل علي ‪ ‬على اليمن‪ ،‬وهو عبيد اهلل بن العباس‬
‫ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي‪ .‬أمه وأم إخوته‪:‬‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وقثم‪ ،‬ومعبد‪ ،‬وعبد الرحمن‪ ،‬لبابة بنت الحارث بن حزن‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المحبر البن حبيب‪ :‬ص ‪ ،221‬نسب قريش للزبيري‪ :‬ص ‪.122‬‬

‫‪01‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫من بنى عامر بن صعصعة‪ .‬ومات عبيد اهلل بالمدينة‪ ،‬وكان جوادا‪،‬‬
‫وأعقب ومن أوالده‪ :‬قثم بن العباس بن عبيد اهلل بن العباس َّ‬
‫واله أبو‬
‫جعفر المنصور المدينة‪ ،‬وكان جوادا ممدوحا(‪.)1‬‬

‫‪ 6‬ــ َك ِث ْي ُر ُ‬
‫بن العباس‪:‬‬
‫َكثير بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي‪ ،‬ابن عم‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬يكنى أبا تمام‪ ،‬وأمه رومية‪ ،‬ويقال‪ :‬حميرية‪،‬‬
‫وكان هو وتمام بن العباس من ّأم واحدة‪ ،‬أمهما أم ولد‪.‬‬
‫روى عن أبيه وأخيه عبد اهلل وأبي بكر وعمر وعثمان والحجاج بن‬
‫عمرو بن غزية‪ .‬وعنه األعرج والزهري أبو األصبغ السلمي مولى بني‬
‫سليم‪.‬‬
‫قال أبو علي بن السكن أدرك النبي ‪ ‬وهو صغير‪ ،‬ولم‬
‫يصح سماعه منه‪ ،‬ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من الصحابة وقال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر في ترجمة عبيد اهلل بن العباس‪:‬‬
‫ــ نسب قريش‪ :‬مصعب الزبيري‪ :‬ص‪.55‬‬
‫ــ تاريخ دمشق البن عساكر‪ 252/25 :‬ــ ‪ 222‬وتم الرجوع تحديدا إلى ص‪ 252‬ــ‬
‫‪ 252‬ــ ‪.232‬‬
‫ــ اإلصابة‪ 222/2 :‬ــ ‪.225‬‬
‫ــ سير أعالم النبالء‪.235/2 :‬‬
‫ــ الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة‪ :‬الذهبي‪.031/1 ،‬‬
‫ــ تهذيب الكمال ‪.522/15‬‬
‫ــ االستيعاب‪ 1222/2 :‬ــ ‪.1212‬‬
‫ــ شرح نهج البالغة‪ :‬ابن أبي الحديد‪.221/1 ،‬‬

‫‪05‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫لم يبلغنا أنه روى عن النبي ‪ ‬شيئا كذا قال‪ ،‬وقد ذكره الخطابي‬
‫في كتاب من روى عن النبي ‪ ‬هو وأبوه‪ ،‬وقال‪ :‬قالوا‪ :‬رأى‬
‫النبي ‪.‬‬
‫وروى له ابن منده وابن قانع في معجم الصحابة حديثا يدل على‬
‫صحبته‪ ،‬لكن في إسناده يزيد بن أبي زياد وقد اختلف عليه فيه‪.‬‬
‫روى أحمد بسنده عن َجرِير‪َ ،‬ع ْن يزِي َد ب ِن أَبِي زِيا ٍد‪َ ،‬ع ْن َعب ِد اهلل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬يَ ُص ُّف َع ْب َد اهلل ِ‪َ ،‬و ُع َب ْي َد‬ ‫ِث‪ ،‬قَ َال‪َ :‬كا َن َر ُس ُ‬ ‫ا ْب ِن ا ْل َحار ِ‬
‫ول‪َ > :‬م ْن َس َب َق ِإل َ َّي فَلَ ُه َك َذا َو َك َذا< قَ َال‪:‬‬ ‫س‪ ،‬ثُ َّم يَ ُق ُ‬‫اهلل ِ‪َ ،‬و ُك َث َّيرا بَ ِني ا ْل َع َّبا ِ‬
‫فَ َي ْس َت ِب ُقو َن ِإل َ ْيه ِ فَ َي َق ُعو َن َعلَى ظ َْه ِر ِه َو َص ْد ِر ِه‪ ،‬فَ ُي َقبِّلُ ُه ْم َويَ ْل َت َز ُم ُه ْم(‪.)1‬‬
‫وروى البغوي بسنده عن أحمد بن زهير قال‪ :‬بلغني أن كثير بن‬
‫العباس بن عبد المطلب ولد قبل وفاة رسول اهلل ‪ ‬في عشر من‬
‫الهجرة(‪.)5‬‬
‫وقال ابن حبان في الثقات‪ :‬كان رجال صالحا فاضال فقيها‪ ،‬مات‬
‫بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان‪ .‬ويروى أن معاوية سأل رجال عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد‪ :‬ح (‪ )1320‬وقال الشيخ شعيب‪ :‬إسناده ضعيف‪ ،‬يزيد بن أبي زياد ــ‬
‫وهو الهاشمي موالهم الكوفي ــ ضعيف‪ ،‬وعبد اهلل بن الحارث بن نوفل تابعي ولد‬
‫في حياة النبي ‪ ‬وروايته عنه مرسلة‪ ،‬وأورده الحافظ ابن حجر في >تهذيب‬
‫التهذيب< ‪ ،251/3‬ونسبه للبغوي عن داود بن عمر‪ ،‬عن جرير‪ ،‬ثم قال‪ :‬وهو مرسل‬
‫جيد اإلسناد‪..‬‬
‫(‪ )5‬معجم الصحابة‪.122/2 :‬‬

‫‪02‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫أعبد الناس بالمدينة‪ ،‬فقال‪ :‬كثير بن العباس‪.‬‬


‫وروى كثير أيضا عن أبي بكر وعمر وعثمان والحجاج بن عمرو‬
‫ابن غزية األنصاري‪ ،‬وروى عنه الزهري واألعرج وغيرهما‪ .‬قال‬
‫يعقوب بن شيبة‪ :‬يعد في أهل المدينة ممن ولد على عهد النبي‬
‫‪ .‬وقال مصعب الزبيري‪ :‬كان فقيها فاضال وال عقب له‪ .‬وقال‬
‫ابن حبان‪ :‬مات بالمدينة في خالفة عبد الملك(‪.)1‬‬
‫وذكره صاحب الدرجات الرفيعة فقال‪ :‬كثير بن العباس بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬أمه أم ولد رومية اسمها سبا‪ ،‬وقيل‪ :‬أم حميرية‪ ،‬وكان يكنى‬
‫أبا تمام‪ ،‬قال أبو عمرو‪ :‬ولد قبل وفاة النبي صلى اهلل عليه وآله بأشهر في‬
‫سنة عشرة من الهجرة‪ ،‬وكان فقيها ذكيا فاضال عابدا سيدا‪ ،‬روى عن‬
‫أبيه وأخيه عبد اهلل‪ ،‬وعنه ابن شهاب وعبد الرحمن األعرج وجماعة(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلصابة‪ ،252/2 :‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬االستيعاب‪1223/2 :‬‬
‫‪ -‬تقريب التهذيب‪ :‬ابن حجر ‪.23/5‬‬
‫‪ -‬تهذيب التهذيب‪ :‬ابن حجر‪.250/3 ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ اإلسالم‪ :‬الذهبي‪.152/0 ،‬‬
‫‪ -‬سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬
‫‪ -‬الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة‪.122/5 ،‬‬
‫‪ -‬التعديل والتجريح‪ :‬سليمان بن خلف الباجي‪.022/5 ،‬‬
‫‪ -‬الثقات‪ :‬ابن حبان‪.252/2 ،‬‬
‫‪ -‬الجرح والتعديل‪ :‬الرازي‪ 122/5 ،‬ــ ‪.122‬‬
‫=‬ ‫(‪ )5‬الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة‪ :‬على خان المدني‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪02‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫بن العباس‬
‫‪ 2‬ــ َتمام ُ‬
‫‪‬‬ ‫َّتمام بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي‪ ،‬ابن عم النبي‬
‫أصغر االخوة العشرة أمه أم ولد‪ ،‬وكانت رومية تسمى سبا‪ ،‬وكان‬
‫العباس يقول‪ :‬تموا بتمام فصاروا عشرة‪ .‬قاله الزبير بن بكار‪ ،‬وقد‬
‫اختلف العلماء في صحبته‪.‬‬
‫وكان تمام واليا لعلي بن أبي طالب على المدينة بعد سهل بن‬
‫حنيف‪ ،‬ثم َّ‬
‫واله على المدائن‪.‬‬
‫وقال أبو عمر‪ :‬كل ولد العباس له رؤية‪ ،‬وللفضل وعبد اهلل‬
‫سماع‪ .‬قال ابن السكن‪ :‬يقال‪ :‬كان أصغر إخوته‪ ،‬وكان أشد قريش‬
‫بطشا‪ ،‬وال يحفظ له عن النبي ‪ ‬رواية من وجه ثابت‪ .‬وقال ابن‬
‫حبان في ثقات التابعين‪ :‬حديثه عن النبي ‪ ‬مرسل‪ ،‬وإنما رواه‬
‫عن أبيه‪.‬‬
‫قال ابن سعد‪ :‬كان تمام من أش ِّد أهل زمانه بطشا‪ ،‬وله أوالد‪،‬‬
‫وأوالد أوالد‪ ،‬فانقرضوا وآخرهم يحيى بن جعفر بن تمام‪ ،‬مات زمن‬
‫المنصور‪ ،‬وورثه أعمام المنصور‪ ،‬فأطلقوا الميراث كله لعبد الصمد بن‬
‫علي(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ــ وانظر‪ :‬إكليل المنهج في تحقيق المطلب‪ :‬محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني‬
‫الكرباسي‪ ،‬ص‪.252‬‬
‫(‪ )1‬اإلصابة‪ 222/1 :‬ــ ‪ .222‬وانظر في ترجمته‪:‬‬
‫=‬ ‫ــ نسب قريش‪ :‬مصعب الزبيري‪.55 :‬‬

‫‪02‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫‪ 6‬ــ عبد الرحمن بن العباس‬


‫عبد الرحمن بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي‬
‫عم رسول اهلل ‪ ‬وأخو عبد اهلل بن عباس‪،‬‬ ‫الهاشمي‪ ،‬وهو ابن ّ‬
‫ولد على عهد رسول اهلل ‪ ،‬وقتل بإفريقية شهيدا هو وأخوه‬
‫معبد بن العباس مع عبد اهلل بن سعد بن أبي سرح‪ ،‬قاله مصعب وغيره‪،‬‬
‫وقال ابن الكلبي‪ :‬قتل عبد الرحمن بن العباس بالشام(‪.)1‬‬
‫‪ 5‬ــ الحارث بن العباس‬
‫الحارث بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي‪ ،‬ابن عم رسول اهلل‬
‫‪ ،‬عداده في ولد العباس‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬لكل ولد العباس رؤية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ــ االستيعاب‪.22/1 :‬‬
‫ــ سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬
‫ــ الوافي بالوفيات‪.522/12 :‬‬
‫ــ من له رواية في مسند أحمد‪ :‬محمد بن علي بن حمزة‪ ،‬ص‪ 22‬ــ ‪.22‬‬
‫ــ الثقات‪ :‬ابن حبان‪.32/2 ،‬‬
‫ــ أعيان الشيعة‪ :‬محسن األمين‪.025/2 ،‬‬
‫ــ الدرجات الرفيعة‪ :‬ص‪.122‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫ــ أسد الغابة‪ :‬ابن األثير‪.201/2 ،‬‬
‫ــ اإلصابة‪.22/2 :‬‬
‫ــ االستيعاب‪.32/5 :‬‬
‫ــ الدرجات الرفيعة‪ :‬ص‪.125‬‬
‫ــ الطبقات‪.2/2 :‬‬

‫‪00‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫والصحبة للفضل وعبد اهلل‪ ،‬وأمه حجيلة بنت جندب بن الربيع‬


‫الهاللية‪ ،‬وقيل‪ :‬أم ولد‪ .‬ويقال‪ :‬إن أباه غضب عليه فطرده‪ ،‬فلحق‬
‫بالزبير فجاء وشفع فيه عند خاله العباس‪.‬‬
‫وقال هشام بن الكلبي والهيثم بن عدي‪ :‬طرده العباس إلى الشام‬
‫فصار إلى الزبير بمصر‪ ،‬فلما قدم الزبير على العباس قال له‪ :‬جئتني‬
‫بأبي عضل وال وصلتك رحم‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه عمي بعد موت العباس(‪.)1‬‬
‫‪ 30‬ــ َعون بن العباس‬
‫عون بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي‪ ،‬ابن عم النبي ‪،‬‬
‫ذكره ابن عبد البر في ترجمة أخيه تمام‪ ،‬وذكر أن له صحبة‪ ،‬وقال‪ :‬وعون‬
‫ابن العباس ال أقف على اسم أمه‪ ،‬وترجم له ابن حجر في اإلصابة(‪.)5‬‬
‫ولم يذكره الزبيري في جملة أوالد العباس‪ ،‬وكذا البالذري‪ ،‬وابن‬
‫سعد‪ ،‬وابن الجوزي‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬والذهبي(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلصابة‪ .122/5 :‬نسب قريش‪ :‬ص‪ .55‬االستيعاب‪.120/1 :‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪ .22/1 :‬وانظر‪ :‬اإلصابة‪ 20/2 :‬ــ أسد الغابة‪ ،252/1 :‬و‪ .225/2‬ولم‬
‫يذكره ابن الكلبي في الجمهرة ضمن أوالد العباس‪ .‬انظر‪ :‬جمهرة النسب (‪ 121/1‬ــ‬
‫‪ )123‬مطبعة حكومة الكويت‪1222 ،‬هـ = ‪1232‬م‪ .‬وكذلك لم يذكره ابن حزم في‬
‫جمهرة أنساب العرب‪ :‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬نسب قريش‪ :‬ص‪ 50‬ــ أنساب األشراف‪ 55/2 :‬ــ الطبقات‪ 2/2 :‬ــ المنتظم‪:‬‬
‫‪ 22/2‬ــ جمهرة أنساب العرب‪ :‬ص‪ 13‬ــ سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬

‫‪05‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫‪ ‬أكرم بها من دار‪:‬‬


‫روى الطبراني بسنده عن عبد اهلل بن إبراهيم الجمحي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬دخل أعرابي دار العباس بن عبد المطلب ‪ ‬وفي جانبها‬
‫عبد اهلل بن عباس يفتي وال يرجع في شيء يسأل عنه‪ ،‬وفي الجانب‬
‫اآلخر عبيد اهلل بن العباس يطعم كل من دخل‪ ،‬فقال األعرابي‪ :‬من أراد‬
‫الدنيا واآلخرة فعليه بدار العباس بن عبد المطلب‪ ،‬هذا يفتي ويفقه‬
‫الناس‪ ،‬وهذا يطعم الطعام(‪.)1‬‬

‫‪ ‬تباعد قبور بني َّ‬


‫العباس‪:‬‬
‫كان ما سبق بيانا ألوالد العباس الذكور‪ ،‬ومما يلفت األنظار في‬
‫سيرة أوالد العباس وبخاصة من أم الفضل هو تباعد قبورهم ومواطن‬
‫وفياتهم كما سبق‪.‬‬
‫فقد مات الفضل بالشام‪ ،‬ومات عبد اهلل بالطائف‪ ،‬ومات عبيد اهلل‬
‫بالمدينة‪ ،‬ومات قثم بسمرقند‪ ،‬وقتل معبد بأفريقيا‪ ،‬وكذا عبد الرحمن‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬مات بالشام‪.‬‬
‫وقد صار تباعد قبورهم مضربا للمثل حتى شاعت مقولة‪ :‬ما رأينا‬
‫بني أم قط أبعد قبورا من بني العباس ألم الفضل(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في مكارم األخالق‪ :‬ح (‪ )132‬وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق‪:‬‬
‫‪ 20/2‬ــ وابن الجوزي في المنتظم‪ 20/2 ،‬ــ والمزي في التهذيب‪.05/12 :‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬وفيات األعيان‪ .02/2 :‬من قول أبي صالح صاحب التفسير‪.‬‬

‫‪03‬‬
‫أبناء العباس ‪‬‬

‫س(‪.)1‬‬ ‫أو‪َ :‬ما َرأَ ْينَا َول َ َد أُم قَ ُّط أَ ْب َع َد قُ ُب ْورا ِم ْن بَ ِني َ‬
‫الع َّبا ِ‬
‫أو‪َ :‬ما َرأَ ْينَا بَ ِني أَ ٍب َوأُم قَ ُّط أَ ْب َع َد قُ ُبورا ِم ْن بَ ِني ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ْب ِن‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِم ْن أُ ِّم ا ْل َف ْض ِل(‪ .)5‬أو‪ :‬ما رأيت مثل بني ّأم واحدة إشراقة‪،‬‬
‫ولدوا في دار واحدة‪ ،‬أبعد قبورا من بني أم الفضل(‪.)2‬‬
‫وكان من نسل العباس الخلفاء العباسيون‪ ،‬يقول الذهبي‪َ :‬وقَ ْد َص َار‬
‫س‪َ ،‬و ْاس َت َم َّر َذلِ َك‪َ ،‬و َت َد َاول َ ُه تِ ْس َعة َوثَالَثُ ْو َن(‪.)2‬‬ ‫الم ْل ُك ِفي ُذ ِّريَّةِ َ‬
‫الع َّبا ِ‬ ‫ُ‬
‫ولعل الذهبي يقصد بذلك عدد الخلفاء العباسيين في العراق‪ ،‬وإن‬
‫كان السيوطي ذكر أنهم سبعة وثالثون خليفة أولهم أبو العباس السفاح‪،‬‬
‫وآخرهم المستعصم باهلل بن المستنصر باهلل‪.‬‬
‫وهؤالء غير الخلفاء العباسيين في مصر‪ ،‬وعددهم خمسة عشر‬
‫خليفة‪ ،‬بدءا من المستنصر باهلل‪ :‬أحمد أبو القاسم بن الظاهر بأمر اهلل‬
‫أبي نصر محمد بن الناصر لدين اهلل أحمد‪ .‬وانتهاء بالمتوكل على اهلل‪:‬‬
‫أبو العز عبد العزيز بن يعقوب بن المتوكل على اهلل(‪.)2‬‬

‫** ** **‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫السائِ ِب ا ْل َك ْلب ُِّي‪.‬‬‫سير أعالم النبالء‪ .32/5 :‬من قول‪ُ :‬م َح َّم ِد ْب ِن َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫السائِ ِب ا ْل َك ْلب ُِّي‪.‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ .0/2 :‬من قول‪ُ :‬م َح َّم ِد ْب ِن َّ‬ ‫(‪)5‬‬
‫تاريخ دمشق‪ .153/52 :‬من قول‪ :‬مسلم بن قمادين المكي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.22/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫راجع‪ :‬تاريخ الخلفاء للسيوطي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪02‬‬
‫بنات العباس ‪‬‬

‫‪‬‬ ‫بنات العباس‬


‫جملة من البنين‪ ،‬فقد رزقه‬ ‫‪‬‬ ‫كما رزق اهلل تعالى العباس‬
‫أيضا بثالث بنات‪ ،‬بيانهن فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 3‬ــ أم حبيب بنت العباس‬
‫أم حبيب بنت العباس بن عبد المطلب‪ ،‬وقيل‪ :‬أم حبيبة واألول‬
‫أكثر‪ ،‬ذكره ابن األثير(‪ .)1‬وقال ابن عبد البر‪ :‬كذلك يقول أكثر أهل‬
‫النسب(‪.)5‬‬
‫وترجم لها ابن سعد في طبقاته وقال‪ :‬وأمها أم الفضل لبابة بنت‬
‫الحارث الهاللية‪ .‬تزوجها األسود ْبن ُس ْف َيان ْب ُن َع ْب ِد األَ َس ِد ْب ِن ِهال ِل ْب ِن‬
‫َع ْب ِد اهلل من مخزوم فولدت له زرقاء ولبابة‪ .‬وهم يسكنون بمكة(‪.)2‬‬
‫روى يونس بن بكير‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسين بن‬
‫عبد اهلل بن عبيد اهلل بن العباس‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن عبد اهلل بن عباس‪،‬‬
‫تدب بين‬
‫قال‪ :‬نظر رسول اهلل ‪ ‬إلى أم حبيب بنت العباس ُّ‬
‫يديه‪ ،‬فقال‪> :‬ل َ ِئ ْن بَلَ َغ ْت َه ِذهِ َوأَنَا َحي‪َ ،‬ألَ َت َز َّو َجنَّ َها<(‪ .)2‬فقبض قبل أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أسد الغابة‪ .221/5 :‬وانظر‪ :‬االصابة‪.252/3 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫االستيعاب‪.1253/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.22/3 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )523‬من طريق يونس بن بكير‪ ،‬وأخرجه أحمد‪=:‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪52‬‬
‫بنات العباس ‪‬‬

‫تبلغ فتزوجها األسود بن سفيان بن عبد األسد بن هالل بن عبد اهلل‬


‫المخزومي‪ .‬فولدت له رزق بن األسود‪ ،‬ولبابة بنت األسود سمتها‬
‫باسم أمها أم الفضل لبابة بنت الحارث(‪.)1‬‬
‫وعلَّق ابن حجر على الرواية السابقة بقوله‪ :‬قلت‪ :‬وهذا يقتضي أن‬
‫يكون لها رؤية‪ ،‬فتكون من أهل القسم الثاني(‪ ،)5‬لكن ذكرها ابن سعد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ح (‪ )50352‬من طريق يعقوب بن إبراهيم عن ابن إسحاق عن ُحسي ُن ب ُن َعب ِد اهلل ِ‬
‫َْ ْ ْ‬
‫ِث‪ ،‬وكذا‬ ‫ْاب ِن َع َّباسٍ‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة َع ْن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّباسٍ‪َ ،‬ع ْن أُ ِّم ا ْل َف ْض ِل ب ِْن ِ‬
‫ت ا ْل َحار ِ‬
‫أخرجه أبو يعلى‪ :‬ح (‪ )5252‬من طريق يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬بهذا اإلسناد‪ .‬وإسناده‬
‫ضعيف‪ ،‬ألن مداره على ُحسين بن عبد اهلل ــ وهو ابن عبيد اهلل بن عباس ــ وهو‬
‫ضعيف‪ .‬قال ابن معين‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال أحمد‪ :‬له أشياء منكرة‪ .‬وقال البخاري‪ :‬قال‬
‫على‪ :‬تركت حديثه‪ .‬وقال أبو زرعة وغيره‪ :‬ليس بقوي‪ .‬وقال النسائي‪ :‬متروك‪ .‬وقال‬
‫ابن معين ــ مرة‪ :‬ليس به بأس‪ ،‬يكتب حديثه‪ .‬وقال الجوزجاني‪ :‬ال يشتغل به‪.‬‬
‫(ميزان االعتدال‪ )225/1 :‬وقال الذهبي في التلخيص‪ ،‬رقم‪ )2525( :‬حسين‬
‫ضعيف‪ .‬وراجع ترجمته في تهذيب الكمال‪ 232/0 :‬رقم ‪.1212‬‬
‫وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن إسحاق‪ ،‬فقد أخرج له مسلم في‬
‫المتابعات‪ ،‬وأصحاب السنن‪ ،‬وهو صدوق حسن الحديث‪.‬‬
‫(‪ )1‬أسد الغابة‪.221/5 :‬‬
‫قسم‬‫(‪ )5‬ر ّتب ابن حجر كتابه اإلصابة على أربعة أقسام في كل حرف‪ ،‬وهذا يعني أنه ّ‬
‫وهلم‬
‫ّ‬ ‫التراجم المبدوءة في حرف األلف مثال إلى أربعة أقسام‪ ،‬وكذلك الباء والتاء‬
‫جرا ح ّتى آخر الحروف‪.‬‬
‫القسم األول‪ :‬وهو خاص بتراجم الذين وردت صحبتهم بطريق الرواية عنهم أو عن‬
‫غيرهم‪ ،‬ومهما كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة‪ ،‬وشملت تراجم هذا‬
‫القسم أولئك الذين وقع ذكرهم بما يدل على الصحبة بأي طريق كان‪ .‬على أنّه‬
‫ّميز في كل ترجمة ما إذا كانت الطريق التي وردت بها صحبة الصحابي صحيحة=‬

‫‪51‬‬
‫بنات العباس ‪‬‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= أو حسنة أو ضعيفة‪.‬‬
‫وخصصه لتراجم من ذكر في الصحابة من األطفال الذين ولدوا في عهد‬ ‫القسم الثاني‪ّ :‬‬
‫النبي ‪ ‬لبعض الصحابة من النساء والرجال وقد مات النبي ‪ ‬وهم‬
‫الظن‬
‫دون سن التمييز وبين أن ذكر هؤالء الصحابة إنما هو على سبيل اإللحاق لغلبة ّ‬
‫على أنه ــ ‪ ‬رآهم‪ ،‬وهذه الفكرة إنما تستند إلى أ ّن الصحابة ــ ‪ ‬ــ كانوا‬
‫حريصين على إحضار أوالدهم عنده عند والدتهم ليحنكهم ويسميهم تبركا به‪،‬‬
‫واألخبار بذلك شهيرة‪ ،‬واستند ابن حجر في تثبيت هذه الفكرة على أحاديث‬
‫صحيحة وردت في صحيح مسلم وفي مستدرك الحاكم‪ ،‬وكتاب الصحابة البن‬
‫شاهين‪.‬‬
‫وأعطى المبرر الّذي دعاه إلى إفرادهم عن أهل القسم األول بقوله‪ :‬لكن أحاديث‬
‫هؤالء عنه ــ أي عن النبي ‪ ‬ــ من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل‬
‫العلم بالحديث‪.‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬وخصصه لتراجم أولئك الذين ذكروا في الكتب من المخضرمين‬
‫الذين أدركوا الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي ‪‬‬
‫ّ‬
‫وال رأوه‪ ،‬سواء أسلموا في حياته أم ال‪ .‬وهؤالء ليسوا أصحابه باتفاق أهل العلم‬
‫بالحديث على الرغم من أن بعضهم قد ذكر في كتب معرفة الصحابة‪ ،‬لكن مصنفيها‬
‫أفصحوا بأنهم لم يذكروهم ّإال بمقاربتهم لتلك الطبقة‪ ،‬ولم يجزموا بأنهم من أهلها‪.‬‬
‫ومن هؤالء المص ّنفين أبي حفص بن شاهين (ت ‪ 232‬هـ) وأبي عمر بن عبد البر‬
‫(ت ‪ 202‬هـ)‪ .‬وأحاديث هؤالء عن النبي ‪ ‬مرسلة باالتفاق بين أهل العلم‬
‫بالحديث‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬وهو خاص بتراجم أولئك الذين ذكروا في الكتب على سبيل الوهم‬ ‫القسم ّ‬
‫والغلط وبيان ذلك باألدلة وبأسلوب أهل الحديث وطرائقهم‪ .‬ولم يذكر فيه ّإال ما‬
‫وأما مع وجود احتمال عدم الوهم فلم يلجأ إلى ذكره‪ّ ،‬إال إذا كان‬
‫كان الوهم فيه ّبينا‪ّ ،‬‬
‫ذلك االحتمال يغلب على ظ ّنه بطالنه قال ابن حجر‪> :‬وهذا القسم الرابع ال أعلم=‬

‫‪55‬‬
‫بنات العباس ‪‬‬

‫في الصحابيات‪ ،‬وذكر أنها ولدت لألسود ابنة أخرى اسمها زرقاء‪،‬‬
‫قال‪ :‬وولدها يسكنون مكّة(‪.)1‬‬
‫‪ 1‬ــ أميمة بنت العباس‬
‫أميمة بنت العباس‪ :‬ويذكرها بعضهم آمنة(‪ ،)5‬ويقال‪ :‬أمينة‪.‬‬
‫َكانَ ْت ِع ْن َد ا ْل َع َّباس ْبن عتبة ْبن أَبِي لهب‪ ،‬فولدت ل َ ُه الفضل الشاعر‪،‬‬
‫وأمها أم ولد(‪.)2‬‬
‫‪ 1‬ــ صفية ِب ْنت ال َْعباس‬
‫صفية بِ ْنت ا ْل َع َّباس‪ ،‬وكانت عند عبد اهلل بن أبي مسروح‪ ،‬من بكر‬
‫ابن هوازن(‪.)2‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سبقني إليه‪ ،‬وال من حام طائر فكره عليه‪ ،‬وهو الضالة المطلوبة في هذا الباب‬ ‫=‬
‫الزاهر‪ ،‬وزبدة ما يمخضه من هذا الفن اللبيب الماهر‪( .‬راجع‪ :‬اإلصابة ‪ 152/1‬ــ‬
‫‪ 150‬و‪ 122/1‬ــ ‪.)125‬‬
‫اإلصابة‪ .252/3 :‬وانظر‪ :‬الوافي بالوفيات‪.522/11 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نسب قريش‪ :‬ص‪.53‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫أنساب األشراف‪ .55/2 :‬المحبر‪ :‬ص‪.02‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أنساب األشراف‪ .55/2 :‬المحبر‪ :‬ص‪ .02‬ونسب قريش‪ :‬ص‪.53‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪52‬‬
‫إخوة العباس ‪‬‬

‫إخوة العباس‪( :‬أوالد عبد املطلب)‬


‫اختلف العلماء في بيان عدة أوالد عبد المطلب (إخوة العباس)‬
‫فذكر مصعب الزبيري أن عدتهم اثنا عشر ذكرا ــ منهم العباس ــ‬
‫وست إناث‪.‬‬
‫يقول مصعب الزبيري في نسب قريش‪ :‬فولد عبد المطلب بن‬
‫هاشم‪ :‬عبد اهلل‪ ،‬أبا رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ وأبا طالب‪ ،‬واسمه‬
‫الحصان‪،‬‬
‫عبد مناف؛ والزبير؛ وأم حكيم البيضاء‪ ،‬وهي التي يقال لها‪َ :‬‬
‫وهي توأمة أبي رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ؛ وعاتكة؛ ومرة؛ وأميمة؛‬
‫وأروى؛ أمهم‪ :‬فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم‪...‬‬
‫وحجل‪ ،‬واسمه المغيرة؛‬‫وحمزة بن عبد المطلب؛ والمقوم؛ َ‬
‫وصفية‪ ،‬وأمهم‪ :‬هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة‪...‬‬
‫والعباس بن عبد المطلب‪ ،‬وضرار بن عبد المطلب‪ ،‬أمهما‪ :‬نتيلة‬
‫بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن النمر بن قاسط‪،‬‬
‫من بني القرية‪...‬‬
‫والحارث بن عبد المطلب‪ ،‬وهو أكبر ولده‪ ،‬وبه كان يكنى؛‬
‫وقثم‪ ،‬هلك صغيرا‪ ،‬وأمهما‪ :‬صفية بنت جندب بن حير بن رئاب بن‬
‫حبيب بن سواء بن عامر ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن‪..‬‬

‫‪52‬‬
‫إخوة العباس ‪‬‬

‫وأبا لهب‪ ،‬واسمه عبد العزى‪ ،‬وأمه‪ :‬لبنى بنت هاجر بن عبد‬
‫مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول من خزاعة‪...‬‬
‫والغيداق بن عبد المطلب‪ ،‬واسمه مصعب‪ ،‬وأمه خزاعية(‪.)1‬‬
‫وذكر ابن الكلبي أن عددهم أربعة عشر ذكرا‪ ،‬مضيفا عبد الكعبة‬
‫والعوام على ما أورده مصعب(‪.)5‬‬

‫وذكر ابن حبان أن إجمال عدد أوالد عبد المطلب الذكور عشرة‪،‬‬
‫إال أنه حين النص على أسمائهم أورد تسعة أسماء فقط‪ ،‬مسقطا من‬
‫تعداد مصعب‪ :‬حجل وضرار وقثم(‪.)2‬‬
‫وذكر النووي أن عدد الذكور منهم اثنا عشر‪ ،‬مضيفا عبد الكعبة‬
‫على ما ذكره مصعب‪ ،‬ومسقطا المقوم من إحصائه‪ ،‬أما اإلناث فهن‬
‫ستة(‪.)2‬‬
‫وذكر النووي عند حديثه عن أعمام النبي ‪ ‬أنهم أحد‬
‫عشر‪ ،‬وبإضافة والد النبي ‪ ‬يصبح عددهم اثني عشر‪... ،‬أسلم‬
‫منهم حمزة‪ ،‬والعباس‪ ،‬وكان حمزة أصغرهم سنا؛ ألنه رضيع رسول‬
‫اهلل ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬ثم العباس قريب منه في السن‪ ،‬وهو الذى كان يلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نسب قريش لمصعب الزبيري‪ 15/1 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫جمهرة النسب‪ :‬البن الكلبي‪ 121/1 .‬ــ ‪.120‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الثقات‪.25/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الثقات‪ 22/1 :‬ــ ‪ .20‬تهذيب األسماء واللغات‪ :‬النووي‪.55/1 ،‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪52‬‬
‫إخوة العباس ‪‬‬

‫زمزم بعد أبيه عبد المطلب‪ ،‬وكان أكبر سنا من رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ‬
‫بثالث سنين(‪.)1‬‬
‫س َوأَبِي طَالِ ٍب‬ ‫قال ابن سعد‪ :‬فَا ْل َع ِق ُب ِم ْن بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫ِث َوأَبِي ل َ َه ٍب‪َ ،‬وقَ ْد َكا َن لِ َح ْم َز َة َوا ْل ُم َق َّومِ َوال ُّزبَ ْيرِ َو َح ْج ٍل بَ ِني‬ ‫َوا ْل َحار ِ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب أَ ْو َالد ِألَ ْص َالبِه ِْم فَ َهلَ ُكوا َوا ْل َباقُو َن ل َ ْم يُ ْع ِق ُبوا‪َ ،‬و َكا َن ا ْل َع َد ُد‬
‫ِث‪ ،‬ثُ َّم َت َح َّو َل ِإلَى بَ ِني أَبِي طَالِ ٍب‪ ،‬ثُ َّم َص َار‬ ‫ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم ِفي بَ ِني ا ْل َحار ِ‬
‫س(‪.)5‬‬ ‫ِفي بَ ِني ا ْل َع َّبا ِ‬
‫وأوضح ذلك ابن حزم في الجمهرة بقوله بعد إيراده ألبناء‬
‫عبد المطلب‪ :‬فلم يعقب أحد منهم عقبا باقيا إال أربعة‪ :‬العباس‪،‬‬
‫وأبو طالب‪ ،‬والحارث‪ ،‬وأبو لهب(‪.)2‬‬
‫فقد أخرج حمزة من جملة أوالد عبد المطلب المعقبين‪ ،‬مع أن له‬
‫أوالدا‪ ،‬ولكن توقف عقبهم‪.‬‬
‫أما عن بنات عبد المطلب ــ أخوات العباس وعمات الرسول‬
‫‪ ‬ــ فعددهن ست‪.‬‬
‫قال النووي‪َ :‬وأما عمات َر ُسول اهلل ِ ‪ ‬فهن ِس ّت بَنَات‬
‫َع ْبد ا ْلمطلب ْبن َهاشم لصلبه؛ أوله َّن َعاتِ َكة بنت َع ْبد ا ْلمطلب‪َ ،‬وأُ َم ْي َمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تهذيب األسماء واللغات‪ :‬النووي‪.55/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪.22/1 :‬‬
‫(‪ )2‬جمهرة أنساب العرب‪ :‬ص‪.12‬‬

‫‪50‬‬
‫إخوة العباس ‪‬‬

‫بنت َع ْبد ا ْلمطلب‪ ،‬وأروى بنت َع ْبد ا ْلمطلب‪ ،‬والبيضاء بنت عبد ا ْلمطلب‬
‫َو ِهي أم َح ِكيم‪ ،‬وبرة بنت َع ْبد ا ْلمطلب‪َ ،‬وص ِف َّية بنت َع ْبد ا ْلمطلب(‪.)1‬‬
‫وفصل مصعب الزبيري الحديث في بنات عبد المطلب ذاكرا‬
‫َّ‬
‫أزواجهن وأوالدهن حيث قال‪:‬‬
‫وكانت أم حكيم بنت عبد المطلب عند كريز بن ربيعة بن حبيب‬
‫ابن عبد شمس‪ ،‬فولدت له عامرا‪ ،‬وأم طلحة‪ ..‬وأروى بنت كريز وهي‬
‫التي ولدت عثمان بن عفان بن أبي العاصي‪( .‬فأم حكيم جدة عثمان‬
‫ألمه)‪.‬‬
‫وكانت عاتكة بنت عبد المطلب عند أبي أمية بن المغيرة بن‬
‫عبد اهلل بن عمر ابن مخزوم؛ فولدت له عبد اهلل‪ ،‬وزهيرا‪ ،‬وقريبة‪.‬‬
‫وكانت برة بنت عبد المطلب عند عبد األسد بن هالل بن‬
‫عبد اهلل بن عمرو ابن مخزوم؛ فولدت له أبا سلمة؛ ثم خلف عليها أبو‬
‫رهم بن عبد العزى بن أبي قيس ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن‬
‫حسل؛ فولدت له‪ :‬أبا سبرة‪.‬‬
‫وكانت أميمة بنت عبد المطلب عند جحش بن رئاب بن يعمر بن‬
‫صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة؛ فولدت له‪:‬‬
‫عبد اهلل المجدع في اهلل‪ ،‬قتل يوم أحد‪ ،‬وم َّثل به المشركون‪ ،‬وأبا أحمد‬
‫األعمى الشاعر‪ ،‬واسمه عبد‪ ،‬هاجر إلى المدينة‪ ،‬وعبيد اهلل‪ ،‬تنصر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الثقات‪ 22/1 :‬ــ ‪ .20‬تهذيب األسماء واللغات‪ :‬النووي‪.55/1 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫إخوة العباس ‪‬‬

‫بأرض الحبشة‪ ،‬وزينب بنت جحش‪ ..‬وحبيبة بنت جحش‪ ،‬وهي‬


‫المستحاضة‪ ..‬وحمنة بنت جحش‪ ،‬كانت عند مصعب بن عمير بن‬
‫هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي‪ ..‬وقتل مصعب بن عمير‬
‫يوم أحد شهيدا‪ ،‬وليس له عقب إال من بنته زينب؛ فخلف على حمنة‬
‫بنت جحش طلحة بن عبيد اهلل بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد‬
‫ابن تيم‪ ،‬فولدت له‪ :‬عمران‪ ،‬ومحمدا السجاد‪ ،‬قتل يوم الجمل‪.‬‬
‫وكانت أروى بنت عبد المطلب عند عمير بن وهب بن عبد بن‬
‫قصي؛ فولدت له طليب بن عمير‪ ،‬من المهاجرين األولين‪ ،‬قتل‬
‫بأجنادين شهيدا‪ ،‬وليس له عقب‪..‬‬
‫ثم خلف على أروى بنت عبد المطلب كلدة بن هاشم بن‬
‫عبد مناف بن عبد الدار بن قصي‪ ،‬فولدت له فاطمة‪..‬‬
‫وكانت صفية بنت عبد المطلب عند العوام بن خويلد بن أسد بن‬
‫عبد العزى؛ فولدت له الزبير‪ ،‬سماه رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ >الحواري<‪،‬‬
‫قال‪> :‬لكل نبي حواري‪ ،‬وحواريي الزبير!<؛ والسائب‪ ،‬قتل يوم اليمامة‬
‫شهيدا؛ وأم حبيب(‪.)1‬‬
‫إال‬ ‫‪‬‬ ‫وذكر ابن حبان أنه لم يسلم من عمات النبي‬
‫صفية(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نسب قريش‪ :‬مصعب الزبيري‪ .52/1 ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫(‪ )5‬السيرة النبوية وأخبار الخلفاء‪ :‬ابن حبان‪.22/1 ،‬‬

‫‪53‬‬
‫إخوة العباس ‪‬‬

‫أما المحب الطبري فذكر أنهن ست‪ ،‬وأنه لم يسلم منهن إال‬
‫صفية أم الزبير بال خلف‪ .‬وقال‪ :‬واختلف في أروى وعاتكة‪ ،‬فذهب‬
‫أبو جعفر العقيلي إلى إسالمهما وع ّدهما في الصحابة‪ ،‬وذكر‬
‫الدارقطني عاتكة في جملة األخوة واألخوات‪ ،‬ولم يذكر أروى‪ ،‬وأما‬
‫محمد بن إسحاق وغيره فذكروا أنه لم يسلم من عماته ‪ ‬غير‬
‫صفية(‪.)1‬‬
‫وقال ابن األثير عند ترجمته ألروى بنت عبد المطلب عمة رسول‬
‫اهلل ‪ :‬ذكرها أبو جعفر في الصحابة‪ ،‬وذكر أيضا أختها عاتكة‬
‫بنت عبد المطلب‪ .‬وخالفه غيره‪ ،‬فأما ابن إسحاق ومن وافقه فقالوا‪ :‬لم‬
‫يسلم من عمات النبي ‪ ‬غير صفية أم الزبير‪ ،‬وقال غير هؤالء‪:‬‬
‫أسلم من عمات النبي ‪ ‬صفية وأروى(‪.)5‬‬
‫الص ِح ْي ُح أَنَّ ُه َما أَ ْسلَ َم ِم ْن َع َّم ِ‬
‫ات‬ ‫قال الذهبي في ترجمته لصفية‪َ :‬و َّ‬
‫النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ ِس َو َاها(‪.)2‬‬
‫عمات النبي‬
‫وحيث إن صفية من اتفق على إسالمها من بين َّ‬
‫‪ ‬فسنخصها هنا بترجمة موجزة‪.‬‬
‫هي‪ :‬صفية بنت عبد المطلب ْبن هاشم ْبن عبد مناف؛ عمة َر ُسول‬
‫اهلل ِ ‪ .‬وأمها هالة بنت وهيب ْبن عبد مناف ْبن زهرة‪ .‬وهي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى‪ :‬المحب الطبري‪ ،‬ص‪.522‬‬
‫(‪ )5‬أسد الغابة‪.0/5 :‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪.212/2 :‬‬

‫‪52‬‬
‫إخوة العباس ‪‬‬

‫شقيقة حمزة والمقوم وحجل بني عبد المطلب‪ .‬كانت صفية ِفي‬
‫الجاهلية تحت الحارث ْبن حرب ْبن أمية ْبن عبد شمس‪ ،‬ثم هلك‬
‫عنها‪ ،‬وتزوجها العوام ْبن خويلد ْبن أسد‪ ،‬فولدت له ال ُّزبَ ْير‪ ،‬والسائب‪،‬‬
‫وعبد الكعبة‪ ،‬وعاشت زمانا طويال‪ .‬وتوفيت ِفي خالفة ُع َمر ْبن‬
‫اب سنة عشرين‪ ،‬ولها ثالث وسبعون سنة‪ ،‬ودفنت بالبقيع بفناء‬ ‫ا ْل َخ َّط ِ‬
‫دار ا ْل ُم ِغ َيرة [ ْبن شعبة]‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن العوام َكا َن عليها قبل‪ ،‬وليس‬
‫بشيء(‪.)1‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪ .1352/2 :‬وانظر‪ :‬الطبقات‪.22/3 :‬‬

‫‪32‬‬
‫مشجَّرة بيت العباس (والداه ــ إخوته ــ أوالده)‬
‫العباس بن عبد املطلب‬
‫والدا‬

‫أمه‪ :‬نتيلة بنت خباب‬ ‫أبو ‪ :‬عبد املطلب بن اشم‬


‫إخوته‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلناث‬ ‫ال كور‬
‫(‪)5‬‬
‫ص ية‬ ‫برة‬ ‫البي ا‬ ‫أرو‬ ‫أميمة‬ ‫عاتكة‬ ‫قم‬ ‫أبو طالب محزة‬ ‫عبد اهلل‬ ‫أبو ب‬ ‫احلارث الزبري‬
‫(أم حكيم)‬ ‫(عبد مناف)‬ ‫(عبد العز )‬

‫العوا‬ ‫عبد الكعبة‬ ‫ال يدا‬ ‫رار‬ ‫ح‬ ‫امل و‬


‫(الم يرة)‬
‫أوالد‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلناث‬ ‫ال كور‬

‫أميمة ص ية‬ ‫م هر أ حبيب‬ ‫عبد الرمحن عون احلارث صبي‬ ‫ا‬ ‫ق م معبد عبد اهلل عبيد اهلل ك ري‬ ‫ال‬
‫(ويقال‪ :‬آمنة)‬ ‫(أو‪ :‬صب )‬

‫( ) كان عقب بني عبد المطلب في‪ :‬الحارث وأبي لهب وأبي طالب إضافة إل العباس‪.‬‬
‫(‪ )1‬أم حكيم هي توأمة عبد اهلل والد النبي ‘ وجدة عثمان بن عفان ألمه‪ .‬فعثمان أمه أرو بنت كريز وأمها أم حكيم بنت عبد المطلب‪.‬‬
‫(‪ )1‬صبي ومسهر انفرد ب كرهما ابن الكلبي ــ ورو ‪ :‬ذكره الهيثمي‪ ،‬وقد انفرد ابن الكلبي ك لك ب كر العوام في أبناء العباس‪.‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫‪‬‬ ‫موالـي العبـاس‬


‫الموالي كلمة أصيلة في العربية وتدل بمشتقاتها على القرب‬
‫بأنواعه‪ ،‬من حيث الدين والنسبة والمكان والزمان والنصرة(‪.)1‬‬
‫ور ا ْل ُف َق َه ِاء ِم َن‬
‫اص ِطالَحا‪ :‬فَ ُج ْم ُه ُ‬ ‫َو ْاخ َتلَ َف ا ْل ُف َق َهاء ِفي َت ْعرِي ِ‬
‫ف ا ْل َوالَ ُء ْ‬ ‫ُ‬
‫وه َعلَى ا ْل َق َرابَةِ ا ْل ُح ْك ِم َّيةِ النَّ ِاش َئةِ َع ْن‬‫الش ِاف ِع َّيةِ َوا ْل َحنَابِلَةِ قَ َص ُر ُ‬
‫ا ْل َمالِ ِك َّيةِ َو َّ‬
‫الرقِي ِق بِا ْل ُح ِّريَّةِ ‪ .‬خالفا لألحناف‪ ،‬فَ َق ْد َع َّرفُ ُ‬ ‫َز َوال ا ْل ِم ْل ِ‬
‫(‪)5‬‬
‫وه بِأَنَّ ُه‬ ‫ك َع ِن َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬والموالي مصدرها‪ :‬وال‪ ،‬واشتق منها‪ :‬مولى‪ ،‬وجمعها‪ :‬موالين‪.‬‬
‫الرا ِغ ُب‪َ :‬ويُ ْس َت َع ُار َذلِ َك‬ ‫وا ْل َوالَ ُء ل ُ َغة ِم َن ا ْل َو ْل ِي‪َ ،‬و ُه َو أَ ْصل يَ ُدل َعلَى ا ْل ُق ْر ِب‪ .‬قَال َّ‬
‫ين‪َ ،‬و ِم ْن َح ْي ُث َّ‬
‫الص َداقَ ُة‬ ‫لِ ْل ُق ْر ِب ِم ْن َح ْي ُث ا ْل َم َكا ُن‪َ ،‬و ِم ْن َح ْي ُث الن ِّ ْس َب ُة‪َ ،‬و ِم ْن َح ْي ُث ال ِّد ُ‬
‫يف‬‫اصرِ َوا ْل َحلِ ِ‬ ‫اب‪ :‬ا ْل َم ْولَى‪َ ،‬ويُ َقال ِ‬
‫ال ْب ِن ا ْل َع ِّم َوالنَّ ِ‬ ‫ال ْع ِت َق ُاد‪َ .‬و ِم َن ا ْل َب ِ‬ ‫َوالنُّ ْصر ُة َوا ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصاح ِب َوا ْل ُم ِعي ِن َوا ْل ُم ْع َت ِق َوا ْل َجا ِر َو َغ ْيرِ ِه ْم‪.‬‬ ‫َو َّ‬
‫أَ َّما ا ْل ِوالَءُ ـ بِا ْل َك ْسرِ ـ َوال َّت َوالِي‪ ،‬فَ َم ْعنَ ُاه َما ا ْل ُم َتابَ َع ُة‪َ ،‬و ِه َي أَ ْن يَ ْح ُصل َش ْي َئا ِن فَ َصا ِع َدا‬
‫س ِفي ُم ْع َجمِ‬ ‫اب ُكلُّ ُه ــ َك َما قَال ْاب ُن فَا ِر ٍ‬ ‫ُح ُصوال ل َ ْي َس َب ْينَ ُه َما َما ل َ ْي َس ِم ْن ُه َما‪َ .‬وا ْل َب ُ‬
‫اجع ِإلَى ا ْل ُق ْر ِب‪ .‬راجع‪ :‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،121/0‬ومفردات‬ ‫س اللُّ َغة ِ ــ َر ِ‬ ‫َم َقايِي ِ‬
‫الراغب‪ :‬ص‪ 332‬ط‪ :‬دار القلم‪ ،‬والمصباح المنير‪ ،321/5 :‬وحلية الفقهاء‪:‬‬
‫ص‪ ،523‬وأساس البالغة‪ :‬ص‪ ،222‬والمغرب‪ ،251/5 :‬وأنيس الفقهاء للقونوي‪:‬‬
‫ص‪ 501‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ‪ ،552/5‬والزرقاني على خليل‬
‫‪ 102/3‬وحاشية البناني عليه ــ تحفة المحتاج ‪ ،252/12‬وانظر‪ :‬حاشية القليوبي‬
‫‪ ،225/2‬وكفاية األخيار ‪ .155/5‬شرح منتهى اإلرادات ‪ ،022/5‬وانظر المبدع‬
‫‪.502/0‬‬

‫‪35‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫اصلَة ِم ْن ِع ْت ٍق أَ ْو ُم َواالَ ٍة‪.‬‬


‫قَ َرابَة ُح ْك ِم َّية َح ِ‬
‫فا ْل َوالَ َء ِع ْن َد ُه ْم نَ ْو َعا ِن‪ :‬ــ َوالَ ُء َع َتاقَةٍ‪َ :‬ويُ َس َّمى َوالَ َء نِ ْع َمةٍ‪َ .‬و َس َب ُب ُه‬
‫اإل ْْع َت ُاق‪.‬‬
‫وف ا ْل ُم َواالَ ِة‪َ .‬و ُه َو أَ ْن يُ َعا ِه َد‬ ‫ــ َو َوالَءُ ُم َواالَ ٍة‪َ :‬و َس َب ُب ُه ا ْل َع ْق ُد ا ْل َم ْع ُر ُ‬
‫ات فَ ِم َيراثُ ُه ل َ ُه‪،‬‬‫آخ َر َعلَى أَنَّ ُه ِإ ْن َجنَى فَ َعلَ ْيه ِ أَ ْر ُش ُه‪َ ،‬و ِإ ْن َم َ‬ ‫َش ْخص َش ْخصا َ‬
‫َس َواء َكانَا َر ُجلَ ْي ِن أَ ِو ْام َرأَ َت ْي ِن أَ ْو أَ َح ُد ُه َما َر ُجال َوا ْآل َخ ُر ْام َرأَة(‪.)1‬‬
‫أخص أحكامه أنه ال‬
‫أقره اإلسالم وجعل له أحكاما‪ ،‬ومن ِّ‬
‫والوالء َّ‬
‫يباع وال يوهب‪ ،‬كالنسب تماما‪.‬‬
‫قَ َال‪> :‬ا ْل َو َال ُء ل ُ ْح َمة‬ ‫‪‬‬ ‫ف َع ِن ْاب ِن ُع َم َر ‪ ،‬أَ َّن النَّب َِّي‬
‫وه ُب<(‪.)5‬‬ ‫َكلُ ْح َمةِ النَّ َس ِب‪َ ،‬ال يُ َبا ُع َو َال يُ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬رد المحتار ‪ ،52/2‬وكشاف اصطالحات الفنون للتهانوي ‪ 1255/5‬ط‬
‫كلكته‪ ،‬ومجمع األنهر ‪ ،252/5‬وتكملة فتح القدير ‪ ،122/3‬وتكملة البحر الرائق‬
‫‪ ،52/3‬وأنيس الفقهاء للقونوي‪ ،‬ص‪ 501‬وما بعدها‪ ،‬والمغرب ‪ ،255/5‬والكليات‬
‫للكفوي ‪ 22/2‬ط دمشق‪ ،‬والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ‪ .522‬وراجع‬
‫في بيان مصطلح الوالء‪ :‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪ :‬ج‪.112/22‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في >كتاب الوالء< كما في >تلخيص الحبير<‬
‫[‪ ،]212/2‬ومن طريقه الشافعي في مسنده ــ بترتيب السندي ــ‪ 55/5 :‬ح (‪)525‬‬
‫اإل ْسنَادِ‬ ‫ومن طريقه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )5222‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِح ُ‬
‫يح ْ ِ‬
‫َول َ ْم يُ َخ ِّر َج ُاه وتعقبه الذهبي فلم يصححه‪ ،‬والبيهقي في الكبرى‪،222/12 :‬‬
‫ح (‪ )51222‬وقال‪ :‬قال أبو بكر بن زياد النيسابوري‪ :‬هذا الحديث خطأ ألن الثقات‬
‫لم يرووه هكذا وإنما رواه الحسن مرسال‪ .‬وهذا المرسل أخرجه البيهقي في الكبرى‪:‬‬
‫ح (‪ )15231‬كتاب الفرائض‪ ،‬باب الميراث بالوالء‪ ،‬وح (‪ ،)51222‬كتاب الوالء‪=:‬‬

‫‪32‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫َع ْن بَ ْي ِع‬ ‫‪‬‬ ‫ول اهلل ِ‬


‫وفي البخاري عن ابن عمر‪> :‬نَ َهى َر ُس ُ‬
‫الوالَ ِء‪َ ،‬و َع ْن ِه َب ِته ِ<(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫الش ِاف ِع َّي ُة َوا ْل َحنَابِلَ ُة) ِإلَى أَنَّ ُه الَ‬
‫اء (ا ْل َحنَ ِف َّي ُة َوا ْل َمالِ ِك َّي ُة َو َّ‬
‫و َذ َه َب ا ْل ُف َق َه ُ‬
‫أل َّن النَّب َِّي ‪ ‬نَ َهى َع ْن بَ ْي ِع‬ ‫ي ِص ُّح بي ُع ا ْلوالَ ِء َوالَ ِهب ُت ُه‪َ .‬و َذلِ َك ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َوالَء َو َع ْن ه َبته ِ ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= باب من أعتق مملوكا له‪.‬‬
‫قال األلباني في >اإلرواء< [‪ :]112/0‬وإسناد هذا المرسل صحيح وهو مما يقوي‬
‫الموصول الذي قبله على ما يقتضيه بحثهم في المرسل من علوم الحديث فإن طريق‬
‫الموصول غير طريق المرسل ليس فيه راو واحد مما في المرسل فال أرى وجها‬
‫لتخطئته بالمرسل بل الوجه أن يقوى أحدهما باآلخر‪ .‬وصححه أيضا في صحيح‬
‫الجامع الصغير‪ 1521/5 :‬رقم‪.5125 :‬‬
‫حبان‬ ‫ححه ْابن ُخ َز ْي َمة َو ْابن َ‬
‫وقال العيني في العمدة عن حديث ابن عمر (‪َ )22/12‬ص ُ‬
‫الفه ا ْل َب ْي َه ِق ّي فأعله‪َ ،‬وذكره ْابن بطال من َح ِديث‬ ‫اإل ْسنَاد‪َ ،‬و َخ ُ‬‫َوا ْل َحا ِكم‪َ ،‬وقَ َال‪َ :‬ص ِحيح ْ ِ‬
‫أورده ْابن‬
‫لح َمة كالنسب‪َ ،‬و ُ‬ ‫ِإ ْس َما ِعيل بن أُ َّمية َعن نَ ِافع َعن ْابن عمر َم ْرفُوعا‪ :‬ا ْل َو َالء ْ‬
‫ثم قَ َال‪َ :‬و َعلِيه ِ َج َما ِهير أهل ا ْلعلم‪َ ،‬وقَ َام‬
‫ال ِّتين بِزِيَ َادة‪ ،‬بِلَ ْفظ‪َ :‬ال يحل بَ ْيعه َو َال ِهبته‪َّ ،‬‬
‫اإل ْج َماع على أَنه‪َ :‬ال يجوز َت ْحويل ال ّن َسب‪.‬‬ ‫ِْ‬
‫وللحديث طرق أخرى؛ فأخرجه ابن حبان في صحيحه‪ :‬ح (‪ )2222‬وزاد في السند‬
‫عبيد اهلل بن عمر بين يعقوب بن إبراهيم وابن دينار ــ والدارمي في سننه‪ :‬ح‬
‫(‪ )2522‬من طريق جعفر بن عون عن سعيد بن أبي عروبة‪ ،‬والطبراني في األوسط‪:‬‬
‫ح (‪ )1213‬من طريق نافع عن ابن عمر‪ :‬الوالء لحمة من النسب ال يباع وال يوهب‪.‬‬
‫ث أَبِي ُه َر ْي َر َة‪( .‬راجع تخريجه كامال في‬ ‫يث ْاب ِن أَبِي أَ ْوفَى‪َ ،‬و ِم ْن َح ِدي ِ‬
‫ي ِم ْن َح ِد ِ‬
‫ور ِو َ‬
‫نصب الراية‪ 121/2 :‬ــ ‪ 122‬ــ وتحقيق التلخيص الحبير‪ :‬حاشية ‪.)122/2‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )5222‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)1220‬‬
‫(‪ )5‬قال ابن بطال‪ :‬وقد أجمع العلماء أنه ال يجوز تحويل النسب‪ ،‬وقد نسخ اهلل المواريث=‬

‫‪32‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫وع َّد النبي ‪ ‬مولى القوم منهم فقال‪  :‬قَ َال‪َ > :‬م ْولَى‬
‫ال َق ْومِ ِم ْن أَ ْن ُف ِسه ِْم<(‪.)1‬‬
‫وقد عرف تاريخنا اإلسالمي بعض الموالي الذين اشتهر أمرهم‬
‫وذاع صيتهم‪ ،‬ولعل من أبرزهم‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ َز ْي ُد ْب ُن َحا ِرثَ َة‪َ :‬م ْولَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ بِالل‪َ :‬م ْولَى أَبِي بَ ْك ٍر‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ َعا ِم ُر ْب ُن فُ َه ْي َر َة‪َ :‬م ْولَى أَبِي بَ ْك ٍر‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أَ ْسلَ َم‪َ :‬م ْولَى ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اب‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ َخالِ ُد ْب ُن أَ ْسلَ َم‪َ :‬م ْولَى ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ َّط ِ‬
‫اب‪.‬‬
‫‪ 0‬ــ ُح ْم َرا َن‪َ :‬م ْولَى ُع ْث َما َن ْب ِن َعفَّا َن‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ ُسلَ ْي َما ُن ْب ُن ِكنَانَ َة‪َ :‬م ْولَى ُع ْث َما َن ْب ِن َعفَّا َن‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ أبو جعفر‪َ :‬م ْولَى َعلِ ِّي ْب ِن أَبِي طَالِ ٍب‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= بالتبني بقوله تعالى‪( :‬ادعوهم آلبائهم هو أقسط عند اهلل فإن لم تعلموا آباءهم‬
‫فإخوانكم في الدين ومواليكم) [األحزاب‪ .]2 :‬وقد لعن النبي (‪ )‬من‬
‫انتسب إلى غير أبيه وانتمى إلى غير مواليه‪ ،‬فكان حكم الوالء كحكم النسب في‬
‫ذلك‪ ،‬فكما ال يجوز بيع النسب وال هبته‪ ،‬فكذلك ال يجوز بيع الوالء وال هبته‪ ،‬وال‬
‫نقله وتحويله‪ ،‬وإنه للمعتق كما قال‪ ، ،‬وهذا ينفى أن يكون الوالء الذى يسلم‬
‫على يديه وللملتقط شرح صحيح البخاري البن بطال‪.21/5 :‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)0501‬‬

‫‪32‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫‪ 2‬ــ َهانِ ٍئ‪َ :‬م ْولَى َعلِ ِّي ْب ِن أَبِي طَالِ ٍب‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ أَبو َصالِ ٍح‪ :‬مولَى َط ْلح َة ب ِن ُعبي ِد اهلل ِ‬
‫َ ْ َْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫‪ 11‬ــ أبو عياش‪َ :‬م ْولَى َس ْع ِد ْب ِن أَبِي َوقَّا ٍ‬
‫ص‪.‬‬
‫ِيب‪َ :‬م ْولَى َس ْع ِد ْب ِن أَبِي َوقَّا ٍ‬
‫ص‪.‬‬ ‫‪ 15‬ــ أَيُّ َ‬
‫وب ْب ِن َحب ٍ‬
‫‪ 12‬ــ يُ َحنَّ َس‪َ :‬م ْولَى ال ُّزبَ ْيرِ ْب ِن ا ْل َع َّوامِ‪.‬‬
‫الر ْحم ِن ْب ِن َع ْو ٍ‬
‫ف‪.‬‬ ‫‪ 12‬ــ أَبو ُع َب ْي ٍد‪َ :‬م ْولَى َع ْب ِد َّ َ‬
‫‪ 12‬ــ سالم‪ :‬مولى أبي حذيفة‪ .‬وكان يؤم المهاجرين واألنصار في‬
‫قباء(‪.)1‬‬
‫‪ 10‬ــ نافع مولى ابن عمر‪ :‬ومن أبرز من روى عنه‪.‬‬
‫‪ 15‬ــ عبد اهلل بن دينار‪ :‬مولى ابن عمر‪.‬‬
‫س‪ :‬ومن أبرز من روى عنه‪.‬‬ ‫‪ 13‬ــ ُك َر ْي ٍب َم ْولَى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س‪.‬‬ ‫‪ 12‬ــ أَبِو َم ْع َب ٍد‪َ :‬م ْولَى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫‪ 52‬ــ َذ ْك َوا َن‪َ :‬م ْولَى َعائِ َش َة‪.‬‬
‫‪ 51‬ــ َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن يَ َسا ٍر‪َ :‬م ْولَى َم ْي ُمونَ َة‪.‬‬
‫‪ 55‬ــ َو َّرا ٍد‪َ :‬م ْولَى ُ‬
‫الم ِغ َير ِة ْب ِن ُش ْع َب َة‪.‬‬
‫ص‪.‬‬‫العا ِ‬ ‫س‪َ :‬م ْولَى َع ْمرِو ْب ِن َ‬ ‫‪ 52‬ــ أَبِو قَ ْي ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ح (‪.)5152‬‬

‫‪30‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫والناظر لمن تقدم ذكره من الموالي يجد من بينهم صحابة جاهدوا‬


‫في سبيل اهلل‪ ،‬ونشروا العلم‪ ،‬ويكفي أن عمر بن الخطاب حين طعن‬
‫حيا ما جعلتها شورى‪ .‬قال أَبُو عمر‪ :‬معناه أَنَّ ُه كان‬‫قال‪ :‬لو كان سالم ًّ‬
‫يصدر عن رأيه فيمن يوليه الخالفة(‪.)1‬‬
‫ومما يجدر ذكره أن الموالي لم يقتصر دورهم على عصر‬
‫الصحابة‪ ،‬بل كان لهم دورهم السياسي والعلمي في التاريخ اإلسالمي‬
‫بعامة؛ وبخاصة في الدولة األموية‪ ،‬فقد قاموا بأعمال الفتوحات‬
‫الواسعة‪ ،‬والقيام على أمر الدواوين وتعريبها‪ ،‬ثم ظهور العديد من‬
‫العلماء منهم الذين كان لهم أكبر األثر وأعظمه في الخالفة اإلسالمية‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق ولما للموالي من أهمية باعتبار مالزمتهم لمن‬
‫(‪)5‬‬
‫يوالونه‪ ،‬ولحديث النبي ‪ ‬السابق > َم ْولَى ال َق ْومِ ِم ْن أَ ْن ُف ِسه ِْم<‬
‫كان لزاما علينا‪ ،‬ونحن نبحث في سيرة ومسيرة العباس ‪ ‬أن‬
‫نتحدث عن مواليه‪ ،‬وإليكم التفصيل‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ إبراهيم بن عبد اهلل بن حنين‪ ،‬مولى العباس‪ ،‬روى عن أبيه‪،‬‬
‫روى عنه نافع والزهري ومحمد بن عجالن وشريك بن أبى نمر وداود‬
‫ابن قيس وأسامة بن زيد ويزيد بن أبي حبيب ومحمد بن إسحاق‬
‫وغيرهم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أسد الغابة (‪.)120/5‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)0501‬‬
‫(‪ )2‬إكمال الكمال‪ .53/5 :‬إكمال تهذيب الكمال‪ :‬الحافظ عالء الدين مغلطاي‪.521/1 ،‬‬

‫‪35‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫وأورده صاحب الوافي قائال‪ :‬إبراهيم بن عبد اهلل بن حنين‬


‫أبو إسحاق المدني مولى العباس‪ ،‬روى عن أبي هريرة وأرسل عن علي‪،‬‬
‫كان ثقة‪ ،‬روى له الجماعة‪ ،‬وتوفي رحمه اهلل تعالى بعد المائة في‬
‫العشر األول من المائة الثانية(‪.)1‬‬
‫‪ 5‬ــ أبو رافع‪ :‬مولى الرسول ‪ ،‬ويقال‪ :‬مولى العباس(‪.)5‬‬
‫واسمه أسلم‪ ،‬قال ابن األثير‪ :‬واسمه أسلم مولى النَّبي ـ ‪ ‬ـ‪ .‬هو‬
‫النبي ـ ‪ ‬ـ‪ .‬قاله مصعب‪ ،‬وقال يحيى بن‬ ‫ِّ‬ ‫أبو رافع أسلم مولى‬
‫معين‪ :‬اسمه إبراهيم‪ ،‬وقيل‪ :‬ثابت‪ ،‬وقيل‪ :‬يزيد‪ ،‬واألول أشهر وأصح‪،‬‬
‫للنبي ـ ‪ ‬ـ‬ ‫ِّ‬ ‫وغلبت عليه كنيته‪ ،‬كان قبطيا‪ ،‬وكان للعباس فوهبه‬
‫فلما َّبشر النبي ـ ‪ ‬ـ بإسالم العباس أعتقه‪ .‬شهد أحدا وما بعدها‬
‫من المشاهد ولم يشهد بدرا‪ ،‬وكان إسالمه قبلها ألنه كان مقيما بمكة‬
‫النبي ـ ‪ ‬ـ موالته‬ ‫ُّ‬ ‫وزوجه‬
‫فيما ذكروا‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه شهد بدرا‪ّ ،‬‬
‫فولدت له عبيد اهلل‪.‬‬
‫روى عنه ابناه عبد اهلل والحسين‪ ،‬والحسن‪ ،‬وعطاء بن يَسار‪،‬‬
‫وسعيد المقبري‪ ،‬مات قبل قتل عثمان بيسير‪ ،‬وقيل‪ :‬مات في خالفة‬
‫علي(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ــ أبو الجهضم‪ :‬موسى بن سالم أبو الجهضم مولى العباس بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الوافي‪ :‬الصفدي‪.52/0 ،‬‬
‫(‪ )5‬الكنى واألسماء للدوالبي‪.35/1 :‬‬
‫(‪ )2‬أسد الغابة‪ ،512/1 :‬وانظر‪ :‬اإلصابة‪.115/5 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫عبد المطلب الهاشمي‪ ،‬سمع عبد اهلل بن عبيد اهلل‪ ،‬روى عنه حماد بن‬
‫زيد والثوري(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ــ أبو حلوة‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب‪.‬‬
‫الفاكهي في كتاب >مكّة< من طريق ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬جاء‬
‫ّ‬ ‫ذكره‬
‫النبي ‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أبو ّمرة مولى العباس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مولى العباس إلى‬
‫قال‪> :‬بل أنت أبو حلوة<(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ أبو طلحة واسمه سالم بن المخارق الهاشمي‪ ،‬أورده المزي‬
‫في التهذيب في ترجمة ابنه علي وقال‪ :‬ويقال أبو طلحة مولى العباس‬
‫ابن عبد المطلب(‪.)2‬‬
‫‪ 0‬ــ أبو ميسرة‪ :‬أورده ابن أبي حاتم وقال‪ :‬روى عن العباس بن‬
‫عبد المطلب ‪ ‬روى عنه أبو قبيل‪ ،‬سمعت أبى يقول ذلك(‪.)2‬‬
‫المستغفري‬
‫ّ‬ ‫وفي اإلصابة‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب‪ ،‬ذكره‬
‫في الصحابة‪ ،‬وتبعه أبو موسى(‪.)2‬‬
‫‪ 5‬ــ بابى‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب‪ ،‬سمع مواله وكعبا‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التاريخ الكبير‪ 532/5 :‬رقم ‪ .1522‬وانظر‪ :‬الثقات‪ :‬ابن حبان‪ 225/5 ،‬رقم‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪.12332‬‬
‫أخبار مكة‪ ،552/2 :‬وانظر‪ :‬اإلصابة‪.52/5 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تهذيب الكمال‪ .222/52 :‬وانظر‪ :‬مغاني األخيار للبدر العيني‪.225/2 ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الجرح والتعديل‪ 220/2 :‬رقم ‪ 5502‬وانظر‪ :‬أسد الغابة‪.222/0 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلصابة‪.222/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪32‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫روى عنه القاسم بن عباس الهاشمي‪ ،‬ذكره البخاري في باب الباء‬


‫وقال‪ :‬قاله محمد بن ابراهيم بن دينار(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ــ حنين‪ :‬أوله حاء مهملة مضمومة وبعدها نون مفتوحة بعدها‬
‫ياء ساكنة معجمة باثنتين من تحتها وآخره نون فهو حنين كان يخدم‬
‫النبي ‪ ‬فوهبه لعمه العباس بن عبد المطلب فأعتقه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫حنين مولى مثقب‪ ،‬ومثقب مولى مسحل‪ ،‬ومسحل مولى شماس‪،‬‬
‫وشماس مولى العباس(‪ .)5‬وترجم له البخاري في التاريخ الكبير(‪.)2‬‬
‫وترجم له ابن عبد البر في االستيعاب وقال‪ :‬كان عبدا وخادما‬
‫للنبي ‪ ‬فوهبه لعمه العباس‪ ،‬فأعتقه العباس‪ ،‬روى عن النبي‬
‫‪ ‬في الوضوء‪ ،‬هو جد إبراهيم بن عبد اهلل بن حنين‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫إنه مولى علي بن أبي طالب(‪.)2‬‬
‫وفي أسد الغابة‪ :‬أن حنينا كان غالما للنبي ‪ ‬يخدمه‪،‬‬
‫وكان إذا توضأ رسول اهلل ‪ ‬أخرج وضوءه إلى أصحابه‪ ،‬فكانوا‬
‫إما تمسحوا به وإما شربوه قال‪ :‬فحبس حنين الوضوء فشكوا إلى النبي‬
‫فسأله فقال‪ :‬حبسته عندي فجعلته في جر فإذا عطشت شربت‪ ،‬فقال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إكمال الكمال‪ .123/1 :‬الجرح والتعديل‪ ،222/5 :‬رقم ‪ .1552‬المؤتلف‬ ‫(‪)1‬‬
‫والمختلف‪ :‬الدارقطني‪ .52/1 ،‬التاريخ الكبير للبخاري‪.122/5 :‬‬
‫إكمال الكمال‪.50/5 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫التاريخ الكبير‪ 122/2 :‬رقم ‪.223‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االستيعاب‪.155/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪22‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫رسول اهلل ‪> :‬هل رأيتم غالما أحصى هذا<‪ .‬ثم وهبه العباس‬
‫فأعتقه(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ــ شماس‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب بن هاشم‪ .‬حفظ‬
‫سورة يوسف من في عمر بن الخطاب وهو يتلوها في الصالة‪ ،‬وروى‬
‫عنه ابنه عثمان بن شماس(‪.)5‬‬
‫‪ 12‬ــ صباح مولى العباس بن عبد المطلب‪ .‬روى عمر بن شبة‬
‫من طريق صالح بن أبي األخضر عن عمر بن عبد العزيز أن النبي‬
‫‪ ‬استعمله وأعطاه عمالته‪ ،‬وذكر غيره عن عمر أيضا أنه هو‬
‫الذي عمل المنبر(‪.)2‬‬
‫‪ 11‬ــ صهيب‪ :‬أورده البخاري في التاريخ الكبير وقال‪ :‬صهيب‬
‫مولى العباس بن عبد المطلب الهاشمي‪َ ،‬وقَ َال األعمش‪ُ :‬صهبان‪ ،‬قَ َال‬
‫َخالِد ْبن الحارث َع ْن ُش ْع َبة َع ْن َع ْمرو ْبن ُم َّر َة َس ِم َع أبا صالح ذكوان‬
‫َس ِم َع صهيبا مولى ا ْل َع َّباس‪ :‬بعثني ا ْل َع َّباس إلى عثمان وعلي(‪.)2‬‬
‫وروى حديث تقبيل علي ليد العباس وطلبه رضاه‪ .‬وقال‪ :‬الذهبي‬
‫بعد تحسينه إلسناد هذه الرواية‪ :‬وصهيب ال أعرفه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أسد الغابة‪.21/5 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.35/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اإلصابة‪ 250/2 :‬ــ التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة للسخاوي‪.222/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫التاريخ الكبير‪ ،210/2 :‬رقم ‪.5202‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سير أعالم النبالء‪ .222/2 :‬والرواية أخرجها البخاري في األدب المفرد‪ :‬ح (‪)250‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقال األلباني‪ :‬ضعيف اإلسناد موقوف‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫وترجم له ابن حبان‪ :‬صهيب مولى العباس بن عبد المطلب يروي‬


‫عن عثمان وعلي‪ ،‬روى عنه أبو صالح السمان(‪ .)1‬وكذا ابن حجر في‬
‫التقريب‪ :‬وقال صدوق من الثالثة(‪.)5‬‬
‫‪ 15‬ــ عبادة بن سليمان‪ :‬أورده ابن حجر قائال‪ :‬مولى العباس‪ ،‬له‬
‫عباد‪ ،‬بفتح‬
‫في النكاح‪ ،‬قاله ابن سعد‪ ،‬واستدركه الذهبي‪ .‬والصواب ّ‬
‫أوله وتشديد الموحدة(‪.)2‬‬
‫‪ 12‬ــ عبد اللّه بن جبير‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب‪ ،‬ويُقال‪:‬‬
‫إنه مولى مولى العباس‪ .‬توفي سنة خمس ومائة(‪.)2‬‬
‫‪ 12‬ــ َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُحنَ ْي ٍن‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب بن هاشم‬
‫وله بقية وعقب بالمدينة‪ ،‬وكان ابنه إبراهيم بن عبد اهلل بن حنين من‬
‫رواة العلم‪ ،‬وحمل عنه الزهري وغيره‪ ،‬وهم يقولون نحن موالي العباس‬
‫ابن عبد المطلب‪ ،‬ينتمون إلى ذلك إلى اليوم(‪.)2‬‬
‫وقيل‪ :‬هو مولى علي‪ ،‬روى عن علي وابن عباس وأبي أيوب‬
‫‪.)0(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الثقات‪ 231/2 :‬رقم ‪ .2225‬وانظر‪ :‬الجرح والتعديل البن أبي حاتم‪222/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رقم‪.1225 :‬‬
‫تقريب التهذيب‪ 553/5 :‬رقم ‪.5222‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اإلصابة‪.123/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مروج الذهب‪ :‬المسعودي‪.522/2 ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ .530/2 :‬وانظر‪ :‬عمدة القاري‪.125/10 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫إكمال الكمال‪.50/5 :‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪25‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫وترجم له الذهبي في السير وقال‪ :‬عبد اهلل بن حنين المدني‪،‬‬


‫مولى العباس‪ ،‬أبو علي‪ ،‬يروي عن علي‪ ،‬وأبي أيوب‪ ،‬وابن عباس‪.‬‬
‫وعنه ابنه إبراهيم‪ ،‬وابن المنكدر‪ ،‬وشريك بن أبي نمر‪ ،‬وأسامة‬
‫ابن زيد وآخرون‪ .‬ثقة‪ ،‬كبير(‪.)1‬‬
‫‪ 12‬ــ الغمر بن حمزة بن أبي رملة‪ :‬أورده الطبري في التاريخ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب(‪.)5‬‬
‫‪ 10‬ــ فليح بن سليمان‪ :‬بن أبي المغيرة بن حنين بن أخي عبيد‬
‫ابن حنين‪ ،‬واسم فليح عبد الملك وفليح لقبه وكنيته أبو يحيى‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫مولى زيد بن الخطاب‪ ،‬ويقال‪ :‬مولى العباس‪ ،‬ويقال‪ :‬مولى علي بن‬
‫أبي طالب(‪.)2‬‬
‫‪ 15‬ــ قثم بن لؤلؤة‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب روى عن أمه‬
‫وعن علي بن أبي طالب وعبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب ذكره‬
‫البخاري في التاريخ فقال روى عنه مغيرة بن مقسم الضبي ويزيد بن‬
‫عبد الرحمن والوليد بن جميع وذكره ابن أبي حاتم كذلك ولم يذكر فيه‬
‫جرحا وال عدالة(‪.)2‬‬
‫‪ 13‬ــ كالب‪ :‬مولى العباس بن عبد المطلب‪ .‬وقيل‪ :‬هو من صنع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سير أعالم النبالء‪.022/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري‪.222/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫التعديل والجرح‪ :‬أبو الوليد الباجي‪ 1222/2 ،‬رقم ‪.1522‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تهذيب التهذيب‪ :‬ابن حجر‪ 23/55 ،‬رقم ‪.022‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪22‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫منبر النبي ‪.‬‬


‫ذكره ابن سعد‪ ،‬وأخرج بسند فيه الواقدي‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كان رسول اللَّه ‪ ‬يوم الجمعة يخطب إلى جذع في المسجد‬
‫الداري‪ّ ،‬أال أعمل‬
‫ّ‬ ‫علي‪ ،‬فقال له تميم‬
‫قائما‪ ،‬فقال‪ :‬إ ّن القيام قد شق ّ‬
‫النبي ‪ ‬المسلمين في‬ ‫لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام؟ فشاور ّ‬
‫العباس ابن عبد المطّلب‪ :‬إن لي غالما‬‫ذلك‪ ،‬فرأوا أن يتخذه‪ .‬فقال ّ‬
‫يقال له‪ :‬كالب أعمل الناس‪ ،‬فقال‪ :‬مره أن يعمله‪ ،‬فأرسله إلى أثلة‬
‫بالغابة فقطعها وعمل منها درجتين ومقعدا‪ ،‬ثم جاء فوضعه في موضعه‬
‫الجنة<(‪.)1‬‬
‫اليوم‪ ،‬فقام عليه‪ ،‬وقال‪> :‬منبري على ترعة من ترع ّ‬
‫‪ 12‬ــ محمد بن حنين‪ :‬مولى العباس‪ ،‬يروى عن ابن عباس‪،‬‬
‫روى عنه عمرو بن دينار(‪.)5‬‬
‫‪ 52‬ــ مينا‪ :‬مولى العباس‪ :‬أحد من قيل‪ :‬إنه عمل المنبر‪ .‬حكاه‬
‫المنذري وغيره(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫الزكي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلصابة‪ .201/2 :‬الطبقات‪ 522/1 :‬ــ التحفة اللطيفة للسخاوي‪ .225/5 :‬وقال‬
‫ابن حجر في الفتح (‪ )223/5‬ر َِجال ُ ُه ثِ َقات ِإ َّال ا ْل َواقِ ِد ّي‪.‬‬
‫(‪ )5‬إكمال الكمال‪.55/5 :‬‬
‫(‪ )2‬اإلصابة‪ .121/0 :‬و‪ 22/5‬في ترجمة الحكم بن مينا‪ .‬وابن سعد في الطبقات‪:‬‬
‫اختلف في تحديد اسم صانع منبر النبي ‪ ،‬ووردت في ذلك أقوال كثيرة‪:‬‬
‫فقيل‪ :‬هو ميمون‪ ،‬وقيل‪ :‬مينا‪ ،‬مولى العباس كما ورد في اإلصابة‪ ،‬وقيل‪ :‬هو ُغ َالم‬
‫ِال ْم َرأَ ٍة ِم َن ْاأل َ ْن َصا ِر ِم ْن بَ ِني َسلِ َم َة أَ ْو ِم ْن بَ ِني َسا ِع َد َة أَ ِو ْام َرأَ ٍة لِ َر ُج ٍل ِم ْن ُه ْم‪ ،‬كما ورد في‬
‫الفتح‪ ،‬وقيل‪ :‬إبراهيم‪ ،‬وقيل‪ :‬باقول‪ ،‬أو باقوم‪ ،‬وقيل‪ :‬صباح‪ ،‬وقيل‪ :‬قبيصة=‬

‫‪22‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫العباس واليوم احملتوم‬


‫(أما آن للم افر أن ي يم؟)‬

‫الموت خاتمة الحياة ونهاية مرحلتها‪ ،‬ومصير كل مخلوق‪ ،‬تصديقا‬


‫لقوله تعالى‪{ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ}‬
‫[الرحمن‪ 50 :‬ــ ‪.]55‬‬
‫ولم يكن العباس بدعا من ذلك‪ ،‬فقد جرت عليه سنة اهلل في‬
‫خلقه‪ ،‬فبعد حياة حافلة بالعطاء مليئة باألحداث‪ ،‬طال فيها العمر‪ ،‬و ُكف‬
‫اس‪ ،‬وكانت وفاته يَ ْو َم ا ْل ُج ُم َعةِ‬
‫فيها البصر‪ ،‬وفُقد فيها الحبيب‪ُ ،‬ت ُوف ِّ َي ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِي‪ ،‬وقال ابن حجر‪َ :‬وأَ ْش َب ُه‬ ‫= المخزومي‪ ،‬وقيل‪ :‬كالب مولى العباس‪ ،‬وقيل‪َ :‬ت ِميم ال َّدار ُّ‬
‫اإل ْسنَادِ ِم ْن َطرِي ِق َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد‬ ‫اب قَ ْولُ َم ْن قَ َال‪ُ :‬ه َو َم ْي ُمون؛ لِ َك ْو ِن ْ ِ‬ ‫ِالص َو ِ‬‫ْاأل َ ْق َوا ِل ب َّ‬
‫أَ ْيضا‪( ،‬يقصد بذلك حديث سهل بن سعد كما أورده الروياني في مسنده ح‬
‫ات أَ ْث ٍل َكانَ ْت ِفي‬ ‫وم ِإ َذا َخطَ َب ِإلَى َخ َشبةٍ َذ ِ‬
‫َ‬ ‫(‪ :)1222‬كا َن َر ُسولُ اهلل ِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫ْت ِم ْن َبرا ُت ْشر ُِف‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬ل َ ْو ُك ْن َت َج َعل َ‬ ‫اس َو َك ُث ُروا قِ َيل ل َ ُه‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ا ْل َم ْس ِج ِد فَلَ َّما فَ َر َع النَّ ُ‬
‫س َعلَيهِ‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ْم قَ ْد َك ُثروا‪ ،‬قَ َال‪> :‬ما أُبالِي<‪ .‬قَ َال‪َ :‬و َكا َن بِا ْل َم ِدينَة ِ نَ َّجار َو ِ‬
‫احد يُ َقالُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫لِلنَّا ِ ْ‬
‫ل َ ُه‪َ :‬م ْي ُمون‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َب َع َث النَّ َّج ُار ِإل َ َّي فَا ْنطَلَ َق َوا ْن َطلَ ْق ُت َم َع ُه َح َّتى أَ َت ْينَا ا ْل َخ ِاف َق ْي َن فَ َقطَ ْعنَا‬
‫ِم ْن ُه أَ ْثال فَ َع ِملَ ُه‪ ..‬الحديث) َوأَ َّما ْاأل َ ْق َوالُ ْاألُ ْخ َرى فَ َال ْاع ِت َد َاد ب َِها لِ َو َهائِ َها َويَ ْب ُع ُد ِج ًّدا أَ ْن‬
‫اح ِت َمالُ َك ْو ِن ا ْل َج ِمي ِع ْاش َت َر ُكوا ِفي‬ ‫يُ ْج َم َع َب ْي َنها بِأَ َّن النَّ َّج َار َكانَ ْت ل َ ُه أَ ْس َماء ُم َت َع ِّد َدة َوأَ َّما ْ‬
‫احد ِإ َّال‬ ‫السابِ َقة ِ ل َ ْم ي ُك ْن بِا ْل َم ِدينَة ِ ِإ َّال نَ َّجار َو ِ‬
‫َ‬ ‫ات َّ‬ ‫َع َملِه ِ فَ َي ْمنَ ُع ِم ْن ُه قَ ْول َ ُه ِفي َك ِثي ٍر ِم َن ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح ِد ا ْل َما ِه ُر ِفي ِصنَ َ ِ‬ ‫ِإ ْن َكا َن ي ْح َم ُل َعلَى أَ َّن ا ْل ُمر َاد بِا ْلو ِ‬
‫اعته ِ َوا ْل َبق َّي ُة أَ ْع َوانُ ُه فَ ُي ْمك ُن َواهللُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أَ ْعلَ ُم (راجع فتح الباري‪ 223 /5 :‬ــ ‪.)222‬‬

‫‪22‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫ين ِفي ِخالفَةِ ُع ْث َما َن ْب ِن‬ ‫ألَ ْربَ َع َع ْش َر َة َخلَ ْت ِم ْن َر َج ٍب َسنَ َة ا ْثنَ َت ْي ِن َوثَالثِ َ‬
‫ين َسنَة‪َ .‬و ُد ِف َن بِا ْل َب ِقي ِع ِفي َم ْق َب َر ِة بَ ِني َه ِاش ٍم(‪.)1‬‬
‫َعفَّا َن‪َ ،‬و ُه َو ْاب ُن ثَ َما ٍن َوثَ َمانِ َ‬
‫اس بِا ْل َم ِدينَةِ يَ ْو َم ا ْل ُج ُم َعةِ ال ْثنَ َت ْي عشرة ليلة خلت‬ ‫وقيل‪ُ :‬ت ُوف ِّ َي ا ْل َع َّب ُ‬
‫من رجب‪ .‬وقيل‪ :‬بَ ْل ِم ْن َر َم َضا َن َسنَ َة ا ْثنَ َت ْي ِن َوثَالثِ َ‬
‫ين قَ ْب َل قَ ْت ِل ُع ْث َما َن‬
‫بِ َسنَ َت ْي ِن‪َ ،‬و َصلَّى َعلَ ْيه ِ ُع ْث َما ُن َو ُد ِف َن بالبقيع‪ ،‬وهو ابن ثمان وثمانين سنة‪.‬‬
‫ين َسنَة َو ِفي‬ ‫ين‪ .‬أَ ْد َر َك ِفي ا ِإل ْسالمِ ا ْثنَ َت ْي ِن َوثَالثِ َ‬ ‫وقيل‪ْ :‬اب ُن تِ ْس ٍع َوثَ َمانِ َ‬
‫ين َسنَة‪.‬‬ ‫ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ ِس ًّتا َو َخ ْم ِس َ‬
‫ين‪،‬‬‫الث َوثَالثِ َ‬ ‫س َسنَ َة ثَ ٍ‬ ‫َوقَ َال َخلِي َف ُة ْب ُن َخ َّيا ٍط‪َ :‬كانَ ْت َوفَا ُة ا ْل َع َّبا ِ‬
‫َو َد َخ َل قَ ْب َر ُه ْابنُ ُه َع ْب ُد اهلل بن عباس(‪.)5‬‬
‫ورجح الذهبي وفاته سنة اثنتين وثالثين‪ ،‬حيث قال مخبرا عن‬ ‫ّ‬
‫وفاته‪َ :‬كانَ ْت ِفي َسنَةِ ا ْثنَ َت ْي ِن َوثَالَثِ ْي َن ِم َن اله ِْج َر ِة َول َ ُه ِست َوثَ َمانُ ْو َن َسنَة‪،‬‬
‫الس َّن ِم ْن أَ ْوالَدِهِ َوالَ أَ ْوالَدِ ِه ْم َوالَ ُذ ِّريَّ ِته ِ ال ُخلَ َف ِاء(‪.)2‬‬
‫َول َ ْم يَ ْبلُ ْغ أَ َحد َه ِذهِ ِّ‬
‫وقبل وفاة العباس دخل عليه عثمان في مرضه الّذي مات فيه‬
‫(‪)2‬‬
‫وزودني‪ ،‬فقال‪ :‬الزم ثالث خصال‬
‫فقال‪ :‬أوصني بما ينفعني به‪ّ ،‬‬
‫فالخواص‪ :‬ترك مصانعة الناس في الحق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عوام‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تصب بها ثالث‬
‫وسالمة القلب‪ ،‬وحفظ اللسان‪ ،‬تصب بها سرور الرعية‪ ،‬وسالمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات الكبرى‪ .22/2 :‬الثقات‪.122/5 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫االستيعاب‪ .315/5 :‬وانظر‪ :‬تاريخ خليفة‪ ،‬ص‪.103‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وردت هكذا (خصال) وقال المحقق‪ :‬ولعله خواص‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪20‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫الدين‪ ،‬ورضى الرب(‪.)1‬‬


‫وهذا من كمال إيمان العباس ‪ ،‬وسالمة طبعه‪ ،‬وجودة عقله‪،‬‬
‫وحسن تأتِّيه‪ ،‬كما أنه من شواهد العالقة الطيبة التي كانت بين العباس‬
‫وعثمان ‪ ،‬حيث زاره عثمان في مرض موته خاطبا و َّده‪ ،‬وطالبا‬
‫نصحه‪ ،‬لما يعلم عنه من خصال البر‪ ،‬وشواهد الخير‪ ،‬وأجابه العباس‬
‫‪ ‬بما يصلح به رعيته‪ ،‬ويسلم به دينه‪ ،‬وقبل ذلك يرضي ربه جل وعال‪.‬‬
‫وبعدها مات العباس‪ ،‬وصعدت روحه إلى باريها‪ ،‬وحضر جنازته‬
‫خلق كثير‪ ،‬وكانت جنازة مشهودة‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن تكثير الجمع في الصالة على الميت مر ّغب فيه‪،‬‬
‫ت ُت َصلِّي‬ ‫لحديث َعائِ َش َة ‪َ ،‬ع ِن النَّبِي ‪ ‬أنه قَ َال‪َ > :‬ما ِم ْن َميِّ ٍ‬
‫ِّ‬
‫ين يَ ْبلُ ُغو َن ِما َئة‪ُ ،‬كلُّ ُه ْم يَ ْش َف ُعو َن ل َ ُه‪ِ ،‬إ َّال ُش ِّف ُعوا‬
‫َعلَ ْيه ِ أُ َّمة ِم َن ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫ِفيه ِ<(‪.)5‬‬
‫ول اهلل ِ ‪،‬‬ ‫ولحديث ابن عباس ‪ ‬قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول‪َ :‬ما ِم ْن َر ُج ٍل ُم ْسلِ ٍم يَ ُمو ُت‪ ،‬فَ َي ُق ُ‬
‫وم َعلَى َجنَا َزتِه ِ أَ ْربَ ُعو َن َر ُجال‪َ ،‬ال‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫يُ ْش ِر ُكو َن بِاهلل ِ َش ْيئا‪ِ ،‬إ َّال َشف ََّع ُه ُم اهللُ ِفيه ِ<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البالذري في أنساب األشراف‪ ،10/2 :‬وانظر‪ :‬أخبار الدولة العباسية‪ :‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪ .)225‬والترمذي في سننه‪ :‬ح (‪ .)1252‬وأحمد في المسند‪:‬‬
‫ح (‪.)52222‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪ )232‬وأبو داود‪ :‬ح (‪ )2152‬وأحمد في المسند‪ :‬ح (‪.)5222‬‬
‫اضي عياض في التوفيق بين‬ ‫ونقل النووي في شرحه على مسلم (‪ )15/5‬قول ا ْل َق ِ‬
‫األحاديث الواردة في هذا الباب‪ ،‬ومما أورده عنه‪ :‬قِ َيل َه ِذهِ ْاأل َ َحادِ ُ‬
‫يث َخ َر َج ْت=‬

‫‪25‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫ت‪َ ،‬وأَ َّن َش َف َ‬


‫اع َة‬ ‫فدل ما َسبق َعلَى فَ ِضيلَةِ َت ْك ِثيرِ ا ْل َج َم َ‬
‫اعةِ َعلَى ا ْل َميِّ ِ‬ ‫َّ‬
‫ا ْل ُم ْؤ ِم ِن نَ ِاف َعة َم ْق ُبولَة ِع ْن َد ُه َت َعالَى(‪.)1‬‬
‫وقديما كان فقهاؤنا يتفاخرون على الملوك والمبتدعة بكثرة شهود‬
‫الجنائز‪ ،‬فكانوا يقولون‪ :‬بيننا وبينكم شهود الجنائز‪ .‬كما روي عن‬
‫اإلمام أحمد بن حنبل‪ .‬وذلك أن حضور الجنازة إنما يكون في الغالب‬
‫مقيد بظاهر االستقامة وااللتزام‬
‫لوازع الحب المحض‪ ،‬وهذا طبعا ّ‬
‫بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫ولعل من فضل اهلل على العباس ‪ ‬حتى بعد مماته كثرة‬
‫ات‬‫مشيعيه ومن شهد جنازته‪ ،‬ف َع ْن نَ ْملَ َة ْب ِن أَبِي نَ ْملَ َة َع ْن أَبِيه ِ قَ َال‪ :‬ل َ َّما َم َ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب بَ َع َث ْت بَنُو َه ِاش ٍم ُم َؤذِّنا يُ ْؤ ِذ ُن أَ ْه َل ا ْل َع َوالِي‪َ :‬ر ِح َم‬‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس َونَ َزلُوا ِم َن‬ ‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َح َش َد النَّ ُ‬ ‫اهللُ َم ْن َش ِه َد ا ْل َع َّب َ‬
‫العوالي(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اح ٍد ِم ْن ُه ْم َع ْن ُس َؤالِهِ‪( .‬قال النووي) َه َذا‬ ‫اب ُكلَّ َو ِ‬ ‫ين َسأَلُوا َع ْن َذلِ َك فَأَ َج َ‬ ‫= أَ ْج ِوبَة لِ َسائِلِ َ‬
‫اعة ِ ِما َئةٍ فَأَ ْخ َب َر بِه ِ ثُ َّم‬
‫اضي َويَ ْح َت ِم ُل أَ ْن يَ ُكو َن النَّب ُِّي ‪ ‬أَ ْخ َب َر بِ َق ُبو ِل َش َف َ‬ ‫َك َال ُم ا ْل َق ِ‬
‫وف َو ِإ ْن قَلَّ َع َد ُد ُه ْم فَأَ ْخ َب َر بِهِ‪َ ،‬ويَ ْح َت ِم ُل أَ ْيضا أَ ْن‬ ‫بقبول شفاعة أربعين ثم ثالث ُص ُف ٍ‬
‫اإل ْخ َبا ِر َع ْن قَ ُبو ِل‬ ‫وم َع َد ٍد َو َال يَ ْح َت ُّج بِه ِ َج َما ِه ُير ْاألُ ُصولِيِّ َ‬
‫ين فَ َال يَل َْز ُم ِم َن ْ ِ‬ ‫يُ َق َال‪َ :‬ه َذا َم ْف ُه ُ‬
‫وف‪َ ،‬و ِحينَ ِئ ٍذ ُكلُّ‬ ‫ين م َع ثَ َالثَة ِ ُص ُف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َش َف َ ِ ٍ‬
‫اعة ِ ما َئة َم ْن ُع قَ ُبو ِل َما ُدو َن َذلِ َك‪َ ،‬و َك َذا في ْاأل َ ْربَع َ َ‬
‫وف وأربعين‪.‬‬ ‫اع ُة بِأَقَ ِّل ْاألَمري ِن ِم ْن ثَ َالثَة ِ ُص ُف ٍ‬ ‫الش َف َ‬‫يث َم ْع ُمول ب َِها َويَ ْح ُص ُل َّ‬ ‫ْاأل َ َحا ِد ِ‬
‫َْْ‬
‫وراجع‪ :‬عمدة القاري‪.110/3 :‬‬
‫(‪ )1‬سبل السالم‪ :‬الصنعاني‪.232/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪ .25/2 :‬سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬

‫‪23‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫ت‬ ‫الر ْح َم ِن ْب ِن يَزِي َد ْب ِن َجارِيَ َة قَ َال‪َ :‬جاءنَا ُم َؤذِّن يُ ْؤ ِذنَّا بِ َم ْو ِ‬ ‫و َع ْن َع ْب ِد َّ‬


‫َ‬
‫آخ ُر َعلَى ِح َما ٍر‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب بِ ُق َب َاء َعلَى ِح َما ٍر‪ .‬ثُ َّم َج َاءنَا َ‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ول ُع ْث َما َن‪.‬‬ ‫فَ ُق ْل ُت‪َ :‬م ِن األَ َّو ُل؟ فَ َق َال‪َ :‬م ْولى لِ َب ِني َه ِاش ٍم‪َ ،‬والثَّانِي َر ُس ُ‬
‫فَ ْاس َت ْق َب َل قُ َرى األَ ْن َصا ِر قَ ْريَة قَ ْريَة َح َّتى ا ْن َت َهى ِإلَى َس ِافلَةِ بَ ِني َحا ِرثَ َة َو َما‬
‫اس فَ َما َغ َاد ْرنَا الن ِّ َس َاء‪ .‬فَلَ َّما أُتِ َي بِه ِ ِإلَى َم ْو ِض ِع ا ْل َجنَائِ ِز‬ ‫َوال َها فَ َح َش َد النَّ ُ‬
‫َت َضايَ َق فَ َت َق َّد ُموا بِه ِ ِإلَى ا ْل َب ِقي ِع‪َ .‬ول َ َق ْد َرأَ ْي ُتنَا يَ ْو َم َصلَّ ْينَا َعلَ ْيه ِ بِا ْل َب ِقي ِع َو َما‬
‫س قَ ُّط َو َما يَ ْس َت ِط ُيع أَ َحد ِم َن‬ ‫َرأَ ْي ُت ِم ْث َل َذلِ َك ا ْل ُخ ُرو ِج َعلَى أَ َح ٍد ِم َن النَّا ِ‬
‫س أَ ْن يَ ْدنُ َو ِإلَى َسرِي ِرهِ‪َ .‬و ُغلِ َب َعلَ ْيه ِ بَنُو َه ِاش ٍم‪ ،‬فَلَ َّما ا ْن َت َه ْوا ِإلَى اللَّ ْح ِد‬ ‫النَّا ِ‬
‫اس َع ْن بَ ِني‬ ‫ْاز َد َح ُموا َعلَ ْيه ِ فَأَ َرى ُع ْث َما َن ْاع َت َز َل َوبَ َع َث ُّ‬
‫الش ْر َط َة يَ ْضرِبُو َن النَّ ُ‬
‫ين نَ َزلُوا ِفي ُح ْف َرتِه ِ َو َدل َّ ْو ُه‬ ‫َه ِاش ٍم َح َّتى َخلُ َص بَنُو َه ِاش ٍم‪ .‬فَ َكانُوا ُه ُم ال َّ ِذ َ‬
‫ِفي اللَّ ْح ِد‪َ .‬ول َ َق ْد َرأَ ْي ُت َعلَى َسرِي ِرهِ بُ ْر َد ِح َب َر ٍة(‪ )1‬قد تقطع من زحامهم(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قوله‪> :‬برد ِح َبرة< هو بكسر الحاء وفتح الباء‪ :‬برد مخطط‪ ،‬وذكر الخطابي في غريب‬
‫الحديث‪ )225/5( :‬الحبير من البرود‪ :‬ما كان فيه وشي وتخطيط يُ َقالُ ‪ :‬حبرت‬
‫الثوب وحبرته مخففا ويقال‪ :‬هذا برد حبرة وكل شيء حسنته فقد حبرته‪.‬‬
‫ملون‪.‬‬
‫والبرد الحبرة‪ :‬ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط َّ‬
‫ويضرح‪ ،‬بضاد معجمة وراء وحاء مهملتين من ضرح للميت كمنع‪ :‬حفر له ضريحا‪،‬‬
‫والضريح‪ :‬القبر أو الشق‪ ،‬والثاني هو المراد هاهنا للمقابلة‪ .‬قاله السندي‪ .‬وفي غريب‬
‫الحديث للخطابي‪ )225/5( :‬الحبير من البرود‪ :‬ما كان فيه وشي وتخطيط يُ َقالُ ‪:‬‬
‫حبرت الثوب وحبرته مخففا ويقال‪ :‬هذا برد حبرة وكل شيء حسنته فقد حبرته‪.‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪ .25/2 :‬تاريخ دمشق‪ .255/50 :‬سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬
‫وفي الطبقات وتاريخ دمشق‪ :‬و َع ْن َع ْب ِد َّ‬
‫الر ْح َم ِن ْب ِن يَزِي َد ْب ِن حارثة‪ ،‬وضبطها الذهبي‬
‫في سيره‪ :‬ابن جارية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫وما كاد خبر وفاة العباس يشيع إال أقبل الناس من كل فج وصوب‬
‫ت َس ْع ٍد‬ ‫يتسابقون لشهود جنازة عم النبي ‪ ،‬ف َع ْن َعائِ َش َة بِ ْن ِ‬
‫ول ُع ْث َما َن‪َ .‬ر ِح َم ُه اهللُ‪َ .‬ونَ ْح ُن بِ َق ْصرِنَا َعلَى َع ْش َر ِة أَ ْم َيا ٍل‬ ‫اءنَا َر ُس ُ‬ ‫قَال َ ْت‪َ :‬ج َ‬
‫اس قَ ْد ُت ُوف ِّ َي‪ .‬فَنَ َز َل أَبِي َونَ َز َل َس ِعي ُد ْب ُن َز ْي ِد ْب ِن َع ْمرِو‬ ‫ِم َن ا ْل َم ِدينَةِ أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫اءنَا أَبِي بَ ْع َد‬ ‫ِ‬ ‫ا ْب ِن نُ َفي ٍل‪َ ،‬ونَ َز َل أَبُو ُهرير َة ِم َن َّ ِ‬
‫الس ُم َرة‪ .‬قَال َ ْت َعائ َش ُة‪ :‬فَ َج َ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ‬
‫س‪ُ .‬غلِ ْبنَا‬ ‫َذلِ َك بِ َي ْومٍ فَ َق َال‪َ :‬ما قَ َد ْرنَا َعلَى أَ ْن نَ ْدنُ َو ِم ْن َسرِيرِ ِه ِم ْن َك ْث َر ِة النَّا ِ‬
‫َعلَ ْيه ِ‪َ .‬ول َ َق ْد ُك ْن ُت أُ ِح ُّب َح ْملَ ُه(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات‪ .25/2 :‬سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬
‫وفي اتباع النساء للجنائز خالف قديم بين العلماء‪ ،‬فهناك من أجازها مع الكراهة‬
‫كالشافعية مثال‪ ،‬وهناك من أجازها بال كراهة كالمالكية‪ ،‬الذين أجازوه للنساء ولكنهم‬
‫استثنوا المرأة الشابة من هذا وجعلوا حكمها الكراهة‪ .‬أما الحنفية فذهبوا إلى المنع‪،‬‬
‫وقد بوب اإلمام البخاري بابا في صحيحه (‪ )53/5‬بعنوان‪ :‬باب اتِّ َبا ِع الن ِّ َس ِاء ا ْل َجنَائِ َز‪،‬‬
‫روى فيه َع ْن أُ ِّم ا ْل ُه َذ ْي ِل َع ْن أُ ِّم َع ِط َّي َة ــ رضي اهلل عنها ــ قَال َ ْت نُهِينَا َع ِن اتِّ َبا ِع ا ْل َجنَائِ ِز‪،‬‬
‫َول َ ْم يُ ْع َز ْم َعلَ ْينَا‪ .‬وقال العيني في العمدة‪ )20/3( :‬معلال إطالق البخاري ترجمة‬
‫الباب دون تقييد بحكم‪َ :‬ه َذا بَاب ِفي َب َيان اتِّ َباع الن ِّ َساء ا ْل َجنَائِز‪َ ،‬ولم يبين َك ْي َّفية الحكم‪:‬‬
‫يح َتمل‬ ‫علماء ِفيهِ‪ِ ،‬ألَن قَول أم َع ِط َّية ْ‬ ‫َهل ُه َو َجائِز أَو غير َجائِز أَو َم ْك ُروه؟ ْ‬
‫الخ ِت َالف ا ْل َ‬
‫يح َتمل أَن يكون نهي َت ْنزِيه‪ ،‬على أَن ظَاهر قَول أم َع ِط َّية‪َ :‬ولم‬ ‫أَن يكون نهي َت ْحرِيم‪َ ،‬و ْ‬
‫يعزم علينا‪ ،‬يَ ْق َت ِضي أَن يكون النَّ ْهي نهي َت ْنزِيه‪َ ،‬وقد ورد ِفي َه َذا ا ْل َباب أَ َحادِيث تدل‬
‫الب َخار ِّي ال َّت ْر َج َمة َولم يقيدها بِحكم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫على ا ْل َج َواز‪ ،‬فألجل َه َذا اال ْخت َالف أطلق ُ‬
‫وقال ابن بطال في شرحه على البخاري‪ )505/2( :‬حاكيا الخالف في هذه المسألة‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬روينا عن ابن مسعود‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأبى أمامة‪ ،‬وعائشة أنهم كرهوا‬
‫للنساء اتباع الجنائز‪ ،‬وكره ذلك أبو أمامة‪ ،‬ومسروق‪ ،‬والنخعي‪ ،‬والحسن‪ ،‬ومحمد‬
‫ابن سيرين‪ ،‬وهو قول األوزاعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وقال الثوري‪ :‬اتباع النساء‬
‫الجنازة بدعة‪ .‬وروى جواز اتباع النساء الجنازة عن ابن عباس‪ ،‬والقاسم‪ ،‬وسالم‪=،‬‬

‫‪122‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫س ب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ب ِن َم ْع َب ٍد‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َض َر َغ ْسلَ ُه ُع ْث َما ُن‪،‬‬ ‫َو َع ْن َع َّبا ِ‬
‫س‪َ ،‬وأَ َخ َو ُاه؛ قُثَ ُم َو ُع َب ْي ُد اهلل ِ(‪.)1‬‬
‫َو َغ َّسلَ ُه‪َ :‬علِي‪َ ،‬و ْاب ُن َع َّبا ٍ‬
‫وروي أن العباس قبل وفاته أَ ْو َصى أَ ْن يُ َكف ََّن ِفي بُ ْردِ ِح َب َر ٍة‪َ ،‬وقَ َال‪:‬‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ ُك ِّف َن ِفيه ِ(‪.)5‬‬
‫ِإ َّن َر ُس َ‬
‫وقالُوا‪ :‬ونزل ِفي حفرة الْ َع َّباس‪َ :‬علِي ْبن أَبِي طَالِب وعبد اللَّه‬
‫وعبيد اللَّه ابنا الْ َع َّباس والحسن والحسين ابنا َعلِي وقثم ْبن ا ْل َع َّباس‪..‬‬
‫َوقَ َال َع ْبد اهلل ِ ْبن ا ْل َع َّباس‪ :‬ل َ َق ْد ُكنَّا محتاجين ِإلَى نزول أكثَ َر منّا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وعن الزهري‪ ،‬وربيعة‪ ،‬وأبي الزناد مثله‪ ،‬ورخص مالك في ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬قد خرج‬
‫النساء قديما في الجنائز‪ ،‬وخرجت أسماء تقود فرس الزبير‪ ،‬وهي حامل‪ ،‬وقال‪ :‬ما‬
‫أرى بخروجهن بأسا إال في األمر المستنكر‪.‬‬
‫وقال النووي في شرحه على مسلم (‪ )5/5‬معلقا على رواية أُ ِّم َع ِط َّي َة (نُهِينَا َع ِن اتِّ َبا ِع‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ع ْن َذلِ َك نَ ْه َي َك َر َاهة ِ َت ْنزِيهٍ َال‬ ‫الجنائز وال يُ ْع َز ْم َعلَ ْينَا)‪َ :‬م ْعنَ ُاه نَ َهانَا َر ُس َ‬
‫يث‪ .‬قَ َال‬ ‫ِيمة ِ َت ْحرِي ٍم‪َ ،‬و َمذْ َه ُب أَ ْص َحابِنَا أَنَّ ُه َم ْك ُروه ل َ ْي َس ب َِح َرامٍ لِ َه َذا ا ْل َح ِد ِ‬ ‫نَ ْه َي َعز َ‬
‫ور ا ْل ُعلَ َم ِاء ب َِم ْن ِع ِه َّن ِم َن اتِّ َبا ِع َها‪َ ،‬وأَ َجا َز ُه ُعلَ َم ُاء ا ْل َم ِدينَة ِ َوأَ َجا َز ُه َمالِك‬
‫اضي قَ َال ُج ْم ُه ُ‬ ‫ا ْل َق ِ‬
‫َو َكر َِه ُه لِ َّ‬
‫لش َّابةِ‪.‬‬
‫وقد ذهب ابن حزم إلى عدم كراهة خروج المرأة إلى اتباع الجنازة مطلقا‪ .‬ومن قوله‬
‫في المحلى‪َ )235/2( :‬و َال نَ ْك َر ُه اتِّ َبا َع الن ِّ َس ِاء ا ْل ِجنَا َز َة‪َ ،‬و َال نَ ْمنَ ُع ُه َّن ِم ْن َذلِ َك؟ َج َاء ْت‬
‫ِفي النَّ ْه ِي َع ْن َذلِ َك آثَار ل َ ْي َس ِم ْن َها َش ْيء يَ ِص ُّح‪ِ ،‬ألَنَّ َها‪َّ :‬إما ُم ْر َسلَة‪َ ،‬و ِإ َّما َع ْن َم ْج ُهو ٍل‪،‬‬
‫َو ِإ َّما َع َّم ْن َال يُ ْح َت ُّج بِهِ‪ ...‬ثم ساق حديث أم عطية في مسلم‪> :‬نُهِينَا َع ْن اتِّ َبا ِع‬
‫ا ْل َجنَائِزِ‪َ ،‬ول َ ْم يُ ْع َز ْم َعلَ ْينَا<‪َ .‬و َه َذا َغ ْي ُر ُم ْسنَ ٍد؛ ِألَنَّنَا َال نَ ْدرِي َم ْن َه َذا النَّا ِهي؟ َول َ َعلَّ ُه‬
‫الص َح َابة ِ ثُ َّم ل َ ْو َص َّح ُم ْسنَدا ل َ ْم يَ ُك ْن ِفيه ِ ُح َّجة‪ ،‬بَ ْل َكا َن يَ ُكو ُن َك َر َاهة فَ َقطْ ‪.‬‬ ‫ض َّ‬ ‫بَ ْع ُ‬
‫(‪ )1‬سير النبالء‪.1212/5 :‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪.22/2 :‬‬

‫‪121‬‬
‫موال العباس ‪‬‬

‫لبدنه وعظمه(‪.)1‬‬
‫وكانت جنازته مهيبة حضرها خلق كثير‪ ،‬حتى نساء األنصار‬
‫حرصن على حضورها‪ ،‬ف َع ْن أُ ِّم ُع َم َار َة قَال َ ْت‪َ :‬ح َض ْرنَا نِ َساء األَ ْن َصا ِر ط ًُّرا‬
‫س‪َ ،‬و ُكنَّا أَ َّو َل َم ْن بَ َكى عليه‪ ،‬ومعنا المهاجرات األول‬ ‫َجنَا َز َة ا ْل َع َّبا ِ‬
‫المبايعات(‪.)5‬‬
‫يسى ْب ِن َط ْل َح َة قَ َال‪:‬‬ ‫وصلَّى عليه عثمان بن عفان ‪ ،‬ف َع ْن ِع َ‬
‫س بِا ْل َب ِقي ِع َو َما يَ ْق ِد ُر ِم ْن ل َ ْف ِظ النَّا ِ‬
‫س‪َ ،‬ول َ َق ْد‬ ‫َرأَ ْي ُت ُع ْث َما َن يُ َكبِّ ُر َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫الر َجا ِل َوالن ِّ َس ِاء َو ِّ‬
‫الص ْب َيا ِن(‪.)2‬‬ ‫اس ا ْل َح َّشا َن َو َما َت َخلَّ َف أَ َحد ِم َن ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫بَلَ َغ النَّ ُ‬
‫وتحت ثرى البقيع هدأ جثمان أبي الفضل واستراح‪ ..‬ونام قرير‬
‫العين‪ ،‬بين األبرار الذين صدقوا ما عاهدوا اهلل عليه!!‬
‫ويقال‪ :‬إنه دفن إليه بعد ذلك بعض من آل البيت‪ ،‬يقول ابن تيمية‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َوا ْل ُق َّب ُة ال َّ ِتي َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اس َوا ْل َح َس ُن‬ ‫س بِا ْل َم ِدينَةِ يُ َق ُال ف َيها َس ْب َعة‪ :‬ا ْل َع َّب ُ‬
‫َو َعلِ ُّي ْب ُن ا ْل ُح َس ْي ِن َوأَبُو َج ْع َف ٍر ُم َح َّم ُد ْب ُن َعلِي َو َج ْع َف ُر ْب ُن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ويُ َق ُال‪:‬‬
‫إ َّن فَا ِط َم َة َت ْح َت ا ْل َحائِ ِط أَ ْو قَرِيب ِم ْن َذلِ َك َوأَ َّن َر ْأ َس ا ْل ُح َس ْي ِن ُهنَا َك(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أنساب األشراف‪.55/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبقات‪.22/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الش َه َد ِاء‪ .‬وضبطت بالضم والكسر‪( .‬تاج‬
‫بالم ِدينَةِ‪َ ،‬علَى َطرِي ِق قُ ُبو ِر ُّ‬
‫الحشاُن‪ :‬أُطُم َ‬
‫َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫العروس‪.)125/15 :‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.22/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الفتاوى الكبرى‪.202/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس يف مكَّة‬
‫مشاهد من حياته في مكة وأبرز مواقفه فيها‬
‫العباس ‪ ‬يف مكة‬

‫مدخل‬

‫قضى العباس ‪ ‬جل فترات حياته في مكة‪ ،‬فقد ُولد على‬


‫أرضها‪ ،‬وعاش بين ربوعها‪ ،‬وتنقل بين دروبها وشعابها‪ ،‬فيها حالف‬
‫وفيها خاصم‪ ،‬وفيها تزوج وأنجب‪ ،‬فيها تاجر‪ ،‬وفيها صاهر‪ ،‬وفيها‬
‫حضر بيعة العقبة الثانية مع النبي ‪ ،‬وفيها كانت سقايته التي‬
‫ألفها وشرف بها‪.‬‬
‫وكانت للعباس ‪ ‬في مكة وقبل إسالمه ــ على المشهور‬
‫والراجح ــ مواقف ينبغي ذكرها‪ ،‬ولو أردنا حصر دراستنا عن العباس‬
‫‪ ‬في حياته بالمدينة بعد إسالمه لضاع من بين أيدينا تراث ضخم‪،‬‬
‫وفقدنا معالم رئيسة في حياة العباس ‪ ‬أسهمت بشكل واضح في‬
‫إبراز عالقته بالنبي ‪ ،‬وموقفه منه‪.‬‬
‫لذا كان من األهمية بمكان التعرض لبعض مواقف من حياة‬
‫العباس في مكة قبل إعالنه إسالمه‪ ،‬وتحليلها‪ ،‬وهذا ما ستوضحه‬
‫الصفحات التالية‪.‬‬

‫‪ ‬مشاركة العباس في بناء الكعبة‪:‬‬


‫حين نتحدث عن أبرز مشاهد حياة العباس ‪ ‬في مكة فال‬
‫يمكن بحال أن يفوتنا مشهد مشاركته في بناء الكعبة مع النبي ‪‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس ‪ ‬يف مكة‬

‫إبان شبابهما‪.‬‬
‫س‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ ‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬كنَّا نَ ْن ُق ُل ا ْل ِح َج َار َة‬ ‫روي َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ين بَنَ ْت قُ َر ْيش ا ْل َب ْي َت َوأَ ْف َر َد ْت قُ َر ْيش َر ُجلَ ْي ِن َر ُجلَ ْي ِن‬ ‫ت ِح َ‬ ‫ِإلَى ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫الشي َد َو ُك ْن ُت أَنَا َو ْاب ُن أَ ِخي َو ُكنَّا نَ ْن ُق ُل َعلَى‬ ‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬
‫اء يَ ْن ُق ْل َن ِّ‬
‫يَ ْن ُقلُو َن‪َ ،‬والن ِّ َس ُ‬
‫اس ا َّت َز ْرنَا فَ َب ْينَا أَنَا أَ ْم ِشي‪،‬‬‫ِرقَابِنَا َوأُ ُز ُرنَا َت ْح َت ا ْل ِح َج َار ِة‪ ،‬فَ ِإ َذا َغ ِش َينَا النَّ ُ‬
‫َو ُم َح َّمد ‪ ،‬قُ َّدا ِمي ل َ ْي َس َعلَ ْيه ِ ــ يَ ْع ِني ِإ َزار ــ قَ َال‪ :‬فَ َخ َّر فَا ْن َب َط َح‬
‫الس َم ِاء َوقَ ْف ُت‬ ‫َعلَى َو ْج ِهه ِ‪ ،‬فَ ِج ْئ ُت أَ ْس َعى َوأَ ْل َق ْي ُت َح َجرِي َو ُه َو يَ ْن ُظ ُر ِإلَى َّ‬
‫ِيت أَ ْن أَ ْم ِش َي ُع ْريَانا<‬ ‫فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ما َش ْأنُ َك؟ قَ َال‪ :‬فَ َق َام فَأَ َخ َذ ِإ َز َار ُه َوقَ َال‪> :‬نُه ُ‬
‫اس َم َخافَ َة أَ ْن يَ ُقولُوا‪َ :‬م ْجنُون(‪.)5‬‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ ُك ْن ُت أَ ْك ُت ُم َها النَّ َ‬
‫ورغم أن الحادثة كانت قبل المبعث‪ ،‬وفي شباب العباس ‪‬‬

‫حيث لم يبلغ وقتها العشرين من عمره‪ ،‬حيث قيل‪ :‬إن عمر النبي‬
‫‪ ‬كان وقتها خمس عشرة سنة‪ ،‬والعباس أكبر من النبي‬
‫‪ ‬بثالث سنوت فيكون عمره على هذا النحو ثمان عشرة‬
‫سنة(‪ .)2‬إال أنها تدل على رجاحة عقل العباس وبُعد نظره‪ ،‬وذلك ظاهر‬
‫من ر ِّد فعله حين سمع مقالة النبي ‪ :‬نهيت أن أمشي عريانا‪..‬‬
‫فكتمها العباس مخافة أن يقولوا‪ :‬مجنون‪ ،‬وفي رواية‪ :‬قلت‪ :‬اكتمها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشيد‪ :‬بالكسر‪ ،‬ما يطلى على الحائط من جص أو غيره‪( .‬الصحاح ‪ /‬شيد)‪.‬‬ ‫(‪ِّ )1‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني‪ :‬ح (‪ )222‬والبيهقي في الدالئل‪.22/5 :‬‬
‫وأخرج ابن حبان في صحيحه نحوا منه من حديث جابر بن عبد اهلل‪ ،‬ح (‪.)5221‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬فتح الباري البن رجب‪.231/5 :‬‬

‫‪120‬‬
‫العباس ‪ ‬يف مكة‬

‫الناس مخافة أن يقولوا‪ :‬مجنون(‪.)1‬‬


‫حيث فهم العباس من هذا أن النهي الوارد إلى النبي ‪ ‬لم‬
‫يكن من مصدر معلوم له؛ ألن مسألة التعري عندهم كانت جائزة‪،‬‬
‫ورغم أنهم في الجاهلية كانوا يتسامحون في النظر إلى العورات(‪ .)5‬إال‬
‫أنه علِم بنظره الثاقب أنه إن شاعت هذه المقولة فإن قريشا لن تتمالك‬
‫نفسها ولن تدع النبي ‪ ‬إال بعد أن تذيقه من مرارة لسانها‪،‬‬
‫وقبيح فعلها‪ ،‬فسارع إلى النبي ‪ ‬ناصحا بقوله‪> :‬اكتمها<‪ ..‬أو‬
‫أنه بادر إلى نفسه محدثا إياها بكتمان ما سمع من النبي ‪ ‬على‬
‫اختالف في الروايات الواردة في ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬جعفر في كفالة العباس‪:‬‬


‫وقصة ذلك تتلخص في أن أبا طالب كان ذا عيا ٍل ولم يكن ميسور‬
‫الحال‪ ،‬وزاد عليه أن اجتاحت مكة أزمة شديدة أثَّرت عليهم‪،‬‬
‫وباألخص على فقرائهم الذين كان من بينهم أبو طالب‪ ،‬فكان يعاني‬
‫شظفا في العيش وقلة في الرزق‪.‬‬
‫ولم يقف النبي ‪ ‬مكتوفا أمام هذه الشدة التي اعترت عمه‬
‫عمه العباس للمساهمة‬ ‫ألمت به‪ ،‬فانبرى ومعه ّ‬
‫أبا طالب‪ ،‬والمحنة التي َّ‬
‫في تخفيفها‪ ،‬واقترح على العباس أن يكفل كل منهما ابنا من أبناء أبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري البن رجب‪.232/5 :‬‬
‫(‪ )5‬شرح البخاري البن بطال‪.55/5 :‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس ‪ ‬يف مكة‬

‫طالب‪ ،‬فأذعن العباس للنجدة وارعوى لألمر‪ ،‬ووافق على المطلب‪،‬‬


‫فأخذ النبي ‪ ‬عليا‪ ،‬وأخذ العباس جعفرا‪.‬‬
‫عن ُم َح َّم ِد ْب ِن ِإ ْس َح َاق‪َ ،‬ح َّدثَ ِني ْاب ُن أَبِي‬ ‫روى الحاكم بسنده ْ‬
‫نَ ِجي ٍح‪َ ،‬ع ْن ُم َجا ِه ِد ْب ِن َج ْب ٍر أَبِي ا ْل َح َّجا ِج‪ ،‬قَ َال‪َ :‬كا َن ِم ْن نِ َعمِ اهلل ِ َعلَى‬
‫َعلِ ِّي ْب ِن أَبِي طَالِ ٍب ‪َ ‬ما َصنَ َع اهللُ ل َ ُه َوأَ َر َاد ُه بِه ِ ِم َن ا ْل َخ ْيرِ أَ َّن قُ َر ْيشا‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫أَ َصابَ ْت ُه ْم أَزمة َش ِدي َدة‪َ ،‬و َكا َن أَبُو طَالِ ٍب ِفي ِع َيا ٍل َك ِثي ٍر‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫س‪َ :‬و َكا َن ِم ْن أَ ْي َسرِ بَ ِني َه ِاش ٍم يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل > ِإ َّن‬ ‫‪ ‬لِ َع ِّمه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اس َما َت َرى ِم ْن َه ِذ ِه ْاألَ ْز َمةِ‪،‬‬ ‫اب النَّ َ‬ ‫أَ َخا َك أَبَا طَالِ ٍب َك ِث ُير ا ْل ِع َيا ِل‪َ ،‬وقَ ْد أَ َص َ‬
‫آخذ ِم ْن بَ ِنيه ِ َر ُجال‪َ ،‬و َت ْأ ُخذُ أَ ْن َت‬ ‫فَا ْنطَلق بِنَا ِإل َ ْيه ِ نُ َخ ِّف ُف َع ْن ُه ِم ْن ِع َيالِه ِ‪ُ ،‬‬
‫اس‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَا ْنطَلَ َقا َح َّتى أَ َت َيا أَبَا طَالِ ٍب‪،‬‬ ‫َر ُجال فَنَ ْك ُفلُ ُه َما َع ْن ُه< فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫س َما‬ ‫فَ َق َاال‪ِ :‬إنَّا نُرِي ُد أَ ْن نُ َخ ِّف َف َع ْن َك ِم ْن ِع َيالِ َك َح َّتى َت ْن َك ِش َف َع ِن النَّا ِ‬
‫اصنَ َعا َما ِش ْئ ُت َما‪،‬‬ ‫ُه ْم ِفيه ِ‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه َما أَبُو طَالِ ٍب‪ِ :‬إ َذا َت َر ْك ُت َما لِي َع ِقيال فَ ْ‬
‫فَأَ َخ َذ ر ُس ُ ِ‬
‫اس َج ْع َفرا فَ َض َّم ُه‬ ‫ول اهلل ‪َ ‬علِ ًّيا فَ َض َّم ُه ِإل َ ْيه ِ‪َ ،‬وأَ َخ َذ ا ْل َع َّب ُ‬ ‫َ‬
‫ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَلَ ْم يَ َز ْل َعلِي َم َع َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬ح َّتى بَ َع َث ُه اهللُ نَب ًِّيا فَا َّت َب َع ُه‬
‫س َح َّتى أَ ْسلَ َم‪،‬‬ ‫اس َج ْع َفرا‪َ ،‬ول َ ْم يَ َز ْل َج ْع َفر َم َع ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َو َص َّدقَ ُه‪َ ،‬وأَ َخ َذ ا ْل َع َّب ُ‬
‫َو ْاس َت ْغنَى َع ْن ُه(‪.)1‬‬
‫أحس النبي ‪ ‬ومعه العباس ‪ ،‬بما يكابده أبو‬ ‫لقد َّ‬
‫وقلب مطمئ ٍن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫طالب من أعباء الحياة وأثقالها فهرعا إليه بنيةٍ صادقةٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )0202‬واللفظ له‪ ،‬والطبري في التاريخ‪،25/5 :‬‬
‫‪ 23‬ــ والكالعي في االكتفاء‪.152/1 :‬‬

‫‪123‬‬
‫العباس ‪ ‬يف مكة‬

‫وذاكرة نبوية لم تنس صنيع أبي طالب معها؛ ليشاطراه همومه وأعباءه‪،‬‬
‫وكانت نتيجة ذلك أن انتقل علي ‪ ‬للعيش مع النبي ‪،‬‬
‫وجعفر للعيش مع العباس ‪.‬‬

‫وهكذا كفل النبي ‪ ‬عليا‪ ،‬والعباس جعفرا‪ ،‬وظل جعفر‬


‫عند العباس إلى أن أسلم واستغنى عنه‪ ،‬فهي كفالة إلى حين اكتفاء‪،‬‬
‫ورعاية إلى حين استغناء‪ ،‬وال يقوم بها في الغالب إال محبا‪ ،‬كريما‪،‬‬
‫مختارا ال مضطرا ومجبرا‪.‬‬

‫** ** **‬

‫‪122‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫العباس وريث جمدٍ تليد وسليل بيتٍ محيد‬

‫‪ ‬العباس والسقاية‬
‫ورث العباس المجد كابرا عن كابر‪ ،‬كيف ال؟ وهو من ساللة‬
‫شرف وبيت مجد وسؤدد‪َّ ،‬توجه اإلسالم‪ .‬ويكفينا حديث مسلم َع ْن‬
‫ول اهلل ِ‬‫ول‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫أَبِي َع َّما ٍر َش َّدا ٍد‪ ،‬أَنَّ ُه َس ِم َع َواثِلَ َة ْب َن ْاألَ ْس َق ِع‪ ،‬يَ ُق ُ‬
‫اصطَ َفى‬ ‫اصطَ َفى ِكنَانَ َة ِم ْن َول َ ِد ِإ ْس َما ِع َيل‪َ ،‬و ْ‬ ‫ول‪ِ > :‬إ َّن اهللَ ْ‬ ‫‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫اص َط َفانِي ِم ْن بَ ِني‬
‫ش بَ ِني َه ِاش ٍم‪َ ،‬و ْ‬ ‫اص َط َفى ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬ ‫قُ َر ْيشا ِم ْن ِكنَانَ َة‪َ ،‬و ْ‬
‫َه ِاش ٍم<(‪.)1‬‬
‫فالعباس ‪ ‬من صفوة بني هاشم‪ ،‬بل إنه وكما روى ابنه ــ ابن‬
‫عباس ــ كان ال َّ ِذي يَلِي أَ ْم َر بَ ِني َه ِاش ٍم(‪.)5‬‬
‫وقد حظي العباس ‪ ‬بمآثر كثيرة‪ ،‬لعل من أبرزها أنه صاحب‬
‫العمارة والسقاية‪.‬‬
‫ويقصد بالعمارة‪ :‬أنه كان ال يدع أحدا يستب في المسجد الحرام‬
‫وال يقول فيه هجرا‪ :‬يحملهم على عمارته في الخير‪ ،‬ال يستطيعون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪.)5550‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات‪.25/2 :‬‬

‫‪112‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫لذلك امتناعا؛ ألن قريش اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك وسلموا له ذلك‬
‫وكانوا له أعوانا(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي تفصيل وتأريخ لسقاية العباس باعتبارها من أهم مفاخره‬
‫قبل اإلسالم وبعده‪.‬‬

‫* تعريف السقاية‪:‬‬
‫السقاية المنسوبة للعباس ‪ ‬هي سقي الحجيج الماء‪ ،‬وهي‬
‫مشتقة من الفعل سقى الذي يدل في اللغة على إشراب الشيء الماء‪،‬‬
‫وما أشبهه(‪.)5‬‬
‫الس ْقيا بالضم‪ ..‬ويقال‪:‬‬ ‫الس ْق ُي معروف واالسم ُّ‬ ‫قال ابن منظور‪َّ :‬‬
‫ماشيته ِ وأَ ْر ِضه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والجمع‬
‫ُ‬ ‫الس ْق ُي بالكسر‬
‫واالس ُم ِّ‬‫ْ‬ ‫َس َق ْيته َلش َفته وأَ ْس َق ْيته ل َ‬
‫وقت‬ ‫والم ْسقى ُ‬‫الس ْقي‪َ ..‬‬ ‫موضع َّ‬
‫ُ‬ ‫والسقاية‬
‫السحابة‪ِّ ..‬‬ ‫األَ ْس ِق َي ُة‪ ..‬وهي َّ‬
‫اإلناء‬
‫ُ‬ ‫للجرار والكيزان ُت َعلَّق عليه‪ِّ ..‬‬
‫والسقاي ُة‬ ‫الس ْق ِي وال ِم ْسقا ُة ما يُ َّتخذ ِ‬
‫َّ‬
‫السقاي ُة إناء يُشرب فيه‬ ‫وسقاية الحا ِّج َس ْق ُيهم الشراب‪ِّ ..‬‬ ‫يُ ْسقى به‪ِ ..‬‬
‫وسقاية الماء معروفة(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫وقال ابن األثير‪ :‬سقاية الحاج ما كانت قريش تسقيه الحاج من‬
‫الزبيب المنبوذ في الماء‪ ،‬وكان يليها عباس بن عبد المطلب في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الوافي بالوفيات‪.222/2 :‬‬
‫(‪ )5‬معجم مقاييس اللغة‪.32/2 :‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب‪.222/12 :‬‬

‫‪111‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫الجاهلية واإلسالم(‪.)1‬‬
‫إذن فالسقاية هي ما يبنى للماء‪ ،‬وهي حياض من أدم لسقيا‬
‫الحجيج‪ ،‬كانت على عهد قصي بن كالب توضع بفناء الكعبة‪ ،‬ويستقى‬
‫فيها الماء العذب من اآلبار على اإلبل‪ ،‬وأحيانا يضاف إليه شيء من‬
‫الزبيب‪.‬‬
‫حيث كانوا يملؤون للحجاج حياضا من الماء‪ ،‬يحلُّونها بشيء من‬
‫التمر والزبيب‪ ،‬فيشرب الناس منها إذا وردوا مكة(‪.)5‬‬
‫إذن فالسقاية من حيث األصل سقي الحجيج الشراب‪ ،‬ثم اختص‬
‫هذا األمر بسقيهم من بئر زمزم‪.‬‬
‫وأخرج الفاكهي عن عطاء‪ ،‬قال‪ :‬سقاية الحاج زمزم(‪.)2‬‬
‫وقد ثبت أن النبي ‪ُ ‬سقي منها‪ ،‬ففي البخاري َع ِن‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫س ‪َ ‬ح َّدثَ ُه قَ َال‪َ > :‬س َق ْي ُت َر ُس َ‬ ‫الش ْعب ِِّي‪ ،‬أَ َّن ْاب َن َع َّبا ٍ‬
‫َّ‬
‫اصم‪ :‬فَ َحلَ َف ِع ْكر َِم ُة َما َكا َن يَ ْو َم ِئ ٍذ‬‫ِم ْن َز ْم َز َم‪ ،‬فَ َشر َِب َو ُه َو قَائِم< قَ َال َع ِ‬
‫ِإ َّال َعلَى بَ ِعي ٍر(‪.)2‬‬
‫للحجاج على طريق‬
‫ّ‬ ‫ويلحق بالسقاية الرفادة وهي‪ :‬طعام كان يصنع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النهاية البن األثير‪ 232/5 :‬ــ ‪.231‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫راجع‪ :‬محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية للخضري‪.20/1 ،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫راجع‪ :‬فتح الباري‪ 221/2 ،‬ــ عمدة القاري‪.552/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)1025‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪115‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫قصيا على ذلك بما تق ّدمه له من الخرج‬


‫الضيافة؛ وكانت قريش تساعد ّ‬
‫الذي تخرجه كل سنة(‪.)1‬‬
‫الرفَ َاد ُة فَ َخ ْرج َكانَ ْت قُ َر ْيش ُت ْخر ُِج ُه ِم ْن أَ ْم َوالِ َها‬
‫وقال األزرقي‪َ :‬وأَ َّما ِّ‬
‫ِفي ُك ِّل َم ْو ِس ٍم‪ ،‬فَ َت ْدفَ ُع ُه ِإلَى قُ َصي يَ ْصنَ ُع بِه ِ ط ََعاما لِ ْل َحا ِّج‪ ،‬يَ ْأ ُكلُ ُه َم ْن ل َ ْم‬
‫يم أَ ْم ُر ُه ِفي قَ ْو ِمه ِ بَ ْع َد َوفَاتِه ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ُك ْن َم َع ُه َس َعة َو َال َزاد‪ ،‬فَلَ َّما َهلَ َك قُ َصي أُق َ‬
‫َعلَى َما َكا َن َعلَ ْيه ِ ِفي َح َياتِه ِ(‪.)5‬‬
‫وأصل ذلك ما ذكره ابن إسحاق أَن قصيا فَرضه َعلَ ْيهِم‪ ،‬فَ َق َال‬
‫ش‪ِ ،‬إنَّ ُك ْم ِج َيرا ُن اهلل‪َ ،‬وأهل َمكَّة َوأهل ا ْلحرم‪َ ،‬و ِإن‬ ‫ل َ ُه ْم‪ :‬يَا َم ْع َش َر قُ َر ْي ٍ‬
‫الض َيافَةِ‪ ،‬فَ ْ‬
‫اج َعلُوا ل َ ُه ْم ط ََعاما‬ ‫ا ْلح َّجاج َض ْي ُف اهلل ِ َو ُز َّو ُار بَ ْي ِته ِ‪َ ،‬و ُه ْم أَ َح ُّق بِ ِّ‬
‫َو َش َرابا أَيَّ َام ا ْل َح ِّج َح َّتى يَ ْص ُد ُروا َع ْن ُك ْم‪ .‬فَ َف َعلُوا‪ ،‬فَ َكانُوا يُ ْخر ُِجو َن لِ َذلِ َك‬
‫ِفي ُك ِّل َعامٍ ِم ْن أَ ْم َوالِه ِْم َخ ْرجا فَ َي ْدفَ ُعونَ ُه ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَ َي ْصنَ ُع ُه ط ََعاما لِلنَّا ِ‬
‫س أَيَّ َام‬
‫اإل ْس َال ُم‪ ،‬ثُ َّم َج َرى ِفي‬ ‫ِمنى‪ ،‬فَ َج َرى َذلِ َك ِم ْن أَ ْمرِهِ ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ َح َّتى قَ َام ْ ِ‬
‫الس ْل َطا ُن ُك َّل َعامٍ بِ ِمنى‬ ‫اإل ْس َالمِ ِإلَى يَ ْو ِم َك َه َذا‪ ،‬فَ ُه َو الطَّ َع ُام ال َّ ِذي يَ ْصنَ ُع ُه ُّ‬ ‫ِْ‬
‫س َح َّتى يَ ْن َق ِض َي ا ْل َح ُّج‪ .‬قُ ْل ُت‪ :‬ــ ابن كثير ــ ثُ َّم ا ْن َقطَ َع َه َذا بَ ْع َد ْاب ِن‬ ‫لِلنَّا ِ‬
‫ِإ ْس َح َاق(‪.)2‬‬
‫والرفادة ال تفترق عن السقاية من حيث تعلقهما بالحاج؛ فإذا ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية للخضري‪.20/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬أخبار مكة‪.122/1 :‬‬
‫(‪ )2‬السيرة النبوية‪ :‬ابن كثير‪.23/1 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫أطلقت السقاية فإنها تحمل معها الرفادة حتى وإن لم ينص عليها‪ ،‬تماما‬
‫كالحال مع اللواء والسدانة‪.‬‬
‫الش ْي َئ ْي ِن دون قرينه أَع ِني الس َدانَة‬
‫ورد في الفائق‪َ :‬و ِإنَّ َما ذكر أحد َّ‬
‫ِ‬
‫حدهما من‬‫دون الل َِّواء والسقاية دون الرفادة ألَنَّ ُه َما َال يفترقان َو َال يَ ْخلُو أَ َ‬
‫احد متضمنا لذكر ال َّثانِي(‪.)1‬‬ ‫َصاحبه فَ َكا َن ذكر ا ْلو ِ‬
‫َ‬
‫‪ ‬السقاية شرف ال يجادل فيه أحد‬
‫عرفت قريش في جاهليتها بعض المآثر والمفاخر‪ ،‬والتي تمثلت‬
‫في‪ :‬العمادة والعقاب والرفادة والحجابة والندوة واللواء والمشورة‬
‫واإلساف والقبة واألعنة واأليسار والحكومة واألموال المحجرة لآللهة‪.‬‬
‫وكانت السقاية من مكارم قريش في الجاهلية ومآثرها‪ ،‬حيث‬
‫حازت قريش كثيرا من المكارم والمفاخر التي وزعت على بطونها‪،‬‬
‫وإليك البيان‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ السقاية وعمارة المسجد الحرام‪ :‬وكانت للعباس بن‬
‫عبد المطلب من بني هاشم‪ ،‬فكان يسقي الحجيج‪ ،‬وكانت له العمارة‪،‬‬
‫وهي أن ال يتكلم أحد ِفي المسجد الحرام برفث وال هجر‪ ،‬وال يُرفع‬
‫صوت‪.‬‬
‫العقاب‪ :‬وهي راية حرب قريش‪ ،‬وإذا‬
‫‪ 5‬ــ راية الحرب وتدعى ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفائق في غريب الحديث واألثر‪.55/1 :‬‬

‫‪112‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫كانت عند رجل أخرجها إذا حميت الحرب‪ ،‬فإن اجتمعت قريش َعلَى‬
‫أحد أعطوه العقاب‪ ،‬وكانت عند أبي سفيان بن حرب من بني أمية‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ الرفادة‪ :‬وهي مال كانت تخرجه قريش من أموالها وترفد بِه ِ‬
‫الرفادة إلى الحارث بن عامر من بني نوفل‪.‬‬
‫منقطعي الحاج‪ ،‬وكانت ِّ‬
‫‪ 2‬ــ المشورة‪ :‬وهي أن رؤساء قريش لم يكونوا يجتمعون َعلَى أمر‬
‫َح َّتى يعرضوه على صاحب مشورتهم‪ ،‬فإن وافقه واالهم َعلَ ْيه ِ‪ ،‬وإال‬
‫تخير(‪ )1‬فكانوا أعوانا‪ ،‬وكانت المشورة إلى يزيد بن زمعة بن األسود‬‫ّ‬
‫ابن المطلب من بني أسد‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ اإلساف واألشناق‪ :‬وهي الديات والمغرم‪ ،‬وكانت ألبي بكر‬
‫الصديق من بني تيم‪ .‬فكان إذا احتمل شيئا يسأل فيه قريشا‪ ،‬وإن أحمله‬
‫غيره خذلوه‪.‬‬
‫السدانة(‪ :)5‬الخزانة مع الحجابة واللواء‪ ،‬وكانت ِسدانة البيت‬
‫‪ 0‬ــ َّ‬
‫واللواء إلى عثمان بن طلحة بن عبد العزى من بني عبد الدار‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ القبة واألعنة‪ :‬وكانت إلى خالد بن الوليد من بني مخزوم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وفي نسخة >تراخانة< من نسخ المنتظم (وإال ترك)‪ :‬ونسخة تراخانة‪ .‬تتكون من ‪022‬‬
‫ورقة من القطع الكبير‪ .‬خطها دقيق جدا يصعب قراءته‪ .‬وقد رمز لها محققا كتاب‬
‫المنتظم بـ (ت) (راجع مقدمة المنتظم ‪ 25/1‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬مصطفى‬
‫عبد القادر عطا)‪.‬‬
‫(‪ )5‬السدانة‪ :‬هي خدمة الكعبة وتولي أمرها وفتح بابها وإغالقه يقال‪ :‬سدن يسدن فهو‬
‫سادن والجمع سدنة‪( .‬النهاية ‪ /‬سدن)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫فأما القبة فإنهم كانوا يضربونها‪ ،‬ثم يجمعون إليها ما يجهزون به‬
‫الجيش‪ ،‬وأما األعنة فإنه كان على خيل قريش ِفي الحرب‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ السفارة‪ :‬وكانت في الجاهلية لعمر بن الخطاب من بني‬
‫عدي‪ .‬وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم حرب بعثوه سفيرا‪ ،‬أو إن‬
‫نافرهم حي بعثوه مفاخرا‪ ،‬ورضوا به‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ األيسار وهي األزالم‪ :‬وكانت إلى صفوان بن أمية من بني‬
‫جمح‪ .‬فكان هو الذي يجري ذلك َعلَى يديه‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ الحكومة واألموال‪ :‬وكانت إلى الحارث بن قيس من بني‬
‫سهم‪ .‬حيث كانوا يعطونه الحكومة واألموال التي يسمونها آللهتهم‪.‬‬
‫وجاء اإلسالم فوصل ما يصلح وصله من هذه المآثر‪ ،‬وكذلك كل‬
‫شرف من شرف الجاهلية أدركه اإلسالم فوصله(‪.)1‬‬
‫وهكذا فقد كانت سقاية الحاج في الجاهلية وعمارة المسجد‬
‫الحرام في بني هاشم إضافة إلى حلول الثغر‪ ،‬فأما حلول الثغر فإن‬
‫قريشا لم تكن تملك عليها في الجاهلية أحدا فإذا كانت الحرب أقرعوا‬
‫بين أهل الرئاسة فإذا حضرت الحرب أجلسوه ال يبالون صغيرا أو كبيرا‬
‫أجلسوه تيمنا به‪ ،‬فلما كان أيام الفجار أقرعوا بين بني هاشم فخرج‬
‫سهم العباس وهو غالم فأجلسوه على ترس‪.)5(...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬المنتظم البن الجوزي‪ 510/5 ،‬ــ ‪ 515‬ــ وراجع‪ :‬تاريخ مدينة دمشق‪:‬‬
‫‪ 532/50‬ــ ‪.532‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ مدينة دمشق‪ 532/50 :‬ــ ‪ .532‬في األصل‪ :‬على ترس‪ ،‬وفي النسخة=‬

‫‪110‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫فلم تزل هذه المناصب في قريش إلى أن جاء اإلسالم‪ ،‬ودخل‬


‫رسول اهلل ‪ ‬مكة عام الفتح عام ثمان من الهجرة‪ ،‬وقد صارت‬
‫الحجابة إلى عثمان بن أبي طلحة من بني عبد الدار‪ ،‬وصارت السقاية‬
‫إلى العباس بن عبد المطلب‪ ،‬فأقرهما النبي ‪ ‬على ما في‬
‫أيديهما‪.‬‬
‫فبعد الفتح أبطلت جميع وظائف قريش إال السقاية والحجابة‬
‫وذلك لقيام الدولة اإلسالمية وتوليها تلك الوظائف‪ .‬قال سعيد بن‬
‫المسيب‪ :‬لما دخل رسول اهلل ‪ ‬مكة ففتحها‪ ،‬أخذ المفتاح بيده‬
‫ثم قام للناس‪ ،‬فقال‪ :‬هل من متكلم؟ هل من أحد يتكلم؟ قال‪ :‬فتطاول‬
‫العباس ورجال من بني هاشم رجاء أن يدفعها إليهم مع السقاية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقال لعثمان بن طلحة‪ :‬تعال‪ .‬قال‪ :‬فجاء فوضعها في يده(‪.)1‬‬
‫وال أدل على فضل السقاية وشرفها مما رواه البخاري في صحيحه‬
‫اء‬ ‫س ‪ :‬أَ َّن ر ُس َ ِ‬ ‫بسنده َع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ول اهلل ‪َ ‬ج َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫اس‪ :‬يَا فَ ْض ُل‪ ،‬ا ْذ َه ْب ِإلَى أُ ِّم َك فَ ْأ ِ‬ ‫الس َقايَةِ فَ ْاس َت ْس َقى‪ ،‬فَ َق َال َ‬
‫الع َّب ُ‬ ‫ِإلَى ِّ‬
‫ول‬ ‫اب ِم ْن ِع ْن ِد َها‪ ،‬فَ َق َال‪ْ > :‬اس ِق ِني<‪ ،‬قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِ َش َر ٍ‬ ‫َر ُس َ‬
‫اهلل ِ‪ِ ،‬إنَّ ُه ْم يَ ْج َعلُو َن أَ ْي ِديَ ُه ْم ِفيه ِ‪ ،‬قَ َال‪ْ > :‬اس ِق ِني<‪ ،‬فَ َشر َِب ِم ْن ُه‪ ،‬ثُ َّم أَ َتى‬
‫َز ْم َز َم َو ُه ْم يَ ْس ُقو َن َويَ ْع َملُو َن ِف َيها‪ ،‬فَ َق َال‪ْ > :‬اع َملُوا فَ ِإنَّ ُك ْم َعلَى َع َم ٍل‬
‫الح ْب َل َعلَى َه ِذهِ<‬ ‫َصالِ ٍح< ثُ َّم قَ َال‪> :‬ل َ ْوالَ أَ ْن ُت ْغلَ ُبوا لَنَ َز ْل ُت‪َ ،‬ح َّتى أَ َض َع َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= المطبوعة‪ :‬فأجلسوه على كرسي‪ ،‬وفي المنتظم (‪ :)513/5‬على الفرس‪.‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪.232/23 :‬‬

‫‪115‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫يَ ْع ِني‪َ :‬عاتِ َق ُه‪َ ،‬وأَ َش َار ِإلَى َعاتِ ِقه ِ(‪.)1‬‬

‫‪ ‬السقاية نظرة تاريخية‪( :‬السقاية عبر آباد الزمن)‪.‬‬


‫أصل السقاية مرتبط ببئر زمزم بعد قدوم إبراهيم خليل الرحمن‬
‫إلى مكة بأمر من ربه ومعه زوجه هاجر وولده إسماعيل ــ كما هو‬
‫معروف ومشهور ــ ثم تخليته لهما بأمر من ربه في هذا المكان‪ ،‬وظهور‬
‫بئر زمزم من تحت قدم نبي اهلل إسماعيل بن خليل الرحمن نبي اهلل‬
‫إبراهيم ‪ ،‬ولو لم تحوطه هاجر بيديها وتحفر له لكان عينا‬
‫تجري(‪ ،)5‬ثم بناء إبراهيم البيت الحرام بأمر من المولى تعالى‪،‬‬
‫ومجاورة بعض القبائل العرب للبيت وللبئر‪ ،‬وكانت أولى هذه القبائل‬
‫قبيلة جرهم‪ ،‬ثم وفودهم على البيت الحرام‪ ،‬وقد حافظ إسماعيل على‬
‫بئر زمزم هو وأبناؤه عليها إلى أن استخفت قبيلة جرهم بالحرم وتهاونت‬
‫بحرمة البيت الحرام‪ ،‬عندها شاء اهلل لماء زمزم أن ينضب وينقطع‪ ،‬ولم‬
‫يزل موضعه يدرس ويتقادم وتمر عليه السيول عصرا بعد عصر حتى‬
‫خفي مكانه‪ ،‬ثم سلط اهلل عليهم قبيلة خزاعة التي أخرجتهم من الحرم‬
‫ووليت عليهم الكعبة‪ ،‬وموضع زمزم كما هو مدروس مطموس(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)1022‬‬
‫(‪ )5‬روى البخاري في صحيحه‪ :‬ح (‪ )2132‬في قصة هاجر أن جبريل‪ :‬غمز عقبه على‬
‫األرض قال‪ :‬فانبثق الماء‪ ،‬فدهشت أم إسماعيل‪ ،‬فجعلت تحفر قال‪ :‬فقال أبو القاسم‬
‫‪( :‬لو تركته كان الماء ظاهرا)‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬أخبار مكة لألزرقي‪ 32/1 ،‬ــ ‪ 125‬ــ أخبار مكة للفاكهي‪ 22/2 :‬ــ ‪.125‬‬

‫‪113‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫وكانت قريش وقتها تشرب من آبار أخرى ليست تضاهي بئر زمزم‬
‫وال ينافس ماؤها ماءها‪.‬‬
‫‪ ‬قص ي والسقاية‬
‫تبدأ قصة السقاية مع قصي بن كالب الجد الخامس للنبي‬
‫تجمع لهذا الرجل جملة من الفضائل والمكارم التي‬
‫‪ ،‬حيث َّ‬
‫لم يحظ بها أحد ممن عاصره من مكة‪.‬‬
‫اب ُم ْلكا‪،‬‬ ‫قال األزرقي‪َ :‬كا َن قُ َصي أَ َّو َل َر ُج ٍل ِم ْن بَ ِني ِكنَانَ َة أَ َص َ‬
‫الس َقايَ ُة‪َ ،‬والنَّ ْد َو ُة‪،‬‬ ‫َوأَطَا َع ل َ ُه بِه ِ قَ ْو ُم ُه‪ ،‬فَ َكانَ ْت ِإل َ ْيه ِ ا ْل ِح َجابَ ُة‪َ ،‬و ِّ‬
‫الرفَ َاد ُة َو ِّ‬
‫َوالل َِّو ُاء‪َ ،‬وا ْل ِق َي َاد ُة‪ ،‬فَلَ َّما َج َم َع قُ َصي قُ َر ْيشا بِ َم َّك َة ُس ِّم َي ُم َج ِّمعا(‪.)1‬‬
‫مجمعا لهذا‬ ‫ِّ‬ ‫وبهذا حاز قصي شرف مكة كله جميعا‪ .‬فسمى‬
‫السبب‪ ،‬وقيل‪ :‬لجمعه قومه أي ألنه جمع قومه بعد تفرقهم‪ .‬وفي ذلك‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ــن ِف ْهـــرِ‬ ‫ــع اهللُ ا ْل َق َبائِـ َ‬
‫ــل ِمـ ْ‬ ‫أَبُــو ُك ْم قُ َصــي َكــا َن يُـ ْـد َعى ُم َج ِّمعــا بِــه ِ َج َمـ َ‬
‫ــتم بَنـــو زيـــ ٍد وزيـــد أبـــوكم بِه ِ زيدت ا ْل َبط َْحاء فخرا على فَخر‬ ‫َوأَ ْنـ ُ‬
‫وبنى دار الندوة‪ .‬والندوة في اللغة‪ :‬االجتماع؛ ألنهم كانوا‬
‫يجتمعون فيها للمشورة وغير ذلك‪ ،‬فال تنكح امرأة وال يتزوج رجل من‬
‫قريش‪ ،‬وال يتشاورون في أمر إال في داره‪ ،‬وال يعقدون لواء حرب إال‬
‫فيها‪ ،‬يعقدها لهم قصي أو بعض بنيه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة لألزرقي‪.125/1 :‬‬

‫‪112‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫وكان قصي يسقي الحجيج في حياض من أدم ينقل إليها الماء من‬
‫ول(‪.)1‬‬‫بئر ميمون وغيرها خارج مكة‪ ،‬وذلك قبل أن يحفر ا ْل َع ُج َ‬
‫روى البالذري عن معروف بن خربوذ وغيره قالوا‪ :‬كانت قريش‬
‫قبل قصي تشرب من بئر حفرها لؤي بن غالب خارج مكة‪ ،‬ومن‬
‫حياض ومن مصانع على رؤوس الجبال ومن بئر حفرها مرة بن كعب‬
‫مما يلي عرفة‪ .‬فحفر قصي بئرا سماها العجول‪ ،‬وهي أول بئر حفرتها‬
‫قريش بمكة(‪.)5‬‬
‫اء بِ َم َّك َة‬
‫قال األزرقي‪ :‬و َكا َن قُ َصي َح َف َر بِ َم َّك َة آبَارا‪َ ،‬و َكا َن ا ْل َم ُ‬
‫اس ِم ْن آبَا ٍر َخار َِجةٍ ِم َن ا ْل َح َرمِ‪ ،‬فَأَ َّو ُل َم ْن َح َف َر‬ ‫َعزِيزا‪ِ ،‬إنَّ َما يَ ْش َر ُب النَّ ُ‬
‫ول‪َ ،‬كا َن َم ْو ِض ُع َها ِفي َدا ِر أُ ِّم َهانِ ٍئ‬ ‫قُ َصي بِ َم َّك َة‪َ ،‬ح َف َر بِ ْئرا يُ َق ُال ل َ َها ا ْل َع ُج ُ‬
‫ت ا ْل َع َر ُب ِإ َذا قَ ِد َم ْت َم َّك َة يَر ُِدونَ َها‪،‬‬ ‫ت أَبِي طَالِ ٍب بِا ْل َح ْز َو َر ِة‪َ ،‬و َكانَ ِ‬ ‫بِ ْن ِ‬
‫اج ُزو َن َعلَ ْي َها‪..‬‬ ‫فَ ُي ْس َق ْو َن ِم ْن َها َويَ َت َر َ‬
‫الر ْدمِ ْاألَ ْعلَى ِع ْن َد َدا ِر أَبَا َن ْب ِن ُع ْث َما َن‬ ‫َو َح َف َر قُ َصي أَ ْيضا بِ ْئرا ِع ْن َد َّ‬
‫اب ثُ َّم َدثَ َر ْت‪ ،‬فَنَ َثلَ َها ُج َب ْي ُر ْب ُن ُم ْط ِعمِ ْب ِن‬ ‫ش ْب ِن ِر َئ ٍ‬‫ال َّ ِتي َكانَ ْت ِآل ِل َج ْح ِ‬
‫اها(‪.)2‬‬ ‫اف َوأَ ْح َي َ‬‫ي ْب ِن نَ ْوفَ ِل ْب ِن َعب ِد منَ ٍ‬
‫َع ِد ِّ‬
‫ْ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ا ْل َع ُجول‪ :‬اسم بئر احتفرها قصي ِفي َدا ِر أُ ّم َهانِ ِئ ب ِْن ِ‬
‫ت أَبِي طَالِ ٍب‪َ ،‬و ِهي أَ ّولُ ِس َقايةٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اُ ْح ُت ِف َر ْت ب َِم ّك َة‪ .‬راجع‪ :‬الروض األنف‪.53/5 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البالذري في األنساب‪ ،21/1 :‬ح (‪ )120‬وانظر‪ :‬سبل الهدى والرشاد‪:‬‬
‫الصالحي الشامي‪ 552/1 ،‬ــ ‪ .550‬معجم البلدان‪ :‬الحموي‪.33/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أخبار مكة لألزرقي‪.112/1 :‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫ومن خالل ما سبق فقد أنشأ قصي بن كالب سقاية الحجيج‬


‫وتوالها بنفسه هو وأوالده‪ ،‬حيث كان ينقل الماء لسقي الحجيج من بئر‬
‫الع ُجول التي‬
‫ميمونة خارج مكة‪ ،‬ثم يوضع بفناء الكعبة إلى أن حفر بئر َ‬
‫س َّهلت عليه وعلى أوالده من بعده القيام بواجب السقاية وخدمة‬
‫الحجيج‪.‬‬
‫‪ ‬عبد مناف والسقاية‬
‫وتولى السقاية بعد قصي ولده عبد مناف‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬لما‬
‫ولي قصي بن كالب أَ ْم َر الكعبة كان إليه الحجابة والسقاية واللواء‬
‫والرفادة ودار الندوة‪ ،‬ثم تصالح بنوه على أن لعبد مناف السقاية‬
‫والرفادة‪ ،‬والبقية لآلخرين(‪.)1‬‬
‫وتحمل عبد مناف أعباء المهمة بعد والده قصي وقام بها خير‬ ‫َّ‬
‫قيام‪ ،‬فكان عبد مناف يتحمل الماء في الروايا والقرب إلى مكة ويسكبه‬
‫في حياض من أدم بفناء الكعبة للحاج(‪.)5‬‬
‫اء ِم ْن بِ ْئرِ َك ْر َآد َم‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫قال(‪)2‬األزرقي‪َ :‬كا َن ــ عبد مناف ــ يَ ْسقي ا ْل َم َ‬
‫وبئر ُخم على اإلبل في المزاد والقرب‪ ،‬ثم يسكب ذلك الماء في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فتح الباري‪.221/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فتح الباري‪ 225/2 :‬ــ ‪ ،222‬عمدة القاري للعيني‪.552/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫بئر َك ْر َآد َم‪ :‬يقع هذا البئر في شعب حواء‪ ،‬وهو شعب صغير يفرع من دقم الوبر إلى‬ ‫(‪)2‬‬
‫جهة العزيزية‪.‬‬
‫بئر ُخ ّم‪ :‬قريبة من ال ِميثَب حفرها ّمرة بن كعب بن ّ‬
‫لؤي‪ ،‬ال تزال هذه البئر قائمة إلى‬ ‫(‪)2‬‬
‫اليوم‪( .‬معجم البلدان‪.)232/5 :‬‬

‫‪151‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫حياض ِم ْن أَ َدمٍ بِ ِفنَ ِاء ا ْل َك ْع َبةِ‪ ،‬فَ َير ُِد ُه ا ْل َح ُّ‬


‫اج َح َّتى يَ َت َف َّرقُوا‪َ ،‬و َكا َن يُ ْس َت ْع َذ ُب‬
‫اء(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َذل َك ا ْل َم ُ‬
‫ولم تزل السقاية مع عبد مناف يقوم بها‪ ،‬فكان يسقي الماء من بئر‬
‫َك ْر َآد َم وغيره إلى أن مات‪.‬‬

‫‪ ‬هاشم والسقاية‪:‬‬
‫وولي أمر السقاية بعد عبد مناف ابنه هاشم‪ ،‬وقام بها هاشم خير‬
‫قيام أيضا‪ ،‬وحفر عدة آبار يسقي منها الحجيج‪.‬‬
‫اف بئر بَ َّذ َر‪َ ،‬وقَ َال ِح َ‬
‫ين َح َف َر َها‪َ :‬ألَ ْج َعلَنَّ َها‬ ‫ف َح َفر َه ِاشم ْبن َعب ِد منَ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س بَ َالغا‪.‬‬ ‫لِلنَّا ِ‬
‫َو َح َف َر َه ِاشم أَ ْيضا َس ْجلَة‪َ ،‬و ِه َي ا ْلب ُِير ال َّ ِتي يُ َقا ُل ل َ َها‪ :‬بِ ْئ ُر ُج َب ْيرِ ْب ِن‬
‫اف‪،‬‬ ‫م ْط ِع ٍم‪َ ،‬د َخلَ ْت ِفي َدا ِر ا ْل َقوارِيرِ‪ ،‬فَ َكانَ ْت َس ْجلَة لِ َه ِاشمِ ْب ِن َعب ِد منَ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين َح َف َر‬ ‫فَلَ ْم َت َز ْل لِ َول َ ِدهِ َح َّتى َو َه َب َها أَ َس ُد ْب ُن َه ِاش ٍم لِ ْل ُم ْط ِعمِ ْب ِن َع ِدي ِح َ‬
‫اف يَ ْس ِقي‬ ‫َعب ُد ا ْل ُمطَّلِ ِب َزم َز َم َو ْاس َت ْغنَ ْوا َع ْن َها‪ ..‬ولَم ي َز ْل َه ِاشم ْب ُن َعب ِد منَ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫اج َح َّتى ُت ُوف ِّ َي ‪.‬‬ ‫ا ْل َح َّ‬
‫‪ ‬املطلب والسقاية‪:‬‬
‫وبعد هاشم وليها أخوه المطلب بن عبد مناف‪.‬‬
‫روى ابن سعد‪ :‬أخبرنا محمد بن عمر بن واقد األسلمي قال‪ :‬كان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة لألزرقي‪.115/1 :‬‬
‫(‪ )5‬أخبار مكة لألزرقي‪.112/1 :‬‬

‫‪155‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫المطلب بن عبد مناف بن قصي أكبر من هاشم‪ ،‬ومن عبد شمس وهو‬
‫الذي عقد الحلف لقريش من النجاشي في متجرها‪ ،‬وكان شريفا في‬
‫قومه مطاعا سيدا‪ ،‬وكانت قريش تسميه الفيض لسماحته‪ ،‬فولي بعد‬
‫هاشم السقاية والرفادة وقال في ذلك‪:‬‬
‫ـــم نــــؤمر‬ ‫ــــغ لَـــــ َد ْي َك بَ ِنـــــي َه ِاشـــــ ٍم بِ َمــــا قَـ ْ‬
‫ـــد فَ َع ْلنَــــا َولَـ ْ‬ ‫أَ ْبلِـ ْ‬
‫ــــؤثَر‬
‫ــــم يُ ْ‬
‫إذ ُتــــرِ َك ا ْل َم ْجــــ ُد ل َ ْ‬ ‫أقمنـــا لنســـقي حجـــيج الحـــرام‬
‫(‪)1‬‬
‫َكـــــــأَنَّ ُه ْم بَ َقـــــــر ُت ْح َشـــــــر‬ ‫ـــــيج ألَ ْب َياتِنَـــــا‬
‫ـــــوق ا ْل َح ِج َ‬
‫نَ ُس ُ‬
‫سر إيثار عبد مناف ولده هاشم بالسقاية وتقديمه‬
‫وال ندري تحديدا َّ‬
‫على أخيه المطلب رغم أن هاشما هو األصغر‪ ،‬ولعل ذلك مرتبط‬
‫بالوضع المالي للمطلب‪ ،‬فلعله كان قليل الحظ من المال‪ ،‬مقارنة مع‬
‫أخيه‪ ،‬وهو ما جعل والده يؤثر أخاه عليه ويعهد إليه أمر السقاية رغم‬
‫صغره عن أخيه‪ ،‬وهو األمر الذي نلمحه في انتقال السقاية من أبي‬
‫طالب األخ األكبر إلى أخيه العباس كما سيأتي تفصيله‪.‬‬

‫‪ ‬عبد املطلب وحفر زمزم‬


‫توفي المطلب بن عبد مناف بردمان من أرض اليمن بعد أن خرج‬
‫إليها تاجرا(‪ ،)5‬وبعد وفاة المطلب تولى أمر السقاية ابن أخيه‬
‫عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬واسم عبد المطلب شيبة‪ ،‬وهو الذي أتى به‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪.31/1 :‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪ 31/1 :‬ــ ‪.32‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫المطلب من عند أخواله في المدينة‪ ،‬وهو الذي حفر بئر زمزم وسقى‬
‫منها الحجيج‪.‬‬

‫روى الفاكهي بسنده إلى ْابن ِإ ْس َحاق قَ َال‪ :‬ولي ِّ‬


‫الس َقايَة والرفادة‬
‫بعد ا ْلمطلب بن عبد منَاف عبد ا ْلمطلب بن َهاشم‪ ،‬وتزعم بَنو أَسد أَن‬
‫ا ْل ُح َو ْيرِث ْبن أَسد قد ولي الرفادة ِفي بعض ال َّز َمان‪َ ،‬وقد َكانَت بَنو أَسد‬
‫َتقول َذلِك َولم يسمع َذلِك بتاتا(‪.)1‬‬
‫وكان عبد المطلب في بادئ أمره يطعم الحاج ويسقيهم في حياض‬
‫من أدم بمكة‪ ،‬فلما حفر زمزم ترك السقي في الحياض بمكة وسقاهم‬
‫من زمزم حين حفرها وكان يحمل الماء من زمزم إلى عرفة فيسقيهم‪.‬‬
‫وفي حفره لزمزم قصة أوردها عبد الرزاق في مصنفه‪.‬‬
‫وفيها‪ :‬عن معمر عن الزهري قال‪ :‬إن أول ما ذكر من عبد المطلب‬
‫فارة من أصحاب‬ ‫جد رسول اهلل ‪ ‬أن قريشا خرجت من الحرم َّ‬
‫الفيل وهو غالم شاب فقال‪ :‬واهلل ال أخرج من حرم اهلل أبتغي العز في‬
‫غيره فجلس عند البيت وأجلت عنه قريش فقال‪:‬‬
‫ـامنَ ْع رحال َـ ْك‬ ‫ـرء يَ ْمنَـ ُـع َر ْحلَـ ُـه‪ ....‬فَـ ْ‬
‫اللهــم إن المـ َ‬
‫َال يَ ْغلِ َب َّن َصلِ ُيب ُه ْم‪َ ...‬و ِم َحـال ُ ُه ْم َغ ْـدوا ِم َحال َ ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫ـك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة للفاكهي‪.102/2 :‬‬
‫(‪ )5‬غدوا‪َ :‬غدا‪َ ،‬و ُه َو ا ْل َي ْوم الّذي يأتي بعد يَ ْومك‪ ،‬فحذفت المه‪َ ،‬ولم ْيس َت ْعمل َتاما ِإ َّال ِفي‬
‫محال‪ :‬ا ْل ُق َّوة والشدة‪.‬‬ ‫الش ْعر‪ .‬ا ْل َ‬
‫ّ‬

‫‪152‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫فلم يزل ثابتا حتى أهلك اهلل تبارك وتعالى الفيل وأصحابه فرجعت‬
‫قريش وقد عظم فيهم بصبره وتعظيمه محارم اهلل‪ ،‬فبينا هو على ذلك‬
‫ولد له أكبر بنيه فأدرك وهو الحارث بن عبد المطلب‪ ،‬فأتي‬
‫عبد المطلب في المنام فقيل له‪ :‬احفر زمزم خبيئة الشيخ األعظم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاستيقظ فقال‪ :‬اللهم بيِّن لي‪ ،‬فأُري في المنام مرة أخرى‪ :‬احفر زمزم‬
‫تكتم بين الفرث والدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبلة‬
‫األنصاب الحمر(‪ ،)1‬قال‪ :‬فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في‬
‫المسجد الحرام ينظر ما خبئ له من اآليات‪ ،‬فنحرت بقرة بالحزورة(‪،)5‬‬
‫فأفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في‬
‫موضع زمزم‪ ،‬فجزرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها‪ ،‬فأقبل‬
‫غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث في قرية النمل‪ ،‬فقام‬
‫عبد المطلب يحفر هنالك‪ ،‬فجاءته قريش فقالوا لعبد المطلب‪ :‬ما هذا‬
‫الصنيع لم نكن نزنك بالجهل‪ ،‬لم تحفر في مسجدنا؟ فقال عبد‬
‫المطلب‪ :‬إني لحافر هذه البئر ومجاهد من ص َّدني عنها‪ ،‬فطفق يحفر هو‬
‫وابنه الحارث‪ ،‬وليس له يومئذ ولد غيره‪ ،‬فيسعى عليهما ناس من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اح ِف ْر‬
‫آت فَ َق َال‪ْ :‬‬ ‫(‪ )1‬وفي رواية أخرى‪ :‬قَ َال َعب ُد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪ِ :‬إنِّي لَنَائِم ِفي ا ْل ِح ْج ِر ِإ ْذ أَ َتانِي ٍ‬
‫ْ‬
‫اءني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َْي َب َة‪ ،‬قَ َال‪َ :‬و َما ط َْي َب ُة؟ قَ َال‪ :‬ثُ َّم َذ َه َب َعنِّي فَ َر َج ْع ُت إلَى َم ْض َجعي‪ ،‬فَن ْم ُت‪ ،‬فَ َج َ‬
‫ْت‪َ :‬و َما بَ َّر ُة؟ قَ َال‪ :‬ثُ َّم َذ َه َب َعنِّي‪ ،‬فَلَ َّما َكا َن ِم َن ا ْل َغ ِد َر َج ْع ُت‬
‫اح ِف ْر بَ َّر َة؟ قَ َال‪ :‬قُل ُ‬
‫فَ َق َال‪ْ :‬‬
‫ْت‪َ :‬و َما َز ْم َز ُم‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫ِإلَى َم ْض َج ِعي‪ ،‬فَ ِن ْم ُت ِفيهِ‪ ،‬فَ َج َاءنِي‪ ،‬فَ َق َال‪ْ :‬‬
‫اح ِف ْر َز ْم َز َم؟ قَ َال‪ :‬قُل ُ‬
‫يج ْاأل َ ْع َظ َم‪ِ ،‬ع ْن َد قَ ْريَة ِ النَّ ْم ِل‪( .‬أخبار مكة‬ ‫َال َت ْنز ُِف أَبَدا‪َ ،‬و َال ُت َذ ُّم َت ْس ِقي ا ْل َح ِج َ‬
‫لألزرقي‪ 22/5 :‬ــ البداية والنهاية‪.)522/5 :‬‬
‫(‪ )5‬الحزورة‪ :‬سوق مكة وقد دخلت في المسجد ّلما زيد فيه‪( .‬معجم البلدان‪.)251/2 :‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫قريش فينازعونهما ويقاتلونهما‪ ،‬وينهى عنه الناس من قريش لما يعلمون‬


‫من عتق نسبه وصدقه واجتهاده في دينه يومئذ حتى إذا أمكن الحفر‬
‫واشتد عليه األذى نذر إن وفّي له بعشرة من الولدان ينحر أحدهم‪ ،‬ثم‬
‫حفر حتى أدرك سيوفا دفنت في زمزم‪ ،‬فلما رأت قريش أنه قد أدرك‬
‫السيوف فقالوا لعبد المطلب‪ :‬أحذنا(‪ )1‬مما وجدت‪ ،‬فقال عبد المطلب‪:‬‬
‫بل هذه السيوف لبيت اهلل‪ ،‬ثم حفر حتى أنبط الماء(‪ ،)5‬فحفرها في‬
‫القرار‪ ،‬ثم ب َّحرها حتى ال ُتنزف‪ ،‬ثم بنى عليها حوضا‪ ،‬وطفق هو وابنه‬
‫ينزعان فيمآلن ذلك الحوض‪ ،‬فيشرب منه الحاج‪ ،‬فيكسره ناس من‬
‫حسدة قريش بالليل ويصلحه عبد المطلب حين يصبح‪ ،‬فلما أكثروا‬
‫ِي في المنام فقيل له‪ :‬قل‪ :‬اللهم إني ال‬
‫َ‬ ‫إفساده دعا عبد المطلب ربه فَأُر‬
‫فيتهم‪ ،‬فقام‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ثم‬ ‫(‪)2‬‬
‫أح ّلها لمغتسل‪ ،‬ولكن هي لشارب ِحل َوبَل‬
‫عبد المطلب حين اختلفت قريش بالمسجد فنادى بالذي أُري ثم‬
‫انصرف‪ ،‬فلم يكن يفسد عليه حوضه أحد من قريش إال رمى بداء في‬
‫جسده حتى تركوا له حوضه ذلك وسقايته‪ ،‬ثم تزوج عبد المطلب النساء‬
‫فولد له عشرة رهط فقال‪ :‬اللهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم وإني‬
‫أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت‪ ،‬فأقرع بينهم فصارت القرعة على‬
‫عبد اهلل بن عبد المطلب‪ ،‬وكان أحب ولده إليه فقال‪ :‬اللهم هو أحب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحذنا‪ :‬أعطنا‪ .‬يقال‪ :‬أَ ْح َذ ُاه يُ ْح ِذيه ِ ِإ ْح َذاء َو ِحذْ يَة َو ُحذْ َوة َو َحذْ وا‪ِ :‬إ َذا أَ ْعطَ ُاه‪( .‬غريب‬
‫الحديث للحربي‪ /‬باب حذ)‪.‬‬
‫(‪ )5‬نبط‪ :‬نبع‪( .‬الصحاح ‪ /‬نبط)‪.‬‬
‫(‪ِ )2‬حل‪ :‬أي حالل‪ ،‬وبَل‪ :‬أي مباح‪ ،‬وقيل‪ :‬شفاء من قولهم‪ :‬بُلَّ من مرضه‪ ،‬وأبلَّ ‪.‬‬
‫(راجع‪ :‬النهاية ‪ /‬بلل)‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫إليك أو مئة من اإلبل‪ ،‬قال‪ :‬ثم أقرع بينه وبين مئة من اإلبل فصارت‬
‫القرعة على مئة من اإلبل فنحرها عبد المطلب مكان عبد اهلل(‪.)1‬‬
‫وفي رواية األزرقي بسنده عن علي بن أبي طالب‪ :‬أنه لما ظهر‬
‫لعبد المطلب ما ظهر من أمارات عند حفره لزمزم نازعه قومه وطالبوا‬
‫بحقهم فيها‪ ،‬فأبى عليهم فاتفقوا على االحتكام إلى كاهنة بني سعد‬
‫هذيم بأشراف الشام‪ ،‬وفي طريقهم فني ماؤهم حتى أيقنوا بالهلكة‬
‫واحتفروا ألنفسهم قبورا‪ ،‬حتى حمسهم عبد المطلب للبحث عن الماء‪،‬‬
‫وبعدها انفجرت من تحت ُخ ِّف راحلة عبد المطلب عين ماء عذب‪،‬‬
‫فأسلموا له أمرهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬قد واهلل قضى اهلل عز وجل لك علينا يا عبد‬
‫المطلب‪ ،‬واهلل ال نخاصمك في زمزم أبدا الذي سقاك هذا الماء بهذه‬
‫الفالة‪ ،‬هو الذي سقاك زمزم‪ ،‬فارجع إلى سقايتك راشدا‪ .‬فرجع‬
‫ورجعوا معه‪ ،‬ولم يمضوا إلى الكاهنة‪ ،‬وخلوا بينه وبين زمزم(‪.)5‬‬
‫ومما سبق يتضح لنا دور عبد المطلب بن هاشم في حفر زمزم‬
‫شح الماء في مكة فرأى رؤيا‪ ،‬وقد ُحدد فيها موقع بئر زمزم‬
‫حين َّ‬
‫وحفرها رغم منازعة قريش له فيها وانتصر عليهم رغم أنه في ذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق في المصنف‪ 212/2 :‬ــ ‪ 212‬ح (‪ .)2513‬واألزرقي في أخبار‬
‫مكة‪ ،22/5 :‬من طريق َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُم َع ٍاذ َّ‬
‫الص ْن َعانِ ُّي‪َ ،‬ع ْن َم ْع َمر‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬به‪.‬‬
‫ومن طريقه البيهقي في الدالئل‪ 32/1 :‬باب ذكر مولد المصطفى‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه األزرقي في أخبار مكة‪ ،22/5 :‬والفاكهي في أخبار مكة‪ 15/5 :‬كالهما من‬
‫رواية ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬عن مرثد عن عبد اهلل بن زرير عن علي‪،‬‬
‫به‪ .‬وأخرجه ابن سعد في الطبقات‪ ،32/1 :‬وكذا أورده ابن كثير في البداية‪.522/5 :‬‬

‫‪155‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫الوقت لم يكن له سوى ابن واحد يعمل معه وهو الحارث بن‬
‫عبد المطلب‪.‬‬
‫تلك الحادثة التي جعلته يقول‪ :‬لئن رزقني اهلل بعشرة من الولد‬
‫ألذبح أحدهم‪ ،‬وقد رزقه اهلل بهم وقصة إبراره بقسمه ذكرت في كتب‬
‫التاريخ والسير إلى إن أنجا اهلل والد نبينا وحبيبنا محمد بن عبد اهلل بن‬
‫عبد المطلب ‪ ‬من الذبح وفدي بمائه من اإلبل‪.‬‬
‫وعليه فكانت زمزم سقيا من اهلل حيث أُرشد عبد المطلب برؤيا‬
‫رآها إلى مكان بئر زمزم‪ ،‬وأقام سقاية زمزم للحاج‪.‬‬
‫وعن صفة سقاية عبد المطلب وما كان يفعله يروي األزرقي بسنده‬
‫عن ابن إسحاق قال‪َ :‬و َكانَ ْت لِ َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِإبِل َك ِث َيرة‪ ،‬فَ ِإ َذا َكا َن ا ْل َم ْو ِس ُم‬
‫ض ِم ْن أَ َدمٍ ِع ْن َد َز ْم َز َم‪َ ،‬ويَ ْش َترِي‬ ‫َج َم َع َها‪ ،‬ثُ َّم يَ ْس ِقي ل َ َبنَ َها بِا ْل َع َس ِل ِفي َح ْو ٍ‬
‫اج؛ ِألَ ْن يَ ْك ِس َر ِغلَظَ َم ِاء َز ْم َز َم‪،‬‬ ‫يب فَ َي ْنبِذُ ُه بِ َم ِاء َز ْم َز َم َويَ ْس ِقيه ِ ا ْل َح َّ‬
‫ال َّزبِ َ‬
‫اس ِإ ْذ َذا َك ل َ ُه ْم ِفي بُ ُيوتِه ِْم أَ ْس ِق َية‬ ‫َو َكانَ ْت ِإ ْذ َذا َك َغلِي َظة ِج ًّدا‪َ ،‬و َكا َن النَّ ُ‬
‫يب‬ ‫ات ِم َن ال َّزبِ ِ‬ ‫يَ ْس ُقو َن ِف َيها ا ْل َماء ِم ْن َه ِذهِ ا ْلب َِي َار‪ ،‬ثُ َّم يَ ْنبِذُو َن ِف َيها ا ْل َقب َض ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ا ْل َعذْ ُب بِ َم َّك َة‬‫َوال َّت ْمرِ؛ ألَ ْن يَ ْك ِس َر َع ْن ُه ْم غلَظَ َماء آبَا ِر َم َّك َة‪َ ،‬و َكا َن ا ْل َم ُ‬
‫وج ُد ِإ َّال ِ ِإل ْن َسا ٍن يُ ْس َت ْع َذ ُب ل َ ُه ِم ْن بِ ْئرِ َم ْي ُمو ٍن َو َخار َِج َم َّك َة‪،‬‬ ‫َعزِيزا‪َ ،‬ال يُ َ‬
‫الس َقايَةِ بَ ْع َد ُه‬
‫اس َح َّتى ُت ُوف ِّ َي‪ ،‬فَ َق َام بِأَ ْم ِر ِّ‬ ‫فَلَب َِث َع ْب ُد ا ْل ُمطَّلِ ِب يَ ْس ِقي النَّ َ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب(‪.)1‬‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة لألزرقي‪.112/1 :‬‬

‫‪153‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫‪ ‬العباس وإرث السقاية‪:‬‬


‫وظل أمر بئر زمزم والسقيا منها للحجاج وغيرهم موكوال‬
‫لعبد المطلب بن هاشم إلى إن انتقلت بعد وفاته إلى ابنه أبي طالب‪،‬‬
‫ولما اشتد الفقر بأبي طالب‪ ،‬أسند السقاية إلى أخيه العباس‪ ،‬وكان من‬
‫أكثر بني هاشم ماال‪ ،‬فقام بها‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬ثم ولي السقاية من بعد عبد المطلب ولده العباس‬
‫وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا‪ ،‬فلم تزل بيده حتى قام اإلسالم وهي‬
‫بيده فأقرها رسول اهلل ‪ ‬معه فهي اليوم إلى بني العباس(‪.)1‬‬
‫ويذكر لنا ابن عساكر قصة انتقال السقاية من أبي طالب إلى‬
‫العباس ويقول فيما يرويه بسنده عن ابن سالم قال‪:‬‬
‫لما أمعر أبو طالب قالت بنو هاشم‪ :‬دعنا فليأخذ كل رجل منا‬
‫رجال من ولدك‪ ،‬قال‪ :‬اصنعوا ما أحببتم إذا خليتم لي عقيال‪ ،‬فأخذ‬
‫النبي ‪ ‬عليا‪ ،‬فكان أول من أسلم ممن يلتف عليه حيطانه من‬
‫الرجال‪ ،‬ثم ابن زيد أسامة‪ ،‬فكان أبو طالب يدان لسقاية الحاج حتى‬
‫أعوزه ذلك فقال ألخيه العباس بن عبد المطلب وكان أكثر بني هاشم‬
‫ماال في الجاهلية‪ :‬يا أخي قد رأيت ما دخل علي وقد حضر الموسم‬
‫وال بد لهذه السقاية من أن تقام للحاج فأسلفني عشرة آالف درهم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ .221/2 :‬وواضح هنا أن ابن إسحاق لم يذكر والية أبي طالب للسقاية‬
‫بعد أبيه‪ ،‬وقبل أخيه العباس‪ .‬ولعله قصد المآل واالستقرار ال مطلق الترتيب‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫فأسلفه العباس إياها‪ ،‬فأقام أبو طالب تلك السنة بها وبما احتال‪ ،‬فلما‬
‫كانت السنة الثانية وأفد الموسم قال ألخيه العباس‪ :‬يا أخي إن الموسم‬
‫قد حضر وال بد للسقاية من أن تقام فأسلفني أربعة عشر ألف درهم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إني قد أسلفتك عام أول عشرة آالف درهم ورجوت أال يأتي‬
‫عليك هذا الموسم حتى تؤديها‪ ،‬فعجزت عنها‪ ،‬وأنت تطلب العام أكثر‬
‫منها وترجو زعمت أال يأتي عليك الموسم حتى تؤديها‪ ،‬فأنت عنها‬
‫أعجز اليوم‪ ،‬ها هنا أمر لك فيه فرج أدفع إليك هذه األربعة العشر ألف‬
‫إلي‬
‫فإن جاء موسم قابل ولم توف حقي األول وهذا فوالية السقاية َّ‬
‫فأقوم بها وأكفيك هذه المؤنة إذ عجزت عنها‪ ،‬فأنعم له أبو طالب بذلك‬
‫فقال‪ :‬ليحضر هذا األمر بنو فاطمة(‪ )1‬وال أريد سائر بني هاشم‪ ،‬ففعل‬
‫أبو طالب وأعاره العباس األربعة عشر األلف درهم بمحضر منهم‬
‫ورضي‪ ،‬فلما كان الموسم العام المقبل لم يكن بد من إقامة السقاية‬
‫فقال العباس ألبي طالب‪ :‬قد أفد الحج وليس لدفع حقي إلي وجه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬والمقصود بفاطمة هنا إحدى اثنتين‪ :‬إما فاطمة بنت عمرو بن عائذ إحدى أزواج‬
‫صح كونها المرادة لكان مقصد‬‫عبد المطلب وأم أبي طالب‪ ،‬وعبد اهلل‪ ،‬والزبير‪ .‬ولو َّ‬
‫العباس أن يحضر األمر ويشهد عليه إخوة أبي طالب ألبيه وأمه حتى ال ينازعونه األمر‬
‫لو آلت إليه السقاية عند عجز أبي طالب عن السداد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن‬ ‫وقد يراد بها فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب وأم أوالده‪ ،‬ويكون المقصود‬
‫يحضر األمر أوالد أبي طالب‪ ،‬ليكون آكد في االستيثاق وحتى ال ينازعونه األمر بعد‬
‫ذلك لو آلت إليه السقاية‪ ،‬باعتبار أن السقاية إحدى المكتسبات التي قد تؤول إليهم‬
‫عند وفاة أبيهم حيث إنها يغلب عليها االنتقال في األعقاب‪ .‬وهذا هو الراجح عندي‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫وأنت ال تقدر أن تقيم السقاية فدعني وواليتها أكفكها وأبريك من‬


‫حقي‪ ،‬ففعل فكان العباس بن عبد المطلب يليها وأبو طالب حي‪ ،‬ثم‬
‫تم ذلك لهم إلى اليوم(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫وهكذا انتقلت السقاية من أبي طالب بن عبد المطلب إلى أخيه‬
‫العباس‪ ،‬ومنه إلى بنيه‪ ،‬وهي شرف ال ينكره أحد وال يجادل فيه مجادل‪.‬‬
‫َ‬
‫باملقر واملقر له‬
‫‪ ‬أنعم ِ‬
‫السقاية مغنم وكلفة‪ ،‬فمغنمها ذكر يبقى وشرف يؤثر‪ ،‬وكلفتها‬
‫جهد يُعطى ومال يبذل‪ ،‬ولكن الجهد يطوى والذكر يبقى؛ ولذا فهي‬
‫مطمع كل شريف يهوى المآثر‪ ،‬ألن مغنمها ينسي بالغ كلفتها‪.‬‬
‫وقد حرص العباس على حيازة السقاية جاهلية وإسالما‪ ،‬ففي‬
‫أقره النبي ‪ ‬عليها من‬ ‫الجاهلية توسدها من أخيه‪ ،‬وفي اإلسالم َّ‬
‫بين سائر مآثر الجاهلية‪ ،‬وقال‪ :‬أَ َال ِإ َّن ُك َّل َم ْأثُ َر ٍة(‪َ )5‬كانَ ْت ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ‬
‫ُتذْ َك ُر َو ُت ْد َعى ِم ْن َدمٍ‪ ،‬أَ ْو َما ٍل َت ْح َت قَ َد َم َّي‪ِ ،‬إ َّال َما َكا َن ِم ْن ِس َقايَةِ ا ْل َحا ِّج‪،‬‬
‫ت<(‪.)2‬‬ ‫َو ِس َدانَةِ ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫وفي رواية أحمد‪> :‬فَ ِإنِّي أُ ْم ِضيه َِما ِألَ ْه ِله َِما َعلَى َما َكانَ ْت< ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ دمشق‪ 532/50 :‬ــ ‪.532‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫خصلَة المحمودة ال َّ ِتي تتوارث ويتحدث َبها النَّاس‪ .‬وفي الفائق‪)55/1( :‬‬ ‫المأثرة‪ :‬ا ْل ْ‬ ‫(‪)5‬‬
‫المآثر ِهي المكارم ال َّ ِتي ُتؤثر أَي تروي‪.‬‬
‫وحسنه األلباني‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود في سننه‪ :‬ح (‪ّ )2225‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه أحمد في مسنده‪ :‬ح (‪ .)2232‬قال الشيخ شعيب‪ :‬وإسناده ضعيف لضعف=‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪121‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫وفي أخبار مكة‪> :‬أَ َال ِإ َّن ُك َّل َد ٍم أَ ْو َما ٍل أَ ْو َم ْأثَ َر ٍة َكانَ ْت ِفي‬
‫ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ فَه َِي َت ْح َت قَ َد َم َّي َه َات ْي ِن‪ِ ،‬إ َّال ِس َقايَ َة ا ْل َحا ِّج‪َ ،‬و ِس َدانَ َة ا ْل َك ْع َبةِ‪،‬‬
‫فَ ِإنِّي قَ ْد أَ ْم َض ْي ُت ُه َما ِألَ ْهلِه َِما َعلَى َما َكانَ َتا َعلَ ْيه ِ ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ<(‪.)1‬‬
‫فقد أقر النبي ‪ ‬عمه العباس على سقايته وأبقاها له‪ ،‬بل‬
‫ِيت بِ َم َّك َة ل َ َيالِ َي ِمنى ِم ْن أَ ْج ِل ِس َقايَ ِته ِ(‪.)5‬‬
‫وأذن أَ ْن يَب َ‬
‫وفي حجته ‪ ‬شرب من سقاية عمه وحث بني عمومته على‬
‫السقاية‪ ،‬حيث أَ َتى بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب وهم يَ ْس ُقو َن َعلَى َز ْم َز َم‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬
‫اس َعلَى ِس َقايَ ِت ُك ْم‬ ‫>ا ْنز ُِعوا‪ ،‬بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَلَ ْو َال أَ ْن يَ ْغلِ َب ُك ُم النَّ ُ‬
‫وه َد ْلوا فَ َشر َِب ِم ْن ُه(‪.)2‬‬
‫لَنَ َز ْع ُت َم َع ُك ْم< فَنَ َاول ُ ُ‬
‫وفي رواية البخاري(‪ْ > :)2‬اع َملُوا فَ ِإنَّ ُك ْم َعلَى َع َم ٍل َصالِ ٍح< ثُ َّم قَ َال‪:‬‬
‫الح ْب َل َعلَى َه ِذهِ< يَ ْع ِني‪َ :‬عاتِ َق ُه‪،‬‬
‫>ل َ ْوالَ أَ ْن ُت ْغلَ ُبوا لَنَ َز ْل ُت‪َ ،‬ح َّتى أَ َض َع َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫علي بن زيد ــ وهو ابن جدعان ــ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪ .‬وأخرجه مطوال ومختصرا‬ ‫=‬
‫وابن أبي‬
‫الشافعي في >مسنده< ‪( 123/5‬بترتيب السندي)‪ ،‬والحميدي (‪ُ ،)525‬‬
‫شيبة ‪ 152/2‬ــ ‪ ،122‬والنسائي في >الكبرى< (‪ ،)5225‬وفي >المجتبى< ‪،25/3‬‬
‫وابن ماجه (‪ ،)5053‬وأبو يعلى (‪ ،)2052‬والدارقطني في >السنن< ‪،122/2‬‬ ‫ُ‬
‫والبيهقي في >السنن< ‪ ،22/3‬وفي >معرفة اآلثار والسنن< (‪،)12352( )12312‬‬
‫والبغوي في >شرح السنة< (‪ )5220‬من طريق سفيان بن عيينة‪ ،‬بهذا اإلسناد‪.‬‬
‫أخبار مكة لألزرقي‪.112/1 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )1022‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)1212‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪.)2222‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)1022‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫َوأَ َش َار ِإلَى َعاتِ ِقه ِ‪ .‬يعنى‪ :‬لنزلت الستقاء الماء‪.‬‬


‫فهذه والية من النبي ‪ ‬للعباس وآله السقاية‪ ،‬وإنما خشي أن‬
‫تتخذها الملوك سنة يغلبون عليها من وليها من ذرية العباس(‪.)1‬‬
‫وروى مسلم بسنده َع ْن بَ ْكرِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ المزني قَ َال‪ُ :‬ك ْن ُت َجالِسا‬
‫س ِع ْن َد ا ْل َك ْع َبةِ فَأَ َت ُاه أعرابي فَ َق َال‪َ :‬ما لي أَ َرى بَ ِنى َع ِّم ُك ْم‬ ‫َم َع ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اجةٍ بِ ُك ْم أَ ْم ِم ْن بُ ْخ ٍل؟‬ ‫يَ ْس ُقو َن ا ْل َع َس َل َواللَّ َب َن َوأَ ْن ُت ْم َت ْس ُقو َن النَّب َِيذ‪ ،‬أَ ِم ْن َح َ‬
‫اجةٍ َوالَ بُ ْخ ٍل قَ ِد َم النبي‬ ‫س‪ :‬ا ْل َح ْم ُد لِلَّه ِ َما بِنَا ِم ْن َح َ‬ ‫فَ َق َال ْاب ُن َع َّبا ٍ‬
‫احلَ ِته ِ َو َخ ْل َف ُه أُ َسام ُة فَ ْاس َت ْس َقى فَأَ َتينَ ُاه بِ ِإنَ ٍاء ِم ْن نَب ٍ‬
‫ِيذ‬ ‫ـ ‪ ‬ـ َعلَى ر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اصنَ ُعوا<‪ .‬فَالَ‬ ‫فَ َشر َِب َو َس َقى فَ ْضلَ ُه أُ َس َام َة َوقَ َال‪> :‬أَ ْح َس ْن ُت ْم َوأَ ْج َم ْل ُت ْم َك َذا فَ ْ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ(‪.)5‬‬ ‫نُرِي ُد َت ْغي َِير َما أَ َم َر بِه ِ َر ُس ُ‬
‫السائِ ِب ا ْل َم ْخ ُزو ِم ِّي أَنَّ ُه َكا َن يَ ُق ُ‬
‫ول‪ْ :‬اش َربُوا ِم ْن‬ ‫يث َّ‬ ‫َو َر َوي من َح ِد َ‬
‫س فَ ِإنَّ ُه ِم َن ُّ‬
‫السنَّةِ(‪.)2‬‬ ‫ِس َقايَةِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح صحيح البخاري‪ :‬البن بطال‪ .210/2 ،‬وقال العيني في العمدة‪ )550/2( :‬في‬
‫يج َتمع َعلَ ْي ُكم النَّاس‪َ ،‬ومن َك ْث َرة‬ ‫معنى قوله ‪( :‬لوال أن تغلبوا) ل َ ْو َال أَن ْ‬
‫الزحام تصيرون مغلوبين‪َ .‬وقَ َال ال َّداودِ ّي‪ :‬أَي أَن ُك ْم َال تتركوني أستقي َو َال أحب أَن‬
‫أفعل بكم َما َت ْك َر ُهو َن فتغلبوا‪َ .‬وقيل‪َ :‬م ْعنَ ُاه ل َ ْو َال أَن تقع َعلَ ْي ُكم ا ْل َغلَ َبة بِأَن يجب َعلَ ْي ُكم‬
‫تغلبوا بِأَن ينتزعها ا ْل ُو َالة ِم ْن ُكم حرصا على‬ ‫َذلك ب َِس َبب فعلي‪َ .‬وقيل‪َ .‬م ْعنَ ُاه‪ :‬ل َ ْو َال أَن ُ‬
‫ِ‬
‫ِح َيا َزة َه ِذه المكرمة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪.)2522‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )0051‬وانظر‪ :‬فتح الباري‪ .221/2 :‬وقال الهيثمي=‬

‫‪122‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫قال جماعة من أهل السير‪ :‬كانت السقاية للعباس مكرمة‪ ،‬يسقى‬


‫الناس نبيذ التمر‪ ،‬فأقرها النبي ‪ ‬في اإلسالم‪ ،‬وروي عن طاوس‬
‫قال‪ُ :‬ش ْر ُب نبيذ السقاية من تمام الحج(‪.)1‬‬
‫‪ ‬العباس وحنين املآثر‬
‫وجماع مفاخر‪ ،‬وكيف ال؟ وقد عشق‬ ‫العباس ‪ّ ‬قناص مآثر‪َّ ،‬‬
‫المآثر وهوتها نفسه أمال في ثواب الخالق ورغبة في رضاه‪ ،‬وحرصا‬
‫على مجد تليد بناه األجداد‪ ،‬وذكر حمي ٍد توارثه األحفاد‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫عبدوا لهم طريق‬
‫للسابقين من بني هاشم فضل على الالحقين إال أنهم َّ‬
‫المجد‪ ،‬وذللوا لهم صعابه لكفاهم‪ ،‬وأقل ما يفعله األحفاد مع شرف‬
‫األجداد أن يُحفظ فال يضاع‪ ،‬وأن يبقى فال يندرس‪.‬‬
‫ولذا نجد العباس ‪ ‬لم يكتف بما ُوسد إليه من أمر السقاية‬
‫والرفادة وتكاليفهما‪ ،‬وأراد أن يجمع معهما الحجابة كذلك لوال أن س َّد‬
‫النبي ‪ ‬عليه الطريق وأبقاها في يد عثمان بن طلحة‪.‬‬
‫فبعد فتح مكة أرسل النبي ‪ ‬يطلب مفتاح الكعبة من عثمان‬
‫ابن طلحة‪ ،‬ولما جاءه به‪ ،‬وناوله إياه بسط العباس بن عبد المطلب يده‬
‫فقال‪ :‬يا نبي اهلل بأبي أنت ا ْج َم ْع لنا الحجابة والسقاية فقال رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= في المجمع‪530/2( :‬ح‪َ )2523 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ِفي ا ْل َكبِيرِ‪َ ،‬و ِفيه ِ َرا ٍو ل َ ْم يُ َس َّم‪َ ،‬وبَ ِق َّي ُة‬
‫ر َِجالِه ِ ثِ َقات‪.‬‬
‫(‪ )1‬شرح صحيح البخاري البن بطال‪ .212/2 :‬وأثر طاووس أخرجه الفاكهي في أخبار‬
‫مكة‪.22/5 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫‪ :‬أعطيكم ما ترزؤون(‪ )1‬فيه وال أعطيكم ما َترزؤون منه(‪.)5‬‬


‫ول اهلل ِ ل َ ْو‬
‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ا ْل َع َّب ُ‬ ‫طريق ابن ُج َر ْي ٍج قَ َال‬ ‫وفي الفتح من‬
‫أَعطيت ُكم َما ُت ْر َز ُءو َن ولم‬ ‫الس َقايَ َة‪ ،‬فَ َق َال‪ِ :‬إنَّ َما‬
‫َو ِّ‬ ‫َج َم ْع َت لَنَا ا ْل ِح َجابَ َة‬
‫أعطكم َما َت ْر َز ُءو َن(‪.)2‬‬
‫ولما رفع عثمان مفتاح الكعبة إلى النبي ‪ ،‬ر َّده إليه النبي‬
‫‪ ‬ثانية قائال له‪َ :‬ها ُؤ ْم َغيِّ ْب ُه؛ فلذلك تغيِّب المفتاح(‪.)2‬‬
‫وبهذا تأكدت أحقية عثمان بن طلحه وبنيه بالحجابة‪ ،‬والعباس‬
‫‪ ‬وبنيه ببئر زمزم والسقاية‪ ،‬ولكن يبدو أن هناك من لم يستقر عنده‬
‫هذا اإلقرار ولم يصله هذا التأكيد‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق بالسقاية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الر ِاء َوفَ ْت ِح ال َّزا ِي َوالثَّانِي بِ َف ْت ِح أَ َّولِه ِ َو َض ِّم ال َّزا ِي أَ ْي‬
‫ترزءون ْاأل َ َّولُ ب َِض ِّم أَ َّولِه ِ َو ُس ُكو ِن َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫اس‪( .‬فتح الباري‪.)221/2 :‬‬ ‫أَ ْعطَ ْي ُت ُك ْم َما يَ ْن ُق ُص ُك ْم َال َما َت ْن ُق ُصو َن بِه ِ النَّ َ‬
‫تاريخ دمشق‪ .235/23 :‬وقال أبو علي‪ :‬إنما معناه إنما أعطيتكم ما تمنون كالسقاية‬ ‫(‪)5‬‬
‫التي تحتاج إلى مؤن‪ ،‬فأما السدانة فيرزأ لها الناس بالبعث إليها‪ ،‬يعنى كسوة البيت‪.‬‬
‫(شرح أبى ذر‪ ،‬ص‪.)251‬‬
‫فتح الباري‪ ،221/2 :‬وروى عبد الرزاق في مصنفه ح (‪ )2252‬والطبراني في‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكبير‪ :‬ح (‪ )3222‬أن النبي ‪ ‬قالها لعلي‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع‪:‬‬
‫الص ِحي ِح‪ .‬ويمكن أن‬ ‫(‪ 155/0‬رقم‪َ )12523 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ُم ْر َسال‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ر َِجالُ َّ‬
‫يُحمل األمر على تكرار الطلب من العباس وعلي ‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )1220‬وابن عساكر في تاريخ دمشق‪.232/23 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وأورده الهيثمي في المجمع (‪525/2‬ح‪ )2520 :‬وقال‪ :‬رواه الطبراني في الكبير‬
‫ورجاله ثقات‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫‪ ‬علي بن أبي طالب وشرف املاحاولة‬


‫النفس البشرية السوية تبغي الخير وتقاتل عليه‪ ،‬فحب الصنائع‬
‫الشريفة مركوز في الفطر المنيفة‪ ،‬وما علي بن أبي طالب ‪ ‬عن‬
‫هذا ببعيد‪ ،‬لقد تاقت نفسه أن يسترد مجد أبيه وأن يسترجع سقايته من‬
‫أبناء عمه العباس ــ بعد وفاته ــ لكن سرعان ما واجهه ابن عباس‬
‫بشهادة واضحة من شاهد صدق أذعن بعدها لألمر وارعوى‪.‬‬
‫فقد أورد ابن حجر من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن‬
‫العباس لما مات أراد علي أن يأخذ السقاية‪ ،‬فقال له طلحة‪ :‬أشهد‬
‫لرأيت أباه يقوم عليها وأن أباك أبا طالب لنازل في إبله باألراك بعرفة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فكف علي عن السقاية(‪.)1‬‬
‫ولم تكن هذه المحاولة الوحيدة من آل علي فقد كررها بعده ابنه‬
‫محمد ابن الحنفية إال أنه أذعن لما واجهه ابن عباس بما واجه به أباه‪.‬‬
‫وورد في أخبار مكة عن السقاية بعد العباس‪َ :‬فولِ َي َها ــ أي السقاية ــ‬
‫س ‪ ،‬فَ َكا َن يَ ْف َع ُل ِف َيها َك ِف ْعلِه ِ ُدو َن بَ ِني‬ ‫بَ ْع َد ُه َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َكا َن ُم َح َّم ُد ْب ُن ا ْل َحنَ ِف َّيةِ قَ ْد َكلَّ َم ِف َيها ْاب َن َع َّبا ٍ‬
‫اإل ْس َالمِ‪ ،‬قَ ْد‬ ‫س‪َ :‬ما ل َ َك َول َ َها؟ نَ ْح ُن أَ ْولَى بِ َها ِم ْن َك ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ َو ْ ِ‬ ‫ْاب ُن َع َّبا ٍ‬
‫َكا َن أَبُو َك َت َكلَّ َم ِف َيها‪ ،‬فَأَقَ ْم ُت ا ْل َبيِّنَ َة‪َ ،‬و َط ْل َح ُة ْب ُن ُع َب ْي ِد اهلل ِ‪َ ،‬و َعا ِم ُر ْب ُن‬
‫ٍ‬
‫اس ْب َن‬ ‫َربِ َيع َة‪َ ،‬وأَ ْز َه ُر ْب ُن َع ْب ِد ْب ِن َع ْوف‪َ ،‬و َم ْخ َر َم ُة ْب ُن نَ ْوفَ ٍل‪ ،‬أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.221/2 :‬‬

‫‪120‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َكا َن يَلِ َيها ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ بَ ْع َد َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َج ُّد َك أَبُو طَالِ ٍب‬
‫اس يَ ْو َم‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬أَ ْعطَ َ‬
‫اها ا ْل َع َّب َ‬ ‫ِفي ِإبِلِه ِ ِفي بَادِيَ ِته ِ بِ ُع َرنَ َة‪َ ،‬وأَ َّن َر ُس َ‬
‫ا ْل َف ْت ِح ُدو َن بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪ ،‬فَ َع َر َف َذلِ َك َم ْن َح َض َر(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬صفة سقاية العباس‬


‫أما عن صفة سقاية العباس فقد أورد الفاكهي في أخبار مكة‬
‫وصفها قائال‪َ :‬و َذ ْر ُع طول سقاية العباس بن عبد المطلب ‪ ‬أربعة‬
‫وعشرون ذراعا وتسع عشرة أصبعا‪ ،‬وفيها من األساطين ستة؛ في‬
‫جدرانها أربع‪ ،‬وفي وسطها صدر‪ ،‬وجهها أسطوانة‪ ،‬وفي جدرها في‬
‫وسطه من ُم َؤ ِّخر َِها أُ ْس ُط َوانَة‪ ،‬وما بين األساطين ألواح ساج‪َ ،‬وط ُ‬
‫ُول‬
‫ُج ُد َراتِ َه في السماء ثمانية أذرع‪ ،‬الساج من ذلك ستة أذرع وثماني‬
‫أصابع‪ ،‬وعلى األساطين جوائز عليها بناء ذراع وست عشرة أصبعا‪،‬‬
‫ات السقاية كان فيما مضى ست وأربعون شرافة‪ ،‬منها على‬ ‫وعلى ُج ُد َر ِ‬
‫الجدر الذي يلي الكعبة ثالث عشرة ُش َّرافَة‪ ،‬ومنها على ا ْل َج ْد ِر الذي يلي‬
‫المسعى ثالث عشرة‪ ،‬ومنها على ا ْل َج ْد ِر الذي يلي دار الندوة عشر‪،‬‬
‫ومنها على ا ْل َج ْد ِر الذي يلي المشرق عشر‪ ،‬وكان ذلك عمل المهدي‬
‫حتى غيره حسين بن حسن الطالبي لما قدم في سنة مائتين في الفتنة(‪.)5‬‬
‫وكان العباس ‪ ‬ينفق عليها نفقة من ال يخشى الفقر‪ ،‬فكان له‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة لألزرقي‪ 112/1 :‬ــ ‪.112‬‬
‫(‪ )5‬أخبار مكة لألزرقي‪ 122/5 :‬ــ أخبار مكة للفاكهي‪.32/5 :‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫ف‪َ ،‬و َكا َن ي ْح ِم ُل َزبِيب ُه ِإل َ ْي َها‪َ ،‬و َكا َن يُ َدايِ ُن أَ ْه َل ال َّطائِ ِ‬
‫ف‪،‬‬ ‫َك ْرم بِال َّطائِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َويَ ْق َت ِضي ِم ْن ُه ُم ال َّزبِ َ‬
‫يب‪ ،‬فَ َي ْنبِذُ َذلِ َك ُكلَّ ُه َويَ ْس ِقيه ِ ا ْل َح َّ‬
‫اج أَيَّ َام ا ْل َم ْو ِسمِ َح َّتى‬
‫اإل ْس َالمِ(‪.)1‬‬‫يَ ْن َق ِض َي‪ِ ،‬في ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ َو َص ْد ِر ْ ِ‬
‫وكان العباس ‪ ‬يقوم عليها خير قيام‪ ،‬وينفق عليها بكرم‬
‫بالغ‪ ،‬وسخاء منقطع‪ ،‬حتى يطيب مشربها ويأنس شاربوها‪ ،‬وكذا أبناؤه‬
‫من بعده‪.‬‬
‫قال عطاء‪ :‬لقد أدركت هذا الشراب‪ ،‬وإن الرجل ليشربه فتلتزق‬
‫شفتاه من حالوته‪ ،‬فلما ذهب الخزنة َو َولِ َي ُه العبيد تهاونوا بالشراب(‪.)5‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬السقاية في عقب العباس ‪‬‬

‫استمرت معه في‬ ‫‪‬‬ ‫وبعد أن وصلت السقاية إلى العباس‬


‫اإلسالم‪ ،‬وانتقلت منه إلى أبنائه من بعده‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬واعلم أن سقاية العباس َحق ِآل ِل ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‪َ ،‬كانَ ْت‬
‫س ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ َوأَقَ َّر َها النَّب ُِّي ‪ ‬ل َ ُه‪ ،‬فهي آلل العباس‬‫لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫أبدا(‪.)2‬‬
‫وقد ولي السقاية بعد العباس ابنه عبد اهلل بن عباس حبر األمة‪،‬‬
‫ومن بعده انتقلت إلى ابنه علي بن عبد اهلل بن عباس‪ ،‬ثم تسلسلت في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة لألزرقي‪.112/1 :‬‬
‫(‪ )5‬شرح صحيح البخاري‪ :‬البن بطال‪.212/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم‪.02/2 :‬‬

‫‪123‬‬
‫العباس ‪ ‬وريث جمد تليد‬

‫أبنائه من بعده ال تخرج منهم إلى غيرهم‪.‬‬


‫س بَ ْع َد‬ ‫ففي أخبار مكة‪ :‬فَ َكانَ ْت ــ أي السقاية ــ بِ َي ِد َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫أَبِيه ِ‪َ ،‬ال يُنَاز ُِع ُه ِف َيها ُمنَازِع‪َ ،‬و َال يَ َت َكلَّ ُم ِف َيها ُم َت َكلِّم‪َ ،‬ح َّتى ُت ُوف ِّ َي‪ ،‬فَ َكانَ ْت‬
‫س‪ ،‬يَ ْف َع ُل ِف َيها َك ِف ْع ِل أَبِيه ِ َو َج ِّدهِ‪ ،‬يَ ْأتِ َي ُه‬
‫بِ َي ِد َعلِ ِّي ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ف َويَ ْنبِذُ ُه‪َ ،‬ح َّتى ُت ُوف ِّ َي‪َ ،‬و َكانَ ْت بِ َي ِد َول َ ِدهِ َح َّتى‬ ‫يب ِم ْن َمالِه ِ بِال َّطائِ ِ‬ ‫ال َّزبِ ُ‬
‫ْاآل َن(‪.)1‬‬
‫كانت هذه قصة السقاية وتاريخها من قصي إلى العباس ‪ ،‬ثم‬
‫إلى أبنائه من بعده‪ ،‬وقد أطلت الحديث عنها نسبيا لشرفها وتعلُّق‬
‫العباس ‪ ‬الشديد بها‪ ،‬وإقرار النبي ‪ ‬له بها‪ ،‬وبخاصة‬
‫وأنها من أبرز مآثره ومحامده ‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة لألزرقي‪.112/1 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يف الشعب‬

‫(‪)1‬‬
‫العباس يف الشِّعب‬
‫‪ ‬شراكة املاحن‬
‫من يوم أن صدع الرسول ‪ ‬بالدعوة واستعلن بها‬
‫تخب نارها‪ ،‬وازداد األذى لما‬ ‫ومحاوالت الص ِّد والكيد لم تتوقف ولم ُ‬
‫ذاع أمر اإلسالم وانتشر‪ ،‬ودان به خلق كثير منهم حمزة وغيره‪ ،‬حينها‬
‫وه ُّموا‬ ‫شعر المشركون بأن أمر النبي ‪ ‬في علو وازدياد‪ ،‬فآذوه َ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ع َالنِ َية‪،‬‬ ‫بِه ِ‪ ،‬فَأَ ْج َم ُعوا َم ْك َر ُه ْم َوأَ ْم َر ُه ْم َعلَى أَ ْن يَ ْق ُتلُوا َر ُس َ‬
‫فَ َق َام ْت بَنُو َه ِاش ٍم َوبَنُو ا ْل ُمطَّلِ ِب؛ ُم ْسلِ ُم ُه ْم َو َك ِاف ُر ُه ْم(‪ُ ،)5‬دونَ ُه‪َ ،‬وأَبَ ْوا أَ ْن‬
‫وه‪ ،‬فَلَ َّما َع َرفَ ْت قُ َر ْيش أَ ْن َال َسب َِيل ِإلَى ُم َح َّم ٍد ‪َ ‬م َع ُه ُم‬ ‫يُ ْسلِ ُم ُ‬
‫أَ ْج َم ُعوا َعلَى أَ ْن يَ َت َعاقَ ُدوا َعلَى بَ ِني َه ِاش ٍم َوبَ ِني ا ْل ُمطَّلِ ِب َوبَ ِني َع ْب ِد‬
‫وه ْم‪َ ،‬و َال‬ ‫اعوا ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬و َال يُنَا ِك ُح ُ‬ ‫وه ْم‪َ ،‬و َال يَ ْب َت ُ‬‫اف‪ ،‬أَ ْن َال يُ َبايِ ُع ُ‬ ‫منَ ٍ‬
‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‪،‬‬ ‫وه ْم‪َ ،‬ح َّتى يُ َسل ُِّموا ِإل َ ْيه ِْم َر ُس َ‬ ‫وه ْم‪َ ،‬و َال يُ َجالِ ُس ُ‬ ‫يُ َكل ُِّم ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ِ )1‬شعب بكسر الشين‪ ،‬أصله‪ :‬ا ْل َفج ِفي ا ْل َج َبل يَ َّت ِسع ويضيق‪( .‬جمهرة اللغة ‪ /‬شعب)‬
‫وهو منزل كان لبني هاشم غير مساكنهم‪ ،‬ويعرف بشعب أبي يوسف‪ ،‬وهو الشعب‬
‫الذي أوى إليه رسول اهلل ‪ ‬وبنو هاشم لما تحالفت قريش على بني هاشم‪،‬‬
‫وكتبوا الصحيفة‪.‬‬
‫(‪ )5‬نجا بعض بني هاشم من الحصار كأبي لهب حيث خرج ِإلَى قُ َر ْيش فظاهرهم على‬
‫بني َهاشم َوبني ا ْلمطلب‪( .‬عمدة القاري للعيني‪.)522/2 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يف الشعب‬

‫وها ِفي َس ْق ِ‬
‫ف ا ْل َك ْع َبةِ‪َ ،‬و َع َم َد أَبُو طَالِ ٍب‬ ‫َو َك َت ُبوا بِ َذلِ َك َص ِحي َفة َو َعلَّ ُق َ‬
‫اح َيةٍ ِم ْن َم َّك َة‪ ،‬بداية من ِه َالل‬ ‫الش ْع َب ِش ْع َب أَبِي طَالِ ٍب ِفي نَ ِ‬‫فَأَ ْد َخلَ ُه ُم ِّ‬
‫ا ْلمحرم سنة سبع من ِحين النُّ ُب َّوة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المشركين اجتمع رأيهم‬
‫على منابذة بني هاشم وبني المطلب‪ ،‬واتفقوا على إخراجهم من مكة‬
‫إلى شعب أبي طالب‪.‬‬
‫َوأَقَ َام ْت قُ َر ْيش َعلَى َذلِ َك ِم ْن أَ ْمرِ ِه ْم ِفي بَ ِني َه ِاش ٍم َوبَ ِني ا ْل ُمطَّ ِل ِب‬
‫حيث حصروهم ومن معهم َح َّتى َج ِه ُدوا َج ْهدا َش ِديدا‪ ،‬وحيث قطع‬
‫يخرجون َّإال من موسم ِإلَى‬ ‫ُ‬ ‫ميرة(‪ )1‬والمارة‪ ،‬فَ َكانُوا َال‬ ‫المشركون َع ْن ُهم ا ْل َ‬
‫ثم أطلع اهلل َر ُسوله‬ ‫لغه ْم ا ْلجهد‪ ،‬فأقاموا ِفيه ِ ثَ َالث ِس ِنين‪َّ ،‬‬ ‫موسم َح َّتى بَ ُ‬
‫‪ ‬على أَمر صحيفتهم‪َ ،‬وأَن األرضة أكلت َما َكا َن ِف َيها من جور‬
‫ول اهللِ‬ ‫وظلم‪َ .‬وبَ ِقي َما َكا َن ِف َيها من ذكر اهلل‪ ،‬عز َوجل‪َ ،‬وأَ ْخ َب َر بِه ِ َر ُس ُ‬
‫‪ ‬أَبَا طَالِ ٍب‪َ ،‬و ْاس َت ْن َص َر بِه ِ أَبُو طَالِ ٍب َعلَى قَ ْو ِمه ِ‪َ ،‬وقَ َام ِه َش ُام ْب ُن‬
‫الص ِحي َفةِ َو َش ِّق َها(‪.)5‬‬‫ض َما ِفي َّ‬ ‫َع ْمرِو ْب ِن َربِ َيع َة ِفي َج َم َ‬
‫اعةٍ بِنَ ْق ِ‬
‫العباس‬
‫َ‬ ‫وكان االبتالء على من حضر الشعب شديدا‪ ،‬وقد طال‬
‫كما طال غيره من بني هاشم‪ ،‬حيث أدرك العباس شدة حصار بني‬
‫هاشم في شعب أبي طالب‪ ،‬وعاين معاناتها‪ ،‬ونال نصيبا وافرا منها‪،‬‬
‫ص يوضح موقفا خاصا‬ ‫وأصابته بسهمها كغيره‪ ،‬ومع أننا لم نحفل بن ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الميرة‪َ :‬ج ْل ُب القوم الطعام للبيع‪( .‬العين‪.)522/3 :‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬السنن الكبرى للبيهقي‪ :‬ح (‪ .)12250‬ــ دالئل النبوة‪ :‬أبو نعيم‪.555/1 ،‬‬
‫عمدة القاري للعيني‪ .522/2 :‬ــ زاد المعاد‪.55/2 :‬‬

‫‪121‬‬
‫العباس يف الشعب‬

‫الشعب إال أن هذا ال يعني عدم مشاركته في العناء وال‬


‫بالعباس في ِّ‬
‫وقوعه تحت الحصار‪ ،‬فهو داخل في عموم المحاصرِين اقتصاديا في‬
‫الشعب‪ ،‬فالهجمة كانت على بني هاشم بعمومها مسلمها وكافرها‪ ،‬ولم‬‫ِّ‬
‫يكن العباس عن هذا ببعيد‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن القيم‪ :‬ا ْن َحا َز بَنُو َه ِاش ٍم َوبَنُو ا ْل ُم َّط ِل ِب ُم ْؤ ِمنُ ُه ْم‬
‫َو َك ِاف ُر ُه ْم ِإ َّال أبا لهب‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ظ ََاه َر قُ َر ْيشا َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬وبَ ِني‬
‫َه ِاش ٍم َوبَ ِني ا ْل ُمطَّلِ ِب(‪.)1‬‬
‫ويكفينا أن نعلم أن عبد اهلل بن العباس ُولِد في ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الشعب قبل خروج‬
‫بني هاشم منه‪ ،‬وذلك قبل الهجرة بثالث سنين‪ ،‬وهذا من أدلِّ الدالئل‬
‫الشعب‪ ،‬وتلظيه بناره‪.‬‬‫على شهود العباس ‪ ‬حصار بني هاشم في ِّ‬
‫كما أنه من الثابت أن العباس ‪ ‬صاحب مكانة كبيرة وبخاصة‬
‫عند قومه؛ فكان له ثوب لعاريهم‪ ،‬وجفنة لجائعهم‪ ،‬وكان حفيا بقومه‬
‫حريصا عليهم‪ ،‬وليس من المعقول وال المقبول من رائد كالعباس‬
‫يفضل‬
‫‪ ‬أن يغيب عن معاناة بني هاشم أو تغيب عنه معاناتهم‪ ،‬أو ِّ‬
‫الركون إلى الترف ويخل ِّيهم‪ ،‬وفيهم َّقرة عينه وأنيس نفسه محمد‬
‫‪ ‬بجوار أبي طالب وحمزة‪.‬‬
‫كما أن قريشا والمشركين لن يخلوه لو آنس الميل واختار عدم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد‪.55/2 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪.232/2 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس يف الشعب‬

‫المشاركة‪ ،‬مهما عظم شأنه فيهم‪ ،‬فليس من الجائز كذلك أن يُخلَّى‬


‫الشعب مع النبي ‪ ،‬وهو أكبر من‬ ‫العباس ويُحصر أبو طالب في ِّ‬
‫العباس سنا وأمنع منه مكانة عند قريش‪.‬‬
‫ولم يكن العباس ‪ ‬ليخلي الرسول ‪ ‬وحده ومعه‬
‫ويضيق عليهم وهو آمن في سربه مترف في‬
‫َّ‬ ‫صفوة بني قومه يحاصرون‬
‫عيشه يتقلب في النعمة صباح مساء؛ وبخاصة وأنه يحب محمدا حبا‬
‫شديدا‪ ،‬وكان كثيرا ما يتفقَّد حاله ويحوطه برعايته ونصحه‪ .‬وال أدل‬
‫على ذلك من يوم العقبة وشهوده البيعة مع النبي ‪ ‬ليستوثق له‬
‫من أمر األنصار‪ ،‬رغم أن عيون المشركين عليه‪ ،‬وآذانهم تتحسس‬
‫أخباره‪ ،‬واالقتراب منه وبخاصة في هذا الوقت العصيب نذير هالك‪.‬‬
‫ويضاف إليه أن العباس ‪ ‬هاشمي النسب والهوى وغير مقبول‬
‫أن يتخلف عن نجدة قومه‪ ،‬أو تغيب عنه معاناتهم‪ ،‬وبخاصة وأنه كان‬
‫حريصا على ذلك‪.‬‬
‫ويكفينا أن نعلم أنه لما فُقد النبي ‪ ‬ليلة اإلسراء والمعراج‬
‫تفرقت بنو عبد ا ْلمطلب يطلبونه ويلتمسونه‪ ،‬وقد شاركهم العباس ‪‬‬
‫َ‬
‫هوري‬ ‫بحثهم َوخرج مجنِّدا طاقاته الجسدية وإمكاناته الصوتية ــ وكان َج َ‬
‫يصرخ‪ :‬يَا ُم َح َّمد يَا ُم َح َّمد‪ ،‬فَأَ َجابَ ُه‬
‫الصوت ــ َح َّتى بلغ َذا طوى فَجعل ْ‬
‫لبيك‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا ْابن أخي عنيت قَ ْومك ُم ْنذُ اللَّ ْيلَة‪،‬‬
‫َر ُسول اهلل ‪ْ :‬‬
‫فَأَ ْي َن كنت؟ قَ َال‪ :‬أتيت من بَيت ا ْل ُم َق ّدس‪ ،‬قَ َال‪ِ :‬في ليلتك؟ قَ َال‪ :‬نعم‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يف الشعب‬

‫قَ َال‪َ :‬هل أَ َصابَك ِإ َّال خير؟ قَ َال‪َ :‬ما أصابني ِإ َّال خير(‪.)1‬‬
‫إن الرجل حريص على مجد قومه‪ ،‬حفي بهم‪ ،‬يأنس لفرحهم‪،‬‬
‫ويكرب لمصابهم‪ ،‬فلم يكن والحال هذا أن يتركهم في الشعب تطالهم‬
‫ناره‪ ،‬فآثر المشاركة حتى ولو في عناء‪ ،‬وكان مولد ابنه عبد اهلل في‬
‫خاله‬
‫الشعب دليل حضور والده‪ ،‬كما أنه لو فرضنا وآثر النجاة لما َّ‬‫ِّ‬
‫المشركون‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 512/1 :‬ــ وانظر‪ :‬الخصائص الكبرى للسيوطي‪.520/1 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫العباس يوم العقبة‬

‫>أُيدت تلك الليلة بعمي العباس<‬


‫‪‬‬ ‫النبي‬

‫مشرفة مع اإلسالم حتى قبل أن‬‫كانت للعباس ‪ ‬مواقف ِّ‬


‫يسلِم‪ ،‬حيث جنَّده اهلل لخدمة نبيه ودينه في ٍ‬
‫وقت مبك ٍر من تاريخ الدعوة‬
‫إلى اإلسالم‪.‬‬
‫فكان العباس ‪ ‬قبل إسالمه شديد الحب لرسول اهلل‬
‫‪ ،‬وكان بجانبه يدفع عنه أذى المشركين‪ ،‬وحضر مع النبي‬
‫‪ ‬بيعة العقبة الثانية (في العام الثالث عشر للبعثة)؛ ليستوثق من‬
‫أمر مبايعيه‪ ،‬ويؤكد عليهم العهود والمواثيق‪.‬‬
‫ففي هذه البيعة المباركة بيعة العقبة الثانية قدم مكة في موسم‬
‫الحج وفد األنصار‪ ،‬ثالثة وسبعون رجال وامرأتان‪ ،‬ليعطوا اهلل ورسوله‬
‫بيعتهم‪ ،‬وليتفقوا مع الرسول ـ ‪ ‬ـ على الهجرة إلى المدينة‪،‬‬
‫ووقتها أنهى الرسول ـ ‪ ‬ـ نبأ هذا الوفد إلى عمه العباس الذي‬
‫سر وثقة الرسول ‪ ،‬وكان الرسول يأنس برأيه لما له‬ ‫كان موضع ِّ‬
‫من عقل راجح‪ ،‬وقول صائب‪ ،‬ولما يعلمه النبي ـ ‪ ‬ـ من محبته‬
‫له وإشفاقه عليه‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫روى الطبراني بسنده َع ْن َجابِرِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َملَ ِني َخالِي‬
‫ل اهلل ِ ‪‬‬ ‫ين َوفَ ُدوا َعلَى َر ُسو ِ‬ ‫ين َرا ِكبا ال َّ ِذ َ‬ ‫س ِفي َّ‬
‫الس ْب ِع َ‬ ‫َج ُّد ْب ُن قَ ْي ٍ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬و َم َع ُه َع ُّم ُه‬ ‫ل َ ْيلَ َة ا ْل َع َق َبةِ ِم ْن قِ َب ِل األَ ْن َصا ِر‪ ،‬فَ َخ َر َج َعلَ ْينَا َر ُس ُ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َع ِّم‪ُ ،‬خذْ َعلَى أَ ْخ َوالِ َك‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫الس ْب ُعو َن‪ :‬يَا ُم َح َّم ُد‪َ ،‬س ْل لِ َرب ِّ َك َولِنَ ْف ِس َك َما ِش ْئ َت‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أَ َّما ال َّ ِذي‬ ‫َّ‬
‫وه َوالَ ُت ْش ِر ُكوا بِه ِ َش ْيئا‪َ ،‬وأَ َّما ال َّ ِذي أَ ْسأَل ُ ُك ْم لِنَ ْف ِسي‬ ‫أَ ْسأَل ُ ُك ْم لِ َربِّي َ‬
‫فتع ْب ُد ُ‬
‫فَ َت ْمنَ ُعونِي َما َت ْمنَ ُعو َن ِم ْن ُه أَ ْن ُف َس ُك ْم‪ ،‬قَالُوا‪ :‬فَ َما لَنَا ِإ َذا فَ َع ْلنَا َذلِ َك؟ قَ َال‪:‬‬
‫ا ْل َجنَّ ُة(‪.)1‬‬
‫‪‬‬ ‫وقد فهم بعض العلماء من هذه الرواية إسالم العباس‬
‫وقتها‪ ،‬فقد عقَّب عليها الحاكم بقوله‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم‬
‫أصح من هذا‬
‫يخرجاه‪ ،‬وليس للعباسية ‪ ‬في تق ّدم إسالم العباس ّ‬
‫الحديث(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )1523‬وفي الصغير‪ :‬ح (‪ )1250‬والحاكم في‬
‫المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪ )2222‬وعلَّق‬
‫الذهبي في التلخيص‪ :‬صحيح‪ .‬وقال الحافظ الهيثمي في المجمع‪15/0( :‬ح‪:‬‬
‫‪ )2325‬رواه الطبراني في الثالثة ورجاله ثقات‪ .‬وفي السند أبو الزبير المكي صدوق‬
‫يدلس‪ ،‬روى له البخاري ــ مسلم ــ أبو داود ــ الترمذي ــ النسائي ــ ابن ماجه‪.‬‬
‫(راجع ترجمته في‪ :‬التاريخ الكبير‪ ،551/1 :‬ميزان االعتدال ‪ ،25/2‬تهذيب التهذيب‬
‫‪.)222/2‬‬
‫(‪ )5‬المستدرك‪ ،202/2 :‬والرواية ال داللة فيها على إسالم العباس وقتها‪ ،‬وما ورد من‬
‫روايات نقلت إسالم العباس وقتها إشارة أو تصريحا فال تخلو في مجملها من مقال‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬الجزء المتعلق بإسالم العباس من هذا البحث)‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫إال أنه ال يفهم من هذه الرواية أن العباس ‪ ‬وقتها كان‬


‫مسلما‪ ،‬وإنما تشير إلى شهود العباس ليلة العقبة الثانية‪ ،‬وغاية ما‬
‫هنالك أنها تدل على ثقة النبي ‪ ‬في عمه‪ ،‬واطمئنانه إليه‪ ،‬ال أنه‬
‫كان وقتها مسلما‪ ،‬وال أفهم السر في تعقيب الحاكم على هذه الرواية‬
‫بأنها وردت في إسالم العباس‪ ،‬السيما وقد ورت روايات أخرى في‬
‫الحادثة عينها نصت صراحة على عدم إسالم العباس وقتها‪.‬‬
‫وما يعنينا هنا أنه في هذه البيعة العظيمة بيعة العقبة الثانية أنهى‬
‫الرسول إلى عمه العباس نبأ هذا الوفد‪ ،‬وهذه البيعة‪ ..‬وكان الرسول‬
‫عليه الصالة والسالم يثق بعمه في رأيه كله‪..‬‬
‫ولما جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية‪ ،‬خرج الرسول‬
‫وعمه العباس الى حيث األنصار ينتظرون‪ ..‬وأراد العباس أن يعجم عود‬
‫القوم ويتوثق للنبي ‪ ‬منهم‪..‬‬
‫ولندع واحدا ممن شهد الموقف يروي لنا النبأ‪ ،‬كما سمع‬
‫ورأى‪ ..‬ذلكم هو كعب بن مالك ‪.‬‬
‫فقد روى اإلمام أحمد بسنده إلى كعب بن مالك(‪ )1‬ــ أحداث‬
‫العقبة‪ ،‬وثقة النبي ‪ ‬في عمه العباس ‪ ،‬ودور العباس‬
‫الفاعل في هذه البيعة العظيمة وفيها يقول كعب‪:‬‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬ا ْل َع َق َب َة ِم ْن أَ ْو َس ِط‬ ‫َو َخ َر ْجنَا ِإلَى ا ْل َح ِّج‪ ،‬فَ َو َ‬
‫اع ْدنَا َر ُس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كعب أحد من شهد العقبة وبايع عندها‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫ول اهلل ِ‬ ‫ت اللَّ ْيلَ ُة ال َّ ِتي َو َع ْدنَا َر ُس َ‬‫أَيَّامِ ال َّت ْشرِي ِق‪ ،‬فَلَ َّما فَ َر ْغنَا ِم َن ا ْل َح ِّج‪َ ،‬و َكانَ ِ‬
‫‪َ ،‬و َم َعنَا َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن َع ْمرِو ْب ِن َح َرامٍ أَبُو َجابِ ٍر َسيِّد ِم ْن َس َادتِنَا‪،‬‬
‫َو ُكنَّا نَ ْك ُت ُم َم ْن َم َعنَا ِم ْن قَ ْو ِمنَا ِم َن ا ْل ُم ْش ِر ِك َ‬
‫ين أَ ْم َرنَا فَ َكلَّ ْمنَ ُاه‪َ ،‬وقُ ْلنَا ل َ ُه‪ :‬يَا‬
‫أَبَا َجابِ ٍر‪ِ ،‬إنَّ َك َسيِّد ِم ْن َس َادتِنَا‪َ ،‬و َشرِيف ِم ْن أَ ْش َر ِافنَا‪َ ،‬و ِإنَّا نَ ْر َغ ُب بِ َك‬
‫اإل ْس َالمِ‪،‬‬ ‫َع َّما أَ ْن َت ِفيه ِ أَ ْن َت ُكو َن َحطَبا لِلنَّا ِر َغدا‪ ،‬ثُ َّم َد َع ْو ُت ُه ِإلَى ْ ِ‬
‫َوأَ ْخ َب ْر ُت ُه بِ ِم َيعادِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬فَأَ ْسلَ َم َو َش ِه َد َم َعنَا ا ْل َع َق َب َة‪َ ،‬و َكا َن‬
‫الش ْع ِب ِع ْن َد ا ْل َع َق َبةِ‪َ ،‬ونَ ْح ُن َس ْب ُعو َن َر ُجال‪َ ،‬و َم َعنَا‬ ‫نَ ِقيبا‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ ِن ْمنَا ِفي ِّ‬
‫ْام َرأَ َتا ِن ِم ْن نِ َسائِه ِْم نَ ِس َيب ُة بِ ْن ُت َك ْع ٍب أُ ُّم ُع َم َار َة ِإ ْح َدى نِ َس ِاء بَ ِني َما ِز ِن ْب ِن‬
‫ت ِإ ْح َدى نِ َس ِاء بَ ِني َسلِ َم َة‪،‬‬ ‫ي ْب ِن ثَابِ ٍ‬ ‫اء بِ ْن ُت َع ْمرِو ْب ِن َع ِد ِّ‬ ‫النَّ َّجا ِر‪َ ،‬وأَ ْس َم ُ‬
‫َو ِه َي أُ ُّم َم ِني ٍع‪.‬‬
‫اءنَا‬ ‫الش ْع ِب نَ ْن َت ِظر ر ُس َ ِ‬ ‫اج َت َم ْعنَا بِ ِّ‬
‫ول اهلل ‪َ ،‬ح َّتى َج َ‬ ‫ُ َ‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ ْ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و ُه َو يَ ْو َم ِئ ٍذ َعلَى دِي ِن قَ ْو ِمه ِ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َو َم َع ُه يَ ْو َم ِئذ َع ُّم ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ِإ َّال أَنَّ ُه أَ َح َّب أَ ْن يَ ْح ُض َر أَ ْم َر ْاب ِن أَ ِخيه ِ‪َ ،‬ويَ َت َوث َُّق ل َ ُه‪ ،‬فَلَ َّما َجلَ ْسنَا َكا َن‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب أَ َّو َل ُم َت َكل ِّ ٍم‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َم ْع َش َر ا ْل َخ ْز َر ِج‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ت ا ْل َع َر ُب ِم َّما يُ َس ُّمو َن َه َذا ا ْل َح َّي ِم َن ْاألَ ْن َصا ِر ا ْل َخ ْز َر َج أَ ْو َس َها‬ ‫َو َكانَ ِ‬
‫َو َخ ْز َر َج َها‪ِ ،‬إ َّن ُم َح َّمدا ِمنَّا َح ْي ُث قَ ْد َعلِ ْم ُت ْم‪َ ،‬وقَ ْد َمنَ ْعنَ ُاه ِم ْن قَ ْو ِمنَا ِم َّم ْن‬
‫ُه َو َعلَى ِم ْث ِل َر ْأيِنَا ِفيه ِ‪َ ،‬و ُه َو ِفي ِعز ِم ْن قَ ْو ِمه ِ‪َ ،‬و َمنَ َعةٍ ِفي بَلَ ِدهِ‪.‬‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬فَ ُخذْ لِنَ ْف ِس َك‪،‬‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ ُق ْلنَا‪ :‬قَ ْد َس ِم ْعنَا َما قُ ْل َت‪ ،‬فَ َت َكلَّ ْم يَا َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ،‬فَ َت َال َو َد َعا ِإلَى اهلل ِ‬ ‫َولِ َرب ِّ َك َما أَ ْح َب ْب َت‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َت َكلَّ َم َر ُس ُ‬
‫اإل ْس َالمِ‪ ،‬قَ َال‪> :‬أُبَايِ ُع ُك ْم َعلَى أَ ْن َت ْمنَ ُعونِي ِم َّما‬ ‫َّب ِفي ْ ِ‬ ‫َع َّز َو َج َّل َو َرغ َ‬
‫‪123‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫اء ُك ْم< قَ َال‪ :‬فَأَ َخ َذ ا ْل َب َر ُاء ْب ُن َم ْع ُرو ٍر بِ َي ِدهِ ثُ َّم قَ َال‪:‬‬ ‫ِ ِ‬


‫اء ُك ْم‪َ ،‬وأَ ْبنَ َ‬
‫َت ْمنَ ُعو َن م ْن ُه ن َس َ‬
‫ول‬‫نَ َع ْم َوال َّ ِذي بَ َع َث َك بِا ْل َح ِّق لَنَ ْمنَ َعنَّ َك ِم َّما نَ ْمنَ ُع ِم ْن ُه أُ ُز َرنَا‪ ،‬فَ َبايِ ْعنَا يَا َر ُس َ‬
‫اها َكابِرا َع ْن َكابِ ٍر‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫وب‪َ ،‬وأَ ْه ُل ا ْل َح ْل َقةِ‪َ ،‬و ِر ْثنَ َ‬ ‫اهلل ِ‪ ،‬فَنَ ْح ُن أَ ْه ُل ا ْل ُح ُر ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬ــ أَبُو ا ْل َه ْي َثمِ ْب ُن‬ ‫ض ا ْل َق ْو َل ــ َوا ْل َب َر ُاء يُ َكل ُِّم َر ُس َ‬
‫فَ ْاع َت َر َ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إ َّن بَ ْينَنَا َوبَ ْي َن‬ ‫ال َّتيِّ َها ِن َحلِ ُيف بَ ِني َع ْب ِد ْاألَ ْش َه ِل‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ود ــ فَ َه ْل َع َس ْي َت ِإ ْن نَ ْح ُن فَ َع ْلنَا‬ ‫وها ــ يَ ْع ِني ا ْل ُع ُه َ‬‫الر َجا ِل ِح َباال‪َ ،‬و ِإنَّا قَا ِط ُع َ‬ ‫ِّ‬
‫ول‬ ‫َذلِ َك‪ ،‬ثُ َّم أَظ َْه َر َك اهللُ أَ ْن َت ْر ِج َع ِإلَى قَ ْو ِم َك‪َ ،‬و َت َد َعنَا؟ قَ َال‪ :‬فَ َت َب َّس َم َر ُس ُ‬
‫اهلل ِ ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬بَ ِل ال َّد َم ال َّد َم‪َ ،‬وا ْل َه ْد َم ا ْل َه ْد َم‪ ،‬أَنَا ِم ْن ُك ْم‪َ ،‬وأَ ْن ُت ْم‬
‫ِمنِّي أُ َحار ُِب َم ْن َح َار ْب ُت ْم‪َ ،‬وأُ َسالِ ُم َم ْن َسال َ ْم ُت ْم<(‪.)1‬‬
‫وعن ُعر َو ُة بن الزبير قال‪َ :‬عباس َواهلل ِ أَ َخ َذ بي ِد ر ُسو ِل اهلل ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫السب ُعو َن ِم َن ْاألَ ْن َصا ِر ا ْل َع َقب َة‪ ،‬فَأَ َخ َذ لِر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫‪ِ ‬ح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين أَ َت ُاه َّ ْ‬
‫‪َ ‬علَ ْيه ِْم َو َش َر َط َعلَ ْيه ِْم‪َ ،‬و َذلِ َك ِفي ُغ َّر ِة ْ ِ‬
‫اإل ْس َالمِ َوأَ َّولِه ِ قَ ْب َل أَ ْن‬
‫يَ ْع ُب َد أَ َحد اهللَ َع َالنِ َية(‪.)5‬‬
‫ويذكر ابن سعد أحداث بيعة العقبة الثانية ودور العباس فيها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )12523‬والطبراني في المعجم الكبير‪ ،35/12 :‬ح‬
‫(‪ )152‬ــ وابن حبان في صحيحه (‪ 251/12‬ح‪ )5211 :‬وقال الحافظ الهيثمي في‬
‫المجمع‪ ،22/0( :‬ح‪ )2335 :‬رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجال أحمد رجال‬
‫صرح بالسماع‪ .‬وقال الشيخ شعيب‪ :‬حديث قوي‬ ‫الصحيح غير ابن إسحاق وقد َّ‬
‫وإسناده حسن‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو يعلي في مسنده‪ ،222/3 :‬ح‪ )2220( :‬وقال حسين سليم أسد‪ :‬إسناده‬
‫حسن‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫الر ْح َم ِن ْب ِن‬ ‫ي ْب ِن َع ْب ِد َّ‬ ‫اصمِ ْب ِن َع ِد ِّ‬ ‫فيقول فيما رواه َع ْن أَبِي ا ْلب َّدا ِح ْب ِن َع ِ‬
‫َ‬
‫ُع َو ْيمِ ْب ِن َسا ِع َد َة‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪ :‬قَ َال‪ :‬ل َ َّما قَ ِد ْمنَا َم َّك َة قَ َال لِي َس ْع ُد ْب ُن َخ ْي َث َم َة‬
‫ول‬‫َو َم ْع ُن ْب ُن َع ِدي َو َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُج َب ْي ٍر‪ :‬يَا ُع َو ْي ُم ا ْن َطلِ ْق بِنَا َح َّتى نَ ْأتِ َي َر ُس َ‬
‫اهلل ِ ‪ ‬فَنُ َسل َِّم َعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَ ِإنَّا ل َ ْم نَ َره قَ ُّط َوقَ ْد َآمنَّا بِه ِ‪ ،‬فَ َخ َر ْج ُت َم َع ُه ْم‪،‬‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب فَ َر َح ْلنَا َعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَ َسلَّ ْمنَا‪،‬‬ ‫فَ ِق َيل لِ َي‪ُ :‬ه َو ِفي َم ْن ِز ِل ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ِ :‬إ َّن َم َع ُك ْم ِم ْن‬ ‫َوقُ ْلنَا ل َ ُه‪َ :‬م َتى نَ ْل َت ِقي؟ فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫اج‪،‬‬ ‫قَ ْو ِم ُك ْم َم ْن ُه َو ُم َخالِف ل َ ُك ْم‪ ،‬فَأَ ْخ ُفوا أَ ْم َر ُك ْم َح َّتى يَ ْن َص ِد َع َه َذا ا ْل َح ُّ‬
‫َونَ ْل َت ِق َي نَ ْح ُن َوأَ ْن ُت ْم فَنُ َو ِّض َح ل َ ُك ُم ْاألَ ْم َر‪ ،‬فَ َت ْد ُخلُو َن َعلَى أَ ْم ٍر بَيِّ ٍن‪ ،‬فَ َو َع َد ُه ْم‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬اللَّ ْيلَ َة ال َّ ِتي ِفي ُص ْب ِح َها النَّ َف ُر ْاآل ِخ ُر أَ ْن يُ َو ِاف َي ُه ْم أَ ْس َف َل‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ا ْل َع َق َبةِ َح ْي ُث ا ْل َم ْس ِج ُد ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬وأَ َم َر ُه ْم أَ ْن َال يُنَ ِّب ُهوا نَائِما‪َ ،‬و َال يَ ْن َت ِظ ُروا‬
‫َغائِبا(‪.)1‬‬
‫وتأمل معي كيف بادر العباس ‪ ‬بالكالم في محضر النبي‬
‫‪ ،‬ثم تأمل أيضا نصحه للقوم بإخفاء أمرهم وأن يكونوا على‬
‫حذر؛ حتى ال يخلص إليهم وال إلى رسول اهلل ‪ ‬مكروه‪ ،‬أفال‬
‫يدلنا هذا على ثقة النبي ‪ ‬بعمه العباس واطمئنانه له رغم أنه‬
‫كان وقتها مشركا؟ ثم إن فيها داللة ضمنية على إقرار النبي ‪‬‬

‫واعترافه بسداد رأي العباس‪ ،‬كما أن فيها داللة على عظم مكانة ومنزلة‬
‫العباس عند النبي ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن سعد في الطبقات (‪ )5/2‬بإسناد متصل رجاله ثقات‪ .‬وانظر‪ :‬سير أعالم‬
‫النبالء للذهبي‪.222/2 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫ونتابع مع ابن سعد روايته لفصول بيعة العقبة فيقول فيما يرويه عن‬
‫معاذ بن رفاعة بن رافع قال‪:‬‬
‫فخرج القوم تلك الليلة ليلة النَّ ْفرِ األَ َّو ِل بَ ْع َد َهدأة يَ َت َسلَّلُو َن الرجل‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ إلى َذلِ َك ا ْل َم ْو ِض ِع َو َم َع ُه‬ ‫والرجالن َوقَ ْد َس َب َق ُه ْم َر ُس ُ‬
‫س َغ ْي ُر ُه‪َ .‬و َكا َن َي ِث ُق ِب ِه فِي‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ل َ ْي َس َم َع ُه أَ َحد ِم َن النَّا ِ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‬ ‫اج َت َم ُعوا َكا َن أَ َّو َل َم ْن َت َكلَّ َم ا ْل َع َّب ُ‬ ‫أ َ ْم ِرهِ ُكل ِّ ِه‪ .‬فَلَ َّما ْ‬
‫ت األَ ْو ُس َوا ْل َخ ْز َر ُج ُت ْد َعى ا ْل َخ ْز َر ِج‪ِ .‬إنَّ ُك ْم‬ ‫فَ َق َال‪ :‬يَا َم ْع َش َر ا ْل َخ ْز َر ِج‪َ .‬و َكانَ ِ‬
‫س ِفي َع ِش َيرتِه ِ‬ ‫وه ِإل َ ْيه ِ َو ُم َح َّمد ِم ْن أَ َع ِّز النَّا ِ‬‫قَ ْد َد َع ْو ُت ْم ُم َح َّمدا ِإلَى َما َد َع ْو ُت ُم ُ‬
‫يَ ْمنَ ُع ُه َواهلل ِ َم ْن َكا َن ِمنَّا َعلَى قَ ْولِه ِ َو َم ْن ل َ ْم يَ ُك ْن ِمنَّا َعلَى قَ ْولِه ِ َمنَ َعة‬
‫اس ُكلَّ ُه ْم َغ ْي َر ُك ْم فَ ِإ ْن ُك ْن ُت ْم أَ ْه َل قُ َّو ٍة‬‫ف‪َ .‬وقَ ْد أَبَى ُم َح َّمد النَّ َ‬ ‫الشر ِ‬
‫ل ْل َح َس ِب َو َّ َ‬
‫ِ‬
‫َو َجلَ ٍد َوبَ َص ٍر بِا ْل َح ْر ِب َو ْاس ِت ْقال ٍل بِ َع َد َاو ِة ا ْل َع َر ِب قَا ِط َبة فإنها سترميكم عن‬
‫أل ِم ْن ُك ْم‬‫قوس واحدة فارتأوا َر ْأيَ ُك ْم َو ْأ َت ِم ُروا أَ ْم َر ُك ْم َوال َت ْف َترِقُوا ِإال َع ْن َم ٍ‬
‫يث أَ ْص َدقُ ُه‪.‬‬ ‫اج ِت َما ٍع فَ ِإ َّن أَ ْح َس َن ا ْل َح ِد ِ‬
‫َو ْ‬
‫وكأني بالعباس ‪ ‬وهو يلقي بكلماته الحازمة هذه‪ ،‬وعيناه‬
‫تحدقان كعيني الصقر في وجوه األنصار‪ ..‬يتتبع وقع الكالم وردود فعله‬
‫العاجلة‪..‬‬
‫يتقصى‬
‫ولم يكتف العباس ‪ ‬بهذا‪ ،‬فذكاؤه العظيم ذكاء عملي ّ‬
‫الحقيقة في مجالها المادي‪ ،‬ويواجه كل أبعادها مواجهة الحاسب‬
‫الخبير‪ ..‬إنه عاود سؤالهم مستأنفا حديثه معهم ونظراته إليهم‪ ،‬قائال‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫> ِص ُفوا لِ َي ا ْل َح ْر َب َك ْي َف ُت َقاتِلُو َن َع ُد َّو ُك ْم؟ قَ َال‪ :‬فَأَ ْس َك َت ا ْل َق ْو ُم‬


‫َو َت َكلَّ َم َع ْب ُد اهلل ِ ْب ِن َع ْمرِو ْب ِن َح َرامٍ‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬نَ ْح ُن َواهلل ِ أَ ْه ُل ا ْل َح ْر ِب ُغذِّينَا‬
‫اها َع ْن آبَائِنَا َكابِرا فَ َكابِرا‪ .‬نَ ْر ِمي بِالنَّ ْب ِل َح َّتى َت ْفنَى‪.‬‬ ‫بِ َها َو ُم ِّرنَّا َعلَ ْي َها َو َو ِر ْثنَ َ‬
‫السيو ِ‬ ‫ثُ َّم نُطَا ِع ُن بِ ِّ‬
‫ف فُنَ َضار ُِب بِ َها‬ ‫اح‪ .‬ثُ َّم نَ ْم ِشي بِ ُّ ُ‬ ‫الر َّم ُ‬
‫الر َما ِح َح َّتى ُت ْك َس َر َّ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪:‬‬ ‫وت األَ ْع َج ُل ِمنَّا أَ ْو ِم ْن َع ُد ِّونَا‪ .‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫َح َّتى يَ ُم َ‬
‫اب َح ْر ٍب‪ ،‬فَ َه ْل ِفي ُك ْم ُد ُروع؟ قَالُوا‪ :‬نَ َع ْم َشا ِملَة‪.‬‬ ‫أَ ْن ُت ْم أَ ْص َح ُ‬
‫َوقَ َال ا ْل َب َر ُاء ْب ُن َم ْع ُرو ٍر‪ :‬قَ ْد َس ِم ْعنَا َما قُ ْل َت‪ِ .‬إنَّا َواهلل ِ ل َ ْو َكا َن ِفي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْد َق َوبَذْ َل ُم َه ِج‬‫اء َو ِّ‬ ‫أَ ْن ُف ِسنَا َغ ْي ُر َما يَ ْنط ُق بِه ِ ل َ ُق ْلنَ ُاه َولَكنَّا نُرِي ُد ا ْل َوفَ َ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ‬ ‫أَ ْن ُف ِسنَا ُدو َن َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ قَ َال‪َ :‬و َتال َر ُس ُ‬
‫اه ْم ِإلَى اهلل ِ َو َرغ ََّب ُه ْم ِفي ا ِإل ْسالمِ َو َذ َك َر ال َّ ِذي ْ‬
‫اج َت َم ُعوا ل َ ُه‬ ‫ا ْل ُق ْرآ َن ثُ َّم َد َع ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫فَأَ َجابَ ُه ا ْل َب َر ُاء ْب ُن َم ْع ُرو ٍر بِا ِإل َيما ِن َوال َّت ْص ِدي ِق فَ َبايَ َع ُه ْم َر ُس ُ‬
‫آخذ بِي ِد ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫اس ْب ُن َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ـ ‪ ‬ـ َعلَى َذلِ َك‪َ .‬وا ْل َع َّب ُ‬
‫ـ ‪ ‬ـ يُ َؤ ِّك ُد ل َ ُه ا ْل َب ْي َع َة تِ ْل َك اللَّ ْيلَ َة َعلَى األَ ْن َصا ِر(‪.)1‬‬
‫إن الرواية التي بين أيدينا تعطينا دالالت وإشارات ال يمكن‬
‫إغفالها لعل منها‪ :‬إبراز مكانة العباس عند النبي ‪ ‬ويظهر ذلك‬
‫جليا في قول الراوي متحدثا عن النبي ‪ :‬وكان يثق به في أمره‬
‫كله‪ .‬مشيرا إل العباس وقاصدا إياه‪ ،‬وه ه العبارة تنبئ عن مكانة‬
‫العباس في قلب النبي ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 5/2 :‬ــ ‪.3‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫كما أن الناظر لكالم العباس ‪ ‬يجد مالمح الخبرة في الحياة‬


‫بادية على صاحبه‪ ،‬إن العباس ‪ ‬كان رجال مجربا متمرسا يجيد‬
‫الحكم على الناس والتفرس في طبائعهم‪ ،‬ويعرف كيف يزنهم ويميز‬
‫ٍ‬
‫نافذة وحس عمي ٍق وفك ٍر‬ ‫ٍ‬
‫بصيرة‬ ‫بينهم‪ ،‬إن أسئلته تلك للقوم تنبئ عن‬
‫بعي ٍد يستشرف المستقبل ويسبر أغواره‪ ،‬ويجوب بخياله في دروبه‬
‫وشعابه‪ ،‬إن الرجل بخبرته يعلم أن الرسول في حال جهر بدعوته‬
‫واستعلن بها‪ ،‬البد وأن يعارضه قومه‪ ،‬واحتمال إخراجه ممكن ومتوقع‪،‬‬
‫يواجه في حال ترك وطنه ولجأ إلى قوم آخرين‪ ،‬فأراد أن‬
‫وكذا يمكن أن َ‬
‫يستوثق من أمره‪ ،‬ويتأكد من جاهزية اآلخرين للدفاع عنه‪ ،‬وكأني به‬
‫يسأل األنصار ويلقي بكلماته عليهم وعيناه تحدقـان في وجـوههم‬
‫وترصـدان ردود فعالهم‪.‬‬
‫ثم إن العبارة األخيرة في الرواية تكشف عن مدى الصلة القوية‬
‫بين العباس ‪ ‬والنبي ‪ ،‬وكيف أن العباس ‪ ‬أمسك‬
‫بيده ‪ ‬ليؤكد له البيعة‪ ،‬إنه يشد أزره ويقوي جانبه‪ ،‬وكأنه يقول‬
‫له بلسان الحال‪ :‬استمر على أمرك‪ ،‬واستقم على نهجك فنحن معك‬
‫حتى وإن تركك غيرنا‪ ،‬فلن نسلمك‪.‬‬
‫وسواء أكان العباس ‪ ‬يومئذ اعتنق اإلسالم سرا‪ ،‬أم كان ال‬
‫يزال يفكّر‪ ،‬فإن موقفه العظيم هذا يحدد مكانه بين قوى الظالم‬
‫ويصور أبعاد رجولته ورسوخه(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫الغارب‪ ،‬والشروق المقبل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬رجال حول الرسول لخالد محمد خالد‪ ،‬ص‪.223‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫وعلى ضوء الروايات السابقة فقد اتضح لنا دور العباس الذي قام‬
‫به في بيعة العقبة الثانية وهو دور عظيم له مكانته وأهميته في التمكين‬
‫لإلسالم وتثبيت دعائم الدولة القادمة‪ ،‬وهذا ما عرفه له الرسول‬
‫‪ ‬وأثنى عليه فيه حيث قال يوما وهو في مجلس بالمدينة ــ فيما‬
‫يرويه ابن سعد ــ وهو يذكر ليلة العقبة فقال‪ :‬أيدت تلك الليلة بعمي‬
‫العباس‪ ،‬وكان يأخذ على القوم ويعطيهم(‪.)1‬‬
‫وكانت النتيجة أن أُيدت تلك البيعة العظيمة بالنجاح الباهر‪،‬‬
‫والتوفيق الملفت للنظر والمسترعي لالنتباه‪ ،‬وهذا يعود برمته بعد رعاية‬
‫اهلل إلى قيادة النبي ‪ ‬الحكيمة التي رتبت مثل هذا اللقاء‬
‫وأسهمت في إنجاحه‪ ،‬واصطحبت معها العباس خبيريا ومجربا ومتحدثا‪،‬‬
‫ثم إلى المعايير الخاصة للّقاء من حيث طبيعته وزمانه ومكانه‪ ،‬ثم إلى‬
‫المبايِعين؛ الذين كانوا في أعلى درجات الحيطة والحذر والنظام‬
‫والترابط؛ فأخفوا أمرهم‪ ،‬ونظموا صفَّهم‪ ،‬وضبطوا عددهم؛ لئال يدخل‬
‫بسرية عجيبة تذهل العقول‪.‬‬‫فيه من ليس من أهله؛ وكل ذلك ّ‬
‫ولقد اشتهر أمر حضور العباس ‪ ‬بيعة العقبة‪ ،‬وصار العباس‬
‫‪ ‬مرجعا لمن يريد أن يسترجع أخبارها ويعرف ما دار فيها‪ ،‬فقد‬
‫ت األَ ْو ُس‬ ‫اخ َر ِ‬ ‫روى ابن سعد بسنده عن ُسلَ ْي َما َن ْب ِن ُس َح ْي ٍم قَ َال‪َ :‬ت َف َ‬
‫يم ْن َض َر َب َعلَى يَ ِد َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ ل َ ْيلَ َة ا ْل َع َق َبةِ أَ َّو َل‬ ‫ِ‬
‫َوا ْل َخ ْز َر ُج ف َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪.21/2 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يوم العقبة‬

‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ .‬فَ َسأَلُوا‬ ‫س فَ َقالُوا‪ :‬ال أَ َح َد أَ ْعلَ ُم بِه ِ ِم َن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫النَّا ِ‬
‫اس فَ َق َال‪َ :‬ما أَ َحد أَ ْعلَ َم بِ َه َذا ِمنِّي‪ .‬أَ َّو ُل َم ْن َض َر َب َعلَى يَ ِد النَّب ِِّي‬ ‫ا ْل َع َّب َ‬
‫ـ ‪ ‬ـ ِم ْن تِ ْل ِ‬
‫ك اللَّ ْيلَةِ أَ ْس َع ُد ْب ُن ُز َر َار َة ثُ َّم ا ْل َب َر ُاء ْب ُن َم ْع ُرو ٍر ثُ َّم أُ َس ْي ُد‬
‫ا ْب ُن ا ْل ُح َض ْي ِر(‪.)1‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪.2/2 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫العباس ويوم بدر‬

‫أرسل اهلل تعالى نبيه ‪ ‬رسوال إلى الناس كافة‪ ،‬ومن يوم‬
‫أن صدع النبي ‪ ‬بدعوته والمخاطر تحدق به‪ ،‬واألهوال تحيطه‬
‫من كل صوب وحدب‪ ،‬إال أنه كان ثابت الجنان قوي األركان‪.‬‬
‫وتتوالى األيام يوما بعد يوم‪ ،‬وتمضي األعوام عاما بعد عام‪ ،‬وتمر‬
‫الحوادث حادثة عقب أختها‪ ،‬إلى أن تأتي الهجرة‪ ،‬ويؤسس الرسول‬
‫‪ ‬أولى دعائم ومعالم دولته الفتية‪ ،‬وتتلمظ قريش بأحقادها‪،‬‬
‫وتتلظى بنيران عداوتها وأحقادها‪ ،‬فتع ّد ع ّدة باطلها‪ ،‬لتواصل مطاردتها‬
‫الظالمة لعباد اهلل الصالحين‪ ،‬وتقوم غزوة بدر‪ ،‬ويتالقى فيها جيشا‬
‫اإليمان والطغيان‪ ،‬وحزبا الرحمن والشيطان‪ ،‬وتخرج قريش بح ِّدها‬
‫وحديدها‪ ،‬وقضها وقضيضها؛ تبغي غلبة وتستدعي نصرة‪ ،‬فتتلقى فيها‬
‫درسا يفقدها بقية صوابها‪.‬‬
‫وقعت أحداث غزوة بدر في رمضان من السنة الثانية للهجرة حيث‬
‫ش متوجهةٍ من الشام إلى مكة‬ ‫اعتراض عي ٍر لقري ٍ‬
‫َ‬ ‫أراد النبي ‪‬‬

‫يقودها أبو سفيان بن حرب‪ ،‬ولكن أبا سفيان تم َّكن من الفرار بالقافلة‪،‬‬
‫بعد أن أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري رسوال إلى قريش يستنفرهم‬

‫‪120‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫إلنقاذ أموالهم‪ ،‬ويخبرهم أن النبي محمدا ‪ ‬عرض لها في‬


‫أصحابه‪ ،‬ويطلب عونهم ونجدتهم‪ ،‬فاستجابت قريش للنفير‪ ،‬وخرجت‬
‫لقتال المسلمين‪.‬‬

‫‪ ‬العباس ورؤيا عاتكة قبل بدر‬


‫وقبل الشروع في موقف العباس ‪ ‬يوم بدر ال بد من ذكر‬
‫واقعة وردت في بعض الروايات فيما يتعلق ببدر أال وهي رؤيا عاتكة‬
‫بنت عبد المطلب‪.‬‬
‫يما يَ َرى النَّائِ ُم قَ ْب َل َم ْق َدمِ‬ ‫ِ‬
‫حيث > َرأَ ْت َعاتِ َك ُة بِ ْن ُت َع ْب ِد ا ْل ُم َّط ِل ِب ف َ‬
‫ث ل َ َيا ٍل ُر ْؤيَا‪،‬‬ ‫ش بِ َم َّك َة بِ َث َال ِ‬ ‫ِي َعلَى قُ َر ْي ٍ‬ ‫َض ْم َض َم ْب ِن َع ْمرٍو ا ْل ِغ َفار ِّ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‬ ‫فَأَ ْص َب َح ْت َعاتِ َك ُة فَأَ ْع َظ َم ْت َها‪ ،‬فَ َب َع َث ْت ِإلَى أَ ِخ َيها ا ْل َع َّبا ِ‬
‫فَ َقال َ ْت ل َ ُه‪ :‬يَا أَ ِخي‪ ،‬ل َ َق ْد َرأَ ْي ُت اللَّ ْيلَ َة ُر ْؤيَا أَ ْف َز َع ْت ِني ل َ َي ْد ُخلَ َّن َعلَى قَ ْو ِم َك‬
‫يما يَ َرى النَّائِ ُم أَ َّن َر ُجال‬ ‫ِ‬
‫ِم ْن َها َشر َوبَ َالء‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬و َما ِه َي؟ فَ َقال َ ْت‪َ :‬رأَ ْي ُت ف َ‬
‫أَ ْق َب َل َعلَى بَ ِعي ٍر ل َ ُه فَ َوقَ َف بِ ْاألَ ْبطَ ِح‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬ا ْن ِف ُروا يَا َآل َغ ْد ٍر لِ َم َصا ِر ِع ُك ْم‬
‫اج َت َم ُعوا ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬ثُ َّم أُ َرى بَ ِع َير ُه َد َخ َل بِه ِ ا ْل َم ْس ِج َد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اس ْ‬ ‫في ثَ َالث‪ ،‬فَأَ َرى النَّ َ‬
‫س ا ْل َك ْع َبةِ‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫اس ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬ثُ َّم َم َث َل بِه ِ بَ ِع ُير ُه‪ ،‬فَ ِإ َذا ُه َو َعلَى َر ْأ ِ‬‫اج َت َم َع النَّ ُ‬
‫َو ْ‬
‫ا ْن ِف ُروا يَا َآل َغ ْد ٍر لِ َم َصا ِر ِع ُك ْم ِفي ثَ َال ٍث‪ ،‬ثُ َّم ِإ َّن بَ ِع َير ُه َم ُث َل بِه ِ َعلَى َر ْأ ِ‬
‫س‬
‫س‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬ا ْن ِف ُروا يَا َآل َغ ْد ٍر لِ َم َصا ِر ِع ُك ْم ِفي ثَ َال ٍث‪ ،‬ثُ َّم أَ َخ َذ‬ ‫أَبِي قُ َب ْي ٍ‬
‫س ا ْل َج َب ِل‪ ،‬فَأَ ْق َبلَ ْت َت ْه ِوي َح َّتى ِإ َذا َكانَ ْت ِفي‬ ‫َص ْخ َرة‪ ،‬فَأَ ْر َسلَ َها ِم ْن َر ْأ ِ‬
‫ت ِإ َّال َد َخ َل‬ ‫أَ ْس َف ِل ا ْل َجب ِل‪ ،‬أَ ْرفَ َض ْت فَ َما بَ ِقي ْت َدار ِم ْن ُدو ِر قَ ْو ِم َك‪َ ،‬و َال بَ ْي ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪125‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫اس‪َ :‬واهلل ِ‪ِ ،‬إ َّن َه ِذهِ ل َ ُر ْؤيَا فَا ْك ُت ِم َيها‪ ،‬قَال َ ْت‪َ :‬وأَ ْن َت‬ ‫ِ‬
‫فيه ِ بَ ْع ُض َها‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس ِم ْن ِع ْن ِد َها َول َ ِق َي‬ ‫فَا ْك ُت ْم َها ل َ ِئ ْن بَلَ َغ ْت َه ِذهِ قُ َر ْيشا ل َ ُي ْؤ ُذونَنَا‪ ،‬فَ َخ َر َج ا ْل َع َّب ُ‬
‫اها‪ ،‬فَ َذ َك َر َها‬ ‫ا ْل َولِي َد ْب َن ُع ْت َب َة‪َ ،‬و َكا َن ل َ ُه َص ِديقا فَ َذ َك َر َها ل َ ُه َو ْاس َت ْك َت َم ُه ِإيَّ َ‬
‫اس‪َ :‬واهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي ل َ َغا ٍد‬ ‫يث‪ ،‬قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ا ْل َولِي ُد ِألَبِيه ِ‪ ،‬فَ َت َح َّد َث بِ َها فَ َف َشا ا ْل َح ِد ُ‬
‫ُوف بِ َها ِإ ْذ َد َخ ْل ُت ا ْل َم ْس ِج َد‪ ،‬فَ ِإ َذا أَبُو َج ْه ٍل ِفي نَ َف ٍر ِم ْن‬ ‫ِإلَى ا ْل َك ْع َبةِ ِألَط َ‬
‫ش يَ َت َح َّدثُو َن‪َ ،‬ع ْن ُر ْؤيَا َعاتِ َك َة‪ ،‬فَ َق َال أَبُو َج ْه ٍل‪ :‬يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل‪َ ،‬م َتى‬ ‫قُ َر ْي ٍ‬
‫َح َّدثَ ْت َه ِذهِ النَّب َِّي ُة ِفي ُك ْم؟ قُ ْل ُت‪َ :‬و َما َذا َك‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬ر ْؤيَا َرأَ ْت َها َعاتِ َك ُة بِ ْن ُت‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَ َما َر ِض ُيت ْم يَا بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَ ْن يَ َتنَ َّبأَ ر َِجال ُ ُك ْم َح َّتى‬
‫َت َّنبأَ نِ َسا ُؤ ُك ْم فَ َسنَ َت َربَّ ُص بِ ُك ْم َه ِذهِ الثَّ َال َث ال َّ ِتي َذ َك َر ْت َعاتِ َك ُة‪ ،‬فَ ِإ ْن َكا َن‬
‫ت ِفي ا ْل َع َر ِب‪،‬‬ ‫َحقًّا فَ َسي ُكو ُن‪َ ،‬و ِإ َّال َك َتبنَا َعلَ ْي ُك ْم ِك َتابا ِإنَّ ُك ْم أَ ْك َذ ُب أَ ْه ِل بَ ْي ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فَ َواهلل ِ َما َكا َن ِإل َ ْيه ِ ِمنِّي ِم ْن َكبِي ٍر ِإ َّال أَنِّي أَ ْن َك ْر ُت َما قَال َ ْت‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ما َرأَ ْت‬
‫َش ْيئا َو َال َس ِم ْع ُت بِ َه َذا‪ ،‬فَلَ َّما أَ ْم َس ْي ُت ل َ ْم َت ْب َق ْام َرأَة ِم ْن بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‬
‫ِيث أَ ْن يَ َق َع ِفي ر َِجالِ ُك ْم‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫اس ِق ا ْل َخب ِ‬ ‫ِإ َّال أَ َت ْت ِني‪ ،‬فَ ُق ْل َن‪ :‬أَ َصب ْر ُت ْم لِ َه َذا ا ْل َف ِ‬
‫َ‬
‫اء َوأَ ْن َت َت ْس َم ُع فَلَ ْم يَ ُك ْن ِع ْن َد َك ِفي َذلِ َك َغ ْي َرة؟ فَ ُق ْل ُت‪ :‬قَ ْد‬ ‫َتنَ َاو َل الن ِّ َس َ‬
‫َواهلل ِ َص َد ْق ُت َّن‪َ ،‬و َما َكا َن ِع ْن ِدي ِفي َذلِ َك ِم ْن َغ ْي َر ٍة ِإ َّال أَنِّي قَ ْد أَ ْن َك ْر ُت َما‬
‫ول َش ْيئا‬ ‫ث أَ َت َع َّر ُض ُه ل َ َي ُق َ‬ ‫قَ َال‪ ،‬فَ ِإ ْن َع َاد َألَ ْك ِف َينَّ ُه‪ ،‬فَ َق َع ْد ُت ِفي ا ْل َي ْومِ ال َّثالِ ِ‬
‫فَأُ َشاتِ ُم ُه‪ ،‬فَ َواهلل ِ ِإنِّي ل َ ُم ْقبِل نَ ْح َو ُه‪َ ،‬و َكا َن َر ُجال َح ِدي َد ا ْل َو ْجه ِ‪َ ،‬ح ِدي َد‬
‫اب ا ْل َم ْس ِج ِد يَ ْش َت ُّد‪ ،‬فَ ُق ْل ُت ِفي‬ ‫ا ْل َم ْن َظرِ‪َ ،‬ح ِدي َد الل َِّسا ِن ِإ ْذ َولَّى نَ ْح َو بَ ِ‬
‫الله ُم ا ْل َع ْن ُه ُك َّل َه َذا فَ َرقا ِم ْن أَ ْن أُ َشاتِ َم ُه‪َ ،‬و ِإ َذا ُه َو قَ ْد َس ِم َع َما ل َ ْم‬ ‫نَ ْف ِسي‪ُ :‬‬

‫‪123‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫أَ ْس َم ْع َص ْو َت َض ْم َض َم ْب َن َع ْمرٍو َو ُه َو َواقِف َعلَى بَ ِعي ِر ِه بِ ْاألَ ْب َط ِح قَ ْد َح َّو َل‬


‫ش‪ ،‬اللَّ ِط َ‬
‫يم ُة‬ ‫ول‪ :‬يَا َم ْع َش َر قُ َر ْي ٍ‬ ‫يص ُه‪َ ،‬و َج َد َع بَ ِع َير ُه‪ ،‬يَ ُق ُ‬ ‫َر ْحلَ ُه‪َ ،‬و َش َّق قَ ِم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫ض ل َ َها ُم َح َّمد‬ ‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ار‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ت‬‫و‬‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ا‬‫و‬ ‫َ‬
‫يم ُة ْ َ‬
‫م‬ ‫أ‬ ‫اللَّط َ‬
‫َوأَ ْص َحابُ ُه‪ ،‬فَا ْل َغ ْو ُث‪ ،‬فَ َش َغلَ ُه َذلِ َك َعنِّي‪ ،‬فَلَ ْم يَ ُك ْن ِإ َّال ا ْل ِج َها ُز َح َّتى‬
‫ِ‬
‫سر‬‫اب قُ َر ْيشا َما أَ َصابَ َها يَ ْو َم بَ ْد ٍر‪ِ ،‬م ْن قَ ْت ِل أَ ْش َرافه ِْم‪َ ،‬وأَ ِّ‬ ‫َخ َر ْجنَا‪ ،‬فَأَ َص َ‬
‫ِخ َيا ِر ِه ْم‪ ،‬فَ َقال َ ْت َعاتِ َك ُة بِ ْن ُت َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪:‬‬
‫الر ْؤيَــا بِ َحــق َو َعــابَ ُك ْم بِ َت ْص ـ ِدي ِق َها قَـ َّـل ِمـ َ‬
‫ـن ا ْل َقـ ْـومِ َه ـار ُِب‬ ‫أَل َ ْ‬
‫ــم َت ُكــ ِن ُّ‬
‫(‪)5‬‬
‫الص ْد ِق َم ْن ُه َو َكـا ِذ ُب<‬
‫يُ َكذ ِّْب َن بِ ِّ‬ ‫فَ ُق ْلـ ُـت ْم َولَـ ْـم أَ ْك ـ ِذ ْب َكـ َـذ ْب ِ‬
‫ت َو ِإنَّ َمــا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِّيب َوبَ َّز التِّ َجارِ‪( .‬اللسان ومختار الصحاح ‪ /‬لطم)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اللَّ ِط َ‬
‫يم ُة‪ :‬ا ْل ِع ُير ال َّ ِتي َت ْح ِم ُل الط َ‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبري في التاريخ‪ )253/5( :‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ .)2525‬من‬
‫رواية ابن إسحاق بطريقين‪ :‬األولى‪ :‬عن ُح َس ْي ُن ْب ُن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّباسٍ‪،‬‬
‫وح َس ْي ُن ْب ُن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّباسٍ‪ ،‬وقد‬
‫س‪ ،‬به‪ُ ،‬‬ ‫َع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ض ّعفوه‪ ،‬وراجع ترجمته في تهذيب الكمال‪ 232/0 :‬رقم ‪ .1212‬وقال الذهبي في‬
‫التلخيص‪ ،‬رقم‪ )2525( :‬حسين ضعيف‪.‬‬
‫وما َن‪َ ،‬ع ْن ُع ْر َو َة ْب ِن ال ُّزبَ ْير‪ ،‬مرسال‪ ،‬به‪ ،‬ومن طريق عروة‬ ‫والثانية‪ :‬عن يَزِي ُد ْب ُن ُر َ‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير‪ ،‬ح (‪ )302‬عن عروة مرسال‪ ،‬من طريق ابن لهيعة عن‬
‫أبي األسود‪ ،‬عن عروة‪ ،‬به‪ ،‬وأورده الهيثمي في المجمع‪ )51/0( :‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه‬
‫ِيع َة‪َ ،‬و ِفيه ِ َض ْعف َو َح ِدي ُث ُه َح َسن)‪.‬‬
‫الطَّ َب َرانِ ُّي ُم ْر َسال‪َ ،‬و ِفيه ِ ْاب ُن لَه َ‬
‫وإرسال عروة تقويه رواية الحاكم من طريق ُح َس ْي ُن ْب ُن َع ْب ِد اهللِ‪ ،‬وإن كانوا ضعفوه‪.‬‬
‫وأخرجه كذلك الطبراني الكبير‪ :‬ح (‪ )322‬من حديث أُ ِّم ُك ْلثُومٍ ب ِْن ِ‬
‫ت ُع ْق َب َة ْب ِن أَبِي‬
‫ُم َع ْي ٍط‪َ ،‬ع ْن َعات ِ َك َة‪ ،‬وفي السند‪َ :‬ع ْب ُد ا ْل َعزِي ِز ْب ُن ِع ْم َرا َن‪ ،‬وهو متروك‪( ،‬الكامل البن‬
‫=‬ ‫عدي‪ 222/0 :‬ــ تهذيب الكمال‪.)123/13 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫ويظهر أن هذه الرؤيا قد أقلقت بعض رؤوس قريش‪ ،‬وال أدل‬


‫ت‬ ‫والال ِ‬
‫على ذلك من امتناع أبي لهب عن الخروج لنجدة العير‪ ،‬قائال‪َّ :‬‬
‫َوا ْل ُع َّزى َال أَ ْخ ُر ُج َو َال أَ ْب َع ُث أَ َحدا‪َ ،‬و َما َمنَ َع ُه ِم ْن َذلِ َك ِإ َّال ِإ ْش َفاقا ِم ْن‬
‫ول‪ُ :‬ر ْؤيَا َعاتِ َك َة أَ ْخذ بِا ْل َي ِد(‪.)1‬‬
‫ُر ْؤيَا َعاتِ َك َة‪َ ،‬و ِإنَّ ُه َكا َن يَ ُق ُ‬
‫ك‬‫الر ْؤيَا ِفي َم ْهلِ ِ‬ ‫ويقول الذهبي في ترجمة عاتكة‪ِ :‬هي َص ِ‬
‫اح َب ُة تِ ْل َك ُّ‬ ‫َ‬
‫اها أَبَا ل َ َه ٍب َع ْن ُش ُهودِ بَ ْد ٍر ‪.‬‬ ‫أَ ْه ِل بَ ْد ٍر‪َ ،‬وتِ ْل َك ُّ‬
‫(‪)5‬‬
‫الر ْؤيَا ثَ َّبطَ ْت أَ َخ َ‬

‫‪ ‬املشركون وجنون االرتياب‪( ..‬توجس وخيفة)‬


‫يظهر أن مشركي مكة لم يكونوا مطمئنين لموقف العباس ‪‬‬

‫وانحيازه الكامل لهم حيث أخرجوه إلى بدر مستكرها‪ ،‬وقد حرصوا كل‬
‫الحرص على أن يكون العباس ‪ ‬بينهم‪ ،‬حيث رأوها فرصة سانحة‬
‫الختبار نواياه والتثبت من موقفه وصدق تأييده لهم‪ ،‬فدفعوه إلى معركة ال‬
‫يؤمن بها وال يريدها حتى يتبينوا موقفه ويتثبتوا من انحيازه وركونه‬
‫إليهم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وذكر قصة عاتكة ابن سعد في الطبقات‪ .22/3 :‬عند ذكرها لعاتكة‪ ،‬دون إسناد‪،‬‬
‫وأوردها الذهبي في السير‪ .222/1 :‬عن ابن إسحاق بكلتا طريقيه‪ .‬دون تعليق‪.‬‬
‫والحديث حسن بمجموع طرقه‪ ،‬فاألسانيد السابقة يقوي بعضها بعضا‪.‬‬
‫(‪ )1‬الطبقات‪.22/3 :‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪.211/2 :‬‬
‫(‪ )2‬تشير بعض الروايات التي في سندها مقال إلى مكاتبة العباس للنبي ‪ ‬يبلغه‬
‫بأمر المشركين وإكراههم إياه على الخروج‪ ،‬ويعلمه برغبته في كسرهم والحيلولة‬
‫اس=‬‫بينهم وبين محاربة النبي ‪ .‬فقد أخرج البالذري بسنده َ َح َّدثَ ِني َع َّب ُ‬

‫‪102‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫روى ابن سعد بسنده عن عبد اهلل بن الحارث بن نوفل‪ :‬أَ َّن قُ َر ْيشا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ا ْب ُن ِه َشامٍ ا ْل َك ْلب ُِّي َع ْن أبيه َع ْن َج ِّدهِ‪َ ،‬ع ْن أَبِي َصالِ ٍح‪َ ،‬ع ْن َجابِرِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ قَ َال‪َ :‬ك َت َب‬
‫ين ِإلَى بَ ْد ٍر‬ ‫ا ْل َع َّباس ْبن َع ْبد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِإلَى َر ُسول اللَّه ‪ِ ‬ع ْن َد ُخ ُرو ِج ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫ين َو ِإ ْن أَ ْم َكنَ ُه‬‫ش َوأَنَّ ُه َغ ْي ُر ُم َقات ِ ٍل َم َع ا ْل ُم ْشرِ ِك َ‬‫الس َب َب ال َّ ِذي َخ َر َج ل َ ُه ِم ْن ُم َد َارا ِة قُ َر ْي ٍ‬
‫يُ ْعلِ ُم ُه َّ‬
‫أَ ْن يَ ْن َهز َِم بِه ِْم َويَ ْك ِس َر ُه ْم فَ َع َل‪ ،‬فَلَ َّما أ ُ ِس َر يَ ْو َم بَ ْد ٍر بَ َع َث ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أَ ْن‬
‫أَ ْلز ِْم ِني ِم َن ا ْل ِف َد ِاء أَ ْغلَ َظ َما يُ ْؤ َخ ُذ ِم ْن أَ َح ٍد‪َ ،‬و َكا َن ِك َتابُ ُه ِم ْن َم َّك َة َم َع َر ُج ٍل ِم ْن بَ ِني‬
‫ش لِ َغ ْز ِوهِ يَ ْو َم أُ ُح ٍد إِ ْش َفاقا ِم ْن‬ ‫ِكنَ َان َة‪َ ،‬و َم َع ُه ِك َتابُ ُه ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ب ِْاس ِت ْع َدادِ قُ َر ْي ٍ‬
‫أَ ْن يُ ِص ُيبوا ُغ َّر َت ُه‪َ ،‬و َبلَ َغ ُه فَ ْت ُح َخ ْي َب َر فَأَ ْع َت َق ُغالما ل َ ُه يُ َكنَّى أَبَا َزب َِيب َة‪( .‬أنساب األشراف‪:‬‬
‫‪ .)2/2‬والرواية في سندها الكلبي وابنه وكالهما متروك‪ .‬قال الذهبي عن الكلبي‪:‬‬
‫ث‪( .‬سير‬ ‫الح ِد ْي ِ‬
‫اب‪َ ..‬م ْت ُر ْو ُك َ‬ ‫السائِ ِب ب ِن ب ِْش ٍر ال َك ْلب ُِّي‪َ ..‬كا َن َر ْأسا ِفي األ َ َنس ِ‬ ‫بن َّ‬ ‫ُم َح َّم ُد ُ‬
‫أعالم النبالء‪ .)223/0 :‬وقال عنه النسائي‪ :‬متروك الحديث‪( .‬الضعفاء والمتروكين‪:‬‬
‫‪ 22/1‬ت‪ .)212 :‬وقال عنه ابن حبان‪ :‬مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر‬
‫من أن يحتاج إلى اإلغراق في وصفه‪( .‬المجروحين‪ .)22/1 :‬وعند ابن حجر‪ :‬متهم‬
‫بالكذب ورمي بالغلو‪( .‬التهذيب‪ 153/2‬ت‪ .)503‬بتصرف‪.‬‬
‫بن َح ْنب ٍل‪ِ :‬إنَّ َما َكا َن َص ِ‬
‫اح َب َس َم ٍر َونَ َس ٍب‪َ ،‬ما ظَنَ ْن ُت‬ ‫وعن هشام بن الكلبي يقول أَ ْح َم ُد ُ َ‬
‫ث‪ )125/12( .‬ونسبه ْاب ُن‬ ‫الح ِد ْي ِ‬
‫أَ َّن أَ َحدا يُ َح ِّد ُث َع ْن ُه‪ .‬وقال الدارقطني‪َ :‬م ْت ُر ْو ُك َ‬
‫َع َسا ِك َر إلى الغلو‪ ،‬وقال‪ :‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ‪( .‬سير أعالم النبالء‪( .)531/3 :‬الميزان‪:‬‬
‫‪( )222/2‬التاريخ الكبير‪.)322/5 :‬‬
‫بن َم ِع ْي ٍن‪ :‬ل َ ْي َس‬ ‫وفي السند أبو صالح وهو باذام‪ ،‬تابعي ضعفه البخاري‪ ،‬وق َال يَ ْح َيى ُ‬
‫بِه ِ بَ ْأس‪َ ،‬و ِإ َذا َح َّد َث َع ْن ُه ال َك ْلب ُِّي‪ ،‬فَلَ ْي َس ب َِش ْي ٍء‪ .‬وقال ابن عدي‪ :‬عامة ما يرويه‬
‫تفسير‪َ .‬وقَ َال يَ ْح َيى ال َقطَّا ُن‪ :‬ل َ ْم أَر أَ َحدا ِم ْن أَ ْص َحابِنَا َت َر َك ُه‪َ .‬وقَ َال ْاب ُن َع ِدي‪َ :‬ع َّام ُة َما‬
‫الم ْسنَ ِد‪َ .‬وقَ َال النَّ َسائِ ُّي‪ :‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ‪َ .‬ك َذا ِع ْن ِدي‪َ ،‬و َص َوابُ ُه‪:‬‬ ‫يَ ْرو ِْيه ِ َت ْف ِس ْير‪ ،‬قَلَّ َما ل َ ُه ِم َن ُ‬
‫بِ َق ِوي‪( .‬أي ليس بقوي) فَ َكأَنَّ َها َت َص َّح َف ْت‪ ،‬فَ ِإ َّن النَّ َسائِ َّي الَ يَ ُق ْولُ ‪ :‬لِ ْي َس بِ ِث َقةٍ ِفي َر ُج ٍل‬
‫ُم َخ َّر ٍج ِفي ِك َتابِه ِ‪ .‬وقال عبد الحق في أحكامه‪ :‬ضعيف جدا‪ ،‬فأنكر هذه العبارة عليه أبو‬
‫الحسن بن القطان‪( .‬راجع‪ :‬سير أعالم النبالء‪ 25/2 :‬ــ ميزان االعتدال‪.)520/1 :‬‬

‫‪101‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫اح‬‫َ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫م‬‫ِ‬ ‫و‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫ه‬‫ج‬
‫ُ َْ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬‫َّ‬ ‫ه‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ل َ َّما َت َف َّرقُوا ِإلَى بَ ْد ٍر فَ َكانُوا بِ َم ِّر ال َّظ ْه َرا ِن‬
‫ش أَال َت ًّبا لِ َر ْأيِ ُك ْم َما َذا َصنَ ْع ُت ْم؟ َخلَّ ْف ُت ْم بَ ِني َه ِاش ٍم‬ ‫فَ َق َال‪ :‬يَا َم ْع َش َر قُ َر ْي ٍ‬
‫َو َر َاء ُك ْم‪ ،‬فَ ِإ ْن ظَ َف َر بِ ُك ْم ُم َح َّمد َكانُوا ِم ْن َذلِ َك بِنَ ْح ِوهِ‪َ .‬و ِإ ْن ظَ ِف ْر ُت ْم بِ ُم َح َّم ٍد‬
‫ِيب ِم ْن أوالدكم وأهليكم‪ .‬فال تدروهم ِفي‬ ‫أَ َخذُوا آثَ َار ُك ْم ِم ْن ُك ْم ِم ْن قَر ٍ‬
‫وه ْم َم َع ُك ْم َو ِإ ْن ل َ ْم يَ ُك ْن ِع ْن َد ُه ْم َغنَاء‪.‬‬ ‫بَ ْي َض ِت ُك ْم َو ِفنَائِ ُك ْم‪َ ،‬ول َ ِك ْن أَ ْخر ُِج ُ‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب وطالبا وعقيال كرها(‪.)5‬‬ ‫فَ َر َج ُعوا ِإل َ ْيه ِْم فَأَ ْخ َر ُجوا ا ْل َع َّب َ‬
‫‪‬‬ ‫فلما كانت غزوة بدر والتقى الجمعان أمر الرسول‬
‫المسلمين أال يقتلوا العباس ‪‬؛ ألنه خرج مستكرها‪.‬‬
‫س أَ َّن النَّب َِّي ‪ ‬قَ َال ألَ ْص َحابِه ِ يَ ْو َم ِئ ٍذ ــ يَ ْو َم بَ ْد ٍر ــ‪:‬‬ ‫ف َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ِإنِّي قَ ْد َع َر ْف ُت أَ َّن ر َِجاال ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم َو َغ ْيرِ ِه ْم قَ ْد أُ ْخر ُِجوا َك ْرها‪ ،‬ال‬
‫اج َة ل َ ُه ْم بِ ِق َتالِنَا‪ ،‬فَ َم ْن ل َ ِق َي ِم ْن ُك ْم أَ َحدا ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم فَال يَ ْق ُت ُله‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫َح َ‬
‫ِث ْب ِن أَ َس ٍد فَال يَ ْق ُت ُله‪َ ،‬و َم ْن ل َ ِق َي‬ ‫ِي ْابن ِه َشامِ ْب ِن ا ْل َحار ِ‬ ‫ل َ ِق َي أَبَا ا ْل َب ْخ َتر ِّ‬
‫العباس بن عبد المطلب عم رسول اهلل فَال يَ ْق ُت ُله‪ ،‬ف َ ِإنَّ ُه ِإنَّ َما أ ُ ْخر َِج‬
‫اءنَا‬ ‫ُم ْس َت ْك َرها‪ ،‬قَ َال‪ :‬ف َ َق َال أَبُو ُح َذ ْي َف َة ْب ُن ُع ْت َب َة ْب ِن َربِ َيع َة‪ :‬أَنَ ْق ُت ُل آبَ َ‬
‫اس! َواهلل ِ ل َ ِئ ْن ل َ ِق ُيت ُه ألَلْ ِح َمنَّ ُه‬ ‫َوأ َ ْبنَاءَنَا َو ِإ ْخ َوانَنَا َو َع ِش َير َتنَا‪َ ،‬ونَ ْت ُر ُك الْ َع َّب َ‬
‫اب‪:‬‬ ‫ول لِ ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخطَّ ِ‬ ‫ول اهلل ‪ ،‬ف َ َج َع َل يَ ُق ُ‬ ‫الس ْي َف‪ ،‬ف َ َبلَ َغ ْت َر ُس َ‬ ‫َّ‬
‫عم‬‫ص‪ ،‬أ َ َما َت ْس َم ُع ِإلَى قَ ْو ِل أَبِي ُح َذ ْي َف َة‪ ،‬يقول‪ :‬اضرب وجه ّ‬ ‫يَا أَبَا َح ْف ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وع ْس َفان‪ .‬قال ياقوت في معجمه‪ )02/2( :‬والظهران‪ :‬واد‬ ‫(‪َ )1‬م ّر ال َّظ ْه َران‪َ :‬وا ٍد بَ ْي َن َم َّك َة ُ‬
‫قرب مكة وعنده قرية يقال لها‪ّ :‬مر‪ ،‬تضاف إلى هذا الوادي‪ ،‬فيقال‪ّ :‬مر الظهران‪.‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪.2/2 :‬‬

‫‪105‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫ول اهلل ِ‪َ ،‬د ْع ِني فألضربن عنقه‬ ‫ف! فَ َق َال ُع َم ُر‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫الس ْي ِ‬
‫رسول اهلل بِ َّ‬
‫بالسيف‪ ،‬فو اهلل لقد نافق‪ .‬قال ُع َم ُر‪َ :‬واهلل ِ ِإنَّ ُه ألَ َّو ُل يَ ْومٍ َكنَّانِي ِفيه ِ رسول‬
‫ول‪َ :‬ما أَنَا بِآ ِم ٍن ِم ْن‬ ‫ص ــ قَ َال‪ :‬فَ َكا َن أَبُو ُح َذ ْي َف َة يَ ُق ُ‬
‫اهلل ‪ ‬بِأَبِي َح ْف ٍ‬
‫تِ ْل َك ا ْل َكلِ َمةِ ال َّ ِتي قُ ْل ُت يَ ْو َم ِئ ٍذ‪َ ،‬وال أَ َز ُال ِم ْن َها َخائِفا ِإال أَ ْن ُت َك ِّف َر َها َعنِّي‬
‫الش َه َاد ُة فَ ُق ِت َل يَ ْو َم ا ْل َي َم َامةِ شهيدا(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن هشام في السيرة (‪ )052/1‬من طريق ابن إسحاق عن العباس بن عبد اهلل‬
‫ابن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس‪ .‬ومن طريقه الطبري في تاريخه (‪،)222/5‬‬
‫والسند رجاله ثقات‪ ،‬غير أن فيه إبهاما بالبعض الذين يروي عنهم العباس بن عبد اهلل‬
‫ابن معبد‪ ،‬وإن كان اإلبهام يزول بمعرفة من روى عنهم‪ ،‬وقد أعرب المزي في‬
‫تهذيب الكمال‪ )32/22( :‬عن المراد بأهله في السند أو بعضهم‪ ،‬وقال‪ِ :‬من أهله‬
‫الذين يروي عنهم أبوه‪ ،‬وأخوه إبراهيم بن َعبد اهلل بن معبد ْبن َع َّباس‪ ،‬وعكرمة مولى‬
‫ابن عباس‪ .‬وذكر كذلك ابن حجر أنه روى عن أبيه وأخيه‪( .‬تهذيب التهذيب‪:‬‬
‫‪.)152/2‬‬
‫فلعل الجهالة هنا تزول بتحديث العباس عن أبيه وأخيه‪ ،‬أو حتى عن عكرمة‪ ،‬وقد‬
‫صرح ابن إسحاق بالتحديث‪ ،‬وقال ابن حجر أيضا في التقريب‪ :‬العباس بن عبد اهلل‬
‫ابن معبد بن العباس عن بعض أهله‪ ،‬يحتمل أن يكون عكرمة أو أبوه عبد اهلل أو أخوه‬
‫إبراهيم ابن معبد‪( .‬التقريب‪ :‬ص‪ )522‬وأبوه عبد اهلل ثقة‪ ،‬وأخوه إبراهيم صدوق‪.‬‬
‫وعكرمة ثقة ثبت‪.‬‬
‫ورواه جميع من رواه من طريق العباس بن عبد اهلل بن معبد‪ .‬انظر‪ :‬ابن سعد في‬
‫الطبقات ‪ ،3/2‬والبيهقي في دالئل النبوة‪ .121 ،122/2 :‬وأخرجه الحاكم في‬
‫محمد بن إسحاق عن العباس بن معبد غير أنه قال‬ ‫المستدرك‪ :‬ح (‪ )2233‬من طريق ّ‬
‫فيه‪ :‬عن أبيه عن ابن عباس فيكون السند متصال‪ ،‬لكن الحاكم خالف في ذلك جميع‬
‫من روى الخبر‪ ،‬ورجال سنده هم رجال السند عند البيهقي وغيره‪ .‬بل رواه البيهقي من‬
‫طريق الحاكم وهو شيخه‪ ،‬فإن ثبت ما في سند الحاكم كان السند متصال واألثر حسنا‪=.‬‬

‫‪102‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫‪ ‬العباس في األسر‪( :‬أسير البشر أم املالئكة؟)‬


‫ودارت رحى الحرب واشتد أوارها وتأججت نيرانها‪ ،‬وسكتت‬
‫األكف‪ ،‬وخطبت السيوف على‬ ‫ّ‬ ‫األلسنة‪ ،‬ونطقت األسنَّة‪ ،‬وتطايرت‬
‫منابر الرقاب‪ ،‬وقُتل نفر من صناديد المشركين إال أنه لم ُتذكر للعباس‬
‫‪ ‬مواقف تدل على المشاركة في القتال‪ ،‬غير الحضور‪.‬‬
‫ولما انتهت وقائع غزوة بدر‪ ،‬وكان النصر حليف المسلمين وقع‬
‫العباس في األسر‪ ،‬دون مقاومة منه أو مدافعة‪ ،‬بل إن الروايات التي‬
‫ذكرت وقوعه في األسر حوت إشارات دلت على أن هذا األمر كان‬
‫بتسليم من قِبل العباس ‪.‬‬
‫واختلف العلماء في تحديد من أسره تبعا الختالف الروايات‬
‫الواردة في ذلك‪.‬‬
‫ورد في عمدة القاري‪ :‬واختلفوا في الذي أسر العباس‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وحتى إن لم يثبت ما في سند الحاكم فقد أبان المزي وابن حجر المراد >ببعض أهله<‬ ‫=‬
‫(العباس بن عبد اهلل بن معبد) في السند‪ ،‬وأنهم ال يخرجون عن أبيه وأخيه وعكرمة‪،‬‬
‫وهم ما بين ثقة وصدوق‪.‬‬
‫محمد بن إسحاق بالعباس بن معبد فقد‬
‫وأما ما وقع في سند الحاكم من تسمية شيخ ّ‬ ‫ّ‬
‫خالف فيه أيضا جميع من روى األثر‪ ،‬حيث إنهم قالوا‪> :‬العباس بن عبد اهلل بن‬
‫معبد<‪ .‬وبعد الرجوع إلى كتب التراجم وكتب المؤتلف والمختلف في األسماء يتضح‬
‫أنه رجل واحد‪ ،‬وقد نسبه الحاكم لجده؛ ألن العباس بن عبد اهلل بن معبد يروي عن‬
‫نص على ذلك المزي في‬ ‫أبيه كما في رواية الحاكم‪ ،‬ويروي عن بعض أهله كما ّ‬
‫تهذيب الكمال‪ )32/22( .‬واهلل أعلم‪( .‬انظر‪ :‬دراسة نقدية في المرويات الواردة في‬
‫شخصية عمر بن الخطاب‪ ،‬عبد السالم بن محسن‪.)50/1 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫ملك من المالئكة‪ ..‬وقيل‪ :‬أسره أبو اليسر كعب بن عمرو وأخو بني‬
‫سلمة األنصاري‪ ،‬وقيل‪ :‬أسره عبيد اهلل بن أوس األنصاري من بني‬
‫ظفر وسمي‪ :‬بمقرن(‪.)1‬‬
‫جل األقوال تشير إلى أن آسر العباس في بدر هو أبو‬
‫وإن كانت ّ‬
‫اليسر كعب بن عمرو األنصاري‪.‬‬
‫قال ابن حبان في ترجمة أبي اليسر‪ :‬وأسر أَبُو ا ْل ُي ْسر َك ْعب ْبن‬
‫َع ْمرو ا ْل َع َّباس ْبن َع ْبد ا ْلمطلب وأوثقه(‪.)5‬‬

‫وقال أبو نعيم في ترجمته أيضا‪َ :‬و ُه َو ال َّ ِذي أَ َس َر ا ْل َع َّب ُ‬


‫اس ْب ُن‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب يَ ْو َم بَ ْد ٍر(‪ .)2‬وبمثله قال ابن عبد البر(‪ .)2‬وابن األثير(‪.)2‬‬
‫والذهبي(‪ .)0‬والصفدي(‪ .)5‬وابن حجر العسقالني(‪ .)3‬وابن كثير(‪.)2‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقد وردت كثير من الروايات في أس ِر أبي اليسر للعباس ‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عمدة القاري‪ :‬العيني‪ 25/12 ،‬ــ ‪.23‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الثقات‪.152/1 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫معرفة الصحابة‪.5203/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االستيعاب‪.1550/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أسد الغابة‪.250/0 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سيبر أعالم النبالء‪.225/5 :‬‬ ‫(‪)0‬‬
‫الوافي‪.522/25 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اإلصابة‪.232/5 :‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫البداية والنهاية‪ .53/3 :‬وراجع‪ :‬تهذيب الكمال‪.130/52 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪102‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫سواء أسره بمفرده أم بمؤازرة ملك‪.‬‬


‫يث ا ْلبر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‬
‫َ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫‪:‬‬‫ال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫اء‬ ‫قال ابن حجر في الفتح‪َ :‬ر َوى أَ ْح َم ُد م ْن َحد ِ َ َ‬
‫اس‪ :‬ل َ ْي َس َه َذا أَ َس َرنِي‪ ،‬بَ ْل‬ ‫س قَ ْد أَ َس َر ُه فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬‫َر ُجل ِم َن ْاألَ ْن َصا ِر بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫ك‬ ‫ِي‪ :‬أَيَّ َد َك اهلل بِ َملَ ٍ‬
‫ُ‬ ‫أَ َس َرنِي َر ُجل أَ ْن َز ُع‪ ،‬فَ َق َال النَّب ُِّي ‪ ‬لِ ْأل َ ْن َصار ِّ‬
‫ِي أَبُو ا ْل َي َسرِ بِ َف ْت ِح ال َّت ْح َتانِ َّيةِ َوا ْل ُم ْه َملَةِ‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫َكرِي ٍم‪َ ،‬و ْاس ُم َه َذا ْاألَ ْن َصار ِّ‬
‫َك ْع ُب ْب ُن َع ْمرٍو ْاألَ ْن َصار ُّ‬
‫ِي‪.‬‬
‫اس‪َ .‬و ِم ْن‬ ‫َو َر َوى ال َّطب َرانِ ُّي ِم ْن َح ِد ِ‬
‫يث أَبِي ا ْل َي َسرِ أَنَّ ُه أَ َس َر ا ْل َع َّب َ‬ ‫َ‬
‫س قُ ْل ُت ِألَبِي‪َ :‬ك ْي َف أَ َس َر َك أَبُو ا ْل َي َسرِ َول َ ْو ِش ْئ َت ل َ َج َع ْل َت ُه‬ ‫َح ِد ِ‬
‫يث ابن َع َّبا ٍ‬
‫ِفي َك ِّف َك؟ قَ َال‪َ :‬ال َت ُق ْل َذلِ َك يَا بُنَ َّي(‪.)1‬‬
‫وفي المستدرك عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول‪ :‬أبو اليسر‬
‫األنصاري‪ ،‬اسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن تميم بن شداد‬
‫ابن عثمان بن كعب بن سلمة‪ ،‬من أهل بدر‪ ،‬وشهد العقبة‪ ،‬وهو الذي‬
‫أسر العباس بن عبد المطلب(‪.)5‬‬
‫وفيه أيضا عن عروة فيمن بايع رسول اهلل ‪ ‬بالعقبة من بني‬
‫عمرو بن سوادة‪ :‬أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن تميم‬
‫ابن سواد بن غانم بن كعب بن سلمة‪ ،‬من أهل بد ٍر‪ ،‬شهد العقبة‪ ،‬وهو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.255/5 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬ذكر كعب بن عمرو أبو اليسر‪،‬‬
‫ح (‪.)0122‬‬

‫‪100‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫الذي أسر العباس بن عبد المطلب(‪.)1‬‬


‫وعن قصة أسره للعباس وما دار فيها يروي الطبراني بسنده َع ْن‬
‫س بن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو ُه َو قَائِم‬
‫أبِي ا ْل َي َسرِ‪ ،‬قَ َال‪ :‬نَ َظ ْر ُت يَ ْو َم بَ ْد ٍر ِإلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫َكأَنَّ ُه َصنَم َو َع ْينَ ُاه َتذْ ِرفَا ِن‪ ،‬فَلَ َّما نَ َظ ْر ُت ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬قُ ْل ُت‪َ > :‬ج َزا َك اهللُ ِم ْن ِذي‬
‫يك َم َع َع ُد ِّوهِ؟<‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬ما فَ َع َل َو َه ْل أَ َصابَ ُه‬ ‫َر ِح ٍم َش ًّرا‪ ،‬أَ ُت َقاتِ ُل ْاب َن أَ ِخ َ‬
‫ا ْل َق ْت ُل؟<‪ ،‬قُ ْل ُت‪> :‬اهللُ أَ َع ُّز ل َ ُه َوأَ ْن َص ُر ِم ْن َذلِ َك<‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬ما ُترِي ُد ِإل َ َّي؟<‪،‬‬
‫ول اهلل ِ ‪ ،‬نَ َهى َع ْن قَ ْتلِ َك<‪ ،‬قَ َال‪> :‬ل َ ْس ُت‬ ‫قُ ْل ُت‪ِ > :‬إ َسار‪ ،‬ل َ ِك َّن َر ُس َ‬
‫أَ َّو َل ُص ْل ِبه ِ<‪ <،‬فَأَ َس ْر ُت ُه‪ ،‬ثُ َّم ِج ْئ ُت بِه ِ ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪.)5(<‬‬
‫وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمد بن إسحاق قال‪:‬‬
‫حدثني بعض أصحابنا عن مقسم أبي القاسم عن ابن عباس قال‪ :‬كان‬
‫الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة‪ ،‬وكان أبو‬
‫اليسر رجال مجموعا‪ ،‬وكان العباس رجال جسيما‪ ،‬فقال رسول اهلل‪،‬‬
‫‪ ،‬ألبي اليسر‪ :‬كيف أسرت العباس يا أبا اليسر؟ فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل وال بعد‪ ،‬هيئته كذا وهيئته‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب مناقب أبي اليسر‪ ،‬ح (‪.)0253‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )12521‬وقال الحافظ الهيثمي في المجمع‪:‬‬
‫(‪ )23/0‬ح (‪ )12225‬رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد العزيز بن عمران وهو‬
‫ضعيف‪ .‬أورده الذهبي في الميزان (‪ ،025/5‬ت ‪ )2112‬وقال‪ :‬قال البخاري‪ :‬ال‬
‫يكتب حديثه‪ .‬وقال النسائي وغيره‪ :‬متروك‪ ،‬وقال عثمان بن سعيد‪ :‬قلت ليحيى‪ :‬فابن‬
‫أبي ثابت عبد العزيز بن عمران ما حاله؟ قال‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬إنما كان صاحب شعر‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫كذا‪ ،‬فقال رسول اهلل‪ : ،‬لقد أعانك عليه ملك كريم(‪.)1‬‬


‫اء َر ُجل ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َر َوى أَ ْح َمد بسنده َع ِن ا ْل َب َراء‪ ،‬أَ ْو َغ ْي ِره‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ج َ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬ل َ ْي َس َه َذا‬ ‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ْاألَ ْن َصا ِر بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫س قَ ْد أَ َس َر ُه‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول‬‫أَ َس َرنِي‪ ،‬أَ َس َرنِي َر ُجل ِم َن ا ْل َق ْومِ أَ ْن ِز ُع ِم ْن َه ْي َئ ِته ِ َك َذا َو َك َذا‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫اهللِ ‪ ‬لِ َّلر ُج ِل‪> :‬لَ َق ْد آ َز َر َك اهللُ بِ َملَ ٍك َكرِي ٍم<(‪.)5‬‬
‫س‪  ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت ِألَبِي‪ :‬يَا‬ ‫وروى البزار بسنده َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ت‪َ ،‬ك ْي َف أَ َس َر َك أَبُو ا ْل َي َسرِ َول َ ْو ِش ْئ َت ل َ َج َع ْل َت ُه ِفي َك ِّف َك؟ قَ َال‪ :‬يَا بُنَ َّي‪،‬‬
‫أَبَ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 15/2 :‬والرواية ضعيفة السند لجهالة من روى عنهم ابن إسحاق‪.‬‬
‫وأوردها الطبري في التاريخ‪ )202/5( :‬وأبو نعيم في الدالئل‪ :‬ح (‪ )225‬عن ابن‬
‫إسحاق قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني ا ْل َح َس ُن ْب ُن ُع َم َار َة َع ِن ا ْل َح َكمِ‪َ ،‬ع ْن ِم ْق َس ٍم عن ابن عباس به‪.‬‬
‫والحسن بن عمارة متروك الحديث‪.‬‬
‫وأوردها أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )2212‬من طريق ابن إسحاق قال‪ :‬حدثني من سمع‬
‫عكرمة عن ابن عباس‪ ..‬به‪ .‬وقال شعيب‪ :‬حسن (بمجموع طرقه)‪ ،‬وهذا إسناد‬
‫ضعيف إلبهام راويه عن عكرمة‪ .‬وقال الحافظ الهيثمي في المجمع‪ )22/0( :‬ح‬
‫(‪ )12220‬رواه أحمد وفيه راو لم يسم‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫تفرد‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )13222‬وقال الشيخ شعيب‪ :‬وإسناده ضعيف‪َّ ،‬‬
‫به أبو أحمد ــ وهو الزبيري ــ عن سفيان ــ وهو الثوري ــ وهو كثير الخطأ عنه‪ ،‬فيما‬
‫ذكر اإلمام أحمد‪ ،‬ومن خطئه فيه نسبة رؤية الملك إلى العباس ــ ولم يك آنئذ‬
‫مسلما ــ وقد جاء في حديث ابن عباس السالف برقم (‪ )2212‬ــ وهو حديث حسن‬
‫الي َسر كعب بن عمرو‪ ،‬وهو الذي أسر العباس‪ .‬ثم إن أبا‬ ‫ــ أن الذي رآه إنما هو أبو َ‬
‫إسحاق ــ وهو السبيعي ــ لم يجزم بروايته عن البراء‪ ،‬فقال‪ :‬أو غيره‪ .‬وأورده الهيثمي‬
‫الص ِحي ِح‪.‬‬
‫في المجمع‪ 32 /0( :‬ح‪ )12222 :‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه أَ ْح َم ُد‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ر َِجالُ َّ‬

‫‪103‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫َال َت ُق ْل َذلِ َك‪ ،‬ل َ ِق َي ِني َو ُه َو أَ ْع َظ ُم ِفي َع ْي ِني ِم َن ا ْل َخ ْن َد َمةِ(‪.)1‬‬


‫أسر العباس هو أبو اليسر كعب بن‬
‫فهذه الروايات تشهد بأن من َ‬
‫عمرو األنصاري‪ ،‬ومع أن كل رواية منها على حدة ال تخلو من مقال‬
‫إال أنها بمجموعها حسنة‪.‬‬
‫وهذا هو الراجح في قصة أسر العباس في بدر وال يقدح فيها ما‬
‫روي من أسر المالئكة له‪ ،‬إلمكان الجمع بينهما بأن يقال‪ :‬إن أبا اليسر‬
‫هو من باشر أسره وقد أعانه ملك على ذلك‪ ،‬وهذا ما نطقت به‬
‫الروايات‪.‬‬
‫وقد ورد في أسره غير ذلك‪ ،‬فقد أورد ابن سعد (بصيغة‬
‫التمريض) أن الذي أسره هو عبيد بن أوس‪ ،‬فقد أورد في ترجمته‪:‬‬
‫عبيد بن أوس بن مالك بن سواد بن ظفر‪ ،‬ويكنى أبا النعمان وأمه‬
‫لميس بنت قيس بن القريم بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم بن سلمة‬
‫ابن الخزرج‪ .‬وكان له عقب فانقرضوا وذهبوا‪ ،‬وشهد عبيد بدرا‬
‫ويقولون‪ :‬إنه الذي أسر العباس ونوفال وعقيال‪ ،‬فقرنهم في حبل وأتى‬
‫بهم رسول اهلل‪ ، ،‬فقال له النبي ‪ :‬لقد أعانك عليهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البزار في مسنده‪ :‬ح (‪ )1525‬والفاكهي في أخبار مكة‪ ،20/2 :‬ح (‪)5202‬‬
‫رو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي َوا ْل َب َّز ُار‪َ ،‬و ِفيه ِ َعلِ ُّي‬
‫وقال الهيثمي في المجمع‪ 32/0( :‬رقم‪َ )12222 :‬‬
‫ْاب ُن َز ْي ٍد َو ُه َو َسيِّ ُئ ا ْل ِح ْف ِظ‪َ ،‬و َب ِق َّي ُة ر َِجالِه ِ ُوثِّ ُقوا‪.‬‬
‫وا ْل َخ ْن َد َمة‪َ :‬ج َبل َم ْع ُروف ِع ْن َد َم َّك َة‪ .‬قاله ابن األثير‪( .‬النهاية ‪ /‬خندم)‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫وسماه رسول اهلل مقرنا(‪.)1‬‬


‫ملك كريم‪َّ ،‬‬
‫وروى ابن سعد بسنده عن عبيد بن أوس (مقرن) من بني ظفر‬
‫اس ْبن َع ْبد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو ُع َق ْي َل ْبن أَبِي‬ ‫قَ َال‪ :‬ل َ َّما َكا َن يَ ْو ُم بَ ْد ٍر أَ َس ْر ُت ا ْل َع َّب َ‬
‫اس َو َع ِقيال‪ .‬فَلَ َّما نَ َظ َر ِإل َ ْيه َِما‬ ‫طَالِ ٍب و َحلِيفا لِ ْل َعبا ِ ِ‬
‫س ف ْهرِيًّا فَ َق َر ْن ُت ا ْل َع َّب َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َس َّمانِي ُم َق ِّرنا َوقَ َال‪ :‬أَ َعانَ َك َعلَ ْيه َِما َملَك َكرِيم ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫َر ُس ُ‬
‫والرواية ضعيفة بالواقدي‪ ،‬فهو متروك الحديث كما هو معلوم‪،‬‬
‫فضال عن مخالفته لمن هو أوثق منه‪ ،‬كما مر‪.‬‬

‫‪ ‬النبي ‪ ‬وأنين العباس‪:‬‬


‫ولما أُسر العباس ‪ ‬عاملوه معاملة غيره‪ ،‬فبات في قيده يئن‬
‫ات َر ُسول اهلل ‪ ‬ساهرا‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه‬ ‫من شدة القيد عليه‪َ ،‬فب َ‬
‫أَ ْص َحابه‪َ :‬مالك َال تنام؟ فَ َق َال‪ :‬سمعت أَنِين ا ْل َع َّباس ِفي وثَاقه‪ ،‬فَ َق َام‬
‫رجل ِم ْن ُهم ِإلَى ا ْل َع َّباس فَ ْأرخى من وثَاقه‪ ،‬فَ َق َال َر ُسول اهلل ‪:‬‬
‫َمالِي َال أسمع أَنِين ا ْل َع َّباس؟ فَ َق َال رجل من ا ْل َق ْوم‪ِ :‬إنِّي أرخيت من‬
‫وثَاقه‪ ،‬قَ َال‪ :‬فافعل َذلِك باألسارى كلهم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 222/2 :‬ــ ‪.222‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪ .15/2 :‬وفي اإلسناد محمد بن عمر الواقدي وهو متروك الحديث‬
‫كما هو معلوم‪ ،‬ومتهم بالوضع‪ .‬راجع لسان الميزان‪ )005/5( :‬لبيان أقوال العلماء‬
‫فيه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن سعد في الطبقات (‪ )12/2‬بسنده عن يزيد بن األصم مرسال‪ ..‬به‪ .‬وابن‬
‫=‬ ‫عبد البر في االستيعاب‪ )311/5( :‬من الطريق نفسه‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫وفي هذا رعاية للعدل ومحافظة على اإلحسان المأمور به في قوله‬


‫تعالى‪{ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ} [النحل‪ ]22 :‬وذلك بأمر‬
‫المصطفى ‪.‬‬

‫‪ ‬الفداء (نبأني العليم الخبير)‬


‫وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وانتصرت رابطة اإليمان‪،‬‬
‫وكانت كلمة اهلل هي العليا بعدها وقع العباس في األسر وجاء وقت‬
‫الفداء‪ ،‬فعامل النبي ‪ ‬عمه معاملة غيره‪ ،‬ولم يعفه من الفداء‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بل زاده عليه حتى كان أكثر األسرى فداء ‪ ،‬بل إن النبي ‪‬‬

‫رفض طلب من حاول أن يخفف من فداء العباس‪.‬‬


‫روى البخاري بسنده عن أنس ‪ :‬أَ َّن ر َِجاال ِم َن األَ ْن َصا ِر‬
‫س‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬ا ْئ َذ ْن لَنَا فَ ْلنَ ْت ُر ْك ِال ْب ِن أُ ْخ ِتنَا َع َّبا ٍ‬
‫ْاس َت ْأ َذنُوا َر ُس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وأخرج ابن سعد نحوا منه أيضا (‪ )15/2‬من طريق ابن إسحاق قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس‬
‫ْاب ُن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َم ْع َب ٍد‪َ ،‬ع ْن بَ ْع ِ‬
‫ض أَ ْهلِهِ‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّباسٍ‪ ،‬وابن أبي خيثمة في التاريخ‪:‬‬
‫(‪ )103/1‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )13022‬من الطريق نفسه‪ ،‬وفي الدالئل‪ :‬ح‬
‫(‪ )1222‬وفي السند ابن إسحاق صدوق مدلس‪ ،‬وفيه إبهام بالبعض الذين يروي‬
‫عنهم العباس بن عبد اهلل بن معبد‪ ،‬ولعله يزول بمعرفة أن العباس بن عبد اهلل بن‬
‫معبد‪ ،‬يروي عن أبيه وأخيه إبراهيم وعكرمة مولى ابن عباس‪ ،‬وهم ما بين ثقة‬
‫وصدوق‪ .‬راجع التهذيب للمزي‪ )32/22( :‬ــ تهذيب التهذيب البن حجر‪:‬‬
‫(‪( .)152/2‬تقريب التهذيب‪ :‬ص‪.)522‬‬
‫والقصة أوردها ابن كثير في البداية من غير إسناد (‪ )101/5‬بما يشعر صحته‪ ،‬وانظر‪:‬‬
‫للب ِّري‪.)15/5( :‬‬ ‫أسد الغابة‪ )102/2( :‬والوفيات للصفدي‪ )202/10( :‬والجوهرة ُ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬البداية والنهاية‪ :‬ابن كثير‪ .253/5 ،‬دالئل النبوة للبيهقي‪.121/2 :‬‬

‫‪151‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫ِف َد َاء ُه قَ َال‪َ :‬واهلل ِ الَ َت َذ ُرو َن ِم ْن ُه دِ ْر َهما(‪.)1‬‬


‫حب النبي ‪ ‬للعباس وقرابته منه إال أنه رفض أن‬ ‫فمع ِّ‬
‫يحابيه في الفداء كله أو بعضه‪ ،‬وفي هذا إرشاد لألمة وتوجيه لها من‬
‫نبيها ‪ ‬أن تلتزم الجادة وتنتهج المساواة وتترك المحاباة حتى‬
‫ولو مع األقربين‪.‬‬
‫ويوضح ابن الجوزي سبب رغبة بعض األنصار ترك فداء العباس‪،‬‬
‫حدهما‪ :‬إكرام َر ُسول اهلل ‪.‬‬ ‫مرين‪ :‬أَ َ‬ ‫قائال‪َ :‬وأَ َر ُادوا بذلك أَ ْ‬
‫َوال َّثانِي‪ :‬لقرابة ا ْل َع َّباس ِم ْن ُهم؛ فَ ِإن هاشما َكا َن قد تزوج ْام َرأَة من بني‬
‫النجار فَولدت ل َ ُه عبد ا ْلمطلب‪ ،‬فَ َلذلِك قَالُوا‪ْ :‬ابن أُ ْختنَا‪َ ،‬و ِإنَّ َما قَالُوا‪ْ :‬ابن‬
‫أُ ْختنَا َلتكون ا ْل ِمنَّة َعلَ ْيهِم ِفي ِإط َْالقه‪َ ،‬ولَو قَالُوا‪ :‬عمك‪ ،‬ل َ َكا َن منَّة َعلَ ْيه ِ‪،‬‬
‫َو َه َذا من قُ َّوة الذكاء َوحسن ْاألَ َدب ِفي ا ْلخطاب‪ ..‬فَلم يَ ْأ َذن ل َ ُهم َر ُسول‬
‫اهلل ‪ ‬لِ َئ َّال يكون ِفي ال ّدين نوع ُم َحابَاة‪ ،‬فَأخذ ا ْل ِف َداء من ا ْل َع َّباس‪،‬‬
‫وكلفه أَن ْيفدي ْابني أَ ِخيه عقيل بن أبي طَالب َونَ ْوفَل بن ا ْل َحارِث(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب فداء المشركين‪ ،‬ح (‪ .)5332‬قال ابن‬
‫س ل َ ْي َس ْت ِم َن ْاأل َ ْن َصا ِر بَ ْل َج َّد ُت ُه أُ ُّم َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‬
‫حجر في الفتح‪َ )255/5( :‬وأ ُ ُّم ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ْابنَ َها‬ ‫س أُ ْختا لِ َك ْونِ َها ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬و َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ِه َي ْاأل َ ْن َصارِيَّ ُة فَأَ ْطلَ ُقوا َعلَى َج َّد ِة ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ي ْب ِن النَّ َّجا ِر ثُ َّم ِم ْن‬ ‫لِ َك ْونِ َها َج َّد َت ُه‪َ ،‬و ِه َي َسل َْمى ب ِْن ُت َع ْمرِو ْب ِن َز ْي ِد ْب ِن لَبِي ٍد ِم ْن بَ ِني َع ِد ِّ‬
‫بَ ِني ا ْل َخ ْز َر ِج‪.‬‬
‫وقد ساق الحاكم هذه الرواية في معرض االستدالل على تأخر إسالم العباس إلى ما‬
‫بعد بدر‪.)200/2( .‬‬
‫(‪ )5‬كشف المشكل من حديث الصحيحين‪ :‬ابن الجوزي‪.555/2 ،‬‬

‫‪155‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫قال ابن حجر في الفتح معل ِّال رفض النبي ‪ ‬ترك فداء‬
‫العباس‪ :‬قِ َيل َوا ْل ِح ْك َم ُة ِفي َذلِ َك أَنَّ ُه َخ ِش َي أَ ْن ي ُكو َن ِفي َذلِ َك ُم َحابَاة ل َ ُه‬
‫لِ َك ْونِه ِ َع َّم ُه َال لِ َك ْونِه ِ قَر َِيب ُه ْم ِم َن الن ِّ َس ِاء فَ َقطْ (‪.)1‬‬
‫وقال القسطالني معلقا على رواية أسر العباس‪ :‬وإنما لم يترك له‬
‫ـ ‪ ‬ـ لئال يكون في الدين نوع محاباة(‪.)5‬‬
‫وهنا طلب النبي ‪ ‬من عمه أن يفدي نفسه وابني أخويه‬
‫اس‪ :‬يَا‬ ‫وحليفه‪ ،‬كما في رواية الحاكم عن ابن إسحاق وفيها‪َ :‬وقَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬اهلل أَ ْعلَ ُم‬ ‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي ُك ْن ُت ُم ْسلِما‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ِيك‪ ،‬فَا ْف ِد نَ ْف َس َك َو ْابنَ ْي أَ َخ َو ْي َك‪:‬‬ ‫ول فَاهللُ يَ ْجز َ‬ ‫بِ ِإ ْس َال ِم َك‪ ،‬فَ ِإ ْن يَ ُك ْن َك َما َت ُق ُ‬
‫ِث ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و ُع َق ْي َل ْب َن أَبِي طَالِ ِب ْب ِن‬ ‫نَ ْوفَ َل ْب َن ا ْل َحار ِ‬
‫ِث ْب ِن‬ ‫َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َحلِي َف َك ُع ْتب َة ْب َن َع ْمرِو ْب ِن َج ْح َدمٍ أَ َخا بَ ِني ا ْل َحار ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ول اهلل ِ؟ قَ َال‪> :‬فَأَ ْي َن ا ْل َم ُال ال َّ ِذي َدفَ ْن َت‬ ‫ِف ْه ٍر< فَ َق َال‪َ :‬ما َذا َك ِع ْن ِدي يَا َر ُس َ‬
‫أَ ْن َت َوأُ ُّم ا ْل َف ْض ِل فَ ُق ْل َت ل َ َها‪ِ :‬إ ْن أُ ِص ْب ُت فَ َه َذا ا ْل َم ُال لِ َب ِني ا ْل َف ْض ِل‪،‬‬
‫ول اهلل ِ‪،‬‬ ‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي أَ ْش َه ُد أَنَّ َك َر ُس ُ‬ ‫َو َع ْب ِد اهلل ِ َوقُ َث َم؟< فَ َق َال‪َ :‬واهلل ِ يَا َر ُس َ‬
‫اح ِس ْب لِي يَا‬ ‫ٍ‬
‫ِإ َّن َه َذا لِ َش ْيء َما َعلِ َم ُه أَ َحد َغ ْيرِي َو َغ ْي ُر أُ ِّم ا ْل َف ْض ِل‪ ،‬فَ ْ‬
‫ول‬‫ِين أُوقِ َّية ِم ْن َما ٍل َكا َن َم ِعي‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬ ‫ول اهلل ِ َما أَ َص ْب ُت ْم ِمنِّي ِع ْشر َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫اس نَ ْف َس ُه َو ْابنَ ْي أَ َخ َو ْيه ِ َو َحلِي َف ُه‪َ ،‬وأَ ْن َز َل‬ ‫ِ‬
‫اهلل ‪> :‬ا ْف َع ْل< فَ َف َدى ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ .252/5 :‬وذكر ابن كثير في البداية نحوا منه‪ ،‬انظر‪ :‬البداية والنهاية‬
‫‪.253/2‬‬
‫(‪ )5‬إرشاد الساري‪.551/0 :‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫ج َّل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫اهللُ َع َّز َو َ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ}‬
‫اإل ْس َالمِ ِع ْشر َ‬
‫ِين َع ْبدا‬ ‫[األنفال‪ ]52 :‬فَأَ ْع َطانِي َم َكا َن ا ْل ِع ْشرِي ِن ْاألُوقِ َّيةِ ِفي ْ ِ‬
‫ُكلُّ ُه ْم ِفي يَ ِدهِ َمال يَ ْضر ُِب بِه ِ َم َع َما أَ ْر ُجو ِم ْن َم ْغ ِف َر ِة اهلل ِ َع َّز َو َج َّل(‪.)1‬‬
‫وفي الدالئل ألبي نعيم من حديث ابن عباس أن فداء العباس كان‬
‫مائة أوقية‪ ،‬وعقيل ثمانين‪ ،‬وفيه‪ :‬ل َ َّما َكا َن يَ ْو ُم بَ ْد ٍر أُ ِس َر َس ْب ُعو َن‪ ،‬فَ َج َع َل‬
‫ين أُوقِ َّية َذ َهبا‪َ ،‬و َج َع َل َعلَى َع ِّمه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‬ ‫َعلَ ْيه ِْم النَّب ُِّي ‪ ‬أَ ْربَ ِع َ‬
‫اس‪ :‬أَلِ ْل َق َرابَةِ َصنَ ْع َت بِي َه َذا؟ َوال َّ ِذي‬ ‫ين فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬‫ِما َئة‪َ ،‬و َعلَى َع ِقي ٍل ثَ َمانِ َ‬
‫يت‪.)5(..‬‬ ‫ش َما بَ ِق ُ‬ ‫اس ل َ َق ْد َت َر ْك َت ِني فَ ِق َير قُ َر ْي ٍ‬
‫يَ ْحلِ ُف بِه ِ ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪ )2222‬وقال‪:‬‬
‫هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ــ وعنه البيهقي في الكبرى‪ :‬كتاب‬
‫قسم الفيء والغنيمة‪ ،‬باب ما جاء في مفاداة الرجال‪ ،‬ح (‪ .)12552‬والظاهر أن‬
‫الرواية من مراسيل ابن إسحاق‪ ،‬وراجع تخريجها كامال في مبحث إسالم العباس‪،‬‬
‫وتحديدا الرواية الثالثة من القول الثاني في إسالمه‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو نعيم في الدالئل‪ :‬ح (‪ )212‬وذكره ابن حجر في فتح الباري‪255/5 :‬‬
‫وح َّسن إسناده‪ ،‬والعيني في عمدة القاري‪ .110/15 :‬وشرح الزرقاني على المواهب‪:‬‬
‫‪ ،252/5‬وفي السند سقط‪ ،‬قال محقق الدالئل‪ :‬وقد سقط السند من أبي نعيم إلى‬
‫ث‪،‬‬ ‫محمد بن حميد‪ ،‬وفي السند محمد بن حميد‪ ،‬وهو َم َع ِإ َم َام ِته ِ ُم ْن َك ُر َ‬
‫الح ِد ْي ِ‬
‫اح ُب َع َجائِ َب‪ .‬كما ذكر الذهبي في السير‪ .‬وقال البخاري‪ :‬في حديثه نظر‪ ،‬وقَ َال‬ ‫َص ِ‬
‫الج ْو َز َجانِ ُّي‪َ :‬و ُه َو َغ ْي ُر ثِ َقةٍ‪َ .‬وقَ َال النَّ َسائِ ُّي‪ :‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ‪ .‬وقال السعدي ُم َحمد‬
‫أَبُو ِإ ْس َح َاق َ‬
‫ْابن حميد الرازي َكا َن رديء المذهب غير ثقة‪( .‬سير أعالم النبالء‪ 222/11 :‬ــ‬
‫الكامل‪.)222/5 :‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫س ِما َئ ُة أُوقِ َّيةٍ ِم ْن َذ َه ٍب(‪.)1‬‬


‫وسى ْب ُن ُع ْق َب َة َوأُ ِخ َذ ِم َن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫وقال ُم َ‬
‫ِ‬
‫اس ْب ُن‬ ‫وقال ابن إسحاق‪َ > :‬و َكا َن أَ ْك َث ُر ْاألُ َس َارى يَ ْو َم بَ ْد ٍر ف َداء ا ْل َع َّب َ‬
‫وسرا فَا ْف َت َدى نَ ْف َس ُه بِ ِما َئةِ أُوقِ َّيةِ‬ ‫َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو َذلِ َك ِألَنَّ ُه َكا َن َر ُجال ُم ِ‬
‫ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫َذ َه ٍب< ‪.‬‬
‫وهكذا فدى العباس ‪ ‬نفسه ومن معه وعاد الى مكة‪ ،‬ولم‬
‫تخدعه قريش بعد ذلك أبدا‪ ...‬وبعد حين جمع ماله ومتاعه وأدرك‬
‫الرسول الكريم بخيبر‪ ،‬وأخذ مكانه بين المسلميـن وصار موضع حبهم‬
‫وإجاللهم‪.‬‬
‫بما فدى به نفسه وابني أخويه‬ ‫‪‬‬ ‫عوض اهلل العباس‬
‫وقد َّ‬
‫وحليفه‪:‬‬
‫س قال‪ :‬أُتِ َي النَّب ُِّي ‪ ‬بِ َما ٍل‬ ‫فقد روى البخاري بسنده َع ْن أَنَ ٍ‬
‫ول‬‫الم ْس ِج ِد<‪ ،‬فَ َكا َن أَ ْك َث َر َما ٍل أُتِ َي بِه ِ َر ُس ُ‬ ‫ِم َن الب ْحري ِن‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬ا ْن ُثر ُ ِ‬
‫وه في َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬أَ ْع ِط ِني ِإنِّي فَ َاد ْي ُت‬ ‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫الع َّب ُ‬
‫اء ُه َ‬ ‫اهلل ‪ِ ،‬إ ْذ َج َ‬
‫ِ‬
‫نَ ْف ِسي َوفَ َاد ْي ُت َع ِقيال‪ ،‬قَ َال‪ُ > :‬خذْ <‪ ،‬فَ َح َثا ِفي ثَ ْوبِه ِ‪ ،‬ثُ َّم َذ َه َب يُ ِقلُّ ُه فَلَ ْم‬
‫يَ ْس َت ِط ْع‪ ،‬فَ َق َال‪ْ :‬اؤ ُم ْر بَ ْع َض ُه ْم يَ ْرفَ ْع ُه ِإل َ َّي‪ ،‬قَ َال‪> :‬الَ< قَ َال‪ :‬فَ ْارفَ ْع ُه أَ ْن َت‬
‫َعلَ َّي‪ ،‬قَ َال‪> :‬الَ<‪ ،‬فَنَ َث َر ِم ْن ُه‪ ،‬ثُ َّم َذ َه َب يُ ِقلُّ ُه فَلَ ْم يَ ْرفَ ْع ُه‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬فَ ُم ْر بَ ْع َض ُه ْم‬
‫يَ ْرفَ ْع ُه َعلَ َّي‪ ،‬قَ َال‪> :‬الَ<‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ ْارفَ ْع ُه أَ ْن َت َعلَ َّي‪ ،‬قَ َال‪> :‬الَ<‪ ،‬فَنَ َث َر ِم ْن ُه‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البداية والنهاية‪.253/2 :‬‬
‫(‪ )5‬دالئل النبوة للبيهقي‪ .121/2 :‬تفسير ابن كثير‪.31/2 :‬‬

‫‪152‬‬
‫العباس ويوم بدر‬

‫اح َت َملَ ُه َعلَى َكا ِهلِه ِ‪ ،‬ثُ َّم ا ْن َطلَ َق فَ َما َز َال يُ ْتب ُِع ُه بَ َص َر ُه َح َّتى َخ ِف َي َعلَ ْينَا‪،‬‬
‫ثُ َّم ْ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬وثَ َّم ِم ْن َها دِ ْر َهم(‪.)1‬‬ ‫َع َجبا ِم ْن ِح ْر ِصه ِ‪ ،‬فَ َما قَ َام َر ُس ُ‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬في الجزية‪ ،‬باب ما أقطع النبي ‪ ‬من البحرين‪ ،‬ح (‪.)5222‬‬

‫‪150‬‬
‫العباس يف املدينة‬
‫مشاهد من حياته في املدينة‬
‫العباس يف املدينة‬

‫مدخل‬

‫ّ‬
‫ومحط الرحال‪ ،‬تحكي لنا حياة‬ ‫المدينة المنورة مهوى األنفس‬
‫النبي ‪ ‬بعد الهجرة في تفاصيلها الدقيقة‪ ،‬ففيها عاش النبي‬
‫‪ ‬حياته بعد هجرته‪ ،‬وفيها تزوج كثيرا من زوجاته‪ ،‬ومنها خرج‬
‫غازيا‪ ،‬ومعتمرا وحاجا‪.‬‬
‫وثبت أن النبي ‪ ‬دعا ربه أن يحببه وأصحابه في المدينة‬
‫الم ِدينَ َة َك ُح ِّبنَا َم َّك َة‪ ،‬أَ ْو أَ َش َّد‪َ ،‬و َص ِّح ْح َها َوبَار ِْك‬
‫الله َّم َح ِّب ْب ِإل َ ْينَا َ‬
‫فقال‪ُ > :‬‬
‫اج َع ْل َها بِا ْل ُج ْح َفةِ<(‪.)1‬‬
‫اها فَ ْ‬ ‫لَنَا ِفي َصا ِع َها َو ُم ِّد َها‪َ ،‬وا ْن ُق ْل ُح َّم َ‬
‫وقال رسول اهلل ‪ ‬فيمن خرج منها إلى غيرها‪> :‬ا ْل َم ِدينَ ُة‬
‫َخ ْير ل َ ُه ْم ل َ ْو َكانُوا يَ ْعلَ ُمو َن‪َ ،‬ال يَ َد ُع َها أَ َحد َر ْغ َبة َع ْن َها ِإ َّال أَ ْب َد َل اهللُ ِف َيها‬
‫َم ْن ُه َو َخ ْير ِم ْن ُه‪َ ،‬و َال يَ ْث ُب ُت أَ َحد َعلَى َ ْأل َوائِ َها َو َج ْه ِد َها ِإ َّال ُك ْن ُت ل َ ُه‬
‫َش ِفيعا‪ ،‬أَ ْو َشهِيدا يَ ْو َم ا ْل ِق َي َامةِ<(‪.)5‬‬
‫وحث النبي ‪ ‬أصحابه والمسلمين من بعدهم على الموت‬ ‫َّ‬
‫الم ِدينَةِ فَ ْل َي ُم ْت بِ َها‪ ،‬فَ ِإنِّي‬‫وت بِ َ‬ ‫فيها فقال ‪َ > :‬م ْن ْاس َت َطا َع أَ ْن يَ ُم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪( 2250‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)1250‬‬
‫وض ُيق ا َلم ِع َيشة ِ‪( .‬تاج العروس‪ /‬ألي)‪.‬‬
‫واء‪ :‬الش َّد ُة ِ‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪ .)1202‬والّألْ ُ‬

‫‪152‬‬
‫العباس يف املدينة‬

‫أَ ْش َف ُع لِ َم ْن يَ ُم ُ‬
‫وت بِ َها<(‪.)1‬‬
‫وثبت أن أقام العباس في المدينة عقب هجرته إليها وما كان‬
‫يفارقها إال لسقايته في مكة‪ ،‬وجهاده مع النبي ‪ ‬والخلفاء من‬
‫بعده‪ ،‬وأحيانا لبعض حاجاته من تجارة أو نحوها‪ ،‬ولما قدم العباس‬
‫ومعه نوفل بن الحارث المدينة على رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ ُم َه ِ‬
‫اج َر ْي ِن‬
‫اح ٍد َوفَ َر َع بَ ْينَ ُه َما بِ َحائِ ٍط فَ َكانَا‬ ‫أ ْقطَ َع ُه ْما َج ِميعا بِا ْل َم ِدينَةِ ِفي م ْو ِض ٍع َو ِ‬
‫َ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب ال َّ ِتي‬ ‫ُم َت َجاو َِر ْي ِن ِفي َم ْو ِض ٍع‪َ ...‬و َكانَ ْت َد َار ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َح ِدي َد َها َو ِه َي ال َّ ِتي ِفي َدا ِر َم ْر َوا َن ِإلَى‬ ‫أَ ْق َط َع ُه َر ُس ُ‬
‫ا ْل َم ْس ِج ِد َم ْس ِج ِد َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َو ِه َي َد ُار ا ِإل َم َار ِة ال َّ ِتي يُ َق ُال ل َ َها‬
‫السو ِق ِفي‬ ‫اس أَ ْيضا َد َار ُه األُ ْخ َرى ال َّ ِتي بِ ُّ‬ ‫ا ْل َي ْو َم َد ُار َم ْر َوا َن‪َ .‬وأَ ْق َط َع ا ْل َع َّب َ‬
‫س(‪.)5‬‬ ‫ا ْل َم ْو ِض ِع ال َّ ِذي يُ َس َّمى ُم ْح َر َز ُة ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫وسنتعرض في هذا الجزء من البحث لبعض معالم حياة العباس‬
‫‪ ‬في المدينة‪ ،‬وتبدأ هذه المعالم بإدراك العباس ركب اإليمان‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وصححه األلباني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي في السنن‪ :‬ح (‪)2215‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪.52/2 :‬‬

‫‪132‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫العباس يف ركب اإلميان‬


‫( إسالمه )‬

‫‪ ‬إسالمه ‪:‬‬
‫توقيت إسالم العباس ‪ ‬قضية في غاية اإلشكال وطالما لفتت‬
‫أنظار كثير من العلماء‪ ،‬بل وكانت مدعاة لحيرتهم وعدم الخروج برأي‬
‫قاطع فيها‪ ،‬وذلك تبعا لبروز جملة من التساؤالت واإلشكاالت لعل‬
‫منها‪:‬‬
‫ــ تضارب الروايات الناقلة لوقت إسالمه‪.‬‬
‫ــ شهوده لبيعة العقبة الكبرى واستيثاقه ألمر النبي ‪ ،‬وثقة‬
‫النبي ‪ ‬فيه‪.‬‬
‫ــ موقفه حين أشهر أبو ذر إسالمه حيث ص َّد عنه أذى المشركين‬
‫مرة تلو أخرى‪.‬‬
‫ــ خروجه إلى بدر مكرها‪ ،‬فهل لعلة إسالمه أم لقرابته من النبي‬
‫‪‬؟‬
‫تغيبه عن شهود كثير من الغزوات كأحد وخيبر وصلح الحديبية‪،‬‬
‫ــ ُّ‬
‫‪131‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫حيث لم يرد له ذكر فيها‪ ،‬ولماذا تركه مشركو مكة دون إجباره على‬
‫مكرها؟‬
‫الخروج ال سيما وقد فعلوا ذلك في بدر‪ ،‬حيث أخرجوه َ‬
‫ــ بقاؤه في مكة عند من قال بإسالمه مبكرا‪ ،‬وعلة ذلك‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ــ موقفه من قصة الحجاج بن عالط‪ ،‬وفرحه بظهور النبي‬
‫على اليهود عند من قال بتأخر إسالمه‪.‬‬
‫كانت هذه بعض اإلشكاالت التي تترى على ذهن من يحاول‬
‫البحث في وقت إسالم العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬والتي كانت‬
‫سببا في حيرة كثير من العلماء وعدم قطعهم بوقت إسالم العباس ‪.‬‬
‫وفيما يلي نقدم عرضا ألقوال العلماء في وقت إسالم العباس‬
‫‪ ،‬مع بيان أدلة كل قول‪ ،‬محاولين الترجيح إن أمكن‪.‬‬

‫‪ ‬األقوال في وقت إسالم العباس ‪:)1(‬‬


‫تعددت األقوال في تحديد الوقت الذي أسلم فيه العباس بن‬
‫عبد المطلب ‪ ،‬تبعا لتعدد الروايات الواردة في ذلك‪ ،‬ولقد حكى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لعل هذا الجزء من أصعب وأدق أجزاء البحث‪ ،‬وقد شرعت فيه فور انتهائي من كتابة‬
‫الفصل الثاني‪ ،‬وجمعت فيه ما يتعلق بإسالم العباس‪ ،‬من أقوال ومرويات‪ ،‬حاكما‬
‫عليها ومرجحا بينها‪ ،‬وبعد االنتهاء منه وقعت على بحث خاص بهذه المسألة للدكتور‬
‫سليمان بن حمد العودة‪ ،‬وجعله بعنوان‪ :‬مرويات إسالم العباس‪ ،‬ووجدت فيه كثيرا‬
‫مما ذكرته مع بعض الزيادات‪ ،‬وقد أفدت منه كثيرا‪ ،‬كما زدت عليه‪ ،‬وكان البد من‬
‫التنبيه‪ ،‬فجزى اهلل مؤلفه خير الجزاء‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫الحاكم اختالف الروايات في ذلك إجماال حيث قال‪ِ :‬ذ ْك ُر ِإ ْس َالمِ‬


‫ات ِفي َو ْق ِ‬
‫ت ِإ ْس َال ِمه ِ‪ ..‬وشرع بعدها‬ ‫س ‪َ ،‬و ْاخ ِت َال ُف ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫بذكر الروايات تفصيال(‪.)1‬‬
‫وإليك خالصة أقوال العلماء في وقت إسالم العباس ‪ ،‬مع‬
‫بيان أدلة كل قول‪:‬‬
‫* القول األول‪ :‬إسالمه قبل الهجرة‬
‫يرى البعض أن العباس ‪ ‬أسلم قبل الهجرة‪ ،‬وزاد بعضهم أنه‬
‫أخفى إسالمه باتفاق بينه وبين النبي ‪‬؛ ليكون عينا للمسلمين‬
‫ينقل إليهم أخبار المشركين من جهة‪ ،‬وعونا لمن أسلم وبقي في مكة‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫وهذا القول قد أورده ابن األثير بصيغة التمريض دون أن يحدد‬
‫قائله‪.‬‬
‫يقول ابن األثير في معرض حديثه عن إسالم العباس‪ :‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫أسلم قبل الهجرة وكان يكتم إسالمه‪ ،‬وكان بمكة يكتب إلى رسول اهلل‬
‫‪ ‬أخبار المشركين‪ ،‬وكان َمن بمكة من المسلمين يتقوون به‪،‬‬
‫وكان لهم عونا على إسالمهم‪ ،‬وأراد الهجرة إلى رسول اهلل ‪‬‬

‫فقال له رسول اهلل ‪ :‬مقامك بمكة خير‪ ،‬فلذلك قال رسول اهلل‬
‫‪ ‬يوم بدر‪ :‬من لقي العباس فال يقتله فإنه أخرج كرها‪ ،‬وقصة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المستدرك‪.202/2 :‬‬

‫‪132‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫الح َّجاج بن عالط تشهد بذلك‪ ،‬وقال له النبي ‪ :‬أنت آخر‬


‫المهاجرين كما أنني آخر األنبياء(‪.)1‬‬
‫ويبدو أن ابن هشام كان يميل إلى تق ُّدم إسالم العباس؛ بداللة أنه‬
‫لم يذكره فيمن أُسر يوم بدر من المشركين‪ .‬تبعا لرواية ابن إسحاق‪.‬‬
‫قال أبو ذر الخشني في شرحه على السيرة‪> :‬ولم يذكر معهما العباس‬
‫ابن عبد المطلب‪ ،‬ألنه كان أسلم‪ ،‬وكان يكتم إسالمه خوف قومه<(‪.)5‬‬
‫أن أبا الفرج الحلبي صاحب السيرة الحلبية يرى تق ُّدم إسالم‬
‫العباس ‪ ‬أيضا‪ ،‬لكنه خالف ما سبق في تعليل إخفاء إسالمه‪،‬‬
‫تفرق‬
‫وأرجعه إلى عامل اقتصادي‪ ،‬حيث يرى أنه أخفى إسالمه خشية ُّ‬
‫ماله وضياعه‪.‬‬
‫ومن قوله في ذلك معلقا على ما روي من مناشدة عمر للعباس‬
‫‪ ‬أن يسلم بعد بدر(‪ :)2‬وال ينافي هذا‪ ،‬أي قول عمر له أسلم إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أسد الغابة‪.102/2 :‬‬
‫(‪ )5‬سيرة ابن هشام ‪ .2/5‬بحاشيتها‪ .‬تحقيق مصطفى السقا‪.‬‬
‫يم ْن‬ ‫(‪ )2‬وأصل ذلك ما روي َع ِن اب ِن ُعمر‪ ،‬قَ َال‪ :‬ل َ َّما أُ ِسر ْاألُ َسارى يو َم ب ْد ٍر أُ ِسر ا ْل َعب ِ‬
‫اس ف َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫وه‪ .‬فَ َبلَ َغ َذلِ َك النَّب ُِّي‬ ‫أُ ِس َر‪ ،‬أَ َس َر ُه َر ُجل ِم َن ْاأل َ ْن َصا ِر‪ .‬قَ َال‪َ :‬وقَ ْد أَ ْو َع َد ْت ُه ْاأل َ ْن َص ُار أَ ْن يَ ْق ُتلُ ُ‬
‫ت ْاأل َ ْن َص ُار أَنَّ ُه ْم‬‫س‪َ ،‬وقَ ْد َز َع َم ِ‬ ‫‪ ‬فَ َق َال‪ِ > :‬إنِّي ل َ ْم أَنَمِ اللَّ ْيلَ َة ِم ْن أَ ْج ِل َع ِّمي ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اس‪.‬‬ ‫وه< قَ َال ُع َم ُر‪ :‬أَفَآتِيه ِْم؟ قَ َال‪ :‬نَ َع ْم‪ .‬فَأَ َتى ُع َم ُر ْاألَ ْن َص َار فَ َق َال ل َ ُه ْم‪ :‬أَ ْر ِسلُوا ا ْل َع َّب َ‬ ‫قَاتِلُ ُ‬
‫رضا؟ قَالُوا فَ ِإن َكا َن ل َ ُه‬ ‫فَ َقالُوا‪َ :‬ال َواهلل ِ َال نُ ْر ِسلُ ُه‪ .‬فَ َق َال ل َ ُهم عمر‪ :‬فَ ِإن َكا َن َلر ُسول اهلل َ‬
‫رضا فَ ُخذْ ُه‪ .‬فَأَ َخ َذ ُه ُع َم ُر‪ ،‬فَلَ َّما َص َار ِفي يَ ِدهِ قَ َال ل َ ُه عمر‪ :‬يَا َع َّباس أسلم‪ ،‬فو اهلل ل َ ِئن‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ يُ ْع ِج ُب ُه=‬ ‫اب‪َ .‬و َما َذا َك ِإ َّال لِ َما َرأَ ْي ُت َر ُس َ‬ ‫ُت ْسلِ َم أَ َح ُّب ِإل َ َّي ِم ْن أَ ْن يُ ْسلِ َم ا ْل َخطَّ ُ‬

‫‪132‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫آخره‪ ،‬ما تق َّدم عن مواله أبي رافع‪ ،‬من أن العباس كان مسلما‪ ،‬ومن‬
‫قوله للنبي ‪ :‬إنه كان مسلما‪ ،‬ومن إتيانه بالشهادتين عنده‬
‫‪‬؛ ألن ذاك لم يظهره عالنية بل أظهره له ‪ ‬فقط‪ ،‬ولم‬
‫يعلم به عمر وال غيره‪ ،‬ولم يُظهر النبي ‪ ‬إسالم العباس رفقا‬
‫به‪ ،‬لما تقدم أن العباس كان له ديون متفرقة في قريش‪ ،‬وكان يخشى إن‬
‫أظهر إسالمه ضاعت عندهم‪.‬‬
‫ومن ّثم لما قهرهم اإلسالم يوم فتح مكة أظهر إسالمه‪ ،‬أي فلم‬
‫يظهر إسالمه إال يوم الفتح‪ ،‬وكان كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول اهلل‬
‫‪ ،‬فيكتب له مقامك بمكة خير لك(‪.)1‬‬
‫وقد مال بعض الباحثين المعاصرين إلى هذا الرأي ــ تق ُّدم إسالم‬
‫العباس ‪ ‬ــ ور َّجح هذه الوجهة‪ ،‬حيث يشير الغضبان إلى تق ُّدم‬
‫إسالم العباس حتى قبل بيعة العقبة التي شهدها مع النبي ‪،‬‬
‫متعلال كتمانه األمر ليبقى قادرا على حماية الرسول ‪.)5(‬‬
‫ويستند هذا القول على مجموعة من الروايات التي ال تخلو في‬
‫مجملها من مقال‪ ،‬وفيا يلي بيان لبعضها مع الحكم على أسانيدها‬
‫بالحاشية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ِإ ْس َال ُم َك‪ ..‬أورده ابن كثير في البداية (‪ )523/2‬عازيا إياه للحاكم دون تعليق‪ .‬وكذا‬
‫فعل العيني في العمدة‪ .502/52 :‬ولم أعثر عليه بنصه في المستدرك‪ .‬وأخرج ابن‬
‫عساكر بعضه في تاريخ دمشق‪.522/50 :‬‬
‫(‪ )1‬السيرة الحلبية‪.555/5 :‬‬
‫(‪ )5‬فقه السيرة‪ :‬منير الغضبان‪ ،‬حاشية ص‪.212‬‬

‫‪132‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ــ أو ًال‪ :‬روايات تفيد تقدم إسالم العباس‪ ،‬وكتمانه األمر‬


‫أورد الخطيب البغدادي وابن عساكر رواية حكت إسالم العباس‬
‫في ليلة الغار‪ ،‬ليلة مبعث النبي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ فروى ابن عساكر بسنده إلى سيف بن عمر عن سعيد بن‬
‫عبد اهلل الجمحي عن محمد بن عبد الرحمن بن فروخ عن عمرو بن‬
‫عثمان أن النبي ‪ ‬قال‪> :‬أُ َّم ِتي أُ َّمة ُم َب َار َكة الَ يُ ْد َرى أَ َّول ُ َها َخ ْير أَو‬
‫عمر بع َد‬ ‫ِ‬
‫العباس ليل َة الغار‪ ،‬وأسلم ُ‬ ‫ُ‬ ‫آخ ُر َها<‪ ..‬ثم أردفه قائال‪ :‬فأسلم‬
‫مبعث النبي ‪.)1(‬‬ ‫ِ‬ ‫أربع سنين ِمن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ .530/50 :‬وأورده الخطيب البغدادي في المتفق والمفترق (‪)1131/5‬‬
‫وقال العجلوني في كشف الخفا‪ )552/1( :‬رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان‬
‫مرسال‪ .‬والرواية بجانب كونها مرسلة إال أن سندها غاص بالمجاهيل والمناكير؛ ففيه‬
‫عبداهلل محمد بن أحمد القصاري وهو مجهول الحال‪ ،‬وأبو طاهر أحمد بن محمد‬
‫القصاري مجهول الحال‪ ،‬وكذا محمد بن عبد الرحمن بن فروخ‪ .‬وفيه ابن عقدة وقد‬
‫ض َّعفه بعضهم رغم كونه حافظا‪ ،‬ورموه بالغلو‪ ،‬وفي الكامل البن عدي‪)223/1( :‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي غالب‪ :‬ابن عقدة ال يتدين بالحديث‪ ،‬ألنه كان يحمل شيوخا‬
‫بالكوفة على الكذب‪ ،‬يسوي لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها‪ ،‬فكيف يتدين بالحديث‬
‫وهو يعلم أن هذه النسخ هو دفعها إليهم‪ ،‬ثم يرويها عنهم؟ وقال عنه الذهبي في‬
‫وقواه آخرون‪ .‬وانظر‪( :‬سير‬‫اللسان‪ )502/1( :‬محدث الكوفة‪ ..‬ض َّعفه غير واحد َّ‬
‫أعالم النبالء‪ )253/11 :‬وقال عنه الشوكاني في الفوائد المجموعة‪( :‬ص‪ )222‬وقد‬
‫وقواه قوم وضعفه آخرون‪ .‬وسيف بن عمر متهم‬ ‫كذب الدارقطني من اتهمه بالوضع‪َّ ،‬‬
‫بالوضع‪.‬‬
‫قال األلباني‪ :‬وهذا إسناد ساقط بمرة‪ ،‬المتهم به‪ :‬سيف بن عمر‪ :‬قال الذهبي في‬
‫المغني‪> :‬متروك باتفاق<‪ .‬وقال ابن حبان‪> :‬اتهم بالزندقة<‪ .‬قلت‪ :‬أدرك التابعين=‬

‫‪130‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ففي الرواية ِذكر إلسالم العباس ليلة الغار‪ ،‬ويراد بالغار؛ غار‬
‫حراء‪ ،‬ال غار ثور؛ بداللة سوق الرواية إلسالم عمر بعدها بأربع‬
‫سنوات‪ ،‬والتسليم بهذه الرواية يجعل العباس من أول من أسلم من‬
‫الرجال‪ ،‬بل أولهم على اإلطالق‪ ،‬وهذا ما لم يقل به أحد(‪.)1‬‬
‫والرواية ضعيفة السند‪ ،‬فسندها مترع بالمجاهيل والمناكير‪ ،‬كما‬
‫يصح االحتجاح بها‪.‬‬
‫أنها مرسلة‪ ،‬وال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وقد اتهم‪ .‬قال ابن حبان‪> :‬يروي الموضوعات<‪ .‬فالحديث موضوع بهذا اللفظ‪.‬‬
‫(سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪ 1102/12 :‬رقم‪.)5201/‬‬
‫(‪ )1‬اختلف العلماء في تحديد أول من أسلم‪ ،‬وكان مرجع اختالفهم إلى عدة أشخاص‬
‫تقارب وقت إسالمهم وكانوا في الطليعة المسلمة‪ ،‬وهم‪ :‬أبو بكر الصديق‪ ،‬وعلي بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬وزيد بن حارثة‪ ،‬وخديجة بنت خويلد‪ ،‬ووردت في شأن كل منهم عدة‬
‫روايات تفيد بتقدم إسالمه‪ ،‬وقد حاول بعض العلماء الجمع بين هذه الروايات بما ال‬
‫يخرجها عن معناها‪ ،‬وال يقدح في أح ٍد من أولئك السابقين األبرار‪.‬‬
‫فروي عن إسحاق بن راهويه أنه قال‪ :‬الخبر في كل ذلك صحيح‪ ،‬أما أول من أسلم‬
‫من النساء فخديجة‪ ،‬وأول من أسلم من الموالي فزيد بن حارثة‪ ،‬وأول من أسلم من‬
‫فعلي‪ ،‬وأول من أسلم من الرجال فأبو بكر رضي اهلل عنهم أجمعين‪( .‬البدء‬ ‫الصبيان ّ‬
‫والتاريخ‪ :‬ابن طاهر المقدسي‪.)51/2 ،‬‬
‫يج َة أَ َّولُ َم ْن أَ ْسلَ َم ِم َن الن ِّ َس ِاء‬
‫وقال اإلمام ابن كثير‪َ :‬وا ْل َج ْم ُع بَ ْي َن ْاأل َ ْق َوا ِل ُكل َِّها أَ َّن َخ ِد َ‬
‫الر َجا ِل أَ ْيضا ــ َوأَ َّولُ َم ْن أَ ْسلَ َم ِم َن ا ْل َم َوالِي َز ْي ُد ْب ُن َحا ِرثَ َة‪،‬‬ ‫وظاهر السياقات ــ وقيل ِّ‬
‫َوأَ َّولُ َم ْن أَ ْسلَ َم ِم َن ا ْل ِغل َْما ِن َعلِ ُّي ْب ُن أَبِي طَالِ ٍب‪ .‬فَ ِإنَّ ُه َكا َن َص ِغيرا ُدو َن ا ْل ُبلُو ِغ َعلَى‬
‫ت‪َ .‬وأَ َّولُ َم ْن أ َ ْسلَ َم ِم َن ِّ‬
‫الر َجا ِل ْاأل َ ْح َرا ِر أَبُو‬ ‫ا ْل َم ْش ُهورِ‪َ ،‬و َه ُؤ َال ِء َكانُوا ِإ ْذ َذا َك أَ ْه َل ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الص ِّد ُيق‪َ ،‬و ِإ ْس َال ُم ُه َكا َن أَ ْن َف َع ِم ْن ِإ ْس َالم ِ َم ْن َت َق َّد َم ذ ْك ُر ُه ْم‪( .‬البداية والنهاية‪ :‬ابن‬ ‫بَ ْك ٍر ِّ‬
‫كثير‪.)50/2 ،‬‬

‫‪135‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫‪ 5‬ــ روى الحاكم بسنده َع ِن ْاب ِن ِإ ْس َح َاق‪َ ،‬ح َّدثَ ِني ا ْل ُح َس ْي ُن ْب ُن‬
‫س‪َ ،‬ح َّدثَ ِني أَبُو َر ِاف ٍع‬ ‫َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ُع َب ْي ِد اهلل ِ‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اإل ْس َال َم‪َ ،‬و ُكنَّا نَ ْس َت ْخ ِفي بِ ِإ ْس َال ِمنَا‪.)1(..‬‬
‫س قَ ْد َد َخ ْلنَا ْ ِ‬
‫قَ َال‪ُ :‬كنَّا َآل ا ْل َع َّبا ِ‬
‫‪ 2‬ــ روى أحمد بسنده عن ْاب ُن ْإس َح َاق قال‪َ :‬ح َّدثَ ِني ُح َس ْي ُن ْب ُن‬
‫س‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال‬ ‫َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة َم ْولَى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س ْب ِن‬ ‫أَبُو َر ِاف ٍع َم ْولَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ُ :‬ك ْن ُت ُغ َالما لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫ح (‪.)2220‬‬
‫وفي السند حسين بن عبد اهلل ضعيف‪ ،‬قال ابن معين‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال أحمد‪ :‬له أشياء‬
‫منكرة‪ .‬وقال البخاري‪ :‬قال على‪ :‬تركت حديثه‪ .‬وقال أبو زرعة وغيره‪ :‬ليس بقوي‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬متروك‪ .‬وقال ابن معين ــ مرة‪ :‬ليس به بأس‪ ،‬يكتب حديثه‪ .‬وقال‬
‫الجوزجاني‪ :‬ال يشتغل به‪( .‬ميزان االعتدال‪ )225/1 :‬وقال الذهبي في التلخيص‪،‬‬
‫رقم‪ )2525( :‬حسين ضعيف‪ .‬وراجع ترجمته في تهذيب الكمال‪ 232/0 :‬رقم‬
‫‪.1212‬‬
‫وفي السند أيضا يونس بن بكير‪ ،‬وهو صدوق يخطئ‪ ،‬أخرج له مسلم في المتابعات‬
‫والبخاري تعليقا‪( ،‬التاريخ الكبير ‪ 211/3‬ــ ميزان االعتدال‪ /2 :‬ــ تهذيب التهذيب‪:‬‬
‫‪ )255 ،222/11‬وكذا ابن إسحاق‪ ،‬صدوق يدلس‪ ،‬روى له البخاري تعليقا ــ‬
‫ومسلم ــ وأبو داود ــ والترمذي ــ والنسائي ــ وابن ماجه‪ .‬وكان من بحور العلم‪،‬‬
‫واختلف في االحتجاج به‪ ،‬وحديثه حسن وقد صححه جماعة‪( .‬سير النبالء‪:‬‬
‫‪ ،225/0‬ميزان االعتدال‪ ،203/2 :‬تهذيب التهذيب‪ )23/2 :‬وفيه أيضا أحمد بن‬
‫عبد الجبار‪ ،‬وقد ضعفوه‪ .‬إال أن سماعه للسيرة صحيح‪( .‬راجع ترجمته في‪ :‬ميزان‬
‫االعتدال‪ 115/1 :‬ت‪ 222 :‬ــ تهذيب الكمال‪ 253/1 :‬ــ الكامل البن عدي‪:‬‬
‫ص‪.)212‬‬

‫‪133‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫اإل ْس َال ُم قَ ْد َد َخلَنَا‪ ،‬فَأَ ْسلَ ْم ُت َوأَ ْسلَ َم ْت أُ ُّم ا ْل َف ْض ِل‪،‬‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َكا َن ْ ِ‬
‫اس قَ ْد أَ ْسلَ َم‪َ ،‬ول َ ِكنَّ ُه َكا َن يَ َه ُ‬
‫اب قَ ْو َم ُه‪ ،‬فَ َكا َن يَ ْك ُت ُم ِإ ْس َال َم ُه(‪.)1‬‬ ‫َو َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫‪ 2‬ــ روى ابن سعد بسنده قال‪ :‬أخبرنا محمد بن عمر قال‪ :‬حدثني‬
‫ابن أبي حبيبة عن داود ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب قَ ْد أَ ْسلَ َم قَ ْب َل أَ ْن يُ َه ِ‬
‫اج َر َر ُس ُ‬ ‫َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫ـ ‪ ‬ـ ِإلَى ا ْل َم ِدينَةِ(‪.)5‬‬
‫والرواية سندها واه كما ذكر الذهبي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )52302‬واللفظ له‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪)215‬‬
‫والبزار في مسنده‪ ،215/2 :‬وابن سعد في الطبقات‪ ،5/2 :‬والحاكم في المستدرك‪:‬‬
‫كتاب معرفة الصحابة باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪ )2225‬وقال بعده‪)200/2 ):‬‬
‫>ه َذا ال َّ ِذي ا ْن َت َهى ِإل َ ْينَا ِم َن ْاأل َ ْخ َبا ِر ال َّ ِتي َت ُد ُّل َعلَى َت َق َّدم ِ ِإ ْس َالم ِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‬ ‫َ‬
‫قَ ْب َل بَ ْد ٍر فَأَ ْسلَ َم‪َ ،‬و ْاس َم ِع ْاآل َن ال َّ ِتي ُت َضا ُّد َها< ــ ثم ساق بعض الروايات التي تفيد تأخر‬
‫إسالم العباس ‪.‬‬
‫وفي السند ابن إسحاق وهو صدوق رمي بالتدليس‪ ،‬وقد سبقت ترجمته في الرواية‬
‫السابقة‪ .‬وحسين بن عبد اهلل ضعيف‪( .‬راجع‪ :‬ميزان االعتدال‪ 225/1 :‬ــ تهذيب‬
‫الكمال‪.)232/0 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن سعد في الطبقات‪ 21/2 :‬وابن عساكر في تاريخ دمشق‪،530/50 :‬‬
‫والرواية في سندها الواقدي وهو متروك الحديث كما ذكر البخاري (الضعفاء‬
‫الصغير‪ )122/1‬والنسائي‪( .‬الضعفاء والمتروكون‪ ،)25/1‬وقال عنه يحيي بن معين‪:‬‬
‫ليس بثقة‪ ،‬وقال‪ :‬ضعيف‪ ،‬وفي موض ٍع آخر‪ :‬ليس َبش ْي ٍء‪ ،‬وقال عنه أحمد بن حنبل‪:‬‬
‫هو كذاب‪( .‬الكامل‪ :‬ابن عدي‪ )231/5 ،‬وقال الذهبي عن هذا الخبر‪ :‬إسناده واه‪.‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬

‫‪132‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫في حديثه مع أبي‬ ‫‪‬‬ ‫ــ ثاني ًا‪ :‬رواية إقرار العباس بصدق النبي‬
‫سفيان في رحلتهما لليمن‪.‬‬
‫وهذه الرواية أوردها ابن كثير في البداية وفيها‪ :‬قَ َال أَبُو نُ َع ْي ٍم‪:‬‬
‫اس‬ ‫َح َّدثَنَا ُسلَ ْي َما ُن ْب ُن أَ ْح َم َد َح َّدثَنَا ُم َح َّم ُد ْب ُن َز َكرِيَّا ا ْل َغ َالبِ ُّي َح َّدثَنَا ا ْل َع َّب ُ‬
‫س قَ َال‪:‬‬ ‫الضبِّ ُّي َح َّدثَنَا أَبُو بَ ْك ٍر ا ْل ُه َذلِ ُّي َع ْن ِع ْكر َِم َة َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬ ‫ا ْب ُن بَكَّا ٍر َّ‬
‫اس‪َ :‬خ َر ْج ُت ِفي تِ َج َار ٍة ِإلَى ا ْل َي َم ِن ِفي َر ْك ٍب ِم ْن ُه ْم أَبُو ُس ْف َيا َن ْب ُن‬ ‫قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫َح ْر ٍب فَ َق ِد ْم ُت ا ْل َي َم َن فَ ُك ْن ُت أَ ْصنَ ُع يَ ْوما ط ََعاما‪َ ،‬وأَ ْن َصر ُِف بِأَبِي ُس ْف َيا َن‬
‫َوبِالنَّ َفرِ‪َ ،‬ويَ ْصنَ ُع أَبُو ُس ْف َيا َن يَ ْوما‪َ ،‬ويَ ْف َع ُل ِم ْث َل َذلِ َك فَ َق َال لِي ِفي يَ ْو ِمي‬
‫ال َّ ِذي ُك ْن ُت أَ ْصنَ ُع ِفيه ِ‪َ :‬ه ْل ل َ َك يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل أَ ْن َت ْن َصر َِف ِإلَى بَ ْي ِتي‪،‬‬
‫َو ُت ْر ِس َل ِإل َ َّي َغ َد َاء َك؟ فَ ُق ْل ُت‪ :‬نَ َع ْم‪ .‬فَا ْن َص َر ْف ُت أَنَا َوالنَّ َفرِ ِإلَى بَ ْي ِته ِ‪،‬‬
‫اح َت َب َس ِني فَ َق َال‪َ :‬ه ْل َعلِ ْم َت‬ ‫ِ‬
‫َوأَ ْر َس ْل ُت ِإلَى ا ْل َغ َداء فَلَ َّما َت َغ َّدى ا ْل َق ْو ُم قَ ُاموا َو ْ‬
‫ي بَ ِني أَ ِخي؟‬ ‫ول اهلل ِ؟ فَ ُق ْل ُت‪ :‬أَ ُّ‬ ‫يك يَ ْز ُع ُم أَنَّ ُه َر ُس ُ‬‫يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل أَ َّن ْاب َن أَ ِخ َ‬
‫ول َه َذا ِإ َّال‬ ‫يك يَ ْن َب ِغي أَ ْن يَ ُق َ‬ ‫ي بَ ِني أَ ِخ َ‬ ‫اي َت ْك ُت ُم؟! َوأَ ُّ‬ ‫فَ َق َال أَبُو ُس ْف َيا َن‪ِ :‬إيَّ َ‬
‫احد؟! قُ ْل ُت‪َ :‬وأَيُّ ُهم َعلَى َذلِ َك؟ قَ َال‪ُ :‬هو مح َّم ُد ب ُن َعب ِد اهلل ِ‬ ‫ر ُجل َو ِ‬
‫َ ُ َ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فَ ُق ْل ُت‪ :‬قَ ْد فَ َع َل‪ .‬قَ َال‪ :‬بَلَى قَ ْد فَ َع َل‪َ ،‬وأَ ْخ َر َج ِك َتابا ِم ِن ْاب ِنه ِ َح ْن َظلَ َة ْب ِن‬
‫ام بِ ْاألَ ْب َط ِح فَ َق َال‪ :‬أَنَا َر ُسول أَ ْد ُعو ُك ْم‬ ‫أَبِي ُس ْف َيا َن ِفيه ِ‪ :‬أُ ْخب ُِر َك أَ َّن ُم َح َّمدا قَ َ‬
‫اس‪ :‬قُ ْل ُت ل َ َعلَّ ُه يَا أَبَا َح ْن َظلَ َة َصادِق‪ .‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ِإلَى اهلل َع َّز َو َج َّل فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول ِم ْث َل َه َذا ِإنِّي َال أَ ْخ َشى أَ ْن‬ ‫َم ْهال يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل فَ َواهلل ِ َما أُ ِح ُّب أَ ْن يَ ُق َ‬
‫يث يَا بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِإنَّ ُه َواهلل ِ َما‬ ‫يَ ُكو َن َعلَ َّي َض ْير ِم ْن َه َذا ا ْل َح ِد ِ‬
‫اح َد ٍة ِم ْن ُه َما َغايَة‪ ،‬لَنَ َش ْد ُت َك‬ ‫بر َِح ْت قُريش َت ْز ُع ُم أَ َّن ل َ ُك ْم َهنَة َو َهنَة‪ُ ،‬ك ُّل َو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫‪122‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫يا أَبا ا ْل َف ْض ِل َه ْل َس ِم ْع َت َذلِ َك؟ قُ ْل ُت‪ :‬نَ َعم قَ ْد َس ِم ْع ُت‪ .‬قَ َال‪ :‬فَه ِذهِ واهلل ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ُش ْؤ َم ُت ُك ْم‪ .‬قُ ْل ُت‪ :‬فَلَ َعلَّ َها يُ ْمنَ ُتنَا‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َما َكا َن بَ ْع َد َذلِ َك ِإ َّال ل َ َيا ٍل َح َّتى قَ ِد َم‬
‫َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُح َذافَ َة بِا ْل َخ َبرِ َو ُه َو ُم ْؤ ِمن فَ َف َشا َذلِ َك ِفي َم َجالِ ِ‬
‫س ا ْل َي َم ِن َو َكا َن‬
‫أَبُو ُس ْف َيا َن يَ ْجلِ ُس َم ْجلِسا بِا ْل َي َم ِن يَ َت َح َّد ُث ِفيه ِ َح ْبر ِم ْن أَ ْح َبا ِر ا ْل َي ُهو ِد‪.‬‬
‫الر ُج ِل‬ ‫ي َما َه َذا ا ْل َخ َب ُر؟ بَلَ َغ ِني أَ َّن ِفي ُك ْم َع َّم َه َذا َّ‬ ‫فَ َق َال ل َ ُه ا ْل َي ُهو ِد ُّ‬
‫ي‪ :‬أَ ُخو‬ ‫ال َّ ِذي قَ َال َما قَ َال؟ قَ َال أَبُو ُس ْف َيا َن‪َ :‬ص َدقُوا َوأَنَا َع ُّم ُه فَ َق َال ا ْل َي ُهو ِد ُّ‬
‫أَبِيه ِ؟ قَ َال‪ :‬نَ َع ْم قَ َال‪ :‬فَ َح ِّد ْث ِني َع ْن ُه قَ َال‪َ :‬ال َت ْسأَ ْل ِني َما أُ ِح ُّب أَ َّن يَ َّد ِع َي َه َذا‬
‫ض‬ ‫ي أَنَّ ُه يُ َغ ِّم ُ‬ ‫ْاألَ ْم َر أَبَدا َو َما أُ ِح ُّب أَ ْن أَ ِع َيب ُه َو َغ ْي ُر ُه َخ ْير ِم ْن ُه فَ َرأَى ا ْل َي ُهو ِد ُّ‬
‫ي‪ :‬ل َ ْي َس بِه ِ َال بَ ْأ َس َعلَى ا ْل َي ُهودِ‪،‬‬ ‫َعلَ ْيه ِ َو َال يُ ِح ُّب أَ ْن يَ ِع َيب ُه فَ َق َال ا ْل َي ُهو ِد ُّ‬
‫اس‪ :‬فَنَ َادانِي ا ْل َح ْب ُر فَ ِج ْئ ُت فَ َخ َر ْج ُت َح َّتى َجلَ ْس ُت‬ ‫وسى قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫َو َت ْو َرا ِة ُم َ‬
‫َذلِ َك ا ْل َم ْجلِ َس ِم َن ا ْل َغ ِد‪َ ،‬و ِفيه ِ أَبُو ُس ْف َيا َن ْب ُن َح ْر ٍب َوا ْل َح ْب ُر فَ ُق ْل ُت لِ ْل َح ْب ِر‪:‬‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫بَلَ َغ ِني أَنَّ َك َسأَ ْل َت ْاب َن َع ِّمي َع ْن َر ُج ٍل ِمنَّا َز َع َم أَنَّ ُه َر ُس ُ‬
‫فَأَ ْخ َب َر َك أَنَّ ُه َع ُّم ُه َول َ ْي َس بِ َع ِّمه ِ‪َ ،‬ول َ ِك ِن ْاب َن َع ِّمه ِ‪َ ،‬وأَنَا َع ُّم ُه َوأَ ُخو أَبِيه ِ قَ َال‪:‬‬
‫أَ ُخو أَبِيه ِ؟ قُ ْل ُت‪ :‬أَ ُخو أَبِيه ِ‪ .‬فَأَ ْق َب َل َعلَى أَبِي ُس ْف َيا َن فَ َق َال‪َ :‬ص َد َق؟ قَ َال‪:‬‬
‫نَ َع ْم َص َد َق‪ .‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬س ْل ِني فَ ِإ ْن َك َذ ْب ُت فَ ْل َي ُر َّد ُه َعلَ َّي‪ .‬فَأَ ْق َب َل َعلَ َّي فَ َق َال‪:‬‬
‫ك َص ْب َوة أَ ْو َس َف َهة؟ قُ ْل ُت‪َ :‬ال َو ِإلَه ِ‬ ‫نَ َش ْد ُت َك َه ْل َكا َن ِال ْب ِن أَ ِخي ِ‬
‫ين‬ ‫ش ْاألَ ِم َ‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو َال َك َذ َب َو َال َخا َن‪َ ،‬و ِإنَّ ُه َكا َن ْاس ُم ُه ِع ْن َد قُ َر ْي ٍ‬
‫اس‪ :‬فَ َظنَ ْن ُت أَنَّ ُه َخ ْير ل َ ُه أَ ْن يَ ْك ُت َب بِ َي ِد ِه‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ َه ْل َك َت َب بِ َي ِدهِ؟ قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫فَأَ َر ْد ُت أَ ْن أَقُول َ َها‪ ،‬ثُ َّم َذ َك ْر ُت َم َكا َن أَبِي ُس ْف َيا َن أَنَّ ُه ُم َك ِّذبِي‪َ ،‬و َراد َعلَ َّي‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ود َوقُ ِتلَ ْت‬ ‫فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ال يَ ْك ُت ُب‪ .‬فَ َوثَ َب ا ْل َح ْب ُر َو َت َر َك ر َِد َاء ُه‪َ ،‬وقَ َال‪ُ :‬ذبِ َح ْت يَ ُه ُ‬
‫اس‪ :‬فَلَ َّما َر َج ْعنَا ِإلَى َم ْن ِزلِنَا قَ َال أَبُو ُس ْف َيا َن‪ :‬يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل‬ ‫ود‪ .‬قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫يَ ُه ُ‬
‫يك؟ قُ ْل ُت‪ :‬قَ ْد َرأَ ْي َت َما َرأَ ْي َت فَ َه ْل ل َ َك يَا أَبَا‬ ‫ود َت ْف َز ُع ِم ِن ْاب ِن أَ ِخ َ‬ ‫ِإ َّن ا ْل َي ُه َ‬
‫ُس ْف َيا َن أَ ْن ُت ْؤ ِم َن بِه ِ فَ ِإ ْن َكا َن َحقًّا ُك ْن َت قَ ْد َس َب ْق َت‪َ ،‬و ِإ ْن َكا َن بَا ِطال فَ َم َع َك‬
‫َغ ْي ُر َك ِم ْن أَ ْك َفائِ َك قَ َال‪َ :‬ال أُ ْؤ ِم ُن بِه ِ َح َّتى أَ َرى ا ْل َخ ْي َل ِفي َك َد ٍاء‪ ،‬قُ ْل ُت‪َ :‬ما‬
‫اء ْت َعلَى فَ ِمي‪ِ ،‬إ َّال أَنِّي أَ ْعلَ ُم أَ َّن اهللَ َال يَ ْت ُر ُك َخ ْيال‬ ‫ِ‬
‫ول؟ قَ َال‪َ :‬كل َمة َج َ‬ ‫َت ُق ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬م َّك َة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫اس‪ :‬فَلَ َّما ْاس َت ْف َت َح َر ُس ُ‬ ‫َت ْطلُ ُع ِم ْن َك َداء‪ .‬قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫َونَ َظ ْرنَا ِإلَى ا ْل َخ ْي ِل َوقَ ْد َطلَ َع ْت ِم ْن َك َد ٍاء قُ ْل ُت‪ :‬يَا أَبَا ُس ْف َيا َن َتذْ ُك ُر ا ْل َكلِ َم َة؟‬
‫قَ َال‪ِ :‬إي َواهلل ِ ِإنِّي ل َ َذا ِك ُر َها فَا ْل َح ْم ُد لِلَّه ِ ال َّ ِذي َه َدانِي لِ ْإل ِْس َالمِ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ور‬‫اء َوالنُّ ُ‬ ‫ويقول ابن كثير معلقا عليها‪َ :‬و َه َذا س َياق َح َسن َعلَ ْيه ِ ا ْل َب َه ُ‬
‫الص ْد ِق َو ِإ ْن َكا َن ِفي ِر َجالِه ِ َم ْن ُه َو ُم َت َكلَّم ِفيه ِ َواهللُ أَ ْعلَ ُم(‪.)1‬‬ ‫اء ِّ‬ ‫َو ِض َي ُ‬
‫والرواية ضعيفة اإلسناد على أقل تقدير(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أورد ابن كثير هذه الرواية في البداية‪ )213/5( :‬وفي السيرة النبوية‪ 211/1 :‬عازيا‬
‫إياها إلى أبي نعيم في الدالئل‪ ،‬ولم أعثر عليها فيه‪ ،‬وأخرجها قوام السنة األصبهاني‬
‫في دالئل النبوة‪ :‬ح (‪ )551‬عازيا إياها إلى الطبراني في الدالئل‪.‬‬
‫(‪ )5‬الرواية ضعيفة السند كما ألمح إلى ذلك ابن كثير بقوله‪ :‬وإن كان في رجاله من هو‬
‫متكلم فيه‪ ...‬وسند الرواية فيه ففيها ُم َح َّم ُد ْب ُن َز َكرِيَّا ا ْل َغ َالب ُِّي‪ ،‬ضعفه الذهبي‪ ،‬وقد‬
‫ذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال‪ :‬يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة‪ .‬وقال ابن‬
‫منده‪ :‬تكلم فيه‪ .‬وقال الدارقطني‪ :‬يضع الحديث‪ .‬ميزان االعتدال‪)222/2( :‬‬
‫أبو بكر الهذلي‪ ،‬واسمه سلمى‪ .‬قال ابن معين‪ :‬ليس بشيء‪ ،‬وقال في موضع آخر‪:‬‬
‫ليس بثقة‪ .‬وقال أبو بكر بن خيثمة نقال عن ابن معين‪ :‬ليس بشيء‪ ،‬وقال يحيى‪=:‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫والرواية على فرض صحتها فيها عدة دالالت لعل منها‪:‬‬


‫ــ إقرار العباس بصدق النبي ‪.‬‬
‫ــ إشادته بحسن أخالقه وكريم صفاته‪.‬‬
‫وتورعه عن الكذب‪.‬‬
‫ــ صدقه ُّ‬
‫ــ دعوته أبا سفيان لإليمان بدعوة النبي ‪.‬‬
‫كما أنها على فرض صحتها ال تدل على إسالم العباس في هذا‬
‫الوقت المبكر من تاريخ اإلسالم‪ ،‬ولكنها تظهر ثقة العباس في ابن أخيه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وكان غندر يقول‪ :‬كان أبو بكر الهذلي إمامنا وكان يكذب‪ ،‬وقال أبو زرعة‪ :‬ضعيف‪،‬‬
‫وقال أبو حاتم‪ :‬لين الحديث يكتب حديثه وال يحتج بحديثه‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬ليس‬
‫بثقة وال يكتب حديثه‪ ..‬وقال النسائي وعلي بن الجنيد‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وقال علي‬
‫ابن المديني‪ :‬ضعيف ليس بشيء‪ ،‬وقال مرة‪ :‬ضعيف جدا‪ ،‬وقال مرة‪ :‬ضعيف‬
‫ضعيف‪ ،‬وقال الجوزجاني‪ :‬يضعف حديثه‪ ...‬وقال الدارقطني‪ :‬منكر الحديث‬
‫متروك‪ ،‬وقال يعقوب بن سفيان‪ :‬ضعيف ليس حديثه بشيء‪ ،‬وقال المروزي‪ :‬كان أبو‬
‫عبد اهلل يضعف أمره‪ ،‬وقال ابن عمار‪ :‬بصري ضعيف‪ ،‬وقال أبو إسحاق الحربي‪:‬‬
‫ليس بحجة‪ ،‬وقال أبو أحمد الحاكم‪ :‬ليس بالقوي عندهم‪ ،‬وقال ابن عدي‪ :‬عامة ما‬
‫يرويه ال يتابع عليه‪( .‬تهذيب التهذيب ‪ 22/15‬ــ ‪ .)20‬وراجع في بيان حاله‪:‬‬
‫(تهذيب الكمال‪ 102/22 :‬ــ ميزان االعتدال‪.)225/2 :‬‬
‫وفي السند‪ :‬العباس بن بكار الضبي قال عنه الدارقطني‪ :‬كذاب‪ .‬وقال العقيلي‪:‬‬
‫الغالب على حديثه الوهم والمناكير‪ .‬وأورد له الذهبي جملة من الروايات الباطلة‪.‬‬
‫(ميزان االعتدال‪.)235/5 :‬‬
‫وقال فيه أبو نعيم األصبهاني‪ :‬يروى المناكير‪ ،‬ال شيء‪( .‬لسان الميزان‪ :‬ابن حجر‬
‫العسقالني‪.)523/2 ،‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫واعتقاده بصدقه‪ ،‬وفارق بين االعتقاد القلبي بصدق النبي ‪،‬‬


‫وبين التسليم بنبوته واعتناق رسالته‪ ،‬وإشهار ذلك وإعالنه‪.‬‬
‫وبين أيدينا مثال على ذلك أال وهو أبو طالب عم النبي ‪،‬‬
‫فقد كان يعرف صدقه ويذود عنه ويحميه‪ ،‬ولكنه ما دخل اإلسالم وما‬
‫أقر عيانا بيانا بنبوة النبي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ــ ثالث ًا‪ :‬روايات شهود العباس لبيعة العقبة الثانية ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ روى ابن عساكر بسنده عن ال ُّزبَ ْي ُر ْب ُن بَكَّا ٍر‪َ ،‬ح َّدثَ ِني َسا ِع َد ُة‬
‫ي َع ْن‬ ‫الربَ ِذ ِّ‬
‫وسى ْب ِن ُع َب ْي َد َة َّ‬ ‫اء‪َ ،‬ع ْن ُم َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْب ُن ُع َب ْيد اهلل‪َ ،‬ع ْن َد ُاو َد ْب ِن َع َط َ‬
‫ِث ال َّت ْي ِم ِّي‪ ،‬أَ َّن النَّب َِّي ‪ ‬قَ َال‪ُ :‬‬
‫الله َّم ِإ َّن‬ ‫ُم َح َّم ِد ْب ِن ِإ ْبرا ِهيم ْب ِن ا ْل َحار ِ‬
‫َ َ‬
‫اس َحا َط ِني بِ َم َّك َة ِم ْن أَ ْه ِل ِّ‬
‫الش ْر ِك َوأَ َخ َذ لِي ا ْل َب ْي َع َة َعلَى األَ ْن َصا ِر‬ ‫َع ِّم َي ا ْل َع َّب َ‬
‫اح َف ْظ ُذ ِّريَّ َت ُه ِم ْن ُك ِّل‬ ‫اح َفظ ُْه َو ُحط ُْه َو ْ‬ ‫َونَ َص َرنِي ِفي ا ِإل ْسالمِ‪ُ ،‬‬
‫الله َّم فَ ْ‬
‫َم ْك ُرو ٍه(‪.)1‬‬
‫ففضال على أن سند الرواية منقطع كما ذكر ابن عساكر نفسه‪،‬‬
‫وفيه مجاهيل ومناكير كذلك‪ ،‬إال أن دالالتها على إسالم العباس وقت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ .215/50 :‬والبالذري في األنساب (‪:)12/2‬‬
‫والرواية مرسلة‪ .‬قال ابن عساكر عن إسنادها‪ :‬منقطع‪ .‬وفيها‪ :‬ساعدة بن عبيد اهلل‬
‫مجهول الحال‪ ،‬وداود بن عطاء (أبو سليمان) منكر الحديث‪( ،‬راجع‪ :‬التاريخ‬
‫الكبير‪ 522/2 ،‬ــ ميزان االعتدال‪ 15/5 :‬ــ الكامل‪ )222/2 :‬وموسى بن عبيدة‬
‫منكر الحديث‪( .‬راجع‪ :‬التاريخ الكبير‪ 521/5 ،‬ــ تهذيب الكمال‪ 502/12 :‬ــ ميزان‬
‫االعتدال‪.)512/2 :‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫البيعة ‪ ‬أو قبلها بعيدة‪ ،‬والرواية لم تذكر إسالمه يوم البيعة وإنما‬
‫تشير إلى ثناء النبي ‪ ‬على موقفه وقتها‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ روى الطبراني بسنده َع ْن أَبِي ال ُّزبيرِ‪َ ،‬ع ْن َجابِرِ ب ِن َعب ِد اهلل ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َْ‬
‫ين َوفَ ُدوا َعلَى‬ ‫ين َرا ِكبا ال َّ ِذ َ‬ ‫الس ْب ِع َ‬‫س ِفي َّ‬ ‫قَ َال‪َ :‬ح َملَ ِني َخالِي َج ُّد ْب ُن قَ ْي ٍ‬
‫ول‬‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ل َ ْيلَ َة ا ْل َع َق َبةِ ِم ْن قِ َب ِل ْاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬فَ َخ َر َج َعلَ ْينَا َر ُس ُ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬يَا َع ِّم‪ُ ،‬خذْ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ‪َ ‬و َم َع ُه َع ُّم ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫الس ْب ُعو َن‪ :‬يَا ُم َح َّم ُد‪َ ،‬س ْل لِ َرب ِّ َك َولِنَ ْف ِس َك َما‬ ‫َعلَى أَ ْخ َوالِ َك<‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه َّ‬
‫وه َو َال ُت ْشرِ ُكوا بِه ِ َش ْيئا‪َ ،‬وأَ َّما‬ ‫ِش ْئ َت‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬أَ َّما ال َّ ِذي أَ ْسأَل ُ ُك ْم لِ َربِّي َ‬
‫فتع ْب ُد ُ‬
‫ال َّ ِذي أَ ْسأَل ُ ُك ْم لِنَ ْف ِسي فَ َت ْمنَ ُعونِي َما َت ْمنَ ُعو َن ِم ْن ُه أَ ْن ُف َس ُك ْم< قَالُوا‪ :‬فَ َما لَنَا ِإ َذا‬
‫فَ َع ْلنَا َذلِ َك؟ قَ َال‪> :‬ا ْل َجنَّ ُة<(‪.)1‬‬
‫وقتها كان مسلما‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫والرواية ال يفهم منها نصا أن العباس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )1525‬واألوسط‪ :‬ح (‪ )5203‬والصغير‪ :‬ح‬
‫(‪ )1250‬والحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫اح ٍد َو ِفي َح ِد ِ‬
‫يث‬ ‫ات ُكلُّ َها بِلَ ْف ٍظ َو ِ‬ ‫(‪ ،202/2‬ح‪ )2222 :‬وأعقبه بقوله‪َ :‬ه ِذهِ ِّ‬
‫الر َوايَ ُ‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ول َ ْم يُ َخ ِّر َجا ُه<‬
‫يح ْ ِ‬ ‫وسى ْب ِن ِع ْم َرا َن َول َ ْم يَ ْس َم ْع ُه إِ َّال ِم ْن ُه‪َ > .‬ه َذا َح ِديث َص ِح ُ‬ ‫ُم َ‬
‫يث >وعلَّق عليه‬ ‫س أَ َص ُّح ِم ْن َه َذا ا ْل َح ِد ِ‬‫اس َّية ِ ‪ِ ‬في َت َق ُّدم ِ ِإ ْس َالم ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َول َ ْي َس لِل َْع َّب ِ‬
‫الذهبي في التلخيص‪ :‬صحيح‪ .‬وأورده الهيثمي في المجمع قائال‪َ :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ِفي‬
‫ال َّث َالثَةِ‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ثِ َقات‪( .‬مجمع الزوائد‪ 22/0 :‬رقم‪ .)2322 :‬وفي السند أبو الزبير‬
‫المكي صدوق يدلس‪ ،‬روى له البخاري ــ مسلم ــ أبو داود ــ الترمذي ــ النسائي ــ‬
‫ابن ماجه‪( .‬راجع ترجمته في‪ :‬التاريخ الكبير‪ ،551/1 :‬ميزان االعتدال ‪،25/2‬‬
‫تهذيب التهذيب ‪.)222/2‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫وإنما تشير إلى شهود العباس ليلة العقبة الثانية‪ ،‬وإن كانت تحوي إشارة‬
‫إلى إمكانية إسالمه وقتها؛ نظرا لخطورة الحدث وسريته‪ ،‬وائتمان‬
‫العباس عليه‪ ،‬بل ومشاركته فيه‪.‬‬
‫وغاية ما هنالك أنها تدل على ثقة النبي ‪ ‬في عمه‪،‬‬
‫السر في تعقيب الحاكم‬ ‫واطمئنانه إليه ال أنه كان وقتها مسلما‪ ،‬وال أفهم ّ‬
‫على هذه الرواية واعتبارها وردت في إسالم العباس حين قال‪َ :‬ول َ ْي َس‬
‫يث‪.‬‬ ‫اس َّيةِ ‪ِ ‬في َت َق ُّدمِ ِإ ْس َالمِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س أَ َص ُّح ِم ْن َه َذا ا ْل َح ِد ِ‬ ‫لِ ْل َع َّب ِ‬
‫ولم يستبعد د‪ /‬الغضبان إمكانية أن يكون العباس مسلما يوم العقبة‬
‫حيث قال‪ :‬ال يبعد ألن يكون العباس بن عبد المطلب قد أخفى‬
‫إسالمه؛ ليبقى قادرا على حماية الرسول ‪ ،‬لكننا نتعامل مع‬
‫ظاهر النص الذي يؤكد حضوره البيعة وهو على دين قومه(‪.)1‬‬
‫وهذا إشارة منه إلى روايات أخرى في الحادثة عينها (بيعة العقبة)‬
‫نصت صراحة على عدم إسالم العباس ‪ ‬وقتها‪ ،‬وقد صححها‬ ‫َّ‬
‫العلماء‪.‬‬
‫فقد روى اإلمام أحمد بسنده إلى كعب بن مالك(‪ )5‬ــ أحداث‬
‫العقبة وثقة النبي ‪ ‬في عمه العباس ودور العباس الفاعل في‬
‫ول اهلل ِ ‪،‬‬ ‫الش ْع ِب نَ ْن َت ِظ ُر َر ُس َ‬
‫اج َت َم ْعنَا بِ ِّ‬
‫هذه البيعة العظيمة وفيها‪ :‬فَ ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فقه السيرة‪ :‬الغضبان‪ ،‬حاشية ص‪.212‬‬
‫(‪ )5‬كعب أَ َحد من شهد العقبة وبايع عندها‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و ُه َو َي ْو َم ِئ‬ ‫ٍ‬


‫َعلَ‬ ‫اءنَا َو َم َع ُه يَ ْو َم ِئذ َع ُّم ُه ا ْل َع َّب ُ‬‫َح َّتى َج َ‬
‫فَلَ َّما‬ ‫دِي ِن قَ ْو ِم ِه‪ِ ،‬إ َّال أَنَّ ُه أَ َح َّب أَ ْن يَ ْح ُض َر أَ ْم َر ْاب ِن أَ ِخيه ِ‪َ ،‬ويَ َت َوث َُّق ل َ ُه‪،‬‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب أَ َّو َل ُم َت َكل ِّ ٍم‪.)1(..‬‬ ‫َجلَ ْسنَا َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫وعن شهود العباس لبيعة العقبة حال شركه يقول ابن عبد البر‪:‬‬
‫وكان العباس أنصر الناس لرسول اهلل ‪ ‬بعد أبى طالب‪ ،‬وحضر‬
‫مع النبي ‪ ‬العقبة يشترط له على األنصار‪ ،‬وكان على دين قومه‬
‫يومئذ(‪.)5‬‬
‫بيعة العقبة‪ ،‬لما‬ ‫‪‬‬ ‫وقال ابن األثير‪ :‬وشهد مع رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )12523‬وفي الفضائل‪ :‬ح (‪ )1505‬والطبري في‬
‫>التاريخ< ‪ 202/5‬ــ ‪ ،205‬وابن حبان في صحيحه (‪ 251/12‬ح‪ )5211 :‬من‬
‫طريق سلمة بن الفضل‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ 35/12 :‬ح (‪ )152 ،152‬من طريق‬
‫جرير‪ ،‬والحاكم‪ 222/2 :‬ح‪ )2302( :‬مختصرا‪ ،‬والبيهقي في >الدالئل< ‪ 222/5‬ــ‬
‫‪ 2225‬من طريق يونس بن بكير‪ ،‬ثالثتهم عن ابن إسحاق‪ ،‬بهذا اإلسناد‪ .‬وتحرف‬
‫اسم عبيد اهلل بن كعب عند الطبري وابن حبان والبيهقي إلى‪ :‬عبد اهلل بن كعب‪ .‬وقال‬
‫الحافظ الهيثمي في المجمع‪ ،22/0( :‬ح‪ )2335 :‬رواه أحمد والطبراني بنحوه‬
‫ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع‪ .‬وقال الشيخ‬
‫شعيب في تحقيقه على المسند‪( :‬حاشية ‪ )22/52‬حديث قوي وهذا إسناد حسن‪،‬‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫صرح بالسماع فانتفت شبهة تدليسه‪.‬‬‫محمد بن إسحاق ــ وإن كان مدلسا ــ َّ‬
‫ابن حبان كما عزا إليه ابن حجر في الفتح‪ )551/5( .‬واأللباني في تعليقه على فقه‬
‫السيرة للغزالي‪ ،‬ص‪ .122‬ود‪ /‬مهدي رزق اهلل في السيرة النبوية في ضوء المصادر‬
‫األصلية‪ ،‬ص‪.522‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪.315/5 :‬‬

‫‪125‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫بايعه األنصار‪ ،‬ليشدد له العقد‪ ،‬وكان حينئذ مشركا(‪.)1‬‬


‫السقاية والعمارة‪ ،‬وحضر‬
‫الجاهلية ّ‬
‫ّ‬ ‫وقال ابن حجر‪ :‬وكان إليه في‬
‫بيعة العقبة مع األنصار قبل أن يسلم(‪.)5‬‬

‫ــ رابع ًا‪ :‬رواية حماية العباس ألبي ذر ‪ ‬حين أعلن إسالمه ودفاعه‬
‫عنه‪:‬‬
‫قد يستدل البعض أيضا على إسالم العباس قبل الهجرة برواية‬
‫إسالم أبي ذر ودفاع العباس عنه أمام مأل قريش‪ ،‬مستقيا من هذا الدفاع‬
‫إشارة إلى تق ُّدم إسالمه وفي الرواية قول أبي ذر فيما يرويه البخاري‪:‬‬
‫َو َم َض ْي ُت َم َع ُه ــ أي مع علي ــ َح َّتى َد َخ َل َو َد َخ ْل ُت َم َع ُه َعلَى النَّب ِِّي‬
‫اإل ْس َال َم‪ ،‬فَ َع َر َض ُه‪ ،‬فَأَ ْسلَ ْم ُت َم َكانِي‪.‬‬ ‫ِض َعلَ َّي ْ ِ‬ ‫‪ ،‬فَ ُق ْل ُت ل َ ُه‪ْ :‬اعر ْ‬
‫ورنَا‬‫فَ َق َال لِي‪ :‬يَا أَبَا َذر ا ْك ُت ْم َه َذا ْاألَ ْم َر َو ْار ِج ْع ِإلَى بَلَ ِد َك فَ ِإ َذا بَلَ َغ َك ظ ُُه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَأَ ْقب ِْل‪ .‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬والَّذي بَ َعثَ َك بِا ْل َح ِّق َألَ ْص ُر َخ َّن بِ َها بَ ْي َن أَظ ُْهرِه ْم‪ ،‬فَ َج َ‬
‫اء‬
‫ش‪ِ ،‬إنِّي أَ ْش َه ُد أَ ْن َال ِإل َ َه ِإ َّال‬ ‫ِإلَى ا ْل َم ْس ِج ِد َوقُ َر ْيش ِفيه ِ فَ َق َال‪ :‬يَا َم ْع َش َر قُ َر ْي ٍ‬
‫الصابِ ِئ‪،‬‬ ‫وموا ِإلَى َه َذا َّ‬ ‫اهللُ َوأَ ْش َه ُد أَ َّن ُم َح َّمدا َع ْب ُد ُه َو َر ُسول ُ ُه‪ .‬فَ َقالُوا‪ :‬قُ ُ‬
‫اس‪ ،‬فَأَ َك َّب َعلَ َّي ثُ َّم أَ ْق َب َل َعلَ ْيه ِْم‬ ‫فَ َق ُاموا فَ ُضر ِْب ُت ِألَ ُم َ‬
‫وت‪ ،‬فَأَ ْد َر َك ِني ا ْل َع َّب ُ‬
‫فَ َق َال‪َ :‬و ْيلَ ُك ْم َت ْق ُتلُو َن َر ُجال ِم ْن ِغ َف َار َو َم ْت َج ُر ُك ْم َو َم َم ُّر ُك ْم َعلَى ِغ َف َار‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أسد الغابة‪.102/2 :‬‬
‫(‪ )5‬اإلصابة‪.211/2 :‬‬

‫‪123‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫فَأَ ْقلَ ُعوا َعنِّي‪ ،‬فَلَ َّما أَ ْن أَ ْص َب ْح ُت ا ْل َغ َد َر َج ْع ُت فَ ُق ْل ُت ِم ْث َل َما قُ ْل ُت بِ ْاألَ ْم ِ‬


‫س‪،‬‬
‫الصابِ ِئ‪ ،‬فَ ُص ِن َع بِي ِم ْث َل َما ُص ِن َع بِ ْاألَ ْم ِ‬
‫س‪َ ،‬وأَ ْد َر َك ِني‬ ‫وموا ِإلَى َه َذا َّ‬ ‫فَ َقالُوا‪ :‬قُ ُ‬
‫س(‪.)1‬‬ ‫اس فَأَ َك َّب َعلَ َّي َوقَ َال ِم ْث َل َم َقال َ ِته ِ بِ ْاألَ ْم ِ‬
‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫فالرواية شاهدة برجاحة عقل العباس وحسن تأتيه وجودة فطنته‪،‬‬
‫وال داللة صريحة فيها على إسالمه وقتها‪ ،‬وال تسعف من يرى ذلك‪.‬‬
‫فدفاع العباس ‪ ‬عن أبي ذر ‪ ‬إنما هو مراعاة للمصلحة‬
‫اآلنية والمستقبلية والمتمثلة في عدم نشوب نزاع بين قريش وغفار؛‬
‫وذلك خشية تعرض مصالح قريش وتجارتها لألذى من قِبل قبيلة غفار‪،‬‬
‫وهذا أمر مقبول‪.‬‬
‫وقد يُستش َكل على هذا بعدة تساؤالت منها‪:‬‬
‫* هل العباس وحده من يملك الرؤية االستقبالية للمصالح‬
‫االقتصادية؟‬
‫هموا بالفتك بأبي ذر حساسية موقع‬
‫* هل فات المشركون وقد ّ‬
‫قبيلته‪ ،‬وأنه من غفار طريق ممرهم ومتجرهم‪ ،‬وأنهم بهذا يخاطرون‬
‫بمصالحهم وتجارتهم؟‬
‫البعد أول مرة‪ ،‬فلم كرروا فعلتهم حينما‬‫* وإن كان فاتهم هذا ُ‬
‫صك أبو ذر آذانهم مرة ثانية بإشهار إسالمه مما ألجأ العباس للدفاع عنه‬
‫َّ‬
‫مرة ثانية؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2255‬‬

‫‪122‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫تساؤالت ال تقطع بشيء إال أنها تحتاج إلى إجابات وافية تطمئن‬
‫إليها النفس‪ ،‬وإن كان من أبرز اإلجابات أن موقف العباس هذا برؤيته‬
‫االستقبالية تلك نابع من حكمته ورجاحة عقله‪ ،‬وهذا أمر عرفه له‬
‫الجميع‪.‬‬
‫فالرجل كان يملك عقال ألمعيا‪ ،‬وبصيرة نافذة‪ ،‬ورأيا صائبا‪،‬‬
‫وحكمة بادية في ُجل تصرفاته‪ ،‬ورجل بهذه القدرات ال يستغرب منه أن‬
‫البعد‪ ،‬وأن يستشعر هذا الخطر المحدق‪ ،‬فأسرع ليتدارك األمر‬ ‫يرى هذا ُ‬
‫مذ ِّكرا قومه بموقع قبيلة غفار‪ ،‬والذي يعرفونه جيدا‪ ،‬ولكنه قد يكون‬
‫وصك‬
‫ِّ‬ ‫غاب عنهم في غمرة الحدث‪ ،‬نتيجة استنفار أبي ذر لمشاعرهم‪،‬‬
‫آذانهم بكلمة التوحيد‪ ،‬وإحراجهم أمام أتباع يهابونهم‪ ،‬بل ربما لو ُترك‬
‫أبو ذر ‪ ‬من غير عقاب ألطمع فيهم غيره ممن ينتظر الفرصة‬
‫السانحة ليستعلن بإسالمه‪.‬‬

‫يخبره بحال‬ ‫‪‬‬ ‫للنبي‬ ‫‪‬‬ ‫ــ خامس ًا‪ :‬رواية مكاتبة العباس‬
‫المشركين قبيل بدر‪:‬‬
‫َّمر معنا قول ابن األثير عن العباس حاكيا عن بعضهم في إسالم‬
‫العباس أنه أسلم قبل الهجرة‪ ،‬وكان يكتم إسالمه‪ ،‬وكان بمكة يكتب‬
‫إلى رسول اهلل ‪ ‬أخبار المشركين‪ ،‬وكان َمن بمكة من المسلمين‬
‫يتقوون به‪ ،‬وكان لهم عونا على إسالمهم(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أسد الغابة‪.102/2 :‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ولعل مما يمكن التمسك به في هذا الباب ما ورد في بعض‬


‫الروايات من إشارة إلى مكاتبة العباس ‪ ‬للنبي ‪ ‬يبلغه بأمر‬
‫المشركين قبل بدر‪ ،‬وإكراههم إياه على الخروج‪ ،‬ويعلمه برغبته في‬
‫كسرهم والحيلولة بينهم وبين محاربة النبي ‪.‬‬
‫اس ْب ُن ِه َشامٍ ا ْل َك ْلب ُِّي َع ْن أبيه‬ ‫فقد روى البالذري بسنده َ َح َّدثَ ِني َع َّب ُ‬
‫َع ْن َج ِّدهِ‪َ ،‬ع ْن أَبِي َصالِ ٍح‪َ ،‬ع ْن َجابِرِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ قَ َال‪َ :‬ك َت َب ا ْل َع َّباس ْبن‬
‫ين ِإلَى بَ ْد ٍر‬ ‫َع ْبد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِإلَى َر ُسول اللَّه ‪ِ ‬ع ْن َد ُخ ُرو ِج ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫ش َوأَنَّ ُه َغ ْي ُر ُم َقاتِ ٍل َم َع‬ ‫الس َب َب ال َّ ِذي َخ َر َج ل َ ُه ِم ْن ُم َد َارا ِة قُ َر ْي ٍ‬ ‫يُ ْعلِ ُم ُه َّ‬
‫ين َو ِإ ْن أَ ْم َكنَ ُه أَ ْن يَ ْن َهز َِم بِه ِْم َويَ ْك ِس َر ُه ْم فَ َع َل‪ ،‬فَلَ َّما أُ ِس َر يَ ْو َم بَ ْد ٍر‬ ‫ا ْل ُم ْش ِر ِك َ‬
‫بَ َع َث ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أَ ْن أَ ْلز ِْم ِني ِم َن ا ْل ِف َد ِاء أَ ْغلَظَ َما يُ ْؤ َخذُ ِم ْن‬
‫أَ َح ٍد‪َ ،‬و َكا َن ِك َتابُ ُه ِم ْن َم َّك َة َم َع َر ُج ٍل ِم ْن بَ ِني ِكنَانَ َة َو َم َع ُه ِك َتابُ ُه ِإلَى َر ُسو ِل‬
‫ش لِ َغ ْز ِوهِ يَ ْو َم أُ ُح ٍد ِإ ْش َفاقا ِم ْن أَ ْن يُ ِص ُيبوا‬ ‫اهلل ِ ‪ ‬بِ ْاس ِت ْع َدا ِد قُ َر ْي ٍ‬
‫ُغ َّر َت ُه‪َ ،‬وبَلَ َغ ُه فَ ْت ُح َخ ْي َب َر فَأَ ْع َت َق ُغالما ل َ ُه يُ َكنَّى أَبَا َزبِ َيب َة(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البالذري في أنساب األشراف‪ .2/2 :‬والرواية في سندها الكلبي وابنه وهما‬
‫السائِ ِب ب ِن ب ِْش ٍر ال َك ْلب ُِّي‪َ ..‬كا َن َر ْأسا ِفي‬
‫بن َّ‬ ‫متروكان‪ .‬قال الذهبي عن الكلبي‪ُ :‬م َح َّم ُد ُ‬
‫ث‪( .‬سير أعالم النبالء‪ .)223/0 :‬وقال عنه النسائي‪:‬‬ ‫الح ِد ْي ِ‬ ‫األَ َنس ِ‬
‫اب‪َ ..‬م ْت ُر ْو ُك َ‬
‫متروك الحديث‪( .‬الضعفاء والمتروكين‪ 22/1 :‬ت‪ .)212 :‬وقال عنه ابن حبان‪:‬‬
‫مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى اإلغراق في وصفه‪.‬‬
‫(المجروحين‪ .)22/1 :‬وعند ابن حجر‪ :‬متهم بالكذب ورمي بالغلو‪( .‬التهذيب‪:‬‬
‫‪ ،153/2‬ت‪ .)503‬وانظر‪( :‬الكامل البن عدي‪.)552/5 :‬‬
‫بن َح ْنب ٍل‪ِ :‬إنَّ َما َكا َن َص ِ‬
‫اح َب َس َم ٍر َونَ َس ٍب‪=،‬‬ ‫وعن هشام بن الكلبي يقول قَ َال أَ ْح َم ُد ُ َ‬
‫‪521‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫والرواية في سندها مقال‪ ،‬ويكفي أن فيه الكلبي وابنه‪ ،‬وهما‬


‫متروكان‪ .‬وحتى على فرض صحة الرواية فال داللة فيها على أن العباس‬
‫‪ ‬كان وقتها مسلما‪ ،‬وال تعني مكاتبته للنبي ‪ ‬سبق إسالمه‪،‬‬
‫وغاية ما فيها اإلشارة إلى عناية العباس ‪ ‬بأمر النبي ‪،‬‬
‫واهتمامه به‪ ،‬وخشيته عليه‪ ،‬وهذا أمر واضح‪ ،‬وما موقفه يوم العقبة الثانية‬
‫إال من هذا الباب‪ ،‬وصفحات السيرة حبلى بمواقف ألبي طالب من جنس‬
‫موقف العباس بل أشد منها في النصرة وأوضح‪ ،‬ومع ذلك لم يُسلم‪.‬‬
‫ــ سادس ًا‪ :‬الروايات التي تشير إل إكراه المشركين للعباس في الخروج‬
‫إل بدر‪:‬‬
‫لعل من الثابت تاريخيا أن العباس قد خرج إلى بدر مكرها من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ث‪ )125/12( .‬وعده‬ ‫الح ِد ْي ِ‬
‫= َما ظَنَ ْن ُت أَ َّن أَ َحدا يُ َح ِّد ُث َع ْن ُه‪ .‬وقال الدارقطني‪َ :‬م ْت ُر ْو ُك َ‬
‫ْاب ُن َع َسا ِك َر من الغالة‪ ،‬وقال‪ :‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ‪( .‬سير أعالم النبالء‪( .)531/3 :‬الميزان‪:‬‬
‫‪( )222/2‬التاريخ الكبير‪.)322/5 :‬‬
‫وفي السند كذلك أبو صالح وهو باذام‪ ،‬تابعي ضعيف الحديث‪ ،‬ض َّعفه البخاري‪،‬‬
‫حديثه‪( .‬التاريخ الكبير‪)122/5 :‬‬ ‫َ‬ ‫ابن مهدي‬ ‫وقال‪ :‬قَ َال لِي ُم َحمد ْبن بشار‪َ :‬ت َر َك ُ‬
‫بن َم ِع ْي ٍن‪ :‬ل َ ْي َس بِه ِ بَ ْأس‪َ ،‬و ِإ َذا َح َّد َث َع ْن ُه ال َك ْلب ُِّي‪ ،‬فَلَ ْي َس ب َِش ْي ٍء‪ .‬وقال ابن‬ ‫وق َال يَ ْح َيى ُ‬
‫عدي‪ :‬عامة ما يرويه تفسير‪َ .‬وقَ َال يَ ْح َيى ال َقطَّا ُن‪ :‬ل َ ْم أَر أَ َحدا ِم ْن أَ ْص َحابِنَا َت َر َك ُه‪َ .‬وقَ َال‬
‫الم ْسنَ ِد‪َ .‬وقَ َال النَّ َسائِ ُّي‪ :‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ‪َ .‬ك َذا‬
‫ْاب ُن َع ِدي‪َ :‬ع َّام ُة َما يَ ْرو ِْيه ِ َت ْف ِس ْير‪ ،‬قَ َّل َما ل َ ُه ِم َن ُ‬
‫ِع ْن ِدي‪َ ،‬و َص َوابُ ُه‪ :‬بِ َق ِوي‪( .‬أي ليس بقوي) فَ َكأَنَّ َها َت َص َّح َف ْت‪ ،‬فَ ِإ َّن النَّ َسائِ َّي الَ يَ ُق ْولُ ‪:‬‬
‫لِ ْي َس بِ ِث َقةٍ ِفي َر ُج ٍل ُم َخ َّر ٍج ِفي ِك َتابِه ِ‪ .‬وقال عبد الحق في أحكامه‪ :‬ضعيف جدا‪ ،‬فأنكر‬
‫هذه العبارة عليه أبو الحسن بن القطان‪( .‬راجع‪ :‬سير أعالم النبالء‪ 25/2 :‬ــ ميزان‬
‫االعتدال‪.)520/1 :‬‬

‫‪525‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫قِبل المشركين‪ ،‬وقد يفهم البعض من هذا اإلكراه أنهم أحسوا بإسالمه‪،‬‬
‫أو حتى تشككوا فيه‪ ،‬وعليه فيمكن أن تكون روايات إكراهه على‬
‫الخروج إلى بدر من مرشحات ومؤيدات إسالمه قبل الهجرة‪ ،‬بخاصة‬
‫نصت على أنهم أكرهوا حتى من علموا بإسالمه‪.‬‬ ‫وأن هناك روايات َّ‬
‫‪ 1‬ــ روى البيهقي في الدالئل بسنده إلى موسى بن عقبة وفيه‪:‬‬
‫ين َوتِ ْس ِع ِما َئةِ ُم َقاتِ ٍل‪َ ،‬و َساقُوا‬
‫‪ ...‬فَ َخ َر ُجوا ــ أي قريش إلى بدر ــ بِ َخ ْم ِس َ‬
‫س‪َ ،‬ول َ ْم يَ ْت ُر ُكوا َكارِها لِ ْل ُخ ُرو ِج يَ ُظنُّو َن أَنَّ ُه ِفي َص ْغ ِو(‪ُ )1‬م َح َّم ٍد‬ ‫ِما َئ َة فَ َر ٍ‬
‫َوأَ ْص َحابِه ِ‪َ ،‬و َال ُم ْسلِما يَ ْعلَ ُمو َن ِإ ْس َال َم ُه‪َ ،‬و َال أَ َحدا ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم ِإ َّال َم ْن‬
‫اس ْب ُن‬ ‫وه َم َع ُه ْم‪ ،‬فَ َكا َن ِم َّم ْن أَ ْش َخ ُصوا ا ْل َع َّب ُ‬‫َال يَ َّته ُِمو َن ِإ َّال أَ ْش َخ ُص ُ‬
‫ِث‪َ ،‬وطَالِ ُب ْب ُن أَبِي طَالِ ٍب‪َ ،‬و َع ِق ُيل ْب ُن‬ ‫َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬ونَ ْوفَ ُل ْب ُن ا ْل َحار ِ‬
‫ْ‬
‫أَبِي طَالِ ٍب‪ِ ،‬في َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ِين ‪.‬‬ ‫آخر َ‬
‫ومع تسليمنا بإكراه العباس للخروج إلى بدر إال أن الرواية على‬
‫فرض صحتها ال تسعف من يقول بنَ ِّصها على إسالم العباس‪ ،‬ومجرد‬
‫ذكر العباس في الرواية ال يعني أنه كان مسلما‪ ،‬وال يشير صراحة إلى‬
‫إسالمه وقتها‪ ،‬وبخاصة وأنه ُذكر في الجزء المتعلق ببني هاشم‪ ،‬وجاء‬
‫ذكره مع غيره‪ ،‬وغاية ما هنالك أن قريشا كانت تأنس منه ميال إلى النبي‬
‫‪ ‬وخوفا عليه فاصطحبته معها مكرها إلى بدر مع من اصطحبت‬
‫من بني هاشم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الص ْغو‪ :‬الميل‪( .‬العين‪ /‬صغو)‪.‬‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )5‬دالئل النبوة‪ .122/2 :‬والرواية منقطعة اإلسناد حيث تنتهي إلى موسى بن عقبة‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫اس ْب ُن‬ ‫‪ 5‬ــ وفي رواية أخرى البن إسحاق قال‪َ :‬ح َّدثَ ِني ا ْل َع َّب ُ‬
‫ن النَّبِي ‪‬‬
‫َّ‬ ‫س‪ :‬أَ َّ‬ ‫َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َم ْع َب ٍد‪َ ،‬ع ْن بَ ْع ِ‬
‫ض أَ ْهلِه ِ َع ْن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫قَ َال ِألَ ْص َحابِه ِ يَ ْو َم ِئ ٍذ‪ِ :‬إنِّي َع َر ْف ُت أَ َّن ر َِجاال ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم َو َغ ْي ِر ِه ْم قَ ْد‬
‫اج َة ل َ ُه ْم بِ ِق َتالِنَا‪ .‬فَ َم ْن ل َ ِق َي ِم ْن ُك ْم أَ َحدا ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم‬
‫أُ ْخر ُِجوا َك ْرها ال َح َ‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َع َّم النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ فَال‬ ‫فَال يَ ْق ُت ْل ُه‪ ،‬و َم ْن ل َ ِق َي ا ْل َع َّب َ‬
‫يَ ْق ُت ْل ُه فَ ِإنَّ َما أُ ْخر َِج ُم ْس َت ْك َرها(‪.)1‬‬
‫فعلة النهي هنا اإلكراه ال اإلسالم‪ ،‬وداللة الرواية على إسالم‬
‫العباس قبل الهجرة ضعيفة‪.‬‬
‫ويضيف أبو شهبة علة أخرى للنهي الوارد في الرواية عن قتل‬
‫حسبن أن الرسول بهذه الوصاة أراد أن يحابي‬
‫ّ‬ ‫العباس وغيره قائال‪ :‬ال ت‬
‫أهله وذوي قرباه‪ ،‬فقد كانت نفسه الشريفة أسمى من ذلك وأرفع‪ ،‬وإنما‬
‫الشعب‬‫ذكر لبني هاشم منعهم له ثالثة عشر عاما‪ ،‬وانحيازهم ألجله في ّ‬
‫ثالثة أعوام حتى جاهدوا وأكلوا ورق الشجر‪ ،‬وذكر لعمه العباس موقفه‬
‫المشرف في بيعة العقبة الثانية وقوله لألنصار‪( :‬إن محمدا ال يزال في‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن هشام في السيرة (‪ )052/1‬من طريق ابن إسحاق عن العباس بن عبد اهلل‬
‫ابن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس‪ .‬ومن طريقه الطبري في تاريخه (‪،)222/5‬‬
‫والسند رجاله ثقات‪ ،‬وفيه إبهام بالبعض الذين يروي عنهم العباس بن عبد اهلل بن‬
‫معبد‪ ،‬ولعله يزول بمعرفة أن العباس يروي عن أبيه وأخيه إبراهيم وعكرمة مولى ابن‬
‫عباس‪ ،‬وهم ما بين ثقة وصدوق‪ .‬راجع التهذيب للمزي‪ )32/22( :‬ــ تهذيب‬
‫التهذيب البن حجر‪( .)152/2( :‬تقريب التهذيب‪ :‬ص‪.)522‬‬
‫وانظر تخريجه وافيا في مبحث العباس ويوم بدر من الفصل الثاني‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫عزة ومنعة من قومه)‪ ،‬وذكر ألبي البختري أنه كان له ضلع كبير في‬
‫نقض الصحيفة الظالمة‪ ،‬وهي حسنات ال ينساها اإلسالم قط‪ ،‬وقد كان‬
‫من خلق رسول اهلل أن ير ّد الجميل بخير منه‪ ،‬وليس أدل على ذلك من‬
‫أن أبا البختري ليس من بني هاشم‪ ،‬وال تربطه بالنبي ‪ ‬قرابة‬
‫قريبة‪ ،‬وإنما هو السمو الخلقي واإلنساني(‪.)1‬‬
‫فال عالقة للرواية محل االستشهاد بالقطع بإسالم العباس وقتها‪.‬‬
‫ومما يدعو للدهشة أن ابن هشام في السيرة لم يذكر العباس ضمن‬
‫أسرى بدر‪ ،‬وعلل ذلك الخشني بأن العباس كان مسلما يكتم إسالمه(‪.)5‬‬

‫ــ سابع ًا‪ :‬رواية استئ ان العباس من النبي ‪ ‬بالهجرة ونصها‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ روى أبو يعلى في مسنده والطبراني في الكبير وابن عساكر‬
‫س ْب ِن َز ْي ِد ْب ِن‬ ‫في تاريخه بإسنادهم عن أَبي ُم ْص َع ٍب ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ُن قَ ْي ِ‬
‫ي‪ ،‬قَ َال‪ْ :‬اس َت ْأ َذ َن‬ ‫ت‪َ ،‬ح َّدثَنَا أَبُو َحا ِزمٍ‪َ ،‬ع ْن َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد َّ‬
‫السا ِع ِد ِّ‬ ‫ثَابِ ٍ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب النَّب َِّي ‪ِ ‬في ا ْله ِْج َر ِة‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه‪> :‬يَا َع ِّم‪،‬‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫أَقِ ْم َم َكانَ َك ال َّ ِذي أَ ْن َت بِه ِ فَ ِإ َّن اهللَ َع َّز َو َج َّل يَ ْخ ِت ُم بِ َك ا ْله ِْج َر َة َك َما َخ َت َم‬
‫بِ َي النُّ ُب َّو َة<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة‪.125/5 :‬‬
‫(‪ )5‬شرح غريب السير‪ :‬أبو ذر الخشني‪ ،‬ص‪ .152‬وراجع مرويات إسالم العباس‪،‬‬
‫ص‪.221‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو يعلى في المسند‪ :‬ح (‪ )5020‬والطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )2353‬وابن‬
‫عدي (‪ )525/1‬كالهما من طريق شعيب بن سلمة األنصاري‪ ،‬وابن عساكر=‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫والرواية أوردها كثيرون في فضائل العباس ‪ ،‬وهي ضعيفة‬


‫جدا؛ ألن مدارها على إسماعيل بن قيس‪ ،‬وهو متروك‪.‬‬
‫كما أنه ــ على فرض صحتها ــ ال داللة قاطعة فيها على أن إسالم‬
‫العباس كان قبل الهجرة‪ ،‬فلعله أسلم بعد هجرة النبي ‪،‬‬
‫وأرسل إليه يخبره بإسالمه ثم رغبته في الهجرة إلى المدينة‪ ،‬فكان ر ُّد‬
‫النبي ‪ ‬أن أقم مكانك‪ ،‬وهو مكة‪.‬‬
‫بل وردت الرواية نفسها بتفصيل أكثر يعطينا داللة واضحة على أن‬
‫هذا الذي دار إنما كان مشافهة بين العباس ‪ ‬والنبي ‪ ‬بعد‬
‫بدر‪ ،‬إال أن سندها أيضا ال يخلو من مقال‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= في التاريخ‪ 520/50 :‬ح (‪ )2235‬من طرق‪ ،‬كلهم عن إسماعيل بن قيس‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال حسين أسد‪ :‬إسناده ضعيف جدا‪ ،‬وأورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد‬
‫(‪502/2‬ح‪ )12255‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه أَبو يَ ْعلَى َوال َّط َب َرانِ ُّي‪َ ،‬و ِفيه ِ أَ ُبو ُم ْص َع ٍب ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ُن‬
‫س‪َ ،‬و ُه َو َم ْت ُروك‪ .‬وأورده الذهبي في السير‪ )225/2( :‬وقال‪ :‬إسماعيل وا ٍه‪.‬‬ ‫قَ ْي ٍ‬
‫وهذا إسناد تالف‪ ،‬فإسماعيل بن قيس منكر الحديث ذكره البخاري في التاريخ الكبير‬
‫(‪ 252/1‬رقم‪ ))1155 :‬وقال‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال عنه النسائي‪ :‬مدني ضعيف‪.‬‬
‫(الضعفاء والمتروكون‪ :‬ص‪ 15‬رقم ‪ )21‬وقال أبو حاتم‪( :‬الجرح والتعديل‪122/5 :‬‬
‫رقم ‪ )022‬ضعيف الحديث منكر الحديث يحدث بالمناكير ال أعلم له حديثا قائما‪.‬‬
‫وأورده الذهبي في الميزان (‪ ،522/1‬رقم‪ .)255‬وقال‪ :‬قال البخاري والدارقطني‪:‬‬
‫منكر الحديث‪ .‬وقال النسائي وغيره‪ :‬ضعيف‪ ...‬وقال ابن عدي‪ :‬وعامة ما يرويه‬
‫منكر ــ وقال مسلم في الكنى واألسماء‪ 53/5( :‬رقم‪ )2520‬منكر الحديث‪ .‬وقد‬
‫تفرد به ابن أبي حازم كما قال ابن عدي‪ ،‬وقال أبو حاتم وعبد الرحمن بن شيبة‪:‬‬
‫ضاع منه كتاب أبي حازم‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫س‪َ ،‬ع ْن أَبِي َحا ِزمٍ‪،‬‬ ‫‪ 5‬ــ روى أحمد بسنده عن ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ُن قَ ْي ٍ‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬م ْن بَ ْد ٍر َو َم َع ُه َع ُّم ُه‬ ‫َع ْن َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد قَ َال‪ :‬ل َ َّما قَ ِد َم َر ُس ُ‬
‫اج ْر ُت‬ ‫ول اهلل ِ‪ ،‬ل َ ْو أَ ِذ ْن َت لِي فَ َخ َر ْج ُت ِإلَى َم َّك َة فَ َه َ‬ ‫اس قَ َال ل َ ُه‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬يَا َع ِّم اط َْم ِئ َّن‬ ‫اج ُر ِم ْن َها‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫ِم ْن َها‪ ،‬أَ ْو قَ َال‪ :‬فَأُ َه ِ‬
‫ين ِفي النُّ ُب َّو ِة<(‪.)1‬‬ ‫ِين ِفي ا ْله ِْج َر ِة‪َ ،‬ك َما أَنَا َخ َات ُم النَّبِيِّ َ‬
‫اجر َ‬ ‫فَ ِإنَّ َك َخ َات ُم ا ْل ُم َه ِ‬
‫والروايات السابقة ال يمكن الركون إلى كل منها على حدة إلثبات‬
‫تق ُّدم إسالم العباس ‪ ،‬نعم بمجموعها يمكن أن نفهم منها إشارة أو‬
‫تلميحا‪ ،‬قد يساعدنا للخروج برأي في هذه المسألة الشائكة والمحيِّرة‪.‬‬
‫صح شيء في تق ُّدم إسالم العباس ‪ ،‬إذا‬ ‫وكنا نتمنى أن لو َّ‬
‫ألظهرناه وبينَّاه ودافعنا عنه بكل ما نستطيع؛ ألنه عندئذ سيكون من‬
‫بعم النبي ‪ ،‬إال أن الروايات الواردة‬ ‫باب إظهار الحق‪ ،‬والبر ِّ‬
‫في ذلك ال تسلم من مقال ــ كما سبق ــ وبجانب ضعفها‪ ،‬فإن الوقائع‬
‫اس ل َ ْم‬
‫التاريخية ال تدعم صحة مضامينها‪ .‬ولذا يقول ابن تيمية‪َ :‬وا ْل َع َّب ُ‬
‫ين ْاألَ َّولِ َ‬
‫ين(‪.)5‬‬ ‫يَ ُك ْن ِم َن َّ‬
‫السابِ ِق َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في فضائل الصحابة‪221/5 :‬ح (‪ )1315‬وابن عساكر في تاريخ دمشق‪:‬‬
‫‪ 520/50‬ح (‪ 2232‬ــ ‪ )2230‬وأورده الذهبي في السير (‪ )222/2‬وقال‪ِ :‬إ ْسنَ ُاد ُه‬
‫ِي‪ .‬وقال‬ ‫الش ِاش ُّي ِفي > ُم ْسنَ َد ْيه َِما<‪َ .‬ويُ ْر َوى نَ ْح ُو ُه ِم ْن َم َر ِ‬
‫اس ْي ِل ال ُّز ْهر ِّ‬ ‫َوا ٍه َر َو ُاه أَبُو يَ ْعلَى َو َّ‬
‫المتقي الهندي في الكنز‪ ،252/12( :‬ح‪ )25225‬ومدار الحديث على إسماعيل بن‬
‫قيس بن سعد بن زيد بن ثابت‪ ،‬ض َّعفوه<‪.‬‬
‫(‪ )5‬منهاج السنة النبوية‪ :‬ابن تيمية‪.150/5 ،‬‬

‫‪525‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫وبناء على ما سبق‪ :‬فال يستقيم القول بإسالم العباس ‪ ‬قبل‬


‫هجرة النبي ‪‬؛ لضعف الروايات الواردة في ذلك‪ ،‬ولتعارض‬
‫كثير من األحداث مع هذا القول‪.‬‬
‫ومن الواضح أن هذا القول مرجوح وقد ر َّده كثير من العلماء‬
‫المحققين الذين تكلموا في الروايات التي استند عليها‪ ،‬كالحافظ ابن‬
‫حجر وغيره‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في الرد على هذا القول‪ :‬وير ّده أن العباس‬
‫أسر ببدر وقد فدى نفسه‪ ..‬وير ّده أيضا أن اآلية التي في قصة‬
‫المستضعفين نزلت بعد بدر بال خالف(‪.)1‬‬

‫وقبل‬ ‫‪‬‬ ‫بعد هجرة النبي‬ ‫‪‬‬ ‫* القول الثاني‪ :‬إسالم العباس‬
‫بدر‪:‬‬
‫ويتبنى أصحاب هذا القول رأيا مفاده أن إسالم العباس بن‬
‫عبد المطلب ‪ ‬كان في الفترة التي أعقبت هجرة النبي ‪‬‬

‫وإلى ما قبيل غزوة بدر في رمضان من السنة الثانية للهجرة‪.‬‬


‫ويتميز هذا القول عن سابقه بتحديده للفترة الزمنية أو تضييقه لها‪،‬‬
‫نص على إسالم العباس ‪ ‬قبل الهجرة‪ ،‬وهي فترة‬ ‫فالقول األول َّ‬
‫نص الثاني على إسالمه بعد‬ ‫زمنية تقترب من ثالث عشرة سنة‪ ،‬بينما َّ‬
‫تقل عنهما‪،‬‬
‫الهجرة وقبل بدر‪ ،‬وهي فترة زمنية ال تتعدى سنتين‪ ،‬بل ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ 152/2 :‬ــ ‪.152‬‬

‫‪523‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ويدل عليه بعض الروايات الواردة بهذا الصدد‪ ،‬ومنها‪:‬‬


‫السائِ ِب‬ ‫‪ 1‬ــ روى ابن سعد بسنده أخبرنا ِه َش ُام ْب ُن ُم َح َّم ِد ْب ِن َّ‬
‫س‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ ْد َكا َن َم ْن‬ ‫ا ْل َك ْلب ُِّي‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪َ ،‬ع ْن أَبِي َصالِ ٍح‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫َكا َن ِمنَّا بِ َم َّك َة ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم قَ ْد أَ ْسلَ ُموا‪ ،‬فَ َكانُوا يَ ْك ُت ُمو َن ِإ ْس َال َم ُه ْم‪،‬‬
‫َويَ َخافُو َن يُ ْظه ُِرو َن َذلِ َك فَ َرقا ِم ْن أَ ْن يَ ِث َب َعلَ ْيه ِْم أَبُو ل َ َه ٍب َوقُ َر ْيش فَ ُيوثَ ُقوا‬
‫اس ْب َن أَبِي َربِ َيع َة َو َغ ْي َر ُه َما؛‬ ‫َك َما أَ ْوثَ َق ْت بَنُو َم ْخ ُزومٍ َسلَ َم َة ْب َن ِه َشامٍ َو َع َّب َ‬
‫ِ‬
‫اس‬ ‫فَلِ َذلِ َك قَ َال النَّب ُِّي ‪ ‬ألَ ْص َحابِه ِ يَ ْو َم بَ ْد ٍر‪َ > :‬م ْن ل َ ِق َي ِم ْن ُك ُم ا ْل َع َّب َ‬
‫وه ْم‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ْم أُ ْخر ُِجوا‬ ‫وع ِقيال َونَ ْوفَال َوأَبَا ُس ْف َيا َن فَ َال َت ْق ُتلُ ُ‬ ‫َوطَالِبا َ‬
‫ين<(‪.)1‬‬ ‫ُم ْك َر ِه َ‬
‫وداللة الرواية على التوقيت المذكور تتمثل في قول ابن عباس‪:‬‬
‫>من كان منا بمكة من بني هاشم قد أسلموا<‪ ،‬أي من تب َّقى في مكة بعد‬
‫هجرة النبي ‪ ‬من بني هاشم ومنهم العباس؛ بداللة أمرين‪:‬‬
‫ــ إن إسالمهم لو كان قبل هجرة النبي ‪ ‬لعرفه النبي‬
‫‪ ،‬وبخاصة وأنهم قومه وعشيرته‪ ،‬والشتهر بين الصحابة‪ ،‬وهذا‬
‫ما لم يحدث‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ .12/2 :‬والرواية سندها ضعيف‪ ،‬ففيه الكلبي وابنه‪ ،‬وكالهما متهم‬
‫بالكذب‪( .‬راجع‪ :‬سير أعالم النبالء‪ 223/0 :‬ــ الضعفاء والمتروكين‪ 22/1 :‬ت‪:‬‬
‫‪ 212‬ــ المجروحين‪ 522/5 :‬ــ التاريخ الكبير‪ 322/5 :‬ــ ميزان االعتدال‪:‬‬
‫‪ .)222/2‬وفيها‪ :‬أبو صالح باذام الكوفي وهو ضعيف الحديث‪ .‬ض َّعفه البخاري‬
‫وغيره راجع ترجمته في‪( :‬التاريخ الكبير‪ )122/5 :‬وراجع‪ :‬ميزان االعتدال‬
‫(‪.)520/1‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫المذكورين في الرواية‬
‫َ‬ ‫ــ إن سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة‬
‫ُمنعا من الهجرة من قِبل بني مخزوم بعد أن هاجر النبي ‪،‬‬
‫فعياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة ولحق به أخواه ألمه أبو جهل‬
‫ابن هشام والحارث بن هشام فرجعا به إلى مكة فحبساه فيها حتى مضى‬
‫فمنع أصال من الهجرة إلى المدينة‪،‬‬‫بدر وأحد والخندق‪ ...‬أما سلمة ُ‬
‫حيث كانت قريش تمنع من أراد الهجرة بعد أن علموا بوجهة النبي‬
‫‪ ‬واستوثقوا منها‪.‬‬
‫وعند النظر في الرواية نجدها ال تثبت عند االحتجاج بها في‬
‫تحديد إسالم العباس ‪ ‬في هذا الوقت (بعد الهجرة وقبل بدر)‬
‫فبجانب ضعف سندها نظرا لوجود الكلبي وابنه وأبو صالح باذام‬
‫الكوفي فيه‪ ،‬إال أن أصل الرواية ورد في معرض تحريض النبي‬
‫استحث عزائمهم وشحذ‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬المؤمنين على القتال يوم بدر‪ ،‬حيث‬
‫مكرهين إلى القتال‪ ،‬وكانت‬
‫هممهم‪ ،‬ولم ينس وصيته بأناس خرجوا َ‬
‫لهم مواقف مشكورة في منع النبي ‪ ‬وحمايته‪ ،‬أو مساع حميدة‬
‫في ر ّد الظلم والطغيان‪ ،‬فنهى أصحابه عن قتالهم‪ ،‬فالنهي هنا لعلة‬
‫إخراجهم مكرهين كما نصت الرواية ال لعلة إسالمهم‪ ،‬وإن كانت‬
‫الرواية تعطينا إشارات على ذلك وبخاصة فيما يتعلق ببني هاشم‪.‬‬
‫مح َّم ُد ْب ُن ُع َم َر‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني ْاب ُن‬‫‪ 5‬ــ روى ابن سعد بسنده عن َ‬
‫س‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫أَبِي َس ْب َر َة‪َ ،‬ع ْن ُح َس ْي ِن ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اس بِ َم َّك َة قَ ْب َل بَ ْد ٍر‪َ ،‬وأَ ْسلَ َم ْت أُ ُّم ا ْل َف ْض ِل َم َع ُه ِحينَ ِئ ٍذ‪َ ،‬و َكا َن‬
‫أَ ْسلَ َم ا ْل َع َّب ُ‬
‫‪512‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ُم َق ُام ُه بِ َم َّك َة‪ِ ،‬إنَّ ُه َكا َن َال يُ َغبِّي َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬بِ َم َّك َة َخ َبرا يَ ُكو ُن‬
‫ِإ َّال َك َت َب بِه ِ ِإل َ ْيه ِ‪َ ،‬و َكا َن َم ْن ُهنَا َك ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين يَ َت َق ُّوو َن بِه ِ َويَ ِص ُيرو َن ِإل َ ْيه ِ‪،‬‬
‫َو َكا َن ل َ ُه ْم َع ْونا َعلَى ِإ ْس َال ِمه ِْم‪َ ،‬ول َ َق ْد َكا َن يَ ْطلُ ُب أَ ْن يَ ْق َد َم َعلَى النَّب ِِّي‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ > :‬إ َّن ُم َق َام َك ُم َجا ِهد َح َسن<‪.‬‬ ‫‪ ،‬فَ َك َت َب ِإل َ ْيه ِ َر ُس ُ‬
‫فَأَقَ َام بِأَ ْمرِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪.)1(‬‬
‫ووجه الداللة في الرواية قوله‪( :‬قبل بدر) ولو كان المراد قبل‬
‫لنص عليه‪ .‬وقد صرحت الرواية بإسالم العباس قبل بدر‪ ،‬بل‬ ‫الهجرة َّ‬
‫وحددت المهمة التي من أجلها مكث العباس بمكة‪ ،‬وهي تزويد النبي‬
‫‪ ‬بأخبار المشركين‪ ،‬وإعانة من ظل من المسلمين بمكة‪.‬‬
‫والرواية في سندها الواقدي وهو متروك كما ال يخفى‪ ،‬وابن أبي‬
‫سبرة وهو متهم بالوضع‪ ،‬وحسين بن عبد اهلل وقد ض َّعفوه‪.‬‬
‫كما أن المشهور من إسالم أم الفضل أنه كان قبل ذلك حتى قال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ .12/2 :‬وهذا الخبر ض َّعفه الذهبي وقال‪ :‬إسناده ضعيف‪( .‬سير‬
‫أعالم النبالء‪ )225/2 :‬وعند النظر نجد أن في سند الرواية الواقدي وهو متروك‬
‫الحديث كما ذكر البخاري (الضعفاء الصغير‪ )122/1‬والنسائي‪( .‬الضعفاء‬
‫والمتروكون‪ ،)25/1 :‬وقال عنه يحيي ابن معين‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬وقال‪ :‬ضعيف‪ ،‬وفي‬
‫موض ٍع آخر‪ :‬ليس َبش ْي ٍء‪ ،‬وقال عنه أحمد بن حنبل‪ :‬هو كذاب‪( .‬الكامل في ضعفاء‬
‫الرجال‪ :‬ابن عدي (‪ )231/5‬وشيخه ابن أبي سبرة وهو أبو بكر عبد اهلل بن محمد‬
‫ابن أبي سبرة رموه بالوضع كما في الكامل البن عدي‪ ،)125/2( ،‬وراجع ترجمته‬
‫في تهذيب الكمال‪ ،)125/22( :‬وحسين بن عبد اهلل ضعيف‪ .‬راجع ترجمته في‬
‫(ميزان االعتدال‪ 225/1 :‬ــ تهذيب الكمال‪ 232/0 :‬رقم ‪.)1212‬‬

‫‪511‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ابن سعد‪ :‬وكانت أم الفضل أول امرأة أسلمت بمكة بعد خديجة بنت‬
‫خويلد‪ ،‬وكان رسول اهلل‪ ، ،‬يزورها ويقيل في بيتها(‪.)1‬‬
‫وقال الهيثمي‪ :‬وكانت قديمة اإلسالم‪ ،‬أسلمت بمكة(‪.)5‬‬
‫وبمثله صرح الذهبي مشيرا إلى إسالمها هي وابنها عبد اهلل بن‬
‫عباس قبل زوجها العباس‪ ،‬ولكنهما عجزا عن الهجرة(‪.)2‬‬
‫ويقول ابن القيم مشيرا إلى تق ُّدم إسالم أم الفضل قبل العباس‪:‬‬
‫اح بِ َحالِه ِ‪ِ ،‬م ْث ُل‬‫ت ا ْل َم ْرأَ ُة ُت ْسلِ ُم‪ ،‬ثُ َّم يُ ْسلِ ُم َز ْو ُج َها بَ ْع َد َها‪َ ،‬والن ِّ َك ُ‬‫َك َذلِ َك َكانَ ِ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَ ِإنَّ َها أَ ْسلَ َم ْت قَ ْب َل ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‬ ‫أُ ِّم ا ْل َف ْض ِل ْام َرأَ ِة ا ْل َع َّبا ِ‬
‫بِ ُم َّد ٍة(‪.)2‬‬
‫وقد ر َّد ابن عساكر متن الرواية وقال‪ :‬والصحيح أن العباس أسلم‬
‫بعد بدر(‪.)2‬‬
‫وقال الذهبي بعد تضعيفه رواية الواقدي عن ابن عباس في إسالم‬
‫العباس بمكة قبل بدر‪ :‬ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم‬
‫بدر(‪.)0‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات الكبرى‪.555/3 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مجمع الزوائد‪.553/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.220/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أحكام أهل الذمة‪.022/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ دمشق‪.535/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.225/2 :‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪515‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫وقال الحافظ ابن حجر في الر ِّد على هذا القول‪ :‬وير ّده أن العباس‬
‫أسر ببدر وقد فدى نفسه كما سيأتي في المغازي واضحا‪ ،‬وير ّده أيضا‬
‫أن اآلية التي في قصة المستضعفين نزلت بعد بدر بال خالف(‪.)1‬‬
‫وقال في التهذيب أيضا مفن ِّدا متن رواية الواقدي‪ :‬ما وقع في‬
‫رواية الواقدي أنه أسلم قبل بدر ليس بصحيح؛ ألنه شهد بدرا مع‬
‫المشركين وأُسر فيمن أُسر ثم فودي‪ ،‬ففي الصحيح أنه قال بعد ذلك‬
‫للنبي ‪ :‬إني فاديت نفسي وعقيال‪ ،‬فلو كان مسلما لما أسر وال‬
‫فودي‪ ،‬فلعل الرواية بعد بدر(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ ما ورد من روايات أسر العباس بعد بدر‪ ،‬وطلب النبي‬
‫‪ ‬الفداء منه‪.‬‬
‫حيث تشير هذه الروايات إلى إسالم العباس بعد الهجرة وقبل بدر‬
‫كما حكى هو عن نفسه‪ ،‬وتشهد لذلك رواية الحاكم عن عائشة في فداء‬
‫أسرى بدر‪:‬‬
‫ــ روى الحاكم في المستدرك قال‪َ :‬ح َّدثَنَا أَبُو ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ُم َح َّم ُد ْب ُن‬
‫وب‪ ،‬ثَنَا أَ ْح َم ُد ْب ُن َع ْب ِد ا ْل َج َّبا ِر‪ ،‬ثَنَا يُونُ ُس ْب ُن بُ َك ْي ٍر‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن‬ ‫يَ ْع ُق َ‬
‫ِإ ْس َح َاق‪ ،‬ثَنَا يَ ْح َيى ْب ُن َع َّبادِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ال ُّزبَ ْي ِر‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪َ ،‬ع ْن َعائِ َش َة‬
‫اء ْت أَ ْه َل َم َّك َة ِفي ِف َد ِاء أُ َس َر ُاه ْم‪ ،‬بَ َع َث ْت َز ْينَ ُب بِ ْن ُت َر ُسو ِل‬ ‫قَال َ ْت‪ :‬ل َ َّما َج َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص‪َ ،‬وبَ َع َث ْت فيه ِ بِ ِق َال َدة َكانَ ْت َخ ِد َ‬
‫يج ُة‬ ‫اهلل ِ ‪ِ ‬في ِف َد ِاء أَبِي ا ْل َعا ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ :‬ابن حجر ‪ 152/2‬ــ ‪.152‬‬
‫(‪ )5‬تهذيب التهذيب‪.152/2 :‬‬

‫‪512‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ول اهللِ‬ ‫ين بَ ِني َعلَ ْي َها‪ ،‬فَلَ َّما َر َآها َر ُس ُ‬ ‫ص ِح َ‬ ‫أَ ْد َخلَ ْت َها بِ َها َعلَى أَبِي ا ْل َعا ِ‬
‫‪َ ‬ر َّق ل َ َها ِرقَّة َش ِدي َدة‪َ ،‬وقَ َال‪ِ > :‬إ ْن َرأَ ْي ُت ْم أَ ْن ُت ْطلِ ُقوا ل َ َها أَ ِس َير َها‬
‫ول اهلل ِ‪َ ،‬و ُر ُّدوا َعلَ ْيهِا‬ ‫َو َت ُر ُّدوا َعلَ ْي َها ال َّ ِذي ل َ َها فَا ْف َعلُوا<‪ ،‬قَالُوا‪ :‬نَ َع ْم يَا َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي ُك ْن ُت ُم ْسلِما‪ ،‬فَ َق َال‬ ‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫قال‪َ :‬وقَ َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ال َّ ِذي ل َ َها‪َ .‬‬
‫ول فَاهللُ‬ ‫ول اهلل ِ ‪> :‬اهلل أَ ْعلَ ُم بِ ِإ ْس َال ِم َك‪ ،‬فَ ِإ ْن يَ ُك ْن َك َما َت ُق ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ِث ْب ِن‬ ‫ِيك‪ ،‬فَا ْف ِد نَ ْف َس َك َو ْابنَي أَ َخوي َك‪ :‬نَ ْوفَ َل ْب َن ا ْل َحار ِ‬ ‫يَ ْجز َ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و ُع َق ْي َل ْب َن أَبِي طَالِ ِب ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪َ ،‬و َحلِي َف َك ُع ْت َب َة ْب َن‬
‫ِث ْب ِن ِف ْه ٍر< فَ َق َال‪َ :‬ما َذا َك ِع ْن ِدي يَا‬ ‫َع ْمرِو ْب ِن َج ْح َدمٍ أَ َخا بَ ِني ا ْل َحار ِ‬
‫ول اهلل ِ؟ قَ َال‪> :‬فَأَ ْي َن ا ْل َم ُال ال َّ ِذي َدفَ ْن َت أَ ْن َت َوأُ ُّم ا ْل َف ْض ِل فَ ُق ْل َت ل َ َها‪:‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫ِإ ْن أُ ِص ْب ُت فَ َه َذا ا ْل َم ُال لِ َب ِني ا ْل َف ْض ِل‪َ ،‬و َع ْب ِد اهلل ِ َوقُ َث َم؟< فَ َق َال‪َ :‬واهلل ِ يَا‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إ َّن َه َذا لِ َش ْيء َما َعلِ َم ُه أَ َحد‬ ‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي أَ ْش َه ُد أَنَّ َك َر ُس ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ َما أَ َص ْب ُت ْم ِمنِّي ِع ْشر َ‬
‫ِين‬ ‫اح ِس ْب لِي يَا َر ُس َ‬ ‫َغ ْيرِي َو َغ ْي ُر أُ ِّم ا ْل َف ْض ِل‪ ،‬فَ ْ‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬ا ْف َع ْل< فَ َف َدى‬ ‫أُوقِ َّية(‪ِ )1‬م ْن َما ٍل َكا َن َم ِعي‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫ج َّل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫اس نَ ْف َس ُه َو ْابنَ ْي أَ َخ َو ْيه ِ َو َحلِي َف ُه‪َ ،‬وأَ ْن َز َل اهللُ َع َّز َو َ‬
‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ}(‪ )5‬فَأَ ْعطَانِي َم َكا َن ا ْل ِع ْشرِي ِن‬
‫ِين َع ْبدا ُكلُّ ُه ْم ِفي يَ ِد ِه َمال يَ ْضر ُِب بِه ِ َم َع َما‬
‫اإل ْس َالمِ ِع ْشر َ‬ ‫ْاألُوقِ َّيةِ ِفي ْ ِ‬
‫أَ ْر ُجو ِم ْن َم ْغ ِف َر ِة اهلل ِ َع َّز َو َج َّل(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬األوقية‪ :‬أربعون درهما‪ .‬راجع المصنف البن أبي شيبة‪ ،‬ح (‪.)25202‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنفال‪.52/‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الحاكم كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪ )2222‬وقال‪=:‬‬

‫‪512‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬وعنه البيهقي في الكبرى‪ :‬كتاب‬
‫قسم الفيء والغنيمة‪ ،‬باب ما جاء في مفاداة الرجال‪ ،‬ح (‪ .)12552‬وقال الذهبي في‬
‫التلخيص‪ :‬على شرط مسلم ــ وعند النظر نجد أنه ليس على شرط مسلم ألن في‬
‫السند يحيى بن عباد‪ ،‬ولم يخرج له مسلم‪ ،‬كما أن ابن إسحاق لم يخرج له مسلم إال‬
‫في المتابعات‪.‬‬
‫وقال شعيب‪ :‬إسناده حسن من أجل ابن إسحاق‪ ،‬وهو محمد‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‬
‫رجال الشيخين‪ ،‬غير يحيى بن عباد بن عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬فقد روى له البخاري في‬
‫>القراءة خلف اإلمام<‪ ،‬وأصحاب السنن‪ ،‬وهو ثقة‪( .‬من تحقيقه على المسند‪:‬‬
‫‪ .)231/22‬وحكم الشيخ هنا على اإلسناد الوارد في المسند‪ ،‬وفيه‪ :‬حدثنا يعقوب‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يحيى بن عباد بن عبد اهلل بن الزبير‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عباد عن عائشة‪ ،‬به إلى قول‪> :‬وردوا عليها الذي لها<‪.‬‬
‫وفي السند أحمد بن عبد الجبار العطاردي‪ :‬وقد ضعفوه‪.‬‬
‫قال ابن عدي‪ :‬رأيتهم مجمعين على ضعفه‪ ،‬وال أرى له حديثا منكرا‪ ،‬إنما ض َّعفوه‬
‫ألنه لم يلق الذين يحدث عنهم‪.‬‬
‫وقال مطين‪ :‬كان يكذب‪ .‬وقال الدارقطني‪ :‬ال بأس به‪ ،‬قد أثنى عليه أبو كريب‪،‬‬
‫واختلف فيه شيوخنا‪ ،‬ولم يكن من أصحاب الحديث‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬ليس بالقوي‪.‬‬
‫وقال ابنه عبد الرحمن‪ :‬كتبت عنه‪ ،‬وأمسكت عن التحديث عنه لما تكلم الناس فيه‪.‬‬
‫(ميزان االعتدال‪ 115/1 :‬ت‪ 222 :‬ــ تهذيب الكمال‪ 253/1 :‬ــ الكامل البن عدي‪:‬‬
‫ص‪.)212‬‬
‫ورواه البيهقي في الدالئل‪ ،125/2 :‬وابن كثير في التفسير (‪ )31/2‬من طريق يونس‬
‫ابن بكير عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة عن الزهري عن جماعة‬
‫سماهم‪ .‬به‪.‬‬
‫وروى أحمد قصة الفداء في مسنده باختالف في بعض ألفاظها‪ ،‬عن ابن إسحاق‪،‬‬
‫حدثني من سمع‪ ،‬عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس وقال الهيثمي‪ :‬رواه أحمد وفيه راو لم=‬

‫‪512‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= يسم‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪ .‬مجمع الزوائد‪22/0 :‬ح (‪.)12220‬‬
‫وأورد ابن كثير في البداية نحوا منه عازيا إياه إلى رواية ابن إسحاق عن ابن أبي‬
‫نجيح عن عطاء عن ابن عباس‪( .‬البداية‪.)522/2 :‬‬
‫وروى قصة أسر العباس وإسالمه أمام النبي ‪ ‬ابن سعد في الطبقات (‪)12/2‬‬
‫من طريق محمد بن كثير‪ ،‬عن الكلبي‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬دون ذكر‬
‫لحكايته إسالمه األول‪ .‬وفي سندها الكلبي‪ ،‬وهو متروك‪ .‬وأبو صالح باذام الكوفي‪،‬‬
‫وهو ضعيف الحديث وبخاصة في روايته عن ابن عباس‪.‬‬
‫وأوردها ابن قانع في المعجم (‪ )22/1‬من طريق َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن األ َ ْجلَ ِح‪َ ،‬ع ْن أَبِيهِ‪َ ،‬ع ْن‬
‫س ِح َ‬
‫ين ا ْن َت َهى ِإلَى ا ْل َم ِدينَة ِ‪> :‬يَا‬ ‫ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ْن بَ ِشيرِ ْب ِن َت ْي ٍم‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُسولُ اهلل ِ لِل َْع َّبا ِ‬
‫اس‪ ،‬فُ َّك نَ ْف َس َك‪ ...‬الرواية‪ .‬دون ذكر البن إسحاق‪.‬‬ ‫َع َّب ُ‬
‫قال ابن حجر في اإلصابة‪ )231/1( :‬هو مقلوب‪ ،‬وإنما هو األجلح‪ ،‬عن بشير بن‬
‫تيم‪ ،‬عن عكرمة‪.‬‬
‫والرواية مرسلة‪ .‬وفيها األجلح واسمه يحيى بن عبد اهلل واألجلح لقبه‪ ،‬رمي بالغلو‪،‬‬
‫قال عنه الجوزجاني‪ :‬مفتري‪ ،‬واتهمه أبو الفرج ابن الجوزي بوضع حديث في فضل‬
‫علي‪ ،‬وقال العقيلي‪ :‬روى عن الشعبي أحاديث مضطربة ال يتابع عليها‪ ،‬وقال أبو‬
‫حاتم الرازي‪ :‬ليس بالقوي‪ ،‬يكتب حديثه وال يحتج به‪ ،‬وض َّعفه النسائي‪ ،‬وأبو داود‬
‫السجستاني‪ ،‬وقال ابن حجر في التقريب‪ :‬صدوق‪ ،..‬وقال ابن معين عنه‪ :‬ثقة‪،‬‬
‫ومرة‪ :‬ليس به بأس‪ ،‬ومرة‪ :‬صالح‪ ،‬وقال عنه يعقوب بن سفيان‪ :‬ثقة حديثه لين‪.‬‬
‫وذكره الذهبي فيمن تكلم فيه وهو موثق‪( .‬راجع ترجمته في‪ :‬تهذيب الكمال‪:‬‬
‫‪ 552/5‬ــ ميزان االعتدال‪.)232/2 :‬‬
‫والظاهر أن جزء الرواية المتعلق بالعباس من مراسيل ابن إسحاق‪ ،‬فبالنظر في طرق‬
‫الرواية يبدو ــ واهلل أعلم ــ أنه بدءا من عبارة >وقال العباس< الواردة في الرواية ليس‬
‫من رواية عائشة وإنما من قول ابن إسحاق مرسال دون إسناد؛ ألن كل من روى قصة‬
‫فداء أبي العاص من طريق ابن إسحاق عن عائشة وقف بها عند إرجاع القالدة=‬

‫‪510‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وإطالق أبي العاص دون تطرق لما ورد في فداء العباس‪ .‬وهكذا فعل اإلمام أحمد‬
‫في المسند‪ :‬ح (‪ )50205‬وأبو داود في السنن‪ :‬ح (‪ )5025‬وابن الجارود في‬
‫المنتقى‪ :‬ح (‪ )1222‬والطحاوي في >شرح مشكل اآلثار< (‪ ،)2523‬والطبراني في‬
‫>الكبير< ‪ ،250 /55‬ح (‪ )1222‬وابن هشام في السيرة‪ .022/1 :‬والطبري في‬
‫التاريخ‪ 202/5 :‬ــ ‪ .200‬وأوردها ابن عساكر عن عائشة من طريق الواقدي دون‬
‫إشارة إلى فداء العباس‪( .‬تاريخ دمشق‪.)11/05 :‬‬
‫وتشهد له كذلك رواية ابن إسحاق في أسر أبي اليسر للعباس‪ ،‬فقد أورد فيها قصة‬
‫حديث النبي ‪ ‬مع عمه‪ .‬مسند أحمد‪ :‬ح (‪ .)2222‬علما بأن من روى أَ ْسر‬
‫أبي اليسر للعباس من غير طريق ابن إسحاق لم يذكر شيئا عن حوار العباس مع النبي‬
‫‪ ‬وحكايته إسالمه السابق‪ ،‬على نحو ما ورد في رواية الحاكم أعاله‪ ،‬وال في‬
‫رواية أحمد في المسند في قصة أبي اليسر‪.‬‬
‫وراجع في ذلك‪ :‬الطبقات الكبرى‪ 15/2 :‬ــ مسند أحمد‪ :‬ح (‪ )13222‬ــ المعجم‬
‫الكبير‪ :‬ح (‪ )12521‬ــ مسند البزار‪ :‬ح (‪ )1525‬ــ فتح الباري‪.255/5 :‬‬
‫ومما يرجح أن الرواية قد أرسلها ابن إسحاق‪ ،‬رواية ابن سعد في الطبقات‪)12/2( :‬‬
‫يم ْب ُن َس ْع ٍد‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن ِإ ْس َح َاق قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُسولُ اهلل ِ لِل َْع َّبا ِ‬
‫س ْب ِن‬ ‫بسنده عن ِإ ْب َرا ِه ُ‬
‫اس‪ ،‬ا ْف ِد نَ ْف َس َك‪ <..‬وساق الرواية‪.‬‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِح َ‬
‫ين ا ْن ُته َِي بِه ِ ِإلَى ا ْل َم ِدينَة ِ‪> :‬يَا َع َّب ُ‬
‫فقد أرسلها ابن سعد عن ابن إسحاق‪ ،‬وكذلك أرسلها عنه يعقوب بن سفيان في‬
‫الربِي ِع‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َّدثَنَا ْاب ُن ِإ ْدر َ‬
‫ِيس‪َ ،‬ع ْن‬ ‫المعرفة والتاريخ‪َ )220/1( :‬ح َّدثَنَا ا ْل َح َس ُن ْب ُن َّ‬
‫س‪ ..‬وساق الرواية‪.‬‬ ‫ُم َح َّم ِد ْب ِن ِإ ْس َح َاق‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُسولُ اهلل ِ لِل َْع َّبا ِ‬
‫وكذا أبو بكر بن أبي خيثمة في التاريخ الكبير‪151/1( :‬ح‪.)202 :‬‬
‫ويظهر كذلك أن محقق المستدرك قد فطن إلى ذلك حين قسم الرواية قسمين‪ ،‬انتهى‬
‫في القسم األول إلى قول‪> :‬وردوا عليها الذي لها< وحكم عليه منفصال بإيراده لتعليق‬
‫الذهبي حين قال‪ :‬على شرط مسلم‪ .‬ثم ابتدأ القسم الثاني من قوله‪> :‬قال‪ :‬وقال‬
‫العباس‪ <...‬ولم يورد حكما سوى عبارة الحاكم في آخره >هذا حديث صحيح=‬

‫‪515‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫والرواية أوردها ابن سعد من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن‬


‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ‬ ‫موضحة لمضمونها وفيها‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬ ‫إسحاق بزيادة ِّ‬
‫اس ا ْف ِد نَ ْف َس َك‬ ‫ِي بِه ِ ِإلَى ا ْل َم ِدينَةِ‪ :‬يَا َع َّب ُ‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِح َ‬
‫ين ا ْن ُته َ‬ ‫لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫ِث َو َحلِي َف َك ُع ْت َب َة ْب َن‬ ‫يك َع ِق َيل ْب َن أَبِي طَالِ ٍب َونَ ْوفَ َل ْب َن ا ْل َحار ِ‬ ‫َو ْاب َن أَ ِخ َ‬
‫ول‬‫ِث ْب ِن ِف ْه ٍر فَ ِإنَّ َك ُذو َما ٍل‪ .‬قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َع ْمرِو ْب ِن َج ْح َدمٍ أَ َخا بَ ِني ا ْل َحار ِ‬
‫اهلل ِ ِإنِّي ُك ْن ُت ُم ْسلِما َول َ ِك َّن ا ْل َق ْو َم ْاس َت ْك َر ُهونِي(‪.)1‬‬
‫فرواية الحاكم السابقة على فرض صحتها ــ وكذا رواية ابن سعد ــ‬
‫قد أفصحت كثيرا عن موقف العباس ‪ ‬وبخاصة عند قوله للرسول‬
‫‪ ‬في رواية ابن سعد‪ِ :‬إنِّي ُك ْن ُت ُم ْسلِما َول َ ِك َّن ا ْل َق ْو َم‬
‫ْاس َت ْك َر ُهونِي‪...‬‬
‫ور ّد الرسول ‪ ‬عليه‪ :‬اهللُ أَ ْعلَ ُم بِ ِإ ْسال ِم َك‪ِ .‬إ ْن يَ ُك َما َتذْ ُك ُر‬
‫ِيك بِه ِ‪ .‬فَأَ َّما ظَا ِه ُر أَ ْم ِر َك فَ َق ْد َكا َن َعلَ ْينَا‪.‬‬
‫َحقًّا فَاهللُ ي ْجز َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه<‪( .‬المستدرك بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ .‬ط‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ 202/2 ،‬ــ ‪ .)200‬غير أن محقق ط‪ :‬دار التأصيل قد جمعهما‬
‫معا بإسنا ٍد واح ٍد كما سبق أعاله‪ 55/0( .‬ح‪ .)2222 :‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫علما بأن هناك من عدها من الرواية‪ ،‬كما فعل ابن تيمية في الجواب الصحيح‪:‬‬
‫(‪ )125/0‬والذهبي في السير‪ ،221/2 :‬وابن حجر في الفتح‪ .255/5 :‬وابن كثير‬
‫في البداية‪ ...522/2 :‬وغيرهم‪.‬‬
‫وعليه فيبدو واهلل أعلم أن رواية إخبار العباس بإسالمه حينما أُسر‪ ،‬وطُلب منه الفداء‪،‬‬
‫إنما هي مرسلة من قول ابن إسحاق‪.‬‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ ،12/2 :‬والرواية منقطعة السند‪ ،‬إذ تنتهي عند محمد بن إسحاق‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫أقر أمام النبي ‪ ‬بإسالمه قبل بدر‪ ،‬ويفهم منه‬ ‫فالعباس َّ‬
‫ضمنا أنه كان بعد الهجرة؛ ألنه لو كان قبلها لعلِم النبي ‪ ‬بذلك‬
‫حيث كان مقيما في مكة‪ ،‬وكان العباس ‪ ‬يخالطه ويجالسه‪ ،‬وال‬
‫أسر إسالمه قبل الهجرة ولم يظهره‬
‫يقدح فيه قول من يقول‪ :‬لعل العباس َّ‬
‫حتى للنبي ‪ ‬مخافة أن يعلم المشركون؛ ألن العباس كان‬
‫بإمكانه وقتها أن يأخذ على النبي ‪ ‬العهود والمواثيق أال يفشي‬
‫سره‪ ،‬ال سيما والعالقة بينهما كانت من البر والمودة على ما نعلم‪،‬‬
‫ويكفي أن النبي ‪ ‬اصطحبه معه في بيعة العقبة ليستوثق من أمر‬
‫األنصار‪ ،‬وكان وقتها على دين قومه بداللة رواية أحمد من حديث‬
‫كعب بن مالك في أحداث بيعة العقبة(‪ ،)1‬وهذا يشهد أنه لم يُسلم قبل‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫وبعد أسره ببدر عامله الرسول ‪ ‬بظاهر حاله‪ ،‬وتمسك‬
‫بأخذ الفداء منه‪ ،‬ولم يترك له درهما واحدا‪ ،‬ولم يتقبل طلب بعض‬
‫األنصار إعفاءه من الفداء(‪ .)5‬ولعل النبي ‪ ‬لم يعفه من الفداء‬
‫دفعا لمظنة المحاباة(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )12523‬والطبراني في المعجم الكبير‪ 35/12 :‬ح‬
‫(‪ )152‬ــ وابن حبان في صحيحه (‪ 251/12‬ح‪ )5211 :‬وقال الحافظ الهيثمي في‬
‫المجمع‪ ،22/0( :‬ح‪ )2335 :‬رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجال أحمد رجال‬
‫الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع‪ .‬وقال الشيخ شعيب‪ :‬حديث قوي‬
‫وإسناده حسن‪.‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪.12/2 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر تفصيل ذلك في مبحث العباس ويوم بدر من الفصل الثاني‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ولذا استدل ابن تيمية بالرواية على أن الجزاء في الدنيا يكون على‬
‫الظاهر‪ ،‬بخالف يوم القيامة فإنه يكون على ما في القلوب(‪.)1‬‬
‫اس‬
‫‪ 2‬ــ روى الحاكم بسنده عن عروة بن الزبير قَ َال‪َ :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫أَ ْسلَ َم‪َ ،‬وأَقَ َام َعلَى ِس َقايَ ِته ِ َول َ ْم يُ َه ِ‬
‫اج ْر(‪.)5‬‬
‫والرواية غير محددة بمدة‪ ،‬وغاية ما فيها أنها تحكي إسالمه‪،‬‬
‫وهذا ال نزاع فيه‪.‬‬

‫* القول الثالث‪ :‬إسالم العباس بعد غزوة بدر مباشرة‪.‬‬


‫ومال إلى هذا القول جمع من العلماء المحققين‪ ،‬وهذا ما يظهر‬
‫من أقوالهم؛ ومنهم‪ :‬ابن عساكر في التاريخ‪ ،‬والسهيلي في الروض‪،‬‬
‫وابن األثير في أسد الغابة‪ ،‬وهو الظاهر من كالم شيخ اإلسالم ابن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منهاج السنة‪.155/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2222‬والبيهقي في الكبرى‪ )15505( :‬وقال‬
‫الهيثمي في المجمع‪َ :502/2 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ُم ْر َسال‪َ ،‬و ِإ ْسنَ ُاد ُه َح َسن‪ .‬وفي السند أبو‬
‫عالثة محمد بن أحمد بن عياض‪ ،‬وأبوه‪ ،‬وكالهما لم يوثق‪ ،‬فقال الذهبي عن االبن‪:‬‬
‫صدوق‪ .‬بعدما كان يتهمه‪ ..‬وقال عن أبيه‪ :‬ال أعرفه‪( .‬ميزان االعتدال‪)202/2 :‬‬
‫وفي السند ابن لهيعة‪ ،‬وهو مدلس‪ ،،‬وقال الحميدي‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ــ أنه كان‬
‫ال يراه شيئا‪ .‬وقال يحيى بن بكير‪ :‬احترق منزل ابن لهيعة وكتبه سنة سبعين ومائة‪.‬‬
‫وقال معاوية بن صالح‪ ،‬سمعت يحيى يقول‪ :‬ابن لهيعة ضعيف‪ .‬وقال ابن معين‪:‬‬
‫ضعيف ال يحتج به‪ ،‬وقال‪ :‬هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها‪ .‬وقال‬
‫النسائي‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال ابن وهب‪ :‬كان ابن لهيعة صادقا‪( .‬ميزان االعتدال‪:‬‬
‫‪( .)250/5‬الكامل‪.)523/2 :‬‬

‫‪552‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫تيمية‪ ،‬وكذا المزي في التهذيب‪ ،‬والذهبي‪.‬‬


‫ذكر ابن عساكر في تاريخه بعضا من روايات ابن سعد الواردة في‬
‫إسالم العباس قبل بدر وعزاها إلى ابن سعد بما يشير إلى أنه يرى‬
‫إسالمه قبل بدر‪ ،‬حيث قال‪> :‬كذا ذكر ابن سعد< ثم علق قائالُ‪:‬‬
‫والصحيح أن العباس أسلم بعد بدر(‪.)1‬‬
‫ولعل السهيلي من أكثر َمن ح َّدد هذا التوقيت حيث ذكر في‬
‫معرض حديثه عن أخذ النبي ‪ ‬الفداء من العباس يوم بدر‪:‬‬
‫فَ َف َدى نَ ْف َس ُه َوفَ َدى ْابنَ ْي أَ ِخيه ِ فَ َق َال لِ ّلنب ِّي ‪ :‬ل َ َق ْد َت َر ْكت ِني أَ َت َك ّف ُف‬
‫النب ِّي ‪> ‬أَ ْي َن الذّ َه ُب الّ ِتي َت َر ْك َتها ِع ْن َد‬ ‫قُ َر ْيشا فَ ِقيرا ُم ْع ِدما‪ ،‬فَ َق َال ّ‬
‫أُ ّم ا ْل َف ْض ِل َو َع َد ُد َها َك َذا َو َك َذا‪َ ،‬وقُ ْلت ل َ َها‪َ :‬ك ْيت َو َك ْيت<‪ ،‬فَ َق َال َم ْن‬
‫أَ ْعلَ َمك بِ َه َذا يَا ْاب َن أَ ِخي؟‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬اهللُ<‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬ح ِديث َما ا ّطلَ َع َعلَ ْيه ِ‬
‫ٍ‬ ‫ّإال َعالِم ْاألَ ْسرا ِر أَ ْش َه ُد أَ ّنك ر ُس ُ ِ‬
‫اس(‪.)5‬‬ ‫ول اهلل<‪ ،‬فَ ِحينَ ِئذ أَ ْسلَ َم ا ْل َع ّب ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وأما ابن األثير فيقول في أسد الغابة‪ :‬بعد ذكره لغزوة بدر وأسر‬
‫العباس فيها ثم فدائه وإطالق سراحه‪ :‬وأسلم ــ أي العباس ــ عقيب‬
‫ذلك(‪.)2‬‬
‫ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في معرض حديثه عن إسالم‬
‫األسير الحربي بعد أسره‪ :‬وكذلك العباس بن عبد المطلب ‪ ‬أظهر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪.535/50 :‬‬
‫(‪ )5‬الروض األنف‪.105/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أسد الغابة‪.102/2 :‬‬

‫‪551‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫اإلسالم بعد األسر‪ ،‬بل أخبر أنه قد أسلم قبل ذلك فلم يطلقه النبي‬
‫‪ ‬حتى فدى نفسه(‪.)1‬‬
‫وقال المزي في التهذيب قاصدا العباس‪ :‬شهد بدرا َم َع‬
‫المشركين‪ ،‬و َكا َن خرج ِإل َ ْي َها مكرها‪ ،‬وأسر يَ ْو َم ِئ ٍذ‪ ،‬ثُ َّم أسلم بَ ْعد َذلِ َك‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه أسلم قبل َذلِ َك‪ ،‬و َكا َن يكتم إسالمه‪ ،‬وأراد القدوم ِإلَى‬
‫ا ْل َم ِدينَة‪ ،‬وأمره النَّب ُِّي ‪ ‬بالمقام بمكة‪َ ،‬وقَال ل َ ُه‪ِ :‬إن مقامك بمكة‬
‫خير‪ ،‬يتقوون بِه ِ‪ ،‬فلذلك أمره النَّبِي ‪ ،‬بالمقام بمكة(‪.)5‬‬
‫ويظهر أن الذهبي يميل إلى إسالم العباس عقب بدر ومن قوله في‬
‫ذلك‪ :‬ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرها‪ ،‬فأُ ِسر‪ ،‬فأبدى لهم أنه كان‬
‫أسلم‪ ،‬ثم رجع إلى مكة(‪.)2‬‬
‫وقال الذهبي بعد تضعيفه لرواية الواقدي عن ابن عباس في إسالم‬
‫العباس بمكة قبل بدر‪ :‬ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم‬
‫بدر‪ ،‬والظاهر أن إسالمه كان بعد بد ٍر(‪.)2‬‬
‫ومن الروايات التي أشارت إلى ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ روايات الفداء‪ ،‬ومنها رواية الحاكم السابقة عن عائشة‬
‫ول اهلل ِ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي ُك ْن ُت ُم ْسلِما‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫وفيها‪َ ..:‬وقَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الصارم المسلول‪ :‬ص‪.220‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تهذيب الكمال‪.550/12 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.221/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.225/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪555‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ول‬‫‪ :‬اهلل أَ ْعلَ ُم بِ ِإ ْس َال ِم َك‪ <..‬إلى أن قال العباس‪َ :‬واهلل ِ يَا َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إ َّن َه َذا لِ َش ْي ٍء َما َعلِ َم ُه أَ َحد َغ ْيرِي َو َغ ْي ُر‬
‫اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي أ َ ْش َه ُد أَن َك َر ُس ُ‬
‫أُ ِّم ا ْل َف ْض ِل‪.)1(..‬‬
‫وهذه الرواية قد تمسك بها من قال بإسالمه قبل بدر‪ ،‬وكذا من‬
‫قال بإسالمه بعدها‪ ،‬فعلى األول‪ :‬أنه حكى إسالمه قبلها قائال‪ :‬إني‬
‫كنت مسلما‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬أنه أعلن إسالمه أمام النبي ‪،‬‬
‫وذلك بحكايته إسالمه السابق‪ ،‬ثم بإعالنه الشهادة بعدها‪ ،‬حين أخبره‬
‫النبي ‪ ‬بأمر المال الذي دفنه هو وزوجته‪ ،‬ولم يعامله النبي‬
‫‪ ‬بما سبق وأخذ منه الفداء‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ روى أبو نعيم في الدالئل َح َّدثَنَا‪ُ ...‬م َح َّم ُد ْب ُن ُح َم ْي ٍد ثنا‬
‫س قَ َال‪:‬‬ ‫َجرِير‪َ ،‬ع ْن ُش َع ْي ٍب‪َ ،‬ع ْن َج ْع َف ٍر‪َ ،‬ع ْن َس ِعي ِد ْب ِن ُج َب ْي ٍر َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ين‬ ‫ل َ َّما َكا َن يَ ْو ُم بَ ْد ٍر أُ ِس َر َس ْب ُعو َن‪ ،‬فَ َج َع َل َعلَ ْيه ِْم النَّب ُِّي ‪ ‬أَ ْربَ ِع َ‬
‫ين فَ َق َال‬ ‫س ِما َئة‪َ ،‬و َعلَى َع ِقي ٍل ثَ َمانِ َ‬ ‫أُوقِ َّية َذ َهبا‪َ ،‬و َج َع َل َعلَى َع ِّمه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اس ل َ َق ْد َت َر ْك َت ِني‬‫اس‪ :‬أَلِ ْل َق َرابَةِ َصنَ ْع َت بِي َه َذا؟ َوال َّ ِذي يَ ْحلِ ُف بِه ِ ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ش َوقَ ِد ْاس َت ْو َد ْع َت أُ َّم‬ ‫يت‪ .‬قَ َال‪َ :‬ك ْي َف َت ُكو ُن فَ ِق َير قُ َر ْي ٍ‬ ‫ش َما بَ ِق ُ‬
‫فَ ِق َير قُ َر ْي ٍ‬
‫ك َغ ِن َّية َما‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َف ْض ِل بَنَادِ َق َّ‬
‫الذ َه ِب ثُ َّم أَ ْقب ْل َت ِإل َ َّي َوقُ ْل َت ل َ َها‪ِ :‬إ ْن قُ ِت ْل ُت َت َر ْك ُت ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪ )2222‬وعنه‬
‫البيهقي في الكبرى‪ :‬كتاب قسم الفيء والغنيمة‪ ،‬باب ما جاء في مفاداة الرجال‪ ،‬ح‬
‫(‪ .)12552‬والرواية من مراسيل ابن إسحاق‪ .‬وسبق تخريجها عند عرض أدلة القول‬
‫الثاني في إسالم العباس‪ ،‬وتحديدا رقم (‪.)2‬‬

‫‪552‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ك َش ْيء؟ فَ َق َال‪ِ :‬إنِّي أَ ْش َه ُد أَ ْن َال ِإل َ َه ِإ َّال اهللُ‬ ‫بَ ِقي ِ‬


‫ت‪َ ،‬و ِإ ْن َر َج ْع ُت فَ َال يُه َِّمنَّ ِ‬
‫ول اهلل ِ َما أَ ْخ َب َر َك بِ َه َذا ِإ َّال اهللُ َت َعالَى‪ .‬فَأَ ْن َز َل اهللُ َع َّز‬ ‫َوأَ ْش َه ُد أَنَّ َك َر ُس ُ‬
‫َو َج َّل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ} [األنفال‪ِ ]52 :‬إلَى‬
‫ين نَ َزل َ ْت‪ :‬يا نَبِي اهلل ِ‬ ‫قَ ْولِه ِ َت َعالَى‪{ :‬ﭨ ﭩ} [البقرة‪ ]152 :‬فَ َق َال ِح َ‬
‫َ َّ‬
‫ل َ َو ِد ْد ُت أَنَّ َك ُك ْن َت أَ َخذْ َت ِمنِّي أَ ْض َعافَ َها فَ َآتانِي اهللُ َخ ْيرا ِم ْن ُه(‪.)1‬‬
‫فشهادة العباس ‪ ‬للنبي ‪ ‬بالنبوة والرسالة تدل داللة‬
‫واضحة على إسالمه‪ ،‬أو بتعبير أدق على إشهار إسالمه؛ ــ إن صحت‬
‫الرواية ــ ألن الرواية تحمل نبأ إسالم العباس سرا في مكة قبل ذلك‪،‬‬
‫ولكن النبي ‪ ‬عامله بظاهر أمره وأخذ منه الفداء‪ ،‬وعليه فاعتبر‬
‫البعض إسالم العباس عالنية في هذا الوقت أي عقيب غزوة بدر‪.‬‬
‫صرح به السهيلي نصا بقوله ــ كما سبق ــ‪ :‬فَ ِحينَ ِئ ٍذ أَ ْسلَ َم‬ ‫وهذا ما َّ‬
‫اس(‪.)5‬‬‫ا ْل َع ّب ُ‬
‫‪ 2‬ــ روى ابن سعد قَ َال أَ ْخ َب َرنَا ُم َح َّم ُد ْب ُن َك ِثي ٍر‪َ ،‬ع ِن ا ْل َك ْلب ِِّي‪َ ،‬ع ْن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في الدالئل‪ :‬ح (‪ )212‬وذكره ابن حجر في فتح الباري‪255/5 :‬‬
‫وحسن إسناده‪ ،‬والعيني في عمدة القاري‪ .111/11 :‬وشرح الزرقاني على المواهب‪:‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ،424/2‬وفي السند سقط‪ ،‬قال محقق الدالئل‪ :‬وقد سقط السند من أبي نعيم إلى محمد‬
‫اح ُب َع َجائِ َب‪.‬‬ ‫ث‪َ ،‬ص ِ‬ ‫بن حميد‪ ،‬وفي السند محمد بن حميد‪ ،‬وهو َم َع ِإ َم َام ِته ِ ُم ْن َك ُر َ‬
‫الح ِد ْي ِ‬
‫الج ْو َز َجانِ ُّي‪:‬‬
‫كما ذكر الذهبي في السير‪ .‬وقال البخاري‪ :‬في حديثه نظر‪ ،‬وقَ َال أَبُو ِإ ْس َح َاق َ‬
‫َو ُه َو َغ ْي ُر ثِ َقةٍ‪َ .‬وقَ َال النَّ َسائِ ُّي‪ :‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ‪ .‬وقال السعدي ُم َحمد ْابن حميد الرازي َكا َن‬
‫رديء المذهب غير ثقة‪( .‬سير أعالم النبالء‪ 222/11 :‬ــ الكامل‪.)222/5 :‬‬
‫(‪ )5‬الروض األنف‪.105/2 :‬‬

‫‪552‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫س ِفي (قصة فداء العباس بعد بدر) وفيها يقول‬ ‫أَبِي َصالِ ٍح‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬ف َدى َع ِقي ِل ْب ِن أَبِي طَالِ ٍب‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫العباس‪َ :‬و َكلَّ َف ِني َر ُس ُ‬
‫الذ َه ُب يَا‬ ‫اس َما بَ ِق َي ُت‪ ،‬فَ َق َال لِي‪> :‬فَأَ ْي َن َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ول اهلل ِ َت َر ْك َت ِ‬
‫ن‬ ‫يَا َر ُس َ‬
‫َ‬
‫ي َذ َه ٍب؟ قَ َال‪> :‬ال َّ ِذي َدفَ ْع َت ُه ِإلَى أُ ِّم ا ْل َف ْض ِل يَ ْو َم‬ ‫اس<؟ فَ ُق ْل ُت أَ ُّ‬ ‫َع َّب ُ‬
‫ك‬ ‫َخ َر ْج َت‪ ،‬فَ ُق ْل َت ل َ َها‪ِ :‬إنِّي َال أَ ْدرِي َما يُ ِصيب ِني ِفي َو ْجهِي َه َذا‪ ،‬فَ َه َذا ل َ ِ‬
‫ُ‬
‫َولِ ْل َف ْض ِل َولِ َع ْب ِد اهلل ِ َو ُع َب ْي ِد اهلل ِ َوقُ َث َم< فَ ُق ْل ُت ل َ ُه‪َ :‬م ْن أَ ْخ َب َر َك بِ َه َذا؟ فَ َواهلل َما‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪:‬‬ ‫س َغ ْيرِي َو َغ ْي ُر َها‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬ ‫ا َّطلَ َع َعلَ ْيه ِ أَ َحد ِم َن النَّا ِ‬
‫ول اهلل ِ َحقًّا‪َ ،‬وأَنَّ َك‬ ‫>اهللُ أَ ْخ َب َرنِي بِ َذلِ َك< فَ ُق ْل ُت ل َ ُه‪ :‬فَأَنَا أَ ْش َه ُد أَنَّ َك َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ِ(‪.)1‬‬
‫ل َ َصادِق‪َ ،‬وأَنَا أَ ْش َه ُد أَ ْن َال ِإل َ َه أَ َال اهللُ َوأَنَّ َك َر ُس ُ‬
‫الر َّزا ِق‪ ،‬أَ ْخ َب َرنَا ِإ ْس َرائِ ُيل‪َ ،‬ع ْن‬ ‫‪ 2‬ــ روى أحمد بسنده َح َّدثَنَا َع ْب ُد َّ‬
‫ل اهلل ِ ‪‬‬ ‫س‪ ،‬قَ َال‪> :‬قِ َيل لِ َر ُسو ِ‬ ‫ِس َما ٍك‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اس َو ُه َو‬ ‫ين فَ َر َغ ِم ْن بَ ْد ٍر‪َ :‬علَ ْي َك بِا ْل ِعيرِ ل َ ْي َس ُدونَ َها َش ْيء‪ ،‬فَنَ َاد ُاه ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ِح َ‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬لِ َم ْه<؟ قَ َال‪ِ :‬إ َّن‬ ‫أَ ِسير ِفي َوثَاقِه ِ‪َ :‬ال يَ ِص ُّح‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫اهللَ َو َع َد َك ِإ ْح َدى الطَّائِ َف َت ْي ِن‪َ ،‬وقَ ْد أَ ْعطَا َك َما َو َع َد َك<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن سعد في الطبقات‪ ،12/2 :‬والطبري في >التاريخ< ‪ 202/5‬ــ ‪ 200‬من‬
‫طريق محمد بن إسحاق‪ ،‬عن الكلبي‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وفي السند‬
‫الكلبي وهو متروك‪ ،‬وأبو صالح ضعيف الحديث وبخاصة فيما يرويه عن ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في مسنده‪ :‬ح (‪ )5352‬والترمذي في سننه‪ :‬ح (‪ )2232‬وقال‪َ :‬ه َذا‬
‫َح ِديث َح َسن‪ ،‬وابن أبي شيبة في المصنف‪ ،201/5 :‬ح (‪ )20525‬وأبو يعلى في‬
‫مسنده‪ ،501/2 :‬ح (‪ )5252‬وض َّعف حسين أسد إسناده‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ :‬ح‬
‫=‬ ‫(‪ )11522‬كلهم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس به‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫والرواية مع ضعفها إال أن فيها إشارة إلى إقرار العباس بما أوحي‬
‫إلى النبي ‪ ‬وإيمانه به‪ ،‬قاصدا قوله تعالى في بدر‪ { :‬ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ } [األنفال‪ 5 :‬ــ ‪.]3‬‬
‫وهذا كان بعد بدر‪ ،‬وحال أسره كما صرحت الرواية > َو ُه َو أَ ِسير‬
‫ِفي َوثَاقِه ِ<‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ قال محمد بن عمر‪ :‬وسمعت من يذكر أنه شهد بدرا كرها‪،‬‬
‫وأنه أسلم بعد انصرافه إلى مكة(‪.)1‬‬
‫والرواية من قول الواقدي‪ ،‬ومعروف حاله‪ ،‬كما أنه لم يسم َمن‬
‫سمع منه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وقال الشيخ شعيب في تحقيقه للمسند طبعة الرسالة‪ )02/2( :‬ورواية سماك عن‬
‫وصحح إسناده‬
‫َّ‬ ‫عكرمة فيها اضطراب‪ ،‬ومع ذلك فقد قال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪،‬‬
‫وجود إسناده ابن كثير في >تفسيره< ‪.12/2‬‬
‫الحاكم‪ ،255/5 :‬ووافقه الذهبي‪َّ ،‬‬
‫وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند‪ ،‬طبعة دار الحديث‪ )223/5( :‬إسناده‬
‫صحيح‪ ،‬ونقله ابن كثير في التفسير ‪ 12 :2‬ــ ‪ 12‬عن المسند وقال‪> :‬إسناد جيد<‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ 115 :2‬من طريق عبد الرزاق عن إسرائيل‪ ،‬وقال‪> :‬حديث حسن<‪.‬‬
‫ونسبه السيوطي في الدر المنثور أيضا ‪ 102 :2‬للفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن‬
‫حميد وأبي يعلى وابن جرير وابن المندر وابن أبي حاتم والطبراني وأبي الشيخ وابن‬
‫مردويه‪> .‬فناداه العباس< زاد الترمذي وغيره‪> :‬وهو في وثاقه< يعني ألنه أسر يوم‬
‫بدركما هو معروف‪.‬‬
‫وض َّعف األلباني إسناده‪ ،‬انظر‪( :‬صحيح وضعيف سنن الترمذي‪.)32/5 :‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪.550/50 :‬‬

‫‪550‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫‪ 0‬ــ أخرج البالذري في األنساب رواية تفيد إخبار العباس النبي‬


‫‪ ‬بقدوم المشركين لحربه قبيل خروجهم لغزوة أحد‪ ،‬وفيها‪:‬‬
‫لما ورد المشركون يثرب‪ ،‬أقبلوا يرعون إبلهم زروع األنصار‪ ،‬وقد‬
‫قرب إدراكها‪ .‬وكان قدومهم يثرب يوم الخميس لخمس خلون من‬
‫شوال‪ .‬والحرب بعد ذلك بيومين‪ .‬وكان جميع المشركين ثالثة آالف‬
‫بمن ضوى إلى قريش‪ .‬وقادوا مائتي فرس‪ .‬وكان فيهم سبع مائة دارع‪.‬‬
‫ومعهم ثالثة آالف بعير‪ .‬فكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول اهلل‬
‫‪ ‬يخبره بذلك ويقول له‪> :‬اصنع ما كنت صانعا إذا وردوا‬
‫عليك‪ ،‬وتق ّدم في استعداد التأ ُّهب<‪ .‬وبعث بكتابه إليه مع رجل اكتراه‬
‫من بنى غفار‪ .‬فوافى الغفاري رسول اهلل ‪ ‬وهو بقباء‪ .‬فلما دفع‬
‫أبي بن كعب‪ ،‬واستكتمه ما فيه‪ .‬وأتى‬ ‫كتاب العباس إليه‪ ،‬قرأه على ّ‬
‫سعد بن الربيع فأخبره بذلك واستكتمه إياه(‪.)1‬‬
‫والرواية ذكرها البالذري بال إسناد‪ ،‬ولم أعثر عليها عند غيره‪،‬‬
‫ولو صحت لكانت إشارة على إسالم العباس قبل أُحد‪ ،‬ولكشفت عن‬
‫مهمته التي ظل في مكة ألجلها‪ ،‬ولساعدت مع رواية ابن سعد من‬
‫طريق الواقدي بسنده عن ابن عباس(‪ )5‬في اإلجابة عن كثير من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف‪ .212/1 :‬ويظهر أن الرواية من مرويات الواقدي بدليل قول‬
‫البالذري قبلها‪ ،‬حدثني محمد عن الواقدي‪ .‬أنساب األشراف‪.223/1 :‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪ .12/2 :‬وفيها قول ابن عباس‪َ :‬و َكا َن ــ العباس ــ ُم َق ُام ُه ب َِم َّك َة‪ِ ،‬إنَّ ُه‬
‫َكا َن َال يُ َغبِّي َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ب َِم َّك َة َخ َبرا يَ ُكو ُن ِإ َّال َك َت َب بِه ِ ِإل َ ْيهِ‪َ ،‬و َكا َن=‬

‫‪555‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫التساؤالت‪ ،‬ولكن رواية ابن سعد ضعيفة‪ ،‬وهذه الرواية ال إسناد لها‬
‫وال يمكن بحال الركون إليها‪.‬‬
‫ولعل من اإلشكاالت الواردة على القول بإسالم العباس بعد بدر؛‬
‫غيابه عن األحداث بعد بدر‪ ،‬فلم يرد له ذكر يوم أُحد‪ ،‬وال في غزوة‬
‫الخندق‪ ،‬وال في غزوة الحديبية رغم أنها وقعت حول مكة‪ ،‬وتوافدت‬
‫الرسل من قريش على النبي ‪ ‬فلم يكن العباس من بينهم‪،‬‬
‫والسؤال لماذا يغيب العباس عن هذه األحداث؟ وإن كان فعال أسلم‬
‫بعد بدر فلم رجع لمكة؟‬
‫وقد استرعت هذه األمور انتباه اإلمام الذهبي وكانت مدعاة لحيرته‬
‫مكرها‪ ،‬فأسر‪ ،‬فأبدى لهم‬‫وتعجبه حتى قال‪ :‬ثم خرج إلى بدر مع قومه َ‬
‫أنه كان أسلم‪ ،‬ثم رجع إلى مكة‪ .‬فما أدري لماذا أقام بها؟ ثم ال ذكر‬
‫له يوم أحد‪ ،‬وال يوم الخندق‪ ،‬وال خرج مع أبي سفيان‪ ،‬وال قالت له‬
‫قريش في ذلك شيئا‪ ،‬فيما علمت‪ .‬ثم جاء إلى النبي ‪ ‬مهاجرا‬
‫قبيل فتح مكة؛ فلم يتحرر لنا قدومه(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ين يَ َت َق ُّوو َن بِه ِ َويَ ِص ُيرو َن ِإل َ ْيهِ‪َ ،‬و َكا َن ل َ ُه ْم َع ْونا َعلَى ِإ ْس َال ِمه ِْم‪ .‬وهذا‬
‫= َم ْن ُهنَا َك ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫الرواية ض َّعفها الذهبي‪( .‬سير أعالم النبالء‪ )225/2 :‬وفي سندها الواقدي وهو‬
‫متروك الحديث (الضعفاء الصغير‪ 122/1‬ــ الكامل في ضعفاء الرجال‪ :‬ابن عدي‪،‬‬
‫‪ )231/5‬وشيخه ابن أبي سبرة رموه بالوضع كما في الكامل البن عدي‪،)125/2( ،‬‬
‫وحسين بن عبد اهلل ضعيف‪ .‬راجع ترجمته في (ميزان االعتدال‪ 225/1 :‬ــ تهذيب‬
‫الكمال‪ 232/0 :‬رقم ‪.)1212‬‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪ .221/2 :‬وراجع‪ :‬مرويات إسالم العباس‪ ،‬سليمان بن حمد‬
‫العودة‪ ،‬ص‪.215‬‬

‫‪553‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ويبقى السؤال األهم لِ َم رجع العباس إلى مكة إن كان أسلم عقب‬
‫بدر؟‪.‬‬
‫تم بينه وبين النبي ‪‬؟ وما بنود‬
‫هل كان هذا حسب اتفاق َّ‬
‫صح؟ هل تزويد النبي ‪ ‬بأخبار المشركين‪،‬‬ ‫هذا االتفاق لو َّ‬
‫والكتابة إليه بها؟‪.‬‬
‫ليتقوى به المسلمون في مكة‪ ،‬وليكون عونا لهم على‬
‫َّ‬ ‫أم‬
‫إسالمهم؟(‪ )3‬أم كال األمرين؟‬
‫وإن لم يكن باتفاق مع النبي ‪ ،‬فلم عاد؟‪.‬‬
‫هل ليقيم أمر السقاية(‪)5‬؟ أم ألنه كان يهاب قومه ويكره خالفهم‪،‬‬
‫أم لخشيته على ماله حيث كان ذا ما ٍل متفرق في قومه(‪)2‬؟‪.‬‬
‫تساؤالت تحتاج إلى إجابات تطمئن إليها النفوس‪.‬‬
‫على أن هناك من يرى أن العباس حين رجع إلى مكة بعد بدر بقي‬
‫على شركه‪ ،‬يقول الطحاوي عن العباس‪ :‬إنه لم يكن بمكة مسلما حين‬
‫جرى عليه ما جرى من األسر؛ ألنه لما فدي في غزوة بدر رجع هو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كما ذكر ابن األثير في أسد الغابة‪.102/2 :‬‬
‫(‪ )5‬ذكره ابن شهاب الزهري‪ ،‬سيرة ابن هشام‪ .222/5 :‬والبداية والنهاية‪.535/2 :‬‬
‫(‪ )2‬كما في رواية ابن إسحاق عند أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ ،)52302‬والطبراني في‬
‫الكبير‪ :‬ح (‪ )215‬والبزار في مسنده‪ ،215/2 :‬وابن سعد في الطبقات‪ .5/2 :‬وقد‬
‫ر َّجح هذا صاحب السيرة الحلبية‪.555/5 :‬‬

‫‪552‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ومن سواه من األسرى إلى مكة على دينهم الذي أسروا عليه(‪.)1‬‬

‫* القول الرابع‪ :‬إسالمه قبل فت خيبر‪.‬‬


‫يرى بعض العلماء أن إسالم العباس كان قبل فتح خيبر (المحرم‬
‫‪5‬هـ)‪.‬‬
‫ولعل قائال يسأل‪ :‬ما الفرق بين هذا القول وسابقه؟ فالقول السابق‬
‫أنه أسلم بعد بدر‪ ،‬والقول الالحق أنه أسلم قبل خيبر‪ ،‬وكال القوالن‬
‫بعد بدر زمنيا‪ ،‬فالثاني داخل في األول‪ ،‬فما وجه التمييز؟‪.‬‬
‫وهذا استشكال في محله‪ ،‬ولذا وجب التنبيه على أن الفرق بين‬
‫القولين أن األول منهما يحكي إسالمه بعد بدر مباشرة أو بيسير‪ ،‬أي‬
‫وعبر البعض عنه بـ >عقيب غزوة بدر< مما يشير إلى أن‬ ‫منصرفه منها‪َّ ،‬‬
‫الفترة الزمنية بين انقضاء غزوة بدر وإسالمه كانت يسيرة جدا‪ ،‬أما‬
‫تأخر إسالمه إلى ما قبيل فتح خيبر‪ ،‬وبين بدر‬
‫القول الثاني فيشير إلى ُّ‬
‫وخيبر قرابة الخمس سنوات‪ ،‬فبدر كانت في رمضان من السنة الثانية‬
‫للهجرة‪ ،‬وخيبر كانت في المحرم من السنة السابعة للهجرة‪ ،‬وفي هذا‬
‫داللة على عناية العلماء ودقتهم في تتبع زمن إسالم العباس ‪‬‬
‫ُّ‬
‫بخاصة‪ ،‬وفي تتبع موارد تاريخ الصحابة بعامة‪.‬‬
‫يقول ابن عبد البر متبنيا القول بإسالم العباس قبيل خيبر‪ :‬أسلم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح مشكل اآلثار‪.522/3 :‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫العباس قبل فتح خيبر‪ ،‬وكان يكتم إسالمه‪ ،‬وذلك بيِّن في حديث‬
‫الحجاج بن عالط أنه كان مسلما يسره ما يفتح اهلل عز وجل على‬
‫المسلمين‪ ،‬ثم أظهر إسالمه يوم فتح مكة‪ ،‬وشهد حنينا والطائف‬
‫وتبوك(‪.)1‬‬
‫ويبدو أن الحافظ ابن حجر يميل إلى هذا القول‪ ،‬حيث قال في‬
‫فتح الباري‪ :‬وكان إسالمه ـ العباس ـ على المشهور قبل فتح مكة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬وليس ببعيد فإن في حديث أنس في قصة ا ْل َح َّجا ِج ْب ِن ِع َال ٍط‬
‫ما يؤيد ذلك‪ ،‬وأما قول أبي رافع في قصة بدر كأ ّن اإلسالم دخل علينا‬
‫أهل البيت فال يدل على إسالم العباس حينئذ فإنه كان ممن أُسر يوم بدر‬
‫وفدى نفسه وعقيال ابن أخيه أبي طالب‪ ..‬وألجل أنه لم يهاجر قبل‬
‫الفتح لم يدخله عمر في أهل الشورى مع معرفته بفضله واستسقائه به(‪.)5‬‬
‫وقال أيضا في فتح الباري‪ :‬فالمشهور أنه أسلم قبل فتح خيبر‪،‬‬
‫ويدل عليه حديث أنس في قصة ا ْل َح َّجا ِج ْب ِن ِع َال ٍط كما أخرجه أحمد‬
‫والنسائي‪ ،‬وروى ابن سعد من حديث ابن عباس أنه هاجر إلى النبي‬
‫‪ ‬بخيبر‪َ ،‬و َر َّد ُه بِ ِق َّصةِ ا ْل َح َّجا ِج المذكور‪ ،‬والصحيح أنه هاجر‬
‫عام الفتح في أول السنة‪ ،‬وقدم مع النبي ‪ ‬فشهد الفتح‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪.315/5 :‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري ‪.55/5‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري ‪.552/2‬‬

‫‪521‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ومال إلى هذا الرأي من المعاصرين د‪ /‬أكرم العمري‪ ،‬ود‪ /‬مهدي‬


‫رزق اهلل(‪.)1‬‬
‫الر َّزا ِق‪،‬‬ ‫ويشهد لهذا الرأي ما رواه أحمد في مسنده َح َّدثَنَا َع ْب ُد َّ‬
‫ول‬‫س قَ َال‪ :‬ل َ َّما ا ْف َت َت َح َر ُس ُ‬ ‫َح َّدثَنَا َم ْع َمر قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت ثَابِتا يُ َح ِّد ُث َع ْن أَنَ ٍ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إ َّن لِي بِ َم َّك َة‬ ‫اج ْب ُن ِع َال ٍط‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫اهلل ِ ‪َ ‬خ ْي َب َر قَ َال ا ْل َح َّج ُ‬
‫َماال‪َ ،‬و ِإ َّن لِي بِ َها أَ ْهال‪َ ،‬و ِإنِّي أُرِي ُد أَ ْن آتِ َي ُه ْم‪ ،‬فَأَنَا ِفي ِحل ِإ ْن أَنَا نِ ْل ُت‬
‫اء<‪،‬‬ ‫ول َما َش َ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬أَ ْن يَ ُق َ‬ ‫ِم ْن َك‪ ،‬أَ ْو قُ ْل ُت َش ْيئا؟ >فَأَ ِذ َن ل َ ُه َر ُس ُ‬
‫اج َم ِعي لِي َما َكا َن ِع ْن َد ِك‪ ،‬فَ ِإنِّي أُرِي ُد أَ ْن‬ ‫ين قَ ِد َم فَ َق َال‪ْ :‬‬ ‫فَأَ َتى ْام َرأَ َت ُه ِح َ‬
‫ِيحوا‬ ‫ِي ِم ْن َغنَائِمِ ُم َح َّم ٍد ‪َ ،‬وأَ ْص َحابِه ِ‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ْم قَ ِد ْاس ُتب ُ‬ ‫أَ ْش َتر َ‬
‫َوأُ ِص َيب ْت أَ ْم َوال ُ ُه ْم‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َف َشا َذلِ َك ِفي َم َّك َة‪َ ،‬وا ْن َق َم َع ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن‪َ ،‬وأَظ َْه َر‬
‫اس فَ َع ِق َر‪َ ،‬و َج َع َل َال‬ ‫ا ْل ُم ْش ِر ُكو َن فَ َرحا َو ُس ُرورا قَ َال‪َ :‬وبَلَ َغ ا ْل َخ َب ُر ا ْل َع َّب َ‬
‫ِي‪َ ،‬ع ْن ِم ْق َس ٍم قَ َال‪:‬‬ ‫وم‪ ،‬قَ َال َم ْع َمر‪ :‬فَأَ ْخ َب َرنِي ُع ْث َما ُن ا ْل َج َزر ُّ‬ ‫يَ ْس َت ِط ُيع أَ ْن يَ ُق َ‬
‫فَأَ َخ َذ ْابنا ل َ ُه يُ َق ُال ل َ ُه‪ :‬قُ َث ُم‪ ،‬فَ ْاس َت ْل َقى فَ َو َض َع ُه َعلَى َص ْد ِرهِ َو ُه َو يَ ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬
‫ف ْاألَ َشـ ْ‬
‫ـــم‬ ‫ـــث ْم‪َ ،‬شــــب ُِيه ِذي ْاألَ ْنــــ ِ‬ ‫ِحبِّــــي قُـ َ‬
‫ِ (‪)5‬‬ ‫نَبِي َرب ِذي الن ِّ َع ْم‪ ،‬بِر ْغمِ أَ ْنـ ِ‬
‫ف َم ْـن َرغ ْـم‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫س‪ :‬ثُ َّم أَ ْر َس َل ُغ َالما ِإلَى ا ْل َح َّجا ِج ْب ِن ِع َال ٍط‪،‬‬ ‫قَ َال ثَابِت َع ْن أَنَ ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬السيرة النبوية الصحيحة‪ :‬أكرم العمري‪ 250/5 ،‬ــ السيرة النبوية في ضوء‬
‫المصادر األصلية‪ :‬ص‪.202‬‬
‫(‪ )5‬هكذا ضبطها‪ ،‬وقد صحفت إلى حي بدال من حبي‪ ،‬ونبي ذي النعم‪ ،‬بحذف رب‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مصنف عبد الرزاق‪ :‬ح (‪ .)2551‬وصحيح ابن حبان‪.221/12 :‬‬

‫‪525‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ول؟ فَ َما َو َع َد اهللُ َخ ْير ِم َّما ِج ْئ َت بِه ِ‪ .‬قَ َال‬ ‫َو ْيلَ َك َما ِج ْئ َت بِه ِ‪َ ،‬و َما َذا َت ُق ُ‬
‫الس َال َم‪َ ،‬وقُ ْل ل َ ُه‪:‬‬ ‫اج ْب ُن ِع َال ٍط لِ ُغ َال ِمه ِ‪ :‬ا ْق َر ْأ َعلَى أَبِي ا ْل َف ْض ِل َّ‬ ‫ا ْل َح َّج ُ‬
‫فَ ْلي ْخ ُل لِي ِفي بَ ْع ِ ِ ِ ِ‬
‫اء ُغ َال ُم ُه‬‫ض بُ ُيوته ِ آلت َي ُه‪ ،‬فَ ِإ َّن ا ْل َخ َب َر َعلَى َما يَ ُس ُّر ُه‪ ،‬فَ َج َ‬ ‫َ‬
‫اس فَ َرحا‬ ‫اب ال َّدا ِر‪ ،‬قَ َال‪ :‬أَ ْب ِش ْر يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َوثَ َب ا ْل َع َّب ُ‬ ‫فَلَ َّما بَلَ َغ بَ َ‬
‫اج‪ ،‬فَأَ ْع َت َق ُه‪ .‬ثُ َّم َج َ‬
‫اء ُه‬ ‫َح َّتى قَ َّب َل بَ ْي َن َع ْينَ ْيه ِ‪ ،‬فَأَ ْخ َب َر ُه َما قَ َال ا ْل َح َّج ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬قَ ِد ا ْف َت َت َح َخ ْي َب َر‪َ ،‬و َغ ِن َم‬ ‫اج‪ ،‬فَأَ ْخ َب َر ُه أَ َّن َر ُس َ‬ ‫ا ْل َح َّج ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اصطَ َفى َر ُس ُ‬ ‫أَ ْم َوال َ ُه ْم‪َ ،‬و َج َر ْت ِس َه ُام اهلل ِ َع َّز َو َج َّل ِفي أَ ْم َوالِه ِْم‪َ ،‬و ْ‬
‫‪َ ‬ص ِف َّي َة بِ ْن َت ُح َيي فَا َّت َخ َذ َها لِنَ ْف ِسه ِ‪َ ،‬و َخ َّي َر َها أَ ْن يُ ْع ِت َق َها َو َت ُكو َن‬
‫اخ َت َار ْت أَ ْن يُ ْع ِت َق َها َو َت ُكو َن َز ْو َج َت ُه‪َ ،‬ول َ ِكنِّي‬ ‫َز ْو َج َت ُه‪ ،‬أَ ْو َت ْل َح َق بِأَ ْهلِ َها‪ ،‬فَ ْ‬
‫اهنَا‪ ،‬أَ َر ْد ُت أَ ْن أَ ْج َم َع ُه فَأَ ْذ َه َب بِه ِ‪ ،‬فَ ْاس َت ْأ َذ ْن ُت‬ ‫ِج ْئ ُت لِ َما ٍل َكا َن لِي َه ُ‬
‫ف َعنِّي ثَ َالثا‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ول َما ِش ْئ ُت‪ ،‬فَأَ ْخ ِ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ،‬فَأَ ِذ َن لِي أَ ْن أَقُ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ا ْذ ُك ْر َما بَ َدا ل َ َك قَ َال‪ :‬فَ َج َم َع ْت ْام َرأَ ُت ُه َما َكا َن ِع ْن َد َها ِم ْن ُحلِي َو َم َتا ٍع‪،‬‬
‫اس ْام َرأَ َة‬ ‫فَ َج َم َع ْت ُه فَ َدفَ َع ْت ُه ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬ثُ َّم ْاس َت َم َّر بِه ِ‪ ،‬فَلَ َّما َكا َن بَ ْع َد ثَ َال ٍث أَ َتى ا ْل َع َّب ُ‬
‫ك؟ فَأَ ْخ َب َر ْت ُه أَنَّ ُه قَ ْد َذ َه َب يَ ْو َم َك َذا َو َك َذا‪،‬‬ ‫ا ْل َح َّجا ِج‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ما فَ َع َل َز ْو ُج ِ‬
‫ِيك اهللُ يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل‪ ،‬ل َ َق ْد َش َّق َعلَ ْينَا ال َّ ِذي بَلَ َغ َك‪ .‬قَ َال‪:‬‬ ‫َوقَال َ ْت‪َ :‬ال يُ ْخز َ‬
‫أَ َج ْل َال يَ ْح ُزنِّي اهللُ‪َ ،‬ول َ ْم يَ ُك ْن بِ َح ْم ِد اهلل ِ ِإ َّال َما أَ ْح َب ْبنَا‪ :‬فَ َت َح اهللُ َخ ْي َب َر‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اصطَ َفى َر ُس ُ‬ ‫َعلَى َر ُسولِه ِ ‪َ ‬و َج َر ْت ِف َيها ِس َه ُام اهلل ِ‪َ ،‬و ْ‬
‫ك‬ ‫اجة ِفي َز ْو ِج ِ‬ ‫ك َح َ‬ ‫‪َ ‬ص ِف َّي َة بِ ْن َت ُح َيي لِنَ ْف ِسه ِ‪ ،‬فَ ِإ ْن َكانَ ْت ل َ ِ‬
‫فَا ْل َح ِقي بِه ِ‪ ،‬قَال َ ْت‪ :‬أَظُنُّ َك َواهلل ِ َصادِقا‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ ِإنِّي َصا ِدق‪ْ ،‬األَ ْم ُر َعلَى َما‬
‫ش َو ُه ْم يَ ُقولُو َن ِإ َذا َم َّر بِه ِْم‪َ :‬ال‬ ‫ك‪ .‬فَ َذ َه َب َح َّتى أَ َتى َم َجالِ َس قُ َر ْي ٍ‬ ‫أَ ْخب ْر ُت ِ‬
‫َ‬
‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫يُ ِص ُيب َك ِإ َّال َخ ْير يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل‪ .‬قَ َال ل َ ُه ْم‪ :‬ل َ ْم يُ ِص ْب ِني ِإ َّال َخ ْير بِ َح ْم ِد اهلل ِ‪،‬‬
‫اج ْب ُن ِع َال ٍط‪> ،‬أَ َّن َخ ْي َب َر قَ ْد فَ َت َح َها اهللُ َعلَى َر ُسولِه ِ‪،‬‬ ‫قَ ْد أَ ْخ َب َرنِي ا ْل َح َّج ُ‬
‫اص َط َفى َص ِف َّي َة لِنَ ْف ِسه ِ‪َ ،‬وقَ ْد َسأَل َ ِني أَ ْن أُ ْخ ِف َي‬ ‫َو َج َر ْت ِف َيها ِس َه ُام اهلل ِ‪َ ،‬و ْ‬
‫اهنَا‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫اء لِ َي ْأ ُخ َذ َمال َ ُه‪َ ،‬و َما َكا َن ل َ ُه ِم ْن َش ْي ٍء َه ُ‬ ‫ِ‬
‫َعلَ ْيه ثَ َالثا<‪َ ،‬و ِإنَّ َما َج َ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ين َعلَى ا ْل ُم ْشرِ ِك َ‬ ‫يَذْ َه َب‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َر َّد اهللُ ا ْل َكآبَ َة ال َّ ِتي َكانَ ْت بِا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫اس‪،‬‬ ‫َو َخ َر َج ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن‪َ ،‬و َم ْن َكا َن َد َخ َل بَ ْي َت ُه ُم ْك َت ِئبا َح َّتى أَ َت ُوا ا ْل َع َّب َ‬
‫فَأَ ْخ َب َر ُه ُم ا ْل َخ َب َر‪ ،‬فَ ُس َّر ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن َو َر َّد اهللُ ــ يَ ْع ِني َما َكا َن ِم ْن َكآبَةٍ ــ أَ ْو‬
‫ين(‪.)1‬‬‫َغ ْي ٍظ‪ ،‬أَ ْو ُح ْز ٍن َعلَى ا ْل ُم ْش ِر ِك َ‬
‫وهذه الرواية تشير إشارات تكاد تشبه العبارات إلى أن العباس‬
‫‪ ‬وقتها كان مسلما ــ دون جزم بذلك أو حتى تصريح به ــ وذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده‪ :‬مسند أنس بن مالك‪ ،‬ح (‪ )15222‬وقال الشيخ شعيب‬
‫األرناؤوط‪ :‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‪ .‬ــ وعبد الرزاق في المصنف‪:‬‬
‫‪ 220/2‬ــ حديث الحجاج بن عالط‪ ،‬ح (‪ )2551‬ــ وأبو يعلى في مسنده‪:‬‬
‫‪ ،122/0‬ح (‪ )2252‬وقال حسين أسد‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬ــ وابن حبان في صحيحه‪:‬‬
‫كتاب السير باب في الخالفة واإلمارة‪ ،‬ح (‪ ،)2222‬والطبراني في الكبير‪525/2 :‬‬
‫ــ ‪ .522‬والفسوي في المعرفة والتاريخ‪ 225/1 :‬ــ ‪ .222‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع‪ 125/0( :‬ــ ‪ )123‬ح (‪ )12512‬رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني‬
‫ورجاله رجال الصحيح‪ .‬وأورده ابن كثير في البداية (‪ )515/2‬ثم أعقب قائال‪َ :‬و َه َذا‬
‫الس َّتة ِ ِس َوى النَّ َسائِ ِّي‬ ‫اب ا ْل ُك ُت ِب ِّ‬ ‫الش ْي َخ ْي ِن َول َ ْم يُ ْخر ِْج ُه أَ َحد ِم ْن أَ ْص َح ِ‬ ‫اإل ْسنَ ُاد َعلَى َش ْر ِط َّ‬ ‫ِْ‬
‫الر َّزا ِق بِه ِ نَ ْح َو ُه‪َ .‬و َر َو ُاه ا ْل َح ِاف ُظ ا ْل َب ْي َه ِق ُّي ِم ْن َطرِي ِق‬ ‫يم َع ْن َع ْب ِد َّ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن إِ ْس َح َاق ْب ِن ِإ ْب َراه َ‬
‫وب ْب ِن ُس ْف َيا َن َع ْن َز ْي ِد‬ ‫الر َّزا ِق‪َ .‬و َر َو ُاه أَ ْيضا ِم ْن َطرِي ِق يَ ْع ُق َ‬ ‫َم ْح ُمودِ ْب ِن َغ ْي َال َن َع ْن َع ْب ِد َّ‬
‫ا ْب ِن ا ْل ُم َب َار ِك َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن ثَ ْو ٍر َع ْن َم ْع َم ٍر بِه ِ نَ ْح َو ُه‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫من عدة أوجه‪:‬‬


‫وغمه لما سمع خديعة الحجاج وشدة تأثره ووجده‬ ‫ــ حزن العباس ّ‬
‫لدرجة أنه ــ وكما عبرت الرواية ــ عقر ولم يستطع القيام؛ لثقل الخبر‬
‫الر ُج ُل ــ كما أوضح صاحب العين ــ‪ :‬بَ ِقي ُم َت َحيِّرا‬
‫عليه‪ .‬ومعنى َع ِق َر َّ‬
‫َد ِهشا من َغم أو ش َّدة(‪.)1‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬ويقال‪ :‬عقر الرجل‪ :‬إذا لم تطاوعه رجاله في الش ّد(‪.)5‬‬
‫قوله في الرواية من بحر الرجز مخاطبا قثم‪:‬‬
‫ف ْاألَ َشـ ْ‬
‫ــم‬ ‫ــث ْم‪َ ،‬شـــب ُِيه ِذي ْاألَ ْنـــ ِ‬
‫ِحبِّـــي قُـ َ‬
‫ف َم ْـن َر ِغ ْـم‬‫نَبِي َرب ِذي الن ِّ َع ْم‪ ،‬بِر ْغمِ أَ ْن ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ــ والمراد بـ>ذي األنف األشم< النبي ‪ ‬و>نبي ذي النعم<‬
‫وهذا إقرار منه بالنبوة‪ ،‬وذي النعم‪ :‬هو اهلل سبحانه وتعالى‪ ...‬وهذا وما‬
‫بعده يدل على إيمان العباس يومئذ‪ ،‬وأن هذا الحب للنبي ‪ ‬لم‬
‫يكن لمجرد القرابة‪.‬‬
‫من غالمه‪ ،‬ثم‬ ‫‪‬‬ ‫ــ فرحه وسروره لما علم بانتصار النبي‬
‫من الحجاج بعدها‪.‬‬
‫ــ إشاعته الخبر في أوساط مكة بعد مهلة الثالث التي طلبها منه‬
‫الحجاج‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العين‪ :‬الخليل بن أحمد‪ .121/1 ،‬ويلحق بها‪ :‬بَ ِعل َ‬
‫وخرِ َق‪ .‬فكلهم بمعنى واحد‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬غريب الحديث البن سالم‪.)222/2 :‬‬
‫(‪ )5‬العين‪.222/5 :‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ويبقى أن نذكر أن الرواية وإن كانت أشارت إلى إسالم العباس‬


‫وقتها‪ ،‬لكن لم يتحدد فيها هل كان هذا بداية إسالمه أم أنه كان قد‬
‫أسلم قبل ذلك؟‪.‬‬
‫ــ وأخرج ابن سعد في الطبقات روايتين تفيدان إسالم العباس قبل‬
‫خيبر‪ ،‬األولى منهما تحكي إسالمه وهجرته أيام الخندق (‪2‬هـ)‪،‬‬
‫نص‬
‫والثانية تحكي إسالمه قبيل خيبر وهجرته يومها‪ .‬وفيما يلي ّ‬
‫الروايتين‪:‬‬
‫يسى‬ ‫س ْب ِن ِع َ‬ ‫يسى ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ َع ْن أَ ِخيه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ــ أَ ْخ َب َرنَا َعلِ ُّي ْب ُن ِع َ‬
‫ا ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ قَ َال‪َ :‬ح َّدثَنَا ا ْل ُق َر ِش ُّيو َن ا ْل َمك ُِّّيو َن َّ‬
‫الش ْيب ُِّيو َن َو َغ ْي ُر ُه ْم أَ َّن قَ ُد َ‬
‫وم‬
‫ِث ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َعلَى رسول‬ ‫س ْب ِن َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َونَ ْوفَ ِل ْب ِن ا ْل َحار ِ‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ْ‬
‫اهلل ـ ‪ ‬ـ من م َّك َة َكا َن أَيَّ َام ا ْل َخ ْن َد ِق‪َ .‬و َش َّي َع ُه َما َربِ َيع ُة ْب ُن ا ْل َحار ِ‬
‫ِث‬ ‫َ‬
‫ا ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِفي َم ْخ َر ِجه َِما ِإلَى األبواء ثم أراد الرجوع إلى مكة‬
‫ِث‪ :‬أين ترجع إلى دار الشرك‬ ‫وه نَ ْوفَ ُل ْب ُن ا ْل َحار ِ‬ ‫اس َوأَ ُخ ُ‬ ‫فقال ل َ ُه َع ُّم ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫يقاتلون رسول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َويُ َكذِّبُونَ ُه َوقَ ْد َع َّز َر ُس ُ‬
‫ض َم َعنَا‪ .‬فَ َس َار َربِ َيع ُة َم َع ُه َما َح َّتى قَ ِد ُموا‬ ‫ـ ‪ ‬ـ َو َك ُث َف أَ ْص َحابُ ُه‪ْ .‬ام ِ‬
‫ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ مسلمين مهاجرين(‪.)1‬‬
‫س ا ْل َم َدنِ ُّي قَ َال‪:‬‬
‫وقال ــ أيضا ــ‪ :‬أَ ْخ َب َرنَا ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ِن أَبِي أُ َو ْي ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن سعد في الطبقات‪ .15/2 :‬وفي السند انقطاع وإبهام‪ ،‬فال ندري من‬
‫المراد تحديدا بالقرشيين المكيين الشيبيين‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫س أَ َّن َج َّد ُه َع َّباسا‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َم ْع َب ِد ْب ِن َع َّبا ٍ‬


‫َح َّدثَ ِني أَبِي عن ابن َع َّبا ِ‬
‫قَ ِد َم ُه َو َوأَبُو ُه َر ْي َر َة ِفي َر ْك ٍب يُ َق ُال ل َ ُه ْم‪َ :‬ر ْك ُب أَبِي ِش ْم ٍر فَنَ َزلُوا ا ْل ُج ْح َف َة‬
‫وه أَنَّ ُه ْم نَ َزلُوا ا ْل ُج ْح َف َة َو ُه ْم‬ ‫يَ ْو َم فَ ْت ِح النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ َخ ْي َب َر فَأَ ْخ َب ُر ُ‬
‫َعا ِم ُدو َن النَّب َِّي ـ ‪ ‬ـ َو َذلِ َك يَ ْو َم فَ ْت ِح َخ ْي َب َر‪ .‬قَ َال فَ َق َس َم النَّب ُِّي‬
‫س َوأَبِي ُه َر ْي َر َة ِفي َخ ْي َب َر(‪.)1‬‬ ‫ـ ‪ ‬ـ لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫يث لِ ُم َح َّم ِد ْب ِن ُع َم َر‬ ‫ثم عقب ابن سعد قائال‪ :‬فَ َذ َك ْر ُت َه َذا ا ْل َح ِد َ‬
‫ِ‬
‫اس َكا َن‬ ‫فَ َق َال‪َ :‬ه َذا ِع ْن َدنَا َو َهل ال يَ ُش ُّك فيه ِ أَ ْه ُل ا ْل ِع ْلمِ َو ِّ‬
‫الر َوايَةِ‪ .‬أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫اج ْب ُن ِعال ٍط‬ ‫ول اهلل ـ ‪ ‬ـ بِ َخ ْي َب َر قَ ْد فَ َت َح َها‪َ .‬وقَ ِد َم ا ْل َح َّج ُ‬ ‫بِ َم َّك َة َو َر ُس ُ‬
‫السلَ ِم ُّي َم َّك َة‪( ....‬ثم ساق الرواية)(‪.)5‬‬ ‫ُّ‬
‫* القول الخامس‪ :‬إسالمه عام الفت ‪ ،‬وقبيل فت مكة‪:‬‬
‫وحكى شهرة هذا القول الحافظ ابن حجر‪ ،‬حيث قال‪ :‬وكان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن سعد في الطبقات‪ 15/2 :‬وفي السند أبو أويس المدني‪ ،‬قال أحمد‪،‬‬
‫ويحيى‪ :‬ضعيف الحديث‪ .‬وقال يحيى ــ مرة‪ :‬ليس بثقة‪ .‬وقال ــ مرة‪ :‬ال بأس به‪.‬‬
‫وقال مرة‪ :‬صدوق‪ ،‬وليس بحجة‪ .‬وقال أحمد أيضا‪ :‬ليس به بأس‪ .‬وقال ابن‬
‫المديني‪ :‬كان عند أصحابنا ضعيفا‪ .‬وقال النسائي وغيره‪ :‬ليس بالقوي‪ .‬وقال أبو‬
‫داود‪ :‬صالح الحديث‪ .‬ورتبته عند ابن حجر‪ :‬صدوق يهم‪( .‬تهذيب الكمال‪:‬‬
‫‪ 100/12‬ــ ميزان االعتدال‪.)222/5 :‬‬
‫إسماعيل بن أبي أويس‪ :‬وقد ضعفوه‪ .‬قال النسائي‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال ابن معين‪ :‬هو‬
‫وأبوه يسرقان الحديث‪ .‬وقال أيضا‪ :‬إسماعيل ابن أبي أويس ال يساوى فلسين‪ .‬وقال‬
‫النضر بن سلمة المروزي‪ :‬ابن أبي أويس كذاب‪( .‬الكامل‪ 252/1 :‬ــ ميزان‬
‫االعتدال‪.)555/1 :‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪.15/2 :‬‬

‫‪525‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫إسالمه على المشهور قبل فتح مكة‪ ،‬وقيل‪ :‬قبل ذلك‪ ،‬وليس ببعيد(‪.)1‬‬
‫ومال إلى هذا ابن كثير حيث قال‪ :‬ثم أسلم ــ أي العباس ــ عام‬
‫الفتح‪ ،‬وتلقى رسول اهلل ‪ ‬إلى الجحفة فرجع معه‪ ،‬وشهد‬
‫الفتح‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه أسلم قبل ذلك ولكنه أقام بمكة بإذن النبي ‪‬‬

‫له في ذلك‪ ،‬كما ورد به الحديث فاهلل أعلم(‪.)5‬‬


‫‪‬‬ ‫تأخر إسالم العباس‬
‫ومما يؤكد أ ّن ابن كثير كان يذهب إلى ُّ‬
‫إلى عام الفتح قوله في البداية والنهاية‪ :‬فصل في إسالم العباس بن‬
‫عبد المطلب عم النبي ‪ ،‬وأبي سفيان بن الحارث بن‬
‫عبد المطلب ابن عم رسول اهلل ‪ ،‬وعبد اهلل بن أبي أمية بن‬
‫المغيرة المخزومي أخي أم سلمة أم المؤمنين‪ ،‬وهجرتهم إلى رسول اهلل‬
‫‪ ،‬فوجدوه في أثناء الطريق وهو ذاهب إلى فتح مكة(‪.)2‬‬
‫حيث وضع فصال في إسالم العباس مقرونا بأبي سفيان بن‬
‫الحارث‪ ،‬وعبد اهلل بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي‪ ،‬وقد أسلما عام‬
‫الفتح‪.‬‬
‫ويظهر كذلك ميل القاضي ابن العربي إليه حيث ذكر في معرض‬
‫تعليله إلجابة العباس على أبي سفيان عند فتح مكة لما خاطبه بقوله‪:‬‬
‫لقد أصبح ملك ابن أخيك عريضا‪ ،‬فأجابه العباس‪ :‬إنها النبوة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري ‪.55/5‬‬
‫(‪ )5‬البداية والنهاية‪ :‬ابن كثير‪.101/5 ،‬‬
‫(‪ )2‬البداية والنهاية ‪.535/2‬‬

‫‪523‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫يقول ابن العربي‪> :‬إ ّنما أنكر العباس على أبي سفيان ذكر الملك‬
‫وإال فجائز أن‬
‫مجردا من النبوة‪ ،‬مع أنه كان في أول دخوله اإلسالم‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لنبي< ‪.‬‬
‫يسمى مثل هذا ملكا وإن كان ّ‬ ‫ّ‬
‫والغريب أن ابن حجر حكى ــ كما سبق ــ شهرة هذا القول رغم‬
‫أن ما ورد فيه من روايات ال يوازي هذه الشهرة‪.‬‬
‫ويستند هذا القول على رواية ابن إسحاق في فتح مكة‪:‬‬
‫قَ َال ْاب ُن ْإس َح َاق‪ :‬ثُ َّم َم َضى ــ أي النبي ‪ ‬ــ َح َّتى نَ َز َل َم َّر‬
‫ول‪:‬‬ ‫ين‪ ،‬فَ َس َّب َع ْت ُسلَ ْيم‪َ ،‬وبَ ْع ُض ُه ْم يَ ُق ُ‬ ‫ف ِم ْن ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬ ‫ال َّظ ْهرا ِن ِفي َع َشر ِة َآال ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أَل َّ َف ْت ُسلَ ْيم‪َ ،‬وأَل َّ َف ْت ُم َز ْينَ ُة‪َ .‬و ِفي ُك ِّل ا ْل َق َبائِ ِل ُع َدد َو ِإ ْس َالم‪َ ،‬وأَ ْو َع َب َم َع‬
‫اج ُرو َن َو ْاألَ ْن َص ُار‪ ،‬فَلَ ْم يَ َت َخلَّ ْف َع ْن ُه ِم ْن ُه ْم أَ َحد‪،‬‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ا ْل ُم َه ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬م َّر ال َّظ ْه َرا ِن‪َ ،‬وقَ ْد ُع ِّم َي ْت ْاألَ ْخ َب ُار َع ْن‬ ‫فَلَ َّما نَ َز َل َر ُس ُ‬
‫ش‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْأتِه ِْم َخ َبر َع ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬و َال يَ ْد ُرو َن َما ُه َو‬ ‫قُ َر ْي ٍ‬
‫يم ْب ُن ِح َزامٍ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فَا ِعل‪َ ،‬و َخ َر َج في تِ ْل َك اللَّ َيالِي أَبُو ُس ْف َيا َن ْب ُن َح ْر ٍب‪َ ،‬و َح ِك ُ‬
‫اء‪ ،‬يَ َت َح َّس ُسو َن ْاألَ ْخ َب َار‪َ ،‬ويَ ْن ُظ ُرو َن َه ْل يَ ِج ُدو َن َخ َبرا أَ ْو‬ ‫َوبُ َد ْي ُل ْب ُن َو ْرقَ َ‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ل َ ِق َي َر ُس َ‬ ‫يَ ْس َم ُعو َن بِه ِ‪َ ،‬وقَ ْد َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫ض ال َّطرِي ِق(‪.)5‬‬ ‫بِ َب ْع ِ‬
‫والرواية كما هو واضح أوردها ابن إسحاق بال إسناد فهي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نقله عنه السهيلي في الروض األنف‪.515/5 :‬‬
‫(‪ )5‬سيرة ابن هشام‪.222/5 :‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫منقطعة‪ ،‬وعليه فال يمكن الركون إليها والتسليم بما ورد فيها‪ ،‬كما أنها‬
‫تتحدث عن هجرة العباس وشهوده الفتح ال إسالمه‪ ،‬فلعله أسلم قبلها‪،‬‬
‫وعلى ح ِّد قول ابن عبد البر‪ :‬إنه أسلم قبل خيبر‪ ،‬وأظهر إسالمه يوم‬
‫فتح مكة(‪.)1‬‬
‫ويضاف إليه أن ابن حجر ساق الرواية نفسها موصولة (من طريق‬
‫ِي‪َ ،‬ع ْن ُع َب ْي ِد اهلل بن عبد اهلل ِ ْب ِن ُع ْت َب َة‪،‬‬
‫ابن إسحاق قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني ال ُّز ْهر ُّ‬
‫َع ِن ابن عباس ‪ )‬دون ذك ٍر للقيا العباس بالنبي ‪ ‬في بعض‬
‫الطريق(‪.)5‬‬
‫كما أنه ال يفهم منها إسالم العباس وقتها تحديدا‪ ،‬وال يمنع نص‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪.315/5 :‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية‪ 222/15 :‬ــ ‪ 202‬ح (‪ )2221‬وقال‬
‫ِي ط ََرفا ِم ْن ُه‬ ‫ابن حجر‪ :‬هذا حديث صحيح َو َر َوى َم ْع َمر َو ْاب ُن ُع َي ْينَ َة َو َمالِك َع ِن ال ُّز ْهر ِّ‬
‫ث‬ ‫الش ْي َخا ِن َو َغ ْي ُر ُه َما‪َ .‬و َر َوى أَ ْح َم ُد ط ََرفا ِم ْن ُه‪ِ ،‬م ْن َح ِدي ِ‬ ‫الص ْومِ‪َ ،‬وأَ ْخ َر َج َذلِ َك َّ‬ ‫ِفي قِ َّصة ِ َّ‬
‫ْاب ِن ِإ ْس َح َاق‪َ .‬و َر َوى أَبُو َد ُاو َد َط َرفا ِم ْن ُه‪ِ ،‬م ْن قِ َّصة ِ أَبِي ُس ْف َيا َن ُم ْخ َت َصرا ِج ًّدا‪َ .‬ول َ ْم يَ ُس ْق ُه‬
‫أَ َحد ِم َن ْاألَئِ َّمة ِ ِّ‬
‫الس َّتة ِ َوأَ ْح َم ُد ب َِت َما ِمهِ‪َ .‬و َر َو ُاه ال ُّذ ْهلِ ُّي ب َِت َما ِمه ِ بالزهريات ِم ْن َطرِي ِق أَبِي‬
‫تصريح ْاب ِن ِإ ْس َح َاق ب َِس َما ِعه ِ ل َ ُه ِم َن‬
‫ُ‬ ‫ِيس‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد ابن ِإ ْس َح َاق‪ ،‬ل َ ِك ْن ل َ ْي َس ِفيه ِ‬ ‫ِإ ْدر َ‬
‫الس َي ُاق ال َّ ِذي ُهنَا َح َسن ِج ًّدا‪.‬‬
‫ِي‪َ .‬و ِّ‬ ‫ال ُّز ْهر ِّ‬
‫وإن كان نص ابن كثير يؤكد لقاء العباس بالنبي أَ ْثنَ ِاء طريقه َو ُه َو َذا ِهب ِإلَى فَ ْت ِح َم َّك َة‪.‬‬
‫(راجع‪ :‬البداية والنهاية ‪ .)535/2‬وما ذكره ابن سعد عن الواقدي يشير إلى إدراك‬
‫العباس للنبي ‪ ‬في المدينة قبل الخروج إلى مكة‪( .‬الطبقات الكبرى‪:‬‬
‫‪ .)13/2‬وال منافاة بينهما الحتمال إدراكه للنبي ‪ ‬عند تحركه للخروج وقبل‬
‫أن يغادر المدينة‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫الرواية من إمكانية إسالمه قبلها ال سيما وأنه ورد فيها ــ أي رواية ابن‬
‫حجر ــ قول العباس مخاطبا أبا سفيان‪َ :‬و ْيلَ َك‪ ،‬أَ ْسلِ ْم‪َ ،‬و ْاش َه ْد أَ ْن َال ِإل َ َه‬
‫ول اهلل ِ< وهذا يدعم مسألة تقدم إسالمه قبل فتح‬ ‫ِإ َّال اهللُ‪َ ،‬وأَ َّن ُم َح َّمدا َر ُس ُ‬
‫مكة‪.‬‬
‫صرح بأن لقيا العباس بالنبي ‪ ‬وقتها كان‬ ‫كما أن ابن هشام َّ‬
‫اجرا بِ ِع َيالِه ِ‪َ ،‬وقَ ْد َكا َن قَ ْب َل‬
‫هجرة ال إسالما‪ ،‬حيث قال‪ :‬ل َ ِق َي ُه بِا ْل ُج ْح َفةِ ُم َه ِ‬
‫يما‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ع ْن ُه را ٍ ِ‬ ‫َذلِ َك ُم ِقيما بِ َم َّك َة َعلَى ِس َقايَ ِته ِ‪َ ،‬و َر ُس ُ‬
‫ض‪ ،‬ف َ‬ ‫َ‬
‫ِي(‪.)1‬‬ ‫َذ َك َر ْاب ُن ِش َه ٍ‬
‫اب ال ُّز ْهر ُّ‬
‫ومما يدعو إلى عدم االطمئنان إلى القول بإسالمه قبيل فتح مكة‪،‬‬
‫ويعد من اإلشارات التي تحمل قدم إسالم العباس‪:‬‬
‫أن النبي ‪ ‬لم يعطه يوم حنين مما أفاء اهلل عليه من أموال‬
‫هوازن‪ ،‬مع أنه أعطى بعض رؤوس قريش كاألقرع بن حابس التميمي‪،‬‬
‫وعيينة بن حصن وأبي سفيان بن حرب‪ ،‬وصفوان بن أمية وغيرهم‪.‬‬
‫ولما تكلم البعض في هذه القسمة قال النبي ‪ :‬فَ ِإنِّي‬
‫أُ ْع ِطي ر َِجاال َح ِدي ِثي َع ْه ٍد بِ ُك ْف ٍر أَ َتأَل َّ ُف ُه ْم(‪.)5‬‬
‫يث َع ْه ٍد بِ َجا ِه ِل َّيةٍ َو ُم ِص َيبةٍ‪َ ،‬و ِإنِّي‬
‫وفي رواية أخرى‪ِ :‬إ َّن قُ َر ْيشا َح ِد ُ‬
‫أَ َر ْد ُت أَ ْن أَ ْج ُب َر ُه ْم َوأَ َتأَل َّ َف ُه ْم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيرة ابن هشام‪ .222/5 :‬والبداية والنهاية‪.535/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ :‬ح (‪ )2221‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)1222‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ :‬ح (‪ )2222‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)1222‬‬

‫‪521‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫فال ندري لماذا لم يعط العباس؟ هل ألنه ليس في حاجة للتأليف‬


‫على اإلسالم؛ ألنه لم يكن حديث عه ٍد به؟ أم دفعا لمظنة المحاباة؟‬
‫تبقى هذه المسألة من مؤيدات قدم إسالمه‪.‬‬
‫وعليه فالقول بإسالم العباس قبيل الفتح مباشرة بداللة رواية ابن‬
‫إسحاق السابقة مردود من وجوه عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ــ أن قدومه كان هجرة ال إسالما‪.‬‬
‫ــ أنه أسلم قبل ذلك وأظهر إسالمه يوم الفتح‪.‬‬
‫ــ رواية الحجاج بن عالط بعد فتح خيبر تشير إشارات شبه قاطعة‬
‫على إسالم العباس قبل خيبر ال عند الفتح‪.‬‬

‫* القول السادس‪ :‬إسالمه بعد الفت ‪:‬‬


‫وتبنى هذا القول د‪ /‬محمد عبده يماني من المعاصرين حيث قال‪:‬‬
‫تأخر إسالم العباس إلى ما بعد فتح مكة؛ ألنه كان ذا مال كثير‪،‬‬
‫وقد َّ‬
‫وكان أكثره متفرقا في قريش‪ ،‬فتأخر إعالن إسالمه لهذا السبب‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم(‪.)1‬‬
‫ولم يوضح لنا أدلته في هذا القول‪ ،‬ولم أعثر على رواية تعزز هذا‬
‫تفرق مال العباس في قومه‪.‬‬
‫القول‪ ،‬ولكن وردت رواية أوردت عبارة ُّ‬
‫فروى ابن إسحاق َع ْن ُح َس ْي ِن ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬م ْولَى ْاب ِن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بدر الكبرى المدينة والغزوة‪ :‬ص‪.122‬‬

‫‪525‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫س‪َ ،‬و َكا َن ْ ِ‬


‫اإل ْس َال ُم قَ ْد‬ ‫س‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال أَبُو َر ِاف ٍع‪ُ :‬ك ْن ُت َعلَى َما ِل ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َع َّبا ٍ‬
‫اس َوأَ ْسلَ َم ْت أُ ُّم ا ْل َف ْض ِل‪َ ،‬و َكا َن‬ ‫ت فَأَ ْسلَ ْم ُت َوأَ ْسلَ َم ا ْل َع َّب ُ‬‫َد َخلَنَا أَ ْه َل ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫اب قَ ْو َم ُه َويَ ْكر ُه َخ َالفَ ُه ْم‪َ ،‬و َكا َن يَ ْك ُت ُم ِإ ْس َال َم ُه‪َ ،‬و َكا َن َذا َمالٍ‬ ‫اس يَ َه ُ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫َ‬
‫َك ِث َير ُم َت َف ِّر ٍق ِفي قَ ْو ِمه ِ(‪.)1‬‬
‫والرواية بجانب ضعفها إال أنها تتحدث عن بدر‪ ،‬وتحكي إسالم‬
‫العباس قبل بدر‪ ،‬وكتمانه األمر‪ ،‬وال مستند فيها لما ذكره د‪ /‬يماني‪.‬‬

‫* الترجي ‪:‬‬
‫ال بد‬ ‫بداية وقبل الترجيح في مسألة توقيت إسالم العباس‬
‫‪‬‬

‫من بيان شيء في غاية األهمية أال وهو‪ :‬أن مسألة إسالم العباس ‪‬‬

‫حيرت كثيرا من العلماء فلم‬


‫ُمشكلة والترجيح فيها ليس باليسير‪ ،‬وقد َّ‬
‫يتمكنوا من الجزم والقطع فيها بشيء على جهة اليقين‪ ،‬غاية ما هنالك‬
‫أنهم ر َّجحوا بعض األقوال من باب غلبة الظن‪ ،‬تبعا الختالف الروايات‬
‫الواردة في ذلك‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وقد أشار الحاكم إلى تضارب الروايات الواردة في إسالم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن هشام في السيرة‪ ،020/1 :‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2225‬كالهما‬
‫من رواية ابن إسحاق‪ ،‬والبزار في مسنده‪ )215/2( :‬من رواية ُم َح َّم ُد ْب ُن َم ْع َمرٍ‪ ،‬عن‬
‫ُع َم ُر ْب ُن يُونُ َس ا ْل َي َما ِم ُّي عن أبيه عن حسين بن عبد اهلل‪ ،‬به‪ .‬والروايتان مدارهما على‬
‫حسين بن عبد اهلل وقد ض َّعفوه‪ .‬وعلق الذهبي في التخليص‪ :‬حسين بن عبد اهلل واه‪.‬‬
‫(ميزان االعتدال‪ 225/1 :‬ــ تهذيب الكمال‪ 232/0 :‬رقم ‪ .)1212‬وفيه عكرمة عن‬
‫أبي رافع‪ ،‬وعكرمة لم يسمع منه‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫العباس‪ ،‬فقال بعد عرضه لجملة من الروايات الواردة في إسالمه قبل‬


‫بدر‪ :‬هذا الذي انتهى إلينا من األخبار التي تدل على تقدم إسالم‬
‫العباس بن عبد المطلب قبل بدر فأسلم‪ ،‬واسمع اآلن التي تضادها<(‪.)1‬‬
‫ولعل من أكثر من أعرب عن حيرته في هذه المسألة من العلماء‬
‫هو اإلمام الذهبي والذي أشار إلى صعوبة الترجيح فيها‪ ،‬فقال‪ :‬لم يزل‬
‫العباس مشفقا على النبي ‪ ،‬محبا له‪ ،‬صابرا على األذى‪ ،‬ولما‬
‫يسلم بعد‪ ،‬بحيث إنه ليلة العقبة ُعر َِف‪ ،‬وقام مع ابن أخيه في الليل‪،‬‬
‫مكرها‪ ،‬فأُسر‪ ،‬فأبدى‬
‫َو َت َوث ََّق له من السبعين‪ ،‬ثم خرج إلى بدر مع قومه َ‬
‫لهم أنه كان أسلم‪ ،‬ثم رجع إلى مكة‪ .‬فما أدري لماذا أقام بها؟ ثم ال‬
‫ذكر له يوم أحد‪ ،‬وال يوم الخندق‪ ،‬وال خرج مع أبي سفيان‪ ،‬وال قالت‬
‫له قريش في ذلك شيئا‪ ،‬فيما علمت‪ .‬ثم جاء إلى النبي ‪‬‬

‫مهاجرا قبيل فتح مكة؛ فلم يتحرر لنا قدومه(‪.)5‬‬


‫وقد حاول ابن عبد البر القطع بتوقيت إسالم العباس‪ ،‬وفعل‬
‫وفصل فيها‬
‫ذلك‪ ،‬إال أنه عاد وحكى أقواال أخرى بصيغة التمريض‪َّ ،‬‬
‫القول بما يشعر عن عدم قناعته كليا بما انتهى إليه حيث يقول‪:‬‬
‫اس قبل فتح خيبر‪ ،‬وكان يكتم إسالمه‪ ،‬وذلك بَيِّن في‬ ‫أسلم ا ْل َع َّب ُ‬
‫وجل على‬
‫عز ّ‬ ‫حديث ا ْل َح َّجا ِج ْب ِن ِعال ٍط أنه كان مسلما يَ ُس ُّر ُه ما يفتح اهلل ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬ثم أظهر إسالمه يوم فتح مكة‪ ،‬وشهد حنينا والطائف وتبوك‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المستدرك‪.200/2 :‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪.221/2 :‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫وقيل‪ :‬إن إسالمه قبل بدر‪ ،‬وكان ‪ ‬يكتب بأخبار المشركين‬


‫ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬وكان المسلمون يت ّقوون به بمكة‪ ،‬وكان يحب‬
‫أن يقدم على َر ُسول اهلل ِ ‪ ،‬فكتب إليه رسول اهلل ‪ :‬إن‬
‫ول اهلل ‪ ‬يوم بدر‪ :‬من لقي‬ ‫مقامك بمكة خير‪ ،‬فلذلك قَ َال َر ُس ُ‬
‫منكم العباس فال يقتله‪ ،‬فإنه إنما أخرج كارها(‪.)1‬‬
‫رجح إسالمه‬‫وأما ابن عساكر فإنه وإن كان في ترجمته للعباس قد ّ‬
‫بعد بدر حينما قال‪ :‬والصحيح أن العباس أسلم بعد بدر(‪ .)5‬إال أنه وفي‬
‫بداية الترجمة قال‪> :‬قيل‪ :‬إنه أسلم قبل الهجرة وكتم إسالمه إلى أن‬
‫أسر ببدر فأظهر إسالمه<(‪.)2‬‬
‫وأما ابن كثير فقد مال إلى القول بإسالمه عام الفتح إال أن من‬
‫يتابع كالمه بعد يالحظ أنه لم يطمئن اطمئنانا كامال إلى هذا القول‪،‬‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬إلَى‬ ‫حيث يقول‪ :‬ثم أسلم عام الفتح‪َ ،‬و َتلَقَّى َر ُس َ‬
‫ا ْل ُج ْح َفةِ‪ ،‬فرجع معه‪ ،‬وشهد الفتح‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه أسلم قبل ذلك ولكنه‬
‫أقام بمكة بإذن النَّب ِِّي ‪ ‬له في ذلك‪ ،‬كما ورد به الحديث‪ ،‬فاهلل‬
‫أعلم(‪.)2‬‬
‫أما الحافظ ابن حجر فحيرته ظاهرة فقد حكى أن المشهور أنه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االستيعاب‪.315/5 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ دمشق‪.535/50 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تاريخ دمشق‪.552/50 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫البداية والنهاية‪.101/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫أسلم قبل الفتح‪ ،‬ولم يستبعد أن يكون قبل ذلك‪ ....‬ثم في موضع آخر‬
‫حكى أن المشهور إسالمه قبل خيبر؛ بداللة قصة الحجاج بن عالط(‪.)1‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق فلم يجزم أحد من العلماء جزما أكيدا ال‬
‫تخالطه مسحة شك بوقت إسالم العباس‪ ،‬وإن كان ابن عبد البر ر َّجح‬
‫إسالمه قبل خيبر دون تحديد أدق‪ ،‬ولم نعرف هل هذه القبلية تصل إلى‬
‫حدود ما بعد بدر مباشرة أم هي قُبيل خيبر؟ ال سيما وبينهما أكثر من‬
‫خمس سنوات‪ ،‬كما َّمر معنا‪.‬‬
‫وكذا السهيلي والذي ر َّجح إسالمه بعد بدر مباشرة ــ كما سبق‬
‫وبينا ــ(‪.)5‬‬
‫ولعل مما ساعد على هذه الحيرة اختالف الروايات في وقت‬
‫إسالم العباس‪ ،‬كما أن معظم هذه المرويات لم تسلم أسانيدها‪ ،‬وما‬
‫صح منها لم يكن صريحا في إسالمه‪.‬‬
‫َّ‬
‫كما أن هذه المرويات وغيرها لم تحدد لنا على وجه الدقة سبب‬
‫مكث العباس في مكة قبل أن يهاجر‪ ،‬وعليه فقد ترددت عبارات العلماء‬
‫في بيان هذا السبب وتحديد تلك المهمة‪.‬‬
‫>ولعل أقرب تفسير لتعدد الروايات واختالفها في وقت إسالمه‪،‬‬
‫وبروز هذه التساؤالت واإلشكاالت أن العباس ‪ ‬كان يؤدي مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬فتح الباري‪ 552/2 :‬ــ ‪.55/5‬‬
‫(‪ )5‬الروض األنف‪.105/2 :‬‬

‫‪520‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫تحاط بسياج من السرية والكتمان‪ ،‬لمصلحة‬ ‫‪‬‬ ‫خاصة للنبي‬


‫الدعوة‪ ،‬واهلل أعلم<(‪.)1‬‬
‫هذا عن إشكالية الترجيح وصعوبته‪ ،‬أما عن رأي الباحث في هذه‬
‫المسألة فقد ناله ما نال سلفه من العلماء الكرام من الحيرة أحيانا‪،‬‬
‫واالستغراب والتعجب أحيانا أخرى‪ ،‬وبخاصة وأن هناك أمورا ال نكاد‬
‫نعرف لها إجابات شافية تطمئن إليها النفوس‪ ،‬وتقنع بها العقول‪.‬‬
‫وإن كان الباحث يرى أن الصواب يوافق من قال بأن إسالم‬
‫العباس كان بعد بدر ال قبلها‪ ،‬وهو ما ذهب إليه جمع من العلماء‬
‫المحققين؛ وهذا ما يظهر من أقوالهم؛ ومنهم ابن عساكر في التاريخ‪،‬‬
‫والسهيلي في الروض‪ ،‬وابن األثير في أسد الغابة‪ ،‬وهو الظاهر من كالم‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وكذا المزي في التهذيب‪ ،‬والذهبي‪ .‬ومال ابن‬
‫عبد البر وابن حجر إلى إسالمه بعد بدر إال أنهما أخراه إلى ما قبل‬
‫خيبر‪.‬‬
‫وذلك ألنه ال يمكن بحال تجاهل إيراد العلماء لرواية أسر العباس‬
‫كنت مسلما‪ ..‬ثم شهادته له‬
‫في بدر‪ ،‬وقوله للنبي ‪ ‬فيها‪ :‬إني ُ‬
‫ثانية بأنه نبي حين أخبره النبي ‪ ‬بأمر حديثه مع زوجته‪ ،‬وما دار‬
‫بينهما‪ .‬وإن كنت أشرت إلى احتمال كونها من قول ابن إسحاق(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرويات إسالم العباس‪ :‬سليمان بن حمد العودة‪ ،‬ص‪.252‬‬
‫(‪ )5‬وممن أورد الرواية‪:‬‬
‫أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )2222‬وأبو نعيم في الدالئل‪ :‬ح (‪ )222‬والحاكم في=‬

‫‪525‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫(‪)1‬‬
‫ال سيما وهي‬ ‫أقول‪ :‬ال يمكن تجاهل الرواية حتى مع ضعفها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= المستدرك‪ :‬ح (‪ )2222‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )15322‬وفي الدالئل‪)125/2( :‬‬
‫والفسوي في المعرفة‪ )225/1( :‬وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير‪ )151/1( :‬وابن‬
‫قتيبة في المعارف‪( :‬ص‪ )122‬وابن قانع في المعجم‪ )22/1( :‬وابن حبان في الثقات‪:‬‬
‫(‪ )135/1‬والطبري في التاريخ‪ )202/5( :‬وابن سعد في الطبقات‪ )12/2( :‬وأشار‬
‫إليها ابن عبد البر في االستيعاب‪ )315/5( :‬وذكرها الماوردي في أعالم النبوة‪:‬‬
‫(‪ )152/1‬وابن عساكر في التاريخ‪ )533/50( :‬وابن الجوزي في المنتظم‪)152/2( :‬‬
‫والب ِّري في الجوهرة‪ )11/5( :‬وابن تيمية في‬
‫وابن األثير في أسد الغابة‪ُ )225/2( :‬‬
‫الجواب الصحيح‪ )125/0( :‬والمنهاج‪ )55/2( :‬وابن كثير في البداية‪)522/2( :‬‬
‫وفي التفسير‪ )31/2( :‬وابن حجر في الفتح‪ )255/5( :‬وفي اإلصابة‪231/1( :‬‬
‫والمقريزي في اإلمتاع‪ )102/15( :‬والعيني في العمدة‪ )25/12( :‬والهيثمي في‬
‫المجمع‪ )22/0( :‬والزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف‪ )21/5( :‬والصالحي‬
‫الشامي في سبل الهدى‪ )02/12( :‬والحلبي في سيرته‪ )551/5( :‬والعصامي في‬
‫سمط النجوم‪ )255/1( :‬والزرقاني في شرحه على المواهب‪.)252/5( :‬‬
‫ومن الصعب تجاهل إيراد هؤالء العلماء وغيرهم لهذه الرواية‪ ،‬مع كونها واردة في‬
‫السير‪.‬‬
‫(‪ )1‬قال الشيخ شعيب في تحقيقه على المسند‪ )222/2( :‬وأخرج قصة األسرِ ابن سع ٍد‬
‫في >الطبقات< ‪ 15/2‬من طريق محمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بعض أصحابنا‪ ،‬عن‬
‫مقسم أبي القاسم‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وأخرجها الطبري في >التاريخ< ‪ 202/5‬من طريق محمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬فحدثني‬
‫الحسن بن عمارة‪ ،‬عن الحكم بن عتيبة‪ ،‬عن مقسم‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وأخرج قصة الفداء ابن سعد في >الطبقات< ‪ 12/2‬من طريق محمد بن كثير‪،‬‬
‫والطبري في >التاريخ< ‪ 202/5‬ــ ‪ 200‬من طريق محمد بن إسحاق‪ ،‬كالهما عن‬
‫الكلبي‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وأخرجها البيهقي في >دالئل النبوة< ‪ 125/2‬ــ ‪ 122‬من طريق ابن إسحاق‪ ،‬عن=‬

‫‪523‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫من مرويات السيرة وقد تساهل بعض العلماء في نقدهم لمرويات السير‬
‫والمغازي(‪ .)1‬كما أوردها كثير من العلماء دون تعليق عليها أو تعقيب‪،‬‬
‫كما فعل ابن حجر‪ ،‬والذهبي‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وال يقدح فيه أن النبي ‪ ‬أمر بعدم قتله في بدر‪ ،‬فالعلة‬
‫مكرها من قِبل المشركين ال لعلة أنه كان مسلما‪.‬‬
‫كانت ألنه خرج َ‬
‫كما ال يقدح فيه شهادة العباس ‪ ‬على نفسه عند األسر بأنه‬
‫كان مسلما قبل ذلك‪ ،‬فهناك فارق بين إسالمه وإعالنه إلسالمه‪ ،‬فإ ّن‬
‫إسالمه لم يكن معروفا لدى رسول اهلل ‪ ،‬فعامله نبي اهلل‬
‫‪ ‬بظاهر فعله حتى شهد له أنه رسول اهلل بعد األسر‪ ،‬فنزلت فيه‬
‫وفي غيره من أسرى بدر اآلية‪{ .‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ} [األنفال‪.]52 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= يزيد بن رومان‪ ،‬عن عروة والزهري وجماعة سماهم‪ ،‬فذكروا القصة‪ ،‬وساقها‪ .‬وه ه‬
‫أسانيد ال يخلو واحد منها عن ِعلَة‪.‬‬
‫وقد ترجح لدى الباحث أن الرواية من إرسال ابن إسحاق‪ ،‬كما َّمر فليراجع في محله‬
‫من البحث‪ ،‬وتحديدا عند عرض القول الثاني في إسالم العباس‪.‬‬
‫تساهل بعض العلماء أو كثير منهم في نقد مرويات السير والمغازي ال يعني بحال‬ ‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬
‫قبول الرواية عن المعروفين بالكذب‪ ،‬وساقطي العدالة؛ ألن ساقط العدالة ال يُحمل‬
‫عنه أصال‪ ،‬وإنما قصد العلماء بالتساهل إمرار أو قبول رواية من ضعف ضبطه بسبب‬
‫الغفلة أو كثرة الغلط‪ ،‬أو التغير واالختالط‪ ،‬أو عدم اتصال السند كالرواية المرسلة أو‬
‫المنقطعة‪( .‬راجع‪ :‬مقدمة كتاب‪ :‬المرويات التاريخية عند المسلمين‪ ،‬خالد عالل‪،‬‬
‫ص‪ ،12‬ط‪ :‬مبرة اآلل واألصحاب بالكويت)‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ومن مؤيدات هذا الرأي‪ :‬أن النبي ‪ ‬أخذ منه الفداء يوم‬
‫بدر‪ ،‬ولو كان رسول اهلل ‪ ‬يعلم بأمر إسالمه قبل ذلك ما أخذه‬
‫منه‪.‬‬
‫ــ كسرة المشركين يوم بدر‪ ،‬وكثرة عدد الداخلين فيه‪ ،‬واستبعاد‬
‫دخول العباس في اإلسالم في هذا الوقت ضعيف‪.‬‬
‫أما مسألة رجوعه بعد بدر لمكة فلعلها لعدة أمور‪:‬‬
‫ــ ليقيم ما كانوا يقيمه من أمر السقاية والرفادة والرئاسة‪ ،‬وذلك‬
‫بعد موت أبي لهب كما روى ابن سعد سابقا‪.‬‬
‫ــ ليكون عونا لمن ظل في مكة من المسلمين‪.‬‬
‫ــ ليكون عينا للنبي ‪ ‬ينقل إليه أخبار المشركين حال بقائه‬
‫بين ظهرانيهم‪ ،‬وهذا افتراض ال دليل على وقوعه في السيرة‪ ،‬وبخاصة‬
‫بعد بدر(‪ ،)1‬ما خال رواية أوردها البالذري في أحد(‪ .)5‬إال أنه ال يمتنع‬
‫ثبوته‪.‬‬
‫ــ ليحافظ على ماله المتفرق في قومه‪.‬‬
‫وعليه فقد يكون مقام العباس بمكة بعد بدر بجانب أمر السقاية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبق أن أوردنا رواية ابن سعد عن ابن عباس وفيها أن العباس أسلم قبل بدر‪ ،‬وظل‬
‫بمكة لينقل للنبي ‪ ‬أخبار المشركين‪ .‬والرواية ضعيفة السند كما أوضحنا‪.‬‬
‫(‪ )5‬أنساب األشراف‪ .212/1 :‬والرواية بال إسناد‪ ،‬ولم يوردها أحد فيما أعلم غير‬
‫البالذري‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫والرفادة حيلة شرعية و ُخطَّة أدت غايتها على خير نسق‪ ،‬وكانت قريش‬
‫دوما تشك في نوايا العباس‪ ،‬ولكنها لم تجد عليه سبيال‪ ،‬وظاهره على‬
‫ما يرضون من منهج ودين‪ ،‬ولعل مقامه على ذلك كان بأمر من النبي‬
‫‪ ‬لمقصد رآه ومصلحة قصدها‪ ،‬وال يقدح فيه ما سبق من القول‬
‫بأن إسالم العباس كان قبل فتح مكة؛ ألن هذا هو وقت إشهار إسالمه‬
‫للمأل ال وقت بداية دخوله؛ النتفاء الحاجة إلى إخفاء إسالمه بعد‬
‫السرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التأ ُّهب لفتح مكة‪ .‬أو بعبارة أخرى‪ :‬النتفاء مستلزم‬
‫وهذا يبقى في دائرة الترجيح‪.‬‬
‫* وإن كان هناك احتمال آخر في إسالم العباس وهو أن إسالمه‬
‫مر بمراحل ثالث‪:‬‬
‫ــ أسلم سرا بينه وبين نفسه وهو في مكة‪ ،‬ويشهد له رواية الحاكم‬
‫عن ابن إسحاق بطرقها‪ ،‬وفيها تعلَّل العباس عن دفع الفدية في بدر‬
‫بسبب أنه أسلم سرا في مكة‪ ،‬ولذا فقد أخذ النبي ‪ ‬منه الفدية‬
‫يوم بدر؛ ألن النبي ‪ ‬لم يكن يعلم بإسالمه‪ ،‬ولم يخبر العباس‬
‫‪ ‬أحدا بذلك قبل‪ ،‬وقد يفهم من تعلُّله باإلسالم أنه يتهرب من دفع‬
‫الفدية‪ ،‬ولو أعفاه النبي ‪ ‬من الفدية حال حكايته إسالمه فقد‬
‫يظن البعض أن النبي ‪ ‬أعفاه لمكانته منه من حيث النسب؛‬
‫فأراد النبي ‪ ‬أن يدفع عن نفسه كل هذه الشبهات فأخذ منه‬
‫الفدية حتى بعد ما أخبره العباس بإسالمه‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫العباس يف ركب اإليمان‬

‫ــ أعلن إسالمه أمام النبي ‪ ‬بعد بدر‪ ،‬وأعاده النبي‬


‫‪ ‬إلى مكة لمصلحة اإلسالم؛ ليكون عونا لمن أسلم وظل في‬
‫مكة وعينا ينقل إليه أخبار المشركين‪ ،‬وليقيم بمهامه في السقاية‬
‫والرفادة‪ .‬كما َّمر‪ .‬ولعل من بقي في مكة من المسلمين ــ أو بعضهم ــ‬
‫كان يعلم ذلك‪ ،‬ويشهد له رواية الحجاج بن عالط‪ ،‬حيث أنهى إلى‬
‫غالم العباس ومبعوثه حقيقة ما حدث في خيبر‪ ،‬وهو مطمئن النفس‬
‫ثابت األركان‪ ،‬وكذا زوجة الحجاج صارحت العباس بعد ذلك بما‬
‫حدث في خيبر‪ ،‬ومن يتابع حديثها معه يلحظ أنه حديث بين مسلمين‬
‫يكسوه اإليمان‪ ،‬ويجلله السرور بنصرة المسلمين في خيبر‪.‬‬
‫ــ أعلن إسالمه للجميع قبيل فت مكة النتفاء مستلزم السرية‪ ،‬فمن‬
‫جهة كونه عونا للمسلمين في مكة فال حاجة له بعد الفتح لزوال الشرك‬
‫وعنت المشركين‪ ،‬واألمر نفسه من جهة بقائه عينا للنبي ‪ ‬على‬
‫المشركين‪ ،‬ومسألة السقاية والرفادة باقية وهو يمارسها في مأمن لنفس‬
‫السبب‪ ،‬فال حاجة إذن لكتمان اإلسالم فأعلنه العباس ‪ ‬أمام‬
‫الجميع‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وتأخر إسالمه نسبيا‬
‫ورغم أن العباس لم يكن في الطليعة المؤمنة ّ‬
‫دق إيمانه‪ ،‬ومحبته لرسول اهلل ‪َّ ،‬بوأه في حياته‪ ،‬وفي‬ ‫إال أن ِص َ‬
‫عليا في اإلسالم بين العظماء والشرفاء والكرماء‪ ،‬فرضي‬
‫تاريخه مكانا ّ‬
‫اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬
‫** ** **‬

‫‪525‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫‪‬‬ ‫هجرة العباس وجهاده‬

‫الهجرة إحدى مراحل المفاصلة بين الحق والباطل‪ ،‬وقد كانت‬


‫إيذانا ببداية دولة جديدة ناشئة لها درع يصد وسيف يرد‪ ،‬وبعدها أُذن‬
‫للمسلمين أن يجاهدوا المشركين ويردوا كيدهم‪ ،‬لتستقيم دولتهم وتذليل‬
‫طريق دعوتهم‪ ،‬وقد نال العباس نصيبا من الهجرة والجهاد‪ ،‬كما‬
‫سنبينه‪.‬‬

‫‪ ‬هجرة العباس ‪:‬‬


‫الهجرة مرحلة فاصلة في السيرة النبوية‪ ،‬فقبلها تمت المرحلة‬
‫المكية بكل أحداثها وآالمها ومحنها‪ ،‬لتأتي مرحلة جديدة تؤسس فيها‬
‫ّ‬
‫الدولة الشريفة في دوحة الرسالة المحمدية ــ المدينة‪ .‬ومن هناك‪،‬‬
‫بدأت الدعوة في االتساع واالنتشار‪ ،‬إقليميا وعالميا‪.‬‬
‫اختلف في الوقت الذي هاجر فيه العباس ‪ ‬إلى المدينة‪،‬‬‫وقد ُ‬
‫تبعا الختالف الروايات الواردة في ذلك‪.‬‬
‫ــ فمال البعض إلى هجرته بعد بدر مباشرة استنادا إلى بعض‬
‫الروايات التي ال تخلو في مجملها من ضعف ومنها‪:‬‬

‫‪522‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫السائِ ِب َع ْن أَبِيه ِ‬
‫ــ ما رواه ابن سعد بسنده عن ِه َش ُام ْب ُن ُم َح َّم ِد ْب ِن َّ‬
‫س قَ َال‪ :‬أَ ْسلَ ُم ُك ُّل َم ْن َش ِه َد بَ ْدرا َم َع‬ ‫َع ْن أَبِي َصالِ ٍح َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اس نَ ْف َس ُه َو ْاب َن أَ ِخيه ِ َع ِقيال‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ين ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم‪ .‬فَ َادى ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ا ْل ُم ْش ِر ِك َ‬
‫ِين(‪.)1‬‬
‫اجر َ‬ ‫َر َج ُعوا َج ِميعا ِإلَى َم َّك َة‪ ،‬ثُ َّم أَ ْق َبلُوا ِإلَى ا ْل َم ِدينَةِ ُم َه ِ‬
‫والرواية بجانب كونها ضعيفة إال أنه ال داللة فيها على هجرته‬
‫عقب بدر مباشرة‪ ،‬فالتعبير بـ (ثم) الوارد في الرواية يشعر بالتأخير؛‬
‫ألن (ثم) في اللغة كما هو معروف تفيد الترتيب والتراخي أو التأخير‪.‬‬
‫يسى النَّ ْوفَلِ ُّي َع ْن ِإ ْس َح َاق ْب ِن‬ ‫ــ وفي الطبقات‪ :‬أَ ْخ َب َرنَا َعلِ ُّي ْب ُن ِع َ‬
‫اخه ِ قَ َال‪ :‬قَ َال عقيل بن أبي طالب للنبي ‪َ :‬م ْن‬ ‫ا ْل َف ْض ِل َع ْن أَ ْشي ِ‬
‫َ‬
‫قَ ِب ْل َت ِم ْن أَ ْش َر ِافه ِْم‪ .‬أَنَ ْح ُن ِفيه ِْم؟ قَ َال‪ :‬فَ َق َال‪ :‬قُ ِت َل أَبُو َج ْه ٍل‪ .‬فَ َق َال‪ :‬اآل َن‬
‫ُص ِّف َي ل َ َك ا ْل َوا ِدي‪ .‬قَ َال‪َ :‬وقَ َال ل َ ُه َع ِقيل‪ِ :‬إنَّ ُه لم يَ ْب َق ِم ْن أَ ْه ِل بَ ْي ِت َك أَ َحد‬
‫اه ْم َع ِقيل بِ َه ِذ ِه‬ ‫أَال َوقَ ْد أَ ْسلَ َم‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ ُق ْل ل َ ُه ْم فَ ْل َي ْل َح ُقوا بِي‪ .‬فَلَ َّما أَ َت ُ‬
‫اس َونَ ْوفَال َو َع ِقيال َر َج ُعوا ِإلَى َم َّك َة‪ .‬أُ ِم ُروا‬ ‫ا ْل َم َقالَةِ َخ َر ُجوا‪َ ،‬و ُذ ِك َر أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫اسةِ‪َ .‬و َذلِ َك‬ ‫الرفَ َاد ِة َو ِّ‬
‫الر َئ َ‬ ‫يمو َن ِم ْن أَ ْمرِ ِّ‬
‫الس َقايَةِ َو ِّ‬ ‫يموا َما َكانُوا يُ ِق ُ‬ ‫بِ َذلِ َك لِ ُي ِق ُ‬
‫ت أَبِي ل َ َه ٍب(‪.)5‬‬ ‫بَ ْع َد َم ْو ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ .10/2 :‬والرواية مردودة بهشام بن محمد بن السائب الكلبي وأبيه‪.‬‬
‫فكالهما متروك الحديث‪ .‬راجع في بيان حالهما‪( :‬سير النبالء‪ 523/0 :‬ــ ميزان‬
‫االعتدال‪ 220/2 :‬ــ ‪.)222/2‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪ .10/2 :‬والرواية في سندها مجاهيل‪ ،‬فعلي بن عيسى النوفلي‬
‫مجهول الحال‪ ،‬وال نعرف من روى عنهم إسحاق بن الفضل‪ ،‬فلفظة أشياخه مبهمة‬
‫وال ندرى من المراد بها‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫والرواية قد أوردها ابن سعد بعد الرواية السابقة عليها‪ ،‬وكأنه من‬
‫باب التدليل عليها‪ ،‬والرواية تذكر هجرة العباس ونوفل وعقيل إلى‬
‫المدينة بعد بدر‪ ،‬ولعل هذا الجزء من قول ابن سعد‪ ،‬ثم رجوعهم إلى‬
‫مكة بعد موت أبي لهب؛ ليقيموا أمر السقاية والرفادة‪ ،‬ومعلوم أن أبا‬
‫لهب هلك بعد بدر بقليل‪ ،‬وقيل‪ :‬بسبع ليال(‪.)1‬‬
‫(‪)5‬‬
‫(‪2‬هـ)‪ ،‬ومعه ابنا أخيه‬ ‫ــ ورأى قوم‪ :‬أنه هاجر بعد الخندق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني‪ 223/1 :‬ح (‪.)215‬‬
‫(‪ )5‬كانت غزوة الخندق في شوال من السنة الخامسة من الهجرة‪ ،‬هكذا قال أصحاب‬
‫المغازي؛ وقال ابن حجر‪ :‬وهو المعتمد‪( .‬فتح الباري‪ )222/5 :‬ويرى البعض‬
‫ومنهم ابن حزم أنها كانت في السنة الرابعة ومن قوله‪ :‬الثابت أنها في الرابعة بال‬
‫شك‪ ،‬لحديث ابن عمر‪ُ > :‬عرضت على رسول اهلل ‪ ‬يوم أحد وأنا ابن أربع‬
‫عشرة سنة فردني‪ ،‬ثم ُعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة‬
‫فأجازني<‪( .‬أخرجه البخاري‪ :‬ح‪ ،2225‬وابن ماجه واللفظ له‪ ،‬ح‪ )5222 :‬فصح‬
‫أنه لم يكن بينهما إال سنة واحدة فقط‪ ،‬وأنها قبل دومة الجندل بال شك‪( .‬جوامع‬
‫>و َال ُح َّج َة ِفيه ِ ِإ َذا ثَ َب َت‬ ‫السيرة البن حزم‪ .)125 :‬وأجاب ابن حجر على هذا بقوله‪َ :‬‬
‫الح ِت َمال أَن يكون ابن ُع َم َر ِفي أُ ُح ٍد َكا َن ِفي أَ َّو ِل َما طعن ِفي‬ ‫أَنَّ َها َكانَ ْت سنة خمس ْ‬
‫اب ا ْل َب ْي َه ِق ُّي‬‫اب قَ ِد ْاس َت ْك َم َل ا ْل َخ ْم َس َع ْش َر َة َوب َِه َذا أَ َج َ‬ ‫الراب َِع َة َع َش َر َو َكا َن ِفي ْاأل َ ْح َز ِ‬
‫َّ‬
‫ين ل َ َّما َر َج َع ِم ْن أُ ُح ٍد َم ْو ِع ُد ُك ُم ا ْل َع ُام‬ ‫َويُ َؤي ِّ ُد قَول ابن ِإ ْس َح َاق أَ َّن أَبَا ُس ْف َيا َن قَ َال لِل ُْم ْسلِ ِم َ‬
‫يء أَبِي ُس ْف َيا َن‬ ‫ا ْل ُم ْقب ُِل ب َِب ْد ٍر فَ َخ َر َج النَّب ُِّي ‪ِ ‬م َن َّ‬
‫السنَة ِ ا ْل ُم ْق ِبلَة ِ ِإلَى بَ ْد ٍر فَ َتأَ َّخ َر َم ِج ُ‬
‫السنَة ِ لِل َْج ْد ِب ال َّ ِذي َكا َن ِحينَ ِئ ٍذ َوقَ َال لِ َق ْو ِمه ِ ِإنَّ َما يَ ْصلُ ُح ا ْل َغ ْز ُو ِفي َسنَة ِ ا ْل َخ ْص ِب‬ ‫ْك َّ‬ ‫تِل َ‬
‫دونها ذكر َذلِك ابن ِإ ْس َح َاق َو َغ ْي ُر ُه ِم ْن أَ ْه ِل‬ ‫فَ َر َج ُعوا بَ ْع َد أَ ْن َو َصلُوا ِإلَى ُع ْس َفا َن أَو َ‬
‫ف َكانُوا‬ ‫اعة ِم َن َّ‬
‫السلَ ِ‬ ‫ف َو ُه َو أَ َّن َج َم َ‬ ‫ا ْل َم َغازِي‪َ ،‬وقَ ْد بَ َّي َن ا ْلب ْي َه ِقي َسب َب َه َذا ِاال ْخ ِت َال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِيخ ِم َن ا ْل ُم َح َّرم ِ الَّذي َوقَ َع بَ ْع َد ا ْله ِْج َرة َويَ ْل ُغو َن ْاأل ْش ُه َر الَّتي قَ ْب َل َذل َك=‬ ‫يَ ُع ُّدو َن ال َّتار َ‬

‫‪522‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب‪.‬‬


‫وعمدتهم في ذلك رواية ابن سعد في الطبقات‪ :‬أَ ْخ َب َرنَا َعلِ ُّي ْب ُن‬
‫يسى ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ قَ َال‪َ :‬ح َّدثَنَا‬ ‫س ْب ِن ِع َ‬ ‫يسى ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ َع ْن أَ ِخيه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ِع َ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‬ ‫ا ْل ُق َر ِش ُّيو َن ا ْل َمك ُِّّيو َن َّ‬
‫الش ْيب ُِّيو َن َو َغ ْي ُر ُه ْم أَ َّن قَ ُد َ‬
‫وم ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ِث ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َعلَى رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ من‬ ‫َونَ ْوفَ ِل ْب ِن ا ْل َحار ِ‬
‫ِث ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِفي‬ ‫م َّك َة َكا َن أَيَّ َام ا ْل َخ ْن َد ِق‪َ .‬و َش َّي َع ُه َما َربِ َيع ُة ْب ُن ا ْل َحار ِ‬
‫َ‬
‫َم ْخ َر ِجه َِما ِإلَى األبواء‪ ،‬ثم أراد الرجوع إلى مكة فقال ل َ ُه َع ُّم ُه ا ْل َع َّبا ُس‬
‫ِث‪ :‬أين ترجع إلى دار الشرك يقاتلون رسول اهلل ِ‬ ‫وه نَ ْوفَ ُل ْب ُن ا ْل َحار ِ‬ ‫َوأَ ُخ ُ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َو َك ُث َف أَ ْص َحابُ ُه؟‪.‬‬ ‫ـ ‪ ‬ـ َويُ َكذِّبُونَ ُه َوقَ ْد َع َّز َر ُس ُ‬
‫ض َم َعنَا‪ .‬فَ َس َار َربِ َيع ُة َم َع ُه َما َح َّتى قَ ِد ُموا ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ‬ ‫ْام ِ‬
‫مسلمين مهاجرين(‪.)1‬‬
‫ــ وفي بعض الروايات أن هجرته كانت عند فتح خيبر (المحرم‬
‫في السنة السابعة للهجرة)‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما أخرجه ابن سعد‪ :‬أَ ْخ َب َرنَا ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ِن أَبِي أُ َو ْي ٍ‬
‫س‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وب ْب ُن ُس ْف َيا َن ِفي َتار ِ‬
‫ِيخهِ‪ ،‬فَ َذ َك َر أَ َّن َغ ْز َو َة بَ ْد ٍر‬ ‫= ِإلَى َربِي ٍع ْاأل َ َّو ِل َو َعلَى َذلِ َك َج َرى يَ ْع ُق ُ‬
‫السنَة ِ ْاألُولَى َوأَ َّن َغ ْز َو َة أُ ُح ٍد َكانَ ْت ِفي ال َّثانِ َية ِ َوأَ َّن ا ْل َخ ْن َد َق َكانَ ْت ِفي‬
‫ا ْل ُك ْب َرى َكانَ ْت ِفي َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ور‬‫الراب َِعةِ‪َ ،‬و َه َذا َع َمل َص ِحيح َع َلى َذلِ َك ا ْلبِنَاء‪ ،‬ل َ ِكنَّ ُه بِنَاء َواه ُم َخالِف لِ َما َعلَ ْيه ِ ا ْل ُج ْم ُه ُ‬ ‫َّ‬
‫ِم ْن َج ْع ِل ال َّتارِي ِخ ِم َن ا ْل ُم َح َّرم ِ َسنَ َة ا ْله ِْج َر ِة‪َ ،‬و َعلَى َذلِ َك َت ُكو ُن بَ ْدر ِفي الثَّانِ َية ِ َوأُ ُحد ِفي‬
‫الثَّالِ َثة ِ َوا ْل َخ ْن َد ُق ِفي ا ْل َخا ِم َسةِ‪َ ،‬و ُه َو ا ْل ُم ْع َت َم ُد<‪( .‬فتح الباري‪.)222/5 :‬‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 10/2 :‬وفي السند إبهام‪ ،‬فال ندري من المراد بالقرشيين المكيين‬
‫الشيبيين‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫س‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َم ْع َب ِد ْب ِن َع َّبا ٍ‬ ‫ا ْل َم َدنِ ُّي قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني أَبِي عن ابن َع َّبا ِ‬
‫أَ َّن َج َّد ُه َع َّباسا قَ ِد َم ُه َو َوأَبُو ُه َر ْي َر َة ِفي َر ْك ٍب يُ َق ُال ل َ ُه ْم‪َ :‬ر ْك ُب أَبِي ِش ْم ٍر‬
‫وه أَنَّ ُه ْم نَ َزلُوا‬
‫فَنَ َزلُوا ا ْل ُج ْح َف َة يَ ْو َم فَ ْت ِح النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ َخ ْي َب َر فَأَ ْخ َب ُر ُ‬
‫ا ْل ُج ْح َف َة َو ُه ْم َعا ِم ُدو َن النَّب َِّي ـ ‪ ‬ـ َو َذلِ َك يَ ْو َم فَ ْت ِح َخ ْي َب َر‪ .‬قَ َال‪:‬‬
‫س َوأَبِي ُه َر ْي َر َة ِفي َخ ْي َب َر(‪.)1‬‬
‫فَ َق َس َم النَّب ُِّي ـ ‪ ‬ـ لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫وهذه الرواية مردودة برواية الحجاج بن عالط حين أخبر العباس‬
‫بمكة عن فتح خيبر‪ ،‬وسرور العباس بذلك‪.‬‬
‫يث لِ ُم َح َّم ِد ْب ِن ُع َم َر فَ َق َال‪:‬‬ ‫قَ َال ُم َح َّم ُد ْب ُن َس ْع ٍد‪ :‬فَ َذ َك ْر ُت َه َذا ا ْل َح ِد َ‬
‫ِ‬
‫اس َكا َن بِ َم َّك َة‬ ‫َه َذا ِع ْن َدنَا َو َهل ال يَ ُش ُّك فيه ِ أَ ْه ُل ا ْل ِع ْلمِ َو ِّ‬
‫الر َوايَةِ‪ .‬أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ بِ َخ ْي َب َر قَ ْد فَ َت َح َها(‪.)5‬‬ ‫َو َر ُس ُ‬
‫ــ وهناك من يرى أن هجرة العباس ‪ ‬كانت بعد فتح خيبر في‬
‫السنة السابعة للهجرة‪ ،‬ويشهد لذلك قصته مع الح َّجاج بن عالط حين‬
‫أخبره الحجاج بفتح خيبر وسرور العباس بذلك‪ ،‬وكان وقتها في مكة(‪.)4‬‬
‫وفي الطبقات قال ابن سعد بعد ذكر رواية الحجاج بن عالط‪ :‬ثُ َّم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪.15/2 :‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪ .15/2 :‬وانظر‪ :‬فتح الباري ‪.552/2‬‬
‫(‪ )2‬قصة الحجاج بن عالط رواها أحمد في مسنده‪ ،123/2 :‬مسند أنس بن مالك‪ ،‬ح‬
‫(‪ )15225‬وقال الشيخ شعيب األرناؤوط‪ :‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫وراجع تخريجها كامال في الجزء الخاص بإسالم العباس وتحديدا عند عرض القول‬
‫الرابع في إسالمه‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫اس بَ ْع َد َذلِ َك فَلَ ِح َق بِالنَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ بِا ْل َم ِدينَةِ فَأَط َْع َم ُه‬ ‫َخ َر َج ا ْل َع َّب ُ‬
‫بِ َخ ْي َب َر ِما َئ َت ْي َو ْس ِق َت ْم ٍر ِفي ُك ِّل َسنَةٍ‪ .‬ثُ َّم َخ َر َج َم َع ُه ِإلَى َم َّك َة فَ َش ِه َد فَ ْت َح‬
‫ف َو َت ُبو َك‪َ .‬وثَ َب َت َم َع ُه يَ ْو َم ُحنَ ْي ٍن ِفي أهل بيته حين‬ ‫َم َّك َة َو ُحنَ ْي ٍن َوال َّطائِ ِ‬
‫انكشف الناس عنه(‪.)1‬‬
‫تأخر‬
‫وقد مال ابن عبد البر وابن األثير والذهبي وابن حجر إلى ُّ‬
‫هجرة العباس ‪ ،‬إلى ما قبيل فتح مكة‪.‬‬
‫اجرين قبل ا ْل َف ْتح(‪.)5‬‬
‫يقول ابن عبد البر‪ :‬فالعباس من ا ْل ُم َه ِ‬
‫تأخر هجرة العباس ‪ ‬دون‬ ‫ويظهر من كالم ابن األثير ميله إلى ُّ‬
‫أن يحدد وقتا فعليا مشيرا إلى أن هجرته كانت قبيل الفتح بمدة وجيزة‪.‬‬
‫يقول ابن األثير متحدثا عن العباس‪ :‬وأراد الهجرة إلى رسول اهلل‬
‫‪ ‬فقال له رسول اهلل ‪ :‬مقامك بمكة خير؛ فلذلك قال‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يوم بدر‪ :‬من لقي العباس فال يقتله فإنه أخرج‬
‫كرها‪ ،‬وقصة الحجاج بن عالط تشهد بذلك‪ ،‬وقال له النبي ‪:‬‬
‫أنت آخر المهاجرين كما أنني آخر األنبياء(‪.)1‬‬
‫ويقول الذهبي‪ :‬وليس هو ــ أي العباس ــ في عداد الطلقاء؛ فإنه‬
‫كان قد قدم إلى النبي ‪ ‬قبل الفتح؛ أال تراه أجار أبا سفيان بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪.13/2 :‬‬
‫(‪ )5‬الدرر في اختصار المغازي والسير‪ :‬ص‪.512‬‬
‫(‪ )2‬أسد الغابة‪.102/2 :‬‬

‫‪523‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫حرب(‪.)1‬‬
‫اء ِإلَى النَّب ِِّي‬
‫ثم َج َ‬ ‫ويقول في السير في ترجمة العباس ‪َّ :‬‬
‫اجرا قُ َب ْي َل فَ ْت ِح َم َّك َة؛ فَلَ ْم يَ َت َح َّر ْر لَنَا قُ ُد ْو ُم ُه(‪.)5‬‬
‫ـ ‪ ‬ـ ُم َه ِ‬
‫ويميل ابن حجر إلى تأخر هجرة العباس ‪ ‬إلى ما قبيل الفتح‬
‫حيث يقول‪ :‬وألجل أنه ــ أي العباس ــ لم يهاجر قبل الفتح لم يدخله‬
‫عمر في أهل الشورى مع معرفته بفضله واستسقائه به(‪.)2‬‬
‫وليس مراد ابن حجر هنا نفي هجرة العباس ‪ ،‬ولكن‬
‫نص آخر حيث قال‪:‬‬
‫تأخرها‪ ،‬وهو ما أوضحه في ّ‬
‫المقصود ُّ‬
‫وروى ابن سعد من حديث ابن عباس أنه هاجر إلى النبي‬
‫‪ ‬بخيبر‪َ ،‬و َر َّد ُه بقصة الحجاج المذكور‪ ،‬والصحيح أنه هاجر‬
‫عام الفتح في أول السنة وقدم مع النبي ‪ ‬فشهد الفتح‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم(‪.)2‬‬
‫تأخر هجرة العباس ‪ ‬إلى ما قبيل الفتح‪،‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإنه يترجح ُّ‬
‫بنص رواية البخاري وغيره َع ِن ْاب ِن‬ ‫وقد تحققت هجرة العباس ‪ّ ‬‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬الَ ِه ْج َر َة بَ ْع َد ال َف ْت ِح‪،‬‬
‫س ‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫َع َّبا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سير أعالم النبالء‪.232/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.221/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫فتح الباري‪.55/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فتح الباري ‪.552/2‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪522‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫َول َ ِك ْن ِج َهاد َونِ َّية‪َ ،‬و ِإ َذا ْاس ُت ْن ِف ْر ُت ْم فَا ْن ِف ُروا<(‪.)1‬‬


‫اس‬
‫وال يقدح في هجرته ما روي عن ُع ْر َو َة ْب ِن ال ُّزبَ ْي ِر قَ َال‪َ :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫أَ ْسلَ َم‪َ ،‬وأَقَ َام َعلَى ِس َقايَ ِته ِ َول َ ْم يُ َه ِ‬
‫اج ْر(‪.)5‬‬
‫فالرواية بجانب كونها مرسلة‪ ،‬إال أن المقصود ــ على فرض‬
‫صحتها ــ أنه لم يهاجر في بداية األمر‪.‬‬
‫وروي أنه لما قدم العباس ومعه نوفل بن الحارث المدينة على‬
‫آخى بَ ْينَ ُه َما َوأَ ْقطَ َع ُه ْما َج ِميعا بِا ْل َم ِدينَةِ‬ ‫رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ ُم َه ِ‬
‫اج َر ْي ِن َ‬
‫اح ٍد‪َ ،‬وفَ َر َع بَ ْينَ ُه َما بِ َحائِ ٍط‪ ،‬فَ َكانَا ُم َت َجاو َِر ْي ِن ِفي َم ْو ِض ٍع‪..‬‬
‫ِفي م ْو ِض ٍع َو ِ‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وأقطع العباس دارا أخرى بالسوق ‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )5532‬ومسلم‪ :‬ح (‪ .)1222‬ومعنى‪( :‬ال هجرة) قال العلماء‪:‬‬
‫الهجرة من دار الحرب إلى دار اإلسالم باقية إلى يوم القيامة والمعنى ال هجرة بعد‬
‫الفتح من مكة ألنها صارت دار إسالم وإنما تكون الهجرة من دار الحرب (ولكن‬
‫جهاد ونية) معناه لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة وذلك‬
‫بالجهاد ونية الخير في كل شيء‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2222‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )15505‬وقال‬
‫الهيثمي في المجمع‪َ :502/2 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ُم ْر َسال‪َ ،‬و ِإ ْسنَ ُاد ُه َح َسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬الطبقات الكبرى‪.52/2 :‬‬

‫‪502‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫‪‬‬ ‫جهاده‬
‫بعد أن أسلم العباس ‪ ‬وهاجر‪ ،‬حاول جاهدا تدارك ما فاته‬
‫من غزوات مع رسول اهلل ‪ ،‬واجتهد ليكون في طليعة كل غزوة‬
‫جاءت بعد هجرته‪.‬‬
‫ذكر ابن سعد في الطبقات وابن عساكر في تاريخه‪ :‬أن العباس‬
‫شهد فتح مكة وحنين والطائف وتبوك‪ ،‬وثبت مع النبي ‪ ‬يوم‬
‫حنين في أهل بيته حين انكشف الناس عنه(‪.)1‬‬
‫وفي هذه الغزوات القليلة عددا‪ ،‬والكبيرة أهمية وخطرا‪ ،‬ق َّدم‬
‫مشرفة وصورا مشرقة تعد بحق غرة في جبين‬ ‫العباس ‪ ‬نماذج ِّ‬
‫الدهر ومثار فخر وإعزاز‪ ،‬فرضي اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫‪ ‬العباس يوم فتح مكة (رمضان ‪8‬هـ)‬


‫خرج النبي ‪ ‬إلى مكة قاصدا فتحها بجيش عظيم يطوي‬
‫الوهاد والنجاد‪ ،‬ال قبل ألهل مكة به؛ وذلك في العشرين من‬
‫رمضان في العام الثامن من الهجرة؛ نتيجة لنقضهم ميثاقهم وحنثهم‬
‫بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم في الحديبية أال يتعرضوا للنبي‬
‫‪ ‬وال حلفائه‪ ،‬وال يتعرض لهم النبي ‪ ‬كذلك‪ ،‬وفَّى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 13/2 :‬ــ تاريخ دمشق‪.523/50 :‬‬

‫‪501‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫النبي ‪ ‬ومن معه بعهودهم‪ ،‬وخان المشركون المواثيق وغدروا‬


‫اء َها من‬ ‫بحلفاء رسول اهلل ‪ ‬من خزاعة‪ ،‬حيث َأم َّد ْت قُ َر ْيش ُحلَ َف َ‬
‫اع َة حلفاء الرسول ‪،‬‬ ‫بني بكر بِ َما قَ َّو ْو ُه ْم بِه ِ َعلَى قِ َتا ِل ُخ َز َ‬
‫وباغتتهم بنو بكر يقودهم نوفل بن معاوية‪ ،‬وقتلوا منهم خلقا كثيرا‪،‬‬
‫حتى ألجؤهم إلى الحرم‪> ،‬فَلَ َّما ا ْن َت َه ْوا ِإلَى الْ َح َرم ِ قَال َ ْت بَنُو بَ ْك ٍر‪:‬‬
‫يمة‪َ :‬ال ِإل َ َه ل َ ُه‬ ‫يَا نَ ْوفَ ُل ِإل َ َه َك ِإل َ َه َك‪ِ ،‬إنَّا قَ ْد َد َخ ْلنَا ا ْل َح َر َم‪ ،‬فَ َق َال َكلِ َمة َع ِظ َ‬
‫ا ْل َي ْو َم يَا بَ ِني بَ ْك ٍر‪ ،‬أَ ِص ُيبوا ثَ ْأ َر ُك ْم‪ ..‬فَلَ َع ْمرِي يَا بَ ِني بَ ْك ٍر‪ِ ،‬إنَّ ُك ْم َت ْسرِقُو َن‬
‫ِفي ا ْل َح َرمِ‪ ،‬أَفَ َال ُت ِص ُيبو َن ثَ ْأ َر ُك ْم ِفيه ِ؟<(‪.)1‬‬
‫وعندها أرسلت خزاعة موفدها إلى رسول اهلل عمرو بن سالم‬
‫يق ّص عليه ما حدث ويطلب نجدته ويذ ِّكره بعهده‪ ،‬وقرر رسول اهلل‬
‫‪ ‬فتح مكة‪ ،‬ولم تفلح عندها محاوالت قريش التي قام بها أبو‬
‫فجهز رسول اهلل ‪ ‬جيشا‬ ‫سفيان السترضاء رسول اهلل ومن معه‪ّ ،‬‬
‫عظيما قوامه عشرة آالف مجاهد ليفتح مكة‪.‬‬
‫وكان العباس ‪ ‬قد لجأ قبلها إلى النبي ‪ ‬ــ على‬
‫اختالف في وقت إسالمه ــ وهجرته‪ ،‬وهاجر بدينه ليدرك فضل الهجرة‬
‫ومنزلتها‪ ،‬وكان له دور ليس بالقليل في أحداث الفتح‪ ،‬وهو ما‬
‫سنوضحه هنا‪.‬‬
‫اء ُه‬ ‫س‪ :‬أَ َّن ر ُس َ ِ‬
‫ول اهلل ـ ‪ ‬ـ َع َام ا ْل َف ْت ِح َج َ‬ ‫َ‬ ‫َع َّبا ٍ‬ ‫روى ْابن‬
‫ا ْل ُم َّطلِ ِب بأبي ُس ْف َيا َن ْب ِن َح ْر ٍب‪ ،‬فَأَ ْسلَ َم بِ َم ِّر ال َّظ ْه َرا ِن‪،‬‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد‬
‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح معاني اآلثار للطحاوي‪ ،212/2 :‬ح (‪.)2220‬‬

‫‪505‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ول اهلل ِ ِإ َّن أَبَا ُس ْف َيا َن َر ُجل يُ ِح ُّب َه َذا ا ْل َف ْخ َر فَلَ ْو‬
‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫فَ َق َال ل َ ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫َج َع ْل َت ل َ ُه َش ْيئا‪ .‬قَ َال‪> :‬نَ َع ْم‪َ ،‬م ْن َد َخ َل َد َار أَبِي ُس ْف َيا َن فَ ُه َو آ ِمن‪َ ،‬و َم ْن‬
‫أَ ْغلَ َق َعلَ ْيه ِ بَابَ ُه فَ ُه َو آ ِمن<(‪.)1‬‬
‫وأخرج الطبراني في الكبير بسنده عن ُم َح َّم ُد ْب ُن َسلَ َم َة‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد‬
‫ِي‪َ ،‬ع ْن ُعبي ِد اهلل ِ ب ِن َعب ِد اهلل ِ‬ ‫ا ْب ِن ِإ ْس َح َاق‪َ ،‬ح َّدثَ ِني ُم َح َّم ُد ْب ُن ُم ْسلِ ٍم ال ُّز ْهر ُّ‬
‫ْ ْ‬ ‫َْ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫س‪ ،‬قَ َال‪ :‬ثُ َّم َم َضى َر ُس ُ‬ ‫ا ْب ِن ُع ْت َب َة ْب ِن َم ْس ُعو ٍد‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ِي‪،‬‬ ‫وم ْب َن ُح َص ْي ٍن ا ْل ِغ َفار َّ‬ ‫‪َ ،‬و ْاس َت ْخلَ َف َعلَى ا ْل َم ِدينَةِ أَبَا ُر ْه ٍم ُك ْل ُث َ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ،‬و َص َام‬ ‫َو َخ َر َج لِ َع ْش ٍر َم َض ْي َن ِم ْن َر َم َضا َن‪> ،‬فَ َص َام َر ُس ُ‬
‫اس َم َع ُه َح َّتى ِإ َذا َكا َن بِا ْل َك ِدي ِد(‪َ )5‬ما بَ ْي َن ُع ْس َفا َن َوأَ َم َج أَ ْف َط َر<‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫النَّ ُ‬
‫ين ِم ْن ُم َز ْينَ َة‬ ‫ف ِم َن ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬ ‫م َضى َح َّتى نَ َز َل م َّر ال َّظ ْهرا ِن ِفي َع َشر ِة َآال ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو ُسلَي ٍم‪َ ،‬و ِفي ُك ِّل ا ْل َقبائِ ِل َع َدد َو ِإ ْس َالم‪َ ،‬وأَ ْو َع َب م َع ر ُسو ِل اهلل ِ‬
‫)‬ ‫‪2‬‬ ‫(‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اج ُرو َن َو ْاألَ ْن َص ُار‪ ،‬فَلَ ْم يَ َت َخلَّ ْف ِم ْن ُه ْم أَ َحد‪ ،‬فَلَ َّما نَ َز َل‬ ‫‪ ‬ا ْل ُم َه ِ‬
‫ش‪،‬‬ ‫ت ْاألَ ْخ َب ُار َع ْن قُ َر ْي ٍ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِ َم ِّر ال َّظ ْه َرا ِن(‪َ ،)2‬وقَ ْد َع ِم َي ِ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرجه أبو داود في سننه‪ :‬ح (‪ )4224‬ومن طريقه البيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪)15251‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وحسنه األلباني‪.‬‬
‫َّ‬
‫وفي >البخاري< ح (‪ :)2552‬حتى إذا بلغ الكديد ــ الماء الذي بين قديد وعسفان ــ‬ ‫(‪)5‬‬
‫وهو موضع على اثنين وأربعين ميال من مكة‪( .‬معجم البلدان‪ .)225/2 :‬و(أمج)‪ :‬بلد‬
‫من أعراض المدينة على يومين أو ثالثة منها؛ كما في >معجم البلدان< (‪.)522/1‬‬
‫أوعب‪ :‬خرج جميعهم معه ــ ‪ ‬ــ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫(مر) تضاف‬ ‫ٍ‬
‫الظهران‪ :‬واد قرب مكة وتحديدا على مرحلة منها‪ ،‬وعنده قرية يقال لها‪َ :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫إليه‪( .‬معجم البلدان‪.)122/2 :‬‬

‫‪502‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫فَلَ ْم يَ ْأتِه ِْم َع ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬خ َبر‪َ ،‬و َال يَ ْد ُرو َن َما ُه َو فَا ِعل‪َ ،‬خ َر َج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‬
‫يم ْب ُن ح َزامٍ‪َ ،‬وبُ َد ْي ُل ْب ُن َو ْرقَ َ‬ ‫في تِ ْل َك اللَّ ْيلَةِ أَبُو ُس ْف َيا َن ْب ُن َح ْر ٍب‪َ ،‬و َح ِك ُ‬
‫يَ َت َح َّس ُسو َن َويَ ْن َت ِظ ُرو َن َه ْل يَ ِج ُدو َن َخ َبرا‪ ،‬أَ ْو يَ ْس َم ُعو َن بِه ِ‪َ ،‬وقَ ْد َكا َن‬
‫ض الطَّرِي ِق‪َ ،‬وقَ ْد‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِ َب ْع ِ‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب أَ َتى َر ُس َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ِث ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن أَبِي أُ َم َّي َة ْب ِن‬‫َكا َن أَبُو ُس ْفيا َن ْب ُن ا ْل َحار ِ‬
‫َ‬
‫يما بَ ْي َن َم َّك َة َوا ْل َم ِدينَةِ‪ ،‬فَا ْل َت َم َسا‬ ‫ِ‬ ‫ا ْل ُم ِغير ِة قَ ْد ل َ ِقيا ر ُس َ ِ‬
‫ول اهلل ‪ ،‬ف َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ‪ْ ،‬اب ُن‬ ‫ول َعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَ َكلَّ َم ْت ُه أُ ُّم َسلَ َم َة ِفيه َِما‪ ،‬فَ َقال َ ْت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ال ُّد ُخ َ‬
‫اج َة لِي بِه َِما‪ ،‬أَ َّما ْاب ُن َع ِّمي‬ ‫َع ِّم َك َو ْاب ُن َع َّم ِت َك َو ِص ْه ُر َك‪ .‬قَ َال‪َ > :‬ال َح َ‬
‫فَ َه َت َك ِع ْر ِضي(‪َ ،)1‬وأَ َّما ْاب ُن َع َّم ِتي َو ِص ْهرِي‪ ،‬فَ ُه َو ال َّ ِذي قَ َال لِي بِ َم َّك َة َما‬
‫قَ َال<(‪ .)5‬فَلَ َّما أَ ْخر َج ِإل َيهِما بِ َذلِ َك‪َ ،‬وم َع أَبِي ُس ْفيا َن بنَي ل َ ُه‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬واهلل ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫وت‬‫ض َح َّتى نَ ُم َ‬ ‫ل َ َي ْأ َذنَ َّن لِي أَ ْو َآل ُخ َذ َّن بِ َي ِد ْابني َه َذا‪ ،‬ثُ َّم لَنَذْ َه َب َّن ِفي ْاألَ ْر ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ر َّق ل َ ُه ْما‪ ،‬ثُ َّم أَ ِذ َن‬ ‫َع َطشا َو ُجوعا‪ ،‬فَلَ َّما بَلَ َغ َذلِ َك َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِ َم ِّر ال َّظ ْه َرا ِن قَ َال‬ ‫ل َ ُه ْما فَ َد َخ َال َوأَ ْسلَ َما‪ ،‬فَلَ َّما نَ َز َل َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬م َّك َة َع ْن َوة‬ ‫ش‪َ ،‬واهلل ِ ل َ ِئ ْن َد َخ َل َر ُس ُ‬ ‫اح قُ َر ْي ٍ‬
‫اص َب َ‬
‫اس‪َ :‬و َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ال ِعرض‪ :‬موضع المدح والذم من اإلنسان‪ ،‬سواء كان في نفسه أو في خلفه‪ ،‬أو من‬
‫يلزمه أمره‪( .‬النهاية ‪ /‬عرض)‪ ،‬ويشير إلى (عبد اهلل بن أبي أمية) أخي أم سلمة أم‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫(‪ )5‬يشير ــ واهلل أعلم ــ إلى قوله مع جماعة من المشركين كما في القرآن الكريم‪( :‬وقالوا‬
‫لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من األرض ينبوعا‪ )...‬اآليات (‪ 22‬ــ ‪ /22‬اإلسراء)‪.‬‬
‫انظر‪> :‬تفسير ابن كثير< (‪.)123/2‬‬

‫‪502‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫آخ ِر ال َّد ْه ِر قَ َال‪ :‬فَ َجلَ ْس ُت َعلَى‬ ‫ش ِإلَى ِ‬ ‫قَ ْب َل أَ ْن يَ ْس َت ْأ ِمنُ ُ‬


‫وه‪ِ ،‬إنَّ ُه ل َ َه َال ُك قُ َر ْي ٍ‬
‫بَ ْغلَةِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ا ْل َب ْي َض ِاء‪ ،‬فَ َخ َر ْج ُت َعلَ ْي َها َح َّتى ِج ْئ ُت ْاألَ َرا َك‬
‫اجةٍ يَ ْأتِي‬ ‫اح َب ل َ ِب ٍن‪ ،‬أَ ْو َذا َح َ‬ ‫فَ ُق ْل ُت‪ :‬ل َ َعل ِّي أَ ْل َقى ب ْعض ا ْل َح َّطابةِ‪ ،‬أَ ْو َص ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وه قَ ْب َل‬‫َم َّك َة‪ ،‬فَ ُي ْخب ُِر ُه ْم بِ َم َكا ِن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬لِ َي ْخ ُر ُجوا ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَ َي ْس َت ْأ ِمنُ ُ‬
‫أَ ْن يَ ْد ُخلَ َها َعلَ ْيه ِْم َع ْن َوة‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َواهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي َألَ ِس ُير َعلَ ْي َها‪ ،‬وأَ ْل َت ِم ُس َما‬
‫اء َو ُه َما‬ ‫َخ َر ْج ُت ل َ ُه ِإ ْذ َس ِم ْع ُت َك َال َم أَبِي ُس ْف َيا َن‪َ ،‬وبُ َد ْي ِل ْب ِن َو ْرقَ َ‬
‫ول‪َ :‬ما َرأَ ْي ُت َكا ْل َي ْومِ قَ ُّط نِ َيرانا َو َال َع ْس َكرا قَ َال‪:‬‬ ‫اج َعا ِن‪َ ،‬وأَبُو ُس ْف َيا َن يَ ُق ُ‬ ‫يَ َت َر َ‬
‫ول‬ ‫اع َة َح َم َش ْت َها(‪ )1‬ا ْل َح ْر ُب‪ .‬قَ َال‪ :‬يَ ُق ُ‬ ‫ول بُ َد ْيل‪َ :‬ه ِذهِ َواهلل ِ نِ َيرا ُن ُخ َز َ‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫اع ُة َواهلل ِ أَ َذ ُّل وأَ ْألَ ُم ِم ْن أَ ْن َت ُكو َن َه ِذهِ نِ َيرانُ َها َو َع ْس َك ُر َها‪.‬‬ ‫أَبُو ُس ْف َيا َن‪ُ :‬خ َز َ‬
‫قَ َال‪ :‬فَ َع َر ْف ُت َص ْو َت ُه‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪ :‬يَا أَبَا َح ْن َظلَ َة‪ ،‬فَ َع َر َف َص ْوتِي‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أَبُو‬
‫ا ْل َف ْضل‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪ :‬نَ َع ْم‪ .‬قَ َال‪َ :‬مال َ َك ِف َدا َك أَبِي َوأُ ِّمي‪ .‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬و ْي َح َك يَا أَبَا‬
‫ش َواهلل ِ قَ َال‪:‬‬ ‫اح قُ َر ْي ٍ‬ ‫اص َب َ‬
‫س َو َ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬في النَّا ِ‬ ‫ُس ْف َيا َن‪َ ،‬ه َذا َر ُس ُ‬
‫فَ َما ا ْل ِحيلَ ُة‪ِ ،‬ف َدا َك أَبِي َوأُ ِّمي؟ قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪َ :‬واهلل ِ ل َ ِئ ْن ظَ َف َر بِ َك ل َ َي ْضرِبَ َّن‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫ُعنُ َق َك‪ ،‬فَ ْار َك ْب َم ِعي َه ِذهِ ا ْل َب ْغلَ َة َح َّتى آتِ َي بِ َك َر ُس َ‬
‫اح َب ُاه‪ ،‬فَ َح َّر ْك ُت بِه ِ ُكلَّ َما َم َر ْر ُت‬ ‫أَ ْس َت ْأ ِمنَ ُه ل َ َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَر ِك َب َخ ْل ِفي َور َج َع َص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين قَالُوا‪ :‬م ْن َه َذا؟ فَ ِإ َذا رأَ ْوا ب ْغلَ َة ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫بِنَا ٍر ِم ْن نِ َيرا ِن ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ‬قَالُوا‪َ :‬ع ُّم َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬علَى بَ ْغلَ ِته ِ َح َّتى َم َر ْر ُت بِنَا ِر‬
‫اب ‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬م ْن َه َذا؟ َوقَ َام ِإل َ َّي‪ ،‬فَلَ َّما َرأَى أَبَا ُس ْف َيا َن‬ ‫ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أحمش ُت النار إذا ألهبتها‪( .‬النهاية‪ /‬حمش)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫(‪ )1‬حمشتها‪ :‬أحرقتها وألهبتها‪ ،‬ومنه‬

‫‪502‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫َعلَى َع ُج ِز ا ْل َب ْغلَةِ‪ ،‬قَ َال أَبُو ُس ْف َيا َن َع ُد ُّو اهلل ِ‪ ،‬ا ْل َح ْم ُد لِلَّه ِ ال َّ ِذي أَ ْم َك َن ِم ْن َك‬
‫ت‬ ‫بِ َغ ْيرِ َع ْق ٍد َو َال َع ْه ٍد‪ ،‬ثُ َّم َخ َر َج يَ ْش َت ُّد نَ ْح َو َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬و َر َك َض ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يء‪ ،‬فَا ْق َت َح ْم ُت َع ِن‬ ‫الر ُج َل ا ْل َبط َ‬ ‫يء َّ‬ ‫ا ْل َب ْغلَ ُة‪ ،‬فَ َس َب َق ْت ُه بِ َما َت ْسب ُِق ال َّدابَّ ُة ا ْل َبط ُ‬
‫ول‬ ‫ا ْل َب ْغلَةِ‪ ،‬فَ َد َخ ْل ُت َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬و َد َخ َل ُع َم ُر‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫اهلل ِ‪َ ،‬ه َذا أَبُو ُس ْف َيا َن قَ ْد أَ ْم َك َن اهللُ ِم ْن ُه بِ َغ ْيرِ َع ْق ٍد َو َال َع ْه ٍد‪ ،‬فَ َد ْع ِني‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي أَ َج ْر ُت ُه‪ ،‬ثُ َّم َجلَ ْس ُت ِإلَى‬ ‫فَ ْأل َْضر َِب ُعنُ َق ُه‪ .‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫اجيه ِ اللَّ ْيلَ َة َر ُجل‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬فَأَ َخذْ ُت بِ َر ْأ ِسه ِ فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ال َواهلل ِ َال يُنَ ِ‬
‫ُدونِي‪ ،‬فَلَ َّما أَ ْك َث َر ُع َم ُر ِفي َش ْأنِه ِ قُ ْل ُت‪َ :‬م ْهال يَا ُع َم ُر‪ ،‬أَ َما َواهلل ِ ل َ ْو َكا َن ِم ْن‬
‫ي ْب ِن َك ْع ٍب َما قُ ْل ُت َه َذا‪َ ،‬ول َ ِكنَّ َك َع َر ْف َت أَنَّ ُه َر ُجل ِم ْن‬ ‫ر َِجا ِل بَ ِني َع ِد ِّ‬
‫ين أَ ْسلَ ْم َت‬ ‫اس‪ ،‬فَ َواهلل ِ َ ِإل َس َال ُم َك ِح َ‬ ‫اف قَ َال‪َ :‬م ْهال يَا َع َّب ُ‬ ‫ر َِجا ِل ب ِني َعب ِد منَ ٍ‬
‫َ ْ َ‬
‫اب ل َ ْو أَ ْسلَ َم‪َ ،‬و َما بِي ِإ َّال أَنِّي قَ ْد‬ ‫َكا َن أَ َح َّب ِإل َ َّي ِم ْن ِإ ْس َالمِ أبي ا ْل َخ َّط ِ‬
‫َع َر ْف ُت أَ َّن ِإ ْس َال َم َك َكا َن أَ َح َّب ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬م ْن ِإ ْس َالمِ‬
‫اب‪ ،‬فَ َق َال ر ُس ُ ِ‬
‫اس‪،‬‬ ‫ول اهلل ‪> :‬ا ْذ َه ْب بِه ِ ِإلَى َر ْحلِ َك يَا َع َّب ُ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َخ َّط ِ‬
‫ات ِع ْن ِدي‪ ،‬فَلَ َّما أَ ْص َب َح‬ ‫فَ ِإ َذا أَ ْص َب َح فَا ْئ ِت ِني بِه ِ<‪ .‬فَ َذ َه ْب ُت بِه ِ ِإلَى َر ْحلِي فَ َب َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬قَ َال‪:‬‬ ‫َغ َد ْو ُت بِه ِ ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬فَلَ َّما َر ُآه َر ُس ُ‬
‫> َو ْي َح َك يَا أَبَا ُس ْف َيا َن‪ ،‬أَل َ ْم يَ ْأ ِن ل َ َك أَ ْن َت ْعلَ َم أَ ْن َال ِإل َ َه ِإ َّال اهللُ؟< قَ َال‪:‬‬
‫بِأَبِي أَ ْن َت َوأُ ِّمي‪َ ،‬ما أَ ْك َر َم َك َوأَ ْو َصلَ َك‪َ ،‬واهلل ِ ل َ َق ْد ظَنَ ْن ُت أَ ْن ل َ ْو َكا َن َم َع‬
‫اهلل ِ َغ ْي ُر ُه ل َ َق ْد أَ ْغنَى َعنِّي َش ْيئا قَ َال‪َ > :‬و ْي َح َك يَا أَبَا ُس ْف َيا َن‪ ،‬أَل َ ْم يَ ْأ ِن ل َ َك أَ ْن‬
‫أحلَ َم َك َوأَ ْك َر َم َك‬ ‫ول اهلل ِ؟< قَ َال‪ :‬بِأَبِي أَ ْن َت َوأُ ِّمي‪َ ،‬ما ْ‬ ‫َت ْعلَ َم أَنِّي َر ُس ُ‬

‫‪500‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس‪:‬‬ ‫َوأَ ْو َصلَ َك َه ِذهِ‪َ ،‬واهلل َكا َن في نَ ْف ِسي ِم ْن َها َش ْي ُء َح َّتى ْاآل َن‪ .‬قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول‬ ‫َو ْي َح َك يَا أَبَا ُس ْف َيا َن أَ ْسلِ ْم‪َ ،‬و ْاش َه ْد أَ ْن َال ِإل َ َه ِإ َّال اهللُ‪َ ،‬وأَ َّن ُم َح َّمدا َر ُس ُ‬
‫اهلل ِ قَ ْب َل أَ ْن ُت ْض َر َب ُعنُ ُق َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َش ِه َد بِ َش َه َاد ِة ا ْل َح ِّق َوأَ ْسلَ َم‪ .‬قُ ْل ُت‪ :‬يَا‬
‫اج َع ْل ل َ ُه َش ْيئا قَ َال‪:‬‬ ‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إ َّن أَبَا ُس ْف َيا َن َر ُجل يُ ِح ُّب َه َذا ا ْل َف ْخ َر‪ ،‬فَ ْ‬ ‫َر ُس َ‬
‫>نَ َع ْم َم ْن َد َخ َل َد َار أَبِي ُس ْف َيا َن فَ ُه َو آ ِمن‪َ ،‬و َم ْن أَ ْغلَ َق بَابَ ُه فَ ُه َو آ ِمن‪َ ،‬و َم ْن‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫َد َخ َل ا ْل َم ْس ِج َد فَ ُه َو آ ِمن<‪ .‬فَلَ َّما َذ َه َب لِ َي ْن َصر َِف‪ ،‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫احب ِْس ُه بِ َم ِضي ِق ا ْل َوا ِدي ِع ْن َد َخ ْطمِ ا ْل َج َب ِل(‪َ ،)1‬ح َّتى‬ ‫اس‪ْ ،‬‬ ‫‪> :‬يَا َع َّب ُ‬
‫ود اهلل ِ فَ َي َر َاها<‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َخ َر ْج ُت بِه ِ َح َّتى َح َب ْس ُته َح ْي ُث أَ َم َرنِي‬ ‫َت ُم َّر بِه ِ ُجنُ ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬أَ ْن أَ ْحب َِس ُه قَ َال‪َ :‬و َم َّر ْت بِه ِ ا ْل َق َبائِ ُل َعلَى َرايَاتِ َها ُكلَّ َما‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول‪َ :‬مالِي َولِ ُسلَ ْي ٍم؟ قَ َال‪:‬‬ ‫ول‪ُ :‬سلَ ْيم‪ .‬فَ َي ُق ُ‬ ‫َم َّر ْت قَبِيلَة قَ َال‪َ :‬م ْن َه ُؤ َال ِء؟ فَأَقُ ُ‬
‫ول‪َ :‬ما لِي َولِ ُم َز ْينَ َة؟‬ ‫ول‪ُ :‬م َز ْينَ ُة‪ .‬فَ َي ُق ُ‬ ‫ثُ َّم َت ُم ُّر ا ْل َقبِيلَ ُة قَ َال‪َ :‬م ْن َه ُؤ َال ِء؟ فَأَقُ ُ‬
‫ول‪ :‬بَنُو فُ َال ٍن‪.‬‬ ‫ت ا ْل َق َبائِ ُل َال َت ُم ُّر قَبِيلَة ِإ َّال قَ َال‪َ :‬م ْن َه ُؤ َال ِء؟ فَأَقُ ُ‬ ‫َح َّتى َت َع َّد ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬في ا ْل َخ ْض َر ِاء‬ ‫ول‪َ :‬مالِي َولِ َب ِني فُ َال ٍن‪َ .‬ح َّتى َم َّر َر ُس ُ‬ ‫فَ َي ُق ُ‬
‫اج ُرو َن َو ْاألَ ْن َص ُار َال يَ َرى ِم ْن ُه ْم ِإ َّال ا ْل َح َد َق‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬س ْب َحا َن‬ ‫َك ِت َيبة ِف َيها ا ْل ُم َه ِ‬
‫ِين‬ ‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬في ا ْل ُم َه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجر َ‬ ‫اس؟ قُ ْل ُت‪َ :‬ه َذا َر ُس ُ‬ ‫اهلل‪َ ،‬م ْن َه ُؤ َالء يَا َع َّب ُ‬
‫َو ْاألَ ْن َصا ِر‪ .‬قَ َال‪َ :‬ما ِألَ َح ٍد بِ َه ُؤ َال ِء قِ َبل َو َال طَاقَة‪َ ،‬واهلل ِ يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل‪ ،‬ل َ َق ْد‬
‫يك ا ْل َغ َدا َة َع ِظيما‪ .‬قُ ْل ُت‪ :‬يَا أَبَا ُس ْف َيا َن‪ِ ،‬إنَّ َها النُّ ُب َّو ُة‪.‬‬ ‫أَ ْص َب َح م ْل َك ْاب ِن أَ ِخ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬خطم الجبل‪ :‬أنفه النادر منه؛ وأراد بذلك أن يرى عدد الجنود وكثرتهم؛ ألن األنف‬
‫النادر من الجبل يُضيِّق الموضع الذي يخرج منه‪( .‬لسان العرب‪ /‬حطم ــ ‪.)122/15‬‬

‫‪505‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ِ‬
‫اء ِإلَى قَ ْوم َك‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َخ َر َج َح َّتى ِإ َذا َج َ‬
‫اء ُه ْم‬ ‫قَ َال‪ :‬فَنَ َع ْم ِإ َذ ْن‪ ،‬قُ ْل ُت‪ :‬النَّ َج ُ‬
‫اء ُك ْم بِ َما َال قِ َب َل‬ ‫ش‪َ ،‬ه َذا ُم َح َّمد قَ ْد َج َ‬ ‫َص َر َخ بِأَ ْعلَى َص ْوتِه ِ يَا َم ْع َش َر قُ َر ْي ٍ‬
‫ل َ ُك ْم بِه ِ‪ ،‬فَ َم ْن َد َخ َل َد َار أَبِي ُس ْف َيا َن فَ ُه َو آ ِمن‪ ،‬فَ َق َام ْت ِإل َ ْيه ِ ْام َرأَ ُت ُه ِه ْن ُد بِ ْن ُت‬
‫ُع ْت َب َة‪ ،‬فَأَ َخ َذ ْت بِ َشا ِربِه ِ‪ ،‬فَ َقال َ ْت‪ :‬ا ْق ُتلُوا ال َّد َس َم ْاألَ ْح َم َس(‪ ،)1‬فَ ِب ْئ َس ِم ْن‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اء َما‬ ‫َطل َيعة قَ ْو ٍم‪ .‬قَ َال‪َ :‬و ْي َح ُك ْم‪َ ،‬ال َت ُغ َّرنَّ ُك ْم َهذه م ْن أَ ْن ُفس ُك ْم‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه قَ ْد َج َ‬
‫َال قِ َب َل ل َ ُك ْم بِه ِ‪َ ،‬م ْن َد َخ َل َد َار أَبِي ُس ْف َيا َن‪ ،‬فَ ُه َو آ ِمن قَالُوا‪َ :‬و ْيلَ َك َو َما‬
‫ُت ْغ ِني َعنَّا َد ُار َك‪ .‬قَ َال‪َ :‬و َم ْن أَ ْغلَ َق بَابَ ُه فَ ُه َو آ ِمن‪َ ،‬و َم ْن َد َخ َل ا ْل َم ْس ِج َد فَ ُه َو‬
‫اس ِإلَى ُدو ِر ِه ْم َو ِإلَى ا ْل َم ْس ِج ِد(‪.)5‬‬ ‫آ ِمن فَ َت َف َّر َق النَّ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪( )1‬الدسم)‪ :‬األسود‪ .‬و(األحمس)‪ :‬الشجاع‪( ،‬العين‪ /‬حمس) وتروى‪ :‬األحمش‪:‬‬
‫القليل اللحم‪ .‬أو دقيق الساقين‪ .‬أي‪ :‬األسود الدنيء؛ قالته له في معرض الذم‪ .‬كذا‬
‫في >النهاية< (دسم‪ ،‬حمش)‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )5502‬عن محمد بن سلمة‪ ،‬والبيهقي في‬
‫>الدالئل< (‪ 55/2‬ــ ‪ )52‬عن يونس بن بكير كليهما عن ابن إسحاق بهذا اإلسناد‬
‫ِي َع ْن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن‬
‫(ح َّدثَنَا ال ُّز ْهر ِّ‬
‫ابن إسحاق بالتحديث‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫وصرح ُ‬
‫َّ‬ ‫مطوال‪،‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫َع ْب ِد اهلل ْب ِن ُع ْت َب َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّباسٍ) وتابعهما زياد بن عبد اللَّه البكائي‪ ،‬عن ابن‬
‫الطحاوي‬
‫ُّ‬ ‫إسحاق بسنده سواء‪ ،‬أخرجه البيهقي في >الدالئل< (‪ 21/2‬ــ ‪ ،)25‬قال‬
‫في >شرح المعاني< (‪> :)255/2‬هذا حديث متصل اإلسناد صحيح<‪.‬‬
‫ورواه سلمة بن الفضل‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬عن العباس بن عبد اللَّه بن معب ٍد‪ ،‬عن‬
‫س فذكره‪.‬‬
‫بعض أهله‪ ،‬عن ابن عبا ٍ‬
‫أخرجه أبو داود‪ :‬ح (‪ )2255‬مختصرا‪ ،‬ومن طريقه البيهقي في >المعرفة< (‪525/12‬‬
‫(وحسنه األلباني)‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن‬ ‫ّ‬ ‫ــ ‪ ،)523‬وفي >الكبرى< ح (‪)13553‬‬
‫عمرو الرازي‪ ،‬ثنا سلمة بن الفضل بهذا‪ .‬والوجه األول أقوى‪ ،‬ال سيما وقد توبع ابن‬
‫إسحاق عليه‪ .‬تابعه جعفر بن برقان‪ ،‬فرواه عن الزهري‪ ،‬عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن=‬

‫‪503‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ويتجلى لنا دور العباس ‪ ‬من خالل عدة وقفات‪:‬‬


‫ــ جواره ألبي سفيان وتأمينه له‪.‬‬
‫ــ قتله الرغبة في المقاومة والحرب في نفس أبي سفيان‪.‬‬
‫ــ العباس وخبرته في الحياة ودرايته بالنفوس‪ ...‬حين أشار على‬
‫النبي ‪ ‬أن يخص أبا سفيان ببعض الذكر‪ ،‬تطييبا لنفسه وإرضاء‬
‫لبواعث الفخر فيها‪ ...‬إلى أن انتهى إلى قول النبي ‪ ‬استجابة‬
‫لعمه ورجوعا إلى رأيه‪ :‬من دخل دار أبي سفيان فهو آمن‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫يقول الشيخ الغزالي ـ رحمه اهلل ـ >وإنما أعطى رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫س بطوله‪ .‬أخرجه الطبراني في >الكبير< ح (‪ )5520‬من طريق‬ ‫= عتبة عن ابن عبا ٍ‬
‫يونس بن بكير‪ ،‬عن جعفر بن برقان بهذا‪ .‬وأورده الهيثمي في المجمع‪ 105/0( :‬ح‪:‬‬
‫‪ )12522‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ر َِجالُ َّ‬
‫الص ِحي ِح‪( .‬وراجع فيما سبق‪ :‬أجوبة‬
‫الشيخ أبي إسحاق الحويني‪ ،‬مجلة التوحيد‪ ،‬ذو القعدة ‪1252‬هـ‪.‬‬
‫ومعلوم أن محمد بن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة‪ ،‬وهو حسن الحديث‬
‫ــ بعامة ــ بشرط التصريح بالتحديث كما هنا‪ ،‬وهو حجة في السيرة النبوية كما هو‬
‫معروف عند العلماء‪ ،‬ولذلك نقله الحافظ ابن كثير في تاريخه >البداية< (‪ 535/2‬ــ‬
‫‪ )521‬عن >السيرة< ساكتا عنه‪ ،‬وكذلك نقل الحافظ في >الفتح< (‪ 3/5‬ــ ‪ )15‬قطعا‬
‫منه في شرحه لحديث عروة بن الزبير الذي أخرجه البخاري (‪ )2532‬من طريق‬
‫هشام بن عروة عن أبيه مرسال‪ .‬وفيه جمل كثيرة مما في حديث ابن إسحاق؛ فهو‬
‫شاهد قوي‪ .‬وصححه ابن حجر في المطالب العالية‪ 222/15( :‬ــ ح‪)2221 :‬‬
‫وعليه‪ :‬فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد‪ .‬وقال األلباني بعد تصحيحه‬
‫أصح وأتم ما وقفت عليه مسندا في قصة فتح مكة حرسها اهلل‪ .‬واهلل‬ ‫للحديث‪ ،‬وهو ّ‬
‫سبحانه وتعالى أعلم‪( .‬السلسلة الصحيحة‪.)1222/5 :‬‬

‫‪502‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫أبا سفيان هذه الميزة إرضاء لعاطفة الفخر في نفسه‪ ،‬وقد أرضاه بما ال‬
‫يتحبب إلى نفس بمثل هذا‬ ‫يضر أحدا‪ ،‬وال يكلّف جهدا‪ ،‬وال عليه أن ّ‬ ‫ّ‬
‫الثمن الميسور‪ .‬وأراد رسول اهلل ‪ ‬أن يستوثق من سير األمور‬
‫فضم إلى ذلك المسلك مع أبي سفيان أن‬ ‫بعيدا عن الحرب والضرب‪ّ ،‬‬
‫العباس باحتجازه في مضيق الوادي‪ ،‬حتى يستعرض القوى‬ ‫أوصى ّ‬
‫الزاحفة كلّها‪ ،‬فال تبقى في نفسه أثارة لمقاومة‪ ،‬وهو سيد مكة المتبوع‪،‬‬
‫إلى أن ّمر رسول اهلل ‪ ‬في كتيبته الخضراء‪ ،‬وفيها المهاجرون‬
‫واألنصار‪ ،‬ال يرى منهم إال الحدق من الحديد‪ ،‬فقال‪ :‬سبحان اهلل! يا‬
‫عباس! من هؤالء؟ قلت‪ :‬هذا رسول اهلل ‪ ‬في المهاجرين‬
‫واألنصار‪ .‬قال‪ :‬ما ألحد بهؤالء من قبل وال طاقة! واهلل يا أبا الفضل‬
‫لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما!!‪ .‬قال العباس‪ :‬يا أبا سفيان‪،‬‬
‫إ ّنها النبوة‪ .‬قال‪ :‬فنعم إذن(‪.)1‬‬
‫وقام العباس ‪ ‬بمهمته خير قيام‪ ،‬والزم أبا سفيان كظله‬
‫متفرسا فيه مستشعرا خلجات نفسه متتبعا نظرات عينيه كلما مرت كتيبة‬
‫أو لحقتها أختها‪ ،‬إلى أن َّمر الجنود كلهم‪ ،‬حتى قتل في نفسه أي ٍ‬
‫بادرة‬
‫للمقاومة أو نية للمناهضة‪.‬‬
‫يحس أ ّن ِمن ورائه‬
‫>ودخل أبو سفيان مكة مبهورا مذعورا‪ ،‬وهو ّ‬
‫إعصارا‪ ،‬إذا انطلق اجتاح ما أمامه‪ ،‬فما يقف دونه شيء‪ ،‬ورأى أهل‬
‫مكة الجيش الفاتح يقبل من بعي ٍد رويدا رويدا‪ ،‬فاجتمعوا على سادتهم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فقه السيرة‪ :‬ص‪.212‬‬

‫‪552‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ينتظرون األوامر بالقتال‪ ،‬فإذا بصوت أبي سفيان ينطلق عاليا واضحا‪ :‬يا‬
‫معشر قريش! هذا محمد جاءكم فيما ال قِبل لكم به‪ ،‬فمن دخل دار أبي‬
‫سفيان فهو آمن‪ ،‬وشدهت امرأته هند بنت عتبة وهي تسمع من زوجها‬
‫هذا الكالم‪ ،‬فوثبت إليه‪ ،‬وأخذت بشاربه تلويه وصاحت‪ :‬اقتلوا‬
‫الزق المنتفخ ــ ّقبحت من طليعة‬
‫الحميت الدسم األحمش ــ أي هذا ّ‬
‫قوم‪ .‬ولم يكترث أبو سفيان لسباب امرأته فعاود تحذيره‪ :‬ويلكم ال‬
‫تغر ّنكم هذه من أنفسكم‪ ،‬فإ ّنه قد جاءكم ما ال قِبل لكم به‪ .‬فمن دخل‬
‫عنا دارك؟ قال‪:‬‬‫دار أبي سفيان فهو آمن‪ .‬قالوا‪ :‬قاتلك اهلل؟ وما تغني ّ‬
‫فتفرق‬
‫ومن أغلق عليه بابه فهو آمن‪ ،‬ومن دخل المسجد فهو آمن‪ّ ،‬‬
‫الناس إلى دورهم وإلى المسجد‪ .‬وأصبحت (أم القرى) وقد ّقيد‬
‫الرعب حركاتها‪ ،‬واسترخت تجاه القدر المنساق إليها‪ ،‬فاختفى الرجال‬
‫وراء األبواب الموصدة‪ ،‬أو اجتمعوا في المسجد الحرام يرقبون‬
‫مصيرهم وهم واجمون‪ ...‬وسكنت مكة‪ ،‬واستسلم سادتها وأتباعها‪،‬‬
‫وعلت كلمة اهلل في جنباتها‪ ،‬ثم نهض رسول اهلل إلى البيت العتيق‬
‫يكسر األصنام المصفوفة حوله‪ ،‬ويضربها بقوسه ظهرا‬ ‫فطوف به‪ ،‬وأخذ ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لبطن‪ ،‬فتقع على األرض مهشمة متناثرة ‪.‬‬
‫وهكذا فقد أدى العباس ‪ ‬ما عليه‪ ،‬والزم أبا سفيان مالزمة‬
‫األُسد لفرائسها‪ ،‬وس َّد في نفسه أي طريق للمقاومة‪.‬‬
‫مكة شرع في هدم‬ ‫‪‬‬ ‫ولما أتم اهلل الفتح‪ ،‬ودخل النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فقه السيرة‪ :‬ص‪ 211‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫األصنام والعباس معه يساعده ويشد أزره‪.‬‬


‫ِ‬
‫يم النخعي قَ َال‪:‬‬ ‫فقد روى اآلجري في الشريعة بسنده َع ْن ِإ ْب َراه َ‬
‫اس ْب ُن‬ ‫َكا َن النَّب ُِّي ‪ ‬يَ ْو َم فَ ْت ِح َم َّك َة ُم ْع َت ِجرا بِ ِع َم َامةٍ َس ْو َد َاء‪َ ،‬وا ْل َع َّب ُ‬
‫ت أَ ْصنَام‪ ،‬فَ َج َع َل النَّب ُِّي ‪ ‬يُ َك ِّس ُر تِ ْل َك‬ ‫َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َح ْو َل ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اس‪َ :‬ه َّيا يَا بُنَ َّي‪ ،‬فَ َق َال النَّب ُِّي‬ ‫ول‪َ > :‬ه َّيا يَا أَبَ ْه< َويَ ُق ُ‬
‫ول ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ْاألَ ْصنَامِ َويَ ُق ُ‬
‫يم َو ِإ ْس َما ِع َيل َو ُه َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ > .‬م ْن َرآني َو َرأَى َع ِّمي فَ َق ْد َرأَى ِإ ْب َراه َ‬
‫ت<(‪.)1‬‬ ‫يَ ْرفَ َعا ِن ا ْل َق َوا ِع َد ِم َن ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫يوم حنين (‪8‬هـ) وزئير األسد‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يجئ يوم حنين ليكشف عن فدائية العباس ‪ ‬وبطولته‪،‬‬


‫ويطلعنا على معلم من معالم حبه للنبي ‪ ،‬حيث جنَّد العباس‬
‫‪ ‬في هذا اليوم كل طاقاته لخدمة دينه ونبيه‪ ،‬فاستغل كل طاقاته‬
‫للدفاع عن النبي ‪ ،‬حتى صوته كان له أبلغ األثر‪ ،‬فقد كان‬
‫صوت العباس ‪ ‬يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة واالستبسال‪.‬‬
‫الهز ِْي َمةِ‪،‬‬
‫اس َكا َن يَ ْو َم ُح ِن ْي ٍن‪َ ،‬و ْق َت َ‬ ‫قال الذهبي‪َ :‬وثَ َب َت أَ َّن َ‬
‫الع َّب َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشريعة لآلجري‪ .5521/2 :‬وقال محقق الشريعة‪ :‬إسناده ضعيف‪ .‬والرواية من‬
‫مراسيل إبراهيم النخعي‪ ،‬قال عنه ابن حجر في التقريب‪ :‬ثقة فقيه إال أنه يرسل كثيرا‪.‬‬
‫وقال أبو سعيد العالئي‪ :‬هو مكثر من اإلرسال‪ ،‬وجماعة من األئمة صححوا مراسيله‪.‬‬
‫وفي السند بكير أبو عمرو الضبي مجهول الحال‪ .‬والمغيرة بن مقسم‪ :‬ثقة متقن إال أنه‬
‫كان يدلس وال سيما عن إبراهيم النخعي (سير أعالم النبالء‪ 15/0 :‬ــ تهذيب‬
‫الكمال‪.)222/53 :‬‬

‫‪555‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ِ‬
‫آخذا بِلِ َجامِ بَ ْغلَةِ النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ َوثَ َب َت َم َع ُه َح َّتى نَ َز َل النَّ ْص ُر(‪.)1‬‬
‫وأصل الواقعة أنه في السنة الثامنة للهجرة‪ ،‬وبعد أن فتح اهلل مكة‬
‫عز بعض القبائل السائدة في الجزيرة العربية أن يحقق‬ ‫لرسوله ولدينه ّ‬
‫الدين الجديد كل هذا النصر بهذه السرعة‪..‬‬
‫شن‬
‫فاجتمعت قبائل هوازن وثقيف ونصر وجشم وآخرون‪ .‬وقرروا ّ‬
‫حرب حاسمة ض ّد الرسول ‪ ‬والمسلمين‪ ..‬واحتشدت تلك‬
‫القبائل في صفوف لجبة من المقاتلين األش ّداء‪..‬‬
‫وخرج اليهم المسلمون في اثني عشر ألفا‪ ..‬من الذين فتحوا مكة‬
‫باألمس القريب‪ ،‬وشيعوا الشرك واألصنام إلى هاويتها األخيرة‬
‫والسحيقة‪ ،‬وارتفعت راياتهم تمأل األفق دون مشاغب عليها أو مزاحم‬
‫لها‪ !!..‬وهذا شيء يبعث الزهو‪..‬‬
‫والمسلمون في آخر المطاف بشر‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فقد ضعفوا أمام‬
‫الزهو الذي ابتعثته كثرتهم ونظامهم‪ ،‬وانتصارهم بمكة‪ ،‬وقالوا‪> :‬لن‬
‫نغلب اليوم عن قلة<‪.‬‬
‫وبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية >تهامة< ينتظرون‬
‫مجيء عدوهم‪ ،‬كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في‬
‫شعابه شاحذين أسلحتهم‪ ،‬وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في‬
‫مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدا وكان حول النبي ‪ ‬ساعتئذ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪.33/5 :‬‬

‫‪552‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬والعباس وبعض الصحابة‪ ،‬ولم يكن العباس‬
‫بجواره فقط بل كان بين قدميه آخذا بخطام بغلته‪ ،‬يتحدى الموت‬
‫والخطر‪ ..‬ولما رأى الرسول ـ ‪ ‬ـ ما أحدثه الهجوم المفاجئ‬
‫إلي‪ ،‬أنا النبي‬
‫هلموا َّ‬
‫إلي أيها الناس‪ّ ،‬‬
‫عال صهوة بغلته البيضاء وصاح‪َّ :‬‬
‫ال ك ِذب‪ ،‬أنا ابن عبد المطلب‪...‬‬
‫وأمر الرسول ‪ ‬العباس ‪ ‬أن يصرخ في الناس‪ ،‬وكان‬
‫جسيما جهوري الصوت‪ ،‬فراح ينادى‪> :‬يا معشر األنصار‪ ،‬يا أصحاب‬
‫البيعة< فردوا >لبيك لبيك< وانقلبوا راجعين جميعا بعد أن شتتهم هجوم‬
‫المشركين المفاجئ‪ ،‬وقاتلوا وثبتوا فنصرهم اهلل‪..‬‬
‫وكان ممن ثبت مع الرسول ـ ‪ ‬ـ يومئذ‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪،‬‬
‫وعلي بن أبي طالب‪ ،‬والعباس بن عبد المطلب‪ ،‬وولده الفضل بن‬
‫العباس‪ ،‬وجعفر بن الحارث‪ ،‬وربيعة بن الحارث‪ ،‬وأسامة بن زيد‪،‬‬
‫وأيمن بن عبيد‪ ،‬وقلة أخرى من الصحابة‪ ،‬وسيدة أخذت مكانا عاليا‬
‫بين األبطال هي أم سليم بنت ِم ْلحان‪ ،‬وكانت حامال انتهت إلى الرسول‬
‫ـ ‪ ‬ـ وقالت‪ :‬اقتل هؤالء الذين ينهزمون عنك‪ ،‬كما تقتل الذين‬
‫يقاتلونك‪ ،‬فإنهم لذلك أهل‪ ...‬وكان صوت العباس يومئذ وثباته من‬
‫ألمع مظاهر السكينة واالستبسال(‪.)1‬‬
‫ونترك الحديث للعباس نفسه يحدثنا بما دار في غزوة حنين ودوره‬
‫ل اهلل ِ ‪‬‬ ‫فيها‪ ،‬فيقول فيما يرويه مسلم بسنده إليه‪َ :‬شه ِْد ُت َم َع َر ُسو ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬رجال حول الرسول ــ ‪ ‬ــ‪ ،‬ص ‪ 223‬ــ ‪ 212‬بتصرف بالحذف‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ول‬ ‫ِث ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َر ُس َ‬ ‫ي ْو َم ُحنَي ٍن‪ ،‬فَلَز ِْم ُت أَنَا َوأَبُو ُس ْفيا َن ْب ُن ا ْل َحار ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اء‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل ِ ‪ ‬فَلَم نُ َفا ِر ْق ُه‪ ،‬ور ُس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪َ ‬علَى بَ ْغلَة ل َ ُه بَ ْي َض َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫َّار َولَّى‬ ‫أَ ْه َد َاها ل َ ُه فَ ْر َو ُة ْب ُن نُ َفاثَ َة ا ْل ُج َذا ِم ُّي‪ ،‬فَلَ َّما ا ْل َت َقى ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن َوا ْل ُكف ُ‬
‫ض بَ ْغلَ َت ُه قِ َب َل ا ْل ُكفَّا ِر‪،‬‬ ‫ول اهلل ‪ ‬يَ ْر ُك ُ‬
‫ِين‪ ،‬فَطَ ِف َق ر ُس ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن ُم ْدبِر َ‬
‫آخذ بِلِ َجامِ بَ ْغلَةِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أَ ُك ُّف َها ِإ َر َاد َة أَ ْن َال‬ ‫قَ َال َعباس‪َ :‬وأَنَا ِ‬
‫َّ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اب َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬ ‫آخذ بِرِ َك ِ‬ ‫ُت ْس ِر َع‪َ ،‬وأَبو ُس ْفيا َن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الس ُم َر ِة<‪ ،‬فَ َق َال َع َّباس‪َ :‬و َكا َن َر ُجال‬ ‫اب َّ‬ ‫اس‪ ،‬نَادِ أَ ْص َح َ‬ ‫‪> :‬أَ ْي َع َّب ُ‬
‫الس ُم َر ِة؟ قَ َال‪ :‬فَ َواهلل ِ‪ ،‬ل َ َكأَ َّن‬ ‫اب َّ‬ ‫َصيِّتا‪ ،‬فَ ُق ْل ُت بِأَ ْعلَى َص ْوتِي‪ :‬أَ ْي َن أَ ْص َح ُ‬
‫ين َس ِم ُعوا َص ْوتِي َع ْط َف ُة ا ْل َب َقرِ َعلَى أَ ْو َالدِ َها‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬يَا ل َ َّب ْي َك‪،‬‬ ‫َع ْط َف َت ُه ْم ِح َ‬
‫َّار‪َ ،‬وال َّد ْع َو ُة ِفي ْاألَ ْن َصا ِر يَ ُقولُو َن‪ :‬يَا َم ْع َش َر‬ ‫يَا ل َ َّب ْي َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَا ْق َت َتلُوا َوا ْل ُكف َ‬
‫ِث‬ ‫ت ال َّد ْع َو ُة َعلَى بَ ِني ا ْل َحار ِ‬ ‫ْاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬يَا َم ْع َش َر ْاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬قَ َال‪ :‬ثُ َّم قُ ِص َر ِ‬
‫ِث ْب ِن‬ ‫ِث ْب ِن ا ْل َخ ْز َر ِج‪ ،‬يا بَ ِني ا ْل َحار ِ‬ ‫ا ْب ِن ا ْل َخ ْز َر ِج‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬يا بَ ِني ا ْل َحار ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬و ُه َو َعلَى بَ ْغلَ ِته ِ َكا ْل ُم َتطَا ِو ِل َعلَ ْي َها ِإلَى‬ ‫ا ْل َخ ْز َر ِج‪ ،‬فَنَ َظ َر َر ُس ُ‬
‫يس< قَ َال‪ :‬ثُ َّم‬ ‫ين َح ِم َي ا ْل َو ِط ُ‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ > ‬ه َذا ِح َ‬ ‫قِ َتالِه ِْم‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫وه ا ْل ُكفَّا ِر‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ات فَ َر َمى بِ ِه َّن ُو ُج َ‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ح َصي ٍ‬ ‫أَ َخ َذ َر ُس ُ‬
‫َ‬
‫قَ َال‪> :‬ا ْن َه َز ُموا َو َر ِّب ُم َح َّم ٍد< قَ َال‪ :‬فَ َذ َه ْب ُت أَ ْن ُظ ُر فَ ِإ َذا ا ْل ِق َت ُال َعلَى َه ْي َئ ِته ِ‬
‫اه ْم بِ َح َص َياتِه ِ فَ َما ِز ْل ُت أَ َرى‬ ‫يما أَ َرى‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َواهلل ِ‪َ ،‬ما ُه َو ِإ َّال أَ ْن َر َم ُ‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬
‫َح َّد ُه ْم َكلِيال‪َ ،‬وأَ ْم َر ُه ْم ُم ْدبِرا(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب في غزوة حنين‪ ،‬ح (‪ .)1552‬وأحمد في‬
‫المسند‪ :‬ح (‪ ،)1552‬وعبد الرزاق‪ :‬ح (‪ ،)2521‬والحاكم‪ :‬ح (‪ )2213‬كلهم من=‬

‫‪552‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حديث الزهري‪ ،‬عن كثير بن عباس‪ ،‬عن ابن عباس به‪..‬‬ ‫=‬
‫(حنين) واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميال‪ ،‬وقال‬
‫الواقدي‪ :‬بينه وبين مكة ثالث ليال‪( .‬معجم البلدان‪.)212/5 :‬‬
‫(أبو سفيان بن الحارث) أبو سفيان هذا هو ابن عم رسول اهلل ‪ ‬قال جماعة‬
‫من العلماء‪ :‬اسمه هو كنيته‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬اسمه المغيرة‪.‬‬
‫(على بغلة له بيضاء) كذا قال في هذه الرواية ورواية أخرى بعدها إنها بغلة بيضاء‪،‬‬
‫وقال في آخر الباب‪ :‬على بغلته الشهباء‪ ،‬وهي واحدة‪ ،‬قال العلماء‪ :‬ال يعرف له‬
‫‪ ‬بغلة سواها وهي التي يقال لها‪ :‬دلدل‪.‬‬
‫ركض بغلته) أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع‪.‬‬ ‫(يَ ُ‬
‫(أصحاب السمرة) هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان‪ ،‬ومعناه‪ :‬ناد أهل بيعة‬
‫الرضوان يوم الحديبية‪.‬‬
‫(صيتا) أي قوي الصوت ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس رضي اهلل تعالى عنه‬
‫كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم‪ .‬قال‪ :‬وبين‬
‫سلع وبين الغابة ثمانية أميال‪.‬‬
‫(لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أوالدها) أي عودهم لمكانتهم‬
‫وإقبالهم إليه ‪ ‬عطفة البقر على أوالدها‪ ،‬أي كان فيها انجذاب مثل ما في‬
‫األمهات حين حنَّت على األوالد‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬قال العلماء‪ :‬في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا‪ ،‬وأنه‬
‫لم يحصل الفرار من جميعهم وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل‬
‫مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا‪ ،‬وإنما كانت هزيمتهم فجأة النصبابهم‬
‫عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام والختالط أهل مكة معهم ممن لم يستقر اإليمان‬
‫في قلبه وممن يتربص بالمسلمين الدوائر‪ ،‬وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة‪ ،‬فتقدم‬
‫أخفاؤهم‪ ،‬فلما رشقوهم بالنبل ولّوا فانقلبت أوالهم على أخراهم إلى أن أنزل اهلل‬
‫سكينته على المؤمنين كما ذكر اهلل تعالى في القرآن‪.‬‬

‫‪550‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫وفي أنساب األشراف‪ :‬و َكا َن ا ْل َعباس آخذا بلجام بغلة ر ُسول اهلل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫كمته‪ ،‬وأقبل يَ ْو َم ِئ ٍذ نفر من بَ ِني ليث من‬
‫بح َ‬ ‫‪ ‬يَ ْوم ُحنين‪ ،‬ويقال‪َ :‬‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬فدنا منه أح ُدهم فاحتضنه ا ْل َع َّباس‬ ‫كنانة يُرِي ُدو َن َر ُس َ‬
‫وأحدق بِه ِ موالي َر ُسول اهلل ِ‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّباس ألقرب الموالي منه‪ :‬اضرب‬
‫وال تت ِق مكاني وال تبل أيَّنا قتلت‪ ،‬فقتل المولى الليثي وجاء أَ ُخو‬
‫المقتول فرفع يده ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أيضا فاحتضنه ا ْل َع َّباس َوقَ َال‬
‫ك بستة ِم ْن ُهم‪ ،‬فدعا ل َ ُه النَّبِي ‪‬‬ ‫َك َما قَ َال ّأوال ف ُقتل‪َ ،‬ح َّتى فعل َذلِ َ‬
‫ّ‬
‫وقَ ّبل وجهه(‪.)1‬‬
‫ولعل هذا الموقف من مناقب العباس العظيمة التي رفعت أكثر من‬
‫وفر‬
‫شأنه‪ ،‬وأعلت من مكانته‪ ،‬فثبوته الصادق حين حمي الوطيس َّ‬
‫الناس يوم حنين كان من مظاهر االستبسال يومها‪.‬‬
‫لعم النبي ‪ ‬العباس‪ ،‬الذي‬ ‫لقد كان هذا موقفا مشهودا ِّ‬
‫وقف إلى جواره‪ ،‬بل بين قدميه بخطام بغلته يتحدى الموت والخطر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(وال َدعوة في األنصار) هي بفتح الدال يعني االستغاثة والمناداة إليهم‪.‬‬ ‫=‬
‫(هذا حين حمي الوطيس) قال األكثرون‪ :‬هو شبه تنور يسجر فيه ويضرب مثال لشدة‬
‫حره‪ ،‬وقد قال آخرون‪ :‬الوطيس هو التنور نفسه‪ ،‬وقال األصمعي‪:‬‬
‫حرها ّ‬
‫الحرب التي يشبه ّ‬
‫هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها‪ ،‬فيقال‪ :‬اآلن حمي الوطيس‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو الضرب في الحرب‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وهذه اللفظة من فصيح الكالم وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي ‪( .‬فما‬
‫زلت أرى ح ّدهم كليال) أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة‪( .‬راجع‪ :‬شرح محمد عبد الباقي‬
‫على صحيح مسلم‪ :‬حاشية ‪.)1223/2‬‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف‪ .2/2 :‬تاريخ دمشق‪.222/50 :‬‬

‫‪555‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ويقف كالجبل األشم وسط وابل السهام التي قلما تخطيء أحدا‪،‬‬
‫سهام قومٍ رماة مهرة تصل سهامهم إلى أغراضهم‪.‬‬
‫روى مسلم بسنده َع ْن أَبِي ِإ ْس َح َاق‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُجل لِ ْل َب َر ِاء‪ :‬يَا أَبَا‬
‫ول اهلل ِ ‪،‬‬ ‫ُع َم َار َة‪ ،‬أَفَ َر ْر ُت ْم يَ ْو َم ُحنَ ْي ٍن؟ قَ َال‪َ :‬ال َواهلل ِ‪َ ،‬ما َولَّى َر ُس ُ‬
‫َول َ ِكنَّ ُه َخ َر َج ُش َّبا ُن أَ ْص َحابِه ِ‪َ ،‬وأَ ِخفَّا ُؤ ُه ْم ُح َّسرا‪ ،‬ل َ ْي َس َعلَ ْيه ِْم ِس َالح ــ أَ ْو‬
‫َك ِث ُير ِس َال ٍح ــ‪ ،‬فَلَ ُقوا قَ ْوما ُر َماة َال يَ َك ُاد يَ ْس ُقطُ ل َ ُه ْم َس ْهم‪َ ،‬ج ْم َع َه َوا ِز َن‬
‫وه ْم َر ْشقا َما يَ َك ُادو َن يُ ْخ ِط ُئو َن‪ ،‬فَأَ ْق َبلُوا ُهنَا َك ِإلَى‬ ‫َوبَ ِني نَ ْص ٍر‪ ،‬فَ َر َش ُق ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬علَى بَ ْغلَ ِته ِ ا ْل َب ْي َض ِاء‪َ ،‬وأَبُو‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬و َر ُس ُ‬
‫ود بِه ِ‪ ،‬فَنَ َز َل فَ ْاس َت ْن َص َر‪َ ،‬وقَ َال‪> :‬أَنَا‬ ‫ُس ْفيا َن ْب ُن ا ْل َحار ِ‬
‫ِث ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب يَ ُق ُ‬ ‫َ‬
‫النَّب ُِّي َال َك ِذ ْب‪ ،‬أَنَا ْاب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ْب<‪ ،‬ثُ َّم َصف َُّه ْم ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وأمر النبي ‪ ‬للعباس يومها بأن يصرخ في الناس‪ ،‬هو‬ ‫ُ‬


‫وحسن توظيف لها‪.‬‬ ‫تجنيد لطاقاته ُ‬
‫فصرخ العباس بصوته الجهوري‪( :‬يا معشر األنصار‪ ،‬يا أصحاب‬
‫البيعة)‪...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب في غزوة حنين‪ ،‬ح (‪ .)1550‬ومن شرح‬
‫الغريب‪( :‬أخفاؤهم) جمع خفيف كطبيب وأطباء وهم المسارعون المستعجلون‪.‬‬
‫فسره بقوله‪ :‬ليس عليهم‬
‫وسجد‪ ،‬أي بغير دروع‪ ،‬وقد ّ‬‫َّ‬ ‫(حسرا) جمع حاسر كساجد‬
‫سالح‪ ،‬والحاسر من ال درع له وال مغفر‪( .‬ال يكاد يسقط لهم سهم) يعني أنهم رماة‬
‫مهرة تصل سهامهم إلى أغراضهم كما قال ما يكادون يخطئون‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫وكأنما كان صوته داعي القدر ونذيره‪ ..‬فما كاد يقرع أسماع‬
‫المرتاعين من هول المفاجأة‪ ،‬المشتتين في جنبات الوادي‪ ،‬حتى أجابوا‬
‫في صوت واحد‪ّ > :‬لبيك‪ّ ..‬لبيك<‪..‬‬
‫وانقلبوا راجعين كاإلعصار صوب النبي ‪ ‬والعباس‪ ،‬حتى‬
‫أن أحدهم ليحرن بعيره أو فرسه‪ ،‬فيقتحم عنها ويترجل‪ ،‬حامال درعه‬
‫وسيفه وقوسه‪ ،‬ميمما صوب صوت العباس‪ ..‬ودارت المعركة من جديد‬
‫ضارية‪ ،‬عاتية‪ ،‬وصاح رسول اهلل ‪> :‬اآلن حمي الوطيس<‪..‬‬
‫خيل اهلل‬
‫وحمي الوطيس حقا‪ ..‬وتدحرج قتلى هوزان وثقيف‪ ،‬وغلبت ُ‬
‫خيل الالت‪ ،‬وأنزل اهلل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين‪.)1(!!!..‬‬
‫َ‬

‫‪ ‬يوم الطائف‪( :‬شوال ‪8‬هـ) واإلقدام على املنايا‬


‫كما شهد العباس ‪ ‬فتح مكة وحنين‪ ،‬شهد كذلك فتح الطائف‪،‬‬
‫وأظهر فيه شجاعة وتضحية ال تخرج إال من شخص باع نفسه هلل(‪.)5‬‬
‫قال ابن عبد البر عن العباس‪ :‬ثم أظهر إسالمه يوم فتح مكة‪،‬‬
‫وشهد حنينا والطائف وتبوك(‪.)2‬‬
‫وكانت غزوة الطائف في شوال سنة ثمان(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬رجال حول الرسول ‪ ‬ص‪.252‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬الطبقات الكبرى‪ 13/2 :‬ــ تاريخ دمشق‪.523/50 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫االستيعاب‪.315/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫السيرة النبوية البن كثير‪ 025/2 :‬ــ تاريخ اإلسالم للذهبي‪.221/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪552‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫وفيها‪ :‬سار رسول اهلل يَ ْو َم ُحنَ ْي ٍن ِم ْن فَ ْو ِرهِ َذلِ َك ــ يَ ْع ِني ُم ْن َص َرفَ ُه ِم ْن‬
‫ُحنَ ْي ٍن ــ َح َّتى نَ َز َل ال َّطائِ َف‪ ،‬فَأَقَ َام نِ ْص َف شهر يقاتلهم رسول اهلل‬
‫َوأَ ْص َحابُ ُه‪َ ،‬وقَ َاتلَ ْت ُه ْم ثَ ِقيف ِم ْن َو َر ِاء ا ْل ِح ْص ِن‪ ،‬ل َ ْم يَ ْخ ُر ْج ِإل َ ْيه ِ ِفي َذلِ َك‬
‫ول اهلل‬ ‫اء ْت َر ُس َ‬ ‫س ُكلِّه ِْم‪َ ،‬و َج َ‬ ‫أَ َحد ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬وأَ ْسلَ َم َم ْن َح ْول َ ُه ْم ِم َن النَّا ِ‬
‫اص ْر ُه ْم ِإال نِ ْص َف َش ْه ٍر َح َّتى نَ َز َل‬ ‫وفودهم‪ ،‬ثم رجع النبي َول َ ْم يُ َح ِ‬
‫ول اهلل ِ ِم ْن ُحنَ ْي ٍن ِم ْن نِ َسائِه ِْم‬ ‫الس ْب ُي ال َّ ِذي َس َبى َر ُس ُ‬ ‫ا ْل ِج ْع َرانَ َة‪َ ،‬وبِ َها َّ‬
‫اب يَ ْو َم ِئ ٍذ ِم ْن َه َوا ِز َن َكانَ ْت‬
‫الس ْب َي ال َّ ِذي أَ َص َ‬ ‫َوأَ ْبنَائِه ِْم ــ َويَ ْز ُع ُمو َن أَ َّن َذلِ َك َّ‬
‫آالف ِم ْن نِ َسائِه ِْم َوأَ ْبنَائِه ِْم ــ فلما رجع النبي ِإلَى ا ْل ِج ْع َرانَةِ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِعد ُت ُه ِس َّت َة‬
‫اء ُه ْم ُكلَّ ُه ْم‪َ ،‬وأَ َه َّل‬ ‫ِ‬ ‫قَ ِد َم ْت َعلَ ْيه ِ ُوفُ ُ‬
‫ود َه َوا ِز َن ُم ْسلِ ِم َ‬
‫ين‪ ،‬فَأَ ْع َت َق أَ ْبنَ َ‬
‫اء ُه ْم َون َس َ‬
‫بِ ُع ْم َر ٍة ِم َن ا ْل ِج ْع َرانَةِ‪َ ،‬و َذلِ َك ِفي ِذي ا ْل َق ْع َد ِة(‪.)1‬‬
‫وشهد العباس هذه الغزوة وكان له فيها دور ُذ ِكر في بعض‬
‫الروايات‪.‬‬
‫فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد اهلل ــ ‪ ‬ــ قال‪ :‬لقد‬
‫يوم الطائف حنظلة بن الربيع إلى أهل‬ ‫رسول اهلل ‪َ ‬‬ ‫ُ‬ ‫بعث‬
‫رسول اهلل‬
‫ُ‬ ‫الطائف‪ ،‬فكلَّمهم‪ ،‬فاحتملوه ليدخلوه حصنهم‪ ،‬فقال‬
‫‪َ > :‬من لهؤالء وله مثل أجر غزاتنا هذه<‪ ،‬فلم يقم إال العباس بن‬
‫عبد المطلب حتى أدركه في أيديهم قد كادوا أن يدخلوه الحصن‪،‬‬
‫فاحتضنه العباس‪ ،‬وكان رجال شديدا‪ ،‬فاختطفه من أيديهم وأمطروا على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬تاريخ الطبري‪ .35/2 :‬سيرة ابن هشام‪ 253/5 :‬ــ الروض األنف‪520/5 :‬‬
‫ــ سير أعالم النبالء‪.122/5 :‬‬

‫‪532‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫العباس الحجارة من الحصن‪ ،‬فجعل النبي ‪ ‬يدعو له حتى انتهى‬


‫به إلى النبي ‪.)1(‬‬
‫إن هذا الموقف من العباس ‪ ‬لينطق بشجاعته واستبساله‪،‬‬
‫وتقديمه نفسه طائعا فداء لدينه‪ .‬وكأني بالعباس يحاول جاهدا ومستميتا‬
‫يحصل بعض األجر‪ ،‬ويكسب مزيدا من الفضل لعله يكون في‬ ‫أن َّ‬
‫يعوض به تأخيره إعالن إسالمه‪،‬‬
‫مصاف الشهداء فيغنم الخير كله‪ ،‬أو ِّ‬
‫أو يدرك به أجر من سبقه من األولين‪.‬‬

‫‪ ‬العباس يوم العسرة أو غزوة تبوك (رجب ‪9‬هـ)‬


‫(‪)5‬‬
‫وهذه الغزوة‬ ‫شهد العباس ‪ ‬غزوة العسرة أو غزوة تبوك‬
‫كانت كاشفة عما في القلوب مميزة للصفوف‪.‬‬
‫وكانت أحداث غزوة تبوك في رجب سنة تسع للهجرة‪ ،‬وسمي‬
‫ول‬ ‫جيشها بجيش العسرة؛ ألنها كانت زمن عسر ومشقة‪ .‬وأصلها أَ َّن َر ُس َ‬
‫الرومِ‪َ ،‬و َذلِ َك ِفي َز َما ٍن ِم ْن ُع ْس َر ِة‬ ‫اهلل ِ ‪ ‬أَ َم َر أَ ْص َحابَ ُه بِال َّت َه ُّي ِؤ لِ َغ ْز ِو ُّ‬
‫ين طَابَ ْت الثِّ َم ُار‪،‬‬ ‫س‪َ ،‬و ِش َّد ٍة ِم ْن ا ْل َح ِّر‪َ ،‬و َج ْد ٍب ِم ْن ا ْلب َِالدِ‪َ :‬و ِح َ‬ ‫النَّا ِ‬
‫وص َعلَى‬ ‫الش ُخ َ‬ ‫اس يُ ِح ُّبو َن ا ْل ُم َق َام ِفي ثِ َما ِر ِه ْم َو ِظ َاللِه ِْم‪َ ،‬ويَ ْك َر ُهو َن ُّ‬
‫َوالنَّ ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬قَلَّ َما يَ ْخ ُر ُج‬ ‫ا ْل َحا ِل ِم ْن ال َّز َما ِن ال َّ ِذي ُه ْم َعلَ ْيه ِ‪َ ،‬و َكا َن َر ُس ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ .222/50 :‬كنز العمال‪ ،222/12 :‬ح (‪.)22522‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪.315/5 :‬‬

‫‪531‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫ِفي َغ ْز َو ٍة َّإال َكنَّى َع ْن َها‪َ ،‬وأَ ْخ َب َر أَنَّ ُه يُرِي ُد َغ ْي َر ا ْل َو ْجه ِ ال َّ ِذي يَ ْص ُم ُد ل َ ُه(‪،)1‬‬
‫الش َّقةِ‪َ ،‬و ِش َّد ِة ال َّز َما ِن‪،‬‬
‫س‪ ،‬لِ ُب ْع ِد ُّ‬ ‫َّإال َما َكا َن ِم ْن َغ ْز َو ِة َت ُبو َك‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه بَ َّينَ َها لِلنَّا ِ‬
‫اس لِ َذلِ َك أُ ْه َب َت ُه‪ ،‬فَأَ َم َر النَّ َ‬
‫اس‬ ‫َو َك ْث َر ِة ا ْل َع ُد ِّو ال َّ ِذي يَ ْص ُم ُد ل َ ُه‪ ،‬لِ َي َتأَ َّه َب النَّ ُ‬
‫وم(‪.)5‬‬ ‫الر َ‬ ‫بِا ْل ِج َها ِز‪َ ،‬وأَ ْخ َب َر ُه ْم أَنَّ ُه يُرِي ُد ُّ‬
‫وكان العباس ممن شهد غزوة تبوك‪ ،‬وشارك فيها بنفسه وماله‪.‬‬
‫ففي تاريخ دمشق عن غزوة تبوك‪ :‬وحمل العباس بن عبد المطلب‬
‫إلى رسول اهلل ‪ ‬ماال(‪.)2‬‬
‫وفي اإلمتاع‪ :‬حمل العباس بن عبد المطلب ‪ ‬ماال يقال إنه‪:‬‬
‫تسعون ألفا(‪.)2‬‬
‫ولما سأل البكَّاؤون رسول اهلل أن يحملهم على شيء‪ ،‬وأَ ْعلَ َم ُه ْم‬
‫ب ‪‬‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُم ّطلِ ِ‬
‫أَ ّن ُه َال يَ ِج ُد َما يَ ْح ِملُ ُه ْم َعلَ ْيه ِ‪َ ،‬ح َم َل ا ْل َع ّب ُ‬
‫ِم ْن ُه ْم َر ُجلَ ْي ِن(‪.)2‬‬
‫وحملهما أي‪ :‬وفّ َر لهما الظهر والمتاع‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يصمد‪ :‬ي ْقصد‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سيرة ابن هشام‪ ،210/5 :‬وراجع‪ :‬صحيح البخاري‪ :‬ح (‪.)5223‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تاريخ دمشق‪ 22/5 :‬ــ مغازي الواقدي‪.221/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫إمتاع األسماع‪.23/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مغازي الواقدي‪.222/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪535‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫‪ ‬العباس وفتح بيت املقدس في خالفة الفاروق (‪61‬هـ)‪:‬‬


‫لم يقتصر جهاد العباس ‪ ‬على حياة النبي ‪ ،‬بل‬
‫تعداها إلى الخلفاء من بعده‪ ،‬فشارك العباس في فتح بيت المقدس في‬
‫خالفة عمر ‪.‬‬
‫حيث كان من الفتوحات الهامة التي حدثت في خالفة الفاروق‬
‫عمر ‪ ‬والتي شارك فيها العباس ‪ ‬بصحبة الفاروق فتح بيت‬
‫المقدس‪ ،‬وأصل ذلك أن المسلمين تحت قيادة أبي عبيدة حاصروا بيت‬
‫وضيقوا على أهلها‪ ،‬حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم‬‫َّ‬ ‫المقدس‬
‫عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪ .‬فأرسل أبو عبيدة إلى عمر يخبره‬
‫الخبر واستشار عمر الصحابة فأشار علي بن أبي طالب عليه بالمسير‬
‫ورأى عثمان بن عفان غير ذلك‪ ،‬فأخذ عمر برأي علي َّ‬
‫وواله على‬
‫المدينة‪ ،‬وسار إلى الشام وعلى مقدمته العباس بن عبد المطلب ثم صالح‬
‫النصارى‪ ،‬واشترط عليهم إجالء الروم إلى ثالث‪ ،‬ثم دخلها إذ دخل‬
‫المسجد من الباب الذي دخل منه رسول اهلل ‪ ‬ليلة اإلسراء(‪.)1‬‬
‫وما يخصنا هنا هو مشاركة العباس بن عبد اهلل المطلب ‪ ‬في‬
‫فتح بيت المقدس حيث كان على مقدمة الجيش الذي ذهب مع عمر‬
‫‪ ‬لعقد صلح بيت المقدس وفتحها‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن عساكر في تاريخه مصاحبة العباس بن عبد المطلب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬البداية والنهاية البن كثير‪ 22/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫للفاروق عمر في الخروج إلى الشام‪ ،‬وأورد ذلك في ترجمته للعباس‬


‫حيث قال‪:‬‬
‫العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‪ ..‬عم رسول اهلل‬
‫‪ ‬قيل‪ :‬إنه أسلم قبل الهجرة وكتم إسالمه إلى أن أسر ببدر‬
‫الشام مع عمر بن‬
‫َ‬ ‫فأظهر إسالمه‪ ،‬روى عن النبي ‪ ...‬وق ِدم‬
‫الخطاب(‪.)1‬‬
‫وزاد ابن عساكر في شأن مصاحبة العباس لعمر ومالزمته له في‬
‫تم له ما أراد حيث أخرج بإسناده إلى زيد بن‬‫خروجه إلى الشام إلى أن َّ‬
‫أسلم عن أبيه قال‪ :‬لما دنا عمر من الشام وأخذ طريق أيلة(‪ )5‬تن َّحى معه‬
‫غالمه‪ ،‬فلما أراد الركوب عمد إلى مركب غالمه وأن عليه لفرو‬
‫وحول غالمه على رحل نفسه وهو على جمل أحمر‪،‬‬ ‫ومقلوب‪ ،‬فركب َّ‬
‫وعمر يومئذ متزر بإزار ومرتد بعمامة على حقبيه تحته فرو‪ ،‬وأن العباس‬
‫لبين يديه على عتيق يتقذى به‪ ،‬وكان رجال جميال‪ ،‬فجعلت البطارقة‬
‫يسل ِّمون عليه‪ ،‬ويشير أني لست به وأنه ذاك‪ ،‬فيسلمون عليه ويرجعون‬
‫معه حتى انتهى إلى أيلة والجابية وتوافى إليه بها المسلمون وأهل الذمة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ونا سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم‬
‫قالوا‪ :‬وركب عمر من الجابية يريد األردن بعدما قضى ما أراد وقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ :‬ابن عساكر‪ 552/50 ،‬ــ ‪.552‬‬
‫(‪ )5‬أَ ْيلَة‪ :‬بالفتح‪ :‬مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام‪ ،‬وقيل‪ :‬هي آخر الحجاز‬
‫وأول الشام‪( .‬معجم البلدان‪ ،525/1 :‬أيلة)‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫هجرة العباس وجهاده ‪‬‬

‫توافى إليه الناس ووقف له المسلمون وأهل الذمة‪ ،‬فخرج عليهم على‬
‫س‪ ،‬فلما رآه أهل الكتاب سجدوا له فقال‪:‬‬‫حمار وأمامه العباس على فر ٍ‬
‫ال تسجدوا للبشر واسجدوا هلل‪ ،‬ومضى في مسيره‪ ،‬وقال القسيسون‬
‫قط أشبه بما يوصف من الحواريين من هذا‬ ‫والرهبان‪ :‬ما رأينا أحدا ّ‬
‫الرجل‪ ،‬ثم دخل األردن على بعيره(‪.)1‬‬
‫فما أورده ابن عساكر فيه خير داللة على مشاركة العباس في فتح‬
‫بيت المقدس في خالفة الفاروق‪ ،‬وحضوره كتابة الصلح بين المسلمين‬
‫ٍ‬
‫بنصيب وافر وجهد بالغ‬ ‫وأهلها‪ ،‬وهذا فتح عظيم أسهم فيه العباس‬
‫مشكور عند اهلل وعند الناس‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ مدينة دمشق‪ :‬ابن عساكر‪.552/ 50 ،‬‬

‫‪532‬‬
‫العباس ومنرب انليب ‘‬

‫‪‬‬ ‫العباس ومنرب النيب‬


‫وال زلنا مع المدينة المنورة نبحث عن بعض آثار ومعالم العباس‬
‫‪ ‬فيها‪ ،‬ولكن هذه المرة لن يكون حديثنا عن شخص العباس‬
‫‪ ،‬وإنما عن خادم له‪ ،‬رويت مشاركته في صنع منبر النبي‬
‫‪ ‬بأمر من العباس ‪.‬‬
‫ذكرت بعض المصادر أن من صنع للنبي ‪ ‬منبره بالمدينة‬
‫كان فتى للعباس بن عبد المطلب ‪.‬‬
‫فقد روى البالذري في األنساب‪ :‬حدثني عباس بن هشام عن أبيه‬
‫س ْب ِن‬ ‫عن َج ِّدهِ َع ْن أَبِي َصالِ ٍح َع ْن َجابِرِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ‪ ،‬أَ َّن ُغالما لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب يُ َق ُال ل َ ُه‪ِ :‬كالب قَ ِد َم َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ا ْل َم ِدينَ َة‬
‫ول اهلل ‪ ‬قَ ْد َش َكا‬ ‫اس‪َ ،‬و َكا َن َر ُس ُ‬ ‫بِأَ ْل َط ٍ‬
‫اف بَ َع َث بِ َها ِإل َ ْيه ِ َع ُّم ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ا ْل ِق َي َام َعلَى ر ِْجلَ ْيه ِ‪َ ،‬و َكا َن ِكالب نَ َّجارا ُم ِجيدا‪ ،‬فَأَ َم َر ُه فَ َع ِم َل ل َ ُه ِم ْن َب َر ُه ِم ْن‬
‫أَ ْث ِل ا ْل َغابَةِ َد َر َج َت ْي ِن َو ِم ْق َعدا‪َ ،‬و َذلِ َك قَ ْب َل فَ ْت ِح َم َّك َة(‪.)1‬‬
‫صح فإن فيه داللة على حسن صلة العباس بالنبي‬
‫والخبر إن ّ‬
‫‪ ،‬وعلى أنه كانت بينهما مراسالت‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف‪.12/2 :‬‬

‫‪530‬‬
‫العباس ومنرب انليب ‘‬

‫غير أنه روي أن العباس كان في المدينة وقتها‪ ،‬وشاوره النبي‬


‫‪ ‬في شأن المنبر‪ ،‬وهو من أمر غالمه بذلك‪.‬‬
‫يث أَبِي ُه َر ْي َر َة أَ َّن النَّب َِّي‬ ‫ات ِم ْن َح ِد ِ‬ ‫روى ابن َس ْع ٍد ِفي ال َّطب َق ِ‬
‫َ‬
‫‪َ ‬كا َن يَ ْخطُ ُب َو ُه َو ُم ْس َت ِند ِإلَى ِجذْ ٍع فَ َق َال‪ِ :‬إ َّن ا ْل ِق َي َام قَ ْد َش َّق‬
‫ِي‪ :‬أَ َال أَ ْع َم ُل ل َ َك ِم ْن َبرا َك َما َرأَ ْي ُت يُ ْصنَ ُع‬ ‫َعلَ َّي‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه َت ِميم ال َّدار ُّ‬
‫ين ِفي َذلِ َك فَ َرأَ ْوا أَ ْن يَ َّت ِخ َذ ُه‪ ،‬فَ َق َال‬‫الشامِ؟ فَ َش َاو َر النَّب ُِّي ‪ ‬ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬ ‫بِ َّ‬
‫اس‪،‬‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ِ :‬إ َّن لِي ُغ َالما يُ َق ُال ل َ ُه‪ِ :‬ك َالب أَ ْع َم َل النَّ َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫يث(‪.)1‬‬ ‫فَ َق َال‪ُ :‬م ْر ُه أَ ْن يَ ْع َم َل ا ْل َح ِد ُ‬
‫فالرواية تذكر صنع المنبر حال وجود العباس في المدينة‪ ،‬ولعل‬
‫ذلك كان بعد الفتح‪ ،‬يقول ابن حجر‪َ :‬وجزم ابن َس ْع ٍد بِأَ َّن َذلِ َك َكا َن ِفي‬
‫س‬‫وم ا ْل َع َّبا ِ‬‫س َو َت ِمي ٍم ِفيه ِ‪َ ،‬و َكا َن قُ ُد ُ‬ ‫السابِ َعةِ‪َ ،‬و ِفيه ِ نَ َظر؛ لِ ِذ ْكرِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫السنَةِ َّ‬ ‫َّ‬
‫آخ ِر َسنَةِ ثَ َمان ‪ ،‬وقدوم َت ِميم سنة تسع‪َ .‬وجزم ابن‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ب ْع َد ا ْل َف ْت ِح ِفي ِ‬
‫َ‬
‫يث‬‫النَّ َّجا ِر بِأَ َّن َع َملَ ُه َكا َن َسنَ َة ثَ َما ٍن‪َ ،‬و ِفيه ِ نَ َظر أَ ْيضا؛ لِ َما َو َر َد ِفي َح ِد ِ‬
‫يح ْي ِن َع ْن َعائِ َش َة قَال َ ْت‪ :‬فَ َث َار ا ْل َح َّيا ِن ْاألَ ْو ُس َوا ْل َخ ْز َر ُج‬ ‫الص ِح َ‬ ‫ك ِفي َّ‬ ‫اإل ْف ِ‬ ‫ِْ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬علَى ا ْل ِم ْن َبرِ فَنَ َز َل فَ َخف ََّض ُه ْم‬ ‫َح َّتى َك ُادوا أَ ْن يَ ْق َت ِتلُوا َو َر ُس ُ‬
‫َح َّتى َس َك ُتوا(‪ .)2‬فَ ِإ ْن ُح ِم َل َعلَى ال َّت َج ُّو ِز ِفي ِذ ْك ِر ا ْل ِم ْن َبرِ َو ِإ َّال فَ ُه َو أَ َص ُّح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقال ابن حجر معلقا عليه‪ :‬ر َِجال ُ ُه ثِ َقات ِإ َّال ا ْل َواقِ ِد ّي‪( .‬فتح الباري‪.)223/5 :‬‬
‫س بَ ْع َد ا ْل َف ْت ِح< أي استقراره في المدينة ال‬
‫وم ا ْل َع َّبا ِ‬
‫(‪ )5‬يقصد ابن حجر بقوله‪َ > :‬و َكا َن قُ ُد ُ‬
‫هجرته‪ ،‬السيما وقد َّمر معنا قوله‪ :‬والصحيح أنه هاجر عام الفتح في أول السنة وقدم‬
‫مع النبي ‪ ‬فشهد الفتح‪ ،‬واهلل أعلم‪( .‬فتح الباري ‪.)552/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)5001‬‬

‫‪535‬‬
‫العباس ومنرب انليب ‘‬

‫ِم َّما َم َضى(‪.)1‬‬


‫وقد اُختلف كثيرا حول اسم صانع منبر النبي ‪ ،‬وأورد‬
‫ابن حجر في الفتح االختالف في تحديد اسم صانع منبر النبي‬
‫‪ ،‬واألقوال الواردة في ذلك ومنها‪:‬‬
‫يم‪ ،‬وقيل‪ :‬بَاقُول‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫ميمون‪ ،‬وقيل‪ِ :‬إ ْب َرا ِه ُ‬ ‫أن صانع المنبر هو‪ُ :‬‬
‫ِيص ُة ا ْل َم ْخ ُزو ِم ُّي‪ ،‬وقيل‪ِ :‬ك َالب َم ْول َى‬ ‫ِيص ُة أَ ْو قَب َ‬ ‫ُص َباح‪ ،‬وقيل‪ :‬قَب َ‬
‫اء‪ ،‬مولى العباس كما ورد في‬ ‫ِ‬ ‫س‪ ،‬وقيل‪َ :‬ت ِميم ال َّدار ُّ‬
‫ِي‪ ،‬وقيل‪ :‬مينَ ُ‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اإلصابة(‪ ،)5‬وقيل‪ُ :‬غ َالم ِال ْم َرأَ ٍة ِم َن ْاألَ ْن َصا ِر ِم ْن بَ ِني َسلِ َم َة أَ ْو ِم ْن بَ ِني‬
‫َسا ِع َد َة أَ ِو ْام َرأَ ٍة لِ َر ُج ٍل ِم ْن ُه ْم‪ ،‬كما ورد في الفتح‪..‬‬
‫اب قَ ْو ُل َم ْن قَ َال‪ُ :‬ه َو‬ ‫الص َو ِ‬‫وقال ابن حجر‪َ :‬وأَ ْش َب ُه ْاألَ ْق َوا ِل بِ َّ‬
‫اإل ْسنَادِ ِم ْن َطرِي ِق َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد أَ ْيضا(‪َ ،)2‬وأَ َّما ْاألَ ْق َو ُال‬ ‫َم ْي ُمون؛ لِ َك ْو ِن ْ ِ‬
‫ْاألُ ْخ َرى فَ َال ْاع ِت َد َاد بِ َها لِ َو َهائِ َها َويَ ْب ُع ُد ِج ًّدا أَ ْن يُ ْج َم َع بَ ْي َنها بِأَ َّن النَّ َّج َار‬
‫اح ِت َم ُال َك ْو ِن ا ْل َج ِمي ِع ْاش َت َر ُكوا ِفي َع َملِه ِ‬ ‫َكانَ ْت ل َ ُه أَ ْس َماء ُم َت َع ِّد َدة‪َ ،‬وأَ َّما ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.222/5 :‬‬
‫(‪ )5‬اإلصابة‪.121/1 :‬‬
‫(‪ )2‬يقصد بذلك حديث سهل بن سعد كما أورده الروياني في مسنده‪ ،‬ح (‪ :)1222‬كا َن‬
‫ات أَ ْث ٍل َكانَ ْت ِفي ا ْل َم ْس ِج ِد فَلَ َّما فَ َر َع‬ ‫وم ِإ َذا َخطَ َب ِإلَى َخ َشبةٍ َذ ِ‬
‫َ‬ ‫َر ُسولُ اهلل ِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫س َعلَ ْيهِ‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ْم‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬ل َ ْو ُك ْن َت َج َعل َ‬
‫ْت ِم ْن َبرا ُت ْشر ُِف لِلنَّا ِ‬ ‫اس َو َكثُ ُروا قِ َيل ل َ ُه‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫النَّ ُ‬
‫احد يُ َقالُ ل َ ُه‪َ :‬م ْي ُمون‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫قَ ْد َكثُروا‪ ،‬قَ َال‪> :‬ما أُبالِي<‪ .‬قَ َال‪َ :‬و َكا َن بِا ْل َم ِدينَة ِ نَ َّجار َو ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فَ َب َع َث النَّ َّج ُار ِإل َ َّي فَا ْنطَلَ َق َوا ْنطَلَ ْق ُت َم َع ُه َح َّتى أ َت ْينَا ا ْل َخاف َق ْي َن ف َ َقطَ ْعنَا م ْن ُه أ ْثال فَ َعملَ ُه‪..‬‬
‫الحديث‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫العباس ومنرب انليب ‘‬

‫ِ‬
‫السابِ َقةِ ل َ ْم يَ ُك ْن بِا ْل َم ِدينَةِ ِإ َّال نَ َّجار‬ ‫فَ َي ْمنَ ُع ِم ْن ُه قَ ْو ُله في َك ِثي ٍر ِم َن ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬
‫ات َّ‬
‫اح ِد ا ْل َما ِه ُر ِفي ِصنَ َ‬
‫اع ِته ِ‬ ‫احد‪ِ ،‬إ َّال ِإ ْن َكا َن ي ْح َم ُل َعلَى أَ َّن ا ْل ُمر َاد بِا ْلو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َو ِ‬
‫َوا ْل َب ِق َّي ُة أَ ْع َوانُ ُه فَ ُي ْم ِك ُن‪َ ،‬واهللُ أَ ْعلَ ُم(‪.)1‬‬
‫ومما سبق فلم يجزم ابن حجر بأن ميمون هو من صنع منبر النبي‬
‫‪ ،‬وكذا لم يستبعد اشتراك جميع من ذكروا أو بعضهم في صنع‬
‫محل شاهدنا‪.‬‬
‫المنبر‪ ،‬ومن بينهم مولى العباس‪ ،‬وهذا ُّ‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع (فتح الباري‪ 222 ،223/5 :‬ــ عمدة القاري‪.)122/2 :‬‬

‫‪532‬‬
‫ميمونة والزواج امليمون‬

‫ميمونة والزواج امليمون‬


‫(العباس يزوِّج النيب ‪ ‬ميمونة بنت احلارث ‪)‬‬

‫في هذا الجزء من البحث سنكشف عن َمعلم من معالم عالقة‬


‫العباس بالنبي ‪ ،‬ونقصد بها تزويج العباس النبي ‪ ‬من‬
‫ميمونة بنت الحارث‪.‬‬
‫وميمونة بنت الحارث هي زوج النبي ‪ ‬وأم المؤمنين‪،‬‬
‫وأخت أم الفضل زوج العباس‪ ،‬كانت قبل النبي ‪ ‬عند أَبي ُر ْهمِ‬
‫ا ْبن َع ْب ِد ا ْل ُع َّزى ومات عنها‪َ ،‬و َكانَ ْت قَ ْب َل أَبِي ُر ْه ٍم َت ْح َت َم ْس ُعودِ ْب ِن‬
‫ع ْمرٍو ال َّث َق ِفي‪ ،‬وتنقل المصادر دور العباس في تزويج النبي ‪‬‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫لها‪ ،‬حيث أشار عليه بالزواج منها لما مات أَبُو ُر ْه ٍم‪ ،‬ولما أجاب النبي‬
‫‪ ‬مطلبه ز َّوجه العباس منها حيث جعلت ميمونة أمرها إلى‬
‫العباس فتولى بنفسه أمر تزويجها‪ .‬وتزوجها النبي ‪ ‬وكانت آخر‬
‫من تزوج‪.‬‬
‫الزواج من‬ ‫‪‬‬ ‫ومما روي في عرض العباس على النبي‬
‫ميمونة‪:‬‬
‫اب ْب ِن أَبِي َم ْع َش ٍر َع ْن ُش َر ْحبِي ِل ْب ِن َس ْع ٍد قَ َال‪:‬‬
‫َر َوى ُسنَ ْي ُد ْب ُن ا ْل ُح َب ِ‬
‫‪522‬‬
‫ميمونة والزواج امليمون‬

‫ين ْاع َت َم َر‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِا ْل ُج ْح َفةِ ِح َ‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َر ُس َ‬ ‫>ل َ ِق َي ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ َتأَيَّ َم ْت َم ْي ُمونَ ُة بِ ْن ُت‬ ‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ُع ْم َر َة ا ْل َق ِض َّيةِ‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ِث ْب ِن َح ْر ِب ْب ِن أَبِي ُر ْهمِ ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُع َّزى‪ ،‬فَ َه ْل ل َ َك ِفي أَ ْن‬ ‫ا ْل َحار ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬و ُه َو ُم ْحرِم‪ ،‬فَلَ َّما أَ ْن قَ ِد َم َم َّك َة‬ ‫َت َز َّو َج َها‪ ،‬فَ َت َز َّو َج َها َر ُس ُ‬
‫اء ُه ُس َه ْي ُل ْب ُن َع ْمرٍو ِفي نَ َف ٍر ِم ْن أَ ْص َحابِه ِ ِم ْن أَ ْه ِل َم َّك َة‪،‬‬ ‫أَقَ َام ثَ َالثا فَ َج َ‬
‫آخ ُر َش ْر ِط َك‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬د ُعونِي أَ ْب َت ِني‬ ‫فَ َق َال‪ :‬يا م َح َّم ُد ْاخر ْج َعنَّا‪ ،‬ا ْليو َم ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫اج َة لَنَا بِ َك َو َال بِطَ َعا ِم َك‪ْ ،‬اخ ُر ْج‬ ‫بِ ْام َرأَتِي َوأَ ْصنَ ُع ل َ ُك ْم ط ََعاما‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ال َح َ‬
‫ض أُ ِّم َك ُدونَ ُه‪َ ،‬ال‬ ‫اض بَ ْظ ِر أُ ِّمه ِ أَ ْر ُض َك َوأَ ْر ُ‬
‫َعنَّا‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه َس ْعد‪ :‬يَا َع َّ‬
‫ول اهلل ِ ‪:‬‬ ‫اء‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬ ‫ول اهلل ‪ِ ‬إ َّال أَ ْن يَ َش َ‬
‫ي ْخر ُج ر ُس ُ ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫َد ْع ُه ْم فَ ِإنَّ ُه ْم َز ُارونَا َال نُ ْؤ ِذيه ِْم‪ ،‬فَ َخ َر َج فَ َبنَى بِ َها بِ َسر َِف< ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫من‬‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َ‬ ‫وكان ذلك في عمرة القضاء حين َخ َر َج َر ُس ُ‬


‫ا ْل َعامِ ا ْل ُم ْق ِب ِل ِم ْن َعامِ ا ْل ُح َد ْيب َِيةِ ُم ْع َت ِمرا ِفي ِذي ا ْل َق ْع َد ِة َسنَ َة َس ْب ٍع‪َ ،‬و ُه َو‬
‫الش ْه ُر ال َّ ِذي َص َّد ُه ِفيه ِ ا ْل ُم ْش ِر ُكو َن َع ِن ا ْل َم ْس ِج ِد ا ْل َح َرامِ‪َ ،‬ح َّتى ِإ َذا بَلَ َغ‬ ‫َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫اح‪،‬‬ ‫يَ ْأ َجج‪َ ،‬و َض َع ْاألَ َدا َة ُكلَّ َها ا ْل َح َج َف َوا ْل ِم َجا َّن ‪َ ،‬والنَّ ْب َل‪َ ،‬و ِّ‬
‫الر َم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪ 1215/2 :‬ــ شرح عمدة الفقه‪ :‬ابن تيمية‪.521/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬يَ ْأ َج ُج‪ :‬بفتح ّأوله‪ ،‬وإسكان ثانيه‪ ،‬بعده جيمان‪ ،‬األولى مفتوحة‪ ،‬وقد تكسر‪ .‬واد‬
‫ينصب من مطلع الشمس إلى مكة‪ ،‬قريب منها‪ .‬وقال ياقوت‪ :‬علم مرتجل السم‬ ‫ّ‬
‫مكان من مكة على ثمانية أميال‪( .‬معجم البلدان‪ 252/2 :‬ــ معجم ما استعجم‪:‬‬
‫وس ِمن ُجلُو ٍد َخ َّ‬
‫اصة‪َ ،‬وقيل‪ِ :‬من ُجلُودِ ا ِإلبِ ِل ُم َق َّو َرة‪ ،‬بِالَ‬ ‫‪ .)1232/2‬والحجف‪ :‬ال ُّت ُر ُ‬
‫َخ َش ٍب‪ ،‬والَ َع َق ٍب‪( .‬تاج العروس‪ /‬حجف)‪ .‬والمجان‪ :‬واحدتها ِم َجن بِ َك ْسرِ ا ْل ِميمِ‬
‫س ِألَ َّن َص ِ‬
‫اح َب ُه يَ َت َس َّت ُر بِهِ‪( .‬المصباح المنير‪ /‬جنن)‪.‬‬ ‫وهي تقال لِل ُّت ْر ِ‬
‫‪521‬‬
‫ميمونة والزواج امليمون‬

‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َج ْع َف َر‬ ‫ف‪َ ،‬وبَ َع َث َر ُس ُ‬ ‫السيو ِ‬


‫الراك ِب ُّ ُ‬
‫َو َد َخلُوا بِ ِس َال ِح َّ ِ‬
‫ا ْب َن أَبِي طَالِ ٍب بَ ْي َن يَ َد ْيه ِ ِإلَى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية‪،‬‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َكانَ ْت أُ ْخ ُت َها‬
‫فَ َخ َط َب َها ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَ َج َعلَ ْت أَ ْم َر َها ِإلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ول اهلل ِ ــ ‪.)1(‬‬ ‫أم الفضل َت ْح َت ُه‪ ،‬فَ َز َّو َج َها العباس َر ُس َ‬
‫ويتضح من هذا أن العباس هو من تولى تزويج ميمونة للنبي‬
‫‪ ،‬حيث جعلت أمرها إليه؛ فهو زوج أختها أم الفضل‪.‬‬
‫يقول الذهبي‪ :‬وكانت قبل النبي ‪ ‬عند أَبِي ُر ْهم بن‬
‫َع ْبد ا ْل ُع َّزى العامري‪ ،‬فتأيَّ َمت ِم ْن ُه‪ ،‬فخطبها َر ُسول اهلل ِ ‪،‬‬
‫فجعلت أمرها ِإلَى العباس‪ ،‬فز َّوجها ِم ْن ُه‪ ،‬وبنى بها بسرف بطريق مكة‪،‬‬
‫لما رجع من عمرة القضاء(‪.)5‬‬
‫ِي‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س‪ :‬أَنَّ َها َج َعلَ ْت‬ ‫وفي السير‪َ :‬و ُرو َ‬
‫أَ ْم َر َها ل َ َّما َخطَ َب َها النَّب ُِّي ـ ‪ ‬ـ إلى العباس فزوجها(‪.)2‬‬
‫َو َر َوى ْاب ُن ِإ ْس َح َاق قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني أَبَا ُن ْب ُن َصالِ ٍح َو َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن أَبِي‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ت َز َّو َج‬ ‫س‪> :‬أَ َّن َر ُس َ‬ ‫نَ ِجي ٍح َع ْن ُم َجا ِه ٍد َو َع َط ٍاء َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ِث ِفي ُس ْف َرتِه ِ ِفي َه ِذهِ ا ْل ُع ْم َر ِة َو َكا َن ال َّ ِذي َز َّو َج ُه‬ ‫مي ُمونَ َة بِ ْن َت ا ْل َحار ِ‬
‫َْ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬ثَ َالثا فَأَ َت ُاه ُح َو ْي ِط ُب‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَأَقَ َام َر ُس ُ‬‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد‪.255/2 :‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ اإلسالم للذهبي‪.213/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪.232/2 :‬‬
‫‪525‬‬
‫ميمونة والزواج امليمون‬

‫ش‪َ ،‬و َكانَ ْت‬ ‫س ْب ِن َع ْب ُدو ٍد ِفي نَ َف ٍر ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬ ‫ا ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُع َّزى ْب ِن أَبِي قَ ْي ِ‬


‫قُ َر ْيش قَ ْد َو َّكلَ ْت ُه بِ ِإ ْخ َرا ِج َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬م ْن َم َّك َة‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬قَ ِد ا ْن َق َضى‬
‫اخ ُر ْج َعنَّا‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه ْم‪ :‬ل َ ْو َت َر ْك ُت ُمونِي فَ َع َر ْس ُت بَ ْي َن أَظ ُْهرِ ُك ْم‬ ‫أَ َجلُ َك فَ ْ‬
‫اخ ُر ْج َعنَّا‪،‬‬ ‫اج َة لَنَا بِطَ َعا ِم َك فَ ْ‬
‫وه؟ فَ َقالُوا‪َ :‬ال َح َ‬ ‫َو َصنَ ْعنَا ط ََعاما فَ َح َض ْر ُت ُم ُ‬
‫فَ َخ َر َج َو َخلَّ َف أَبَا َر ِاف ٍع َم ْو َال ُه َعلَى َم ْي ُمونَ َة َح َّتى أَ َت ُاه بِ َها بِ َسر َِف‪ ،‬فَ َبنَى‬
‫ول اهلل ِ ‪ُ ‬هنَالِ َك<(‪.)1‬‬ ‫َعلَ ْي َها َر ُس ُ‬
‫واختلف العلماء‪َ :‬ه ْل َت َز َّو َج َها ‪َ ‬و ُه َو ُم ْحرِم أَ ْو َو ُه َو َحالل‪،‬‬
‫ل اهلل ِ ‪‬‬ ‫الس َيرِ ِفي َحا ِل َر ُسو ِ‬
‫اء َوأَ ْه ُل ِّ‬
‫قال أَبُو ُع َم َر‪ْ :‬اخ َتلَ َف ا ْل ُف َق َه ُ‬
‫َ‬
‫ِإ ْذ َع َق َد نِ َك َ‬
‫اح ُه َم َع َم ْي ُمونَ َة(‪.)5‬‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫وفي طرح التثريب عن زواج النبي بميمونة‪ :‬بَ َع َث إل َ ْي َها َر ُس ُ‬
‫ـ ‪ ‬ـ َج ْع َف َر ْب َن أَبِي طَالِ ٍب فَ َخ َط َب َها َو َت َز َّو َج َها ِفي َسنَةِ َس ْب ٍع ِفي‬
‫ف‪َ .‬وقِ َيل‪ :‬بَ َع َث أَبَا َر ِاف ٍع قِ َيل َوأَ ْو َس ْب َن‬ ‫ُع ْمر ِة ا ْل َق ِض َّيةِ‪َ ،‬وبنَى بِ َها بِسر ٍ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين َت َز َّو َج َها فَ َي ُكو َن ِم ْن‬ ‫َخ ْولِي َوا ْل ِخ َال ُف َم ْع ُروف َه ْل َكا َن ُم ْحرِما ِح َ‬
‫اإل ْح َرامِ‪،‬‬ ‫اج ُح أَنَّ ُه َت َز َّو َج َها ِفي َش َّوا ٍل قَ ْب َل ْ ِ‬ ‫َخ َصائِ ِصه ِ‪ ،‬أَ ْو َكا َن َح َالال؟ َو َّ‬
‫الر ِ‬
‫اس‬ ‫اها ا ْل َع َّب ُ‬‫ثُ َّم بَنَى بِ َها بَ ْع َد ا ْل َف َرا ِغ ِم ْن ُع ْم َرتِه ِ ِفي ِذي ا ْل ِح َّجةِ‪َ ،‬و َز َّو َج ُه إيَّ َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في الدالئل‪ :‬ح (‪ )3201‬والطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪)11221‬‬
‫والطبري في التاريخ‪ .152/11 :‬وانظر‪ :‬شرح العمدة‪.525/2 :‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪.1213/2 :‬‬
‫‪522‬‬
‫ميمونة والزواج امليمون‬

‫ِي إنَّ َها ال َّ ِتي َو َه َب ْت نَ ْف َس َها لِلنَّب ِِّي ــ ‪.)1(‬‬


‫َوقَ َال ال ُّز ْهر ُّ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ت َز َّو َج َم ْي ُمونَ َة‬ ‫وقَ َال ْاب ُن َع ْب ِد ا ْل َب ِّر‪َ :‬و ِّ‬
‫الر َوايَ ُة أَ َّن َر ُس َ‬
‫ِ‬
‫ع مولَى النَّبِي ‪‬‬
‫ِّ‬ ‫َو ُه َو َح َال ٌل ُم َت َواتِ َرة ٌ َع ْن َم ْي ُمونَ َة بِ َع ْي ِن َها َو َع ْن أَبِي َراف ٍ َ ْ‬
‫َو َع ْن ُسلَ ْي َما َن ْب ِن يَ َسا ٍر َم ْو َال َها َو َع ْن يَزِي َد ْب ِن ْاألَ َص ِّم َو ُه َو ْاب ُن أُ ْخ ِت َها َو ُه َو‬
‫الر ْح َم ِن‬ ‫قَ ْو ُل َس ِعي ِد ْب ِن ا ْل ُم َس َّي ِب َو ُسلَ ْي َما َن ْب ِن يَ َسا ٍر َوأَبِي بَ ْكرِ ْب ِن َع ْب ِد َّ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬ل َ ْم يَ ْن ِك ْح‬ ‫اب َو ُج ْم ُهو ِر ُعلَ َم ِاء ا ْل َم ِدينَةِ أَ َّن َر ُس َ‬ ‫َو ْاب ِن ِش َه ٍ‬
‫الص َحابَةِ َر َوى أَ َّن‬ ‫َم ْي ُمونَ َة ِإ َّال َو ُه َو َح َالل قَ ْب َل أَ ْن يُ ْحر َِم َو َما أَ ْعلَ ُم أَ َحدا ِم َن َّ‬
‫س(‪.)5‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬نَ َك َح َم ْي ُمونَ َة َو ُه َو ُم ْحرِم ِإ َّال َع ْب َد اهلل ِ ْب َن َع َّبا ٍ‬ ‫َر ُس َ‬
‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬طرح التثريب للحافظ العراقي‪.121/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬التمهيد‪ 125/2 :‬ــ ‪.122‬‬
‫‪522‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫‪‬‬ ‫العباس ومرض النيب‬


‫مرض النبي ‪ ‬قبيل وفاته مرضا شديدا‪ ،‬واشتد وجعه‪،‬‬
‫الر ُج َال ِن ِم ْن ُك ْم(‪.)1‬‬
‫وع ُك َّ‬ ‫حتى أنه قال‪ِ :‬إنِّي أُ َ‬
‫وع ُك َك َما يُ َ‬
‫ت َم ْي ُمونَ َة على ا ْل ُم ْع َت َم ُد‪ ،‬ودام مرضه‬ ‫وكان ابتداء مرضه ِفي بَ ْي ِ‬
‫ثالثة عشر يوما على قول أكثر أهل العلم‪َ ،‬و َكانَ ْت َوفَا ُت ُه يَ ْو َم ِاال ْثنَ ْي ِن في‬
‫الثاني عشر ِم ْن َربِي ٍع ْاألَ َّو ِل على قول الجمهور(‪.)5‬‬
‫ولم يكن العباس بعيدا عن النبي ‪ ‬حال مرضه‪ ،‬فكما كان‬
‫قريبا منه في صحته كان أيضا كثير المالزمة له في مرضه‪ ،‬يتفقَّده‬
‫ويساعده أحيانا في النهوض والقيام‪ ،‬وكأنه يقول للنبي ‪ ‬بلسان‬
‫الحال قبل القال‪ :‬نحن أهلك وأولى الناس بك نأسى لمصابك ونكن‬
‫طوع أمرك ورهن إشارتك‪.‬‬
‫روى البخاري بسنده َع ِن َعائِ َش َة َز ْو َج النَّب ِِّي ‪ ،‬قَال َ ْت‪ :‬ل َ َّما‬
‫ض ِفي‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬و ْاش َت َّد بِه ِ َو َج ُع ُه‪ْ ،‬اس َت ْأ َذ َن أَ ْز َو َ‬
‫اج ُه أَ ْن يُ َم َّر َ‬ ‫ثَ ُق َل َر ُس ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسند أبي داود‪ :‬ح (‪ )203‬وابن أبي شيبة في مسنده‪ :‬ح (‪ )502‬والطحاوي في‬
‫مشكل اآلثار‪ :‬ح (‪.)5522‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬فتح الباري‪.152/3 :‬‬
‫‪522‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫ض‪ ،‬بَ ْي َن‬ ‫الر ُجلَ ْي ِن َت ُخ ُّط ر ِْجالَ ُه ِفي األَ ْر ِ‬‫بَ ْي ِتي‪ ،‬فَأَ ِذ َّن ل َ ُه‪ ،‬فَ َخ َر َج َو ُه َو بَ ْي َن َّ‬
‫آخر‪ ،‬قَ َال ُعبي ُد اهلل ِ فَأَ ْخبر ُت َعب َد اهلل ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫المطَّلِ ِب َوبَ ْي َن َر ُج ٍل َ َ‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ُ‬ ‫َع َّبا ِ‬
‫الر ُج ُل‬‫س‪َ > :‬ه ْل َت ْدرِي َم ِن َّ‬ ‫بِال َّ ِذي قَال َ ْت َعائِ َش ُة‪ :‬فَ َق َال لِي َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن َع َّبا ٍ‬
‫س‪ُ > :‬ه َو َعلِ ُّي‬ ‫اآلخ ُر ال َّ ِذي ل َ ْم ُت َس ِّم َعائِ َش ُة؟< قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪ :‬الَ‪ ،‬قَ َال ْاب ُن َع َّبا ٍ‬ ‫َ‬
‫ا ْب ُن أَبِي طَالِ ٍب<(‪.)1‬‬
‫وروى البخاري أيضا في مرض النبي ‪ ‬بسنده َع ْن‬
‫ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ُع ْت َب َة‪ ،‬قَ َال‪َ :‬د َخ ْل ُت َعلَى َعائِ َش َة فَ ُق ْل ُت‪ :‬أَالَ‬
‫ض َر ُسو ِل اهلل ِ ‪‬؟ قَال َ ْت‪ :‬بَلَى‪..‬‬ ‫ُت َح ِّدثِي ِني َع ْن َم َر ِ‬
‫وفيه‪ :‬ثُ َّم ِإ َّن النَّ ِب َّي ‪َ ‬و َج َد ِم ْن نَ ْف ِسه ِ ِخفَّة‪ ،‬فَ َخ َر َج بَ ْي َن‬
‫اس لِ َصالَ ِة ال ُّظ ْه ِر(‪.)5‬‬ ‫َر ُجلَ ْي ِن أَ َح ُد ُه َما َ‬
‫الع َّب ُ‬
‫وشاهدنا هنا مالزمة العباس للنبي ‪ ‬في مرضه وقُربه منه‬
‫لدرجة أن النبي ‪ ‬كان يستند عليه مع علي للخروج إلى الصالة‪.‬‬
‫هذا وقد ثبت أيضا تهادي النبي ‪ ‬بين رجلين العباس ليس‬
‫أحدهما‪.‬‬
‫يقول ابن حجر‪َ :‬ك َما ثَبت قبل َح ِديث ْاألسود َعن َعائِ َشة ِفي َص َالة‬
‫ض النَّب ِِّي ‪ ‬فَخرج يهادي بَين رجلَ ْي ِن‬ ‫س ِفي َم َر ِ‬‫أبي بكر بِالنَّا ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2225‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)035‬‬
‫‪520‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫تخط ر ِْج َال ُه األَرض هما ا ْل َعباس وعلي َكما تقدم ِفي َح ِديث ُعبي ِد اهلل ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لي َوا ْلفضل‬ ‫ا ْب ِن َع ْبد اهلل ْب ِن ُع ْت َب َة َع ْن َها‪َ ،‬وفي ر َِوايَة ُلمسلم أَنه خرج بَين َع ّ‬
‫ينهما بِأَن ُخ ُروجه من بَيت َعائِ َشة َكا َن بَين‬ ‫ِي بَ َ‬ ‫ابن َع َّباس‪َ ،‬وجمع النَّ َوو ّ‬
‫لي َوا ْلفضل‪.‬‬
‫لي َوا ْل َع َّباس‪َ ،‬و ُخ ُروجه من بَيت َم ْي ُمونَة َكا َن بَين َع ّ‬ ‫َع ّ‬
‫ثم ساق بعض الروايات الدالة على خروج النبي ‪ ‬في‬
‫مرضه بين علي وأسامة‪ ،‬أو بين بريرة ورجل آخر‪ ،‬أو بينه وبين َت ْوبَة‪..‬‬
‫أو بين الفضل بن العباس وغالمه ثوبان‪ ..‬إلى أن قال‪ :‬فَيحمل َه َذا‬
‫ِاال ْخ ِت َالف على تعدد ا ْل ِق َّصة(‪.)1‬‬
‫وفي مرض النبي ‪ ‬كان العباس يزوره ويتفقد حاله‪،‬‬
‫ويحضر تطبيبه كما في البخاري َع ْن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ‪َ ،‬ع ْن َعائِ َش َة‬
‫‪ ،‬قَال َ ْت‪ :‬ل َ َد ْدنَا النَّب َِّي ‪ِ ‬في َم َر ِضه ِ‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬الَ ُتلِ ُّدونِي<‬
‫ض لِل َّد َو ِاء‪ ،‬فَلَ َّما أَفَ َاق قَ َال‪> :‬الَ يَ ْب َقى أَ َحد ِم ْن ُك ْم ِإ َّال‬ ‫المرِي ِ‬ ‫فَ ُق ْلنَا‪َ :‬ك َرا ِه َي ُة َ‬
‫س‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ل َ ْم يَ ْش َه ْد ُك ْم<(‪.)5‬‬
‫الع َّبا ِ‬
‫ل ُ َّد‪َ ،‬غ ْي َر َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.502/1 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ .)0330‬وفي شرح البخاري البن بطال (‪ 212/2‬ــ ‪:)212‬‬
‫اللدود من أدوية الخدر وذات الجنب‪ ،‬تقول العرب‪ :‬لددت المريض لدا [ألقيت‬
‫الدواء في شق] فيه‪ :‬وهو التحنيك باألصبع كما قال أبو سفيان‪ ،‬واسم الشيء الذي‬
‫لم أمر النبي أن يلد كل من في‬ ‫يلد به المريض اللدود بفتح الالم‪ .‬فإن قال قائل‪َ :‬‬
‫الببت؟ قال المهلب‪ :‬وجه ذلك ــ واهلل أعلم ــ أنه لما فعل به من ذلك ما لم يأمرهم‬
‫يقتص من كل [من]‬‫به من المداواة بل نهاهم عنه‪ ،‬وألم بذلك ألما شديدا أمر أن ّ‬
‫فعل به ذلك‪ ،‬أال ترى قوله‪ :‬ال يبقى في البيت أحد إال ل ُ ّد إال العباس فإنه=‬

‫‪525‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫كما كان ‪ ‬حريصا على طمأنة رسول اهلل ‪ ‬حال مرضه‬


‫وإخباره بحال المسلمين وحبهم له‪.‬‬
‫ك‪،‬‬ ‫ففي البخاري َع ْن ِه َشامِ ْب ِن َز ْي ٍد‪ ،‬قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت أَنَ َس ْب َن مالِ ٍ‬
‫َ‬
‫س األَ ْن َصا ِر َو ُه ْم‬ ‫س ِم ْن َم َجالِ ِ‬ ‫اس ‪ ،‬بِ َم ْجلِ ٍ‬ ‫ول‪َ :‬م َّر أَبُو بَ ْك ٍر‪َ ،‬و َ‬
‫الع َّب ُ‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫يَ ْب ُكو َن‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ما يُ ْب ِكي ُك ْم؟ قَالُوا‪َ :‬ذ َك ْرنَا َم ْجلِ َس النَّب ِِّي ‪ِ ‬منَّا‪،‬‬
‫ج النَّبِي ‪‬‬
‫ُّ‬ ‫فَ َد َخ َل َعلَى النَّب ِِّي ‪ ‬فَأَ ْخ َب َر ُه بِ َذلِ َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َخ َر َ‬
‫َوقَ ْد َع َص َب َعلَى َر ْأ ِسه ِ َح ِاش َي َة بُ ْر ٍد‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَ َص ِع َد ال ِم ْن َب َر‪َ ،‬ول َ ْم يَ ْص َع ْد ُه بَ ْع َد‬
‫وصي ُك ْم بِاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ْم‬ ‫الي ْومِ‪ ،‬فَ َح ِم َد اهللَ َوأَ ْثنَى َعلَ ْيه ِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬أُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َذل َك َ‬
‫َكر ِِشي َو َع ْي َب ِتي‪َ ،‬وقَ ْد قَ َض ُوا ال َّ ِذي َعلَ ْيه ِْم‪َ ،‬وبَ ِق َي ال َّ ِذي ل َ ُه ْم‪ ،‬فَا ْق َبلُوا ِم ْن‬
‫ُم ْح ِس ِنه ِْم‪َ ،‬و َت َج َاو ُزوا َع ْن ُم ِسي ِئه ِْم<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= لم يشهدكم‪ .‬فأوجب القصاص على كل من ل َّده من أهل البيت ومن ساعده في ذلك‬
‫ورآه لمخالفتهم نهيه ‪ ،‬وقد جاء هذا المعنى في رواية ابن إسحاق عن‬
‫الزهري‪ ،‬عن عبد اهلل بن كعب بن مالك (أنهم لدوا النبي ‪ ‬في مرضه‪ ،‬فلما‬
‫أفاق قال‪ :‬لم فعلتم ذلك؟ قالوا‪ :‬خشينا يا رسول اهلل أن تكون بك ذات الجنب‪.‬‬
‫عمي)‬ ‫فقال‪ :‬إن ذلك لداء ما كان اهلل ليقذفني به‪ .‬ال يبقى في البيت أحد إال لد إال ِّ‬
‫فقد ل ّدت ميمونة وهى صائمة لقسم رسول اهلل عقوبة لهم لما صنعوا برسول اهلل‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )2522‬و( َح ِاش َي َة بُ ْر ٍد) طرفه والبرد كساء مربع‪َ ( .‬كرِ ِشي‬
‫ش ِألَنَّ ُه ُم ْس َت َق ُّر ِغ َذ ِاء‬ ‫اص ِتي قَ َال ا ْل َق َّزا ُز‪َ :‬ض َر َب ا ْل َم َث َل بِا ْل َكرِ ِ‬ ‫َو َع ْي َب ِتي) أَ ْي بِطَانَ ِتي َو َخ َّ‬
‫ِ‬
‫ورة أَ ْي ِع َيال َك ِث َيرة َوا ْل َع ْي َب ُة‬ ‫ا ْل َح َي َوا ِن ال َّ ِذي يَ ُكو ُن فيه ِ نَ َما ُؤ ُه‪َ ،‬ويُ َقالُ لِ ُف َالن‪َ :‬كرِش َم ْن ُث َ‬
‫يس َما ِع ْن َد ُه يُرِي ُد‬ ‫الر ُج ُل نَ ِف َ‬ ‫بِ َف ْت ِح ا ْل ُم ْه َملَة ِ َو ُس ُكو ِن ا ْل ُمثَنَّا ِة َب ْع َد َها ُم َو َّح َدة َما يُ ْحرِ ُز ِفيه ِ َّ‬
‫وج ِز ال َّ ِذي ل َ ْم‬ ‫وضع سره وأمانته‪ .‬قَ َال ابن ُد َر ْي ٍد‪َ :‬ه َذا ِم ْن َك َال ِمه ِ ‪ ‬ا ْل ُم ِ‬ ‫أنهم َم ِ‬
‫اب=‬ ‫ش ب َِم ْن ِزلَة ِ ا ْل َم ِع َد ِة لِ ْ ِ‬
‫إل ْن َسا ِن‪َ ،‬وا ْل َع ْي َب ُة ُم ْس َت ْو َد ُع الثِّ َي ِ‬ ‫ِ‬
‫يُ ْس َب ْق ِإل َ ْيه‪َ ،‬وقَ َال َغ ْي ُر ُه‪ :‬ا ْل َك ِر ُ‬
‫‪523‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫وقد ر َّجح ابن حجر أن سائل القوم عن بكائهم ومخبِر النبي‬


‫‪ ‬عن حالهم هو العباس ومن قوله في ذلك‪ :‬ل َ ْم أَقِ ْف َعلَى ْاس ِم‬
‫اس‪..‬‬ ‫ال َّ ِذي َخاط ََب ُه ْم بِ َذلِ َك َه ْل ُه َو أَبُو بَ ْك ٍر أَ ِو ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس؟ َويَظ َْه ُر لِي أَنَّ ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫يث ِم ْن ر َِوايَةِ ْاب ِنه ِ َو َكأَنَّ ُه ِإنَّ َما‬
‫اس لِ َك ْو ِن ا ْل َح ِد ِ‬ ‫َوقَ ْد قَ َّد ْم ُت ُر ْج َحا َن أَنَّ ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫َس ِم َع َذلِ َك ِم ْن ُه(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اصه ِْم‬ ‫= َو ْاألَ َّولُ أَ ْمر بَا ِطن َوال َّثانِي أَ ْمر ظَا ِهر‪ ،‬فَ َكأَنَّ ُه َض َر َب ا ْل َم َث َل بِه َِما ِفي ِإ َر َاد ِة ْاخ ِت َص ِ‬
‫بِأُ ُمو ِرهِ ا ْل َبا ِطنَة ِ َوال َّظا ِه َر ِة‪َ ،‬و ْاأل َ َّولُ أَ ْولَى َو ُكل ِم َن ْاأل َ ْم َر ْي ِن ُم ْس َت ْو َدع لِ َما يُ ْخ َفى ِفيه ِ (فتح‬
‫الباري‪.)151/5 :‬‬
‫س قَ َال‪> :‬أُت ِ َي‬ ‫(‪ )1‬فتح الباري‪ .151/5 :‬ويشير ابن حجر بذلك إلى ما روي َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫النَّب ُِّي ــ ‪ ‬ــ فَ ِق َيل ل َ ُه‪َ :‬ه ِذهِ ْاأل َ ْن َص ُار ر َِجال ُ َها َونِ َسا ُؤ َها ِفي ا ْل َم ْس ِج ِد يَ ْب ُكو َن‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫وت‪ .‬قَ َال‪ :‬ف َ َخ َر َج فَ َجلَ َس َعلَى ِم ْن َب ِرهِ ُم َت َعطِّف‬ ‫>و َما يُ ْب ِك َيها؟<‪ .‬قَ َال‪ :‬يَ َخافُو َن أَ ْن َت ُم َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِثَ ْو ٍب‪ ،‬طَارِح ط ََرفَ ْيه َعلَى َم ْنك َب ْيه‪َ ،‬عاصب َرأ َس ُه بِع َصابَة َس ْخت‪ ،‬فَ َحم َد اهللَ‪َ ،‬وأَ ْثنَى‬ ‫ِ‬
‫اس يَ ْك ُث ُرو َن َو َت ِقلُّ ْاأل َ ْن َص ُار َح َّتى يَ ُكونُوا‬ ‫اس‪ ،‬فَ ِإ َّن النَّ َ‬ ‫َعلَ ْيهِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬أَ َّما بَ ْع ُد‪ ،‬أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫َكا ْل ِم ْل ِح ِفي الطَّ َعامِ‪ ،‬فَ َم ْن َولِ َي َش ْيئا ِم ْن أَ ْمرِ ِه ْم فَل َْي ْق َب ْل ِم ْن ُم ْح ِس ِنه ِْم‪َ ،‬و ْل َي َت َج َاو ْز َع ْن‬
‫ُم ِسي ِئ ِه ْم<‪ .‬قال الهيثمي في المجمع‪25/12( :‬ح‪َ )10222 :‬ر َو ُاه ا ْل َب َّز ُار‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن‬
‫الص ِحي ِح‪.‬‬ ‫ف ْاآل َن أَ ْس َم َاء ُه َما‪َ ،‬وبَ ِق َّي ُة ر َِجالِه ِ ر َِجالُ َّ‬ ‫وسى‪َ ،‬ول َ ْم أَ ْعرِ ِ‬ ‫َك َر َام َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ُم َ‬
‫والحديث في الصحيح خال أوله إلى قوله فخرج فجلس‪ ،‬فقد أخرج البخاري‬
‫(ح ‪ )2322‬من رواية ابن عباس ‪ ‬أنه قال‪َ :‬خ َر َج َر ُسولُ اهلل ِ ‪َ ‬و َعلَ ْيه ِ‬
‫ِمل َْح َفة ُم َت َعطِّفا ب َِها َعلَى َم ْن ِك َب ْيهِ‪َ ،‬و َعلَ ْيه ِ ِع َص َابة َد ْس َم ُاء‪َ ،‬ح َّتى َجلَ َس َعلَى ال ِم ْن َبرِ‪ ،‬فَ َح ِم َد‬
‫اس يَ ْكثُ ُرو َن‪َ ،‬و َت ِقلُّ األ َ ْن َص ُار‬ ‫اس‪ ،‬فَ ِإ َّن النَّ َ‬ ‫اهلل َ َوأَ ْثنَى َعلَ ْيهِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬أَ َّما بَ ْع ُد أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫َح َّتى يَ ُكونُوا َكا ْل ِم ْل ِح ِفي الطَّ َعامِ‪ ،‬فَ َم ْن َولِ َي ِم ْن ُك ْم أَ ْمرا يَ ُض ُّر ِفيه ِ أَ َحدا‪ ،‬أَ ْو يَ ْن َف ُع ُه‪ ،‬فَل َْي ْق َب ْل‬
‫ِم ْن ُم ْح ِس ِنه ِْم‪َ ،‬ويَ َت َج َاو ْز َع ْن ُم ِسي ِئه ِْم<‪.‬‬
‫وقد عارض العيني في العمدة ترجيح ابن حجر نسبة القول إلى العباس ثم أعقب=‬

‫‪522‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫ويؤخذ من هذه الرواية‪ ،‬وبناء على ترجيح ابن حجر‪ ،‬حرص‬


‫العباس على إخبار النبي ‪ ‬بحب القوم له‪ ،‬وشوقهم لمجالسته‪،‬‬
‫وت ِم ْن َم َر ِضه ِ فَ َي ْف ِق ُدوا َم ْجلِ َس ُه‪ ،‬وبكائهم ُح ْزنا َعلَى‬
‫وخشيتهم أَ ْن يَ ُم َ‬
‫ات َذلِ َك‪.‬‬
‫فَ َو ِ‬
‫ولما اشتد المرض بالنبي ‪ ‬وأدرك العباس أن النبي‬
‫‪ ‬ينازع الموت‪ ،‬أشار على علي بن أبي طالب بالذهاب إلى‬
‫رسول اهلل ليسأله عن الخالفة بعده فيمن تكون‪ ،‬وما موقفه هو وعلي‪.‬‬
‫روى البخاري في صحيحه َح َّدثَ ِني ِإ ْس َح ُاق‪ ،‬أَ ْخ َب َرنَا بِ ْش ُر ْب ُن‬
‫ِي‪ ،‬قَ َال‪ :‬أَ ْخ َب َرنِي‬ ‫ُش َع ْي ِب ْب ِن أَبِي َح ْم َز َة‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني أَبِي‪َ ،‬ع ِن ال ُّز ْهر ِّ‬
‫ِي‪َ ،‬و َكا َن َك ْع ُب ْب ُن َمالِ ٍ‬
‫ك أَ َح َد ال َّثالَثَةِ‬ ‫ك األَ ْن َصار ُّ‬ ‫َعب ُد اهلل ِ ْب ُن َك ْع ِب ْب ِن َمالِ ٍ‬
‫ْ‬
‫س‪ ،‬أَ ْخ َب َر ُه أَ َّن َعلِ َّي ْب َن أَبِي طَالِ ٍب‬ ‫يب َعلَ ْيه ِْم أَ َّن َع ْب َد اهلل ِ ْب َن َع َّبا ٍ‬ ‫ال َّ ِذ َ‬
‫ين تِ َ‬
‫‪َ ،‬خ َر َج ِم ْن ِع ْن ِد َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬في َو َج ِعه ِ ال َّ ِذي ُت ُوف ِّ َي ِفيه ِ‪،‬‬
‫ول اهلل ِ ‪‬؟‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫اس‪ :‬يَا أَبَا َح َس ٍن‪َ > ،‬ك ْي َف أَ ْص َب َح َر ُس ُ‬ ‫فَ َق َال النَّ ُ‬
‫ِ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ُ‬
‫المطَّلِ ِب فَ َق َال ل َ ُه‪:‬‬ ‫أَ ْص َب َح بِ َح ْم ِد اهلل بَارِئا<‪ ،‬فَأَ َخ َذ بِ َي ِدهِ َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫الع َصا‪َ ،‬و ِإنِّي َواهلل ِ َألَ َرى َر ُس َ‬ ‫أَ ْن َت َواهلل ِ بَ ْع َد ثَالَ ٍث َع ْب ُد َ‬
‫المطَّلِ ِب ِع ْن َد‬‫وه بَ ِني َع ْب ِد ُ‬ ‫َس ْو َف يُ َت َوفَّى ِم ْن َو َج ِعه ِ َه َذا‪ِ ،‬إنِّي َألَ ْع ِر ُف ُو ُج َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= قائال‪ :‬قلت‪َ :‬ه َذا أبعد من َذلِك؛ ِألَن ا ْل َو ِص َّية ِفي َح ِديث ْابن َع َّباس أَعم من ا ْل َو ِص َّية‬
‫ال َّ ِتي ِفي َح ِديث ا ْل َع َّباس؛ ِألَنَّ َها ِفي َح ِديثه ُم ْخ َت َّصة باألنصار‪ ،‬ب ِِخ َالف َح ِديث ْابن‬
‫َع َّباس‪ ،‬فَأَ ْي َن َذا من َذاك؟ َح َّتى يكون َه َذا َدلِيال على أَن ا ْل َقائِل ِفي قَ ْوله‪ :‬فَ َق َال‪َ :‬ما‬
‫اح ِت َمال أَن يكون أَبَا بكر‪َ ،‬ر ِضي اهلل َت َعالَى َع ُنه‪( .‬عمدة‬ ‫يبكيكم‪ُ ،‬ه َو ا ْل َع َّباس من غير ْ‬
‫القاري‪.)502/10 :‬‬
‫‪222‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْو ِ‬


‫يم ْن َه َذا األَ ْم ُر‪ِ ،‬إ ْن‬ ‫ت‪ ،‬ا ْذ َه ْب بِنَا ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ‪ ‬فَ ْلنَ ْسأَ ْل ُه ف َ‬ ‫َ‬
‫َكا َن ِفينَا َعلِ ْمنَا َذلِ َك‪َ ،‬و ِإ ْن َكا َن ِفي َغ ْيرِنَا َعلِ ْمنَ ُاه‪ ،‬فَأَ ْو َصى بِنَا‪ ،‬فَ َق َال‬
‫اها‬‫اها الَ يُ ْع ِطينَ َ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬فَ َمنَ َعنَ َ‬ ‫اها َر ُس َ‬ ‫َعلِي‪ِ :‬إنَّا َواهلل ِ ل َ ِئ ْن َسأَ ْلنَ َ‬
‫ول اهلل ِ ‪.)1(‬‬ ‫اس بَ ْع َد ُه‪َ ،‬و ِإنِّي َواهلل ِ الَ أَ ْسأَل ُ َها َر ُس َ‬ ‫النَّ ُ‬
‫قال ابن حجر‪ :‬قَ ْول ُ ُه أَ ْن َت َواهلل ِ بَ ْع َد ثَ َال ٍث َع ْب ُد ا ْل َع َصا ُه َو ِكنَايَة َع َّم ْن‬
‫وت بَ ْع َد ثَ َال ٍث َو َت ِص ُير أَ ْن َت َم ْأ ُمورا َعلَ ْي َك‬ ‫يَ ِص ُير َتابِعا لِ َغ ْي ِرهِ َوا ْل َم ْعنَى أَنَّ ُه يَ ُم ُ‬
‫اس ُم ْس َت ِندا ِإلَى‬ ‫س ‪َ ..‬و َه َذا قَال َ ُه ا ْل َع َّب ُ‬ ‫اسةِ ا ْل َع َّبا ِ‬‫َو َه َذا ِم ْن قُ َّو ِة ِف َر َ‬
‫وه بَ ِني َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِع ْن َد‬ ‫ال َّت ْجرِبَةِ لِ َق ْولِه ِ بَ ْع َد َذلِ َك ِإنِّي َألَ ْعر ُِف ُو ُج َ‬
‫ا ْل َم ْوت(‪.)5‬‬

‫‪{ ‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ}‪:‬‬


‫وبعد ثقل المرض على النبي ‪ ‬فاضت روحه الطاهرة إلى‬
‫باريها‪ ،‬وتوفي النبي ‪ ‬وكان الخطب جلال‪ ،‬وأصيب المسلمون‬
‫بخبر وفاته وما تمالكوا أنفسهم‪ ،‬فهم ما بين رج ٍل با ٍك‪ ،‬وآخر ال‬
‫كف‪ .‬وكثر البكاء وعم الحزن‪،‬‬ ‫يصدق‪ ،‬وثالث يضرب كفا على ٍ‬
‫وظهرت مواقف لبعض الصحابة تعبِّر عن شدة حزنهم ومصابهم لفقد‬
‫النبي ‪ ،‬وظهرت أيضا بعض مواقف الصمود والثبات رغم شدة‬
‫الواقعة وهول الموقف‪ ،‬ومن هذه المشاهد موقف العباس ‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2225‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.122/3 :‬‬
‫‪221‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫والذي حاكى به موقف الصديق ‪.‬‬


‫ول اهلل ِ‬ ‫روى الدارمي في سننه َع ْن ِع ْكر َِم َة‪ ،‬قَ َال‪ُ > :‬ت ُوف ِّ َي َر ُس ُ‬
‫‪ ‬يَ ْو َم ِاال ْثنَ ْي ِن فَ ُحب َِس بَ ِق َّي َة يَ ْو ِمه ِ َول َ ْيلَ َت ُه َوا ْل َغ َد َح َّتى ُد ِف َن ل َ ْيلَ َة‬
‫وحه ِ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬ل َ ْم ي ُم ْت‪َ ،‬ول َ ِك ْن ُعر َِج بِر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْاألَ ْربِ َع ِاء< َوقَالُوا‪ِ :‬إ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬ل َ ْم يَ ُم ْت‬ ‫وسى فَ َق َام ُع َم ُر فَ َق َال‪ِ :‬إ َّن َر ُس َ‬ ‫َك َما ُعر َِج بِ ُرو ِح ُم َ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫وت َر ُس ُ‬ ‫وسى‪َ ،‬واهلل ِ َال يَ ُم ُ‬ ‫وحه ِ َك َما ُعر َِج بِ ُرو ِح ُم َ‬ ‫َول َ ِك ْن ُعر َِج بِر ِ‬
‫ُ‬
‫ي أَ ْق َوامٍ َوأَ ْل ِسنَ َت ُه ْم‪ ،‬فَلَ ْم يَ َز ْل ُع َم ُر يَ َت َكلَّ ُم َح َّتى‬ ‫‪َ ‬ح َّتى يَ ْقطَ َع أَ ْي ِد َ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اس فَ َق َال‪ِ :‬إ َّن َر ُس َ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ام‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ول‬‫ُ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫م‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫(‪)1‬‬
‫أَ ْزبَ َد ِش ْدقَ ُاه‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ات‪َ ،‬و ِإنَّ ُه ل َ َب َشر َو ِإنَّ ُه يَ ْأ ُس ُن َك َما يَ ْأ ُس ُن ا ْل َب َش ُر‪ ،‬أَ ْي قَ ْومِ‬ ‫‪ ‬قَ ْد َم َ‬
‫يت‬ ‫اح َب ُك ْم‪ .‬فَ ِإنَّ ُه أَ ْك َر ُم َعلَى اهلل ِ ِم ْن أَ ْن يُ ِم َيت ُه ِإ َم َات َت ْي ِن‪ .‬أَيُ ِم ُ‬ ‫فَ ْاد ِفنُوا َص ِ‬
‫أَ َح َد ُك ْم ِإ َم َاتة َويُ ِم ُيت ُه ِإ َم َات َت ْي ِن َو ُه َو أَ ْك َر ُم َعلَى اهلل ِ ِم ْن َذلِ َك؟ أَ ْي قَ ْومِ‪،‬‬
‫اح َب ُك ْم‪ ،‬فَ ِإ ْن يَ ُك َك َما َت ُقولُو َن فَلَ ْي َس بِ َعزِي ٍز َعلَى اهلل ِ أَ ْن يَ ْب َح َث‬ ‫فَ ْاد ِفنُوا َص ِ‬
‫السب َِيل‬ ‫ات َح َّتى َت َر َك َّ‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬واهلل ِ َما َم َ‬ ‫اب‪ِ ،‬إ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن ُه ال ُّت َر َ‬
‫اضحا‪ ،‬فَأَ َح َّل ا ْل َح َال َل‪َ ،‬و َح َّر َم ا ْل َح َر َام‪َ ،‬ونَ َك َح َو َطلَّ َق‪َ ،‬و َح َار َب‬ ‫نَ ْهجا َو ِ‬
‫وس ا ْل ِج َبا ِل يَ ْخبِطُ َعلَ ْي َها‬ ‫َو َسالَم‪ ،‬ما َكا َن را ِعي َغنَ ٍم ي َّتب ُِع بِ َها َص ِ‬
‫اح ُب َها ُر ُء َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ا ْل ِع َضا َة بِ ِم ْخب ِطه ِ َوي ْم ُدر َحو َض َها بِي ِدهِ بِأَ ْن َص َب َو َال أَ ْدأَ َب ِم ْن ر ُسو ِل اهلل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ .‬كا َن في ُك ْم‪ .‬أَ ْي قَ ْومِ‪ ،‬فَ ْادفنُوا َصاح َب ُك ْم‪ .‬قَ َال‪َ :‬و َج َعلَ ْت أُ ُّم‬ ‫ِ‬
‫ين َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪‬؟‬ ‫أَ ْي َم َن َت ْب ِكي‪ ،‬فَ ِق َيل ل َ َها‪ :‬يَا أُ َّم أَ ْي َم َن ْتب ِك َ‬
‫قَال َ ْت‪ِ :‬إنِّي َواهلل ِ َما أَ ْب ِكي َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أَ ْن َال أَ ُكو َن أَ ْعلَ ُم أَنَّ ُه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشدق‪ :‬بالكسر وبالفتح‪ :‬طفطفة الفم من باطن الخدين (العين‪.)22/2 :‬‬
‫‪225‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫الس َم ِاء‬
‫قَ ْد َذ َه َب ِإلَى َما ُه َو َخ ْير ل َ ُه ِم َن ال ُّد ْن َيا‪َ ،‬ول َ ِكنِّي أَ ْب ِكي َعلَى َخ َب ِر َّ‬
‫اهنَا(‪.)1‬‬
‫ين بَلَ َغ َه ُ‬ ‫وب ِح َ‬ ‫ا ْن َقطَ َع قَ َال َح َّماد‪َ :‬خنَ َق ْت ا ْل َع ْب َر ُة أَيُّ َ‬
‫صمود أبي بكر يومها‪ ،‬وشابه حدي ُثه‬ ‫َ‬ ‫صمود العباس‬
‫ُ‬ ‫وحاكى‬
‫حديثه‪ ،‬ففي رواية البخاري ــ في وفاة النبي ‪ ‬ــ‪ :‬أَ َّن أَبَا بَ ْك ٍر‬ ‫َ‬
‫اجلِ ْس<‪ ،‬فَأَبَى‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪ْ > :‬‬ ‫‪َ ‬خ َر َج‪َ ،‬و ُع َم ُر ‪ ‬يُ َكل ُِّم النَّ َ‬
‫اس‪َ ،‬و َت َر ُكوا ُع َم َر‪،‬‬ ‫اجلِ ْس<‪ ،‬فَأَبَى‪ ،‬فَ َت َش َّه َد أَبُو بَ ْك ٍر ‪ ،‬فَ َم َال ِإل َ ْيه ِ النَّ ُ‬ ‫> ْ‬
‫فَ َق َال‪> :‬أَ َّما بَ ْع ُد‪ ،‬فَ َم ْن َكا َن ِم ْن ُك ْم يَ ْع ُب ُد ُم َح َّمدا ‪ ،‬فَ ِإ َّن ُم َح َّمدا‬
‫وت‪ ،‬قَ َال اهللُ‬ ‫ات‪َ ،‬و َم ْن َكا َن يَ ْع ُب ُد اهللَ‪ ،‬فَ ِإ َّن اهللَ َحي َال يَ ُم ُ‬ ‫‪ ‬قَ ْد َم َ‬
‫َت َعالَى‪{ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ} ِإلَى‬
‫اس ل َ ْم يَ ُكونُوا يَ ْعلَ ُمو َن أَ َّن‬ ‫ِ‬
‫{ﮐ} [آل عمران‪َ ]122 :‬واهلل ل َ َكأَ َّن النَّ َ‬
‫اس‪ ،‬فَ َما يُ ْس َم ُع بَ َشر‬ ‫َّاها ِم ْن ُه النَّ ُ‬
‫اهللَ أَ ْن َزل َ َها َح َّتى َت َال َها أَبُو بَ ْك ٍر ‪ ،‬فَ َتلَق َ‬
‫وها<(‪.)5‬‬‫ِإ َّال يَ ْتلُ َ‬
‫ويبدوا أن موقفي الصديق والعباس ‪ ‬كانا في وقت واحد‪،‬‬
‫بل وفي مشه ٍد واح ٍد؛ بداللة أن قول عمر هو نفسه في كال الموقفين‪.‬‬
‫ففي البخاري من رواية عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي‬
‫الس ْن ِح‪ ،‬ــ قَ َال‪:‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ،‬م َ‬
‫ات َوأَبُو بَ ْك ٍر بِ ُّ‬ ‫‪ :‬أَ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ‬‫ات َر ُس ُ‬ ‫ول‪َ :‬واهلل ِ َما َم َ‬ ‫ِإ ْس َما ِع ُيل يَ ْع ِني بِ َ‬
‫العالِ َيةِ ــ فَ َق َام ُع َم ُر يَ ُق ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن سعد في الطبقات مختصرا‪ ،211/5 :‬والدارمي في السنن‪ :‬ح (‪)32‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬وعلَّق حسين سليم أسد‪ :‬رجاله ثقات غير أنه مرسل‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب الدخول على الميت بعد الموت‪ ،‬ح (‪.)1521‬‬
‫‪222‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫‪ ،‬قَال َ ْت‪َ :‬وقَ َال ُع َم ُر‪َ :‬واهلل ِ َما َكا َن يَ َق ُع ِفي نَ ْف ِسي ِإ َّال َذا َك‪،‬‬
‫اء أَبُو بَ ْك ٍر >فَ َك َش َف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ي ر َِجال َوأَ ْر ُجلَ ُه ْم‪ ،‬فَ َج َ‬ ‫َول َ َي ْب َع َثنَّ ُه اهللُ‪ ،‬فَلَ َي ْقطَ َع َّن أَ ْيد َ‬
‫َع ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬فَ َق َّبلَ ُه‪ ،‬قَ َال‪ :‬بِأَبِي أَ ْن َت َوأُ ِّمي‪ِ ،‬ط ْب َت َح ًّيا َو َميِّتا‪،‬‬
‫َوال َّ ِذي نَ ْف ِسي بِ َي ِدهِ الَ يُ ِذي ُق َك اهللُ َ‬
‫الم ْو َت َت ْي ِن أَبَدا‪ ،‬ثُ َّم َخ َر َج فَ َق َال‪ :‬أَيُّ َها‬
‫الحالِ ُف َعلَى ر ِْسلِ َك‪ ،‬فَلَ َّما َت َكلَّ َم أَبُو بَ ْك ٍر َجلَ َس ُع َم ُر‪ ،‬فَ َح ِم َد اهللَ أَبُو بَ ْك ٍر‬ ‫َ‬
‫َوأَ ْثنَى َعلَ ْيه ِ‪َ ،‬وقَ َال‪ :‬أَال َم ْن َكا َن يَ ْع ُب ُد ُم َح َّمدا ‪ ‬فَ ِإ َّن ُم َح َّمدا قَ ْد‬
‫وت<(‪.)1‬‬ ‫ات‪َ ،‬و َم ْن َكا َن يَ ْع ُب ُد اهللَ فَ ِإ َّن اهللَ َحي الَ يَ ُم ُ‬ ‫َم َ‬
‫ولما حان وقت غسل النبي ‪ ‬وتجهيزه كان العباس حاضرا‬
‫شاهدا غير غائب‪ ،‬وقد باشر بعض ذلك بنفسه‪ ،‬وأشرف على بعضه‪،‬‬
‫وشارك في غسل النبي ‪ ‬مع تكفينه ودفنه‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪َ :‬وأَ َّما ُغ ْسلُ ُه ـ ‪ ‬ـ َو ِإ ْد َخال ُ ُه‬
‫ض‬ ‫ِِ‬
‫س َوأَ ْو َالده‪َ ،‬و َم ْو َال ُه ُش ْق َرا َن‪َ ،‬وبَ ْع ُ‬ ‫قَ ْب َر ُه‪ ،‬فَ ْاش َت َر َك ِفيه ِ أَ ْه ُل بَ ْي ِته ِ‪َ ،‬كا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‪،‬‬ ‫اضر لِ َج َاللَةِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ْاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬ل َ ِك ْن َعلِي َكا َن يُب ِاش ُر ا ْل ُغ ْس َل‪َ ،‬وا ْل َع َّبا ُس َح ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬
‫َوأَ َّن َعلِ ًّيا أَ ْو َال ُه ْم بِ ُم َب َاش َرة َذل َك ‪.‬‬
‫ِي‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ا ْل ُم َسيِّ ِب‬ ‫وفي المصنف أيضا‪َ :‬ع ْن َم ْع َم ٍر‪َ ،‬ع ِن ال ُّز ْهر ِّ‬
‫س أَ ْربَ َعة‪َ :‬علِي‬ ‫قَ َال‪َ > :‬ولِ َي ُغ ْس َل النَّب ِِّي ‪َ ‬و َد ْفنَ ُه َو ِإ ْجنَانَ ُه ُدو َن النَّا ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب قول النبي‪ :‬لو كنت متخذا خليال‪ ،‬ح‬
‫(‪.)2005‬‬
‫(‪ )5‬منهاج السنة‪.00/2 :‬‬
‫‪222‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫َول َ َح ُدوا ل َ ُه‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫اس َوا ْل َف ْض ُل َو َصالِح ُش ْق َرا َن َم ْولَى النَّب ِِّي‬ ‫َوا ْل َع َّب ُ‬
‫َونَ َص ُبوا َعلَ ْيه ِ اللَّب َِن نَ ْصبا<(‪.)1‬‬
‫وعن دور العباس في غسل النبي ‪ ‬يروي عبد الرزاق َع ِن‬
‫ْاب ِن ُج َر ْي ٍج قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت ُم َح َّم َد ْب َن َعلِ ِّي ْب ِن ا ْل ُح َس ْي ِن يُ ْخب ُِرنَا قَ َال‪ُ > :‬غ ِّس َل‬
‫ص‪َ ،‬و ُغ ِّس َل ثَ َالثا ُكلُّ ُه َّن بِ َم ٍاء َو ِس ْد ٍر‪َ ،‬و َولِ َي َعلِي‬ ‫النَّب ُِّي ‪ِ ‬في قَ ِمي ٍ‬
‫اس يَ ُص ُّب‬ ‫س يَ ْح َت ِض ُن النَّب َِّي ‪َ ،‬وا ْل َع َّب ُ‬ ‫َس ْفلَ َت ُه‪َ ،‬وا ْل َف ْض ُل ْب ُن َع َّبا ٍ‬
‫اء< قَ َال‪َ :‬و َعلِي يَ ْغ ِس ُل َس ْفلَ َت ُه َويَ ُقو ُل‪ :‬ا ْل َف ْض ُل لِ َعلِي‪ :‬أَر ِْح ِني أَر ِْح ِني‪،‬‬ ‫ا ْل َم َ‬
‫قَطَ ْع َت َوتِي ِني‪ِ ،‬إنِّي َألَ ِج ُد َش ْيئا يَ َتنَ َّز ُل َعلَ َّي‪ ،‬قَطَ ْع َت َوتِي ِني قَ َال‪َ > :‬و ُغ ِّس َل‬
‫النَّب ُِّي ‪ِ ‬م ْن بِ ْئ ٍر لِ َس ْع ِد ْب ِن ُخ َث ْي َم َة يُ َق ُال ل َ َها‪ :‬ا ْل َغ ْر ُس بِ ِق َبا قَ َال‪َ :‬و َكا َن‬
‫النَّب ُِّي ‪َ ‬ال يَ ْغ ِس ُل َر ْأ َس ُه ِإ َّال بِ ِس ْد ٍر‪َ ،‬وبِه ِ نَ ْأ ُخذُ ‪ .‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‬
‫س‬ ‫الر ْأ ِ‬ ‫س أَ ْو بِالل ِّْح َيةِ؟ قَ َال‪ُّ :‬‬
‫السنَّ ُة َال َش َّك يُ ْب َدأُ بِ َّ‬ ‫الر ْأ ِ‬ ‫لِ َع ْب ِد َّ‬
‫الر َّزا ِق‪ :‬يُ ْب َدأُ بِ َّ‬
‫وب‪َ ،‬ع ْن أَبِي‬ ‫ثُ َّم الل ِّْح َيةِ ثُ َّم قَ َال‪ :‬أَ ْخ َب َرنِي ُح َم ْيد‪ ،‬أَ َّن َم ْع َمرا أَ ْخ َب َر ُه‪َ ،‬ع ْن أَيُّ َ‬
‫س‪ ،‬ثُ َّم الل ِّْح َيةِ‪ ،‬ثُ َّم ا ْل َم َيا ِم ِن‪ ،‬يَ ْع ِني ُغ ِّس َل ثَ َال َث‬ ‫الر ْأ ِ‬ ‫قِ َالبَ َة قَ َال‪> :‬يُ ْب َدأُ بِ َّ‬
‫اح َدة‪ُ .‬ك ُّل َغ ْسلَةٍ بِ َم ٍاء َو ِس ْد ٍر ثُ َّم بِ َم ٍاء‪،‬‬ ‫ات بِ َم ٍاء َو ِس ْد ٍر ثُ َّم بِ َم ٍاء‪ ،‬فَهِي َو ِ‬
‫َ‬
‫م َّر ٍ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬
‫اح َدة< ‪.‬‬ ‫فَهِي َو ِ‬
‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق في المصنف‪ :‬ح (‪ .)0231‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪)1222‬‬
‫وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِحيح َعلَى َش ْر ِط َّ‬
‫الش ْي َخ ْي ِن‪َ ،‬ول َ ْم يُ َخ ِّر َجا منه غير اللحد‪ ،‬وأورده‬
‫الذهبي في السير‪.223/5 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه عبد الرزاق في المصنف‪ :‬ح (‪ )0255‬وابن أبي شيبة في المصنف مختصرا‪=،‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫‪‬‬ ‫فالرواية السابقة نصت على دور العباس في غسل النبي‬


‫بصب الماء‪ ،‬على أن رواية ابن سعد أشارت إلى أن‬
‫ِّ‬ ‫حيث كان يقوم‬
‫العباس كان يسترهم وما باشر الغسل بنفسه‪.‬‬
‫فقد روى ابن سعد من طريق المغيرة بن مقسم‪ ،‬عن إبراهيم‬
‫النخعي قال‪ :‬غسل رسول اهلل ‪ ‬العباس وعلي والفضل‪ ،‬وق َال‬
‫ِ‬
‫ا ْل َف ْض ُل ْب ُن ُد َك ْي ٍن في َح ِدي ِثه ِ‪َ :‬وا ْل َع َّب ُ‬
‫اس يَ ْس ُت ُر ُهم(‪.)1‬‬
‫وب‪َ ،‬ح َّدثَنَا أَبِي‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ِإ ْس َح َاق‪،‬‬ ‫وفي مسند أحمد‪َ :‬ح َّدثَنَا يَ ْع ُق ُ‬
‫س‪ ،‬قَ َال‪> :‬ل َ َّما‬ ‫َح َّدثَ ِني ُح َس ْي ُن ْب ُن َع ْب ِد اهلل ِ‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ت ِإال أَ ْهلُ ُه‪َ :‬ع ُّم ُه‬ ‫اج َت َم َع ا ْل َق ْو ُم لِ َغ ْس ِل َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬ول َ ْي َس ِفي ا ْلب ْي ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫س‪،‬‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َعلِ ُّي ْب ُن أَبِي طَالِ ٍب‪َ ،‬وا ْل َف ْض ُل ْب ُن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫اله‪ ،‬فَلَ َّما‬ ‫س‪َ ،‬وأُ َس َام ُة ْب ُن َز ْي ِد ْب ِن َحا ِرثَ َة‪َ ،‬و َصالِح َم ْو ُ‬ ‫َوقُ َث ُم ْب ُن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ِي‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫اب أَ ْو ُس ْب ُن َخ ْولِ ِّي ْاألَ ْن َصار ُّ‬ ‫اج َت َم ُعوا لِ َغ ْسلِه ِ نَ َادى ِم ْن َو َر ِاء ا ْل َب ِ‬ ‫ْ‬
‫ف ْب ِن ا ْل َخ ْز َر ِج‪َ ،‬و َكا َن بَ ْدرِيًّا َعلِ َّي ْب َن أَبِي طَالِ ٍب‪، ،‬‬ ‫أَ َح ُد بَ ِني َع ْو ِ‬
‫فَ َق َال ل َ ُه‪ :‬يَا َعلِ ُّي‪ ،‬نَ َش ْد ُت َك اهللَ‪َ ،‬و َح َّظنَا ِم ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫فَ َق َال ل َ ُه َعلِي‪ْ :‬اد ُخ ْل‪ ،‬فَ َد َخ َل فَ َح َض َر َغ ْس َل َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬ول َ ْم يَ ِل‬
‫اس‬ ‫يص ُه‪َ ،‬و َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ِم ْن َغ ْسلِه ِ َش ْيئا‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَأَ ْسنَ َد ُه ِإلَى َص ْد ِرهِ‪َ ،‬و َعلَ ْيه ِ قَ ِم ُ‬
‫َوا ْل َف ْض ُل َوقُ َث ُم يُ َقل ُِّبونَ ُه َم َع َعلِ ِّي ْب ِن أَبِي طَالِ ٍب‪َ ،‬و َكا َن أُ َس َام ُة ْب ُن َز ْي ٍد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ح (‪ )25225‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪ )222/2‬كتاب الجنائز‪ :‬باب من يكون‬
‫أولى بغسل الميت‪ .‬وقال ابن حجر في التلخيص‪َ )523/5( :‬و ُه َو ُم ْر َسل َجيِّد‪.‬‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 555/5 :‬ــ ‪.553‬‬
‫‪220‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫الهما ي ُصبا ِن ا ْلماء‪ ،‬و َج َع َل َعلِي ي ْغ ِسلُ ُه‪ ،‬ولَم ير ِم ْن ر ُسو ِل اهلل ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َو َصالِح َم ْو ُ َ َ َّ‬
‫ول‪ :‬بِأَبِي َوأُ ِّمي‪َ ،‬ما أَط َْي َب َك‬ ‫ت‪َ ،‬و ُه َو يَ ُق ُ‬ ‫‪َ ‬ش ْيء ِم َّما يُ َر ُاه ِم َن َ‬
‫الميِّ ِ‬
‫َح ًّيا َو َميِّتا َح َّتى ِإ َذا فَ َر ُغوا ِم ْن َغ ْس ِل َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬و َكا َن يُ َغ َّس ُل‬
‫ت‪ ،‬ثُ َّم أُ ْدر َِج ِفي ثَالثَةِ‬ ‫وه‪ ،‬ثُ َّم ُص ِن َع بِه ِ َما يُ ْصنَ ُع بِا ْل َميِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫بِا ْل َماء َو ِّ‬
‫الس ْد ِر‪َ ،‬ج َّف ُف ُ‬
‫ٍ‬
‫اس َر ُجلَ ْي ِن فَ َق َال‪:‬‬ ‫اب‪ :‬ثَ ْوبَ ْي ِن أَ ْب َي َض ْي ِن‪َ ،‬وبُ ْردِ ِح َب َرة‪ ،‬ثُ َّم َد َعا ا ْل َع َّب ُ‬ ‫أَ ْث َو ٍ‬
‫لِ َيذْ َه ْب أَ َح ُد ُك َما ِإلَى أَبِي ُع َب ْي َد َة ْب ِن ا ْل َج َّرا ِح‪َ ،‬و َكا َن أَبُو ُع َب ْي َد َة يَ ْض َر ُح ِألَ ْه ِل‬
‫ِي‪َ ،‬و َكا َن أَبُو‬ ‫َم َّك َة‪َ ،‬و ْل َيذْ َه ِب ْاآل َخ ُر ِإلَى أَبِي َط ْل َح َة ْب ِن َس ْه ٍل ْاألَ ْن َصار ِّ‬
‫ين َس َّر َح ُه َما‪:‬‬ ‫اس ل َ ُه َما ِح َ‬ ‫َط ْل َح َة يَ ْل َح ُد ِألَ ْه ِل ا ْل َم ِدينَةِ‪ ،‬قَ َال‪ :‬ثُ َّم قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫اح ُب أَبِي ُع َب ْي َد َة أَبَا ُع َب ْي َد َة‪،‬‬ ‫الله َّم ِخر لِر ُسولِ َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َذ َهبا‪ ،‬فَلَ ْم ي ِج ْد َص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫اح ُب أَبِي َط ْلح َة أَبا َط ْلح َة‪ ،‬فَجاء بِه ِ‪ ،‬فَلَح َد لِر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫َو َو َج َد َص ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪.)1(<‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )5225‬وهو حسن لغيره بمجموع طرقه‪ ،‬وهذا إسناد‬
‫ضعيف لضعف حسين بن عبد اهلل ــ وهو ابن عبيد اهلل بن عباس بن عبد المطلب ــ‬
‫الهاشمي المدني‪.‬‬
‫وأخرجه الطبري في >تاريخه< ‪ 511/2‬ــ ‪ 515‬من طريق محمد بن إسحاق‪ ،‬عن‬
‫عبد اهلل بن أبي بكر وحسين (تحرف في الطبري إلى كثير) بن عبد اهلل وغيرهما من‬
‫أصحابه‪ ،‬عمن يحدثه‪ ،‬عن عبد اهلل بن عباس أن علي بن أبي طالب‪ ،‬والعباس‪...‬‬
‫فذكره بنحوه إلى قوله‪> :‬ما أطيبك حيا وميتا<‪ ،‬وهو في >السيرة< البن هشام ‪ 215/2‬ــ‬
‫‪ ،212‬عن ابن إسحاق‪ ،‬به‪ ،‬إال أنه لم يذكر قوله‪> :‬عمن يحدثه عن عبد اهلل بن عباس<‬
‫وأخرجه بأخصر مما هنا الطبراني‪ ،‬ح (‪ )052‬من طريق يزيد بن أبي زياد‪ ،‬عن مقسم‪،‬‬
‫عن ابن عباس بقصة غسل النبي ‪ .‬وفيه يزيد بن أبي زياد وقد ُض ّعف‪.‬‬
‫وأخرج قصة الغسل ابن سعد ‪ 532/5‬عن مالك بن إسماعيل النهدي‪ ،‬عن مسعود=‬

‫‪225‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫وروى أبو داود بسنده َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن ِإ ْس َح َاق‪َ ،‬ح َّدثَ ِني يَ ْح َيى ْب ُن‬
‫ول‪:‬‬ ‫َع َّبا ٍد‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ َع َّبادِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ال ُّزبَ ْيرِ قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َعائِ َش َة‪َ ،‬ت ُق ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫ل َ َّما أَ َر ُادوا َغ ْس َل النَّب ِِّي ‪ ‬قَالُوا‪َ :‬واهلل ِ َما نَ ْدرِي أَنُ َج ِّر ُد َر ُس َ‬
‫‪ِ ‬م ْن ثِ َيابِه ِ َك َما نُ َج ِّر ُد َم ْو َتانَا‪ ،‬أَ ْم نَ ْغ ِسلُ ُه َو َعلَ ْيه ِ ثِ َيابُ ُه؟ فَلَ َّما ْاخ َتلَ ُفوا‬
‫أَ ْل َقى اهللُ َعلَ ْيه ُِم النَّ ْو َم َح َّتى َما ِم ْن ُه ْم َر ُجل ِإ َّال َو َذ ْقنُ ُه(‪ِ )1‬في َص ْد ِرهِ‪ ،‬ثُ َّم‬
‫ت َال يَ ْد ُرو َن َم ْن ُه َو‪> :‬أَ ْن ْاغ ِسلُوا النَّب َِّي‬ ‫اح َيةِ ا ْلب ْي ِ‬‫َكلَّ َم ُه ْم م َكل ِّم ِم ْن نَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وه َو َعلَ ْيه ِ‬ ‫‪َ ‬و َعلَ ْيه ِ ثِ َيابُ ُه‪ ،‬فَ َق ُاموا ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬فَ َغ َسلُ ُ‬
‫ص ُدو َن أَ ْي ِديه ِْم<‪،‬‬ ‫ص َويُ َدل ِّ ُكونَ ُه بِا ْل َق ِمي ِ‬ ‫اء فَ ْو َق ا ْل َق ِمي ِ‬ ‫قَ ِم ُ‬
‫يص ُه‪ ،‬يَ ُص ُّبو َن ا ْل َم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ابن سعد‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد‪ ،‬عن عبد اهلل بن الحارث أن عليا لما قبض النبي قام‬
‫فأرت َج الباب‪.‬‬
‫َ‬
‫وأخرج ابن سعد ‪ ،555/5‬والبيهقي في >الدالئل< ‪ 522/5‬من طريق إسماعيل بن أبي‬
‫رسول اهلل ‪ ‬علي بن أبي طالب‪ ،‬والفضل بن‬ ‫َ‬ ‫خالد‪ ،‬عن الشعبي قال‪ :‬غسل‬
‫العباس‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وكان علي يغسله ويقول‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬طبت ميتا وحيا‪.‬‬
‫وأخرج ابن سعد ‪ 555/5‬ــ ‪ 553‬من طريق المغيرة بن مقسم‪ ،‬عن إبراهيم النخعي‬
‫قال‪ :‬غسل رسول اهلل ‪ ‬العباس وعلي والفضل‪ ،‬والعباس يسترهم‪.‬‬
‫وأخرج ابن سعد أيضا ‪ 553/5‬من مرسل الزهري نحوه وزاد‪ :‬وصالح مولى رسول‬
‫اهلل ‪ .‬وله شواهد أخرى مرسلة عنده انظرها فيه ‪ 555/5‬ــ ‪.532‬‬
‫وقصة تكفينه في ثوبين أبيضين وبرد حبرة لها شواهد مرسلة عند ابن سعد ‪ 532/5‬ــ‬
‫‪ ،532‬لكنها مخالفة لما ثبت في الصحيح عن عائشة أنه ‪ ‬كفن في ثالثة‬
‫أثواب بيض سحولية‪( .‬راجع‪ :‬تحقيق الشيخ شعيب وآخرون على المسند‪ ،‬حاشية‬
‫‪.)133/2‬‬
‫(‪ )1‬الذقن‪ :‬بفتح الذال المعجمة‪ ،‬والقاف ــ مجتمع اللحيين (العين‪ 122/2 :‬ــ شرح‬
‫سنن أبي داود للعيني‪.)52/0 :‬‬
‫‪223‬‬
‫العباس ومرض انليب ‘‬

‫َو َكانَ ْت َعائِ َش ُة َت ُق ُ‬


‫ول‪> :‬ل َ ْو ْاس َت ْق َب ْل ُت ِم ْن أَ ْمرِي َما ْاس َت ْدبَ ْر ُت‪َ ،‬ما َغ َسلَ ُه ِإ َّال‬
‫نِ َسا ُؤ ُه<(‪.)1‬‬
‫َو َر َوى ْاب ُن ِح َّبا َن ِفي َص ِحي ِحه ِ َع ْن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س قَ َال‪َ :‬د َخ َل قَ ْب َر النَّب ِِّي‬
‫اس َو َعلِي َوا ْل َف ْض ُل‪َ ،‬و َس َّوى ل َ ْح َد ُه َر ُجل ِم ْن ْاألَ ْن َصا ِر‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫‪ ‬ا ْل َع َّب ُ‬
‫ال َّ ِذي َس َّوى ل ُ ُح َ‬
‫ود ْاألَ ْن َصا ِر يَ ْو َم بَ ْد ٍر(‪.)5‬‬
‫‪‬‬ ‫وعليه فقد كان للعباس ‪ ‬دور واضح عند مرض النبي‬
‫ووفاته‪ ،‬بل وبعد وفاته‪ ،‬وكيف ال يكون ذلك كذلك وهو عمه‪ ،‬ومن‬
‫الش ْعب ُِّي‪َ :‬و َم ْن يَلِي َّ‬
‫الر ُج َل ِإ َّال‬ ‫أكثر الناس مصابا به‪ ،‬وعلى ح ِّد قول َّ‬
‫أَ ْهلُ ُه(‪)2‬؟‪.‬‬
‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود‪ :‬ح (‪ )2121‬في كتاب الجنائز‪ ،‬باب‪ :‬في ستر الميت عند غسله‪،‬‬
‫وقال الذهبي في التاريخ‪َ )252/1( :‬ص ِحيح أَ ْخ َر َج ُه أَبُو داود‪ .‬وكذا ّ‬
‫صححه في‬
‫وصححه األلباني في >صحيح سنن أبي داود<‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السير‪.)223/5( :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن حبان‪ :‬ح (‪ )0022‬ــ والطحاوي في شرح مشكل اآلثار‪ 500/5 :‬ح‬
‫(‪ )5322‬ــ من طريق السدي عن عكرمة عن ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى‪ ،522/2 :‬رقم‪.5205 :‬‬
‫‪222‬‬
‫العباس وابليعة‬

‫العباس والبيعة‬
‫إمامة المسلمين العامة هي خالفة الرسول ‪ ‬في إقامة‬
‫الدين‪ ،‬وحفظ حوزة الملة‪ ،‬وهي ليست حقا شخصيا‪ ،‬أو امتيازا لفر ٍد‬
‫أو لفئةٍ‪ ،‬ولكنها وظيفة تؤدى‪ ،‬ويراعى فيها حراسة الدين والدفاع عنه‬
‫وإبالغه للعالمين‪ ،‬وسياسة الدنيا به؛ وذلك باالحتكام إليه والرجوع إلى‬
‫أوامره ونواهيه‪.‬‬
‫ويعتقد أهل السنة أن اإلمامة واجبة‪ ،‬وأنها من فروض الكفايات‬
‫المنوطة بأهل الحل والعقد والتي يقصد الشارع حصولها في الجملة‪ ،‬ال‬
‫من آحاد المكلفين‪.‬‬
‫يقول الماوردي‪> :‬اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الدين‬
‫وسياسة الدنيا‪ ،‬وعقدها لمن يقوم بها في األمة واجب باإلجماع‪ ..‬فإذا‬
‫ثبت وجوب اإلمامة ففرضها على المكلف كالجهاد وطلب العلم‪ ،‬إذا قام‬
‫بها من هو أهلها سقط فرضها عن الكفاية‪ ،‬وإن لم يقم بها أحد خرج‬
‫من الناس فريقان‪ :‬أحدهما أهل الحل والعقد حتى يختاروا إماما لألمة‬
‫يأمرهم‪ ،‬والثاني أهل اإلمامة حتى ينتصب أحدهم لإلمامة وليس على‬
‫من عدا هذين الفريقين من األمة في تأخير اإلمامة حرج وال مأثم<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الماوردي‪ :‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬ص‪ 2‬ــ ‪.0‬‬
‫‪212‬‬
‫العباس وابليعة‬

‫وطريق انعقاد اإلمامة يتمثل في البيعة ويراد بها‪ :‬اختيار أهل الحل‬
‫والعقد؛ من األمراء‪ ،‬والعلماء‪ ،‬والرؤساء‪ ،‬ووجوه الناس الذين يتيسر‬
‫حضورهم ببلد اإلمام‪ .‬رجال ليتولى أمر األمة لجلب المنافع الدينية‬
‫والدنيوية ودفع المضار عنها‪ ،‬وقمع الفتن وإقامة الحدود ونشر العدل‬
‫بينهم وردع الظالم ونصر المظلوم‪.‬‬
‫ومن خالل البيعة يتم تنصيب الخليفة لرئاسة المسلمين العامة التي‬
‫تخلُف النبي ‪ ‬في حراسة الدين وسياسة الدنيا به‪.‬‬
‫وقد اشترط العلماء لصحة عقد البيعة خمسة شروط‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يجتمع في المأخوذ له البيعة شروط اإلمامة(‪.)1‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون المتولي لعقد البيعة أهل الحل والعقد من العلماء‬
‫والرؤساء وسائر وجوه الناس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يجيب المبايع إلى البيعة‪ ،‬فلو امتنع لم تنعقد إمامته‪،‬‬
‫ولم يجبر عليها‪ ،‬وقال النووي في الروضة‪ :‬إال أن يكون من ال يصلح‬
‫لإلمامة إال واحد ُفيجبر بال خالف‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬اإلشهاد على المبايعة إال إذا كان العاقد واحدا‪ ،‬أما إذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وهي‪ :‬اإلسالم ــ الحرية ــ العدالة ــ الذكورة ــ البلوغ ــ العقل ــ البصر ــ السمع ــ‬
‫النطق ــ سالمة األعضاء من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض ــ الشجاعة‬
‫والنجدة ــ العلم المؤ ِّدى إلى االجتهاد في النوازل واألحكام ــ صحة الرأي والتدبير ــ‬
‫النسب‪ ،‬والمراد به أن يكون من قريش‪( .‬راجع‪ :‬مآثر اإلنافة في معالم الخالفة‪،‬‬
‫‪ 21/1‬ــ ‪ ،23‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪.)0‬‬
‫‪211‬‬
‫العباس وابليعة‬

‫كان العاقد للبيعة جمعا فإنه ال يُشترط اإلشهاد‪.‬‬


‫الخامس‪ :‬أن ي َّتحد المعقود له‪ ،‬بأال ُتعقد البيعة ألكثر من واحد‪،‬‬
‫لما رواه مسلم أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪> :‬إذا بويع لخليفتين فاقتلوا‬
‫اآلخر منهما<(‪.)1‬‬
‫وعليه فالبيعة ملزمة وال يجوز بحال الخروج على من ارتضته‬
‫جماعة المسلمين إماما لها‪ ،‬وجحد بيعته‪ ،‬وهذا ما عرفه العباس ‪‬‬

‫للخلفاء الثالثة األُ َول ‪‬؛ حيث أقر ببيعتهم وارتضى خالفتهم‪ ،‬بل‬
‫وخرج غازيا تحت إمرتهم‪ ،‬وهذا ما ستوضحه الصفحات التالية‪.‬‬

‫‪ ‬موقف العباس من بيعة الخلفاء الثالثة‪:‬‬


‫لعل من نافلة القول هنا أن نذ ِّكر بأن العباس بن عبد المطلب‬
‫‪ ‬بايع الخلفاء الثالثة أبا بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬وارتضى‬
‫خالفتهم‪ ،‬وما كان له موقف معارض لبيعتهم‪.‬‬
‫وال عبرة بما أشاعه البعض من رفض العباس‪ ،‬تبعا لبني هاشم‪،‬‬
‫بيعة أبي بكر ‪ ‬وما تالها؛ لمعارضته الوقائع التاريخية التي أيدتها‬
‫صحيح الروايات‪ ،‬وهذا ما سنعرض له بشيء من التفصيل في الفصل‬
‫المخصص لرد الشبهات الواردة حول العباس ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫الفاروق عمر‬
‫َ‬ ‫وكما بايع العباس أبا بكر ‪ ،‬فقد بايع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مآثر اإلنافة‪ 21/1 :‬ــ ‪ .20‬والحديث أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪.)1322‬‬
‫‪215‬‬
‫العباس وابليعة‬

‫وارتضاه خليفة‪ ،‬وما خرج عن إجماع األمة عليه‪ ،‬بل وأثبت والءه له‬
‫مرات ومرات‪ ،‬لعل من أبرزها خروجه معه في فتح الشام‪ ،‬وفيه خير‬
‫دليل على رضاه بخالفته وإقراره ببيعته(‪.)1‬‬
‫عين أهل الشورى الستة‪،‬‬‫واستشهد الفاروق ‪ ،‬وكان قد َّ‬ ‫ُ‬
‫وليس منهم العباس بن عبد المطلب ‪ ‬حيث اختارهم الفاروق على‬
‫أساس السبق في اإلسالم والهجرة‪.‬‬
‫وبعد مشاورات وأخذ ور ّد بينهم استقر رأيهم على عثمان ‪،‬‬
‫استقر رأيهم عليه أقبل الناس على مبايعته‪ ،‬وكان منهم العباس‬
‫َّ‬ ‫وفور ما‬
‫ابن عبد المطلب ‪.‬‬
‫ورغم أن العباس لم يكن من الستة أصحاب الشورى إال أنه فيما‬
‫يبدو كان حريصا على إنجاح أمرهم‪ ،‬وتهيئة نفوس الناس للتعامل مع‬
‫وتقبل ما يخرج عن الشورى‪.‬‬
‫هذا الحدث الجلل والمتمثل بمقتل عمر‪ُّ ،‬‬
‫س قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت ُع َم َر‬ ‫ف ْب ِن قَ ْي ٍ‬ ‫فقد روى البالذري بسنده َع ِن األَ ْحنَ ِ‬
‫س َول َ ْي َس ِم ْن ُه ْم أَ َحد يَ ْد ُخ ُل ِفي أَ ْم ٍر‬ ‫اء النَّا ِ‬ ‫ول‪ :‬قُ َر ْيش ُر َؤ َس ُ‬ ‫ا ْب َن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اب يَ ُق ُ‬
‫س‬ ‫ِإال َد َخ َل َم َع ُه ِفيه ِ طَائِ َفة‪ ،‬فَلَ َّما ُط ِع َن ُع َم ُر أَ َم َر ُص َه ْيبا أَ ْن يُ َصل َِّي بِالنَّا ِ‬
‫َويُ ْط ِع َم ُه ْم ثَالثَ َة أَيَّامٍ َح َّتى يَ ْج َت ِم ُعوا َعلَى َر ُج ٍل ِم َن ال ِّس َّتةِ‪ ،‬فلما وضعت‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اس ِإ َّن َر ُس َ‬ ‫اس‪ :‬أَيُّ َها النَّ ُ‬ ‫ا ْل َم َوائِ ُد َك َّف النَّ ُ‬
‫اس َع ِن ال َّط َعامِ‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع في خروج العباس إلى الشام في صحبة عمر‪ :‬البداية والنهاية البن كثير‪22/5 :‬‬
‫وما بعدها‪ .‬ــ تاريخ دمشق‪ :‬ابن عساكر‪.552/50 ،‬‬
‫‪212‬‬
‫العباس وابليعة‬

‫ِض فَأَ َك ْلنَا بَ ْع َد ُه َو َشر ِْبنَا‪َ ،‬و ُت ُوف ِّ َي أَبُو بَ ْك ٍر فَأَ َك ْلنَا بَ ْع َد ُه َو َشر ِْبنَا‪،‬‬
‫‪ ‬قُب َ‬
‫اس‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َع َر ْف ُت قَ ْو َل ُع َم َر(‪.)1‬‬ ‫َو ِإنَّ ُه ال بُ َّد ِم َن األَ ْك ِل‪ ،‬فَأَ َك َل َوأَ َك َل النَّ ُ‬
‫يقول اإلمام ابن تيمية في شأن بيعة عثمان‪َ :‬وقَ ْد بَايَ ُعوا ـ الصحابة ـ‬
‫النَّبِي ـ ‪ ‬ـ َعلَى أَ ْن ي ُقولُوا ا ْلح َّق َحي ُثما َكانُوا‪َ ،‬ال ي َخافُو َن ِفي اهلل ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وه‬
‫ين بَايَ ُع ُ‬ ‫ل َ ْو َم َة َالئِ ٍم‪َ ،‬ول َ ْم يُ ْن ِك ْر أَ َحد ِم ْن ُه ْم و َِاليَ َة ُع ْث َما َن‪ ،‬بَ ْل َكا َن ِفي ال َّ ِذ َ‬
‫اس ٍر َو ُص َه ْيب َوأَبُو َذر َو َخ َّباب َوا ْل ِم ْق َد ُاد ْب ُن ْاألَ ْس َودِ َو ْاب ُن‬ ‫َع َّم ُار ْب ُن يَ ِ‬
‫ِ‬
‫اس‬ ‫َم ْس ُعو ٍد‪َ .‬وقَ َال ْاب ُن َم ْس ُعو ٍد‪َ :‬ول َّ ْينَا أَ ْع َالنَا َذا فُو ٍق َول َ ْم نَ ْأ ُل‪َ .‬وفيه ُِم ا ْل َع َّب ُ‬
‫ت َوأَ ْم َثالِه ِ‪،‬‬ ‫الصا ِم ِ‬‫ا ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪َ ،‬و ِفيه ِْم ِم َن النُّ َق َب ِاء ِم ْث ُل ُع َب َاد َة ْب ِن َّ‬
‫ِي َوأَ ْم َثالِه ِ(‪.)5‬‬‫وب ْاألَ ْن َصار ِّ‬‫َو ِفيه ِْم ِم ْث ُل أَبِي أَيُّ َ‬
‫وكان العباس ‪َّ ‬‬
‫محط عناية عثمان ورعايته‪ ،‬واستشارته أيضا‪.‬‬
‫وورد استشارته له مع غيره من كبار الصحابة في فتح أفريقية‪.‬‬
‫فقد ورد إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان من واليه على مصر‬
‫>عبد اهلل بن سعد< أن المسلمين يغيرون على أطراف إفريقية فيصيبون‬
‫من عدوهم‪ ،‬وأنهم قريبون من حوز المسلمين‪ ،‬فأعرب عثمان بن عفان‬
‫‪ ‬ــ على إثر ذلك ــ للمسور بن مخرمة عن رغبته في بعث الجيوش‬
‫لغزو إفريقية‪ ،‬جاء في هذا الصدد ما نصه‪ :‬فما رأيك يا ابن مخرمة؟‬
‫قلت‪ :‬اغزهم‪ ،‬قال‪ :‬أجمع اليوم األكابر من أصحاب رسول اهلل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف‪.13/2 :‬‬
‫(‪ )5‬منهاج السنة‪.122/0 :‬‬
‫‪212‬‬
‫العباس وابليعة‬

‫وأستشيرهم‪ ،‬فما أجمعوا عليه فعلته‪ ،‬أو ما أجمع عليه أكثرهم فعلته‪..‬‬
‫رأيت عليا‪ ،‬وطلحة والزبير والعباس‪ ،‬وذكر رجاال‪ ،‬فخال بكل واح ٍد‬
‫منهم في المسجد‪ ،‬ثم دعا أبا األعور >سعيد بن زيد< فقال له عثمان‪ :‬لم‬
‫كرهت ــ يا أبا األعور ــ من بعثة الجيوش إلى إفريقية؟ فقال له‪ :‬سمعت‬
‫>عمر< يقول‪ :‬ال أغزيها أحدا من المسلمين ما حملت عيناي الماء فال‬
‫أرى لك خالف عمر‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬واهلل ما نخافهم وإنهم لراضون أن‬
‫يقروا في مواضعهم‪ ،‬فال يغزون‪ ،‬فلم يختلف عليه أحد ممن شاوره‬
‫غيره‪ ،‬ثم خطب الناس‪ ،‬وندبهم إلى الغزو إلى إفريقية(‪.)1‬‬
‫ومما يجدر ذكره أن معبد بن العباس ‪ ‬خرج غازيا إلى‬
‫أفريقية مع ابن أبي السرح‪ ،‬واستشهد في الغزو(‪ ،)5‬وفيها أيضا غزا ابن‬
‫عباس مع الحسن والحسين وابن جعفر وابن عمر وابن عمرو وابن‬
‫الزبير ‪ ،‬كما ذكر ابن خلدون(‪.)2‬‬
‫وفي خالفة عثمان أيضا شارك الحسن والحسين وابن عباس وابن‬
‫عمر وابن جعفر ‪ ‬في غزو طبرستان سنة ‪22‬هـ(‪.)2‬‬
‫وفيه إثبات رضا هؤالء الكرام وبخاصة َمن هم من آل البيت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬رياض النفوس‪ 3/1 ،‬ــ ‪ .2‬الفتوح البن أعثم‪ 223/5 :‬ــ علي بن أبي طالب‬ ‫(‪)1‬‬
‫للصالبي‪ :‬ص‪.132‬‬
‫راجع‪ :‬المعارف البن قتيبة‪ ،‬ص‪ 155‬ــ فتوح البلدان‪ :‬ص‪ 550‬ــ تاريخ اإلسالم‬ ‫(‪)5‬‬
‫للذهبي‪ 220/2 :‬ــ البداية والنهاية‪.551/5 :‬‬
‫تاريخ ابن خلدون‪.252/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫راجع‪ :‬تاريخ الطبري‪ .502/2 :‬تاريخ ابن خلدون‪ .235/5 :‬الكامل‪.22/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪212‬‬
‫العباس وابليعة‬

‫وبتحديد أدق‪ :‬أبناء العباس‪ ،‬عن خالفة عثمان ‪ ،‬بل وخروجهم‬


‫للجهاد في خالفته ‪.‬‬
‫ومع أن العباس ‪ ‬لم يشهد يوم الدار بخطوبه وكروبه إال أنه‬
‫عايش بدايات أمره‪ ،‬ولعله استشرف بفطنته وحسن عقله ما قد يحدث أو‬
‫بعضه‪.‬‬

‫الناس ِفي أمر ُع ْث َمان‪ُ :‬‬


‫الله َّم اسبق بي‬ ‫َولذا َكا َن يَ ُقول ِح َ‬
‫ين نشب ُ‬
‫أحب أَن أدركه(‪.)1‬‬ ‫أمرا ال ّ‬
‫ولما توفي العباس في يَ ْو َم ا ْل ُج ُم َعةِ ألَ ْربَ َع َع ْش َر َة َخلَ ْت ِم ْن َر َج ٍب‬
‫ين ِفي ِخالفَةِ ُع ْث َما َن ْب ِن َعفَّا َن‪ ،‬حضر عثمان غسله(‪،)5‬‬ ‫َسنَ َة ا ْثنَ َت ْي ِن َوثَالثِ َ‬
‫وروي أنه صلَّى عليه(‪ ،)2‬ويقال‪ِ :‬إن ُع ْث َمان ْبن َعفَّان نزل ِفي قبره(‪.)2‬‬
‫وفيه دليل على حسن الصلة بينهما‪ ،‬بما يخرص ألسنة اإلفك‬
‫ودعاة البغي‪ ،‬ويقطع عليهم حججهم الواهية وشبهاتهم المزعومة‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أنساب األشراف‪.55/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.52/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أنساب األشراف‪.55/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪210‬‬
‫العباس مكانته ومناقبه‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫الحديث عن مكانة العباس ‪ ‬ومناقبه حديث ذو شجون‪،‬‬


‫فبجانب كونه حديثا عن عم النبي ‪ ،‬إال أنه أيضا حديث عن‬
‫السيادة بكل مشتمالتها‪ ،‬حديث عن العزة والجاه‪ ،‬عن الشرف‬
‫والسؤدد‪ ،‬عن مطعم الفقراء ومؤ ِّدب السفهاء‪ ،‬عن عظيم من سروات آل‬
‫بيت النبي ‪.‬‬

‫العباس مكانة ومنزلة‬


‫قد يتسنم بعض األشخاص ذرى المجد‪ ،‬وهامات الشرف‪،‬‬
‫وأطايب المنازل‪ ،‬بعض الوقت وفي مرحلة خاصة من حياتهم‪ ،‬لكن‬
‫نادرا ما يحظى بعض الناس برفعة المكانة كل حياتهم‪ ،‬ومن هؤالء النفر‬
‫كان العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬حيث تبوأ مكانة رفيعة ومنزلة‬
‫سامقة بين قومه جاهلية وإسالما‪ ،‬فما هانت مكانته‪ ،‬وال اندحرت‬
‫منزلته يوما‪ ،‬وكان ‪ ‬خليقا بمكانته تلك حريصا عليها‪.‬‬
‫وسنتعرض في هذا الجزء من البحث لبيان مكانة العباس ومنزلته‬
‫عند قريش في الجاهلية ومكانته في اإلسالم عند النبي ‪ ‬وعند‬
‫الصحابة‪.‬‬

‫‪ ‬مكانته ‪ ‬عند قريش (في الجاهلية)‪:‬‬


‫بمكانة كبيرة قبل اإلسالم‪ ،‬وازدادت مكانته‬ ‫‪‬‬ ‫حظي العباس‬

‫‪212‬‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫بإسالمه‪ ،‬فهو من سادة قريش في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬وج ُّد الخلفاء‬


‫العباسيين‪ ،‬وكانت إليه في الجاهلية السقاية وعمارة المسجد الحرام‪.‬‬
‫ونبدأ ببواكير نبوغه‪ ،‬فلقد رأى منه أبوه عبد المطلب بوادر العقل‬
‫منذ صغره واستبشر بذلك وتنبأ بعظيم مكانته‪ .‬فقال فيه من شدة إعجابه‬
‫به‪:‬‬
‫ينبـــى إن كبـــر أن يمنــع القــوم إذا ضــاع الــدبر‬
‫ظنـــي بعبـــاس ّ‬
‫وينــزع الســجل إذا اليــوم اقمطــر ويســقي الحــاج إذا الحــاج كثــر‬
‫وينحر الكوماء في اليوم الحصر ويفصل الخطبة في األمـر المبـر‬
‫ويكســو الــريط اليمــاني واألزر ويكشف الكرب إذا ما اليوم هر‬
‫(‪)1‬‬
‫أكمــل مــن عبــد كــالل وحجــر لو جمعا لم يبلغـا منـه العشـر‬
‫يقول ابن ظفر المكي‪ :‬ولما ترعرع العباس سودته قريش وذلك أن‬
‫قريشا كانت إذا حضرتها الحرب أقرعت بين ساداتها فأيهم خرج سهمه‬
‫صدروا عن أمره‪ ،‬فلما كان حرب الفجار حضرت قريش لذلك فأدخلوا‬
‫معهم العباس وهو حديث السن‪ ،‬فخرج سهمه فأجلسوه على فرش‬
‫وأحاطوا به وكان العباس نديما ألبي سفيان بن حرب في الجاهلية(‪.)5‬‬
‫وانتهت السيادة في مكة إلى العباس وأبي سفيان بن حرب‪ ...‬ثم‬
‫انفرد العباس بسيادة قريش بشهادة رسول اهلل ‪ ‬بذلك حين قال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أورده ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ .532/50 :‬والبالذري في أنساب األشراف‪:‬‬
‫‪.32/1‬‬
‫(‪ )5‬أنباء نجباء األبناء‪ :‬ص‪.22‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫هذا العباس أجود قريش وأوصلها لها(‪.)1‬‬


‫أقر الجميع للعباس ‪ ‬بهذا السؤدد‪ ،‬وفي ذلك يقول‬ ‫وقد َّ‬
‫العباس بن مرداس يأمر رجال من قومه أن يعوذ بالعباس وأبي سفيان من‬
‫الظلم‪ ،‬وذلك أن رجال من بني سليم جاور رجال من أفناء العرب فلم‬
‫يحمد جواره‪ ،‬فقال في ذلك العباس بن مرداس السلمي‪( :‬البسيط)‬
‫إن كــان جــارك لــم تنفعــك ذمتــه حتى سقيت بكأس الموت أنفاسا‬
‫فبالفنــــــاء فنــــــاء اهلل اعتصــــــم لــم يغــش ناديــه فحشــا وال بأســا‬
‫وآت القباب فكن من أهلهـا صـددا تلق ابن حرب وتلق المرء عباسـا‬
‫(‪)2‬‬
‫بالمجد والحزم ما حازا وما ساسـا‬ ‫قرمــا قــريش وحـ ّـال فــي ذؤابتهــا‬
‫وتروى‪:‬‬
‫سقيت بكـأس الـذلِّ أنفاسـا‬
‫َ‬ ‫حتى‬ ‫ـارك لــم تنفعــك ذم ُّت ـه‬
‫إن كــان جـ ُ‬
‫عباسـا‬
‫حرب وتلقى المرأ َّ‬
‫تلقى ابن ٍ‬ ‫البيوت فكن من أهلهـا صـددا‬ ‫َ‬ ‫فأت‬
‫(‪)4‬‬
‫والمجد يـورث أخماسـا وأسداسـا‬ ‫ساقي الحجـيج وهـذا ياسـر فلـج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنباء نجباء األبناء‪ :‬ص‪.22‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬المنمق‪ ،‬ص‪ 22‬ــ أنباء نجباء األبناء‪ :‬ص‪ 22‬ــ األغاني‪.02/10 :‬‬
‫(‪ )2‬وأصل ذلك أن قيس بن نشبة دخل مكة فباع إبال له من رجل من قريش فلواه حقه‬
‫فكان يقوم ويقول‪( :‬الرجز)‬
‫في حرمة البيـ ِ‬
‫ت وأخـال ِق الكـرم‬ ‫يــال فهــر كيــف هــذا فــي الحــرم‬
‫أُظلم ال يمنع مني من ظلم‬
‫وبلغ الخبر العباس بن مرداس ــ وكان قيسا عمه أو ابن عمه‪( .‬اإلصابة‪.)232/2 :‬‬
‫=‬ ‫ــ فقال أبياته تلك وبعث بها مع الحاج إلى قيس بن نشبة بن أبي عامر‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫يقول ابن حبيب تحت عنوان أشراف قريش‪ :‬كان الشرف والرياسة‬
‫من قريش في الجاهلية في بنى قصي ال ينا َزعونه وال يفخر عليهم فاخر‪.‬‬
‫فلم يزالوا ينقاد لهم ويرأَّسون‪ .‬وكانت لقريش ست مآثر كلها لبنى قصي‬
‫دون سائر قريش‪ .‬منها الحجابة‪ ،‬والسقاية‪ ،‬والرفادة‪ ،‬والندوة‪ ،‬واللواء‪،‬‬
‫والرياسة‪ .‬فلما هلك حرب بن أمية‪ ،‬وكان حرب رئيسا بعد المطلب‪،‬‬
‫تفرقت الرياسة والشرف في بني عبد مناف‪ .‬فكان في بني هاشم‪:‬‬
‫الزبير‪ ،‬وأبو طالب‪ ،‬وحمزة‪ ،‬والعباس بنو عبد المطلب(‪.)1‬‬
‫وفي الذخائر للمحب الطبري‪ :‬وكان العباس في الجاهلية رئيسا‬
‫في قريش وإليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد أبي طالب؛ أما‬
‫السقاية فمعروفة وأما عمارة المسجد الحرام فكان ال يدع أحدا يشبب‬
‫فيه وال يقول فيه هجرا‪ ،‬وكانت قريش قد اجتمعت وتعاقدت على ذلك‬
‫فكانوا له عونا عليه وأسلموا ذلك إليه‪ .‬ذكره الزبير بن بكار وغيره من‬
‫علماء النسب(‪.)5‬‬
‫وفي المنمق عن السائب المخزومي عن أبيه قال‪ :‬كان للعباس بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= فلما ظهر هذا الشعر قال أبو سفيان‪ :‬إنه قد جعل المجد أخماسا وأسداسا فصير‬
‫األخماس للعباس وصير لي األسداس‪ ،‬فعليك بالعباس‪ ،‬فذهب إلى العباس فأخذ له‬
‫علي‪( .‬المنمق‪:‬‬
‫بحقه وقال له‪ :‬إنا لك جار كلما دخلت مكة فما ذهب لك فهو ّ‬
‫ص‪ .122‬والقصة أوردها ابن حجر مختصرة في اإلصابة‪ ،231/2 :‬وراجع‪ :‬نهاية‬
‫األرب للنويري‪.)505/0 ،‬‬
‫(‪ )1‬المحبر‪ :‬ص‪.102‬‬
‫(‪ )5‬ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى‪ :‬المحب الطبري‪ ،‬ص‪.130‬‬

‫‪255‬‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫عبد المطلب ثوب لعاري بني هاشم وجفنة لجائعهم ومقطرة(‪ )1‬لسفيههم‬
‫ــ أو ربما قال‪ :‬لجاهلهم ــ وكان يمنع جاره ويبذل ماله ويعطي النابية‬
‫في قومه(‪.)5‬‬
‫ِي َع ِن ْاب ِن ا ْل ُم َسيِّ ِب قَ َال‪ :‬ل َ َق ْد‬ ‫وأخرج البالذري بسنده إلى ال ُّز ْهر ِّ‬
‫ور َعلَى فُ َق َر ِاء بَ ِني َه ِاش ٍم‪َ ،‬و ِإ َّن َس ْوط َُه‬ ‫الم َو ِإ َّن َج ْفنَ َة ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ل َ َت ُد ُ‬ ‫اء ْ ِ‬
‫اإل ْس ُ‬ ‫َج َ‬
‫الس ِف َيه‪َ ،‬وقَ َال‬ ‫َوقِ َّد ُه (قيده) َم َع ُه لِ ُس َف َهائِه ِْم‪ ،‬يُ ْط ِع ُم ا ْل َجائِ َع َويُ َؤ ِّد ُب َّ‬
‫السؤدد(‪.)2‬‬ ‫الزهري‪ :‬هذا واهلل ّ‬
‫وج ْفنة‬
‫وقال ال ُّزبَ ْير ْبن بكار‪ :‬كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم َ‬
‫ويبذُل المال‪ ،‬ويُعطي في النَّوائب‪ ،‬وكان‬
‫ُ‬ ‫لجائعهم‪ ،‬وكان يمنع الجار‪،‬‬
‫نديم أبي ُسفيان ْبن حرب في الجاهلية(‪.)2‬‬
‫اس ْب ُن‬
‫س قَ َال‪َ :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫وأخرج ابن سعد بسنده َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ ال َّ ِذي يَلِي أَ ْم َر بَ ِني َه ِاش ٍم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وفي سير النبالء‪ )32/5( :‬ومنظرة بدال من مقطرة‪ .‬والمنظرة‪ :‬المرقة وقد تحرفت في‬ ‫(‪)1‬‬
‫المطبوع‪ ..‬والمقطرة كمروحة‪ :‬خشبة فيها خروق يدخل فيها أرجل المسجونين قال في‬
‫>اللسان<‪ :‬وهي الفق وهي خشبة فيها خروق كل خرق على قدر سعة الساق يدخل فيها‬
‫أرجل المحبوسين مشتق من قطار اإلبل‪ ،‬ألن المحبوسين فيها على قطار واحد مضموم‬
‫بعضهم إلى بعض‪ ،‬أرجلهم في خروق خشبة مفلوقة على قدر سعة سوقهم‪.‬‬
‫المنمق‪ :‬ص‪.23‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫أنساب األشراف‪.15/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ اإلسالم‪.252/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الطبقات‪.25/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫وعن سيادته في قريش وحبهم له يروي الطبراني ع ْن َع ْب ِد اهلل ِ بن‬


‫ف ا ْل ُج َم ِح ُّي َعلَى َر ُسو ِل‬ ‫َحا ِرثَ َة‪ ،‬قَ َال‪ :‬ل َ َّما أَ ْن قَ ِد َم َص ْفوا ُن بن أُم َّي َة بن َخلَ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ > :‬علَى َم ْن نَ َز ْل َت يَا أَبَا‬ ‫اهلل ِ ‪ ،‬قَ َال ل َ ُه َر ُس ُ‬
‫ش‬ ‫ش لِ ُق َر ْي ٍ‬
‫س‪ ،‬قَ َال‪> :‬نَ َز ْل َت َعلَى أَ َش ِّد قُ َر ْي ٍ‬
‫َو ْه ٍب؟< قَ َال‪ :‬نَ َز ْل ُت َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ُح ًّبا<(‪.)1‬‬
‫وفي تاريخ دمشق‪ :‬قال عامر ــ الشعبي ــ لو أن العباس شهد بدرا‬
‫ما فضله أحد من الناس رأيا وال عقال(‪.)5‬‬
‫ومن رشحات مكانة العباس ومنزلته عند قريش ما قام به من سقاية‬
‫الحاج وعمارة البيت الحرام بعد أخيه أبي طالب عهدا منه في حياته‪.‬‬
‫وقد عرفت له قريش تلك المكانة‪ ،‬وأقره النبي ‪ ‬عليها‪،‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اء أَ ْس ُق ُف َغ َّز َة ِإلَى النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ‬ ‫ف َع ْن أَبِي َع ْبد اهلل األَ ْيل ِّي قَ َال‪َ :‬ج َ‬
‫ول اهلل ِ َهلَ َك عندي هاشم وعبد شمس َو ُه َما َت ِ‬
‫اج َرا ِن‬ ‫بِ َت ُبو َك فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫َو َه ِذهِ أَ ْم َوال ُ ُه َما‪ .‬قَ َال فَ َد َعا النَّب ُِّي ـ ‪ ‬ـ َع َّباسا فَ َق َال‪ :‬ا ْق ِس ْم َم َال‬
‫َه ِاش ٍم َعلَى ُك َب َر ِاء بَ ِني َه ِاش ٍم‪َ .‬و َد َعا أَبَا ُس ْف َيا َن ْب َن َح ْر ٍب فَ َق َال‪ :‬ا ْق ِس ْم َم َال‬
‫عبد شمس على ُك َب َر ِاء َول َ ِد َع ْبد شمس(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )5222‬والبالذري في األنساب‪ )15/2( :‬والحاكم‬
‫صححه الذهبي‪ .‬وفي السند إبراهيم بن عبد اهلل بن‬
‫في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2210‬و َّ‬
‫حارثة‪ ،‬مجهول الحال‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع‪ ،552/2 :‬ح (‪ )12252‬رواه‬
‫الطبراني‪ ،‬وفيه من لم أعرفهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق‪.222/50 :‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات الكبرى‪.12/2 :‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫ومن النص السابق يتبين أن النبي ‪ ‬أسند إلى العباس‬


‫مهمة توزيع مال هاشم على كبراء بني هاشم وهذه مهمة ال يتوالها إال‬
‫شريف في قومه مطاع فيهم‪.‬‬
‫وعن سيادة العباس في قريش يروي الحاكم بسنده ع ْن َع ْمرِو ْب ِن‬
‫ت قَ َال‪َ :‬د َخ َل َر ُجل َعلَى ا ْل ُح َس ْي ِن ْب ِن َعلِي ‪َ ‬و ُه َو يَ ْأ ُك ُل‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫ثَابِ ٍ‬
‫> ْاد ُن فَ ُك ْل<‪ ،‬قَ َال‪ِ :‬إنِّي قَ ْد أَ َك ْل ُت‪ ،‬قَ َال‪ِ > :‬ع ْن َد َم ْن؟<‪ ،‬قَ َال‪ِ :‬ع ْن َد ْاب ِن‬
‫ش<(‪.)1‬‬ ‫س‪ ،‬قَ َال‪> :‬أَ َما ِإ َّن أَبَ ُاه َكا َن َسيِّ َد قُ َر ْي ٍ‬
‫َع َّبا ٍ‬
‫وعن فضل العباس ‪ ‬في قومه‪ ،‬ومكانته فيهم يقول ِإ ْب َرا ِهيم ْبن‬
‫َعلِي ْبن َه ْرمة في ديوانه‪:‬‬
‫شـتاء النَّـاس أصـبح أشـهبا‬ ‫ُ‬ ‫ِإ َذا َما‬ ‫س ثـــالث يعـــ ّدها‬ ‫وكانـــت لعبـــا ٍ‬
‫المر ّعبــا‬
‫الســنام ُ‬
‫َ‬ ‫ــوم وجفنـــة تبــاح فيكســوها‬ ‫فسلســـلة تنهـــي الظلـ َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ــد تهببــا‬‫ثوبــه قَ ْ‬
‫ك ُ‬ ‫ــب َمـــا تـــزال معـــدة لعــا ٍر ضــري ٍ‬ ‫وحلَّـــة عصـ ٍ‬
‫كل هذه النصوص والشواهد صارخة بمكانة العباس ‪ ‬ومنزلته‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2220‬وسكت عنه الذهبي في التلخيص‪.‬‬
‫ورواته رواة الصحيحين سوى عمرو بن ثابت وهو ضعيف‪ ،‬متروك الحديث‪( .‬ميزان‬
‫االعتدال‪.)522/2 :‬‬
‫وأخرج الطبراني نحوا منه في الكبير‪ )5211( :‬واألوسط‪ )1222( :‬عن عمرو بن‬
‫ثابت حدثني حبيب بن أبي ثابت‪ ،‬به‪ ،‬غير أن فيه عبيد اهلل بن عباس بدال من ابن‬
‫عباس‪.‬‬
‫(‪ )5‬أنساب األشراف‪ .12/2 :‬وانظر‪ :‬االغاني‪ 202/2 :‬وما بعدها‪ ،‬و‪ ،522/2‬ووردت‬
‫هذه األبيات في تهذيب ابن عساكر‪ 553/5 :‬ــ ‪ ،2‬وفي ديوان ابن هرمة‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد جبار المعيبد‪ ،‬ص‪ 12‬ــ ‪.12‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس ماكنة ومزنلة‬

‫في الجاهلية‪ ،‬والتي ال يستطيع أن ينكرها عليه منكر أو يجحدها‬


‫جاحد‪ ،‬وكلها شاهدة على أصالته‪ ،‬وأنه لم يكن رقما على هامش‬
‫األحداث في بيئته ومجتمعه‪ ،‬بل كان شريفا في قومه‪ ،‬وصوال ألرحام‬
‫قريش‪ ،‬محسنا إليهم‪ ،‬ذا رأي سديد وعقل غزير‪.‬‬

‫** ** **‬

‫‪250‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫النيب ‪ ‬والعباس مكانة رفيعة وحب متبادل‬


‫بين العباس والنبي ‪ ‬عالقة قوية لم تنفصم عراها‪ ،‬أو‬
‫تفسد معالمها‪ ،‬تظللها القرابة النسبية والمودة القائمة جاهلية وإسالما‪،‬‬
‫وتتخللها أحداث ما عكَّرت صفو ودادهما‪ .‬وسنحاول من خالل‬
‫الصفحات القادمة بيان مالمح تلك العالقة المتبادلة‪.‬‬

‫‪ ‬مكانة العباس عند النبي ‪ ‬وحب النبي ‪ ‬له‪:‬‬


‫بداية أقول‪ :‬إن من أولى مناقب العباس بن عبد المطلب حب‬
‫النبي ‪ ‬له وهو أمر ظاهر واضح ال سيما بعد علمنا بالتقارب‬
‫الزمني بينهما حيث كان العباس أسن من رسول اهلل ‪ ‬بثالث‬
‫سنين ومن شأن هذا التقارب بما يحمله من خلطة أن يبعث على المحبة‬
‫ناهيك عن القرابة القريبة للعباس من النبي ‪‬؛ من كونه عمه‪،‬‬
‫فضال عن كثير من أحداث فصول تاريخيهما المشتركة نظرا لقربهما‬
‫وقرابتهما‪ ،‬مثل اشتراكهما في بناء الكعبة ونقلهما للحجارة معا(‪.)1‬‬
‫وكثرة مجالسة النبي ‪ ‬لعمه العباس ومخالطته له‪ ،‬كما ورد في‬
‫قصة كعب بن مالك والبراء بن معرور حينما سأال النبي ‪ ‬عن‬
‫صحة توجههما للكعبة قبل تحويل القبلة وفيها‪ .‬يقول كعب‪ :‬فَلَ ِقينَا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار مكة لألزرقي‪.201/5 :‬‬

‫‪255‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫َر ُجال ِم ْن أهل مكة‪ ،‬فسألناه عن رسول اهلل ‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ه ْل‬
‫َت ْعرِفَانِه ِ؟ قُ ْلنَا‪ :‬ال‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َه ْل تعرفان العباس ابن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب َع َّم ُه؟ قُ ْلنَا‪:‬‬
‫اجرا ــ قَ َال‪:‬‬ ‫اس‪َ ،‬كا َن ال يَ َز ُال يَ ْق َد ُم َعلَ ْينَا َت ِ‬
‫نَ َع ْم ــ قَ َال‪َ :‬وقَ ْد ُكنَّا نَ ْعر ُِف ا ْل َع َّب َ‬
‫فَ ِإ َذا َد َخ ْل ُت َما ا ْل َم ْس ِج َد فَ ُه َو الرجل الجالس مع العباس ابن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب(‪.)1‬‬
‫ولقد حظي بمكانة رفيعة ومنزلة سامقة عند رسول اهلل ‪،‬‬
‫فكان النبي ‪ ‬يكرم العباس ويعظمه ويجله وبخاصة بعد إسالمه‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬هذا عمي وصنو أبي‪ .‬ويقول لعمر‪ :‬أما شعرت أن عم الرجل‬
‫صنو أبيه(‪.)5‬‬
‫وعن ْابن أَبِي ال ِّزنَا ِد‪َ ،‬ع ْن ِه َشامٍ‪َ ،‬ع ْن أَبِ ْيه ِ‪ ،‬عن أم المؤمنين عائشة‬
‫قالت‪ :‬ما رأيت رسول اهلل عليه الصالة والسالم يجل أحدا ما يجل‬
‫العباس أو يكرِم العباس(‪.)2‬‬
‫س‪ِ :‬إ ْن‬
‫وعند أحمد في الفضائل بسنده عن ُك َر ْيب َم ْولَى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري‪.201/5 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب في تقديم الزكاة ومنعها‪ ،‬ح (‪ )232‬وأحمد في‬
‫المسند‪ :‬ح (‪ )3532‬وأبو داود في سننه‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب في تعجيل الزكاة‪ ،‬ح‬
‫(‪ )1052‬وقال الشيخ األلباني‪ :‬صحيح‪ .‬وأخرجه الترمذي من رواية أبي البختري عن‬
‫علي‪ ،‬ح (‪ )2502‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬وقال األلباني‪ :‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن األعرابي في معجمه‪ )322/5( :‬وأبو بكر البزار في الغيالنيات‪:‬‬
‫(ص‪502‬ح‪ )500 :‬والطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )0222‬والخطيب البغدادي في‬
‫تاريخ بغداد‪ )522/12( :‬ومن طريقه ابن عساكر‪ :‬في تاريخ دمشق‪ :‬ح (‪.)252/50‬‬
‫وأورده الذهبي في سير أعالم النبالء‪ ،222/2 :‬وقال‪ :‬إسناده صالح‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫الل ا ْل َول َ ِد َوالِدا أَ ْو َع ًّما(‪.)1‬‬ ‫َكا َن ر ُس ُ ِ‬


‫ول اهلل ل َ ُي ِج ُّل ا ْل َع َّب َ‬
‫اس ِإ ْج َ‬ ‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في الفضائل‪ :‬ح (‪ )1522‬وإسناده حسن‪ ،‬إال أن ابن أبي الزناد صدوق‬
‫تغير حفظه لما قدم بغداد‪ .‬وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ )222/50( :‬من‬ ‫َّ‬
‫طريق بكار بن محمد عن ابن أبي الزناد‪ ،‬وسنده حسن‪ ،‬غير ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ُن َع ْب ِد اهللِ‪،‬‬
‫فهو صدوق يخطئ‪.‬‬
‫وأخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫ح (‪ )2212‬من طريق عبد اهلل بن عمرو بن أبي أمية‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬وض َّعفه األلباني‪( :‬سلسلة األحاديث الضعيفة‬
‫‪ )501/2‬وقال‪ :‬ابن أبي أمية هذا ال يعرف حاله‪ ،‬قال ابن أبي حاتم في الجرح‬
‫والتعديل‪> )152/2( :‬سألت أبي عنه؟ فقال‪ :‬هذا شيخ أدركته بالبصرة‪ ،‬خرج إلى‬
‫الكوفة في بدو قدومنا البصرة‪ ،‬فلم نكتب عنه‪ ،‬وال أخبر أمره<‪.‬‬
‫لكن أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ )222/50( :‬من غير طريق ابن أمية‪ ،‬وإنما‬
‫يسى ْب ُن‬ ‫من طريق أبي َب ْك ٍر ُم َح َّم ُد ْب ُن ا ْل ُح َس ْي ِن‪ ،‬نا أَبُو ا ْل ُح َس ْي ِن ْب ُن ا ْل ُم ْه َت ِدي‪ ،‬أنا ِع َ‬
‫َعلِي‪ ،‬أنا َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُم َح َّم ٍد‪ ،‬نا َد ُاو ُد ْب ُن َع ْمرٍو‪ ،‬نا ْاب ُن أَبِي ال ِّزنَادِ‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن‬
‫ُع ْق َبة‪ ،‬عن كريب مولى ابن عباس‪ ..‬به‪.‬‬
‫وأخرجه الاللكائي من طريق عبد اهلل بن محمد به‪( .‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪:‬‬
‫‪1225/3‬ح‪.)5553 :‬‬
‫وأخرجه الطبراني في األوسط‪ ،32/5 :‬ح (‪ )0222‬من طريق ابن أبي الزناد عن‬
‫هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بلفظ‪ :‬ما رأيت النبي ‪ ‬يكرم أحدا ما يكرم‬
‫العباس‪ .‬وقال‪ :‬لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إال ابن أبي الزناد‪ ،‬وقال‬
‫الذهبي في السير‪ :‬إسناده صالح‪( .‬سير أعالم النبالء‪ .)22/2 :‬وفي السند عبد الرحمن‬
‫ابن أبي الزناد‪ ،‬صدوق تغير حفظه كما سبق ذكره‪.‬‬
‫و ُش َر ْحب َِيل ْب ِن َس ْع ٍد ضعيف الحديث (الميزان‪ ،)00/5 :‬وأبو معشر نجيح بن‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬ضعيف أسن واختلط‪ ،‬ضعفه ابن معين وأبو داود والنسائي‪ ،‬وقال‬
‫البخاري‪ :‬منكر الحديث‪( .‬تهذيب الكمال‪ )255/52 :‬وإبراهيم بن محمد بن بكار=‬

‫‪252‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫ويروي الطبراني بسنده عن أبي َر ِاف ٍع أَنَّ ُه بَ َّش َر النَّب َِّي ـ ‪ ‬ـ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ<(‪.)1‬‬ ‫س‪ ،‬فَأَ ْع َت َق ُه َر ُس ُ‬
‫بِ ِإ ْس َالمِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫وأخرج البغوي في ترجمة أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب‬
‫بسند له إلى الشعبي عن أبي هياج عن أبي سفيان بن الحارث عن أبيه‬
‫قال‪ :‬اليوم علمت أن العباس سيد العرب بعد رسول اهلل ‪ ،‬وأنه‬
‫أعظم الناس منزلة عند رسول اهلل ‪ ‬حين أحطره قريش بأصلها‬
‫فقال‪> :‬لئن قتلوه ال أستبقي منهم أحدا أبدا‪ ،‬وقال في حمزة حين قتل‬
‫ومثِّل به‪ :‬لئن بقيت ألقتلن ثالثين من قريش‪ ،‬وقال المكثر‪ :‬سبعين<(‪.)5‬‬
‫ُ‬
‫س عن َد‬
‫العباس أعظم النَّا ِ‬
‫ُ‬ ‫وأورده ابن حجر في اإلصابة بلفظ‪ :‬كا َن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= مجهول الحال‪.‬‬
‫وأخرجه الحاكم (‪ ،225/2‬ح‪َ )2223 :‬ع ْن َد ُاو َد ْب ِن َعطَ ٍاء ا ْل َم َدنِ ِّي‪َ ،‬ع ْن َز ْي ِد ْب ِن‬
‫س ْب ِن‬ ‫الر َم َاد ِة بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫اب َع َام َّ‬ ‫أَ ْسلَ َم‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ُع َم َر أَنَّ ُه قَ َال‪ْ :‬اس َت ْس َقى ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اس‪ ،‬نَ َت َو َّج ُه ِإل َ ْي َك بِه ِ فَ ْاس ِقنَا‪ ،‬فَ َما بَر ُِحوا‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَ َق َال‪ُ :‬‬
‫>الله َّم َه َذا َع ُّم َنبِيِّ َك ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اس‪ِ ،‬إ َّن َر ُس َ‬ ‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬أَيُّ َها النَّ ُ‬ ‫َح َّتى َس َق ُاه ُم اهللُ‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َخطَ َب ُع َم ُر النَّ َ‬
‫س َما يَ َرى ا ْل َول َ ُد لِ َوالِ ِدهِ‪ ،‬يُ َعظ ُِّم ُه‪َ ،‬ويُ َف ِّخ ُم ُه‪َ ،‬ويَ َب ُّر قَ َس َم ُه فَا ْق َت ُدوا‬ ‫‪َ ‬كا َن يَ َرى لِل َْع َّبا ِ‬
‫ُوه َو ِسيلَة ِإلَى اهلل ِ َع َّز َو َجلَّ‬ ‫س‪َ ،‬وا َّت ِخذ ُ‬ ‫اس ب َِر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬في َع ِّمه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫يما نَ َز َل بِ ُك ْم< وسكت عنه الحاكم‪ ،‬وكأنه لضعفه الشديد؛ وتعقبه الذهبي بقوله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬
‫>داود؛ متروك<‪( .‬راجع‪ :‬سلسلة األحاديث الضعيفة‪ 505/2 :‬رقم‪.)2502 :‬‬
‫يث َع ْن أَبِي َر ِاف ٍع‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )5202‬وقال‪َ :‬ال يُ ْر َوى َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ت َف َّر َد بِه ِ ُم َح َّم ُد ْب ُن بَكَّا ٍر‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع‪503/2( :‬ح‪:‬‬ ‫ِإ َّال بِ َه َذا ْ ِ‬
‫‪َ )12202‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ِفي ْاألَ ْو َس ِط‪َ ،‬و ِإ ْسنَ ُاد ُه َح َسن‪.‬‬
‫(‪ )5‬معجم الصحابة للبغوي‪ ،233/2 :‬ح (‪.)1321‬‬

‫‪222‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫للعباس بفضلِه ويُ َشاورونَه‬


‫والصحاب ُة يعترفون َّ‬ ‫‪‬‬ ‫رسو ِل اهلل‬
‫ويأخذو َن رأيَه(‪.)1‬‬
‫وتقول السيدة َعائِ َش َة ‪ ‬فيما يرويه عنها عروة بن الزبير‪،‬‬
‫قَال َ ْت‪ :‬يَا ْاب َن أُ ْخ ِتي ل َ َق ْد َرأَ ْي ُت ِم ْن َت ْع ِظيمِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬ع ِّمه ِ أَ ْمرا‬
‫َع ِجيبا‪ ..‬ثم ساقت حديث اللدود(‪.)5‬‬
‫فقد حظي العباس بمكانة سامقة عند رسول اهلل ‪ ‬وكان‬
‫موضع ثقة رسول اهلل ‪ ،‬وأظهر النبي ‪ ‬حبه له في‬
‫مواطن كثيرة‪ ،‬ويدل على هذا الحب ثقة النبي ‪ ‬فيه حتى قبل‬
‫أن يسلم واصطحابه معه يوم العقبة الثانية وتقديمه في الكالم على غيره‬
‫ونص ابن سعد في ذلك كاشف عن مدى العالقة بين‬ ‫ُّ‬ ‫كما أسلفنا‪.‬‬
‫النبي ‪ ‬والعباس يقول‪> :‬وكان يثق به في أمره كله<(‪.)2‬‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ‪َ > :‬س ِم ْع ُت‬ ‫ولما أُسر العباس في بدر قَ َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫س في َوثَاقِه ِ<‪ .‬فَأَ ْطلَ ُق ُ‬
‫وه فَ َس َك َت فَنَ َام َر ُس ُ‬ ‫أَنِ َ‬
‫ين َع ِّمى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ـ ‪ ‬ـ (‪.)2‬‬
‫أن‬ ‫‪‬‬ ‫وعندما أشار علي على العباس أن يطلب من النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اإلصابة‪.215/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخرجه أحمد في مسنده‪ :‬ح (‪ )52352‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )5225‬وقال‪:‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫وصححه الذهبي‪ .‬وع ّلق ابن حجر على قول‬
‫َّ‬ ‫اإل ْسنَادِ َول َ ْم يُ َخ ِّر َج ُاه<‬ ‫َه َذا َح ِديث َص ِح ُ‬
‫يح ْ ِ‬
‫الحاكم‪ :‬قد أخرج البخاري بعضه تعليقا‪( .‬إتحاف المهرة‪ 225/15 :‬ح‪.)55532 :‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ 5/2 :‬ــ ‪.3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه البيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪.)13022‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪221‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫يستعمله على الصدقة‪ ،‬كانت النتيجة أن رفض النبي ‪‬؛ لئال‬


‫س‪.‬‬ ‫يستعمله َعلَى ُغ َسالَةِ ُذنُ ِ‬
‫وب النَّا ِ‬
‫‪‬‬ ‫س‪َ :‬س ِل النَّب َِّي‬‫فروى الحاكم َع ْن َعلِي ‪ ‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫الص َدقَةِ‪ ،‬فَ َسأَل َ ُه‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬ما ُك ْن ُت ِألَ ْس َت ْع ِملَ َك َعلَى‬
‫أَ ْن يَ ْس َت ْع ِملَ َك َعلَى َّ‬
‫س<(‪.)1‬‬ ‫ُغ َسالَةِ ُذنُ ِ‬
‫وب النَّا ِ‬
‫وقال الطحاوي في بيان رفض النبي ‪َ :‬ع َق ْلنَا بِ َذلِ َك أَ َّن‬
‫الص َدقَةِ لِ ِر ْف َع ِته ِ ِإيَّ ُاه‬ ‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬إنَّ َما َكر َِه لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫س ْاس ِت ْع َمال َ ُه َعلَى َّ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2222‬وصححه الذهبي‪ .‬ورواه ابن خزيمة في‬
‫صحيحه‪ :‬ح (‪ )5222‬وأورده الهيثمي في المجمع‪530/2( :‬ح‪ )2523 :‬وقال‪:‬‬
‫ورجاله ثقات‪ .‬وقال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية‪ )222/2( :‬هذا إسناد‬
‫حسن‪.‬‬
‫وض َّعف األلباني إسناده بناء على جهالة عبد اهلل بن أبي رزين‪ .‬حيث قال في تعليقه‬
‫على صحيح ابن خزيمة‪ 52/2( :‬ح‪ :)5222 :‬إسناده ضعيف لجهالة ــ عبد اهلل وهو‬
‫ابن رزين‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬ال يدرى من هو؟‪..‬‬
‫والظاهر أنه تراجع عن الحكم بضعف الحديث إلى القول بأنه صحيح لغيره‪ .‬حيث‬
‫قال في (صحيح الترغيب‪ ،123/1 :‬ح ‪ )323‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫>وقال الشيخ رحمه اهلل في الحاشية< قلت‪ :‬قول ــ علي ــ هذا منكر لتفرد ــ عبد اهلل‬
‫ابن أبي رزين ــ به وهو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان (الثقات‪ 25/5 :‬رقم ‪،3322‬‬
‫تهذيب التهذيب‪ )515/2 :‬والثابت عن علي ‪ ‬خالفه وأن السائل إنما هما‬
‫مخرج في صحيح أبي‬ ‫غالمان من بني عبد المطلب كما في مسلم‪ ،‬ح (‪ )1255‬وهو َّ‬
‫داود‪ :‬ح (‪ .)5025‬ولعلهما حادثتين منفردتين أوالهما لعلي مع العباس‪ ،‬وثانيتهما‬
‫لعلي مع غالمي بني عبد المطلب‪ ،‬ويشهد له ثقة علي برفض النبي ‪‬‬

‫لمطلبهما لدربته من خالل الرفض األول‪( .‬راجع‪ :‬تراجعات األلباني‪ ،‬ص‪.)51‬‬

‫‪225‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫س‪َ ،‬ال لِ َما ِس َوى َذلِ َك ِم ْن ِحل َِّها ل َ ُه‬ ‫أَ ْن يَ ُكو َن َعا ِمال َعلَى ُغ َسالَةِ ُذنُ ِ‬
‫وب النَّا ِ‬
‫ل َ ْو َع ِم َل َعلَ ْي َها(‪.)1‬‬
‫الر ُجل ُصنو‬ ‫عم َّ‬‫ولقد َّتوج النبي ‪ ‬هذا الحب بقوله‪ :‬إن َّ‬
‫أبيه<(‪ )5‬كما سنوضحه فيما بعد‪.‬‬
‫ويشهد لتلك المكانة والمنزلة ما رواه الحاكم بسنده َع ْن ُع ْق َب َة ْب ِن‬
‫س َعلَى ُم َعاوِيَ َة ْب ِن أَبِي ُس ْف َيا َن‬ ‫َع ْب ِد ا ْل َغ ِافرِ‪ ،‬قَ َال‪َ :‬د َخ َل َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ش‪ ،‬فَ َسأَل َ ُه ُم َعاوِيَ ُة َع ْن آبَائِه ِْم ِإلَى أَ ْن قَ َال‪:‬‬ ‫َوقَ ْد َت َحلَّ َق ْت ِع ْن َد ُه بُ ُطو ُن قُ َر ْي ٍ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب؟ فَ َق َال‪َ > :‬ر ِح َم اهللُ أَبَا ا ْل َف ْض ِل‬ ‫ول ِفي أَبِ َ‬
‫يك ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫فَ َما َت ُق ُ‬
‫َكا َن َواهلل ِ َع َّم نَب ِِّي اهلل ِ‪َ ،‬وقُ َّر َة َع ْي ِن َر ُسو ِل اهلل ِ‪َ ،‬سيِّ ُد ْاألَ ْع َمامِ َو ْاألَ ْخ َدا ِن‪،‬‬
‫َج ُّد ْاألَ ْج َدادِ‪ ،‬وآبَا ُؤ ُه ْاألَ ْج َو ُاد‪َ ،‬وأَ ْج َد ُاد ُه ْاألَ ْن َج ُاد‪ ،‬ل َ ُه َع ْلم بِ ْاألُ ُمو ِر‪ ،‬قَ ْد‬
‫َزانَ ُه َحلِم‪َ ،‬وقَ ْد َع َال ُه فَ ْهم‪َ ،‬كا َن يَ ْك ِس ُب ِحبال َ ُه ُك ُّل ُم َهنَّ ٍد‪َ ،‬ويَ ْك ِس ُب لِ َر ْأيِه ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫اع َد ِ‬ ‫ب‬
‫َ َ َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ي‬‫ض‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫األ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬‫ِ ٍ (‪)2‬‬
‫ف ر ِْعديد‬‫ُك ُّل ُم َخالِ ٍ‬
‫الس َقايَةِ َوالنَّ َس ِب َوا ْل َق َرابَةِ‪،‬‬ ‫ت َو ِّ‬ ‫اح ُب ا ْلب ْي ِ‬ ‫اب ِع ْن َد ِذ ْكرِ َع ِشيرتِه ِ‪َ ،‬ص ِ‬ ‫ْاألَ ْن َس ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اس ِته ِ أَ ْك َر ُم َم ْن‬‫َولِ َم َال يَ ُكو ُن َك َذلِ َك؟ َو َك ْي َف َال يَ ُكو ُن َك َذلِ َك؟ َو ُم َدب ِّ ُر ِس َي َ‬
‫ش َو َر ِك َب<(‪.)2‬‬ ‫َدبَّ َر‪َ ،‬وأَ ْف َه ُم َم ْن نَ َشأَ ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫شرح مشكل اآلثار للطحاوي‪522/11 :‬ح‪.)2232( :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪.)232‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الر ِْعديد‪ :‬الجبان‪( .‬العين‪ ،22/5 :‬باب العين والدال والراء معهما)‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2255‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِحيح َعلَى َش ْر ِط‬ ‫(‪)2‬‬
‫الش ْي َخ ْي ِن‪َ ،‬ول َ ْم يُ َخ ِّر َج ُاه‪ ،‬وقال الذهبي‪ :‬على شرط مسلم‪ .‬وعزاه إليه ابن حجر في‬
‫َّ‬
‫=‬ ‫إتحاف المهرة‪ 222/5( :‬رقم ‪.)3202‬‬

‫‪222‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫‪ ‬مكانة النبي ‪ ‬عند العباس وحبه له‪:‬‬


‫حب‬
‫الناظر لصفحات السيرة المباركة للنبي ‪ ‬يجد أن َّ‬
‫العباس للنبي ‪ ‬كان منحة أُودعت قلب العباس‪ ،‬وعرف هذا‬
‫أحب العباس النبي‬
‫َّ‬ ‫قلب العباس في وقت مبكر جدا‪ ،‬حيث‬
‫الحب ُ‬
‫‪ ‬منذ صغره‪.‬‬
‫بن بَكَّا ٍر متحدثا عن‬ ‫وتشهد لذلك رواية ابن عساكر عن ال ُّزبَ ْي ُر ُ‬
‫وس ِئ َل‬ ‫العباس‪ ..:‬وكان أسن من رسول اهلل (‪ )‬بثالث سنين‪ُ ،‬‬
‫اس بن عبد المطلب بكم أنت أكبر من رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ‬ ‫الع َّب ُ‬
‫َ‬
‫فَ َق َال‪ُ :‬ه َو أَ ْك َب ُر ِمنِّي َوأَنَا أَ َس ُّن ِم ْن ُه َم ْولِ ُد ُه أبَ ْع َد َع ْقلِي أُتِ َي ِإلَى أُ ِمي فَ ِق ْي َل‬
‫آخ َذة بِ َي ِدي َح َّتى‬ ‫ل َ َها‪َ :‬ول َ َد ْت آ ِمنَ ُة ُغالَما فَ َخر َج ْت بِي ِحي َن أَ ْصب َح ْت ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َد َخ ْلنَا َعلَ ْي َها فَ َكأَنِّي أَ ْن ُظ ُر ِإل َ ْيه ِ يَ ْم َص ُع بِر ِْجلَ ْيه ِ ِفي َع َر َص ِته ِ وجعل النساء‬
‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬

‫يجبذنني َعلَ ْيه ِ َويَ ُق ْل َن‪ :‬قَ ِّب ْل أَ َخا َك(‪.)5‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= >واإلسناد ليس على شرط الشيخين‪ ،‬ورواته رواة الشيخين سوى حماد بن سلمة‬
‫فأخرج له مسلم‪ ،‬والبخاري تعليقا‪ ،‬ولم يخرج الشيخان لثابت عن عقبة بن‬
‫عبد الغافر‪ ،‬وال لعقبة بن عبد الغافر عن عبد اهلل بن عباس‪ ،‬وفي اإلسناد‪ :‬الحسين‬
‫ابن الفضل البجلي الكوفي المفسر‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬لم أر فيه كالما‪ ،‬لكن ساق الحاكم‬
‫في ترجمته مناكير عدة‪ ،‬واهلل أعلم<‪( .‬راجع‪ :‬تحقيق المستدرك ط‪ :‬دار التأصيل‪،‬‬
‫حاشية ‪ 32/0‬بتصرف)‪ .‬وأورد ابن قُ ْطلُ ْوبَ َغا في الثقات ترجمة الحسين البجلي‪ ،‬وقال‬
‫عنه‪ :‬ثقة مأمون‪( .‬الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة‪.)222/2 :‬‬
‫(‪ )1‬المصع‪ :‬التحريك‪ .‬يقال‪ :‬مصع الطَّائِر بِ َذن ِبهِ‪ِ ،‬إذا ّ‬
‫حركه‪( .‬جمهرة اللغة ‪ /‬صعم)‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق‪ .532/50 :‬وأورد البالذري في األنساب نحوا منه‪( .‬أنساب األشراف‪=:‬‬

‫‪222‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫وعبارة‪> :‬أبعد عقلي< لو كانت على أصلها بال تصحيف‪ ،‬فلعل‬


‫فيها داللة على حب العباس للنبي ‪ ‬حينما رآه عند مولده‬
‫لدرجة أنه أبعد عقله أي أذهب بلبه‪ ،‬أو أطار عقله من شدة الحب له‬
‫رغم كونها أول مرة تراه فيها عيناه‪.‬‬
‫وقد الزم هذا الحب العباس واستمر معه‪ ،‬فكان شفوقا على النبي‬
‫في الجاهلية واإلسالم‪.‬‬
‫فعن َع ْم ُرو ْب ُن ِدينَا ٍر‪ ،‬قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َجابِ َر ْب َن َع ْب ِد اهلل ِ‪ ،‬يُ َح ِّد ُث >أَ َّن‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬كا َن يَ ْن ُق ُل َم َع ُه ُم ال ِح َج َار َة لِ ْل َك ْع َبةِ َو َعلَ ْيه ِ ِإ َز ُار ُه<‪ ،‬فَ َق َال‬ ‫َر ُس َ‬
‫اس َع ُّم ُه‪ :‬يَا ْاب َن أَ ِخي‪ ،‬ل َ ْو َحلَ ْل َت ِإ َز َار َك فَ َج َع ْل َت َعلَى َم ْن ِك َب ْي َك‬ ‫الع َّب ُ‬
‫ل َ ُه َ‬
‫ُدو َن ال ِح َج َار ِة‪ ،‬قَ َال‪> :‬فَ َحلَّ ُه فَ َج َعلَ ُه َعلَى َم ْن ِك َب ْيه ِ‪ ،‬فَ َس َق َط َم ْغ ِش ًّيا َعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَ َما‬
‫ُرئِ َي بَ ْع َد َذلِ َك ُع ْريَانا ‪.)1(<‬‬
‫حب العباس للنبي ‪ ‬حضوره بيعة‬ ‫ويشهد كذلك على ِّ‬
‫العقبة واستيثاقه من أمر األنصار(‪.)5‬‬
‫يقول البالذري‪ :‬وأما العباس بن عبد المطلب فكان محبا لرسول‬
‫اهلل ‪ ،‬مائال إليه‪ ،‬وكان رسول اهلل ‪ ‬يأتي منزله فيقيل‬
‫فيه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ‪ )1/2‬والمزي في تهذيب الكمال‪ .555/12 :‬وفي سير أعالم النبالء‪)221/2( :‬‬
‫مولده بعد عقلي‪ ،‬أي بعد أن عقلت‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ :‬ح (‪.)202‬‬
‫(‪ )5‬راجع الجزء المتعلق بشهود العباس بيعة العقبة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنساب االشراف‪.225/1 :‬‬

‫‪222‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫‪‬‬ ‫ويقول ابن عبد البر‪ :‬وكان العباس أنصر الناس لرسول اله‬
‫بعد أبي طالب‪ ،‬وحضر مع النبي ‪ ‬العقبة‪ ،‬يشترط له على‬
‫األنصار‪ ،‬وكان على دين قومه يومئذ‪ .‬وفدى عقيال ونوفال ابن أخويه أبي‬
‫طالب والحارث وغيرهم من ماله‪ ،‬وكان النبي ‪ ‬يكرم العباس‬
‫ويجله ويعظمه بعد اإلسالم‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا عمي‪ ،‬صنو أبي(‪.)1‬‬
‫وعن خوفه على النبي ‪ ‬وحرصه عليه يروي الطبراني في‬
‫س‬‫س‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫األوسط بسنده َع ْن َعلِ ِّي ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ا ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَنَّ ُه قَ َال‪ُ :‬ك ْن ُت يَ ْوما ِفي ا ْل َم ْس ِج ِد‪ ،‬فَأَ ْق َب َل أَبُو َج ْه ٍل‪،‬‬
‫اجدا أَ ْن أَ َطأَ َعلَى َرقَ َب ِته ِ‪ ،‬فَ َخ َر ْج ُت‬ ‫فَ َق َال‪ِ :‬إ َّن لِلَّه ِ َعلَ َّي ِإ ْن َرأَ ْي ُت ُم َح َّمدا َس ِ‬
‫ِإل َى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬ح َّتى َد َخ ْل ُت َعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَأَ ْخ َب ْر ُت ُه بِ َق ْو ِل أَبِي َج ْه ٍل‪،‬‬
‫>فَ َخ َر َج ‪َ ‬غ ْض َبانا َح َّتى َد َخ َل ا ْل َم ْس ِج َد‪ ،‬فَ َع َّج َل أَ ْن يَ ْد ُخ َل ِم َن‬
‫اب‪ ،‬فَا ْق َت َح َم ا ْل َحائِ َط<‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ه َذا يَ ْو ُم َشر‪ ،‬فَا ْئ َت َز ْر ُت‪ ،‬ثُ َّم ا َّت َب ْع ُت ُه‪،‬‬ ‫ا ْل َب ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬يَ ْق َرأُ‪{ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫>فَ َد َخ ْل ُت َو َر ُس ُ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ} [العلق‪ ،]5 :‬فَلَ َّما بَلَ َغ َش ْأ َن أَبِي َج ْه ٍل‪{ :‬ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ} [العلق‪ ،<]0 :‬قَ َال ِإ ْن َسان ِألَبِي َج ْه ٍل‪ :‬يَا أَبَا‬
‫ا ْل َح َكمِ‪َ ،‬ه َذا ُم َح َّمد‪ ،‬فَ َق َال أَبُو َج ْه ٍل‪ :‬أَ َال َت َر ْو َن َما أَ َرى‪َ ،‬واهلل ِ ُس َّد أُفُ ِق‬
‫ور ِة َس َج َد<(‪.)5‬‬ ‫الس َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬‬
‫آخ َر ُّ‬ ‫الس َم ِاء َعلَ َّي‪> ،‬فَلَ َّما بَلَ َغ َر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪.315/5 :‬‬
‫س‬ ‫(‪ )5‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )3021‬وقال‪َ :‬ال يُ ْر َوى َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬
‫يث َع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ت َف َّر َد بِهِ‪ :‬اللَّ ْي ُث‪ ،‬والبزار في مسنده‪ :‬ح (‪ )1252‬والحاكم في=‬ ‫ِإ َّال ب َِه َذا ْ ِ‬

‫‪220‬‬
‫انليب ‘ والعباس ماكنة رفيعة وحب متبادل‬

‫فانظر إليه كيف تع َّجل ببالغ النبي ‪ ‬بما ذكره أبو جهل‪،‬‬
‫ثم تأمل اتباعه له لما خرج‪ ،‬خوفا من أن يمسه عدو اهلل بما يكره‪ .‬وهل‬
‫هذا إال الحب بعينه‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يح‬ ‫المستدرك‪ :‬ح (‪ )2212‬من طريق الليث بن سعد‪ ،‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِح ُ‬ ‫=‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ول َ ْم يُ َخ ِّر َج ُاه‪ ،‬وعنه البيهقي في الدالئل‪ ،)121/5( :‬وعلق الذهبي في‬ ‫ِْ‬
‫التلخيص‪ :‬فيه عبد اهلل بن صالح وليس بعمدة‪ ،‬وإسحاق بن عبد اهلل بن أبي فروة‬
‫وهو متروك‪ .‬وأورده الهيثمي في المجمع‪555/3( :‬ح‪ )12351 :‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي‬
‫ِفي ا ْل َكبِيرِ َو ْاأل َ ْو َس ِط‪َ ،‬و ِفيه ِ ِإ ْس َح ُاق ْب ُن أَبِي فَ ْر َو َة َو ُه َو َم ْت ُروك‪ .‬وأورده ابن كثير في‬
‫البداية‪ )22/2( :‬عازيا إياه إلى البيهقي‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫ماكنة العباس عند الصحابة‬

‫‪‬‬ ‫مكانة العباس عند الصحابة‬


‫نال العباس مكانة عظيمة عند أصحاب رسول اهلل ‪،‬‬
‫فكانوا يعرفون للعباس فضله‪ ،‬ويقدمونه‪ ،‬ويشاورونه‪ ،‬ويأخذون رأيه‪،‬‬
‫وكفاه شرفا وفضال أَنَّ ُه كان يعزى بالنبي ‪ ‬لما مات‪ ،‬ولم يخلف‬
‫من عصباته أقرب منه(‪.)1‬‬

‫‪ ‬من صور إجالل الصحابة وتقديرهم للعباس‪:‬‬


‫عرف الصحابة للعباس مكانته ومنزلته‪ ،‬وأقروا بحب النبي‬
‫‪ ‬له وإشفاقه عليه‪ ،‬فكانوا يقدرونه ويعرفون فضله وخلقه‪.‬‬
‫يقول ابن عبد البر‪ :‬كان العباس جوادا مطعما وصوال للرحم‪ ،‬ذا‬
‫رأي حسن ودعوة مرجوة‪ ،‬ولم يمر بعمر وال بعثمان وهما راكبان إال‬
‫نزال إجالال له ويقوالن‪ :‬عم النبي ‪.)5(‬‬
‫وأخرج ابن عساكر من طريق ابن أبي الزناد عن أبيه عن الثقة أن‬
‫العباس بن عبد المطلب لم يمر قط بعمر بن الخطاب وال بعثمان بن‬
‫عفان وهما راكبان إال نزال حتى يجوز العباس بهما إجالال له أن يمر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أسد الغابة‪ 102/2 :‬ــ اإلصابة‪.215/2 :‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪ .315/5 :‬وانظر‪ :‬الوافي‪ 201/10 :‬ــ تهذيب التهذيب‪ :‬ابن حجر‬
‫العسقالني‪.152/2 ،‬‬

‫‪223‬‬
‫ماكنة العباس عند الصحابة‬

‫بهما عم رسول اهلل ‪ ‬وهما راكبان وهو يمشي(‪.)1‬‬


‫لعباس أعظم الناس عند‬
‫وعن الحارث بن عبد المطّلب قال‪ :‬كان ا ّ‬
‫والصحابة يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه‪،‬‬
‫رسول اهلل ‪ّ ،‬‬
‫ويأخذون رأيه(‪.)5‬‬
‫ولقد َّبين الفاروق ‪ ‬لألمة عامة فضل العباس بن عبد المطلب‬
‫ووضح ذلك توضيحا كامال‪ ،‬ومن ذلك ما رواه‬ ‫ومكانته من سيد الخلق َّ‬
‫اب ‪،‬‬ ‫الخطَّ ِ‬
‫البخاري بسنده عن أنس بن مالك قال‪ :‬أَ َّن ُع َم َر ْب َن َ‬
‫المطَّلِ ِب‪ ،‬فَ َق َال‪ُ > :‬‬
‫الله َّم ِإنَّا ُكنَّا‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ُ‬ ‫الع َّبا ِ‬ ‫َكا َن ِإ َذا قَ َحطُوا ْاس َت ْس َقى بِ َ‬
‫نَ َت َو َّس ُل ِإل َ ْي َك بِنَبِيِّنَا فَ َت ْس ِقينَا‪َ ،‬و ِإنَّا نَ َت َو َّس ُل ِإل َ ْي َك بِ َع ِّم نَبِيِّنَا فَ ْاس ِقنَا<‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫فَ ُي ْس َق ْون(‪.)2‬‬
‫ففي هذا األثر عن الفاروق ‪ ‬بيان لفضل العباس بن عبد المطلب‪،‬‬
‫كما تضمن أيضا فضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه‪.‬‬
‫والمراد بتوسل عمر ‪ ‬بالعباس بدعائه ال بذاته؛ إذ التوسل‬
‫بدعاء أهل الصالح والفضل من أنواع التوسل المشروع‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ ،222/50 :‬وذكره الحافظ ابن عبد البر في ترجمة العباس‪( .‬االستيعاب‪:‬‬
‫‪.)522/1‬‬
‫(‪ )5‬اإلصابة‪.215/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر العباس بن عبد المطلب‪،‬‬
‫ح (‪ .)2225‬وفي كتاب الجمعة‪ ،‬باب سؤال الناس اإلمام االستسقاء إذا قحطوا‪،‬‬
‫ح (‪( .)1212‬قحطوا) أصابهم القحط وهو الجدب وقلة المطر‪( .‬نتوسل) نتشفع‬
‫ونتقرب ونطلب السقيا‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫ماكنة العباس عند الصحابة‬

‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل تعالى‪ :‬وقد ّبين الزبير بن بكار‬
‫في األنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع‬
‫فيه ذلك‪ ،‬فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال‪ :‬اللهم‬
‫إنه لم ينزل بالء إال بذنب ولم يكشف إال بتوبة وقد توجه القوم بي‬
‫إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة‬
‫فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الحبال حتى أخصبت األرض وعاش‬
‫الناس(‪.)3‬‬
‫وعن زيد بن أسلم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وعن عمر مولى غفرة‪ ،‬وعن محمد‬
‫ابن نفيع‪ ،‬قالوا‪ :‬لما استخلف عمر‪ ،‬وفتح عليه الفتوح‪ ،‬جاءه مال‪،‬‬
‫ففضل المهاجرِين واألنصار‪ ،‬ففرض لمن شهد بدرا خمسة آالف‪،‬‬
‫خمسة آالف‪ ،‬ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آالف‪ ،‬أربعة آالف؛‬
‫وفرض للعباس اثني عشر ألفا(‪.)5‬‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َم ْع َب ٍد قَ َال‪ :‬ل َ َّما‬ ‫وروي ابن سعد بسنده َع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اب ال ِّد َيوا َن َكا َن أَ َّو ُل َم ْن بَ َدأَ بِه ِ ِفي ا ْل َم ْد َعى بَ ِني‬ ‫َد َّو َن ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخطَّ َ‬
‫اس ْب َن عبد المطلب في والية‬ ‫َه ِاش ٍم‪ .‬ثُ َّم َكا َن أَ َّو ُل بَ ِني َه ِاش ٍم يُ ْد َعى ا ْل َع َّب َ‬
‫عمر وعثمان(‪.)2‬‬
‫وروى الطبراني في الكبير بسنده عن ابن عباس قول عمر مخاطبا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.225/5 :‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات‪.21/2 :‬‬

‫‪222‬‬
‫ماكنة العباس عند الصحابة‬

‫اس‪ ،‬فَ َواهلل ِ َ ِإل ِس َال ُم َك يَ ْو َم أَ ْسلَ ْم َت َكا َن أَ َح َّب ِإل َ َّي ِم ْن‬
‫العباس‪َ :‬م ْهال يَا َع َّب ُ‬
‫اب ل َ ْو أَ ْسلَ َم‪َ ،‬و َما بِي ِإ َّال أَنِّي قَ ْد َع َر ْف ُت أَ َّن ِإ ْس َال َم َك َكا َن‬ ‫ِإ ْس َالمِ ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اب(‪.)1‬‬ ‫أَ َح َّب ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬م ْن ِإ ْس َالمِ ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اط ْب ُن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ح َّدثَنَا ِه َش ُام ْب ُن‬ ‫وروى أحمد في مسنده َح َّدثَنَا أَ ْس َب ُ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَ ِخي َع ْب ِد اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫َس ْع ٍد‪َ ،‬ع ْن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ِ‬
‫اب‪ ،‬فَلَب َِس ُع َم ُر ثِ َيابَ ُه يَ ْو َم‬ ‫س ِم َيزاب َعلَى َطرِي ِق ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخطَّ ِ‬ ‫َكا َن لِ َلع َّبا ِ‬
‫اب‪ُ ،‬ص َّب َماء‬ ‫س فَ ْر َخا ِن‪ ،‬فَلَ َّما َوافَى ا ْل ِم َيز َ‬ ‫ا ْل ُج ُم َعةِ‪َ ،‬وقَ ْد َكا َن ُذبِ َح لِ َلع َّبا ِ‬
‫اب ُع َم َر َو ِفيه ِ َد ُم ا ْل َف ْر َخ ْي ِن‪ ،‬فَأَ َم َر ُع َم ُر بِ َق ْل ِعه ِ‪ ،‬ثُ َّم َر َج َع‬
‫بِ َدمِ ا ْل َف ْر َخ ْي ِن‪ ،‬فَأَ َص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س‪ ،‬فَأَ َت ُاه‬ ‫اء فَ َصلَّى بِالنَّا ِ‬ ‫ُع َم ُر‪ ،‬فَ َط َر َح ث َيابَ ُه‪َ ،‬ولَب َِس ث َيابا َغ ْي َر ث َيابِه ِ‪ ،‬ثُ َّم َج َ‬
‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬واهلل ِ ِإنَّ ُه ل َ ْل َم ْو ِض ُع ال َّ ِذي َو َض َع ُه النَّب ُِّي ‪ ،<‬فَ َق َال‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫س‪َ :‬وأَنَا أَ ْعز ُِم َعلَ ْي َك ل َ َّما َص ِع ْد َت َعلَى ظ َْهرِي َح َّتى َت َض َع ُه ِفي‬ ‫ُع َم ُر لِ َلع َّبا ِ‬
‫ا ْلمو ِض ِع ال َّ ِذي َو َض َع ُه ر ُس ُ ِ‬
‫اس‬ ‫ول اهلل ‪ ،‬فَ َف َع َل َذلِ َك ا ْل َع َّب ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪. ‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ .)5502‬والطحاوي في شرح معاني اآلثار‪:‬‬
‫‪212/2‬ح (‪ )2222‬وقال الهيثمي في المجمع‪105/0 :‬ح (‪َ )12522‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي‪،‬‬
‫الص ِحي ِح‪ .‬وأورده ابن حجر في المطالب العالية‪222/15 :‬ح (‪)2221‬‬ ‫َور َِجال ُ ُه ر َِجالُ َّ‬
‫وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة‪)1222/5( :‬‬ ‫َّ‬ ‫وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫وقد سبق تخريجه موسعا عند الحديث عن جهاد العباس وتحديدا موقفه يوم فتح مكة‪.‬‬
‫(‪ )5‬الرواية إسنادها منقطع‪ ،‬فهشام بن سعد لم يدرك عبيد اهلل بن عباس‪ ،‬وأورده الهيثمي‬
‫في >المجمع< ‪ 520/2‬ــ ‪ 525‬ح (‪ )5251‬وقال‪ :‬رواه أحمد ورجاله ثقات‪ ،‬إال أن‬
‫=‬ ‫هشام بن سعد لم يسمع من عبيد اهلل‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫ماكنة العباس عند الصحابة‬

‫وروى البخاري في األدب بسنده عن ذكوان عن صهيب قال‪:‬‬


‫رأيت عليا يقبِّل يد العباس ورجليه(‪ .)1‬ــ وزاد الذهبي ــ َويَ ُق ْو ُل‪ :‬يَا َع ّم‬
‫ض َعنِّي(‪.)5‬‬
‫ْار َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وأخرجه ابن سعد ‪ 52/2‬عن أسباط بن محمد‪ ،‬بهذا اإلسناد‪ .‬وأخرجه ابن سعد‬
‫أيضا من طريقين عن موسى بن عبيدة الربذي‪ ،‬عن يعقوب بن زيد أن عمر بن‬
‫الخطاب‪ ...‬فذكر نحوه‪ .‬وهذا إسناد ضعيف‪ ،‬موسى بن عبيدة ضعيف‪ ،‬ويعقوب بن‬
‫زيد ــ وهو ابن طلحة التيمي ــ لم يدرك عمر‪ .‬وهو في >المستدرك< (‪252/2‬ح‪:‬‬
‫‪ )2253‬بنحوه ضمن خبر مطول من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن جده‪ ،‬وهذا إسناد ضعيف أيضا لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪( .‬راجع‬
‫في ترجمته‪ :‬تهذيب الكمال‪.)115/15 ،‬‬
‫والقصة بنحوها في >المصنف< لعبد الرزاق‪ :‬ح (‪ ،)12502‬و>المراسيل< ألبي داود‬
‫ح (‪ )220‬من طريق سفيان بن عيينة‪ ،‬عن موسى بن أبي عيسى ــ زاد في‬
‫>المصنف<‪ :‬أو غيره ــ قال‪ :‬كان في دار العباس ميزاب‪ ...‬فذكره‪ .‬وموسى بن أبي‬
‫عيسى الحناط ثقة من رجال مسلم وعلق له البخاري‪ ،‬إال أنه لم يدرك هذه القصة‪،‬‬
‫وهي بمجموع هذه الطرق تتقوى فتحسن‪( .‬انظر تخريج الشيخ شعيب للحديث في‬
‫المسند‪.)222/2 :‬‬
‫(‪ )1‬أرجه البخاري في األدب المفرد‪ :‬ح (‪ )250‬والبالذري في أنساب األشراف‪:‬‬
‫وحسن الذهبي إسناده‪ ،‬رغم جهالة صهيب عنده حيث قال‪ :‬وصهيب ال‬ ‫‪َّ .222/1‬‬
‫ابن ِح َّبان ِفي كتاب‬
‫أعرفه‪( .‬سير أعالم النبالء طبعة الرسالة‪ )22/5 :‬وصهيب قد ذكره ُ‬
‫>الثقات< ‪ ،231/2‬وروى له ا ْل ُب َخار ِّي ِفي كتاب >األدب< حديثا واحدا موقوفا‪.‬‬
‫(تهذيب الكمال‪ )522/12 :‬وذكره ابن حجر في التقريب (ص‪ )553‬وقال‪ :‬صدوق‪.‬‬
‫وعن الحديث يقول األلباني‪ :‬ضعيف اإلسناد موقوف‪ .‬صهيب‪ ،‬وهو مولي العباس‪ .‬ـ‬
‫ال يعرف‪.‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪.22/5 :‬‬

‫‪225‬‬
‫ماكنة العباس عند الصحابة‬

‫ــ احترام عثمان وعلي للعباس وامتثالهما أمره وقبولهما إشارته‪.‬‬


‫س قَ َال‪ :‬أَ ْر َسلَ ِني‬ ‫أخرج ابن أبي شيبة بسنده َع ْن ُص َه ْي ٍب َم ْولَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اس فَ َد َع ْو ُت ُه فَأَ َت ُاه‪،‬‬ ‫اس ِإلَى ُع ْث َما َن أَ ْد ُع ُ‬
‫وه فَأَ َت ْينَ ُاه فَ ِإ َذا ُه َو يُ َغ ِّدي النَّ َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ين‪ .‬قَ َال‪َ :‬ما‬ ‫فَ َق َال‪ :‬أَ ْفلَ َح ا ْل َو ْج ُه أَبَا ا ْل َف ْض ِل‪ .‬قَ َال‪َ :‬و َو ْج ُه َك أَ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ِ‬
‫اس فَ َغ َّد ْي ُت ُه ْم‪ ،‬ثُ َّم أَ َت ْي ُت َك‪.‬‬ ‫ز ِْد ُت َعلَى أَ ْن أَ َتاني َر ُسول ُ َك‪َ ،‬وأَنَا أُ َغ ِّدي النَّ َ‬
‫اس‪ :‬أُ َذ ِّك ُر َك اهللَ ِفي َعلِي‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ْاب ُن َع ِّم َك‪َ ،‬وأَ ُخو َك ِفي دِي ِن َك‪،‬‬ ‫فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫اح ُب َك َم َع نَبِيِّ َك ـ ‪ ‬ـ َو َص ْه ُر َك‪َ ،‬و ِإنَّ ُه قَ ْد بَلَ َغ ِني أَنَّ َك ُترِي ُد أَ ْن‬ ‫َو َص ِ‬
‫ين‪ .‬فَ َق َال ُع ْث َما ُن‪ِ :‬إ َّن‬ ‫وم بَ َعلِي َوأَ ْص َحابِه ِ فَ ْاع ِف ِني ِم ْن َذلِ َك يَا أَ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َت ُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اء َما َكا َن أَ َحد‬ ‫أَ َّو َل َما أُ ِج ُيب َك أَنِّي قَ ْد َشف َّْع ُت َك في َعلي ِإ َّن َعل ًّيا ل َ ْو َش َ‬
‫ِ‬
‫ُدونَ ُه‪َ ،‬ولَكنَّ ُه أَبَى أَ ْن يَ ُكو َن ِإ َّال َر ْأيُ ُه‪ .‬ثُ َّم بَ َع َث ِإلَى َعلِي‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أُ َذ ِّك ُر َك اهللَ‬
‫احب َِك م َع ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫يك ِفي دِي ِن َك َو َص ِ‬ ‫ِفي ْاب ِن َع ِّم َك َو ْاب ِن َع َّم ِت َك َوأَ ِخ َ‬
‫َ َ‬
‫ـ ‪ ‬ـ َو َولِ ِّي بَ ْي َع ِت َك‪ .‬فَ َق َال‪َ :‬واهلل ِ ل َ ْو أَ َم َرنِي أَ ْن أَ ْخ ُر َج َع ْن َدارِي‬
‫ل َ َخ َر ْج ُت(‪.)1‬‬
‫فدل ما سبق على عظم مكانة العباس ‪ ‬عند أصحاب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف‪ :‬ح (‪ )25032‬والبخاري في األوسط‪:‬‬
‫ح (‪52/1‬ح‪ )552‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2222‬وقد سقط منه >عن‬
‫صهيب<‪ .‬وابن عساكر في التاريخ‪ ،502/22 :‬وأورده المحب الطبري في ذخائر‬
‫العقبى‪ 525/1 :‬في باب‪ :‬ذكر احترام عثمان وعلى العباس وامتثالهما أمره وقبولهما‬
‫إشارته‪ ،‬وأورده الهيثمي في المجمع‪522/2( :‬ح‪ )5255 :‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي‬
‫ِفي ا ْل َكبِيرِ‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ثِ َقات‪ .‬وأورده ابن حجر في االتحاف (‪22/11‬رقم‪)12022 :‬‬
‫وقال‪ :‬موقوف‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫ماكنة العباس عند الصحابة‬

‫رسول اهلل ‪ ،‬وحسن تقديرهم له‪ ،‬واعترافهم بفضله‪ ،‬وأخذهم‬


‫برأيه‪.‬‬
‫ولهذا خالف السخاوي ابن تيمية في تقريره أفضلية بالل على‬
‫س َوبِ َال ٍل‬ ‫العباس؛ وذلك أن ابن تيمية ُس ِئ َل َع ِن ا ْل ُم َف َ‬
‫اضلَةِ بَ ْي َن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‬‫ين أَ ْف َض ُل ِم َن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ين ْاألَ َّولِ َ‬‫السابِ ِق َ‬ ‫‪ ،‬قَ َال‪ :‬بِ َالل َوأَ ْم َثال ُ ُه ِم َن َّ‬
‫اإل ْح َسا ِن‪.‬‬ ‫ين ل َ ُه بِ ِإ ْح َسا ٍن ؛ ِألَنَّ ُه قَ َّي َد ال َّتابِ ِع َ‬
‫ين بِ َش ْر ِط ْ ِ‬ ‫َوأَ ْم َثالِه ِ ِم َن ال َّتابِ ِع َ‬
‫وخالفه السخاوي بقوله‪َ :‬ول َ ِك ْن ل َ ْم يُ َوافَ ِق ْاب ُن َت ْي ِم َّي َة َعلَى أَ ْف َضلِ َّيةِ‬
‫س ِع ْن َد‬ ‫اس أَ ْع َظ َم النَّا ِ‬ ‫ِث‪َ :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬ ‫بِ َال ٍل م َع قَ ْو ِل أَبِي ُس ْفيا َن ْب ِن ا ْل َحار ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س بِ َف ْضلِه ِ‪َ ،‬ويُ َشاو ُِرونَ ُه‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ ‪َ ،‬و َّ‬
‫الص َحابَ ُة يَ ْع َترِفُو َن لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫الر ُج ِل ِص ْن ُو أَبِيه ِ<‪ِ ،‬إلَى َغ ْي ِر‬ ‫َويَ ْأ ُخذُو َن بِ َر ْأيِه ِ‪َ ،‬وقَ ْولِه ِ ـ ‪ ‬ـ‪َ > :‬ع ُّم َّ‬
‫َذلِ َك ِم َن ا ْل َمنَاقِ ِب ا ْل ُم ْف َر َد ِة ِفي ِع َّد ِة َتآلِ َيف؛ َك ْاس ِت ْس َق ِاء ُع َم َر بِه ِ ‪،‬‬
‫اج َر قُ َب ْي َل ا ْل َف ْت ِح‪َ ،‬و َك ْم ل َ ُه ‪ِ ‬م ْن َمآثِ َر َح َسنَةٍ قَ ْب َل‬ ‫َو ِإ ْن َكا َن ِإنَّ َما أَ ْسلَ َم َو َه َ‬
‫ِإ ْس َال ِمه ِ(‪.)1‬‬
‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث‪ :‬الحافظ السخاوي‪ .155/2 ،‬ولست هنا بصدد‬
‫المفاضلة بين الصحابة‪ ،‬أو االنتصار ألي الرأيين السابقين أعاله‪ ،‬ولكن غاية ما‬
‫أردت هو بيان أن هناك من حفاظ أهل السنة من ذهب إلى تفضيل العباس ‪‬‬

‫حتى على من سبق إسالمه وشهد بدرا كبالل ‪ .‬وهذا للتنبيه‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫(‪)3‬‬
‫‪ 2‬ــ العباس بني الفضائل واملناقب‬
‫(نخبة النقول في فضائل عم الرسول)‬

‫حاز العباس كثيرا من الفضائل‪ ،‬وجمع كثيرا من المناقب‪،‬‬


‫ووردت في بيان مناقبه روايات كثيرة دلت في مجملها على ِع َظم‬
‫مكانته‪ ،‬وجالل قدره وسمو ورفعة منزلته‪.‬‬
‫وقد عني العلماء بإبراز فضائل العباس ‪ ،‬والتنقيب عن‬
‫مناقبه؛ فها هو اآلجري في الشريعة يخصص كتابا جعله بعنوان‪:‬‬
‫اب فَ َضائِ ِل ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو َول َ ِد ِه َر ِض َي اهللُ َع ْن ُه ْم‬ ‫ِك َت ُ‬
‫ين(‪ ،)5‬وأدرج فيه عدة األبواب وهي‪:‬‬ ‫أَ ْج َم ِع َ‬
‫س ‪ِ ‬ع ْن َد َر ُسو ِل اهلل ِ ‪.‬‬
‫اب ِذ ْك ِر َت ْع ِظيمِ قَ ْد ِر ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ــ بَ ُ‬
‫َولِ َول َ ِدهِ‪َ ،‬وأَنَّ ُه قَ ْد‬ ‫‪‬‬ ‫لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫س‬ ‫‪‬‬ ‫اب ِذ ْكرِ ُد َع ِاء النَّب ِِّي‬‫ــ بَ ُ‬
‫يب ِفي َذلِ َك‪.‬‬ ‫أُ ِج َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لعل من أولى مناقب العباس ‪ ‬حبه للنبي ‪ ‬وحب النبي ‪ ‬له‪ ،‬كما‬
‫أسلفنا‪ .‬ولقد توج النبي هذا الحب بنص واضح ال يقبل الشك حيث ذكر في مواضع متعددة‬
‫عم الرجل صنو أبيه<‪.‬‬
‫مشيرا إلى عمه العباس موضحا فضله ومكانته‪> :‬إن َّ‬
‫(‪ )5‬الشريعة لآلجري‪.5525/2 :‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫ول اهلل ِ ‪.‬‬


‫اس ‪ ‬فَ َق ْد آ َذى َر ُس َ‬ ‫ــ ب ُ ِ‬
‫اب ذ ْكرِ َم ْن آ َذى ا ْل َع َّب َ‬‫َ‬
‫اب َغ َض ِب النَّب ِِّي ‪ ‬لِ َغ َض ِب ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ‪.‬‬ ‫ــ بَ ُ‬
‫اعة يَ ْش َف ُع بِ َها لِلنَّا ِ‬
‫س يَ ْو َم‬ ‫َش َف َ‬ ‫‪‬‬ ‫ِي أَن لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫س‬ ‫اب َما ُرو َ‬ ‫ــ بَ ُ‬
‫ا ْل ِق َي َامةِ‪.‬‬
‫ومن قوله مستهال هذا الكتاب‪ :‬ف َكا َن النَّب ُِّي ‪ ‬يُ ْكر ُِم َع َّم ُه‬
‫ول ل َ ُه‪> :‬يَا‬ ‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ‪َ ،‬ويُ َعظِّ ُم ُه َويَ ْغ َض ُب لِ َغ َض ِبه ِ َويَ ُق ُ‬ ‫ا ْل َع َّب َ‬
‫َع ُّم<‪َ .‬ويَ ْد ُعو ل َ ُه َولِ َول َ ِدهِ بِأَ ْن يَ ْس ُت َر ُه ُم اهللُ َع َّز َو َج َّل ِم َن النَّا ِر(‪.)1‬‬
‫وابن شاهين في مؤلفه شرح مذاهب أهل السنة يخصص جزءا عن‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‬
‫فضائل العباس ‪ ‬جعله بعنوان‪َ :‬ما َت َف َّر َد بِه ِ ا ْل َع َّب ُ‬
‫ِم َن ا ْل َف ْض ِل‪ ،‬وجمع فيه خمس روايات(‪.)5‬‬
‫والاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة أورد بعض ما روي‬
‫ِي ِم ْن فَ َضائِ ِل‬ ‫في فضائل العباس ‪ ‬تحت عنوان‪ِ :‬س َي ُاق َما ُرو َ‬
‫س َو َح ْم َز َة َع َّم ْي َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬ور ِْض َوا ُن اهلل ِ َعلَ ْي ِه َما‬‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫َو َغ ْيرِ ِه َما(‪.)2‬‬
‫ولو أردنا إحصاء فضائل العباس ‪ ‬ومناقبه الحتجنا إلى الكثير‬
‫والكثير مما ال تحتمله طبيعة هذا البحث المتواضع‪ ،‬ولكن تكفينا هنا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشريعة لآلجري‪.5525/2 :‬‬
‫(‪ )5‬شرح مذاهب أهل السنة‪ :‬ص‪ 522‬ــ ‪.522‬‬
‫(‪ )2‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪.1222 /3 :‬‬

‫‪220‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫بعض اإلشارات‪ ،‬وكما يقال‪ُ :‬رب إشارة أبلغ من عبارة‪ ،‬ومن أراد‬
‫االستزادة فعليه بكتب السنة والتاريخ والسير‪ ،‬واألنساب فهي حبلى‬
‫بمناقب العباس وفضائله ‪.‬‬
‫وسنبدأ في هذا الجزء بعرض فضائل العباس ومناقبه الصحيحة أو‬
‫المختلف فيها‪ .‬نتلوه بضعيف فضائله ومناقبه‪.‬‬

‫صحيح فضائل العباس ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ول اهلل ِ‬ ‫‪ 1‬ــ روى مسلم بسنده‪َ ،‬ع ْن أَبِى ُه َر ْي َر َة قَ َال‪ :‬بَ َع َث َر ُس ُ‬
‫الص َدقَةِ فَ ِق َيل َمنَ َع ْاب ُن َج ِمي ٍل َو َخالِ ُد ْب ُن ا ْل َولِي ِد‬ ‫ـ ‪ ‬ـ ُع َم َر َعلَى َّ‬
‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ > َما‬ ‫اس َع ُّم َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ فَ َق َال َر ُس ُ‬ ‫َوا ْل َع َّب ُ‬
‫يَ ْن ِق ُم ْاب ُن َج ِمي ٍل ِإ َّال أَنَّ ُه َكا َن فَ ِقيرا فَأَ ْغنَ ُاه اهللُ َوأَ َّما َخالِد فَ ِإنَّ ُك ْم َت ْظلِ ُمو َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخالِدا قَ ِد ْ‬
‫اس فَه َِى َعلَ َّى‬ ‫اع ُه َوأَ ْع َت َاد ُه فى َسبِي ِل اهلل‪َ ،‬وأَ َّما ا ْل َع َّب ُ‬ ‫اح َت َب َس أَ ْد َر َ‬
‫الر ُج ِل ِص ْن ُو أَبِيه ِ<(‪.)1‬‬ ‫َو ِم ْثلُ َها َم َع َها<‪ .‬ثُ َّم قَ َال >يَا ُع َم ُر أَ َما َش َع ْر َت أَ َّن َع َّم َّ‬
‫والصنو هنا أي المثل والنظير‪ ،‬قال ابن األثير‪ :‬الصنو‪ :‬المثل‪،‬‬
‫وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد يريد أن أصل العباس وأصل أبي‬
‫واحد وهو مثل أبي أو مثلي وجمعه صنوان(‪ .)5‬على هذا فمعنى قوله‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب في تقديم الزكاة ومنعها‪ ،‬ح (‪ )5252‬وأحمد في‬
‫المسند‪ :‬ح (‪ )3532‬وأبو داود في سننه‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب في تعجيل الزكاة‪،‬‬
‫ح (‪ )1052‬وقال الشيخ األلباني‪ :‬صحيح‪ .‬وأخرجه الترمذي من رواية أبي البختري‬
‫عن علي‪ ،‬ح (‪ )2502‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬وقال األلباني‪ :‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫(‪( )5‬النهاية‪.)25/2 :‬‬

‫‪225‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫‪ :‬وأن عم الرجل صنو أبيه‪ ،‬أي‪ :‬مثله يعني أصلهما واحد‬


‫فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ روى البخاري بسنده‪ ،‬عن َجابِ َر ْب َن َع ْب ِد اهلل ِ ‪ ،‬قَ َال‪ :‬ل َ َّما‬
‫س َول َ ْم يَ ُك ْن َعلَ ْيه ِ ثَ ْوب‪> ،‬فَنَ َظ َر‬ ‫َكا َن يَ ْو َم بَ ْد ٍر أُتِ َي بِأُ َس َارى‪َ ،‬وأُتِ َي بِ َ‬
‫الع َّبا ِ‬
‫يص َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن أُبَي يَ ْق ُد ُر َعلَ ْيه ِ‪،‬‬
‫النَّب ُِّي ‪ ‬ل َ ُه قَ ِميصا‪ ،‬فَ َو َج ُدوا قَ ِم َ‬
‫يص ُه ال َّ ِذي‬ ‫فَ َك َس ُاه النَّب ُِّي ‪ِ ‬إيَّ ُاه‪ ،‬فَلِ َذلِ َك نَ َز َع النَّب ُِّي ‪ ‬قَ ِم َ‬
‫أَ ْل َب َس ُه< قَ َال ْاب ُن ُع َي ْينَ َة َكانَ ْت ل َ ُه ِع ْن َد النَّب ِِّي ‪ ‬يَد فَأَ َح َّب أَ ْن‬
‫يُ َك ِاف َئ ُه(‪.)1‬‬
‫وهذا الحديث فيه بيان فضيلة ظاهرة للعباس ‪ ‬بإكرام النبي‬
‫‪ ‬له حيث أعطى ثوبه عليه الصالة والسالم كفنا لعبد اهلل بن أبي‬
‫مكافأة له على إعطائه قميصه للعباس حين كان أسيرا يوم بدر‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ روى البخاري بسنده‪َ ،‬ع ْن َعائِ َش َة ‪ ،‬قَال َ ْت‪ :‬ل َ َد ْدنَا النَّب َِّي‬
‫ض لِل َّد َو ِاء‪،‬‬ ‫المرِي ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬في َم َر ِضه ِ‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬الَ ُتلِ ُّدونِي< فَ ُق ْلنَا‪َ :‬ك َرا ِه َي ُة َ‬
‫س‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ل َ ْم‬ ‫فَلَ َّما أَفَ َاق قَ َال‪> :‬الَ يَ ْب َقى أَ َحد ِم ْن ُك ْم ِإ َّال ل ُ َّد‪َ ،‬غ ْي َر َ‬
‫الع َّبا ِ‬
‫يَ ْش َه ْد ُك ْم<(‪ )5‬وقد أورد متنه ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب كسوة لألسارى‪ ،‬ح (‪ .)5320‬والنسائي في‬
‫الكبرى مختصرا‪ :‬ح (‪ )5222‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب جواز‬
‫التكفين في القميص‪ ،‬ح (‪ .)0222‬ومعنى (يقدر عليه) يجيء على مقداره‪.‬‬
‫و(ألبسه) لعبد اهلل بعد موته‪ .‬و(يد) نعمة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب القصاص‪ ،‬باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات=‬

‫‪223‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫بإسناد آخر كمنقبة للعباس وجعله تحت عنوان‪ :‬ا ْل َف ِضيلَ ُة ا ْل َخا ِم َس ُة ِم َّما‬
‫اس ل َ ْي َس ْت لِ َغ ْيرِهِ(‪.)1‬‬
‫َت َف َّر َد بِ َها ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫س ‪ :‬أَ َّن َر ُس َ‬ ‫‪ 2‬ــ روى البخاري بسنده‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اس‪ :‬يَا فَ ْض ُل‪ ،‬ا ْذ َه ْب‬ ‫الس َقايَةِ فَ ْاس َت ْس َقى‪ ،‬فَ َق َال َ‬
‫الع َّب ُ‬ ‫اء ِإلَى ِّ‬
‫‪َ ‬ج َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ح (‪ )0330‬ــ ومسلم‪ :‬كتاب اآلداب‪ ،‬باب كراهية التداوي باللدود‪ ،‬ح (‪.)5512‬‬
‫و(لددنا) قال أهل اللغة‪ :‬اللدود بفتح الالم هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي‬
‫فم المريض ويسقاه أو يدخل هناك بإصبع ويحنك به ويقال منه لددته ألده‬
‫وحكى الجوهري أيضا ألددته رباعيا والتددت أنا فال الجوهري ويقال للدود‪ :‬لديد‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وفي شرح البخاري البن بطال (‪ 212/2‬ــ ‪ :)212‬اللدود من أدوية الخدر وذات‬
‫الجنب‪ ،‬تقول العرب‪ :‬لددت المريض لدا [ألقيت الدواء في شق] فيه‪ :‬وهو التحنيك‬
‫باألصبع كما قال أبو سفيان‪ ،‬واسم الشيء الذي يلد به المريض اللدود بفتح الالم‪.‬‬
‫لم أمر النبي أن يلد كل من في الببت؟ قال المهلب‪ :‬وجه ذلك ــ واهلل‬‫فإن قال قائل‪َ :‬‬
‫أعلم ــ أنه لما فعل به من ذلك ما لم يأمرهم به من المداواة بل نهاهم عنه‪ ،‬وألم‬
‫يقتص من كل [من] فعل به ذلك‪ ،‬أال ترى قوله‪ :‬ال يبقى‬ ‫بذلك ألما شديدا أمر أن ّ‬
‫في البيت أحد إال لد إال العباس فإنه لم يشهدكم‪ .‬فأوجب القصاص على كل من لده‬
‫من أهل البيت ومن ساعده في ذلك ورآه لمخالفتهم نهيه ‪ ،‬وقد جاء هذا‬
‫المعنى في رواية ابن إسحاق عن الزهري‪ ،‬عن عبد اهلل بن كعب بن مالك (أنهم لدوا‬
‫النبي ‪ ‬في مرضه‪ ،‬فلما أفاق قال‪ :‬لم فعلتم ذلك؟ قالوا خشينا يا رسول اهلل أن‬
‫تكون بك ذات الجنب‪ .‬فقال‪ :‬إن ذلك لداء ما كان اهلل ليقذفني به‪ .‬ال يبقى فى البيت‬
‫أحد إال لد إال عمى) فقد لدت ميمونة وهى صائمة لقسم رسول اهلل عقوبة لهم لما‬
‫صنعوا برسول اهلل‪.‬‬
‫(‪ )1‬شرح مذاهب أهل السنة‪ :‬ص‪.522‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫اب ِم ْن ِع ْن ِد َها‪ ،‬فَ َق َال‪ْ > :‬اس ِق ِني<‪،‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِ َش َر ٍ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ِإلَى أُ ِّم َك فَ ْأ ِ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنَّ ُه ْم يَ ْج َعلُو َن أَ ْي ِديَ ُه ْم ِفيه ِ‪ ،‬قَ َال‪ْ > :‬اس ِق ِني<‪ ،‬فَ َشر َِب‬ ‫قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ِم ْن ُه‪ ،‬ثُ َّم أَ َتى َز ْم َز َم َو ُه ْم يَ ْس ُقو َن َويَ ْع َملُو َن ِف َيها‪ ،‬فَ َق َال‪ْ > :‬اع َملُوا فَ ِإنَّ ُك ْم َعلَى‬
‫َع َم ٍل َصالِ ٍح< ثُ َّم قَ َال‪> :‬ل َ ْوالَ أَ ْن ُت ْغلَ ُبوا لَنَ َز ْل ُت‪َ ،‬ح َّتى أَ َض َع َ‬
‫الح ْب َل َعلَى‬
‫َه ِذهِ< يَ ْع ِني‪َ :‬عاتِ َق ُه‪َ ،‬وأَ َش َار ِإلَى َعاتِ ِقه ِ(‪.)1‬‬
‫ولعل وجه المنقبة هنا يتمثل في قول النبي ‪ ‬للعباس ومن‬
‫معه‪ :‬اعملوا فإنكم على عمل صالح‪ ،‬ثم تمنيه ‪ ‬أن يشاركهم‬
‫في صنيعهم‪.‬‬
‫ك‪ ،‬أَ َّن ُع َم َر ْب َن‬ ‫س ْب ِن َمالِ ٍ‬ ‫‪ 2‬ــ روى البخاري بسنده‪َ ،‬ع ْن أَنَ ِ‬
‫المطَّلِ ِب‪،‬‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ُ‬ ‫اب ‪َ ،‬كا َن ِإ َذا قَ َح ُطوا ْاس َت ْس َقى بِ َ‬
‫الع َّبا ِ‬ ‫ال َخ َّط ِ‬
‫الله َّم ِإنَّا ُكنَّا نَ َت َو َّس ُل ِإل َ ْي َك بِنَبِيِّنَا فَ َت ْس ِقينَا‪َ ،‬و ِإنَّا نَ َت َو َّس ُل ِإل َ ْي َك بِ َع ِّم‬
‫فَ َق َال‪ُ > :‬‬
‫نَبِيِّنَا فَ ْاس ِقنَا<‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ ُي ْس َق ْو َن(‪.)5‬‬
‫ي َر ِح َم ُه اهللُ َت َعالَى‪َ :‬و ِم ْن فَ َضائِ ِل‬ ‫اآلج ِّر ُّ‬
‫قَ َال ُم َح َّم ُد ْب ُن ا ْل ُح َس ْي ِن ُ‬
‫س‬ ‫الر َم َاد ِة بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫اب ‪ْ ‬اس َت ْس َقى َع َام َّ‬ ‫س ‪ ‬أَ َّن ُع َم َر ْب َن ا ْل َخ َّط ِ‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫فَ ُس ُقوا(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ .)1022‬والمراد بالسقاية‪ :‬الموضع الذي يسقى فيه الماء‪.‬‬
‫و(فَ ْاس َت ْس َقى) أَي‪ :‬طلب ّ‬
‫الش ْرب (ويعملون فيها) ينزحون منها الماء‪( .‬لوال أن تغلبوا)‬
‫بأن يجتمع عليكم الناس إذا رأوني أعمل اقتداء بي فيغلبوكم عليها لكثرتهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)1212‬‬
‫(‪ )2‬الشريعة لآلجري‪.5501/2 :‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫ول اهلل ِ‬ ‫‪ 0‬ــ روى مسلم بسنده‪ ،‬عن زيد بن أرقم قَ َال‪ :‬قَ َام َر ُس ُ‬
‫‪ ‬يَ ْوما ِفينَا َخ ِطيبا‪ ،‬بِ َم ٍاء يُ ْد َعى ُخ ًّما(‪ )1‬بَ ْي َن َم َّك َة َوا ْل َم ِدينَةِ فَ َح ِم َد‬
‫اس فَ ِإنَّ َما‬ ‫اهللَ َوأَ ْثنَى َعلَ ْيه ِ‪َ ،‬و َو َعظَ َو َذك ََّر‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬أَ َّما بَ ْع ُد‪ ،‬أَ َال أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫يب‪َ ،‬وأَنَا َتارِك ِفي ُك ْم ثَ َقلَ ْي ِن(‪:)5‬‬ ‫ول َربِّي فَأُ ِج َ‬ ‫وش ُك أَ ْن يَ ْأتِ َي َر ُس ُ‬ ‫أَنَا بَ َشر يُ ِ‬
‫اب اهلل ِ‪َ ،‬و ْاس َت ْم ِس ُكوا بِه ِ<‬ ‫ور فَ ُخذُوا بِ ِك َت ِ‬ ‫أَ َّول ُ ُهما ِك َت ُ ِ ِ‬
‫اب اهلل فيه ِ ا ْل ُه َدى َوالنُّ ُ‬ ‫َ‬
‫َّب ِفيه ِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪َ > :‬وأَ ْه ُل بَ ْي ِتي أُ َذ ِّك ُر ُك ُم اهللَ ِفي‬ ‫اب اهلل ِ َو َرغ َ‬ ‫فَ َح َّث َعلَى ِك َت ِ‬
‫أَ ْه ِل بَ ْي ِتي‪ ،‬أُ َذ ِّك ُر ُك ُم اهللَ ِفي أَ ْه ِل بَ ْي ِتي‪ ،‬أُ َذ ِّك ُر ُك ُم اهللَ ِفي أَ ْه ِل بَ ْي ِتي< فَ َق َال ل َ ُه‬
‫ُح َص ْين‪َ :‬و َم ْن أَ ْه ُل بَ ْي ِته ِ؟ يَا َز ْي ُد أَل َ ْي َس نِ َسا ُؤ ُه ِم ْن أَ ْه ِل بَ ْي ِته ِ؟ قَ َال‪ :‬نِ َسا ُؤ ُه‬
‫الص َدقَ َة بَ ْع َد ُه‪ ،‬قَ َال‪َ :‬و َم ْن ُه ْم؟‬ ‫ِم ْن أَ ْه ِل بَ ْي ِته ِ‪َ ،‬ول َ ِك ْن أَ ْه ُل بَ ْي ِته ِ َم ْن ُحر َِم َّ‬
‫س قَ َال‪ُ :‬ك ُّل َه ُؤ َال ِء‬ ‫قَ َال‪ُ :‬ه ْم ُآل َعلِي َو ُآل َع ِقي ٍل‪َ ،‬و ُآل َج ْع َف ٍر‪َ ،‬و ُآل َع َّبا ٍ‬
‫الص َدقَ َة؟ قَ َال‪ :‬نَ َع ْم(‪.)2‬‬ ‫ُحر َِم َّ‬
‫وهذه الرواية فيها منقبة واضحة للعباس وبنيه وهي أنهم من جملة‬
‫آل بيت النبي ‪ ،‬وممن تحرم عليهم الصدقة‪ ،‬وكفى بها فضيلة‬
‫بعد اإلسالم وإخالص العمل‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ روى أحمد َح َّدثَنَا َع ْب ُد اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪ :‬نا َد ُاو ُد ْب ُن َع ْمرٍو َّ‬
‫الضبِّ ِّي‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪( )1‬خما) اسم لغدير على ثالثة أميال من الجحفة بين مكة والمدينة (معجم البلدان‪:‬‬
‫‪.)232/5‬‬
‫(‪( )5‬ثقلين) قال العلماء‪ :‬سميا ثقلين؛ لعظمهما وكبير شأنهما‪ ،‬وقيل‪ :‬لثقل العمل بهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪ )5223‬والنسائي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )3112‬والدارمي في سننه‪:‬‬
‫ح (‪ )2222‬والطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪.)2253‬‬

‫‪221‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫وسى ْب ِن ُع ْق َب َة‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال ُك َر ْيب أَبُو ر ِْش ِد َ‬


‫ين‬ ‫قثنا ْاب ُن أَبِي ال ِّزنَادِ‪َ ،‬ع ْن ُم َ‬
‫الل ا ْل َول َ ِد َوالِدا أَ ْو‬ ‫س‪ِ :‬إ ْن َكا َن ر ُس ُ ِ‬
‫اس ِإ ْج َ‬‫ول اهلل ل َ ُي ِج ُّل ا ْل َع َّب َ‬ ‫َ‬ ‫َم ْولَى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫(‪)1‬‬
‫خص اهلل بها العباس بن‬ ‫َع ًّما ‪ .‬وفي رواية ابن عساكر بزيادة‪ :‬فضيلة َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في الفضائل‪ :‬ح (‪ )1522‬وإسناده حسن‪ ،‬إال أن ابن أبي الزناد صدوق‬
‫تغير حفظه لما قدم بغداد‪ .‬وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ .)222/50( :‬من‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫طريق بكار بن محمد عن ابن أبي الزناد‪ ،‬وسنده حسن‪ ،‬وفي السند ِإ ْس َماع ُيل ْب ُن‬
‫َع ْب ِد اهللِ‪ ،‬وهو صدوق يخطئ‪.‬‬
‫وأخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫ح (‪ )2212‬من طريق عبد اهلل بن عمرو بن أبي أمية‪ ،‬عن ابن أبي الزناد‪ ،‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬وض َّعفه األلباني‪( :‬سلسلة‬
‫األحاديث الضعيفة ‪ )501/2‬وقال‪ :‬ابن أبي أمية هذا؛ ال يعرف حاله‪ ،‬قال ابن أبي‬
‫حاتم في الجرح والتعديل (‪> :)152/2‬سألت أبي عنه؟ فقال‪ :‬هذا شيخ أدركته‬
‫بالبصرة‪ ،‬خرج إلى الكوفة في بدو قدومنا البصرة‪ ،‬فلم نكتب عنه‪ ،‬وال أخبر أمره<‪.‬‬
‫لكن أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ )222/50( :‬من غير طريق ابن أبي أمية‪،‬‬
‫يسى‬ ‫وإنما من طريق أبي بَ ْك ٍر ُم َح َّم ُد ْب ُن ا ْل ُح َس ْي ِن‪ ،‬نا أَبُو ا ْل ُح َس ْي ِن ْب ُن ا ْل ُم ْه َت ِدي‪ ،‬أنا ِع َ‬
‫ا ْب ُن َعلِي‪ ،‬أنا َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُم َح َّم ٍد‪ ،‬نا َد ُاو ُد ْب ُن َع ْمرٍو‪ ،‬نا ْاب ُن أَبِي ال ِّزنَادِ‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن‬
‫ُع ْق َبة‪ ،‬عن كريب مولى ابن عباس‪ ..‬به‪.‬‬
‫وأخرجه الاللكائي من طريق عبد اهلل بن محمد به‪( .‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪:‬‬
‫‪1225/3‬ح‪.)5553 :‬‬
‫وأخرجه الطبراني في األوسط‪ ،32/5 :‬ح (‪ )0222‬من طريق ابن أبي الزناد عن‬
‫هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بلفظ‪ :‬ما رأيت النبي ‪ ‬يكرم أحدا ما يكرم‬
‫العباس‪ .‬وقال‪ :‬لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إال ابن أبي الزناد‪ ،‬وقال‬
‫الذهبي في السير‪ :‬إسناده صالح‪( .‬سير أعالم النبالء‪ .)25/5 :‬وفي السند‬
‫تغير حفظه كما سبق ذكره‪.‬‬ ‫عبد الرحمن بن أبي الزناد‪ ،‬صدوق َّ‬
‫و ُش َر ْحب َِيل ْب ِن َس ْع ٍد ضعيف الحديث (الميزان‪ ،)00/5 :‬وأبو معشر نجيح بن=‬

‫‪225‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫عبد المطلب دون من سواه‪.‬‬


‫النبي‬
‫َّ‬ ‫أنه َّبشر‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 3‬ــ روى الطبراني بسنده‪ ،‬عن أبي رافع‬
‫رسول اهلل ‪.)1(‬‬
‫ُ‬ ‫فأعت َق ُه‬
‫س َ‬ ‫العبا ِ‬
‫بإسالمِ َّ‬
‫‪َ ‬‬
‫فلقد فرح النبي ‪ ‬بإسالمه وأعتق أبا رافع لما َّبشره‬
‫بإسالمه‪ ،‬ففيه منقبة ظاهرة للعباس ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ روى الترمذي بسنده‪َ ،‬ع ْن ُك َر ْي ٍب عن ابن عباس قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪ ‬للعباس‪ :‬إذا كان غداة االثنين فاتني أنت وولدك‬
‫وألب َسنا‬
‫حتى أدعو لك بدعوة ينفعك اهلل بها وولدك‪ ،‬فغدا وغدونا معه َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= عبد الرحمن‪ ،‬ضعيف أسن واختلط‪ ،‬ضعفه ابن معين وأبو داود والنسائي‪ ،‬وقال‬
‫البخاري‪ :‬منكر الحديث‪( .‬تهذيب الكمال‪ )255/52 :‬وإبراهيم بن محمد بن بكار‬
‫مجهول الحال‪.‬‬
‫وأخرجه الحاكم (‪ 255/2‬ح‪َ )2223 :‬ع ْن َد ُاو َد ْب ِن َعطَ ٍاء ا ْل َم َدنِ ِّي‪َ ،‬ع ْن َز ْي ِد ْب ِن‬
‫س ْب ِن‬ ‫الر َم َاد ِة بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫اب َع َام َّ‬ ‫أَ ْسلَ َم‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ُع َم َر أَنَّ ُه قَ َال‪ْ :‬اس َت ْس َقى ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اس‪ ،‬نَ َت َو َّج ُه ِإل َ ْي َك بِه ِ فَ ْاس ِقنَا‪ ،‬فَ َما بَر ُِحوا‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَ َق َال‪ُ :‬‬
‫الله َّم َه َذا َع ُّم نَبِيِّ َك ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اس‪ِ ،‬إ َّن َر ُس َ‬ ‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬أَيُّ َها النَّ ُ‬ ‫َح َّتى َس َق ُاه ُم اهللُ‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َخ َط َب ُع َم ُر النَّ َ‬
‫س َما يَ َرى ا ْل َول َ ُد لِ َوالِ ِدهِ‪ ،‬يُ َعظ ُِّم ُه‪َ ،‬ويُ َف ِّخ ُم ُه‪َ ،‬ويَ َب ُّر قَ َس َم ُه فَا ْق َت ُدوا‬
‫‪َ ‬كا َن يَ َرى لِل َْع َّبا ِ‬
‫ُوه َو ِسيلَة ِإلَى اهلل ِ َع َّز َو َجلَّ‬ ‫س‪َ ،‬وا َّت ِخذ ُ‬ ‫اس ب َِر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬في َع ِّمه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫يما نَ َز َل بِ ُك ْم<‪ .‬وسكت عنه الحاكم‪ ،‬وكأنه لضعفه الشديد؛ وتعقبه الذهبي بقوله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬
‫>داود؛ متروك<‪( .‬راجع‪ :‬سلسلة األحاديث الضعيفة‪ 505/2 :‬رقم‪.)2502 :‬‬
‫يث َع ْن‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ ،53/2 :‬ح (‪ )5202‬وقال‪َ :‬ال يُ ْر َوى َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ت َف َّر َد بِه ِ ُم َح َّم ُد ْب ُن َبكَّا ٍر‪ ،‬وقال الحافظ الهيثمي في‬ ‫أَبِي َر ِاف ٍع ِإ َّال ب َِه َذا ْ ِ‬
‫المجمع‪503/2( :‬ح‪َ )12202 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ِفي ْاأل َ ْو َس ِط‪َ ،‬و ِإ ْسنَ ُاد ُه َح َسن‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫كساء‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة ال تغادر‬
‫ذنبا اللهم احفظه في ولده(‪.)1‬‬
‫‪ 12‬ــ روى أحمد بسنده‪َ ،‬ع ْن ُح َج َّي َة ْب ِن َع ِدي‪َ ،‬ع ْن َعلِي‪ ،‬أَ َّن‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ > ،‬سأَ َل النَّب َِّي ِفي َت ْع ِجي ِل َص َدقَ ِته ِ قَ ْب َل أَ ْن َت ِح َّل‪،‬‬
‫ا ْل َع َّب َ‬
‫فَ َر َّخ َص ل َ ُه في ذلك<(‪.)5‬‬
‫سباقا ألداء ما‬
‫وفيها منقبة للعباس وفضيلة ظاهرة له ‪ ‬أنه كان َّ‬
‫أوجب اهلل عليه من الفرائض بطلبه من النبي ‪ ‬أن يرخص له‬
‫يحل وقتها‪.‬‬
‫بأداء زكاته قبل أن َّ‬
‫‪ 11‬ــ روى البزار بسنده َع ْن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن أَبِي َرزِي ٍن‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪َ ،‬ع ْن‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬لَنَا ا ْل ِح َجابَ َة فَ َسأَل َ ُه‬ ‫س‪َ :‬س ْل َر ُس َ‬ ‫َعلِي‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫س َس ْل‬ ‫فَ َق َال‪ :‬أُ ْع ِطي ُك ُم ِّ‬
‫الس َقايَ َة َت ْر ُز ُؤ ُك ْم َو َال َت ْر ُز ُؤونَ َها‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫ات فَ َق َال‪َ :‬ما ُك ْن ُت‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ،‬يَ ْس َت ْع ِملُ َك َعلَى َّ‬
‫الص َدقَ ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫س(‪.)2‬‬ ‫وب النَّا ِ‬ ‫ِألَ ْس َت ْع ِملَ َك َعلَى ُغ َسالَةِ ُذنُ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي في سننه‪ :‬كتاب المناقب باب مناقب العباس‪ ،‬ح (‪ )2505‬وقال‪:‬‬
‫هذا حديث حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه‪ ،‬وقال الشيخ األلباني‪ :‬حسن‪.‬‬
‫وأخرجه البزار في مسنده‪ :‬ح (‪ )2512‬واآلجري في الشريعة‪ :‬ح (‪.)1520‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في مسنده‪ :‬ح (‪ )355‬والترمذي في سننه‪ :‬ح (‪ )053‬وابن ماجه في‬
‫سننه‪ :‬ح (‪ )1522‬والدارمي في سننه‪ :‬ح (‪ )1050‬والحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب‬
‫معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪ )2221‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪.)12200‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البزار في مسنده‪ :‬ح (‪ )322‬وابن خزيمة في صحيحه‪ :‬ح (‪ )5222‬والحاكم=‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫‪‬‬ ‫ول اهلل ِ‬ ‫وقال أبو جعفر الطحاوي‪ :‬فَ َع َق ْلنَا بِ َذلِ َك أَ َّن َر ُس َ‬
‫الص َدقَةِ لِرِ ْف َع ِته ِ ِإيَّ ُاه أَ ْن يَ ُكو َن َعا ِمال َعلَى‬ ‫س ْاس ِت ْع َمال َ ُه َعلَى َّ‬ ‫ِإنَّ َما َكر َِه لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫س‪َ ،‬ال لِ َما ِس َوى َذلِ َك ِم ْن ِحل َِّها ل َ ُه ل َ ْو َع ِم َل َعلَ ْي َها(‪.)1‬‬ ‫وب النَّا ِ‬ ‫ُغ َسالَةِ ُذنُ ِ‬
‫س‪ ،‬أَ َّن‬ ‫‪ 15‬ــ روى أبو داود بسنده‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اس‪ ،‬يَا َع َّم ُاه‪،‬‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪> :‬يَا َع َّب ُ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬قَ َال لِ ْل َع َّبا ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫يك‪ ،‬أَ َال أَ ْمنَ ُح َك‪ ،‬أَ َال أَ ْح ُبو َك‪ ،‬أَ َال أَ ْف َع ُل بِ َك َع ْش َر ِخ َصا ٍل‪ِ ،‬إ َذا‬ ‫أَ َال أُ ْع ِط َ‬
‫آخ َر ُه‪ ،‬قَ ِد َيم ُه َو َح ِد َيث ُه‪َ ،‬خطَأَ ُه‬ ‫أَ ْن َت فَ َع ْل َت َذلِ َك َغ َفر اهلل ل َ َك َذ ْنب َك أَ َّول َ ُه َو ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫َو َع ْم َد ُه‪َ ،‬ص ِغ َير ُه َو َكب َِير ُه‪ِ ،‬س َّر ُه َو َع َالنِ َي َت ُه‪َ ،‬ع ْش َر ِخ َصا ٍل‪ :‬أَ ْن ُت َصل َِّي أَ ْربَ َع‬
‫ورة‪ ،‬فَ ِإ َذا فَ َر ْغ َت ِم َن ا ْل ِق َر َاء ِة‬ ‫اب َو ُس َ‬ ‫ات َت ْق َرأُ ِفي ُك ِّل َر ْك َعةٍ فَاتِ َح َة ا ْل ِك َت ِ‬ ‫َر َك َع ٍ‬
‫ِفي أَ َّو ِل َر ْك َعةٍ َوأَ ْن َت قَائِم‪ ،‬قُ ْل َت‪ُ :‬س ْب َحا َن اهلل ِ‪َ ،‬وا ْل َح ْم ُد لِلَّه ِ‪َ ،‬و َال ِإل َ َه ِإ َّال‬
‫اهللُ‪َ ،‬واهللُ أَ ْك َب ُر‪َ ،‬خ ْم َس َع ْش َر َة َم َّرة‪ ،‬ثُ َّم َت ْر َك ُع‪ ،‬فَ َت ُقول ُ َها َوأَ ْن َت َرا ِكع َع ْشرا‪،‬‬
‫اجدا‪ ،‬فَ َت ُقول ُ َها‬ ‫الر ُكو ِع‪ ،‬فَ َت ُقول ُ َها َع ْشرا‪ ،‬ثُ َّم َت ْه ِوي َس ِ‬ ‫ثُ َّم َت ْرفَ ُع َر ْأ َس َك ِم َن ُّ‬
‫الس ُجودِ فَ َت ُقول ُ َها َع ْشرا‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫اجد َع ْشرا‪ ،‬ثُ َّم َت ْرفَ ُع َر ْأ َس َك ِم َن ُّ‬ ‫َوأَ ْن َت َس ِ‬
‫َت ْس ُج ُد‪ ،‬فَ َت ُقول ُ َها َع ْشرا‪ ،‬ثُ َّم َت ْرفَ ُع َر ْأ َس َك‪ ،‬فَ َت ُقول ُ َها َع ْشرا‪ ،‬فَ َذلِ َك َخ ْمس‬
‫ات‪ِ ،‬إ ِن ْاس َت َط ْع َت أَ ْن‬ ‫َو َسب ُعو َن‪ِ ،‬في ُك ِّل َر ْك َعةٍ َت ْف َع ُل َذلِ َك ِفي أَ ْربَ ِع َر َك َع ٍ‬
‫ْ‬
‫ُت َصل َِّي َها ِفي ُك ِّل يَ ْومٍ َم َّرة فَا ْف َع ْل‪ ،‬فَ ِإ ْن ل َ ْم َت ْف َع ْل فَ ِفي ُك ِّل ُج ُم َعةٍ َم َّرة‪ ،‬فَ ِإ ْن ل َ ْم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وصحح‬ ‫َّ‬ ‫= في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪)2222‬‬
‫إسناده‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع‪530/2( :‬ح‪ )2523 :‬ر َِجال ُ ُه‬
‫ثِ َقات‪.‬‬
‫(‪ )1‬شرح مشكل اآلثار‪.522/11 :‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫َت ْف َع ْل فَ ِفي ُك ِّل َش ْه ٍر َم َّرة‪ ،‬فَ ِإ ْن ل َ ْم َت ْف َع ْل فَ ِفي ُك ِّل َسنَةٍ َم َّرة‪ ،‬فَ ِإ ْن ل َ ْم َت ْف َع ْل‪،‬‬
‫فَ ِفي ُع ُم ِر َك َم َّرة<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود في سننه‪ :‬ح (‪ )1525‬وابن ماجه‪ :‬ح (‪ )1235‬والطبراني في‬
‫األوسط‪ :‬ح (‪ )5213‬وفي الكبير‪ :‬ح (‪ )11055‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح‬
‫(‪ )1125‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )2210‬كلهم من طريق عبد الرحمن بن بشر به‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪ :‬هذا حديث وصله موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان وقد خرجه‬
‫أبو بكر محمد بن إسحاق وأبو داود سليمان بن األشعث وأبو عبد الرحمن أحمد بن‬
‫شعيب في الصحيح فرووه عن عبد الرحمن بن بشر وقد رواه إسحاق بن أبي إسرائيل‬
‫وصححه األلباني في صحيح الترغيب‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫عن موسى بن عبد العزيز القنباري؟‪.‬‬
‫(‪102/1‬ح‪ )055 :‬وفي صحيح وضعيف ابن ماجه‪235/2( :‬ح‪ .)1235 :‬وفي‬
‫صحيح الجامع الصغير‪1212/5( :‬ح‪ .)5225 :‬وفي صحيح أبي داود‪)22/2( :‬‬
‫األج ِّري‬
‫وقال فيه‪ :‬قلت‪ :‬حديث صحيح‪ ،‬وقد َّقواه جماعة من األئمة‪ ،‬منهم أبو بكر ُ‬
‫وابن منده وأبو محمد عبد الرحيم المصري وأبو الحسن المقدسي والمنذري وابن‬
‫الصالح‪.‬‬
‫وقال الحافظ المنذري في >الترغيب< ‪ 503/1‬وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة‬
‫وعن جماعة من الصحابة وأمثلها حديث عكرمة هذا وقد صححه جماعة منهم الحافظ‬
‫أبو بكر اآلجري وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري وشيخنا الحافظ أبو الحسن‬
‫المقدسي رحمهم اهلل تعالى‪ ،‬وقال أبو بكر بن أبي داود‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬ليس في‬
‫صالة التسبيح حديث صحيح غير هذا‪ ،‬وقال مسلم بن الحجاج رحمه اهلل ال يروى‬
‫في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس‪.‬‬
‫وذكر ذلك أيضا ابن ناصر الدين الدمشقي‪ ،‬في كتابه الترجيح لحديث صالة‬
‫التسابيح‪ ،‬ص‪ ،21‬وممن صححه أيضا سراج الدين البلقيني‪ ،‬والحافظ العالئي‪،‬‬
‫وبدر الدين الزركشي‪ .‬ذكر ذلك ابن عراق في كتابه تنزيه الشريعة‪،122/5 :‬‬
‫والسيوطي في كتابه الآللئ المصنوعة في األحاديث الموضوعة‪ ،22/5 :‬وقال‬
‫حسنه‪ :‬ابن منده‪=،‬‬
‫صححه أو َّ‬
‫الشوكاني في الفوائد المجموعة‪( :‬ص‪ 22‬ــ ‪ )22‬وممن َّ‬

‫‪220‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫واآلجري‪ ،‬والخطيب‪ ،‬وأبو سعد السمعاني‪ ،‬وأبو موسى المديني‪ ،‬وأبو الحسن ابن‬ ‫=‬
‫المفضل‪ ،‬والمنذري‪ ،‬وابن الصالح‪ ،‬والنووي‪ ،‬والسبكي‪ ،‬وآخرون‪ ،‬وذكر َمن تقدم‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داوود‪ :‬رقم (‪ 1125‬ــ‬ ‫َّ‬ ‫صححوه‪،‬‬ ‫ذكرهم ممن َّ‬
‫‪ 522/1 )1122‬ــ ‪ ،521‬وقد اعتنى جماعة من العلماء بالتصنيف في حديث صالة‬
‫التسبيح‪ ،‬وذلك مما يدل على اعتناء العلماء به قديما وحديثا‪ ،‬منهم الحافظ‬
‫الدارقطني‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 232‬هـ ألف فيه جزءا‪ ،‬والحافظ الخطيب البغدادي‪،‬‬
‫المتوفى سنة ‪ 202‬هـ والحافظ عبد الكريم السمعاني‪ ،‬المتوفى سنة ‪205‬هـ والحافظ‬
‫أبو موسى األصبهاني‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 231‬هـ وسماه‪ :‬تصحيح صالة التسبيح من‬
‫الحجج الواضحة والكالم الفصيح‪ ،‬واإلمام تاج الدين السبكي‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 551‬هـ‬
‫والحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 325‬هـ وسماه‪ :‬الترجيح لحديث‬
‫صالة التسبيح‪ ،‬طبع بيروت‪ ،‬دار البشائر ‪ 1222‬هـ والحافظ جالل الدين السيوطي‪،‬‬
‫المتوفى سنة ‪ 211‬هـ وسماه‪ :‬تصحيح حديث صالة التسبيح‪ ،‬والعالمة شمس الدين‬
‫محمد بن طولون‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 222‬هـ‪ ،‬وسماه‪ :‬التوشيح لبيان صالة التسبيح‪،‬‬
‫والشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي المتوفى سنة ‪ 1122‬هـ والشيخ أحمد‬
‫الصديق الغماري المتوفى سنة ‪ 1232‬هـ وسماه الترجيح لقول من صحح صالة‬
‫التسبيح‪ ،‬والشيخ علوي بن أحمد السقاف المتوفى سنة ‪ 1222‬هـ‪ :‬وسماه القول‬
‫الجامع النجيح في أحكام صالة التسبيح‪ ،‬والشيخ جاسم الفهيد الدوسري‪ :‬وسماه‬
‫التنقيح لما جاء في صالة التسبيح‪ ،‬طبع بدار البشائر‪( .‬راجع مقالة بملتقى أهل‬
‫الحديث بعنوان‪ :‬تخريج حديث صالة التسابيح وأقوال العلماء فيه‪ .‬بعد مقابلة‬
‫الموارد كل على حدة والتأكد من صحة العزو)‪.‬‬
‫وفي المقابل هناك من ض َّعف األحاديث الواردة في صالة التسابيح‪ ،‬ولم يقنع‬
‫بأسانيدها‪ ،‬ومنهم شيخ اإلسالم ابن تيمية حيث قال في المنهاج‪َ )222/5( :‬و َك َذلِ َك‬
‫الس َو ِر أَ ِو ال َّت ْسبِي ِح‪ ،‬فَه َِي َك ِذب بِاتِّ َفا ِق أَ ْه ِل‬ ‫ات أَ ِو ُّ‬ ‫َكلُّ َص َال ٍة ِف َيها ْاأل َ ْم ُر ب َِت ْق ِديرِ َع َددِ ْاآليَ ِ‬
‫يث‪ِ ،‬إ َّال َص َال َة ال َّت ْسبِي ِح‪ ،‬فَ ِإ َّن ِف َيها قَ ْول َ ْي ِن ل َ ُه ْم‪َ ،‬وأَظ َْه ُر ا ْل َق ْول َ ْي ِن أَنَّ َها=‬ ‫ا ْل َم ْع ِرفَة ِ بِا ْل َح ِد ِ‬

‫‪225‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫‪ 12‬ــ روى البخاري بسنده‪َ ،‬ع ْن ْاب ِن ُع َم َر ‪ ‬قَ َال‪ْ :‬اس َت ْأ َذ َن‬
‫ِيت بِ َم َّك َة‬‫ول اهلل ِ ‪ ‬أَ ْن يَب َ‬ ‫اس ا ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ‪َ ‬ر ُس َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ل َ َيالِ َي ِمنى ِم ْن أَ ْج ِل ِس َقايَ ِته ِ‪ ،‬فَأَ ِذ َن ل َ ُه(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= َك ِذب‪َ ،‬و ِإ ْن َكا َن قَ ِد ْاع َت َق َد ِص ْدقَ َها طَائِ َفة ِم ْن أَ ْه ِل ا ْل ِع ْلمِ‪َ ،‬ولِ َه َذا ل َ ْم يَ ْأ ُخذْ َها أَ َحد ِم ْن‬
‫وها َوط ََعنُوا ِفي َح ِدي ِث َها‪َ ،‬وأَ َّما‬ ‫الص َحابَة ِ َكر ُِه َ‬‫ين‪ ،‬بَ ْل أَ ْح َم ُد ْب ُن َح ْن َب ٍل َوأَئِ َّم ُة َّ‬ ‫أَئِ َّمة ِ ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫اب‬ ‫وها بِا ْل ُكل َِّّيةِ‪َ ،‬و َم ْن يَ ْس َت ِح ُّب َها ِم ْن أَ ْص َح ِ‬ ‫الش ِاف ِع ُّي َو َغ ْي ُر ُه ْم فَلَ ْم يَ ْس َم ُع َ‬
‫َمالِك َوأَبُو َح ِني َف َة َو َّ‬
‫الش ِاف ِع ِّي َوأَ ْح َم َد َو َغ ْيرِ ِه َما فَ ِإنَّ َما ُه َو ْاخ ِت َيار ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬ال َن ْقل َع ِن ْاألَئِ َّمة ِ‪َ .‬وأَ َّما ْاب ُن ا ْل ُم َب َار ِك‬ ‫َّ‬
‫ِيح قَ ْب َل ا ْل ِق َيامِ‪ ،‬بَ ِل ْاس َت َح َّب ِص َفة‬ ‫ِ‬ ‫فَلَ ْم يَ ْس َت ِح َّب ِّ‬
‫ور َة ال َّ ِتي ف َيها ال َّت ْسب ُ‬
‫ور َة ا ْل َم ْأثُ َ‬
‫الص َف َة ا ْل َمذْ ُك َ‬
‫يث َال أَ ْص َل ل َ ُه‪ .‬وراجع مجموع الفتاوى‪:‬‬ ‫أُ ْخرى ُتو ِاف ُق ا ْل َم ْشرو َع؛ لِ َئ َّال َت ْثب َت ُسنَّة ب َِح ِد ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫(‪.)252 /11‬‬
‫وقال الشوكاني في السيل الجرار (ص‪ )522‬متعقبا قول صاحب حدائق األزهار‪:‬‬
‫(والمسنون من النفل‪ ،‬قد يؤكد كالرواتب‪ ،‬ويُخص كصالة التسبيح) فالعجب من‬
‫المصنف حيث يعمد إلي صالة التسبيح التي اختلف الناس في الحديث الوارد فيها‬
‫حتى قال من قال من األئمة إنه موضوع وقال جماعة إنه ضعيف ال يحل العمل به‬
‫فيجعلها أول ما خص بالتخصيص وكل من له ممارسة لكالم النبوة ال بد أن يجد في‬
‫نفسه من هذا الحديث ما يجد وقد جعل اهلل في األمر سعة عن الوقوع فيما هو متردد‬
‫ما بين الصحة والضعف والوضع وذلك بمالزمة ما صح فعله أو الترغيب في فعله‬
‫صحة ال شك فيها وال شبهة وهو الكثير الطيب‪.‬‬
‫(وراجع في بيان ضعفها‪ :‬دقائق التوضيح ببيان أحوال رواة صالة التسابيح لمحمد‬
‫األلفي)‪ .‬وله كذلك مختصر منه أسماه‪ :‬التصريح بضعف أحاديث صالة التسابيح‪،‬‬
‫في ملتقى أهل الحديث‪.‬‬
‫ِي‪َ :‬ه َذا يدل على‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )1022‬ومسلم‪ :‬ح (‪ .)1212‬قَ َال النَّ َوو ّ‬
‫اجب أَو‬ ‫اهما‪ :‬أَن ا ْلمبيت بمنى َليالِي أَيَّام ال َّت ْشرِيق َم ْأ ُمور بِهِ‪َ ،‬وهل ُه َو َو ِ‬ ‫َم ْسأَل َ َت ْي ِن‪ِ :‬إ ْح َد َ‬
‫الس َقايَة=‬ ‫انيَة‪ :‬يجوز ألهل ِّ‬ ‫اجب‪َ .‬والثَّ ِ َ‬ ‫خرو َن‪َ :‬و ِ‬ ‫سنة؟ قَ َال أَبُو حني َفة‪ :‬سنة‪َ .‬و ْاآل ُ‬

‫‪223‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫رخص له رسول اهلل‬


‫وفي هذا الحديث فضيلة للعباس ‪ ‬حيث َّ‬
‫ِيت بِ َم َّك َة ل َ َيالِ َي ِمنى ِم ْن أَ ْج ِل ِس َقايَ ِته ِ‪.‬‬
‫‪ ‬له أَ ْن يَب َ‬
‫قال ابن حبيب في المنمق‪ :‬ومن فضل العباس أنه لم يحل ألحد‬
‫من الحاج المبيت بمكة ليالي منى إال العباس وحده(‪.)1‬‬
‫‪ 12‬ــ روى الحاكم بسنده إلى حماد بن سلمة عن ثابت عن عقبة‬
‫س َعلَى ُم َعاوِيَ َة ْب ِن أَبِي ُس ْف َيا َن‬ ‫ابن عبد الغافر قال‪َ :‬د َخ َل َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ش‪ ،‬فَ َسأَل َ ُه ُم َعاوِيَ ُة َع ْن آبَائِه ِْم ِإلَى أَ ْن قَ َال‪:‬‬ ‫َوقَ ْد َت َحلَّ َق ْت ِع ْن َد ُه بُطُو ُن قُ َر ْي ٍ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب؟ فَ َق َال‪َ > :‬ر ِح َم اهللُ أَبَا ا ْل َف ْض ِل‬ ‫ول ِفي أَبِ َ‬
‫يك ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫فَ َما َت ُق ُ‬
‫َكا َن َواهلل ِ َع َّم نَب ِِّي اهلل ِ‪َ ،‬وقُ َّر َة َع ْي ِن َر ُسو ِل اهلل ِ‪َ ،‬سيِّ ُد ْاألَ ْع َمامِ َو ْاألَ ْخ َدا ِن‪،‬‬
‫َج ُّد ْاألَ ْج َدادِ‪ ،‬وآبَا ُؤ ُه ْاألَ ْج َو ُاد‪َ ،‬وأَ ْج َد ُاد ُه ْاألَ ْن َج ُاد‪ ،‬ل َ ُه ع ْلم بِ ْاألُ ُمو ِر‪ ،‬قَ ْد‬
‫َزانَ ُه حلِم‪َ ،‬وقَ ْد َع َال ُه فَ ْهم‪َ ،‬كا َن يَ ْك ِس ُب ِحبال َ ُه ُك ُّل ُم َهنَّ ٍد‪َ ،‬ويَ ْك ِس ُب لِ َر ْأيِه ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫اع َد ِ‬ ‫ت ْاألَ ْخ َدا ُن ِع ْن َد ِذ ْكرِ فَ ِضيلَ ِته ِ‪َ ،‬و َت َب َ‬ ‫ف ر ِْع ِدي ٍد(‪َ ،)5‬ت َال َش ِ‬ ‫ُك ُّل ُم َخالِ ٍ‬
‫الس َقايَةِ َوالنَّ َس ِب َوا ْل َق َرابَةِ‪،‬‬ ‫ت َو ِّ‬ ‫اح ُب ا ْلب ْي ِ‬ ‫اب ِع ْن َد ِذ ْكرِ َع ِشيرتِه ِ‪َ ،‬ص ِ‬ ‫ْاألَ ْن َس ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الماء من َز ْم َزم‪ ،‬ويجعلوه ِفي‬ ‫= أَن ْيتر ُكوا َه َذا ا ْلمبيت ويذهبوا ِإلَى َمكَّة ليستقوا بِاللَّ ْي ِل َ‬
‫س‪ ،‬بل كل من تولى‬ ‫الش ِاف ِعي بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫يخ َتص َذلِك ِع ْند َّ‬ ‫ا ْل ِح َياض مسبال لل َْحاج‪َ ،‬و َال ْ‬
‫س‪َ ،‬وقَ َال بَعضهم‪:‬‬
‫الر ْخ َصة بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫تخ َتص ُّ‬ ‫الس َقايَة َكا َن ل َ ُه َذلِك‪َ ،‬وقَ َال بعض أَ ْص َحابنَا‪ْ :‬‬
‫ِّ‬
‫بآل ا ْل َع َّباس‪ .‬ا ْنتهى‪( .‬شرح النووي على مسلم‪ )02/2 :‬وانظر‪( :‬عمدة القاري‪:‬‬
‫‪.)552/2‬‬
‫(‪ )1‬المنمق‪ :‬محمد بن حبيب‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫(‪ )5‬الر ِْعديد‪ :‬الجبان‪( .‬العين‪ ،22/5 :‬باب العين والدال والراء معهما)‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس بني الفضائل واملناقب‬

‫اس ِته ِ أَ ْك َر ُم َم ْن‬


‫َولِ َم َال يَ ُكو ُن َك َذلِ َك؟ َو َك ْي َف َال يَ ُكو ُن َك َذلِ َك؟ َو ُم َدب ِّ ُر ِس َي َ‬
‫ش َو َر ِك َب(‪.)1‬‬
‫َدبَّ َر‪َ ،‬وأَ ْف َه ُم َم ْن نَ َشأَ ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬
‫صح من فضائل العباس ‪ ،‬وفيما يلي‬
‫كانت هذه نظرة إلى ما َّ‬
‫إلقاء الضوء على ضعيف هذه الفضائل حتى يحذر القارئ ويكون على‬
‫بينة‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح‬
‫(‪ )2255‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬وعزاه إليه ابن‬
‫حجر في إتحاف المهرة‪ 222/5( :‬رقم ‪ .)3202‬وع ّلق عليه الذهبي في التلخيص‪:‬‬
‫صحيح‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬


‫كما حفلت مصادر السنة بصحيح مناقب وفضائل العباس ‪،‬‬
‫فإنها ضمت كذلك ما ورد في مناقبه وفضائله من روايات ضعيفة‬
‫وموضوعة(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي بيان بعض ما ورد في فضائل العباس ‪ ‬مما ضعف‬
‫سنده أو غلب عليه الوضع‪.‬‬
‫ي‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال‬ ‫‪ 1‬ــ روى الطبراني بسنده إلى أَبِي أُ َس ْي ٍد َّ‬
‫السا ِع ِد ِّ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪> :‬يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل َال َتر ِْم‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬لِ ْل َع َّبا ِ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫اء بَ ْع َد َما أَ ْض َحى‪،‬‬‫وه َح َّتى َج َ‬ ‫َم ْن ِزل َ َك أَ ْن َت َوبَنُو َك َغدا َح َّتى آتِ َي ُك ْم<‪ ،‬فَا ْن َت َظ ُر ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ال يعني إيرادنا للضعيف والموضوع معا في فضائل العباس الجمع بينهما في الرتبة‪،‬‬
‫أو الحكم‪ ،‬واألثر‪ ،‬فهذا غير وارد أصال‪ ،‬وغير خاف على طلبة العلم الفارق الكبير‬
‫والبون الشاسع بين الضعيف والموضوع‪ ،‬ولعل من أبرز الفوارق بين الضعيف‬
‫والموضوع أن الضعيف يرجح فيه احتمال الخطأ لكن يبقى احتمال الصواب موجودا‬
‫حتى وإن كان مرجوحا‪ ،‬ويمكن تقويته بالشواهد وكثرة الطرق بشروط‪ ،‬كما أنه يجوز‬
‫العمل به في باب فضائل األعمال والترغيب والترهيب بشروط ذكرها العلماء‪،‬‬
‫بخالف الموضوع فهو مصنوع مختلق وهو من جنس المردود الذي ال احتمال فيه‬
‫يتقوى بحا ٍل من األحوال‪ .‬وال تجوز روايته إال على سبيل‬
‫للصواب‪ .‬وال يُمكن أن ّ‬
‫التحذير منه‪ ،‬ولكن المقصد هنا في البحث هو تمييز الصحيح عن غيره‪ ،‬فالداعي‬
‫لذلك منهجية تنظيمية فحسب‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫الس َال ُم ور ْحم ُة اهلل ِ‬ ‫الس َال ُم َعلَ ْي ُك ْم<‪ ،‬قَ َال‪َ :‬و َعلَ ْي َك َّ‬ ‫فَ َد َخ َل َعلَ ْيه ِْم فَ َق َال‪َّ > :‬‬
‫ََ َ‬
‫َوبَ َر َكا ُت ُه‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬ك ْي َف أَ ْص َب ْح ُت ْم؟<‪ ،‬قَ َال‪ :‬بِ َخ ْي ٍر‪ ،‬أَ ْح َم ُد اهللَ‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬ت َق َاربُوا‬
‫وه ْاش َت َم َل‬ ‫ض<‪َ ،‬ح َّتى ِإ َذا أَ ْم َكنُ ُ‬ ‫َت َق َاربُوا َت َق َاربُوا‪ ،‬يَ ْز َح ُف بَ ْع ُض ُك ْم ِإلَى بَ ْع ٍ‬
‫َعلَ ْيه ِْم بِ ُم َال َءتِه ِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬يَا َر ُّب َه َذا َع ِّمي َو ِص ْن ُو أَبِي‪َ ،‬و َه ُؤ َال ِء أَ ْه ُل‬
‫اه ْم بِ ُم َال َءتِي َه ِذهِ<‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَأَ َّمنَ ْت‬ ‫بَ ْي ِتي‪ ،‬فَ ْاس ُت ْر ُه ْم ِم َن النَّا ِر َك َس ْترِي ِإيَّ ُ‬
‫ين(‪.)5‬‬ ‫ين آ ِم َ‬
‫ين آ ِم َ‬
‫ت‪ ،‬فَ َقال َ ْت‪ :‬آ ِم َ‬ ‫اب َو َح َوائِطُ ا ْلب ْي ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أُ ْس ُك َّف ُة َ‬
‫ب‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬
‫‪ 5‬ــ روى الحاكم بسنده‪ ،‬عن أبي رافع ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫‪ :‬يا أبا الفضل لك من اهلل حتى ترضى(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أُ ْس ُك َّف ُة الباب‪ :‬بضم الهمزة‪ :‬عتبته‪( .‬العين ‪ /‬عتب)‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ ،502/12 :‬ح (‪ )232‬واآلجري في الشريعة‪ :‬ح (‪)1522‬‬
‫وابن ماجه في السنن‪ :‬ح (‪ )2511‬مختصرا‪ ،‬وابن عساكر‪ 255/3 :‬من طرق عن‬
‫عبد اهلل بن عثمان بن إسحاق به‪ .‬وقال الحافظ الهيثمي في المجمع‪،550/2 :‬‬
‫ح (‪ )12252‬روى ابن ماجه بعضه في األدب‪ ،‬رواه الطبراني وإسناده حسن‪.‬‬
‫ص‪ ،‬قال ابن‬‫وهذا إسناد لين؛ َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُع ْث َما َن ْب ِن ِإ ْس َح َاق ْب ِن َس ْع ِد ْب ِن أَبِي َوقَّا ٍ‬
‫معين‪ :‬ال أعرفه‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬شيخ يروي أحاديث مشبهة‪ ،‬واهلل أعلم‪( .‬راجع‪:‬‬
‫الجرح والتعديل البن أبي حات‪ 115/2 :‬ــ تهذيب الكمال‪ 552/12 :‬ــ ‪.)552‬‬
‫وقال ابن عدي نقال عن التهذيب‪ :‬هو مجهول كما قال ابن معين‪ ،‬وقال الذهبي‬
‫(الكاشف ص‪ )255‬ليس بالقوي‪ ،‬وذكره األزدي في الضعفاء وقال‪ :‬منكر الحديث‪.‬‬
‫(تهذيب التهذيب‪.)212/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫ح (‪ )2211‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬وعلق الذهبي في التلخيص‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫وفي السند‪ :‬الحسن بن عنبسة الوراق‪ :‬مجهول الحال‪ .‬قال عنه الذهبي في الميزان‪:‬‬
‫(‪ )210/1‬ال أعرفه‪ ،‬وض َّعفه ابن قانع‪ .‬وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل=‬

‫‪205‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَبِي‪َ ،‬و َع ِّمي‪َ ،‬و َو ِصيِّي‪،‬‬


‫‪ 2‬ــ حديث‪> :‬ا ْل َع َّب ُ‬
‫َو َوا ِرثِي<(‪.)1‬‬
‫اس‪َ ،‬ح َّص َن فَ ْر َج ُه ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ َوا ِإل ْسالمِ‪،‬‬
‫‪ 2‬ــ حديث‪َ > :‬ع ِّمي ا ْل َع َّب ُ‬
‫الله َّم َه ْب ُم ِسي َئ ُه ْم لِ ُم ْح ِس ِنه ِْم<(‪.)5‬‬‫فَ َح َّر َم اهللُ بَ َدنَ ُه َعلَى النَّا ِر‪َ ،‬و َول َ َد ُه‪ُ ،‬‬
‫الحار ِ‬
‫ِث‬ ‫المطَّلِ ِب ْب ُن َربِ َيع َة ْب ِن َ‬
‫‪ 2‬ــ روى الترمذي بسنده عن َع ْب ُد ُ‬
‫الم َّطلِ ِب‪َ ،‬د َخ َل َعلَى ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫اس ْب َن َع ْب ِد ُ‬ ‫المطَّلِ ِب‪ ،‬أَ َّن َ‬ ‫ا ْب ِن َع ْب ِد ُ‬
‫َ‬ ‫الع َّب َ‬
‫ول اهلل ِ َما‬
‫‪ُ ‬م ْغ َضبا َوأَنَا ِع ْن َد ُه‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬ما أَ ْغ َض َب َك<؟ قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (‪ )21/2‬ولم يورد فيه جرحا أو تعديال‪.‬‬
‫وعلي بن هاشم بن البريد صدوق يتشيع‪( ،‬راجع‪ :‬سير النبالء‪.)222/5 :‬‬
‫ِي‪ :‬منكر‬ ‫البخار ُّ‬ ‫ومحمد بن عبيد اهلل بن أبي رافع ضعيف‪ ،‬ومتهم بالوضع‪ .‬قال عنه ُ‬
‫بشيء‪َ ،‬وقَال أَبُو حاتم‪ :‬ضعيف الحديث‪ ،‬منكر‬ ‫ٍ‬ ‫الحديث‪ .‬قال ابن َم ِعين‪ :‬ليس‬
‫الحديث جدا ذاهب‪َ .‬وقَال أَ ُبو أَ ْح َمد بن عدي‪ :‬يروي من الفضائل أشياء ال يتابع‬
‫عليها‪( .‬تهذيب الكمال‪.)25/50 :‬‬
‫وضاع‪.‬‬ ‫(‪ )1‬رواه ابن حبان‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وفي إسناده‪ :‬جعفر بن عبد الواحد‪ ،‬وهو َّ‬
‫(الفوائد المجموعة للشوكاني‪ :‬ص‪.)225‬‬
‫(‪ )5‬أورده ابن الجوزي في الموضوعات (‪ )21/5‬وقال‪ :‬هذا حديث موضوع وفيه‬
‫مجاهيل‪ .‬ومحمد بن يحيى ليس بشيء‪ ،‬وأحمد بن الحسن المقري ليس بثقة‪.‬‬
‫لي َوأُ َس َام َة َو ِفيه ِ ُم َح َّم ُد‬
‫وأورده الكناني في تنزيه الشريعة‪ )12/5( :‬وقال‪ :‬من َح ِديث َع ّ‬
‫ا ْب ُن يَ ْح َيى ا ْل ِك َسائِ ُّي ل َ ْي َس ب َِشي ٍء‪َ ،‬و َع ْن ُه أَ ْح َم ُد ْب ُن ا ْل َح َس ِن ا ْل ُم ْقرِي‪ ،‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ َو ِفيه ِ‬
‫ْ‬
‫َغ ْي ُر ُه َما ِم َّم ْن يُ ْج َه ُل‪ .‬وأورده السيوطي في الآللئ المصنوعة‪ )222/1( :‬وقال‪:‬‬
‫َم ْو ُضوع ِفيه ِ َم َجا ِهيل َو ُم َح َّمد ْبن يَ ْح َيى ل َ ْي َس ب َِش ْيء والراوي َع ْن ُه ل َ ْي َس بِ ِث َقة‪ .‬وقال‬
‫الشوكاني‪ :‬موضوع‪ ،‬وفي إسناده مجاهيل‪( .‬الفوائد المجموعة‪ :‬ص‪.)225‬‬

‫‪202‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ش‪ِ ،‬إ َذا َت َالقَ ْوا بَ ْينَ ُه ْم َت َالقَ ْوا بِ ُو ُجو ٍه ُم ْب َش َر ٍة‪َ ،‬و ِإ َذا ل َ ُقونَا ل َ ُقونَا بِ َغ ْي ِر‬
‫لَنَا َولِ ُق َر ْي ٍ‬
‫اح َم َّر َو ْج ُه ُه‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ح َّتى ْ‬ ‫َذلِ َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َغ ِض َب َر ُس ُ‬
‫قَ َال‪َ > :‬وال َّ ِذي نَ ْف ِسي بِ َي ِد ِه َال يَ ْد ُخ ُل قَ ْل َب َر ُج ٍل ا ِإل َيما ُن َح َّتى يُ ِح َّب ُك ْم لِلَّه ِ‬
‫اس َم ْن آ َذى َع ِّمي فَ َق ْد آ َذانِي فَ ِإنَّ َما َع ُّم‬ ‫َولِ َر ُسولِه ِ<‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫الر ُج ِل ِص ْن ُو أَبِيه ِ<(‪.)1‬‬‫َّ‬
‫ي قَ َال‪َ :‬خ َر ْجنَا‬ ‫‪ 0‬ــ روى أحمد بسنده َع ْن َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد َّ‬
‫السا ِع ِد ِّ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫ض أَ ْس َفا ِرهِ ِفي ا ْل َق ْي ِظ قَ َال‪ :‬فَ َق َام َر ُس ُ‬ ‫َم َع َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬في بَ ْع ِ‬
‫اس‬ ‫اج ِته ِ‪ ،‬أَ ْو قَ َال‪ :‬لِ َي َت َو َّضأَ‪ ،‬فَ َق َام ِإل َ ْيه ِ ا ْل َع َّب ُ‬
‫ض َح َ‬‫ات يَ ْومٍ لِ َب ْع ِ‬
‫‪َ ‬ذ َ‬
‫ول اهلل ِ ‪:‬‬ ‫وف‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬ ‫ا ْب ُن َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَس َتر ُه بِ ِكس ٍاء ِم ْن ُص ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي في السنن ح (‪ )2523‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َح َسن َص ِحيح‪ .‬والنسائي‬
‫في الكبرى‪ :‬ح (‪.)3152‬‬
‫وأخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )15210‬وابن أبي شيبة في المصنف‪ :‬ح (‪)25511‬‬
‫وابن شبه في تاريخ المدينة‪ :‬ح (‪ ،)022/5‬والطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )055‬من‬
‫طريق يزيد بن أبي زياد بألفاظ متقاربة‪ ،‬وقال األلباني‪ :‬ضعيف إال قوله عم الرجل‬
‫فصحيح‪( .‬انظر‪ :‬صحيح وضعيف سنن الترمذي‪.)523/3 ،‬‬
‫قال عنه ُش ْع َب ُة‪َ :‬كا َن‬ ‫والحديث مداره على يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي ضعيف‪َ ،‬‬
‫الص َحابَة ِ يَ ْرفَ ُع َها ــ‪َ .‬وقَ َال ْاب ُن فُ َض ْي ٍل‪َ :‬كا َن ِم ْن‬
‫َرفَّاعا ــ يَ ْع ِني‪ :‬اآلثَ َار ال َّ ِتي ِه َي ِم ْن أَ ْق َوا ِل َّ‬
‫أَئِ َّمة ِ ِّ‬
‫الش ْي َعة ِ ال ِك َبا ِر‪.‬‬
‫ِالح ِاف ِظ‪ .‬وروي َع ْن يَ ْح َيى‪ :‬الَ يُ ْح َت ُّج ب َِح ِد ْي ِثه ِ‪ .‬ومرة‪:‬‬ ‫بن َح ْن َب ٍل‪ :‬ل َ ْم يَ ُك ْن ب َ‬ ‫َوقَ َال أَ ْح َم ُد ُ‬
‫ث‪َ .‬كا َن بِأَ َخ َر ٍة‬ ‫ث‪َ .‬وقَ َال ال ِع ْجلِ ُّي‪َ :‬جائِ ُز َ‬
‫الح ِد ْي ِ‬ ‫ي‪ .‬ومرة‪َ :‬ض ِع ْي ُف َ‬
‫الح ِد ْي ِ‬ ‫ل َ ْي َس بِال َق ِو ِّ‬
‫الم َب َار ِك‪ ،‬فَ َق َال‪ْ :‬ارم ِ بِه ِ‪َ .‬وقَ َال أَبُو ُز ْر َع َة‪ :‬لَيِّن‪َ .‬وقَ َال أَبُو َحات ِ ٍم‪ :‬ل َ ْي َس‬
‫يُلَق َُّن‪ .‬و َذ َك َر ُه ْاب ُن ُ‬
‫ي‪( .‬سير أعالم النبالء‪.)555/0 :‬‬ ‫بِال َق ِو ِّ‬

‫‪202‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬فَ َكأَنِّي أَ ْن ُظ ُر ِإل َ ْيه ِ‬ ‫>م ْن َه َذا؟< قَ َال‪َ :‬ع ُّم َك يا ر ُس َ ِ‬
‫ول اهلل‪ ،‬ا ْل َع َّب ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الله َّم ْاس ُت ِر‬‫ول‪ُ > :‬‬ ‫الس َم ِاء َو ُه َو يَ ُق ُ‬‫ِم ْن َخلَ ِل ا ْل ِك َس ِاء‪َ ،‬و ُه َو َر ِافع َر ْأ َس ُه ِإلَى َّ‬
‫س ِم َن النَّا ِر<(‪.)3‬‬ ‫اس َو َول َ َد ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ا ْل َع َّب َ‬
‫ول‬ ‫‪ 0‬ــ روى ابن ماجه بسنده َع ْن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع ْمرٍو‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫يم َخلِيال‪َ ،‬و َم ْن ِزلِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ‪ِ > :‬إ َّن اهللَ ا َّت َخ َذني َخلِيال َك َما ا َّت َخ َذ ِإ ْب َراه َ‬
‫اس بَ ْينَنَا ُم ْؤ ِمن بَ ْي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم يَ ْو َم ا ْل ِق َي َامةِ في ا ْل َجنَّةِ تجاهين‪َ ،‬وا ْل َع َّب ُ‬ ‫َو َم ْنز ُِل ِإ ْب َراه َ‬
‫َخلِيلَ ْي ِن<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في الفضائل‪ :‬ح (‪ )1312‬وابن عساكر في التاريخ‪ 225/50( :‬ــ‬
‫يم ْب ُن َس ِعي ٍد‬
‫‪ )223‬وأخرجه اآلجري في الشريعة‪ :‬ح (‪ )1522‬من طريق ِإ ْب َرا ِه ُ‬
‫ا ْل َج ْو َهر ِّي قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن قيس‪ ،‬والبالذري في األنساب (‪ )2/2‬من طريق‬
‫س‪ ،‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح‬ ‫ِي‪َ ،‬ثنَا ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ُن قَ ْي ِ‬ ‫ِإ ْب َرا ِه ُ‬
‫يم ْب ُن َح ْم َز َة ال ُّز َب ْير ُّ‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ول َ ْم يُ َخ ِّر َج ُاه‪ ،‬وقال‬ ‫(‪ )2212‬من الطريق نفسه‪ ،‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِح ُ‬
‫يح ْ ِ‬
‫الذهبي في التلخيص‪ :‬إسماعيل بن قيس بن سعد ضعفوه‪ .‬وقال في السير‪:‬‬
‫(‪ )225/2‬ل َ ُه ط ُُرق َو ِإ ْس َما ِع ْي ُل ُض ِّع َف‪.‬‬
‫والحديث إسناده وا ٍه؛ ألن مداره على إسماعيل بن قيس ب ِن َس ْع ِد ب ِن َز ْي ِد ب ِن ثابت‪،‬‬
‫قال البخاري والدارقطني‪ :‬منكر الحديث‪ .‬وقال النسائي وغيره‪ :‬ضعيف‪( .‬لسان‬
‫الميزان‪.)252/1 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن ماجه في السنن‪ :‬ح (‪ )121‬وابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة‬
‫(‪ )522‬والعقيلي‪ )53/2( :‬وابن عدي‪ )155/1( :‬وابن حبان‪( :‬المجروحين‪:‬‬
‫‪ )123/5‬والخطيب‪ )555/2( :‬كلهم من طرق‪ ،‬عن عبد الوهاب بن الضحاك‪ ،‬به‪.‬‬
‫ومن طريق ابن ماجه أخرجه ابن الجوزي (الموضوعات‪ )25/5 :‬وهذا إسناد تالف‪،‬‬
‫عبد الوهاب بن الضحاك متفق على تركه‪ ،‬وكذبه أبو حاتم وغير واحد من أهل العلم‪،‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬كان يضع الحديث‪( .‬انظر ترجمته في تهذيب الكمال‪=.)222 /13 :‬‬

‫‪202‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اء‬ ‫‪ 5‬ــ روى الطبراني بسنده‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س قَ َال‪َ :‬ج َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وقال العقيلي‪ :‬ال يتابعه إال من هو دونه أو مثله‪ ،‬وليس للحديث أصل عن ثقة‪.‬‬
‫وأخرجه ابن عدي في (الكامل‪ )155/1 :‬من طريق أحمد بن معاوية الباهلي‪ ،‬عن‬
‫ابن عياش‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬وهذا الحديث يعرف بعبد الوهاب بن الضحاك‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫عياش‪ ،‬وأحمد بن معاوية هذا سرقه من عبد الوهاب على أن عبد الوهاب كان يتهم‬
‫فيه‪ .‬وقال الذهبي‪ :‬هذا من بالياه‪( .‬راجع ميزان االعتدال‪.)052/5 :‬‬
‫يث أَ ْصل َع ْن ثِ َقةٍ‪.‬‬ ‫وقال العقيلي في الضعفاء‪َ )53/2( :‬ول َ ْي َس لِل َْح ِد ِ‬
‫الض َّحا ِك‬
‫اب ْب ِن َّ‬ ‫يث يُ ْع َر ُف ب َِع ْب ِد ا ْل َو َّه ِ‬
‫وفي الكامل البن عدي‪َ )532/1( :‬و َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬
‫اب َعلَى أَ َّن‬‫ش‪َ ،‬وأ َ ْح َم ُد ْب ُن ُم َعاوِيَ َة َه َذا َس َرقَ ُه ِم ْن َعبد ا ْل َو َّه ِ‬ ‫َع ْن إِ ْس َما ِع َيل ْب ِن َع َّيا ٍ‬
‫اب َكا َن يُ َّت َه ُم ِفيه ِ‪.‬‬
‫َعبد ا ْل َو َّه ِ‬
‫وفي مصباح الزجاجة‪ 51/1( :‬ح‪ )21 :‬ه َذا إِ ْسنَاد َض ِعيف التفاقهم على ضعف‬
‫الح ِديث‪َ ،‬وقَ َال ا ْل َحا ِكم روى أَ َحادِيث َم ْو ُضو َعة‬ ‫ِ‬
‫عبد ا ْل َو َّهاب بل قَ َال فيه ِ أَبُو َد ُاود يضع َ‬
‫َو َش ْيخه ِإ ْس َما ِعيل َكا َن يُ َدلس‪.‬‬
‫وقال األلباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه‪ )512/1( :‬موضوع‪.‬‬
‫وقال األلباني‪ :‬الحديث أخرجه الديلمي (‪ )552 /5 /1‬من طريق أبي معقل يزيد بن‬
‫معقل عن عقبة عن سالم عن حذيفة مرفوعا به‪ ،‬نحوه‪ ،‬إال أنه قال‪> :‬علي<‪ ،‬بدل‪:‬‬
‫>العباس<‪ .‬وأبو معقل هذا لم أجد له ترجمة‪.‬‬
‫لكن الجملة األولى من الحديث قد صحت من حديث ابن مسعود ‪ ‬مرفوعا‬
‫بلفظ‪> :‬لو كنت متخذا خليال التخذت أبا بكر خليال‪ ،‬ولكنه أخي وصاحبي‪ ،‬وقد‬
‫اتخذ اهلل عز وجل صاحبكم خليال<‪ .‬أخرجه مسلم (‪ ،)123 /5‬وابن ماجه (رقم‬
‫‪ ،)22‬وكذا الترمذي (‪ )2020‬وأحمد (‪ 255/1‬و‪ 232‬و‪ 222‬و‪ 222‬و‪ 212‬و‪222‬‬
‫و‪ 222‬و‪ ،)202‬وابن أبي عاصم في >السنة< (‪ ،)1550‬وقال الترمذي‪> :‬حديث‬
‫حسن صحيح<‪ .‬راجع‪ :‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة لأللباني‪،22/5( :‬‬
‫ح‪.)2222 :‬‬

‫‪200‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ود النَّب َِّي ‪ِ ‬في َم َر ِضه ِ‪ ،‬فَ َرفَ َع ُه‪ ،‬فَأَ ْجلَ َس ُه ِفي َم ْجلِ ِسه ِ َعلَى‬ ‫اس يَ ُع ُ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ > :‬رفَ َع َك اهللُ يَا َع ِّم<‪ ،‬فَ َق َال‬ ‫السرِي ِر‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه َر ُس ُ‬ ‫َّ‬
‫اس‪َ :‬ه َذا َعلِي يَ ْس َت ْأ ِذ ُن‪ .‬فَ َق َال‪> :‬يَ ْد ُخ ُل< فَ َد َخ َل َو َم َع ُه ا ْل َح َس ُن‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬و ُه ْم َول َ ُد َك‬ ‫اس‪َ :‬ه ُؤ َال ِء َول َ ُد َك يَا َر ُس َ‬ ‫َوا ْل ُح َس ْي ُن‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫يَا َع ِّم< قَ َال‪ :‬أَ ُت ِح ُّب ُه ْم؟ فَ َق َال‪> :‬أَ َح َّب َك اهللُ َك َما أَ َح َّب ُه ْم<(‪.)1‬‬
‫الض َحى ُم ْسلِمِ ْب ِن ُص َب ْي ٍح‪َ ،‬ع ِن‬ ‫‪ 3‬ــ روى الطبراني بسنده‪َ ،‬ع ْن أَبِي ُّ‬
‫الض َغائِ َن ِفي‬ ‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنَّا لَنَ ْعر ُِف َّ‬ ‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫س قَ َال‪ :‬قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ُو ُجوهِ أَ ْق َوامٍ‪ .‬قَ َال‪> :‬بِ َم َت ْعرِفُ َها؟< قَ َال‪َ :‬ت ُكو ُن ا ْل َح ْل َق ُة ِفي ا ْل َح ِد ِ‬
‫يث‪ ،‬فَ ِإ َذا‬
‫ا َّطلَ ْع ُت َعلَ ْيه ِْم أَ ْم َس ُكوا لِ َق َرابَ ِتي ِم ْن َك‪َ ،‬ول َ ْو َكانُوا ِفي نُ ْص َحةٍ لِلَّه ِ َو َر ُسولِه ِ َما‬
‫اس يَ َد ُه‬‫أَ ْم َس ُكوا لِ َق َرابَ ِتي ِم ْن َك قَ َال‪َ > :‬ت ْعرِفُ ُه ْم؟< قَ َال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَ َو َض َع ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس‪َ :‬ه ِذ ِه‬ ‫َعلَى ِذ َرا ِع النَّب ِِّي ‪ ،‬ثُ َّم َد َخ َل ا ْل َم ْس ِج َد‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )5205‬والصغير‪ :‬ح (‪ )520‬وقال‪ :‬ل َ ْم يَ ْر ِوهِ َع ْن‬
‫ِع ْكر َِم َة ِإ َّال أَ ْجلَ ُح ْب ُن َع ْب ِد اهلل ِ َو ْاس ُم ُه يَ ْح َيى َويُ ْكنَى أَبَا ُح َج َّي َة َت َف َّر َد بِه ِ ْابنُ ُه َع ْن ُه‪ .‬وابن‬
‫عساكر في تاريخ دمشق‪ .120/12 :‬والخطيب البغدادي في التاريخ‪ .233 /5 :‬وقال‬
‫الطبراني‪ :‬ل َ ْم يَ ْر ِوهِ َع ْن ِع ْكر َِم َة ِإ َّال أَ ْجلَ ُح ْب ُن َع ْب ِد اهلل ِ َو ْاس ُم ُه يَ ْح َيى َويُ ْكنَى أَبَا ُح َج َّي َة‬
‫َت َف َّر َد بِه ِ ْابنُ ُه َع ْن ُه‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع‪ 152/2( :‬ح‪َ )12212 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي‬
‫ِي‪َ ،‬و ُه َو َض ِعيف‪ .‬وقال العقيلي‪:‬‬ ‫الص ِغيرِ َو ْاأل َ ْو َس ِط‪َ ،‬و ِفيه ِ ُم َح َّم ُد ْب ُن يَ ْح َيى ا ْل َح َجر ُّ‬
‫ِفي َّ‬
‫ال يتابع عليه‪( .‬الضعفاء للعقيلي‪ 123/2 :‬ــ لسان الميزان‪.)250/2 :‬‬
‫وفي العلل المتناهية‪ .)520/1( :‬قَ َال الطَّ َب َرانِ ُّي َت َف َر َد به ْاب ُن األَ ْجلَ ِح َع ْن ُه‪ .‬وقَ َال أَ ْح َم ُد‪:‬‬
‫ِي‪ :‬ال يُ ْح َت ُّج ب َِح ِدي ِثه ِ‪َ ،‬وقَ َال ْاب ُن‬ ‫الراز ُّ‬‫يث ُم ْن َك ٍر‪َ ،‬وقَ َال أَبُو َحات ِ ٍم َّ‬ ‫ابن حنبل‪ :‬هذا َح ِد ٍ‬
‫َح َّبا َن‪َ :‬كا َن ال يَ ْدرِي َما يَ ُقولُ ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫س‪ ،‬فَ َرفَ َع َها‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬م ْن ل َ ْم‬ ‫ا ْل َح ْل َق ُة ِم ْن ُه ْم‪ ،‬فَأَ َخ َذ النَّب ُِّي ‪ ‬بِ َي ِد ا ْل َع َّبا ِ‬
‫يُ ِح َّب َع ِّمي َه َذا لِلَّه ِ ِولِ َق َرابَ ِته ِ ِمنِّي فَلَ ْي َس بِ ُم ْؤ ِم ٍن<(‪.)1‬‬
‫الضبِّ ُّي‪َ ،‬ع ْن ُم ِغ َير َة‪،‬‬ ‫‪ 2‬ــ روى اآلجري بسنده إلى بُ َك ْير أَبُي َع ْمرٍو َّ‬
‫يم قَ َال‪َ :‬كا َن النَّب ُِّي ‪ ‬ي ْو َم فَ ْت ِح م َّك َة ُم ْع َت ِجرا بِ ِع َمامةٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َع ْن ِإ ْب َراه َ‬
‫ت أَ ْصنَام‪ ،‬فَ َج َع َل النَّب ُِّي‬ ‫اس ْب ُن َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َح ْو َل ا ْلب ْي ِ‬ ‫َس ْو َد َاء‪َ ،‬وا ْل َع َّب ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اس‪َ :‬ه َّيا‬ ‫ول‪َ > :‬ه َّيا يَا أَبَ ْه< َويَ ُق ُ‬
‫ول ا ْل َع َّب ُ‬ ‫‪ ‬يُ َك ِّس ُر تِ ْل َك ْاألَ ْصنَامِ َويَ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَا بُنَ َّي‪ ،‬فَ َق َال النَّب ُِّي ‪َ > .‬م ْن َرآني َو َرأَى َع ِّمي فَ َق ْد َرأَى ِإ ْب َراه َ‬
‫يم‬
‫ت<(‪.)5‬‬ ‫َو ِإ ْس َما ِع َيل َو ُه َما يَ ْرفَ َعا ِن ا ْل َق َوا ِع َد ِم َن ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫‪ 12‬ــ روى أحمد بسنده‪َ ،‬ع ْن َع ِط َّي َة ا ْل َع ْو ِف ِّي‪ ،‬أَ َّن َك ْعبا ا ْل َح ْب َر أَ َخ َذ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )5202‬وقال‪> :‬ل َ ْم يَ ْر ِو َه َذا ا ْل َح ِد َ‬
‫يث َع ْن َم ْن ُصو ٍر‬
‫ِإ َّال ْاب ُن ْاأل َ ْجلَ ِح<‪.‬‬
‫ِي‪َ ،‬و ُه َو َض ِعيف‪ .‬قال العقيلي في الضعفاء‪)123/2( :‬‬ ‫َو ِفيه ِ ُم َح َّم ُد ْب ُن يَ ْح َيى ا ْل َح َجر ُّ‬
‫ِي َع ْن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ْاأل َ ْجلَ َح‪َ ،‬ع ْن أَبِيهِ‪َ ،‬و َال يُ َتابَ ُع َعلَ ْيه ِ‪ .‬ثم قال‬ ‫ُم َح َّم ُد ْب ُن يَ ْح َيى ا ْل َح ْجر ُّ‬
‫بعد ذكر هذا الحديث والذي قبله‪َ :‬ال يُ َتابَ ُع َعلَ ْيه َِما َج ِميعا ِم ْن ِج َهةٍ َت ِص ُّح‪ .‬وانظر‪:‬‬
‫لسان الميزان‪.)250/2( :‬‬
‫(‪ )5‬الشريعة لآلجري‪ .5521/2 :‬والرواية من مراسيل إبراهيم النخعي‪ ،‬قال عنه ابن‬
‫حجر في التقريب‪ :‬ثقة فقيه إال أنه يرسل كثيرا‪ .‬وقال أبو سعيد العالئي‪ :‬هو مكثر من‬
‫اإلرسال‪ ،‬وجماعة من األئمة صححوا مراسيله‪.‬‬
‫وفي السند بكير أبو عمرو الضبي مجهول الحال‪ .‬والمغيرة بن مقسم‪ :‬ثقة متقن إال أنه‬
‫كان يدلس وال سيما عن إبراهيم النخعي (سير أعالم النبالء‪ 15/0 :‬ــ تهذيب‬
‫الكمال‪.)222/53 :‬‬

‫‪203‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اعةِ ِع ْن َد َك< قَ َال‪َ :‬و َه ْل لِي َش َف َ‬


‫اعة؟ قَ َال‪:‬‬ ‫س فَ َق َال‪ْ > :‬اخ َت ِب ْئ َها لِ َّ‬
‫لش َف َ‬ ‫بِ َي ِد ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اعة<(‪.)1‬‬
‫ت النَّب ِِّي ‪ِ ‬إ َّال َكانَ ْت ل َ ُه َش َف َ‬ ‫نَ َع ْم >ل َ ْي َس أَ َحد ِم ْن أَ ْه ِل بَ ْي ِ‬
‫ي‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫‪ 11‬ــ روى ابن شاهين بسنده‪َ ،‬ع ْن َس ْه ِل ْب ِن َس ْع ٍد َّ‬
‫السا ِع ِد ِّ‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ ‬في ا ْل ُق ُدومِ َعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬يَا َع ِّم‪،‬‬ ‫اس َر ُس َ‬ ‫ْاس َت ْأ َذ َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫أَقِ ْم بِ َم َكانِ َك ال َّ ِذي أَ ْن َت بِه ِ‪ ،‬فَ ِإ َّن اهللَ يَ ْخ ِت ُم بِ َك ا ْله ِْج َر َة َك َما َخ َت َم بِ َي‬
‫النُّ ُب َّو َة<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في فضائل الصحابة‪ :‬ح (‪ )1325‬وأبو نعيم في الحلية‪ 25/0 :‬ــ‬
‫واآلجري في الشريعة‪ 1522/2 :‬ح (‪ )312‬وفيه عطية بن سعد العوفي‪ ،‬ضعيف‬
‫الحديث‪( .‬لسان الميزان‪ .)250/2 :‬وقال عنه ابن حجر (تعريف أهل التقديس‪:‬‬
‫ص‪ )21‬تابعي معروف ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح‪ ..‬كان شديد الغلو في‬
‫التدليس وصفه بذلك أحمد وابن معين والدارقطني وغير واحد وقال ابن سعد‪ :‬ثقة‬
‫وكان يدلس تدليسا شديدا يقول ثنا ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة أو األعمش أو‬
‫غيرهما‪ .‬وأورد اآلجري رواية أخرى من طريق عطية العوفي أيضا وفي سندها أبو‬
‫هشام الرفاعي وقد ضعفوا حديثه قال البخاري‪ :‬رأيتهم مجمعين على ضعفه‪ .‬وروى‬
‫ابن عقدة‪ ،‬عن مطين‪ ،‬عن ابن نمير‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو هشام يسرق الحديث‪ .‬وروى أبو‬
‫حاتم‪ ،‬عن ابن نمير‪ ،‬قال‪ :‬أضعفنا طلبا وأكثرنا غرائب‪( .‬ميزان االعتدال‪.)03/2 :‬‬
‫والرواية مع ضعفها فهي من كالم كعب األحبار‪.‬‬
‫(‪ )5‬شرح مذاهب أهل السنة البن شاهين‪ :‬ص‪ ،522‬ح (‪ )132‬والحديث منكر فقد‬
‫أخرجه أبو يعلى في المسند‪ :‬ح (‪ )5020‬والطبراني في الكبير‪ ،‬ح (‪ ،)2353‬وابن‬
‫عدي (‪ )525/1‬كالهما من طريق شعيب بن سلمة األنصاري‪ ،‬وابن عساكر في‬
‫التاريخ (‪ )212/3‬من طرق‪ ،‬كلهم عن إسماعيل بن قيس‪ ،‬به‪ .‬وقال‪ :‬حسين سليم‬
‫أسد‪ :‬إسناده ضعيف جدا‪ ،‬وأورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (‪502/2‬‬
‫س‪=،‬‬ ‫ح‪ )12255‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه أَبِي يَ ْعلَى َوالطَّ َب َرانِ ُّي‪َ ،‬و ِفيه ِ أَبُو ُم ْص َع ٍب إِ ْس َما ِع ُيل ْب ُن قَ ْي ٍ‬

‫‪202‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪ 15‬ــ روى أَبُو بَ ْكرِ ْب ُن أَبِي َش ْي َب َة َح َّدثَنَا ُم َح َّم ُد ْب ُن فُ َض ْي ٍل‪َ ،‬ع ْن‬
‫الر ْح َم ِن ْب ِن َص ْف َوا َن‪ ،‬أَ ْو َع ْن‬ ‫يَزِي َد ْب ِن أَبِي زِيَا ٍد‪َ ،‬ع ْن ُم َجا ِه ٍد‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد َّ‬
‫اء بِأَبِيه ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َص ْف َوا َن ْب ِن َع ْب ِد َّ‬
‫الر ْح َم ِن ا ْل ُق َرش ِّي قَ َال‪ :‬ل َ َّما َكا َن يَ ْو ُم فَ ْت ِح َم َّك َة َج َ‬
‫اج َع ْل ِألَبِي نَ ِصيبا ِم َن ا ْله ِْج َر ِة‪ ،‬فَ َق َال‪ِ > :‬إنَّ ُه َال‬ ‫فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُسو َل اهلل ِ‪ْ ،‬‬
‫س‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬قَ ْد َع َر ْف َت ِني؟ قَ َال‪ :‬أَ َج ْل‪،‬‬ ‫ِه ْج َر َة<‪ ،‬فَا ْن َطلَ َق فَ َد َخ َل َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬قَ ْد‬ ‫ص ل َ ْي َس َعلَ ْيه ِ ر َِداء‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫اس ِفي قَ ِمي ٍ‬ ‫فَ َخ َر َج ا ْل َع َّب ُ‬
‫اء بِأَبِيه ِ لِ ُت َبا ِي َع ُه َعلَى ا ْله ِْج َر ِة‪ ،‬فَ َق َال‬ ‫ِ‬
‫َع َر ْف َت فُ َالنا َوالَّذي بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُه‪َ ،‬و َج َ‬
‫اس‪ :‬أَ ْق َس ْم ُت َعلَ ْي َك‪ ،‬فَ َم َّد‬ ‫النَّب ُِّي ‪ِ > :‬إنَّ ُه َال ِه ْج َر َة<‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫النَّب ُِّي ‪ ‬يَ َد ُه‪ ،‬فَ َم َّس يَ َد ُه‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬أَ ْب َر ْر ُت َع ِّمي‪َ ،‬و َال ِه ْج َر َة<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= َو ُه َو َم ْت ُروك‪ .‬وأورده الذهبي في السير‪ )225/2( :‬وقال‪ :‬إسماعيل وا ٍه‪.‬‬
‫وهذا إسناد تالف‪ ،‬فإسماعيل بن قيس منكر الحديث ذكره البخاري في التاريخ الكبير‬
‫(‪ 252/1‬رقم ‪ )1155‬وقال‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال عنه النسائي‪ :‬مدني ضعيف‪.‬‬
‫(الضعفاء والمتروكون‪ :‬ص‪ 15‬رقم ‪ )21‬وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل‪122/5( :‬‬
‫رقم ‪ )022‬ضعيف الحديث منكر الحديث يحدث بالمناكير ال أعلم له حديثا قائما‪.‬‬
‫وأورده الذهبي في الميزان (‪ 522/1‬رقم ‪ .)255‬وقال‪ :‬قال البخاري والدارقطني‪:‬‬
‫منكر الحديث‪ .‬وقال النسائي وغيره‪ :‬ضعيف‪ ...‬وقال ابن عدي‪ :‬وعامة ما يرويه‬
‫منكر ــ وقال مسلم في الكنى واألسماء‪ 53/5( :‬رقم ‪ )2520‬منكر الحديث‪.‬‬
‫وقد تفرد به ابن أبي حازم كما قال ابن عدي‪ ،‬وقال أبو حاتم وعبد الرحمن بن شيبة‪:‬‬
‫ضاع منه كتاب أبي حازم‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده‪ :‬ح (‪ )553‬ومن طريقه ابن ماجه في السنن‪:‬‬
‫ح (‪ )5110‬والبيهقي في الكبرى‪ ،‬ح (‪ )12332‬من طريق جرير بن عبد الحميد عن‬
‫يزيد بن أبي زياد‪ .‬وابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪ )532‬من الطريق نفسه‬
‫مختصرا‪ .‬وضعفه األلباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (‪ .)110/2‬وإسناده=‬

‫‪252‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫س‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫‪ 12‬ــ روى أحمد بسنده‪َ ،‬ع ْن أَبِي َم ْي َس َر َة‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫الس َم ِاء‬
‫ات ل َ ْيلَةٍ‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬ا ْن ُظ ْر َه ْل َت َرى ِفي َّ‬ ‫ُك ْن ُت ِع ْن َد النَّب ِِّي ‪َ ‬ذ َ‬
‫ِم ْن نَ ْج ٍم؟< قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬ما َت َرى؟< قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪ :‬أَ َرى الثُّ َريَّا‪،‬‬
‫قَ َال‪> :‬أَ َما ِإنَّ ُه يَلِي َه ِذهِ ْاألُ َّم َة بِ َع َددِ َها ِم ْن ُص ْلب َِك ا ْثنَ ْي ِن ِفي ِف ْتنَةٍ<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ضعيف ألن مداره على يزيد بن أبي زياد والجمهور على ضعفه وأخرج له مسلم في‬
‫المتابعات‪ .‬ففي مصباح الزجاجة‪َ )120/5( :‬ه َذا ِإ ْسنَاد ِفيه ِ يزِيد بن أبي زِيَاد أخرج ل َ ُه‬
‫ُمسلم ِفي المتابعات َو َضعفه ا ْل ُج ْم ُهور َر َو ُاه ا ِإل َمام أَ ْحمد ِفي ُم ْسنده من َطرِيق ُم َجا ِهد‬
‫شيبة ِفي ُم ْسنده َه َك َذا بِ ِإ ْسنَادِهِ َو َمتنه‪.‬‬
‫َو َر َو ُاه ْابن أبي َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1530‬ومن طريقه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح‬
‫(‪ ،)2212‬وعنه البيهقي في الدالئل‪ )213/0( :‬وقال شعيب في تحقيقه على‬
‫المسند‪ )222/2( :‬إسناده ضعيف جدا‪ ،‬عبيد بن أبي قرة قال البخاري في تاريخه‬
‫الكبير‪ )0/5( :‬ال يتابع في حديثه في قصة العباس‪ ،‬وترجم له الذهبي في ميزان‬
‫االعتدال‪ )152/2( :‬ونقل عن ابن معين قوله فيه‪ :‬ما به بأس‪ ،‬وعن يعقوب بن‬
‫شيبة‪ :‬ثقة صدوق‪ ،‬وأورد حديثه هذا‪ ،‬وقال بإثره‪ :‬هذا باطل‪ ،‬وأبو قبيل ــ واسمه‬
‫ُحيي بن هانئ ــ قال في تعجيل المنفعة‪( :‬ص‪ )555‬ضعيف؛ ألنه كان يكثر النقل‬
‫عن الكتب القديمة‪ ،‬وأبو ميسرة‪ :‬مجهول لم يرو عنه غير أبي قبيل‪ ،‬مترجم في‬
‫التعجيل (ص‪.)252‬‬‫َ‬
‫وأورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (‪ )220/2‬ولم يذكر فيه جرحا أو تعديال‪،‬‬
‫ولم يزد على أن قال‪ :‬روى عن العباس بن عبد المطلب‪ ،‬روى عنه أبو قبيل‪ ،‬سمعت‬
‫أبي يقول ذلك‪.‬‬
‫وأخرجه الخطيب في >تاريخ بغداد< ‪ 20/11‬من طريق أحمد بن حنبل‪ ،‬بهذا‬
‫اإلسناد‪.‬‬
‫وأخرجه ابن أبي حاتم في >علل الحديث< ‪ ،222/5‬وابن عدي في >الكامل<‬
‫‪ ،1233/2‬والحاكم في >المستدرك< ‪ ،250/2‬والبيهقي في >دالئل النبوة< ‪=213/0‬‬

‫‪251‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫س‪ :‬أَ َّن‬ ‫‪ 12‬ــ روى أحمد بسنده‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ُج َب ْي ٍر‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س َكا َن ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ‪ ،‬فَلَ َط َم ُه‬ ‫َر ُجال ِم َن ْاألَ ْن َصا ِر َوقَ َع ِفي أَ ٍب ل ْل َع َّبا ِ‬
‫الح‪،‬‬ ‫الس َ‬ ‫اء قَ ْو َم ُه‪ ،‬فَ َقالُوا‪َ :‬واهلل ِ لَنَ ْل ِط َمنَّ ُه َك َما لَطَ َم ُه‪ .‬فَلَب ُِسوا ِّ‬ ‫اس‪ ،‬فَ َج َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫فَبلَ َغ َذلِ َك ر ُس َ ِ‬
‫ي‬ ‫اس‪ ،‬أَ ُّ‬ ‫ول اهلل ‪ ،‬فَ َص ِع َد ا ْل ِم ْن َب َر‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬أَيُّ َها النَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس ِمنِّي‪َ ،‬وأَنَا‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْه ِل ْاألَ ْر ِ‬
‫ض أَ ْك َر ُم َعلَى اهلل؟< قَالُوا‪ :‬أَ ْن َت‪ .‬قَ َال‪> :‬فَ ِإ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫ول‬ ‫اء ا ْل َق ْو ُم‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫<‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫اء‬
‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫وا‬‫ذ‬‫ُ‬ ‫ؤ‬
‫ْ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬‫ات‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫وا‬‫ب‬‫ُّ‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ال‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫م ْن ُه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= من طريق عبيد بن أبي قُرة به‪ ،‬وليس قوله‪> :‬اثنين في فتنة< عند أحد منهم غير ابن‬
‫أبي حاتم‪ .‬وقال الذهبي في >تلخيصه< متعقبا الحاكم‪ :‬لم يصح هذا‪.‬‬
‫>وقد تعقبه ابن حجر في تعجيل المنفعة (ص ‪ )132‬فقال‪> :‬زعم الذهبي في (الميزان)‬
‫أن حديث الليث المذكور باطل‪ ،‬وفي كالمه نظر‪ ،‬فإنه من أعالم النبوة‪ ،‬وقد وقع‬
‫مصداق ذلك‪ ،‬واعتمد البيهقي في (الدالئل) عليه<‪ ،‬ثم تراجع ابن حجر في‬
‫الموضع نفسه فقال‪ :‬ثم تذكرت أن للحديث علّة أخرى غير تفرد عبيد به تمنع‬
‫إخراجه في الصحيح‪ ،‬وهو ضعف أبي قبيل‪ ،‬ألنه كان يكثر النقل عن الكتب‬
‫القديمة‪ ،‬فإخراج الحاكم له في الصحيح من تساهله‪ ،‬وفيه أيضا أن الذين ولوا‬
‫الخالفة من ذرية العباس أكثر من عدد أنجم الثريا‪ ،‬إال إن أريد التقييد فيهم بصفة‬
‫ما‪ ،‬وفيه مع ذلك نظر<‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الحديث في المسند‬ ‫ُ‬ ‫ابن حجر والذهبي‬‫ثم تعقب َ‬
‫(‪ 510/2‬ــ ‪ )513‬وحكم على الحديث بالصحة‪ ،‬وأطال في الكالم عليه‪ ،‬وهذا‬
‫تساهل منه ــ رحمه اهلل ــ؛ لجهالة أبي ميسرة الذي لم ينقل توثيقه عن أحد‪ ،‬واهلل‬
‫ِ‬
‫استدراك الحافظ الذّ هبي على ُم َ‬
‫ستدرك ابن الملقن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أعلم‪( .‬من تحقيق كتاب مختصر‬
‫حميد‪ ،‬حاشية‪.)5222/2 :‬‬ ‫ل َسعد بن َعبد اهلل آل َّ‬
‫اس ِمن ِّي وأَنَا ِم ُنه‪ ،‬قال في المرقاة‪ :‬أي‬
‫العب ُ‬
‫(‪ )1‬جاء في تحفة األحوذي‪ )131/12( :‬قوله‪َّ :‬‬
‫من أقاربي‪ ،‬أو من أهل بيتي أو متصل بي‪ ،‬وقال في اللمعات‪ :‬رسول اهلل ‪‬‬

‫أصل باعتبار الشرف والفضل والنبوة‪ ،‬والعباس أصل من جهة النسب والعمومة‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اهلل ِ‪ ،‬نَ ُعو ُذ بِاهلل ِ ِم ْن َغ َضب َِك(‪.)1‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )5522‬وفي فضائل الصحابة‪ :‬ح (‪ )1552‬والطبراني‬
‫في الكبير‪ :‬ح (‪ )15222‬والنسائي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )0221‬واآلجري في الشريعة‪:‬‬
‫ح (‪ )1522‬والبزار في مسنده‪ :‬مسند عبد اهلل بن عباس‪ ،125/5 ،‬ح (‪)2235‬‬
‫وقال‪ :‬وهذا الكالم ال نعلمه يُ ْر َوى َعن النبي ‪ ‬إالَّ ِمن هذا الوجه بهذا اإلسناد‬
‫وإسناده حسن‪َ ،‬عبد األعلى الثعلبي مشهور من أهل الكوفة ومن بعده ثقات‪.‬‬
‫والحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪)2251‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬وعلق الذهبي في التلخيص‪:‬‬
‫صحيح‪ .‬وضعفه األلباني في سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪222/2( :‬‬
‫ح‪ )5212‬وفي (صحيح وضعيف سنن النسائي‪ :‬ح‪ )225 :‬لضعف عبد األعلى بن‬
‫عامر‪ .‬ال سيما وقد ضعفه ابن حنبل‪ ،‬وقال فيه ابن معين‪ :‬ليس بذاك القوي‪ ،‬وو َّهن‬
‫الثوري أحاديثه عن ابن الحنفية‪( .‬الجرح والتعديل البن أبي حاتم‪ )50/0 :‬وقال ابن‬
‫حبان عنه‪( :‬المجروحين‪َ )122/5 :‬كا َن ِم َّمن يخطئ ويقلب فَكثر َذلِك ِفي قلَّة ِر َوايَته‬
‫فَ َال يُعجب ِني ِاال ْح ِت َجاج بِه ِ ِإذا ا ْن َفرد على أَن الثَّ ْو ّ‬
‫ري َكا َن َش ِديد ا ْلحمل َعلَ ْيه ِ‪ .‬وفي‬
‫تهذيب التهذيب‪ 22/0( :‬رقم ‪ )123‬وقال أبو زرعة‪ :‬ضعيف الحديث ربما رفع‬
‫الحديث وربما وقفه‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬ليس بقوي‪ ..‬وقال النسائي‪ :‬ليس بالقوي‬
‫ويكتب حديثه‪ ،‬وقال ابن عدي‪ :‬يحدث بأشياء ال يتابع عليها وقد حدث عنه الثقات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين‪ :‬ليس بذاك القوي‪ ،‬وقال الساجي‪ :‬صدوق‬
‫يهم‪ ،‬وقال يحيى بن سعيد‪ :‬يعرف وينكر‪ ،‬وقال أبو علي الكرابيسي‪ :‬كان من أوهى‬
‫الناس‪ ،‬وقال العقيلي‪ :‬تركه بن مهدي والقطان وقال يعقوب بن سفيان‪ :‬يضعف‬
‫يقولون‪ :‬إن روايته عن ابن الحنفية إنما هي صحيفة‪ ،‬وقال في موضع آخر‪ :‬في حديثه‬
‫لين وهو ثقة‪ ،‬وقال ابن سعد‪ :‬كان ضعيفا في الحديث‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬يعتبر به‬
‫وقال في العلل‪ :‬ليس بالقوي عندهم‪ ،‬وصحح الطبري حديثه في الكسوف وحسن له‬
‫وصحح له الحاكم وهو من تساهله‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الترمذي‬
‫صحح الرواية أعاله كالحاكم والذهبي‪ ..‬وهموا؛ ألن=‬ ‫وقال األلباني مشيرا لمن َّ‬

‫‪252‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪ 12‬ــ روى الحاكم بسنده‪َ ،‬ع ْن َم ْك ُحو ٍل‪ ،‬ع ْن َس ِعي ِد ْب ِن ا ْل ُم َسيِّ ِب‪،‬‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪َ > :‬خ ْي ُر َه ِذهِ ْاألُ َّمةِ َو َوار ُِث النَّب ِِّي‬
‫أَنَّ ُه قَ َال لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫َو َع ُّم ُه<(‪.)1‬‬
‫اب‪،‬‬‫‪ 10‬ــ روى الحاكم بسنده‪َ ،‬ع ْن ُع َق ْي ِل ْب ِن َخالِ ٍد‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ِش َه ٍ‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬أَ ْو َصانِي‬ ‫قَ َال‪ :‬قَ َال َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ثَ ْعلَ َب َة ‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫س<(‪.)5‬‬ ‫اهللُ بِ ِذي ا ْل ُق ْربَى‪َ ،‬وأَ َم َرنِي أَ ْن أَ ْب َدأَ بِا ْل َع َّبا ِ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= عبد األعلى ــ وهو ابن عامر ــ ض َّعفه أحمد وغيره‪ .‬وأوضح تضعيف الذهبي له في‬
‫موضعين من السير‪ .‬حين قال (‪> :)22/5‬إسناده ليس بقوي<‪ .‬وقال في موضع آخر‬
‫(ص‪> :)125‬عبد األعلى الثعلبي ــ لين<‪( .‬السلسلة الضعيفة‪.)222/2 :‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2222‬وسكت عنه الذهبي في التلخيص إال أنه‬
‫أورده في السير‪ )222/2( :‬وقال‪ :‬وهو قول منكر‪ .‬والحديث مرسل‪ .‬وفيه‬
‫عبد الوهاب بن عطاء وهو صدوق ربما أخطأ‪ ،‬وقد ض َّعفه أحمد والنسائي‪،‬‬
‫وغيرهما‪ ،‬ووثقه ابن معين وآخرون‪( .‬تهذيب الكمال‪.)222/13 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2225‬وسكت عنه‪ ،‬وكذا وسكت عنه الذهبي‬
‫في التلخيص‪ .‬وض َّعفه األلباني في السلسلة الضعيفة‪ )225/5( :‬وقال‪ :‬وإسناده‬
‫ضعيف‪ ،‬وفيه علل‪ :‬األولى‪ :‬عبد اهلل بن ثعلبة ــ وهو ابن صغير ــ؛ قال الحافظ‪> :‬له‬
‫رؤية‪ ،‬ولم يثبت له سماع<‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬سالمة بن روح؛ قال الحافظ‪> :‬صدوق له أوهام‪ ،‬وقيل‪ :‬لم يسمع من عمه‬
‫عقيل بن خالد<‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬محمد بن عزيز؛ قال الحافظ‪> :‬فيه ضعف‪ ،‬وقد تكلموا في صحة سماعه من‬
‫عمه سالمة<‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪ ‬أحاديث املهدي من ولد العباس(‪:)6‬‬


‫‪ 15‬ــ روى نعيم بن حماد في الفتن َح َّدثَنَا ا ْل َولِي ُد‪َ ،‬ع ْن َش ْي ٍخ‪َ ،‬ع ْن‬
‫ي ِم ْن َول َ ِد‬‫يَزِي َد ْب ِن ا ْل َولِي ِد ا ْل ُخ َزا ِع ِّي‪َ ،‬ع ْن َك ْع ٍب‪ ،‬قَ َال‪> :‬ا ْل َم ْه ِد ُّ‬
‫س<(‪.)5‬‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬حاول ابن حجر الهيتمي الجمع بين الروايات الواردة في نسب المهدي‪ ،‬وكونه من‬
‫ذرية النبي ‪ ‬في بعضها‪ ،‬وفي البعض اآلخر من ذرية العباس‪ ،‬وقال إنه‬
‫س ِفيه ِ و َِال َدة ِم ْن ِج َهة ِ أَ َّن ِفي أُ َّم َهاتِه ِ‬
‫يُ ْم ِك ُن ا ْل َج ْم ُع بِأَ ْن يَ ُكو َن ِم ْن ُذ ِّريَّ ِته ِ ‪َ ‬ولِل َْع َّبا ِ‬
‫يث َك ْونِه ِ ِم ْن‬‫ي ا ْل ِو َال َد َة ا ْل ُعظ َْمى؛ ِأل َ َّن أَ َحادِ َ‬ ‫اص ُل أَ َّن لِل َْح َس ِن ِفي ا ْل َم ْه ِد ِّ‬ ‫اس َّية‪َ ،‬وا ْل َح ِ‬ ‫َع َّب ِ‬
‫اج ِت َما ِع‬‫س ِفيه ِ و َِال َدة أَ ْيضا َو َال َمانِ َع ِم َن ْ‬ ‫ُذ ِّريَّ ِته ِ أَ ْك َث ُر َولِل ُْح َس ْي ِن ِفيه ِ و َِال َدة أَ ْيضا َولِل َْع َّبا ِ‬
‫ات ُم ْخ َتلِ َفةٍ َوبِاهلل ِ ال َّت ْو ِف ُيق‪( ..‬انظر لوامع‬ ‫اح ٍد ِم ْن ِج َه ٍ‬ ‫ص َو ِ‬ ‫ات ِفي َش ْخ ٍ‬ ‫ات م َت َع ِّد َد ٍ‬‫ٍ‬
‫و َِال َد ُ‬
‫األنوار البهية‪ ،‬شمس الدين السفاريني الحنبلي‪ .)52/5 ،‬وال يسلم هذا مع ضعف‬
‫أكثر األخبار الواردة في الباب‪ ،‬والجمع فرع التصحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه نعيم في الفتن‪ :‬ح (‪ .)1122‬والدارقطني في األفراد‪ :‬ح (‪ )50‬عن عثمان‪.‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث غريب من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان‬
‫وهو غريب من حديث سليمان عن قتادة‪ ،‬تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم‬
‫بهذا اإلسناد ولم نكتبه إال عن شيخنا أبي إسحاق‪ ،‬وابن عساكر في تاريخ دمشق‪:‬‬
‫(‪ )212/22‬عن عثمان بن عفان‪ ،‬وذكره السيوطي في الجامع الصغير‪ .‬ح (‪،)15513‬‬
‫وقال األلباني (سلسلة األحاديث الضعيفة‪131/1 :‬رقم‪ :)31 :‬موضوع‪ .‬ثم قال‪ :‬وقال‬
‫الدارقطني‪ :‬غريب‪ ،‬تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم بهذا اإلسناد‪.‬‬
‫قلت (األلباني)‪ :‬وهو متهم بالكذب‪ ،‬قال ابن عدي‪ :‬كان يضع الحديث‪ ،‬وقال أبو‬
‫عروبة‪ :‬كذاب‪ ،‬وبهذا أعله المناوي في >الفيض< نقال عن ابن الجوزي‪ ،‬وبه تبين‬
‫خطأ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في >الجامع الصغير<‪.‬‬
‫تفرد‬
‫الجوزي في >العلل المتناهية< (‪ :)1221/253/5‬أما حديث عثمان ف َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وقال ابن‬
‫حمد بن الوليد‪ ،‬قال ابن عدي‪( :‬كان يضع الحديث‪ ،‬ويصله ويسرق‪ ،‬ويقلب=‬ ‫به ُم َّ‬

‫‪252‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪ 13‬ــ روى الخطيب في التاريخ بسنده‪َ ،‬ع ْن َع ْل َق َم َة‪َ ،‬ع ْن َع َّما ِر ْب ِن‬
‫اس ٍر‪ ،‬قَ َال‪ :‬بَينا النَّب ُِّي ‪َ ‬را ِكب ِإ ْذ َحانَ ْت ِم ْن ُه ا ْل ِت َف َاتة فَ ِإ َذا ُه َو‬ ‫يَ ِ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪ِ :‬إ َّن اهللَ فَ َت َح‬ ‫اس<‪ ،‬قَ َال‪ :‬ل َ َّب ْي َك يَا َر ُس َ‬ ‫بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫س فَ َق َال‪> :‬يَا َع َّب ُ‬
‫َه َذا األَ ْم َر بِي‪َ ،‬و َس َي ْخ ِت ُم ُه بِ ُغالمٍ ِم ْن َول َ ِد َك يَ ْملَ ُؤ َها َع ْدال َك َما ُملِ َئ ْت َج ْورا‬
‫يسى<(‪.)1‬‬ ‫َو ُه َو ال َّ ِذي يُ َصلِّي بِ ِع َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= األسانيد‪ ،‬والمتون‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الحسين بن أبي معشر يقول‪ :‬هو َك َّذاب)‪ .‬وقال ابن‬
‫بعلي بن‬ ‫ِّ‬ ‫العقيلي‪( :‬ال يعرف إالَّ‬ ‫ُّ‬ ‫الجوزي في >العلل المتناهية< (‪ :)252/5‬قال‬ ‫ِّ‬
‫المسيب)‪.‬‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫نفي ٍل‪ ،‬وال يتابع عليه)‪ ،‬وقال‪( :‬وهو كالم معروف من كالم سعيد بن‬
‫(‪ )1‬أخرجه الخطيب في >تاريخ بغداد< (‪ ،133/ 2‬ح‪ ،)5225 :‬ط‪ :‬بشار‪ ،‬ومن طريقه‬
‫ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ )222/50( :‬وابن الجوزي في >العلل المتناهية<‬
‫(‪ 252/5‬ح‪ )1225 :‬في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت قال‪ :‬حدثنا سعيد بن‬
‫سليمان‪ ،‬حدثنا خلف بن خليفة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عمار بن ياسر‬
‫مرفوعا‪ .‬والسيوطي في الآللئ المصنوعة‪ .225/1 :‬والجورقاني في األباطيل‬
‫والمناكير‪ 225/1 :‬وقال‪ :‬هذا حديث غريب‪.‬‬
‫ِي ِفي ا ْل ِعلَ ِل‪َ :‬ال بَ ْأ َس‬ ‫وقال الكناني في تنزيه الشريعة‪َ )11/5( :‬وقَ َال ْاب ُن ا ْل َج ْوز ِّ‬
‫بِ ِإ ْسنَادِهِ َو َت َعق ََّب ُه ال َّذ َهب ِّي ِفي تلخيصه فَ َق َال‪ :‬بل ُه َو بَا ِطل ِفيه ِ أَ ْح َم ُد ْب ُن ا ْل َح َّجا ِج ْب ِن‬
‫ت َو ِفيه ِ َج َهالَة َو ُه َو اآلفَ ُة َو َما َرأَ ْي ُت أل َ َح ٍد ِفيه ِ َكالما ا ْن َت َهى َواهللُ أَ ْعلَ ُم‪.‬‬ ‫الص ْل ِ‬
‫َّ‬
‫وقال األلباني في سلسلة األحاديث الضعيفة‪ )131/1( :‬موضوع‪ ...‬ثم ذكر تخريجه‬
‫إلى أن قال‪ :‬قلت‪ :‬وهذا سند رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم غير أحمد‬
‫ابن الحجاج هذا ولم يذكر فيه الخطيب جرحا وال تعديال‪ ،‬وقد اتهمه الذهبي بهذا‬
‫الحديث فقال‪ :‬رواه بإسناد الصحاح مرفوعا‪ ،‬فهو آفته! والعجيب أن الخطيب ذكره‬
‫في >تاريخه< ولم يضعفه وكأنه سكت عنه النتهاك حاله‪ ،‬ووافقه الحافظ في >لسان‬
‫الميزان<‪ ..‬والحديث أورده السيوطي في >الآللئ المصنوعة< (‪ 221/1‬ــ ‪)222‬‬
‫=‬ ‫وسكت عليه!‬

‫‪250‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪ 12‬ــ روى أبو نعيم في الحلية بسنده‪َ ،‬ع ْن َس ِعي ِد ْب ِن ا ْل ُم َسيِّ ِب‪،‬‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة‪َ ،‬ر ِض َي اهللُ َت َعالَى َع ْن ُه قَ َال‪َ :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫اس فَ َق َال‪> :‬أَ َال أُبَ ِّش ُر َك يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل؟<‪ ،‬قَ َال‪ :‬بَلَى يَا َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫فَ َتلَق َُّاه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الجوزي في >العلل‬ ‫ِّ‬ ‫وأخرجه الخطيب في >ال َّتاريخ< (‪ 252/2‬ــ ‪ ،)252‬وعنه ابن‬ ‫=‬
‫حمد بن مخلَّد‬ ‫حمد بن المظ َّفر‪ ،‬قال‪ :‬نا ُم َّ‬ ‫المتناهية< (‪ )1223/252/5‬من طريق ُم َّ‬
‫حمد بن نو ٍح بن سعيد بن دينا ٍر المؤ ِّذن قال‪ :‬ح َّدثني أبي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ص‪ ،‬قال‪ :‬نا ُم َّ‬ ‫ابن حف ٍ‬
‫بي راكبا إذ التفت‬ ‫س قال‪ :‬كان النَّ ُّ‬ ‫عبا ٍ‬‫الصمد بن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ج ِّده ابن َّ‬ ‫نا عبد َّ‬
‫بي‪ ،‬إ َّن اهلل‬ ‫عم النَّ ِّ‬‫عباس< قال‪ :‬لبيك يا رسول اهلل‪ .‬فقال‪> :‬يا َّ‬ ‫لعباس‪ ،‬فقال‪> :‬يا َّ‬ ‫إلى ا َّ‬
‫ابتدأ بي اإلسالم‪ ،‬وسيختمه بغالمٍ من ولدك‪ ،‬وهو الَّذي يتق َّدم بعيسى ابن مريم<‪.‬‬
‫وسنده وا ٍه َّ ٍ‬
‫هبي في >الميزان< (‪ )25/2‬في‬ ‫حمد بن نو ٍح المؤذِّن‪ :‬ذكره ال َّذ ُّ‬ ‫وم َّ‬ ‫بمرة‪ُ ،‬‬
‫حمد بن مخل ٍد العطَّار‬ ‫ترجمته ضمن األحاديث الَّتي أنكرت عليه‪ ،‬وقال‪ :‬شيخ ُلم َّ‬
‫الصمد‬ ‫المهدي‪ ،‬رواه عن أبيه نوح بن سعي ٍد ــ مجهول عن عبد َّ‬ ‫ِّ‬ ‫كذب في ذكر‬ ‫بخب ٍر ٍ‬
‫ابن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ج ِّده ــ مرفوعا‪ ..‬ووافقه الحافظ في >اللِّسان< (‪.)223/2‬‬
‫والحديث أورد نحوه ابن الجوزي في >الموضوعات< (‪ )25/5‬من حديث ابن عباس‬
‫ِ‬
‫ونصه‪ِ ( :‬إن النَّبِي ‪َ ‬ن َظ َر ِإل َ ْيه ِ ُم ْقبِال‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ه َذا َع ِّمي أَبُو ا ْل ُخلَ َفاء األ َ ْربَ ِع َ‬
‫ين‬
‫ي يَا َع ِّم بِي فَ َت َح اهللُ‬ ‫ور َوا ْل َم ْه ِد ُّ‬
‫َّاح َوا ْل َم ْن ُص ُ‬ ‫ش َكفًّا َوأَ ْح َم َاها ِم ْن َول َ ِدهِ َّ‬
‫السف ُ‬ ‫أَ ْج َو ُد قُ َر ْي ٍ‬
‫ْاب ِت َد َاء َه َذا األ َ ْمرِ َويَ ْخ ِت ُم ُه ب َِر ُج ٍل ِم ْن َول َ ِد َك)‪.‬‬
‫وقال‪ :‬موضوع‪ ،‬المتهم به الغالبي محمد بن زكريا‪ ،‬وأقره السيوطي في >الآللئ<‬
‫(‪ ،)222/1‬ورواه الخطيب في >التاريخ< (مختصرا) (‪ 252/2‬ــ ‪ ،)252‬وعنه ابن‬
‫الجوزي في >العلل المتناهية< (‪ 252/5‬ح‪ ،)1223 :‬من طريق أخرى‪ ،‬ثم قال ابن‬
‫الجوزي (‪ :)253/5‬ال بأس بإسناده كذا قال وهو منه عجيب فإن فيه علتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬عبد الصمد بن علي وهو الهاشمي ضعفه العقيلي (‪ )1222/32/2‬وساق‬
‫له حديث استنكره الذهبي وسيأتي برقم (‪.)5323‬‬
‫واألخرى‪ :‬محمد بن نوح بن سعيد المؤذن‪ ،‬أورده الذهبي وقال‪ :‬خبره كذب يعني‬
‫هذا وأبوه مجهول‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪ِ > :‬إ َّن اهللَ َع َّز َو َج َّل ا ْف َت َت َح بِي َه َذا ْاألَ ْم َر‪َ ،‬وبِ ِّ‬
‫ذُريَّ ِت َك يَ ْخ ِت ُم ُه<(‪.)1‬‬
‫‪ 52‬ــ روى المحب الطبري بسنده‪ ،‬عن ابن عباس أن رسول اهلل‬
‫‪ ‬قال للعباس‪ :‬منك المهدي في آخر الزمان به ينتشر الهدى وبه‬
‫تطفأ نيران الضالالت إن اهلل عز وجل فتح بنا هذا األمر وبذريتك‬
‫يختم(‪.)5‬‬
‫س قَ َال‪َ :‬كا َن ِألَبِي بَ ْك ٍر‬
‫‪ 51‬ــ روى الطبراني بسنده‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في الحلية‪ )212/1( :‬وقال‪َ :‬ت َف َّر َد بِه ِ َال ِه ُز ْب ُن َج ْع َفرٍ‪َ ،‬و ُه َو َح ِديث‬
‫َعزِيز‪.‬‬
‫َوقَ َال ْاأل َ ْزدِ ّي‪ :‬الهز غير ثِ َقة َو َال َم ْأ ُمون َو ُه َو أَ ْيضا َم ْج ُهول‪( .‬الكشف الحثيث ألبي‬
‫الوفا الحلبي‪ :‬ص‪.)555‬‬
‫وقال األلباني في السلسلة الضعيفة‪ 132/1( :‬رقم‪ )35 :‬موضوع‪ ،‬ثم أورد ما ذكره‬
‫أبو نعيم في َال ِهز ْب ُن َج ْع َفرٍ‪ ،‬وعلق عليه قائال‪ :‬قلت‪ :‬وهو متهم‪( ،‬أي الهز) قال فيه‬
‫ابن عدي‪ :‬بغدادي مجهول يحدث عن الثقات بالمناكير‪ ،‬ثم ساق له حديثا في فضل‬
‫علي ثم قال ابن عدي‪ :‬وهذا باطل‪ ،‬قال الذهبي‪ )225/2( :‬إي واهلل هذا من أكبر‬
‫الموضوعات‪ ،‬وعلي‪ ،‬فلعن اهلل من ال يحبه‪ ،‬والحديث أورده في >كنز العمال< (رقم‬
‫‪ )23022‬برواية أبي نعيم في >الحلية< عن أبي هريرة بغير هذا اللفظ‪ ،‬ولم أعثر عليه‬
‫اآلن في >الحلية<‪ ،‬فاهلل أعلم‪ .‬تنبيه‪ :‬إذا علمت حال هذا الحديث والذي قبله (يقصد‬
‫رواية عمار‪ :‬يا عباس إن اهلل فتح هذا األمر بي‪ ،‬وسيختمه بغالم من ولدك) فال يليق‬
‫نصب الخالف بينهما وبين الحديث الصحيح المتقدم قريبا‪> :‬المهدي من ولد فاطمة<‬
‫لصحته وشدة ضعف مخالفه‪ ،‬وعليه‪ :‬ال مسوغ لمحاولة التوفيق بينهما كما فعل بعض‬
‫المتقدمين واألستاذ المودودي رحمه اهلل في >البيانات< (ص‪.)102 ،112‬‬
‫(‪ )5‬ذكره المحب الطبري في ذخائر العقبى (ص‪ )520‬بال إسناد‪ ،‬ولم أعثر عليه في‬
‫غيره‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫س‪ ،‬فَ َكا َن يَ ُس ُّر َذلِ َك‬ ‫َم ْجلِس ِم َن النَّب ِِّي ‪َ ‬ال يَ ُق ُ‬
‫وم َع ْن ُه ِإ َّال لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫اس يَ ْوما‪ ،‬فَ َز َال ل َ ُه أَبُو بَ ْك ٍر َع ْن َم ْجلِ ِسه ِ‪،‬‬ ‫ر ُس َ ِ‬
‫ول اهلل ‪ ،‬فَأَ ْق َب َل ا ْل َع َّب ُ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ‪َ ،‬ع ُّم َك قَ ْد‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ > :‬ما ل َ َك؟< فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫فَ َق َال ل َ ُه َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ،‬ثُ َّم أَ ْق َب َل َعلَى أَبِي بَ ْك ٍر ُم ْب َت ِسما‪،‬‬ ‫أَ ْق َب َل‪ ،‬فَنَ َظ َر ِإل َ ْيه ِ َر ُس ُ‬
‫اس قَ ْد أَ ْق َب َل َو َعلَ ْيه ِ ثِ َياب بِيض َو َس َي ْل َب ُس َول َ ُد ُه ِم ْن بَ ْع ِد ِه‬ ‫فَ َق َال‪َ > :‬ه َذا ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول‬ ‫اس قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫اء ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس َو َاد‪ ،‬ويَ ْمل ُك م ْن ُه ُم ا ْثنَا َع َش َر َر ُجال<‪ .‬فَلَ َّما َج َ‬ ‫َّ‬
‫اهلل ِ‪َ ،‬ما قُ ْلت ِألَبِي بَ ْك ٍر؟ قَ َال‪َ > :‬ما قُ ْل ُت ِإ َّال َخ ْيرا<‪ .‬قَ َال‪َ :‬ص َد ْق َت بِأَبِي‬
‫ول ِإ َّال َخ ْيرا‪ .‬قَ َال‪> :‬قُ ْل ُت‪ :‬قَ ْد أَ ْق َب َل َع ِّمي‪َ ،‬و َعلَ ْيه ِ ثِ َياب‬ ‫َوأُ ِّمي َال َت ُق ُ‬
‫الس َو َاد‪ ،‬ويَ ْملِ ُك ِم ْن ُه ُم ا ْثنَا َع َش َر‬ ‫بَ َياض‪َ ،‬و َس َي ْل َب ُس َول َ ُد ُه ِم ْن بَ ْع ِدهِ َّ‬
‫َر ُجال<(‪.)1‬‬
‫س‪،‬‬ ‫س‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬ ‫‪ 55‬ــ روى الطبراني بسنده‪َ ،‬ع ْن ط َُاو ٍ‬
‫ِث ا ْله َِاللِ َّي ُة‪ ،‬قَال َ ْت‪َ :‬م َر ْر ُت بِالنَّب ِِّي‬ ‫َح َّدثَ ْت ِني أُ ُّم ا ْل َف ْض ِل بِ ْن ُت ا ْل َحار ِ‬
‫‪َ ‬و ُه َو َجالِس بِا ْل ِح ْجرِ‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬يَا أُ َّم ا ْل َف ْض ِل< قُ ْل ُت‪ :‬ل َ َّب ْي َك يَا‬
‫ول اهلل ِ‪َ ،‬و َك ْي َف َوقَ ْد‬ ‫ك َحا ِمل بِ ُغ َالمٍ<‪ ،‬قُ ْل ُت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ول اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪ِ > :‬إنَّ ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )222‬وفي الكبير مختصرا‪ ،‬ح (‪ )12052‬وقال‬
‫يث َع ْن ِإ ْس َح َاق ِإ َّال َح ْفص‪َ ،‬ت َف َّر َد بِهِ‪:‬‬ ‫في األوسط‪ )532/12( :‬ل َ ْم يَ ْر ِو َه َذا ا ْل َح ِد َ‬
‫ُم َح َّم ُد ْب ُن َصالِ ٍح‪ .‬وذكره المحب الطبري في الذخائر‪( :‬ص‪ .)520‬وقال‪ :‬خرجه ابن‬
‫حبان والمال في سيرته‪ .‬وأورده الهيثمي في المجمع‪ 552/2( :‬ح‪ )12252 :‬وقال‪:‬‬
‫َر َو ُاه ال َّط َب َرانِ ُّي ِفي ْاألَ ْو َس ِط َوا ْل َكبِيرِ ب ِْاخ ِت َصا ٍر‪َ ،‬و ِفيه ِ َج َم َ‬
‫اعة ل َ ْم أَ ْعرِ ْف ُه ْم‪.‬‬
‫الش ِّخي ِر مجهول الحال‪ .‬وكذا إسحاق بن عيسى الهاشمي‪.‬‬ ‫و َح ْف ُص ْب ُن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ِّ‬

‫‪252‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ك‪ ،‬فَ ِإ َذا َو َض ْع ِتيه ِ‬ ‫ول ل َ ِ‬ ‫اء؟ قَ َال‪ُ > :‬ه َو َما أَقُ ُ‬ ‫َت َحال َ َف ْت قُ َر ْيش أَ ْن َال يَ ْأ ُتوا الن ِّ َس َ‬
‫فَ ْأتِ ِني بِه ِ<‪ ،‬قَال َ ْت‪ :‬فَلَ َّما َو َض ْع ُت ُه أَ َت ْي ُت بِه ِ النَّب َِّي ‪ ،‬فَأَ َّذ َن ِفي أُ ُذنِه ِ‬
‫ا ْل ُي ْمنَى‪َ ،‬وأَقَ َام ِفي أُ ُذنِه ِ ا ْل ُي ْس َرى‪َ ،‬وأَ ْل َبأَ ُه ِم ْن رِي ِقه ِ‪َ ،‬و َس َّم ُاه َع ْب َد اهلل ِ‪ ،‬ثُ َّم‬
‫اس فَأَ ْعلَ ْم ُت ُه‪َ ،‬و َكا َن َر ُجال‬ ‫ِ‬
‫قَ َال‪> :‬ا ْذ َهبِي بِأَبِي ا ْل ُخلَ َفاء<‪ ،‬قَال َ ْت‪ :‬فَأَ َت ْي ُت ا ْل َع َّب َ‬
‫وت ِئ َد ا ْل َق َامةِ‪ ،‬فَ َتلَ َّب َس ثُ َّم أَ َتى النَّب َِّي ‪ ،‬فَلَ َّما َر ُآه النَّب ُِّي‬ ‫ل َ َّباسا َج ِميال ُم َ‬
‫‪ ‬قَ َام ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَ َق َّب َل َما بَ ْي َن َع ْينَ ْيه ِ ثُ َّم أَ ْق َع َد ُه‪َ ،‬ع ْن يَ ِمي ِنه ِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪:‬‬
‫ول‬ ‫ض ا ْل َق ْو ِل يَا َر ُس َ‬ ‫اس‪ :‬بَ ْع َ‬ ‫اء فَ ْل ُي َبا ِه بِ َع ِّمه ِ<‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫> َه َذا َع ِّمي‪ ،‬فَ َم ْن َش َ‬
‫ول َه َذا يَا َع ُّم‪َ ،‬وأَ ْن َت َع ِّمي‪َ ،‬و ِص ْن ُو أَبِي‪َ ،‬وبَ ِق َّي ُة‬ ‫اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬ولِ َم َال أَقُ ُ‬
‫ول‬ ‫آبَائِي‪َ ،‬و َوا ِرثِي‪َ ،‬و َخ ْي ُر َم ْن أَ ْخلُ ُف ِم ْن بَ ْع ِدي ِم ْن أَ ْهلِي؟< قُ ْل ُت‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫اس بَ ْع َد ثِ ْن َت ْي ِن‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪ ،‬قَال َ ْت‪ :‬أُ ُّم ا ْل َف ْض ِل َك َذا َو َك َذا؟ قَ َال‪ِ > :‬ه َي ل َ َك يَا َع َّب ُ‬
‫ي‪ ،‬ثُ َّم ِه َي ِفي‬ ‫ور‪َ ،‬وا ْل َم ْه ِد ُّ‬ ‫َّاح‪َ ،‬وا ْل َم ْن ُص ُ‬ ‫السف ُ‬ ‫ين َو ِما َئةٍ‪ ،‬ثُ َّم ِم ْن ُك ُم َّ‬ ‫َوثَ َالثِ َ‬
‫ِ‬
‫يسى ْاب ِن َم ْريَ َم<(‪.)1‬‬ ‫أَ ْو َالدِ ِه ْم َح َّتى يَ ُكو َن آخ ُر ُه ُم ال َّ ِذي يُ َصلِّي بِا ْل َم ِسي ِح ِع َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في >األوسط<‪ :‬ح (‪ )2522‬وأبو نعيم في >الدالئل< (ص‪ 235‬ــ‬
‫‪ ،)232‬والخطيب في >التاريخ< (‪ 02/1‬ــ ‪ )02‬ــ ومن طريقه ابن الجوزي في‬
‫>العلل المتناهية< (‪ )521/1‬ــ من طرق عن أحمد بن راشد الهاللي‪ ...‬وقال‬
‫س ِإ َّال َح ْن َظلَ ُة‪،‬‬
‫يث َع ْن ط َُاو ٍ‬ ‫الطبراني (المعجم األوسط‪ :)121/2 :‬ل َ ْم يَ ْر ِو َه َذا ا ْل َح ِد َ‬
‫َو َال َع ْن َح ْن َظلَ َة ِإ َّال َس ِعي ُد ْب ُن ُخ َث ْي ٍم‪َ ،‬ت َف َّر َد بِه ِ أَ ْح َم ُد ْب ُن ُر ْش ٍد‪ .‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع‪135/2( :‬ح‪َ )3222 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي ِفي ْاألَ ْو َس ِط‪َ ،‬و ِفيه ِ أَ ْح َم ُد ْب ُن َر ِاش ٍد‬
‫يث‪ .‬وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية‪525/1( :‬ح‪:‬‬ ‫ا ْله َِاللِ ُّي َوقَ ِد ا ُّته َِم ب َِه َذا ا ْل َح ِد ِ‬
‫يث ال يَ ِص ُّح ِفي ِإ ْسنَادِهِ َح ْن َظلَ ُة قَ َال يَ ْح َيى ْب ُن‬ ‫يث ا ْل َح َس ِن‪َ ،‬و َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬ ‫‪ )255‬ل َ ْف ُظ َح ِد ِ‬
‫يث=‬ ‫َس ِعي ٍد َكا َن قَ ِد ْاخ َتلَطَ ‪َ ،‬وقَ َال يَ ْح َيى ْب ُن َم ِعي ٍن‪ :‬ل َ ْي َس ب َِشي ٍء‪َ ،‬وقَ َال أَ ْح َمد‪ُ :‬م ْن َك ُر ا ْل َح ِد ِ‬
‫ْ‬

‫‪232‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يب‪.‬‬ ‫اج َ‬‫يُ َح ِّد ُث بِأَ َع ِ‬ ‫=‬
‫وقال ابن حجر في لسان الميزان (‪ :)155/1‬رواه أبو بكر بن أبي داود وجماعة عن‬
‫أحمد بن راشد فهو الذي اختلقه بجهل‪.‬‬
‫وقال األلباني في سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪ 552/15( :‬وما بعدها‪ ،‬ح‪:‬‬
‫‪ )2050‬موضوع‪ .‬ثم استطرد قائال‪ :‬وقال ابن الجوزي‪> :‬ال يصح؛ حنظلة؛ قال‬
‫يحيى بن سعيد‪ :‬كان اختلط‪ .‬وقال ابن معين‪ :‬ليس بشيء‪ .‬وقال أحمد‪ :‬منكر‬
‫الحديث يُ َح ِّدث بأعاجيب<‪.‬‬
‫قلت‪( :‬األلباني) هو السدوسي أبو عبد الرحيم‪ ،‬وهو ــ على ضعفه ــ ما أظن أنه‬
‫الجاني في هذا الحديث‪ ،‬وإنما اآلفة ممن دونه‪ ،‬أال وهو أحمد بن راشد الهاللي؛‬
‫ففي ترجمته أورده الذهبي في >الميزان< (‪ ،)25/1‬وقال‪> :‬خبر باطل‪ ،‬وهو الذي‬
‫ْاخ َتلَ َق ُه ب َِج ْه ٍل<‪.‬‬
‫وأقره الحافظ في >اللسان< (‪)155/1‬؛ لكنه قال‪ :‬وذكره ابن حبان في >الثقات<‬
‫فقال‪ :‬روي عن عمه سعيد بن خثيم ووكيع‪ ،‬كان ُعلَ ْيك الرازي كثير الرواية عنه<!‬
‫ولقد تساهل ابن الجوزي ــ خالفا لعادته ــ بإيراده هذا الحديث في >الواهيات< دون‬
‫>الموضوعات<! (‪ )521/1‬وأحسن السيوطي باستدراكه عليه؛ فأورده في >ذيل‬
‫الموضوعات< (ص‪ ،)55‬ونقل كالم الذهبي وابن الجوزي المتقدمين‪ ،‬وتبعه ابن‬
‫عراق‪ ،‬فأورده في >تنزيه الشريعة ــ الفصل الثالث<‪ ،‬وقال عقب كالم الذهبي‪:‬‬
‫>قلت‪ :‬وقال في >تلخيص الواهيات<‪ :‬باطل بيقين‪ ،‬واآلفة فيه من أحمد بن راشد؛‬
‫إذ رواته معروفون ثقات سواه‪ .‬واهلل أعلم<‪.‬‬
‫ــ والحديث أخرجه الطبراني أيضا في الكبير‪ ،‬ح (‪ )12232‬مختصرا من طريق‬
‫ِي عن أحمد بن راشد‪ :‬ح (‪ )12232‬وقال‬ ‫ا ْل ُح َس ْي ُن ْب ُن ُم َح َّم ٍد ا ْل َحنَّا ُط َّ‬
‫الر ُام ُه ْر ُمز ُّ‬
‫الهيثمي‪550/2( :‬ح‪َ )12212 :‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي‪َ ،‬و ِإ ْسنَ ُاد ُه َح َسن‪.‬‬
‫وقال األلباني وهذا إسناد فيه ضعف‪ ،‬أحمد بن راشد قال ابن أبي حاتم (‪= :)21/5‬‬

‫‪231‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= >روى عنه أبي وسمع منه أيام عبيد اهلل بن موسى أحاديث أربعة< ولم يذكر فيه جرحا‬
‫وال تعديال‪.‬‬
‫والحسين بن محمد الحناط لم أجد له ترجمة‪ ..‬ثم ساق األلباني تحسين الهيثمي‬
‫إلسناده وعقب قائال‪ :‬نعم الحديث حسن لغيره‪ ،‬فإن الجملة األولى ال تحتاج إلى‬
‫شاهد كما هو ظاهر والجملة الوسطى رويت من حديث المطلب بن ربيعة وعلي بن‬
‫أبي طالب وابنه الحسن بأسانيد ضعيفة قد خرجتها في الكتاب اآلخر (‪ 1222‬ــ‬
‫‪ .)1222‬وأما الجملة األخيرة‪ ،‬فقد أخرجها سعيد بن منصور في >سننه< كما في‬
‫>الجامع الصغير< من حديث عبد اهلل الوراق مرسال‪ .‬ثم وجدت لها شاهدا آخر‪ ،‬فقال‬
‫ابن وهب في >الجامع< (ص‪ :)12‬وأخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال‪ :‬بلغنا‬
‫واهلل أعلم أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪> :‬العم أب‪ ،‬إذا لم يكن دونه أب‪ ،‬والخالة أم‬
‫إذا لم تكن أم دونها<‪ .‬وهذا إسناد مرسل أو معضل ورجاله ثقات‪( .‬راجع‪ :‬السلسلة‬
‫الصحيحة لأللباني‪ ،22/2 ،‬ح‪.)1225 :‬‬
‫ووردت نسبة السفاح والمنصور والمهدي للعباس من حديث ابن عباس كذلك‪:‬‬
‫أخرجه الخطيب في >تاريخ بغداد< (‪ ،)05/1‬ابن عساكر في >تاريخ دمشق<‬
‫(‪ )532/25‬عن أبي ربيعة‪.‬‬
‫والبيهقي في >دالئل النُّ َّبوة<‬
‫ُّ‬ ‫أخرجه الخطيب في >تاريخ بغداد< (‪،)02/1‬‬
‫(‪ ،)5302/212/0‬ومن طريقه‪ :‬ابن عساكر في >تاريخ دمشق< (‪ )221/25‬عن‬
‫حمد بن الفرج األزرق‪ ،‬عن يحيى بن غيالن‪.‬‬ ‫ُم َّ‬
‫الض َّحاك‪،‬‬ ‫كالهما (أبو ربيعة‪ ،‬ويحيى بن غيالن) عن أبي عوانة عن األعمش‪ ،‬عن َّ‬
‫المهدي<‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الس َّفاح‪ ،‬و ِمنَّا المنصور‪ ،‬و ِمنَّا‬‫س قال‪ :‬قال رسول اهلل‪ِ > :‬منَّا َّ‬‫عبا ٍ‬‫عن ابن َّ‬
‫هبي في >الميزان< (‪ )2/2‬في ترجمته ضمن‬ ‫حمد بن الفرج األزرق‪ ،‬ذكره ال َّذ ُّ‬ ‫و ُم َّ‬
‫األحاديث التي أُ ْن ِكرت عليه‪ ،‬وقال‪ :‬معروف‪ ،‬وله جزء سمعناه‪ ..‬صدوق تكلَّم فيه‬
‫الكرابيسي‪ ،‬وهذا تعنُّت زائد‪ ،‬أنَّه يروي عن=‬ ‫ِّ‬ ‫بمجرد صحبته لحسي ٍن‬‫َّ‬ ‫الحاكم‬
‫ُ‬

‫‪235‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪ 52‬ــ روى ال َّط ُّ‬


‫براني بسنده إلى ابن لهيعة‪ ،‬ح َّدثني واهب بن‬
‫الجهني يقول‪ :‬رأيت‬
‫َّ‬ ‫المعافري‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عقبة بن عام ٍر‬
‫ُّ‬ ‫عبد اهلل‬
‫عباس‪ ،‬إنَّه ال‬
‫ثم قال‪> :‬يا َّ‬‫العباس‪َّ ،‬‬
‫عمه َّ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬أخذ بيد ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫البرقاني‪( :‬قال لي‬ ‫ُّ‬ ‫ارقطني أنَّه قال‪( :‬ال بأس به‪ ،‬فطعن عليه في اعتقاده)‪ ،‬وقال‬ ‫ِّ‬ ‫ال َّد‬ ‫=‬
‫ارقطني‪ :‬هو ضعيف) قال الخطيب‪َّ ( :‬أما أحاديثه فصحاح‪ ،‬رواياته مستقيمة‪ ،‬ال‬ ‫ُّ‬ ‫ال َّد‬
‫أعلم له فيها ما يستنكر)‪.‬‬
‫ثم عقب الذهبي على قول الخطيب (ونقل تعقيبه ابن حجر في لسان الميزان‪:‬‬
‫الس َّفاح‪ ،‬و ِمنَّا المنصور< رواه عن‬ ‫‪ )222/2‬بقوله‪( :‬وجدت له حديثا منكرا متنه‪ِ > :‬منَّا َّ‬
‫س‬‫عبا ٍ‬ ‫الض َّحاك‪ ،‬عن ابن َّ‬ ‫يحيى بن غيالن‪ ،‬ح َّدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن َّ‬
‫‪ ‬مرفوعا وهذا في أول تاريخ الخطيب)‪.‬‬
‫ونقل ابن حجر تعقيب الذهبي السابق على الخطيب وذلك في ترجمته لمحمد بن‬
‫حبان في الثِّقات‪،‬‬ ‫الفرج األزرق في لسان الميزان‪ )222/2( :‬ثم قال‪ :‬وذكره ابن َّ‬
‫س‪،‬‬ ‫عبا ٍ‬ ‫يصح سماعه من ابن َّ‬ ‫الض َّحاك ال ُّ‬ ‫وقال‪ :‬ال ينبغي أن يخرج األزرق به‪ ،‬فإ َّن َّ‬
‫الض َّحاك منه‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬وقد رواه الخطيب من‬ ‫فلعلَّ اآلفة من المجهول الَّذي سمعه َّ‬
‫طري ٍق أخرى‪ ،‬عن أبي عوانة‪ ،‬فبرئ األزرق من عهدته‪ .‬وقال ابن حزمٍ‪( :‬مجهول)‪.‬‬
‫وقال الحافظ‪( :‬صدوق‪ ،‬ربما َو ِه َم)‪.‬‬
‫حبان (‪> ،)122/2‬الميزان< (‪> ،)2/2‬اللِّسان< (‪،)222/2‬‬ ‫انظر‪> :‬الثِّقات< البن َّ‬
‫>تهذيب ال َّتهذيب< (‪> ،)222/2‬ال َّتقريب< (‪.)0552‬‬
‫وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية‪525/1( :‬ح‪َ )255 :‬وقَ ْد َر َوى ا ْل ِم ْن َهالُ ْب ُن‬
‫ور َو ِمنَّا‬ ‫َّاح َو ِمنَّا ا ْل َم ْن ُص ُ‬
‫السف ُ‬ ‫س أَنَّ ُه قَ َال ِمنَّا َّ‬
‫َع ْمرٍو َع ْن َس ِعي ِد ْب ِن ُج َب ْي ٍر َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اج‬‫االح ِت َج ُ‬‫ي ِإال أَ َّن ا ْل ِم ْن َه َال قَ ْد َض َّع َف ُه يَ ْح َيى ْب ُن َم ِعي ٍن َوقَ َال ْاب ُن َح َّبا َن‪ :‬ال يَ ُجو ُز ْ‬ ‫ا ْل َم ْه ِد ُّ‬
‫بِه ِ َو َر َوى َع ْن َش ْي ِخ ل َ ْم يُ َس َّم عن يزيد بن ا ْل َولِي ِد ا ْل ُخ َزا ِع ِّي َع ْن َك ْع ٍب قَ َال المنصور‬
‫وعة‪.‬‬ ‫س َو ُك ُّل َه ِذهِ األ َ ْش َي َاء ال َت ْث ُب ُت ال َم ْوقُوفَة َوال َم ْرفُ َ‬‫والمهدي السفاح ِم ْن آ ِل ا ْل َع َّبا ِ‬

‫‪232‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫وس َيلِـي من ولدك في آخر ال َّزمان‬


‫يكون نُ َّبوة َّإال كانت بعدها خالفة‪َ ،‬‬
‫المهدي ــ وليس‬
‫ُّ‬ ‫الس َّفاح‪ ،‬ومنهم المنصور‪ ،‬ومنهم‬‫عشر‪ :‬منهم َّ‬
‫سبع َة َ‬
‫بمهدي ــ ومنهم الجموح‪ ،‬ومنهم العاقب‪ ،‬ومنهم الواهن‪ .‬ومن ولدك‪،‬‬
‫وويل ألُ َّمتي منه‪ ،‬كيف يعقرها ويهلكها‪ ،‬ويذهب بأموالها‪ ،‬هو وأتباعه‬
‫لصبيِّه‪ ،‬فعند ال َّثامن عشر انقطاع‬
‫على غير دي ِن اإلسالم‪ ،‬فإذا بُويع َ‬
‫دولتهم‪ ،‬وخروج أهل الغرب من بُ ُيوتهم<(‪.)1‬‬
‫ش‪َ ،‬ع ْن أَبِي ا ْل َو َّدا ِك‪َ ،‬ع ْن‬ ‫‪ 52‬ــ روى الخطيب بسنده َع ِن األَ ْع َم ِ‬
‫ول‪ِ > :‬منَّا ا ْل َقائِ ُم‪َ ،‬و ِمنَّا‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫أَبِي َس ِعي ٍد‪ ،‬قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ي‪ ،‬فَأَ َّما ا ْل َقائِ ُم فَ َت ْأتِيه ِ ا ْل ِخالفَ ُة ل َ ْم‬‫َّاح‪َ ،‬و ِمنَّا ا ْل َم ْه ِد ُّ‬
‫السف ُ‬ ‫ور‪َ ،‬و ِمنَّا َّ‬ ‫ا ْل َم ْن ُص ُ‬
‫ِ‬
‫َّاح‬
‫السف ُ‬ ‫ور فَال ُت َر ُّد ل َ ُه َرايَة‪َ ،‬وأَ َّما َّ‬ ‫يُ ْه َر ْق ف َيها ِم ْح َج َمة ِم ْن َدمٍ‪َ ،‬وأَ َّما ا ْل َم ْن ُص ُ‬
‫ض َع ْدال َك َما ُملِ َئ ْت‬ ‫ي فَ ُت ْمأل ُ بِه ِ األَ ْر ُ‬‫فَ ُه َو يَ ْس َف ُح ا ْل َم َال َوال َّد َم‪َ ،‬وأَ َّما ا ْل َم ْه ِد ُّ‬
‫ظُ ْلما<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫براني في األوسط‪ :‬ح (‪ )0202‬وقال‪ :‬ال يروي هذا الحديث عقبة بن‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الطَّ ُّ‬
‫الهيثمي في >مجمع ال َّزوائد<‬
‫ُّ‬ ‫تفرد به ابن لهيعة‪ .‬وقال‬‫عام ٍر إالَّ بهذا اإلسناد‪َّ ،‬‬
‫(‪ :)133/2‬رواه الطَّ ُّ‬
‫براني في >األوسط<‪ ،‬وفيه عبد األ َّول بن عبد اهلل المعلَّم‪ ،‬ولم‬
‫وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫أعرفه‪َّ ،‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الخطيب في >تاريخ بغداد< (‪ ،)25/11‬ومن طريقه‪ :‬ابن عساكر في >تاريخ‬
‫حمد بن جاب ٍر‪ ،‬عن‬ ‫دمشق< (‪ )225/25‬عن إسحاق بن أبي إسرائيل‪ ،‬أنا ُم َّ‬
‫الخدري قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪‬‬ ‫ِّ‬ ‫األعمش‪ ،‬عن أبي الوداك‪ ،‬عن أبي سعي ٍد‬
‫يقول‪ ..:‬فذكره‪.‬‬
‫اليمامي‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬أصله من الكوفة‪=،‬‬
‫ُّ‬ ‫الحنفي‬
‫ُّ‬ ‫سيا ٍر‬
‫حمد بن جابر هو ابن َّ‬
‫قلت‪ُ :‬م َّ‬

‫‪232‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫وب ْب ُن َج ْع َفرِ ْب ِن ُسلَ ْي َما َن‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫‪ 52‬ــ روى الحاكم بسنده إلى يَ ْع ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬د َخ ْل ُت َعلَى أَبِي َج ْع َف ٍر ا ْل َم ْن ُصو ِر فَ َرأَ ْي ُت ل َ ُه ُج َّمة(‪،)1‬‬ ‫َس ِم ْع ُت أَبِي يَ ُق ُ‬
‫فَ َج َع ْل ُت أَ ْن ُظ ُر ِإلَى ُح ْس ِن َها‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬كا َن ِألَبِي ُم َح َّم ِد ْب ِن َعلِي ُج َّمة‪،‬‬
‫َو َح َّدثَ ِني أَ َّن أَبَ ُاه َعلِ َّي ْب َن َع ْب ِد اهلل ِ َكانَ ْت ل َ ُه ُج َّمة‪َ ،‬و َح َّدثَ ِني أَ َّن أَبَ ُاه‬
‫س ُج َّمة‪َ ،‬و َح َّدثَ ِني >أَ َّن‬ ‫س َكانَ ْت ل َ ُه ُج َّمة‪َ ،‬و َكا َن لِ ْل َع َّبا ِ‬ ‫َع ْب َد اهلل ِ ْب َن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اف ُج َّمة< فَ ُق ْل ُت‬ ‫النَّبِي ‪َ ‬كانَ ْت ل َ ُه ُج َّمة‪َ ،‬و َكا َن لِ َه ِاشمِ ْب ِن َعب ِد منَ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َّ‬
‫ور ا ْل ِخ َالفَةِ<‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني‬ ‫ِألَبِي‪َ :‬ألَ ْع َج ُب ِم ْن ُح ْس ِن َها‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬ذلِ َك نُ ُ‬
‫أَبِي‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪َ ،‬ع ْن َج ِّد ِه‪ ،‬قَ َال‪ِ > :‬إ َّن اهللَ ِإ ْذ أَ َر َاد أَ ْن يَ ْخلُ َق َخ ْلقا لِ ْل ِخ َالفَةِ‬
‫اص َي ِته ِ‪ ،‬فَ َال َت َق ُع َعلَ ْيه ِ َع ْي ُن أَ َح ٍد ِإ َّال أَ َح َّب ُه<(‪ .)5‬وهذا‬ ‫َم َس َح يَ َد ُه َعلَى نَ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وع ِم َي فصار يل َّقن‪ ،‬ور َّجحه أبو حات ٍم‬ ‫= صدوق ذهبت كتبه فساء حف ُظه‪ ،‬وخلط كثيرا‪َ ،‬‬
‫على ابن لهيعة‪> .‬تقريب ال َّتهذيب< (‪.)2555‬‬
‫هبي في >الميزان< (‪ )223/2‬في ترجمته ضمن األحاديث الَّتي أنكرت‬ ‫وذكره ال َّذ ُّ‬
‫عليه من هذا الوجه‪ ،‬وقال‪ :‬رواه الخطيب في ترجمة القائم عبد اهلل‪ ،‬وهو خبر منكر‬
‫س ــ موقوفا‪ ،‬وهو أشبه‪.‬‬ ‫عبا ٍ‬
‫ج ًّدا‪ ،‬وروي في ذلك عن ابن َّ‬
‫حديث في مدح المنصور‬ ‫ٍ‬ ‫وقال ابن القيِّمِ في >المنار المنيف< (ص‪( :)115‬وكلُّ‬
‫والرشيد فهو كذب)‪ .‬ولعله يقصد مرفوعا لكنه ثابت موقوفا عن عبد اهلل بن‬ ‫والس َّفاح َّ‬‫َّ‬
‫س‪( .‬راجع‪ :‬أحاديث الفضائل العامة ألهل البيت‪ :‬ص‪.)152‬‬ ‫عبا ٍ‬ ‫َّ‬
‫الم ْن ِكبين‪( .‬العين‪:‬‬
‫س أو َما َس َقط منه َعلَى َ‬ ‫الر ْأ ِ‬
‫الج َّمة‪ :‬الشعر‪ ،‬وهي ُم ْج َت َم ُع َش ْعرِ َّ‬ ‫(‪ُ )1‬‬
‫‪ 55/0‬ــ النهاية‪ 222/1 :‬ــ مختار الصحاح‪ :‬ص‪ .)01‬ويفرقون بين الجمة واللمة‬
‫بمقدار ما سقط من الشعر‪ ،‬فاللِ َّم ُة بالكسر‪ :‬الشعر يجاوز شحمة األذن‪ ،‬فإذا بلغت‬
‫المنكبين فهي جمة‪( .‬الصحاح‪.)5225 /2 :‬‬
‫يث َع ْن ِ‬
‫آخرِ ِه ْم‪،‬‬ ‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2255‬وقال‪ُ > :‬ر َوا ُة َه َذا ا ْل َح ِد ِ‬
‫ف ْاأل َ ْص ِل<‪ .‬وعلق الذهبي في التلخيص‪ :‬رواته=‬ ‫اش ِم ُّيو َن م ْع ُروفُو َن ب َِشر ِ‬
‫ُكلُّ ُه ْم َه ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫‪232‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫‪........................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هاشميون ليسوا بمعتمدين‪.‬‬ ‫=‬
‫والحديث أخرجه ابن الجوزي في >المسلسالت< (الحديث ‪ ،)22‬والكازروني في‬
‫(مسلسالته) أيضا (ق‪ )5/121‬ــ كما في السلسلة الضعيفة لأللباني (‪ 510/5‬ــ‬
‫‪ .)515‬والحديث في سنده محمد بن هارون بن عيسى الهاشمي‪ ،‬المعروف بابن‬
‫بُ َر ْيه‪ ،‬وهو يضع الحديث‪ ،‬قال الدارقطني‪> :‬ال شيء<‪ ،‬وقال الخطيب‪> :‬في حديثه‬
‫مناكير كثيرة‪ ،...‬ذاهب الحديث‪ ،‬يتهم بالوضع<‪ ،‬وقال ابن عساكر‪> :‬يضع‬
‫الحديث<‪ .‬اهـ‪ .‬من تاريخ بغداد (‪ )220/2‬و(‪ ،)222/5‬والميزان (‪25/2‬رقم‬
‫‪ ،)3550‬واللسان (‪ 222/2‬رقم ‪.)1222‬‬
‫وأبو جعفر المنصور اسمه عبد اهلل بن محمد‪ ،‬له ترجمة طويلة في تاريخ بغداد‬
‫(‪ 22/12‬ــ ‪ 01‬رقم ‪ ،)2152‬ولم يذكر الخطيب عنه جرحا وال تعديال‪ ،‬والظاهر‬
‫ألنه ليس من أهل الرواية‪.‬‬
‫والحديث موضوع بهذا ا ِإلسناد لنسبة محمد بن هارون إلى الكذب‪.‬‬
‫ولقوله‪> :‬إن اهلل إذا أراد أن يخلق خلقا للخالفة مسح يده على ناصيته< شاهد من‬
‫حديث أبي هريرة‪ ،‬وأنس‪ ،‬وكعب بن مالك ــ ‪ ‬ــ‪ ،‬وجميعها ال تصلح‬
‫لالستشهاد‪.‬‬
‫أما حديث أبي هريرة ــ ‪ ‬ــ فلفظه‪ :‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ــ ‪ ‬ــ‪> :‬إذا أراد‬
‫اهلل عز وجل أن يخلق خلقا للخالفة مسح ناصيته بيده<‪.‬‬
‫أخرجه العقيلي في الضعفاء (‪ 123/2‬ــ ‪ )122‬من طريق مصعب بن عبد اهلل‬
‫النوفلي‪ ،‬وقال عنه‪> :‬مجهول بالنقل‪ ،‬حديثه غير محفوظ‪ ،‬وال يتابع عليه<‪.‬‬
‫وأخرجه من طريق مصعب هذا ابن عدي في الكامل (‪ )5205/0‬وقال‪> :‬هذا حديث‬
‫منكر بهذا ِاإلسناد‪ ،‬والبالء فيه من مصعب بن عبد اهلل النوفلي هذا‪ ،‬وال أعلم له شيئا‬
‫آخر<‪.‬‬
‫ومن طريق ابن عدي أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (‪ .)25/2‬وأما حديث أنس‬
‫ــ ‪ ‬ــ يرفعه فلفظه‪> :‬إن اهلل إذا أراد أن يجعل عبدا للخالفة مسح يده على جبهته<‪= .‬‬

‫‪230‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫الحديث في فضائل العباس وولده‪.‬‬


‫‪ 50‬ــ روى الحاكم بسنده‪َ ،‬ع ْن َز ْي ِد ْب ِن أَ ْسلَ َم‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ُع َم َر‪...:‬‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬أَيُّ َها النَّا ُس‪ِ ،‬إ َّن َر ُس َ‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ َخ َط َب ُع َم ُر النَّ َ‬
‫س َما يَ َرى ا ْل َول َ ُد لِ َوالِ ِدهِ‪ ،‬يُ َعظ ُِّم ُه‪َ ،‬ويُ َف ِّخ ُم ُه‪َ ،‬ويَ َب ُّر قَ َس َم ُه‬ ‫َكا َن يَ َرى لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫س‪َ ،‬وا َّت ِخذُ ُ‬
‫وه‬ ‫اس بِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬في َع ِّمه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫فَا ْق َت ُدوا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما نَ َز َل بِ ُك ْم<(‪.)1‬‬ ‫َو ِسيلَة ِإلَى اهلل َع َّز َو َج َّل ف َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مسرة بن عبد اهلل مولى‬
‫= أخرجه الخطيب في تاريخه (‪ )122/5‬من طريق أبي شاكر ّ‬
‫مسرة بن عبد اهلل ذاهب الحديث<‪.‬‬
‫المتوكل على اهلل‪ ،‬ثم قال عقبه‪ّ > :‬‬
‫ومن طريق الخطيب أخرجه ابن الجوزي في الموضع السابق من الموضوعات‪.‬‬
‫وأما حديث كعب بن مالك ــ ‪ ‬ــ يرفعه أيضا فلفظه‪> :‬ما استخلف اهلل ــ عز‬
‫وجل ــ بخليفة حتى يمسح اهلل ناصيته بيده<‪.‬‬
‫أخرجه ابن الجوزي في الموضع السابق من طريق عبد اهلل بن شبيب‪ ،‬حدثني ذؤيب‬
‫ابن عمامة‪ ،‬حدثني موسى بن شيبة‪ ،‬حدثني سليمان بن معقل بن عبد اهلل بن كعب‬
‫ابن مالك‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن كعب بن مالك‪ ،‬فذكره‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي عقبه‪> :‬عبد اهلل بن شبيب ليس بشيء‪ ،‬قال ابن عدي‪ :‬حدث‬
‫بمناكير‪ .‬وقال فضلك الرازي‪ :‬يحل ضرب عنقه‪ .‬وقد ضعف الدارقطني ذؤيب بن‬
‫عمامة<‪.‬‬
‫وعبد اهلل بن شبيب أبو سعيد الربعي رماه ابن خراش‪ ،‬وابن حبان بسرقة الحديث‪.‬‬
‫انظر المجروحين (‪ ،)25/5‬واللسان (‪ 522 /2‬رقم ‪.)1522‬‬
‫(راجع‪ :‬تحقيق سعد آل حميد على مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك‬
‫الحاكم البن الملقن‪ ،‬حاشية‪ 5210/2 :‬ــ ‪ ،5215‬ح‪.)522 :‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم‪ :‬ح (‪ .)2223‬وابن عساكر في المعجم‪ :‬ح (‪512/5‬ح‪.)331 :‬‬
‫وسكت عنه الحاكم‪ ،‬وكأنه لضعفه الشديد؛ وقد تعقبه الذهبي بقوله‪> :‬داود متروك<‪=.‬‬

‫‪235‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اس ْب ُن ِه َشا ٍم َع ْن أَبِيه ِ َع ْن َج ِّدهِ‬ ‫‪ 55‬ــ روى البالذري َح َّدثَ ِني َع َّب ُ‬
‫َع ْن أُ َس َام َة بن محمد بن أسامة بن َز ْي ٍد َع ْن أَبِيه ِ َع ْن دِ ْح َي َة ْب ِن َخلِي َف َة‬
‫الشامِ فَ َق َال‪:‬‬‫يت ِإلَى النَّب ِِّي ‪َ ‬زبِيبا َوتِينا ِم َن َّ‬ ‫ا ْل َك ْلب ِِّي قَ َال‪ :‬أ ْه َد ُ‬
‫الله َّم أَ ْد ِخ ْل َعلَ َّي أَ َح َّب أَ ْهلِي ِإل َ ْي َك‪ ،‬فَ َد َخ َل العباس فقال‪ :‬ها هنا يَا َع ُّم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُدونَ َك فَ ُك ْل ‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (راجع‪ :‬سلسلة األحاديث الضعيفة ‪ .)505/2‬وانظر في ترجمة داود وبيان ضعفه‪:‬‬
‫(ميزان االعتدال‪ .)15/5 :‬الكامل في ضعفاء الرجال‪.)222/2( :‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البالذري في األنساب‪ )12/2( :‬وإسناده ضعيف جدا‪ ،‬فعباس بن هشام بن‬
‫محمد بن السائب الكلبي مجهول الحال‪ ،‬وأبوه هشام بن محمد الكلبي متروك (ميزان‬
‫االعتدال‪ )222/2 :‬وكذا جده محمد بن السائب الكلبي‪( .‬راجع‪ :‬سير أعالم‬
‫النبالء‪.)223/0 ،‬‬

‫‪233‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ِي نزوهلا يف العباس‬


‫آيات رُو‬
‫وردت بعض الروايات في اإلشارة إلى نزول بعض آي القرآن‬
‫بشأن العباس ‪ ،‬وإن كان حكمها عاما لألمة كلها تماشيا مع قاعدة‬
‫العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب(‪ ،)1‬وسنحاول بيان هذه اآليات‬
‫سواء صحت نسبة نزولها في العباس ‪ ‬أو لم تصح‪ ،‬مع بيان وجه‬
‫الصحة من عدمه في األغلب‪ ،‬حتى يكون القارئ على بينة من أمره‪،‬‬
‫ومن تلك اآليات‪:‬‬
‫* {ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ}(‪.)1‬‬
‫وروي نزول هذه اآلية في شأن العباس بن عبد المطلب ‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي في تفسيره‪ :‬في نزولها ثالثة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬أنها‬
‫نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف‪ ،‬وفي بني المغيرة من‬
‫بني مخزوم‪ ،‬وكان بنو المغيرة يأخذون الربا من ثقيف‪ ،‬فلما وضع اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر في بيان تلك القاعدة‪ :‬الفروق للقرافي‪ .)112/1( :‬اإلبهاج في شرح المنهاج‬
‫للسبكي‪.)132/5( :‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة‪ 552 :‬ــ ‪.532‬‬

‫‪232‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫الربا‪ ،‬طالبت ثقيف بني المغيرة بما لهم عليهم‪ ،‬فنزلت هذه اآلية‪،‬‬
‫والتي بعدها‪ ،‬هذا قول ابن عباس(‪.)1‬‬
‫والثاني‪ :‬أنها نزلت في عثمان بن عفان‪ ،‬والعباس‪ ،‬كانا قد أسلفا‬
‫في التمر‪ ،‬فلما حضر الجذاذ‪ ،‬قال صاحب ال ّتمر‪ :‬إن أخذتما ما لكما لم‬
‫يبق لي ولعيالي ما يكفي‪ ،‬فهل لكما أن تأخذوا النصف وأض ّعف لكما؟‬
‫النبي ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ففعال‪ ،‬فلما حل األجل‪ ،‬طلبا الزيادة‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫فنهاهما ‪ ،‬فنزلت هذه اآلية‪ ،‬هذا قول عطاء وعكرمة(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو يعلى في مسنده مطوال‪ )25/2( :‬ح (‪ )5003‬ومن طريقه الواحدي في‬
‫>أسباب النزول< ص(‪ )22‬عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس‪ .‬وإسناده‬
‫ضعيف جدا‪ ،‬الكلبي متروك‪ ،‬وأبو صالح متروك في حديثه عن ابن عباس‪ ،‬وذكره‬
‫الهيثمي في >المجمع< (‪ 112/2‬ــ ‪ )152‬ح‪ )0233( :‬وقال‪ :‬رواه أبو يعلى وفيه‬
‫محمد بن السائب الكلبي‪ ،‬وهو كذاب‪.‬‬
‫وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره مطوال‪ )222/5( :‬وذكره ابن حجر في >المطالب‬
‫العالية< (‪ )202/12‬رقم (‪ )2250‬ونقل الشيخ األعظمي عن البوصيري تضعيفه‬
‫للكلبي! مع أنه متروك متهم‪ .‬وأخرجه الطبري في التفسير‪ )22/2( :‬عن ابن جريج‬
‫بنحوه‪ ،‬وأتم‪ .‬وورد عن عكرمة مع أثر ابن جريج عند الطبري‪ ،‬فلعل هذه الروايات‬
‫تتأيد بمجموعها واهلل تعالى أعلم‪ .‬وانظر >فتح الباري< (‪ .)212/2‬وقال ابن كثير‪:‬‬
‫ي‪ :‬أَ َّن َه َذا‬ ‫(‪ )222/1‬قَ ْد َذ َك َر َز ْي ُد ْب ُن أَ ْسلَ َم‪َ ،‬و ْاب ُن ُج َريج‪َ ،‬و ُم َقات ِ ُل ْب ُن َح َّيا َن‪َ ،‬و ُّ‬
‫الس ِّد ُّ‬
‫يف‪َ ،‬وبَ ِني ا ْل ُم ِغ َير ِة َم ْن بَ ِني َم ْخ ُزومٍ‪ .‬وبمثله‬ ‫السي َاق نَ َز َل ِفي ب ِني َع ْمرِو ْب ِن ُع َمي ٍر ِم ْن ثَ ِق ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬
‫قال العيني في العمدة‪.)521/11( :‬‬
‫(‪ )5‬ذكره الواحدي‪ :‬ص‪ 22‬عن عطاء وعكرمة بدون إسناد‪ ،‬ولم أره عند غيره‪ ،‬فهو ال‬
‫شيء‪ ،‬وذكر عثمان في هذا الخبر باطل ال أصل له‪ ،‬وأما ذكر العباس‪ ،‬فله ما يؤيده‪،‬‬
‫وانظر ما بعده‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫والثالث‪ :‬أنها نزلت في العباس وخالد بن الوليد‪ ،‬وكانا شريكين‬


‫في الجاهلية وكانا يسلفان في الربا‪ ،‬فجاء اإلسالم ولهما أموال عظيمة‬
‫في الربا‪ ،‬فنزلت هذه اآلية‪ ،‬فقال النبي ‪> :‬أَال ِإن كل ربا من‬
‫ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس< هذا قول السدي(‪.)1‬‬
‫ت ِفي‬ ‫ي أن ْاآليَ ُة‪ :‬نَ َزل َ ِ‬ ‫الس ِّد ُّ‬
‫وروى ابن أبي حاتم بسنده عن ُّ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو َر ُج ٍل ِم ْن بَ ِني ا ْل ُم ِغ َير ِة‪َ ،‬كانَا َشرِي َك ْي ِن ِفي‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫يف‪ِ ،‬م ْن بَ ِني ا ْل ُم ِغ َير ِة‪َ ،‬و ُه ْم‬ ‫س ِم ْن ثَ ِق ٍ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ يُ ْسلِ َفا ِن في ِّ‬
‫الربَا ِإلَى أُنَا ٍ‬
‫ٍ‬
‫اء ْ ِ‬
‫اإل ْس َال ُم‪،‬‬ ‫َر ْهطُ ا ْل ُم ْخ َتا ِر ْب ِن أَبِي ُع َب ْيد َو ُه ْم بَنُو َع ْمرِو ْب ِن ُع َم ْي ٍر‪ ،‬فَ َج َ‬
‫الربَا‪ ،‬فَأَ ْن َز َل اهللُ َع َّز َو َج َّل {ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫ول َ ُهما أَموال َع ِظ ِ‬
‫يمة في ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ِ‬
‫الربَا(‪.)5‬‬ ‫ﮮ} [البقرة‪ِ ]553 :‬م ْن فَ ْض ٍل َكا َن في ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ‪ِ ،‬م َن ِّ‬
‫وقال السيوطي‪ :‬خرج ْابن جرير َو ْابن ا ْل ُم ْنذر َو ْابن أبي َحاتِم َعن‬
‫دي ِفي قَ ْوله {ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ}‬ ‫الس ّ‬‫ّ‬
‫ْاآليَة‬
‫قَ َال‪ :‬نزلت َه ِذه ْاآليَة ِفي ا ْل َع َّباس بن عبد ا ْلمطلب َورجل من بني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غيرة َكانَا َشرِي َك ْي ِن في ا ْل َجا ِهلِ َّية يسلفان في ِّ‬
‫الربَا ِإلَى نَاس من ثَ ِقيف‬ ‫ا ْل ُم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المسير‪ ،)523/1( :‬وانظر‪ :‬أسباب النزول للواحدي‪ ،‬ص (‪.)22‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير‪ ،)223/5( :‬والبغوي في تفسيره‪.)222/1( :‬‬
‫وأورده ابن المنذر في تفسيره‪ .)22/1( :‬قال‪َ :‬ح َّدثَنَا أبو يَ ْح َيى‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َّدثَنَا ِإ ْس َحاق‪،‬‬
‫قَ َال‪ :‬أَ ْخ َب َرنَا َع ْمرو‪َ ،‬عن أسباط‪َ ،‬عن السدي‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫فجاء ا ِإلسالم َول َ ُه َما أَ ْم َوال‬


‫مرة وهم بَنو َع ْمرو بن ُع َم ْير َ‬
‫من بني َض َ‬
‫الربَا‪ ،‬فَأ ْنزل اهلل {ﮪ ﮫ ﮬ}(‪.)1‬‬ ‫َع ِظ ِ‬
‫يمة في ِّ‬
‫َ‬
‫والناظر إلى هذه الروايات السابقة يجد العباس طرفا فيها مع‬
‫غيره‪ ،‬مما يرجح نزولها بشأنه‪ ،‬مع عمومية حكمها‪.‬‬
‫* قوله تعال ‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ }(‪.)5‬‬
‫ــ روى ابن جرير بسنده َع ْن ِع ْكر َِم َة‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ات ِم ْن ُه ْم‬
‫ﮄ ﮅ} قَ َال‪َ > :‬كا َن نَاس ِم ْن أَ ْه ِل َم َّك َة أَ ْسلَ ُموا‪ ،‬فَ َم ْن َم َ‬
‫ال اهللُ‪{ :‬ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫بِ َها َهلَ َك قَ َ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ} ِإلَى قَ ْولِه ِ‪{ :‬ﯗ ﯘ} قَ َال‬
‫اس ِم ْن ُه ْم<(‪.)2‬‬
‫س‪ :‬فَأَنَا ِم ْن ُه ْم َوأُ ِّمي ِم ْن ُه ْم قَ َال ِع ْكر َِم ُة‪َ :‬و َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫ْاب ُن َع َّبا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الدر المنثور‪ .)125/5( :‬وفي >أسباب النزول<‪ :‬ص (‪ ،)22‬للواحدي عن السدي‬
‫بدون إسناد‪ .‬ونص فيه على اسم الرجل من بني مغيرة فقال‪َ :‬ن َزل َ ْت ِفي ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س َو َخالِ ِد‬
‫ْب ِن ا ْل َولِي ِد‪ ،‬وأخرجه الطبري (‪ )0520‬عن السدي‪ ،‬وليس فيه اللفظ المرفوع‪ ،‬وهذا‬
‫مرسل‪ .‬واللفظ المرفوع منه صحيح‪ ،‬ورد في أحاديث أخر‪.‬‬
‫(‪ )5‬النساء‪ 25/‬ــ ‪.22‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري‪.231/5 :‬‬

‫‪225‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫وقول عكرمة هذا ال يعني أنها نزلت في العباس‪ ،‬وإنما يشير إلى‬
‫أنه كان ممن استضعف وبقي في مكة‪ ،‬وهذا يشير إلى إسالمه فيها‪،‬‬
‫وقد بينا األقوال في مبحث إسالم العباس‪ ،‬بما يغني عن إعادته هنا‪.‬‬
‫س قَ َال‪َ > :‬كا َن قَ ْوم ِم ْن أَ ْه ِل َم َّك َة‬ ‫ــ و َع ْن ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اإل ْس َالمِ‪ ،‬فَأَ ْخ َر َج ُه ُم ا ْل ُم ْشرِ ُكو َن يَ ْو َم بَ ْد ٍر‬
‫أَ ْسلَ ُموا‪َ ،‬و َكانُوا يَ ْس َت ْخ ُفو َن بِ ْ ِ‬
‫ض‪ ،‬فَ َق َال ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن‪ :‬قَ ْد َكا َن أَ ْص َحابُنَا َه ُؤ َال ِء‬ ‫َم َع ُه ْم‪ ،‬بَ ْع ُض ُه ْم قَ ْب َل بَ ْع ٍ‬
‫اس َت ْغ ِف ُروا ل َ ُه ْم‪ ،‬فَنَ َزل َ ْت َه ِذهِ ْاآليَ ُة‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ين َوأُ ْكر ُِهوا‪ ،‬فَ ْ‬ ‫ُم ْسلِ ِم َ‬
‫آخرِ ْاآليَةِ<(‪.)1‬‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ} [النساء‪ ]25 :‬إلَى ِ‬

‫ي في قوله تعالى‪:‬‬ ‫الس ِّد ِّ‬


‫ــ وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ُّ‬
‫{ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ} ِإلَى قَ ْولِه ِ‪{ :‬ﮝ ﮞ}‬
‫س‪:‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬لِ ْل َع َّبا ِ‬ ‫اس َو ُع َق ْيل َونَ ْوفَل قَ َال َر ُس ُ‬ ‫قَ َال‪> :‬ل َ َّما أُ ِس َر ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬أَل َ ْم نُ َص ِّل ِإلَى قِ ْبلَ ِت َك‪،‬‬ ‫يك< قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫>ا ْف ِد نَ ْف َس َك َو ْاب َن أَ ِخ َ‬
‫اص ْم ُت ْم فَ ُخ ِص ْم ُت ْم< ثُ َّم َت َال‬ ‫اس‪ِ ،‬إنَّ ُك ْم َخ َ‬ ‫َونَ ْش َه ْد َش َه َاد َت َك؟ قَ َال‪> :‬يَا َع َّب ُ‬
‫َه ِذهِ ْاآليَ َة‪{ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ‬
‫اج ْر فَ ُه َو َك ِافر‬ ‫ﮝ ﮞ} فَ َي ْو َم نَ َزل َ ْت َه ِذهِ ْاآليَ ُة َكا َن َم ْن أَ ْسلَ َم َول َ ْم يُ َه ِ‬
‫ين َال يَ ْس َت ِط ُيعو َن ِحيلَة َو َال يَ ْه َت ُدو َن‬ ‫ين ال َّ ِذ َ‬ ‫اج َر‪ِ ،‬إ َّال ا ْل ُم ْس َت ْض َع ِف َ‬ ‫َح َّتى يُ َه ِ‬
‫س‪ُ :‬ك ْن ُت أَنَا‬ ‫السب ُِيل‪ :‬ال َّطر ُِيق‪ .‬قَ َال ْاب ُن َع َّبا ٍ‬ ‫َسبِيال‪ِ ،‬حيلَة ِفي ا ْل َما ِل‪َ ،‬و َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطحاوي في شرح مشكل اآلثار‪ 222/3 :‬ح (‪ .)2255‬وابن أبي حاتم في‬
‫التفسير‪.1220/2 ،‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ِم ْن ُه ْم ِم َن ا ْل ِو ْل َدا ِن<(‪.)1‬‬


‫والرواية ــ على فرض صحتها ــ لم تشر إلى ابتداء نزولها في‬
‫العباس ‪ ،‬وغاية ما فيها أن النبي ‪ ‬تال عليه هذه اآلية‪ ،‬مما‬
‫يحتمل نزولها قبل ذلك‪.‬‬
‫وفي البخاري أنه نزلت في المسلمين الذين كانوا مع المشركين‬
‫يكثرون سوادهم‪.‬‬
‫ِئ‪َ ،‬ح َّدثَنَا َح ْي َو ُة‪،‬‬ ‫الم ْقر ُ‬‫وروى البخاري َح َّدثَنَا َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن يَزِي َد ُ‬
‫الر ْح َم ِن أَبُو األَ ْس َودِ‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ِط َع َعلَى‬ ‫َو َغ ْي ُر ُه‪ ،‬قَاالَ‪َ :‬ح َّدثَنَا ُم َح َّم ُد ْب ُن َع ْب ِد َّ‬
‫س‬ ‫يت ِع ْكر َِم َة‪َ ،‬م ْولَى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬ ‫الم ِدينَةِ بَ ْعث‪ ،‬فَا ْك ُت ِت ْب ُت ِفيه ِ‪ ،‬فَلَ ِق ُ‬ ‫أَ ْه ِل َ‬
‫س‪> :‬أَ َّن‬ ‫فَأَ ْخ َب ْر ُت ُه‪ ،‬فَنَ َهانِي َع ْن َذلِ َك أَ َش َّد النَّ ْه ِي‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪ :‬أَ ْخ َب َرنِي ْاب ُن َع َّبا ٍ‬
‫ين‪َ ،‬علَى‬ ‫الم ْش ِر ِك َ‬
‫ين يُ َكثِّ ُرو َن َس َو َاد ُ‬ ‫الم ْش ِر ِك َ‬
‫ين َكانُوا َم َع ُ‬ ‫نَاسا ِم َن ُ‬
‫الم ْس ِل ِم َ‬
‫يب أَ َح َد ُه ْم‪ ،‬فَ َي ْق ُتلُ ُه‬ ‫َع ْه ِد َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬يَ ْأتِي َّ‬
‫الس ْه ُم فَ ُي ْر َمى بِه ِ فَ ُي ِص ُ‬
‫ب فَ ُي ْق َت ُل< ــ فَأَ ْن َز َل اهللُ‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ــ أَ ْو يُ ْض َر ُ‬
‫ﮅ} اآليَ َة َر َو ُاه اللَّ ْي ُث‪َ ،‬ع ْن أَبِي األَ ْس َودِ(‪.)5‬‬
‫واآلية عامة‪ ،‬وال وجه لتخصيص حكمها بشخص أو بزمن‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره‪ .)232/5( :‬وابن أبي حاتم في تفسيره‪ )1225/2( :‬عن‬
‫أح َم ُد ْب ُن ُع ْث َما َن ْب ِن َح ِكي ٍم األ َ ْودِ ُّ‬
‫ي‪ ،‬ثنا أَ ْح َم ُد ْب ُن ُم َف َّض ٍل‪ .‬وذكره ابن كثير في تفسيره‪:‬‬ ‫ْ‬
‫(‪.)222/5‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2220‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫وصرح العيني أن اآلية عذر من اهلل عز َوجل َله ُؤ َالء ــ المستضعفين ــ‬
‫يقدرو َن على ال َّت َخلُّص من أَيدي‬‫ُ‬ ‫ِفي ترك ا ْله ِْج َرة َو َذلِ َك ألَنهم َال‬
‫قدروا َما عرفُوا يسلكون ال َّطرِيق(‪.)1‬‬ ‫ا ْل ُم ْشركين‪َ ،‬ولَو ُ‬
‫قال الحافظ ابن كثير‪ :‬نزلت هذه اآلية الكريمة عامة في كل من‬
‫أقام بين ظ ََه َرانَ ْي المشركين‪ ،‬وهو قادر على الهجرة‪ ،‬وليس ُم َت َمكِّنا من‬
‫وبنص هذه‬‫ِّ‬ ‫إقامة الدين‪ ،‬فهو ظالم لنفسه‪ ،‬مرتكب حراما باإلجماع‪،‬‬
‫اآلية<‪ .‬وإن مما ال يشك فيه العالم الفقيه أن اآلية بعمومها تدل على‬
‫أكثر من الهجرة من بالد الكفر(‪.)5‬‬
‫صرح بذلك اإلمام القرطبي‪ ،‬فقال‪ :‬وفي هذه اآلية دليل على‬
‫وقد ّ‬
‫هجران األرض التي يعمل فيها بالمعاصي(‪.)2‬‬
‫* قوله تعال ‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ}(‪.)4‬‬
‫قال البيضاوي‪ :‬روي أنها نزلت في العباس ‪ ‬حين كلَّفه‬
‫رسول اهلل ‪ َ ‬أن يفدي نفسه وابني أخويه >عقيل< و>نوفل<‪..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عمدة القاري‪ :‬العيني‪.25/52 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تفسير ابن كثير‪.222/5 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تفسير القرطبي‪.220/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سورة األنفال‪ :‬آية ‪.52‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ثم ساق قصة الفداء(‪.)1‬‬


‫ومما يشير إلى نزول اآلية بشأن العباس‪ ،‬ما أخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق (في قصة فداء‬
‫العباس يوم أسرِه في بدر وفيها)‪:‬‬
‫اس نَ ْف َس ُه َو ْابنَ ْي أَ َخ َو ْيه ِ َو َحلِي َف ُه‪َ ،‬وأَ ْن َز َل اهللُ َع َّز َو َج َّل‪:‬‬
‫‪ ..‬ف َف َدى ا ْل َع َّب ُ‬
‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ}‬
‫ِين َع ْبدا ُكلُّ ُه ْم ِفي يَ ِد ِه‬
‫اإل ْس َالمِ ِع ْشر َ‬ ‫فَأَ ْع َطانِي َم َكا َن ا ْل ِع ْشرِي ِن ْاألُوقِ َّيةِ ِفي ْ ِ‬
‫َمال يَ ْضر ُِب بِه ِ َم َع َما أَ ْر ُجو ِم ْن َم ْغ ِف َر ِة اهلل ِ َع َّز َو َج َّل(‪.)5‬‬
‫ول‪َ :‬ح َّدثَ ِني‬ ‫مح َّم َد ْب َن ِإ ْس َح َاق‪ ،‬يَ ُق ُ‬ ‫وأخرج الطبراني من طريق َ‬
‫س‪( ..‬في قوله‪ :‬يَا أَيُّ َها‬ ‫َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن أَبِي نَ ِجي ٍح‪َ ،‬ع ْن َع َط ٍاء‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫اس‪ِ :‬ف َّي َواهلل ِ نَ َزل َ ْت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النَّب ُِّي قُ ْل لِ َم ْن في أَ ْي ِدي ُك ْم ِم َن ْاألَ ْس َرى) فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس َب ِني‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِ ِإ ْس َال ِمي‪َ ،‬و َسأَ ْل ُت ُه أَ ْن يُ َح ِ‬ ‫ِح َ‬
‫ين أَ ْخ َب ْر ُت َر ُس َ‬
‫ِين َع ْبدا‪ُ ،‬كلُّ ُه ْم‬ ‫ِين ْاألُوقِ َّي َة ال َّ ِتي أَ َخذْ ُت َم ِعي‪ ،‬فَأَ ْع َطانِي بِ َها ِع ْشر َ‬ ‫بِا ْل ِع ْشر َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير البيضاوي‪.03/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫ح (‪ )2222‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ .‬وقد سبق‬
‫تخريجها كامال في الجزء المتعلق بإسالم العباس‪ ،‬وتحديدا عند إيراد أدلة القول‬
‫الثاني‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫اج َر بِ َمالِي ِفي يَ ِدهِ‪َ ،‬م َع َما أَ ْر ُجو ِم ْن َم ْغ ِف َر ِة اهلل ِ َج َّل ِذ ْك ُر ُه(‪.)1‬‬
‫َت َ‬
‫س في قوله‬ ‫اسانِ ِّي َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وروى ْاب ُن ُج َر ْي ٍج َع ْن َعطَاء ا ْل ُخ َر َ‬
‫تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ}؛ َع َّباس‬
‫ول‪َ :‬ما أُ ِح ُّب أَ َّن َه ِذهِ ْاآليَ َة ل َ ْم َت ْنز ِْل ِفينَا َوأَ َّن‬ ‫َوأَ ْص َحابُ ُه‪ ..‬فَ َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس يَ ُق ُ‬
‫لِ َي ال ُّد ْن َيا(‪.)5‬‬
‫س‪ :‬لما كان يوم‬ ‫َو ِع ْن َد أَبِي نُ َع ْي ٍم ِفي الدالئل من َح ِديث ابن َع َّبا ٍ‬
‫أربعين أُوقِ َّية ذهبا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سر سبعون‪ ،‬فجعل عليهم النبي ‪‬‬ ‫بد ٍر أُ ِ‬
‫عمه العباس مائة‪ ،‬وعلى َع ِقيل ثمانين‪ ،‬فقال العباس‪:‬‬ ‫وج َعل على ِّ‬ ‫َ‬
‫اس ل َ َق ْد َت َر ْك َت ِني فَ ِق َير‬ ‫أَلِ ْل َق َرابَةِ َصنَ ْع َت بِي َه َذا؟ َوال ِذي يَ ْحلِ ُف بِه ِ َ‬
‫الع َّب ُ‬
‫يت‪ ...‬فَأ ْنزل اهلل عز وجل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ش َما بَ ِق ُ‬ ‫قُ َر ْي ٍ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ} إلى قوله‪{ :‬ﭨ‬
‫ين نَ َزل َ ْت‪ :‬يَا نَب َِّي‬ ‫اس ــ ِح َ‬ ‫ﭩ} [األنفال‪ 52 :‬ــ ‪ .]152‬فَ َق َال ــ أي ا ْل َع َّب ُ‬
‫فآتاني اهللُ َخ ْيرا ِمنه(‪.)2‬‬ ‫اهلل ل َو ِد ْد ُت أنَّ َك ُك ْن َت أَ َخذْ َت ِمنِّي أَ ْض َعافَ َها َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )11223‬واألوسط‪ :‬ح (‪)3125‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬تفسير الطبري‪ .)530/11( ،‬تفسير ابن كثير‪.)35/2( ،‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في الدالئل‪ :‬ح (‪ )212‬وذكره ابن حجر في فتح الباري‪)255/5( :‬‬
‫وحسن إسناده‪ ،‬والعيني في عمدة القاري‪ .)110/15( :‬وشرح الزرقاني على‬ ‫َّ‬
‫المواهب‪ ،)252/5( :‬وفي السند سقط‪ ،‬قال محقق الدالئل‪ :‬وقد سقط السند من‬
‫أبي نعيم إلى محمد بن حميد‪ ،‬وفي السند محمد بن حميد‪ ،‬وهو َم َع ِإ َم َام ِته ِ ُم ْن َك ُر‬
‫اح ُب َع َجائِ َب‪ .‬كما ذكر الذهبي في السير‪ .‬وقال البخاري‪ :‬في حديثه=‬ ‫ث‪َ ،‬ص ِ‬‫الح ِد ْي ِ‬
‫َ‬

‫‪225‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫وعليه‪ ،‬فيترجح نزولها في العباس مع غيره‪ ،‬استنادا على ما سبق‬


‫وغيره من روايات الفداء بطرقها‪.‬‬
‫* قوله تعال ‪{ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ}(‪.)1‬‬

‫س ِفي َت ْف ِسيرِ َه ِذهِ اآلية‪ :‬قد‬ ‫قَ َال َعلِ ُّي ْب ُن أَبِي َط ْل َح َة َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫ين أسر ببدر قَ َال‪ :‬ل َ ِئ ْن ُك ْن ُت ْم‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِح َ‬ ‫نَ َزل َ ْت ِفي ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اإل ْس َالمِ َوا ْله ِْج َر ِة َوا ْل ِج َهادِ لقد كنا نعمر المسجد الحرام‬ ‫َس َب ْق ُت ُمونَا بِ ْ ِ‬
‫ونسقي َونَ ُف ُّك ا ْل َعانِ َي‪ ،‬قَ َال اهللُ َع َّز َو َج َّل‪ :‬أَ َج َع ْل ُت ْم ِسقايَ َة ا ْلحا ِّج ــ ِإلَى‬
‫الش ْر ِك‬ ‫ين‪ .‬يعني أن ذلك كله َكا َن ِفي ِّ‬ ‫قَ ْولِه ِ ــ َواهللُ َال يَ ْه ِدي ا ْل َق ْو َم ال َّظالِ ِم َ‬
‫الش ْر ِك(‪.)5‬‬ ‫َو َال أَ ْق َب ُل َما َكا َن ِفي ِّ‬
‫س َوأَ ْص َحابِه ِ‬ ‫الض َّحا ُك ْب ُن م َز ِ‬
‫اح ٍم‪ :‬أَ ْق َب َل ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َوقَ َال َّ‬
‫ُ‬
‫اس‪ :‬أَ َما َواهلل ِ ل َ َق ْد ُكنَّا‬ ‫ال َّ ِذ َ‬
‫ين أُ ِس ُروا يَ ْو َم بَ ْد ٍر يُ َعيِّ ُرونَ ُه ْم بِ ِّ‬
‫الش ْر ِك‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫اج‪،‬‬ ‫نُ َع ِّم ُر ا ْل َم ْس ِج َد ا ْل َح َر َام َونَ ُف ُّك ا ْل َعانِ َي َونَ ْح ُج ُب ا ْل َب ْي َت َونَ ْس ِقي ا ْل َح َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الج ْو َز َجانِ ُّي‪َ :‬و ُه َو َغ ْي ُر ثِ َقةٍ‪َ .‬وقَ َال النَّ َسائِ ُّي‪ :‬ل َ ْي َس بِ ِث َقةٍ‪ .‬وقال‬
‫= نظر‪ ،‬وقَ َال أَبُو ِإ ْس َح َاق َ‬
‫السعدي ُم َحمد ْبن حميد الرازي َكا َن رديء المذهب غير ثقة‪( .‬سير أعالم النبالء‪:‬‬
‫‪ 222/11‬ــ الكامل‪.)222/5 :‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.12 :‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري‪ .253/11 :‬ابن كثير‪.125/2 :‬‬

‫‪223‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫فَأَ ْن َز َل اهللُ أَ َج َع ْل ُت ْم ِسقايَ َة ا ْلحا ِّج ْاآليَ َة(‪.)1‬‬


‫الش ْعب ِِّي‬ ‫وقال ابن أبي شيبة‪َ :‬ح َّدثَنَا َو ِكيع َع ْن ِإ ْس َما ِع َيل َع ِن َّ‬
‫{ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ} قَ َال‪> :‬نَ َزل َ ْت ِفي َعلِي‬
‫س<(‪.)5‬‬ ‫َوا ْل َع َّبا ِ‬
‫ول‪ :‬ا ْف َت َخ َر‬ ‫وروى ابن جرير بسنده عن ُم َح َّم َد ْب َن َك ْع ٍب ا ْل ُق َر ِظ َّي يَ ُق ُ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو َعلِ ُّي ْب ُن أَبِي‬ ‫َط ْل َح ُة ْب ُن َش ْي َب َة ِم ْن بَ ِني َع ْب ِد ال َّدا ِر َو َع َّب ُ‬
‫اء بِ ُّت ِفيه ِ‪.‬‬ ‫ت َم ِعي ِم ْف َت ُ‬
‫اح ُه َول َ ْو أَ َش ُ‬ ‫اح ُب ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫طَالِ ٍب فَ َق َال َط ْل َح ُة‪ :‬أَنَا َص ِ‬
‫اء بِ ُّت ِفي‬ ‫ِ‬
‫الس َقايَةِ َوا ْل َقائ ُم َعلَ ْي َها َول َ ْو أَ َش ُ‬ ‫اح ُب ِّ‬ ‫اس‪ :‬أَنَا َص ِ‬ ‫َوقَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫وال ِن ل َ َق ْد َصلَّ ْي ُت ِإلَى ا ْل ِقبلَةِ‬ ‫ا ْل َم ْس ِج ِد‪ ،‬فَ َق َال َعلِي ‪َ :‬ما أَ ْدرِي َما َت ُق َ‬
‫ْ‬
‫اح ُب ا ْل ِج َهادِ‪ ،‬فَأَ ْن َز َل اهللُ َع َّز َو َج َّل أَ َج َع ْل ُت ْم‬ ‫س َوأَنَا َص ِ‬ ‫ِس َّت َة أَ ْش ُه ٍر قَ ْب َل النَّا ِ‬
‫ِسقايَ َة ا ْلحا ِّج ْاآليَ َة ُكلَّ َها(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪ .231/11 :‬وذكره ابن كثير في التفسير‪.125/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف‪ :‬ح (‪.)25152‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري‪ ،232/11 :‬وأورده ابن كثير في تفسيره (‪ )125/2‬وعزاه إلى الطبري‪،‬‬
‫وقال األلباني‪ :‬ذكره ابن كثير من رواية ابن جرير فقال‪ :‬أخبرني ابن لهيعة‪ ...‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وض َّعفه األلباني في السلسلة الضعيفة‪ ،222/12 :‬رقم‪ .2250 :‬وقال شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية في المنهاج‪َ )13/2( :‬ه َذا اللَّ ْفظُ َال يُ ْع َر ُف ِفي َشي ٍء ِم ْن ُك ُت ِب ا ْل َح ِد ِ‬
‫يث‬ ‫ْ‬
‫ا ْل ُم ْع َت َم َد ِة‪ ،‬بَ ْل َد َال َال ُت ا ْل َك ِذ ِب َعلَ ْيه ِ ظَا ِه َرة‪( .‬ثم شرع في بيان تلك الدالالت)‪.‬‬
‫وفي نزول اآلية روايات أخرى؛ تراها عند ابن جرير وابن كثير والسيوطي‪ .‬وأصحها‪:‬‬
‫ما رواه مسلم وغيره من حديث النعمان بن بشير األنصاري‪ ،‬وليس فيه ذكر لعلي‬
‫‪ ‬وال لغيره ممن ذكر معه‪( .‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪،222/12 :‬‬
‫ح‪.)2250 :‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫وروى ابن جرير بسنده َع ْن َم ْع َم ٍر‪َ ،‬ع ِن ا ْل َح َس ِن‪ ،‬قَ َال‪ :‬ل َ َّما نَ َزل َ ْت‬
‫اس‪َ :‬ما أُ َرانِي ِإ َّال َتا ِر َك ِس َقايَ ِتنَا‪،‬‬ ‫{ﯔ ﯕ ﯖ} [التوبة‪ ]12 :‬قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫يموا َعلَى ِس َقايَ ِت ُك ْم فَ ِإ َّن ل َ ُك ْم ِف َيها َخ ْيرا<(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫فَ َق َال النَّب ُِّي ‪> :‬أَق ُ‬
‫الر َّزا ِق‪ :‬أَ ْخ َب َرنَا ْاب ُن ُع َي ْينَ َة َع ْن ِإ ْس َما ِع َيل َع ِن‬
‫وفي تفسير َع ْب ُد َّ‬
‫الش ْعب ِِّي‪ :‬قَ َال‪ :‬نَ َزل َ ْت ِفي على والعباس ‪ ‬بما تكلما في ذلك(‪.)5‬‬ ‫َّ‬
‫وعارض بعض العلماء ما روي في نزولها في العباس وقت شركه‬
‫أو حتى بالمشركين بصفة عامة مستشهدا برواية مسلم عن النُّ ْع َما ُن ْب ُن‬
‫بَ ِشي ٍر‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬ك ْن ُت ِع ْن َد ِم ْن َبرِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬فَ َق َال َر ُجل‪َ :‬ما أُبَالِي‬
‫آخ ُر‪َ :‬ما أُبَالِي‬ ‫اج‪َ ،‬وقَ َال َ‬ ‫اإل ْس َالمِ ِإ َّال أَ ْن أُ ْس ِق َي ا ْل َح َّ‬
‫أَ ْن َال أَ ْع َم َل َع َمال بَ ْع َد ْ ِ‬
‫أَ ْن َال أَ ْع َم َل َع َمال بَ ْع َد ا ْ ِإل ْس َالمِ ِإ َّال أَ ْن أَ ْع ُم َر ا ْل َم ْس ِج َد ا ْل َح َر َام‪َ ،‬وقَ َال َ‬
‫آخ ُر‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪ .232/11 :‬والرواية من مراسيل الحسن‪ ،‬وأخرجه عبد الرزاق في‬
‫>التفسير< (‪ )122/1‬عن معمر عنه‪ ،‬وعزاه السيوطي في >الدر المنثور< (‪)512/2‬‬
‫ألبي الشيخ عن الحسن‪.‬‬
‫ولعل أصل هذا الحديث ما رواه البخاري في >صحيحه< (رقم ‪َ )1022‬ع ِن ْاب ِن‬
‫اس‪ :‬يَا‬ ‫الع َّب ُ‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ج َاء ِإلَى ِّ‬
‫الس َقايَة ِ فَ ْاس َت ْس َقى‪ ،‬فَ َق َال َ‬ ‫س ‪ :‬أَ َّن َر ُس َ‬ ‫َع َّبا ٍ‬
‫اب ِم ْن ِع ْن ِد َها‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬ب َِش َر ٍ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫فَ ْض ُل‪ ،‬ا ْذ َه ْب ِإلَى أُ ِّم َك فَ ْأ ِ‬
‫ول اهللِ‪ِ ،‬إنَّ ُه ْم يَ ْج َعلُو َن أَ ْي ِديَ ُه ْم ِفيهِ‪ ،‬قَ َال‪ْ > :‬اس ِق ِني<‪ ،‬فَ َشر َِب ِم ْن ُه‪،‬‬ ‫> ْاس ِق ِني<‪ ،‬قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ثُ َّم أَ َتى َز ْم َز َم َو ُه ْم يَ ْس ُقو َن َويَ ْع َملُو َن ِف َيها‪ ،‬فَ َق َال‪ْ > :‬اع َملُوا فَ ِإنَّ ُك ْم َعلَى َع َم ٍل َصالِ ٍح< ثُ َّم‬
‫الح ْب َل َعلَى َه ِذهِ< يَ ْع ِني‪َ :‬عات ِ َق ُه‪َ ،‬وأَ َش َار ِإلَى‬
‫قَ َال‪> :‬ل َ ْوالَ أَ ْن ُت ْغلَ ُبوا لَنَ َز ْل ُت‪َ ،‬ح َّتى أَ َض َع َ‬
‫َعات ِ ِقهِ‪( .‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪ ،505/15 :‬رقم ‪.)2321‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره‪ ،123/5 :‬وانظر‪ :‬تفسير الطبري‪.232/11 :‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ا ْل ِج َه ُاد ِفي َسبِي ِل اهلل ِ أَ ْف َض ُل ِم َّما قُ ْل ُت ْم‪ ،‬فَ َز َج َر ُه ْم ُع َم ُر‪َ ،‬وقَ َال‪َ :‬ال َت ْرفَ ُعوا‬
‫أَ ْص َو َات ُك ْم ِع ْن َد ِم ْن َبرِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬و ُه َو يَ ْو ُم ا ْل ُج ُم َعةِ‪َ ،‬ول َ ِك ْن ِإ َذا‬
‫يما ْاخ َتلَ ْف ُت ْم ِفيه ِ‪ ،‬فَأَ ْن َز َل اهللُ َع َّز َو َج َّل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َصلَّ ْي ُت ا ْل ُج ُم َع َة َد َخ ْل ُت فَ ْاس َت ْف َت ْي ُت ُه ف َ‬
‫{ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ}‬
‫آخر َِها(‪.)1‬‬ ‫[التوبة‪ْ ]12 :‬اآلي َة ِإلَى ِ‬
‫َ‬
‫ونقل القاسمي في تفسيره هذه المعارضة ثم فنَّدها مرجحا أنه ال‬
‫يمنع نزولها في المشركين‪ ،‬قائال‪ :‬قال بعضهم‪ :‬فظاهر هذه الرواية أن‬
‫المفاضلة كانت بين بعض المسلمين المؤثرين للسقاية والعمارة على‬
‫الهجرة والجهاد ونظائرهما‪ ،‬ونزلت اآلية في ذلك‪ ،‬مع أن الرواية‬
‫السالفة عن ابن عباس(‪ )5‬تنافيه‪ .‬وكذا تخصيص ذكر اإليمان بجانب‬
‫المشبه به‪ ،‬وكذا وصفهم بالظلم ألجل تسويتهم المذكورة‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬ال منافاة‪ .‬وظاهر النظم الكريم فيما قاله ابن عباس ال‬
‫يرتاب فيه‪ ،‬وقول النعمان (فأنزل اهلل) بمعنى أن مثل هذا التحاور نزل‬
‫فيه فيصل متقدم‪ ،‬وهو هذه اآلية‪ ،‬ال بمعنى أنه كان سببا لنزولها كما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪ )1352‬وأحمد في مسنده‪ :‬ح (‪ )13205‬والطبراني في األوسط‪:‬‬
‫ح (‪ )251‬وفي الكبير‪ :‬ح (‪ )512‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪.)13222‬‬
‫(‪ )5‬يقصد رواية العوفي في (تفسيره) عن ابن عباس أن المشركين قالوا‪ :‬عمارة بيت اهلل‪،‬‬
‫وقيام على السقاية‪ ،‬خير ممن آمن وجاهد‪ .‬وكانوا يفخرون بالحرم‪ ،‬ويستكبرون به‪،‬‬
‫وعماره‪ .‬فخير اهلل اإليمان والجهاد مع رسوله‪ ،‬على عمارة‬‫من أجل أنهم أهله َّ‬
‫وبين أن ذلك ال ينفعهم مع الشرك‪ ،‬وأنهم‬
‫المشركين البيت‪ ،‬وقيامهم على السقاية‪ّ ،‬‬
‫ظالمون بشركهم‪ ،‬ال تغني عمارتهم شيئا‪( .‬محاسن التأويل‪.)202/2 :‬‬

‫‪221‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫بيناه غير ما مرة‪ .‬وهذا االستعمال شائع بين السلف‪ ،‬ومن لم يتفطن له‬
‫تتناقض عنده الروايات‪ ،‬ويحار في المخرج‪ ،‬فافهم ذلك وتفطن له‪.‬‬
‫وتأييد أبي السعود نزولها في المسلمين بما أطال فيه‪ ،‬ذهول عن سباق‬
‫اآلية وعن سياقها‪ ،‬فيما صدعت فيه من شديد التهويل‪ ،‬وعن الحقها في‬
‫درجات التفضيل‪ ،‬وقصر الفوز والرحمة والرضوان على المشبه به(‪.)1‬‬
‫* قوله تعال ‪{ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ}(‪.)1‬‬
‫وهذه اآلية روي نزولها في العباس بن عبد المطلب مع غيره حال‬
‫شركه‪.‬‬
‫روى ابن جرير بسنده َع ْن ُس ْف َيا َن‪{ ،‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ} قَ َال‪ :‬نَ َزل َ ْت ِفي ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س(‪.)2‬‬
‫و َر َوى ْاب ُن َجرِي ٍر َو ْاب ُن أَبِي َحاتِ ٍم أَ ْيضا ِم ْن َطرِي ِق ا ْل َع ْو ِف ِّي َع ِن ْاب ِن‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫جاء ُه ْاألَ ْعمى قَ َال‪ :‬بَ ْينَا َر ُس ُ‬ ‫س قَ ْول َ ُه‪َ :‬ع َب َس َو َت َولَّى أَ ْن َ‬‫َع َّبا ٍ‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪،‬‬ ‫اجي ُع ْت َب َة ْب َن َربِ َيع َة َوأَبَا َج ْه ِل ْب َن ِه َشامٍ َوا ْل َع َّب َ‬
‫يُنَ ِ‬
‫َو َكا َن يَ َت َص َّدى ل َ ُه ْم َك ِثيرا َويَ ْحر ُِص َعلَ ْيه ِْم أَ ْن يُ ْؤ ِمنُوا فَأَ ْق َب َل ِإل َ ْيه ِ َر ُجل أعمى‬
‫اجيه ِْم‪.)2(..‬‬ ‫يقال له‪ :‬عبد اهلل ابن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ يَ ْم ِشي َو ُه َو يُنَ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محاسن التأويل‪ 202/2 :‬ــ ‪.202‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سورة عبس‪ :‬آية ‪.0‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تفسير الطبري‪.125/52 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه ابن جرير في التفسير‪ ،122/52 :‬وابن أبي حاتم في تفسيره‪=،2222/12 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪225‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫ِيء ‪ِ ‬حينَ ِئ ٍذ يُنَ ِ‬


‫اجي ُع ْت َب َة‬ ‫ي َو َغ ْي ُر ُه‪َ > :‬كا َن النَّب ُ‬
‫َوقَ َال ا ْلو ِ‬
‫اح ِد ُّ‬ ‫َ‬
‫ف‪،‬‬ ‫اس ْب َن َعب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪َ ،‬وأُبي ْب َن َخلَ ٍ‬ ‫ا ْب َن َربِ َيع َة َوأَبَا َج ْه ٍل‪َ ،‬وا ْل َع َّب َ‬
‫َ َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِيء ‪ ‬يُ ْقب ُِل َعلَى‬ ‫َو َش ْي َب َة ْب َن َربِ َيع َة‪َ ،‬وا ْل َولي َد ْب َن ا ْل ُمغ َيرة‪َ ،‬والنَّب ُ‬
‫ِ ِ‬
‫اإل ْس َال َم(‪.)1‬‬
‫ِض َعلَ ْيه ُِم ْ ِ‬ ‫ا ْل َولِي ِد ْب ِن ا ْل ُمغ َيرة يَ ْعر ُ‬
‫وروي نزولها في رجال ليس منهم العباس بن عبد المطلب ‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال مجاهد في التفسير‪{ :‬ﭢ ﭣ ﭤ}‪ ،‬يَ ْع ِني‪َ > :‬ر ُجال ِم ْن‬
‫ش‪َ ،‬وأُم َّي َة ْب َن َخلَ ٍ‬
‫ف<(‪.)5‬‬ ‫قُ َر ْي ٍ َ‬
‫وقال الماوردي‪ :‬قال قتادة‪ :‬هو أمية بن خلف‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬هما‬
‫عتبة وشيبة ابنا ربيعة(‪.)2‬‬

‫وعند ابن أبي يعلى َح َّدثَنَا ُم َح َّم ُد ْب ُن َم ْه ِدي‪َ ،‬ح َّدثَنَا َع ْب ُد َّ‬
‫الر َّزا ِق‪،‬‬
‫س‪ِ ، ،‬في قَ ْولِه ِ‪{ :‬ﭑ ﭒ}‬ ‫أَ ْخ َب َرنَا َم ْع َمر‪َ ،‬ع ْن قَ َت َاد َة‪َ ،‬ع ْن أَنَ ٍ‬
‫ٍ‬
‫اء ْاب ُن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ ِإلَى النَّب ِِّي ‪َ ‬و ُه َو يُ َكل ُِّم أُبَ َّي ْب َن َخلَف فَأَ ْع َر َ‬
‫ض‬ ‫َج َ‬
‫َع ْن ُه‪ ،‬فَأَ ْن َز َل اهللُ {ﭑ ﭒ} قَ َال‪ :‬فَ َكا َن النَّب ُِّي ‪ ‬بَ ْع َد َذلِ َك‬
‫يُ ْكر ُِم ُه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وذكره ابن كثير في التفسير‪ 251/3 :‬وقال‪ِ :‬فيه ِ َغ َرابَة َو َن َك َارة‪َ ،‬وقَ ْد ُت ُكل َِّم ِفي ِإ ْسنَادِهِ‪.‬‬ ‫=‬
‫أسباب النزول‪ :‬ص‪.222‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تفسير مجاهد‪ :‬ص‪ .522‬وانظر‪ :‬تفسير مقاتل‪.222/2 ،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تفسير الماوردي‪ :‬النكت والعيون‪.525/0 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق في تفسيره‪ 225/2 :‬ح (‪ )2222‬ومن طريقه ابن أبي يعلى في=‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫وقال السيوطي‪َ :‬وأخرج ْابن ا ْل ُم ْنذر َو ْابن ْمر َد َو ْيه َعن َعائِ َشة قَالَت‪:‬‬
‫مجلِس من نَاس من ُو ُجوه قُ َر ْيش ِم ْن ُهم أَبُو‬ ‫َكا َن َر ُسول اهلل ‪ِ ‬في ْ‬
‫ربيعة فَ َي ُقول ل َ ُهم‪ :‬أَل َ ْي َس حسنا أَن ِج ْئت بِ َك َذا‬
‫عتبة بن َ‬ ‫ِ‬
‫جهل بن ه َشام َو َ‬
‫فجاء ْابن أم َم ْك ُتوم َو ُه َو مشتغل بهم‪ ،‬فَ َسأَل َ ُه‪،‬‬ ‫َو َك َذا؟ فَ َي ُقولُو َن‪ :‬بلَى َواهلل َ‬
‫فَأَ ْعرض َع ُنه فَأ ْنزل اهلل {ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭷ ﭸ ﭹ} يَ ْع ِني ْابن أم‬
‫َم ْك ُتوم(‪.)1‬‬
‫قال الشوكاني‪َ :‬وقَ ْد أَ ْج َم َع ا ْل ُم َف ِّس ُرو َن َعلَى أَ َّن َس َب َب نُ ُزو َل ْاآليَةِ‪ :‬أَ َّن‬
‫ش َكانُوا ِع ْن َد النَّب ِِّي ‪َ ،‬وقَ ْد َط ِم َع ِفي‬ ‫قَ ْوما ِم ْن أَ ْشرا ِ‬
‫ف قُ َر ْي ٍ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬أ َّن‬ ‫ِإ ْس َال ِمه ِْم‪ ،‬فَأَ ْق َب َل َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ‪ ،‬فَ َكر َِه َر ُس ُ‬
‫ض َع ْن ُه فَنَ َزل َ ْت(‪.)5‬‬
‫يَ ْق َط َع َعلَ ْيه ِ ْاب ُن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ َك َال َم ُه‪ ،‬فَأَ ْع َر َ‬
‫لِ َد ْع َوتِه ِ‬ ‫ِ‬
‫‪‬‬
‫وقال ابن عاشور‪َ :‬و َه َذا الَّذي َت َص َّدى النَّب ُ‬
‫ِيء‬
‫ِين‬ ‫َو َعرض ا ْل ُق ْرآ َن َعلَ ْيه ِ ُه َو َعلَى أَ ْش َهرِ ْاألَ ْق َوا ِل ا ْل َم ْروِيَّةِ َع ْن َسلَ ِ‬
‫ف ا ْل ُم َف ِّسر َ‬ ‫َ َ‬
‫ا ْل َولِي ُد ْب ُن ا ْل ُم ِغ َير ِة ا ْل َم ْخ ُزوم ُّي ‪.‬‬
‫ِ (‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= المسند‪ :‬ح (‪ )2152‬وذكره ابن كثير في التفسير‪ .252/3 :‬والسيوطي في الدر‬
‫المنثور‪.210/3 :‬‬
‫(‪ )1‬الدر المنثور‪ .210/3 :‬وأخرجه ابن سعد في الطبقات‪ 125/2 :‬بسنده عن ِه َش ُام بن‬
‫عروة َع ْن أَبِيهِ‪.‬‬
‫(‪ )5‬فتح القدير‪.205/2 :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.123/22 :‬‬

‫‪222‬‬
‫الضعيف واملوضوع يف فضائل العباس‬

‫والظاهر مما سبق أن الروايات سالفة الذكر لم تجمع على وجود‬


‫العباس ‪ ‬وقت نزول اآلية وعلى كونه المراد بها‪ ،‬وأنها اختلفت في‬
‫تحديد المراد باآلية واالختالف مرده إلى‪ :‬العباس بن عبد المطلب‬
‫والوليد بن المغيرة وأبي بن خلف وأمية بن خلف وأَبي جهل بن ِه َشام‬
‫ربيعة‪ ،‬وعلى فرض صحة حضور العباس وقت نزول‬ ‫عتبة وشيبة ابنا َ‬
‫َو َ‬
‫اآلية فإن ذلك غير قادح فيه‪ ،‬حيث إنه كان وقتها مشركا‪ ،‬وأسلم بعدها‬
‫يجب ما قبله‪.‬‬
‫وحسن إسالمه‪ ،‬واإلسالم كما هو معلوم ُّ‬

‫** ** **‬

‫‪222‬‬
‫العباس شخصيته وأخالقه‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫‪‬‬ ‫وفي هذا الجزء سنبحر في شخصية العباس عبد المطلب‬


‫متخللين شعابها ودروبها‪ ،‬ومتلمسين جوانبها المضيئة‪ ،‬وصفاتها‬
‫الوضيئة‪ ،‬محاولة للوصول إلى مرتكزها ومحورها‪ ،‬وإن شئت فقل‪:‬‬
‫مفتاحها‪ ،‬رضي اهلل عن صاحبها‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ ـ شخصيته ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫إذا كان اإلسالم قام في بدايته على أكتاف النبي‬


‫وأصحابه ‪ ،‬فقد اختلفت اتجاهات الصحابة ‪ ‬في خدمة‬
‫دينهم كل يدلي بدلوه بحسب ما أُع ِطي من قدرات‪ُ ،‬‬
‫وم ِنح من إمكانات‪،‬‬
‫فكان منهم القائد البارع الذي خدم دينه فيما برز فيه حيث الشجاعة‬
‫والبراعة في القيادة والتخطيط مثل‪ :‬خالد بن الوليد‪ ،‬وكان منهم‬
‫الجندي الشجاع الذي ال يقل براعة عن قائده مثل‪ :‬سلمة بن األكوع‪،‬‬
‫وكان منهم االقتصادي الكبير الذي وظَّف ماله في سبيل دينه مثل عثمان‬
‫ابن عفان‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وطلحة بن عبيد اهلل‪ .‬وكان‬
‫منهم العالم المتقن مثل‪ :‬زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن‬
‫جبل‪ ،‬وابن عباس وغيرهم‪ .‬ومنهم من جمع كل ذلك‪.‬‬
‫عم النبي ‪ ‬وأحد أعالم الصحابة‪،‬‬ ‫والعباس ‪ ‬بوصفه ّ‬
‫وملَك المجد من ُجل أطرافه حيث‬
‫حاز كثيرا من الفضائل‪ ،‬وتعددت مواهبه َ‬
‫اجتمع له مجد الصحبة‪ ،‬ومجد القرابة‪ ،‬ومجد السيادة‪ ،‬ومجد الحكمة‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫ولو حاولنا أن نبحث عن معالم شخصية العباس ‪ ‬فسنجد أنه‬


‫‪ ‬حظي بشخصية متميزة ومتماسكة‪ ،‬فكان ‪ ‬هادئ الطبع‪،‬‬
‫موفور العقل‪ ،‬كريم السجية‪ ،‬دمث الخلق‪.‬‬
‫كما كان ذا شخصية متزنة إلى ح ٍد كبي ٍر‪ ،‬وحازمة وجادة كذلك‪.‬‬
‫فكان قليل البكاء والضحك‪ ،‬وقد قلّبت في كثير من الروايات التي‬
‫ٍ‬
‫موقف أضحكه أو‬ ‫عنيت بذكر العباس ‪ ،‬وكذا كتب التاريخ‪ ،‬على‬
‫أبكاه فلم أجد‪ ،‬وما في البكاء وال في الضحك من عيب إذا لم يتجاوز‬
‫ح َّده‪ .‬وال يعني هذا أنه كان ال يضحك وال يبكي فهذا حتما أمر مستبعد‪،‬‬
‫لكنه يشير إلى قلة ذلك عنده‪ ،‬وإلى شخصيته الحازمة والجادة‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذا أن الحزم والجد كانا من صفات شخصية العباس‬
‫‪.‬‬
‫* مفتا شخصية العباس ‪:‬‬
‫لو أردنا معرفة محور شخصية العباس وحجر زاويتها‪ ،‬فإنه سيبدو‬
‫لنا معلم السيادة(‪ ،)1‬فالرجل كان قيال من أقيال العرب(‪ ،)5‬وكان من‬
‫سروات آل البيت‪ ،‬فكان بحق سيدا في قومه‪ ،‬بما تحمله هذه الكلمة‬
‫من معان وما ينضوي تحتها من أركان‪.‬‬
‫اس ْب ُن‬
‫س في رواية ابن سعد‪َ :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫ومر معنا قول ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع مبحث مكانة العباس‪.‬‬
‫(‪ )5‬القيل‪ :‬الرئيس المطاع‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ ال َّ ِذي يَلِي أَ ْم َر بَ ِني َه ِاش ٍم(‪.)1‬‬
‫وقد انتهت السيادة في مكة إليه وإلى أبي سفيان بن حرب‪ ...‬ثم‬
‫انفرد العباس بسيادة قريش‪.‬‬
‫وهذه السيادة التي تبوأها العباس بين قومه بخاصة‪ ،‬وقريش بعامة‪،‬‬
‫كانت لها عدة مقومات توافرت كلها في العباس‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫* الحكمة ورجاحة العقل وسداد الرأي‪.‬‬
‫* الثراء والغنى‪.‬‬
‫* البذل والعطاء‪( .‬الكرم)‬
‫* االعتزاز بالنفس‪.‬‬
‫ومن يطالع شخصية العباس ويقرأ سيرته بروية وإمعان يجد تلك‬
‫المعالم والمقومات متوافرة في العباس ‪ ،‬بل وعلى رأس مميزات‬
‫شخصيته ‪‬؛ فكان حكيما سديد الرأي راجح العقل‪.‬‬
‫وكان ثريا بل حريصا على المال وال يضيره ذلك طالما جمعه من‬
‫حالل‪ ،‬وأنفقه في حالل‪.‬‬
‫كما كان كريما معطاء باذال ماله لمن يحتاج‪ ،‬غير ضنين به‪ .‬كما‬
‫كان معتزا بنفسه واثقا بملكاته‪ ،‬وفيما يلي بيان تلك المقومات من خالل‬
‫سيرة العباس ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات‪.25/2 :‬‬

‫‪211‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫‪ ‬حكمة العباس وسداد رأيه‪:‬‬


‫كان العباس ‪ ‬حكيما بحق تتفجر الحكمة من جوانبه في‬
‫كلمات تناهت نضرة وبهاء‪ ،‬وكان يغلب على طبعه رضي اهلل رجاحة‬
‫العقل وجزالة الرأي وسداده‪ .‬وهذه إحدى ركائز صفاته‪ ،‬ومفاتح‬
‫شخصيته‪.‬‬
‫وشواهد ذلك في سيرته كثيرة‪ ،‬نظريا وتطبيقا‪.‬‬
‫روى ابن سعد بسنده َع ْن ُع ْث َما َن ْب ِن ُم َح َّم ٍد األَ ْخنَ ِس ِّي َو ِإ ْس َما ِع َيل‬
‫س ِإال‬ ‫ص قَاال‪َ :‬ما أَ ْد َر ْكنَا أَ َحدا ِم َن النَّا ِ‬ ‫ا ْب ِن ُم َح َّم ِد ْب ِن َس ْع ِد ْب ِن أَبِي َوقَّا ٍ‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِفي ا ْل َع ْق ِل ِفي ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ َوا ِإل ْسالمِ(‪.)1‬‬‫َو ُه َو يَ َق ِّد ُم ا ْل َع َّب َ‬
‫وفي تاريخ دمشق‪ :‬قال عامر ــ الشعبي ــ‪ :‬لو أن العباس شهد بدرا‬
‫ما فضله أحد من الناس رأيا وال عقال(‪.)5‬‬
‫ويقول ابن عبد البر‪ :‬وكان العباس جوادا مطعما وصوال للرحم ذا‬
‫رأي حسن ودعوة مرجوة(‪.)2‬‬
‫وروى البالذري بسنده عن علي بن أبي طالب قال‪ :‬لم أر رأيا قط‬
‫أوثق فتال‪ ،‬وأحكم عقدا من رأي عمي العباس(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات الكبرى‪ .53/2 :‬وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪.222/50 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ دمشق‪.222/50 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫االستيعاب‪.315/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أنساب األشراف‪ .222/1 :‬والخبر من رواية ابن الكلبي عن أبيه‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪215‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫ولقد بدت بوادر هاتيك الصفة عند العباس ‪ ‬منذ صغره‪ ،‬فقد‬
‫شب على ذلك‪ ،‬ومن حسن خلقه‬ ‫نُ ّشأ على محاسن األخالق وشرفها و ّ‬
‫وجميل سيرته ما رواه ابن ظفر‪ :‬أن عبد المطلب رأى ولد العباس يلعب‬
‫مع أوالد صغار من مثل عمره‪ ،‬فقال صبي منهم‪ :‬ال تضرب هاتيك القلة‬
‫يا ابن الوتغاء‪ ،‬فقال له العباس‪ :‬وبيت ربي ال تلعب معنا إنك من أبناء‬
‫الشر قؤول بالخنا‪ ،‬فأكب عليه عبد المطلب فاحتمله وجعل يرتجز‪:‬‬
‫لـــــــم يـــــــن ِمم عمـــــــر وال قصـــــــي‬
‫(‪)1‬‬
‫إن لم يسوده مني حتى ألوي مخيلتـه‬
‫شب العباس جمع بين محبة قريش وبين احترامها له؛‬ ‫ولما َّ‬
‫لحكمته وحسن عقله وسداد تصرفه في األمور‪ ،‬وقد عرف الجميع عن‬
‫العباس هذه المزية ــ الحكمة ورجاحة العقل وسداد الرأي والخبرة في‬
‫الحياة ــ‪.‬‬
‫ولعل من مؤيدات حكمته وشواهد تميزه بحسن الرأي وسداد‬
‫العقل ما يلي‪:‬‬
‫له يوم العقبة الثانية‬ ‫‪‬‬ ‫ــ ما روي من اصطحاب النبي‬
‫ليستوثق من أمر األنصار‪.‬‬
‫والروايات الواردة في ذلك غاصة بخبرته في الحياة وحكمته في‬
‫معالجة األمور‪ ،‬من أول نصحه للقوم أن يستخفوا ومن قوله في ذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنباء نجباء األبناء‪ :‬محمد بن ظفر‪ ،‬ص‪ ،25‬تحقيق لجنة إحياء التراث العربي‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫لألنصار‪ :‬إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم فأخفوا أمركم حتى‬


‫ينصدع هذا الحاج ونلتقي نحن وأنتم فنوضح لكم األمر‪ ،‬فتدخلون على‬
‫أم ٍر بيِّن(‪.)1‬‬
‫ثم كشف لهم بعض ما قد يعترضهم من محن ليعرف كيف‬
‫استعدادهم‪ ،‬ومن قوله في ذلك‪:‬‬
‫الناس كلهم غيركم‪ ،‬فإن كنتم أهل قوة وجلد‬
‫ُ‬ ‫وقد أبى محمدا‬
‫وبصر بالحرب واستقالل بعداوة العرب قاطبة فإنها سترميكم عن قوس‬
‫واحدة فارتؤوا رأيكم وأتمروا أمركم وال تتفرقوا إال عن مأل منكم‬
‫واجتماع فإن أحسن الحديث أصدقه<‪.‬‬
‫وكأني بعيني العباس ــ وهو يلقي بكلماته الحازمة هذه ــ تحدقان‬
‫كعيني الصقر في وجوه األنصار‪ ..‬يتتبع وقع الكالم وردود فعله‬
‫العاجلة‪..‬‬
‫يتقصى الحقيقة في مجالها‬
‫ولم يكتف بذلك بل ألزمته حكمته أن ّ‬
‫المادي‪ ،‬ويواجه كل أبعادها مواجهة الحاسب الخبير‪ ..‬فعاود سؤالهم‬
‫مستأنفا حديثه معهم قائال‪:‬‬
‫ِص ُفوا لِ َي ا ْل َح ْر َب َك ْي َف ُت َقاتِلُو َن َع ُد َّو ُك ْم؟ فَ َت َكلَّ َم َع ْب ُد اهلل ِ ْب ِن َع ْمرِو‬
‫ا ْب ِن َح َرامٍ واصفا حالهم في الحرب‪ ،‬من تقديمهم الرمي بالنبل حتى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن سعد في الطبقات (‪ )5/2‬بإسناد متصل رجاله ثقات‪ .‬وانظر‪ :‬سير أعالم‬
‫النبالء للذهبي‪.222/2 :‬‬

‫‪212‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫تفنى‪ ،‬ثم طعنهم بالرماح حتى تتكسر‪ ،‬ثم مشيهم بالسيوف حتى يموت‬
‫األعجل‪ ..‬فأعجب العباس مقاله‪ ،‬وق َّدر خبرتهم في الحرب قائال‪ :‬أَ ْن ُت ْم‬
‫أَ ْص َح ُ‬
‫اب َح ْر ٍب‪.‬‬
‫ثم لفت نظره أن عبد اهلل لم يخص الدروع بشيء‪ ،‬فعاجله سائال‪:‬‬
‫فَ َه ْل ِفي ُك ْم ُد ُروع؟ قَالُوا‪ :‬نَ َع ْم َشا ِملَة(‪.)1‬‬
‫إن الرجل يتقصى األمر ويغوص في تفاصيله‪ ،‬والمتأمل في كالم‬
‫العباس يجد الحكمة تتفجر منه‪ ،‬ومالمح الخبرة في الحياة بادية على‬
‫صاحبه‪ ،‬وبخاصة الخبرة الحربية كما َّمر‪ ،‬إن العباس كان رجال مجربا‬
‫متمرسا يجيد الحكم على الناس والتفرس في طبائعهم‪ ،‬ويعرف كيف‬
‫يزنهم ويميز بينهم‪ ،‬إن أسئلته تلك للقوم تنبئ عن بصيرة نافذة وحس‬
‫عميق وفكر بعيد يستشرف المستقبل ويسبر أغواره‪ ،‬ويجوب بخياله في‬
‫دروبه وشعابه‪ ،‬وكل هذا من مظان حكمته‪ ،‬ومؤيدات سداد رأيه‬
‫ورجاحة عقله؛ ولذلك كان يثق النبي ‪ ‬به في أمره كله‪.‬‬

‫ومن شواهد حكمته ورجاحة عقله‪:‬‬


‫ما رواه البخاري وغيره من إنقاذه ألبي ذر حين أعلن إسالمه أمام‬
‫وه َح َّتى أَ ْض َج ُع ُ‬
‫وه‪ ،‬وعندها‪:‬‬ ‫مأل قريش‪ ،‬فما كان منهم إال أن َ َض َربُ ُ‬
‫اس فَأَ َك َّب َعلَ ْيه ِ‪ ،‬قَ َال‪َ :‬و ْيلَ ُك ْم أَل َ ْس ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن أَنَّ ُه ِم ْن ِغ َفا ٍر‪،‬‬ ‫أَ َتى َ‬
‫الع َّب ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ 5/2 :‬ــ ‪ .3‬وراجع‪ :‬رجال حول الرسول ــ ‪ ‬ــ ص‪.225‬‬

‫‪212‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫الش ْأمِ‪ ،‬فَأَ ْن َق َذ ُه ِم ْن ُه ْم‪ ،‬ثُ َّم َع َاد ِم َن ال َغ ِد لِ ِم ْثلِ َها‪،‬‬


‫َوأَ َّن َطر َِيق تِ َجا ِر ُك ْم ِإلَى َّ‬
‫اس َعلَ ْيه ِ(‪.)1‬‬ ‫وه َوثَ ُاروا ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَأَ َك َّب َ‬
‫الع َّب ُ‬ ‫فَ َض َربُ ُ‬
‫والرواية شاهدة على حكمة العباس ‪ ‬وسداد رأيه وقوة‬
‫يث َما يَ ُد ُّل َعلَى ُح ْس ِن‬ ‫بصيرته‪ ،‬وفي هذا يقول ابن حجر‪َ :‬و ِفي ا ْل َح ِد ِ‬
‫س َو َج ْو َد ِة ِفطْنَ ِته ِ َح ْي ُث َت َو َّص َل ِإلَى َت ْخلِ ِ‬
‫يصه ِ ِم ْن ُه ْم بِ َت ْخ ِوي ِفه ِْم ِم ْن‬ ‫َتأَتِّي ا ْل َع َّبا ِ‬
‫وه ْم بِأَ ْن يَ ْق َط ُعوا ط ُُر َق َم ْت َج ِر ِه ْم َو َكا َن َع ْي ُش ُه ْم ِم َن ال ِّت َج َار ِة‬ ‫اص ُ‬ ‫قَ ْو ِمه ِ أَ ْن يُ َق ُّ‬
‫فَلِ َذلِ َك بَ َاد ُروا ِإلَى ا ْل َك ِّف َع ْن ُه(‪.)5‬‬
‫الر ْح َم ِن ْب ِن َع ْمرٍو ْاألَ ْو َزا ِع ِّي‪،‬‬‫ــ وروى عبد الرزاق في مصنفه َع ْب ِد َّ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ،‬رِيحا َو َم َع ُه‬ ‫اص ٍل‪َ ،‬ع ْن ُم َجا ِه ٍد قَ َال‪َ :‬و َج َد َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َو ِ‬
‫اح ُب َها‬‫يح فَ ْلي َتو َّض ْأ<‪ ،‬فَ ْاس َت ْحيا َص ِ‬ ‫أَ ْص َحابُ ُه فَ َق َال‪ِ > :‬م َّم ْن َخ َر َج ْت َه ِذهِ ِّ‬
‫َ‬ ‫الر ُ َ َ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪:‬‬
‫َول َ ْم يَ ُق ْم َح َّتى قَال َ َها ثَ َالثا‪ ،‬فَلَ ْم يَ ُق ْم أَ َحد‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬أَ َال نَ َت َو َّضأُ ُكلُّنَا(‪)2‬؟‪.‬‬‫يَا َر ُس َ‬
‫إن حكمة العباس ‪ ‬كانت طوق نجاة لصاحب الريح‪ ،‬إنها‬
‫وضعت حال لألمر‪ ،‬ومخرجا من المأزق‪ ،‬دون أن يُفتضح أحد‪.‬‬
‫ــ وأخرج البالذري عن ا ْل َم َدائِ ِن ُّي َع ْن َح َّمادِ ْب ِن َسلَ َم َة َع ْن َعلِ ِّي ْب ِن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )2301‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)5252‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.150/5 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق في مصنفه‪ :‬ح (‪.)221‬‬

‫‪210‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫س قَ َال‪ :‬ل َ َّما ُط ِع َن ُع َم ُر أَ َم َر ُص َه ْيبا أَ ْن‬ ‫ف ْب ِن قَ ْي ٍ‬ ‫زيد عن ا ْل َح َس ِن َع ِن األَ ْحنَ ِ‬


‫الس َّتةِ‪،‬‬‫س َويُ ْط ِع َم ُه ْم ثَالثَ َة أَيَّامٍ َح َّتى يَ ْج َت ِم ُعوا َعلَى َر ُج ٍل ِم َن ِّ‬ ‫يُ َصل َِّي بِالنَّا ِ‬
‫اس‬ ‫اس‪ :‬أَيُّ َها النَّ ُ‬ ‫اس َع ِن الطَّ َعامِ‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫فلما وضعت ا ْل َم َوائِ ُد َك َّف النَّ ُ‬
‫ِض فَأَ َك ْلنَا بَ ْع َد ُه َو َشر ِْبنَا‪َ ،‬و ُت ُوف ِّ َي أَبُو بَ ْك ٍر فَأَ َك ْلنَا‬ ‫ِإ َّن ر ُس َ ِ‬
‫ول اهلل ‪ ‬قُب َ‬ ‫َ‬
‫اس‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َع َر ْف ُت‬ ‫بَ ْع َد ُه َو َشر ِْبنَا‪َ ،‬و ِإنَّ ُه ال بُ َّد ِم َن األَ ْك ِل‪ ،‬فَأَ َك َل َوأَ َك َل النَّ ُ‬
‫قَ ْو َل ُع َم َر(‪.)1‬‬

‫‪ ‬البعد االقتصادي في شخصية العباس ‪( :‬غناه وثراؤه)‬


‫يجادل عليه‪ ،‬ولها مقومات لعل من أبرزها‬ ‫َ‬ ‫السيادة شرف ال‬
‫الجانب االقتصادي‪ ،‬أو وفرة المال عند من يتصف بها‪ ،‬وال يفهم أحد‬
‫أن كل سي ٍد ال بد وأن يكون ثريا‪ ،‬فقد شهد التاريخ نماذج وأمثلة ممن‬
‫سادوا أقوامهم وتعدت سيادتهم إلى غيرهم دون ثراء يذكر‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتهم رسول اهلل ‪ ،‬وكثير من األنبياء والرسل‪ .‬لكن ذلك ال‬
‫ينفي بحال أن وفرة المال إحدى مقومات السيادة والريادة‪ ،‬مع غيرها‬
‫قطعا‪.‬‬
‫والمتابع لسيرة العباس ‪ ‬يجد وبوضوح أنه ‪ ‬كان أحد‬
‫الكيانات االقتصادية الكبيرة في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬وكان حريصا على‬
‫هذا الجانب‪ ،‬فالرجل بجانب جهاده مع الرسول ‪ ‬والصحابة‬
‫بعد إسالمه‪ ،‬إال أنه كان بارعا في الناحية االقتصادية‪ ،‬والتي تعتبر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف‪.13/2 :‬‬

‫‪215‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫أهم مفاتيح شخصيته ‪ ،‬وهي ناحية لها أهميتها؛ فبها إعداد‬


‫إحدى ِّ‬
‫الجيوش‪ ،‬وس َّد حاجة المعوزين‪ ،‬وقضاء دين المدينين‪ ،‬وإطعام‬
‫الجائعين‪ ،‬وكذا المساهمة في كل أعمال الخير والبر مما يعود نفعها‬
‫على المسلمين‪.‬‬
‫والناظر إلى تفاصيل حياته المتتابعة يلحظ هذا األمر جيدا‪،‬‬
‫ويكفينا موقفه من قريش لما أعلن أبو ذر إسالمه أمامهم‪ ،‬فانهالوا عليه‬
‫ضربا‪ ،‬لوال أن تداركه العباس من بين أيديهم قائال‪:‬‬
‫َو ْيلَ ُك ْم َت ْق ُتلُو َن َر ُجال ِم ْن ِغ َف َار َو َم ْت َج ُر ُك ْم َو َم َم ُّر ُك ْم َعلَى ِغ َف َار‪ ،‬حتى‬
‫أقلعوا عنه(‪.)1‬‬
‫إنه بجانب نصرته لمظلومٍ رأى تكالب الجميع عليه‪ ،‬لم يغفل‬
‫البعد االقتصادي وال المصلحة التجارية‪ ،‬فذكَّرهم بأن مصير تجارتهم‬
‫ومرورهم متعلق بقبيلة غفار‪ ،‬التي بإمكانها إعاقتهم في أي وقت‪.‬‬
‫إن هذا الموقف ينبئ عن زعامته ويكشف عن حكمته؛ ويلمح إلى‬
‫عقله االقتصادي‪ ،‬فمن خالله تظهر جليا النظرة االستباقية أو‬
‫االستشرافية للمستقبل والحرص على مصلحة قومه وتجارتهم‪ ،‬والتي‬
‫تمليها زعامة العباس ‪.‬‬
‫وكذا المصلحة الشخصية وال منافاة بينهما‪ ،‬إنه بهذا الموقف‬
‫يحمي تجارته ويحمي مصلحة قومه بجانب دفعه الظلم والجور عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2255‬‬

‫‪213‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫ٍ‬
‫غريب ال ناصر له وال معين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بموقف واحد عالج أمورا ثالثة‪ ،‬وال عجب فهي حكمة العباس‬ ‫إنه‬
‫‪ ،‬وزعامته‪.‬‬

‫ـ ـ ـ شواهد ثرائه‪:‬‬
‫بين العباس ‪ ‬والثراء وشيجة ال تنفصم‪ ،‬ومن يتابع فصول‬
‫حياته يجد ومن الوهلة األولى أنه كان موسرا‪ ،‬وهذا أمر في غاية‬
‫الوضوح‪.‬‬
‫أقر له أخوه الزبير بغناه وكرمه وقال في ذلك شعرا جاء فيه‪:‬‬ ‫ولقد َّ‬
‫عــف ذو كــرم فيــه عــن العـ ِ‬
‫وراء إن قلــت صــمم‬ ‫أخــي العبــاس ّ‬ ‫إ َّن ِ‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫وينحر الكوماء في اليومِ الشبم‬
‫ُ‬ ‫ــاح للمجـــ ِد ويُـــو ِفي بالـــ ِّذمم‬
‫يرتـ ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫أكرِم بأعراقِك ِمـن َخـا ٍل وعـم‬
‫فقد عرف العباس ‪ ‬التجارة‪ ،‬وعمل فيها‪ ،‬وأثمر عمله عن‬
‫ثروة كبيرة جنَّد العباس بعضها في خدمة المعوزين والفقراء‪ ،‬وأوقف‬
‫بعضها على السقاية والرفادة التي ورثها من أبيه بعد تنازل أخيه أبي‬
‫طالب له عنها‪.‬‬
‫وعن تجارته روي أَن ا ْل َع َّباس َو َربِ َيعة َكانَا تاجرين يضربان ِفي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الكوماء‪ :‬الناقة العظيمة السنام‪( .‬غريب الحديث البن سالم‪ 32/2 :‬ــ كوم)‪.‬‬
‫الشبم كنمر‪ :‬البارد‪ ،‬والمراد الشتاء إذا قلَّ الطعام‪( .‬الصحاح‪ 223/2 :‬ــ شبم)‪.‬‬
‫(‪ )5‬المنمق‪ :‬البن حبيب‪ ،‬ص‪.222‬‬

‫‪212‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫ض ا ْل َع َر ِب ُس ِئ َال‪ِ :‬م ْن أَ ْي َن أَ ْن ُت َما؟ قَ َاال‪ :‬نَ ْح ُن‬ ‫ا ْلب َِالد‪ ،‬و َكانَا ِإ َذا َس َارا بِأَ ْر ِ‬
‫بَنُو آ ِك ِل ا ْل ُم َرا ِر يَ َت َع َّز ُزو َن بِ َذلِ َك ِفي ا ْل َع َر ِب َويَ ْدفَ ُعو َن بِه ِ َع ْن أَ ْن ُف ِسه ِْم؛ ِألَ َّن‬
‫س َعلَى‬ ‫بَ ِني آ ِك ِل ا ْل ُم َرا ِر ِم ْن ِك ْن َد َة َكانُوا ُملُوكا‪ ،‬ولما قَ ِد َم ْاألَ ْش َع ُث ْب ُن قَ ْي ٍ‬
‫ين َرا ِكبا ِم ْن ِك ْن َد َة‪ ،‬ودخلوا عليه‪،‬‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬في ثَ َمانِ َ‬
‫ين أَ ْو ِستِّ َ‬
‫ول اهلل ِ نَ ْح ُن بَنُو آ ِك ِل ا ْل ُم َرا ِر َوأَ ْن َت ْاب ُن آ ِك ِل ا ْل ُم َرا ِر‪،‬‬ ‫قَ َال ْاألَ ْش َع ُث‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫اس ُبوا بِ َه َذا النَّ َس ِب ْاب َن‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪ :‬نَ ِ‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ َض ِح َك َر ُس ُ‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬يشير بذلك إلى‬ ‫َربِ َيع َة بن الحارث‪َ ،‬وا ْل َع َّب َ‬
‫صنيعهما السابق في تجارتهما‪ ،‬ثم قال النبي ‪ :‬نَ ْح ُن بَنُو النَّ ْض ِر‬
‫ا ْب ِن ِكنَانَ َة َال نَ ْق ُفو أُ َّمنَا(‪َ )1‬و َال نَ ْن َت ِفي ِم ْن أَبِينَا(‪.)5‬‬
‫وفي تاريخ الطبري عن عفيف الكندي قال‪ :‬كان العباس بن‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب لِي َص ِديقا‪َ ،‬و َكا َن يَ ْخ َتلِ ُف ِإلَى ا ْل َي َم ِن‪ ،‬يَ ْش َترِي ا ْل ِعط َْر فَ َيب ُِيع ُه‬
‫أَيَّ َام ا ْل َم ْو ِسمِ(‪.)2‬‬
‫وفي رواية ابن إسحاق بسنده عن عفيف أنه قال‪ :‬كنت امرءا تاجرا‬
‫فقدمت أيام منى‪ ،‬أيام الحج‪ ،‬وكان العباس بن عبد المطلب امرءا‬
‫تاجرا‪ ،‬فأتيته أبتاع منه وأبيعه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫َال نَ ْق ُفو أُ َّمنَا‪ :‬ال نتبعها في نسبها‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذكره ابن هشام في السيرة‪ ،232/5 :‬وابن سعد في الطبقات‪ ،051/1 :‬من طريق‬ ‫(‪)5‬‬
‫معمر عن الزهري‪ ،‬والبيهقي في الدالئل‪ .252/2 :‬بسنده عن ابن إسحاق عن‬
‫الزهري مرسال‪ .‬وانظر‪ :‬الدرر في اختصار المغازي والسير‪ :‬ص‪.525‬‬
‫تاريخ الطبري‪.215/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سيرة ابن إسحاق‪ :‬ص‪.123‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪252‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫وهذه شهادة واضحة على عمله بالتجارة‪ ،‬األمر الذي أدى إلى‬
‫نماء ماله وكثرته‪ ،‬لدرجة أنه كان من أغنى بني هاشم في الجاهلية‪ .‬بل‬
‫وحسب رواية ابن عساكر‪ :‬كان أكثر بني هاشم ماال في الجاهلية(‪.)1‬‬
‫وكانت بنو هاشم تعرف له غناه وجوده‪ ،‬لدرجة أن أخاه أبا طالب‬
‫استقرضه عشرة آالف درهم ليقوم بواجب السقاية‪ ،‬فأقرضه العباس‪،‬‬
‫وفي العام التالي لهذا استقرضه أربعة عشر ألف درهم فأقرضه العباس‬
‫ــ مع عجزه عن سداد العشرة السابقة ــ شريطة أنه إن عجز عن الوفاء‬
‫بها تنازل عن السقاية للعباس ليقوم بحقها(‪.)5‬‬
‫وفي أنساب األشراف أنه أقرضه في المرة الثانية خمسة عشر ألف‬
‫درهم(‪.)2‬‬
‫وحين عجز أخوه عن الوفاء بالسقاية لفقره وقلة ذات يده تحمل‬
‫العباس السقاية‪ ،‬وهي أمر عظيم ال يتحمله إال خيار الناس وأشرافهم بل‬
‫وأثريائهم‪.‬‬
‫وكان العباس ينفق عليها من خصيصة ماله‪ ،‬ففي أخبار مكة‪ :‬فَلَب َِث‬
‫اس ْب ُن‬ ‫الس َقايَةِ بَ ْع َد ُه ا ْل َع َّب ُ‬ ‫َع ْب ُد ا ْل ُمطَّلِ ِب يَ ْس ِقي النَّ َ‬
‫اس َح َّتى ُت ُوف ِّ َي‪ ،‬فَ َق َام بِأَ ْمرِ ِّ‬
‫ف‪َ ،‬و َكا َن‬ ‫س َك ْرم بِال َّطائِ ِ‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَلَ ْم َت َز ْل ِفي يَ ِدهِ‪َ ،‬و َكا َن لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫يب‪،‬‬ ‫ف‪َ ،‬ويَ ْق َت ِضي ِم ْن ُه ُم ال َّزبِ َ‬ ‫يَ ْح ِم ُل َزبِيب ُه ِإل َ ْي َها‪َ ،‬و َكا َن يُ َدايِ ُن أَ ْه َل ال َّطائِ ِ‬
‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ مدينة دمشق‪ 532/50 :‬ــ ‪.532‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ مدينة دمشق‪ 532/50 :‬ــ ‪.532‬‬
‫(‪ )2‬أنساب األشراف‪.552/1 :‬‬

‫‪251‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫اج أَيَّ َام ا ْل َم ْو ِسمِ َح َّتى يَ ْن َق ِضي‪ِ ،‬في ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ‬
‫فَ َي ْنبِذُ َذلِ َك ُكلَّ ُه َويَ ْس ِقيه ِ ا ْل َح َّ‬
‫َ‬
‫اإل ْس َالمِ(‪.)1‬‬‫َو َص ْد ِر ْ ِ‬
‫ــ ومن شواهد غناه كفالته لجعفر بن أبي طالب ‪ ‬لما أمعر أبو‬
‫طالب‪ ،‬واقترح النبي ‪ ‬عليه أن يأخذ أحد أوالده ليربيه‪ ،‬فأخذ‬
‫العباس جعفرا‪ ،‬ولم يزل معه حتى أسلم واستغنى عنه(‪.)5‬‬
‫ولما أُ ِسر في بد ٍر‪ ،‬وكان قد خرج إليها مكرها‪ ،‬طالبه النبي‬
‫‪ ‬بأن يفدي نفسه وابني أخويه وحليفه؛ لعلم النبي ‪‬‬

‫بغناه‪ ،‬ولما تعذر واجهه النبي ‪ ‬بما دار بينه وبين زوجه‪ ،‬ففدى‬
‫العباس نفسه وابني أخويه وحليفه‪ ...‬وعوضه اهلل بعشرين عبدا كلهم‬
‫في يده مال يضرب به(‪.)2‬‬
‫اس؛‬ ‫قَ َال ْاب ُن ِإ ْس َح َاق‪َ :‬و َكا َن أَ ْك َث ُر األُ َس َارى يَ ْو َم بَ ْد ٍر ِف َداء َ‬
‫الع َّب ُ‬
‫وذلك ألنه كان رجال موسرا فا ْف َت َدى نَ ْف َس ُه بِما َئةِ أُ ْوقِ َّيةٍ ِم ْن َذ َه ٍب(‪.)2‬‬
‫ولما هاجر العباس ل َ ِح َق بِالنَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ فَأَط َْع َم ُه بِ َخ ْي َب َر ما َئ َت ْي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار مكة لألزرقي‪.112/1 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري‪ 23 ،25/5 :‬ــ االكتفاء للكالعي‪.152/1 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫أخرجه الحاكم كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪ ،‬ح (‪ )2222‬وقال‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬وقال الذهبي في التلخيص‪ :‬على‬
‫شرط مسلم ــ والبيهقي في الكبرى‪ :‬كتاب قسم الفيء والغنيمة‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫مفاداة الرجال‪ ،‬ح (‪.)12552‬‬
‫أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ ،532/50 :‬وأورده الذهبي في سير أعالم‬ ‫(‪)2‬‬
‫النبالء‪.32/5 :‬‬

‫‪255‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫َو ْس ٍق ُك َّل َسنَةٍ‪ ،‬ثُ َّم َخ َر َج َم َع ُه ِإلَى فَ ْت ِح َم َّك َة(‪.)1‬‬


‫وفي حجة الوداع كان أول ربا موضوع في اإلسالم ربا العباس بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬فقد روى مسلم بسنده عن جابر بن عبد اهلل ‪ ‬عن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪َ :‬ورِبَا ا ْل َجا ِهلِ َّيةِ َم ْو ُضوع‪َ ،‬وأَ َّو ُل رِبا أَ َض ُع رِبَانَا‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه َم ْو ُضوع ُكلُّ ُه(‪.)5‬‬ ‫رِبَا َع َّبا ِ‬
‫ين أَ ْلفا ــ بعثه‬ ‫ولما أتي النبي ‪ ‬بمال من البحرين ــ ثَ َمانِ َ‬
‫ا ْل َع َال َء ْب َن ا ْل َح ْض َر ِم ِّي وكان أكثر مال أتى النبي اهلل ِ ‪ ‬فَ َما أَ َتى‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬مال أَ ْك َث ُر ِم ْن ُه َال قَ ْبلَ َها‪َ ،‬و َال بَ ْع َد َها‪ ،‬فَأَ َم َر بِ َها‪َ ،‬ونُ ِث َر ْت‬ ‫َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬يَ ِم ُيل َعلَى‬ ‫اء َر ُس ُ‬‫الص َالة‪ ،‬فَ َج َ‬
‫َعلَى َح ِصي ٍر‪َ ،‬ونُو ِدي بِ َّ ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫اس َو َج َع َل يُ ْع ِطيه ِْم‪َ ،‬و َما َكا َن يَ ْو َم ِئذ َع َدد‪َ ،‬و َال‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َما ِل قَائما‪ ،‬فَ َج َ‬
‫اء النَّ ُ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إنِّي‬ ‫اء ا ْل َع َّباس‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َو ْزن‪َ ،‬و َما َكا َن ِإ َّال قَ ْبضا‪ ،‬فَ َج َ‬
‫أَ ْع َط ْي ُت ِف َدائِي َو ِف َد َاء َع ِقي ٍل يَ ْو َم بَ ْد ٍر‪َ ،‬ول َ ْم يَ ُك ْن لِ َع ِقي ٍل َمال ْاع ِط ِني ِم ْن َه َذا‬
‫يصةٍ َكانَ ْت َعلَ ْيه ِ‪،‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪ُ > :‬خذْ < فَ َح َثى ِفي َخ ِم َ‬ ‫ا ْل َما ِل‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫ثُ َّم َذ َه َب يَ ْن َصر ُِف‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْس َت ِط ْع‪ ،‬فَ َرفَ َع َر ْأ َس ُه ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪،‬‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬و ُه َو يَ ُق ُ‬ ‫ول اهلل ِ‪ْ ،‬ارفَ ْع َعلَ َّي‪ ،‬فَ َت َب َّس َم َر ُس ُ‬ ‫فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫>أَ َما أَ َحد َما َو َع َد اهللُ فَ َق ْد أَ ْن َج َز لِي َو َال أَ ْدرِي ْاألُ ْخ َرى قُ ْل لِ َم ْن ِفي‬
‫أَ ْي ِدي ُك ْم ِم َن ْاألُ َس َارى‪ِ ،‬إ ْن يَ ْعلَمِ اهللُ ِفي قُلُوبِ ُك ْم َخ ْيرا يُ ْؤتِ ُك ْم َخ ْيرا ِم َّما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى‪ ،13/2 :‬وابن عساكر في تاريخ دمشق‪/50 :‬‬
‫‪ ،523‬وأورده الذهبي في السير‪.222/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ :‬ح (‪.)1513‬‬

‫‪252‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫أُ ِخ َذ ِم ْن ُك ْم َويَ ْغ ِف ْر ل َ ُك ْم(‪َ .)1‬ه َذا َخ ْير ِم َّما أُ ِخ َذ ِمنِّي َو َال أَ ْدرِي َما يُ ْصنَ ُع‬
‫بِا ْل َم ْغ ِف َر ِة<(‪.)1‬‬
‫وهذا الشاهد من كواشف طبيعته االقتصادية وحرصه على المال‪،‬‬
‫وال يضيره ‪ ،‬طالما جمعه من ِحل وأنفقه في ِحل‪.‬‬
‫ولما قدم وفد الداريين على رسول اهلل ‪ ‬منصرفه من تبوك‬
‫وهم عشرة نفر‪ ..‬فيهم هانئ بن حبيب‪ ،‬والذي أهدى لرسول اهلل‬
‫‪ ‬راوية خمر وأفراسا وقباء مخوصا(‪ )2‬بالذهب‪ ،‬فقبل رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يقصد بذلك ما ورد في سورة األنفال‪.52 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن سعد في الطبقات‪ ،12/2 :‬عن هاشم بن القاسم به‪ ،‬وإسناده صحيح‪.‬‬
‫والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ .)2252‬من طريق موسى بن سهل بن كثير عن هاشم‪،‬‬
‫وأورده ابن حجر في االتحاف‪ )51/12( :‬والذهبي في السير‪ .)225/2( :‬وفي‬
‫اإلسناد‪ :‬موسى بن سهل بن كثير‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ذكره الذهبي في السير‪ ،‬طبعة‬
‫الض َع َف ِاء ال َّ ِذ ْي َن يُ ْح َت َم ُل َحال ُ ُهم‪َ .‬‬
‫وض َّع َف ُه ال َّد َارقُ ْط ِن ُّي‪.‬‬ ‫أح ُد ُّ‬
‫الرسالة‪ )122 /12( .‬وقال‪َ :‬‬
‫الب ْرقَانِ ُّي‪َ :‬ض ِع ْيف ِج ّدا‪ .‬وقال الخليلي‪ :‬شيخ ليس بذاك المشهور‪ .‬وتعقبه ابن‬ ‫َوقَ َال َ‬
‫حجر‪ :‬قائال‪ :‬قلت‪ :‬بل هو مشهور‪ ،‬سمع منه جماعة‪( ..‬راجع‪ :‬تهذيب التهذيب‪:‬‬
‫‪ ،223/12‬لسان الميزان‪.)112/0 :‬‬
‫وأخرجه الحاكم أيضا في مستدركه‪ :‬ح (‪ )2252‬من طريق الحسين بن الحارث‬
‫األهوازي عن هاشم بن القاسم به‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم‬
‫يخرجاه‪ .‬واإلسناد ليس على شرط مسلم؛ فرواته رواة الشيخين غير الحسين بن‬
‫الحارث األهوازي فمجهول‪ .‬ولم يخرج له مسلم‪( .‬والروايتان وردتا في طبعة دار‬
‫الكتب العلمية بنفس الرقم‪ ،‬وفي طبعة دار التأصيل‪ :‬األولى برقم‪ ،2212 :‬والثانية‬
‫برقم‪.)2252 :‬‬
‫باء‪ :‬الذي يُلبس‪ ،‬والجمع األ ْقب َِي ُة‪( .‬الصحاح‪.)5223/0 :‬‬ ‫(‪ )2‬ال َق ُ‬

‫‪252‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫‪ ‬األفراس والقباء‪ ،‬وأعطاه العباس بن عبد المطلب‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬


‫أصنع به؟ قال‪ :‬انتزع الذهب فتحليه نساءك أو تستنفقه ثم تبيعه الديباج‬
‫فتأخذ ثمنه‪ ،‬فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آالف درهم(‪.)1‬‬
‫وقد يظن البعض أن عطاء النبي ‪ ‬للعباس ما هو إال‬
‫محاباة منه لعمه‪ ،‬وتقديمه في العطاء على من سبقه إسالما وهجرة‪،‬‬
‫ونسي هؤالء ما كان يقوم به العباس ‪ ‬من سقاية ورفادة‪ ،‬وما كان‬
‫يتحمله من مال كل عام‪ ،‬وما كان يقدمه بنفس راضية ويد سخية‪ ،‬وهذا‬
‫ما أدركه النبي ‪ ،‬ولعل أعطيته للعباس ‪ ‬بجانب كونها نوع‬
‫تقدير إال أنها مساهمة من النبي ‪ ‬وعونا للعباس في أعباء‬
‫وتكاليف السقاية‪.‬‬
‫ولما استخلف عمر‪ ،‬وفتح عليه الفتوح‪ ،‬جاءه مال‪ ،‬ففضل‬
‫المهاجرِين واألنصار‪ ،‬ففرض لمن شهد بدرا خمسة آالف‪ ،‬خمسة‬
‫آالف‪ ،‬ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آالف‪ ،‬أربعة آالف؛ وفرض‬
‫للعباس اثني عشر ألفا(‪.)5‬‬
‫وفي الطبقات‪ :‬أنه فرض للعباس في الديوان سبعة آالف(‪ .)2‬وكل‬
‫هذه الشواهد إحدى شواهد سعة العباس وغناه وثرائه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ ،02/11 :‬وأورده ابن حجر في اإلصابة (‪ )222/0‬عند ترجمته لهانئ‬
‫الداري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ابن حبيب‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪.222/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات الكبرى‪.52/2 :‬‬

‫‪252‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫‪ ‬البذل والعطاء‪:‬‬
‫البذل والعطاء من خالل الكرام‪ ،‬وصفات الشرفاء والسادة‪،‬‬
‫وهكذا كان العباس ‪.‬‬
‫لقد جنَّد العباس ماله في خدمة المعوزين والفقراء‪ ،‬وبخاصة من‬
‫قومه‪ ،‬ألنه يعلم أن الرجل ال يستغني عن عشيرته وقومه‪ ،‬وإن كان ذا‬
‫مال‪ ،‬فهم أقرب الناس إليه‪ ،‬وأَ َلم ُم ُهم لشعثه‪ ،‬وأعطفهم عليه عند نازلة‬
‫إذا نزلت به‪ ،‬وأحق الناس بماله وفضله‪.‬‬
‫وثبت عنه أنه كان جوادا سخيا مطعما للفقراء؛ >فَ َكا َن َذا َما ٍل َك ِثي ٍر‬
‫ُم َت َف ِّر ٍق ِفي قَ ْو ِمه ِ<(‪.)1‬‬
‫وكان للعباس بن عبد المطلب ثوب لعاري بني هاشم وجفنة‬
‫لجائعهم ومقطرة لسفيههم ــ أو ربما قال‪ :‬لجاهلهم ــ وكان يمنع جاره‬
‫ويبذل ماله ويعطي النابية في قومه(‪.)5‬‬
‫وبعد إسالمه جنَّد ماله في الدفاع عن الدين وتجهيز الغازين‬
‫واإلنفاق في سبيل اهلل‪ ،‬كإنفاقه في غزوة تبوك‪ ،‬وتعجيله صدقته‪،‬‬
‫وتبرعه بداره لتوسعة المسجد ورفض أخذ مقابل لها إثر حوار دار بينه‬
‫وبين عمر‪ ،‬اختتمه العباس بقوله‪ :‬اللهم ال آخذ لها ثوابا‪ ،‬وقد تصدقت‬
‫بها على جماعة المسلمين(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيرة ابن هشام‪ .020/1 :‬تاريخ الطبري‪.201/5 :‬‬
‫(‪ )5‬المنمق‪ :‬ص‪ 23‬ــ تاريخ اإلسالم‪.252/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ .)11515‬وراجع جوده وكرمه‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫وهذه كله أمور ال يطيقها إال رجل بالغ الغنى واسع الثراء‪ ،‬سخي‬
‫النفس واليد‪.‬‬

‫‪ ‬االعتزاز بالنفس‪ :‬ويتمثل في رفض الضيم وعدم قبول اإلهانة‪.‬‬


‫وهناك معلم آخر من معالم سيادة العباس‪ ،‬أال وهو اعتزازه بنفسه‬
‫وعدم قبوله الضيم‪ ،‬ومع أن هذا األمر ليس حكرا على من تزعموا‬
‫غيرهم‪ ،‬إال أنه ظاهر أتم الظهور في رؤوس الناس ومنهم العباس‪،‬‬
‫فكان ال يقبل الضيم‪ ،‬معتزا بنفسه وبيته‪ ،‬ونسبه‪ ،‬وهذا شأن العظماء في‬
‫أقوامهم‪.‬‬
‫تحمل العباس‪،‬‬ ‫ومن ذلك أن رجال وقع في أب للعباس‪ ،‬فما َّ‬
‫الس َال َح‪ ،‬فَ َبلَ َغ‬ ‫اء قَ ْو ُم ُه فَ َقالُوا‪ :‬ل َ َي ْل ِط َمنَّ ُه َك َما ل َ َط َم ُه‪ ،‬فَلَب ُِسوا ِّ‬
‫فقام بلطمه‪ ،‬فَ َج َ‬
‫ض‬‫ي أَ ْه ِل ْاألَ ْر ِ‬ ‫اس‪ ،‬أَ ُّ‬ ‫َذلِ َك النَّب َِّي ‪ ،‬فَ َص ِع َد ا ْل ِم ْن َب َر فَ َق َال‪> :‬أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫اس ِمنِّي‬ ‫ِ‬
‫َت ْعلَ ُمو َن أَ ْك َر ُم َعلَى اهلل َع َّز َو َج َّل؟< فَ َقالُوا‪ :‬أَ ْن َت‪ .‬فَ َق َال‪ِ > :‬إ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫ِ‬
‫ول‬‫اء ا ْل َق ْو ُم‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫اءنَا< فَ َج َ‬‫َوأَنَا م ْن ُه‪َ ،‬ال َت ُس ُّبوا َم ْو َتانَا‪ ،‬فَ ُت ْؤ ُذوا أَ ْح َي َ‬
‫اهلل ِ‪ ،‬نَ ُعو ُذ بِاهلل ِ ِم ْن َغ َضب َِك‪ْ ،‬اس َت ْغ ِف ْر لَنَا(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )5522‬وفي فضائل الصحابة‪ :‬ح (‪ )1552‬والنسائي‬
‫في الكبرى‪ :‬ح (‪ )0221‬والطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )15222‬واآلجري في الشريعة‪:‬‬
‫ح (‪ )1522‬والحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫ح (‪ )2251‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬وعلق الذهبي في‬
‫التلخيص‪ :‬صحيح‪ .‬وض َّعفه األلباني في سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪:‬‬
‫(‪ ،222/2‬ح‪ )5212‬وفي صحيح وضعيف سنن النسائي‪ :‬ح (‪.)225‬‬

‫‪255‬‬
‫ً‬
‫العباس شخصية وأخالقا‬

‫ومع أن اإلسالم حثنا على الصبر والتحمل والدفع بالحسنى‪ ،‬وعدم‬


‫مقابلة اإلساءة بمثلها‪ ،‬إال أن األمور أحيانا تخرج عن ح ِّد السيطرة‪.‬‬
‫يأبى‬ ‫‪‬‬ ‫ولم يتوقف األمر مع العباس عند هذا الحد بل كان‬
‫اإلهانة حتى ولو لم تكن مقصودة‪ ،‬ولقد دخل يوما على النبي ‪‬‬

‫ش‪ِ ،‬إ َذا‬‫ول اهلل ِ َما لَنَا َولِ ُق َر ْي ٍ‬


‫وهو غاضب فسأله َما أَ ْغ َض َبك؟ قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫َت َالقَ ْوا بَ ْينَ ُه ْم َت َالقَ ْوا بِ ُو ُجو ٍه ُم ْب َش َر ٍة‪َ ،‬و ِإ َذا ل َ ُقونَا ل َ ُقونَا بِ َغ ْيرِ َذلِ َك‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫اح َم َّر َو ْج ُه ُه‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪َ > :‬وال َّ ِذي نَ ْف ِسي‬ ‫ول اهلل ِ ‪َ ‬ح َّتى ْ‬ ‫فَ َغ ِض َب َر ُس ُ‬
‫بِ َي ِدهِ َال يَ ْد ُخ ُل قَ ْل َب َر ُج ٍل ا ِإل َيما ُن َح َّتى يُ ِح َّب ُك ْم لِلَّه ِ َولِ َر ُسولِه ِ<(‪.)1‬‬
‫وكل هذا من معالم سيادته‪ ،‬فالسيد في قومه يأبى أن يهان وأن‬
‫يُسب‪.‬‬
‫كان ما سبق إبحارا في شخصية العباس ‪ ،‬ظهرت لنا من‬
‫جليا محور تميزه ‪.‬‬
‫خالله معالم شخصيته‪ ،‬وبدا لنا ًّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي في السنن‪ :‬ح (‪ )2523‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َح َسن َص ِحيح‪ ،‬وقال‬
‫األلباني‪ :‬ضعيف إال قوله‪> :‬عم الرجل< فصحيح‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫‪ 2‬ـ ـ مالمح من أخالق العباس وصفاته‪:‬‬


‫مكارم األخالق من أهم ما يحرص عليه المسلم وما يزينه‪ ،‬وهي‬
‫ومحل ثنائهم وتميزهم‪ ،‬كيف ال؟‬
‫ِّ‬ ‫من عالمات نبوغ األفراد وتفوقهم‬
‫وقد خاطب المولى جل وعال نبيه في كتابه بقوله وهو أصدق القائلين‪:‬‬
‫وإنك لعلى خلق عظيم‪( .‬سورة القلم‪ )2/‬ولم يكن العباس عن هذا‬
‫علية وأخالق‬‫ببعيد‪ ،‬حيث حباه اهلل تعالى خصائص قوية وصفات َّ‬
‫محط أنظار المحيطين به‪ ،‬ومضرب أمثالهم‪ ،‬بل وأحيانا‬ ‫ّ‬ ‫رضية جعلته‬
‫َّ‬
‫مادة ثرية لشعرائهم‪.‬‬
‫فقد منحه المولى جل وعال صفاتا خلقية زرعت محبته في‬
‫وج ْفنة لجائعهم‪ ،‬وكان يمنع‬
‫القلوب‪ .‬فكان له ثوب لعاري بني هاشم َ‬
‫ويبذُل المال‪ ،‬ويُعطي في النَّوائب(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫الجار‪،‬‬
‫وفي الصفحات التالية بيان ألبرز أخالقه ‪:‬‬

‫* تأدبه مع النبي ‪:‬‬


‫َّمر معنا بيان حب العباس للنبي ‪ ،‬هذا الحب الممزوج‬
‫بالخوف عليه‪ ،‬والتأدب معه‪.‬‬
‫روى ابن أبي شيبة بسنده إلى أَبِي َرزِي ٍن‪ ،‬قَ َال‪ :‬قِ َيل لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫س‪ :‬أَ ْن َت‬
‫ول اهلل ِ ‪‬؟ قَ َال‪ُ > :‬ه َو أَ ْك َب ُر ِمنِّي‪َ ،‬و ُولِ ْد ُت أَنَا قَ ْبلَ ُه<(‪.)5‬‬ ‫أَ ْك َب ُر أَ ْو َر ُس ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ اإلسالم‪.252 /2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف‪ :‬كتاب التأريخ‪ ،‬ح (‪ )22251‬والحاكم في=‬

‫‪252‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫وهذا من أدب العباس العالي‪ ،‬وفطنته البليغة‪ ،‬وحكمته البادية في‬


‫جل تصرفاته‪.‬‬

‫‪ ‬شجاعته ‪:‬‬
‫عرفت الشجاعة طريقها إلى قلب العباس ‪ ‬منذ نعومة أظفاره‪،‬‬
‫فأل ِفها وأل ِفته‪ ،‬وتول َّى زمامها وارعوت له‪ ،‬فال تجده إال شجاعا مقداما‬
‫صابرا مثابرا‪ .‬وقد حفلت كتب السنة والسير والتاريخ بصور من شجاعته‬
‫‪.‬‬
‫روى ابن عساكر بسنده عن جابر ‪ ‬قال‪ :‬لقد بعث رسول اهلل‬
‫‪ ‬يوم الطائف حنظلة بن الربيع ‪ ‬إلى أهل الطائف‪،‬‬
‫فكلمهم‪ ،‬فاحتملوه ليدخلونه حصنهم‪ .‬فقال رسول اهلل ‪> ‬من‬
‫لهؤالء؟ وله مثل أجر غزاتنا هذه؟<‪ ،‬فلم يقم إال العباس بن‬
‫عبد المطلب ‪ ‬حتى أدركه في أيديهم‪ ،‬قد كادوا أن يدخلوه في‬
‫الحصن‪ ،‬فاحتضنه العباس ‪ ،‬وكان رجال شديدا ــ فاختطفه من‬
‫أيديهم؛ وأمطروا على العباس ‪ ‬الحجارة من الحصن‪ .‬فجعل النبي‬
‫‪ ‬يدعو له حتى انتهى به إلى النبي ‪.)1(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر مناقب العباس‪ ،‬ح (‪ )2223‬ــ وقال‬
‫الحافظ الهيثمي في المجمع‪ ،555/2( :‬ح‪ )12235 :‬رواه الطبراني ورجاله رجال‬
‫الصحيح‪ ،‬وأورده الذهبي في السير‪ ،32/5 :‬وذكره المتقي في >كنز العمال<‪:‬‬
‫‪ ،251/12‬ونسبه البن عساكر وابن النجار‪.‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ ،222/50 :‬كنز العمال‪ :‬ح (‪ .)22522‬أنساب األشراف‪.2/2 :‬‬

‫‪222‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫ــ ومن موارد شجاعته ‪ ،‬ثباته يوم حنين‪:‬‬


‫الهز ِْي َمةِ‪،‬‬
‫اس َكا َن يَ ْو َم ُح ِن ْي ٍن‪َ ،‬و ْق َت َ‬ ‫قال الذهبي‪َ :‬وثَ َب َت أَ َّن َ‬
‫الع َّب َ‬
‫ِ‬
‫آخذا بِلِ َجامِ بَ ْغلَةِ النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ َوثَ َب َت َم َع ُه َح َّتى نَ َز َل النَّ ْص ُر(‪.)1‬‬

‫‪ ‬صدقه‪:‬‬
‫الصدق هو قول الحق ومطابقة الكالم للواقع‪ ،‬أو هو مطابقة‬
‫منطوق اللسان للحقيقة‪ ،‬وهذا ما كان عليه العباس‪ ،‬فكان رجال صادقا‪،‬‬
‫ظاهره كباطنه‪ ،‬يأبى أن يدنس خلقه بكذب‪ ،‬ألن األصل في اللسان‬
‫وشره وبيل‪ ،‬فالحذر منه واالحتياط في‬
‫الحفظ والصون‪ ،‬فزالته كثيرة‪ّ ،‬‬
‫استعماله أتقى وأورع‪.‬‬
‫ومن شواهد صدقه ‪ ‬ما حدث أثناء سفره إلى اليمن بصحبة‬
‫أبي سفيان‪ ،‬حيث كان حواره مع حبر من أحبار اليهود الذي سأله عن‬
‫النبي ‪ ،‬ورغم أن العباس وقتها لم يكن مسلما إال أنه حرص‬
‫على أن يطابق كالمه الواقع بال حيف أو جور‪.‬‬
‫يك َص ْب َوة أَ ْو‬‫فقد سأله الحبر قائال‪ :‬نَ َش ْد ُت َك‪َ ،‬ه ْل َكانَ ْت ِال ْب ِن أَ ِخ َ‬
‫َس ْف َهة؟ قُ ْل ُت‪َ :‬ال‪َ ،‬و ِإلَه ِ َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و َال كَذ َب‪َ ،‬و َال َخا َن‪َ ،‬و ِإ َّن َكا َن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪ ،220/2 :‬وأخرج مسلم رواية ثبات العباس في حنين في الجهاد‪،‬‬
‫باب في غزوة حنين ح (‪ ،)1552‬وابن هشام‪ ،222/5 :‬وأحمد‪،525/1 :‬‬
‫وعبد الرزاق‪ :‬ح (‪ ،)2521‬والحاكم‪ ،253 ،255/2 :‬كلهم من حديث الزهري‪،‬‬
‫عن كثير بن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن عباس‪ ...‬وانظر >فتح الباري< ‪.52/3‬‬

‫‪221‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫اس‪ :‬فَ َظنَ ْن ُت أَنَّ ُه‬‫ين‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ه ْل َك َت َب بِ َي ِدهِ؟ قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ش ْاألَ ِم ُ‬
‫ْاس َم ُه ِع ْن َد قُ َر ْي ٍ‬
‫َخ ْير ل َ ُه أَ ْن يَ ْك ُت َب بِ َي ِدهِ‪ ،‬فَأَ َر ْد ُت أَ ْن أَقُول َ َها‪ ،‬ثُ َّم َذ َك ْر ُت َم َكا َن أَبِي ُس ْف َيا َن‪،‬‬
‫أَنَّ ُه ُم َك ِّذبِي َو َراد َعلَ َّي‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ال يَ ْك ِت ُب‪ ،‬فَ َوثَ َب ا ْل ِح ْب ُر‪َ ،‬و َت َر َك ر َِد َاء ُه‪،‬‬
‫ود‪َ ،‬وقُ ِتلَ ْت يَ ُه ُ‬
‫ود(‪.)1‬‬ ‫َوقَ َال‪ُ :‬ذبِ َح ْت يَ ُه ُ‬
‫ومن حرصه على الصدق كان يوصي به أبناءه‪ ،‬فمن وصيته البنه‬
‫عبد اهلل بن عباس حين اختصه عمر بن الخطاب وقربه‪ :‬يا بني ال تكذبه‬
‫فيطرحك‪ ،‬وال تغتب عنده أحدا فيمقتك‪ ،‬وال تقولن له شيئا حتى‬
‫يسألك‪ ،‬وال تفشين له سرا فيزدريك(‪.)5‬‬

‫‪ ‬عفته ورعايته لألخالق‪:‬‬


‫عف اللسان سليم الطبع فحسب‪ ،‬بل‬ ‫لم يكن العباس كريم النفس َّ‬
‫كان حريصا على إشاعة هذه القيم النبيلة في غيره‪ ،‬حيث كان من جملة‬
‫المهام العظيمة التي اضطلع بها عمارة المسجد الحرام‪ .‬وتتمثل عمارته‬
‫للمسجد في أنه كان ال يدع أحدا يستب في المسجد الحرام وال يقول‬
‫فيه هجرا‪ .‬يحملهم على عمارته في الخير‪ ،‬ال يستطيعون لذلك امتناعا؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه قوام السنة األصبهاني في دالئل النبوة‪ :‬ح (‪ )551‬وأورده ابن كثير في السيرة‬
‫النبوية‪ .211/1 :‬وقال‪َ :‬و َه َذا ِس َياق َح َسن َعلَ ْيه ِ ا ْل َب َه ُاء َوالنُّ ُ‬
‫ور َو ِض َي ُاء ِّ‬
‫الص ْد ِق َو ِإ ْن َكا َن‬
‫ِفي ر َِجالِه ِ َم ْن ُه َو ُم َت َكلَّم ِفيه ِ َواهللُ أَ ْعلَ ُم والرواية ضعيفة السند‪ ،‬راجع تخريجها كامال‬
‫في مبحث إسالم العباس‪ ،‬وتحديدا عند عرض أدلة القول األول في إسالمه‪.‬‬
‫(‪ )5‬أنساب األشراف‪ .222/1 :‬وأحمد في الفضائل‪ :‬ح (‪ )1305‬من طريق ُم َجالِد‪َ ،‬ع ْن‬
‫َعا ِمرٍ‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س به‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫ألن قريشا اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك‪ ،‬وسلموا له ذلك‪ ،‬وكانوا له‬
‫أعوانا(‪.)1‬‬
‫اء‬
‫ِي َع ِن ْاب ِن ا ْل ُم َسيِّ ِب قَ َال‪ :‬ل َ َق ْد َج َ‬ ‫وروى البالذري بسنده َع ِن ال ُّز ْهر ِّ‬
‫ور َعلَى فُ َق َر ِاء بَ ِني َه ِاش ٍم َو ِإ َّن َس ْوط َُه َوقِ َّد ُه‬ ‫الم َو ِإ َّن َج ْفنَ َة ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س ل َ َت ُد ُ‬ ‫ِْ‬
‫اإل ْس ُ‬
‫الس ِف َيه‪َ ،‬وقَ َال الزهري‪ :‬هذا‬ ‫(قيده) َم َع ُه لِ ُس َف َهائِه ِْم‪ ،‬يُ ْط ِع ُم ا ْل َجائِ َع َويُ َؤ ِّد ُب َّ‬
‫السؤدد(‪.)5‬‬ ‫واهلل ّ‬
‫شب عليه وعرف‬
‫وهذا ال ُخلُق لم يكن محدثا في العباس ‪ ‬بل َّ‬
‫به حتى في الجاهلية‪ ،‬ومن شواهد ذلك ما ذكر من موقفه ممن سرق‬
‫الغزالين من الكعبة‪.‬‬
‫وقصته تتلخص في أن جماعة من قريش كانوا في ليلة من الليالي‬
‫يشربون الخمر وفيهم أبو لهب ومعهم القيان‪ ،‬ولما فنيت أسباب‬
‫طربهم عمدوا إلى باب الكعبة وسرقوا الغزالين‪ ،‬وباعوهما من تجار‬
‫قدموا مكة بالخمر وغيرها‪ ،‬واشتروا بثمنهما جميع ما في العير من‬
‫الخمر بالمرة‪ ،‬واشتغلوا بالطرب واللهو شهرا‪ ،‬ولم يدر من سرق حتى‬
‫ّمر العباس بن عبد المطلب في ليلة من الليالي بباب الدار التي تلك‬
‫الجماعة فيها‪ ،‬فسمع القيان يغنين بقصة سرقة الغزالين من باب الكعبة‬
‫وبيعهما من أهل القافلة‪ ،‬وأخبر بها العباس قريشا فأخذوهم وضربوهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الوافي للصفدي‪ ،222/2 :‬نكت الهميان‪ :‬ص‪ 150‬مطبعة الجمالية ــ القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أنساب األشراف‪.15/2 :‬‬

‫‪222‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫وقطعوا أيدى بعضهم(‪.)1‬‬


‫فهذه إحدى شواهد رعاية العباس لألخالق وأخذه على أيدي‬
‫الفجرة الفسقة حتى وإن كانوا من أهله وذويه‪ ،‬حيث َّمر معنا أن أبا لهب‬
‫كان ممن شارك في السرقة‪ ،‬وفي المعارف في ذكر أبي لهب‪ :‬وهو‬
‫سارق غزال الكعبة‪ .‬وكان الغزال من ذهب(‪.)5‬‬
‫ومع هذا لم يتوان العباس عن األخذ على يديه ومن معه‪.‬‬

‫‪ ‬ثباته ‪:‬‬
‫كان العباس ‪ ‬ثابت النفس‪ ،‬هادئ الطبع‪ ،‬راسخا رسوخ‬
‫الجبال‪ ،‬ال تنل منه الحوادث‪ ،‬وال تزعزعه النوائب مهما عظم أمرها‬
‫واستطال خطرها‪.‬‬
‫ومن ذلك موقفه يوم وفاة النبي ‪ ،‬حين زلت كثير من‬
‫األقدام؛ لعظم المصاب بوفاة النبي ‪.‬‬
‫وفي هذا اليوم ثبت العباس ‪ ،‬وشرع في تثبيت من حوله‬
‫قائال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الخميس‪ :‬الديار بكري‪ ،131/1 :‬والقصة أوردها بتمامها ابن حبيب في‬
‫المنمق‪ :‬ص‪ .22‬والغزاالن هما‪ :‬غزاالن من ذهب ضربا في باب الكعبة‪ ،‬وهما‬
‫الغزاالن اللذان دفنتهما جرهم عند الكعبة حين خرجت من مكة‪ ،‬والذي عثر عليهما‬
‫عبد المطلب وهو يحفر بحثا عن زمزم‪ .‬والخبر في مثالب الكلبي مختصرا‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعارف البن قتيبة‪ :‬ص‪.152‬‬

‫‪222‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫فَ َق َال‪ :‬أَيُّها النَّاس َه ْل ِع ْن َد أَ َح ٍد ِم ْن ُكم َع ْهد أَ ْو َع ْقد ِم ْن ر ُسو ِل اهلل ِ‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬ل َ ْم يَ ُم ْت َح َّتى‬ ‫الله َّم َال قَ َال‪ :‬فَ ِإ َّن َر ُس َ‬
‫‪‬؟ قَالُوا‪ُ :‬‬
‫اء َو َطلَّ َق‪َ ،‬و َت َر َك ُك ْم‬‫اص َل َو َسال َ َم‪َ ،‬ونَ َك َح الن ِّ َس َ‬ ‫َو َص َل ا ْل ِح َب َال ثُ َّم َح َار َب‪َ ،‬و َو َ‬
‫اب َحقًّا فَ ِإنَّ ُه‬‫ول ْاب ُن ا ْل َخ َّط ِ‬ ‫َع ْن ُح َّجةٍ بَيِّنَةٍ‪َ ،‬و َطرِي ٍق نَا ِه َجةٍ‪ ،‬فَ ِإ ْن يَ ُك َما يَ ُق ُ‬
‫احبِنَا‬ ‫ل َ ْن ي ْع ِج َز اهلل أَ ْن ي ْح ُثو َع ْن ُه فَي ْخرِ ُج ُه ِإلَينَا‪َ ،‬و ِإ َّال فَ َخ ِّل بينَنَا َوبي َن َص ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫اس< ‪.‬‬ ‫فَ ِإنَّ ُه يَ ْأ َس ُن َك َما يَ ْأ َس ُن النَّ ُ‬
‫‪ ‬جواره وحمايته للمظلوم‪:‬‬
‫العباس ‪ ‬رجل يأبى الضيم وال يرضاه لنفسه فضال عن غيره‪،‬‬
‫وكان من صفاته حماية المظلوم ونصرته‪ ،‬وهذا ما عرفه له القاصي‬
‫والداني‪.‬‬
‫كان قيس بن نشبة دخل مكة فباع إبال له من رجل من قريش فلواه‬
‫حقه فكان يقوم ويقول‪( :‬الرجز)‬
‫يــال فهــر كيــف هــذا فــي الحــرم في حرمة البيـت وأخـالق الكـرم‬
‫أظلــم ال يمنــع منــي مــن ظلــم‬
‫وبلغ الخبر العباس بن مرداس(‪ )5‬فقال أبياتا وبعث بها مع الحاج‬
‫إلى قيس بن نشبة بن أبي عامر‪( :‬البسيط)‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق في مصنفه‪ :‬ح (‪ ،)222‬والدارمي في سننه‪ :‬ح (‪.)32‬‬
‫(‪ )5‬وكان قيس عمه أو ابن عمه‪( .‬اإلصابة‪.)232/2 :‬‬

‫‪222‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫حتى سقيت بكـأس الـذل أنفاسـا‬ ‫إن كــان جــارك لــم تنفعــك ذمتــه‬
‫تلقى ابن حرب وتلقى المرأ عباسا‬ ‫فأت البيوت فكن من أهلها صـددا‬
‫والمجد يورث أخماسا وأسداسـا‬ ‫ساقي الحجـيج وهـذا ياسـر فلـج‬
‫فلما ظهر هذا الشعر قال أبو سفيان‪ :‬إنه قد جعل المجد أخماسا‬
‫وصير لي األسداس‪ ،‬فعليك‬ ‫ّ‬ ‫فصير األخماس للعباس‬ ‫ّ‬ ‫وأسداسا‬
‫بالعباس‪ ،‬فذهب إلى العباس فأخذ له بحقه وقال له‪ :‬إنا لك جار كلما‬
‫علي‪ ،‬وقال العباس بن عبد المطلب في‬ ‫دخلت مكة فما ذهب لك فهو ّ‬
‫ذلك‪( :‬الطويل)‬
‫وأسعطت(‪ )1‬فيه الرغم من كان راغما‬ ‫حفظـــت لقـــيس حقـــه وذمامـــه‬
‫(‪)5‬‬
‫سأنصــره مــا ك ـان حيــا وإن أمــت أحــض عليــه للتناصــر هاشــما‬
‫ووفاء بحق العباس قال ابن قيس البن عباس في اإلسالم‪:‬‬
‫أحـــبكم فـــي الجاهليـــة والـــدي وفي الدين كنـتم عـدتي ورجائيـا‬
‫لديكم وأصبحت الصديق المصـافيا‬ ‫فصــرت بحبــي مــنكم غيــر مبعــد‬
‫(‪)2‬‬
‫وآليــت ال أنفــك أحــدو قصــيدة تم ّد بها بـزل الجمـال الهواديـا‬
‫والقصة شاهدة على حسن خلق العباس ‪ ،‬وحمايته للمظلوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والس ُعوط‪ :‬اسم الدواء‬
‫(‪ )1‬أسعطت فيه الرغم أي طعنت بالرمح في أنف الذي يكرهه‪َّ .‬‬
‫الرمح إذا طعنته في أنفه‪( .‬لسان العرب‪ /‬سعط ــ‬
‫َ‬ ‫أسعطته‬
‫ُ‬ ‫صب في األنف‪ ،‬ومنه‪:‬‬
‫يُ ُّ‬
‫‪.)212/5‬‬
‫(‪ )5‬المنمق‪ :‬ص‪ .122‬والقصة أوردها ابن حجر مختصرة في اإلصابة‪ ،231/2 :‬وراجع‪:‬‬
‫نهاية األرب للنويري‪.505/0 ،‬‬
‫(‪ )2‬ربيع األبرار‪ :‬جار اهلل الزمخشري‪.222 ،222/1 ،‬‬

‫‪220‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫ونصرته له‪ ،‬والشواهد على ذلك من حياة العباس كثيرة‪ ،‬مما يشعرنا أن‬
‫هذا الخلق الرفيع إنما هو أمر قد جبل عليه العباس وأصبح عادة له‪.‬‬

‫‪ ‬جوده وكرمه‪( :‬العباس باحر من العطاء ال ساحل له)‪:‬‬


‫العباس بن عبد المطلب من َس َروات(‪ )1‬آل بيت النبوة‪ ،‬حبا‬
‫الشح‬
‫المولى جل وعال العباس ‪ ‬نفسا عفيفة سخية كريمة لم يعرف ُّ‬
‫إليها طريقا‪ ،‬جبلت على الجود والبذل والعطاء والسخاء‪ ،‬وهذه الصفة‬
‫يحمل نفسه إياها بمشقة‬
‫كانت فطرة فطر اهلل عليها العباس لم يتكلفها أو ِّ‬
‫وصعوبة‪ .‬فقد منح اهلل تعالى العباس سعة في الرزق ورغدا في العيش؛‬
‫فكان صاحب مال إال أنه ما بخل بماله قط وال ضن به على أحد‪ ،‬فكان‬
‫ـ ‪ ‬ـ من أكرم الناس وأجودهم‪ ،‬وهذا أمر عرفه القاصي والداني‬
‫وأقر به البعيد قبل القريب والعدو قبل الصديق وال أدل على ذلك من‬ ‫َّ‬
‫قيامه على السقاية والرفادة‪.‬‬
‫س ثَ ْوب لِ َعارِي بَ ِني َه ِاش ٍم‪َ ،‬و َج ْفنَة‬
‫بن بَكَّا ٍر‪َ :‬كا َن لِ َلع َّبا ِ‬
‫قَ َال ال ُّزبَ ْي ُر ُ‬
‫الم َال‪َ ،‬ويُ ْع ِطي‬‫ذُل َ‬ ‫لِ َجائِ ِعه ِْم‪َ ،‬و َم ْن َظ َرة لِ َجا ِهلِه ِْم‪َ .‬و َكا َن يَ ْمنَ ُع َ‬
‫الج َار‪َ ،‬ويَ ْب ُ‬
‫ِفي النَّ َوائِ ِب(‪.)5‬‬
‫ــ وفي المنمق عن السائب المخزومي عن أبيه قال‪ :‬كان للعباس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الس َراة‪ :‬ومنه السرو وهو السخاء في مروءة‪( .‬أساس البالغة‪:‬‬
‫(‪ )1‬السروات‪ :‬مفردها َ‬
‫والس َروات‪ :‬األشراف‪( .‬النهاية‪.)202/5 :‬‬
‫‪َ .)225/1‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪ 222/2 :‬ــ تاريخ اإلسالم‪.252 /2 :‬‬

‫‪225‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫(‪)1‬‬
‫ابن عبد المطلب ثوب لعاري بني هاشم وجفنة لجائعهم ومقطرة‬
‫لسفيههم ــ أو ربما قال‪ :‬لجاهلهم ــ وكان يمنع جاره ويبذل ماله ويعطي‬
‫النابية في قومه(‪.)5‬‬
‫ولقد أثنى النبي ‪ ‬على جود وكرم عمه العباس فقال فيما‬
‫رواه عنه سعد بن أبي وقاص‪ :‬هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش‬
‫كفا وأوصلها(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وفي سير النبالء‪ )32/5( :‬ومنظرة بدال من قنطرة‪ .‬والمنظرة‪ :‬المرقة وقد تحرفت في‬
‫المطبوع‪ ..‬والمقطرة كمروحة‪ :‬خشبة فيها خروق يدخل فيها أرجل المسجونين قال في‬
‫>اللسان<‪ :‬وهي الفق وهي خشبة فيها خروق كل خرق على قدر سعة الساق يدخل فيها‬
‫أرجل المحبوسين مشتق من قطار اإلبل‪ ،‬ألن المحبوسين فيها على قطار واحد مضموم‬
‫بعضهم إلى بعض‪ ،‬أرجلهم في خروق خشبة مفلوقة على قدر سعة سوقهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬المنمق‪ :‬ص‪ .23‬تاريخ اإلسالم‪.252/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1012‬وقال الشيخ شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده حسن‬
‫رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن طلحة‪ .‬وابن حبان في صحيحه‪ :‬كتاب‬
‫إخباره ‪ ‬عن مناقب الصحابة‪ ،‬ح (‪ )5225‬وقال الشيخ شعيب‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫ورواه البزار بنحوه‪ :‬ح (‪ )1255‬وقال‪ :‬وهذا الحديث ال نعلمه يروى عن النبي‬
‫‪ ‬إال من هذا الوجه وال نعلم رواه إال سعد بهذا اإلسناد ومحمد بن طلحة‬
‫التيمي هذا رجل مشهور من أهل المدينة‪ ،‬وأبو يعلى في مسنده‪ :‬ح (‪ )352‬وقال‬
‫حسين سليم أسد‪ :‬إسناده جيد وقال الحافظ الهيثمي في المجمع‪ 552/2( :‬رقم‪:‬‬
‫‪ )12252‬رواه أحمد والبزار بنحوه‪ ،‬وأبو يعلى إال أنه قال‪ :‬كنا عند النبي ‪‬‬

‫ببقيع الخيل فأقبل العباس فقال‪ :‬فذكر نحوه‪ .‬والطبراني في األوسط بنحوه ــ‬
‫ح (‪ )2552‬إال أنه قال‪ :‬خرج النبي ‪ ‬يجهز جيشا فنظر إلى العباس فقال‪،‬‬
‫وفيه محمد بن طلحة التيمي‪ ،‬وثقه غير واحد‪ ،‬وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال‬
‫الصحيح‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫‪ ‬إنفاقه في سبيل هللا‪:‬‬


‫َّمر معنا أن العباس ‪ ‬كان من سراة قريش وأثريائها‪ ،‬وكان‬
‫جوادا سخيا مطعما للفقراء؛ وكثيرا ما يوصف بأنه > َكا َن َذا َما ٍل َك ِثي ٍر‬
‫ُم َت َف ِّر ٍق ِفي قَ ْو ِمه ِ<(‪.)1‬‬
‫ولم يضن العباس ‪ ‬بماله في سبيل اهلل بل كان منفقا سخيا‪،‬‬
‫يبتغي رضى ربه‪ ،‬ويحرص على مرضاته‪.‬‬
‫وقد حفلت كتب السنة والتاريخ بنماذج وصور من إنفاق العباس‬
‫في سبيل اهلل‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ــ إعتاقه سبعين مملوك ًا‪:‬‬
‫أخرج الحاكم بسنده عن َع ْن َعلِ ِّي ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س قَ َال‪ :‬أَ ْع َت َق‬
‫اس ِع ْن َد َم ْوتِه ِ َس ْب ِع َ‬
‫ين َم ْملُوكا(‪.)5‬‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫ــ كما ثبت عنه أنه ع َّجل صدقته عامين‪ ،‬حين َت َسلَّ َف ِم ْن ُه النبي‬
‫‪َ ‬ص َدقَ َة َع َام ْي ِن‪ ،‬وأخذ العلماء من ذلك َدلِيال َعلَى َج َوا ِز‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيرة ابن هشام‪ .020/1 :‬تاريخ الطبري‪.201/5 :‬‬
‫(‪ )5‬المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر مناقب العباس‪ ،‬ح (‪ )2225‬وابن سعد‬
‫في الطبقات‪ .)22/2( :‬والبالذري في األنساب‪ .)222/1( :‬وفي السند الليث بن‬
‫أبي سليم‪ ،‬ورتبته عند ابن حجر‪ :‬صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك‪ ،‬وعند‬
‫الذهبي‪ :‬فيه ضعف يسير من سوء حفظه‪ ،‬بعضهم احتج به‪ .‬روى له البخاري تعليقا ــ‬
‫ومسلم ــ وأبو داود ــ والترمذي ــ والنسائي ــ وابن ماجه (راجع ترجمته في ميزان‬
‫االعتدال‪ ،252/2 :‬تهذيب التهذيب‪.)202/3 :‬‬

‫‪222‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫الص َدقَةِ(‪.)1‬‬
‫َت ْع ِجي ِل َّ‬
‫هم عمر بتوسعة المسجد‪،‬‬ ‫ــ وتص ُّدقه بداره على المسلمين‪ ،‬لما َّ‬
‫وأراد أن يدخل دار العباس في مسجد رسول اهلل ‪ ‬ويعوضه‬
‫عنها‪ ،‬فأبى العباس أن يتنازل عنها في بادئ األمر ألنها قطيعة من النبي‬
‫‪ ‬له‪ ،‬ودار بينه وبين العباس في هذا كالم‪ ،‬واحتكما إلى أبي‬
‫ابن كعب‪ ،‬والذي حكم بأن الدار للعباس وال يحق لعمر أن يأخذها منه‬
‫جبرا‪ ،‬فما كان من العباس بعدها إال أن تصدق بداره قائال‪ :‬اللهم ال‬
‫آخذ لها ثوابا وقد تصدقت بها على جماعة المسلمين‪ ،‬فقبلها عمر‬
‫‪ ،‬فأدخلها في مسجد رسول اهلل ‪.)5(‬‬

‫ــ مشاركته في تجهيز جيش العسرة‪:‬‬


‫ففي تاريخ دمشق عن غزوة تبوك‪ :‬وحمل العباس بن عبد المطلب‬
‫إلى رسول اهلل (‪ )‬ماال(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أورده البيهقي في السنن الكبرى‪ .)111/2( :‬وذلك في معرض تعليقه على رواية‬
‫ِالص َّحةِ‬
‫مرجحا رواية ورقاء‪َ :‬ور َِوايَ ُة َو ْرقَ َاء أَ ْولَى ب ِّ‬ ‫ورقاء في مسلم‪ ،‬ح (‪ )5252‬وقال ِّ‬
‫ف َوال َّت ْع ِجي ِل‪َ ،‬واهللُ أَ ْعلَ ُم‪.‬‬ ‫ِيحة ِ ب ِِاال ْس ِت ْس َال ِ‬
‫الصر َ‬‫ات َّ‬ ‫لِ ُم َوافَ َق ِت َها َما َت َق َّد َم ِم َن ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬
‫(وراجع‪ :‬فتح الباري‪.)30/2 :‬‬
‫(‪ )5‬القصة أوردها البيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )11515‬من رواية أبي هريرة‪ ،‬وابن سعد في‬
‫الطبقات‪ )12/2( :‬من رواية َسالِ ٍم أَبِي النَّ ْضرِ‪ ،‬ومن طريقه ابن عساكر في التاريخ‬
‫(‪ .)252/50‬وأوردها الحاكم في المستدرك (ح‪ )2253 :‬من حديث عمر بن‬
‫الخطاب إال أنه ذكر أن حذيفة بن اليمان هو من احتكما إليه بدال من أبي بن كعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق‪ 22/5 :‬ــ مغازي الواقدي‪.221/2 :‬‬

‫‪222‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫وفي اإلمتاع‪ :‬حمل العباس بن عبد المطلب ‪ ‬ماال يقال إنه‪:‬‬


‫تسعون ألفا(‪.)1‬‬
‫وفي أنساب األشراف‪َ :‬ح َّدثَ ِني ِه َشام ْبن عمار قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت ا ْل َولِيد‬
‫ا ْبن ُم ْسلِم يَ ُقول‪ :‬قُرئ َعلَ ْينَا كتاب أَبِي َج ْع َفر أ ِمير ا ْل ُم ْؤ ِمني َِن يذكر ِفيه ِ‬
‫سابقة َج ّده ا ْل َع َّباس فَ َق َال ِفيه ِ‪ :‬ومن َذلِ َك أَنَّ ُه جهز ِفي جيش العسرة‬
‫بثمانين الف درهم(‪.)5‬‬
‫ولما سأل البكَّاؤون رسول اهلل أن يحملهم على شيء‪ ،‬وأَ ْعلَ َم ُه ْم‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُم ّطلِ ِب ‪ِ ‬م ْن ُه ْم‬
‫أَ ّن ُه َال يَ ِج ُد َما يَ ْح ِملُ ُه ْم َعلَ ْيه ِ‪َ ،‬ح َم َل ا ْل َع ّب ُ‬
‫َر ُجلَ ْي ِن(‪ .)2‬أي وفّر لهما الظهر والمتاع‪.‬‬
‫‪ ‬حنوه وإشفاقه وبخاصة على أهل اإلسالم‪:‬‬
‫اإلش َفاق كما فسره علماء اللغة‪ :‬عناية مختلطة بخوف(‪.)2‬‬
‫ْ‬
‫الهمة إلى إزالة المكروه عن النَّاس(‪.)2‬‬
‫والشفقة هي صرف َّ‬
‫وهي عند ابن القيم‪ِ :‬رقَّة الخوف‪ ،‬وهو خوف برحمة من الخائف‬
‫الرحمة‪ ،‬فإنَّها‬
‫الرأفة إلى َّ‬
‫لمن يُخاف عليه‪ ،‬فنسبته إلى الخوف‪ ،‬نسبة َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إمتاع األسماع‪.23/5 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أنساب األشراف‪.12/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫مغازي الواقدي‪.222/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مفردات القرآن للراغب األصفهاني‪ :‬ص‪.223‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫التعريفات للجرجاني‪ :‬ص‪.155‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪221‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫الرحمة وأرقُّها(‪.)1‬‬
‫ألطف َّ‬
‫لقد وهب اهلل تعالى العباس قلبا حانيا يرق آلالم المتألمين وأنات‬
‫المتوجعين‪ ،‬ودمعات الثكالى والمعوزين‪ ،‬وكثيرا ما كان يهب لنجدة‬
‫ملهوف‪ ،‬وإغاثة مكروب‪ ،‬وبخاصة إذا فقد من ينصره‪ ،‬أو يصرف عنه‬
‫البالء ويؤازره‪.‬‬
‫ول‬‫روى البزار في مسنده بسنده عن سعد بن أبي وقاص أَ َّن َر ُس َ‬
‫اهلل ِ ‪ ‬نَ َظ َر ِإلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س َوقَ َال‪َ :‬ه َذا َع ُّم نَبِيِّ ُك ْم ‪ ‬أَ ْج َو ُد‬
‫ش َكفًّا َوأَ ْحنَ ُاه َعلَ ْي َها(‪.)5‬‬
‫قُ َر ْي ٍ‬
‫وتأمل معي قول النبي ‪ :‬وأحناه عليها‪ .‬إنه أفعل تفضيل‬
‫َّ‬
‫من الفعل أحنى‪ ،‬داللة على كثرة حنوه وشفقته‪ ،‬وهذه الصفة كانت‬
‫مالزمة للعباس ‪ ،‬وظهرت في مواطن كثيرة لقريش ولغيرها‪.‬‬
‫ــ فنراه في شبابه يشفق على رسول اهلل ‪ ‬ويطلب منه وضع‬
‫إزاره على كتفه حين كانا يحمالن أحجار الكعبة‪.‬‬
‫روى ابن حبان بسنده َع ْن َع ْم ُرو ْب ُن دِينَا ٍر قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َجابِرا‬
‫اس يَ ْن ُق َال ِن‬
‫ت ا ْل َك ْع َب ُة‪َ ،‬ذ َه َب النَّب ُِّي ‪َ ‬وا ْل َع َّب ُ‬ ‫ول‪ :‬ل َ َّما بُ ِن َي ِ‬‫يَ ُق ُ‬
‫اج َع ْل ِإ َز َار َك َعلَى َرقَ َب ِت َك‪،‬‬
‫اس لِلنَّب ِِّي ‪ْ :‬‬ ‫ا ْل ِح َج َار َة‪ ،‬فَ َق َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫فَ َف َع َل‪ ،‬فَ َخ َّر ِإلَى ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‪ ،‬وط ََم َحت َع ْينَ ُاه ِإلَى السماء‪ ،‬ثُ َّم قَ َام‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مدارج السالكين‪.212/1 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البزار في مسنده‪532/2 :‬ح (‪ .)1255‬والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪،)2212‬‬
‫ورويت‪> :‬وأوصلها لها< بدال من >وأحناه عليها<‪ .‬المستدرك‪ :‬ح (‪.)2252‬‬

‫‪225‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫> ِإ َزارِي إ َزاري<‪ ،‬فَ َش َّد َعلَ ْيه ِ إزاره(‪.)1‬‬


‫ــ ونشاهده يتوسط في إعتاق بالل الذي ناله من األذى ما ناله‪.‬‬
‫اسانِ ِّي‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬ك ْن ُت ِع ْن َد َس ِعي ِد ْب ِن‬ ‫ٍ‬
‫روي َع ْن َم ْع َم ٍر‪َ ،‬ع ْن َعطَاء ا ْل ُخ َر َ‬
‫ا ْل ُمسيِّ ِب‪ ،‬فَ َذ َكر بِ َالال فَ َق َال‪َ :‬كا َن َش ِحيحا َعلَى ِدي ِنه ِ‪َ ،‬و َكا َن ي َع َّذ ُب ِفي اهلل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َع َّز َو َج َّل‪َ ،‬و َكا َن يُ َع َّذ ُب َعلَى دِي ِنه ِ‪ ،‬فَ ِإ َذا أَ َر َاد ا ْل ُم ْشرِ ُكو َن أَ ْن يُ َقارِبَ ُه ْم قَ َال‪:‬‬
‫اهللَ اهللَ‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَلَ ِق َي النَّب ُِّي ‪ ‬أَبَا بَ ْك ٍر‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬ل َ ْو َكا َن ِع ْن َدنَا َش ْيء‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب فَ َق َال‪ْ :‬اش َترِ لِي‬ ‫ْاش َت َر ْينَا بِ َالال<‪ ،‬فَلَ ِق َي أَبُو بَ ْك ٍر ا ْل َع َّب َ‬
‫اس فَ َق َال لِ َسيِّ ِدهِ‪َ :‬ه ْل ل َ َك أَ ْن َتب َِيع ِني َع ْب َد َك َه َذا‬ ‫بِ َالال‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَا ْن َطلَ َق ا ْل َع َّب ُ‬
‫وت َك َخ ْي ُر ُه َو ُت ْح َر َم ثَ َمنَ ُه؟ قَ َال‪َ :‬و َما َت ْصنَ ُع بِه ِ؟ ِإنَّ ُه َخبِيث‪ِ ،‬إنَّ ُه‬ ‫قَ ْب َل أَ ْن يَ ُف َ‬
‫اس‪ ،‬فَ َب َع َث بِه ِ ِإلَى أَبِي بَ ْك ٍر‪،‬‬ ‫ِإنَّ ُه‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َق َال ل َ ُه ِم ْث َل َم َقال َ ِته ِ فَ ْاش َت َر ُاه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫ات َر ُس ُ‬ ‫فَأَ ْع َت َق ُه‪ ،‬فَ َكا َن يُ َؤذِّ ُن لِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬فَلَ َّما َم َ‬
‫الشامِ‪ ،‬فَ َق َال أَبُو بَ ْك ٍر‪ :‬بَ ْل ِع ْن ِدي فَ َق َال‪ِ :‬إ ْن‬ ‫‪ ‬أَ َر َاد أَ ْن يَ ْخ ُر َج ِإلَى َّ‬
‫احب ِْس ِني‪َ ،‬و ِإ ْن ُك ْن َت أَ ْع َت ْق َت ِني لِلَّه ِ فَ َذ ْرنِي أَ ْذ َه ُب ِإلَى‬ ‫ُك ْن َت أَ ْع َت ْق َت ِني لِنَ ْف ِس َك فَ ْ‬
‫ات(‪.)5‬‬ ‫الشامِ‪ ،‬فَ َكا َن بِ َها َح َّتى َم َ‬ ‫اهلل ِ‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬ا ْذ َه ْب‪ ،‬فَ َذ َه َب ِإلَى َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن حبان في صحيحه‪ :‬ح (‪ )5221‬وقال الشيخ شعيب‪ :‬إسناده صحيح على‬
‫شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن يحيى ــ وهو ابن عبد اهلل‬
‫ابن خالد بن فارس الذهلي ــ فمن رجال البخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه معمر بن راشد في الجامع‪ :‬ح (‪ )52215‬والبغوي في معجم الصحابة‪:‬‬
‫(‪ )502/1‬وأورده ابن األثير في أسد الغابة‪ ،)212/1( :‬والحديث مرسل‪َ ،‬و ِفي‬
‫اسانِ ُّي َو ُه َو ُم َدل ِّس‪( .‬التلخيص الحبير‪ .)223/1 :‬وقال ابن حجر‬
‫ْإسنَادِهِ َعطَاء ا ْل ُخ َر َ‬
‫في التهذيب‪ )512/5( :‬قال ابن معين ــ عن عطاء ــ ثقة‪ ،‬وقال ابن أبي حاتم عن=‬

‫‪222‬‬
‫مالمح من أخالق العباس وصفاته‬

‫والرواية وإن شهدت بأن شراء العباس لبالل ‪ ‬وإعتاقه له‬


‫كان إيعازا من النبي ‪ ‬للصديق ‪ ،‬ومنه للعباس ‪،‬‬
‫وسطه في الشراء‪ ،‬إال أنها أيضا تعطي دالالت خفية على توافر‬
‫حيث َّ‬
‫صفة الشفقة في العباس ‪ ،‬من خالل اختيار الصديق له‪ ،‬فلن‬
‫يختار لهذه المهمة إال صاحب قلب يأسى ألنات المظلومين‪ ،‬ثم سرعة‬
‫العباس ‪ ‬لالستجابة ومبادرته إلى التنفيذ‪.‬‬
‫ــ ومن شواهد إشفاقه على أهل اإلسالم‪ :‬حمايته ألبي ذر ورد‬
‫وه َح َّتى‬ ‫بطش قريش به لما قرع آذانهم بإسالمه‪ ،‬ف َق َام ال َق ْو ُم فَ َض َربُ ُ‬
‫اس فَأَ َك َّب َعلَ ْيه ِ‪ ،‬قَ َال‪َ :‬و ْيلَ ُك ْم أَل َ ْس ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن أَنَّ ُه ِم ْن‬ ‫وه‪َ ،‬وأَ َتى َ‬
‫الع َّب ُ‬ ‫أَ ْض َج ُع ُ‬
‫الش ْأمِ‪ ،‬فَأَ ْن َق َذ ُه ِم ْن ُه ْم‪ ،‬ثُ َّم َع َاد ِم َن ال َغ ِد‬ ‫ِغ َفا ٍر‪َ ،‬وأَ َّن َطر َِيق تِ َجا ِر ُك ْم ِإلَى َّ‬
‫اس َعلَ ْيه ِ(‪.)1‬‬ ‫لِ ِم ْثلِ َها‪ ،‬فَ َض َربُ ُ‬
‫وه َوثَ ُاروا ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَأَ َك َّب َ‬
‫الع َّب ُ‬
‫ــ ونراه يجير قَ ْي َس ْبن نُ ْش َب َة ـ كما سبق ـ والجوار نوع رقة وحنو(‪.)5‬‬
‫والحديث عن أخالق العباس ‪ ‬يطول‪ ،‬وفيما سبق غنى‬
‫وكفاية‪ ،‬لمن أراد أن يتعرف على أخالقه وصفاته ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= أبيه‪ :‬ثقة صدوق‪ ،‬قلت‪ :‬يحتج به؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬ليس به بأس‪ ،‬وقال‬
‫الدارقطني‪ :‬ثقة في نفسه إال أنه لم يلق ابن عباس‪ ،‬وقال أبو داود‪ :‬ولم يدرك ابن‬
‫عباس ولم يره‪ ،‬وقال حجاج بن محمد عن شعبة ثنا عطاء الخراساني وكان نسيا‪.‬‬
‫وفي بعض الروايات أن أبا بكر هو من قام بشراء بالل بنفسه‪( .‬انظر‪ :‬سير أعالم‬
‫النبالء‪.)512/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )2301‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)5252‬‬
‫(‪ )5‬القصة أوردها ابن حجر مختصرة في اإلصابة‪ ،231/2 :‬وراجع‪ :‬نهاية األرب‬
‫للنويري‪.505/0 ،‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس‬
‫يف حمراب العلم واحلكمة‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫في هذا الجزء من البحث سنلقي الضوء على رواية العباس‬


‫لحديث النبي ‪ ،‬وإسهامه فيها بنصيب‪ ،‬ثم التعريج على فقهه‬
‫‪ ،‬ومنه إلى بالغته وشعره‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ ـ مرويات العباس ‪:‬‬


‫تأخر إسالم العباس ‪ ‬إال أنه شارك في رواية الحديث‬
‫رغم ُّ‬
‫عن النبي ‪ ،‬وحفلت المصنفات الحديثية بالعديد من مروياته‬
‫‪.‬‬
‫ترجم الذهبي للعباس ‪ ‬في سيره ذاكرا مروياته فقال‪َ :‬ول َ ُه‪ِ :‬ع َّد ُة‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِي‪،‬‬ ‫الب َخار ِّ‬‫أَ َحاد ْي َث‪ ،‬م ْن َها‪َ :‬خ ْم َسة َوثَالَثُ ْو َن في ( ُم ْسنَد بَقي)‪َ ،‬وفي ( ُ‬
‫ِي) َح ِد ْيث‪َ ،‬و ِفي ( ُم ْسلِ ٍم) ثَالَثَ ُة أَ َحادِ ْي َث(‪.)1‬‬
‫الب َخار ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُم ْسل ٍم) َحد ْيث‪َ ،‬وفي ( ُ‬
‫وترجم البخاري للعباس في تاريخه الكبير(‪ ،)5‬وأخرج له في‬
‫صحيحه حديثا واحدا‪( ،‬حديث ما أغنيت عن عمك)(‪ )2‬وأفرد له في‬
‫صحيحه بابا في ذكر مناقبه‪ ،‬أورد فيه توسل الصحابة بدعائه ‪.‬‬
‫وروى له أحمد ‪ 55‬حديثا في مسنده باب مسند العباس‪ :‬من رقم‬
‫‪ 1502‬ــ ‪.1532‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪.232/2 :‬‬
‫(‪ )5‬التاريخ الكبير‪.5/5 :‬‬
‫(‪ )2‬سيأتي ذكره‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫وأورد له أبو يعلى في مسنده تحت (مسند العباس ‪ 52‬حديثا) من‬


‫رقم ‪ 0025‬وحتى ‪.)0512‬‬
‫‪ ‬من روى عنه‪:‬‬

‫س‪َ ،‬و َع ْب ُد اهلل ِ ُ‬


‫بن‬ ‫بن قَ ْي ٍ‬ ‫َر َوى َع ْن ُه‪ْ :‬ابنَ ُاه َع ْب ُد اهلل ِ‪َ ،‬و َك ِث ْير؛ َواألَ ْحنَ ُف ُ‬
‫س‪،‬‬ ‫بن َع ْب ِد اهلل ِ‪َ ،‬وأُ ُّم ُك ْل ُث ْومٍ بِ ْن ُت َ‬
‫الع َّبا ِ‬ ‫ِث ب ِن نَ ْوفَ ٍل‪َ ،‬و َجابِ ُر ُ‬ ‫الحار ِ‬‫َ‬
‫بن َع ْب ِد اهلل ِ ب ِن نَ ْوفَ ٍل‪،‬‬
‫بن َس ْع ٍد‪َ ،‬و ِإ ْس َح ُاق ُ‬ ‫بن َع ِم ْي َر َة‪َ ،‬و َعا ِم ُر ُ‬ ‫َو َع ْب ُد اهلل ِ ُ‬
‫بن ُجبيرِ ب ِن م ْط ِع ٍم‪َ ،‬وابنُ ُه ُعبي ُد اهلل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َمالِ ُك ُ‬
‫ْ َْ‬ ‫ُ‬ ‫الح َدثَا ِن‪َ ،‬ونَاف ُع ُ َ ْ‬ ‫س ب ِن َ‬ ‫بن أَ ْو ِ‬
‫آخ ُر ْو َن(‪.)1‬‬ ‫س‪َ ،‬و َ‬ ‫الع َّبا ِ‬
‫بن َ‬ ‫ا ُ‬
‫أمثلة من مروياته‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ روى أبو داوود في سننه بسنده إلى َعا ِم ِر ْب ِن َس ْع ٍد‪َ ،‬ع ِن‬
‫ول‪ِ > :‬إ َذا‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَنَّه َس ِم َع َر ُس َ‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اب‪َ ،‬و ْج ُه ُه‪َ ،‬و َكف َُّاه‪َ ،‬و ُر ْك َب َت ُاه‪َ ،‬وقَ َد َم ُاه<(‪.)5‬‬
‫َس َج َد ا ْل َع ْب ُد َس َج َد َم َع ُه َس ْب َع ُة َآر ٍ‬
‫س‬ ‫الر ْح َم ِن ْب ُن َسابِ ٍط‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫‪ 5‬ــ روى أبو داود بسنده إلى َع ْب ُد َّ‬
‫ا ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪ ،‬أَنَّ ُه قَ َال‪ :‬لِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ :‬إنَّا نُرِي ُد أَ ْن نَ ْكنُ َس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪.232/2 :‬‬
‫وصححه األلباني‪ .‬وابن ماجه‪ :‬ح (‪)332‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )5‬أخرجه أبو داوود في السنن‪ :‬ح (‪)321‬‬
‫س َح ِديث َح َسن َص ِحيح‪َ ،‬و َعلَ ْيه ِ‬
‫الع َّبا ِ‬
‫يث َ‬ ‫والترمذي في سننه‪ :‬ح (‪ .)555‬وقال‪َ > :‬ح ِد ُ‬
‫الع َم ُل ِع ْن َد أَ ْه ِل ال ِع ْلمِ<‪ .‬والنسائي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )032‬وأحمد في المسند‪ :‬ح‬ ‫َ‬
‫(‪( .)1531‬آراب) كأعضاء لفظا ومعنى‪ .‬واحدها إرب‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫الص َغ َار ــ >فَأَ َم َر النَّب ُِّي‬ ‫َز ْم َز َم َو ِإ َّن ِف َيها ِم ْن َه ِذ ِه ا ْل ِجنَّا ِن ــ يَ ْع ِني ا ْل َح َّي ِ‬
‫ات ِّ‬
‫‪ ‬بِ َق ْتلِ ِه َّن<(‪.)1‬‬
‫س ْب ِن‬ ‫‪ 2‬ــ روى مسلم بسنده إلى َعا ِم ِر ْب ِن َس ْع ٍد‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اإل َيما ِن‬
‫ول‪َ > :‬ذ َاق ط َْع َم ْ ِ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ،‬يَ ُق ُ‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَنَّ ُه َس ِم َع َر ُس َ‬
‫َم ْن َر ِض َي بِاهلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ْ ِ‬
‫اإل ْس َالمِ ِدينا‪َ ،‬وبِ ُم َح َّم ٍد َر ُسوال<(‪.)5‬‬
‫س ْب ِن‬
‫س‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫‪ 2‬ــ روى ابن ماجه بسنده إلى ْاألَ ْحنَ ِ‬
‫ف ْب ِن قَ ْي ٍ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ > :‬ال َت َز ُال أُ َّم ِتي َعلَى‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫وم<(‪.)2‬‬‫ا ْل ِفط َْر ِة‪َ ،‬ما ل َ ْم يُ َؤ ِّخ ُروا ا ْل َم ْغر َِب َح َّتى َت ْش َتب َِك النُّ ُج ُ‬
‫اس‬ ‫الحار ِ‬ ‫ِ‬
‫الع َّب ُ‬
‫ِث‪َ ،‬ح َّدثَنَا َ‬ ‫‪ 2‬ــ روى البخاري بسنده إلى َع ْب ُد اهلل ْب ُن َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داوود في السنن‪ :‬ح (‪ )2521‬ــ وقال األلباني‪ :‬صحيح إن كان ابن سابط‬
‫سمع من العباس‪.‬‬
‫>ه َذا‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ :‬ح (‪ )20‬والترمذي في سننه‪ :‬ح (‪ )5052‬وقال‪َ :‬‬
‫َح ِديث َح َسن َص ِحيح< وصححه األلباني‪ .‬وأحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1553‬وأبو يعلى‬
‫في مسنده‪ :‬ح (‪ .)0025‬وصحح حسين أسد إسناده‪ .‬وابن حبان في صحيحه‪ :‬ح‬
‫(‪ )1022‬والبيهقي في األسماء والصفات‪ :‬ح (‪ )152‬وفي معرفة السنن واآلثار‪ :‬ح‬
‫(‪.)5251‬‬
‫وحسن إسناده محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه في السنن‪ :‬ح (‪)032‬‬
‫والطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )1552‬وفي الصغير‪ :‬ح (‪ )02‬والبيهقي في السنن‪ :‬ح‬
‫(‪ )5122‬وابن خزيمة في صحيحه‪ :‬ح (‪ )222‬وقال األلباني‪ :‬إسناده ضعيف عمر‬
‫ابن ابراهيم هو العبدي البصري صدوق في حديثه عن قتادة ضعف لكن الحديث‬
‫قوي بما قبله‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ا ْب ُن َع ْب ِد ال ُمطَّلِ ِب ‪ ،‬قَ َال لِلنَّب ِِّي ‪َ :‬ما أَ ْغنَ ْي َت َع ْن َع ِّم َك‪،‬‬


‫فَ ِإنَّ ُه َكا َن يَ ُحوط َُك َويَ ْغ َض ُب ل َ َك؟ قَ َال‪ُ > :‬ه َو ِفي َض ْح َضا ٍح ِم ْن نَا ٍر‪َ ،‬ول َ ْوالَ‬
‫أَنَا ل َ َكا َن ِفي ال َّد َر ِك األَ ْس َف ِل ِم َن النَّا ِر(‪.)5(<)1‬‬
‫ْب ُن‬ ‫اب‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني َك ِث ُير‬ ‫‪ 0‬ــ روى مسلم بسنده َع ِن ْاب ِن ِش َه ٍ‬
‫اهلل ِ‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َع َّباس‪َ :‬شه ِْد ُت َم َع َر ُسو ِل‬ ‫َع َّبا ِ‬
‫ْب ِن‬ ‫‪ ‬ي ْو َم ُحنَي ٍن‪ ،‬فَلَز ِْم ُت أَنَا َوأَبُو ُس ْفيا َن ْب ُن ا ْل َحار ِ‬
‫ِث‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬فَلَ ْم نُ َفا ِر ْق ُه‪َ ،‬و َر ُس ُ‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َر ُس َ‬
‫اء أَ ْه َد َاها ل َ ُه فَ ْر َو ُة ْب ُن نُ َفاثَ َة ا ْل ُج َذا ِم ُّي‪ ،‬فَلَ َّما ا ْل َت َقى‬ ‫ٍ‬
‫َعلَى بَ ْغلَة ل َ ُه بَ ْي َض َ‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫ِين‪ ،‬فَطَ ِف َق َر ُس ُ‬ ‫ا ْل ُم ْسلِ ُمو َن َوا ْل ُكف َُّار َولَّى ا ْل ُم ْس ِل ُمو َن ُم ْدبِر َ‬
‫آخذ بِلِجامِ ب ْغلَةِ ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫ير ُكض ب ْغلَ َت ُه قِب َل ا ْل ُكفَّا ِر‪ ،‬قَ َال َع َّباس‪َ :‬وأَنَا ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ :‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب قصة أبي طالب‪ ،‬ح‬
‫(‪ )2052‬وفي كتاب األدب‪ ،‬باب كنية المشرك‪ ،‬ح (‪ )2322‬وفي كتاب الرقاق‪:‬‬
‫باب صفة الجنة‪ ،‬ح (‪ .)0522‬وأخرجه مسلم‪ :‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب شفاعة النبي‬
‫‪ ،‬ح (‪.)522‬‬
‫وذب‬
‫(‪( )5‬يحوطك) قال أهل اللغة‪ :‬يقال حاطه يحوطه حوطا وحياطة إذا صانه وحفظه َّ‬
‫رق من الماء على وجه األرض‬ ‫عنه وتوفر على مصالحه‪( ،‬ضحضاح) الضحضاح ما َّ‬
‫إلى نحو الكعبين واستعير في النار (الدرك) قال أهل اللغة‪ :‬في الدرك لغتان فصيحتان‬
‫مشهورتان فتح الراء وإسكانها وقرئ بهما في القراءات السبع‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬جمع‬
‫الدرك بالفتح أدراك كجمل وأجمال وفرس وأفراس وجمع الدرك باإلسكان أدرك‬
‫كفلس وأفلس أما معناه فقال جميع أهل اللغة والمعاني والغريب وجماهير المفسرين‪:‬‬
‫الدرك األسفل قعر جهنم وأقصى أسفلها قالوا ولجهنم أدراك فكل طبقة من أطباقها‬
‫تسمى دركا‪( .‬راجع‪ :‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم‪.)122/1( ،‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫اب ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫ِ‬


‫‪ ‬أَ ُك ُّف َها ِإ َر َاد َة أَ ْن َال ُت ْس ِر َع‪َ ،‬وأَبُو ُس ْف َيا َن آخذ بِرِ َك ِ َ‬
‫اس‪ ،‬نَادِ أَ ْص َح َ‬ ‫‪ ،‬فَ َق َال ر ُس ُ ِ‬
‫اب‬ ‫ول اهلل ‪> :‬أَ ْي َع َّب ُ‬ ‫َ‬
‫الس ُم َر ِة<‪ ،‬فَ َق َال َع َّباس‪َ :‬و َكا َن َر ُجال َصيِّتا‪ ،‬فَ ُق ْل ُت بِأَ ْعلَى َص ْوتِي‪ :‬أَ ْي َن‬ ‫َّ‬
‫ين َس ِم ُعوا َص ْوتِي َع ْط َف ُة‬ ‫الس ُم َر ِة؟ قَ َال‪ :‬فَ َواهلل ِ‪ ،‬ل َ َكأَ َّن َع ْط َف َت ُه ْم ِح َ‬ ‫اب َّ‬ ‫أَ ْص َح ُ‬
‫َّار‪،‬‬ ‫ا ْل َب َقرِ َعلَى أَ ْو َالدِ َها‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬يَا ل َ َّب ْي َك‪ ،‬يَا ل َ َّب ْي َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَا ْق َت َتلُوا َوا ْل ُكف َ‬
‫َوال َّد ْع َو ُة ِفي ْاألَ ْن َصا ِر يَ ُقولُو َن‪ :‬يَا َم ْع َش َر ْاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬يَا َم ْع َش َر ْاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫ِث ْب ِن ا ْل َخ ْز َر ِج‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬يَا بَ ِني‬ ‫ت ال َّد ْع َو ُة َعلَى بَ ِني ا ْل َحار ِ‬ ‫ثُ َّم قُ ِص َر ِ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫ِث ْب ِن ا ْل َخ ْز َر ِج‪ ،‬فَنَ َظ َر َر ُس ُ‬ ‫ِث ْب ِن ا ْل َخ ْز َر ِج‪ ،‬يا بَ ِني ا ْل َحار ِ‬ ‫ا ْل َحار ِ‬
‫َ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫‪َ ‬و ُه َو َعلَى بَ ْغلَ ِته ِ َكا ْل ُم َتطَا ِو ِل َعلَ ْي َها ِإلَى قِ َتالِه ِْم‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫يس< قَ َال‪ :‬ثُ َّم أَ َخ َذ َر ُس ُ‬ ‫ين َح ِم َي ا ْل َو ِط ُ‬ ‫‪َ > ‬ه َذا ِح َ‬
‫وه ا ْل ُكفَّا ِر‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪> :‬ا ْن َه َز ُموا َو َر ِّب ُم َح َّم ٍد< قَ َال‪:‬‬ ‫ات فَ َر َمى بِ ِه َّن ُو ُج َ‬ ‫َح َصي ٍ‬
‫َ‬
‫يما أَ َرى‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َواهلل ِ‪َ ،‬ما ُه َو ِإ َّال أَ ْن‬ ‫ِ‬
‫فَ َذ َه ْب ُت أَ ْن ُظ ُر فَ ِإ َذا ا ْل ِق َت ُال َعلَى َه ْي َئ ِته ِ ف َ‬
‫اه ْم بِ َح َص َياتِه ِ فَ َما ِز ْل ُت أَ َرى َح َّد ُه ْم َكلِيال‪َ ،‬وأَ ْم َر ُه ْم ُم ْدبِرا(‪.)1‬‬ ‫َر َم ُ‬
‫ِي‬‫‪ 5‬ــ روى أحمد بسنده قال‪َ :‬ح َّدثَنَا ُس ْف َيا ُن‪ ،‬قَ َال‪َ :‬س ِم ْع ُت ال ُّز ْهر َّ‬
‫س‪ ،‬قَ َال‪َ :‬كا َن َع َّباس‬ ‫ــ َم َّرة أَ ْو َم َّر َت ْي ِن‪ ،‬فَلَ ْم أَ ْح َفظ ُْه ــ َع ْن َك ِثيرِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫َوأَبُو ُس ْف َيا َن َم َع ُه ــ يَ ْع ِني النَّب َِّي ‪ ‬ــ قَ َال‪ :‬فَ َخطَ َب ُه ْم‪َ ،‬وقَ َال‪ْ > :‬اآل َن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪ )1552‬وعبد الرزاق في المصنف‪ :‬ح (‪ )2521‬وأحمد في‬
‫المسند‪ :‬ح (‪ .)1552‬والنسائي في >الكبرى< ح (‪ ،)3025‬والبغوي في شرح‬
‫السنة‪ ،25 /5 :‬وأبو يعلى في مسنده‪ :‬ح (‪ )0523‬من طريق معمر‪ ،‬بهذا اإلسناد‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ور ِة ا ْل َب َق َر ِة<(‪.)1‬‬ ‫َح ِم َي ا ْل َو ِط ُ‬


‫يس<‪َ ،‬وقَ َال‪> :‬نَا ِد‪ :‬يَا أَ ْص َح َ‬
‫اب ُس َ‬
‫الحار ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬‫الع َّبا ِ‬ ‫ِث‪َ ،‬ع ْن َ‬ ‫‪ 3‬ــ روى الترمذي بسنده إلى َع ْب ِد اهلل ْب ِن َ‬
‫ول اهلل ِ ِإ َّن قُ َر ْيشا َجلَ ُسوا فَ َت َذا َك ُروا‬ ‫الم َّطلِ ِب‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ا ْب ِن َع ْب ِد ُ‬
‫ض‪ ،‬فَ َق َال‬ ‫أَ ْح َسابَ ُه ْم بَ ْينَ ُه ْم‪ ،‬فَ َج َعلُوا َم َثلَ َك َك َم َث ِل نَ ْخلَةٍ ِفي َك ْب َو ٍة ِم َن األَ ْر ِ‬
‫النَّب ُِّي ‪ِ > :‬إ َّن اهللَ َخلَ َق ال َخ ْل َق فَ َج َعلَ ِني ِم ْن َخ ْيرِ ِه ْم ِم ْن َخ ْيرِ ِف َرقِه ِْم‬
‫َو َخ ْيرِ ال َفرِي َق ْي ِن‪ ،‬ثُ َّم َت َخ َّي َر ال َق َبائِ َل فَ َج َعلَ ِني ِم ْن َخ ْيرِ قَبِيلَةٍ‪ ،‬ثُ َّم َت َخ َّي َر‬
‫وت فَ َج َعلَ ِني ِم ْن َخ ْيرِ بُ ُيوتِه ِْم‪ ،‬فَأَنَا َخ ْي ُر ُه ْم نَ ْفسا‪َ ،‬و َخ ْي ُر ُه ْم بَ ْيتا<‪َ > :‬ه َذا‬ ‫الب ُي َ‬‫ُ‬
‫الحار ِ‬ ‫ِ‬
‫َح ِديث َح َسن< َو َع ْب ُد اهلل ْب ُن َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ِث ُه َو‪ْ :‬اب ُن نَ ْوفَ ٍل ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1550‬وفي فضائل الصحابة‪ :‬ح (‪ )1550‬وإسناده‬
‫صحيح على شرط الشيخين‪ .‬والحميدي في مسنده‪ :‬ح (‪ )202‬بسنده عن ابن شهاب‬
‫عن كثير عن أبيه العباس‪ .‬وأبو يعلى في المسند‪ :‬ح (‪ )1550‬مطوال من طريق ابن‬
‫وحسن حسين سليم أسد إسناده‪.‬‬ ‫شهاب عن أنس‪َّ .‬‬
‫>ه َذا َح ِديث َح َسن< وض َّعفه األلباني‬
‫رمذي في السنن‪ :‬ح (‪ ،)2025‬وقال‪َ :‬‬ ‫(‪ )5‬أخرجه التِّ ُّ‬
‫(ضعيف سنن الترمذي‪ :‬ص‪ ،)231‬وأخرجه أحمد في الفضائل‪ :‬ح (‪ )1322‬وأبو‬
‫والقطيعي في >زوائده< على‬ ‫ُّ‬ ‫الصحابة< (‪،)2255/5151/2‬‬ ‫نعي ٍم في >معرفة َّ‬
‫الصحابة< ح (‪ ،)1322‬والفسوي في >المعرفة والتاريخ< (‪ )225/1‬ومن‬ ‫>فضائل َّ‬
‫البيهقي في >ال َّدالئل< (‪ 105/1‬ــ ‪ .)103‬والب َّزار في >مسنده ــ البحر الزخار<‬
‫ُّ‬ ‫طريقه‬
‫ح (‪ )1210‬وقال‪( :‬وهذا الحديث ال نعلم رواه َّإال يزيد بن أبي زيا ٍد‪ ،‬عن عبد اهلل‬
‫العباس)‪.‬‬‫ابن الحارث‪ ،‬عن َّ‬
‫وعبد اهلل بن الحارث‪ :‬هو ْاب ُن نوف ٍل‪ ،‬لقبه َب َّبه‪ ،‬عن عمر وعثمان‪ ،‬وعنه بنوه والزهري‬
‫الح َّجاج سنة (‪ 32‬هـ)‪ .‬وقال الحافظ ابن حج ٍر‪ :‬ثقة‪.‬‬ ‫وأبو إسحاق‪ ،‬مات هاربا من َ‬
‫=‬ ‫انظر >الكاشف< (‪ ،)5035‬و>ال َّتقريب< (‪.)2212‬‬

‫‪225‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد اضطرب يزيد في إسناده‪ ،‬فمرة يرويه عن عبد اهلل بن الحارث عن العباس‪ ،‬ومرة‬ ‫=‬
‫عن عبد اهلل بن الحارث عن عبد المطلب بن ربيعة‪ ،‬ومرة يرويه عن عبد اهلل بن‬
‫الحارث عن ربيعة‪ ،‬وأخرى عن عبد اهلل بن الحارث عن المطلب بن أبي وداعة عن‬
‫العباس‪ ،‬ومرة يسقط منه العباس‪ ،‬ومرة أخرى يسقط منه المطلب بن أبي وداعة‪.‬‬
‫فرواه عن عبد اهلل بن الحارث عن المطَّلب بن أبي وداعة‪ ،‬بألفاظ متقاربة‪ .‬أخرجه‬
‫ِ‬
‫أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1533‬من طريق يَزِي َد ْب ِن أَبِي زِيَا ٍد‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َ‬
‫الحار ِ‬
‫ِث‬
‫عن المطلب بن أبي وداعة عن العباس‪ ،‬والترمذي في السنن‪ :‬ح (‪ 2225‬و‪)2023‬‬
‫وأخرجه البيهقي في >دالئل النبوة< ‪ 102/1‬ــ ‪ 152‬من طريق أبي نعيم الفضل بن‬
‫دكين‪ ،‬بهذا اإلسناد‪.‬‬
‫رمذي‪( :‬هذا حديث حسن)‪ .‬وقال شعيب (وآخرون) في تحقيقه على‬ ‫وقال التِّ ُّ‬
‫المسند‪225/2( :‬ح‪ )1533 :‬الحديث حسن لغيره‪ ،‬يزيد بن أبي زياد ــ وإن كان فيه‬
‫غير المطلب‬
‫ضعف ــ حديثه حسن في المتابعات‪ ،‬وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين َ‬
‫ابن أبي وداعة‪ ،‬فمن رجال مسلم‪ .‬وأبو نعيم‪ :‬هو الفضل بن ُدكين‪ ،‬وسفيان‪ :‬هو‬
‫الثوري‪.‬‬
‫ورواه عن عبد اهلل بن الحارث‪ ،‬عن عبد المطَّلب بن ربيعة‪ .‬أخرجه أحمد في مسنده‪:‬‬
‫ح (‪ )15215‬وابن أبي شيبة في >مصنفه< ح (‪.)21022‬‬
‫وعند الحاكم‪ :‬ح (‪ )2255‬عن عبد اهلل بن الحارث عن ربيعة‪.‬‬
‫الهيثمي في >مجمع ال َّزوائد<‪ ،512/3( :‬ح‪ )12352 :‬وعن عبد الم َّطلب بن‬ ‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫بي ‪...‬‬ ‫ربيعة بن الحارث بن عبد المطَّلب قال‪ :‬أتى ناس من األنصار النَّ َّ‬
‫الصحيح‪.‬‬ ‫رمذي حديثا غير هذا ــ رواه أحمد ورجاله رجال َّ‬ ‫روى له التِّ ُّ‬
‫والكباء‪ :‬ــ بالكسر والقصر ــ والكبة‪ :‬الكناسة وال ُّتراب الذي يكنس من البيت‪ ،‬وفي‬
‫الحديث‪ :‬الكبوة‪ ،‬وهي مثل الكبة‪ ،‬والمعنى أ َّن النَّخلة طيبة في نفسها وإن كان أصلها‬
‫ليس بذاك‪ ،‬فأخبر ‪ ‬أنَّه خير النَّاس نفسا‪ ،‬ونسبا‪ .‬هامش من كالم شيخ‬
‫اإلسالم في >االقتضاء< (ص‪.)122‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫س‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫س‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫‪ 12‬ــ روى أحمد بسنده إلى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫َد َخ ْل ُت َعلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬و ِع ْن َد ُه نِ َسا ُؤ ُه‪ ،‬فَ ْاس َت َت ْر َن ِمنِّي ِإال‬
‫ت أَ َحد َش ِه َد اللَّ َّد(‪ِ )1‬إال ل ُ َّد‪ِ ،‬إال أَ َّن‬ ‫َم ْي ُمونَ َة‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬ال يَ ْب َقى ِفي ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬
‫س<‬ ‫اس< ثُ َّم قَ َال‪ُ > :‬م ُروا أَبَا بَ ْك ٍر أَ ْن يُ َصل َِّي بِالنَّا ِ‬ ‫يَ ِمي ِني ل َ ْم ُت ِص ِب ا ْل َع َّب َ‬
‫فَ َقال َ ْت َعائِ َش ُة لِ َح ْف َص َة‪ :‬قُولِي ل َ ُه ِإ َّن أَبَا بَ ْك ٍر َر ُجل ِإ َذا قَ َام َم َق َام َك بَ َكى‪،‬‬
‫د النَّبِي ‪‬‬
‫ُّ‬ ‫س< فَ َق َام فَ َصلَّى‪ ،‬فَ َو َج َ‬‫قَ َال‪ُ > :‬م ُروا أَبَا بَ ْك ٍر لِ ُي َص ِّل بِالنَّا ِ‬
‫اء فَنَ َك َص أَبُو بَ ْك ٍر ‪ ‬فَأَ َر َاد أَ ْن يَ َتأَ َّخ َر‪ ،‬فَ َجلَ َس ِإلَى َج ْن ِبه ِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خفَّة‪ ،‬فَ َج َ‬
‫ثُ َّم ا ْق َت َرأَ(‪.)5‬‬
‫س ْب ِن‬ ‫‪ 11‬ــ روى أحمد بسنده إلى َعب ِد اهلل ِ ْب ِن ا ْل َحار ِ‬
‫ِث‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وراجع التخريج كامال من تحقيق الشيخ شعيب األرنؤوط على مسند أحمد (‪225/5‬‬
‫ــ ‪ 223‬ح‪.)1533 :‬‬
‫(‪ )1‬والل ُّد‪ :‬هو العالج باللدود‪ ،‬وهو ما يسقاه المريض في أحد ِشقي الفم‪ ،‬ولديدا الفم‪:‬‬
‫جانباه‪ ،‬قال ابن األثير‪ :‬وإنما فعل ذلك عقوبة لهم‪ ،‬ألنهم ل َ ُّدوه بغير إذنه‪( .‬النهاية‪:‬‬
‫‪ .)522/2‬واالقتراء‪ :‬افتعال من القراءة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1532‬وأبو يعلى في مسنده‪ :‬ح (‪ )0522‬من طريق‬
‫والسعطة‪ :‬دواء يجعل‬ ‫قيس بن الربيع‪ ،‬بهذا ا ِإلسناد‪ .‬بزيادة‪> :‬فَ ُدق له َس ْعطة فَل َّد<‪َّ ( .‬‬
‫في األنف) وأخرجه مختصرا البزار‪ :‬ح (‪ )1200‬من طريق قيس بن الربيع‪ ،‬به‪.‬‬
‫والحديث صحيح لِغيره‪ ،‬قيس بن الربيع مختلف فيه‪ ،‬وحديثُه حسن في الشواهد‪،‬‬
‫وهذا منها‪ ،‬وباقي رجاله ثقات‪ .‬ابن شرحبيل‪ :‬هو أرقم بن شرحبيل األودي الكوفي‪.‬‬
‫قال الهيثمي في المجمع‪ 131/2( :‬ح‪َ )3252 :‬ر َو ُاه أَ ْح َم ُد‪َ ،‬والطَّ َب َرانِ ُّي‪َ ،‬وا ْل َب َّز ُار‬
‫ِي‪َ ،‬وبَ ِق َّي ُة‬ ‫ب ِْاخ ِت َصا ٍر َك ِثيرٍ‪َ ،‬وأَبُو يَ ْعلَى أَ َت ُّم ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬و ِفيه ِ قَ ْي ُس ْب ُن َّ‬
‫الربِي ِع َوثَّ َق ُه ُش ْع َب ُة َوالثَّ ْور ُّ‬
‫ر َِجالِه ِ ثِ َقات‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ول اهلل ِ‪َ ،‬ع ُّم َك أَبُو طَالِ ٍب َكا َن يَ ُحوط َُك‬ ‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَنَّ ُه قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫َويَ ْن َف ُع َك‪ ،‬قَ َال‪ِ > :‬إنَّ ُه ِفي َض ْح َضا ٍح ِم َن النَّا ِر‪َ ،‬ول َ ْوال أَنَا َكا َن ِفي ال َّد ْر ِك‬
‫ْاألَ ْس َف ِل<(‪.)1‬‬
‫الحار ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬‫الع َّبا ِ‬
‫ِث‪َ ،‬ع ْن َ‬ ‫‪ 15‬ــ روى الترمذي بسنده إلى َع ْب ِد اهلل ْب ِن َ‬
‫الم َّطلِ ِب‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪ :‬يا ر ُس َ ِ‬ ‫ا ْب ِن َع ْب ِد ُ‬
‫ول اهلل َعل ِّْم ِني َش ْيئا أَ ْسأَل ُ ُه اهللَ‬ ‫َ َ‬
‫الع ِاف َي َة<‪ ،‬فَ َم َك ْث ُت أَيَّاما ثُ َّم ِج ْئ ُت فَ ُق ْل ُت‪:‬‬
‫َع َّز َو َج َّل‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬س ِل اهللَ َ‬
‫يا ر ُس َ ِ‬
‫اس يَا َع َّم َر ُسو ِل‬ ‫ول اهلل َعل ِّْم ِني َش ْيئا أَ ْسأَل ُ ُه اهللَ‪ ،‬فَ َق َال لِي‪> :‬يَا َع َّب ُ‬ ‫َ َ‬
‫الع ِاف َي َة ِفي ال ُّد ْن َيا َواآلخ َرة< ‪.‬‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬
‫اهلل ِ‪َ ،‬س ِل اهللَ‪َ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1502‬وقال حسين سليم أسد‪ :‬إسناده صحيح على‬
‫شرط الشيخين‪ .‬وسفيان‪ :‬هو الثوري‪ ،‬وعبد اهلل بن الحارث‪ :‬هو ابن نوفل بن‬
‫الحارث بن عبد المطلب الهاشمي‪.‬‬
‫وأخرجه ابن أبي شيبة ح (‪ ،102/12 )22123‬ومن طريقه مسلم (‪،)222( )522‬‬
‫وأبو يعلى (‪ )0022‬عن وكيع‪ ،‬بهذا اإلسناد‪.‬‬
‫وأخرجه عبد الرزاق (‪ ،)2222‬وابن منده في >اإليمان< (‪ )225‬و(‪ )222‬من طرق‬
‫عن سفيان الثوري‪ ،‬به‪.‬‬
‫وأخرجه الحميدي (‪ ،)202‬ومسلم (‪ ،)223( )522‬وأبو يعلى (‪ ،)0022‬وابن‬
‫منده (‪ )022‬و(‪ )201‬من طرق عن عبد الملك بن عمير‪ ،‬به‪.‬‬
‫والضحضاح‪ ،‬قال ابن األثير ‪ :52/2‬هو في األصل‪ :‬ما َرق من الماء على وجه‬
‫األرض ما يبلغ الكعبين‪ ،‬فاستعاره للنار‪.‬‬
‫قوله‪> :‬في الدرك<‪ ،‬قال السندي‪ :‬بفتحتين أو بسكون الثاني‪ ،‬والمراد‪ :‬قعر جهنم‪ ،‬ثم‬
‫لعل المراد‪ :‬أنه كان مستحقا للدرك األسفل لوال شفاعتي‪ ،‬فبشفاعتي صار مستحقا‬
‫للضحضاح‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الترمذي في السنن‪ :‬ح (‪ )2212‬من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد اهلل=‬

‫‪222‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫س ْب ِن‬ ‫‪ 12‬ــ روى أحمد بسنده إلى َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع ِم َير َة‪َ ،‬ع ْن َع َّبا ِ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬كنَّا ُجلُوسا َم َع َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬بِا ْل َبط َْح ِاء‪،‬‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬أَ َت ْد ُرو َن َما َه َذا؟< قَ َال‪ :‬قُ ْلنَا‪:‬‬ ‫فَ َم َّر ْت َس َحابَة‪ ،‬فَ َق َال َر ُس ُ‬
‫اب‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬وا ْل ُم ْز ُن< قُ ْلنَا‪َ :‬وا ْل ُم ْز ُن‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬وا ْل َعنَا ُن<‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َس َك ْتنَا‪،‬‬ ‫الس َح ُ‬ ‫َّ‬
‫ض؟< قَ َال‪ :‬قُ ْلنَا اهللُ َو َر ُسول ُ ُه‬ ‫الس َم ِاء َو ْاألَ ْر ِ‬
‫فَ َق َال‪َ > :‬ه ْل َت ْد ُرو َن َك ْم بَ ْي َن َّ‬
‫س ِما َئةِ َسنَةٍ‪َ ،‬و ِم ْن ُك ِّل َس َم ٍاء ِإلَى َس َم ٍاء‬ ‫أَ ْعلَ ُم‪ ،‬قَ َال‪> :‬بَ ْينَ ُه َما َم ِس َير ُة َخ ْم ِ‬
‫س ِما َئةِ َسنَةٍ‪َ ،‬وفَ ْو َق‬ ‫س ِما َئةِ َسنَةٍ‪َ ،‬و ِك َث ُف ُك ِّل َس َم ٍاء َم ِس َير ُة َخ ْم ِ‬ ‫َم ِس َير ُة َخ ْم ِ‬
‫ض‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫الس َم ِاء َو ْاألَ ْر ِ‬
‫اله َك َما بَ ْي َن َّ‬ ‫الس َم ِاء َّ‬
‫السابِ َعةِ بَ ْحر بَ ْي َن أَ ْس َفلِه ِ َوأَ ْع ُ‬ ‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِ‬
‫ِث ْب ِن نَ ْوفَ ٍل قَ ْد َس ِم َع ِم َن‬ ‫ابن الحارث‪ ،‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِحيح‪َ ،‬و َع ْب ُد اهلل ْب ُن َ‬
‫الحار ِ‬ ‫=‬
‫الم َّطلِ ِب‪ ،‬ومن طريق يزيد بن أبي زياد أخرجه كذلك أحمد في‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ُ‬ ‫الع َّبا ِ‬‫َ‬
‫المسند‪ :‬ح (‪ )1532‬وفي الفضائل‪ :‬ح (‪ )1322‬والحميدي في مسنده‪ :‬ح (‪،)200‬‬
‫وابن أبي شيبة‪ :‬ح (‪ )52132‬والبخاري في >األدب المفرد< (‪ ،)550‬وأبو يعلى في‬
‫المسند‪ :‬ح (‪ )0020‬والبزار في مسنده‪ :‬ح (‪ )1212‬وقال الحافظ الهيثمي في‬
‫المجمع‪ 152/12( :‬رقم‪َ )15252 :‬ر َو ُاه ُكلَّ ُه الطَّ َب َرانِ ُّي بِأَ َسانِي َد‪َ ،‬ور َِجالُ بَ ْع ِض َها ر َِجالُ‬
‫يث‪ .‬وصححه األلباني في صحيح‬ ‫الص ِحي ِح َغ ْي َر يَزِي َد ْب ِن أَبِي زِيَا ٍد‪َ ،‬و ُه َو َح َس ُن ا ْل َح ِد ِ‬‫َّ‬
‫الجامع‪ 1212/5( .‬رقم‪ )5225 :‬وغيره‪ .‬ورواه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1500‬من‬
‫ض بَ ِني ا ْل ُمطَّلِ ِب عن ابن عباس عن العباس به مع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طريق َحاتم ْاب َن أَبِي َصغ َير َة عن بَ ْع ُ‬
‫اختالف في بعض ألفاظه‪ .‬وإسناده ضعيف لجهالة َمن روى عنه حاتم من بني‬
‫المطلب‪ .‬وله طريق آخر في المسند‪ :‬برقم (‪ .)1532‬وأخرجه ابن سعد (‪ )53/2‬عن‬
‫محمد بن عبد اهلل األنصاري وعبد اهلل بن بكر السهمي‪ ،‬عن حاتم‪ ،‬بهذا اإلسناد‪.‬‬
‫وأخرجه أيضا ‪ 53/2‬عن عارم بن الفضل‪ ،‬عن حماد بن زيد‪ ،‬عن أيوب قال‪ :‬قال‬
‫العباس‪ :‬يا رسول اهلل مرني بدعاء‪ ،‬قال‪ :‬سل اهلل العفو والعافية‪( .‬وراجع تحقيق‬
‫الشيخ شعيب على المسند‪.)222 ،522/2 :‬‬

‫‪220‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫الس َم ِاء‬
‫ْالف ِه َّن َك َما بَ ْي َن َّ‬ ‫فَو َق َذلِ َك ثَمانِي ُة أَ ْو َعا ٍل بي َن ر َك ِب ِه َّن وأَظ ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫الس َم ِاء‬
‫اله َك َما بَ ْي َن َّ‬‫ش بَ ْي َن أَ ْس َفلِه ِ َوأَ ْع ُ‬ ‫ِ‬
‫ض‪ ،‬ثُ َّم فَ ْو َق َذل َك ا ْل َع ْر ُ‬ ‫َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‪َ ،‬واهللُ َت َب َار َك َو َت َعالَى فَ ْو َق َذلِ َك َول َ ْي َس يَ ْخ َفى َعلَ ْيه ِ ِم ْن أَ ْع َما ِل‬‫َو ْاألَ ْر ِ‬
‫بَ ِني َآد َم َش ْيء<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬ح (‪ )1552‬وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في‬
‫>العرش< (‪ ،)12‬وأبو يعلى (‪ ،)0512‬والحاكم‪ :‬ح (‪ )2125‬و(‪ )2253‬و(‪)2322‬‬
‫من طريق عبد الرزاق‪ ،‬بهذا ا ِإلسناد‪ .‬إال أنه في األخير زاد فيه >عن األحنف بن‬
‫قيس<! وإسناده ضعيف َبي ْح َيى ْب ُن ا ْل َع َال ِء‪ ،‬ومنقطع (من غير زيادة األحنف) فعبد اهلل‬
‫اس‪( .‬إتحاف الخيرة‪ 102/0 :‬رقم‪.)2232 :‬‬ ‫ابن عميرة لم يدرك ا ْل َع َّب َ‬
‫ابن طهمان في >مشيخته< (‪ ،)13‬ومن طريقه اآلجري في >الشريعة<‬ ‫وأخرجه ُ‬
‫‪1232/2‬ح (‪ ،)002‬والبيهقي في >األسماء والصفات< ‪ ،210/5‬ح (‪،)335‬‬
‫والجورقاني في >األباطيل والمناكير< ‪ 55/1‬ــ ‪.53‬‬
‫وأخرجه ابن ماجه في سننه‪ :‬ح (‪ )122‬وأبو داود في السنن‪ :‬ح (‪ )2552‬واآلجري‬
‫في الشريعة ح (‪ )002‬والبزار في مسنده‪ ،122/2 :‬كلهم من طريق ا ْل َولِي ُد ْب ُن أَبِي‬
‫ثَ ْو ٍر‪َ ،‬ع ْن ِس َما ٍك‪.‬‬
‫وأخرجه الترمذي (‪( ،)2252‬وضعفه األلباني)‪ ،‬وابن أبي عاصم في >السنة<‬
‫االعتقاد<‬
‫(‪ ،)255‬وابن خزيمة في >التوحيد< ‪ ،522/1‬والاللكائي في >شرح أصول ْ‬
‫‪ 232/2‬ــ ‪ 222‬من طريق عمرو بن أبي قيس‪ ،‬وكلهم (إبراهيم بن طهمان‪ ،‬والوليد بن‬
‫أبي ثور‪ ،‬وعمرو بن أبي قيس) عن سماك بن حرب‪ ،‬عن عبد اهلل بن َعميرة‪ ،‬عن‬
‫األحنف بن قيس‪ ،‬عن العباس ــ وبعضهم يزيد فيه على بعض‪ .‬ووقع عندهم‪> :‬إن بعد‬
‫ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثالث وسبعون سنة‪.<...‬‬
‫وإسناده ضعيف جدا‪ ،‬يحيى بن العالء ــ وهو الرازي البجلي ــ قال عمرو بن علي‬
‫الفالس والنسائي والدارقطني‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬كذاب يضع الحديث‪،‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬ضعفوه‪( .‬راجع ميزان االعتدال‪ 225/2 :‬رقم‪ )2221 :‬وسماك بن=‬

‫‪225‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫س‪َ ،‬ع ْن‬ ‫‪ 12‬ــ روى الطبراني بسنده إلى َعلِ ِّي ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَنَّ ُه قَ َال‪ُ :‬ك ْن ُت يَ ْوما ِفي ا ْل َم ْس ِج ِد‪،‬‬ ‫أَبِيه ِ‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اجدا أَ ْن أَ َطأَ‬ ‫فَأَ ْق َب َل أَبُو َج ْه ٍل‪ ،‬فَ َق َال‪ِ :‬إ َّن لِلَّه ِ َعلَ َّي ِإ ْن َرأَ ْي ُت ُم َح َّمدا َس ِ‬
‫َعلَى َرقَ َب ِته ِ‪ ،‬فَ َخ َر ْج ُت ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬ح َّتى َد َخ ْل ُت َعلَ ْيه ِ‪،‬‬
‫فَأَ ْخ َب ْر ُت ُه بِ َق ْو ِل أَبِي َج ْه ٍل‪> ،‬فَ َخ َر َج ‪َ ‬غ ْض َبانا َح َّتى َد َخ َل‬
‫اب‪ ،‬فَا ْق َت َح َم ا ْل َحائِ َط<‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ه َذا‬ ‫ا ْل َم ْس ِج َد‪ ،‬فَ َع َّج َل أَ ْن يَ ْد ُخ َل ِم َن ا ْل َب ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬يَ ْق َرأُ‪:‬‬ ‫يَ ْو ُم َشر‪ ،‬فَا ْئ َت َز ْر ُت‪ ،‬ثُ َّم ا َّت َب ْع ُت ُه‪> ،‬فَ َد َخ ْل ُت َو َر ُس ُ‬
‫{ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ} [العلق‪ ،]5 :‬فَلَ َّما بَلَ َغ‬
‫َش ْأ َن أَبِي َج ْه ٍل‪{ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ} [العلق‪،<]0 :‬‬
‫قَ َال ِإ ْن َسان ِألَبِي َج ْه ٍل‪ :‬يَا أَبَا ا ْل َح َكمِ‪َ ،‬ه َذا ُم َح َّمد‪ ،‬فَ َق َال أَبُو َج ْه ٍل‪ :‬أَ َال‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫الس َم ِاء َعلَ َّي‪> ،‬فَلَ َّما بَلَ َغ َر ُس ُ‬
‫َت َر ْو َن َما أَ َرى‪َ ،‬واهلل ِ ُس َّد أُفُ ِق َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حرب ــ وإن كان صدوقا ــ كان ربما لُقن‪ ،‬فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة كما‬ ‫=‬
‫النسائي‪( .‬ميزان االعتدال‪ ،)522/5 :‬وقد تفرد بالرواية عن عبد اهلل بن عميرة كما‬
‫قال مسلم في >الوحدان< ص‪ ،122‬وعبد اهلل بن َعميرة ذكره العقيلي وابن عدي في‬
‫جملة الضعفاء (الكامل‪ ،)232/2‬وقال الذهبي‪ :‬فيه جهالة‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬ال‬
‫يعرف‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات (‪ )25/2‬على عادته في توثيق المجاهيل‪ ،‬وهو‬
‫إلى ذلك معضل بإسقاط األحنف بن قيس من ا ِإلسناد‪ ،‬وبإثباته فهو منقطع‪ ،‬فإنه ال‬
‫يعلم له سماع منه فيما قاله البخاري‪( .‬راجع في ترجمته‪ :‬لسان الميزان‪ 202/5 ،‬ــ‬
‫رقم‪ ،2225‬تهذيب الكمال‪ 232/12 :‬رقم‪.)2200 :‬‬
‫(راجع في تخريجه‪ :‬تحقيق شعيب األرناؤوط وآخرين على المسند‪ ،‬طبعة الرسالة‬
‫حاشية‪.)522/2 :‬‬

‫‪223‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ور ِة َس َج َد<(‪.)1‬‬ ‫‪ِ ‬‬


‫الس َ‬
‫آخ َر ُّ‬
‫س ْب ِن‬ ‫س‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ ا ْل َع َّبا ِ‬
‫‪ 15‬ــ روى ابن سعد بسنده إلى ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِب قَ َال‪ُ :‬ولِ َد النَّب ُِّي ‪َ ‬م ْخ ُتونا َم ْس ُرورا‪ ،‬قَ َال‪َ :‬وأَ ْع َج َب‬
‫َذلِ َك َع ْب َد ا ْل ُمطَّلِ ِب َو َح ِظ َي ِع ْن َد ُه‪َ ،‬وقَ َال‪ :‬ل َ َي ُكونَ َّن ِال ْب ِني َه َذا َش ْأن فَ َكا َن ل َ ُه‬
‫َش ْأن(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫س‬
‫يث َع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )3021‬وقال‪َ :‬ال يُ ْر َوى َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ت َف َّر َد بِه ِ اللَّ ْي ُث‪ ،‬والبزار في مسنده‪ :‬ح (‪ )1252‬والحاكم في‬ ‫ِإ َّال ب َِه َذا ْ ِ‬
‫اإل ْسنَادِ‪،‬‬ ‫المستدرك‪ :‬ح (‪ )2212‬من طريق الليث بن سعد‪ ،‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِح ُ‬
‫يح ْ ِ‬
‫َول َ ْم يُ َخ ِّر َج ُاه‪ ،‬وعلق الذهبي في التلخيص قائال‪ :‬فيه عبد اهلل بن صالح وليس بعمدة‪،‬‬
‫وإسحاق بن عبد اهلل بن أبي فروة وهو متروك‪ .‬وأورده الهيثمي في المجمع‪:‬‬
‫(‪555/3‬ح‪ )12351 :‬وقال‪َ :‬ر َو ُاه ال َّط َب َرانِ ُّي ِفي ا ْل َكبِيرِ َو ْاألَ ْو َس ِط‪َ ،‬و ِفيه ِ ِإ ْس َح ُاق ْب ُن أَبِي‬
‫فَ ْر َو َة َو ُه َو َم ْت ُروك‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى‪ 122/1 :‬ــ وابن عساكر في تاريخ دمشق‪32/2 :‬‬
‫من طريق ابن سعد‪ .‬وتابعه سليمان بن سلمة الخبائري‪ :‬ثنا يونس بن عطاء‪ ...‬به‪.‬‬
‫وأخرجه أبو نعيم في >الدالئل< (ص‪ ،)112‬والبيهقي في >الدالئل< (‪،)112/1‬‬
‫وقال األلباني في سلسلة األحاديث الضعيفة‪ :253/12 :‬والخبائري هذا متهم؛ لكن‬
‫متابعة ابن سعد إياه تدفع التهمة عنه وتعصبها بشيخهما يونس بن عطاء؛ فإنه متهم‪،‬‬
‫قال ابن حبان‪> :)121/2( :‬يروي العجائب‪ ،‬ال يجوز االحتجاج به<‪ .‬وقال الحاكم‬
‫وأبو سعيد النقاش وأبو نعيم‪> :‬روى عن حميد الطويل الموضوعات<‪ .‬إذا عرفت‬
‫هذا؛ فقد تساهل ابن عبد البر حين قال في مقدمة >االستيعاب< (‪ )21/1‬عقب‬
‫الحديث‪> :‬وليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم<‪.‬‬
‫وخرج األلباني هذا الحديث بجميع طرقه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وجملة القول‪ :‬إن هذه الطرق‬ ‫َّ‬
‫شديدة الضعف؛ فال تصلح لالعتضاد بها؛ ولذلك ر َّد الذهبي على الحاكم قوله=‬

‫‪222‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ِيب‪َ ،‬ع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة‬‫‪ 13‬ــ روى الطبراني بسنده إلى ُسلَ ْي َما َن ْب ِن َعر ٍ‬
‫الصالِ ِح بُ ْش َرى ِم َن اهلل ِ‪،‬‬ ‫الر ُج ِل َّ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ُ > :‬ر ْؤيَا َّ‬ ‫قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫س‪،‬‬ ‫ين ُج ْزءا ِم َن النُّ ُب َّو ِة< فَ َح َّد ْث ُت بِه ِ ْاب َن َع َّبا ٍ‬ ‫َو ِه َي ُج ْزء ِم ْن ِس َّتةٍ َوأَ ْربَ ِع َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ِ > :‬ه َي‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬قَ َال َر ُس ُ‬ ‫فَ َق َال‪ :‬قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ين ُج ْزءا ِم َن النُّ ُب َّو ِة<(‪.)1‬‬ ‫ُج ْزء ِم ْن َخ ْم ِس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ولد‬ ‫‪‬‬ ‫= في >المستدرك<‪> :)025/5( ،‬وقد تواترت األخبار أن رسول اهلل‬
‫مختونا مسرورا<‪.‬‬
‫فقال الذهبي في >تلخيصه<‪> :‬ما أعلم صحة ذلك‪ ،‬فكيف متواتر؟!< وذكر نحوه ابن‬
‫كثير في >البداية< (‪.)502/5‬‬
‫فالعجب من ابن الجوزي مع إعالله لحديث الترجمة بما تقدم نقله عنه‪ ،‬عقب عليه‬
‫جازما بقوله‪> :‬قلت‪ :‬وال شك أنه ولد مختونا؛ غير أن هذا الحديث ال يصح به<!‬
‫(راجع‪ :‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪.)235/12 :‬‬
‫ِي ِفي َذلِ َك‬ ‫وقال ابن القيم في زاد المعاد (‪ )32/1‬عن ختان النبي ‪َ :‬و ُرو َ‬
‫ات< َول َ ْي َس ِفيه ِ َح ِديث‬ ‫وع ِ‬ ‫ِي ِفي >ا ْل َم ْو ُض َ‬ ‫َح ِديث َال يَ ِص ُّح‪َ ،‬ذ َك َر ُه أَبُو ا ْل َف َر ِج ْب ُن ا ْل َج ْوز ِّ‬
‫ثَابِت‪.‬‬
‫س‬ ‫>ال يُ ْر َوى َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬
‫يث َع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط‪ :‬ح (‪ )2315‬وقال‪َ :‬‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ت َف َّر َد بِه ِ َعلِ ُّي ْب ُن َح ِكي ٍم< والبخاري في التاريخ‪ )5/5( :‬والبزار في‬ ‫ِإ َّال ب َِه َذا ْ ِ‬
‫يث أَبِي‬ ‫مسنده‪ :‬ح (‪ )1523‬وقال الهيثمي في المجمع‪ 152/5( :‬رقم‪َ .)11513 :‬ح ِد ُ‬
‫س‪َ ،‬ر َو ُاه ا ْل َب َّز ُار‪َ ،‬والطَّ َب َرانِ ُّي ِفي ْاأل َ ْو َس ِط‪،‬‬ ‫الص ِحي ِح َخالِيا َع ْن َح ِد ِ‬
‫يث ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ُه َر ْي َر َة ِفي َّ‬
‫ِ‬ ‫َوا ْل َكبِيرِ‪َ ،‬وأَبُو يَ ْعلَى ِشب ُه ا ْل َم ْرفُو ِع‪َ ،‬ول َ ِكنَّ ُه قَ َال‪ِ :‬‬
‫ين ُج ْزءا<‪َ ،‬وفيه ِ ْاب ُن ِإ ْس َح َاق َو َ‬
‫هو‬ ‫>ستِّ َ‬ ‫ْ‬
‫ُم َدل ِّس‪َ ،‬وبَ ِق َّي ُة ر َِجالِه ِ ثِ َقات‪.‬‬
‫وضعفه األلباني‪( .‬ضعيف الجامع الصغير‪ :‬ص‪.)222‬‬

‫‪202‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫‪ 2‬ـ ـ فقه العباس ‪:‬‬


‫نقلت لنا الروايات بعض موارد فقه العباس ‪ ،‬وكأنه يأبى إال‬
‫أن يشارك في كل فضل‪ ،‬ففي رواية الحديث كان له إسهامه‪ ،‬وفي الفقه‬
‫كذلك‪ ،‬وفي الشعر أيضا أسهم فيه بنصيب كما سيتضح فيما بعد‪.‬‬
‫ــ روى ابن أبي شيبة‪َ :‬ح َّدثَنَا ُع َب ْي ُد اهلل ِ‪َ ،‬ع ْن ِإ ْس َرائِ َيل‪َ ،‬ع ِن‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب يُ َ‬
‫وض ُع ل َ ُه‬ ‫ي‪َ ،‬ع ْن ِع ْكر َِم َة‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬كا َن ا ْل َع َّب ُ‬‫الس ِّد ِّ‬
‫ُّ‬
‫يء ا ْله ُِّر فَ َي ْش َر ُب ِم ْن ُه‪ ،‬فَ َي َت َو َّضأُ ِم ْن ُه‬‫الش ْي ُء‪ ،‬فَ َي ِج ُ‬
‫وء‪ ،‬فَ ْيش َغلُ ُه َّ‬ ‫ا ْل َو ُض ُ‬
‫َويُ َصل ِّي<(‪.)1‬‬
‫وهذا من مظنة فقه العباس ‪ ،‬حيث علم طهارة سؤر الهرة‪،‬‬
‫الوضوء حيث فَقه طهارته؛ ألن السنة دلت على‬
‫ولم يتكلف بإراقة َ‬
‫طهارة سؤر الهرة‪.‬‬
‫ك ــ َو َكانَ ْت َت ْح َت‬ ‫ت َك ْع ِب ْب ِن َمالِ ٍ‬‫ومن ذلك ما روي َع ْن َك ْب َش َة بِ ْن ِ‬
‫اء ْت ِه َّرة‬ ‫ْاب ِن أَبِي قَ َت َاد َة ــ أَ َّن أَبَا قَ َت َاد َة‪َ ،‬د َخ َل فَ َس َك َب ْت ل َ ُه َو ُضوءا‪ ،‬فَ َج َ‬
‫اء َح َّتى َشرِبَ ْت‪ ،‬قَال َ ْت َك ْب َش ُة‪ :‬فَ َرآنِي أَ ْن ُظ ُر‬ ‫فَ َشرِبَ ْت ِم ْن ُه‪ ،‬فَأَ ْص َغى ل َ َها ْ ِ‬
‫اإلنَ َ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫ِين يَا ْابنَ َة أَ ِخي؟ فَ ُق ْل ُت‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَ َق َال‪ِ :‬إ َّن َر ُس َ‬ ‫ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أَ َت ْع َجب َ‬
‫ين َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫س‪ِ ،‬إنَّ َها ِم َن الطَّ َّو ِاف َ‬ ‫‪ ‬قَ َال‪ِ > :‬إنَّ َها ل َ ْي َس ْت بِنَ َج ٍ‬
‫ات<(‪.)5‬‬ ‫َوال َّط َّوافَ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف‪ :‬ح (‪.)222‬‬
‫وصححه األلباني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود في السنن‪ :‬ح (‪)52‬‬

‫‪201‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ــ ومن موارد فقهه ‪ :‬أنه كان ال يرى جواز الغسل من ماء‬
‫زمزم‪ ،‬وروي عنه قوله‪َ :‬ال أُ ِحلُّ ُه لِ ُم ْغ َت ِس ٍل َول َ ِك ْن لِ َشار ٍِب َح َّل َوبَ َّل‪،‬‬
‫ِي َع ْن ُه أَنَّ ُه قَ َال‪ :‬لِ َشار ٍِب َو ُم َت َو ِّض ٍئ(‪.)1‬‬
‫َو ُرو َ‬
‫َو َذلِ َك حين َو َج َد َر ُجال ِم ْن بَ ِني َم ْخ ُزومٍ‪َ ،‬وقَ ْد نَ َز َع ثِ َيابَ ُه‪َ ،‬وقَ َام‬
‫يَ ْغ َت ِس ُل ِم ْن َح ْو ِض َها ُع ْريَانا(‪.)5‬‬
‫ــ ومن مظان فقهه ‪ ‬روايته لبعض أحاديث األحكام‪:‬‬

‫روى ابن ماجه في سننه َح َّدثَنَا أَبُو ُك َر ْي ٍب قَ َال‪َ :‬ح َّدثَنَا ر ِْش ِد ُ‬
‫ين ْب ُن‬
‫ِي‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن‬ ‫َس ْع ٍد‪َ ،‬ع ْن ُم َعاوِيَ َة ْب ِن َصالِ ٍح‪َ ،‬ع ْن ُم َعا ِذ ْب ِن ُم َح َّم ٍد ْاألَ ْن َصار ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف‪ :‬ح (‪ )2112‬واألمالي‪ :‬ح (‪ )25‬وابن أبي‬
‫شيبة في المصنف‪ :‬ح (‪ )232‬برواية ابن عباس منسوبة له‪ .‬واألزرقي في أخبار مكة‬
‫(‪.)01/5‬‬
‫راجع‪( :‬الفتاوى الكبرى‪ .)52/2 :‬وذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية اختالف العلماء في‬
‫وء ِم ْن‬ ‫الوضوء والغسل من ماء زمزم‪ ،‬فقال‪ْ :‬اخ َتلَ َف ا ْل ُعلَ َم ُاء َه ْل يُ ْك َر ُه ا ْل ُغ ْس ُل َوا ْل ُو ُض ُ‬
‫س‪،‬‬ ‫يث ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫اح َت َّج ب َِح ِد ِ‬ ‫الش ِاف ِع ُّي ْ‬ ‫َم ِاء َز ْم َز َم‪َ ،‬و َذ َك ُروا ِفيه ِ ر َِوايَ َت ْي ِن َع ْن أَ ْح َم َد‪َ .‬و َّ‬
‫>ت َو َّضأَ ِم ْن َم ِاء َز ْم َز َم<‪،‬‬ ‫يث ِفيه ِ أَ َّن النَّب َِّي ــ ‪ ‬ــ َ‬ ‫اح َت َّج ب َِح ِد ٍ‬‫َوا ْل ُم َر ِّخ ُص ْ‬
‫الص َح َاب َة َت َو َّض ُئوا ِم ْن ا ْل َم ِاء ال َّ ِذي نَ َب َع ِم ْن بَ ْي ِن أَ َصابِ ِعه ِ َم َع بَ َر َك ِتهِ‪ ،‬ل َ ِك ْن َه َذا َو ْق ُت‬ ‫َو َّ‬
‫س إنَّما جاء عن ا ْل ُغس ِل فَ َقطْ َال عن ا ْلو ُض ِ‬
‫وء‪.‬‬ ‫َْ ُ‬ ‫يح أَ َّن النَّ ْه َي ِم ْن ا ْل َع َّبا ِ َ َ َ َ ْ ْ‬ ‫الص ِح ُ‬ ‫اجةٍ‪َ ،‬و َّ‬ ‫َح َ‬
‫اسةِ‪َ ،‬ولِ َه َذا‬ ‫ِ‬
‫َوال َّت ْفر ُِيق بَ ْي َن ا ْل ُغ ْس ِل َوا ْل ُو ُضوء ُه َو لِ َه َذا ا ْل َو ْجهِ‪ ،‬فَ ِإ َّن ا ْل ُغ ْس َل يُ ْشب ُِه إ َزال َ َة النَّ َج َ‬
‫اسةِ‪َ ،‬و ِحينَ ِئ ٍذ فَ َص ْو ُن َه ِذهِ ا ْل ِم َيا ِه‬ ‫يَ ِج ُب أَ ْن يُ ْغ َس َل ِم ْن ا ْل َجنَابَة ِ َما يَ ِج ُب أَ ْن يُ ْغ َس َل ِم ْن النَّ َج َ‬
‫ات‪.‬‬ ‫اب َونَ ْح ِوهِ ِم ْن الطَّا ِه َر ِ‬ ‫ف َص ْونِ َها ِم ْن ال ُّت َر ِ‬ ‫ات ُم َت َو ِّجه ب ِِخ َال ِ‬‫اس ِ‬ ‫ا ْل ُم َب َار َكة ِ ِم ْن النَّ َج َ‬
‫(الفتاوى الكبرى‪.)52/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أخبار مكة لألزرقي‪.01/5 :‬‬

‫‪205‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ول اهلل ِ ‪:‬‬


‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّط ِل ِب قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬ ‫ُص ْه َبا َن‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ومةِ‪َ ،‬و َال ا ْل َجائِ َفةِ َو َال ا ْل ُمنَ ِّقلَةِ<(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫> َال قَ َو َد في ا ْل َم ْأ ُم َ‬
‫والمأمومة‪ :‬هي الش َّجة التي لم تبلغ ّأم الدماغ‪ .‬والجائفة‪ :‬هي‬
‫الطعنة التي لم تنفذ إلى بطن من البطون‪ .‬كالدماغ والجوف‪ .‬وا ْل ُمنَ ِّقلَةِ‪:‬‬
‫هي الشجة التي تنقل العظم(‪.)5‬‬
‫ص ِال ْن ِع َدامِ المماثلة‪َ ،‬‬
‫وفيها‬ ‫والعلة هنا في عدم الحكم بِا ْلقصا ِ‬
‫ومة عدل(‪.)2‬‬‫ُح ُك َ‬
‫اص لِ ُع ْسرِ َض ْب ِطه ِ(‪.)2‬‬
‫وفي حاشية السندي‪َ :‬و ِإنَّ َما ا ْن َت َفى ا ْل ِق َص ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وحسنه األلباني‪ .‬وأبو يعلى في المسند‪:‬‬ ‫أخرجه ابن ماجه في السنن‪ :‬ح (‪َّ )5025‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ح (‪ )0522‬وا ْل َب ْي َه ِق ّي ِفي ا ْل ُك ْب َرى‪ :‬ح (‪ )10121‬من َطرِيق أبي كريب َعن رشدين بن‬
‫سعد فَذكره بِ ِإ ْسنَادِهِ َو َمتنه‪ .‬وفي مصباح الزجاجة‪َ )152/2( :‬ه َذا ِإ ْسنَاد َض ِعيف‬
‫حبان‬ ‫ِ‬ ‫ِي َوأَبُو ْ‬ ‫رشدين بن سعد ضعفه ْابن م ِعين َوأَبُو َحاتِم َّ‬
‫زر َعة َوالنَّ َسائ ّي َو ْابن َ‬ ‫الراز ّ‬
‫والجوزجاني َو ْابن يُونُس َو ْابن سعد َوأَبُو َد ُاود َوال َّد َارقُ ْط ِن ّي َو َغيرهم‪َ ،‬وقَ َال ْابن‬
‫ِي خص نَ ْسله بالضعف حجاج بن رشدين َو ُم َح ّمد بن حجاج َوأحمد بن ُم َح َّمد‬ ‫ا ْل َج ْوز ّ‬
‫ا ْنتهى‪( .‬وراجع ترجمته في >تهذيب الكمال< للمزي‪ 122/2 :‬ــ رقم‪.)1211 :‬‬
‫ومة‪،‬‬ ‫الش َّج ُة ال َّ ِتي َت ِصل ِإلَى أُ ِّم ال ِّد َما ِغ ُدو َن أَ ْن َت ْخرِقَ َها ُت َس َّمى َّآمة َو َم ْأ ُم َ‬ ‫قرر الفقهاء أن َّ‬ ‫(‪)5‬‬
‫اص ِف َيها ِع ْن َد ا ْل ُف َق َه ِاء‪( .‬راجع‪ :‬نهاية المحتاج للرملي‪:‬‬ ‫َو ِف َيها ثُلُ ُث ال ِّديَةِ‪َ ،‬والَ قِ َص َ‬
‫‪ ،222/5‬والمغني البن قدامة‪.)25/3 :‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِي َع ِن ْاب ِن‬ ‫وفي ا ْل ُم ْغ ِني‪َ > :‬ول َ ْي َس ف َيها ق َصاص ع ْن َد أَ َحد م ْن أَ ْهل ا ْلع ْل ِم نَ ْعلَ ُم ُه ِإالَّ َما ُرو َ‬
‫اس َعلَ ْيهِ‪َ ،‬وقَالُوا َما َس ِم ْعنَا أَ َحدا قَ َّص ِم ْن َها قَ ْبل‬ ‫ومة ِ فَأَ ْن َك َر النَّ ُ‬ ‫ِ‬
‫ال ُّز َب ْيرِ أَنَّ ُه قَ َّص م َن ا ْل َم ْأ ُم َ‬
‫ْاب ِن ال ُّزبَ ْي ِر<‪( .‬المغني البن قدامة‪.)512 ،522/5 :‬‬
‫شرح سنن ابن ماجه‪ :‬ص‪.122‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫حاشية السندي على ابن ماجه‪.121/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪202‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫وفي المغني البن قدامة‪َ :‬و ِألَنَّ ُه َما ُج ْر َحا ِن َال ُت ْؤ َم ُن ال ِّزيَ َاد ُة ِفيه َِما‪،‬‬
‫فَلَ ْم يَ ِج ْب ِفيه َِما قِ َصاص‪َ ،‬ك َك ْسرِ ا ْل ِع َظامِ(‪.)1‬‬
‫ــ ومن مظان فقهه ‪ ‬مراعاته حال الناس واحتياجاتهم‪ ،‬وتشهد‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫س ‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬ ‫لذلك رواية البخاري َع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫الس َم َو ِ‬
‫ات‬ ‫البلَ َد َح َّر َم ُه اهللُ يَ ْو َم َخلَ َق َّ‬ ‫‪ ‬يَ ْو َم فَ ْت ِح َم َّك َة‪ِ > :‬إ َّن َه َذا َ‬
‫ض‪ ،‬فَ ُه َو َح َرام بِ ُح ْر َمةِ اهلل ِ ِإلَى يَ ْومِ ال ِق َي َامةِ‪َ ،‬و ِإنَّ ُه ل َ ْم يَ ِح َّل ال ِق َت ُال ِفيه ِ‬ ‫َواألَ ْر َ‬
‫اعة ِم ْن نَ َها ٍر‪ ،‬فَ ُه َو َح َرام بِ ُح ْر َمةِ اهلل ِ ِإلَى‬ ‫ِألَ َح ٍد قَ ْبلِي‪َ ،‬ول َ ْم يَ ِح َّل لِي ِإ َّال َس َ‬
‫يَ ْومِ ال ِق َي َامةِ‪ ،‬الَ يُ ْع َض ُد َش ْو ُك ُه‪َ ،‬والَ يُنَف َُّر َص ْي ُد ُه‪َ ،‬والَ يَ ْل َت ِقطُ ل ُ َقطَ َت ُه ِإ َّال َم ْن‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إ َّال ا ِإل ْذ ِخ َر فَ ِإنَّ ُه‬ ‫اس‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫الع َّب ُ‬
‫َع َّرفَ َها‪َ ،‬والَ يُ ْخ َتلَى َخالَ ُه< فَ َق َال َ‬
‫لِ َق ْي ِنه ِْم َولِ ُب ُيوتِه ِْم‪ ،‬قَ َال‪ِ > :‬إ َّال ا ِإل ْذ ِخ َر<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني‪.252/3 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ .)2132‬ال َخال ــ بفتح الخاء ــ هو‪ :‬الرطب من النبات‪.‬‬
‫واختالؤه قطعه واحتشاشه‪.‬‬
‫الش َج َر ا ْل َم ْنه َِّي َع ْن ُه ب َِما يُ ْنب ُِت ُه اهللُ َت َعالَى‬‫وفي نيل األوطار‪ :‬قَ َال ا ْل ُق ْر ُطب ُِّي‪َ :‬خ َّص ا ْل ُف َق َه ُاء َّ‬
‫ِ‬ ‫ِم ْن َغ ْيرِ َص ِني ِع َآد ِمي‪ ،‬فَأَ َّما َما يَ ْن ُب ُت ب ُِم َعال َ َجة ِ َآد ِمي فَ ْ‬
‫ور َعلَى‬ ‫اخ ُتلِ َف فيهِ‪ ،‬فَا ْل ُج ْم ُه ُ‬
‫الش ِاف ِع ُّي‪ِ :‬في ا ْل َج ِمي ِع ا ْل َج َز ُاء َو َر َّج َح ُه ْاب ُن قُ َد َام َة َو ْاخ َتلَ ُفوا ِفي َج َز ِاء َج َز ِاء‬ ‫ا ْل َج َوازِ‪َ ،‬وقَ َال َّ‬
‫َما قُ ِط َع ِم ْن النَّ ْو ِع ْاأل َ َّو ِل فَ َق َال َمالِك‪َ :‬ال َج َز َاء ِفيه ِ بَ ْل يَ ْأثَ ُم َوقَ َال َعطَاء‪ :‬يَ ْس َت ْغ ِف ُر‪َ .‬وقَ َال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَبو َح ِني َف َة‪ :‬ي ْؤ َخ ُذ بِ ِقيم ِته ِ َه ْدي وقَ َال َّ ِ‬
‫يما ُدونَ َها َشاة‪ .‬قَ َال‬ ‫يمة ِ بَ َق َرة َوف َ‬ ‫الشاف ِع ُّي‪ :‬في ا ْل َع ِظ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الس َوا ِك م ْنِ‬‫الشاف ِع َّي أَ َجا َز قَط َْع ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ْاب ُن ا ْل َع َرب ِِّي‪ :‬ا َّت َف ُقوا َعلَى َت ْحرِيمِ قَ ْط ِع َش َجرِ ا ْل َح َرم ِ َّإال أَ َّن َّ‬
‫الش َج َر ِة َك َذا نَ َقلَ ُه أَبُو ثَ ْو ٍر َع ْن ُه‪َ ،‬وأَ َجا َز أَ ْيضا أَ ْخ َذ ا ْل َو َر ِق َوالثَّ َمرِ إ َذا َكا َن َال يَ ُض ُّر َها‬
‫فُ ُرو ِع َّ‬
‫الش ْو ِك لِ َك ْونِه ِ يُ ْؤ ِذي=‬ ‫َو َال يُ ْهلِ ُك َها‪َ ،‬وب َِه َذا قَ َال َعطَاء َو ُم َجا ِهد َو َغ ْي ُر ُه َما‪َ ،‬وأَ َجا ُزوا قَط َْع َّ‬

‫‪202‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫وأصل ذلك ما رواه البخاري َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة‪ :‬أَ َّن ُخ َز َ‬


‫اع َة قَ َتلُوا‬
‫ث ــ َع َام فَ ْت ِح َم َّك َة ــ بِ َق ِتي ٍل ِم ْن ُه ْم قَ َتلُ ُ‬
‫وه‪ ،‬فَأُ ْخب َِر بِ َذلِ َك‬ ‫َر ُجال ِم ْن بَ ِني لَي ٍ‬
‫ْ‬
‫احلَ َت ُه فَ َخطَ َب ‪( .‬وكان قوله السابق من‬ ‫(‪)1‬‬ ‫النَّبِي ‪ ،‬فَر ِك َب ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫خطبته تلك)‪.‬‬
‫الري ِح ل َ ُه أَ ْصل ُم ْن َد ِفن‬ ‫اإل ْذ ِخ ُر نَ ْبت َم ْع ُروف ِع ْن َد أَ ْه ِل َم َّك َة طَيِّ ُب ِّ‬ ‫َو ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫َوقُ ْض َبان دِقَاق يَ ْن ُب ُت ِفي َّ‬
‫يما قَالَه‬ ‫الس ْه ِل َوا ْل َح َز ِن‪َ ،‬وبِا ْل َم ْغر ِِب ِص ْنف ِم ْن ُه ف َ‬
‫ابن ا ْل َب ْيطَا ِر‪ ،‬قَ َال‪َ :‬وال َّ ِذي بِ َم َّك َة أَ ْج َو ُد ُه‪َ ،‬وأَ ْه ُل َم َّك َة يَ ْس ُق ُفو َن بِه ِ ا ْل ُب ُي َ‬
‫وت‬
‫ات ِفي ا ْل ُق ُبو ِر‪َ ،‬ويَ ْس َت ْع ِملُونَ ُه بَ َدال‬ ‫بَ ْي َن ا ْل َخ َش ِب َويَ ُس ُّدو َن بِه ِ ا ْل َخلَ َل بَ ْي َن اللَّبِنَ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫اس‪ :‬فَ ِإنَّ ُه لِ َق ْي ِنه ِْم َو ُه َو بِ َف ْت ِح ا ْل َقا ِ‬
‫ف‬ ‫ِم َن ا ْل َح ْل َفاء في ا ْل َوقُودِ؛ َولِ َه َذا قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫َو ُس ُكو ِن ال َّت ْح َتانِ َّيةِ بَ ْع َد َها نُون أَ ِي ا ْل َح َّد ُاد(‪.)5‬‬
‫ففي الحديث فَقه العباس حال الناس بمكة وكان من أهلها‪ ،‬ونبه‬
‫النبي ‪ ‬إلى ضرورة استثناء اإلذخر لحاجة الناس إليه‪ ،‬فاستثناه‬
‫النبي ‪.‬‬
‫والعباس هنا لم يستثن هو من عند نفسه‪َ ،‬و ِإنَّ َما أَ َر َاد بِه ِ أَ ْن يُلَ ِّق َن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــ َع ْن َذلِ َك (راجع نيل‬‫ج ْم ُهور لِنَ ْه ِيه ِ ــ ‪‬‬ ‫= بِطَب ِعه ِ فَأَ ْشب َه ا ْل َف َو ِ‬
‫اس َق َو َمنَ َع ُه ا ْل ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫األوطار‪ 22/2 ،‬ــ ‪.)21‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )115‬ومسلم‪ :‬ح (‪.)1222‬‬
‫(وخزاعة) اسم قبيلة وبنو ليث قبيلة أيضا‪( .‬راحلته) المركب من اإلبل‪.‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪ :‬ابن حجر‪ .22/2 ،‬وراجع‪ :‬شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام‪ :‬أبو الطيب‬
‫المكي‪.22/1 ،‬‬

‫‪202‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫اء(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫النَّب َِّي ‪ ‬اال ْست ْثنَ َ‬
‫س َكا َن َعلَى‬ ‫وفي الفتح‪ :‬قَ َال ابن ا ْل ُم ِنيرِ َوا ْل َح ُّق أَ َّن ُس َؤ َال ا ْل َع َّبا ِ‬
‫يص النَّب ِِّي ‪َ ‬كا َن َت ْبلِيغا َع ِن اهلل ِ ِإ َّما بِ َطرِي ِق‬ ‫اعةِ َو َت ْر ِخ ُ‬ ‫الض َر َ‬
‫َم ْعنَى َّ‬
‫اج ِإلَى أَ َم ٍد‬ ‫ول ا ْل َو ْح ِي يَ ْح َت ُ‬ ‫اإل ْل َهامِ أَ ْو بِطَرِي ِق ا ْل َو ْح ِي َو َم ِن ا َّد َعى أَ َّن نُ ُز َ‬ ‫ِْ‬
‫وص َّيةِ النَّب ِِّي ‪ ‬بِ َما ُذ ِك َر ِفي‬ ‫يث بَ َيا ُن ُخ ُص ِ‬ ‫ُم َّت ِس ٍع فَ َق ْد َو َه َم َو ِفي ا ْل َح ِد ِ‬
‫اج َعةِ ا ْل َعالِمِ ِفي ا ْل َم َصالِ ِح َّ‬
‫الش ْر ِع َّيةِ َوا ْل ُم َب َاد َر ُة ِإلَى َذلِ َك‬ ‫يث َو َج َوا ُز ُم َر َ‬‫ا ْل َح ِد ِ‬
‫ِ‬
‫د النَّبِي ‪‬‬
‫ِّ‬ ‫س ِع ْن َ‬ ‫يم َم ْن ِزلَةِ ا ْل َع َّبا ِ‬‫في ا ْل َم َجا ِم ِع َوا ْل َم َشا ِه ِد َو َع ِظ ُ‬
‫َو ِعنَايَ ُت ُه بِأَ ْمرِ َم َّك َة لِ َك ْونِه ِ َكا َن بِ َها أَ ْصلُ ُه َو ْمن َش ُؤ ُه َو ِفيه ِ َر ْف ُع ُو ُج ِ‬
‫وب ا ْله ِْج َر ِة‬
‫اء ُح ْك ِم َها ِم ْن بِ َال ِد ا ْل ُك ْف ِر ِإلَى يَ ْومِ ا ْل ِق َي َامةِ(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫َع ْن َم َّك َة ِإلَى ا ْل َمدينَةِ َو ِإ ْب َق ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ :‬ابن حجر‪.22/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪ .22/2 :‬وقال ابن حجر أيضا في بيان معنى الحديث‪َ :‬وقَول ُ ُه ‪‬‬
‫ْ‬
‫اإل ْذ ِخرِ ِفي ُع ُموم ِ َما يُ ْخ َتلَى‪،‬‬ ‫ض ِم ْن ُكل لِ ُد ُخو ِل ْ ِ‬ ‫اإل ْذ ِخ َر ُه َو ْاس ِت ْثنَ ُاء بَ ْع ٍ‬ ‫ِفي َج َوابِه ِ ِإ َّال ْ ِ‬
‫اض ٍح‪َ ،‬و َعلَى َج َوا ِز ا ْل َف ْص ِل بَ ْي َن‬ ‫َو ْاس ُت ِد َّل بِه ِ َعلَى َج َوا ِز النَّ ْس ِخ قَب َل ا ْل ِف ْع ِل َول َ ْي َس ب َِو ِ‬
‫ْ‬
‫ا ْل ُم ْس َت ْثنَى َوا ْل ُم ْس َت ْثنَى ِم ْن ُه‪َ ،‬و َمذْ َه ُب ا ْل ُج ْم ُهو ِر ْاشت َرا ُط االتِّ َصال ِإ َّما ل َ ْفظا َو ِإ َّما ُح ْكما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ا ْل َج َوا ُز ُم ْطلَقا‪َ ،‬ويُ ْم ِك ُن أَ ْن‬ ‫لِ َج َوا ِز ا ْل َف ْص ِل بالتنفس مثال‪َ ،‬وقد ْاشتهر َعن ابن َع َّبا ٍ‬
‫يُ ْح َت َّج ل َ ُه بِ َظا ِه ِر َه ِذهِ ا ْل ِق َّصةِ‪َ .‬وأَ َجابُوا َع ْن َذلِ َك بِأَ َّن َه َذا ِاال ْس ِت ْثنَ َاء ِفي ُح ْكمِ ا ْل ُم َّت ِص ِل‬
‫اس بِ َك َال ِمه ِ فَ َو َص َل‬ ‫اإل ْذ ِخ َر فَ َش َغلَ ُه ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ِال ْح ِت َما ِل أَ ْن يَ ُكو َن ‪ ‬أ َ َر َاد أَ ْن يَ ُق َ‬
‫ول ِإ َّال ْ ِ‬
‫اإل ْذ ِخر‪َ ،‬وقَ ْد قَ َال ابن مالِ ٍ‬
‫ك يَ ُجو ُز ا ْل َف ْص ِل َم َع ِإ ْض َما ِر‬ ‫َ‬ ‫َك َال َم ُه بِ َك َالم ِ نَ ْف ِسه ِ فَ َق َال ِإ َّال ْ ِ َ‬
‫ِاال ْس ِت ْثنَ ِاء ُم َّت ِصال بِا ْل ُم ْس َت ْثنَى ِم ْن ُه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اإل ْذ ِخر) ب ْ ِ ٍ‬
‫ض‬ ‫ِاجت َهاد أَ ْو َو ْح ٍي َوق َيل َكأَ َن اهلل َ فَ َّو َ‬ ‫َو ْاخ َتلَ ُفوا َه ْل َكا َن قَ ْول ُ ُه ‪ِ ( ‬إ َّال ْ ِ َ‬
‫ل َ ُه ا ْل ُح ْك َم ِفي َه ِذهِ ا ْل َم ْسأَلَة ِ ُم ْطلَقا َوقِ َيل‪ :‬أَ ْو َحى ِإل َ ْيه ِ قَ ْب َل َذلِ َك أَنَّ ُه ِإ ْن َطلَ َب أَ َحد=‬

‫‪200‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫‪ 3‬ـ ـ بالغة العباس ‪:‬‬


‫من يطالع سيرة العباس بن عبد المطلب سيجد الحكمة(‪ )1‬تتفجر‬
‫من بيانه‪ ،‬والبالغة تتدفق على لسانه‪ ،‬بالغة طبع ال بالغة تصنع‬
‫وتكلف‪.‬‬
‫فمن يتابع ما روي في وصاياه يجد بالغة القول‪ ،‬وجزالة اللفظ‪،‬‬
‫قل عدد حروفه‪ ،‬وكثر عدد معانيه‪ ،‬وخال من‬ ‫وحكمة الرأي‪ ،‬فكالمه َّ‬
‫الغريب الوحشي والمتنافر اللفظي‪ ،‬والهجين السوقي‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪:‬‬
‫روى البالذري بسنده عن أبي حصين‪ ،‬أن العباس بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اإل ْذ ِخ َر؛‬ ‫ٍ‬
‫س أَ ْن يَ ْس َت ْث ِن َي ْ ِ‬ ‫ِي َسا َغ لِل َْع َّبا ِ‬ ‫اء َش ْيء ِم ْن َذلِ َك فَأَ ِج ْب ُس َؤال َ ُه‪َ ،‬وقَ َال الطَّ َبر ُّ‬ ‫ِ‬
‫= ْاست ْثنَ َ‬
‫ِيم ا ْل ِق َتا ِل ُدو َن َما ُذ ِك َر ِم ْن َت ْحرِي ِم‬ ‫اح َت َم َل ِع ْن َد ُه أَ ْن يَ ُكو َن ا ْل ُم َر ُاد ب َِت ْحرِيمِ َم َّك َة َت ْحر َ‬ ‫ِألَنَّ ُه ْ‬
‫اإل ْذ ِخرِ‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫ِ‬
‫اء ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُسو ِل ب ْ ِ ِ ِ‬
‫ِاجت َهاده فَ َسا َغ ل َ ُه أَ ْن يَ ْسأَل َ ُه ْاست ْثنَ َ‬ ‫ِاال ْخ ِت َالء فَ ِإنَّ ُه ِم ْن َت ْحرِيمِ َّ‬
‫ول َكا َن ل َ ُه أَ ْن يَ ْج َت ِه َد ِفي ْاأل َ ْح َكام ِ َول َ ْي َس َما قَال َ ُه ب َِال ِزمٍ بَ ْل ِفي َت ْقرِيرِ ِه‬ ‫الر ُس َ‬ ‫َم ْب ِني َعلَى أَ َّن َّ‬
‫ام‪َ ،‬و َح َكى ابن بَطَّا ٍل َع ِن‬ ‫ص ا ْل َع ِّ‬ ‫س َعلَى َذلِ َك َدلِيل َعلَى َج َوا ِز َت ْخ ِصي ِ‬ ‫‪ ‬لِل َْع َّبا ِ‬
‫اس‬ ‫ور ِة‪َ ،‬وقَ ْد بَ َّي َن ا ْل َع َّب ُ‬ ‫الض ُر َ‬‫ور ِة َك َت ْحلِي ِل أَ ْك ِل ا ْل َم ْي َتة ِ ِع ْن َد َّ‬
‫لض ُر َ‬ ‫ا ْل ُم َهلَّ ِب أَ َّن ِاال ْس ِت ْثنَ َاء ُهنَا لِ َّ‬
‫ور ِة‬
‫لض ُر َ‬ ‫اح لِ َّ‬ ‫اإل ْذ ِخ َر َال ِغنى ِأل َ ْه ِل َمكَّة َع ُنه‪َ ،‬وتع َّقبه ابن ا ْل ُم ِنيرِ بِأَ َّن ال َّ ِذي يُ َب ُ‬ ‫َذلِ َك بِأَ َّن ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ي ْش َتر ُط ُح ُصول ُ َها ِفيه ِ فَلَو َكا َن ْ ِ ِ‬
‫يم ْن َت َح َّق َق ْت‬ ‫اإل ْذخ ُر ِم ْث َل ا ْل َم ْي َتة ِ َال ْم َتنَ َع ْاس ِت ْع َمال ُ ُه ِإ َّال ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ورة ا ْن َت َهى‪َ ،‬ويُ ْح َت َم ُل أَ ْن‬ ‫ِ‬ ‫الض ُر َ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْج َما ُع َعلَى أَنَّ ُه ُم َباح ُم ْطلَقا بِ َغ ْي ِر قَ ْيد َّ‬ ‫ِ‬
‫ور ُت ُه ِإل َ ْيه َو ْ ِ‬ ‫َض ُر َ‬
‫ور ِة َو َس َبب َِها َال أَنَّ ُه يُرِيد أَنه ُم َق ّيد َبها‪.‬‬ ‫لض ُر َ‬ ‫اح ِته ِ َكانَ ْت لِ َّ‬
‫يَ ُكو َن ُم َر ُاد ا ْل ُم َهلَّ ِب بِأَ َّن أَ ْص َل إِبَ َ‬
‫(الفتح‪ ،22/2 :‬وراجع‪ :‬حاشية السيوطي علي سنن النسائي‪ 522/2 ،‬ــ نيل‬
‫األوطار‪.)21/2 :‬‬
‫(‪ )1‬راجع مبحث شخصية العباس‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫عبد المطلب قال البنه عبد اهلل بن عباس حين اختصه عمر بن الخطاب‬
‫وقربه‪ :‬يا بني ال تكذبه فيطرحك‪ ،‬وال تغتب عنده أحدا فيمقتك‪ ،‬وال‬
‫تقولن له شيئا حتى يسألك‪ ،‬وال تفشين له سرا فيزدريك‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه‬
‫قال له‪ :‬إن هذا الرجل قد أدناك وأكرمك فاحفظ عني ثالثا‪ :‬ال يجربن‬
‫عليك كذبا‪ ،‬وال تفشين له سرا‪ ،‬وال تغتابن عنده أحدا(‪.)1‬‬
‫ــ أخرج ابن عساكر في تاريخه بسنده عن عكرمة عن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬قال أبي‪ :‬يا بني إن الكذب ليس بأحد من هذه األمة أقبح منه بي‬
‫وبك وبأهل بيتك‪ ،‬يا بني ال يكونن شيء مما خلق اهلل أحب إليك من‬
‫طاعته‪ ،‬وال أكره إليك من معصيته‪ ،‬فإن اهلل ينفعك بذلك في الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫ــ وروى ابن عساكر بسنده أيضا عن الشعبي عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫أحسنت إليه‬
‫ُ‬ ‫كان العباس بن عبد المطلب كثيرا ما يقول‪ :‬ما رأيت أحدا‬
‫أسأت إليه إال أظلم ما بيني‬
‫ُ‬ ‫إال أضاء ما بيني وبينه‪ ،‬وما رأيت أحدا‬
‫وبينه‪ ،‬فعليك باإلحسان واصطناع المعروف‪ ،‬فإن ذلك يقي مصارع‬
‫السوء‪.‬‬
‫ــ وروى أيضا بسنده عن عبد الحميد بن عبد اهلل بن إبراهيم‬
‫القرشي عن أبيه قال‪ :‬لما نزل بالعباس بن عبد المطلب الموت قال‬
‫البنه‪ :‬يا عبد اهلل إني ــ زاد ابن السمرقندي ــ واهلل ما مت موتا ولكني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البالذري في األنساب‪ .222/1 :‬وأحمد في الفضائل‪ :‬ح (‪ )1305‬من طريق‬
‫ُم َجالِد‪َ ،‬ع ْن َعا ِمرٍ‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َع َّبا ٍ‬
‫س به‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫فنيت فناء وقال‪ :‬وإني موصيك بحب اهلل وحب طاعته وخوف اهلل‬
‫وخوف معصيته فإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك وإني‬
‫أستودعك اهلل يا بني ثم استقبل القبلة‪ ،‬فقال‪ :‬ال إله إال اهلل ثم شخص‬
‫ببصره فمات(‪.)1‬‬
‫ــ وقبل وفاة العباس دخل عليه عثمان في مرضه الّذي مات فيه‬
‫وزودني‪ ،‬فقال‪ :‬الزم ثالث خصال تصب‬‫فقال‪ :‬أوصني بما ينفعني به‪ّ ،‬‬
‫فالخواص‪ :‬ترك مصانعة الناس في الحق‪ ،‬وسالمة‬
‫ّ‬ ‫عوام‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بها ثالث‬
‫القلب‪ ،‬وحفظ اللسان‪ ،‬تصب بها سرور الرعية‪ ،‬وسالمة الدين‪،‬‬
‫ورضى الرب(‪.)5‬‬
‫وفي األنساب‪ :‬المدائني َع ِن ْابن ُج ْع ُدبَة قَ َال‪َ :‬د َخ َل ُع ْث َمان ْبن‬
‫خال أمه أروى‬ ‫َعفَّان َعلَى ا ْل َع َّباس َر ِض َي اللَّه َت َعالَى َع ْن ُه َما‪َ ،‬و َكا َن ا ْل َع َّباس َ‬
‫بِ ْنت ُك َريز فَ َق َال‪ :‬يَا خال أوصني‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أوصيك بسالمة القلب‪ ،‬وترك‬
‫تفعل ذلك ترض‬ ‫ُم َصانَعة الرجال ِفي الحق‪ ،‬وحفظ اللسان‪ ،‬فإنك َم َتى ْ‬
‫ربك وتصلح لك رعيتك(‪.)2‬‬
‫ــ وفيه‪ :‬ا ْل َم َدائِ ِن ُّي َع ِن ْاب ِن ُج ْع ُدبَ َة َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن َعلِ ِّي ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ‪،‬‬
‫اس قَ َال لِ َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‪ :‬يَا بُنَ َّي ِإ َّن اهللَ قَ ْد بَلَّ َغ َك َش َر َف ال ُّد ْن َيا‬ ‫أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشواهد السابقة من تاريخ دمشق‪.255/50 :‬‬
‫(‪ )5‬أخبار الدولة العباسية‪ :‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )2‬أنساب األشراف‪.10/2 :‬‬

‫‪202‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫فَا ْطلُ ْب َشر َف ِ‬


‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬و ْاملِ ْك َه َوا َك َو ْ‬
‫احر ِْز لِ َسانَ َك ِإال ِم َّما ل َ َك(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫ما قاله لعمر عند فتح بيت‬ ‫‪‬‬ ‫ومن شواهد بالغته وحكمته‬
‫المقدس‪:‬‬
‫فقد روي الطبري بسنده عن رافع بن عمر قال‪ :‬سمعت العباس‬
‫بالجابية يقول لعمر‪ :‬أربع من عمل بهن استوجب العدل‪ :‬األمانة في‬
‫المال والتسوية في القسم والوفاء بالعدة والخروج من العيوب نظف‬
‫نفسك وأهلك(‪.)5‬‬
‫إن هذه الكلمات سالفة الذكر حبلى بالمعاني‪ ،‬التي ال يمتري‬
‫عاقل أنها خرجت من لسان وراءه قلب مجرب‪ ،‬ونور مشرق‪ ،‬ويالحظ‬
‫أن كثيرا ممن حوله كانوا يطلبون نصحه‪ ،‬وفي هذا إقرار بحكمته‪،‬‬
‫وتسليم بفطنته‪ ،‬وإشادة ببالغته ‪.‬‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف‪.15/2 :‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ الطبري‪.102/2 :‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫‪ 4‬ـ ـ العباس ‪ ‬شاعرا(‪:)6‬‬


‫الشعر عند العرب له مكانة كبيرة قبل اإلسالم وبعده‪ ،‬ولقد جاء‬
‫اإلسالم والعرب ينظمون الشعر ويحتفون به ويكرمون أصحابه ويعلقون‬
‫فرائده على أستار البيت الحرام‪ ،‬فما صادمه وال قاله‪ ،‬وإنما َّ‬
‫هذبه‬
‫ونقَّاه‪ ،‬فقال ‪ :‬إن من الشعر حكمة(‪.)5‬‬
‫وحث النبي ‪ ‬أصحابه على استخدام الشعر في مقام الدفاع‬ ‫َّ‬
‫عن الدين وحفظ حوزة المسلمين‪.‬‬
‫فمع ظهور اإلسالم بدت الحاجة واضحة إلى وجود فريق من‬
‫المسلمين يدفعون عن النبي ‪ ‬هجاء أعدائه من المشركين حتى‬
‫قال ‪ ‬ما يمنع القوم الذين نصروا رسول اهلل بالسنان أن ينصروه‬
‫باللسان‪ ،‬فكان حسان بن ثابت‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحه‪ ،‬وكعب بن مالك‬
‫‪ ،‬حتى قال لهم النبي ‪ :‬اهجوا قريشا فإنه أش ُّد عليها من‬
‫رشق بالنبل(‪.)2‬‬
‫والناظر يرى وبوضوح أن للشعر اليد الطولى في المساهمة في‬
‫تفسير كثي ٍر من ألفاظ الشريعة الواردة في األصلين العظيمين والمصدرين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشعر في األصل اسم للعلم الدقيق في قولهم ليت شعري‪ .‬وصار في التعارف اسما‬
‫للموزون المقفى من الكالم‪ ،‬والشاعر للمختص بصناعته‪( .‬مفردات غريب القرآن‪:‬‬
‫الراغب األصفهاني‪ ،‬ص‪.)505‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)0122‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )2235‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪.)51120‬‬

‫‪251‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫الكريمين الكتاب والسنة إذ بواسطة الشواهد واألدلة من األدب العربي‬


‫نستعين على فهم كتاب اهلل الكريم وسنة صاحب ال ُخلق العظيم‪.‬‬
‫وبواسطته بحث علماء اللسان األساليب المختلفة والتراكيب المتنوعة‬
‫في الشعر العربي فأرسوا قواعدهم وأصلوا أصولهم مستقين من معينه‬
‫ومستضيئين بنور مصباحه‪.‬‬
‫كما أن للشعر أثرا طيبا في إعانة طالب العلم وحملة الشريعة على‬
‫جمع ما تفرق ونظم ما تشتت من العلوم والفوائد بل وسائر الفنون‪ ،‬فإنه‬
‫ما من ف ٍن من فنون القرآن والحديث وعلوم اللغة إال وقد نظمت فيه‬
‫المناظيم‪ ،‬وقيلت فيه األشعار فسهل حفظها على الصغار والكبار‬
‫وللوسائل حكم المقاصد كما هو معروف(‪.)1‬‬
‫ولقد أثر عن كثير من اآلل والصحابة ‪ ‬قول الشعر إما نظما‬
‫له أو تم ُّثال به‪ ،‬وكان العباس ‪ ‬مما ورد عنه قول الشعر‪ ،‬فكان‬
‫يرجزه‪ ،‬كأي عربي أصيل تجيش قريحته حيال أم ٍر ما‪ ،‬حتى قال عنه‬
‫صاحب العمدة‪ :‬وأما العباس فكان شاعرا مغلقا حسن التهدي(‪.)5‬‬
‫وذكره المزرباني في معجم الشعراء وقال‪ :‬من معدودي خطباء‬
‫قريش وبلغائهم وذوي الفضل منهم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬الشعر في ضوء الشريعة اإلسالمية‪ :‬محمد بن عبد الرحمن األهدل‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫مقالة منشورة بمجلة الجامعة اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪.25‬‬
‫(‪ )5‬العمدة‪ :‬ابن رشيق القيرواني‪.20/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬معجم الشعراء‪.505/1 :‬‬

‫‪255‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫وسنُعنى عنه بما جرى على لسانه من شعر‪ ،‬ال أنه كان مبرزا فيه‬
‫مجبوال عليه كحسان وغيره‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫* من شعر العباس في مد النبي ‪( :‬من الطويل)‬
‫ـث يُ ْخ َصـ ُـف ا ْلـ َـو َر ُق‬
‫ُم ْسـ َـت ْو َد ٍع َح ْيـ ُ‬ ‫ِم ْن قَ ْبلِ َها ِط ْب َت ِفـي الظ َِّـال ِل َو ِفـي‬
‫ــــق‬ ‫أَ ْنـ َ‬
‫ــــت َو َال ُم ْضـــــ َغة َو َال َعلَـ ُ‬ ‫ـــت ا ْلــــب َِال َد َال بَ َشـــــر‬
‫ـــم َه َب ْطـ َ‬
‫ثُـ َّ‬
‫ــــر ُق‬
‫ــــه ا ْل َغ َ‬ ‫أَ ْل َج َ‬
‫ــــم نَ ْســــرا َو َاهلَ ُ‬ ‫ــد‬
‫ين َوقَ ْ‬ ‫الســ ِف َ‬
‫ــب َّ‬
‫ــل نُ ْط َفــة َت ْر َك ُ‬
‫بَ ْ‬
‫ِإ َذا َم َضــــى َعــــالِم بَــــ َدا ط ََب ُ‬
‫ــــق‬ ‫ــن َصـــالِ ٍب ِإلَـــى َر ِحـــ ٍم‬‫ــل ِمـ ْ‬ ‫ُت ْن َقـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك ا ْل ُم َه ْـي ِم ُن م ْـن خ ْنـــ َد َف َع ْل َي َ‬
‫ـــاء َت ْح َت َهـــا النُّطُـــ ُق‬ ‫اح َت َوى بَ ْي ُت َ‬
‫َح َّتى ْ‬
‫ــق‬‫ــاء ْت بِنُــو ِر َك ْاألُفُ ُ‬
‫ض َو َض َ‬ ‫ْاألَ ْر ُ‬ ‫ـــرقَ ِ‬
‫ت‬ ‫ـــد َت أَ ْشـ َ‬ ‫ـــت ل َ َّمــــا ُولِـ ْ‬
‫َوأَ ْنـ َ‬
‫الر َشـــــــادِ نَ ْخ َتـــــــر ُِق‬
‫ــــــب ُل َّ‬
‫َو ُسـ ْ‬ ‫الض َـي ِاء َو ِفـي النرـو ِر‬
‫فَنَ ْح ُن ِفي ذلك ِّ‬
‫* ومن شعره يوم حنين حين ثبت مع النبي ‪ ‬مع من ثبت‬
‫(‪)1‬‬
‫ولم يفر ‪( :‬من الطويل)‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫س قال‪:‬‬ ‫(‪ )1‬وأصل ذلك ما رواه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ )2105‬بسنده عن ُخ َر ْي ُم ْب ُن أَ ْو ِ‬
‫ول اهللِ‪ِ :‬إنِّي‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َر ِح َم ُه اهللُ يَا َر ُس َ‬
‫ُكنَّا ِع ْن َد النَّب ِِّي ‪ ‬فَ َق َال ل َ ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫ض اهللُ فَا َك< فَأَ ْن َشأَ ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس‬ ‫ات َال يَ ْف ُض ِ‬ ‫>ه ِ‬ ‫أُرِي ُد أَ ْن أَ ْم َد َح َك‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه النَّب ُِّي ‪َ :‬‬
‫يَ ُقولُ ‪ ...:‬األبيات)‪ .‬وأوردها التستري في قاموس الرجال (‪ )15/0‬في ترجمته‬
‫للعباس‪ .‬باختالف في بعض ألفاظها‪.‬‬
‫(‪ )5‬عيون األثر‪ :‬ابن سيد الناس‪ 205/5 ،‬ــ العمدة‪ :‬ابن رشيق القيرواني‪=.20/1 ،‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫ِ‬
‫ــوادي ُحنَـ ْــي ٍن َواألَســـنَّ ُة َت ْشـ َ‬
‫ـــر ُع‬ ‫بِـ َ ِ‬ ‫أَ َال َه ْل أَ َتى ِع ْر ِسي َم َك ِّري َو َم ْق َد ِمي‬
‫بِ َز ْو َر َاء ُت ْع ِطـي ِفـي ا ْل َيـ َد ْي ِن َو َت ْمنَ ُـع‬ ‫يـرة‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َك ْي َف َر َد ْد ُت ا ْل َخ ْي َل َوه َي ُمغ َ‬
‫َوقَ ْد فَ َّر َم ْـن قَ ْـد فَ َّـر َع ْن ُـه فَأَ ْق َش ُـعوا‬ ‫(‪)1‬‬
‫ول اهلل ِ ِفي ا ْل َح ْر ِب َس ْـب َعة‬
‫نَ َص ْـرنَا َر ُس َ‬

‫ـــه ِفـــي اهلل ِ ال يَ َت َو َّجـ ُ‬


‫ـــع‬ ‫بِ َمـــا َم َّس ُ‬ ‫ـــي ِفه ِ‬ ‫َوثَا ِمنُنَـــا القَـــى ا ْل ِح َم َ‬
‫ـــام بِ َس ْ‬
‫ــ ومما ُنسب إليه قوله ألخيه أبي طالب(‪:)1‬‬
‫قومنــا أن يُ ِ‬
‫نصـ ُفونا فأنصــفت قواطــع فــي أيماننــا تقطــر الــدما‬ ‫أبــي ُ‬
‫وإن أنصــفوا حتــى تعــق وتظلمــا‬ ‫النصـف مـنهم‬
‫َ‬ ‫أبا طالب ال تقبـل‬
‫وقال العباس بن عبد المطلب في نصرة قيس بن نشبة وجواره لما‬
‫ظُلم في مكة‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= االستيعاب‪ 312/5 :‬ــ وأورد المزرباني في معجمه بعضا منها‪( .‬معجم الشعراء‪:‬‬
‫‪.)505/1‬‬
‫(‪ )1‬السبعة هم‪ :‬العباس‪ ،‬وعلي ْبن أَبِي طَالِب‪ ،‬والفضل ْبن ا ْل َع َّباس‪ ،‬وأبو ُس ْف َيان ْبن‬
‫ا ْل َحارِث ْبن َع ْبد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪ ،‬وأسامة ْبن َز ْيد ْبن َحا ِر َث َة َم ْولَى َر ُسول اهلل ِ ‪ ،‬وأبو‬
‫رافع َم ْولَى َر ُسو ِل اهلل ِ‪ ،‬وأيمن ْبن ُعبيد أَ َخو أسامة ألمه أم أيمن‪ ،‬ويقال‪ِ :‬إن السابع‬
‫بعض ولد ا ْل َحارِث ْبن َع ْبد ا ْل ُم َّطلِ ِب‪ ،‬ويقال‪ :‬إنهم ا ْل َع َّباس‪ ،‬وعلي‪ ،‬وأبو‬
‫ُ‬ ‫مكان أيمن‬
‫ُس ْف َيان ْبن ا ْل َحارِث‪ ،‬وعقيل ْبن أَبِي طَالِب‪َ ،‬‬
‫وع ْبد اللَّه ْبن ال ُّز َب ْير‪ ،‬والزبير ْبن ا ْل َع َّوام‪،‬‬
‫وأسامة ْبن َز ْيد‪ ،‬وبنو ا ْل َحارِث يقولون‪ِ :‬إن َج ْع َفر ْبن أَبِي ُس ْف َيان شهد ُحنينا أيضا‪.‬‬
‫(أنساب األشراف‪.)2/2 :‬‬
‫(‪ )5‬معجم الشعراء‪.505/1 :‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس يف حمراب العلم واحلكمة‬

‫وأسعطت(‪ )1‬فيه الرغم من كان راغمـا‬ ‫حفظـــت لقـــيس حقـــه وذمامـــه‬


‫(‪)5‬‬
‫أحــض عليــه للتناصــر هاشــما‬ ‫سأنصــره مــا كــان حيــا وإن أمــت‬
‫* وذكروا أَن ا ْل َع َّباس بنى داره ال َّ ِتي َكانَ ْت ِإلَى ا ْل َم ْس ِجد وجعل يرتجز‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫اره‬
‫فبــاركن ألهــ ِل هــذي الــ ّد ْ‬
‫ْ‬ ‫بنيتهــــــا بــــــالل ِّبن والحجــــــاره‬
‫ُ‬
‫* ومن شعره قوله البنه قثم‪ ،‬من الرجز‪.‬‬
‫ـــث ْم‪َ ،‬شـــب ُِيه ِذي ْاألَ ْنـــ ِ‬
‫ف ْاألَ َش ْ‬
‫ـــم‬ ‫ِحبِّـــي قُ َ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫نَبِي َرب ِذي الن ِّ َع ْم‪ ،‬بِر ْغمِ أَ ْن ِ‬
‫ف َم ْن َرغ ْم‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬

‫** ** **‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أسعطت فيه الرغم‪ :‬أي طعنت بالرمح في أنف الذي يكرهه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المنمق‪ :‬ص‪ .122‬والقصة أوردها ابن حجر مختصرة في اإلصابة‪ ،231/2 :‬وراجع‪:‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫نهاية األرب للنويري‪ .505/0 ،‬وسبق إيرادها في هذا البحث ص ‪.222‬‬
‫أنساب األشراف‪.15/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫هكذا ضبطها‪ ،‬وقد صحفت إلى حي بدال من حبي‪ ،‬ونبي ذي النعم‪ ،‬بحذف رب‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬صحيح ابن حبان‪ .221/12 :‬ومصنف عبد الرزاق‪ :‬ح (‪.)2551‬‬

‫‪252‬‬
‫العباس إشكاالت وشبهات‬

‫يف ا ال ص من البحث سنتعرض بالبيان لبعض‬


‫اإلشكاالت الكاسدة والشبهات ال اسدة اليت أثريت أو قد ت ار‬
‫على العباس بن عبد املطلب ‪ ،‬حماولني اإلجابة عليها‬
‫قدر اإلمكان‪ ،‬ملتم ني من اهلل العون والتوفيق‪.‬‬
‫إشاكالت ىلع العباس ‪‬‬

‫‪‬‬ ‫أوالً‪ :‬إشكاالت على العباس‬


‫هناك بعض القضايا واألحداث التاريخية التي قد يسيء البعض‬
‫مجردا إياها من سياقها وسباقها ولحاقها‬
‫فهمها قصدا أو بغير قصد‪ِّ ،‬‬
‫متخذا منها ذريعة لمحاولة النيل من العباس أو القدح في عالقته بغيره‬
‫من الصحابة‪ ،‬وهذا ما سنعرض له بشيء من اإليجاز غير المخل مع ر ِّده‬
‫وبيان عواره ما أمكن‪.‬‬
‫* لماذا لم يكن العباس ‪ ‬من العشرة المبشرين بالجنة؟‬
‫من اإلشكاالت التي تبدو للناظر في سيرة العباس ‪ ‬أنه رغم‬
‫قرابته للنبي ‪ ‬ومكانته عنده‪ ،‬وما روي في مناقبه وفضائله إال أنه‬
‫مصاف العشرة المبشرين بالجنة والذين وردت البشارة بهم‬
‫ِّ‬ ‫لم يُع ّد في‬
‫في حديث النبي ‪.‬‬
‫ول اهلل ِ ‪:‬‬ ‫ف‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬ ‫الر ْحم ِن ْب ِن َع ْو ٍ‬
‫فع ْن َع ْب ِد َّ َ‬‫َ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬و َعلِي ِفي‬ ‫ِ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬و ُع ْث َما ُن في َ‬
‫ِ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬و ُع َم ُر في َ‬
‫ِ‬
‫>أَبُو بَ ْك ٍر في َ‬
‫ف ِفي‬ ‫الر ْحم ِن ْب ُن َع ْو ٍ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬و َع ْب ُد َّ َ‬
‫ِ‬
‫الجنَّةِ َوال ُّزبَ ْي ُر في َ‬
‫ِ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬و َط ْل َح ُة في َ‬
‫َ‬
‫الج َّرا ِح ِفي‬ ‫ِ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬و َس ِعيد في َ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬وأَبُو ُع َب ْي َد َة ْب ُن َ‬
‫ِ‬
‫الجنَّةِ‪َ ،‬و َس ْعد في َ‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫الجنَّة< ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده‪ :‬ح (‪ )1022‬وقال شعيب‪ :‬إسناده قوي على شرط مسلم ــ=‬

‫‪252‬‬
‫إشاكالت ىلع العباس ‪‬‬

‫واإلجابة عل ه ا اإلشكال تتحدد من عدة وجوه‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ أظهرت الروايات أن بواكير هذه البشارة للعشرة تمت فوق‬
‫جبال مكة في بدء الدعوة‪ ،‬وتحديدا فوق جبل حراء‪ ،‬ووقتها لم يدخل‬
‫العباس ‪ ‬اإلسالم‪ ،‬بناء على المشهور في إسالمه‪.‬‬
‫فقد روى اإلمام أحمد بن حنبل بسنده َع ْن َس ِعي ِد ْب ِن َز ْي ِد ْب ِن َع ْمرِو‬
‫ا ْب ِن نُ َف ْي ٍل‪ ،‬قَ َال‪ :‬أَ ْش َه ُد أَ َّن َعلِ ًّيا‪ِ ،‬م ْن أَ ْه ِل ا ْل َجنَّةِ قُ ْل ُت‪َ :‬و َما َذا َك؟ قَ َال‪ُ :‬ه َو‬
‫ِفي ال ِّت ْس َعةِ‪َ ،‬ول َ ْو ِش ْئ ُت أَ ْن أُ َس ِّم َي ا ْل َع ِاش َر َس َّم ْي ُت ُه‪ ،‬قَ َال‪ :‬ا ْه َت َّز ِح َراء‪ ،‬فَ َق َال‬
‫ول اهلل ِ ‪> :‬ا ْث ُب ْت ِح َر ُاء فَ ِإنَّ ُه ل َ ْي َس َعلَ ْي َك ِإال نَبِي‪ ،‬أَ ْو ِص ِّديق‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ،‬وأَبُو بَ ْك ٍر‪َ ،‬و ُع َم ُر‪َ ،‬و َعلِي‪،‬‬ ‫أَ ْو َشهِيد< قَ َال(‪َ > :)1‬ر ُس ُ‬
‫ف‪َ ،‬و َس ْعد<‪َ ،‬وأَنَا ــ‬ ‫الر ْحم ِن ْب ُن َع ْو ٍ‬
‫َو ُع ْث َما ُن‪َ ،‬و َط ْل َح ُة‪َ ،‬وال ُّزبَ ْي ُر‪َ ،‬و َع ْب ُد َّ َ‬
‫يَ ْع ِني َس ِعيد نَ ْف َس ُه(‪.)5‬‬
‫س‪ ،‬أَنَّ ُه َكا َن ِفي‬ ‫الر ْح َم ِن ْب ِن ْاألَ ْخنَ ِ‬ ‫وفي سنن أبي داود َع ْن َع ْب ِد َّ‬
‫ا ْل َم ْس ِج ِد فَ َذ َك َر َر ُجل َعلِ ًّيا ‪ ‬فَ َق َام َس ِعي ُد ْب ُن َز ْي ٍد فَ َق َال‪ :‬أَ ْش َه ُد َعلَى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= والترمذي‪ :‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬ح (‪ .)2525‬وقال‬
‫األلباني‪ :‬صحيح‪ .‬والنسائي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )3122‬وابن حبان‪ :‬كتاب إخباره عن‬
‫مناقب الصحابة‪ ،‬ح (‪.)5225‬‬
‫(‪ )1‬القائل هو‪ :‬سعيد بن زيد‪ ،‬بدليل قوله بعد ذلك >وأنا<‪ ،‬وفي رواية‪ :‬أن الراوي عنه‬
‫عبد اهلل ابن ظالم سأله‪َ :‬من هم؟‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬مسند العشرة المبشرين بالجنة ــ مسند سعيد بن زيد‪ ،‬ح‬
‫(‪ .)1022‬وقال شعيب‪ :‬إسناده حسن‪ .‬زائدة‪ :‬هو ابن قدامة‪ ،‬وأخرجه الشاشي‬
‫(‪ )120‬من طريق زائدة‪ ،‬بهذا اإلسناد‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫إشاكالت ىلع العباس ‪‬‬

‫ول‪َ > :‬ع ْش َرة ِفي ا ْل َجنَّةِ النَّب ُِّي ِفي‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أَنِّي َس ِم ْع ُت ُه َو ُه َو يَ ُق ُ‬
‫ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬وأَبُو بَ ْك ٍر ِفي ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬و ُع َم ُر ِفي ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬و ُع ْث َما ُن ِفي ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬و َعلِي‬
‫ِفي ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬و َط ْل َح ُة ِفي ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬وال ُّزبَ ْي ُر ْب ُن ا ْل َع َّوامِ ِفي ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬و َس ْع ُد ْب ُن‬
‫ف ِفي ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬ول َ ْو ِش ْئ ُت ل َ َس َّم ْي ُت‬‫الر ْحم ِن ْب ُن َعو ٍ‬
‫ْ‬ ‫ك في ا ْل َجنَّةِ‪َ ،‬و َع ْب ُد َّ َ‬
‫مالِ ٍ ِ‬
‫َ‬
‫ا ْل َع ِاش َر< قَ َال‪ :‬فَ َقالُوا‪َ :‬م ْن ُه َو؟ فَ َس َك َت‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َقالُوا‪َ :‬م ْن ُه َو؟ فَ َق َال‪ُ :‬ه َو‬
‫> َس ِعي ُد ْب ُن َز ْي ٍد<(‪.)1‬‬
‫‪ 5‬ــ أن هؤالء العشرة بشروا بالجنة؛ ألنهم من السابقين‬
‫المهاجرين المجاهدين‪ ،‬شهدوا بدرا‪ ،‬وشهدوا بيعة الرضوان‪،‬‬
‫والمشاهد كلها‪ ،‬وبذلوا الغالي والنفيس؛ األنفس والمهج‪ ،‬والمال‬
‫واألهل‪ ،‬والوطن‪ ،‬ابتغاء وجه اهلل الكريم‪ ،‬وأخلصوا دينهم هلل تعالى‪.‬‬
‫فبشروا بالجنة لسابق إسالمهم وتضحياتهم‪ ،‬يقول سعيد بن جبير‪:‬‬
‫كان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعيد وطلحة والزبير وسعد‬
‫وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬كانوا أمام‬
‫الصف‪ ،‬وليس‬‫ِّ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬في القتال‪ ،‬وخلفه في الصالة في‬
‫ألح ٍد من المهاجرين واألنصار يقوم مقام أح ٍد منهم‪ ،‬غاب أم شهد(‪.)5‬‬
‫والعباس ‪ ‬لم يكن من السابقين ولم يشهد بدرا وال بيعة الرضوان‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود في سننه‪ :‬ح (‪ )2022‬وصححه األلباني‪ ،‬الصحيحة ‪،212/2‬‬
‫والترمذي‪ :‬ح (‪ )2523‬وابن ماجه‪ :‬ح (‪ )122‬والنسائي في الكبرى‪ :‬ح (‪)3122‬‬
‫وابن حبان في صحيحه‪ :‬ح (‪.)5225‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق‪ ،32/51 :‬وانظر‪ :‬أسد الغابة‪.250/5 ،‬‬

‫‪231‬‬
‫إشاكالت ىلع العباس ‪‬‬

‫المبشرين بالجنة بمجموع رواياته ال يعني‬


‫َّ‬ ‫‪ 2‬ــ أن حديث العشرة‬
‫تصريحا وال تلميحا أن غيرهم ال يدخلون الجنة‪ ،‬إذ ليس فيه حصر وال‬
‫قصر(‪.)1‬‬
‫فحديث العشرة بجميع رواياته ال يقصر دخول الجنة على هؤالء‬
‫العشرة وحدهم دون ما عداهم‪ ،‬إال أنه يدل على أن من جملة الداخلين‬
‫في الجنة العشرة الذين ورد ذكرهم إكراما لهم‪ ،‬ومباركة لسعيهم‪،‬‬
‫ومكافأة على إخالصهم هلل ورسوله‪ ،‬ويدل عليه أن النبي ‪ ‬قد‬
‫شهد بالجنة أيضا لغيرهم‪.‬‬
‫ــ فكما شهد رسول اهلل ‪ ‬للعشرة بالجنة‪ ،‬فقد شهد ألهل‬
‫بدر بالجنة؛ ففي الصحيحين(‪ )5‬عن علي ‪ ‬في قصة َحا ِط ِب ْب ِن أَبِي‬
‫بَ ْل َت َع َة ‪ ‬عند فت ِح مكَّة‪ ،‬أن رسول اهلل ِ ‪ :‬قال فيه‪ِ > :‬إنَّ ُه قَ ْد‬
‫ِيك ل َ َع َّل اهللَ أَ ْن يَ ُكو َن قَ ِد ا َّطلَ َع َعلَى أَ ْه ِل بَ ْد ٍر فَ َق َال‪:‬‬
‫َش ِه َد بَ ْدرا‪َ ،‬و َما يُ ْدر َ‬
‫ْاع َملُوا َما ِش ْئ ُت ْم فَ َق ْد َغ َف ْر ُت ل َ ُك ْم<‪.‬‬
‫ــ وشهد كذلك ألهل بيعة الرضوان بالجنة‪ ،‬ففي سنن أبي داود‬
‫وغيره‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن رسول اهلل ِ ‪ ‬أنه قال‪َ > :‬ال يَ ْد ُخ ُل النَّ َار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد أخرجت مبرة اآلل واألصحاب مؤلفا بهذا الخصوص‪ ،‬بعنوان‪ :‬من بُشر بالجنة‬
‫من غير العشرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب الجاسوس‪ ،‬ح (‪ )2225‬ــ وانظر‬
‫األحاديث‪ ،0222 ،0522 ،2552 ،2232 ،2231 :‬وانظر‪ :‬صحيح مسلم‪:‬‬
‫كتاب فضائل الصحابة ــ باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة وأهل بدر‪ ،‬ح (‪.)2424‬‬

‫‪235‬‬
‫إشاكالت ىلع العباس ‪‬‬

‫الش َج َر ِة<(‪.)1‬‬
‫أَ َحد ِم َّم ْن بَايَ َع َت ْح َت َّ‬
‫ــ كما ورد لغيرهم التبشير بالجنة مثل‪ :‬جعفر‪ ،‬والحسن‪،‬‬
‫والحسين‪ ،‬والرميصاء امرأة أبي طلحة‪ ،‬وبالل‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬
‫ففي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة قال‪ :‬قال ‪> :‬أريت‬
‫جعفرا ملكا يطير بجناحيه في الجنة<(‪.)5‬‬
‫أنه قال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫وفي سنن الترمذي عن حذيفة‪ ،‬عن النبي‬
‫الجنَّةِ<(‪.)2‬‬
‫اب أَ ْه ِل َ‬
‫الح َس ْي ُن َسيِّ َدا َش َب ِ‬
‫الح َس ُن َو ُ‬
‫> َ‬
‫البخاري َع ْن َجابِرِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ َال‬ ‫وفي صحي ِح ُ‬
‫الر َم ْي َص ِاء(‪ْ ،)2‬ام َرأَ ِة أَبِي‬ ‫النَّب ُِّي ‪َ > :‬رأَ ْي ُت ِني َد َخ ْل ُت َ‬
‫الجنَّ َة‪ ،‬فَ ِإ َذا أَنَا بِ ُّ‬
‫َط ْل َح َة‪َ ،‬و َس ِم ْع ُت َخ َش َفة(‪ ،)2‬فَ ُق ْل ُت‪َ :‬م ْن َه َذا؟ فَ َق َال‪َ :‬ه َذا بِالَل‪َ ،‬و َرأَ ْي ُت‬
‫قَ ْصرا بِ ِفنَائِه ِ َجارِيَة‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪ :‬لِ َم ْن َه َذا؟ فَ َق َال‪ :‬لِ ُع َم َر‪ ،‬فَأَ َر ْد ُت أَ ْن أَ ْد ُخلَ ُه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرجه أبو داود في سننه‪ :‬كتاب السنة‪ ،‬باب في الخلفاء‪ ،‬ح (‪ .)2022‬والترمذي‬ ‫(‪)1‬‬
‫في سننه‪ :‬كتاب المناقب‪ ،‬باب في فضل َمن بايع تحت الشجرة‪ ،‬ح (‪،)2302‬‬
‫وصححه األلباني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه‪ :‬إخباره ‪ ‬عن مناقب الصحابة رجالهم‬ ‫(‪)5‬‬
‫وصححه الشيخ شعيب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ونسائهم‪ ،‬ح (‪.)5225‬‬
‫أخرجه الترمذي في سننه‪ :‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب الحسن والحسين‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ح (‪.)2531‬‬
‫الر َم ْي َصاء‪ :‬أم سليم بنت ملحان‪ ،‬أم أنس بن مالك األنصارية‪ ،‬انظر‪ :‬اإلصابة‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ 122/3‬برقم ‪ ،11123‬كنى النساء‪ ،‬حرف السين ــ أم سليم بنت ملحان‪.‬‬
‫الحس والحركة‪( .‬لسان العرب ‪ /‬خشف‪.)51/2 .‬‬‫الخشف‪ُّ :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪232‬‬
‫إشاكالت ىلع العباس ‪‬‬

‫ول اهلل ِ أَ َعلَ ْي َك‬


‫فَأَ ْن ُظ َر ِإل َ ْيه ِ‪ ،‬فَ َذ َك ْر ُت َغ ْي َر َت َك< فَ َق َال ُع َم ُر‪ :‬بِأَبِي َوأُ ِّمي يَا َر ُس َ‬
‫أَ َغ ُار(‪.)1‬‬
‫إذن فعدم دخول العباس ‪ ‬في جملة المبشرين بالجنة في‬
‫حديث واحد غير قاد ٍح فيه‪ ،‬وال يعد مستمسكا لمن يريد ذلك‪ ،‬سيما‬
‫النبي ‪ ‬مستجاب‪.‬‬ ‫وقد دعا له النبي ‪ ‬بالمغفرة‪ ،‬ودعاء ِّ‬
‫روى الترمذي في سننه بسنده‪َ ،‬ع ْن ُك َر ْي ٍب عن ابن عباس قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪ ‬للعباس‪ِ > :‬إ َذا َكا َن َغ َدا َة ِاال ْثنَ ْي ِن فَ ْأتِ ِني أَ ْن َت َو َول َ ُد َك‬
‫َح َّتى أَ ْد ُع َو ل َ ُه ْم بِ َد ْع َو ٍة يَ ْن َف ُع َك اهللُ بِ َها َو َول َ َد َك<‪ ،‬فَ َغ َدا َو َغ َد ْونَا َم َع ُه فَأَ ْل َب َسنَا‬
‫س َو َول َ ِدهِ َم ْغ ِف َرة ظَا ِه َرة َوبَا ِطنَة َال ُت َغا ِد ُر‬ ‫ِك َساء ثُ َّم قَ َال‪ُ > :‬‬
‫الله َّم ْاغ ِف ْر لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫اح َفظ ُْه ِفي َول َ ِدهِ<(‪.)5‬‬ ‫الله َّم ْ‬ ‫َذ ْنبا‪ُ ،‬‬
‫وقال له رسول اهلل ‪> :‬يَا أَبَا ا ْل َف ْض ِل ل َ َك ِم َن اهلل ِ َح َّتى‬
‫َت ْر َضى<(‪.)2‬‬
‫وهل يرضى العباس بأقل من الجنة؟‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬مناقب عمر بن الخطاب‪ ،‬ح (‪.)2250‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الترمذي في سننه‪ :‬كتاب المناقب باب مناقب العباس‪ ،‬ح (‪ )2505‬وقال هذا‬
‫حديث حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه‪ ،‬وقال الشيخ األلباني‪ :‬حسن‪.‬‬
‫وأخرجه الخالل في السنة‪ 32/1 :‬ح (‪ )52‬والبزار في مسنده‪ :‬ح (‪ )2512‬واآلجري‬
‫في الشريعة‪ :‬ح (‪.)1520‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر إسالم العباس‪،‬‬
‫ح (‪ )2211‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬وعلق الذهبي في التلخيص‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫إشاكالت ىلع العباس ‪‬‬

‫* لماذا لم يكن العباس في أهل الشور ؟‬


‫لعل من اإلشكاالت التي قد تبدر إلى بعض األذهان فيما يخص‬
‫العباس ‪ ‬أنه طالما حظي بهذه المكانة وتلك المنزلة عند النبي‬
‫‪ ‬وعند الصحابة ــ والتي سبق بيانها ــ فلم والحال هذا لم يكن‬
‫من أهل الشورى الذين أوصى عمر قبيل وفاته بأن يُختار الخليفة من‬
‫بينهم؟ وبعبارة أخرى‪ :‬لم تم استبعاده من أهل الشورى؟‪.‬‬
‫ويجيب على هذا اإلشكال الحافظ ابن حجر حيث يقول في فتح‬
‫الباري‪ :‬وكان إسالمه ــ أي العباس ــ على المشهور قبل فتح مكة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬قبل ذلك‪ ،‬وليس ببعي ٍد‪ ،‬فإن في حديث أنس في قصة الحجاج‬
‫ابن عالط ما يؤيد ذلك‪ ...‬وألجل أنه لم يهاجر قبل الفتح لم يدخله‬
‫عمر في أهل الشورى‪ ،‬مع معرفته بفضله واستسقائه به(‪.)1‬‬
‫تعمد إقصاء للعباس ‪ ‬وإنما هي‬ ‫إذن فالمسألة هنا ليست ّ‬
‫مراعاة أسبقية إسالم‪ ،‬وبكورة إيمان‪ ،‬وتقدير تضحية بُذلت في سبيل‬
‫إعزاز الدين ونصرته‪.‬‬
‫والعباس وإن كان أقرب إلى النبي ‪ ‬نسبا ممن تولى‬
‫الخالفة؛ إال أنها لم تطلب له‪ ،‬مع تقدير الصحابة له وحبهم إياه‪ ،‬وذلك‬
‫لعدم توافر شروطها األساسية فيه‪ ،‬من سبق إلى اإلسالم وعظم تضحية‬
‫فيه‪ ،‬وهجرة متقدمة‪ ،‬إلى غير ذلك من الشروط‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري ‪ .11/1‬والمراد أنه لم يهاجر قبل الفتح ليس نفي الهجرة عنه‪ ،‬وإنما يراد منه أنه‬
‫لم يهاجر قبل الفتح بزمن طويل‪ ،‬فلم يكن في طليعة المهاجرين‪ ،‬وال في أفواجهم األولى‪،‬‬
‫حيث تأخرت هجرته كما أسلفنا‪ ،‬وراجع في ذلك المبحث المتعلق بهجرته من هذا البحث‬

‫‪232‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ثانياً‪ :‬شبهات على العباس‬


‫الناس تجاه العباس ‪ ‬أصناف ثالثة‪ :‬طرفان ووسط‪ ،‬أو‪:‬‬
‫ومفرط ومعتدل؛ فصنف أفرط فيه وغالى وزعم إمامته بعد النبي‬ ‫مفرِط ِّ‬
‫‪ ‬نصا‪ ،‬وصنف َّفرط فيه محاوال وصمه بميسم سوء يبقى عليه‬
‫عاره وشناره‪ ،‬مبيحا ذمه والطعن فيه بناء على رؤى خاصة رآها‪ ،‬وبين‬
‫هذا وذاك سيقت شبه للطعن في عالقة العباس بصحابة النبي‬
‫عم النبي العباس فأعطاه‬
‫‪ ،‬وصنف ثالث‪ :‬اعتدل في نظرته إلى َّ‬
‫وبوأه مكانته دون غل ٍو أو انتقاص‪.‬‬
‫حقه َّ‬
‫وسنحاول في هذا الجزء من البحث أن نعرض لبعض شبهات‬
‫الغالين في العباس ‪ ،‬وكذا المنتقصين له‪ ،‬مع ر ِّد شبهاتهم وبيان‬
‫زيفها‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫* الشبهة األولى‪( :‬العباس واإلمامة) الراوندية أو العباسية‬


‫وإمامة العباس بن عبد المطلب(‪:)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الر َاو ْن ِد ُّ‬
‫ي ا ْل ُم َت َوفَّى َسنَ َة‬ ‫(‪ )1‬الراوندية‪ :‬نسبة إلى أبي ا ْل ُح َس ْي ِن أَ ْح َم ُد ْب ُن يَ ْح َيى ْب ِن إِ ْس َح َاق َّ‬
‫اج َم َمذْ َه َب ُه ْم َو َص َار ُم ْل ِحدا‬ ‫‪َ 523‬وقِ َيل‪َ .522 :‬كا َن ِم ْن أَئِ َّمة ِ ا ْل ُم ْع َت ِزلَة ِ ثُ َّم فَ َارقَ ُه ْم َو َه َ‬
‫ت ‪)05/1‬‬ ‫ِي (ا ْل َم َق َاال ِ‬ ‫الش ْه َر ْس َتانِ ُّي (ا ْل ِملَ َل َوالن ِّ َح َل ‪َ )152/1‬و ْاأل َ ْش َعر ُّ‬ ‫ِز ْن ِديقا‪َ ،‬وقَ ْد َع َّد ُه َّ‬
‫ت ‪ )152/1‬أَنَّ ُه َكا َن يَ ُقولُ بِ َق ْو ِل‬ ‫ِي (ا ْل َم َق َاال ِ‬‫الش َيعةِ‪َ .‬و َذ َك َر ْاأل َ ْش َعر ُّ‬ ‫ِم ْن ُم َؤل ِّ ِفي ُك ُت ِب ِّ‬
‫اإل ْر َج ِاء‪ .‬ونقل عنه قوله‪ :‬كان يزعم أن السجود للشمس‬ ‫ِيس ِّي ِفي ْ ِ‬‫اب ب ِْش ٍر ا ْل َمر ِ‬ ‫أَ ْص َح ِ‬
‫ليس بكفر ولكنه علم على الكفر ألن اهلل ع َّز وجلَّ بين لنا أنه ال يسجد للشمس إال‬
‫كافر‪.‬‬
‫وذكره ابن خلكان‪( :‬وفيات األعيان‪ )22/1 :‬وقال‪ :‬وله من الكتب المصنفة نحو من‬
‫مائة وأربعة عشر كتابا‪ ،‬منها كتاب فضيحة المعتزلة وكتاب التاج وكتاب الزمرد‬
‫وكتاب >القصب< وغير ذلك‪ .‬وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكالم‪،‬‬
‫وقد انفرد بمذاهب نقلها أهل الكالم عنه في كتبهم‪.‬‬
‫توفي سنة خمس وأربعين ومائتين برحبة مالك بن طوق التغلبي‪ ،‬وقيل‪ :‬ببغداد‪،‬‬
‫وتقدير عمره أربعون سنة‪ ،‬وذكر في >البستان< أنه توفي سنة خمسين‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ونسبته إلى راوند ــ بفتح الراء والواو وبينهما ألف وسكون النون وبعدها دال مهملة ــ‬
‫وهي قرية من قرى قاسان بنواحي أصبهان‪ .‬وراوند أيضا ناحية ظاهر نيسابور‪.‬‬
‫وترجمة ابن الراوندي في الفهرست‪ ،)123( :‬والمنتظم (‪ ،)22/0‬وكتاب االنتصار‬
‫للخياط كله في الرد عليه‪ ،‬وقد ذكره أبو العالء في رسالة الغفران‪ )201( :‬وأنحى‬
‫عليه ذاما؛ وقد أبدى بعض المعلقين على هوامش نسخ >الوفيات< قلقا شديدا ألن‬
‫ابن خلكان لم يتناوله بالذم فجاء على هامش إحداها‪> :‬لم ينصف المصنف في‬
‫سكوته عن ابن الراوندي وهو من مشاهير الزنادقة‪ ...‬الخ< وقال في هامش‬
‫أ‪> :‬وأخطأ ابن خلكان في عدم تجريحه وذكر ضالالته ومخازيه وقد ذكره ابن‬
‫الجوزي والذهبي وابن قاضي [شهبة]<‪( .‬راجع‪ :‬وفيات األعيان‪ :‬حاشية ‪.)22/1‬‬
‫ات< (ص‪ )22‬بِال َّت ْف ِصي ِل َو َذ َك َر َما قِ َيل=‬ ‫ات ا ْل َجنَّ ِ‬ ‫ِي ِفي > َر ْو َض ِ‬ ‫َوقَ ْد َت َكلَّ َم َع ْن ُه ا ْل َخ َوا ْن َسار ُّ‬

‫‪235‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫* تقرير الشبهة‪:‬‬
‫لعل من أبرز الغالين في العباس‪ ،‬من زعم إمامته بعد النبي‬
‫‪ ‬نصا من النبي ‪ ‬عليه‪ ،‬ثم تدرجا في أبنائه من بعده‪،‬‬
‫وهؤالء هم ما يعرفون بالراوندية‪.‬‬
‫والراوندية من فرق اإلمامية‪ :‬وترى إمامة العباس بعد النبي‬
‫‪ ‬نصا من النبي ‪.‬‬
‫ويسميهم شيخ اإلسالم ابن تيمية وغيره بالعباسية‪ ،‬نسبة إلى‬
‫موقفهم من إمامة العباس(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫س ْب ِن‬ ‫ي َكا َن يَ ُهودِيًّا ثُ َّم أَ ْسلَ َم ُم ْن َت ِصبا قَائِال بِ ِإ َم َامة ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫= ِم ْن أَ َّن ْاب َن َّ‬
‫الر َاو ْن ِد ِّ‬
‫َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬وأَنَّ ُه َكا َن يُ ْر َمى ِع ْن َد ا ْل ُج ْم ُهو ِر بِال َّز ْن َدقَة ِ َو ْ ِ‬
‫اإل ْل َحادِ‪.‬‬
‫َوقَ ْد أَ ْو َر َد ْاب ُن َت ْي ِم َّي َة في المنهاج (‪َ )120/1‬ما َذ َك َر ُه ْاب ُن َح ْزمٍ في ا ْل ِف َص َل (‪)122/2‬‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪.‬‬ ‫الر َاو ْن ِديَّة ِ ا ْل َقائِلِ َ‬
‫ين بِ ِإ َم َامة ِ ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َع ِن َّ‬
‫ين<‪ ،‬ص‪ِ ،02‬إلَى أَبِي ُه َر ْي َر َة‬ ‫ين َوا ْل ُم ْش ِر ِك َ‬ ‫ات ِف َر ِق ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬ ‫ِي ِفي > ْاع ِت َق َاد ِ‬ ‫الراز ُّ‬ ‫ونَ َس َب ُه ُم َّ‬
‫ِي (‪.)22/1‬‬ ‫ت ْاأل َ ْش َعر ِّ‬ ‫ي‪َ ،‬وا ْنظ ُْر َم َق َاال ِ‬ ‫الر َاو ْن ِد ِّ‬
‫َّ‬
‫الشي ِع ِّي‪،‬‬ ‫ي ِّ‬ ‫ي ا ْل ُم ْل ِح ِد َغ ْي َر ْاب ِن َّ‬
‫الر َاو ْن ِد ِّ‬ ‫ِاح ِت َما ِل َك ْو ِن ْاب ِن َّ‬
‫الر َاو ْن ِد ِّ‬ ‫ِي ب ْ‬ ‫َويَ ُقولُ ا ْل َخ َوا ْن َسار ُّ‬
‫ي< ُك ُتبا ِع َّدة ِم ْن َها‬ ‫اجةٍ ِإلَى َمزِي ٍد ِم َن ال َّت ْح ِقيقِ‪َ .‬وقَ ْد أَل َّ َف > ْاب ُن َّ‬
‫الر َاو ْن ِد ِّ‬ ‫َو ْاأل َ ْم ُر ِفي َح َ‬
‫اح ِظ‬ ‫اب ا ْل َج ِ‬ ‫يحة ِ ا ْل ُم ْع َت ِزلَةِ< ال َّ ِذي َك َت َب ُه ُم ْع َترِضا بِه ِ َعلَى ِك َت ِ‬ ‫اب >فَ ِض َ‬ ‫اإل َم َامةِ< َو ِك َت ُ‬ ‫اب > ْ ِ‬ ‫ِك َت ُ‬
‫>فَ ِضيلَة ِ ا ْل ُم ْع َت ِزلَةِ< فَ َر َّد َعلَ ْيه ِ ِم َن ا ْل ُم ْع َت ِزلَة ِ ا ْل َخ َّيا ُط ِفي ِك َتابِه ِ > ِاال ْن ِت َصارِ< َوا ْل َبل ِْخ ُّي ِفي‬
‫ت‬ ‫ي‪َ :‬ت ْك ِملَ َة ا ْل ِف ْهر ِْس ِ‬ ‫اب ال َّ ِذي يُ ِش ُير ِإل َ ْيه ِ ْاب ُن َت ْي ِم َّي َة‪َ .‬وا ْنظ ُْر أَ ْيضا َع ِن ْاب ِن َّ‬
‫الر َاو ْن ِد ِّ‬ ‫ا ْل ِك َت ِ‬
‫اب > ِاال ْن ِت َصارِ< لِ ْل َخ َّيا ِط‪ ،‬ا ْل َقا ِه َر َة‬ ‫نيبرج لِ ِك َت ِ‬ ‫َ‬ ‫ِال ْب ِن النَّ ِديمِ ‪ 2‬ــ ‪2‬؛ ُم َق ِّد َم َة ال ُّد ْك ُتور‬
‫‪1252‬؛ ْاأل َ ْع َال َم ‪ 525/1‬ــ ‪.522‬‬
‫الش َيعةِ‪ :‬ص‪.25‬‬ ‫(‪ )1‬منهاج السنة‪ِ .551/5 :‬ف َر ِق ِّ‬

‫‪233‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫نص على العباس بن عبد المطلب‬ ‫حيث يعتقدون أن النبي ‪َّ ‬‬
‫ونص عبد اهلل على‬
‫ونصبه إماما‪ ،‬ثم نص العباس على إمامة ابنه عبد اهلل‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫إمامة ابنه علي بن عبد اهلل‪ ،‬ثم ساقوا اإلمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي‬
‫جعفر المنصور(‪.)1‬‬
‫والرواندية تنتمي إلى فرقة الكيسانية التي تنتمي بدورها إلى الخط‬
‫اإلمامي‪ ،‬أو الشيعة اإلمامية‪.‬‬
‫وال َك ْي َسانية نسبة إلى كيسان‪ ،‬وهو المختار الذي خرج وطلب بدم‬
‫الحسين بن علي ودعا إلى محمد بن الحنفية‪َ ،‬ويُ َق ُال‪ِ :‬إنَّ ُه َم ْولَى لِ َعلِ ِّي ْب ِن‬
‫أَبِي طَالِ ٍب ــ ‪ ‬ــ وهم فرق شتى مختلفة فيما بينها‪ ،‬وقد أوصلهم‬
‫األشعري في مقاالته إلى إحدى عشرة فرقة(‪.)5‬‬
‫عشرة فرقة(‪.)2‬‬
‫خمس َ‬
‫وجعلهم البغدادي ْ‬
‫فَ ِم َن ا ْل َك ْي َسانِ َّيةِ َم ْن يَ َّد ِعي أَ َّن َعلِ ًّيا نَ َّص َعلَى ِإ َم َامةِ ُم َح َّم ِد ْب ِن‬
‫ا ْل َحنَ ِف َّيةِ؛ ِألَنَّ ُه َدفَ َع ِإل َ ْيه ِ َّ‬
‫الرايَ َة بِا ْل َب ْص َر ِة‪.‬‬
‫َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُق ُ‬
‫ول‪ :‬بَ ِل ا ْل ُح َس ْي ُن نَ َّص َعلَى ِإ َم َامةِ ُم َح َّم ِد ْب ِن ا ْل َحنَ ِف َّيةِ‪،‬‬
‫ول‪ِ :‬إ َّن ُم َح َّم َد ْب َن ا ْل َحنَ ِف َّيةِ َحي بِ ِج َبا ِل َر ْض َوى‪ :‬أَ َسد َع ْن‬ ‫َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُق ُ‬
‫ت‬‫يَ ِمي ِنه ِ َونَ ِمر َع ْن ِش َمالِه ِ يَ ْح َف َظانِه ِ‪ ،‬يَ ْأتِيه ِ ر ِْزقُ ُه َغ ْد َوة َو َع ِش َّية ِإلَى َو ْق ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقاالت االسالميين‪.25/1 :‬‬
‫(‪ )5‬مقاالت اإلسالميين‪.22/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص‪.15‬‬

‫‪232‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫الس َب َب ال َّ ِذي ِم ْن أَ ْجلِه ِ َص َب َر َعلَى َه ِذهِ ا ْل َحا ِل أَ ْن‬


‫وجه ِ‪َ ،‬و َز َع ُموا أَ َّن َّ‬ ‫ُخ ُر ِ‬
‫يَ ُكو َن ُم َغ َّيبا َع ِن ا ْل َخ ْل ِق أَ َّن لِلَّه ِ ِفيه ِ َت ْدبِيرا َال يَ ْعلَ ُم ُه َغ ْي ُر ُه‪ ...‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫بل عقوبة لركونه إلى عبد الملك بن مران وبيعته إياه‪.‬‬
‫ات‪َ ،‬و ِإ َّن ْ ِ‬
‫اإل َم َام‬ ‫ول‪ِ :‬إ َّن ُم َح َّم َد ْاب َن ا ْل َحنَ ِف َّيةِ َم َ‬ ‫َو ِم ْن َه ُؤ َال ِء َم ْن يَ ُق ُ‬
‫ول‪ِ :‬إ َّن أَبَا َه ِاش ٍم‬ ‫بَ ْع َد ُه ْابنُ ُه أَبُو َه ِاش ٍم َع ْب ُد اهلل ِ‪ ،‬ثُ َّم ِم ْن َه ُؤ َال ِء َم ْن يَ ُق ُ‬
‫َع ْب َد اهلل ِ أَ ْو َصى ِإلَى أَ ِخيه ِ ا ْل َح َس ِن‪َ ،‬و ِإ َّن ا ْل َح َس َن أَ ْو َصى ِإلَى ْاب ِنه ِ َعلِ ِّي ْب ِن‬
‫ا ْل َح َس ِن‪َ ،‬و ِإ َّن َعلِ ًّيا َهلَ َك َول َ ْم يُ َع ِّق ْب‪ ،‬فَ ُه ْم يَ ْن َت ِظ ُرو َن َر ْج َع َة ُم َح َّم ِد ْب ِن‬
‫ا ْل َحنَ ِف َّيةِ َويَ ُقولُو َن‪ِ :‬إنَّ ُه يَ ْر ِج ُع َويَ ْملِ ُك‪ ،‬فَ ُه ُم ا ْل َي ْو َم ِفي التِّيه ِ َال ِإ َم َام ل َ ُه ْم ِإلَى‬
‫أَ ْن يَ ْر ِج َع ِإل َ ْيه ِْم ُم َح َّم ُد ْب ُن ا ْل َحنَ ِف َّيةِ ِفي َز ْع ِمه ِْم‪.‬‬

‫اإل َم َام بَ ْع َد أَبِي َه ِاش ٍم ُم َح َّم ُد ْب ُن َعلِ ِّي ْب ِن‬ ‫ول‪ِ :‬إ َّن ْ ِ‬ ‫َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُق ُ‬
‫ات‬ ‫وه َعلِي] قَالُوا‪َ :‬و َذلِ َك أَ َّن أَبَا َه ِاش ٍم َم َ‬ ‫س‪[ ،‬أَ ْو أَبُ ُ‬ ‫َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫الشامِ‪َ ،‬وأَ ْو َصى ُهنَا َك ِإلَى ُم َح َّم ِد ْب ِن َعلِ ِّي‬ ‫الش َرا ِة(‪ُ )1‬م ْن َص َرفَ ُه ِم َن َّ‬ ‫ض َّ‬ ‫بِأَ ْر ِ‬
‫يم ْب ِن‬ ‫ِ‬
‫س‪َ ،‬وأَ ْو َصى ُم َح َّم ُد ْب ُن َعلِي ِإلَى ْاب ِنه ِ ِإ ْب َراه َ‬ ‫ا ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ٍ‬
‫الس َّفا ِح‪ ،‬ثُ َّم‬
‫س َّ‬ ‫يم ْب ُن ُم َح َّم ٍد ِإلَى أَبِي ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ُم َح َّم ٍد‪ ،‬ثُ َّم أَ ْو َصى ِإ ْب َرا ِه ُ‬
‫ض‪.‬‬ ‫ت ا ْل ِخ َالفَ ُة ِإلَى أَبِي َج ْع َف ٍر ا ْل َم ْن ُصو ِر بِ َو ِص َّيةِ بَ ْع ِضه ِْم ِإلَى بَ ْع ٍ‬ ‫أَ ْف َض ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الر ُسو ِل ــ ‪ ‬ــ‪َ ،‬و ِم ْن‬ ‫الشام ِ بَ ْي َن دِ َم ْش َق َو َم ِدينَة ِ َّ‬
‫الشي ِن ُص ْقع بِب َِال ِد َّ‬ ‫الش َرا ُة‪ :‬بِ َف ْت ِح ِّ‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫يمة ِ ال َّ ِتي َكا َن يَ ْس ُكنُ َها َول َ ُد َعلِ ِّي ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن‬ ‫ض نَو ِ‬
‫احيه ِ ا ْل َق ْريَ ُة ا ْل َم ْع ُروفَ ُة بِا ْل َح ِم َ‬ ‫بَ ْع ِ َ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِفي أَيَّام ِ بَ ِني َم ْر َوا َن‪( .‬معجم البلدان‪.)225/2 :‬‬ ‫َع َّبا ِ‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ض َه ُؤ َال ِء َع ْن َه َذا ا ْل َق ْو ِل َو َز َع ُموا أَ َّن النَّب َِّي‬ ‫قَ َال‪ :‬ثُ َّم َر َج َع بَ ْع ُ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب َونَ َّص َب ُه ِإ َماما‪ .‬ثُ َّم نَ َّص‬‫ـ ‪ ‬ـ نَ َّص َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اس َعلَى ِإ َم َامةِ ْاب ِنه ِ َع ْب ِد اهلل ِ‪َ ،‬ونَ َّص َع ْب ُد اهلل ِ َعلَى ِإ َم َامةِ ْاب ِنه ِ َعلِ ِّي ْب ِن‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫َع ْب ِد اهلل ِ‪ ،‬ثُ َّم َساقُوا ْ ِ‬
‫اإل َم َام َة ِإلَى أَ ِن ا ْن َت َه ْوا بِ َها ِإلَى أَبِي َج ْع َف ٍر ا ْل َم ْن ُصو ِر‪،‬‬
‫الر َاو ْن ِديَّ ُة(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َو َه ُؤ َالء ُه ُم َّ‬
‫ويقول النوبختي‪ :‬فَا ْل َك ْي َسانِ َّي ُة ُكلُّ َها َال ِإ َم َام ل َ َها‪َ ،‬و ِإنَّ َما يَ ْن َت ِظ ُرو َن‬
‫وها ِفيه ِْم‬ ‫س َوقَ ُاد َ‬ ‫اإل َم َام َة ِفي َول َ ِد ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫ا ْل َم ْو َتى ِإ َّال >ا ْل َع َّب ِ‬
‫اس َّي َة< فَ ِإنَّ َها ُت ْثب ُِت ْ ِ‬
‫ِإلَى ا ْل َي ْومِ(‪.)5‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق‪ :‬فإن الراوندية هم القائلون بإمامة العباس بن‬
‫عبد المطلب بعد النبي ‪ ‬نصا من النبي ‪ ‬عليه‪،‬‬
‫النص بين كونه ظاهرا مشهرا أو خفيا‪.‬‬ ‫واختلفوا فيما بينهم على طريقة ِّ‬
‫قال ابن حزم‪َ :‬وقَال َ ْت طَائِ َفة َال َت ُجو ُز ا ْل ِخ َالفَ ُة ِإ َّال ِفي َول َ ِد ا ْل َع َّبا ِ‬
‫س‬
‫الر َاو ْن ِديَّ ُة(‪.)2‬‬
‫ا ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪َ ،‬و ُه ُم َّ‬
‫وفي شرح نهج البالغة‪ :‬وأما الراوندية فإنهم خصصوها بالعباس‬
‫رحمه اهلل وولده من بين بطون قريش كلها(‪ .)2‬وهذا القول هو الذي‬
‫ظهر في أيام المنصور والمهدى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬مقاالت اإلسالميين‪ 22/1 :‬ــ ‪ 25‬ــ منهاج السنة‪ 252/2 :‬ــ ‪.255‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فرق الشيعة‪ :‬ص‪.25‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ :‬ابن حزم‪.52/2 ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫شرح نهج البالغة‪.35/2 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪221‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اعة ِم ْن ُه ْم ِإلَى أَ َّن‬ ‫الر َاو ْن ِديَّ ُة فَ َذ َه َب َج َم َ‬


‫وقال أبو يعلى‪َ :‬و ْاخ َتلَ َف َّ‬
‫س بِ َع ْي ِنه ِ َو ْاس ِمه ِ‪َ ،‬وأَ ْعلَ َن َذلِ َك َو َك َش َف ُه‬ ‫النَّب َِّي ـ ‪ ‬ـ نَ َّص َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫َو َص َّر َح بِه ِ‪َ ،‬وأَ َّن ْاألُ َّم َة َج َح َد ْت َه َذا النَّ َّص َو ْار َت َّد ْت َو َخال َ َف ْت أَ ْم َر النَّب ِِّي‬
‫س َو َول َ ِدهِ ِم ْن‬ ‫ـ ‪ ‬ـ ِعنَادا‪َ .‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن قَ َال‪ِ :‬إ َّن النَّ َّص َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫اع ُة< يَ ْع ِني ُه َو نَص َخ ِفي(‪.)1‬‬ ‫الس َ‬
‫وم َّ‬‫بَ ْع ِدهِ ِإلَى أَ ْن َت ُق َ‬
‫ــ وكان معتمدهم فيما ذهبوا إليه أنهم احتجوا بأن العباس كان‬
‫عاصب رسول اهلل ‪ ‬ووارثه‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فقد‬
‫ورث مكانه‪.‬‬
‫احتج من ذهب ِإلَى أَن‬ ‫قال ابن حزم في بيان معتمد قولهم‪ْ :‬‬
‫خالفَة َال تجوز ِإ َّال ِفي ولد ا ْل َع َّباس فَ َقط على أَن ا ْل ُخلَ َفاء من َولَده وكل‬ ‫ا ْل َ‬
‫من ل َـ ُه َح ّظ من علم من غير ا ْل ُخلَـ َفاء ِم ْن ُهم َال يرضون بِ َه َذا َو َال يَ ُقولُو َن‬
‫سول اهلل ‪‬‬ ‫بِه ِ ل َ ِكن تِ ْل َك ال َّطائِ َفة قَالَت‪َ :‬كا َن ا ْل َع َّباس عاصب َر ُ‬
‫ووارثه‪ ،‬فَ ِإذا َكا َن َذلِك َك َذلِك فقد ورث َم َكانَ ُه(‪.)5‬‬
‫‪‬‬ ‫فالراوندية يرون أن أحق الناس باإلمامة بعد الرسول‬
‫العباس بن عبد المطلب؛ ألنه عمه ووارثه وعصبته‪ ،‬لقول اهلل عز وجل‪:‬‬
‫>وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اهلل<(‪ )2‬وأن الناس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬منهاج السنة‪ 222/1 :‬ــ المعتمد في أصول الدين ألبي يعلى‪ :‬ص‪.552‬‬
‫(‪ )5‬ال ِف َصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،52 /2 :‬وانظر‪ :‬جواب أهل السنة النبوية في نقض‬
‫كالم الشيعة والزيدية‪ :‬أبو سليمان عبد اهلل بن محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنفال‪ :‬جزء ‪ 52‬ــ سورة األحزاب‪ :‬آية‪.0 :‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اغتصبوه حقه‪ ،‬وظلموه أمره‪ ،‬إلى أن رده اهلل إليهم(‪.)1‬‬


‫* الرد‪:‬‬
‫هل نص النبي ‪ ‬عل إمامة العباس؟‬
‫بالنص على إمامة العباس نجد أن‬
‫وعند الرد على دعوى الراوندية ِّ‬
‫دعواهم ِفي النَّ ِّص ِم ْن ِج ْن ِ‬
‫س َد ْع َوى اإلمامية‪ ،‬فالرد على هذه يشمل الرد‬
‫على تلك‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في بيان اتحاد جنس الدعوى بين من‬
‫يرى إمامة علي ومن يرى إمامة العباس‪َ :‬وأَ َّما النَّ ُّص ال َّ ِذي َت َّد ِعيه ِ اإلمامي ُة‪،‬‬
‫س‪َ ،‬و ِك َال ُه َما َم ْعلُ ُ‬
‫وم ا ْل َف َسا ِد‬ ‫الر َاو ْن ِديَّ ُة َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫فَ ُه َو َكالنَّ ِّص ال َّ ِذي َت َّد ِعيه ِ َّ‬
‫ات ِخ َالفَةِ َعلِي ِإ َّال َه َذا ل َ ْم‬ ‫ور ِة ِع ْن َد أَ ْه ِل ا ْل ِع ْل ِم‪َ ،‬ول َ ْو ل َ ْم يَ ُك ْن ِفي ِإ ْثب ِ‬ ‫الض ُر َ‬ ‫بِ َّ‬
‫َ‬
‫س ِإ َم َامة بِنَ ِظي ِرهِ(‪.)5‬‬‫َت ْث ُب ْت ل َ ُه ِإ َم َامة قَ ُّط‪َ ،‬ك َما ل َ ْم َت ْث ُب ْت لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫نص‬
‫ويقول اإلمام الشهرستاني مفندا دعوى النص‪> :‬لو أنه ورد ّ‬
‫على إمام بعينه لكانت األمة بأسرها مكلفة بطاعته‪ ،‬وال سبيل لهم إلى‬
‫العلم بعينه بأدلة العقول‪ ،‬والخبر ولو كان متواترا لكان كل مكلف يجد‬
‫في نفسه العلم بوجوب الطاعة له‪ ،‬وللزمه دينا كما لزمه الصلوات‬
‫الخمس<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مروج الذهب للمسعودي‪.520/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬منهاج السنة‪ .220/1 :‬بتصرف‪ .‬وراجع في بيان بطالن دعوى النص على إمام بعينه‬
‫شبهة العباس وبيعة أبي بكر‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشهرستاني‪ :‬نهاية األقدام في علم الكالم‪ ،‬ص‪.231 ،232‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ويقول أبو يعلى الفراء نافيا وجود نص صريح بإمامة أح ٍد من‬


‫الصحابة‪> :‬لم يرد نص صري في كتاب اهلل تعال ‪ ،‬وسنة نبيه‬
‫‪ ‬يدل عل تعيين إمام بعينه<(‪.)3‬‬
‫نص من النبي ‪ ‬بإمامة العباس أكان‬ ‫ولو فرضنا وجود ّ‬
‫يجهله العباس؟ فقد روى البخاري بسنده عن كعب بن مالك أن‬
‫س أَ ْخ َب َر ُه أَ َّن َعلِ َّي ْب َن أَبِي طَالِ ٍب ‪َ ‬خ َر َج ِم ْن ِع ْن ِد‬ ‫َع ْب َد اهلل ِ ْب َن َع َّبا ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس يَا أَبَا َح َس ٍن‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ‪ ‬في َو َج ِعه ِ ال َّ ِذي ُت ُوف ِّ َي فيه ِ فَ َق َال النَّ ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬فَ َق َال أَ ْص َب َح بِ َح ْم ِد اهلل ِ بَارِئا فَأَ َخ َذ بِ َي ِد ِه‬ ‫َك ْي َف أَ ْص َب َح َر ُس ُ‬
‫اس ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب فَ َق َال ل َ ُه‪ :‬أَ ْن َت َواهلل ِ بَ ْع َد ثَ َال ٍث َع ْب ُد ا ْل َع َصا َو ِإنِّي‬ ‫َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬س ْو َف يُ َت َوفَّى ِم ْن َو َج ِعه ِ َه َذا‪ِ ،‬إنِّي‬ ‫َواهلل ِ َألَ َرى َر ُس َ‬
‫ت‪ ،‬ا ْذ َه ْب بِنَا ِإلَى ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫وه بَ ِني َعب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ِع ْن َد ا ْل َم ْو ِ‬ ‫َألَ ْعر ُِف ُو ُج َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫يم ْن َه َذا ْاألَ ْم ُر ِإ ْن َكا َن ِفينَا َعلِ ْمنَا َذلِ َك‪َ ،‬و ِإ ْن َكا َن ِفي‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬فَ ْلنَ ْسأَ ْل ُه ف َ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫اها َر ُس َ‬ ‫َغ ْيرِنَا َعلِ ْمنَ ُاه فَأَ ْو َصى بِنَا‪ ،‬فَ َق َال َعلِي‪ِ :‬إنَّا َواهلل ِ ل َ ِئ ْن َسأَ ْلنَ َ‬
‫ول‬ ‫اس بَ ْع َد ُه‪َ ،‬و ِإنِّي َواهلل ِ َال أَ ْسأَل ُ َها َر ُس َ‬ ‫اها َال يُ ْع ِطينَ َ‬
‫اها النَّ ُ‬ ‫‪ ‬فَ َمنَ َعنَ َ‬
‫اهلل ِ ‪.)5(‬‬

‫الله َّم َوا ِل َم ْن َو َاال ُه‪،‬‬


‫وقال السندي في حاشيته معلقا على رواية‪ُ :‬‬
‫الله َّم َعادِ َم ْن َع َاد ُاه‪.‬‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو يعلى الفراء‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2135‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫يث ل َ ْي َس ل َ ُه َت َعلُّق بِا ْل ِخ َالفَةِ أَ ْصال‪َ ...‬ويَ ُد ُّل َعلَ ْيه ِ أَ َّن‬ ‫َه َذا ا ْل َح ِد ُ‬
‫اس َعلِ ًّيا أَ ْن يَ ْسأَ َل‬ ‫اس َو َعلِ ًّيا َما فَه َِما ِم ْن ُه َذلِ َك‪َ ،‬ك ْي َف َوقَ ْد أَ َم َر ا ْل َع َّب ُ‬ ‫ا ْل َع َّب َ‬
‫النَّب َِّي ـ ‪ ‬ـ أَ َّن َه َذا ْاألَ ْم َر ِفينَا أَ ْو ِفي َغ ْيرِنَا؟ فَ َق َال ل َ ُه َعلَي‪ِ :‬إ ْن‬
‫َمنَ َعنَا فَ َال يُ ْع ِطينَا أَ َحد(‪.)1‬‬
‫ــ أما قولهم‪ :‬إن العباس هو عاصب الرسول ‪ ‬ووارثه‬
‫وأحق الناس باإلمامة بعده‪ ،‬فهذا ليس بشيء؛ وقد كفانا اإلمام ابن حزم‬
‫وبين لهم عوار‬
‫مؤنة الر ّد عليه حيث ألجم أصحابه وجادلهم وجالدهم‪ّ ،‬‬
‫مذهبهم وفساد قولهم‪ ،‬ومن ذلك قوله في التفرقة بين ميراث النسب‬
‫وميراث المكانة والشرف‪:‬‬
‫ِ‬
‫اصة‪،‬‬ ‫إن ِم َيراث ا ْل َع َّباس ‪ ‬لَو َوجب ل َ ُه ل َ َكا َن َذلِك في َ‬
‫المال َخ َّ‬
‫قط ِفي الديانَات أَنَّ َها تورث فَ َبطل َه َذا التمويه‬ ‫اء ّ‬‫مرتبة فَ َما َج َ‬‫َوأما ا ْل َ‬
‫واله َر ُسول اهلل‬ ‫جملَة َوللَّه ا ْل َحمد‪َ ،‬ولَو َجا َز أَن تورث ا ْل َم َراتِب ل َ َكا َن من َّ‬
‫واليَة عاصبه ووارثه‪،‬‬ ‫ات َوجب أَن يَرث تِ ْل َك ا ْل َ‬‫‪َ ‬م َكانا َما ِإذا َم َ‬
‫َو َه َذا َماال يَ ُقولُونَ ُه‪ ،‬فَكيف َوقد َص َّح بِ ِإ ْج َماع َج ِميع أهل ا ْل ْقبلَة حاشا‬
‫(الغالة) أَن َر ُسول اهلل ‪ ‬قَ َال‪َ :‬ال نورث َما َت َر ْكنَ ُاه َص َدقَة‪ ،‬فَ ِإن‬
‫ْاعترض معترض بقول اهلل عز َوجل‪{ :‬ﭯ ﭰ ﭱ}(‪َ )5‬وبِ َق ْولِه ِ‬
‫ال‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫َت َعالَى حاكيا َعن َز َكرِيَّا ‪ ‬أَنه قَ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬حاشية السندي على ابن ماجه‪ ،20/1 :‬ح (‪.)110‬‬
‫(‪ )5‬سورة النمل آية‪.10 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ}(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫(قَ َال أَبُو ُم َح َّمد) َو َه َذا َال ح َّجة فيه ِ؛ ِألَن َ‬
‫الرواة َحملَة ْاألَ ْخ َبار‬
‫كلها وكواف بني ِإ ْس َرائِيل ينقلون بِ َال خالف‬ ‫َو َج ِميع التواريخ ا ْل َق ِد َيمة َ‬
‫نقال يُوجب ا ْلعلم أَن َد ُاود ‪َ ‬كا َن ل َ ُه بنُون جماعة غير ُسلَ ْي َمان‬
‫‪ ،‬فص َّح أَنه ورث النُّ ُب َّوة‪.‬‬
‫وبرهان َذلِك أَنهم كلهم مجمعون على أَنه ‪ ‬ولي َم َكان أَبِيه‬
‫عشرة سنة ولداود أَ ْربَ َعة َو ِع ْش ُرو َن ْابنا كبارا‬
‫‪َ ،‬ول َ ْي َس ل َ ُه ِإ َّال ا ْثنَ َت ْي َ‬
‫وصغارا‪َ ،‬و َه َك َذا ال َق ْول ِفي ِم َيراث يحيى بن َز َكرِيَّا ‪.‬‬

‫وبرهان َذلِك من نَص ْاآليَة نَ َ‬


‫فسها قَ ْوله ‪ :‬يَرِث ِني َويَرِث من‬
‫آل يَ ْع ُقوب‪ ،‬وهم ِمئوا أُلُوف لكل سبط من أسباطهم عصاب عظيمة‪،‬‬
‫فصح أنه إنما رغب ولدا يَرث َع ُنه النُّ ُب َّوة فَ َقط‪.‬‬
‫َّ‬
‫محال أَن يرغب َز َكرِيَّا ‪ِ ‬في ولد يحجب‬ ‫َوأَ ْيضا‪ :‬فَمن ا ْل َ‬
‫عصبته َعن ِم َيراثه‪ ،‬إذ ِإنَّ َما يرغب ِفي َه ِذه الخطة ُذو ا ْل ِح ْرص على ال ُّد ْن َيا‬
‫وحطامها‪َ ،‬وقد نزه اهلل عز َوجل عن ذلك أنبيائه عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وبرهان ذلك أنه ‪ ‬إنما طلب الولد إذ يرى أن ما آتاه اهلل‬
‫عز وجل َم ْريَم ‪ ‬ال َّ ِتي َكانَت ِفي ك َفالَته من المعجزات‪ ،‬قَ َال َت َعالَى‪:‬‬
‫{’ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة مريم آية‪ 2 :‬ــ ‪.0‬‬

‫‪220‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ} ِإلَى قَ ْوله‬


‫(‪)1‬‬
‫ال‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫وعلى َه َذا ا ْل َم ْعنى َد َعا فَ َق َ‬
‫َ‬ ‫{ﭟ ﭠ ﭡ}‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ}‪.‬‬
‫أَنه قَ َ‬
‫ال‪{ :‬ﭮ‬ ‫‪‬‬ ‫َوأما من ْاغ َّتر بقوله َت َعالَى حاكيا َع ُنه‬
‫بطالن َه َذا ال َّظن أَن اهلل َت َعالَى لم‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ} قيل ل َ ُه‪َ :‬‬
‫يُ ْعطه ولدا يكون ل َ ُه عقب فيتصل ا ْل ِم َيراث ل َ ُهم‪ ،‬بل أعطَ ُاه ولدا حصورا‬
‫(‪)5‬‬
‫َال يقرب الن ِّ َساء‪ .‬قَ َال َت َعالَى‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ}‬
‫ورة أَنه ‪ِ ‬إنَّ َما طلب ولدا نَبيا َال ولد يَرث َ‬
‫المال‪.‬‬ ‫فصح َض ُر َ‬
‫َّ‬
‫َوأَ ْيضا‪ :‬فَلم يكن ا ْل َع َّباس محيطا بميراث النَّبِي ‪َ ،‬و ِإنَّ َما َكا َن‬
‫ن ا ْل َعباس ‪‬‬
‫يكون ل َ ُه ثَ َالثَة أثمان فَ َقط‪َ ،‬وأما ِم َيراث المكانة فقد َكا َ َّ‬
‫فسه ِ قط ِفي َذلِك‬ ‫ات النَّبِي ‪ ‬فَ َما ادعى ا ْل َع َّباس لنَ ِ‬ ‫َحيا قَائِما ِإ ْذ َم َ‬
‫َحقا‪َ ،‬ال ِحينَ ِئ ٍذ َو َال بعد َذلِك‪َ ،‬و َج َاءت الشورى فَ َما ُذكر ِف َيها‪َ ،‬و َال أنكر‬
‫فصح أَنه رأي ُمح َدث فَاسد َال َوجه ل َ ُه لالشتغال‬ ‫ُه َو َو َال َغيره ترك ذكره ِف َيها‪َّ ،‬‬
‫بِه ِ‪َ ،‬وا ْل ُخلَ َفاء من َولَده واألفاضل ِم ْن ُهم من غير ا ْل ُخلَ َفاء َال ير َض ْو َن ألَ ْن ُف ِسه ِْم‬
‫وطها ووهنها‪َ ،‬وبِاهلل ِ َت َعالَى ال َّت ْو ِفيق(‪.)4‬‬ ‫بِ َه ِذهِ ْ‬
‫الدع َوى ترفرعا َعن ُس ُق َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪.23‬‬
‫(‪ )5‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪.22‬‬
‫(‪ )2‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ 52/2 :‬ــ ‪ .50‬بتصرف‪ .‬وانظر‪ :‬جواب أهل‬
‫السنة النبوية في نقض كالم الشيعة والزيدية‪ :‬أبو سليمان عبد اهلل بن محمد بن‬
‫عبد الوهاب‪ ،‬ص‪ 151‬ــ ‪.155‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫كما أن إطباق الصحابة على متابعة أبي بكر‪ ،‬ثم على طاعته في‬
‫مبايعة عمر‪ ،‬ثم على العمل بعهد عمر في الشورى‪ ،‬ولم يدع العباس‬
‫وال علي أنه ‪ ‬عهد له بالخالفة‪ ،‬في كل هذا ر ّد على من زعم‬
‫نص على إمامة العباس(‪.)1‬‬
‫من الراوندية أن النبي ‪ّ ‬‬
‫وفي التحفة نقل المباركفوري ر َّد القاضي ابن عبد الجبار على من‬
‫نص من النبي ‪ ‬على إمام بعينه ــ سواء أكان أبا‬ ‫ادعى وجود ِّ‬
‫بكر أم عليا أم العباس على نحو ما ادعت الراوندية ــ حيث قال‪:‬‬
‫احة ِفي ُم َكابَ َر ِة‬ ‫ِ‬
‫َو َه ِذهِ َد َع َاوى بَا ِطلَة َو َج َس َارة َعلَى ِاال ْف ِت َراء َو َوقَ َ‬
‫الص َحابَ َة َر ِض َي اهللُ َت َعالَى َع ْن ُه ْم أَ ْج َم ُعوا َعلَى ْاخ ِت َيا ِر‬ ‫ا ْل ِح ِّس؛ َو َذلِ َك ِألَ َّن َّ‬
‫ورى َول َ ْم‬ ‫أَبِي بَ ْك ٍر َو َعلَى َت ْن ِفي ِذ َع ْه ِدهِ ِإلَى ُع َم َر َو َعلَى َت ْن ِفي ِذ َع ْه ِد ُع َم َر بِ ُّ‬
‫الش َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اس َو َال أَبُو بَ ْك ٍر‬ ‫يُ َخالِ ْف في َش ْيء ِم ْن َه َذا أَ َحد‪َ ،‬ول َ ْم يَ َّد ِع َعلِي َو َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس َعلَى َج ِمي ِع َه َذا‬ ‫ات‪َ ،‬وقَ ِد ا َّت َف َق َعلِي َوا ْل َع َّب ُ‬ ‫ت ِم َن ْاألَ ْوقَ ِ‬ ‫َو ِص َّية ِفي َو ْق ٍ‬
‫ور ٍة َمانِ َعةٍ ِم ْن ِذ ْكرِ َو ِص َّيةٍ ل َ ْو َكانَ ْت‪ ،‬فَ َم ْن َز َع َم أَنَّ ُه َكا َن ِألَ َح ٍد‬ ‫ِم ْن َغ ْيرِ َض ُر َ‬
‫اج ِت َما ِع َها َعلَى ا ْل َخ َطأِ َو ْاس ِت ْم َرار َِها َعلَ ْيه ِ‪،‬‬ ‫ِم ْن ُه ْم َو ِص َّية فَ َق ْد نَ َس َب ْاألُ َّم َة ِإلَى ْ‬
‫الص َحابَ َة ِإلَى ا ْل ُم َوا َطأَ ِة َعلَى‬ ‫َو َك ْي َف يَ ِح ُّل ِألَ َح ٍد ِم ْن أَ ْه ِل ا ْل ِق ْبلَةِ أَ ْن يَ ْن ُس َب َّ‬
‫ا ْل َبا ِط ِل ِفي ُك ِّل َه ِذهِ ْاألَ ْح َوا ِل(‪)5‬؟‪.‬‬
‫وعليه ففارق كبير بين وراثة النسب ووراثة المكانة والشرف‪ ،‬إذ‬
‫ال تتوقف إحداهما في أصل وجودها على األخرى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.153/12 :‬‬
‫(‪ )5‬تحفة األحوذي‪.225/0 :‬‬

‫‪223‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ ‬الشبهة الثانية‪ :‬العباس ليس من جملة الصحابة‪:‬‬


‫للصحبة فضلها الكبير ومنزلتها العظيمة التي ال يجادل فيها‬
‫مجادل‪ ،‬وكفى بصاحبها شرفا رؤيته للنبي ‪.‬‬
‫ومما بات واضحا أن أصحاب النبي ‪َ ‬كانُوا أَبَ َّر َه ِذهِ ْاألُ َّمةِ‬
‫قُلُوبا‪َ ،‬وأَ ْع َم َق َها ِع ْلما‪َ ،‬وأَقَلَّ َها َت َكلُّفا‪ ،‬قَ ْوم ْاخ َت َار ُه ُم اهللُ َع َّز َو َج َّل لِ ُص ْحبةِ‬
‫َ‬
‫نَبِيِّه ِ‪َ ،‬و ِإقَ َامةِ دِي ِنه ِ‪ ،‬فَ َت َش َّب ُهوا بِأَ ْخ َالقِه ِْم َوط ََرائِ ِقه ِْم‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ْم َكانُوا َو َر ِّب‬
‫ا ْل َك ْع َبةِ َعلَى ا ْل َه ْد ِي ا ْل ُم ْس َت ِقيمِ(‪.)1‬‬
‫* تقرير الشبهة‪:‬‬
‫حاول البعض النيل من العباس ‪ ‬ومكانته التي عرفها له‬
‫القاصي والداني وذلك تحقيقا لمآرب فاسدة وأغراض سيئة وخدمة‬
‫لقضايا أبعد ما تكون عن الحق واإلنصاف‪ ،‬ظنا منهم أنهم ينصفون‬
‫الحقائق وهم أبعد ما يكونون عنها‪.‬‬
‫والظاهر أن كل بغيتهم تجريد العباس ‪ ‬من كل فضيلة‪ ،‬فبعد‬
‫أن طعنوا في أخالق العباس ومكانته لم يكفهم ذلك ولم يشبع نهمتهم‪،‬‬
‫فحاولوا جاهدين الطعن في صحبته مدعين عليه ومن في حكمه أنه ليس‬
‫من جملة الصحابة بالمفهوم الشرعي عندهم‪ ،‬ويعنون به المستحقين‬
‫للمدح والثناء‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منسوب للحسن البصري‪ ،‬الشريعة لآلجري‪ 1032/2 :‬رقم‪ .)1232( :‬ونسبه أبو نعيم‬
‫في الحلية (‪ )222/1‬البن عمر من رواية الحسن عنه‪ ،‬ونُسب البن مسعود نحو منه‪.‬‬
‫(جامع بيان العلم وفضله‪ 123/5 ،‬ــ وشرح السنة للبغوي‪.)512/1 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫حيث يرى حسن المالكي أن الصحبة لها مفهومان‪ ،‬عام‪ :‬وهذا ال‬
‫يقتضي مدحا وال ذما‪ .‬وخاص‪ :‬وهو الذي يقتضي الثناء والمدح‪( .‬وهي‬
‫الصحبة الشرعية المحمودة عنده)(‪.)1‬‬
‫والصحبة الشرعية المحمودة ال تكون إال في المهاجرين واألنصار‬
‫الذين كانوا مع النبي ‪ ‬في المدينة من بداية الهجرة إلى زمن‬
‫الحديبية‪ ،‬ومن في حكمهم ممن مات قبل الهجرة من السابقين إلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬بخالف النساء حيث تمتد هجرتهن الشرعية إلى فتح مكة(‪.)5‬‬
‫‪‬‬ ‫وعليه فال تنطبق الصحبة الشرعية المحمودة على العباس‬
‫لتأخر إسالمه وهجرته‪ ،‬وهذا ما صرح به حسن المالكي‪ ،‬ومن قوله في‬
‫ذلك‪:‬‬
‫>وعلى هذا‪ ،‬فال يدخل في الصحابة خالد بن الوليد وطبقته‪،‬‬
‫كعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة‪ ،‬وال يدخل من بعدهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪ ،22‬ط‪ :5‬مركز الدراسات التاريخية ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫وقد قسم الهجرة أيضا إلى هجرة خاصة شرعية‪ :‬وتختص بمن هاجر إلى النبي‬
‫‪ ‬في المدينة وتمتد إلى عام صلح الحديبية‪ ،‬خالفا لهجرة النساء فتمتد إلى‬
‫فتح مكة‪ .‬وهجرة عامة‪ :‬وتشمل من هاجر إلى النبي ‪ ‬من بعد صلح الحديبية‬
‫سواء كان قبل الفتح أو بعده‪( .‬الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪.)125‬‬
‫وفاته أنه تناقض في هذا حين قال‪ :‬إن الهجرة التي نفاها النبي صلى اهلل يوم فتح مكة‬
‫إنما هي الهجرة الشرعية‪ .‬وهذا إقرار ضمني بأن الهجرة الشرعية ممتدة إلى الفتح‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فقد ناقض نفسه وخالف تقريرات العلماء حين ادعى أنها تنتهي بصلح الحديبية‪.‬‬
‫(‪ )5‬الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪.120‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫كالعباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث‪.)1(<..‬‬


‫وهذه الشبهة بح ٍق إحدى مختصات زماننا‪ ،‬وهي شبهة تضحك‬
‫منها الثكلى وتسقط منها الحبلى ويشيب منها األقرع‪ ،‬وقد ادعاها حسن‬
‫المالكي في كتابه الصحبة والصحابة‪ ،‬ولم يُسبق إليها فيما أعلم(‪ .)5‬وإن‬
‫كان زعم أن األصوليين على هذا الرأي‪ ،‬بل وأكثر العلماء‪ ،‬حتى وإن‬
‫اختلفت ألفاظهم(‪.)2‬‬
‫مستدال بها على أ َّن الصحاب َة‬
‫ًّ‬ ‫يقول حسن المالكي بعد أن َذ َك َر آثارا‬
‫ليسوا َّإال المهاجرين واألنصار وبخاصة من أسلم قبل الحديبية(‪:)2‬‬
‫وقال العباس البنه عبد اهلل‪ :‬يا بُنَ َّي! أرى أمير المؤمنين ــ يقصد‬
‫س من أصحاب رسول اهلل‬ ‫ويستشيرك مع نا ٍ‬
‫ُ‬ ‫قربك ويَخلو بك‬‫عمر ــ يُ ِّ‬
‫ـ ‪ ‬ـ فاحفظ عنِّي ثالثا‪ .<..‬واإلسناد رجاله ثقات َّإال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪.22/25‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يزعم المالكي أنه مسبوق في إيراد هذا التفصيل لمصطلح الصحبة‪ ،‬وقد ادعى أن‬ ‫(‪)5‬‬
‫جمهور األصوليين على هذا األمر‪ ،‬وكثيرا من العلماء السابقين والالحقين عليه‪ ،‬وإن‬
‫اختلفت تعبيراتهم عنه‪ ،‬ولم يسق لنا ما يؤكد دعواه تلك‪ .‬وغاية ما قام بتسميته بحث‬
‫بعنوان‪ :‬أصحاب محمد‪ ،‬للدكتورة حياة عمامو‪ ،‬ويزعم أنها انتهت فيه إلى ما انتهى‬
‫هو إليه‪( .‬راجع‪ :‬الصحبة والصحابة ص‪ 152‬متن الصفحة وحاشيتها)‪.‬‬
‫الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪.112‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ساق المالكي في التدليل على شبهته تلك اثني عشر دليال من القرآن‪( .‬ص‪ 22‬ــ‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،)02‬وخمسا وعشرين رواية‪( .‬ص‪ 02‬ــ ‪ )32‬أتبعهما بثمان وعشرين أثرا لصحابي‬
‫أو تابعي‪( .‬ص‪ 32‬ــ ‪ )112‬مما يدعو إلى إفراد هذه الشبهة ببحث مستقل‪ ،‬يتتبع‬
‫أدلتها ويناقش كل دليل على حدة‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫مجالد بن سعيد‪.‬‬
‫وبعد أن ساق الرواية يقول مكررا تقرير شبهته المضحكة‪:‬‬
‫صح اللفظ فهذا دليل ــ فيما يظهر لي واهلل أعلم ــ والداللة‬
‫إن ّ‬
‫ظنية على أن العباس قد أخرج ابنه عبد اهلل ــ مع فضله وجاللته ــ من‬
‫أصحاب محمد؛ لصغر سنه أيام النبي ‪ ،‬ولكونه لم يهاجر إال‬
‫بعد أن انقطعت الهجرة الشرعية‪ ،‬وكان غالما يوم وفاة النبي ‪.‬‬
‫وإن صحت الداللة فهو دليل على خروج من أسلم بعده كالطلقاء‬
‫وأمثالهم من باب األولى(‪.)1‬‬
‫وفي الكالم تعريض بالعباس أيضا حيث إنه أسلم بعد ابنه‪.‬‬
‫ثم ساق عدة روايات من جنس الرواية السابقة ليقرر صحة دعواه‬
‫إلى أن قال تحت عنوان‪ :‬الخالصة في مفهوم الصحبة عند الصحابة‬
‫والتابعين‪:‬‬
‫>أنه (أعني مفهومهم للصحبة) يفرق بين مصطلح الصحبة الشرعية‬
‫(الخاصة) والصحبة العامة (صحبة الكافة) التي ليس لها ميزة الصحابة‬
‫وليس لها اسم الصحبة الشرعي؛ فالصحبة التي نزلت النصوص في‬
‫مدحها والثناء عليها هي الصحبة الشرعية (صحبة المهاجرين واألنصار)‬
‫وهي الصحبة الخاصة‪ ،‬والصحبة الخاصة طبقات أيضا‪ ،‬لكن أوسع‬
‫مدى زمني للصحبة الشرعية أو الخاصة ينتهي عام الحديبية‪ ،‬أما فترة ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحبة والصحابة‪ :‬حسن فرحان المالكي‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫بعد الحديبية فهي داخلة في الصحبة العامة‪ ،‬التي يسمه أهلها شرعا‬
‫(التابعين) سواء منهم التابعون بإحسان‪ ،‬أو بغير إحسان<(‪.)1‬‬
‫ويقصد من وراء ذلك تجريد من أسماهم أصحاب الصحبة العامة‬
‫من كثي ٍر من الفضائل‪ ،‬من خالل الزعم بأن اآليات الكريمة واألحاديث‬
‫النبوية التي أتت بكثير من الثناء على من كانوا مع النبي >‪ <‬أو‬
‫على المهاجرين واألنصار ومن في حكمهم ال تنطبق على أصحاب‬
‫الصحبة العامة‪.‬‬
‫وذلك بغية هدف أبعد أال وهو ضرب مسألة عدالة الصحابة‪،‬‬
‫حيث أثبتها في األغلب للصحبة الشرعية المحمودة في نظره‪ ،‬ونفاها‬
‫عن الصحبة العامة‪.‬‬
‫ومن قوله‪ :‬إن محور العدالة يدور حول الصالح واالستقامة‪ ،‬وهذه‬
‫االستقامة حاصلة في أغلبية المهاجرين واألنصار (الصحابة الشرعيين)‬
‫والحمد هلل‪ ،‬وأما من بعدهم فهم كسائر األمة‪ ،‬يكثر فيهم العدول‬
‫ويقلون‪( ..‬إلى أن يقول)‪ :‬فيجب النظر في كل شخص بعد المهاجرين‬
‫واألنصار (الصحابة الشرعيين) هل يغلب عليه الصالح أم الفساد‪،‬‬
‫العدل أم الظلم(‪)5‬؟‪.‬‬
‫وبعد أن تسقط عدالة الصحابة تبعا للمنهج الذي طرحه المالكي‬
‫فإن أحدا لن يتحرج من غمزهم ولمزهم بل وسبهم صراحا‪ ،‬وهذا ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪.112‬‬
‫(‪ )5‬الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪.512 ،512‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫قل أن توجد‪ :‬إذا قال النبي‬


‫انتهى إليه المالكي حيث قال في وقاحة َّ‬
‫‪ :‬ال تسبوا أصحابي‪ ..‬عرفنا أن كلمة أصحابي في هذا‬
‫الحديث ال تعني إال المهاجرين واألنصار ــ ويعني بهم الصحابة‬
‫الشرعيين تبعا لمفهومه ــ على أوسع احتمال‪ ،‬أو السابقين منهم على‬
‫أضيق احتمال(‪.)1‬‬
‫إذن فالرجل يسعى سعيا حثيثا من وراء هذه التفرقة المصطنعة‬
‫والمستحدثة إلى إسقاط عدالة الصحابة‪ ،‬ومن ثم شرعنة سبهم‪ ،‬وكان‬
‫أن بدأ بالعباس من ضمن ما بدأ‪ ،‬حيث جرده من الصحبة الشرعية‪،‬‬
‫سبهم‪.‬‬
‫وبالتالي فال تنطبق عليه العدالة‪ ،‬وال يدخل في المنهي عن ِّ‬
‫وقطعا الرجل لم يقصد من وراء هذا ضرب العباس وحده‪ ،‬بل إنه‬
‫قصد جل الصحابة‪ ،‬وما العباس إال مثال جاء في الطريق‪.‬‬
‫* الرد‪:‬‬
‫بداية‪ :‬ال أدري عن أي عق ٍل خرجت هذه الشبهة المدهشة‬
‫والعجيبة‪ ،‬إن المالكي بنى شبهته في إخراج العباس وغيره من جملة‬
‫الصحبة المحمودة على التفرقة بين من أسلم قبل الحديبية‪ ،‬وبين من‬
‫أسلم بعدها‪ .‬وهذا هو أصل شبهته‪.‬‬
‫وأخذ يسوق األدلة في نظره على ما يريد‪ ،‬ويلوي النصوص َّليا‬
‫ليصل إلى مأربه‪ ،‬إنه يخيل إليه ــ ومن جملة أدلته ــ أنه طالما تحدث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحبة والصحابة‪ :‬ص‪.112‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫العباس البنه عن الصحابة بصيغة الغائب‪ ،‬فإن هذا دليل على خروجه‬
‫وابنه منهم‪.‬‬
‫وواهلل لوال أن رأيت الشبهة بعيني ما ص ّدقت أن هناك من يعرضها‬
‫فضال عن أن يقبلها‪ ،‬ولكننا صرنا في زم ٍن نبرهن فيه على الواضحات‬
‫وكما يقال‪ :‬توضيح الواضحات من الفاضحات‪.‬‬
‫إ َّن القول ب َقصر الصحبة المحمودة على المهاجرين واألنصار‬
‫الحديبية لهو السخف بعينه‪ ،‬وهذا يؤدي بدوره‬
‫الذين أسلموا قبل ُصلح ُ‬
‫العباس بن‬
‫ُ‬ ‫الصحبة‪ ،‬وفيهم‬ ‫إلى إخرا ِج عد ٍد كبير من الصحابة من َ‬
‫شرف ُّ‬
‫عم النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ ‪ ،‬وابنُه عبد اهلل بن عباس‬ ‫عبد المطلب ُّ‬
‫األمة وترجمان القرآن‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫َح ْبر َّ‬
‫اس وابنَه عبد اهلل ومن‬ ‫العب َ‬
‫المالكي أ َّن َّ‬
‫ُّ‬ ‫عي‬
‫إنَّها إلحدى ال ُك َبر أن يَ َّد َ‬
‫في حكمهما ــ وكذا من أسلم بعد الحديبية ــ من حيث توقيت اإلسالم‬
‫سبق إليه‪ ،‬وما‬ ‫الصحبة‪ ،‬وهو شيء لَم يُ َ‬ ‫أو صغر السن لَم يظفروا بفضيلة ُّ‬
‫رأيت قبل وقوفي على كالمه هذا مثل هذه ال َّدعوى الباطلة‬ ‫سمعت وال ُ‬ ‫ُ‬
‫تصور هذا القول الباطل يُغ ِني عن االشتغال بالر ِّد‬ ‫جر َد ُّ‬ ‫الخاطئة‪ ،‬وإ َّن ُم َّ‬
‫عليه‪ ،‬ومع هذا فإنِّي أجيب عليه بما يأتي‪:‬‬
‫ومن بعدهم ما يُخرج‬ ‫ٍ‬
‫أوال‪ :‬أنَّه لَم يرِد عن أحد من الصحابة َ‬
‫العباس وابنَه عبد اهلل ‪ِ ‬من أن يناالَ شرف ُّ‬
‫الصحبة لرسول اهلل‬
‫ـ ‪ ‬ـ بمعناها الشرعي بمعنى دخولهم في آيات المدح والثناء‪،‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وإثبات عدالتهم‪ ،‬ونحو ذلك من حقوق الصحبة‪ ،‬ومن يتتبع أقوال‬


‫العلماء الذين عنوا بذكر طبقات الصحابة وتواريخهم لن يجد شيئا مما‬
‫أورده المالكي‪ ،‬وعلى هذا ف ِم ْث ُل هذه الدعوى من المالكي ُتعد بح ٍق ِمن‬
‫ُمح َدثات القرن الخامس عشر(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن ما أورده المالكي من تعريف وتحرير للصحبة الشرعية‬
‫والعامة كأصل نظري‪ ،‬ثم ما ذكره عن العباس ‪ ‬وغيره كتطبيق‪،‬‬
‫يتعارض مع تعريف العلماء لمصطلح الصحابي سواء أكانوا من‬
‫المح ِّدثين أم األصوليين‪.‬‬
‫يقول ابن حجر في تعريف الصحابي‪ :‬من لقي النبي ‪‬‬

‫مؤمنا به ومات على ذلك(‪.)5‬‬


‫وهذا هو الصحيح في ح ِّده‪ ،‬وهو مذهب أحمد بن حنبل‪ ،‬وأبي‬
‫عبد اهلل البخاري في صحيحه والمحدثين كافة‪ ،‬قاله النووي(‪.)2‬‬
‫وفي رجال الخاقاني‪ :‬الصحابي هو‪ :‬من لقي النبي ‪ ‬مؤمنا‬
‫به‪ ،‬ومات على اإلسالم‪ ،‬وإن تخلَّلت ِر َّدته بين لقيه مؤمنا به‪ ،‬وبين‬
‫موته مسلما على األظهر(‪ .)2‬ولم يفرق العلماء هنا بين من أسلم قبل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬االنتصار للصحابة األخيار‪ ،‬عبد المحسن العباد البدر‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلصابة‪ 2/1 :‬ــ وانظر‪ :‬نخبة الفكر‪ ،‬ص‪.51‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫شرح النووي علي صحيح مسلم‪ .20/1 :‬وقال في موضوع آخر منه‪)32/10( :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اعة فَ ُه َو ِم ْن‬ ‫يح ال َّ ِذي َعلَ ْيه ِ ا ْل ُج ْم ُه ُ‬
‫ور أَ َّن ُكلَّ ُم ْسلِ ٍم َرأَى النَّب َِّي ‪َ ‬ول َ ْو َس َ‬ ‫الص ِح َ‬‫َّ‬
‫أَ ْص َحابِهِ‪.‬‬
‫رجال الخاقاني‪ :‬ص‪ 125‬ــ معجم مصطلحات الرجال والدراية‪ :‬محمد رضا جديدي‪=،‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪220‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫الحديبية أو بعدها‪.‬‬
‫وهذا التعريف منسوب إلى المح ِّدثين‪ ،‬قال ابن الصالح في‬
‫وف ِم ْن َطرِي َقةِ أَ ْه ِل ا ْل َح ِد ِ‬
‫يث أَ َّن ُك َّل ُم ْسلِ ٍم َرأَى‬ ‫تعريف الصحابي‪ :‬فَا ْل َم ْع ُر ُ‬
‫الص َحابَةِ(‪.)1‬‬ ‫ول اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ ف َ ُه َو ِم َن َّ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ِي وأَ ْح َم َد َوا ْل ُج ْم ُهو ِر ِم َن‬
‫ونسبه ابن حجر في الفتح إل ِى ا ْل ُب َخار ُّ‬
‫ا ْل ُم َح ِّدثِ َ‬
‫ين(‪.)5‬‬
‫مع أن هذا التعريف ليس مختصا بالمحدثين فقط‪ ،‬بل ر َّجحه كثير‬
‫من األصوليين أيضا (وإن كان المشهور عنهم خالفه) ونسبه اإلمام ابن‬
‫كثير إلى جمهور العلماء سلفا وخلفا حيث قال في الباعث الحثيث‪:‬‬
‫الصحابي من رأى النبي ‪ ‬في حال إسالم الرائي‪ ،‬وإن لم تطل‬
‫صحبته له‪ ،‬وإن لم يرو عنه شيئا‪ .‬هذا قول جمهور العلماء‪ ،‬خلفا وسلفا‪.‬‬
‫نص على أن مجرد الرؤية كاف في إطالق الصحبة‪ :‬البخاري‬ ‫وقد َّ‬
‫وأبو زرعة‪ ،‬وغير واحد ممن صنف في أسماء الصحابة‪ ،‬كابن عبد البر‪،‬‬
‫وابن منده وأبي موسى المديني‪ ،‬وابن األثير في كتابه >الغابة في معرفة‬
‫الصحابة<‪ .‬وهو أجمعها وأكثرها فوائد وأوسعها‪ .‬أثابهم اهلل أجمعين(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ص‪ .35‬وراجع‪ :‬رعاية في علم الدراية‪ ،‬ص‪222‬؛ جامع المقال‪ ،‬ص‪ 152‬ــ نهاية‬
‫الدراية‪ ،‬ص‪ 221‬ــ مقباس الهداية‪ 222/2 ،‬ــ ‪.221‬‬
‫(‪ )1‬مقدمة ابن الصالح‪ :‬ص‪.522‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.2/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الباعث الحثيث‪ :‬ص‪.152‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ونسبه الزركشي إلى أكثر العلماء(‪.)1‬‬


‫وممن قال به من األصوليين‪ ،‬حتى ال ينسب فقط إلى المح ِّدثين‪:‬‬
‫القاضي أبو يعلى في العدة(‪ .)5‬وتبعه على ذلك تلميذه أبو الخطاب في‬
‫التمهيد(‪.)2‬‬
‫ومال إليه العكبري الحنبلي(‪ ،)2‬واختاره ابن قدامه‪ ،‬كما في روضة‬
‫الناظر(‪.)2‬‬
‫‪‬‬ ‫وذهب إليه ابن حزم‪ ،‬حيث قال في اإلحكام‪ :‬أما الصحابة‬
‫فهو كل من جالس النبي ‪ ‬ولو ساعة وسمع منه ولو كلمة فما‬
‫فوقها أو شاهد منه ‪ ‬أمرا يعيه ولم يكن من المنافقين الذين اتصل‬
‫نفاقهم واشتهر حتى ماتوا على ذلك وال مثل من نفاه ‪ ‬باستحقاقه‬
‫كهيت المخنث ومن جرى مجراه فمن كان كما وصفنا أوال فهو صاحب‬
‫وكلهم عدل إمام فاضل رضي فرض علينا توقيرهم وتعظيمهم وأن‬
‫نستغفر لهم ونحبهم(‪.)0‬‬
‫وصفي الدين البغدادي الحنبلي‪ ،‬حيث قال‪ :‬والصحابي من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬البحر المحيط‪ :‬الزركشي‪.221/2 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫العدة‪ 235/2 :‬ــ ‪.233‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫التمهيد‪ 155/2 :‬ــ ‪.152‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رسالة في أصول الفقه‪ :‬ص‪ 135‬ــ ‪.133‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫روضة الناظر‪.222/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلحكام في أصول األحكام‪.32/2 :‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪223‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫صحبه ولو ساعة أو رآه مؤمنا(‪.)1‬‬


‫الص َحابِ ُّي‪َ :‬م ْن‬‫والطوفي في شرح مختصر الروضة‪ ،‬حيث قال‪ :‬فَ َّ‬
‫الص ْح َبةِ‪َ ،‬ول َ ْو َس َ‬
‫اعة‪ ،‬أَ ْو ل َ ْح َظة‪َ ،‬و َر ُآه َم َع‬ ‫ول ‪ُ ‬م ْطلَ َق ُّ‬ ‫َص ِح َب َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫وب‪َ ،‬و ِإنَّ َما َش َرطْنَا َم َع‬ ‫الص ْح َبةِ ِاال ْج ِت َما ُع بِا ْل َم ْص ُح ِ‬
‫اإل َيما ِن بِه ِ‪ِ ،‬إ ْذ َح ِقي َق ُة ُّ‬
‫ِْ‬
‫وه َو َرأَ ْو ُه ‪َ ،‬ال يُ َس َّم ْو َن‬ ‫ين َص ِح ُب ُ‬ ‫اإل َيما َن؛ ِألَ َّن ا ْل ُكف ََّار ال َّ ِذ َ‬
‫َذلِ َك ْ ِ‬
‫اإل َيما َن َش ْرط ِفي ِإط َْال ِق ْاسمِ‬ ‫َص َحابَة بِ ِاالتِّ َفا ِق؛ فَ َد َّل َعلَى أَ َّن ْ ِ‬
‫الص َحاب ِِّي(‪.)5‬‬
‫َّ‬
‫واإلسنوي في زوائد األصول‪ ،‬حيث قال‪ :‬الصحابي من رآه عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وإن لم يرو عنه‪ ،‬ولم تطل صحبته له(‪.)2‬‬
‫الص َحابِ ُّي‪َ :‬م ْن ل َ ِق َي ُه أَ ْي‬ ‫وأبو البقاء الفتوحي الحنبلي‪ ،‬حيث قال‪َّ :‬‬
‫ل َ ِق َي النَّب َِّي ‪ِ ،‬م ْن َص ِغي ٍر أَ ْو َكبِي ٍر‪َ ،‬ذ َك ٍر أَ ْو أُ ْن َثى أَ ْو ُخ ْن َثى >أَ ْو َر ُآه‬
‫الرائِي > ُم ْسلِما‪.‬‬ ‫يَ َق َظة< ِفي َحا ِل َك ْونِه ِ ‪َ > ‬ح ًّيا< َو ِفي َحا ِل َك ْو ِن َّ‬
‫ات ُم ْسلِما<‪َ .‬و َه َذا‬ ‫َول َ ْو ْار َت َّد< بَ ْع َد َذلِ َك ثُ َّم أَ ْسلَ َم َول َ ْم يَ َر ُه بَ ْع َد ْإسال ِمه ِ > َو َم َ‬
‫د ‪‬‬ ‫الص َحابِ ِّي؛ َو ُه َو َما َذ َه َب إل َ ْيه ِ ا ِإل َم ُام أَ ْح َم ُ‬ ‫ُه َو ا ْل ُم ْخ َت ُار ِفي َت ْف ِسيرِ َّ‬
‫ِي َو َغ ْي ُر ُه ْم(‪.)2‬‬‫َوأَ ْص َحابُ ُه َوا ْل ُب َخار ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قواعد األصول‪ :‬ص‪.22‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫شرح مختصر الروضة‪.132/5 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫زوائد األصول‪ :‬ص‪.253‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫شرح الكوكب المنير‪.202/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫أما التعريف األشهر المنسوب إلى األصوليين فهو‪ :‬الصحابي من‬


‫رأى النبي ـ ‪ ‬ـ مؤمنا به‪ ،‬واختص به اختصاص المصحوب‪،‬‬
‫متبعا إياه مدة يثبت معها إطالق صاحب عليه عرفا بال تحديد لمقدار‬
‫تلك الصحبة‪ ،‬سواء روى عنه أو لم يرو عنه‪ ،‬تعلم منه أو لم يتعلم(‪.)1‬‬

‫وهذا هو ما يعرف بطَر ُِيق ْاألُ ُصولِيِّ َ‬


‫ين(‪.)5‬‬
‫وقد ذهب إليه أكثر األصوليين‪ .‬مثل‪ :‬إمام الحرمين في‬
‫التلخيص(‪ ،)2‬والغزالي في المستصفى(‪ ،)2‬وابن السمعاني في قواطع‬
‫األدلة(‪.)2‬‬
‫وحكى اختالف المحدثين واألصوليين كثير من العلماء منهم‬
‫اآلمدي حيث قال في اإلحكام‪ :‬ا ْخ َتلَ ُفوا ِفي ُم َس َّمى َّ‬
‫الص َحابِ ِّي‪ :‬فَ َذ َه َب‬
‫الص َحابِ َّي َم ْن َرأَى النَّب َِّي‬
‫أَ ْك َث ُر أَ ْص َحابِنَا َوأَ ْح َم ُد ْب ُن َح ْن َب ٍل ِإلَى أَ َّن َّ‬
‫وب‪َ ،‬و َال َر َوى َع ْن ُه‪،‬‬ ‫‪َ ،‬و ِإ ْن ل َ ْم يَ ْخ َت َّص بِه ِ ْاخ ِت َص َ‬
‫اص ا ْل َم ْص ُح ِ‬
‫َو َال طَال َ ْت ُم َّد ُة ُص ْح َب ِته ِ‪.‬‬
‫الص َحابِ َّي ِإنَّ َما يُ ْطلَ ُق َعلَى َم ْن َرأَى النَّب َِّي‬
‫آخ ُرو َن ِإلَى أَ َّن َّ‬ ‫َو َذ َه َب َ‬
‫وب‪َ ،‬وطَال َ ْت ُم َّد ُة ُص ْح َب ِته ِ‪،‬‬
‫اص ا ْل َم ْص ُح ِ‬ ‫ـ ‪ ‬ـ َو ْاخ َت َّص بِه ِ ْاخ ِت َص َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬المهذب في علم أصول الفقه المقارن‪ ،‬د‪/‬عبد الكريم النملة‪.525/5 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مقدمة ابن الصالح‪ :‬ص‪.522‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫التلخيص‪ :‬ص‪.522‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المستصفى‪.122/1 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قواطع األدلة‪ :‬ص‪.323‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪212‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫َو ِإ ْن ل َ ْم يَ ْر ِو َع ْن ُه(‪.)1‬‬
‫ومراد اآلمدي باآلخرين‪ ،‬األصوليين‪ ،‬فهم من ذهب إلى أن‬
‫الصحابي هو من طالت مصاحبته للنبي ‪ ‬ومالزمته له‪ ،‬حتى وإن‬
‫لم يرو عنه‪.‬‬
‫ودارت معارك كالمية بينهم وبين المحدثين‪ ،‬وحفلت كتب‬
‫األصول والمصطلح بذكر فصول من هذا االختالف‪.‬‬
‫على أن األصوليين لم يحددوا مدة لتلك الصحبة كما جزم‬
‫المالكي‪ ،‬ولم يخرجوا العباس منها‪ ،‬ولم يحصروا نصوص الثناء‬
‫والمدح والفضل قرآنا وسنة فيمن أسلم قبل الحديبية‪.‬‬
‫وغاية ما فعلوه أنهم اشترطوا للصحبة مدة يثبت معها اإلطالق‪،‬‬
‫وقد روي عن َس ِعي ِد ْب ِن ا ْل ُم َس َّي ِب في تحديد تلك المدة‪ :‬أَنَّ ُه َكا َن َال يَ ُع ُّد‬
‫الص َحابِ َّي ِإ َّال َم ْن أَقَ َام َم َع َر ُسو ِل اهلل ِ ـ ‪ ‬ـ َسنَة أَ ْو َسنَ َت ْي ِن‪َ ،‬و َغ َزا‬ ‫َّ‬
‫اجع ِإلَى‬ ‫َم َع ُه َغ ْز َوة أَ ْو َغ ْز َو َت ْي ِن‪َ ،‬و َكأَ َّن ا ْل ُم َر َاد بِ َه َذا ــ ِإ ْن َص َّح َع ْن ُه ــ َر ِ‬
‫ين(‪.)5‬‬ ‫ا ْل َم ْح ِك ِّي َع ِن ْاألُ ُصولِيِّ َ‬
‫ِي ‪َ ،‬ع ِن‬ ‫وفي صحيح البخاري من حديث أَبِي َس ِعي ٍد ُ‬
‫الخ ْدر ِّ‬
‫س‪ ،‬فَ ُي َق ُال‪ِ :‬في ُك ْم‬ ‫النَّب ِِّي ‪ ،‬قَ َال‪> :‬يَ ْأتِي َز َمان يَ ْغ ُزو ِف َئام ِم َن النَّا ِ‬
‫َم ْن َص ِح َب النَّب َِّي ‪‬؟ فَ ُي َق ُال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَ ُي ْف َت ُح َعلَ ْيه ِ‪ ،‬ثُ َّم يَ ْأتِي َز َمان‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلحكام لآلمدي‪.25/5 :‬‬
‫(‪ )5‬مقدمة ابن الصالح‪ :‬ص‪.522‬‬

‫‪211‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اب النَّب ِِّي ‪‬؟ فَ ُي َق ُال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَ ُي ْف َت ُح‪،‬‬ ‫فَ ُي َق ُال‪ِ :‬في ُك ْم َم ْن َص ِح َب أَ ْص َح َ‬
‫اب النَّب ِِّي‬ ‫اح َب أَ ْص َح ِ‬ ‫ثُ َّم ي ْأتِي َزمان فَي َق ُال‪ِ :‬في ُك ْم م ْن َص ِح َب َص ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪‬؟ فَ ُي َق ُال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَ ُي ْف َت ُح< ‪.‬‬
‫وقد استدل به العلماء على فضل الصحابة وتابعيهم دون أدنى‬
‫إشارة للتفرقة المزعومة التي نادى بها المالكي‪.‬‬
‫فقد أورده البخاري في كتاب المناقب‪ ،‬باب فضائل الصحابة‬
‫بعموم دون تفرقة بينهم‪ .‬حسب ما زعم المالكي‪ .‬واستهل الباب بقوله‪:‬‬
‫ين‪ ،‬فَ ُه َو ِم ْن أَ ْص َحابِه ِ(‪.)5‬‬ ‫َو َم ْن َص ِح َب النَّب َِّي ‪ ،‬أَ ْو َر ُآه ِم َن ُ‬
‫الم ْسلِ ِم َ‬
‫وكأنه يريد أن يقول إن كل حديث سيأتي في هذا الباب فإن فضله‬
‫يشمل أصحاب النبي ‪.‬‬
‫يث م ْع ِج َزات لِر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫ِ‬
‫‪‬‬
‫َ‬ ‫قال النووي‪َ :‬وفي َه َذا ا ْل َح ِد ِ ُ‬
‫ين َو َتابِ ِعيه ِْم(‪.)2‬‬
‫الص َحابَةِ َوال َّتابِ ِع َ‬
‫َوفَ ْض ُل َّ‬
‫سول اهلل‪ ،‬‬ ‫جزة لسيدنا َر ُ‬ ‫وقال العيني في العمدة‪َ :‬و ِفيه ْمع َ‬
‫وفضيلة ألَ ْص َحابه وتابعيهم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اعة من الناس‪،‬‬
‫الج َم َ‬
‫أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ .)5325‬ومسلم‪ :‬ح (‪ .)5225‬والفئام‪َ :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫َال َو ِ‬
‫احد ل َ ُه من لَفظه‪( .‬عمدة القاري‪.)152/10 :‬‬
‫صحيح البخاري‪.5/2 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫شرح النووي على مسلم‪.32/10 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عمدة القاري‪.132/12 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪215‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫فأين ما ذكره المالكي من هذا الذي قرره العلماء؟ ثم أال تكفي صحبة‬
‫النبي ‪ ‬ومالزمته مدة خمس سنوات فأكثر حتى يصير الرجل‬
‫صحابيا؟ حيث إن المدة ما بين صلح الحديبية ووفاة النبي ‪ ‬تزيد‬
‫على خمس سنوات‪ ،‬أال تعتبر هذه مدة كافية عند األصوليين إلطالق‬
‫وصف الصحبة على من توافرت فيه‪ ،‬حتى يتبجح المالكي ويخرج بهذا‬
‫القول ويعتضد بمذهب األصوليين في تعريف الصحابي(‪.)1‬‬
‫صحاب النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ بصيغة‬ ‫كر أحد الصحابة أل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ثالثا‪ :‬أ َّن ذ َ‬
‫كر‬ ‫ِ‬
‫المالكي من آثار جاء فيها ذ ُ‬
‫ُّ‬ ‫الغائب‪ ،‬ال يُخرجه منهم‪ ،‬فما ذكره‬
‫أصحاب رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ ليس فيها دليل على‬ ‫َ‬ ‫العباس أو اب ِنه‬
‫إخراجهما من الصحبة‪ ،‬كما أن سند الرواية فيه ُمجالد وهو ضعيف‬
‫ج ًّدا‪ ،‬وقد ا ُّتهم بالكذب(‪.)5‬‬
‫و ِم َّما يُ َو ِّضح ذلك ما رواه أبوداود في سننه بسنده َع ْن َعا ِمرِ ْب ِن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وهناك مذاهب أخرى في تعريف الصحابي‪ ،‬وبعضها أخف اشتراطا مما ذكره حتى‬
‫أصحاب الحديث‪ .‬ومنها أن الصحابي من أدرك زمن النبي ‪ ‬وإن لم يره‪.‬‬
‫وبعضهم قال‪ :‬من صحب النبي صلى اهلل عيه وسلم مدة ستة أشهر فأكثر‪ .‬راجع في‬
‫بيان مذاهب العلماء في تعريف الصحابي وأدلة كل مذهب‪ :‬كتاب مخالفة الصحابي‬
‫للحديث النبوي‪ ،‬د‪/‬عبد الكريم النملة‪ ،‬ص‪ 22‬ــ ‪.23‬‬
‫(‪ )5‬قال عنه ابن حبان‪ :‬ال يجوز االحتجاج به‪ ،‬يقلب األسانيد ويرفع المراسيل‪ .‬وقال‬
‫يحيى بن معين‪ :‬صالح‪ .‬وقال البخاري في >التاريخ الصغير<‪ :‬مجالد صدوق‪ .‬وقال‬
‫الجوزقاني‪ :‬ضعيف‪ ،‬منكر الحديث‪ ،‬يسرق الحديث‪ .‬وفي كتاب >الضعفاء< البن‬
‫الجارود‪ :‬مجالد وليث وحجاج سواء‪ ،‬ال يحتج بهم‪ .‬وفي كتاب >الجرح والتعديل<‬
‫عن الدارقطني‪ :‬ليس بثقة‪( .‬إكمال تهذيب الكمال‪ 51/11 :‬ــ ‪.)55‬‬

‫‪212‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن ال ُّزبَ ْي ِر‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت لِل ُّزبَ ْي ِر‪َ :‬ما يَ ْمنَ ُع َك أَ ْن ُت َح ِّد َث‬
‫َع ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬ك َما يُ َح ِّد ُث َع ْن ُه أَ ْص َحابُ ُه‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أَ َما َواهلل ِ ل َ َق ْد‬
‫ول‪َ > :‬م ْن َك َذ َب َعلَ َّي ُم َت َع ِّمدا‪،‬‬ ‫َكا َن لِي ِم ْن ُه َو ْجه َو َم ْن ِزلَة‪َ ،‬ول َ ِكنِّي َس ِم ْع ُت ُه يَ ُق ُ‬
‫فَ ْل َي َت َب َّو ْأ َم ْق َع َد ُه ِم َن النَّا ِر<(‪.)1‬‬
‫فعلى زعم قول المالكي هل يمكننا إخراج الزبير ‪ ‬من جملة‬
‫الصحابة ومعه ابنه؟ والزبير من السابقين ومن العشرة المبشرين بالجنة‪،‬‬
‫وابنه عبد اهلل أ َّول مولود ُولد بالمدينة بعد الهجرة(‪.)5‬‬
‫وفي البخاري في قصة حاطب يسأله النبي ‪ ‬لما أتي به‪:‬‬
‫ول اهلل ِ‪َ ،‬ما لِي أَ ْن َال‬ ‫لك َعلَى َما َصنَ ْع َت< قَ َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫>يَا َحا ِط ُب‪َ ،‬ما َح َم َ‬
‫أَ ُكو َن ُم ْؤ ِمنا بِاهلل ِ َو َر ُسولِه ِ؟ َول َ ِكنِّي أَ َر ْد ُت أَ ْن يَ ُكو َن لِي ِع ْن َد ال َق ْومِ يَد يُ ْدفَ ُع‬
‫بِ َها َع ْن أَ ْهلِي َو َمالِي‪َ ،‬ول َ ْي َس ِم ْن أَ ْص َحابِ َك أَ َحد ِإ َّال ل َ ُه ُهنَالِ َك ِم ْن قَ ْو ِمه ِ‬
‫َم ْن يَ ْدفَ ُع اهللُ بِه ِ َع ْن أَ ْهلِه ِ َو َمالِه ِ‪ ،‬قَ َال‪َ > :‬ص َد َق‪َ ،‬ال َت ُقولُوا ل َ ُه ِإ َّال‬
‫َخ ْيرا<(‪ .)2‬وحاطب ممن شهد بدرا‪.‬‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫وفي البخاري عن ابن عمر قَ َال‪ :‬ل َ َّما َكا َن َر ُس ُ‬
‫اء اهللُ< فَ َق َال نَاس ِم ْن أَ ْص َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب‬ ‫بِال َّطائف‪ ،‬قَ َال‪ِ > :‬إنَّا قَافلُو َن َغدا ِإ ْن َش َ‬
‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ :‬الَ نَ ْب َر ُح أَ ْو نَ ْف َت َح َها‪ ،‬فَ َق َال النَّب ُِّي ‪> :‬فَ ْاغ ُدوا‬
‫ات‪،‬‬ ‫اح ُ‬ ‫وه ْم قِ َتاال َش ِديدا‪َ ،‬و َكثُ َر ِفيه ُِم ِ‬
‫الج َر َ‬ ‫َعلَى ال ِق َتا ِل< قَ َال‪ :‬فَ َغ َد ْوا فَ َق َاتلُ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وصححه األلباني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود في السنن‪ :‬ح (‪)2021‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬االنتصار للصحابة األخيار‪ ،‬عبد المحسن العباد البدر‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)0222‬‬

‫‪212‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ِ‬ ‫فَ َق َال ر ُس ُ ِ‬


‫ول اهلل ‪ِ > :‬إنَّا قَافلُو َن َغدا ِإ ْن َش َ‬
‫اء اهللُ< قَ َال‪ :‬فَ َس َك ُتوا‪،‬‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‪. <‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فَ َض ِح َك َر ُس ُ‬
‫ويدل لذلك أيضا ما رواه البخاري في صحيحه َع ْن َعائِ َش َة‬ ‫ُّ‬
‫ول اهلل ِ‪ ،‬يَ ْر ِج ُع أَ ْص َحابُ َك بِأَ ْجرِ َحج َو ُع ْم َر ٍة‪،‬‬ ‫‪ ،‬أَنَّ َها قَال َ ْت‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫الر ْح َم ِن‪<...‬‬ ‫ك َع ْب ُد َّ‬‫الح ِّج؟ فَ َق َال ل َ َها‪> :‬ا ْذ َهبِي‪َ ،‬و ْل ُي ْردِ ْف ِ‬
‫َول َ ْم أَز ِْد َعلَى َ‬
‫الحديث(‪.)5‬‬
‫أصحاب رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ‬ ‫أم المؤمنين عائش َة ‪‬‬ ‫كر ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فذ ُ‬
‫في هذا الموضع وغيره ال ُّ‬
‫يدل على مباينتها لهم‪ ،‬وال خروجها منهم‪،‬‬
‫كل الذين صحبوه في ح َّجته هم من أصحابه‪.‬‬ ‫بل إنَّه ُّ‬
‫يدل على أ َّن َّ‬
‫وهذا الذي جاء عن العباس وابنه وابن الزبير وحاطب وابن عمر‬
‫نظائر كثيرة في كالم أصحاب رسول اهلل‬ ‫ُ‬ ‫والعباس وابنه ‪ ‬له‬
‫ـ ‪ ‬ـ ورضي اهلل عنهم‪ ،‬وهو واضح في عدم خروج المتكل ِّم به‬
‫ومن يخاطبه ِمن أن يكون ِمن أصحاب النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫َ‬
‫>وهذا ما يؤكد أن الرجل أتى بدعا من القول لم يسبق إليه‪ ،‬كما أن‬
‫شرف صحبة رسول اهلل‬ ‫زعمه أن العباس وابنه عبد اهلل ‪ ‬لَم يناال َ‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬هو من الجفاء في آل بيت النبي ـ ‪ ‬ـ بل إنَّه جفاء‬
‫أقرب نسبا إلى رسول اهلل ـ ‪ ‬ـ عمه العباس ‪.)2(<‬‬ ‫في َمن هو ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)0230‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)5232‬‬
‫(‪ )2‬االنتصار للصحابة األخيار‪ ،‬عبد المحسن العباد البدر‪ ،‬ص‪ 30‬بتصرف‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ ‬الشبهة الثالثة‪ :‬العباس وبيعة أبي بكر ‪( ‬السقيفة)‪:‬‬


‫كثر الكالم حول السقيفة وما دار فيها‪ ،‬وأُثيرت حولها كثير من‬
‫الشبهات‪ ،‬ولسنا هنا بصدد استقراء كل ما أُثير حولها فهو أمر يحتاج‬
‫إلى مؤلفات مستقلة‪ ،‬وغاية مقصدنا هنا بيان موقف العباس بن‬
‫عبد المطلب ‪ ‬من بيعة الصديق أبي بكر ‪ ،‬وما دار فيها‪،‬‬
‫العباس الصديق‬
‫ُ‬ ‫وبعبارة أخرى تزيح الجدل َوتزيل ْ ِ‬
‫اإل ْش َك َال‪ :‬هل بايع‬
‫أبا بكر وارتضى خالفته أم تراه أحجم عن مبايعته؟‬
‫* تقرير الشبهة والرد عليها‪:‬‬
‫وقد حاول البعض إثارة بعض الشكوك في بيعة العباس ألبي بكر‬
‫‪ ،‬ناقال إحجام العباس عن مبايعته وذلك تبعا لموقف علي‬
‫بخاصة والذي تبنته بنو هاشم بعامة على حد زعم من ذكر هذا‪.‬‬
‫وقد حاولوا االستدالل على هذا الموقف المزعوم بعدة روايات‪،‬‬
‫سنحاول بيان بعضها فيما نستقبل من صفحات هذا البحث‪.‬‬
‫بداية ال بد من تقرير شيء له أهميته في هذا الجانب أال وهو أن‬
‫أي قول ال يحمل معه األدلة الشرعية الصحيحة الصريحة التي تؤكده‬
‫وتسوغ الصدع به فهو قول ساقط متهافت ال قيمة له وال طائل من‬
‫ورائه‪ ،‬ولن يصمد أمام البحث الشرعي الصحيح‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 3‬ــ العباس لم يبايع ألنه ير عدم أحقية الصديق بالخالفة‪:‬‬


‫خيل لدى البعض أن العباس بن عبد المطلب ما رضي خالفة‬
‫الصديق أبي بكر ألنه ال يرى له حقا في الخالفة‪ ،‬بل إنه كان يرى‬
‫لنفسه أو لعلي حقا في اإلمامة ونصيبا منها بحكم قرابتهما من النبي‬
‫‪‬؛ بداللة بعض الروايات التي قد تشير إلى ذلك تلميحا أو‬
‫تصريحا‪ ،‬وهذه محض أوهام ال تثبت أمام البحث العلمي الصحيح‪،‬‬
‫وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬
‫ــ روى البخاري في صحيحه‪ :‬أنه لما اشتد المرض بالنبي‬
‫‪ ‬وأدرك العباس أن النبي ‪ ‬ينازع الموت‪ ،‬أشار على‬
‫علي بالذهاب إلى رسول اهلل ليسأله عن الخالفة بعده فيمن تكون‪ ،‬وقال‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬س ْو َف يُ َت َوفَّى ِم ْن َو َج ِعه ِ َه َذا‪،‬‬ ‫له‪ِ :‬إنِّي َواهلل ِ َألَ َرى َر ُس َ‬
‫ت‪ ،‬ا ْذ َه ْب بِنَا ِإلَى َر ُسو ِل‬ ‫المطَّلِ ِب ِع ْن َد َ‬
‫الم ْو ِ‬ ‫وه بَ ِني َع ْب ِد ُ‬ ‫ِإنِّي َألَ ْعر ُِف ُو ُج َ‬
‫يم ْن َه َذا األَ ْم ُر‪ِ ،‬إ ْن َكا َن ِفينَا َعلِ ْمنَا َذلِ َك‪َ ،‬و ِإ ْن َكا َن‬ ‫ِ‬
‫اهلل ‪ ‬فَ ْلنَ ْسأَ ْل ُه ف َ‬
‫ِ‬
‫ول‬‫اها َر ُس َ‬ ‫ِفي َغ ْيرِنَا َعلِ ْمنَ ُاه‪ ،‬فَأَ ْو َصى بِنَا‪ ،‬فَ َق َال َعلِي‪ِ :‬إنَّا َواهلل ِ ل َ ِئ ْن َسأَ ْلنَ َ‬
‫اس بَ ْع َد ُه‪َ ،‬و ِإنِّي َواهلل ِ الَ أَ ْسأَل ُ َها‬ ‫اها النَّ ُ‬‫اها الَ يُ ْع ِطينَ َ‬‫اهلل ِ ‪ ‬فَ َمنَ َعنَ َ‬
‫ول اهلل ِ ‪.)1(‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫وكالم العباس هنا ال يعطي أي داللة على رفضه لبيعة الصديق‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2225‬‬

‫‪215‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وغاية ما فيه هو استيضاح الخليفة بعد النبي ‪ ‬وإن كان يحوي ــ‬
‫ومن باب اإلنصاف ــ أمنيات للعباس أن يكون األمر له أو لعلي‪ ،‬وهذا‬
‫غير قادح في مكانة الصديق وال في رضى العباس ببيعة الصديق‪،‬‬
‫فاألمر ال يعدو كونه نزعة شخصية وأمنية سرعان ما تالشت‪ ،‬وفارق‬
‫بين األماني والواقع‪ ،‬فاألماني شيء والواقع شيء آخر‪ ،‬كما أن هذه‬
‫الرواية قاطعة ألي نزاع حول الوصية من النبي ‪ ‬لعلي كما‬
‫تدعي اإلمامية‪ ،‬أو الوصية للعباس كما تدعي الراوندية‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ويلحق بنفس الرد ما روي أن العباس بعد وفاة النبي‬
‫طلب من علي أن يبسط يده ليبايعه العباس بالخالفة‪.‬‬
‫ــ أخرج ابن سعد في طبقاته‪ :‬أَ ْخ َب َرنَا أَ ْح َم ُد ْب ُن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن يُونُ َس‪.‬‬
‫الش ْعب ِِّي قَ َال‪ :‬قَ َال‬ ‫أَ ْخ َب َرنَا ُز َه ْير‪ .‬أَ ْخ َب َرنَا ِإ ْس َما ِع ُيل ْب ُن أَبِي َخالِ ٍد َع ْن َعا ِم ٍر َّ‬
‫ِض فيه‪ .‬يعني النبي ‪ِ :‬إنِّي أَ َك ُاد‬ ‫َر ُجل لِ َعلِي ِفي ا ْل َمر ِ ِ‬
‫ض الَّذي قُب َ‬ ‫َ‬
‫أَ ْعر ُِف ِفيه ِ ا ْل َم ْو َت‪ .‬فَا ْن َطلِ ْق بِنَا ِإل َ ْيه ِ فَنَ ْسأَ ْل ُه َم ْن يَ ْس َت ْخلِ ُف‪ .‬فَ ِإ ِن ْاس َت ْخلَ َف‬
‫ِمنَّا فذاك‪ .‬وإال أوصى بنا فَ َح َف َظنَا َم ْن بَ ْع َد ُه! فَ َق َال ل َ ُه َعلِي ِع ْن َد َذلِ َك َما‬
‫ِض النَّب ُِّي ـ ‪ ‬ـ قَ َال لِ َعلِي‪ْ :‬اب ُسطْ يَ َد َك أُبَايِ ْع َك ُت َبايِ ْع َك‬ ‫قَ َال‪ .‬فَلَ َّما قُب َ‬
‫اآلخ ُر يَ َد ُه(‪.)1‬‬
‫ض َ‬ ‫اس! فَ َق َب َ‬ ‫النَّ ُ‬
‫والرواية وإن لم يُصرح فيها باسم العباس إال أنه واضح أنه المراد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات‪ .522/5 :‬والرواية يعتريها احتمال اإلرسال‪ ،‬كما سبق أعاله‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫من قول الشعبي‪> :‬قال رجل لعلي< وتدل عليه رواية البخاري السابقة‪،‬‬
‫وإن كانت هذه الرواية تزيد عليها طلب العباس من علي أن يبسط يده‬
‫ليبايعه‪ ،‬وهذه الزيادة لم يوردها البخاري في روايته‪ ،‬كما أن إسناد الرواية‬
‫التي بين أيدينا تعتريه شبهة االنقطاع‪ ،‬فهي من مرويات الشعبي ويحتمل‬
‫أن تكون من مراسيله‪ ،‬والشعبي وإن كان أدرك عليا وصلَّى خلفه كما قال‬
‫الذهبي(‪ )1‬إال أن في روايته عنه خالف بين أهل العلم‪ ،‬وعليه فشبهة‬
‫اإلرسال محتملة‪ ،‬ومع أن مراسيله من أصح المرسالت‪ ،‬كما قَ َال‬
‫الشعب ِّي َص ِحيح‪َ ،‬و َال ي َكاد يُ ْرسل‪َّ ،‬إال َص ِحيحا(‪.)5‬‬
‫ا ْلعجلِ ّي‪ُ :‬م ْرسل ّ‬
‫لكن يبقى أن المرسل من جنس الضعيف‪ ،‬وأن الرواية تحتاج إلى‬
‫أن تعزز بطرق أخرى صحيحة(‪.)2‬‬
‫والرواية على فرض صحتها ال تحمل أي إشارة على إحجام‬
‫العباس ‪ ‬وامتناعه عن بيعة الصديق ‪ ‬أيضا‪ ،‬وغاية ما فيها‬
‫(‪)2‬‬
‫أن العباس عرض البيعة على علي بعد وفاة النبي ‪‬‬ ‫ومثيالتها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سير أعالم النبالء‪.155/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الذهبي‪ :‬تذكرة الحفاظ‪.52/1 ،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ذهب جمهور المحدثين إلى أن الحديث المرسل ضعيف ال يحتج به‪ ،‬وذهب جمهور‬ ‫(‪)2‬‬
‫الفقهاء (مالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه) إلى أن المرسل حجة يجوز‬
‫العمل به‪ ،‬بينما توسط الشافعي فاعتبره ضعيفا ضعفا يسيرا يمكن أن ينجبر إذا عرض‬
‫له أحد المؤيدات األربع وهي‪ :‬أن يروى مسندا من وجه آخر‪ ،‬أو مرسال من وجه‬
‫آخر‪ ،‬أو يفتي به بعض الصحابة‪ ،‬أو يفتي به أكثر أهل العلم‪( .‬راجع‪ :‬الرسالة‪:‬‬
‫ص‪ 205‬ــ أثر الحديث الشريف في اختالف الفقهاء‪ :‬ص‪.)53‬‬
‫مثل ما أخرجه الحافظ عبد الرزاق الصنعاني في األمالي‪( :‬ح‪ )2‬أَ ْخ َب َرنَا أَبُو َعلِي=‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪212‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫مباشرة‪ ،‬وقبل ما حدث في السقيفة‪ ،‬وهي أيضا داحضة ألي دعوى‬


‫بالنص على إمامة علي أو العباس‪ ،‬كما أسلفنا سابقا ــ بداللة عرض‬
‫نص بإمامته من‬
‫العباس وامتناع علي‪ ،‬فعرض العباس يمنع وجود أي ّ‬
‫النبي ‪ ‬وإال فلم عرض عليه البيعة(‪)1‬؟‬
‫نص بإمامته‪،‬‬
‫وامتناع علي ‪ ‬هو اآلخر يدحض شبهة وجود أي ِّ‬
‫فلم امتنع؟‬
‫وإال َ‬
‫‪ 5‬ــ إحجام العباس عن بيعة الصديق مع علي والزبير وسعد‬
‫أما ما روي من إحجام العباس عن بيعة الصديق مع من أحجم من‬
‫بني هاشم ومن واالهم فهو كالم يحتاج إلى إثبات من مصادر صحيحة‬
‫وروايات صريحة‪ ،‬وما بين أيدينا من روايات وردت بهذا الخصوص‬
‫ضعيف على أقل تقدير‪ ،‬وال يمكننا الركون إليه أو التسليم بصحة ما‬
‫ورد فيه فيما يتعلق بهذا الشأن الخطير‪.‬‬
‫قال ابن عبد ربه في العقد الفريد‪ :‬الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر‪:‬‬
‫علي‪ ،‬والعباس‪ ،‬والزبير‪ ،‬وسعد بن عبادة‪ ،‬فأما علي والعباس والزبير‬ ‫ّ‬
‫فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الر َزا ِق‪ ،‬أنا ْاب ُن ُع َي ْينَ َة‪َ ،‬ع ْن َع ْمرٍو‪َ ،‬ع ْن أَبِي َج ْع َفرٍ‪،‬‬ ‫= ِإ ْس َما ِع ُيل‪ ،‬ثَنَا أَ ْح َم ُد‪ ،‬ثَنَا َع ْب ُد َّ‬
‫اس ِإلَى َعلِي فَ َق َال‪َ :‬ت َعالَى أُبَايِ ْع َك فَ ِإ َذا قِ َيل َع ُّم‬ ‫اء ا ْل َع َّب ُ‬
‫ات النَّب ُِّي ‪َ ‬ج َ‬ ‫قَ َال‪ :‬ل َ َّما َم َ‬
‫َر ُسو ِل اهلل ِ َصلَّى اهللُ َعلَ ْيه ِ بَايَ َع ْاب َن َع ِّم َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ل َ ْم يَ ْخ َتلِ ْف َعلَ ْي َك ا ْثنَا ِن‪،‬‬
‫س بِأَ ْم ٍر ِإ ْن أَ َر ُادونِي فَ َق ْد َع َرفُوا َم َكانِي<‪.‬‬
‫قَ َال‪ :‬فَ َق َال ل َ ُه َعلِي‪َ > :‬ما ُك ْن ُت ِأل َ ْف َت ِئ ُت َعلَى النَّا ِ‬
‫(‪ )1‬راجع في بيان هذا‪( :‬الشبهة السابقة) شبهة الراوندية والنص على إمامة العباس‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ليخرجوا من بيت فاطمة‪ ،‬وقال له‪ :‬إن أبوا فقاتلهم‪ .‬فأقبل بقبس من نار‬
‫على أن يضرم عليهم الدار‪ ،‬فلقيته فاطمة فقالت‪ :‬يا ابن الخطاب‪،‬‬
‫أجئت لتحرق دارنا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أو تدخلوا فيما دخلت فيه األمة!‬
‫فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه(‪.)1‬‬
‫والنص السابق ال يمكننا التسليم بصحته وذلك من عدة وجوه‪:‬‬
‫ــ إن النص المذكور منسوب البن عبد ربه وقد نُسب إلى االعتزال(‪.)2‬‬
‫ــ إن كتابه العقد الفريد موضوع في األدب ولم يعن بصحة‬
‫الروايات وال حتى بإسنادها في األغلب‪.‬‬
‫ــ القول المذكور أعاله ورد منه بال إسناد‪ ،‬وال يمكن قبوله منه‬
‫لخلوه من الدليل الصحيح الصريح من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ألن‬
‫بعض العلماء كان يرى في ابن عبد ربه نفسه أثرة من تشيع‪ ،‬حتى قال‬
‫ابن كثير في ترجمته‪ :‬ويدل َك ِثير ِم ْن َك َال ِمه ِ‪َ ،‬علَى َت َش ُّي ٍع ِفيه ِ‪َ ،‬و َم ْي ٍل ِإلَى‬
‫ا ْل َح ِّط َعلَى بَ ِني أُ َم َّي َة‪َ .‬و َه َذا َع ِجيب ِم ْن ُه‪ِ ،‬ألَنَّ ُه أَ َح ُد َم َوالِيه ِْم َو َكا َن ْاألَ ْولَى‬
‫بِه ِ أَ ْن يَ ُكو َن ِم َّم ْن يواليهم ال ممن يعاديهم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العقد الفريد‪.12/2 :‬‬
‫(‪ )5‬الطرائف البن طاوس الحسني‪ :‬ص‪.522‬‬
‫(‪ )2‬البداية والنهاية‪.122/11 :‬‬
‫وقد أخطأ الزركلي في مؤلفه األعالم‪ )525/1( :‬حين نسب ابن عبد ربه إلى‬
‫النصب‪ ،‬وقال‪ :‬إنه ممن اشتهر عنه القول بالنصب‪ ،‬حيث كان ال يرى خالفة علي‬
‫أصال‪ ،‬ولما ع َّد الخلفاء األربعة أسقط عليا وجعل معاوية رابعهم‪ .‬وبالبحث في العقد=‬

‫‪251‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ــ ومن جملة الروايات التي يستشهد بها البعض على إحجام‬
‫العباس عن البيعة ما ورد في كتاب سليم بن قيس عن السقيفة تحت‬
‫عنوان >محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخالفة<‪.‬‬
‫حيث قال ناسبا الخبر إلى البراء بن عازب‪ .. :‬قال‪ :‬وبلغ أبا بكر‬
‫وعمر الخبر‪ ،‬فأرسال إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة‪،‬‬
‫فسأالهما الرأي‪ .‬فقال المغيرة بن شعبة‪ :‬أرى أن تلقوا العباس بن عبد‬
‫المطلب فتطمعوه في أن يكون له في هذا األمر نصيب يكون له ولعقبه‬
‫من بعده فتقطعوا عنكم بذلك ناحية علي بن أبي طالب‪ ،‬فإن العباس بن‬
‫عبد المطلب لو صار معكم كانت الحجة على الناس وهان عليكم أمر‬
‫علي بن أبي طالب وحده‪ .‬قال‪ :‬فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن‬
‫الجراح والمغيرة بن شعبة حتى دخلوا على العباس بن عبد المطلب في‬
‫الليلة الثانية من وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتكلم أبو بكر فحمد اهلل جل وعز وأثنى عليه ثم قال‪ :‬إن اهلل‬
‫بعث لكم محمدا نبيا وللمؤمنين وليا‪ ،‬فمن اهلل عليهم بكونه بين‬
‫ظهرانيهم‪ ،‬حتى اختار له ما عنده وترك للناس أمرهم ليختاروا ألنفسهم‬
‫مصلحتهم‪ ،‬متفقين ال مختلفين‪ .‬فاختاروني عليهم واليا وألمورهم‬
‫راعيا‪ ،‬فتوليت ذلك‪ .‬وما أخاف بعون اهلل وهنا وال حيرة وال جبنا‪،‬‬
‫وما توفيقي إال باهلل‪ .‬غير أني ال أنفك من طاعن يبلغني فيقول بخالف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الفريد البن عبد ربه (‪ )2/2‬نجد أنه ذكر الخلفاء بعد النبي ‪ ،‬فعدهم على‬ ‫=‬
‫الترتيب‪ :‬أبو بكر‪ ،‬عمر‪ ،‬عثمان‪ ،‬علي‪ ،‬الحسن بن علي‪ ،‬معاوية‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫قول العامة‪ ،‬فيتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع‪ ،‬فإما‬
‫دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه أو صرفتموهم عما مالوا إليه‪ .‬فقد‬
‫جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا األمر نصيبا يكون لك ولعقبك‬
‫من بعدك‪ ،‬إذ كنت عم رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪ ،‬وإن كان الناس‬
‫أيضا قد رأوا مكانك ومكان صاحبك فعدلوا بهذا األمر عنكما‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬أي واهلل‪ ،‬وأخرى يا بني هاشم على رسلكم‪ ،‬فإن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله منا ومنكم‪ ،‬وإنا لم نأتكم لحاجة منا‬
‫إليكم‪ ،‬ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون‪،‬‬
‫فيتفاقم الخطب بكم وبهم‪ .‬فانظروا ألنفسكم وللعامة‪ .‬ثم سكت‪.‬‬
‫فتكلم العباس فقال(‪ :)1‬إن اهلل تبارك وتعالى ابتعث محمدا صلى‬
‫اهلل عليه وآله ــ كما وصفت ــ نبيا وللمؤمنين وليا‪ ،‬فإن كنت برسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وآله طلبت هذا األمر فحقنا أخذت‪ ،‬وإن كنت بالمؤمنين‬
‫طلبت فنحن من المؤمنين‪ ،‬ما تقدمنا في أمرك وال تشاورنا وال تآمرنا‬
‫وال نحب لك ذلك‪ ،‬إذ كنا من المؤمنين وكنا لك من الكارهين‪.‬‬
‫وأما قولك (أن تجعل لي في هذا األمر نصيبا)‪ ،‬فإن كان هذا‬
‫األمر لك خاصة فأمسك عليك فلسنا محتاجين إليك وإن كان حق‬
‫المؤمنين فليس لك أن تحكم في حقهم دونهم‪ ،‬وإن كان حقنا فإنا ال‬
‫نرضى منك ببعضه دون بعض‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ورد هذا الكالم المنسوب إلى العباس في كتاب سليم بن قيس (ص ‪ )122‬تحت‬
‫عنوان‪( :‬مواجهة العباس لمؤامرة أصحاب السقيفة)‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وأما قولك يا عمر (إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله منا ومنكم)‪،‬‬
‫فإن رسول اهلل شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها‪ ،‬فنحن أولى به منكم‪.‬‬
‫وأما قولك (إنا نخاف تفاقم الخطب بكم وبنا)‪ ،‬فهذا الذي‬
‫فعلتموه أوائل ذلك‪ ،‬واهلل المستعان‪ .‬فخرجوا من عنده وأنشأ العباس‬
‫يقول‪:‬‬
‫عن هاشم ثم منهم عن أبـي حسـن‬ ‫ما كنت أحسب هذا األمـر منحرفـا‬
‫ألــيس أول مـــن صــلى لقبلـــتكم وأعلــم النـــاس باآلثـــار والســـنن‬
‫جبريل عون له في الغسـل والكفـن‬ ‫وأقرب الناس عهـدا بـالنبي ومـن‬
‫وليس في الناس ما فيه من الحسـن‬ ‫من فيه ما في جميع الناس كلهـم‬
‫(‪)1‬‬
‫مــن ذا الــذي ردكــم عنــه فنعرفــه هــا إن بيعــتكم مــن أول الفــتن‬
‫والرواية وردت بال إسناد وهذا كاف وحده في ردها‪ ،‬ويضاف إليه‬
‫خلو الروايات الصحيحة مما تضمنته هذه الرواية‪ ،‬ناهيك عما ورد فيها‬
‫من عبارات التآمر والتالعب المنسوبة إلى الشيخين‪ ،‬والتي ال تليق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الرواية وردت في كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص‪ ،122‬وعنه المجلسي في البحار‪:‬‬
‫(‪ ،)521/53‬وأوردها ابن أبي الحديد في شرحه على النهج (‪ )512/1‬ناسبا إياها‬
‫إلى البراء‪ ،‬مع اختصار في بعض ألفاظها‪ ،‬وكذا ساقها التستري في قاموسه‪،‬‬
‫(‪ ،)12/0‬نقال عن اإلمامة والسياسة المنسوب إلى ابن قتيبة‪ )12/1( ،‬وعدها من‬
‫مناقب العباس حيث قال قبلها‪ :‬ويكفي العباس جاللة أن أبا بكر وعمر أرادا إشراكه‬
‫في الخالفة ليض ِّعفا أمر أمير المؤمنين فلم يقبل منهما‪ ،‬ثم ساق الرواية‪ .‬وأوردها‬
‫كذلك اليعقوبي في تاريخه مختصرة وبال إسناد أيضا‪( .‬تاريخ اليعقوبي‪ 152/5 :‬ــ‬
‫‪.)150‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫بحال مع فضلهما وخلقهما‪ ،‬وعلو مكانتهما‪.‬‬

‫‪ ‬وقفة حول كتاب سليم بن قيس‪:‬‬


‫لعل أول من أورد الرواية هو كتاب سليم بن قيس‪ ،‬وهو أول‬
‫كتاب ظهر لإلمامية‪ ،‬على ح ِّد تعبير ابن النديم(‪.)1‬‬
‫يقول النعماني‪ :‬ليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن‬
‫األئمة (‪ )‬خالف في أن كتاب سليم بن قيس الهاللي أصل من‬
‫أكبر كتب األصول التي رواها أهل العلم ومن حملة حديث أهل البيت‬
‫(‪ )‬وأقدمها‪ ،‬ألن جميع ما اشتمل عليه هذا األصل إنما هو عن‬
‫رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) وأمير المؤمنين والمقداد وسلمان‬
‫الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول اهلل (صلى اهلل‬
‫عليه وآله) وأمير المؤمنين (‪ )‬وسمع منهما‪ ،‬وهو من األصول‬
‫التي ترجع الشيعة إليها ويعول عليها(‪.)5‬‬
‫أما عن سليم بن قيس الهاللي‪ ،‬فهو غير معروف عند أهل السنة‬
‫فلم يرد له ذكر مستقل في كتب التاريخ والسير رغم أن من أثبته قد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفهرست‪ :‬ص ‪ ،512‬وانظر‪ :‬الذريعة‪.125/5 :‬‬
‫(‪ )5‬الغيبة‪ :‬ص‪ .122‬ووافقه على ذلك كثير من متأخري علماء الطائفة مثل‪ :‬محمد تقي‬
‫المجلسي (المتوفى سنة ‪ 1252‬ه)‪ ،‬ومحمد بن الحسن الحر العاملي (المتوفى سنة‬
‫‪ 1122‬ه)‪ ،‬وهاشم البحراني (المتوفى سنة ‪ 1125‬ه)‪ ،‬ومحمد باقر المجلسي‬
‫(المتوفى سنة‪ 1111‬ه)‪ ،‬باإلضافة إلى العديد من المتأخرين‪.‬‬
‫(راجع‪ :‬هاشم الهاشمي‪ ،‬حوار مع فضل اهلل‪ ،‬ص‪.)210‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ادعى وجوده بين عامي ‪ 12‬إلى ‪50‬هـ وهي فترة حافلة باألحداث‪ ،‬كما‬
‫ذكر في الكتاب المنسوب إليه عالقته بسلمان الفارسي‪ ،‬والمقداد‬
‫وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وغيرهم(‪.)1‬‬
‫أما عن اإلمامية‪ :‬فقد اختلفت نظرتهم حوله ما بين مؤيد لوجوده‪،‬‬
‫مستقل‬
‫ّ‬ ‫وناف له‪ .‬على أن مصادرهم هي األخرى ليس فيها دليل وخبر‬
‫عن سليم‪ ،‬وكل ما قيل عنه‪ ،‬وذكر به‪ ،‬كان عن طريق كتابه‪ ،‬الذي‬
‫انفرد أبان بن أبي عياش بروايته(‪.)5‬‬
‫فقد أورده الطوسي في رجاله‪ ،‬قائال‪ :‬سليم بن قيس الهاللي‪ ،‬ثم‬
‫العامري الكوفي‪ ،‬صاحب أمير المؤمنين ‪.)2(‬‬
‫كما ذكره الطوسي في رجال الكشي‪ :‬وقد أورد فيه روايتين عن أبان‬
‫تشهد بصدقه(‪ .)2‬لكنه لم يستحضر أي مطلب يبين حضوره التاريخي أو‬
‫يثبت وجوده العيني(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬كتاب سليم‪ ،232 :‬ح‪25‬؛ ‪ ،252‬ح‪22‬؛ ‪ ،102‬ح‪2‬؛ ‪ 122‬و‪ ،122‬ح‪.2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ،222‬ح‪ ،232 .20‬ح‪ .23‬وانظر‪ :‬عبد المهدي جاللي‪ ،‬سليم بن قيس الهاللي‪،‬‬
‫حقيقة واقعة أم شخصية مصطنعة؟ بحث بمجلة نصوص معاصرة‪ ،‬العدد السادس في‬
‫ربيع سنة ‪1222‬هـ‪ ،‬ص‪.520‬‬
‫راجع‪ :‬سليم بن قيس الهاللي‪ ،‬حقيقة واقعة أم شخصية مصطنعة؟ ص‪.502‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫رجال الطوسي‪ :‬ص‪.112‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رجال الكشي‪ :‬للطوسي‪.255/1 ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عبد المهدي جاللي‪ ،‬سليم بن قيس الهاللي‪ ،‬حقيقة واقعة أم شخصية مصطنعة؟‬ ‫(‪)2‬‬
‫ص‪.521‬‬

‫‪250‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وذكره األردبيلي في جامع الرواة‪ ،‬ونقل قول الطوسي السابق‪،‬‬


‫وزاد عليه‪ :‬وقال‪ :‬روى الكشي أحاديث تشهد بشكره وصحة كتابه وفي‬
‫الطريق قول(‪.)1‬‬
‫وقد وثَّقه كثيرون من علماء اإلمامية المتأخرين‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫الخوئي(‪ )5‬إال أنه فيما يبدو لم يكن معروفا عند كثير من متقدميهم‪ .‬فقد‬
‫ورد في رجال ابن الغضائري‪ ،‬وكان أصحابنا يقولون‪ِ :‬إ ّن ُسلَ ْيما‬
‫ال يُ ْع َر ُف‪ ،‬وال ُذ ِك َر في َخ َبر(‪.)2‬‬
‫وقد أع َّد أحد الباحثين المعاصرين(‪ )2‬بحثا ودراسة حول شخصية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جامع الرواة‪.252/1 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قال الخوئي في المعجم‪ )522/2( :‬أن سليم بن قيس ــ في نفسه ــ ثقة جليل القدر‬ ‫(‪)5‬‬
‫عظيم الشأن‪ ،‬ويكفي في ذلك شهادة البرقي بأنه من األولياء من أصحاب أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬المؤيدة بما ذكره النعماني في شأن كتابه‪ ،‬وقد أورده العالمة في‬
‫القسم األول وحكم بعدالته‪.‬‬
‫رجال ابن الغضائري‪ :‬ص‪.02‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وهو الدكتور عبد المهدي جاللي‪ ،‬وقد نشرت دراسته مجلة نصوص معاصرة بعنوان‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سليم بن قيس الهاللي‪ :‬حقيقة واقعة أم شخصية مصطنعة؟ بترجمة نظيرة غالب‪،‬‬
‫وذلك في عددها السادس في ربيع سنة ‪1222‬هـ = ‪5215‬م (السنة السابعة)‪ ،‬ومما‬
‫أورده في خاتمة دراسته‪ ،‬وتحت عنوان‪ :‬نتيجة البحث‪( :‬ص‪> )522‬لقد اتبعنا‬
‫التحقيق والبحث في العديد من الكتب المصادر والمراجع المعتمدة في التاريخ‪،‬‬
‫والرجال‪ ،‬والقرآن وتفسيره‪ ،‬والحديث‪ ،‬والسيرة‪ ،‬والمناقب‪ ،‬والتراجم‪ ،‬وغيرها‬
‫كثير‪ .‬وهي في بيان تاريخ النبي األكرم ‪ ‬وما يخص الدعوة النبوية في‬
‫كل ما يتعلق باألئمة األطهار والصحابة‬‫مرحلة نزول الوحي‪ ،‬كما أنها في معرفة ّ‬
‫والتابعين لدى الفريقين‪ ،‬وأشخاص آخرين كثر‪ .‬وكانت النتيجة الحاصلة من كل=‬

‫‪255‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫سليم بن قيس‪ ،‬من خالل بحثه في كتب أهل السنة واإلمامية‪ ،‬ووصل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= هذا الجهد العلمي‪ :‬أن ال خبر وال تقرير من شأنه أن يثبت تواجد سليم الفعلي‬
‫وحضوره التاريخي‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ليس هناك أية شهادة أو سند أو وثيقة يمكننا االستناد إليها في إثبات وجود‬
‫شخصية باسم سليم بن قيس الهاللي ما بين سنة ‪12‬هـ وسنة ‪50‬هـ‪ ،‬بعد ان ا ُّدعي أنه‬
‫تواجد في تلك الفترة من تاريخ اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في كل المصادر والمراجع ـ أعم من الشيعية وغيرها ـ ليس هناك دليل وخبر‬
‫مستقل عن سليم‪ ،‬وكل ما قيل عنه‪ ،‬وذكر به‪ ،‬كان عن طريق كتابه‪ ،‬الذي انفرد أبان‬‫ّ‬
‫ابن أبي عياش بروايته‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ لقد عرف سليم من خالل رواياته‪ ،‬والتي نقلت بدورها عن كتابه‪ ،‬الذي رواه أبان‬
‫ابن أبي عياش‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ليس هناك شاهد أو مستند تاريخي يؤكد حضور سليم في تلك الفترات المهمة‬
‫من تاريخ الشيعة‪ ،‬قبل أو بعد خالفة اإلمام علي‪ ،‬وفي واقعة الجمل‪ ،‬وصفين‪،‬‬
‫والنهروان‪ ،‬وفي نزاع معاوية مع اإلمام الحسن‪ ،‬وحرب يزيد ضد اإلمام الحسين‬
‫وواقعة كربالء‪ ،‬واألحداث التي تلتها‪ ،‬وال شيء يبيِّن حضوره في كل هذه الوقائع‪،‬‬
‫ولو للحظة واحدة‪.‬‬
‫‪ 0‬ـ ما ذكرته بعض الكتب من أن سليما قد عاشر األئمة الخمسة األوائل والتابعين‬
‫مستقل‪ ،‬بل كان المعتمد ـ سواء‬‫ّ‬ ‫الكبار ال يستند إلى أي دليل أو مستند تاريخي‬
‫بطريق مباشر أو غير مباشر ـ على كتاب سليم‪ ،‬الذي رواه أبان بن أبي عياش‪.‬‬
‫فارا من ظلم الحجاج‬ ‫‪ 5‬ـ ما ادعاه أبان بن أبي عياش من أن سليم بن قيس قد هرب ّ‬
‫الفارين من مالحقة‬‫ابن يوسف ال دليل عليه؛ فكتاب المتوارين‪ ،‬الذي ذكر أسماء ّ‬
‫الحجاج بن يوسف‪ ،‬لم يذكر اسم سليم بن قيس الهاللي<‪.‬‬
‫وحتى ال تترك المجلة الموضوع بال رد‪ ،‬وحتى ال يُغلَّب القول بأسطورية سليم بن‬
‫قيس‪ ،‬فقد أوردت المجلة دراسة مقابلة في نفس العدد‪ ،‬بل وتالية للدراسة السابقة‬
‫مباشرة‪ ،‬بعنوان‪ :‬سليم بن قيس الهاللي فوق الشبهات‪ ،‬مطالعة نقدية في مقالة >سليم‬
‫ابن قيس‪ <...‬الشيخ علي إلهي الخراساني‪ ،‬ترجمة‪ :‬نظيرة غالب‪ ،‬من ص‪.501‬‬

‫‪253‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫عدد الكتب التي بحث فيها على حد قوله >ألفا ونيف كتابا< انتهى منها‬
‫إلى أن هذه الشخصية أسطورية وال وجود لها على الحقيقة‪ ،‬ومما أورده‬
‫كل ما سبق من أبحاث نخلص‬ ‫في ذلك في خاتمة دراسته‪ :‬ومن خالل ّ‬
‫مسمى‪ ،‬اسم موهوم وموضوع‪ ،‬فلم يوجد‬ ‫إلى أن اسم سليم اسم بدون ّ‬
‫في تاريخ اإلسالم شخص بهذا االسم‪ .‬واالحتمال القوي أن أفرادا أو‬
‫فردا عمد إلى صنع هذه الشخصية‪ ،‬ومن ثم نسب إليها ذلك الكتاب‪،‬‬
‫وجعلوه ناطقا باسمه(‪.)1‬‬
‫وقد اتفقت كلمة من ذكره من اإلمامية على أنه جمع كتابا ونسب‬
‫إليه‪ ،‬غير أنهم اختلفوا في صحة نسبة الكتاب الموجود حاليا إليه‪،‬‬
‫وحكى هاشم الهاشمي اختالفهم قائال‪:‬‬
‫أما كتابه فمما ال شك فيه أنه كتاب جمع فيه األحاديث عن أمير‬
‫المؤمنين ‪ ‬وأصحابه كسلمان المحمدي (الفارسي) والمقداد بن‬
‫األسود‪ ،‬غير أنه وقع الخالف في أن ما وصل إلينا هو الذي جمعه أم‬
‫أنه كتاب آخر نالته يد التحريف‪ ،‬وقد ذهب إلى كل رأي طائفة(‪.)5‬‬
‫وممن طعن في نسبة الكتاب الحالي إليه‪ ،‬ابن داود وابن‬
‫الغضائري‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫فقال ابن داود في رجاله في معرض ترجمته لسليم بن قيس‪ :‬كتابه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المصدر السابق‪ :‬ص‪.502‬‬
‫(‪ )5‬حوار مع فضل اهلل‪ :‬ص‪.212‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫موضوع‪ ،‬وفيه أن األئمة ثالثة عشر وأسانيده مختلفة(‪.)1‬‬


‫فقال ابن الغضائري‪ :‬والكتاب موضوع ال مرية فيه‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫عالمات فيه تدل على ما ذكرناه‪ ،‬منها ما ذكر أن محمد بن أبي بكر‬
‫وعظ أباه عند الموت(‪ ،)5‬ومنها أن األئمة ثالثة عشر وغير ذلك(‪،)2‬‬
‫وأسانيد هذا الكتاب تختلف تارة برواية عمر بن أذينة‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫عمر الصنعاني‪ ،‬عن أبان بن أبي عياش عن سليم‪ ،‬و(تارة) يروي عن‬
‫عمر‪ ،‬عن أبان بال واسطة(‪.)2‬‬
‫وحكم بعض المعاصرين بوضع الكتب‪ ،‬محاوال تحديد تاريخ‬
‫وضعه فقال‪ :‬إنه موضوع في آخر الدولة األموية لغرض صحيح(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رجال ابن داود الحلي‪ ،‬ص‪.120‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ولد محمد بن أبي بكر في حجة الوداع‪ ،‬ونشأ في حجر علي‪ ،‬ألنه كان تزوج أمه‬ ‫(‪)5‬‬
‫أسماء بن عميس بعد وفاة أبي بكر‪ ،‬وشهد معه الجمل وصفين‪ ،‬ثم أرسله إلى مصر‬
‫أميرا‪ ،‬فدخلها في شهر رمضان سنة سبع وثالثين فولى إمارتها لعلي‪ ،‬ثم جهز معاوية‬
‫عمرو بن العاص في عسكر إلى مصر‪ ،‬فقاتلهم محمد‪ ،‬وانهزم‪ ،‬ثم قتل في صفر سنة‬
‫ثمان‪ ،‬وثالثين‪( .‬اإلصابة‪ 122/0 :‬ــ سير أعالم النبالء‪ )205/2 :‬فكيف تنسب إليه‬
‫الرواية وعظه ألبيه عند موته‪ ،‬وأبوه مات ومحمد دون الثالثة أعوام؟‪.‬‬
‫من يطالع كتاب سليم بن قيس الحالي يجد خلوه من هذا الكالم مما يؤكد على أن‬ ‫(‪)2‬‬
‫القوم يتالعبون بكتبهم وبمصادرهم‪ ،‬انظر كالم د‪ /‬ناصر القفاري في تأكيد ذلك‪،‬‬
‫(أصول مذهب الشيعة‪.)552/1 :‬‬
‫راجع‪ :‬خالصة األقوال للحلي‪ ،‬ص‪.105‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أبو الحسن الشعراني‪ :‬في تعليقه على الكافي مع شرحه للمازندراني‪ 252/5 :‬ــ‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪( .252‬راجع‪ :‬تنزيه الشيعة‪ ،‬أبو طالب التبريزي‪.)521/1 ،‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ومن هذا يتضح أن هناك من علماء اإلمامية من حكم بعدم صحة‬


‫نسبة كتاب سليم بن قيس الحالي إليه‪ ،‬بناء على أنه من رواية أبان بن‬
‫أبي عياش‪ ،‬الراوي الوحيد لهذا الكتاب‪ ،‬وأن القوم لم تطمئن نفوسهم‬
‫إلى أبان نفسه‪ ،‬وقد ضعفه بعضهم‪ ،‬وحكم البعض على الكتاب بأنه من‬
‫وضع أبان نفسه‪ ،‬كما َّمر‪ ،‬كما ساعد على ترجيح هذا ما عثر عليه من‬
‫تناقض واضطراب ومخالفة للوقائع التاريخية الثابتة في متن الكتاب‪.‬‬
‫وعن تضعيفهم ألبان يقول ابن الغضائري في ترجمته ألبان‪ :‬أبا ُن‬
‫عياش‪ :‬فَ ْي ُروز‪ .‬تابعي‪ ،‬روى عن أنس بن‬ ‫واسم أبي ّ‬ ‫ُ‬ ‫عياش‪،‬‬‫بن أبي ّ‬ ‫ا ُ‬
‫الح َس ْين (‪َ .)‬ض ِعيف‪ ،‬ال يُ ْل َت َف ُت‬ ‫علي بن ُ‬ ‫مالك‪ .‬وروى عن ّ‬
‫نس ُب أصحابُنا َو ْض َع >كتاب ُسلَ ْيم بن قَ ْيس< إليه(‪.)1‬‬
‫إليه‪َ .‬ويَ ِ‬
‫ونقل التضعيف عنه التفرشي في نقد الرجال(‪ ،)5‬والبروجردي في‬
‫طرائف المقال(‪ ،)2‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد حاول النوري الطبرسي أن يرفع هذا الحكم عن أبان‪،‬‬
‫مستشهدا على وثاقته برجوع علماء اإلمامية إلى كتاب سليم بن قيس وهو‬
‫من رواية أبان(‪.)2‬‬
‫وقال حسن بن زين الدين العاملي‪ :‬ضمن الكتاب ما يشهد بشكره‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رجال ابن الغضائري‪ :‬ص‪.20‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نقد الرجال‪.22/1 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫طرائف المقال‪.5/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫خاتمة المستدرك‪.111/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪221‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وصحة كتابه‪ ،‬والطريق غير معتبر‪ ،‬فيه إبراهيم بن عمر الصنعاني وأبان‬
‫ابن أبي عياش‪ ،‬طعن فيهما ابن الغضائري‪ .‬وروى شيء من ذلك أيضا‪،‬‬
‫فيه ابن أبي عياش المذكور‪ ،‬وقد سلف الطعن فيه في حرف الهمزة(‪.)1‬‬
‫وقال الشيخ المفيد في آخر كتابه تصحيح االعتقاد‪ :‬وأما ما تعلق‬
‫به أبو جعفر من حديث سليم الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه‬
‫برواية أبان بن أبي عياش‪ ،‬فالمعنى فيه صحيح‪ ،‬غير أن هذا الكتاب‬
‫غير موثوق به‪ ،‬وقد حصل فيه تخليط وتدليس‪ ،‬فينبغي للمتدين أن‬
‫يجتنب العمل بكل ما فيه وال يعول على جملته والتقليد لروايته‪ ،‬وليفزع‬
‫إلى العلماء فيما تضمنه من األحاديث ليوقفوه على الصحيح منها‬
‫والفاسد‪ ،‬واهلل الموفق للصواب(‪.)5‬‬
‫وقد حاول العالمة الحلي في الخالصة تصحيح نسبة الكتاب إلى‬
‫سليم بن قيس وتعديل أبان فقال‪ :‬والوجه عندي الحكم بتعديل المشار‬
‫إليه والتوقف في الفاسد من كتابه(‪.)2‬‬
‫وتعقبه الشهيد الثاني بقوله‪ :‬وأما حكمه بتعديله فال يظهر له وجهه‬
‫أصال‪ ،‬ليس بجيد(‪.)2‬‬
‫وذكر الخوئي بعض أقوال علماء اإلمامية في تضعيف الكتاب‪ ،‬أو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التحرير الطاووسي‪ :‬ص‪.522‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تصحيح اعتقادات اإلمامية‪ :‬ص‪.122‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫خالصة األقوال‪ :‬ص‪.102‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تعليق الشهيد الثاني على الخالصة‪ :‬ص‪.21‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫القول بوضعه‪ ،‬وحاول رد هذه األقوال(‪ ،)1‬إال أنه انتهى من ذلك إلى‬
‫قوله‪ :‬وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سليم بن قيس بكال سنديه‬
‫ضعيف‪ ،‬وال أقل من جهة محمد بن علي الصيرفي (أبي سمينة)(‪.)5‬‬
‫وقال الحر العاملي محاوال تصحيح نسبة الكتاب‪ :‬والذي وصل‬
‫إلينا من نسخه ليس فيه شيء فاسد‪ ،‬وال شيء مما استدل به على‬
‫الوضع(‪.)2‬‬
‫ويبدو أن القوم كما اشتهر عنهم يتالعبون بالنُّسخ‪ ،‬إضافة لما‬
‫يخدم مذهبهم‪ ،‬وحذفا لما قد يعيرون به‪ ،‬وإال فأين النسخة التي أشار‬
‫إليها علماؤهم‪ ،‬والتي تضمنت القول باألئمة الثالثة عشر‪ ،‬أو ذكر فيها‬
‫أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت‪.‬‬
‫يقول الدكتور ناصر القفاري‪ :‬وقد بحثت عن عيوب الكتاب في‬
‫نظر (اإلمامية) والتي أشار إليها الفرق األول في طبعتين من طبعات‬
‫الكتاب‪ .‬فلم أجد لها ذكرا فيه‪ ،‬وهذا يدل على أنهم يغيرون في كتبهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬معجم رجال الحديث‪ 522/2 :‬ــ ‪.525‬‬
‫(‪ )5‬معجم رجال الحديث‪ .525/2 :‬وقال قبلها مصححا نسبة الكتاب تبعا لتصحيح‬
‫النعماني‪ :‬إن كتاب سليم بن قيس ــ على ما ذكره النعماني ــ من األصول المعتبرة بل‬
‫من أكبرها‪ ،‬وأن جميع ما فيه صحيح قد صدر من المعصوم ‪ ‬أو ممن البد من‬
‫تصديقه وقبول روايته‪ ،‬وع َّده صاحب الوسائل في الخاتمة‪ ،‬في الفائدة الرابعة‪ ،‬من‬
‫الكتب المعتمدة التي قامت القرائن على ثبوتها وتواترت عن مؤلفيها أو علمت صحة‬
‫نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيه شك‪( .‬معجم رجال الحديث‪.)522/2 :‬‬
‫(‪ )2‬وسائل الشيعة‪ .512/52 :‬ط‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ويزيدون وينقصون‪ .‬ومع هذا فقد أصبح هذا الكتاب عمدة عند متأخري‬
‫الشيعة كما قرره المجلسي في البحار‪ ،‬والحر العاملي في الوسائل‪.‬‬
‫وغيرهما(‪.)1‬‬
‫ومما سبق يتضح من خالل أقوال علماء اإلمامية أن نسبة الكتاب‬
‫الموجود إلى سليم بن قيس مشكوك فيها على أقل تقدير‪ ،‬وأن أبان بن‬
‫عياش قد ض َّعفوه(‪ .)5‬وعليه فالرواية التي بين أيدينا ال يمكننا الركون‬
‫إليها والتسليم بمضامينها‪.‬‬
‫وأما عن نسبة الرواية إلى كتاب اإلمامة والسياسة فهي نسبة‬
‫صحيحة‪ ،‬فالرواية بالفعل موجودة فيه‪ ،‬غير أن نسبة الكتاب نفسه إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أصول مذهب الشيعة‪ 552/1 :‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )5‬لم ينفرد اإلمامية بتضعيف أبان بن أبي عياش بل ضعفه أهل السنة أيضا‪ ،‬فقال عنه‬
‫اإلمام أحمد‪ :‬كان منكر الحديث‪ ،‬وقال أيضا فيما رواه عنه ابنه‪ :‬متروك الحديث ترك‬
‫الناس حديثه منذ دهر‪ ،‬وكان وكيع إذا أتى على حديثه يقول‪ :‬رجل‪ ،‬وال يسميه‬
‫استضعافا له‪.‬‬
‫وقال ابن معين‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقال‪ :‬ليس حديثه بشيء‪ ،‬وقال‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وقال‬
‫ابن المديني‪ :‬كان ضعيفا‪ ،‬وقال شعبة‪ :‬ابن أبي عياش كان يكذب في الحديث‪ .‬توفي‬
‫سنة (‪123‬هـ)‪ .‬وقال أبو حاتم الرازي‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬إن شعبة‬
‫سيئ الرأي فيه‪ .‬وقال النسائي‪ :‬متروك الحديث‪ .‬وقال أبو أحمد بن عدي‪ :‬عامة ما‬
‫يرويه ال يتابع عليه‪( .‬راجع‪ :‬تهذيب الكمال‪ 12/5 ،‬ــ الضعفاء الصغير للبخاري‪:‬‬
‫ص‪ 52‬ــ الضعفاء والمتروكون للنسائي‪ :‬ص‪ 12‬ــ الجرح والتعديل البن ابي حاتم‪:‬‬
‫‪ 522/5‬ــ المجروحين البن حبان‪ 20/1 :‬ــ الكامل البن عدي‪ 25/5 :‬ــ ميزان‬
‫االعتدال للذهبي‪.)12/1 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ابن قتيبة ال تصح‪ ،‬وليس من مؤلفاته‪ ،‬وإنما هو كتاب مؤلفه مجهول‬


‫ُمغرض (مغالي)‪ ،‬أل َّفه لخدمة مذهبه‪ ،‬اتخذ من الطعن في الصحابة‬
‫وتحريف التاريخ والتالعب به طريقا إلى تحقيق أهدافه المذهبية‬
‫المتعصبة المغرضة‪ .‬وتبين أيضا أنه كتاب مليء باألخطاء التاريخية‪،‬‬
‫خال من أي تحقيق علمي للروايات‪ ،‬أكثر فيه مؤلفه من الروايات الشاذة‬
‫والضعيفة والموضوعة‪ ،‬من دون أي نق ٍد وال تمحيص لها(‪.)1‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق فلم تعد للرواية أدنى صلة بالصحة‪ ،‬وال‬
‫يمكن لمنصف بحال أن يقبل بما فيها‪.‬‬
‫ــ ويلحق بالرواية السابقة ويدور في فلكها ما ورد في شرح النهج‪:‬‬
‫لما قبض رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪ ،‬واشتغل علي ‪ ‬بغسله‬
‫ودفنه‪ ،‬وبويع أبو بكر‪ ،‬خال الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين‬
‫بعباس وعلي ‪ ،‬إلجالة الرأي‪ ،‬وتكلموا بكالم يقتضى االستنهاض‬
‫والتهييج‪ ،‬فقال العباس ‪ :‬قد سمعنا قولكم فال لقلة نستعين بكم‪،‬‬
‫وال لظنة نترك آراءكم‪ ،‬فأمهلونا نراجع الفكر‪ ،‬فإن يكن لنا من اإلثم مخرج‬
‫يصر بنا وبهم الحق صرير الجدجد(‪ ،)2‬ونبسط إلى المجد أكفا ال نقبضها أو‬
‫نبلغ المدى‪ ،‬وإن تكن األخرى‪ ،‬فال لقلة في العدد وال لوهن في األيد‪،‬‬
‫واهلل لوال أن اإلسالم قيد الفتك‪ ،‬لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع بحث الدكتور خالد كبير عالل في موقع مجلة الفسطاط بعنوان‪ :‬نقد كتاب‬
‫اإلمامة والسياسة المنسوب البن قتيبة‪.‬‬
‫(‪ )5‬الجدجد‪ :‬دويبة سويداء قصيرة‪ ،‬ومنها ما يقرب إلى البياض‪ ،‬ويسمى أيضا صرصرا‬
‫(العين‪.)2/0 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫من المحل العلى‪ .‬فحل علي ‪ ‬حبوته‪ ،‬وقال‪ :‬الصبر حلم‪،‬‬


‫والتقوى دين‪ ،‬والحجة محمد‪ ،‬والطريق الصراط‪ ،‬أيها الناس شقوا‬
‫أمواج الفتن‪ ..‬الخطبة‪ ،‬ثم نهض فدخل إلى منزله وافترق القوم(‪.)1‬‬
‫ــ والرواية وردت بال إسناد‪ ،‬كما أنها لم تنقل نهوض علي‬
‫والعباس ‪ ‬لنقض بيعة الصديق‪ ،‬بل على العكس من ذلك فقد‬
‫نقلت لنا سكوتهما دفعا للفتنة وتغليبا لمصلحة المسلمين‪.‬‬
‫الصديق أحد من بني هاشم طيلة ستة‬
‫َ‬ ‫ــ وأما روي أنه لم يبايع‬
‫أشهر حت توفيت السيدة فاطمة‪ ،‬فبايعه علي وبايعه بعده بنو هاشم‪.‬‬
‫(والعباس من جملتهم)‪.‬‬
‫ِي‪َ ،‬ع ْن‬ ‫وأصل الرواية‪ :‬أخرج عبد الرزاق َع ْن َم ْع َم ٍر‪َ ،‬ع ِن ال ُّز ْهر ِّ‬
‫س َح َيا َة‬‫ُع ْر َو َة‪َ ،‬ع ْن َعائِ َش َة‪ ،‬وفيه‪ ،‬قالت عائشة‪َ ..> :‬و َكا َن لِ َعلِي ِم َن النَّا ِ‬
‫س َع ْن ُه‪ ،‬فَ َم َك َث ْت‬ ‫وه النَّا ِ‬ ‫فَا ِط َم َة َحظ َْوة‪ ،‬فَلَ َّما ُت ُوف ِّ َي ْت فَا ِط َم ُة ا ْن َص َرفَ ْت ُو ُج ُ‬
‫فَا ِط َم ُة ِس َّت َة أَ ْش ُه ٍر بَ ْع َد َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬ثُ َّم ُت ُوف ِّ َي ْت‪ ،‬قَ َال َم ْع َمر‪ :‬فَ َق َال‬
‫ِي‪ :‬فَلَ ْم يُ َبايِ ْع ُه َعلِي ِس َّت َة أَ ْش ُه ٍر؟ قَ َال‪َ :‬ال‪َ ،‬و َال أَ َحد ِم ْن بَ ِني‬ ‫َر ُجل لِل ُّز ْهر ِّ‬
‫س َع ْن ُه‪ ،‬أَ ْس َر َع‬ ‫َه ِاش ٍم َح َّتى بَايَ َع ُه َعلِي‪ ،‬فَلَ َّما َرأَى َعلِي ا ْن ِص َر َاف ُو ُجوهِ النَّا ِ‬
‫ِإلَى ُم َصال َ َحةِ أَبِي بَ ْك ٍر فَأَ ْر َس َل ِإلَى أَبِي بَ ْك ٍر‪ :‬أَ ِن ا ْئ ِتنَا َو َال َت ْأتِنَا َم َع َك بِأَ َح ٍد‬
‫ــ َو َكر َِه أَ ْن يَ ْأتِ َي ُه ُع َم ُر لِ َما يَ ْعلَ ُم ِم ْن ِش َّدتِه ِ ــ فَ َق َال ُع َم ُر‪َ :‬ال َت ْأتِه ِْم َو ْح َد َك‬
‫فَ َق َال أَبُو بَ ْك ٍر‪َ :‬واهلل ِ َآلتِ َينَّ ُه ْم َو ْح ِدي‪َ ،‬و َما َع َسى أَ ْن يَ ْصنَ ُعوا بِي؟ قَ َال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح نهج البالغة‪ .512/1 :‬وعنه المجلسي في البحار‪.253/53 :‬‬

‫‪220‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫فَا ْن َطلَ َق أَبُو بَ ْك ٍر فَ َد َخ َل َعلَى َعلِي َوقَ ْد َج َم َع بَ ِني َه ِاش ٍم ِع ْن َد ُه‪ ،‬فَ َق َام َع ِلي‬
‫فَ َح ِم َد اهللَ َوأَ ْثنَى َعلَ ْيه ِ بِ َما ُه َو أَ ْهلُ ُه ثُ َّم قَ َال‪ :‬أَ َّما بَ ْع ُد‪ ،‬يَا أَبَا بَ ْك ٍر فَ ِإنَّ ُه ل َ ْم‬
‫اسة َعلَ ْي َك بِ َخ ْي ٍر َساقَ ُه اهللُ‬ ‫يَ ْمنَ ْعنَا أَ ْن نُ َبايِ َع َك ِإ ْن َكار لِ َف ِضيلَ ِت َك‪َ ،‬و َال نَ َف َ‬
‫ِإل َ ْي َك‪َ ،‬ول َ ِكنَّا نَ َرى أَ َّن لَنَا ِف َي َه َذا ْاألَ ْمرِ َحقًّا‪ ،‬فَ ْاس َت ْب َد ْد ُت ْم بِه ِ َعلَ ْينَا قَ َال‪ :‬ثُ َّم‬
‫َذ َك َر قَ َرابَ َت ُه ِم ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬و َحق َُّه ْم‪ ،‬فَلَ ْم يَ َز ْل يَذْ ُك ُر َذلِ َك َح َّتى‬
‫بَ َكى أَبُو بَ ْك ٍر‪ ،‬فَلَ َّما َص َم َت َعلِي َت َش َّه َد أَبُو بَ ْك ٍر فَ َح ِم َد اهللَ َوأَ ْثنَى َعلَ ْيه ِ بِ َما‬
‫ُه َو أَ ْهلُ ُه‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪ :‬أَ َّما بَ ْع ُد‪ ،‬فَ َواهلل ِ ل َ َق َرابَ ُة َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أَ ْح َرى ِإل َ َّي‬
‫أَ ْن أَ ِص َل ِم ْن قَ َرابَ ِتي‪ ...‬ثُ َّم قَ َال َعلِي‪َ :‬م ْو ِع ُد َك ا ْل َع ِش َّي ُة لِ ْل َب ْي َعةِ‪ ،‬فَلَ َّما َصلَّى‬
‫ض َما ْاع َت َذ َر بِه ِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َام‬ ‫س ثُ َّم َع َذ َر َعلِ ًّيا بِ َب ْع ِ‬ ‫أَبُو بَ ْك ٍر ال ُّظ ْه َر أَ ْق َب َل َعلَى النَّا ِ‬
‫َعلِي فَ َع َّظ َم ِم ْن َح ِّق أَبِي بَ ْك ٍر ‪َ ‬وفَ ِضيلَ ِته ِ‪َ ،‬و َسابِ ِق َّي ِته ِ‪ ،‬ثُ َّم َم َضى ِإلَى‬
‫اس ِإلَى َعلِي فَ َقال ُوا‪ :‬أَ َص ْب َت َوأَ ْح َس ْن َت‪ .‬فَ َقال َ ْت‪:‬‬ ‫أَبِي بَ ْك ٍر فَ َبايَ َع ُه‪ ،‬فَأَ ْق َب َل النَّ ُ‬
‫وف<(‪.)1‬‬ ‫فَ َكانُوا قَرِيبا ِإلَى َعلِي ِح َ‬
‫ين قَ َار َب ْاألَ ْم َر َوا ْل َم ْع ُر َ‬

‫وموضع االستشكال في الرواية هو‪ :‬فَ َق َال َر ُجل لِل ُّز ْهر ِّ‬
‫ِي‪ :‬فَلَ ْم يُ َبايِ ْع ُه‬
‫َعلِي ِس َّت َة أَ ْش ُه ٍر؟ قَ َال (أي الزهري)‪َ :‬ال‪َ ،‬و َال أَ َحد ِم ْن بَ ِني َه ِاش ٍم َح َّتى‬
‫بَايَ َع ُه َعلِي‪..‬‬
‫نص‬
‫والجملة هذه كما هو واضح من قول الزهري‪ ،‬وليست من ّ‬
‫الحديث‪ ،‬ولم يذكرها البخاري عند روايته للحديث‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق في المصنف‪ :‬ح (‪ )2552‬والطبري في التاريخ‪ .523/2 :‬وأبو‬
‫عوانة في المستخرج‪ :‬ح (‪.)0052‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ت ْاس َت ْن َك َر َعلِي‬ ‫س َو ْجه َح َيا َة فَا ِط َم َة‪ ،‬فَلَ َّما ُت ُوف ِّ َي ِ‬ ‫َو َكا َن لِ َعلِي ِم َن النَّا ِ‬
‫س‪ ،‬فَا ْل َت َم َس ُم َصال َ َح َة أَبِي بَ ْك ٍر َو ُم َبايَ َع َت ُه‪َ ،‬ول َ ْم يَ ُك ْن يُ َبا ِي ُع تِ ْل َك‬
‫وه النَّا ِ‬‫ُو ُج َ‬
‫األَ ْش ُه َر‪ ،‬فَأَ ْر َس َل ِإلَى أَبِي بَ ْك ٍر‪ :‬أَ ِن ا ْئ ِتنَا َوالَ يَ ْأتِنَا أَ َحد َم َع َك(‪.)1‬‬
‫وعليه فال يلزمنا اعتقادها والتسليم بصحتها‪ ،‬وال تعدو كونها رأيا‬
‫لإلمام الزهري ومن مراسيله‪ ،‬وقد تكلم العلماء في مراسيل الزهري‪.‬‬
‫بن َس ِع ْي ٍد‬ ‫قال يَ ْح َيى ُ‬ ‫قال الذهبي ــ رحمه اهلل تعالى ــ في >سيره< َ‬
‫ِي َشر ِم ْن ُم ْر َس ِل َغ ْيرِهِ؛ ألَنَّ ُه َح ِافظ‪َ ،‬و ُك ُّل َما قَ ِد َر‬ ‫ال َقطَّا ُن‪ُ :‬م ْر َس ُل ال ُّز ْهر ِّ‬
‫أَ ْن يُ َس ِّم َي َس َّمى‪َ ،‬و ِإنَّ َما يَ ْت ُر ُك َم ْن الَ يُ ِح ُّب أَ ْن يُ َس ِّم َيه‪ .‬قُ ْل ُت‪َ :‬م َر ِاس ْي ُل‬
‫الم ْع َض ِل؛ ألَنَّ ُه يَ ُك ْو ُن قَ ْد َس َق َط ِم ْن ُه ا ْثنَا ِن‪َ ،‬والَ يَ ُسو ُغ أَ ْن نَ ُظ َّن بِه ِ‬ ‫ِي َك ُ‬‫ال ُّز ْهر ِّ‬
‫وض َح ُه‪َ ،‬ول َ َما‬ ‫الص َحابِ َّي فَ َقطْ ‪َ ،‬ول َ ْو َكا َن ِع ْن َده َع ْن َص َحابِي ألَ َ‬ ‫أَنَّ ُه أَس َق َط َّ‬
‫اب النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ‬ ‫ض أَ ْص َح ِ‬ ‫َع ِج َز َع ْن َو ْصلِه ِ‪َ ،‬ول َ ْو أَنَّ ُه يَ ُق ْو ُل‪َ :‬ع ْن بَ ْع ِ‬
‫الم َسيِّ ِب‪َ ،‬و ُع ْر َو َة ب ِن ال ُّزبَ ْي ِر‪،‬‬ ‫ِي َك ُم ْر َس ِل َس ِع ْي ِد ب ِن ُ‬ ‫َو َم ْن َع َّد ُم ْر َس َل ال ُّز ْهر ِّ‬
‫َونَ ْح ِو ِه َما‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ل َ ْم يَد ِر َما يَ ُق ْو ُل‪ ،‬نَ َع ْم‪ُ ،‬م ْر َسلُه َك ُم ْر َس ِل قَ َت َاد َة‪َ ،‬ونَ ْح ِوه‪.‬‬
‫الش ِاف ِع َّي‬
‫بن أَبِي ُش َر ْي ٍح‪َ ،‬س ِم ْع ُت َّ‬ ‫(وقال) أَبُو َحاتِ ٍم‪َ :‬ح َّدثَنَا أَ ْح َم ُد ُ‬
‫ِي ل َ ْي َس بِ َش ْي ٍء‪ ،‬ألَنَّا نَ ِج ُده يَ ْروِي َع ْن ُسلَ ْي َما َن ب ِن‬ ‫رس ُال ال ُّز ْهر ِّ‬ ‫يَ ُق ْو ُل‪ِ :‬إ َ‬
‫أَ ْرقَ َم(‪.)5‬‬
‫تأخر بيعة علي ‪ ،‬فقد اختلف فيها‬ ‫أما ما ورد في الرواية من ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2522‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪ 223/2 :‬ــ ‪.222‬‬

‫‪223‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫العلماء تبعا الختالف األخبار الواردة في ذلك‪ ،‬فبعض الروايات‬


‫جعلت بيعة علي للصديق بعد وفاة فاطمة كما في الرواية السابقة‪.‬‬
‫وتكلم العلماء في هذا األمر وتعذروا لعلي‪ ،‬قال العيني‪ :‬ألَنهم‬
‫َكانُوا يعذرونه َعن ترك ا ْل ُم َباي َعة الشتغاله َبها ــ أي فاطمة ــ وتسلية‬
‫خاطرها من قرب عهد ُم َفارقَة َر ُسول اهلل‪ . ،‬قَ ْوله‪( :‬تِ ْل َك‬
‫الس َّتة‪َ ،‬وقَ َال المازري‪ :‬ا ْلعذر َلعلي‪َ ،‬ر ِضي اهلل‬ ‫ْاألَ ْشهر)‪َ ،‬و ِهي ْاألَ ْشهر ِّ‬
‫َت َعالَى َع ُنه‪ِ ،‬في تخلفه َم َع َما اعتذر ُه َو بِه ِ أَنه يَ ْك ِفي ِفي َ‬
‫بيعة ا ِإل َمام أَن‬
‫آحاد أهل ا ْلحل َوا ْلعقد‪َ ،‬و َال يجب ِاال ْس ِت َيعاب‪َ ،‬و َال ي ْلزم كل‬ ‫يَقع من َ‬
‫َاعته واالنقياد‬ ‫أحد أَن يحضر عنده َويَ َضع يَده ِفي يَده‪ ،‬بل يَ ْك ِفي ا ْل ِت َزام ط َ‬
‫لي‪َ ،‬ر ِضي اهلل‬ ‫ل َ ُه بِأَن َال يُ َخالِ ُ‬
‫فه َو َال يشق ا ْل َع َصا َعلَ ْيه ِ‪َ ،‬و َه َذا َكا َن َحال َع ّ‬
‫َت َعالَى َع ُنه‪َ ،‬ولم يَقع ِم ْن ُه َّإال ال َّتأَ ُّخر َعن ا ْل ُح ُضور ِع ْند أبي بكر‪َ ،‬ر ِضي‬
‫اهلل َت َعالَى َع ُنه(‪.)1‬‬
‫وهناك روايات تقدمت ببيعة علي للصديق ‪ ‬إلى ما قبيل دفن‬
‫النبي ‪ ،‬أي في أول األمر ويوم السقيفة‪.‬‬
‫فقد أخرج الحاكم بسنده عن أبي سعيد الخدري قال ــ في يوم‬
‫السقيفة ــ‪ :‬فَلَ َّما قَ َع َد أَبُو بَ ْك ٍر َعلَى ا ْل ِم ْن َب ِر نَ َظ َر ِفي ُو ُجو ِه ا ْل َق ْومِ فَلَ ْم يَ َر‬
‫َعلِ ًّيا‪ ،‬فَ َسأَ َل َع ْن ُه‪ ،‬فَ َق َال نَاس ِم َن األَ ْن َصا ِر فَأَ َت ْوا بِه ِ‪ ،‬فَ َق َال أَبُو بَ ْك ِر‪ْ :‬اب ُن َع ِّم‬
‫ين؟ فَ َق َال‪:‬‬ ‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬و َخ َتنُ ُه أَ َر ْد َت أَ ْن َت ُش َّق َعصا ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬عمدة القاري‪.522/15 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ِيب يَا َخلِي َف َة َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬فَ َبايَ َع ُه‪ ،‬ثُ َّم ل َ ْم يَ َر ال ُّزبَ ْي َر ْب َن ا ْل َع َّوامِ‬ ‫ال َت ْثر َ‬
‫اءوا بِه ِ‪ ،‬فَ َق َال‪ْ :‬اب ُن َع َّمةِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬و َح َوارِيُّ ُه‬ ‫فَ َسأَ َل َع ْن ُه َح َّتى َج ُ‬
‫ِيب يَا َخلِي َف َة‬ ‫ين‪ ،‬فَ َق َال ِم ْث َل قَ ْولِه ِ‪ :‬ال َت ْثر َ‬ ‫أَ َر ْد َت أَ ْن َت ُش َّق َع َصا ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬فَ َبايَ َع ُاه(‪.)1‬‬
‫فهذا الحديث يدل داللة قاطعة على بيعة علي للصديق ‪‬‬

‫قال ا ْل َح ِافظُ أَبُو َعلِي‬ ‫في يوم السقيفة‪ ،‬وهو حديث هام في بابه؛ ولذا َ‬
‫اءنِي ُم ْسلِ ُم ْب ُن ا ْل َح َّجا ِج‬ ‫ول‪َ :‬ج َ‬ ‫ِي‪َ :‬س ِم ْع ُت ْاب َن ُخ َز ْي َم َة يَ ُق ُ‬ ‫النَّ ْي َسابُور ُّ‬
‫يث فَ َك َت ْب ُت ُه ل َ ُه ِفي ُر ْق َعةٍ َوقَ َر ْأ ُت َعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ه َذا‬ ‫فَ َسأَل َ ِني َع ْن َه َذا ا ْل َح ِد ِ‬
‫َح ِديث يُ َساوِي بَ َدنَة‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪ :‬يَ ْس َوى بَ َدنَة‪ ،‬بَ ْل َه َذا يَ ْس َوى بَ ْد َرة(‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫يم‪،‬‬ ‫وسى ْب ِن ُع ْق َب َة‪َ ،‬ع ْن َس ْع ِد ْب ِن ِإ ْب َراه َ‬ ‫وأخرج الحاكم بسنده َع ْن ُم َ‬
‫الر ْحم ِن ْب ِن َع ْو ٍ‬
‫الر ْح َم ِن ْب َن‬ ‫ف‪ ،‬أَ َّن َع ْب َد َّ‬ ‫يم ْب ُن َع ْب ِد َّ َ‬ ‫قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني ِإ ْب َرا ِه ُ‬
‫اب ‪َ ،‬وأَ َّن ُم َح َّم َد ْب َن َم ْسلَ َم َة َك َس َر‬ ‫ف َكا َن َم َع ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ َّط ِ‬ ‫َع ْو ٍ‬
‫ام أَبو ب ْك ٍر فَ َخ َط َب النَّاس َو ْاع َت َذر ِإلَيهِم‪َ ،‬وقَ َال‪َ :‬واهلل ِ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َس ْي َف ال ُّزبَ ْي ِر‪ ،‬ثُ َّم قَ َ ُ َ‬
‫اإل َم َار ِة يَ ْوما َو َال ل َ ْيلَة قَ ُّط‪َ ،‬و َال ُك ْن ُت ِف َيها َرا ِغبا‪،‬‬ ‫َما ُك ْن ُت َحرِيصا َعلَى ْ ِ‬
‫َو َال َسأَ ْل ُت َها اهللَ َع َّز َو َج َّل ِفي ِسر َو َال َع َالنِ َيةٍ‪َ ،‬ول َ ِكنِّي أَ ْش َف ْق ُت ِم َن ا ْل ِف ْتنَةِ‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2225‬وقال الحافظ ابن كثير‪َ )522/2( :‬و َه َذا‬
‫ِإ ْسنَاد َص ِحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬البداية والنهاية‪ .225/0 :‬والبدنة‪ :‬الناقة أو البقرة الضخمة‪ .‬والبدرة‪ :‬كيس فيه ألف‬
‫أو عشرة آالف درهم‪ ،‬أو سبعة آالف دينار‪ ،‬والمراد به‪ :‬المال الكثير أو الكنز العظيم‪.‬‬
‫(تاج العروس‪.)125/12 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫احةٍ‪َ ،‬ول َ ِك ْن قُل ِّْد ُت أَ ْمرا َع ِظيما ما لِي بِه ِ ِم ْن طَاقَةٍ‬


‫َ‬ ‫اإل َم َار ِة ِم ْن َر َ‬ ‫َو َما لِي ِفي ْ ِ‬
‫س َعلَ ْي َها َم َكانِي‬ ‫َو َال يَ َد ِإ َّال بِ َت ْق ِويَةِ اهلل ِ َع َّز َو َج َّل‪َ ،‬ول َ َو ِد ْد ُت أَ َّن أَ ْق َوى النَّا ِ‬
‫علِي ‪‬‬ ‫اج ُرو َن ِم ْن ُه َما قَ َال َو َما ْاع َت َذ َر بِه ِ‪ ،‬قَ َال َ‬ ‫ا ْل َي ْو َم‪ ،‬فَ َقب َِل ا ْل ُم َه ِ‬
‫َوال ُّزبَ ْي ُر‪َ :‬ما َغ ِض ْبنَا ِإ َّال ِألَنَّا قَ ْد أُ ِّخ ْرنَا َع ِن ا ْل ُم َش َاو َر ِة‪َ ،‬و ِإنَّا نَ َرى أَبَا بَ ْك ٍر‬
‫اح ُب ا ْل َغا ِر‪َ ،‬وثَانِ َي‬ ‫س بِ َها ب ْع َد ر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ،‬إنَّ ُه لِ َص ِ‬ ‫أَ َح َّق النَّا ِ‬
‫َ َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬بِ َّ‬
‫الص َال ِة‬ ‫ا ْثنَ ْي ِن‪َ ،‬و ِإنَّا لَنَ ْعلَ ُم بِ َش َر ِفه ِ َو ِك َب ِرهِ‪َ > ،‬ول َ َق ْد أَ َم َر ُه َر ُس ُ‬
‫س َو ُه َو َحي(‪.)1‬‬ ‫بِالنَّا ِ‬
‫الالئِ ُق بَ َعلِي‪َ ، ،‬وال َّ ِذي َت ُد رل َعلَ ْيه ِ ْاآلثَ ُار‪ِ .‬م ْن‬ ‫قال ابن كثير‪َ :‬و َه َذا َّ‬
‫ت ر ُسو ِل اهلل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُش ُهودِ ِه َم َع ُه َّ‬
‫وجه ِ َم َع ُه ِإلَى ذي ا ْل َق َّصةِ بَ ْع َد َم ْو ِ َ‬ ‫ات‪َ ،‬و ُخ ُر ِ‬ ‫الصلَ َو ِ‬
‫ور َة‪ ،‬بَ ْي َن يَ َد ْيه ِ(‪.)5‬‬ ‫‪َ ،‬ك َما َسنُور ُِد ُه‪َ ،‬وبَذْ لِه ِ ل َ ُه النَّ ِص َ‬
‫يح َة َوا ْل َم ُش َ‬
‫وصرح بأن عليا بايع‬
‫َّ‬ ‫وقد جمع الحافظ ابن كثير بين الروايتين‬
‫الصديق مرتين‪ ،‬األولى قبيل دفن النبي ‪ ،‬والثانية بعد وفاة‬
‫السيدة فاطمة ‪.‬‬
‫قال ابن كثير معلقا على حديث أبي سعيد الخدري السابق‪ :‬هذا‬
‫إسناد صحيح محفوظ‪َ ،‬و ِفيه ِ فَائِ َدة َجلِيلَة َو ِه َي ُم َبايَ َع ُة َعلِ ِّي ْب ِن أَبِي طَالِ ٍب‬
‫ِإ َّما ِفي أَ َّو ِل يَ ْومٍ أَ ْو ِفي ا ْل َي ْومِ ال َّثانِي ِم َن ا ْل َوفَا ِة‪َ .‬و َه َذا َحق فَ ِإ َّن َعلِ َّي ْب َن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه‪ :‬ح (‪ )2255‬وعنه البيهقي في الكبرى‪ :‬ح‬
‫(‪ )10235‬ــ وقال الحافظ ابن كثير في البداية‪ِ )522/2( :‬إ ْسنَاد َجيِّد وللَّه ا ْل َح ْم ُد‬
‫والمنة‪.‬‬
‫(‪ )5‬البداية والنهاية‪.225/0 :‬‬

‫‪221‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ِفي‬ ‫ات‪َ ،‬ول َ ْم يَ ْن َق ِط ْع‬


‫ت ِم َن ْاألَ ْوقَ ِ‬ ‫الص ِّد َيق ِفي َو ْق ٍ‬ ‫أَبِي طَالِ ٍب ل َ ْم يُ َفا ِر ِق ِّ‬
‫ل َ َّما‬ ‫ات َخ ْل َف ُه َك َما َسنَذْ ُك ُر ُه َو َخ َر َج َم َع ُه ِإلَى ِذي ا ْل َق َّصةِ‬ ‫َص َال ٍة ِم َن َّ‬
‫الصلَ َو ِ‬
‫الر َّد ِة(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الص ِّد ُيق َشا ِهرا َس ْي َف ُه يُرِي ُد ق َت َال أَ ْه ِل ِّ‬
‫َخ َر َج ِّ‬
‫ت فاطمة ــ َوقَ ْد َم َات ْت‬ ‫وقال‪َ :‬وأَ َّما َما يَ ْأتِي ِم ْن ُمبايَ َع ِته ِ ِإيَّ ُاه بَ ْع َد َم ْو ِ‬
‫َ‬
‫الس َال ُم‪ ،‬بِ ِس َّتةِ أَ ْش ُه ٍر ــ‪ ،‬فَ َذلِ َك َم ْح ُمول َعلَى‬ ‫بَ ْع َد أَبِ َيها‪َ ،‬علَ ْيه ِ َّ‬
‫الص َال ُة َو َّ‬
‫أَنَّ َها بَ ْي َعة ثَانِ َية أَ َزال َ ْت َما َكا َن قَ ْد َوقَ َع ِم ْن َو ْح َشةٍ بِ َس َب ِب ا ْل َك َالمِ ِفي‬
‫اه ْم َذلِ َك بِالنَّ ِّص َع ْن َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬في قَ ْولِه ِ‪َ :‬ال‬ ‫ا ْل ِمير ِ‬
‫اث َو َم ْن ِعه ِ ِإيَّ ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ور ُث َما َت َر َكنَا فَ ُه َو َص َدقَة ‪.‬‬ ‫نُ َ‬
‫ويقول‪ :‬فَ َه ِذهِ ا ْل َب ْي َع ُة ال َّ ِتي َوقَ َع ْت ِم ْن َعلِي ‪ِ ،‬ألَبِي بَ ْك ٍر ‪،‬‬
‫لص ْل ِح ال َّ ِذي َوقَ َع بَ ْينَ ُه َما‪َ ،‬و ِه َي ثَانِ َية‬
‫بَ ْع َد َوفَا ِة فَا ِط َم َة ‪ ،‬بَ ْي َعة ُم َؤ ِّك َدة لِ ُّ‬
‫الس ِقي َفةِ َك َما َر َو ُاه ْاب ُن ُخ َز ْي َم َة وص َّححه ُم ْسلِ ُم‬ ‫لِ ْل َب ْي َعةِ ال َّ ِتي َذ َك ْرنَ َاها أَ َّوال يَ ْو َم َّ‬
‫ا ْب ُن ا ْل َح َّجا ِج‪َ ،‬ول َ ْم يَ ُك ْن َعلِي ُم َجانِبا ِألَبِي بَ ْك ٍر َه ِذهِ ِّ‬
‫الس َّت َة ْاألَ ْش ُهرِ‪ ،‬بَ ْل َكا َن‬
‫ور ِة‪َ ،‬و َر ِك َب َم َع ُه ِإلَى ِذي ا ْل َق َّصةِ‪..‬‬ ‫يُ َصلِّي َو َر َاء ُه َويَ ْح ُض ُر ِع ْن َد ُه لِ ْل َم ُش َ‬
‫الر َوا ِة أَ َّن َعلِ ًّيا ل َ ْم‬
‫ض ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َولَك ْن ل َ َّما َوقَ َع ْت َهذه ا ْل َب ْي َع ُة ال َّثان َي ُة ْاع َت َق َد بَ ْع ُ‬
‫يُ َبا ِي ْع قَ ْبلَ َها فَنَ َفى َذلِ َك‪َ ،‬وا ْل ُم ْثب ُِت ُم َق َّدم َعلَى النَّ ِافي َك َما َت َق َّد َم َو َك َما‬
‫َت َق َّر َر(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البداية والنهاية‪.522/2 :‬‬
‫(‪ )5‬البداية والنهاية‪.225/0 :‬‬
‫(‪ )2‬البداية والنهاية‪.530/2 :‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫فالحافظ ابن كثير يرى تبعا لثبوت الروايات أن علي بن أبي طالب‬
‫بايع الصديق أبا بكر مرتين األولى‪ :‬يوم السقيفة‪ ،‬والثانية‪ :‬بعد وفاة‬
‫السيدة فاطمة ‪‬؛ وبذلك يكون قد جمع بين الروايات الصحيحة‪.‬‬
‫ويبقى سؤال قبل أن نغلق الحديث في بيعة علي وهو‪ :‬لماذا بايع‬
‫علي الصديق مرتين؟ ألم تكن البيعة األولى كافية بحيث ال يحتاج إلى‬
‫تكرارها أو تجديدها؟‬
‫وجواب ذلك أن فاطمة ــ ‪ ‬ــ كانت أشد الناس توجعا لوفاة‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬حيث حزنت لفراق والدها ‪ ‬حزنا‬
‫شديدا‪ ،‬وأخذت تذبل ــ رضوان اهلل عليها ــ من جراء ذلك يوما بعد‬
‫يوم‪ ،‬حتى توفيت بعد ستة أشهر من وفاة رسول اهلل ‪.‬‬
‫قال ابن كثير عن توجع فاطمة ــ ‪ ‬ــ‪ :‬ويقال‪ :‬إنها لم تضحك‬
‫في مدة بقائها بعده ‪ ،‬وأنها كانت تذوب من حزنها عليه‪ ،‬وشوقها‬
‫إليه(‪.)1‬‬
‫وقد أدى ذلك إلى كثرة مالزمة علي ــ ‪ ‬ــ ألم الحسنين‬
‫ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ وقلة مالزمته ألبي بكر الصديق ــ ‪‬‬

‫ــ فأشاع المنافقون أن عليا ــ ‪ ،‬كاره لخالفة الصديق ــ ‪ ‬ــ‬


‫مما دفع عليا إلى تجديد بيعته ألبي بكر الصديق بعد وفاة فاطمة‬
‫ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ وذلك حسما منه لمادة الفتنة‪ ،‬وردا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البداية‪.222/0 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫عمليا على هذه الشبهة(‪.)1‬‬


‫أقر علي بن أبي طالب ببيعة الصديق‬‫وعلى ضوء ما سبق فقد َّ‬
‫وهذا هو ما يعنينا‪ ،‬بل وشارك معه في حروب الردة‪ ،‬وكان من أمراء‬
‫الحرس على أنقاب المدينة بأمر من الصديق أبي بكر هو والزبير وطلحة‬
‫وسعد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود(‪.)5‬‬
‫وروي أنه كان من كتبة أبي بكر المقربين‪ ،‬كما ذكر ابن األثير(‪.)2‬‬
‫ولما أراد أبو بكر الذهاب بنفسه إلى ذي القصة لقتال المرتدين‬
‫أخذ علي بزمام راحلته وقال له‪ :‬أين يا خليفة رسول اهلل ‪‬؟!‬
‫شم سيفك ال‬‫أقول لك‪ :‬ما قال لك رسول اهلل ‪ ‬يوم أحد‪ّ :‬‬
‫أص ْبنَا بك ال يكون ِلإلسالم نِظام؛ فرجع‬
‫تفجعنا بنفسك‪ ،‬فواهلل لئن ِ‬
‫وأمضى الجيش(‪.)2‬‬
‫ولنمض باألمر إلى أبعد من ذلك ولنفرض هنا شيئا لم يحدث‬
‫وكأنه حدث بالفعل‪ ،‬ماذا فعال لو خالف علي والعباس ولم يقرا ببيعة‬
‫الصديق هما وطائفة معهما؟ هل يؤثر ذلك على استحقاق أبي بكر‬
‫بالخالفة؟‬
‫ونترك اإلجابة لشيخ اإلسالم ابن تيمية حيث يقول‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع‪ :‬دفاعا عن اآلل واألصحاب‪ :‬ص‪.221‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫البداية والنهاية‪ .225/0 :‬ــ الكامل‪.222/5 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الكامل‪.252/5 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكامل‪ 255/5 :‬ــ الرياض النضرة‪ :‬ص‪ 123‬ــ البداية والنهاية‪.212/0 :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اإل َم َامةِ َال يَ ُض ُّر ِفيه ِ َت َخلُّ ُف‬ ‫اإل ْج َما َع ا ْل ُم ْع َت َب َر ِفي ْ ِ‬ ‫َو َال َر ْي َب أَ َّن ْ ِ‬
‫اح ِد َو ِاال ْثنَ ْي ِن َوالطَّائِ َفةِ ا ْل َقلِيلَةِ فَ ِإنَّ ُه ل َ ِو ْاع ُتب َِر َذلِ َك ل َ ْم يَ َك ْد يَ ْن َع ِق ُد ِإ ْج َماع‬ ‫ا ْلو ِ‬
‫َ‬
‫الر ُج ُل لِ َهوى َال يُ ْعلَ ُم‬ ‫اإل َم َام َة أَ ْمر ُم َع َّين فَ َق ْد يَ َت َخلَّ ُف َّ‬ ‫َعلَى ِإ َم َامةٍ؛ فَ ِإ َّن ْ ِ‬
‫ف َس ْع ٍد فَ ِإنَّ ُه َكا َن قَ ِد ْاس َت ْش َر َف ِإلَى أَ ْن يَ ُكو َن ُه َو أَ ِميرا ِم ْن ِج َهةِ‬ ‫َك َت َخلُّ ِ‬
‫ْاألَ ْن َصا ِر‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْح ُص ْل ل َ ُه َذلِ َك‪ ،‬فَ َب ِق َي ِفي نَ ْف ِسه ِ بَ ِق َّي ُة َهوى‪َ .‬و َم ْن َت َر َك‬
‫اإل ْج َما ِع َعلَى ْاألَ ْح َكامِ ا ْل َع َّامةِ‬ ‫ف ِْ‬ ‫الشيء لِ َهوى‪ ،‬ل َ ْم ي َؤثِّر َتر ُك ُه بِ ِخ َال ِ‬
‫ُ ْ ْ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫احةِ؛‬ ‫اإلبَ َ‬‫اب َوال َّت ْحرِيمِ َو ْ ِ‬ ‫يج ِ‬‫اإل َ‬ ‫َك ْ ِ‬
‫اح ُد‪ ،‬أَ ْو ِاال ْثنَا ِن فَ َه ْل يُ ْع َت ُّد بِ ِخ َال ِفه َِما؟ ِفيه ِ‬ ‫فَ ِإ َّن َه َذا ل َ ْو َخال َ َف ِفيه ِ ا ْلو ِ‬
‫َ‬
‫قَ ْو َال ِن لِ ْل ُعلَ َم ِاء‪َ .‬و ُذ ِك َر َع ْن أَ ْح َم َد ِفي َذلِ َك ر َِوايَ َتا ِن‪ِ :‬إ ْح َد ُاه َما‪َ :‬ال يُ ْع َت ُّد‬
‫اح ِد َو ِاال ْثنَ ْي ِن‪َ ،‬و ُه َو قَ ْو ُل طَائِ َفةٍ َك ُم َح َّم ِد ْب ِن َجرِي ٍر الطَّ َبر ِّ‬ ‫ف ا ْلو ِ‬
‫ِي‪،‬‬ ‫بِ ِخ َال ِ َ‬
‫ِين‪،‬‬ ‫اح ِد َو ِاال ْثنَ ْي ِن ِفي ْاألَ ْح َكامِ َو ُه َو قَ ْو ُل ْاألَ ْك َثر َ‬ ‫ف ا ْلو ِ‬
‫َوالثَّاني‪ :‬يُ ْع َت ُّد بِ ِخ َال ِ َ‬
‫ِ‬
‫اإل َم َامةِ أَ َّن ا ْل ُح ْك َم أَ ْمر َعام يَ َتنَ َاو ُل َه َذا َو َه َذا‪ ،‬فَ ِإ َّن‬ ‫َوا ْل َف ْر ُق بَ ْينَ ُه َوبَ ْي َن ْ ِ‬
‫وجب ُه َعلَى نَ ْف ِسه ِ َو َعلَى َغ ْي ِرهِ َوا ْل َقائِ ُل بِ َت ْحرِي ِمه ِ‬ ‫وب َّ ِ‬ ‫ا ْل َقائِ َل بِ ُو ُج ِ‬
‫الش ْيء يُ ِ ُ‬
‫يُ َح ِّر ُم ُه َعلَى نَ ْف ِسه ِ َو َعلَى َغ ْي ِرهِ‪ ،‬فَا ْل ُمنَا ِز ُع ِفيه ِ ل َ ْي َس ُم َّت َهما؛ َولِ َه َذا ُت ْق َب ُل‬
‫يث َع ِن النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ ِفي ا ْل ِق َّصةِ َو ِإ ْن َكا َن َخ ْصما‬ ‫الر ُج ِل لِ ْل َح ِد ِ‬ ‫ر َِوايَ ُة َّ‬
‫يث َعام يَ َتنَ َاول ُ َها َويَ َتنَ َاو ُل َغ ْي َر َها‪َ ،‬و ِإ ْن َكا َن ا ْل ُم َح ِّد ُث ا ْل َي ْو َم‬ ‫ِف َيها؛ ِألَ َّن ا ْل َح ِد َ‬
‫ف َش َه َادتِه ِ لِنَ ْف ِسه ِ‬ ‫يث فَ َغدا ي ُكو ُن م ْح ُكوما َعلَ ْيه ِ بِ ِخ َال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َم ْح ُكوما ل َ ُه بِا ْل َح ِد ِ‬
‫فَ ِإنَّ َها َال ُت ْق َب ُل ؛ ِألَنَّ ُه َخ ْصم‪َ ،‬وا ْل َخ ْص ُم َال يَ ُكو ُن َشا ِهدا‪.‬‬
‫اإل ْج َما ُع َعلَى ِإ َم َامةِ ا ْل ُم َع َّي ِن ل َ ْي َس ُح ْكما َعلَى أَ ْم ٍر َعام ُكلِّي‪،‬‬ ‫فَ ْ ِ‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫َك ْاألَ ْح َكامِ َعلَى أَ ْم ٍر َخاص ُم َع َّي ٍن‪.‬‬


‫وم‪َ ،‬كا َن ِخ َالفُ ُه َشاذًّا‬ ‫اح ُد ِإ َذا َخال َ َف النَّ َّص ا ْل َم ْعلُ َ‬ ‫َوأَيضا فَا ْلو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف َس ِعي ِد ْب ِن ا ْل ُم َس َّي ِب ِفي أَ َّن ا ْل ُم َطلَّ َق َة ثَ َالثا ِإ َذا نَ َك َح ْت َز ْوجا َغ ْي َر ُه‬ ‫َك ِخ َال ِ‬
‫يح ُة‬‫الص ِح َ‬‫السنَ ُة َّ‬
‫ت َّ‬ ‫يح ْت لِ ْأل َ َّو ِل بِ ُم َج َّردِ ا ْل َع ْق ِد‪ ،‬فَ ِإ َّن َه َذا ل َ َّما َجاء ِ‬
‫َ‬ ‫أُبِ َ‬
‫بِ ِخ َال ِفه ِ ل َ ْم يُ ْع َت َّد بِه ِ‪.‬‬
‫وص‬ ‫ت النُّ ُص ُ‬ ‫َو َس ْعد َكا َن ُم َر ُاد ُه أَ ْن يُ َولُّوا َر ُجال ِم َن ْاألَ ْن َصا ِر‪َ ،‬وقَ ْد َدل َّ ِ‬
‫ش< فَلَ ْو َكا َن ا ْل ُم َخالِ ُف‬ ‫اإل َم َام ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬
‫ا ْل َك ِث َير ُة َع ِن النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ >أَ َّن ْ ِ‬
‫ش‪َ ،‬وقَ ْد َت َو َات َر أَنَّ ُه‬ ‫قُ َر ِش ًّيا َو ْاس َت َق َّر ِخ َالفُ ُه ل َ َكا َن ُش ْب َهة‪ ،‬بَ ْل َعلِي َكا َن ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬
‫الص ِّد َيق طَائِعا ُم ْخ َتارا‪.‬‬ ‫بَايَ َع ِّ‬
‫ِ‬
‫ض ِخ َال َف َه ُؤ َالء ال َّ ِذ َ‬
‫ين َذ َك َر ُه ْم َوبِ َق ْد ِر ِه ْم َم َّر َت ْي ِن ل َ ْم‬ ‫ِ‬
‫ال َّثاني‪ :‬أَنَّ ُه ل َ ْو فَ َر َ‬
‫وت ا ْل ِخ َالفَةِ‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه َال يُ ْش َت َر ُط ِفي ا ْل ِخ َالفَةِ ِإ َّال اتِّ َف ُاق أَ ْه ِل‬ ‫يَ ْق َد ْح َذلِ َك ِفي ثُب ِ‬
‫ُ‬
‫ين يُ َق ُام بِه ُِم ْاألَ ْم ُر بِ َح ْي ُث يُ ْم ِك ُن أَ ْن يُ َق َام بِه ِْم‬ ‫الش ْو َكةِ َوا ْل ُج ْم ُهو ِر ال َّ ِذ َ‬
‫َّ‬
‫اإل َم َامةِ‪...‬‬ ‫َم َق ِ‬
‫اص ُد ْ ِ‬
‫ال َّثالِ ُث‪ :‬أَ ْن يُ َق َال ِإ ْج َما ُع ْاألُ َّمةِ َعلَى ِخ َالفَةِ أَبِي بَ ْك ٍر َكا َن أَ ْع َظ َم ِم ِن‬
‫اج ِت َما ِعه ِْم َعلَى ُم َبايَ َعةِ َعلِي‪ ،‬فَ ِإ َّن ثُلُ َث ْاألُ َّمةِ ــ أَ ْو أَقَ َّل أَ ْو أَ ْك َث َر ــ ل َ ْم‬ ‫ْ‬
‫وه َوالثُّلُ َث ْاآل َخ َر ل َ ْم يُ َقاتِلُوا َم َع ُه َو ِفيه ِْم َم ْن ل َ ْم يُ َبايِ ْع ُه‬ ‫يُ َبايِ ُعوا َعلِ ًّيا‪ ،‬بَ ْل قَ َاتلُ ُ‬
‫وه ِم ْن ُه ْم َم ْن قَ َاتلَ ُه ْم‪َ ،‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن ل َ ْم يُ َقاتِ ْل ُه ْم‪ ،‬فَ ِإ ْن‬ ‫أَ ْيضا؛ َوال َّ ِذ َ‬
‫ين ل َ ْم يُ َبايِ ُع ُ‬
‫ض ْاألُ َّمةِ َع ِن ا ْل َب ْي َعةِ َكا َن ا ْل َق ْد ُح ِفي‬ ‫ف بَ ْع ِ‬ ‫اإل َم َامةِ بِ َت َخلُّ ِ‬‫َجا َز ا ْل َق ْد ُح ِفي ْ ِ‬

‫‪220‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ِإ َم َامةِ َعلِي أَ ْولَى بِ َك ِثي ٍر(‪.)1‬‬


‫فصلنا القول نسبياَ في بيعة علي ‪‬؛ لالرتباط الشديد بينها‬
‫وقد َّ‬
‫وبين بيعة العباس ‪ ،‬فكل من ذكر موقفا للعباس ‪ ‬معارضا‬
‫لبيعة الصديق ‪ ‬بناه على موقف مشابه لعلي ‪ ‬أو مساند له‪ ،‬من‬
‫باب المناصرة أو وحدة موقف بني هاشم كما أسلفنا‪ ،،‬فكان ال بد من‬
‫اإليضاح‪.‬‬
‫وفي ختام ردنا على الشبهة‪ :‬فلنجاريها إلى أبعد ح ٍد ممكن‪،‬‬
‫ولنفرض جدال أن العباس ما بايع الصديق في بادئ األمر‪ ،‬وأنه أحجم‬
‫عن البيعة مع علي ومن واالهم من بني هاشم ومواليهم‪.‬‬
‫وماذا فيها؟ إن األمر لو كان على هذا النحو فال يدل على بغض‬
‫من العباس وعلي للصديق‪ ،‬وال عالقة له بنص سابق ألي منهما‬
‫بالخالفة‪ ،‬وغاية ما فيه تنازع في اختيار الصلح لخالفة المسلمين‪ ،‬وما‬
‫إن استتب األمر للصديق‪ ،‬وبايعه المسلمون إال وانخرط العباس وعلي‬
‫ومن معهم في جماعة المسلمين‪ ،‬وغلبوا مصلحة اإلسالم‪ ،‬وقاتلوا في‬
‫خالفة الصديق‪ ،‬كما أثر عن علي خروجه لحماية أنقاب المدينة من‬
‫غارات المرتدين‪ .‬وأثر عن العباس خروجه مع عمر لفتح الشام‪ .‬كما‬
‫مر‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منهاج السنة‪ 222/3 :‬ــ ‪.223‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫تعقيب عل ما سبق‪:‬‬
‫وبعد هذا العرض لبعض الروايات الناقلة تصريحا أو تلميحا‬
‫إلحجام العباس ‪ ‬عن بيعة الصديق ‪ ‬يتأكد لدينا أن األمر لم‬
‫يكن على النحو الذي أراد ناقلو الروايات تقريره‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بموقف‪ ،‬ولم‬ ‫ولعل من الثابت تاريخيا أن العباس ‪ ‬لم يستأثر‬
‫تنقل عنه روايات صحيحة معارضة لبيعة الصديق ــ وال الستخالفه‬
‫عمر ــ ولو عارض لنُقل إلينا من جملة ما نقل‪ ،‬فمن العسير نقل موقف‬
‫سعد بن عبادة ‪ ‬في السقيفة(‪ )1‬ومقولة الحباب يومها وتجاهل‬
‫موقف العباس بن عبد المطلب رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وعلى فرض صحة فراغ وخلو يوم السقيفة من بيعة للعباس‬
‫‪ ،‬فهذا أمر قد يكون له ما يبرره‪ ،‬وبخاصة وأن العباس عم النبي‬
‫‪ ،‬ويأتي على قمة هرم آل النبي ‪ ،‬ومن تربطهم بالنبي‬
‫‪ ‬روابط عائلية تؤكد عليهم مباشرة تجهيز النبي ‪ ‬ومالزمته‬
‫إلى أن يدفن‪ ،‬وال تعني عدم مشاركته يوم السقيفة أنه لم يبايع بعدها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال األستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه (نقد علمي لكتاب اإلسالم‬
‫وأما تخلّف سعد بن عبادة ‪ ‬عن بيعة أبي بكر فهو‬ ‫وأصول الحكم‪ ،‬ص‪ّ :)22‬‬
‫بصحابي‬
‫ّ‬ ‫تأول فعله بما يليق‬
‫الصحابي الوحيد الّذي لم يبايع ألبي بكر‪ ،‬فال ب ّد من ّ‬
‫ّ‬
‫جليل‪ :‬لعلّه ّلما رأى األنصار قد أع ّدته للخالفة يوم السقيفة‪ ،‬ثم رأى إجماع الصحابة‬
‫على أبي بكر وانصرافهم عن بيعة سعد استوحش نفسه بين ال ّناس‪ ،‬وكان سعد رجال‬
‫عزيز ال ّنفس‪ ،‬فخرج من المدينة ولم يرجع إليها ح ّتى مات‪ ...‬ولم ينقل عنه طعن في‬
‫الص ّديق وال نواء بخروج‪ ،‬فتخلّفه عن البيعة ال يقتضي رفضه لها وال مخالفته فيها‪.‬‬
‫بيعة ّ‬

‫‪223‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وإن كانت النصوص لم تسعفنا برواية عن بيعة العباس للصديق‬


‫صراحة وبخاصة يوم السقيفة إال أنه ال يفهم منه إحجامه‪ ،‬وبخاصة وأن‬
‫الروايات لم تعن بذكر آحاد من بايعوا حتى مع جاللتهم وعلو شأنهم‪،‬‬
‫بل وردت روايات يفهم منها رضا العباس ببيعة الصديق ‪ ‬وخالفته‬
‫ضمنا‪ ،‬وإن كان في سند بعضها مقال‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أخرج ابن عساكر في تاريخه بسنده إلى سويد بن غفلة قال‪ :‬دخل أبو‬
‫سفيان على علي والعباس فقال‪ :‬يا علي وأنت يا عباس ما بال هذا األمر في‬
‫أذل قبيلة من قريش وأقلها‪ ،‬واهلل لئن شئت ألمألنها عليه خيال ورجاال‬
‫وألثورنها عليه من أقطارها‪ ،‬فقال له علي‪ :‬ال واهلل ما أريك أن تمألها‬
‫عليه خيال ورجاال‪ ،‬ولوال أنا رأينا أبا بكر لذلك أهال ما خليناه وإياها‬
‫يا أبا سفيان‪ ،‬إن المؤمنين قوم نَ َصحة بعضهم لبعض متوادون وإن‬
‫بعدت ديارهم وأبدانهم‪ ،‬وإن المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض(‪.)1‬‬
‫والشاهد في الرواية على فرض صحتها إقرار علي بصحة خالفة‬
‫الصديق‪ ،‬وإقرار العباس بذلك أيضا‪ ،‬حيث لم تنقل عنه معارضة‪.‬‬
‫ــ وفي شرح نهج البالغة أنه لما ازدحم الناس على أبي بكر‬
‫مر أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب‬
‫فبايعوه‪َّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن عساكر في التاريخ‪ .202/52 :‬والبالذري في األنساب‪ 233/1 :‬من طريق‬
‫محمد بن سعد عن الواقدي‪ .‬والمحب الطبري في الرياض النضرة‪ ،512/1 :‬وقال‪:‬‬
‫خرجه ابن السمان في الموافقة بهذا السياق‪ ،‬وهو عند غيره إلى قوله‪ :‬أمألها عليه خيال‬
‫ورجال‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ ‬وأنشد أبياتا مفادها أن يسمح له علي ببيعته‪ ،‬وفيه‪> :‬فقال علي‬


‫ألبي سفيان‪ :‬إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه‪ ،‬وقد عهد إلى رسول اهلل‬
‫‪ ‬عهدا فإنا عليه‪ ،‬فتركه أبو سفيان وعدل إلى العباس بن‬
‫عبد المطلب في منزله‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا الفضل‪ ،‬أنت أحق بميراث ابن‬
‫أخيك‪ ،‬امدد يدك ألبايعك‪ ،‬فال يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك‪.‬‬
‫فضحك العباس‪ ،‬وقال‪ :‬يا أبا سفيان‪ ،‬يدفعها علي ويطلبها العباس!‬
‫فرجع أبو سفيان خائبا<(‪.)1‬‬
‫وال يعني إيرادنا لرواية نهج البالغة إقرارانا بصحة سندها‪ ،‬ولكن‬
‫أوردناها لموافقتها المعهود والمقر به من إقرار العباس بخالفة الصديق‪،‬‬
‫وأنه ال يرى لنفسه حقا فيها‪ ،‬كما أنها تعتبر ردا دافعا على من‬
‫يتخرصون بهذا األمر‪ ،‬وبخاصة وأنهم يركنون إلى المصادر التي ضمت‬
‫تلك الروايات‪ ،‬وبخاصة نهج البالغة مع شرحه‪.‬‬
‫وعليه فمن يريد إثبات تخلُّف العباس ‪ ‬عمدا عن بيعة أبي‬
‫بكر ‪ ‬أن يأتينا بالروايات الصحيحة الصريحة التي تثبت صحة‬
‫ادعائه‪ ،‬أو حتى على األقل يأتينا بروايات صحيحة صريحة تحمل‬
‫عبارات التشكيك والتأفف والعصيان والمنازعة من قِبل العباس ألبي‬
‫بكر ‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬يمكننا القول‪ :‬هل أُثر عن العباس ‪ ‬موقف‬
‫صحيح صريح يدعو إلى شق عصا الطاعة‪ ،‬وهل دعا إلى فتنة وبخاصة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح نهج البالغة‪.13/0 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫يوم تقرير الخليفة؟ وهل تخلَّف عن أمر من أوامر خليفة رسول اهلل؟ إذا‬
‫كانت االجابة نعم‪ ،‬فأين هذا الموقف وتلك الدعوة؟‬
‫إ ّن عجز الطاعنين عن اإلتيان بمثل هذه الروايات الصريحة من‬
‫مظانها الصحيحة لهو من كبريات الدالئل على رضا العباس ‪‬‬

‫بخالفة أبي بكر ‪ ،‬والقاطعة بر ّد زعم من يتوهم موقفا من العباس‬


‫‪ ‬مخالفا لبيعة أبي بكر ‪.‬‬
‫قال السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني الحنفي في بيان‬
‫اإلجماع على بيعة الصديق وموقف العباس وعلي ‪ ‬منها وتحت‬
‫عنوان‪ :‬المقصد الرابع‪ :‬في اإلمام الحق بعد رسول اهلل‪ ..‬ثم إنهما‬
‫ــ العباس وعلي ــ لم ينازعا أبابكر‪ ،‬ولو لم يكن على الحق لنازعاه(‪.)1‬‬

‫وع َّد ابن حجر من جملة الردود َعلَى َم ْن َز َع َم ِم َن َّ‬


‫الر َاو ْن ِديَّةِ أَ َّن‬
‫النص َعلَى َعلِي؛‬ ‫س َو َعلَى من زعم َّ‬ ‫النَّب َِّي ‪ ‬نَ َّص َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫إطباق الصحابة َعلَى ُم َتابَ َعةِ أَبِي بَ ْك ٍر ثُ َّم َعلَى طَا َع ِته ِ ِفي ُم َبايَ َعةِ ُع َم َر ثُ َّم‬
‫اس َو َال َعلِي أَنَّ ُه‬ ‫ورى‪ ،‬وعدم ادعاء ا ْل َع َّب ُ‬ ‫الش َ‬ ‫َعلَى ا ْل َع َم ِل بِ َع ْه ِد ُع َم َر ِفي ُّ‬
‫‪َ ‬ع ِه َد ل َ ُه بِا ْل ِخ َالفَةِ(‪.)5‬‬
‫وفي تثبيت دالئل النبوة‪ :‬فقد وجدت رحمك اهلل عليا والعباس‬
‫نص وال استخلف‬ ‫والصحابة قد أطبقوا على أن رسول اهلل ‪ ‬ما َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح المواقف‪.222/3 :‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.523/12 :‬‬

‫‪221‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫رجال بعينه‪ ،‬وال قال قوال قصد به هذا المعنى‪ .‬فإن قيل‪ :‬ومن سلَّم‬
‫لكم أن هذا قد جرى بين علي والعباس ‪‬؟ قيل له‪ :‬إن هذا كالذي‬
‫جرى في السقيفة وفي الشورى‪ ،‬ال يرتاب بذلك أهل العلم(‪.)1‬‬
‫وعليه فلم يؤثَر عن العباس ‪ ‬موقف صحيح مخالف لبيعة‬
‫الصديق ‪ ‬وخالفته طيلة سنتين وثالثة أشهر هي مدة خالفة‬
‫وأقر والتزم بما التزم به عموم‬
‫الصديق أبي بكر‪ ،‬بل إنه رضي بها َّ‬
‫المسلمين‪ ،‬ولو كان له رأي مخالف لنص عليه المؤرخون‪ ،‬ولتناقلته‬
‫الروايات‪ ،‬وهذا مالم يشتهر أو يعرف‪.‬‬
‫بل المعروف والمشتهر خالفه‪ ،‬ففي خالفة المستنصر باهلل‬
‫العباسي‪ ،‬حضر الملك الناصر بالمدرسة المستنصرية على شاطئ دجلة‬
‫وكان الخليفة في روشن(‪ )5‬ينظر ويسمع الكالم وحضر جماعة من‬
‫الفقهاء المرتبين بالمدرسة وغيرهم من المذاهب األربعة وبحث الملك‬
‫الناصر واستدل واعترض وناظر الفقهاء مناظرة حسنة وكان جيد‬
‫المناظرة صحيح الذهن له في كل فن مشاركة جيدة‪ ،‬فقام يومئذ رجل‬
‫القيرواني ومدح الخليفة بقصيدة يقول‬
‫ّ‬ ‫من الفقهاء يقال له‪ :‬وجيه الدين‬
‫فيها مخاطبا للخليفة‪.‬‬
‫لو كنت في يوم السـقيفة حاضـرا كنــت المقــدم واإلمــام األروعــا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تثبيت دالئل النبوة‪ :‬القاضي عبد الجبار‪.520/1 ،‬‬
‫الروشن‪ :‬الرف أو النافذة‪( .‬تاج العروس ‪ /‬رشن)‪ .‬وقال النووي‪ :‬بِ َف ْتح َّ‬
‫الراء َو ُه َو‬ ‫(‪ّ )5‬‬
‫ا ْل َخارِج من خشب ا ْلبناء‪( .‬تحرير ألفاظ التنبيه‪ :‬ص‪.)222‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫فغضب الملك الناصر هلل تعالى؛ لكون ذلك الفقيه ألجل سحت‬
‫الدنيا أساء األدب على أبي بكر الصديق رضوان اهلل عليه والخلفاء‬
‫الراشدين وسادات المهاجرين واألنصار ‪ ‬الذين كانوا حاضرين‬
‫يوم السقيفة وجعل المستنصر باهلل مقدما عليهم‪ ،‬فقال لذلك الفقيه‪:‬‬
‫أخطأت فيما قلت‪ ،‬كان ذلك اليوم ج ّد سيدنا وموالنا اإلمام المستنصر‬
‫عم رسول اهلل ‪ ‬حاضرا فلم‬ ‫باهلل العباس بن عبد المطلب ‪ّ ‬‬
‫يكن مقدما وال اإلمام األروع إال أبي بكر الصديق ‪ ،‬فخرج‬
‫وولّي بها‬
‫المرسوم في ذلك الوقت بنفي ذلك الفقيه‪ ،‬فنفي إلى مصر‪ُ ،‬‬
‫تدريس مدرسة ابن ُسكَّر(‪.)1‬‬
‫‪‬‬ ‫واستنادا على ما سبق فال عبرة لمن يزعم إحجام العباس‬
‫عن بيعة الصديق‪ ،‬كما أنه ال مستند له أيضا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذيل مرآة الزمان‪ :‬أبو الفتح اليونيني‪ 125/1 ،‬ــ تاريخ اإلسالم‪.521/23 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ ‬الشبهة الرابعة‪ُّ :‬‬


‫ذم العباس ووصمه بالذلة(‪:)1‬‬
‫ادعى البعض أن العباس ‪ ‬لم يثبت له مدح‪ ،‬ولم ترد في‬
‫ذمه من روايات صحيحة‬‫مدحه روايات صحيحة‪ ،‬عكس ما ورد في ِّ‬
‫السند‪ ،‬وإليك التفصيل‪:‬‬
‫* تقرير الشبهة‬
‫العباس لم يثبت له مد ‪ ،‬ووردت روايات صحيحة السند في ذمه‪.‬‬
‫قال أبو القاسم الموسوي الخوئي في (معجم رجال الحديث) بعد‬
‫أن استعرض مجموعة من الروايات القادحة في العباس ‪ ‬وكذا‬
‫المادحة له‪:‬‬
‫وملخص الكالم‪ :‬أن العباس لم يثبت له مدح‪ ،‬ورواية الكافي‬
‫ذمه صحيحة السند‪ ،‬ويكفي هذا منقصة له حيث لم يهتم‬ ‫الواردة في ّ‬
‫بأمر علي بن أبي طالب ‪ ،‬وال بأمر الصديقة الطاهرة في قضية‬
‫فدك‪ ،‬معشار ما اهتم به في أمر ميزابه(‪.)5‬‬
‫ويستند الخوئي وغيره في تقرير هذه الشبهة العجيبة والغريبة على‬
‫ذم العباس في مصادره التي يرجع إليها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الروايات الواردة في ّ‬
‫‪ 1‬ــ روى الكليني في >الكافي< ُم َح َّم ُد ْب ُن يَ ْح َيى َع ْن أَ ْح َم َد ْب ِن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الوصم في اللغة‪ :‬العيب والعار‪( .‬الصحاح للجوهري‪ /‬وصم)‪.‬‬
‫(‪ )5‬معجم رجال الحديث‪.522/12 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ُم َح َّم ٍد َع ِن ا ْل ُح َس ْي ِن ْب ِن َس ِعي ٍد َع ْن َعلِ ِّي ْب ِن النُّ ْع َما ِن َع ْن َع ْب ِد اهلل ِ ْب ِن‬


‫ُم ْس َكا َن َع ْن َس ِدي ٍر قَ َال‪ُ :‬كنَّا ِع ْن َد أَبِي َج ْع َف ٍر (‪ )‬فَ َذ َك ْرنَا َما أَ ْح َد َث‬
‫ين‬‫اس بَ ْع َد نَبِيِّه ِْم (صلى اهلل عليه وآله) َو ْاس ِتذْ َالل َ ُه ْم أَ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫النَّ ُ‬
‫(‪ )‬فَ َق َال َر ُجل ِم َن ا ْل َق ْومِ‪ :‬أَ ْصلَ َح َك اهللُ فَأَ ْي َن َكا َن ِع ُّز بَ ِني َه ِاش ٍم‬
‫َو َما َكانُوا ِفيه ِ ِم َن ا ْل َع َددِ؟ فَ َق َال أَبُو َج ْع َف ٍر) ‪َ :‬و َم ْن َكا َن بَ ِق َي ِم ْن بَ ِني‬
‫َه ِاش ٍم؟ ِإنَّ َما َكا َن َج ْع َفر َو َح ْم َز ُة فَ َم َض َيا‪َ ،‬و َب ِق َي َم َع ُه َر ُج َال ِن َض ِعي َفا ِن‬
‫اإل ْس َالمِ َعباس َو َع ِق ٌيل‪َ ،‬و َكا َنا ِم َن الطلَ َق ِاء‪ ،‬أَما واهلل ِ‬ ‫َذل ِ َيال ِن َح ِد َيثا َع ْهد ِب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ل َ ْو أَ َّن َح ْم َز َة َو َج ْع َفرا َكانَا بِ َح ْض َرتِه َِما َما َو َص َال ِإلَى َما َو َص َال ِإل َ ْيه ِ‪َ ،‬ول َ ْو‬
‫َكانَا َشا ِه َد ْيه َِما َألَ ْتلَ َفا نَ ْف َس ْيه َِما(‪.)1‬‬
‫ويعلق علي آل محسن على هذه الرواية(‪ )5‬مؤكدا مضامينها بقوله‪:‬‬
‫وأقول‪ :‬أما أنهما ضعيفان‪ :‬فهو معلوم من حالهما‪ ،‬فلم يُعرف لهما‬
‫موقف في حرب أو في سلم يدل على قوة أو شجاعة‪ ،‬ال في الجاهلية‬
‫وال في اإلسالم‪ ،‬وأهل السنة قد رووا أنهما أُخرجا مع المشركين إلى‬
‫كرهين‪ ،‬وحسبك هذا دليال على ضعفهما‪.‬‬‫بدر ُم َ‬
‫وأما أنهما ذليالن‪ :‬فلعل المراد بذلك هو ذلّهما لما أُ ِسرا يوم بد ٍر‬
‫مع من أُ ِسر من المشركين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الكافي‪ 122/3 :‬رقم (‪ )510‬بحار األنوار‪ 521/53 :‬ــ مرآة العقول‪.32/50 :‬‬
‫وحسنه محققه‪ .‬وصححه البهبودي في صحيح الكافي‪ )222/2( :‬والمراد بقوله‪:‬‬
‫أتلفا نفسيهما‪ :‬أي قتالها‪.‬‬
‫(‪ )5‬هلل وللحقيقة‪ 100/1 :‬ــ ‪.105‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وأما أنهما حديثا عهد باإلسالم فقد ذكر ابن عبد البر أن العباس‬
‫أسلم قبل فتح خيبر‪ ،‬وأظهر إسالمه يوم فتح مكة(‪ ..)1‬وذكر أن إسالم‬
‫عقيل كان قبل الحديبية(‪.)5‬‬
‫ــ‪ :‬ولم يبق‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 5‬ــ وفي كتاب سليم بن قيس‪ ،‬قال علي ــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪.315/5 :‬‬
‫(‪ )5‬االستيعاب‪.1253/2 :‬‬
‫وتنبغي اإلشارة إلى أن إكراه العباس في الخروج إلى بدر ال عالقة له بالضعف وال‬
‫يمكن أن نأخذ منه حكما عاما بضعف العباس وذلته‪ ،‬وكذا أسره بعدها فهما ال‬
‫تعدوان كونهما حالتين‪ ،‬في األولى تأل َّب المشركون على العباس لشكوكهم في نواياه‬
‫وموقفه من ابن أخيه‪ ..‬وفي الثانية وقع في األسر مختارا كما نصت عليه بعض‬
‫الروايات حيث امتنع عن خوض المعركة ولم يتعرض ألح ٍد بقتل‪ ،‬في معركة لم يقتنع‬
‫بها ولم يرحب بالخروج إليها؛ ولهذا قال النبي ‪ :‬م ْن ل َ ِق َي ا ْل َع َّب َ‬
‫اس فَل َْي ُك َّف‬
‫َع ْن ُه‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه َخ َر َج ُم ْس َت ْك َرها< اآلحاد والمثاني البن أبي عاصم‪ ،‬ح (‪.)225‬‬
‫ولو اعتبرنا أسر العباس ذلة بإطالق تالزمه طيلة حياته وال تنفك عنه حتى بعد مماته‬
‫على قول علي آل محسن العتبرنا معها حصار النبي ‪ ‬وبني هاشم بمن فيهم‬
‫أبي طالب وابنه علي في الشعب هو أيضا ذلة لهم وجبنا منهم عن المواجهة‪ ،‬وهذا ما‬
‫لم يقل به أحد‪ ،‬فما يا ترى رد علي آل محسن ومن يرى رأيه؟‬
‫أما قول علي آل محسن أنه لم يُعرف للعباس موقف في حرب أو في سلم يدل على‬
‫قوة أو شجاعة‪ .‬فهذا الكذب بعينه وراجع موقفه في غزوة حنين وثباته مع النبي‬
‫‪ ،‬حتى في المصادر التي يرجع إليها علي آل محسن (األمالي للطوسي‪:‬‬
‫ص‪ 252‬ــ مناقب آل أبي طالب‪ 131/1 :‬ــ المستجاد للعالمة الحلي‪ :‬ص‪ .)32‬وكذا‬
‫موقفه يوم الطائف واستنقاذه حنظلة بن الربيع من بين أيدي المشركين‪ ،‬كما بيناه‬
‫سابقا عند الحديث عن شجاعته‪ ،‬وكما سنكرر بعضه ثانيا عند الحديث عن عزة‬
‫العباس‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫معي أحد من أهل بيتي أصول به وال أقوى به‪ ،‬أما حمزة فقتل يوم‬
‫أحد‪ ،‬وأما جعفر قتل يوم مؤتة‪ ،‬وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين‬
‫حقيرين عاجزين‪ ،‬العباس وعقيل‪ ،‬وكانا قريبي العهد بكفر‪ ،‬فأكرهوني‬
‫وقهروني(‪.)1‬‬
‫‪ 1‬ــ روايات أشارت إل نزول آيات في القرآن ب مه‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ روى الكشي في ترجمة عبد اهلل بن العباس بإسناده عن أبي‬
‫جعفر ‪ ‬أنه نزل قوله تعالى‪( :‬ومن كان في هذه أعمى فهو في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص‪ ،510‬وعنه المجلسي في البحار‪ ،)203/52( :‬والبحراني‬
‫في البرهان‪ )552/2( :‬باختالف في بعض األلفاظ‪ .‬ونسبها على آل محسن في كتابه‬
‫هلل وللحقيقة‪ )102/1( :‬إلى رجال الكشي‪( :‬ص‪ ،)53‬ولم أعثر عليها في الرجال‪،‬‬
‫ونسبها الشيخ إحسان إلهي ظهير في كتابه الشيعة وأهل البيت‪( :‬ص‪ )502‬إلى‬
‫األنوار النعمانية‪ ،‬وإلى مجالس المؤمنين (ص‪ 53‬ط إيران القديم)‪ .‬باختالف في‬
‫بعض ألفاظها‪ ..‬ففيه‪ :‬وبقيت بين خلفين خائفين ذليلين حقيرين‪ ،‬العباس وعقيل‪.‬‬
‫ولعله تصحيف أو اختالف في النسخ‪.‬‬
‫وض َّعف علي آل محسن سند هذه الرواية في كتابه هلل وللحقيقة (‪ )102/1‬قائال‪ :‬إن‬
‫من رواتها جعفر بن معروف (الكشي)‪ ،‬وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال‪ .‬وقال‬
‫الخوئي في معجم رجال الحديث‪ )122/2( :‬في ترجمة جعفر بن معروف الكشي‪،‬‬
‫والتفرقة بينه وبين جعفر بن معروف السمرقندي‪ :‬إن من ترجمه الشيخ‪ ،‬ويروي عنه‬
‫الكشي كثيرا لم تثبت وثاقته‪ ،‬فإن الوكالة ال تالزم الوثاقة على ما تقدم في المدخل‪،‬‬
‫واعتماد الكشي عليه ال يثبت الوثاقة أيضا‪.‬‬
‫فيظهر مما سبق عدم وثاقة جعفر بن معروف الكشي محل الذكر‪ ،‬بل الظاهر من‬
‫الخوئي أنه رد بعض الروايات في معجمه نظرا لوجود جعفر بن معروف في إسنادها‪.‬‬
‫(راجع‪ :‬معجم رجال الحديث‪.)521/11 :‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اآلخرة أعمى وأضل سبيال)‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬وال ينفعكم نصحي إن‬
‫أردت أن أنصح لكم) في العباس بن عبد المطلب(‪.)1‬‬
‫عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى أبي فقال‪ :‬ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في‬
‫أي يوم نزلت وفيمن نزلت‪ ،‬قال أبي‪ :‬فسله فيمن نزلت؟ (ومن كان في‬
‫هذه أعمى فهو في اآلخرة أعمى وأضل سبيال) وفيمن نزلت‪( :‬وال‬
‫ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اهلل يريد أن يغويكم)‬
‫وفيمن نزلت‪( :‬يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) فأتاه الرجل‬
‫فغضب فقال‪ :‬وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به فأسائله‪ ،‬ولكن سله‪:‬‬
‫مم العرش‪ ،‬وفيم خلق‪ ،‬وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى أبي‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫قيل له‪ ،‬فقال أبى‪ :‬وهل أجابك في اآليات؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬لكني أجيبك‬
‫فيها بنور وعلم غير المدعى وال المنتحل‪ ،‬أما األوليان فنزلتا في أبيه‪،‬‬
‫وأما األخرى فنزلت في أبيه وفينا‪ ،‬ولم يكن الرباط الذي أمرنا به فعل‬
‫وسيكون من نسلنا المرابط‪ ،‬ومن نسله المرابط(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رجال الكشي‪( :‬اختيار معرفة الرجال) للطوسي‪ 552/1 ،‬رقم (‪ .)122‬وأوردها‬
‫الخوئي في معجم رجال الحديث‪ ،522/12 :‬واآلية األولى من سورة اإلسراء‪ 55/‬ــ‬
‫واآلية الثانية من سورة هود‪ .22/‬وض َّعف علي آل محسن سند هذه الرواية في كتابه‬
‫هلل وللحقيقة (‪ )102/1‬نظرا إلى عدم وثاقة جعفر بن معروف كما َّمر‪ .‬وأوردها القمي‬
‫في تفسيره (‪ )52/5‬بسند ليس فيه جعفر بن محمد‪ ،‬ولم يشر آل محسن إلى ذلك؛‬
‫ولعله لدفع التناقض واالضطراب الذي قد يوقعه فيه توثيقه لكل مشايخ علي بن‬
‫إبراهيم القمي‪ ،‬مما اضطره إلغضاء الطرف عنها‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير العياشي‪ ،122/5 :‬وعنه المجلسي في بحار األنوار‪ ،532/55 :‬و‪=.52/22‬‬

‫‪223‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 5‬ــ وروى الكشي في ترجمة عبيد اهلل بن العباس عن كتاب‬


‫الفضل بن شاذان‪ ،‬عن قيس بن سعد بن عبادة‪ :‬أنه قال‪ :‬إن هذا‬
‫(عبيد اهلل بن العباس) وأباه لم يأتيا قط بخير(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ــ وفي رجال الكشي عن الحسن بن علي أن قوله تعالى‪:‬‬
‫الع ِشير)‪ ،‬نزلت فيه ــ أي في العباس ــ(‪.)5‬‬
‫(فَلَ ِب ْئ َس المولى َول َ ِب ْئ َس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وأوردها البحراني في البرهان‪ ،202/2 :‬باختالف يسير‪ .‬والسند منقطع بين العياشي‬
‫(ت‪ )252‬وأبي الطفيل‪ .‬وأوردها الطوسي في رجال الكشي‪ )552/1( :‬من رواية‬
‫جعفر بن معروف‪ ،‬بسنده إلى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر‪ ،‬به‪ .‬وكذا الخوئي في‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،52/11 :‬وفي السند جعفر بن معروف الكشي‪ ،‬ولم تثبت وثاقته‬
‫كما تقدم‪ .‬وأوردها القمي في تفسيره‪ )52/5( :‬من طريق حماد بن عيسى بسنده عن‬
‫أبي الطفيل‪ ،‬ومن طريقه المفيد في االختصاص‪ .)115/1( :‬وفي السند‪ :‬حماد بن‬
‫عيسى وقد وثقه علماء اإلمامية (نقد الرجال للتفرشي‪ )120/5 :‬إال أن علماء أهل‬
‫السنة قد ضعفوه‪( .‬راجع‪ :‬ميزان االعتدال‪ 222/1 :‬ــ تهذيب الكمال‪.)535/5 :‬‬
‫وفيه أيضا‪ :‬إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني‪ .‬اختلف في وثاقته‪ ،‬فقال عنه النجاشي‪:‬‬
‫إنه شيخ من أصحابنا‪ ،‬ثقة‪ ،‬وقال ابن الغضائري‪ :‬إنه ضعيف جدا‪ ،‬وأورد العالمة‬
‫الحلي االختالف حول قبول روايته مرجحا قبولها‪ ،‬غير مستبعد للشك فيه‪ ،‬حيث‬
‫قال‪ :‬واألرجح عندي قبول روايته‪ ،‬وإن حصل بعض الشك بالطعن فيه‪( .‬خالصة‬
‫األقوال‪ :‬ص‪ .)21‬وانظر في بيان حاله‪ :‬نقد الرجال للتفرشي‪.)50/1( :‬‬
‫(‪ )1‬رجال الكشي‪ 222/1 :‬ــ بحار األنوار‪ .01/22 :‬وانظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪:‬‬
‫‪.522/12‬‬
‫(‪ )5‬رجال الكشي‪ .550/1 :‬وقال الخوئي بعد عرضه للرواية‪> :‬أقول‪ :‬الرواية ضعيفة بعدة‬
‫من رواتها<‪( .‬معجم رجال الحديث‪ .)525/11 :‬يقول علي آل محسن‪ :‬والرواية‬
‫ضعيفة السند‪ ،‬فإن من جملة رواتها‪ :‬أبو محمد بن عبد اهلل بن محمد اليماني‪ ،‬والظاهر‬
‫أنه أبو محمد عبد اهلل بن محمد اليماني بقرينة رواية حمدان بن سليمان عنه‪=،‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫* الرد عل الشبهة ومتضمناتها‪:‬‬


‫عم النبي ‪ ،‬الذي هو صنو أبيه‪،‬‬ ‫هكذا يتجرأ القوم على ّ‬
‫والذي كان الفاروق ‪ ‬يجله ويبجله ويستسقي به كما في البخاري‬
‫وغيره(‪.)1‬‬
‫هكذا يتجرؤون على أحد أفراد آل بيت النبي ‪ ،‬إن لم‬
‫يكن من أعاظمهم‪ ،‬حتى باعتراف مصادرهم‪ ،‬حينما سئل ‪‬‬

‫فمن أهل بيتك؟ قال‪ :‬آل على وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس(‪.)5‬‬
‫الصحابة الكرام يكرمون العباس ويتوسلون بدعائه والخوئي‬
‫وأضرابه يقذفونه بأقذع األوصاف وأقبح النعوت‪ ،‬وهذا ما أكده شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية حيث قال في وصفهم‪ :‬فَ ِإنَّ ُه ْم يُ َع ُادو َن ا ْل َع َّب َ‬
‫اس َو ُذ ِّريَّ َت ُه؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= فإنه يروي عن عبد اهلل بن محمد اليماني‪ ،‬وهو مجهول الحال‪ ،‬لم يُذكر في كتب‬
‫الرجال بمدح وال ذم‪( .‬معجم رجال الحديث‪ .)221/11 :‬وراجع‪( :‬مستدركات علم‬
‫رجال الحديث‪ 122/2 :‬ــ المفيد من معجم رجال الحديث‪ :‬الجواهري‪،223 ،‬‬
‫‪.)222‬‬
‫ومن جملة رواة هذا الخبر‪ :‬الحسين بن أبي الخطاب‪ ،‬وهو مجهول الحال أيضا‪ ،‬لم‬
‫يوثَّق في كتب الرجال‪.‬‬
‫قال المامقاني‪ :‬لم أقف فيه على توثيق أو مدح‪( .‬تنقيح المقال‪.)215/1 :‬‬
‫ومن جملة رواة هذا الخبر‪ :‬طاووس‪ ،‬وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال‪ .‬وعليه‬
‫فهذه الرواية ساقطة سندا‪ ،‬فال يصح االحتجاج بها في شيء‪( .‬راجع‪ :‬هلل وللحقيقة‪:‬‬
‫علي آل محسن‪.)102/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬ح (‪.)2512‬‬
‫(‪ )5‬كشف الغمة لإلربلي‪.22/1 ،‬‬

‫‪202‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ت َويُ ِعينُو َن ا ْل ُكف َ‬


‫َّار َعلَ ْيه ِْم(‪.)1‬‬ ‫ور أَ ْه ِل ا ْلب ْي ِ‬
‫َ‬ ‫بَ ْل يُ َع ُادو َن ُج ْم ُه َ‬
‫وواهلل إنه لخليق بمن هذا حاله أن ينطبق عليه قول النبي ‪:‬‬
‫عم الرجل صنو أبيه(‪.)5‬‬
‫من آذى العباس فقد آذاني‪ ،‬إنما ّ‬
‫وحديث >ستة لعنهم اهلل عز وجل ولعنهم كل نبي مجاب‪ :‬الزايد‬
‫في كتاب اهلل ــ إلى أن قال ــ والمست ِحل من عترتي ما َّ‬
‫حرم اهلل‪.‬‬
‫والمستحل حرم اهلل<(‪.)2‬‬
‫إن هذه الروايات هم أولى الناس بها‪..‬‬
‫والناظر إلى هذه الروايات وبخاصة رواية الكليني يجد أنها‬
‫الذم في العباس لموقفه كما يزعمون يوم السقيفة وبعده‪،‬‬
‫خرجت مخرج ّ‬
‫وامتناعه عن مناصرة علي في حقه باإلمامة على ح ِّد زعمهم‪ ،‬فهي في‬
‫أصلها مبنية على عقيدة النص وأحقية علي باألمر بعد النبي ‪.‬‬
‫وهذا هو ما يعرف بالبناء العام للشبهة‪.‬‬
‫والرد على هذه الشبه سينتظم من خالل عدة أمور‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ بطالن مبتنى الشبهة وهي عقيدة النص والوصية‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ إثبات مكانة العباس وعزته‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ العباس لم يكن من الطلقاء‬
‫‪ 2‬ــ بطالن ما ادعوه على العباس في قضية فدك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفتاوى الكبرى‪.213/2 :‬‬
‫(‪ )5‬األمالي‪ :‬الطوسي‪.532/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬الخصال‪ :‬ص‪ ،222‬االحتجاج للطبرسي‪ ،211/5 :‬بحار األنوار‪.522/2 :‬‬

‫‪201‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 6‬ـ تهافت البناء العام للشبهة‪:‬‬


‫الجو العام للشبهة برواياتها يدور حول هضم الصحابة لحق علي‬
‫في اإلمامة واستذالله بعدم تمكينه منها وعدم نصرة العباس له؛ نتيجة‬
‫لذلته وجبنه وعدم اكتراث الصحابة بشأنه‪.‬‬
‫والرد على هذا الزعم يتضمن نقض مسألة ثبوت النص على إمامة‬
‫علي‪ ،‬وبالتالي بطالن ما بني عليها من خور العباس وذلته لعدم مناصرته‬
‫لعلي في استحقاقه لإلمامة النصية‪ ،‬حيث ال نص وبالتالي ال ذلة الحقة‬
‫بالعباس لتخلفه عن نصرة علي‪ ،‬حسب ادعاء القوم‪.‬‬

‫* نقض النص عل إمامة علي‪:‬‬


‫وبالبحث نجد أنه لم يحدث أن نقل لنا الصحابة نصا صريحا‬
‫صحيحا عن النبي ‪ ‬يفيد بأن عليا هو اإلمام من بعده‪ ،‬وال‬
‫يُتصور ــ بحا ٍل من األحوال ــ أن الصحابة الذين حملوا الدين على‬
‫وضحوا في سبيله بأرواحهم وأبدانهم وأوالدهم وأموالهم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫أكتافهم‪،‬‬
‫ونقلوا إلينا ما صدر عن النبي ‪ ‬من قوله وفعله وأمره وأكله‬
‫وشربه وصحوه ونومه وسائر أحواله ‪ ،‬ال يتصور منهم‪ ،‬والحال‬
‫هذه أن يُحجموا عن نقل نص النبي ‪ ‬على إمامة علي بن أبي‬
‫طالب على فرض وجوده‪ ،‬فلو أشار النبي ‪ ‬على أن علي هو‬
‫اإلمام من بعده‪ ،‬ولو بكلمة واحدة‪ ،‬لتلقَّف الصحابة هذه الكلمة‬

‫‪205‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ونقلوها إلينا كما ذكرها ‪ ‬دون ٍ‬


‫زيادة أو نقصان‪ ،‬ولكن قد أثبتت‬
‫القواطع التاريخية والنقل المتواتر أن النبي ‪ ‬لم ينص على إمامة‬
‫عل ٍي للمسلمين‪.‬‬
‫وإن كان هناك نص فما الداعي لهضمه من قِبل الصحابة‪ ،‬وبخاصة‬
‫وأنهم أحباب علي وأصهاره‪ ،‬ولم يكن بينهم وبينه إال الحب والمودة‬
‫واإلخاء‪.‬‬
‫فهذا علي يسمي أبناءه باسم أبي بكر وعمر وعثمان‪ ،‬وكذا أبناؤه‬
‫يقتدون به من بعده(‪.)3‬‬
‫وها هو عمر يبادر بالزواج من أم كلثوم بنت علي وفاطمة‪ ،‬طمعا‬
‫في الصلة بنسب النبي ‪.)1(‬‬
‫ويناقش اإلمام الباقالني دعوى النص على إمامة علي بن أبي طالب‬
‫نص النبي ‪ ‬على‬ ‫ويقول‪ :‬والذى يدل على إبطال النص أنه لو َّ‬
‫إمامٍ بعينه وفرض طاعته على األمة دون غيره‪ ،‬وقال لهم‪ :‬هذا خليفتي‬
‫واإلمام من بعدي‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا‪ ،‬لكان ال يخلو أن يكون قال‬
‫ذلك وفرضه بمحضر من الصحابة‪ ،‬أو الجمهور منهم‪ ،‬أو بحضرة الواحد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬المحبر البن حبيب‪ ،‬ص ‪ 222 ،222‬ــ عمدة الطالب البن عنبة‪ ،‬ص ‪222‬‬
‫ــ كشف الغمة لألربلي‪ 530/5 ،05/5 ،‬ــ منتهى اآلمال لعباس القمي‪ 501/1 ،‬ــ‬
‫‪ 505‬ــ نسب قريش‪ :‬للزبيري‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬تاريخ اإلسالم للذهبي‪ 23/5 ،‬ــ األصيلي البن الطقطقي‪ ،‬ص ‪ 23‬ــ أعيان‬
‫الشيعة لمحسن األمين‪.220/2 ،‬‬

‫‪202‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫واالثنين ومن ال يوجب خبره العلم‪ ،‬فإن كان قد أعلن ذلك وأظهره وقاله‬
‫قوال ذائعا فيهم وجب أن ينقل ذلك نقل مثله مما شاع وذاع من نحو‬
‫الصلوات وفرض الحج والصيام وغيرهما من العبادات التي ال اختالف‬
‫بين األمة في أنها مشروعة مفروضة في دين النبي ‪ ،‬سيما إن‬
‫كان فرض اإلمامة من الفرائض العامة الالزمة لكل أحد في عينه‪ ،‬وكان‬
‫النص من النبي أمرا عظيما وخطرا جسيما ال ينكتم مثله وال يستتر عن‬
‫الناس علمه‪ ،‬مع العلم بأن األمة قد نقلت بأسرها تولية النبي ‪‬‬

‫لزيد بن حارثة وألسامة بن زيد وعبد اهلل بن رواحة وعمرو بن العاص‬


‫وألبي موسى األشعري وعمرو بن حزم وغير هؤالء من أمرائه وقضاته‪،‬‬
‫حتى لم يذهب علمه على أح ٍد من أهل العلم واألخبار‪ ،‬والنص منه‬
‫‪ ‬على إمامٍ على صفة ما ي َّدعيه (القوم) من التصريح واإلظهار‬
‫أعظم وأخطر من تولية األمراء والقضاة‪ ،‬وتوفر الدواعي على نقلة أكثر‪،‬‬
‫وإذا كان ذلك كذلك وجب لو كان األمر على ما قالوه أن يغلب نقل‬
‫النص من الكافة على كتمانه وأن يظهر وينقله خلف عن سلف إلى وقتنا‬
‫هذا نقالَ شائعا ذائعا يكون أول نقلته ووسطهم وآخرهم سواء في أنهم‬
‫جميعا حجة يجب العلم عند نقلهم‪ ،‬ولو كان ذلك كذلك لوجب أن‬
‫يعلم ضرورة صدق (القوم) فيما نقلوه من النص‪ ،‬وأال يوجد لهم‬
‫مخالف من األمة يوفى على عددهم ينكر النص ويجحد علمه‪ ،‬كما لم‬
‫يوجد فيها من ينكر فرض الصالة والصيام‪ ،‬وإمرة أسامة بن زيد وزيد‬
‫ابن حارثة‪ ،‬وفي العلم ببطالن هذا ووجود أنفسنا غير مضطرة له‬

‫‪202‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وال عالمة به‪ ،‬وعلمنا بأن جمهور األمة والسواد األعظم منها ينكر ذلك‬
‫ويجحده ويبرأ من الدائن به‪ ،‬ورأينا أكثر القائلين بفضل علي ‪ ‬من‬
‫الزيدية ومعتزلة البغداديين وغيرهم ينكر النص عليه ويجحده مع تفضيله‬
‫عليا على غيره‪ ،‬وزوال التهمة عنه في بابه أوضح دليل على سقوط ما‬
‫نص عليه النص الذى‬‫ذهبوا إليه وبطالنه‪ ...‬وإن كان الرسول ‪َّ ‬‬
‫يدعونه بمحض ٍر من الواحد واالثنين ومن يجوز الكذب والسهو عليه‬
‫ولم يذع ذلك ويشعه‪ ،‬فال سبيل إذا لنا إلى العلم والقطع على أن النبي‬
‫نص على رجل بعينه‪ ،‬وألزم فرض طاعته دون غيره‪ ،‬إذ كان‬ ‫‪ّ ‬‬
‫إنما نقل ذلك في األصل عن الرسول‪ ‬من ال يجب العلم‬
‫بصدقه‪ ،‬ومن يجوز دخول الغلط والسهو عليه<(‪.)1‬‬
‫وهذا النص السابق تم نقله رغم طوله؛ لداللته العقلية الواضحة‬
‫على أن النبي ‪ ‬لحق بربه دون أن ينص على إمامة علي أو‬
‫خالفته‪ ،‬والواقع يشهد بخلو القرآن الكريم والسنة الصحيحة مما يؤيد‬
‫نص‬‫دعوى النص على اإلمامة لعلى‪ ،‬ولو حدث أن النبي ‪ّ ‬‬
‫على هذا لعلمه الصحابة وتلقفته بالقبول‪ ،‬والتزمت األمة جميعا باإلقرار‬
‫به والتسليم بصحته‪.‬‬
‫ص من قبل النبي‬‫ويرد اإلمام ابن حزم على من ي َّدعى وجود ن ٍ‬
‫‪ ‬يخص فيه علي بن أبي طالب باإلمامة من بعده فيقول‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪ :‬أبو بكر الباقالني‪ 225 ،‬ــ ‪ 222‬بتصرف‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫نص صريح‪ ،‬فما الذى منع اإلمام علي والصحابة‬ ‫>ولو كان هناك ّ‬
‫من الكالم؟ وال يجوز أن يُظن بعلي ‪ ‬أنه أمسك عن ذكر النص‬
‫عليه خوف الموت‪ ،‬وهو األسد شجاعة قد عرض نفسه للموت بين‬
‫يدي رسول اهلل ‪ ‬مرات‪ ،‬ثم يوم الجمل وصفين‪ ،‬فما الذى‬
‫جبنه بين هاتين الحالتين؟ وما الذى ألَّف بين بصائر الناس على كتمان‬
‫حق علي‪ ،‬ومنعه ما هو أحق به مذ مات الرسول ‪ ‬إلى أن قتل‬
‫عثمان ‪‬؟ ثم ما الذي جلى بصائرهم في عونه‪ ،‬إذ دعا إلى نفسه‬
‫فقامت معه طوائف من المسلمين عظيمة‪ ،‬وبذلوا دماءهم دونه‪ ،‬ورأوه‬
‫حينئذ صاحب األمر‪ ،‬واألولى بالحق ممن نازعه؟ فما الذي منعه‬
‫ومنعهم من الكالم وإظهار النص الذى يدعيه الكذابون إذ مات عمر‬
‫س ثالثة أيام؟ أو يوم السقيفة؟‪ ...‬ثم ُول ِّي‬‫‪ ‬وبقى الناس بال رأ ٍ‬
‫غير حكما من أحكام أبي بك ٍر وعمر وعثمان‪ ،‬وال أبطل عهدا‬ ‫علي فما َّ‬
‫من عهودهم‪ ،‬ولو كان ذلك عنده باطال لما كان في سعة من أن يمضي‬
‫الباطل وينفذه وقد ارتفعت التقية عنه<(‪.)1‬‬
‫وبعد هذه المناقشة التي عقدها اإلمام ابن حزم مع من ي َّدعون‬
‫ص من النبي ‪ ‬لعل ٍى باإلمامة‪ ،‬تبين أن مجرد فرض‬ ‫بوجود ن ٍ‬
‫وجود هذا النص وإنكار الصحابة له‪ ،‬أو إحجامهم عن التصريح به‪ ،‬ما‬
‫هو إال ضرب من الخيال والوهم الذى ترفضه العقول وال يستسيغه أي‬
‫مسلم يحترم عقله ويجل صحابة نبيه ‪ .‬وهذا ما أجمع عليه‬
‫علماء أهل السنة ودونوه بأقالمهم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن حزم‪ :‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ 53/2 ،‬بتصرف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫يقول اإلمام ابن تيمية‪> :‬إن أهل العلم يعلمون باالضطرار أن النبي‬
‫‪ ‬لم يبلغ شيئا من إمامة علي‪ ،‬ولهم على ذلك طرق كثيرة‬
‫يثبتون بها هذا العلم‪ ،‬منها أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله‪،‬‬
‫فلو كان له أصل لنُقل كما نقل أمثاله من حديثه‪ ،‬ال سيما مع كثرة ما‬
‫ينقل من فضائل علي من الكذب الذى ال أصل له‪ ،‬فكيف ال ينقل‬
‫الحق الصدق الذى قد بلغ الناس‪ ،‬وألن النبي ‪ ‬أمر أمته بتبليغ‬
‫ما سمعوا منه فال يجوز عليهم كتمان ما أمرهم اهلل بتبليغه<(‪.)1‬‬
‫ويستفاد من مجموع النقول السابقة انتفاء أحقية علي بن أبي طالب‬
‫ص من النبي‬
‫‪ ‬بالخالفة بعد رسول اهلل ‪ ‬بناء على ن ٍ‬
‫‪ ‬أو أي شي ٍء من هذا القبيل‪ ،‬وهذا ما دلت عليه بعض‬
‫الروايات الصحيحة‪ ،‬بل هذا ما ذكره اإلمام على نفسه‪.‬‬
‫فقد روى اإلمام مسلم بسنده عن أبي ال ُّط َف ْي ِل َعا ِم ُر ْب ُن َواثِلَ َة‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫> ُك ْن ُت ِع ْن َد َعلِ ِّي ْب ِن أَبِي طَالِ ٍب‪ ،‬فَأَ َت ُاه َر ُجل‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ما َكا َن النَّب ُِّي‬
‫‪ ‬يُ ِس ُّر ِإل َ ْي َك‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َغ ِض َب‪َ ،‬وقَ َال‪َ :‬ما َكا َن النَّب ُِّي ‪ ‬يُ ِس ُّر‬
‫ات أَ ْربَ ٍع‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َق َال‪َ :‬ما‬ ‫اس‪َ ،‬غ ْير أَنَّ ُه قَ ْد َح َّدثَ ِني بِ َكلِ َم ٍ‬
‫ِإل َ َّي َش ْيئا يَ ْك ُت ُم ُه النَّ َ‬
‫َ‬
‫ين؟ قَ َال‪ :‬قَ َال‪> :‬ل َ َع َن اهللُ َم ْن ل َ َع َن َوالِ َد ُه‪َ ،‬ول َ َع َن اهللُ َم ْن‬‫ُه َّن يَا أَ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫َذبَ َح لِ َغ ْي ِر اهلل ِ‪َ ،‬ول َ َع َن اهللُ َم ْن َآوى ُم ْح ِدثا‪َ ،‬ول َ َع َن اهللُ َم ْن َغ َّي َر َمنَ َار‬
‫ض<(‪.)5‬‬ ‫ْاألَ ْر ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ :‬منهاج السنة النبوية‪.23/5 ،‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب تحريم الذبح لغير اهلل تعالى‪ ،‬ح (‪=)1253‬‬

‫‪205‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وروى اإلمام البخاري بسنده َع ِن األَ ْس َودِ‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ذ َك ُروا ِع ْن َد َعائِ َش َة‬
‫أَ َّن َعلِ ًّيا ‪َ ‬كا َن َو ِص ًّيا‪ ،‬فَ َقال َ ْت‪َ > :‬م َتى أَ ْو َصى ِإل َ ْيه ِ‪َ ،‬وقَ ْد ُك ْن ُت ُم ْس ِن َد َت ُه‬
‫ت‪ ،‬فَلَ َق ْد ا ْن َخنَ َث(‪ِ )1‬في‬ ‫ِإلَى َص ْدرِي؟ ــ أَ ْو قَال َ ْت‪َ :‬ح ْجرِي ــ فَ َد َعا بِالطَّ ْس ِ‬
‫ات‪ ،‬فَ َم َتى أَ ْو َصى ِإل َ ْيه ِ؟<(‪.)5‬‬ ‫َح ْجرِي‪ ،‬فَ َما َش َع ْر ُت أَنَّ ُه قَ ْد َم َ‬
‫الش ْعب ِِّي‪َ ،‬ع ْن َش ِقي ٍق بن سلمة‪،‬‬ ‫وروى البزار في مسنده بسنده َع ِن َّ‬
‫قَ َال‪ :‬قِ َيل لِ َعلِي ‪ :‬أَ َال َت ْس َت ْخلِ ُف َعلَ ْينَا؟ قَ َال‪َ > :‬ما ْاس َت ْخلَ َف َر ُس ُ‬
‫ول‬
‫اهلل ِ ‪ ‬فَأَ ْس َت ْخلِ َف َعلَ ْي ُك ْم‪َ ،‬و ِإ ْن يُرِدِ اهللُ َت َب َار َك َو َت َعالَى بِالنَّا ِ‬
‫س‬
‫َخ ْيرا‪ ،‬فَ َس َي ْج َم ُع ُه ْم َعلَى َخ ْيرِ ِه ْم َك َما َج َم َع ُه ْم بَ ْع َد نَبِيِّه ِْم ‪َ ‬علَى‬
‫َخ ْيرِ ِه ْم<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ‪ 1205/2‬ــ والنسائي في السنن‪ :‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب من ذبح لغير اهلل ــ ع َّز وجل ــ‬
‫ح (‪ 525/5 )2255‬ـ وأحمد في المسند‪ :‬كتاب مسند العشرة المبشرين بالجنة‪،‬‬
‫باب مسند على بن أبى طالب‪ ،‬ح (‪( .)325‬والمحدث بكسر الدال فهو من يأتي‬
‫بفساد في األرض‪ ،‬ومنار األرض بفتح الميم عالماتها وحدودها) انظر‪ :‬شرح النووي‬
‫على صحيح مسلم‪.121/12 ،‬‬
‫(‪ )1‬انخنث‪ :‬انكسر وانثنى السترخاء أعضائه عند الموت‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الوصايا‪ ،‬باب الوصايا وقول النبي ‪ ‬وصية الرجل مكتوبة‬
‫عنده‪ ،‬ح (‪ )5521‬ومسلم‪ :‬كتاب الوصية‪ ،‬باب ترك الوصية لمن ليس له شيء‬
‫يوصى فيه‪ ،‬ح (‪ )1020‬ـ والنسائي‪ :‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب البول في الطست‪ ،‬ح‬
‫(‪ )22‬ـ ابن ماجه‪ :‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب ما جاء في ذكر مرض رسول اهلل ‪ ،‬ح‬
‫(‪ )1050‬ـ وأحمد‪ :‬كتاب باقي مسند األنصار‪ ،‬باب مسند الصديقة عائشة‪ ،‬ح‬
‫(‪.)52222‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البزار في مسنده‪ ،130/5 :‬ح (‪ )202‬واآلجري في الشريعة‪=،1513/2 :‬‬

‫‪203‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫فهذه الروايات السابقة تقطع وتجزم بأن النبي ‪ ‬قد لحق‬


‫بالرفيق األعلى دون أن يوصي لعلي بالخالفة‪ ،‬وهذا ما رواه الصحابة‪،‬‬
‫وما كانوا يعتقدونه‪ ،‬بل هو ما كان يعتقده علي والعباس‪ ،‬وهذا واضح‬
‫في رواية البخاري في مرض النبي ‪ ‬وطلب العباس من علي أن‬
‫يذهبا إلى النبي ‪ ‬ويسأالنه عن األمر فيمن يكون؟ وفيه قول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العباس‪ :‬ا ْذ َه ْب بِنَا ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ‪ ‬فَنَ ْسأَل َ ُه ف َ‬
‫يم ْن يَ ُكو ُن ْاألَ ْم ُر فَ ِإ ْن‬
‫َكا َن ِفينَا َعلِ ْمنَا َذلِ َك َو ِإ ْن َكا َن ِفي َغيرِنَا أَمرنَ ُاه فَأَ ْو َصى بِنَا قَ َال َعلِي‪َ :‬واهلل ِ‬
‫ْ َْ‬
‫اس أَبَدا َو ِإنِّي َال‬ ‫اها النَّ ُ‬‫ول اهلل ِ ‪ ‬فَ َي ْمنَ ُعنَا َال يُ ْع ِطينَ َ‬
‫اها َر ُس َ‬ ‫ل َ ِئ ْن َسأَ ْلنَ َ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ‬أَبَدا(‪.)1‬‬
‫أَ ْسأَل ُ َها َر ُس َ‬
‫والحاصل من كل ما سبق انتفاء النص عل إمامة علي بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬وهو أيض ًا ما روته بعض مصادر ال الة المعتمدة‪.‬‬
‫فقد ورد في >نهج البالغة< المنسوب إلى اإلمام على أن اإلمام‬
‫عليا خاطب الناس حين تجمعوا عليه بعد مقتل عثمان ‪ ‬وطلبوا منه‬
‫ُملحين بأن يقبل البيعة ــ وقال‪ :‬دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون‬
‫أمرا له وجوه وألوان‪ ،‬ال تقوم له القلوب‪ ،‬وال تثبت عليه العقول‪..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اإل ْسنَادِ‪َ ،‬ول َ ْم‬
‫يح ْ ِ‬ ‫= والحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2205‬وقال‪َ :‬ه َذا َح ِديث َص ِح ُ‬
‫يُ َخ ِّر َج ُاه‪ ،‬والبيهقي في الشعب‪ ،202/2 :‬وقال الهيثمي في المجمع‪،25/2 :‬‬
‫ِث‪،‬‬ ‫الص ِحي ِح َغ ْير ِإ ْس َما ِع َيل ْب ِن أَبِي ا ْل َحار ِ‬
‫ح (‪َ )12222‬ر َو ُاه ا ْل َب َّز ُار‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ر َِجالُ َّ‬
‫ُ‬
‫َو ُه َو ثِ َقة‪.‬‬
‫وه‪.‬‬‫وذكره ابن كثير في البداية والنهاية‪ )521/2( ،‬وقال‪ِ :‬إ ْسنَاد َجيِّد َول َ ْم يُ َخ ِّر ُج ُ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪.)2135‬‬

‫‪202‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫واعلموا أنى إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل‬
‫وعتب العاتب‪ ،‬وإن تركتموني فأنا كأحدكم‪ ،‬ولعلي أسمعكم وأطوعكم‬
‫لمن وليتموه أمركم‪ ،‬وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا<(‪.)1‬‬
‫وكتب اإلمام علي ‪ ‬إلى طلحة والزبير ‪ ‬بعد بيعته‬
‫بالخالفة يقول لهما >‪ ...‬واهلل ما كانت لي في الخالفة رغبة‪ ،‬وال في‬
‫الوالية إربة‪ ،‬ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها‪.)5(<..‬‬
‫وكتب إليهما ــ أيضا ــ كتابا قال فيه‪ :‬أما بعد‪ :‬فقد علمتما ــ وإن‬
‫كتمتما ــ أنى لم أُرد الناس حتى أرادوني‪ ،‬ولم أبايعهم حتى بايعوني‪،‬‬
‫طائعين‪ ،‬فارجعا وتوبا إلى اهلل من قريب‪ ،‬وإن‬ ‫وإنكما ممن بايعتماني َ‬
‫كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة‬‫كنتما بايعتماني َ‬
‫وإسراركما المعصية(‪.)2‬‬
‫فيا ُترى ماذا يقول علماء القوم في هذه األقوال الصادرة من اإلمام‬
‫علي نفسه حسب اعتقادهم؟ والتي تؤكد بطالن دعوى النص على‬
‫إمامته‪ ،‬حيث طلب من الناس أن يتركوه وشأنه وأن يلتمسوا غيره‪،‬‬
‫وأعلن عدم رغبته في الخالفة والوالية‪ ،‬وأن ما دفعه إليها إال إلحاح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نهج البالغة‪ :‬المنسوب إلى اإلمام على بن أبى طالب‪ ،‬جمعه‪ :‬الشريف الرضى‪،‬‬
‫‪ 135 ،131/1‬بتصرف‪ .‬شرح وتعليق‪ :‬األستاذ اإلمام محمد عبده‪ ،‬مؤسسة األعلمي‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫(‪ )5‬المصدر السابق‪.132/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق‪.111/2 :‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫نص بإمامته أكان يتثاقل عن إظهاره‬


‫الناس عليه‪ ،‬فهل لو كان هناك ّ‬
‫واالحتجاج به على من سبقه؟‪.‬‬
‫ص من قِبل النبي‬‫فدل هذا ــ أيضا ــ على عدم ثبوت أي ن ٍ‬
‫‪ ‬على إمامة علي‪ ،‬كما دل استنتاجا على عدم نكوص العباس‬
‫عن نصرة علي في هذا األمر بداع من الذلة أو الجبن كما ذكر الغالة؛‬
‫ألن النص أصال معدوم ال وجود له‪ ،‬وبعدمه بطل علم العباس به‪ ،‬إذ‬
‫كيف يعلم المعدوم؟‬
‫كان هذا فيما يتعلق بنقض البناء العام للشبهة أما فيما يتعلق‬
‫بفرعياتها فإليك البيان‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 2‬ـ نقض ذلة العباس وبيان عزته‪:‬‬


‫(العباس من أع ِّز قريش وأشجعها)‬
‫زعم الخوئي من خالل أساطير رويت في مصادره أن العباس كان‬
‫ذليال جبانا‪ ،‬ضعيفا مغلوبا على أمره‪ ،‬وواهلل هذا هو الهذيان بعينه بال‬
‫دليل‪ ،‬إال مجرد الرأي الفاسد والروايات المكذوبة‪ ،‬وما خرج هذا‬
‫الهذيان إال عن ذهن بارد وهوى متبع وهو أقل من أن يرد‪ ،‬والبرهان‬
‫على خالفه أظهر وأشهر‪ ،‬ولوال أن الرجل رأسا في مذهبه ما كلفنا‬
‫أنفسنا عناء قراءة ما سطره بله الرد عليه‪.‬‬
‫وقد َّمر معنا فيما سبق الحديث عن مكانة العباس عند قريش‬
‫وغيرهم قبل اإلسالم وبعده‪ ،‬وكيف كان مطاعا عندهم‪ ،‬وباألخص‬
‫مكانته عند رسول اهلل ‪ ،‬وعند أصحابه‪ ،‬وكيف كانوا يحترمونه‬
‫ويجلونه ويقرون بفضله‪ ،‬ويراعون مكانته من النبي ‪.‬‬
‫وال مانع من تكرار بعض ما سلف لفائدته في بيان تهافت ما ذكره‬
‫الخوئي‪.‬‬
‫يقول المحب الطبري في الذخائر‪ :‬وكان العباس في الجاهلية‬
‫رئيسا في قريش وإليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد أبى‬
‫طالب‪ ...‬ذكره الزبير بن بكار وغيره من علماء النسب(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى‪ :‬محب الدين الطبري‪ ،‬ص‪ .130‬وراجع‪:‬‬
‫المنمق‪ :‬ص‪ 23‬ــ تاريخ اإلسالم‪.252/2 :‬‬

‫‪255‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وج ْفنة‬
‫وقال ال ُّزبَ ْير ْبن بكار‪ :‬كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم َ‬
‫ويبذُل المال‪ ،‬ويُعطي في النَّوائب(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫لجائعهم‪ ،‬وكان يمنع الجار‪،‬‬
‫أهذه فعال رجل ذليل‪ ،‬يطعم الجائع‪ ،‬ويمنع الجار‪ ،‬ويعطي في‬
‫النوائب والملمات؟‬
‫العباس أعظم الناس عند رسول اللَّه ‪ّ ،‬‬
‫والصحابة‬ ‫وكان ّ‬
‫يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه‪ ،‬ويأخذون رأيه(‪.)5‬‬
‫ومر معنا قول الصفدي وفيه‪ :‬ولم يمر ــ أي العباس ــ بعمر وال‬
‫َّ‬
‫بعثمان وهما راكبان إال نزال إجالال له‪ ،‬ويقوالن‪ :‬عم النبي ‪.)2(‬‬
‫أما عن شبهة جبنه فكان العباس أبعد الناس عن ذلك وراجع‬
‫موقفه يوم العقبة وخروجه مع النبي ‪ ‬في هذا الوقت المبكر‬
‫نسبيا‪ ،‬حيث كثرة األذى وتربص المتربصين‪.‬‬
‫وكذلك موقفه يوم حنين وثباته مع النبي ‪ ‬رغم فرار من َّفر‬
‫أول األمر ممن كان حول النبي ‪.)2(‬‬
‫العباس حنظلة بن الربيع من بين أيدي‬
‫ُ‬ ‫ويوم حصار الطائف أنقذ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ اإلسالم‪.252/2 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلصابة‪ .215/2 :‬لبيان مكانة العباس وعزته راجع ص ‪ 212‬ــ ‪ 222‬من هذا‬ ‫(‪)5‬‬
‫البحث‪.‬‬
‫الوافي ‪ 201/10‬ــ تهذيب التهذيب‪ :‬ابن حجر العسقالني‪.152/2 ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫لبيان شجاعة العباس وإقدامه راجع ص ‪.222‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫مشركي الطائف لما احتملوه ليدخلوه حصنهم‪ ،‬واختطفه من أيديهم‪،‬‬


‫ولم يأبه بحجارتهم وال برماحهم التي أمطروه بها من الحصن(‪.)1‬‬
‫وفي قصة ميزابه الذي اقتلعه عمر ومعارضة العباس له‪ ،‬وكذا داره‬
‫التي أراد عمر توسعة المسجد بها‪ ..‬في هاتين الحادثتين ما يدحض‬
‫شبهة الخور والجبن من أساسها ويقتلعها من جذورها(‪.)5‬‬
‫فأين الجبن إذا وأين الخور والذلة؟‬
‫إن الخوئي بنى نظرته هذه إلى العباس كما ألمحنا سابقا بناء على‬
‫موقفه يوم السقيفة وفي فدك‪ ،‬وعن السقيفة نقول‪ :‬إن العباس لو كان‬
‫يرى لعلي حقا في الخالفة لناصره وأيده‪ ،‬ال سيما مع ما َّمر من مواقف‬
‫سابقة على يوم السقيفة والحقة له‪ ،‬تظهر فيها شجاعة العباس وإقدامه‪،‬‬
‫وتقدير الصحابة له‪.‬‬
‫أما موقفه من فدك فاألمر ليس على ما ساقه الخوئي‪ ،‬فقد طالب‬
‫العباس بفدك بادئ األمر السيما وهو أحد الورثة‪ ،‬ولما تبين له انتفاء‬
‫أحقيته وفاطمة بها رجع عن طلبه‪ ،‬وهذا ما سنعرض له بشيء من‬
‫التفصيل تحت عنوان‪ :‬العباس وفدك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ .222 /50 :‬كنز العمال‪ ،222/12 :‬ح (‪.)22522‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪( :‬ص ‪ 222‬وما بعدها‪ ،‬و ص ‪ 025‬وما بعدها) من هذا البحث‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 3‬ـ العباس ليس من الطلقاء‪:‬‬


‫زعم الخوئي في شبهته السابقة بناء على الرواية المنسوبة إلى أبي‬
‫جعفر أن العباس كان من الطلقاء‪ ،‬ووافقه على ذلك علي آل محسن‪.‬‬
‫وبتتبع ما ذكره الخوئي مع ضميمة ما ذكره علي آل محسن نجده‬
‫ال أساس له من الصحة‪ ،‬فالعباس لم يكن من الطلقاء‪ ،‬فقد ثبت إسالمه‬
‫وهجرته قبل الفتح‪ ،‬فكيف يكون من الطلقاء؟‬
‫ين أَ ْسلَ ُموا ِم ْن أَ ْه ِل َم َّك َة يَ ْو َم ا ْل َف ْت ِح ُس ُّموا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫(‪)1‬‬
‫والمراد بالطلقاء‬
‫بِ َذلِ َك؛ ِألَ َّن النَّب َِّي ‪َ ‬م َّن َعلَ ْيه ِْم َوأَ ْطلَ َق ُه ْم(‪.)5‬‬
‫قال ابن حجر‪َ :‬وا ْل ُم َر ُاد بِال ُّطلَ َق ِاء َج ْم ُع َطلِي ٍق َم ْن َح َص َل ِم َن النَّب ِِّي‬
‫اع ُه ْم(‪.)2‬‬ ‫‪ ‬ا ْل َم ُّن َعلَ ْيه ِ يَ ْو َم فَ ْت ِح َم َّك َة ِم ْن قُ َر ْي ٍ‬
‫ش َوأَ ْت َب ُ‬
‫وأصل ذلك‪ :‬أنه لما فتح اهلل مكة لنبيه واجتمع صناديد قريش في‬
‫المسجد قَ َال ل َ ُه ْم النبي ‪َ > :‬ما َت َر ْو َن أَنِّي َصانِع بِ ُك ْم؟< قَالُوا‪:‬‬
‫اء<(‪.)2‬‬ ‫َخ ْيرا‪ ،‬أَخ َكرِيم َو ْاب ُن أَ ٍخ َكرِي ٍم‪ .‬قَ َال‪> :‬ا ْذ َه ُبوا فَأَ ْن ُت ُم الطُّلَ َق ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهناك من أرجع كلمة الطلقاء الواردة في الرواية في حق العباس وعقيل إلى إطالقهما‬ ‫(‪)1‬‬
‫من األسر بعد غزوة بدر‪ ،‬كما فعل محقق مرآة العقول (جعفر الحسيني) حيث قال‪:‬‬
‫قوله عليه السالم‪( :‬وكانا من الطلقاء) أي أطلقهما النبي ‪ ‬في غزاة بدر بعد‬
‫أسرهما‪ ،‬وأخذ الفداء منهما‪( .‬راجع مرآة العقول‪ :‬حاشية ‪.)32/50‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووي‪.133/15 :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫فتح الباري‪.23/3 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫السنن الكبرى للبيهقي‪ :‬ح (‪ )13552‬ونقله الحافظ ابن كثير في >البداية والنهاية<‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ 222/2‬ــ ‪ )221‬ساكتا عليه‪ ..‬وضعفه األلباني‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫والعباس لم يكن منهم فقد أسلم قبل هذا على اختالف بين‬
‫العلماء في تحديد الوقت الفعلي الذي أسلم فيه‪ ،‬إال أنهم متفقون على‬
‫أنه لم يكن من الطلقاء‪.‬‬
‫ومر معنا اختالف العلماء في توقيت إسالم العباس وأن أقوالهم‬
‫ّ‬
‫راجعة إلى ستة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬إسالمه قبل الهجرة وإخفاؤه أمر إسالمه التزاما‬
‫باتفاق بينه وبين النبي ‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬إسالم العباس بعد هجرة النبي ‪ ‬وقبل بدر‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أ ّن إسالم العباس كان بعد غزوة بدر مباشرة‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬إسالمه قبل فتح خيبر وهجرته بعد فتح مكة‪.‬‬
‫القول الخامس‪ :‬إسالمه عام الفتح‪.‬‬
‫القول السادس‪ :‬إسالمه بعد الفتح‪.‬‬
‫فأغلب هذه األقوال في إسالمه نقلت إسالمه قبيل الفتح‪ ،‬فكيف‬
‫يدعي الخوئي ومن َّلف لفيفه أن العباس من الطلقاء(‪)1‬؟‪.‬‬
‫وقد ر ّد الذهبي هذا الزعم حيث قال عن العباس‪ :‬وليس هو في‬
‫عداد الطلقاء؛ فإنه كان قد قدم إلى النبي ‪ ‬قبل الفتح؛ أال تراه‬
‫أجار أبا سفيان بن حرب(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع المبحث الخاص بإسالم العباس‪.‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪.232/2 :‬‬

‫‪250‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ثم َج َاء ِإلَى النَّب ِِّي ـ ‪ ‬ـ‬


‫ويقول في السير في ترجمة العباس‪َّ :‬‬
‫اجرا قُ َب ْي َل فَ ْت ِح َم َّك َة؛ فَلَ ْم يَ َت َح َّر ْر لَنَا قُ ُد ْو ُم ُه(‪.)1‬‬
‫ُم َه ِ‬
‫وقال ابن حجر‪ :‬والصحيح أنه هاجر عام الفتح في أول السنة‪،‬‬
‫وقدم مع النبي ‪ ‬فشهد الفتح‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)5‬‬
‫‪ 4‬ـ العباس وفدك(‪:)3‬‬
‫زعم الخوئي في تعليله للروايات الذامة للعباس والكاشفة عن‬
‫جبنه و ِذلَّته‪ ،‬أن العباس ترك السيدة فاطمة وزوجها عليا يواجهان‬
‫وحدهما أمر فدك ولم يأبه بشأنهما ولم يتحرك لنجدتهما تحركه لشأن‬
‫ميزابه حين اقتلعه عمر‪.‬‬
‫وهو يحاول بهذا أن يستشهد على ذلة وخور العباس من ناحية‪،‬‬
‫وعلى بحثه عن مكسبه الشخصي ونرجسيته من ناحية أخرى‪ ،‬والرد‬
‫على ذلك سهل ميسور إن شاء اهلل‪.‬‬
‫فسوق هذا الشاهد للتدليل على خور العباس ونرجسيته لهو أمر ال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪.221/2 :‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.552/2 :‬‬
‫اح َل َو َكا َن ِم ْن‬ ‫(‪ )2‬فدك‪ :‬بِ َف ْت ِح ا ْل َف ِاء َوا ْل ُم ْه َملَة ِ ب ْع َد َها َكاف بلَد بينَ َها َوبي َن ا ْل َم ِدينَةِ ثَ َال ُث مر ِ‬
‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫َش ْأنِ َها َما َذ َك َر أَ ْص َح ُ‬
‫اب ا ْل َم َغازِي قَا ِط َبة أَ َّن أَ ْه َل فَ َد َك َكانُوا ِم ْن يَ ُه َ‬
‫ود فَلَ َّما فُ ِت َح ْت َخ ْي َب ُر‬
‫أَ ْر َس َل أَ ْه ُل فَ َد َك يَ ْطلُ ُبو َن ِم َن النَّب ِِّي ‪ْ ‬األ َ َما َن َعلَى أَ ْن يَ ْت ُر ُكوا ا ْل َبلَ َد َويَ ْر َحلُوا‪.‬‬
‫(فتح الباري‪ )522/0 :‬وتقع فدك في يومنا هذا في المملكة العربية السعودية وتتبع‬
‫إداريا منطقة حائل وتقع بالجزء الغربي الجنوبي لمنطقة حائل‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫يقبل ممن ادعاه وساقه؛ ألن الشاهد يشهد للعباس ال عليه‪.‬‬


‫فلو كان العباس جبانا وذليال ما وقف أمام عمر وهو الخليفة ونازعه‬
‫في أمر الميزاب‪ ،‬بال خوف منه وال وجل‪ ،‬وكانت النتيجة أن ُوضع‬
‫الميزاب في محله وموضعه‪ ،‬لما علم عمر أن من وضعه هو النبي‬
‫‪.‬‬
‫ضم بيته إلى المسجد‬
‫ــ ولو كان جبانا أيضا ما عارض عمر لما أراد َّ‬
‫لتوسعته‪ ،‬وكانت النتيجة أن احتكما إلى أبي بن كعب(‪ ،)1‬ولما استقر‬
‫األمر للعباس وظهرت أحقيته في بيته تنازل وبمحض إرادته عن داره‬
‫لتوسعة المسجد‪.‬‬
‫ــ ولو كان العباس نرجسيا ال يرى إال نفسه ومصلحته لناقش في‬
‫أمر فدك باستماتة وصال فيه وجال السيما وهو عم النبي ‪‬‬

‫وأحد وارثيه‪ ،‬فكيف يدافع عن ميزاب ال يساوي شيئا إذا ما قورن‬


‫بنصيبه من أرض فدك؟‬
‫يقول الذهبي‪ :‬ل َ ْو َكا َن نَب ُِّينَا ـ ‪ ‬ـ ِم َّم ْن يُ ْو َر ُث‪ ،‬ل َ َما َو ِرثَ ُه‬
‫اس(‪.)5‬‬
‫الع َّب ُ‬‫أَ َحد بَ ْع َد بِ ْن ِته ِ َو َز ْو َجاتِه ِ‪ِ ،‬إ َّال َ‬
‫وهذا على فرض أن العباس لم يتكلم في شأن فدك‪ ،‬ولكن الثابت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كما أورد البيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )11515‬وفي المستدرك (ح‪ )2253 :‬أنهما‬
‫احتكما إلى حذيفة بن اليمان بدال من أبي بن كعب‪.‬‬
‫(‪ )5‬سير أعالم النبالء‪.22/5 :‬‬

‫‪253‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫أنه تكلم فيها مع السيدة فاطمة وعلي‪ ،‬ولما واجههم الصديق بأن‬
‫األنبياء ال يورثون قنع العباس ولم يجادل فيما بعد؛ ألنه ال يرى لنفسه‬
‫وال للسيدة فاطمة نصيبا فيها‪.‬‬
‫ِي‪َ ،‬ع ْن ُع ْر َو َة‪َ ،‬ع ْن‬ ‫روى البخاري بسنده عن َم ْع َمر‪َ ،‬ع ِن ال ُّز ْهر ِّ‬
‫اس‪ ،‬أَ َت َيا أَبَا بَ ْك ٍر يَ ْل َت ِم َسا ِن ِم َيراثَ ُه َما‪،‬‬ ‫َعائِ َش َة‪ ،‬أَ َّن فَا ِط َم َة ‪َ ،‬و َ‬
‫الع َّب َ‬
‫أَ ْر َض ُه ِم ْن فَ َد ٍك‪َ ،‬و َس ْه َم ُه ِم ْن َخ ْي َب َر‪ ،‬فَ َق َال أَبُو بَ ْك ٍر‪َ :‬س ِم ْع ُت النَّب َِّي‬
‫ور ُث َما َت َر ْكنَا َص َدقَة‪ِ ،‬إنَّ َما يَ ْأ ُك ُل ُآل ُم َح َّم ٍد ِفي‬ ‫ول‪> :‬الَ نُ َ‬
‫‪ ،‬يَ ُق ُ‬
‫الما ِل< َواهلل ِ ل َ َق َرابَ ُة َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ‬أ َ َح ُّب ِإل َ َّي أَ ْن أَ ِص َل ِم ْن‬ ‫َه َذا َ‬
‫قَ َرابَ ِتي(‪.)1‬‬
‫فقد طالبت السيدة فاطمة بفدك ظنا منها أنها صاحبة إرث فيها‪،‬‬
‫استدالال بقوله تعالى‪ { :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‪[ }..‬النساء‪.]11 :‬‬
‫وأجابها أبو بكر بقول النبي ‪ :‬إنا معاشر األنبياء ال‬
‫نورث‪.‬‬
‫اضي ِع َياض‪َ :‬وقَ ْد‬ ‫ولعلها تأولت الحديث إن كان بلغها‪ ،‬قَ َال ا ْل َق ِ‬
‫يث‬‫ت ا ْل َح ِد َ‬ ‫َتأَ َّو َل قَ ْوم َطلَ َب فَا ِط َم َة ‪ِ ‬م َيراثَ َها ِم ْن أَبِ َيها َعلَى أَنَّ َها َتأَ َّول َ ِ‬
‫ور ُث‪َ ،‬علَى ْاألَ ْم َوا ِل ال َّ ِتي ل َ َها بَال فَه َِي‬ ‫ِإ ْن َكا َن بَلَ َغ َها قَ ْول ُ ُه ‪َ :‬ال نُ َ‬
‫اث َو ِس َال ٍح‪َ ،‬و َه َذا ال َّت ْأو ُِيل‬ ‫ال َّ ِتي َال ُتور ُث َال ما ي ْتر ُكو َن ِم ْن ط ََعامٍ َوأَثَ ٍ‬
‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ )1522‬وأحمد في المسند‪ :‬ح (‪.)23‬‬

‫‪252‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ِخ َال ُف َما َذ َه َب ِإل َ ْيه ِ أَبُو بَ ْك ٍر َو ُع َم ُر َو َسائِ ُر َّ‬


‫الص َحابَةِ ‪.)1(‬‬
‫وسواء أكانت السيدة فاطمة تأولت الحديث أم لم يبلغها من حيث‬
‫األصل‪ ،‬فقد أقرت هي والعباس وعلي ‪ ‬بصحة الحديث؛ بداللة‬
‫تركهم منازعة الصديق بعد ذلك‪.‬‬
‫اجه ِ‬‫اح ِت َج ِ‬‫اض‪َ :‬و ِفي َت ْر ِك فَا ِط َم َة ُمنَا َز َع َة أَبِي بَ ْك ٍر بَ ْع َد ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫قَ َال ا ْل َقاضي ع َي ٌ‬
‫يث‬‫يم لِ ْإل ِْج َما ِع َعلَى قَ ِض َّيةِ‪ ،‬وأنها ل َ َّما بَلَّ َغ َها ا ْل َح ِد َ‬ ‫َعلَ ْي َها بِا ْل َح ِد ِ‬
‫يث ال َّت ْسلِ ُ‬
‫ِيل َت َر َك ْت َر ْأيَ َها‪ ،‬ثُ َّم ل َ ْم يَ ُك ْن ِم ْن َها َو َال ِم ْن ُذ ِّريَّ ِت َها بَ ْع َد‬‫َوبَيَّ َن ل َ َها ال َّت ْأو َ‬
‫اث ثُ َّم َولِ َي َعلِي ا ْل ِخ َالفَ َة فَلَ ْم يَ ْع ِد ْل بِ َها َع َّما فَ َعلَ ُه أبو بكر‬ ‫َذلِ َك َطلَ ُب ِمير ٍ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬
‫وعمر ‪. ‬‬
‫وال يقدح في هذا اإلقرار ما روي في شأن المنازعة بين علي‬
‫والعباس في فدك واحتكامهما إلى عمر في خالفته‪ ،‬فهي منازعة والية‬
‫عليها ال ميراث‪.‬‬
‫ِي‪،‬‬ ‫اق ْب ُن ُم َح َّم ٍد ال َف ْرو ُّ‬‫روى البخاري في صحيحه َح َّدثَنَا ِإ ْس َح ُ‬
‫س ْب ِن‬ ‫ك ْب ِن أَ ْو ِ‬ ‫اب‪َ ،‬ع ْن َمالِ ِ‬ ‫س‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن ِش َه ٍ‬ ‫َح َّدثَنَا َمالِ ُك ْب ُن أَنَ ٍ‬
‫الح َدثَا ِن‪َ ،‬و َكا َن ُم َح َّم ُد ْب ُن ُج َب ْيرٍ‪ ،‬ــ َذ َك َر لِي ِذ ْكرا ِم ْن َح ِدي ِثه ِ َذلِ َك‪،‬‬ ‫َ‬
‫يث‪،‬‬ ‫س‪ ،‬فَ َسأَ ْل ُت ُه َع ْن َذلِ َك َ‬
‫الح ِد ِ‬ ‫ك ْب ِن أَ ْو ٍ‬‫فَا ْنطَلَ ْق ُت َح َّتى أَ ْد ُخ َل َعلَى َمالِ ِ‬
‫ول ُع َم َر‬ ‫فَ َق َال َمالِك‪ :‬ــ بَ ْينَا أَنَا َجالِس ِفي أَ ْهلِي ِح َ‬
‫ين َم َت َع النَّ َه ُار‪ِ ،‬إ َذا َر ُس ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح النووي على مسلم‪.52/15 :‬‬
‫(‪ )5‬شرح النووي على مسلم‪.52/15 :‬‬

‫‪232‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ين‪ ،‬فَا ْن َطلَ ْق ُت َم َع ُه َح َّتى‬ ‫الم ْؤ ِم ِن َ‬


‫اب يَ ْأتِي ِني‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أَ ِج ْب أَ ِم َير ُ‬ ‫ا ْب ِن ال َخ َّط ِ‬
‫أَ ْد ُخ َل َعلَى ُع َم َر‪ ،‬فَ ِإ َذا ُه َو َجالِس َعلَى ر َِما ِل َسرِيرٍ‪ ،‬ل َ ْي َس بَ ْينَ ُه َوبَ ْينَ ُه‬
‫ِف َراش‪ُ ،‬م َّت ِكئ َعلَى و َِس َاد ٍة ِم ْن أَ َدمٍ‪ ،‬فَ َسلَّ ْم ُت َعلَ ْيه ِ ثُ َّم َجلَ ْس ُت‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا‬
‫ات‪َ ،‬وقَ ْد أَ َم ْر ُت ِفيه ِْم بِ َر ْض ٍخ(‪،)1‬‬ ‫ما ِل‪ِ ،‬إنَّ ُه قَ ِد َم َعلَينَا ِم ْن قَ ْو ِم َك أَ ْه ُل أَ ْبي ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ين‪ ،‬ل َ ْو أَ َم ْر َت بِه ِ َغ ْيرِي‪،‬‬ ‫الم ْؤ ِم ِن َ‬
‫فَا ْقب ِْض ُه فَا ْق ِس ْم ُه بَ ْينَ ُه ْم‪ ،‬فَ ُق ْل ُت‪ :‬يَا أَ ِم َير ُ‬
‫اج ُب ُه يَ ْرفَا‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫الم ْر ُء‪ ،‬فَ َب ْينَا أَنَا َجالِس ِع ْن َد ُه أَ َت ُاه َح ِ‬ ‫قَ َال‪ :‬ا ْقب ِْض ُه أَيُّ َها َ‬
‫ف‪َ ،‬وال ُّزبَ ْيرِ‪َ ،‬و َس ْع ِد ْب ِن أَبِي‬ ‫الر ْحم ِن ْب ِن َع ْو ٍ‬ ‫ِ‬
‫َه ْل ل َ َك في ُع ْث َما َن‪َ ،‬و َع ْب ِد َّ َ‬
‫ص يَ ْس َت ْأ ِذنُو َن؟ قَ َال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَأَ ِذ َن ل َ ُه ْم‪ ،‬فَ َد َخلُوا‪ ،‬فَ َسلَّ ُموا َو َجلَ ُسوا‪،‬‬ ‫َوقَّا ٍ‬
‫س؟ قَ َال‪ :‬نَ َع ْم‪،‬‬ ‫ثُ َّم َجلَ َس يَ ْرفَا يَ ِسيرا‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪َ :‬ه ْل ل َ َك ِفي َعلِي‪َ ،‬و َع َّبا ٍ‬
‫ين‪،‬‬ ‫الم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫فَأَ ِذ َن ل َ ُه َما‪ ،‬فَ َد َخالَ‪ ،‬ف َ َسلَّ َما فَ َجلَ َسا‪ ،‬فَ َق َال َع َّباس‪ :‬يَا أَ ِم َير ُ‬
‫اء اللَّ ُه َعلَى َر ُسولِه ِ‬ ‫ِ‬
‫يما أَفَ َ‬ ‫ض بَ ْي ِني َوبَ ْي َن َه َذا‪َ ،‬و ُه َما يَ ْخ َت ِص َما ِن ف َ‬ ‫ا ْق ِ‬
‫الر ْهطُ ‪ُ ،‬ع ْث َما ُن َوأَ ْص َحابُ ُه‪ :‬يَا أَ ِم َير‬ ‫‪ِ ‬م ْن َما ِل بَ ِني النَّ ِضيرِ‪ ،‬فَ َق َال َّ‬
‫ض بَ ْينَ ُه َما‪َ ،‬وأَ ِر ْح أَ َح َد ُه َما ِم َن َ‬ ‫الم ْؤ ِم ِن َ‬
‫(‪)5‬‬
‫اآلخرِ‪ ،‬قَ َال ُع َم ُر‪َ :‬ت ْي َد ُك ْم‬ ‫ين ا ْق ِ‬ ‫ُ‬
‫ول‬ ‫ض‪َ ،‬ه ْل َت ْعلَ ُمو َن أَ َّن َر ُس َ‬ ‫اء َواألَ ْر ُ‬ ‫الس َم ُ‬
‫وم َّ‬ ‫أَ ْن ُش ُد ُك ْم بِاللَّه ِ ال َّ ِذي بِ ِإ ْذنِه ِ َت ُق ُ‬
‫ول اللَّه ِ‬ ‫ور ُث َما َت َر ْكنَا َص َدقَة» يُرِي ُد َر ُس ُ‬ ‫اللَّه ِ ‪ ،‬قَ َال‪« :‬الَ نُ َ‬
‫الر ْهطُ ‪ :‬قَ ْد قَ َال‪َ :‬ذلِ َك‪ ،‬فَأَ ْق َب َل ُع َم ُر َعلَى َعلِي‪،‬‬ ‫‪ ‬نَ ْف َس ُه؟ قَ َال َّ‬
‫ول اللَّه ِ ‪ ‬قَ ْد قَ َال‬ ‫س‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬أَ ْن ُش ُد ُك َما اللَّ َه‪ ،‬أَ َت ْعلَ َما ِن أَ َّن َر ُس َ‬ ‫َو َع َّبا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الرضخ في األصل‪ :‬الكسر‪ ،‬أو الرمي ‪ ،‬فيقال‪ :‬رضخت رأس الحية بالحجارة‪ ،‬وهو هنا‬
‫بمعنى العطاء غير الكثير‪( .‬الصحاح ‪ /‬رضخ)‪.‬‬
‫(‪َ )5‬ت ْي َد ُك ْم ‪ :‬على رسلكم‪ ،‬وهو من التؤدة‪( .‬النهاية ‪ /‬تئد)‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫َذلِ َك؟ قَاالَ‪ :‬قَ ْد قَ َال َذلِ َك‪ ،‬قَ َال ُع َم ُر‪ :‬فَ ِإنِّي أُ َح ِّدثُ ُك ْم َع ْن َه َذا األَ ْمرِ‪ِ ،‬إ َّن‬
‫اللَّ َه قَ ْد َخ َّص َر ُسول َ ُه ‪ِ ‬في َه َذا ال َف ْي ِء بِ َش ْي ٍء ل َ ْم يُ ْع ِطه ِ أَ َحدا‬
‫َغ ْي َر ُه‪ ،‬ثُ َّم قَ َرأَ‪{ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ} [الحشر‪ ]0 :‬ــ ِإلَى قَ ْولِه ِ ــ‬
‫{ﮆ} [الحشر‪ ،]0 :‬فَ َكانَ ْت َه ِذ ِه َخالِ َصة لِ َر ُسو ِل اللَّه ِ ‪َ ،‬واللَّه ِ‬
‫وها َوبَ َّث َها ِفي ُك ْم‪،‬‬ ‫اح َتا َز َها ُدونَ ُك ْم‪َ ،‬والَ ْاس َت ْأثَ َر بِ َها َعلَ ْي ُك ْم‪ ،‬قَ ْد أَ ْع َطا ُك ُم َ‬
‫َما ْ‬
‫ول اللَّه ِ ‪ ‬يُ ْن ِف ُق َعلَى أَ ْهلِه ِ‬ ‫الم ُال‪ ،‬فَ َكا َن َر ُس ُ‬ ‫َح َّتى بَ ِق َي ِم ْن َها َه َذا َ‬
‫الما ِل‪ ،‬ثُ َّم يَ ْأ ُخذُ َما بَ ِق َي‪ ،‬فَيَ ْج َعلُ ُه َم ْج َع َل َما ِل اللَّهِ‪،‬‬ ‫نَ َف َق َة َسنَ ِته ِْم ِم ْن َه َذا َ‬
‫ول اللَّه ِ ‪ ‬بِ َذلِ َك َح َي َات ُه‪ ،‬أَ ْن ُش ُد ُك ْم بِاللَّهِ‪َ ،‬ه ْل َت ْعلَ ُمو َن‬ ‫فَ َع ِم َل َر ُس ُ‬
‫س‪ ،‬أَ ْن ُش ُد ُك َما بِاللَّهِ‪َ ،‬ه ْل َت ْعلَ َما ِن‬ ‫َذلِ َك؟ قَالُوا‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬ثُ َّم قَ َال لِ َعلِي‪َ ،‬و َع َّبا ٍ‬
‫َذلِ َك؟ قَ َال ُع َم ُر‪ :‬ثُ َّم َت َوفَّى اللَّ ُه نَب َِّي ُه ‪ ،‬فَ َق َال أَبُو بَ ْك ٍر‪ :‬أَنَا َولِ ُّي‬
‫ول‬ ‫َر ُسو ِل اللَّه ِ ‪ ،‬فَ َق َب َض َها أَبُو بَ ْكرٍ‪ ،‬فَ َع ِم َل ِف َيها بِ َما َع ِم َل َر ُس ُ‬
‫اللَّه ِ ‪َ ،‬واللَّ ُه يَ ْعلَ ُم‪ِ :‬إنَّ ُه ِف َيها ل َ َصادِق بَار َر ِاشد َتابِع لِ ْل َح ِّق‪ ،‬ثُ َّم‬
‫َت َوفَّى اللَّ ُه أَبَا بَ ْكرٍ‪ ،‬فَ ُك ْن ُت أَنَا َولِ َّي أَبِي بَ ْكرٍ‪ ،‬فَ َق َب ْض ُت َها َسنَ َت ْي ِن ِم ْن‬
‫ول اللَّه ِ ‪َ ،‬و َما َع ِم َل ِف َيها أَبُو‬ ‫ِإ َم َارتِي‪ ،‬أَ ْع َم ُل ِف َيها بِ َما َع ِم َل َر ُس ُ‬
‫بَ ْكرٍ‪َ ،‬واللَّ ُه يَ ْعلَ ُم‪ِ :‬إنِّي ِف َيها ل َ َصا ِدق بَار َر ِاشد َتابِع لِ ْل َح ِّق‪ ،‬ثُ َّم ِج ْئ ُت َمانِي‬
‫اس‪َ ،‬ت ْسأَل ُ ِني‬ ‫احد‪ِ ،‬ج ْئ َت ِني يَا َع َّب ُ‬ ‫اح َدة‪َ ،‬وأَ ْمر ُك َما َو ِ‬ ‫ُت َكل ِّ َمانِي‪َ ،‬و َكلِ َم ُت ُك َما َو ِ‬
‫ُ‬
‫يب ْام َرأَتِه ِ‬ ‫اءنِي َه َذا ــ يُرِي ُد َعلِ ًّيا ــ يُرِي ُد نَ ِص َ‬ ‫يك‪َ ،‬و َج َ‬ ‫نَ ِص َيب َك ِم َن ْاب ِن أَ ِخ َ‬
‫ور ُث‪َ ،‬ما‬ ‫ول اللَّه ِ ‪ ‬قَ َال‪« :‬الَ نُ َ‬ ‫ِم ْن أَبِ َيها‪ ،‬فَ ُق ْل ُت ل َ ُك َما‪ِ :‬إ َّن َر ُس َ‬
‫َت َر ْكنَا َص َدقَة»‪ ،‬فَلَ َّما بَ َدا لِي أَ ْن أَ ْدفَ َع ُه ِإل َ ْي ُك َما‪ ،‬قُ ْل ُت‪ِ :‬إ ْن ِش ْئ ُت َما َدفَ ْع ُت َها‬

‫‪235‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ِإل َ ْي ُك َما‪َ ،‬علَى أَ َّن َعلَ ْي ُك َما َع ْه َد اللَّه ِ َو ِم َيثاقَ ُه‪ :‬ل َ َت ْع َمالَ ِن ِف َيها بِ َما َع ِم َل ِف َيها‬
‫ول اللَّه ِ ‪َ ،‬وبِ َما َع ِم َل ِف َيها أَبُو بَ ْكرٍ‪َ ،‬وبِ َما َع ِم ْل ُت ِف َيها ُم ْنذُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َولِ ُيت َها‪ ،‬فَ ُق ْل ُت َما‪ْ :‬ادفَ ْع َها ِإل َ ْينَا‪ ،‬فَب َِذلِ َك َدفَ ْع ُت َها ِإل َ ْي ُك َما‪ ،‬فَأَ ْن ُش ُد ُك ْم بِاللَّهِ‪َ ،‬ه ْل‬
‫س‪،‬‬ ‫الر ْهطُ ‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬ثُ َّم أَ ْق َب َل َعلَى َعلِي‪َ ،‬و َع َّبا ٍ‬ ‫َدفَ ْع ُت َها ِإل َ ْيه َِما بِ َذلِ َك؟ قَ َال َّ‬
‫فَ َق َال‪ :‬أَ ْن ُش ُد ُك َما بِاللَّهِ‪َ ،‬ه ْل َدفَ ْع ُت َها ِإل َ ْي ُك َما بِ َذلِ َك؟ قَاالَ‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫اء‬
‫الس َم ُ‬ ‫وم َّ‬ ‫فَ َت ْل َت ِم َسا ِن ِمنِّي قَ َضاء َغ ْي َر َذلِ َك‪ ،‬فَ َواللَّه ِ ال َّ ِذي بِ ِإ ْذنِه ِ َت ُق ُ‬
‫اها‬‫ض‪ ،‬الَ أَ ْق ِضي ِف َيها قَ َضاء َغ ْي َر َذلِ َك‪ ،‬فَ ِإ ْن َع َج ْز ُت َما َع ْن َها فَ ْادفَ َع َ‬ ‫َواألَ ْر ُ‬
‫اها(‪.)1‬‬ ‫ِإل َ َّي‪ ،‬فَ ِإنِّي أَ ْك ِفي ُك َم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ :‬ح (‪ ،)2222‬ح (‪ )2222‬بزيادة يسيرة‪ ،‬والترمذي‬
‫مختصرا‪ :‬ح (‪ ،)1012‬ومسلم في صحيحه‪ :‬ح (‪ )1525‬مطوال‪ .‬ووقعت في رواية‬
‫مسلم بعض األلفاظ التي ال يمكن حملها على ظاهرها من نحو قول العباس لعمر‬
‫آخرِهِ) قاصدا علي‪ .‬وقد أجاب العلماء على هذا‬ ‫ض بي ِني َوبي َن َه َذا ا ْل َكا ِذ ِب ِإلَى ِ‬
‫َْ‬ ‫(ا ْق ِ َ ْ‬
‫اب‪ ،‬ومنها ما‬ ‫األمر بإجابات وافية منها‪َ :‬م ْعنَ ُاه َه َذا ا ْل َكا ِذ ُب ِإ ْن ل َ ْم يُ ْن ِص ْف فَ َح َذ َف ا ْل َج َو َ‬
‫أورده المازري فيما نقله عنه القاضي عياض حيث قال‪َ :‬ه َذا اللَّ ْف ُظ ال َّ ِذي َوقَ َع َال يَلِ ُيق‬
‫ف فَ ْضال َع ْن ُكل َِّها َول َ ْسنَا‬ ‫س َو َحاش لِ َعلِي أَ ْن ي ُكو َن ِفيه ِ بَ ْعض َه ِذهِ ْاأل َ ْو َصا ِ‬ ‫ظَا ِه ُر ُه بِا ْل َع َّبا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ورو َن ب ُِح ْس ِن ال َّظ ِّن‬ ‫نَ ْقطَ ُع بِا ْل ِع ْص َمة ِ ِإ َّال لِلنَّب ِِّي ‪َ ‬ولِ َم ْن َش ِه َد ل َ ُه ب َِها ل َ ِكنَّا َم ْأ ُم ُ‬
‫ين َونَ ْف ِي ُك ِّل َر ِذيلَةٍ َع ْن ُه ْم َو ِإ َذا ا ْن َس َّد ْت ط ُُر ُق َت ْأوِيلِ َها‬ ‫ِالص َحابَة ِ َر ِض َي اهللُ َع ْن ُه ْم أَ ْج َم ِع َ‬ ‫ب َّ‬
‫س َعلَى أَ ْن أَ َز َال َه َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض النَّا ِ‬ ‫نَ َس ْبنَا ا ْل َكذ َب ِإلَى ُر َوات َها‪ .‬قَ َال‪َ :‬وقَ ْد َح َم َل َه َذا ا ْل َم ْعنَى بَ ْع َ‬
‫ات ِم ْث ِل َه َذا‪َ ،‬ول َ َعلَّ ُه َح َم َل ا ْل َو ْه َم َعلَى ُر َواتِه ِ‪ .‬قَ َال‬ ‫اللَّ ْف َظ ِم ْن نُ ْس َخ ِته ِ َت َو ُّرعا َع ْن إِ ْثب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِي‪َ :‬و ِإ َذا َكا َن َه َذا اللَّ ْف ُظ َال بُ َّد م ْن إ ْث َباته َول َ ْم نُضف ا ْل َو ْه َم إلَى ُر َواته فَأ ْج َو ُد َما‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْل َما ِزر ُّ‬
‫س َعلَى ِج َهة ِ االدالل على ابن أخيه ألنه بمنزلة ابنه‪،‬‬ ‫ُح ِم َل َعلَ ْيه ِ أَنَّ ُه َص َد َر ِم َن ا ْل َع َّبا ِ‬
‫وقال ما ال يعتقده وما يعلم براءة ذمة ابن أَ ِخيه ِ ِم ْن ُه‪َ ،‬ول َ َعلَّ ُه قَ َص َد بِ َذلِ َك َر ْد َع ُه َع َّما يَ ْع َت ِق ُد=‬

‫‪232‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أَنَّ ُه ُم ْخ ِطئ ِفيه ِ َوأَ َّن َه ِذهِ ْاأل َ ْو َص َاف يَ َّت ِص ُف ب َِها ل َ ْو َكا َن يَ ْف َع ُل َما يَ ْف َعلُ ُه عن قصد‪ ،‬وأن‬ ‫=‬
‫وج َبة لِ َذلِ َك ِفي ْاع ِت َقادِهِ‪َ ،‬و َه َذا َك َما يَ ُقولُ ا ْل َمالِ ِك ُّي َشار ُِب النَّبِي ِذ‬ ‫عليا كان ال يراها ِإ َّال ُم ِ‬ ‫ًّ‬
‫اح ٍد ُم ِحق ِفي ْاع ِت َقادِهِ‪َ ،‬و َال بُ َّد ِم ْن‬ ‫ص فَ ُكلُّ َو ِ‬ ‫نَاقِ ُص ال ِّدي ِن َوا ْل َحنَ ِف ُّي يَ ْع َت ِق ُد أَنَّ ُه ل َ ْي َس بِنَاقِ ٍ‬
‫س ِفيه ِ ُع َم ُر ‪َ :‬و ُه َو ا ْل َخلِي َف ُة َو ُع ْث َما ُن‬ ‫َه َذا ال َّت ْأوِي ِل ِأل َ َّن َه ِذهِ ا ْل َق ِض َّي َة َج َر ْت ِفي َم ْجلِ ٍ‬
‫الر ْح َم ِن ‪َ ‬ول َ ْم يُ ْن ِك ْر أَ َحد ِم ْن ُه ْم َه َذا ا ْل َك َال َم َم َع َت َش ُّددِ ِه ْم ِفي‬ ‫َو َس ْعد َو ُزبَ ْير َو َع ْب ُد َّ‬
‫ِإ ْن َكا ِر ا ْل ُم ْن َكرِ َو َما َذلِ َك ِإ َّال ِألَنَّ ُه ْم فَه ُِموا بِ َقرِينَة ِ ا ْل َحا ِل أَنَّ ُه َت َكلَّ َم ب َِما َال يَ ْع َت ِق ُد ظَا ِه َر ُه‬
‫ِي‪َ :‬و َك َذلِ َك قَ ْولُ ُع َم َر ‪ِ :‬إنَّ ُك َما ِج ْئ ُت َما أَبَا بَ ْك ٍر‬ ‫ُم َبال َ َغة ِفي ال َّز ْجرِ‪ .‬قَ َال ا ْل َما ِزر ُّ‬
‫فَ َرأَ ْي ُت َم ُاه َكا ِذبا آثِما َغادِرا َخائِنا َو َك َذلِ َك َذ َك َر َع ْن نَ ْف ِسه ِ أَنَّ ُه َما َرأَيَ ُاه َك َذلِ َك َو َت ْأو ُِيل َه َذا‬
‫اج َب أَ ْن نَ ْف َع َل ِفي َه ِذهِ ا ْل َق ِض َّيةِ‬ ‫َعلَى نَ ْح ِو َما َس َب َق َو ُه َو أَ َّن ا ْل ُم َر َاد أَنَّ ُك َما َت ْع َت ِق َدا ِن أَ َّن ا ْل َو ِ‬
‫ِخ َال َف َما فَ َعل ُْت ُه أَنَا َوأَبُو بَ ْك ٍر فَنَ ْح ُن َعلَى ُم ْق َت َضى َر ْأيِ ُك َما ل َ ْو أَ َت ْينَا َما أَ َت ْينَا َونَ ْح ُن ُم ْع َت ِق َدا ِن‬
‫اإلم َام ِإنَّ َما يُ َخال َ ُف ِإ َذا َكا َن َعلَى َه ِذهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َما َت ْع َتق َدانه ِ ل َ ُكنَّا ب َِهذه ْاأل َ ْو َصاف أَ ْو يَ ُكو ُن َم ْعنَ ُاه أَ َّن ْ ِ َ‬
‫ف َويُ َّت َه ُم ِفي قَ َضايَ ُاه فَ َكا َن ُم َخال َ َف ُت ُك َما لَنَا ُت ْش ِع ُر َم ْن َر َآها أَنَّ ُك ْم َت ْع َت ِق َدا ِن َذلِ َك ِفينَا‬ ‫ْاأل َ ْو َصا ِ‬
‫َواهللُ أَ ْعلَ ُم‪( .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.)55/15 :‬‬
‫وقد أجاب القرطبي أيضا عن قول العباس السابق في معرض تأويله لقوله تعالى‪ :‬ال‬
‫يحب اهلل الجهر بالسوء من القول إال من ظلم (النساء‪ )123/‬ومما ذكره في ذلك‪:‬‬
‫علِي ‪‬‬ ‫س ِفي َ‬ ‫اب َما َوقَ َع ِفي َص ِحي ِح ُم ْسلِ ٍم ِم ْن قَ ْو ِل ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َول َ ْي َس ِم ْن َه َذا ا ْل َب ِ‬
‫الر ْحم ِن ْب ِن َعو ٍ‬
‫ض َب ْي ِني‬ ‫ين ا ْق ِ‬ ‫ف‪ :‬يَا أَ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ْ‬ ‫ب َِح ْض َر ِة ُع َم َر َو ُع ْث َما َن َوال ُّز َب ْي ِر َو َع ْب ِد َّ َ‬
‫احد ِم ْن ُه ْم‪ِ ،‬ألَنَّ َها‬ ‫يث‪َ .‬ول َ ْم ير َّد َعلَيه ِ َو ِ‬
‫َُ ْ‬ ‫َوبَ ْي َن َه َذا ا ْل َكا ِذ ِب ْاآلثِمِ ا ْل َغادِ ِر ا ْل َخائِ ِن‪ .‬ا ْل َح ِد َ‬
‫اج َب‪،‬‬ ‫اح ٍد ِم ْن ُه َما يَ ْع َت ِق ُد َها لِنَ ْف ِسهِ‪َ ،‬ح َّتى أَ ْن َف َذ ِف َيها َعلَ ْيه ِْم ُع َم ُر ا ْل َو ِ‬
‫َكانَ ْت ُح ُكومة‪ُ ،‬كلُّ َو ِ‬
‫َ‬
‫ت ا ْل َمنَا ِزلُ أَ ْو َت َق َاربَ ْت‪،‬‬ ‫يما ِإ َذا ْاس َت َو ِ‬ ‫ِ‬
‫قَال َ ُه ْاب ُن ا ْل َع َرب ِِّي‪َ .‬وقَ َال ُعلَ َما ُؤنَا‪َ :‬ه َذا ِإنَّ َما يَ ُكو ُن ف َ‬
‫َوأَ َّما ِإ َذا َت َف َاو َت ْت‪ ،‬فَ َال ُت َمك َُّن ا ْل َغ ْو َغ ُاء ِم ْن أَ ْن َت ْس َت ِط َيل َعلَى ا ْل ُف َض َال ِء‪َ ،‬و ِإنَّ َما َت ْطلُ ُب َحق ََّها=‬

‫‪232‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫فقد يرى البعض أن تكرار المطالبة بفدك من قِبل العباس وعلي‬


‫خادش في اإلقرار بصحة صدور حديث‪> :‬إنا معاشر األنبياء ال نورث<‬
‫عن النبي ‪ ،‬وإال لما كررا الطلب مع ثبوت الحديث؟‬
‫والرواية شاهدة على إقرار العباس وعلي ‪ ‬بصحة صدور‬
‫الحديث من النبي ‪ ،‬وال يقدح فيه تكرار الطلب؛ ألنه طلب‬
‫نظارة وقيام بها ال طلب ميراث؛ بداللة قول عمر في الرواية‪ :‬ل َ َت ْع َمالَ ِن‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ،‬وبِ َما َع ِم َل ِف َيها أَبُو بَ ْك ٍر‪َ ،‬وبِ َما‬
‫ِف َيها بِ َما َع ِم َل ِف َيها َر ُس ُ‬
‫َع ِم ْل ُت ِف َيها ُم ْنذُ َولِ ُيتها‪.‬‬
‫ِي في اإلجابة على هذا االستشكال بقوله‪َ :‬وأَ َّما‬ ‫وقد أجاد ا ْل َما ِزر ُّ‬
‫س ‪ِ ‬في أَنَّ ُه َما َت َر َّد َدا ِإلَى ا ْل َخلِي َف َت ْي ِن َم َع‬ ‫ِاال ْع ِت َذ ُار َع ْن َعلِي َوا ْل َع َّبا ِ‬
‫ور ُث َما َت َر ْكنَ ُاه فَ ُه َو َص َدقَة‪َ ،‬و َت ْقر ُِير ُع َم َر ‪ ‬أَنَّ ُه َما‬ ‫قَ ْولِه ِ ‪َ :‬ال نُ َ‬
‫اها‬ ‫ض ا ْل ُعلَ َم ِاء‪ :‬أَنَّ ُه َما َطلَ َبا أَ ْن يَ ْق ِس َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْعلَ َما ِن َذل َك فَأَ ْم َث ُل َما فيه ِ َما قَال َ ُه بَ ْع ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ب ُِم َج َّردِ ال َّد ْع َوى ِم ْن َغ ْيرِ َت ْصرِي ٍح بِ ُظ ْل ٍم َو َال َغ َض ٍب‪َ ،‬و َه َذا َص ِحيح َو َعلَ ْيه ِ َت ُد ُّل ْاآلثَ ُار‪.‬‬
‫ومة ِ!‬‫س ا ْل َغ َض ُب َو َص ْول َ ُة ُس ْلطَة ِ ا ْل ُع ُم َ‬ ‫آخ ُر ــ َو ُه َو أَ َّن َه َذا ا ْل َق ْو َل أَ ْخ َر َج ُه ِم َن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َو َو ْجه َ‬
‫فَ ِإ َّن ا ْل َع َّم ِص ْن ُو ْاأل َ ِب‪َ ،‬و َال َش َّك أَ َّن ْاأل َ َب ِإ َذا أَ ْطلَ َق َه ِذهِ ْاأل َ ْل َفا َظ َعلَى َول َ ِد ِه ِإنَّ َما يَ ْح ِم ُل‬
‫الر ْد َع ُم َبال َ َغة ِفي َت ْأدِي ِبهِ‪َ ،‬ال أَنَّ ُه َم ْو ُصوف بِ ِتل َْك‬ ‫اإل ْغ َال َظ َو َّ‬ ‫َذلِ َك ِم ْن ُه َعلَى أَنَّ ُه قَ َص َد ْ ِ‬
‫ِ‬
‫ْاألُ ُمورِ‪ ،‬ثُ َّم ا ْن َض َاف ِإلَى َه َذا أَنَّ ُه ْم في ُم َحا َّجة ِ و َِاليَةٍ دِي ِن َّيةٍ‪ ،‬فَ َكا َن ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس يَ ْع َت ِق ُد أَ َّن‬
‫ْك ْاألُ ُمورِ‪،‬‬ ‫ُم َخال َ َف َت ُه ِف َيها َال َت ُجو ُز‪َ ،‬وأَ َّن ُم َخال َ َف َت ُه ِف َيها ُت َؤ ِّدي ِإلَى أَ ْن يَ َّت ِص َف ا ْل ُم َخالِ ُف بِ ِتل َ‬
‫اض ُرو َن َذلِ َك ل َ ْم يُ ْن ِك ُروا َعلَ ْيهِ‪،‬‬ ‫فَأَ ْطلَ َق َها بِب َوادِ ِر ا ْل َغ َض ِب َعلَى َه ِذهِ ْاأل َ ْو ُجهِ‪َ ،‬ول َ َّما َعلِ َم ا ْل َح ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اضي ع َياض َو َغ ْي ُر ُه َما‪.‬‬ ‫ِي َوا ْل َق ِ‬
‫أَ َش َار ِإلَى َه َذا ا ْل َما ِزر ُّ‬

‫‪232‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اإل َم ُام بِ َها ل َ ْو َولِ َي َها‬ ‫بَ ْينَ ُه َما نِ ْص َف ْي ِن ينفقان بها على حسب ما ينفعهما ْ ِ‬
‫بِنَ ْف ِسه ِ‪ ،‬فَ َكر َِه ُع َم ُر أَ ْن يُوقِ َع َعلَ ْي َها ْاس َم ا ْل ِق ْس َمةِ لِ َئ َّال يُ َظ َّن لِ َذلِ َك َم َع َت َط ُاو ِل‬
‫ت‬ ‫اث بَ ْي َن ا ْلب ِْن ِ‬ ‫ْاألَ ْزما ِن أَنَّ َها ِميراث َوأَنَّ ُه َما َو ِرثَ ُاه َال ِس َّي َما َوقِ ْس َم ُة ا ْل ِمير ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َوا ْل َع ِّم نِ ْص َفا ِن فَ َي ْل َتب ُِس َذلِ َك َويُ َظ ُّن أَنَّ ُه ْم َت َملَّ ُكوا َذلِ َك‪َ ،‬و ِم َّما يُ َؤي ِّ ُد َما قُ ْلنَ ُاه‬
‫ت ا ْل ِخ َالفَ ُة ِإلَى َعلِي ‪ ‬ل َ ْم يُ َغيِّ ْر َها َع ْن‬ ‫َما قَال َ ُه أَبُو َد ُاو َد أَنَّ ُه ل َ َّما َص َار ِ‬
‫َك ْونِ َها َص َدقَة(‪.)1‬‬
‫فالعباس في بادئ األمر قد شارك في المطالبة بفدك مع السيدة‬
‫فاطمة‪ ،‬ولكنه قنع لما أخبره الصديق بحديث النبي ‪ ،‬وأيقن أن‬
‫فدك صدقة وليست إرثا‪ ،‬وما كانت منازعته مع علي عليها في خالفة‬
‫عمر إال ل َطلَ َب نظارتها‪ ،‬أو َت َول ِّي ا ْل ِق َيامِ بِ َها بِأَ ْن ُف ِسه َِما َوقِ ْس َم ِت َها في‬
‫مصارفها نيابة عن اإلمام‪.‬‬
‫ولو لمنا العباس على سكوته كما يزعم الزاعمون فمن باب أولى أن‬
‫يالم علي بن أبي طالب؛ ألنه لما آلت الخالفة إليه لم يسل ِّم فدك إلى‬
‫أبنائه باعتبارهم من أهل الميراث وأصحابه‪ ،‬وأبقاها على العهد األول‪.‬‬
‫الص َدقَ ُة بِ َي ِد َعلِي‪َ ،‬منَ َع َها َعلِي َع َّباسا‬ ‫يقول عروة‪ :‬فَ َكانَ ْت َه ِذهِ َّ‬
‫فَ َغلَ َب ُه َعلَ ْي َها‪ ،‬ثُ َّم َكا َن بِ َي ِد َح َس ِن ْب ِن َعلِي‪ ،‬ثُ َّم بِ َي ِد ُح َس ْي ِن ْب ِن َعلِي‪ ،‬ثُ َّم بِ َي ِد‬
‫َعلِ ِّي ْب ِن ُح َس ْي ٍن‪َ ،‬و َح َس ِن ْب ِن َح َس ٍن‪ِ ،‬كالَ ُه َما َكانَا يَ َت َد َاوالَنِ َها‪ ،‬ثُ َّم بِ َي ِد َز ْي ِد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم بشرح النووي‪.52/15 :‬‬

‫‪230‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ا ْب ِن َح َس ٍن‪َ ،‬و ِه َي َص َدقَ ُة َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬حقًّا(‪.)1‬‬


‫فكيف يدعي الخوئي ومن َّلف لفيفه جبن العباس وتخاذله عن‬
‫مناصرة السيدة فاطمة في طلبها بفدك؟ بل كيف يجيب هو نفسه عن‬
‫مصادره التي أقرت هذه الرواية ووثقتها؟‬
‫روى الكليني في الكافي عن أبي عبد اهلل ‪ ‬قوله‪ :‬قال رسول‬
‫يورثوا‬
‫اهلل ‪ ...> ‬وإ ّن العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬وإ ّن األنبياء لم ّ‬
‫ورثوا العلم‪ ،‬فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر<(‪.)5‬‬ ‫دينارا وال درهما‪ ،‬ولكن ّ‬
‫وقال عنه المجلسي‪ :‬الحديث األول ــ أي‪ :‬الذي بين يدينا ــ له سندان‬
‫األول مجهول‪ ،‬والثاني حسن أو موثق ال يقصران عن الصحيح(‪.)2‬‬
‫أقر الخميني بصحة هذه الرواية واستدل بها على جواز والية‬ ‫وقد َّ‬
‫الفقيه فيقول تحت عنوان (صحيحة القداح)‪ :‬روى علي بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن القداح (عبد اهلل بن ميمون) عن‬
‫أبي عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪> :‬من سلك طريقا‬
‫يلتمس فيه علما‪ ،‬س َّهل اهلل له به طريقا إلى الجنة‪ ...‬وإ ّن العلماء ورثة‬
‫ورثوا العلم‪،‬‬
‫يورثوا دينارا وال درهما‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫األنبياء‪ ،‬وإ ّن األنبياء لم ّ‬
‫فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر<‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في الصحيح‪ :‬ح (‪ )2222‬وابن خزيمة في صحيحه‪ :‬ح (‪.)5233‬‬
‫(‪ )5‬الكافي‪ :‬باب ثواب العالم والمتعلم‪ 22/1 ،‬رقم (‪.)1‬‬
‫(‪ )2‬مرآة العقول‪.111/1 :‬‬

‫‪235‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ويعلق الخميني على الحديث بقوله‪ :‬رجال الحديث كلهم ثقات‪،‬‬


‫حتى أن والد علي بن إبراهيم (إبراهيم بن هاشم) من كبار الثقات‬
‫(المعتمدين في نقل الحديث)(‪.)1‬‬
‫فالحديث إذا موثق في أحد أسانيده ويُحتج به‪ ،‬فلماذا يتغاضى‬
‫عنه الخوئي رغم شهرته عندهم؟ ولماذا يتهم العباس بتخاذله وجبنه‬
‫والحديث ذكره النبي ‪‬؟ فهل يطلب من العباس أن يخالف‬
‫حديث النبي ‪ ‬حتى يصبح شجاعا مقداما(‪)5‬؟‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الحكومة اإلسالمية‪ :‬ص‪.122 ،122‬‬
‫(‪ )5‬يالحظ أن بعض من تعرض لهذه الشبهة قد سلك في رده مسلك المقاربة المثلية‪،‬‬
‫عن طريق إيراد روايات اإلمامية في أ ّن المرأة ال ترث من العقار واألرض شيئا على‬
‫نحو ما فعله الكليني حين َّبوب بابا مستقال في الكافي بعنوان‪( :‬إ ّن النساء ال يرثن من‬
‫العقار شيئا) (الكافي‪ )155/5 :‬روى فيه عن أبي جعفر قوله‪ :‬النساء ال يرثن من‬
‫األرض وال من العقار شيئا‪( .‬الكافي‪ )155/5 :‬وكذلك ما رواه الكليني‪ ،‬والطوسي‪،‬‬
‫والصدوق‪ ،‬والمجلسي‪ ،‬عن ميسر أنه قال‪ :‬سألت أبا عبد اهلل ‪ ‬عن النساء ما‬
‫لهن من الميراث؟ فقال‪ :‬لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما األرض‬
‫والعقار فال ميراث لهن فيهما‪( .‬الكافي‪ 122/5 :‬ــ تهذيب األحكام للطوسي‪:‬‬
‫‪ 522/2‬رقم (‪ )1251‬ــ من ال يحضره الفقيه للصدوق‪ 225/2 :‬رقم (‪ )2523‬ــ‬
‫بحار األنوار‪ ،225/121 :‬باب ميراث الزوجين‪ ،‬رقم (‪.)0‬‬
‫والحق أن هذه الروايات وأضرابها وردت في شأن الزوجة التي ال ولد لها من زوجها‬
‫المتوفى‪ ،‬ال مطلق النساء‪ ،‬وال عالقة لها بميراث البنات حتى يستشهد بها على‬
‫اإلمامية‪ ،‬ولعل أول من أورد ذلك هو الشيخ إحسان إلهي ظهير‪ ،‬وتبعه في ذلك‬
‫جماعة‪ ،‬فوجب التنبيه‪( .‬وراجع في بيان ميراث الزوجة وما تحرم منه‪ :‬رسائل الشهيد‬
‫الثاني‪ 225/1 ،‬وما بعدها ــ مسالك األفهام للشهيد الثاني‪ 132/12 :‬ــ قواعد=‬

‫‪233‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫إن الخوئي وكل من يريد محاكمة العباس في عدم مناصرته للسيدة‬


‫فاطمة في قضية فدك ــ كما يزعمون ــ عليه أن يبصر مذهبه جيدا‬
‫ويحاكم نصوصه وأعالمه قبل أن يحاكم العباس ‪ ،‬هذا على فرض‬
‫أنه لم يطالب بفدك أول األمر(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= األحكام للعالمة الحلي‪ 250/2 ،‬ــ مجموعة الرسائل‪ :‬لطف اهلل الصافي‪522/1 ،‬‬
‫وما بعدها)‪ .‬وراجع في ميراث البنت‪( :‬المبسوط للطوسي‪ 02/2 ،‬ــ السرائر البن‬
‫إدريس الحلي‪ 552/2 ،‬ــ قواعد األحكام للعالمة الحلي‪.)222/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬حاول البعض أن يخرج من هذا التناقض الذي أوقعته فيه صحة الخبر عندهم‪ ،‬فادعى‬
‫أن فدكا لم تكن ميراثا حتى نحاكمها إلى الحديث وإنما كانت هبة من النبي ‪‬‬

‫البنته فاطمة‪( .‬راجع‪ :‬تفسير الصافي للفيض الكاشاني ‪.)130/2‬‬


‫ونسي أن طلب فاطمة لفدك كان من قبيل التوريث ال الهبة‪ ،‬وأنها لو كانت هبة‬
‫الشترط فيها القبض‪ ،‬بناء على مقررات مذهبه‪ ،‬قال المحقق الحلي في الشرائع‬
‫(‪ )222/5‬عن الهبة‪> :‬وهي تفتقر إلى اإليجاب والقبول والقبض وهذا ما ذهب إليه‬
‫أيضا جمهور أهل السنة<‪ .‬ولنا أن نتساءل‪ :‬إن كانت فدك هبة فهل قبضتها السيدة‬
‫فاطمة حال حياة أبيها ‪‬؟ واإلجابة واضحة‪ ،‬فلو تملكتها ما سألتها الصديق‪،‬‬
‫بل ولعرف الجميع أحقيتها بها‪ .‬وهذا ما لم يحدث‪.‬‬
‫وتناسى أصحاب القول بهبة فدك أن اعتبارها هبة من النبي ‪ ‬البنته فاطمة‬
‫يناقض نظرية العدل بين األبناء التي نص عليها اإلسالم‪ ،‬حيث إن فدكا أفاءها اهلل‬
‫على نبيه ‪ ‬في عام خيبر في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت‬
‫رسول اهلل في السنة الثامنة من الهجرة‪ ،‬وتوفيت أم كلثوم في السنة التاسعة من‬
‫الهجرة‪ ،‬فكيف يُتصور أن يُعطي رسول اهلل فاطمة رضوان اهلل عليها ويدع أم كلثوم‬
‫وزينبا؟ ألم يعتبر النبي ‪ ‬مثل هذا الفعل جورا؟ كما في رواية النُّ ْع َما ُن ْب ُن‬
‫ض ا ْل َم ْو ِه َبة ِ ِم ْن َمالِه ِ ِال ْب ِن َها‪ ،‬فَا ْل َت َوى ب َِها َسنَة‬ ‫بَ ِشيرٍ‪ ،‬أَ َّن أُ َّم ُه ب ِْن َت َر َو َ‬
‫اح َة‪َ ،‬سأَل َ ْت أَبَ ُاه بَ ْع َ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ ‬علَى َما َو َه ْب َت ِال ْب ِني‪=،‬‬ ‫ثُ َّم بَ َدا ل َ ُه‪ ،‬فَ َقال َ ْت‪َ :‬ال أَ ْر َضى َح َّتى ُت ْش ِه َد َر ُس َ‬

‫‪232‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫استخلف على المسلمين لم‬


‫بل ويحاكم اإلمام عليا نفسه‪ ،‬ألنه ّلما ُ‬
‫يعط فدكا ألوالده بعد وفاة أمهم فاطمة بحيث يكون له الربع لوجود‬
‫الفرع الوارث‪ ،‬وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي {ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ} [النساء‪ ]11 :‬وهذا معلوم في التاريخ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ول اهللِ‪ِ ،‬إ َّن‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ،‬فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫فَأَ َخ َذ أَبِي ب َِي ِدي َوأَنَا يَ ْو َم ِئ ٍذ ُغ َالم‪ ،‬فَأَ َتى َر ُس َ‬ ‫=‬
‫اح َة أَ ْعجب َها أ َ ْن أُ ْش ِه َد َك َعلَى ال َّ ِذي َو َهب ُت ِالب ِن َها‪ ،‬فَ َق َال ر ُسولُ اهلل ِ‬ ‫أُ َّم َه َذا ب ِْن َت َر َو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫‪> :‬يَا بَ ِش ُير أَل َ َك َولَد ِس َوى َه َذا؟< قَ َال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَ َق َال‪> :‬أَ ُكلَّ ُه ْم َو َه ْب َت ل َ ُه ِم ْث َل‬
‫َه َذا؟< قَ َال‪َ :‬ال‪ ،‬قَ َال‪> :‬فَ َال ُت ْشه ِْدنِي ِإذا‪ ،‬فَ ِإنِّي َال أَ ْش َه ُد َعلَى َج ْو ٍر< (صحيح مسلم‪:‬‬
‫ح‪.)1052 :‬‬
‫فسمى النبي ‪ ‬تفضيل الرجل بعض أوالده على بعض بشيء من العطاء‬ ‫ّ‬
‫جورا‪ ،‬فكيف يُظن برسول اهلل ‪ ‬كنبي معصوم ال يشهد على جور أن يفعل‬
‫الجور عياذا باهلل؟ فيعطي فاطمة وينسى غيرها من بناته ومن لهن حق الميراث ممن‬
‫تبقين من زوجاته كعائشة وحفصة وغيرهما من نساء النبي ‪( .‬راجع‪ :‬كالم‬
‫علي نايف الشحود في شبهات حول الصحابة‪ :‬ص‪.)532‬‬
‫ولعلهم ال يرون صحة هذه الرواية‪ ،‬وبخاصة إذا علمنا أن الحر العاملي قد َّبوب في‬
‫وسائله (‪ )222/12‬بابا بعنوان‪ :‬باب جواز تفضيل بعض األوالد والنساء على بعض‬
‫في العطية‪ ،‬خصوصا مع المزية‪ ،‬وكراهة ذلك مع عدمها‪.‬‬
‫وقال المحقق الحلي في الشرائع‪ :)223/5( :‬ويجوز تفضيل بعض األوالد على‬
‫بعض في العطية على كراهية‪.‬‬
‫على أنه من اإلنصاف أن نقول‪ :‬إن هناك من علماء أهل السنة من يرى أن التسوية بين‬
‫األوالد مستحبة‪ ،‬وأن التفضيل يصح مع الكراهة‪.‬‬
‫لكن األمر هنا متعلق بشخص النبي ‪ .‬وهذا كله مبني على من قال من علماء‬
‫اإلمامية‪ :‬إن فدكا كانت هبة‪ ،‬والصحيح الواضح أن السيدة فاطمة طالبت بها إرثا‪،‬‬
‫ولذا أجابها الصديق بحديث النبي ‪> :‬إنا معشر األنبياء ال نورث<‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫بل يذكر السيد مرتضى ــ الملقب بعلم الهدى ــ في كتابه الشافي‬


‫في اإلمامة‪:‬‬
‫أ ّن األمر ّلما وصل إلى علي بن أبي طالب ‪ُ ‬كلّم في رد‬
‫فدك‪ ،‬فقال‪ :‬إني ألستحيي من اهلل أن أرد شيئا منع منه أبو بكر وأمضاه‬
‫عمر(‪.)1‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق فال صحة لما ادعاه الخوئي ومن َّلف لفيفه‬
‫من ذلة العباس وجبنه عن المطالبة بحقه وحق فاطمة في فدك‪..‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشافي في اإلمامة‪ 50/2 :‬ــ شرح نهج البالغة‪.525/10 :‬‬

‫‪221‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ ‬الشبهة الخامسة‪ :‬شبهة سوء العالقة بين عمر والعباس ‪‬‬

‫لعل من المتسالم عليه بين المسلمين الصادقين أن مجتمع‬


‫الصحابة أطهر مجتمع عرفته البشرية بصفائه وسمو أخالقه وانطباع آثار‬
‫النبوة في قلوب جل أصحابه؛ نتيجة لوجود النبي ‪ ‬فيه وبقائه‬
‫بين ظهراني أصحابه ردحا من الزمن؛ يعلِّمهم ويرشدهم‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫كان يعتريه ما يعتري كثيرا من مجتمعاتنا ــ شأن كل التجمعات البشرية ــ‬
‫حيث بعض النزاعات البينية التي كانت سرعان ما تخبو وتندثر‪ ،‬وبعض‬
‫المشادات التي تحتاج إلى تدخل طرف ثالث الحتوائها والحكم فيها‪.‬‬
‫ومحاولة تصويره على أنه خال من المشكالت صاف من النزاعات‬
‫محاولة فيها كثير من التعنت الذي يضر أكثر مما يفيد‪.‬‬
‫ولعل من جملة األمور االعتيادية والمواقف الحياتية التي كانت‬
‫كثيرا ما تحصل‪ ،‬ما كان بين عمر والعباس ‪ ‬مما تجري به العادة‬
‫غالبا من نحو نزاع على ميزاب‪ ،‬ومحاورة على شراء دار لتوسعة‬
‫المسجد‪ ،‬ومطالبة بصدقة ظُن استبطاؤها‪ ،‬ومحاولة الصعود بهذه األمور‬
‫االعتيادية إلى درجة الكره والبغض وتحميلها ما ال تحتمل هو ضرب‬
‫من الخيال‪ ،‬وسوء ظن بجيل الصحابة ‪.‬‬
‫وقد حاول البعض المبالغة في تلك الحوادث ومثيالتها‪ ،‬بل‬
‫والزيادة عليها‪ ،‬لتخدم مأربا خبيثا نشدوه‪ ،‬وباطال زهوقا قصدوه‪ ،‬حتى‬
‫قال المجلسي في شأن عالقة عمر بالعباس‪ :‬وقد آذاه عمر في ثالثة‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫مواطن ظاهرة غير خفية(‪.)1‬‬


‫أسس عليها‬
‫وفيما يلي بيان بعض تلك المواقف‪ ،‬وغيرها‪ ،‬والتي َّ‬
‫المجلسي وغيره شبهة سوء العالقة بين عمر والعباس ‪:‬‬

‫‪ 6‬ـ ـ عمر وميزاب العباس‪:‬‬


‫تقرير الشبهة‪:‬‬
‫من الحوادث التي حاول المغرضون اغتنامها والولوج من خاللها‬
‫لتشويه صورة العالقة بين عمر والعباس ما ذكره المجلسي في شأن قصة‬
‫ميزاب العباس‪ ،‬وقد سبق قول المجلسي عن العباس‪ :‬وقد آذاه عمر في‬
‫ثالثة مواطن ظاهرة غير خفية‪ ،‬منها‪ :‬قصة الميزاب‪ ،‬ولوال خوفه من‬
‫علي (ع) لم يتركه على حاله(‪.)5‬‬
‫ويبدأ المجلسي في سرد قصته عازيا إياها إلى إرشاد القلوب‬
‫للديلمي قائال‪ :‬دخل على النبي ‪ ‬عمه العباس وقال‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل! قد علمت ما بيني وبينك من القرابة والرحم الماسة‪ ،‬وأنا ممن‬
‫يدين اهلل بطاعتك‪ ،‬فاسأل اهلل تعالى أن يجعل لي بابا إلى المسجد‬
‫أتشرف بها على من سواي؟‪ .‬فقال له عليه وآله السالم‪ :‬يا عم! ليس‬
‫إلى ذلك سبيل‪ .‬فقال‪ :‬فميزابا يكون من داري إلى المسجد أتشرف به‬
‫على القريب والبعيد‪ .‬فسكت النبي صلى اهلل عليه وآله ــ وكان كثير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بحار األنوار‪.200/22 :‬‬
‫(‪ )5‬بحار األنوار‪.200/22 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫الحياء ــ ال يدري ما يعيد من الجواب خوفا من اهلل تعالى وحياء من‬


‫عمه العباس‪ ،‬فهبط جبرئيل ‪ ‬في الحال على النبي صلى اهلل عليه‬
‫وآله ــ وقد علم اهلل سبحانه ما في نفسه صلى اهلل عليه وآله من ذلك ــ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا محمد إن اهلل يأمرك أن تجيب سؤال عمك‪ ،‬وأمرك أن تنصب‬
‫له ميزابا إلى المسجد كما أراد‪ ،‬فقد علمت ما في نفسك وقد أجبتك‬
‫إلى ذلك كرامة لك ونعمة مني عليك وعلى عمك العباس‪ ،‬فكبر النبي‬
‫صلى اهلل عليه وآله وقال‪ :‬أبى اهلل إال إكرامكم يا بني هاشم وتفضيلكم‬
‫على الخلق أجمعين‪ ،‬ثم قام ومعه جماعة من الصحابة والعباس بين‬
‫يديه حتى صار على سطح العباس‪ ،‬فنصب له ميزابا إلى المسجد وقال‪:‬‬
‫معاشر المسلمين! إن اهلل قد شرف عمي العباس بهذا الميزاب فال‬
‫تؤذوني في عمي‪ ،‬فإنه بقية اآلباء واألجداد‪ ،‬فلعن اهلل من آذاني في‬
‫عمي وبخسه حقه أو أعان عليه‪ .‬ولم يزل الميزاب على حاله مدة أيام‬
‫النبي صلى اهلل عليه وآله وخالفة أبي بكر وثالث سنين من خالفة عمر‬
‫ابن الخطاب‪ ،‬فلما كان في بعض األيام وعك(‪ )1‬العباس ومرض مرضا‬
‫شديدا وصعدت الجارية تغسل قميصه فجرى الماء من الميزاب إلى‬
‫صحن المسجد‪ ،‬فنال بعض الماء ثوب الرجل‪ ،‬فغضب غضبا شديدا‬
‫وقال لغالمه‪ :‬اصعد واقلع الميزاب‪ ،‬فصعد الغالم فقلعه ورمى به إلى‬
‫سطح العباس‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل لئن رده أحد إلى مكانه ألضربن عنقه‪ ،‬فشق‬
‫ذلك على العباس ودعا بولديه عبد اهلل وعبيد اهلل ونهض يمشي متوكئا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الح َّمى‪ ،‬وقيل‪ :‬ألمها‪( .‬مقاييس اللغة‪ /‬وعك)‪.‬‬
‫(‪ )1‬الوعك‪ُ :‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫عليهما ــ وهو يرتعد من شدة المرض ــ وسار حتى دخل على أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬فلما نظر إليه أمير المؤمنين ‪ ‬انزعج لذلك‪،‬‬
‫وقال‪ :‬يا عم! ما جاء بك وأنت على هذه الحالة؟!‪ .‬فقص عليه القصة‬
‫وما فعل معه عمر من قلع الميزاب وتهدده من يعيده إلى مكانه‪ ،‬وقال‬
‫له‪ :‬يا ابن أخي! إنه كان لي عينان أنظر بهما‪ ،‬فمضت إحداهما وهي‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وبقيت األخرى وهي أنت يا علي‪ ،‬وما‬
‫أظن أن أظلم ويزول ما شرفني به رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وأنت‬
‫لي‪ ،‬فانظر في أمري‪ ،‬فقال له‪ :‬يا عم! ارجع إلى بيتك‪ ،‬فسترى مني ما‬
‫يسرك إن شاء اهلل تعالى‪ .‬ثم نادى‪ :‬يا قنبر! علي بذي الفقار‪ ،‬فتقلده ثم‬
‫خرج إلى المسجد والناس حوله وقال‪ :‬يا قنبر! اصعد فرد الميزاب إلى‬
‫مكانه‪ ،‬فصعد قنبر فرده إلى موضعه‪ ،‬وقال علي ‪ :‬وحق صاحب‬
‫هذا القبر والمنبر لئن قلعه قالع ألضربن عنقه وعنق اآلمر له بذلك‪،‬‬
‫وألصلبنهما في الشمس حتى يتقددا‪ ،‬فبلغ ذلك عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫فنهض ودخل المسجد ونظر إلى الميزاب‪ ،‬فقال‪ :‬ال يغضب أحدا أبا‬
‫الحسن فيما فعله‪ ،‬ونكفر عن اليمين‪ ،‬فلما كان من الغداة مضى أمير‬
‫المؤمنين إلى عمه العباس‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف أصبحت يا عم؟‪ .‬قال‪ :‬بأفضل‬
‫النعم ما دمت لي يا ابن أخي‪ .‬فقال له‪ :‬يا عم! طب نفسا وقر عينا‪،‬‬
‫فواهلل لو خاصمني أهل األرض في الميزاب لخصمتهم‪ ،‬ثم لقتلتهم‬
‫فقبل ما بين‬
‫بحول اهلل وقوته‪ ،‬وال ينالك ضيم يا عم‪ ،‬فقام العباس َّ‬
‫عينيه‪ ،‬وقال‪ :‬يا ابن أخي! ما خاب من أنت ناصره‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫عم رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪،‬‬‫فكان هذا فعل عمر بالعباس ِّ‬
‫وقد قال في غير موطن وصية منه في عمه العباس‪ :‬إ َّن عمي العباس بقية‬
‫اآلباء واألجداد فاحفظوني فيه‪ ،‬كل في كنفي‪ ،‬وأنا في كنف عمي‬
‫العباس‪ ،‬فمن آذاه فقد آذاني‪ ،‬ومن عاداه فقد عاداني‪ ،‬سلمه سلمي‪،‬‬
‫وحربه حربي(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بحار األنوار للمجلسي‪ 202/22 :‬ــ ‪ .200‬عن إرشاد القلوب ألبي الحسن الديلمي‪،‬‬
‫‪ ،235/5‬وعن المجلسي نقلها جعفر النقدي في األنوار العلوية‪( :‬ص‪ ،)23‬وفي‬
‫مستدرك سفينة البحار‪ )52/5( :‬ذكر علي النمازي الشاهرودي تحت عنوان‪ :‬خبر‬
‫الميزاب الذي كان له إلى المسجد‪ ،‬وحاصله أن النبي (صلى اهلل عليه وآله) لما أمر‬
‫بس ِّد األبواب استدعى العباس أن يجعل له بابا إلى المسجد فقال‪ :‬ليس إلى ذلك‬
‫سبيل‪ .‬فقال‪ :‬فميزابا يكون من داري إلى المسجد‪ ،‬أتشرف به‪ ،‬فأجابه إلى ذلك‪،‬‬
‫فنصب له ميزابا إلى المسجد‪ ،‬وقال‪ :‬معاشر المسلمين! إن اهلل تعالى قد شرف عمي‬
‫العباس بهذا الميزاب‪ ،‬فال تؤذوني في عمي‪ ،‬فإنه بقية اآلباء واألجداد‪ ،‬فلعن اهلل من‬
‫آذاني في عمي وبخسه حقه أو أهان عليه‪ ،‬ولم يزل الميزاب على حاله إلى أيام‬
‫الثاني‪ .‬فلما كان في بعض األيام وعك العباس ومرض مرضا شديدا‪ ..‬ثم ساق‬
‫الرواية على نحو قريب مما ذكره المجلسي‪.‬‬
‫وقد وردت عدة إشكاالت على عزو المجلسي للرواية إلى اإلرشاد‪ ،‬نظرا لخلو‬
‫النسخة المطبوعة من اإلرشاد والتي رجع إليها المحقق من هذه الرواية‪ ،‬ونقل هذا‬
‫اإلشكال محقق البحار‪ ،‬حيث قال‪( :‬حاشية‪ )225/22 :‬أقول‪ :‬إلى هنا اعتمدنا في‬
‫تخريجنا على إرشاد القلوب (في الحكم والمواعظ) ألبي محمد الحسن بن أبي‬
‫الحسن محمد الديلمي‪ ،‬الذي هو من منشورات دار الفكر ــ بيروت ــ‪ ،‬بتصور أنه هو‬
‫المصدر‪ ،‬إال أنه قد ظهر لنا بالتتبع وفقد بعض الموارد التي نقلها صاحب البحار ولم‬
‫نجدها فيه‪ ،‬ولنقله عن صاحب البحار في أكثر من مورد كما في قوله في المجلد‬
‫الثاني صفحة‪ :21 :‬ذكره المجلسي رحمه اهلل في المجلد التاسع من كتاب بحار=‬

‫‪220‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫والعجيب أن المجلسي في تقريره لهذه الشبهة‪ ،‬بناء على ما نسبه‬


‫لإلرشاد‪ ،‬قد نسج على أص ٍل صحيح‪ ،‬ثم زاد عليه من خياله‪ ،‬مطلقا‬
‫لقلمه العنان‪ ،‬مسترسال في سوق أحداث ال مصدر صحيح لها سوى‬
‫عقل مأفون وقلب مفتون قد ملئ حقدا على صاحب النبي ‪‬‬

‫وخليفته بعد الصديق أبي بكر عمر بن الخطاب‪ ،‬ولذا نراه قد وضع‬
‫خبره هذا تحت عنوان أسماه‪> :‬باب كفر الثالثة ونفاقهم وفضائح‬
‫أعمالهم وقبح آثارهم<‪ ،‬ويعني بالثالثة الخلفاء الثالثة األول الصديق‬
‫وعمر وعثمان‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= األنوار‪ ...‬والسيد البحراني في كتاب مدينة المعاجز بتغير ما‪ ،‬فمن أراده‬
‫فليراجعها‪ ..‬وغيرها من الموارد‪ ،‬أنه ليس هو الذي اعتمده صاحب البحار‪ ،‬كما أن‬
‫من المالحظ عليه أنه في المجلد األول من المطبوع يقول‪ :‬قال مصنف الكتاب‪..‬‬
‫أو‪ :‬يقول العبد الفقير إلى رحمة اهلل ورضوانه أبو محمد الحسن بن أبي الحسن أبي‬
‫محمد الديلمي جامع هذه اآليات من الذكر الحكيم‪ ،11/1 ،2/1 ..‬وغيرها أن‬
‫المجلد األول غير الثاني‪ ،‬إذ ال نجد مثل هذا هناك‪ ،‬وهذا الذي ذكرناه ألفينا‬
‫المرحوم ثقة اإلسالم الشهيد التبريزي في كتاب مرآة الكتب‪ 21/5 :‬ــ ‪ 25‬قد تفطن‬
‫إليه وإلى أمور تؤيده َحرِية بالمالحظة‪ .‬والحظ ما ذكره شيخنا الطهراني في‬
‫الذريعة‪ .215/1 :‬هذا ولعل المجلد الثاني المطبوع من إرشاد القلوب ما هو إال‬
‫تلخيص له مع إضافات منه‪ ،‬وهو للشيخ شرف الدين يحيى بن عز الدين حسين بن‬
‫عشيرة بن ناصر البحراني نزيل يزد‪ ،‬كما حكى عنه في رياض العلماء‪ .‬وعلى كل‪،‬‬
‫فإنا لم نجد هذا الحديث في إرشاد القلوب مع كل ما تفحصنا فيه وراجعناه أكثر من‬
‫مرة‪.‬‬
‫وقد حاول القوم تدارك هذه السقطات فقاموا بإعادة طبع اإلرشاد بتحقيق هاشم‬
‫الميالني‪ ،‬وضمت الطبعة هذه الروايات‪ ،‬فوجب التنبيه‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫* الرد‪:‬‬
‫وعند النظر في الرواية التي ساقها المجلسي في بحاره نجد أنه قد‬
‫عزاها وغيرها إلى اإلرشاد للديلمي‪ ،‬دون ذكر إسناد لها‪.‬‬
‫وبحار األنوار كما هو معلوم جامع روائي ألفه المجلسي في أواخر‬
‫القرن الحادي عشر من الهجرة‪ ،‬عازيا مروياته إلى مصادرها التي تلقى‬
‫أكثرها بالوجادة‪ ،‬ومع عزوه روايته تلك إلى إرشاد القلوب إال أنه لم‬
‫يسق لنا إسنادها حتى يتسنى لنا البحث في رجاله‪ ،‬وغاية ما فعله أنه‬
‫أسس إيراده لتلك الرواية على أصل صحيح وهو حادثة المنازعة بين‬
‫عمر والعباس في الميزاب‪ ،‬ثم ساق الرواية تلك وقد حشيت باألباطيل‬
‫عم النبي ‪ ‬العباس الذلة والخور؛ حيث‬ ‫والترهات‪ ،‬ناسبة إلى ِّ‬
‫لم يستطع دفع صولة عمر على ميزابه‪ ،‬وواصما عمر بالظلم والتعدي‬
‫وهضم حق عم النبي ‪ ،‬ثم الجبن لخشيته من علي وتقاصره‬
‫عن مواجهته وهذا ما ُص ِّرح به في آخر الرواية حيث ورد فيها‪ :‬ولوال‬
‫خوفه ــ أي عمر ــ من علي لم يتركه ــ الميزاب ــ على حاله(‪.)1‬‬
‫ثم نسبت الرواية إلى علي الشجاعة واإلقدام وهي مسألة ال ننازع‬
‫فيها‪ ،‬فعلي معروف بها‪ ،‬ولكن المنازعة في الخلط والتشويه المتعمد‬
‫للسيرة والتاريخ‪ ،‬سواء من صاحب اإلرشاد إن صحت النسبة إليه‪ ،‬أو‬
‫من المجلسي الذي انتقى هذه الرواية وحشى بها بحاره‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بحار األنوار‪.200/22 :‬‬

‫‪223‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وفيما يلي نقدم عرضا للحادثة مسندة معزوة إلى مظانها المعتبرة‪،‬‬
‫اط ْب ُن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ح َّدثَنَا ِه َش ُام ْب ُن‬ ‫فقد أخرج أحمد في مسنده َح َّدثَنَا أَ ْس َب ُ‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب‪ ،‬أَ ِخي َع ْب ِد اهلل ِ‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫َس ْع ٍد‪َ ،‬ع ْن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن َع َّبا ِ‬
‫اب‪ ،‬فَلَب َِس ُع َم ُر ثِ َيابَ ُه يَ ْو َم‬ ‫س ِم َيزاب َعلَى َطرِي ِق ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخطَّ ِ‬ ‫َكا َن لِ َلع َّبا ِ‬
‫اب‪ُ ،‬ص َّب َماء‬ ‫س فَ ْر َخا ِن‪ ،‬فَلَ َّما َوافَى ا ْل ِم َيز َ‬ ‫ا ْل ُج ُم َعةِ‪َ ،‬وقَ ْد َكا َن ُذبِ َح لِ َلع َّبا ِ‬
‫اب ُع َم َر َو ِفيه ِ َد ُم ا ْل َف ْر َخ ْي ِن‪ ،‬فَأَ َم َر ُع َم ُر بِ َق ْل ِعه ِ‪،‬‬ ‫بِ َدمِ ا ْل َف ْر َخ ْي ِن‪ ،‬فَأَ َص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء فَ َصلَّى‬ ‫ثُ َّم َر َج َع ُع َم ُر‪ ،‬فَطَ َر َح ث َيابَ ُه‪َ ،‬ولَب َِس ث َيابا َغ ْي َر ث َيابِه ِ‪ ،‬ثُ َّم َج َ‬
‫اس‪ ،‬فَ َق َال‪َ > :‬واهلل ِ ِإنَّ ُه ل َ ْل َم ْو ِض ُع ال َّ ِذي َو َض َع ُه النَّب ُِّي‬ ‫س‪ ،‬فَأَ َت ُاه ا ْل َع َّب ُ‬ ‫بِالنَّا ِ‬
‫س‪َ :‬وأَنَا أَ ْعز ُِم َعلَ ْي َك ل َ َّما َص ِع ْد َت َعلَى‬ ‫‪ ،<‬فَ َق َال ُع َم ُر لِ َلع َّبا ِ‬
‫ول اهلل ِ ‪ ،‬فَ َف َع َل‬ ‫ظ َْهرِي َح َّتى َت َض َع ُه ِفي ا ْل َم ْو ِض ِع ال َّ ِذي َو َض َع ُه َر ُس ُ‬
‫اس ‪.)1(‬‬ ‫َذلِ َك ا ْل َع َّب ُ‬
‫والرواية السابقة حسنة بمجموع طرقها‪ ،‬والناظر إليها يظهر له‬
‫خلوها من النزعة الشخصية‪ ،‬فالنزاع بين عمر والعباس ‪ ‬رغم كونه‬
‫يسيرا إال أنه لم يكن لمصلحة شخصية آنية من عمر ألجأته إلزالة‬
‫مصبه‪ ،‬ولكن الدافع‬
‫الميزاب بادئ األمر نتيجة لتأثره بما سقط عليه من ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند ح (‪ )1522‬وفي الفضائل‪ :‬ح (‪ )1501‬والرواية حسنها‬
‫الشيخ شعيب بمجموع طرقها (راجع تخريج الشيخ شعيب للحديث في المسند‪:‬‬
‫‪ .)222/2‬وراجع تخريجها كامال‪ :‬ص ‪ 221‬ــ ‪.225‬‬
‫وفي رواية البحار (‪ :)202/22‬أن الذي أعاده علي‪ ...‬وقال بعدها‪ :‬واللّه لئن ر ّده‬
‫ألضربن عنقه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أحد إلى مكانه‬

‫‪222‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫هو إزالة ما قد يُلحق ضررا بالمسلمين‪ ،‬وفي هذا يقول الشوكاني‪:‬‬


‫ِيب إلَى ال ُّط ُر ِق ل َ ِك ْن بِ َش ْر ِط‬‫إخ َرا ِج ا ْل َم َياز ِ‬ ‫يث ِفيه ِ َدلِيل َعلَى َج َوا ِز ْ‬ ‫َوا ْل َح ِد ُ‬
‫يث‬‫ين‪ ،‬فَ ِإ ْن َكانَ ْت َك َذلِ َك ُم ِن َع ْت ِألَ َحادِ ِ‬ ‫أَ ْن َال َت ُكو َن ُم ْح َدثَة َت ُض ُّر بِا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫الض َرا ِر‪ ،‬قَ َال ِفي ا ْل َب ْح ِر‪َ :‬م ْسأَل َ ُة ا ْل ِع ْت َر ِة‪َ :‬ويُ ْمنَ ُع ِفي ال َّطرِي ِق‬ ‫ا ْل َم ْن ِع ِم ْن ِّ‬
‫الذ ْب ُح ِف َيها‬
‫الش ْو ِك َو َو ْض ُع ا ْل َح َط ِب َو َّ‬ ‫ور أَ ْح َما ِل َّ‬ ‫اء َوا ْل َح ْف ُر َو ُم ُر ُ‬‫ا ْل َغ ْر ُس َوا ْلبِنَ ُ‬
‫ِيب َو َر ْبطُ‬ ‫السو ِ‬
‫اح ِل َوا ْل َم َياز ِ‬ ‫اث َّ َ‬ ‫الر َمادِ َوقِ ْش ِر ا ْل َم ْو ِز َو ِإ ْح َد ُ‬
‫َوط َْر ُح ا ْل ُق َم َامةِ َو َّ‬
‫الضارِيَةِ لِ َما ِف َيها ِم ْن ْاألَ َذى(‪.)1‬‬ ‫ا ْل ِك َال ِب َّ‬
‫والرواية ال تتضمن أي َمعلم يشير تصريحا أو تلميحا إلى سوء‬
‫العالقة بين الفاروق وعم النبي ‪ ،‬كما ال تضم أي ذكر أو‬
‫إشارة الستنجاد العباس بعلي بن أبي طالب لينصره ويدفع عنه الضيم‪.‬‬
‫فالذي دفع عمر إلزالة ميزاب العباس هو منع الضرر الذي قد‬
‫يلحق بالمسلمين عند مرورهم أسفل الميزاب‪ ،‬وما كان من العباس إال‬
‫أن ذكَّر عمر بأن واضع الميزاب هو رسول اهلل ‪ ،‬وهنا تظهر‬
‫أخالق اإلسالم وتربية الرسول ‪ ،‬ويقسم عمر على العباس أن‬
‫ومقره‪ ،‬حيث وضعه الرسول ‪ ،‬وليس‬ ‫يضع الميزاب في محل ِّه ِّ‬
‫هذا فحسب‪ ،‬بل ويعزم عليه أن يمتطي ظهره ليتمكن من ذلك(‪.)5‬‬
‫حد‬
‫ولو تمادينا مع رواية المجلسي المنقولة عن اإلرشاد إلى أبعد ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نيل األوطار‪.212/2 :‬‬
‫(‪ )5‬وقد حاول المجلسي أن ينسج على تلك الحادثة قصة ابتكرها خياله ومن لف لفيفه‪،‬‬
‫فكان ما ذكره‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ممكن‪ ،‬وفرضنا جدال صحتها‪ ،‬فسنجدها شاهدة على تقدير عمر لعلي‬
‫وحرصه على إرضائه‪ ،‬فبعد أن تأذى عمر من الميزاب‪ ،‬وأمر بقلعه إبان‬
‫ثورة غضبه‪ ،‬عاد علي وأمر بوضعه حيث كان‪ ،‬ولما رآه عمر كان‬
‫بإمكانه اقتالعه مرة ثانية ال سيما وهو أمير المؤمنين‪ ،‬وصاحب السلطة‬
‫الفعلية‪ ،‬ولو أشار بأصبعه قاصدا اقتالعه لبادرت حشود بفعل ذلك‬
‫إرضاء للخليفة‪ ،‬ولكنه وحسب الرواية لم يفعل‪ ،‬وما كان منه إال أن‬
‫أرضى عليا وأالن له الكالم‪ ،‬وهذا على فرضية وهمية وهي صحة ما‬
‫ورد في الرواية‪ ،‬فكيف ونحن ال نعلم لها إسنادا وال مصدرا معتبرا؟‪.‬‬

‫‪021‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 2‬ـ ـ سوق عكاظ بين عمر والعباس ‪: ‬‬


‫تقرير الشبهة‬
‫(‪)1‬‬
‫عمر‬
‫ُ‬ ‫فيها‬ ‫آذى‬ ‫التي‬ ‫وأما عن الموطن الثاني من المواطن الثالثة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬والموطن الثالث‪ ،‬أو الرواية الثالثة‪ ،‬أو إن شئت فسمها المظلمة األسطورية الثالثة‪،‬‬
‫وقبله وقال‬
‫فمفادها أن العباس دخل يوما على النبي ‪ ‬فسر به النبي ‪َّ ‬‬
‫له‪ :‬يا عم! أطلب مني شيئا أتحفك به على سبيل الهدية‪ .‬فقال‪ :‬يا ابن أخي! أريد من‬
‫الشام الملعب‪ ،‬ومن العراق الحيرة‪ ،‬ومن هجر الخط‪ ،‬وكانت هذه المواضع كثيرة‬
‫العمارة‪ ،‬فقال له النبي صلى اهلل عليه وآله‪ :‬حبا وكرامة‪ ،‬ثم دعا عليا ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اكتب لعمك العباس هذه المواضع‪ ،‬فكتب له أمير المؤمنين كتابا بذلك‪ ،‬وأملى‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وأشهد الجماعة الحاضرين‪ ،‬وختم النبي صلى اهلل عليه‬
‫وآله بخاتمه وقال‪ :‬يا عم! إن يفتح اهلل تعالى هذه المواضع فهي لك هبة من اهلل تعالى‬
‫ورسوله‪ ،‬وإن فتحت بعد موتي فإني أوصي الذي ينظر بعدي في األمة بتسليم هذه‬
‫المواضع إليك‪ .‬ثم قال‪ :‬معاشر المسلمين! إن هذه المواضع المذكورة لعمي العباس‪،‬‬
‫فعلى من يغير عليه أو يبدله أو يمنعه أو يظلمه لعنة اهلل ولعنة الالعنين‪ ،‬ثم ناوله‬
‫الكتاب‪ ،‬فلما ولي عمر وفتح هذه المواضع المذكورة أقبل عليه العباس بالكتاب‪،‬‬
‫فلما نظر فيه دعا رجال من أهل الشام وسأله عن الملعب‪ ،‬فقال‪ :‬يزيد ارتفاعه على‬
‫عشرين ألف درهم‪ ،‬ثم سأل عن اآلخرين‪ ،‬فذكر له أن ارتفاعهما تقوم بمال كثير‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا أبا الفضل! إن هذا المال كثير ال يجوز لك أخذه من دون المسلمين‪ .‬فقال‬
‫العباس‪ :‬هذا كتاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله يشهد لي بذلك قليال كان أو كثيرا‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬واهلل إن كنت تساوي المسلمين في ذلك وإال فارجع من حيث أتيت‪،‬‬
‫فجرى بينهما كالم كثير غليظ‪ ،‬فغضب عمر ــ وكان سريع الغضب ــ فأخذ الكتاب‬
‫من العباس وم َّزقه وتفل فيه ورمى به في وجه العباس‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل؟ لو طلبت منه حبة‬
‫واحدة ما أعطيتك‪ ،‬فأخذ العباس بقية الكتاب وعاد إلى منزله حزينا باكيا شاكيا إلى‬
‫اهلل تعالى وإلى رسوله‪ ،‬فصاح العباس بالمهاجرين واألنصار‪ ،‬فغضبوا لذلك وقالوا‪=:‬‬

‫‪025‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫العباس والتي أشار إليها المجلسي‪ ،‬فهو ما يتعلق بهضم عمر حق العباس‬
‫َ‬
‫في سوق عكاظ‪.‬‬
‫وقد أورد فيه المجلسي رواية أسطورية لم يذكر لها مصدرا ولم‬
‫يورد لها سندا‪ ،‬وتتلخص في أن العباس كانت له على النبي ‪‬‬

‫يد سابقة وجميل متقدم قبل بعثته حيث أنفق عليه في وليمة عبد اهلل بن‬
‫جدعان ستين ألف دينار‪ ،‬مكافأة البن جدعان على إكرامه رسول اهلل‬
‫‪ ‬حينما نزل ضيفا عليه‪ ،‬فكافأه العباس بأن أع َّد له وليمة نحر‬
‫الج ُزور ونصب القدور‪ ،‬واجتمع عليها أهل مكة وسائر بطون قريش‬ ‫فيها َ‬
‫وكثير من أحياء العرب وكانت أشبه بعيد أكبر‪ ..‬فلما بعث النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يا عمر! تخرق كتاب رسول اهلل وتلقي به في األرض‪ ،‬هذا شيء ال نصبر عليه‪.‬‬ ‫=‬
‫فخاف عمر أن ينخرم عليه األمر‪ ،‬فقال‪ :‬قوموا بنا إلى العباس نسترضيه ونفعل معه ما‬
‫يصلحه‪ ،‬فنهضوا بأجمعهم إلى دار العباس فوجدوه موعوكا لشدة ما لحقه من الفتن‬
‫واأللم والظلم‪ ،‬فقال‪ :‬نحن في الغداة عائدوه إن شاء اهلل تعالى ومعتذرون إليه من‬
‫فعلنا‪ ،‬فمضى غد وبعد غد ولم يعد إليه وال اعتذر منه‪ ،‬ثم فرق األموال على‬
‫المهاجرين واألنصار وبقي كذلك إلى أن مات‪ .‬ثم يختم المجلسي كالمه قائال‪ :‬ولو‬
‫أخذنا في ذكر أفعاله ــ عمر ــ لطال الكتاب‪ ،‬وهذا القدر فيه عبرة ألولي األلباب‪.‬‬
‫(إرشاد القلوب للديلمي‪ ،235/5 :‬وعنه المجلسي في البحار‪ ،202/22 :‬وعنه أبو‬
‫الحسن المرندي في مجمع النورين‪ :‬ص ‪.)522‬‬
‫وقد سقت هذه الرواية في الحاشية السفلية ال ألجل الرد عليها‪ ،‬فهي أهوى وأقل من‬
‫أن يلتفت إليها السيما وقد سيقت بال إسناد‪ ،‬وحشيت بالكذب الصراح‪ ،‬والتجني‬
‫الواضح‪ ،‬وجل قصدي من وراء ذكرها بيان مدى تهافت عقل من يتخرص بهذه‬
‫األمور‪ ،‬وضحالة حجته‪ ،‬وخسة نفسه وفساد مأربه‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ ‬وفتح مكة أوحى اهلل إليه أن في نفس العباس شهوة من سوق‬


‫عكاظ‪ ،‬فامنحه إياه في مدة حياته‪ ،‬وولده بعد وفاته؛ مكافأة له على ما‬
‫فعله مع النبي ‪ ،‬فأعطاه ذلك‪ ،‬ثم قال صلى اهلل عليه وآله‪ :‬أال‬
‫لعنة اهلل على من عارض عمي في سوق عكاظ ونازعه فيه‪ ،‬ومن أخذه‬
‫منه فأنا برئ منه وعليه لعنة اهلل والمالئكة والناس أجمعين‪ ،‬فلم يكترث‬
‫عمر بذلك وحسد العباس على دخول سوق عكاظ‪ ،‬وغصبه منه‪ ،‬ولم‬
‫يزل العباس متظلما إلى حين وفاته(‪.)1‬‬

‫* الرد‪:‬‬
‫ولنا لنا نتساءل عن مصدر تلك الرواية‪ ،‬وعن إسنادها إن ُوجد‪،‬‬
‫ولقد بحثت في مصادر أهل السنة وغيرهم عن أي مصدر لتلك الرواية‪،‬‬
‫أو أي إسناد لها‪ ،‬فعدت بخفي حنين‪ ،‬ولم أجد ذاكرا لها غير المجلسي‬
‫فيما عزاه إلى الديلمي في اإلرشاد‪ ،‬وعنه أبو الحسن المرندي أيضا بال‬
‫إسناد‪.‬‬
‫فعدت قانعا من الغنيمة باإلياب غير مكترث بالرد عليها‪ ،‬إلى أن‬
‫مطو ٍل نسبيا من قِبل جعفر مرتضى العاملي الذي انبرى‬
‫عثرت على رد َّ‬
‫لرد تلك الشبهة ال ُحبا في العباس ‪ ،‬وال غيرة على عمر ‪،‬‬
‫مسبقا من العباس ونظرة قديمة إليه‪ ،‬حيث‬‫ولكن ما دفعه كان موقفا َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع بحار األنوار‪ 203/22 :‬عن إرشاد القلوب للديلمي‪ ،‬وعنه أبو الحسن‬
‫المرندي في مجمع البحرين‪ :‬ص‪.522‬‬

‫‪022‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫يرونه بعيدا عن كل فضل‪ ،‬وعاجزا عن أي مكرمة‪ ،‬وبهذا لم يمنحه‬


‫النبي ‪ ‬شيئا‪ ،‬ولم يكن أهال لشيء‪ ،‬فكان ر ُّده على الشبهة‬
‫شبهة في ح ِّد ذاته‪ ،‬وإليك البيان‪.‬‬
‫قال جعفر مرتضى العاملي بعد أن ذكر رواية المجلسي السابقة‬
‫بإيجاز‪:‬‬
‫إن لنا على هذا النص العديد من المؤاخذات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قال العالمة الشيخ محمد تقي التستري ما محصله‪ :‬إن‬
‫مضمون هذا الحديث يدل على كذبه‪ ،‬ولو كان صحيحا‪ ،‬فلِم لَم يذكر‬
‫مضامينه المفيد‪ ،‬والمرتضى‪ ،‬ولم يرد في كتاب آخر‪ ،‬أو خبر(‪)1‬؟‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ما معنى‪ :‬أن ينفق العباس على رسول اهلل >صلى اهلل عليه‬
‫وآله< في وليمة شخص آخر وهو عبد اهلل بن جدعان؟ فإن المفروض‪:‬‬
‫أن يكون من ينفق في الوليمة هو صاحبها‪ ،‬وأن ال يرضى بأن يشاركه‬
‫غيره في اإلنفاق؛ ألن ذلك يتضمن انتقاصا من مقامه‪ ،‬وتشكيكا في‬
‫قيامه بما يتوجب عليه(‪.)5‬‬
‫ثالثا‪ :‬ما معنى‪ :‬أن يحسد عمر العباس على دخول عكاظ؟ فإن‬
‫المفروض هو‪ :‬أن يحسده على حصته في ذلك السوق‪ ،‬ال على مجرد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬قاموس الرجال‪.12/0 ،‬‬
‫(‪ )5‬هكذا أوردها العاملي‪ ،‬وعند النظر وبعيدا عن الرواية نجد أنه ال غضاضة في مثل هذا‬
‫األمر‪ ،‬وبخاصة إذا كان بين من يجمعهم نسب‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫الدخول فيه‪ ،‬علما بأن الناس كلهم يقدرون على دخول سوق عكاظ‪،‬‬
‫ومنهم عمر نفسه؟ إال أن يكون المقصود هو دخوله بعنوان كونه مالكا‬
‫وشريكا في جزء منه‪ ،‬ال مطلقا‪ ،‬ولكن لماذا ال يفصح هذا القائل عن‬
‫مراده‪ ،‬ويورد الكالم بصورة مبهمة؟‬
‫رابعا‪ :‬هل كان ذلك السوق مملوكا ألشخاص‪ ،‬أم كان مجرد‬
‫مكان عام واسع يجتمع به الناس‪ ،‬ويبيعون ويشترون‪ ،‬ويتناشدون‬
‫األشعار‪ ،‬وما إلى ذلك؟‪.)1(..‬‬
‫‪‬‬ ‫ونالحظ هنا نبرة العداء والبغض الواضحة لعم النبي‬
‫العباس ‪ ،‬وهي مسألة ثابتة عند القوم‪ ،‬وسيأتي تفصيلها في الشبهة‬
‫بذم العباس عندهم‪.‬‬
‫الخاصة ِّ‬
‫وعلى كل فقد كفانا العاملي مؤنة الرد على الرواية وبخاصة ما نقله‬
‫عن التستري من أن مضمون هذا الحديث يدل على كذبه‪ ،‬ولو كان‬
‫صحيحا‪ ،‬فلِم لَم يذكر مضامينه المفيد‪ ،‬والمرتضى‪ ،‬ولم يرد في كتاب‬
‫آخر‪ ،‬أو خبر‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحيح من سيرة النبي األعظم‪ :‬جعفر العاملي‪.02/55 ،‬‬

‫‪020‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 3‬ـ ـ قصة النزاع في دار العباس (بين الشح والخصومة)‬


‫تقرير الشبهة‬
‫من الشبهات الواردة حول عالقة عمر بالعباس ‪ ‬والتي قد‬
‫يسيء البعض فهمها لغرض في نفسه ما روي في قصة نزاع عمر مع‬
‫ضم دار العباس لتوسعة المسجد‪.‬‬
‫العباس بشأن ِّ‬
‫الر ْح َم ِن‪،‬‬ ‫أخرج البيهقي في الكبرى بسنده َع ْن أَبِي َسلَ َم َة ْب ِن َع ْب ِد َّ‬
‫اب‬ ‫َو َس ِعي ِد ْب ِن ا ْل ُم َسيِّ ِب‪َ ،‬ع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة قَ َال‪ :‬ل َ َّما أَ َر َاد ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫‪ ‬أَ ْن يَزِي َد ِفي َم ْس ِج ِد َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬وقَ َع ْت زِيَ َاد ُت ُه َعلَى َدا ِر‬
‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ‪ ،‬فَأَ َر َاد ُع َم ُر ‪ ‬أَ ْن يُ ْد ِخلَ َها ِفي َم ْس ِج ِد‬ ‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ‬وي َع ِّو َض ُه ِم ْن َها‪ ،‬فَأَبى َوقَ َال‪ :‬قَ ِط َيع ُة ر ُسو ِل اهلل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪َ ‬و ْاخ َتلَ َفا فَ َج َع َال بَ ْينَ ُه َما أُبِ َّي ْب َن َك ْع ٍب ‪ ،‬فَأَ َت َي ُاه ِفي َم ْن ِزلِه ِ‪،‬‬
‫ين‪ ،‬فَأَ َم َر ل َ ُه َما بِ ِو َس َاد ٍة فَأُ ْل ِق َي ْت ل َ ُه َما‪ ،‬فَ َجلَ َسا‬
‫َو َكا َن يُ َس َّمى َسيِّ َد ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫َعلَي َها بي َن ي َديه ِ‪ ،‬فَ َذ َكر ُعمر ما أَر َاد‪َ ،‬و َذ َكر ا ْل َعباس قَ ِط َيع َة ر ُسو ِل اهلل ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫ْ َْ َ ْ‬
‫‪ ،‬فَ َق َال أُبَي‪ِ > :‬إ َّن اهللَ َع َّز َو َج َّل أَ َم َر َع ْب َد ُه َونَب َِّي ُه َد ُاو َد ‪ ‬أَ ْن‬
‫يَ ْب ِن َي ل َ ُه بَ ْيتا‪ ،‬قَ َال‪ :‬أَ ْي َر ِّب‪َ ،‬وأَ ْي َن َه َذا ا ْل َب ْي ُت؟ قَ َال‪َ :‬ح ْي ُث َت َرى ا ْل َملَ َك‬
‫الص ْخ َر ِة‪َ ،‬و ِإ َذا َما ُهنَا َك يَ ْو َم ِئ ٍذ أَ ْن َدر لِ ُغ َالمٍ ِم ْن‬ ‫َشا ِهرا َس ْي َف ُه‪ ،‬فَ َر ُآه َعلَى َّ‬
‫بَ ِني ِإ ْس َرائِ َيل‪ ،‬فَأَ َت ُاه َد ُاو ُد فَ َق َال‪ِ :‬إنِّي قَ ْد أُ ِم ْر ُت أَ ْن أَ ْب ِن َي َه َذا ا ْل َم َكا َن بَ ْيتا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اي؟‬ ‫للَّه ِ َع َّز َو َج َّل‪ ،‬فَ َق َال ل َ ُه ا ْل َف َتى‪ :‬اهللُ أَ َم َر َك أَ ْن َت ْأ ُخ َذ َها منِّي بِ َغ ْي ِر ر َِض َ‬
‫‪025‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫قَ َال‪َ :‬ال‪ ،‬فَأَ ْو َحى اهللُ ِإلَى َد ُاو َد ‪ ‬أَنِّي قَ ْد َج َع ْل ُت ِفي يَ ِد َك َخ َزائِ َن‬
‫ض فَأَ ْر ِضه ِ‪ ،‬فَأَ َت ُاه َد ُاو ُد فَ َق َال‪ِ :‬إنِّي قَ ْد أُ ِم ْر ُت بِر َِضا َك‪ ،‬فَلَ َك بِ َها قِ ْن َطار‬ ‫ْاألَ ْر ِ‬
‫ِم ْن َذ َه ٍب‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ ْد قَ ِب ْل ُت يَا َد ُاو ُد‪َ ،‬و ِه َي َخ ْير أَمِ ا ْل ِق ْن َط ُار؟ قَ َال‪ :‬بَ ْل ِه َي‬
‫َخ ْير‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَأَ ْر ِضي‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَلَ َك بِ َها ثَ َال ُث قَنَا ِط َير‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَلَ ْم يَ َز ْل يُ َش ِّد ُد‬
‫آخذُ ل َ َها‬ ‫الله َّم َال ُ‬ ‫اس‪ُ :‬‬ ‫َعلَى َد ُاو َد َح َّتى َر ِض َي ِم ْن ُه بِ ِت ْس ِع قَنَا ِط َير< قَ َال ا ْل َع َّب ُ‬
‫ين‪ ،‬فَ َق ِبلَ َها ُع َم ُر ‪ِ ‬م ْن ُه‬ ‫اعةِ ا ْل ُم ْسلِ ِم َ‬
‫ثَ َوابا َوقَ ْد َت َص َّد ْق ُت بِ َها َعلَى َج َم َ‬
‫فَأَ ْد َخلَ َها ِفي َم ْس ِج ِد َر ُسو ِل اهلل ِ ‪.)1(‬‬
‫وقد يحاول بعض أصحاب النفوس المريضة إساءة الفهم في هذه‬
‫الرواية وينسب الى العباس الشح بماله‪ ،‬لدرجة أوقعته في خصومة مع‬
‫الفاروق عمر ال لشيء إال ألنه حثه على التصدق‪ ،‬وما إذعانه في مختتم‬
‫األمر إلى من باب الحرج‪.‬‬

‫* الرد‪:‬‬
‫الناظر إلى الرواية السابقة سيجد أنها أبعد ما تكون عن الشح‬
‫المزعوم‪ ،‬وكذا النزاع بمعناه الظاهري الناشئ عن خصومة بين اثنين‪،‬‬
‫إن الرجلين يكنان الحب لبعضهما‪ ،‬ويسود بينهما اإلخاء والتقدير‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )11515‬واللفظ له‪ ،‬وابن سعد في الطبقات‬
‫(‪ )51/2‬من رواية َسالِ ٍم أَبِي النَّ ْضرِ‪ ،‬ومن طريقه ابن عساكر في التاريخ (‪/50‬‬
‫‪ .)252‬وأورد الحاكم في المستدرك (ح‪ )2253 :‬نحوا منه من حديث عمر بن‬
‫الخطاب إال أنه ذكر أن حذيفة بن اليمان هو من احتكما إليه بدال من أبي بن كعب‪.‬‬

‫‪023‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وهذا واضح في نص عبارات الرواية‪ ،‬والعباس كان من أجود الناس‬


‫وأكرمهم‪ .‬ولكن المسألة هنا لها أبعادها‪ ،‬وامتناع العباس في أول األمر‬
‫له ما يبرره‪ ،‬وهو ما ذكره العباس نفسه حيث قال معلال امتناعه‪> :‬قطيعة‬
‫رسول اهلل ‪<‬؛ ألن النبي ‪ ‬أقطعه إياها‪ ،‬فكيف يتسنى‬
‫له أن يرد ما أقطعه له الرسول ‪‬؟ إنه استعظم األمر فكان‬
‫االمتناع‪ ،‬وفور ما أبدى أُبِ ُّي ْب َن َك ْع ٍب حكمه في المسألة واستبان‬
‫للعباس أن األمر غير خادش في تقديره للنبي ‪ ‬تنازل عنها دون‬
‫مقابل‪ ،‬ولو كان مقصد العباس ‪ ‬من رفضه‪ ،‬حب المال والطمع في‬
‫زيادته أو المساومة على أكبر نصيب منه لما تص َّدق بها بال مقابل‪.‬‬
‫فاألمر متعلق باستعظام قطيعة النبي ‪ ،‬فكيف للعباس أن‬
‫يردها؟ وهذا أيضا مروي عن الفاروق عمر ‪ ‬حيث ع َّظم قطيعة‬
‫النبي ‪ ‬في أرض مزينة‪.‬‬
‫ففي الخراج ألبي يوسف‪َ :‬ح َّدثَ ِني ْاب ُن أَبِي نُ َج ْي ٍح‪َ ،‬ع ْن َع ْمرِو ْب ِن‬
‫س ِم ْن ُم َز ْينَ َة أَ ْو ُج َه ْينَ َة أَ ْرضا‬ ‫ول اهلل ِ أَ ْق َط َع ألُنَا ٍ‬ ‫ُش َع ْي ٍب‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ >أَ َّن َر ُس َ‬
‫اص َم ُه ُم ا ْل َج ْه ِن ُّيو َن أَ ِو ا ْل ُم َزنِ ُّيو َن ِإلَى‬
‫وها فَ َخ َ‬ ‫اء قَ ْوم فَ َع َم ُر َ‬ ‫وها‪ ،‬فَ َج َ‬ ‫فَلَ ْم يَ ْع ُم ُر َ‬
‫اب َر ِض َي اهللُ َت َعالَى َع ْن ُه‪ .‬فَ َق َال‪ :‬ل َ ْو َكانَ ْت ِمنِّي أَ ْو ِم ْن أَبِي‬ ‫ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫بَ ْك ٍر ل َ َر َد ْد ُت َها‪َ ،‬ول َ ِكنَّ َها قَ ِط َيعة ِم ْن َر ُسو ِل اهلل ِ‪ ،‬ثُ َّم قَ َال‪َ :‬م ْن َكانَ ْت ل َ ُه أَ ْرض‬
‫آخ ُرو َن فَ ُه ْم أَ َح ُّق بِ َها<(‪.)1‬‬ ‫الث ِس ِن َ‬
‫ين فَلَ ْم يَ ْع ُم َر َها فَ َع َم َر َها َ‬ ‫ثُ َّم َت َر َك َها ثَ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو يوسف في الخراج‪ :‬ص ‪ ،52‬وابن زنجويه في األموال‪،022/5 :‬‬
‫والقاسم بن سالم في األموال‪ :‬ص ‪.200‬‬

‫‪022‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ففي الرواية ر َّد عمر للقوم قطيعة رسول اهلل ‪ ،‬إكراما منه‬
‫للنبي ‪ ‬ورعاية لحقه وتأدبا معه حتى بعد وفاته‪ ،‬علما بأنها لو‬
‫كانت قطيعته أو قطيعة أبي بكر ما ر ّدها؛ ألن من فقهه أن األرض لمن‬
‫ٍ‬
‫إحياء‬ ‫اس كانوا في عهده َيحجرون األرض دون‬ ‫عمرها‪ .‬وذلك ألن النَّ ُ‬
‫ِي ل َ ُه(‪.)1‬‬
‫لها‪ ،‬فقال عمر‪َ :‬م ْن أَ ْح َيا أَ ْرضا فَه َ‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حجرة‪ :‬المحاطة بحائط أو سور‪َ .‬وأَ ْج َم َع‬ ‫الم َّ‬ ‫(‪ )1‬راجع‪ :‬فتح الباري‪ .13/2 :‬واألرض ُ‬
‫أل َّن َم ْن َح َّج َر َها أَ ْولَى‬ ‫ض ا ْل ُم َح َّج َر َة ال َ يَ ُجو ُز ِإ ْح َيا ُؤ َها؛ َِ‬ ‫ا ْل ُف َق َه ُاء أَ ْيضا َعلَى أَ َّن ا َْ‬
‫أل َْر َ‬
‫ال ْن ِت َفا ِع ب َِها ِم ْن َغ ْيرِهِ‪.‬‬
‫بِا ِ‬
‫ص‬ ‫ال ْخ ِت َصا ِ‬ ‫فَ ِإ ْن أَ ْه َملَ َها فَلِ ُف َق َه ِاء ا ْل َم َذا ِه ِب َت ْف ِصيالَت‪ :‬فَا ْل َحنَ ِف َّي ُة َو َض ُعوا ُم َّدة قُ ْص َوى لِ ِ‬
‫إل َِم ُام َو َدفَ َع َها ِإلَى‬ ‫ات‪ ،‬فَ ِإ ْن ل َ ْم يَ ُق ْم بِ ِإ ْح َيائِ َها أَ َخ َذ َها ا َْ‬
‫اصل بِال َّت ْح ِجيرِ ِهي ثَالَ ُث َسنَو ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َح ِ‬
‫ين َحق‪.‬‬ ‫ث ِس ِن َ‬ ‫َغ ْيرِهِ‪َ .‬وال َّت ْق ِدير بِ َذلِ َك م ْروِي َع ْن ُع َمر‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه قَال‪ :‬ل َ ْي َس لِ ُم َت َح ِّج ٍر بَ ْع َد ثَالَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أل َْرض ال َّ ِتي َح َّجر َها بِأَ ْن ل َ ْم ي ْع َمل ِف َيها‪ ،‬م َع قُ َّوته ِِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َذ َه َب ا ْل َمالك َّي ُة ِإلَى أَ َّن َم ْن أَ ْه َمل ا َْ َ‬
‫ات‪ ،‬فَ ِإنَّ َها ُت ْؤ َخ ُذ ِم ْن ُه‪َ ،‬ع َمال بِا َْ‬ ‫ث َسنَو ٍ‬ ‫ِ‬
‫السابِقِ‪،‬‬ ‫ألثَرِ َّ‬ ‫َعلَى ا ْل َع َمل ِم ْن َذلِ َك ا ْلحي ِن ِإلَى ثَالَ ِ َ‬
‫َول َ ْم يَ ْع َتب ُِروا ال َّت َح ُّج َر ِإ ْح َياء ِإالَّ ِإ َذا َج َرى ا ْل ُع ْر ُف ب ِْاع ِت َبا ِرهِ َك َذلِ َك‪.‬‬
‫َو َذ َه َب ا ْل َحنَابِلَ ُة ِفي أَ َح ِد َو ْج َه ْي ِن ِع ْن َد ُه ْم ِإلَى أَ َّن ال َّت ْح ِج َير بِالَ َع َم ٍل الَ يُ ِفي ُد‪َ ،‬وأَ َّن ا ْل َح َّق‬
‫ض؛ َِ‬
‫أل َّن ا ْإلَ ِْح َي َاء أَ ْق َوى ِم َن ال َّت ْح ِجي ِر‪.‬‬ ‫أل َْر َ‬ ‫لِ َم ْن أَ ْح َيا تِل َْك َْ‬
‫الش ِاف ِع َّي ُة‪َ ،‬و ُه َو ا ْل َو ْج ُه الثَّانِي ِع ْن َد ا ْل َحنَابِلَة ِ ِإلَى أَنَّ ُه ِإ َذا أَ ْه َمل ا ْل ُم َت َح ِّج ُر ِإ ْح َي َاء‬ ‫َو َذ َه َب َّ‬
‫وم قَ ْولِه ِ‬ ‫ض ُم َّدة َغ ْي َر َط ِويلَةٍ ُع ْرفا‪َ ،‬و َج َاء َم ْن يُ ْحي َِيها‪ ،‬فَ ِإ َّن ا ْل َح َّق لِل ُْم َت َح ِّجرِ؛ َِ‬
‫أل َّن َم ْف ُه َ‬ ‫أل َْر ِ‬ ‫ا َْ‬
‫أل ََح ٍد ــ َوقَ ْول ُ ُه‪ِ :‬في َغ ْيرِ َح ِّق ُم ْسلِ ٍم‬ ‫الس َال ُم‪َ :‬م ْن أَ ْح َيا أَ ْرضا َميِّ َتة ل َ ْي َس ْت َِ‬ ‫الص َال ُة َو َّ‬‫َعلَ ْيه ِ َّ‬
‫فَه َِي ل َ ُه‪( .‬راجع‪ :‬الدراية ‪ 522/5‬ــ حاشية ابن عابدين‪ 535/2 :‬ــ المغني‪:‬‬
‫‪ 252 ،202/2‬ط الرياض ــ وكشاف القناع‪ 122 ،135/2 :‬ط الرياض ــ اإلقناع‬
‫بهامش بجيرمي على الخطيب‪ )122/2 :‬انظر‪ :‬الموسوعة الفقهية‪ 522/5 :‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪012‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وهناك جانب آخر يمكن إضافته إلى ما سبق لتبرير امتناع العباس‬
‫‪ ‬في أول األمر أال وهو ارتباط االمتناع بالفقه والدين‪ ،‬فلعل‬
‫العباس ‪ ‬أراد من فعلته تلك وامتناعه األول ترسيخ مبدأ فقهي‬
‫تتأسى به األمة في مستقبلها الالحق‪ ،‬وهذا غير مستبعد على عقل‬
‫كره صاحب الحق على التنازل‬ ‫العباس وحكمته‪ ،‬إنه يؤسس لمبدأ أال يُ َ‬
‫عنه‪ ،‬وفور ما تأكد هذا المبدأ بحكم أبي بن كعب ‪ ‬تنازل العباس‬
‫‪ ‬عن داره طوعا بل ورغبا‪ ،‬وبمحض إرادته وطمعا في مرضاة ربه‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 4‬ـ ـ عمر وصدقة العباس‪:‬‬


‫تقرير الشبهة‬
‫استمرارا لمنهجية دفع إساءة الفهم عمدا أو بغيره لبعض الروايات‬
‫الشح إليه من جهة‪ ،‬والطعن في‬
‫الواردة في حق العباس ‪ ،‬بنسبة ّ‬
‫إسالمه وإيمانه بمنعه الزكاة جحودا وعنادا من جهة ثانية‪ ،‬وكذا تشويه‬
‫العالقة بينه وبين عمر بن الخطاب ‪ ‬من جهة ثالثة‪ ،‬نذكر بعض ما‬
‫روي بين عمر والعباس بشأن صدقة العباس‪.‬‬
‫أخرج أحمد في الفضائل‪َ :‬ح َّدثَنَا َع ْب ُد اهلل ِ قَ َال‪َ :‬ح َّدثَ ِني أَبِي‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫أنا ُه َش ْيم‪ ،‬قثنا َح َّجاج‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن أَبِي ُملَ ْي َك َة‪َ ،‬و َعطَ ِاء ْب ِن أَبِي َربَا ٍح‪ ،‬أَ َّن‬
‫ات قَ َال‪ :‬فَأَ َتى‬ ‫الص َدقَ ِ‬ ‫اب َعلَى َّ‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬بَ َع َث ُع َم َر ْب َن ا ْل َخطَّ ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫اس قَ َال‪َ :‬ح َّتى َكا َن‬ ‫س فَ َسأَل َ ُه َص َدقَ َة َمالِه ِ قَ َال‪ :‬فَ َت َج َّه َم ُه ا ْل َع َّب ُ‬
‫َعلَى ا ْل َع َّبا ِ‬
‫ِ‬
‫اس فَ َق َال ل َ ُه‬ ‫بَ ْينَ ُه َما‪ ،‬فَا ْن َطلَ َق ُع َم ُر ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ‪ ،‬فَ َش َكا ا ْل َع َّب ُ‬
‫الر ُج َل ِص ْن ُو أَبِيه ِ؟ ِإنَّا ُكنَّا َت َع َّج ْلنَا‬ ‫النَّب ُِّي ‪> :‬يَا ُع َم ُر أَ َما َعلِ ْم َت أَ َّن َّ‬
‫س ا ْل َع َام َع َام أَ َّو َل<(‪.)1‬‬
‫َص َدقَ َة ا ْل َع َّبا ِ‬
‫وفي رواية البيهقي عن ا ْل َح َس ِن ْب ِن ُم ْسلِ ٍم َع ِن النبي ـ ‪ ‬ـ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فضائل الصحابة‪ 251/5 :‬ح (‪ .)1502‬وأخرجه البيهقي في السنن‪ :‬ح (‪ )5205‬عن‬
‫أبي البختري مرسال‪ .‬وفيه‪ :‬أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه‪ .‬وروى هذا المعنى‬
‫اس فَه َِي َعلَ َّي‪َ ،‬و ِم ْثلُ َها َم َع َها< ثُ َّم قَ َال‪:‬‬
‫مسلم في صحيحه‪ :‬ح (‪ )232‬وفيه‪َ :‬وأَ َّما ا ْل َع َّب ُ‬
‫الر ُج ِل ِص ْن ُو أَبِيهِ؟‬
‫>يَا ُع َم ُر‪ ،‬أَ َما َش َع ْر َت أَ َّن َع َّم َّ‬

‫‪015‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ُم ْر َسال أَنَّ ُه قَ َال لِ ُع َم َر ‪ ‬في َه ِذهِ ا ْل ِق َّصةِ‪ِ > :‬إنَّا ُكنَّا قَ ْد َت َع َّج ْلنَا َص َدقَ َة َما ِل‬
‫س لِ َعا ِمنَا َه َذا َع َام أَ َّو َل<(‪.)1‬‬
‫ا ْل َع َّبا ِ‬
‫وأخرج الدارقطني بسنده عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬بعث رسول اهلل ‪ ‬عمر ساعيا قال‪ :‬فأتى العباس يطلب‬
‫صدقة ماله قال فأغلظ له العباس‪ ،‬فخرج إلى النبي ‪ ‬فأخبره‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقال رسول اهلل ‪ :‬إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام‬
‫والعام المقبل(‪.)5‬‬
‫وفي سنن الدارقطني عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس‪ :‬أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬بعث عمر على الصدقة فرجع وهو يشكو العباس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إنه منعني صدقته‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬يا عمر أما علمت‬
‫أن عم الرجل صنو أبيه‪ ،‬إن العباس أسلفنا صدقة عامين في عام‬
‫كذا(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السنن الكبرى‪ :‬ح (‪ .)5010‬وقال‪َ :‬و َه َذا ُه َو األ َ َص ُّح ِم ْن َه ِذهِ ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬
‫ات‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الدارقطني في السنن‪ :‬ح (‪ )5‬وضعف ابن حجر إسناده (فتح الباري‪:‬‬
‫‪ .)30/2‬وقال ابن الملقن (البدر المنير‪ )221/2 :‬وإسناده ضعيف‪ِ ،‬‬
‫وفيه ِ ُم َح َّمد بن‬
‫وه‪ .‬وأخرجه الطبراني في األوسط ح (‪ )5305‬من حديث‬ ‫عبيد اهلل ا ْل َع ْر َز ِمي َوقد َت َر ُك ُ‬
‫أبي رافع‪ ،‬وفيه إسماعيل المكي وفيه كالم كثير وقد وثق‪( .‬مجمع الزوائد ‪122/2‬‬
‫ح‪ .)2252 :‬وضعفه ابن حجر إسناده‪ .‬فتح الباري‪30/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارقطني في السنن‪ :‬ح (‪ )3‬وقال ابن الملقن (البدر المنير‪)225/2 :‬‬
‫ِإ ْسنَاده َض ِعيف؛ ألجل ْمن َدل بن َعلّي َراوِيه َعن الحكم‪َ ،‬وقد ضعفه أَ ْحمد‬
‫َوال َّد َارقُ ْط ِن ّي‪.‬‬

‫‪012‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫* الرد‪:‬‬
‫قد يفهم خطأ من هذه الروايات وغيرها أن العالقة بين عمر‬
‫والعباس ‪ ‬كانت شائكة‪ ،‬والقلوب لم تكن على صفوها وودادها‪،‬‬
‫وأنه كان هناك دائما ما يعكر هذا الصفو؛ بداللة تجهم العباس لعمر‪،‬‬
‫وتنازعهما الواضح في الرواية‪ ،‬والمعبر عنه بقول الراوي‪ :‬حتى كان‬
‫بينهما‪ .‬وفي رواية‪ :‬فأغلظ له العباس‪ ،‬وفي الرواية الثالثة‪ :‬فرجع وهو‬
‫يشكو العباس‪.‬‬
‫والروايات ضعيفة السند كما بينا في الحاشية‪ ،‬وعلى فرض‬
‫صحتها فال يجب أن يفهم منها ما زاد عن لفظها‪ ،‬وال يجب أن يحمل‬
‫الكالم ما ال يحتمل‪.‬‬
‫بل إن هذه الروايات شاهدة على ما ذكرناه آنفا‪ ،‬من أن جيل‬
‫الصحابة رغم نقائه وتفرده إال أنه ال يخلو من النوازع البشرية ومتطلبات‬
‫التجمعات والمجتمعات وهذه األمور التي ضمتها الروايات غير قادحة‬
‫فيه بعموم؛ ألنها سرعان ما تخبو وتندثر وال يبقى منها اسم أو رسم‪،‬‬
‫وكذا ال تقدح في العباس أو في عمر‪ ،‬فكالهما محق في أمره‪ ،‬والنزاع‬
‫بينهما لم يتعد الموقف‪.‬‬
‫فعمر مبعوث النبي ‪ ‬لجمع الصدقات‪ ،‬ولم يكن على علم‬
‫بإخراج العباس صدقته مقدما عند من يرى ذلك ــ كما سيأتي ــ فسأل‬
‫العباس صدقته فلم يعطه أو فتجهمه كما نص في بعض الروايات‪ ،‬ولعل‬

‫‪012‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫تجهم العباس ــ على فرض صحة الرواية ــ إلرادته االستخفاء بصدقته‪،‬‬


‫أو ظنا منه أن تعجيل الصدقة أمر بينه وبين النبي ‪ ،‬فشكى عمر‬
‫للنبي ‪ ،‬فأوضح النبي ‪ ‬لعمر األمر وأنبأه عن تعجيل‬
‫إخراج العباس لصدقته‪ ،‬أو تأخيرها لحاجة ألمت به كما سيأتي حسب‬
‫ما تقرره الروايات‪ .‬على أن هناك كثيرا من الروايات الصحيحة التي‬
‫ذكرت الحادثة دون إشارة إلى تجهم أو إغالظ بالقول كما سيأتي‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ دفع االلتباس عما ورد في منع العباس‪:‬‬


‫كان ما سبق ردا على ما يتعلق بالعالقة بين العباس وعمر ‪،‬‬
‫أما ما يتعلق بشح العباس أو عناده وجحوده للزكاة فهو أمر غير صحيح‪.‬‬
‫وقد استشكل ابن القصار على هذا األمر‪ ،‬وحاول تأويل ما ورد‬
‫في الحادثة دفعا إلساءة الظن بأصحاب النبي ‪ .‬مما دفعه‬
‫للقول بأن الصدقة المراد بها هنا التطوع وليس الفرض‪.‬‬
‫ور َد في الفتح‪ :‬وقال ابن القصار المالكي‪ :‬األليق أنها صدقة‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫التطوع ألنه ال يظن بهؤالء الصحابة أنهم منعوا الفرض ‪.‬‬
‫وه ُكلُّ ُه ْم‬
‫وأجاب ابن حجر على هذا بقوله‪َ :‬و ُت ُع ِّق َب بِأَنَّ ُه ْم َما َمنَ ُع ُ‬
‫اب بَ ْع َد‬ ‫َج ْحدا َو َال عنادا‪ ،‬أما ابن َج ِمي ٍل فَ َق ْد قِ َيل‪ِ :‬إنَّ ُه َكا َن ُمنَ ِافقا ثُ َّم َت َ‬
‫اضي ُح َس ْين ِفي َت ْعلِي ِقه ِ أَ َّن ِفيه ِ نَ َزل َ ْت‬ ‫َذلِ َك َك َذا َح َك ُاه ا ْل ُم َهلَّ ُب َو َج َز َم ا ْل َق ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.30/2 :‬‬

‫‪012‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ور أَنَّ َها نَ َزل َ ْت ِفي ثَ ْعلَ َب َة‪َ .‬وأَ َّما‬ ‫اه َد اهلل ْاآليَ َة ا ْن َت َهى‪َ ،‬وا ْل َم ْش ُه ُ‬ ‫َو ِم ْن ُهم من َع َ‬
‫ِ‬
‫اس ِال ْع ِت َقا ِد ِه‬ ‫َخالِد فَ َكا َن ُم َتأَ ِّوال بِ ِإ ْج َزاء َما َح َب َس ُه َع ِن ال َّز َكا ِة‪َ ،‬و َك َذلِ َك ا ْل َع َّب ُ‬
‫ِيح بِه ِ َولِ َه َذا َع َذ َر النَّب ُِّي ‪َ ‬خالِدا َوا ْل َع َّباس َولم‬ ‫َما َس َي ْأتِي ال َّت ْصر ُ‬
‫ْيعذر ابن جميل(‪.)1‬‬
‫وعليه فما دفع العباس إلى المنع الظاهري إال شيئين اختلف‬
‫العلماء فيهما بناء على ما ورد من روايات‪.‬‬
‫ــ إن العباس عجل بإخراج زكاته عامين بناء على طلب من النبي‬
‫‪ ‬حيث أسلفه زكاة عامين‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أو أحدهما‬ ‫أخر الزكاة لحاجة ألمت به‪ ،‬وكال األمرين‬ ‫ــ إنه َّ‬
‫مثبت لبراءة العباس مما قد ينسب إليه‪ ،‬وإليك البيان موجزا‪.‬‬
‫ــ تعجيل أم تأجيل؟‬
‫تعددت الروايات الصحيحة المثبتة لهذا األمر أو ذاك‪ ،‬فمن‬
‫الروايات المثبتة للتعجيل‪ .‬ما رواه مسلم َح َّدثَ ِني ُز َه ْي ُر ْب ُن َح ْر ٍب َح َّدثَنَا‬
‫اء َع ْن أَبِى ال ِّزنَادِ َع ِن األَ ْع َر ِج َع ْن أَبِى ُه َر ْي َر َة‬ ‫ص َح َّدثَنَا َو ْرقَ ُ‬‫َعلِ ُّى ْب ُن َح ْف ٍ‬
‫الص َدقَةِ‪ ،‬فَ ِق َيل‪َ :‬منَ َع ْاب ُن‬ ‫ول اهلل ِ ‪ُ ‬ع َم َر َعلَى َّ‬ ‫قَ َال‪ :‬بَ َع َث َر ُس ُ‬
‫اس َع ُّم َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ ،‬فَ َق َال‬ ‫َج ِمي ٍل‪َ ،‬و َخالِ ُد ْب ُن ا ْل َولِي ِد‪َ ،‬وا ْل َع َّب ُ‬
‫ول اهلل ِ ‪َ > ‬ما يَ ْن ِق ُم ْاب ُن َج ِمي ٍل ِإ َّال أَنَّ ُه َكا َن فَ ِقيرا فَأَ ْغنَ ُاه اهللُ‪،‬‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ :‬فتح الباري‪.30/2 :‬‬
‫(‪ )5‬على فرض تعدد الحادثة‪.‬‬

‫‪010‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اع ُه َوأَ ْع َت َاد ُه ِفي َسبِي ِل‬ ‫َوأَ َّما َخالِد فَ ِإنَّ ُك ْم َت ْظ ِل ُمو َن َخالِدا‪ ،‬قَ ِد ْ‬
‫اح َت َب َس أَ ْد َر َ‬
‫اس فَه َِي َعلَ َّي‪َ ،‬و ِم ْثلُ َها َم َع َها< ثُ َّم قَ َال‪> :‬يَا ُع َم ُر‪ ،‬أَ َما َش َع ْر َت‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬وأَ َّما ا ْل َع َّب ُ‬
‫الر ُج ِل ِص ْن ُو أَبِيه ِ؟<(‪.)1‬‬ ‫أَ َّن َع َّم َّ‬
‫فالرواية السابقة خلت من مسألة تجهم العباس‪ ،‬وساقت مبرر منعه‬
‫الصدقة‪ ،‬وهو تعجيله بها قبل ذلك بداللة قول النبي ‪ :‬هي‬
‫علي ومثلها معها‪.‬‬
‫قال البيهقي معلقا على رواية ورقاء‪ :‬والذي رواه ورقاء دليل على‬
‫أَنَّ ُه ــ النبي ‪ ‬ــ َكا َن َت َسلَّ َف ِم ْن ُه َص َدقَ َة َع َام ْي ِن‪َ ،‬و ِفي َذلِ َك َدلِيل‬
‫الص َدقَةِ(‪.)5‬‬
‫َعلَى َج َوا ِز َت ْع ِجي ِل َّ‬
‫على أنه توجد بعض الروايات الصحيحة التي لم يشر فيها أيضا‬
‫من قريب وال من بعيد إلى تجهم العباس‪ ،‬ولم ينص فيها على تعجيل‬
‫العباس بصدقته‪ ،‬وإنما أشير فيها إلى عكس ذلك حيث أخر العباس‬
‫الصدقة عامين بإذن من رسول اهلل ‪ ‬لحاجة إليها‪.‬‬
‫الي َما ِن‪ ،‬أَ ْخ َب َرنَا ُش َع ْيب‪َ ،‬ح َّدثَنَا أَبُو‬
‫فروى البخاري‪َ :‬ح َّدثَنَا أَبُو َ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫ال ِّزنَادِ‪َ ،‬ع ِن األَ ْع َر ِج‪َ ،‬ع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة ‪ ،‬قَ َال‪ :‬أَ َم َر َر ُس ُ‬
‫اس ْب ُن‬ ‫الص َدقَةِ‪ ،‬فَ ِق َيل َمنَ َع ْاب ُن َج ِمي ٍل‪َ ،‬و َخالِ ُد ْب ُن َ‬
‫الولِي ِد‪َ ،‬و َع َّب ُ‬ ‫‪ ‬بِ َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬ح (‪ )5252‬والبيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪.)5013‬‬
‫(‪ )5‬السنن الكبرى‪ .111/2 :‬وقال مرجحا رواية ورقاء (‪َ :)111/2‬ور َِوايَ ُة َو ْرقَ َاء أَ ْولَى‬
‫ِيحة ِ ب ِِاال ْس ِت ْس َال ِ‬
‫ف َوال َّت ْع ِجي ِل‪َ ،‬واهللُ أَ ْعلَ ُم‪.‬‬ ‫الصر َ‬
‫ات َّ‬ ‫ِالص َّحة ِ لِ ُم َوافَ َق ِت َها َما َت َق َّد َم ِم َن ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬ ‫ب ِّ‬

‫‪015‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫الم َّطلِ ِب فَ َق َال النَّب ُِّي ‪َ > :‬ما يَ ْن ِق ُم ْاب ُن َج ِمي ٍل ِإ َّال أَنَّ ُه َكا َن‬ ‫َع ْب ِد ُ‬
‫فَ ِقيرا‪ ،‬فَأَ ْغنَ ُاه اهللُ َو َر ُسول ُ ُه‪َ ،‬وأَ َّما َخالِد‪ :‬فَ ِإنَّ ُك ْم َت ْظلِ ُمو َن َخالِدا‪ ،‬قَ ِد ْ‬
‫اح َت َب َس‬
‫المطَّلِ ِب‪ ،‬فَ َع ُّم َر ُسو ِل‬ ‫اس ْب ُن َع ْب ِد ُ‬ ‫اع ُه َوأَ ْع ُت َد ُه ِفي َسبِي ِل اهلل ِ‪َ ،‬وأَ َّما َ‬
‫الع َّب ُ‬ ‫أَ ْد َر َ‬
‫اهلل ِ ‪ ‬فَه َِي َعلَ ْيه ِ َص َدقَة َو ِم ْثلُ َها َم َع َها< َتابَ َع ُه ْاب ُن أَبِي ال ِّزنَادِ‪َ ،‬ع ْن‬
‫أَبِيه ِ‪َ ،‬وقَ َال ْاب ُن ِإ ْس َح َاق‪َ :‬ع ْن أَبِي ال ِّزنَادِ‪ِ > ،‬ه َي َعلَ ْيه ِ َو ِم ْثلُ َها َم َع َها<‪ .‬تابعه‬
‫ابن أبي الزناد عن أبيه‪ .‬وقال ابن إسحق عن أبي الزناد (هي عليه‬
‫ومثلها معها)‪ .‬وقال ابن جريج حدثت عن األعرج بمثله(‪.)1‬‬
‫وه‬
‫قال البيهقي معلقا على رواية ابن إسحق عن أبي الزناد‪َ :‬و َح َملُ ُ‬
‫س‬ ‫الص َدقَ َة َع َام ْي ِن ِم ْن َح َ‬
‫اجةٍ بِا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َعلَى أَنَّ ُه ‪َ ‬كا َن أَ َّخ َر َع ْن ُه َّ‬
‫ِإل َ ْي َها(‪.)5‬‬
‫وقال ابن حجر في عرض اآلراء في هذه المسألة والترجيح بينها‪:‬‬
‫قَ ْوله‪( :‬فَه َِي َعلَ ْيه ِ َص َدقَة َو ِم ْثلُ َها َم َع َها) َك َذا ِفي ر َِوايَةِ ُش َع ْيب‪َ ،‬ول َ ْم يَ ُق ْل‬
‫ن ‪‬‬ ‫الر َوايَةِ ْاألُولَى يَ ُكو ُ‬ ‫وسى ْبن ُع ْق َبة > َص َدقَة< فَ َعلَى ِّ‬ ‫َو ْرقَاء َو َال ُم َ‬
‫يف َص َدقَ ِته ِ لِ َي ُكو َن أَ ْرفَع لِ َق ْد ِرهِ َوأَ ْن َب َه لِ ِذ ْك ِرهِ َوأَ ْن َفى لِ َّلذ ِّم َع ْن ُه‪،‬‬
‫أَ ْل َز ُم ُه بِ َت ْض ِع ِ‬
‫فَا ْل َم ْعنَى فَ ُه َو َص َدقَة ثَابِ َتة َعلَ ْيه ِ َس َي َّص َّد ُق بِ َها َويُ ِض ُيف ِإل َ ْي َها ِم ْثلَ َها َك َرما‪،‬‬
‫َو َدل َّ ْت ر َِوايَة ُم ْسلِ ٍم َعلَى أَنَّ ُه ‪ ‬اِ ْل َت َز َم بِ ِإ ْخ َرا ِج َذلِ َك َع ْن ُه لِ َق ْولِه ِ >فَه َِي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬ح (‪ .)1222‬ومعنى (فهي عليه صدقة) أي ثابتة مستحقة سيتصدق‬
‫بها‪( .‬ومثلها معها) ويتصدق بمثلها معها كرما منه‪.‬‬
‫(‪ )5‬السنن الكبرى‪.111/2 :‬‬

‫‪013‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ْاألَب<‬ ‫َعلَ َّي< َو ِفيه ِ َت ْنبِيه َعلَى َس َب ِب َذلِ َك َو ُه َو قَ ْول ُ ُه > ِإ َّن ا ْل َع َّم ِص ْنو‬
‫ِم ْن ُه أَ َّن‬‫َت ْف ِضيال ل َ ُه َو َت ْشرِيفا‪َ ،‬ويَ ْح َت ِم ُل أَ ْن يَ ُكو َن ُت ْح َم ُل َع ْن ُه بِ َها فَ ُي ْس َت َف ُاد‬
‫الش ِاف ِع ِّي‪َ ،‬و َج َم َع بَ ْع ُض ُه ْم بَ ْي َن‬ ‫ال َّز َكا َة َت َت َعلَّ ُق بِالذ َِّّمةِ َك َما ُه َو أَ َح ُد قَ ْول َ ْي َّ‬
‫ر َِوايَة > َعلَ َّي< َور َِوايَة > َعلَ ْيه ِ< بِأَ َّن ْاألَ ْص َل ر َِوايَة > َعلَ َّي< َور َِوايَة > َعلَ ْيه ِ<‬
‫اصر‪.‬‬ ‫ِي َع ْن اِ ْبن نَ ِ‬ ‫ِم ْث َلها ِإ َّال أَ َّن ِف َيها زِيَ َادة َهاء َّ‬
‫الس ْكت َح َك ُاه اِ ْب ُن ا ْل َج ْوز ِّ‬
‫َوقِ َيل‪َ :‬م ْعنَى قَ ْولِه ِ > َعلَ َّي< أَ ْي‪ِ :‬ه َي ِع ْن ِدي قَ ْرض ِألَنَّ ِني اِ ْس َت ْسلَ ْفت‬
‫يما أَ ْخ َر َج ُه ال ِّت ْر ِم ِذ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ي َو َغ ْيره‬ ‫ِم ْن ُه َص َدقَة َع َام ْي ِن‪َ ،‬وقَ ْد َو َر َد َذلِ َك َصرِيحا ف َ‬
‫وسى ْبن‬ ‫يث َعلِي َو ِفي ِإ ْسنَا ِدهِ َم َقال‪َ ،‬و ِفي ال َّد َارقُ ْط ِن ّي ِم ْن َطرِي ِق ُم َ‬ ‫ِم ْن َح ِد ٍ‬
‫َط ْل َحة أَ َّن النَّب َِّي ‪ ‬قَ َال > ِإنَّا ُكنَّا اِ ْح َت ْجنَا فَ َت َع َّج ْلنَا ِم ْن ا ْل َع َّباس َص َدقَة‬
‫َمالِه ِ َسنَ َت ْي ِن< َو َه َذا ُم ْر َسل‪َ ،‬و َر َوى ال َّد َارقُ ْط ِن ّي أَ ْيضا َم ْو ُصوال بِ ِذ ْكرِ َط ْل َحة‬
‫يث اِ ْبن َع َّباس‬ ‫ِفيه ِ َو ِإ ْسنَ ُاد ا ْل ُم ْر َس ِل أَ َص ُّح‪َ ،‬و ِفي ال َّد َارقُ ْط ِن ّي أَ ْيضا ِم ْن َح ِد ِ‬
‫>أَ َّن النَّب َِّي ‪ ‬بَ َع َث ُع َمر َسا ِعيا‪ ،‬فَأَ َتى ا ْل َع َّباس فَأَ ْغلَظَ ل َ ُه‪ ،‬فَأَ ْخ َب َر‬
‫النَّب ِّي ‪ ‬فَ َق َال‪ِ :‬إ َّن ا ْل َع َّباس قَ ْد أَ ْسلَ َفنَا َز َكاة َمالِه ِ ا ْل َع َام‪َ ،‬وا ْل َع َام‬
‫يث‬ ‫ا ْل ُم ْقب َِل< َو ِفي ِإ ْسنَا ِدهِ َض ْعف‪َ ،‬وأَ ْخ َر َج ُه أَ ْيضا ُه َو َوال َّطب َرانِ ّي ِم ْن َح ِد ِ‬
‫َ‬
‫يث اِ ْبن َم ْس ُعود >أَ َّن‬ ‫أَبِي َر ِافع نَ ْح َو َه َذا َو ِإ ْسنَاده َض ِعيف أَ ْيضا‪َ ،‬و ِم ْن َح ِد ِ‬
‫النَّب َِّي ‪َ ‬ت َع َّج َل ِم ْن ا ْل َع َّباس َص َدقَ َت ُه َسنَ َت ْي ِن< َو ِفي ِإ ْسنَادِهِ ُم َح َّمد ْبن‬
‫َذ ْك َوا َن َو ُه َو َض ِعيف‪َ ،‬ول َ ْو ثَ َب َت ل َ َكا َن َر ِافعا لِ ْإل ِْش َكا ِل َول َ َر َج َح بِه ِ ِس َياق‬
‫ات‪َ ،‬و ِفيه ِ َرد لِ َق ْو ِل َم ْن قَ َال‪ِ :‬إ َّن قِ َّصة‬ ‫الر َوايَ ِ‬‫ر َِوايَةِ ُم ْسلِ ٍم َعلَى بَ ِق َّيةِ ِّ‬
‫ت ال َّ ِذي بَ َع َث ِفيه ِ ُع َم َر ِألَ ْخ ِذ‬ ‫ت َغ ْير ا ْل َو ْق ِ‬ ‫ال َّت ْع ِجيل ِإنَّ َما َو َر َد ْت ِفي َو ْق ٍ‬

‫‪012‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫الص َدقَةِ‪َ ،‬ول َ ْي َس ثُ ُبوت َه ِذهِ ا ْل ِق َّصةِ ِفي َت ْع ِجيل َص َدقَة ا ْل َع َّباس بِ َب ِعي ٍد ِفي‬ ‫َّ‬
‫النَّ َظ ِر بِ َم ْج ُمو ِع َه ِذهِ ال ُّط ُر ِق َواهللُ أَ ْعلَ ُم‪َ .‬وقِ َيل‪ :‬ا ْل َم ْعنَى اِ ْس َت ْسلَ َف ِم ْن ُه قَ ْدر‬
‫اص بِه ِ ِم ْن َذلِ َك‪َ ،‬و ْاس ُت ْب ِع َد َذلِ َك بِأَنَّ ُه ل َ ْو َكا َن‬ ‫َص َدقَة َع َام ْي ِن؛ فَأَ َم َر أَ ْن يُ َق َّ‬
‫َوقَ َع ل َ َكا َن ‪ ‬أَ ْعلَ َم ُع َم َر بِأَنَّ ُه َال يُ َطالِ ُب ا ْل َع َّباس‪َ ،‬ول َ ْي َس بِ َب ِعيد‪.‬‬
‫َو َم ْعنَى > َعلَ ْيه ِ< َعلَى ال َّت ْأوِي ِل ْاألَ َّو ِل أَ ْي‪َ :‬الز َِمة >ل َ ُه< َول َ ْي َس َم ْعنَ ُاه أَنَّ ُه‬
‫الص َدقَ َة َعلَ ْيه ِ َح َرام لِ َك ْونِه ِ َم ْن بَ ِني َه ِاشم‪َ ،‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن َح َم َل‬ ‫يَ ْقب ُِض َها ِألَ َّن َّ‬
‫الص َدقَةِ َعلَى بَ ِني‬ ‫اب َعلَى ظَا ِهر َِها فَ َق َال‪َ :‬كا َن َذلِ َك قَ ْب َل َت ْحرِي ِم َّ‬ ‫ر َِوايَ َة ا ْل َب ِ‬
‫وسى ْبن ُع ْق َبة َع ْن أَبِي ال ِّزنَادِ ِع ْن َد اِ ْبن ُخ َز ْي َمة‬ ‫َه ِاشم‪َ ،‬ويُ َؤي ِّ ُد ُه ر َِوايَة ُم َ‬
‫الال ُم ُهنَا بِ َم ْعنَى َعلَى لِ َت َّت ِفق‬ ‫بِلَ ْفظ >فَه َِي ل َ ُه< بَ َد َل > َعلَ ْيه ِ< َوقَ َال ا ْل َب ْي َه ِق ّي‪َّ :‬‬
‫احد‪َ ،‬و ِإل َ ْيه ِ َم َال اِ ْب ُن ِح َّبا َن‪.‬‬ ‫ات(‪َ ،)1‬و َه َذا أَ ْولَى ِألَ َّن ا ْل َم ْخر َج َو ِ‬
‫َ‬ ‫الر َوايَ ُ‬ ‫ِّ‬
‫اها فَه َِي ل َ ُه أَ ْي‪ :‬ا ْل َق ْدر ال َّ ِذي َكا َن يُ َر ُاد ِم ْن ُه أَ ْن يُ ْخر َِج ُه ِألَنَّ ِني‬ ‫َوقِ َيل‪َ :‬م ْعنَ َ‬
‫اجه ِ‪َ ،‬وقِ َيل‪ِ :‬إنَّ ُه أَ َّخ َر َها َع ْن ُه َذلِ َك ا ْل َع َام ِإلَى َعامٍ قَابِ ٍل‬ ‫اِ ْل َت َز ْمت َع ْن ُه بِ ِإ ْخ َر ِ‬
‫ين‬ ‫فَ َي ُكو ُن َعلَ ْيه ِ َص َدقَة َع َام ْي ِن قَال َ ُه أَبُو ُع َب ْيد‪َ ،‬وقِ َيل ِإنَّ ُه َكا َن اِ ْس َت َدا َن ِح َ‬
‫ين فَ َسا َغ ل َ ُه أَ ْخذُ ال َّز َكاة بِ َه َذا‬ ‫فَ َادى َع ِقيال َو َغ ْي َر ُه فَ َص َار ِم ْن ُج ْملَةِ ا ْل َغا ِر ِم َ‬
‫ت ال َّ ِذي‬ ‫ِاال ْع ِتبا ِر‪َ .‬وأَ ْب َع ُد ْاألَ ْق َوا ِل ُكل َّها قَ ْول َم ْن قَ َال‪َ :‬كا َن َه َذا ِفي ا ْل َو ْق ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬ ‫َكا َن فيه ِ ال َّت ْأديب بِا ْل َما ِل‪ ،‬فَأَ ْل َز َم ا ْل َع َّباس بِ ْامتنَاعه ِ م ْن أَ َداء ال َّز َكاة بِأَ ْن يُ َؤ ِّد َ‬
‫ِض ْع َف َما َو َج َب َعلَ ْيه ِ لِ َع َظ َمةِ قَ ْد ِرهِ َو َج َالل َ ِته ِ َك َما ِفي قَ ْولِه ِ َت َعالَى ِفي نِ َس ِاء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬السنن الكبرى للبيهقي‪ )111/2( :‬ونصه‪َ :‬وقَ ْد يُ َقالُ ل َ ُه ب َِم ْعنَى َعلَ ْيه ِ فَر َِوايَ ُت ُه‬
‫َم ْح ُمولَة َعلَى َسائِرِ ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬
‫ات‪.‬‬

‫‪052‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫اب ِض ْع َف ْي ِن) ْاآليَة(‪.)1‬‬


‫اع ْف ل َ َها ا ْل َع َذ ُ‬
‫النَّب ِِّي ‪( ‬يُ َض َ‬
‫وقد حاول البيهقي الجمع بين الروايات خروجا من هذه الحيرة‬
‫وانتصارا للرأي القاضي بالتعجيل فقال‪َ :‬وقَ ْد يُ َق ُال ل َ ُه بِ َم ْعنَى َعلَ ْيه ِ فَر َِوايَ ُت ُه‬
‫ات َوقَ ْد يَ ُكو ُن ا ْل ُم َر ُاد بِ َق ْولِه ِ‪ :‬فَه َِي َعلَ ْيه ِ أَ ْي َعلَى‬ ‫َم ْح ُمولَة َعلَى َسائِرِ ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫النَّب ِِّي ‪ ‬ل َي ُكو َن ُم َوافقا لر َِوايَة َو ْرقَ َ‬
‫ثم انتهى من ذلك إلى قوله‪:‬‬
‫ات‬ ‫الص َّحةِ لِ ُم َوافَ َق ِت َها َما َت َق َّد َم ِم َن ِّ‬
‫الر َوايَ ِ‬ ‫اء أَ ْول َى بِ ِّ‬
‫َور َِوايَ ُة َو ْرقَ َ‬
‫ف َوال َّت ْع ِجي ِل َواهللُ أَ ْعلَ ُم(‪.)5‬‬‫ِيحةِ بِ ِاال ْس ِت ْس َال ِ‬
‫الصر َ‬
‫َّ‬
‫وسواء أعجل العباس بصدقته وأسلفها رسول اهلل ‪ ‬أم‬
‫أخرها بإذن من رسول اهلل ‪ ‬لحاجة نزلت به‪ ،‬فإن وجه المنع‬
‫المجرد بال تسويغ منتف عن العباس‪ ،‬وعليه فيعذر العباس لمنعه‪،‬‬
‫وعمر لمطالبته العباس بصدقته لعدم علمه بما كان‪ ،‬وما أن وصل األمر‬
‫للنبي ‪ ‬إال وفصل فيه الخطاب كما أسلفنا‪.‬‬
‫وعليه فال وجه ألي من االستشكالين الواردين على حادثة تص ُّدق‬
‫العباس‪ ،‬ال من جهة سوء العالقة مع عمر‪ ،‬وال من جهة جحود الزكاة‬
‫والشح بها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ .30/2 :‬واآلية من سورة األحزاب‪.22/‬‬
‫(‪ )5‬السنن الكبرى للبيهقي‪.)111/2( :‬‬

‫‪051‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫‪ 5‬ـ ـ إجبار عمر للعباس ِ‬


‫ليزوجه من ِأم كلثوم بنت علي‬
‫تقرير الشبهة‬
‫استمرارا لمسلسل الشبهات الواردة حول العالقة بين عمر والعباس‬
‫‪ ،‬روت بعض المصادر تهديد عمر للعباس وإكراهه إياه على أن‬
‫يزوجه أم كلثوم بنت علي‪ ،‬وأن يقنع أباها بهذا الزواج وإال نكَّل بهما‪،‬‬
‫وانتزع من العباس سقايته‪.‬‬
‫ــ ورد في الكافي‪ :‬عن محمد بن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم‪،‬‬
‫عن أبي عبداهلل (ع) قال‪ :‬لما خطب إليه قال له أمير المؤمنين‪ :‬إنها‬
‫صبية‪ ،‬قال‪ :‬فلقي العباس فقال له‪ :‬مالي أبي بأس؟ قال‪ :‬وما ذاك؟ قال‪:‬‬
‫خطبت إلى ابن أخيك فردني أما واهلل ألعورن(‪ )1‬زمزم وال أدع لكم‬
‫مكرمة إال هدمتها وألقيمن عليه شاهدين بأنه سرق وألقطعن يمينه‪،‬‬
‫فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل األمر إليه فجعله إليه(‪.)5‬‬
‫ــ وروى القطب الراوندي في الخرائج وعنه المجلسي في البحار‬
‫عن الصفار‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن جذعان بن أبي نصر‪ ،‬عن محمد بن‬
‫مسعدة عن محمد بن حمويه بن إسماعيل‪ ،‬عن أبي عبد اهلل الربيبي‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التعوير‪ :‬الطم‪ .‬الوافي للفيض الكاشاني‪.112/51 :‬‬
‫(‪ )5‬الكافي للكليني‪ ،222/2 :‬باب تزويج أم كلثوم‪ .‬وقال عنه المجلسي في مالذ األخيار‬
‫وحسنه في مرآة العقول (‪)25/52‬‬ ‫َّ‬ ‫في فهم تهذيب األخبار (‪ :)211/12‬موثق‪.‬‬
‫وصححه الخاجوئي في الرسائل الفقهية‪.)125/5( :‬‬

‫‪055‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫عن عمر بن أذينة قال‪ :‬قيل ألبي عبد اهلل ‪ :‬إن الناس يحتجون‬
‫علينا ويقولون‪ :‬إن أمير المؤمنين ‪ ‬ز َّوج فالنا ــ عمر ــ ابنته أم‬
‫كلثوم‪ ،‬وكان متكئا فجلس‪ ،‬وقال‪ :‬أيقولون ذلك؟ إن قوما يزعمون ذلك‬
‫ال يهتدون إلى سواء السبيل‪ ،‬سبحان اهلل ما كان يقدر أمير المؤمنين‬
‫‪ ‬أن يحول بينه وبينها فينقذها؟! كذبوا ولم يكن ما قالوا‪ ،‬إن‬
‫فالنا خطب إلى علي ‪ ‬بنته أم كلثوم فأبى علي ‪ ،‬فقال‬
‫للعباس‪ :‬واهلل لئن لم تزوجني النتزعن منك السقاية وزمزم‪ ،‬فأتى‬
‫العباس عليا فكلمه‪ ،‬فأبى عليه‪ ،‬فألح العباس‪ ،‬فلما رأى أمير المؤمنين‬
‫‪ ‬مشقة كالم الرجل على العباس وأنه سيفعل بالسقاية ما قال‬
‫أرسل أمير المؤمنين ‪ ‬إلى جنية من أهل نجران يهودية يقال لها‪:‬‬
‫سحيفة بنت جريرية‪ ،‬فأمرها فتمثلت في مثال أم كلثوم وحجبت‬
‫األبصار عن أم كلثوم‪ ،‬وبعث بها إلى الرجل‪ ،‬فلم تزل عنده حتى أنه‬
‫استراب بها يوما فقال‪ :‬ما في األرض أهل بيت أسحر من بني هاشم‪،‬‬
‫ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوت الميراث وانصرفت إلى‬
‫نجران‪ ،‬وأظهر أمير المؤمنين ‪ ‬أم كلثوم<(‪.)1‬‬
‫هاتان الروايتان وغيرهما مما يدور في فلكهما تحويان إشارة على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أورده قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح‪ 221/5 :‬وعنه المجلسي في بحار‬
‫األنوار‪ ،33/25 :‬والفيض الكاشاني في الوافي‪ ،111/51 :‬والحر العاملي في‬
‫الوسائل‪.201/52 :‬‬

‫‪052‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫سوء العالقة بين عمر والعباس ‪ ،‬بل وعلى استذالل عمر للعباس‬
‫‪ ،‬وإكراهه على إقناع علي بتزويج عمر من ابنته‪.‬‬

‫* الرد‪:‬‬
‫وعند الرد على تلك الفرية الظالمة والشبهة الساقطة يتبين لنا أن‬
‫الرواية التي ساقها الكليني في كافيه ال ذكر لها من قريب وال من بعيد‬
‫عند أهل السنة‪.‬‬
‫وفي سندها هشام بن سالم‪ ،‬ورغم أنهم وثقوه(‪ ،)1‬إال أنه أحد‬
‫الشكاك المتحيرين‪ ،‬وأحد من روى عن اإلمام الصادق ــ كذبا وزورا ــ‬
‫ما يفيد بتحريف القرآن(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال عنه النجاشي في رجاله‪ :‬ثقة ثقة‪( .‬رجال النجاشي ص‪ 222‬رقم‪ )1102 :‬وع َّده‬
‫الطوسي في أصحاب الصادق والكاظم‪( .‬رجال الطوسي‪ :‬ص‪ 215‬ــ‪ ،‬رقم‪2522 :‬‬
‫وص ‪ 222‬رقم‪.)2122 :‬‬
‫(‪ )5‬حيث روى عن الصادق‪ :‬إن القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمد ‪ ‬سبع َة‬
‫عشر ألف آية‪ .‬الكافي‪.)022/5( :‬‬
‫يقول آية اهلل البرقعي في كسر الصنم (ص‪ :)202‬وعلى القارئ أن يعلم أن القرآن‬
‫المتواتر بين المسلمين من صدر اإلسالم إلى عصرنا هذا ال تزيد آياته على (‪)0520‬‬
‫آية ليدرك بسرعة أن هذه الرواية تريد أن تقول إن قرابة أحد عشر ألف آية قد ُحذفت‬
‫وسرقت ولم يعلم بها أحد إال علي بن الحكم وهشام بن سالم وقد سمعا‬ ‫من القرآن ُ‬
‫ذلك من اإلمام هما فقط‪ .‬ونسيا أن اهلل قال في سورة الحجر اآلية ‪{ :2‬ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ}‪ ،‬ومن سوء الحظ أن علماء (القوم) يعترفون بهذه األحاديث إذ‬
‫يقولون‪ :‬إن رواتها ثقات دون أن يتمعنوا ما جاء في متنها)‪.‬‬

‫‪052‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ويضاف إليه تضعيف المفيد لتلك الحادثة‪ ،‬بل وكل ما يفيد‬


‫معناها‪ ،‬بناء على أصل ثابت عنده يتقرر بعدم صحة زواج عمر من أم‬
‫كلثوم‪.‬‬
‫قال المفيد‪ :‬إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين ‪ ‬ابنته من‬
‫عمر غير ثابت‪ ،‬وطريقه من الزبير بن بكار‪ ،‬ولم يكن موثوقا به في‬
‫النقل‪ ،‬وكان متهما‪ ،‬فيما يذكره‪ ،‬وكان يبغض أمير المؤمنين ‪،‬‬
‫وغير مأمون فيما يدعيه على أبي هاشم‪ .‬وإنما نشر الحديث إثبات أبي‬
‫محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه‪ ،‬فظن كثير من‬
‫الناس أنه حق لرواية رجل علوي له‪ ،‬وهو إنما رواه عن الزبير بن‬
‫بكار‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫والحديث بنفسه مختلف‪ ،‬فتارة يروى‪ :‬أن أمير المؤمنين‬
‫تولى العقد له على ابنته‪ .‬وتارة يروى أن العباس تولى ذلك عنه‪ .‬وتارة‬
‫يروى‪ :‬أنه لم يقع العقد إال بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم‪.‬‬
‫وتارة يروى أنه كان عن اختيار وإيثار‪...‬‬
‫ويستمر المفيد في عرض تناقضات مروياتهم واختالفها في زواج‬
‫عمر من أم كلثوم إلى أن يصل إلى قوله‪ :‬وبدو هذا االختالف فيه يبطل‬
‫الحديث‪ ،‬فال يكون له تأثير على حال(‪.)1‬‬
‫ولسنا هنا بصدد التعقيب على كالم المفيد‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المسائل السرورية‪ :‬ص‪ .30‬واآلية من سورة النحل‪.120 :‬‬

‫‪052‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وأقر بها كثير من‬


‫بر ِّد مسألة زواج عمر من أم كلثوم‪ ،‬فهذه مسألة ثابتة َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫محل إيرادنا‬
‫علماء طائفته ‪ ،‬وكذا أثبتها علماء أهل السنة‪ ،‬إال أن ّ‬
‫لكالمه أنه ال يقنع بصحة األخبار الناقلة لهذا الزواج من أساسها ومنها‬
‫رواية الكليني سالفة الذكر‪ ،‬التي كانت موردا لشبهة سوء العالقة بين‬
‫عمر والعباس ‪.‬‬
‫ــ أما عن رواية القطب الراوندي في الخرائج والمجلسي في البحار‪،‬‬
‫فما ورد فيها ساقط ال يلتفت إليه‪ ،‬فالرواية أوال ضعيفة السند حتى على‬
‫أصول من رواها‪ ،‬كما أنها مخالفة لبدهيات العقول‪ ،‬وللثابت تاريخيا‪.‬‬
‫أما عن كونها ضعيفة السند‪ ،‬ففي سندها‪> :‬جذعان بن أبي نصر<‪،‬‬
‫قال عنه الشاهرودي‪ :‬جذعان بن أبي نصر البرقي‪ :‬لم يذكروه(‪ .)5‬وهذا‬
‫يعني أنه لم يرد فيه جرح أو تعديل‪ .‬فهو مجهول الحال‪ ،‬ومن هذا حاله‬
‫ال تقبل روايته(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذكر هذا الزواج الكليني في كتابه الكافي‪ ،‬وأورد فيه أربعة أحاديث‪ ،‬حديثين في‬
‫باب تزويج أم كلثوم (‪ ،)220/2‬وحديثين في باب المتوفى عنها زوجها المدخول‬
‫بها أين تعتد‪ ،‬وما يجب عليها؟ وعلَّق المجلسي في شرحه مرآة العقول (‪)25/52‬‬
‫على هذه األحاديث األربعة بقوله‪ :‬األول‪ :‬حسن‪ ،‬والثاني‪ :‬حسن‪ ،‬والثالث‪ :‬موثق‪،‬‬
‫والرابع‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫وأورد هذا الزواج كذلك ابن الطقطقي في كتابه األصيلي في أنساب الطالبيين‪،‬‬
‫ص‪ .23‬وعلي بن محمد العمري في كتابه المجدي في أنساب الطالبيين‪ :‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )5‬مستدركات علم رجال الحديث‪.151/5 :‬‬
‫(‪ )2‬نهاية الدراية‪ :‬حسن الصدر‪ ،‬ص‪.522‬‬

‫‪050‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫وفيها >محمد بن مسعدة<‪ .‬قال الشاهرودي‪ :‬محمد بن مسعدة‪ :‬لم‬


‫يذكروه‪ .‬له رواية شريفة رواها عنه جذعان بن نصر(‪.)1‬‬
‫ومحمد بن حمويه بن إسماعيل‪ ،‬قال عنه الشاهرودي في‬
‫المستدركات‪ :‬لم يذكروه(‪.)5‬‬
‫فالرواية ضعيفة السند على أصول من رواها‪ ،‬ناهيك عن غرابة‬
‫متنها ونكارته‪ ،‬حيث إنه إلى األساطير أقرب منه إلى الواقع‪ ،‬وعليه فال‬
‫يصح االحتجاج بها‪ ،‬وال بغيرها مما يدور في فلكها‪.‬‬
‫أما عن مخالفتها للثابت تاريخيا‪ :‬فلم يرد تهديد عمر للعباس أو‬
‫علي ‪ ،‬أو إكراهه لهما على تزويجه من أم كلثوم في أي مرجع‬
‫من مراجع السنة‪ ،‬بل الوارد أن عمر طلب أم كلثوم من أبيها‪ ،‬وعلل‬
‫رغبته بحرصه على أن يكون له سبب ونسب بالنبي ‪.‬‬
‫أخرج الطبراني بسنده‪َ ،‬ع ْن َز ْي ِد ْب ِن أَ ْسلَ َم‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪ ،‬قَ َال‪َ :‬د َعا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اء‬‫اب ‪َ ‬عل َّي ْب َن أَبِي طَال ٍب فَ َس َّار ُه‪ ،‬ثُ َّم قَ َام َعلي فَ َج َ‬
‫اس َو َع ِقيال َوا ْل ُح َس ْي َن‪ ،‬فَ َش َاو َر ُه ْم ِفي َت ْزوِي ِج أُ ِّم ُك ْل ُثو ٍم‬ ‫الص َّف َة‪ ،‬فَ َو َج َد ا ْل َع َّب َ‬
‫ُّ‬
‫السنُو َن‬ ‫هور َو ِّ‬ ‫الش ُ‬ ‫ُع َم َر‪ ،‬فَ َغ ِض َب َع ِقيل‪َ :‬وقَ َال‪ :‬يَا َعلِ ُّي َما َتزِي ُد َك ْاألَيَّ ُام َو ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء َع َد ُد َها‪.‬‬ ‫ِإ َّال ا ْل َع َمى في أَ ْمرِ َك‪َ ،‬واهلل لَئ ْن فَ َع ْل َت ل َ َي ُكونَ َّن َول َ َي ُكونَ َّن ألَ ْش َي َ‬
‫ِ‬
‫يحة‪َ ،‬ول َ ِك َّن‬ ‫س‪َ :‬واهلل َما َذا َك ِم ْن ُه نَ ِص َ‬ ‫َو َم َضى يَ ُج ُّر ثَ ْوبَ ُه‪ ،‬فَ َق َال َعلَي لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مستدركات علم رجال الحديث‪ 5 :‬ــ ‪.255‬‬
‫(‪ )5‬مستدركات علم رجال الحديث‪ 5 :‬ــ ‪.50‬‬

‫‪055‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ِد َّر َة ُع َم َر أَ ْخ َر َج ْت ُه ِإلَى َما َت َرى‪ ،‬أَ َما َواهلل ِ َما َذا َك َر ْغ َبة ِف َ‬
‫يك يَا َع ِق ُيل‪،‬‬
‫ول اهلل ِ ‪‬‬ ‫اب ‪ ‬أَنَّ ُه َس ِم َع َر ُس َ‬ ‫َول َ ِك ْن قَ ْد أَ ْخ َب َرنِي ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫ول‪ُ > :‬ك ُّل َس َب ٍب َونَ َس ٍب ُم ْن َق ِطع يَ ْو َم ا ْل ِق َي َامةِ ِإ َّال َس َببِي ونَ َسبي<(‪.)1‬‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫وأخرج الحاكم بسنده َع ْن َج ْع َفرِ ْب ِن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪َ ،‬ع ْن َعلِ ِّي ْب ِن‬
‫اب‪َ ،‬خطَ َب ِإلَى َعلِي ‪ ‬أُ َّم ُك ْل ُثومٍ‪ .‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫ا ْل ُح َس ْي ِن‪ :‬أَ َّن ُع َم َر ْب َن ا ْل َخطَّ ِ‬
‫أَ ْن ِك ْح ِن َيها‪ ،‬فَ َق َال َعلِي‪ِ :‬إنِّي أَ ْر ُص ُد َها ِال ْب ِن أَ ِخي َج ْع َف ٍر ‪ ،‬فَ َق َال ُع َم ُر‪:‬‬
‫س يَ ْر ُص ُد ِم ْن أَبِ َيها َما أَ ْر ُص ُد ُه‪ ،‬فَأَ ْن َك َح ُه‪،‬‬ ‫أَ ْن ِك ْح ِن َيها‪ ،‬فَ َواهلل ِ َما أَ َحد ِم َن النَّا ِ‬
‫ين؟‬ ‫ِين فَ َق َال‪َ :‬رف ِّ ُئونِي‪ .‬فَ َقالُوا‪ :‬بِ َم ْن يَا أَ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫اجر َ‬ ‫فَأَ َتى ُع َم ُر ا ْل ُم َه ِ‬
‫ت َر ُسو ِل اهلل ِ ‪َ ،‬س ِم ْع ُت‬ ‫قَ َال‪ِ :‬ألُ ِّم ُك ْل ُثومٍ ْابنَةِ َعلِي لِ َفا ِط َم َة بِ ْن ِ‬
‫ول‪ِ > :‬إ َّن ُك َّل َس َب ٍب َونَ َس ٍب يَ ْن َق ِط ُع يَ ْو َم ا ْل ِق َي َامةِ ِإ َّال‬ ‫ول اهلل ِ ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ما َكا َن ِم ْن نَسبِي َو َسببِي<‪ .‬فَأَ ْحبب ُت أَ ْن ي ُكو َن بي ِني َوبي َن ر ُسو ِل اهلل ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ ‬نَ َسبا ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ .)5022‬وقال الهيثمي في المجمع‪ 555/2( :‬رقم‪:‬‬
‫الص ِحي ِح‪ .‬وقال األلباني في الصحيحة‪:‬‬ ‫‪َ )5221‬ر َو ُاه الطَّ َب َرانِ ُّي‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ر َِجالُ َّ‬
‫(‪ )05/2‬وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال >الصحيح< غير النوفلي شيخ الطبراني‬
‫فلم أجد له ترجمة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ :‬ح (‪ )2032‬ور َّده الذهبي بقوله‪ :‬منقطع‪ ،‬يعني بين‬
‫علي بن الحسين وعمر‪ ،‬وأخرجه البيهقي في الكبرى‪ :‬ح (‪ )12222‬من طريق‬
‫الحاكم‪ ،‬ومرة من طريق ابن إسحاق‪ ،‬وقال‪ :‬ل َ ْف ُظ َح ِد ِ‬
‫يث ْاب ِن ِإ ْس َح َاق َو ُه َو ُم ْر َسل‬
‫ِي ِم ْن أَ ْو ُجهٍ أُ َخ َر َم ْو ُصوال َو ُم ْر َسال‪ .‬وأخرجه اآلجري في الشريعة َع ْن‬ ‫َح َسن َوقَ ْد ُرو َ‬
‫وخرج األلباني الحديث بجميع طرقه ثم قال‪=:‬‬ ‫َج ْع َفرِ ْب ِن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ع ْن أَبِيه ِ‪ ،‬ح (‪َّ )1512‬‬

‫‪053‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ونقل المجلسي في البحار ما روي عن ابن عمر قال‪ :‬صعد عمر‬


‫ابن الخطاب المنبر فقال‪ :‬أيها الناس واهلل ما حملني على اإللحاح على‬
‫علي بن أبي طالب في ابنته إال أني سمعت رسول اهلل يقول‪ :‬كل سبب‬
‫ونسب وصهر منقطع إال نسبي وصهري(‪.)1‬‬
‫وأجمعت مصادر أهل السنة على زواج عمر من أم كلثوم بنت علي‬
‫رغبة من عمر في نسب النبي ‪ ،‬دون ذكر تهديد أو وعيد(‪.)5‬‬
‫فلن تجد أحدا من أهل السنة ينكر زواج عمر من أم كلثوم على‬
‫اإلطالق‪ ،‬ولم يرد أبدا في أي مرج ٍع من مراجع السنة ذكر هذا التهديد‬
‫واإلكراه من عمر‪ ،‬ثم لو فرضنا صحة هذا التهديد المزعوم أكان يقبله‬
‫العباس وعلي؟ إن أراذل الناس يأبون أن يغصبوا في أعراضهم فكيف‬
‫يظن بعلي وعمه أن يقبال بذلك ويستسيغاه؟‬
‫إن ما دعا عمر إلى الزواج بأم كلثوم إال الحرص على أن يكون له‬
‫بالنبي ‪ ‬سبب ونسب‪ ،‬وأي حرص على النسب يبقى مع‬
‫التهديد والوعيد‪ ،‬والغصب واإلكراه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وجملة القول‪ :‬إن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح‪( .‬الصحيحة‪ 23/2 :‬رقم‪:‬‬
‫‪.)5220‬‬
‫(‪ )1‬بحار األنوار‪ .523/52 :‬نقال عن ابن البطريق‪ ،‬والذي نقله عن ابن المغازلي في‬
‫المناقب‪.‬‬
‫(‪ )5‬راجع‪ :‬الطبقات الكبرى‪ 202/3 :‬ــ تاريخ الطبري‪ 23/2 :‬ــ البداية والنهاية‪31/5 :‬‬
‫ــ سير أعالم النبالء‪ 252/2 :‬ــ المنتظم البن الجوزي‪ .121/2 :‬اإلصابة البن‬
‫حجر‪ .202 /3 :‬أسد الغابة‪ 225/0 :‬ــ ‪.222‬‬

‫‪052‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫* تقرير وبيان (قلوب انصهرت عل المحبة)‪:‬‬


‫وعلى ضوء ما سبق فلم يكن بين عمر والعباس ‪ ‬إال المودة‬
‫والمحبة التي سادت أجواءهما وامتألت بها قلوبهما‪ ،‬وشهدت بها‬
‫نصوص كثيرة وروايات عديدة منه‪.‬‬
‫اس ْب َن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِب ل َ ْم يَ ُم َّر قط بِ ُع َم َر بن‬ ‫ويكفينا أن نعلم أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬
‫الخطاب َوال بِ ُع ْث َما َن بن عفان َو ُه َما َرا ِك َبا ِن ِإال نَ َزال َح َّتى يَ ُجو َز ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس‬
‫عم رسول اهلل ‪ ‬وهما را ِكبان وهو‬ ‫يمر بهما ُّ‬ ‫بهما ِإ ْجالال ل َ ُه أن َّ‬
‫يمشي(‪.)1‬‬
‫وها هو عمر يخاطب العباس يوما معربا له عن حبه‪ ،‬وكاشفا له‬
‫اس‪ ،‬فَ َواهلل ِ َ ِإل ِس َال ُم َك يَ ْو َم أَ ْسلَ ْم َت َكا َن أَ َح َّب ِإل َ َّي‬‫عن و ّده‪َ ،‬م ْهال يَا َع َّب ُ‬
‫ِم ْن ِإ ْس َالمِ ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اب ل َ ْو أَ ْسلَ َم‪َ ،‬و َما بِي ِإ َّال أَنِّي قَ ْد َع َر ْف ُت أَ َّن ِإ ْس َال َم َك َكا َن‬
‫اب(‪.)5‬‬ ‫أَ َح َّب ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‪ِ ‬م ْن ِإ ْس َالمِ ا ْل َخطَّ ِ‬
‫اب ال ِّد َيوا َن‪َ ،‬كا َن أَ َّو ُل َم ْن بَ َدأَ بِه ِ ِفي‬
‫ول َ َّما َد َّو َن ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخطَّ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ ،222/50 :‬وذكره الحافظ ابن عبد البر في ترجمة العباس‪.‬‬
‫(االستيعاب‪.)522/1 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبراني في الكبير‪ :‬ح (‪ .)5502‬والطحاوي في شرح معاني اآلثار‪:‬‬
‫‪ 212/2‬ح (‪ )2222‬وقال الهيثمي في المجمع‪105/0 :‬ح (‪َ )12522‬ر َو ُاه‬
‫الطَّ َب َرانِ ُّي‪َ ،‬ور َِجال ُ ُه ر َِجالُ َّ‬
‫الص ِحي ِح‪ .‬وأورده ابن حجر في المطالب العالية‪:‬‬
‫وصححه األلباني في السلسلة‬
‫َّ‬ ‫‪222/15‬ح (‪ )2221‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫الصحيحة‪.)1222/5( :‬‬

‫‪022‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ا ْل َم ْد َعى بَ ِني َه ِاش ٍم‪ .‬ثُ َّم َكا َن أَ َّو ُل بَ ِني َه ِاش ٍم يُ ْد َعى ا ْل َع َّب َ‬
‫اس ْب َن‬
‫عبد المطلب في والية عمر وعثمان(‪.)1‬‬
‫ولم تكن هذه المواقف العمرية في تقدير المكانة العباسية مجرد‬
‫مطبقا‪.‬‬ ‫شعار ال َّ‬
‫حظ له من الواقع‪ ،‬بل كانت واقعا معاشا‪ ،‬ومنهجا َّ‬
‫فها هو ُع َم ُر ل َ َّما ْاس ُت ْخلِ َف َوفُ ِت َح َعلَ ْيه ِ ال ُف ُت ْو ُح َج ُ‬
‫اءه َمال فَ َف َّض َل‬
‫اجرِي َن َواألَ ْن َصار؛ فَ َفرض لِم ْن َش ِه َد ب ْدرا َخ ْمس َة آالَ ٍ‬
‫ف َخ ْم َس َة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫الم َه ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ض‬ ‫آالَف‪َ ،‬ول َم ْن ل َ ْم يَ ْش َه ْد َها َول َ ُه َسابِ َقة أَ ْربَ َع ُة آالَف أَ ْربَ َع ُة آالَف‪َ ،‬وفَ َر َ‬
‫س ا ْثنَ ْي َع َش َر أَ ْلفا(‪.)5‬‬ ‫لِ ْل َع َّبا ِ‬
‫ولقد َّبين الفاروق ‪ ‬لألمة بعامة فضل العباس بن عبد المطلب‬
‫ومكانته من سيد الخلق ووضح ذلك وضوحا كامال‪ ،‬فقد روى البخاري‬
‫اب ‪َ ،‬كا َن ِإ َذا‬ ‫بسنده عن أنس بن مالك قال‪ :‬أَ َّن ُع َم َر ْب َن ال َخ َّط ِ‬
‫المطَّلِ ِب‪ ،‬فَ َق َال‪ُ > :‬‬
‫الله َّم ِإنَّا ُكنَّا نَ َت َو َّس ُل‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ُ‬ ‫قَ َح ُطوا ْاس َت ْس َقى بِ َ‬
‫الع َّبا ِ‬
‫ِإل َ ْي َك بِنَبِيِّنَا فَ َت ْس ِقينَا‪َ ،‬و ِإنَّا نَ َت َو َّس ُل ِإل َ ْي َك بِ َع ِّم نَبِيِّنَا فَ ْاس ِقنَا<‪ ،‬قَ َال‪:‬‬
‫فَ ُي ْس َق ْون(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات‪.52/2 :‬‬
‫(‪ )5‬أورده الذهبي في سير النبالء مختصرا‪ .222/2 :‬وأخرجه البزار في مسنده مطوال‪:‬‬
‫‪ ،225/1‬ح (‪.)530‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب معرفة الصحابة‪ ،‬باب ذكر العباس بن عبد المطلب‪،‬‬
‫ح (‪ .)2225‬وفي كتاب الجمعة‪ ،‬باب سؤال الناس اإلمام االستسقاء إذا قحطوا‪،‬‬
‫=‬ ‫ح (‪.)1212‬‬

‫‪021‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫ففي هذا األثر عن الفاروق ‪ ‬بيان لفضل العباس بن عبد المطلب‪،‬‬


‫كما تضمن أيضا فضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه‪.‬‬
‫والمراد بتوسل عمر ‪ ‬بالعباس بدعائه ال بذاته إذ التوسل‬
‫بدعاء أهل الصالح والفضل نوع من أنواع التوسل المشروع(‪.)1‬‬
‫ولم يكن العباس بعيدا عن ذلك‪ ،‬فقد بادل عمر حبا بحب‪ ،‬وو ّدا‬
‫بو ّد‪ ،‬وتقديرا بتقدير؛ فنراه يخرج بصحبة الفاروق في فتح بيت‬
‫ظنوه عمر(‪.)5‬‬
‫المقدس‪ ،‬ونراه كذلك يدل القوم ليسل ِّموا عليه‪ ،‬بعد أن ّ‬
‫وقد توج العباس ‪ ‬هذا كله بما رواه أحمد في الفضائل بسنده‬
‫س قَ َال‪> :‬نِ ْع َم َّ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫الر ْح َم ِن ْب ِن َحا ِط ٍب‪َ ،‬ع ِن ا ْل َع َّبا ِ‬ ‫َع ْن يَ ْح َيى ْب ِن َع ْب ِد َّ‬
‫س‪،‬‬ ‫ُع َم ُر َكا َن لِي َجارا فَ َكا َن ل َ ْيلَ ُه قِ َيام‪َ ،‬ونَ َه َار ُه ِص َيام‪َ ،‬و ِفي َح َوائِ ِج النَّا ِ‬
‫قَ َال‪ :‬فَ َسأَ ْل ُت َربِّي أَ ْن يُرِي ِنيه ِ ِفي ا ْل َمنَامِ‪ ،‬فَأَ َرانِيه ِ َر ْأ َس ا ْل َح ْو ِل َو ُه َو َج ٍاء ِم َن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (قحطوا) أصابهم القحط وهو الجدب وقلة المطر‪( .‬نتوسل) نتشفع ونتقرب ونطلب‬
‫السقيا‪.‬‬
‫اب ِص َف َة َما‬ ‫(‪ )1‬قال الحافظ بن حجر رحمه اهلل تعالى‪َ :‬وقَ ْد بَ َّي َن ال ُّزبَ ْي ُر ْب ُن بَكَّا ٍر ِفي ْاأل َ ْن َس ِ‬
‫اس ِفي َه ِذهِ ا ْل َواقِ َعة ِ َوا ْل َو ْق َت ال َّ ِذي َوقَ َع ِفيه ِ َذلِ َك فَأَ ْخ َر َج بِ ِإ ْسنَا ٍد ل َ ُه أَ َّن‬ ‫َد َعا بِه ِ ا ْل َع َّب ُ‬
‫اس ل َ َّما ْاس َت ْس َقى بِه ِ ُع َم ُر قَ َال‪ُ :‬‬
‫الله َّم ِإنَّ ُه ل َ ْم يَ ْنز ِْل بَ َالء ِإ َّال بِ َذ ْن ٍب َول َ ْم يُ ْك َش ْف ِإ َّال‬ ‫ا ْل َع َّب َ‬
‫وب‬ ‫ب َِت ْو َبةٍ َوقَ ْد َت َو َّج َه ا ْل َق ْو ُم بِي ِإل َ ْي َك لِ َم َكانِي ِم ْن نَبِيِّ َك‪َ ،‬و َه ِذ ِه أَ ْي ِدينَا ِإل َ ْي َك بِال ُّذنُ ِ‬
‫ت‬ ‫الس َم ُاء ِم ْث َل ا ْل ِجبا ِل َح َّتى أَ ْخ َصب ِ‬ ‫ت َّ‬ ‫اصينَا ِإل َ ْي َك بِال َّت ْوبَة ِ فَ ْاس ِقنَا ا ْل َغ ْي َث‪ ،‬فَأَ ْر َخ ِ‬ ‫َونَ َو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اس‪( .‬راجع‪ :‬فتح الباري‪.)225/5 :‬‬ ‫اش النَّ ُ‬ ‫ض َو َع َ‬ ‫ْاأل َ ْر َ‬
‫(‪ )5‬تاريخ مدينة دمشق‪ :‬ابن عساكر‪.552/ 50 ،‬‬

‫‪025‬‬
‫شبهات ىلع العباس ‪‬‬

‫السو ِق ُم ْس َت ْحيِيا فَ ُق ْل ُت‪َ :‬ما ُص ِن َع بِ َك أَ ْو َما ل َ ِق َ‬


‫يت؟ قَ َال‪ :‬فَ َق َال‪َ :‬ك َاد َع ْر ِشي‬ ‫ُّ‬
‫يت َر ًّبا َر ِحيما<(‪.)1‬‬ ‫أَ ْن يَ ْه َوى ل َ ْو َال أَ ْن ل َ ِق ُ‬
‫وأخرج ابن سعد في طبقاته بسنده عن َع ْب ُد اهلل ِ ْب ُن ُع َب ْي ِد اهلل ِ ْب ِن‬
‫اس قَ َال‪َ > :‬كا َن ُع َم ُر لِي َخلِيال‪َ ،‬و ِإنَّ ُه ل َ َّما ُت ُوف ِّ َي ل َ ِب ْث ُت‬ ‫س‪ ،‬أَ َّن ا ْل َع َّب َ‬‫َع َّبا ٍ‬
‫س ا ْل َح ْو ِل يَ ْم َس ُح‬ ‫َح ْوال أَ ْد ُعو اهللَ أَ ْن يَرِيَ ِنيه ِ ِفي ا ْل َمنَامِ‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َرأَ ْي ُت ُه َعلَى َر ْأ ِ‬
‫ين‪َ ،‬ما فَ َع َل بِ َك َربُّ َك؟‬ ‫ا ْل َع َر َق َع ْن َج ْب َه ِته ِ‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُت‪ :‬يَا أَ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫يت َربِّي َر ُؤوفا‬ ‫قَ َال‪َ :‬ه َذا أَ َوا ُن فَ َر ْغ ُت‪َ ،‬و ِإ ْن َك َاد َع ْر ِشي ل َ ُي َه ُّد ل َ ْو َال أَنِّي ل َ ِق ُ‬
‫َر ِحيما(‪.)5‬‬

‫إن هذه النصوص شاهدة بمكانة العباس ‪ ‬لدى عمر بن‬


‫الخطاب ‪ ،‬وناطقة بتوقير عمر للعباس وثنائه عليه‪ ،‬وكذا مكانة‬
‫عمر عند العباس وقربه منه‪ ،‬بما يدحض أي فرية ويرد أي طعن في‬
‫يتخرص به‪.‬‬
‫نحر من َّ‬
‫كانت هذه بعض اإلشكاالت والشبهات التي قد تبدو لمن يطالع‬
‫بتمعن سيرة العباس بن عبد المطلب ‪ ‬وما كتب حوله‪ ،‬قصدت من‬
‫عم النبي ‪ ،‬وتبرئة‬ ‫ذكرها اإلجابة على ما ورد فيها؛ دفاعا عن ِّ‬
‫لساحته من الذامين والغالين على السواء‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في فضائل الصحابة‪ :‬ح (‪.)1505‬‬
‫(‪ )5‬الطبقات الكبرى‪.225/2 :‬‬

‫‪022‬‬
‫‪C‬‬

‫‪C‬‬
‫‪:‬‬
‫فكان ما سبق تطوافا متأنيا ومتفحصا في سيرة العباس بن‬
‫عم النبي ‪ ،‬وقد حاولت من خالله أال يقتصر‬ ‫عبد المطلب ّ‬
‫على العرض التأريخي المجرد لسيرة عم النبي ‪ ،‬وإنما يزيد‬
‫عليه التبحر في شخصيته‪ ،‬ومحاولة استقراء معالمها ومالمحها‪،‬‬
‫والكشف عن بعض الغموض البادي لمن يطالع شخصية العباس‪ ،‬وكذا‬
‫إيضاح بعض المشتبهات التي ألقت بظاللها على سيرة العباس‪ ،‬مع رد‬
‫بعض الشبهات التي لحقت به‪ ،‬وكذا اإلشكاالت التي قد تعتري ذهن‬
‫بعض من يتابع سيرته ‪.‬‬
‫وإلى القارئ الكريم جملة من النتائج التي خلص إليها البحث في‬
‫سيرة العباس بن عبد المطلب ‪:‬‬
‫* ندرة الكتب المخصصة بشأن العباس وسيرته ‪ ،‬بل وخلو‬
‫المكتبة اإلسالمية المعاصرة في الغالب من كتب خصصت للعباس‪،‬‬
‫وقد بحثت وسع جهدي فلم أظفر من ذلك إال بمؤلف قديم في فضائل‬
‫العباس للسمرقندي‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫‪C‬‬

‫* إن العباس بن عبد المطلب كان ذا شخصية متميزة‪ ،‬يغلب‬


‫عليها طابع السيادة بكل ما تحمله من معان وما ينضوي تحتها من مهام‬
‫ومسئووليات‪.‬‬
‫حير كثيرا من‬
‫* إن مسألة توقيت إسالم العباس شكَّلت لغزا َّ‬
‫العلماء‪ ،‬لدرجة صعب معها الترجيح‪ ،‬فلم يتمكن العلماء في الغالب‬
‫من الجزم والقطع فيها بشيء على جهة اليقين‪ ،‬غاية ما هنالك أنهم‬
‫ر َّجحوا بعض األقوال من باب غلبة الظن‪ .‬وقد خلص الباحث من هذه‬
‫المسألة إلى‪:‬‬
‫ــ إن أغلب أقوال العلماء تشير إلى إسالم العباس ‪ ‬بعد بدر‪،‬‬
‫على اختالف في التحديد الزمني لهذه البعدية‪.‬‬
‫ــ إن الباحث يرى أنه يمكن أن يكون إسالم العباس َّمر بمراحل‬
‫ثالث‪ :‬أسلم سرا في مكة‪ ،‬وأعلن إسالمه للنبي ‪ ‬بعد بدر‪،‬‬
‫واستكتم األمر لمصلحة راجحة‪ ،‬ثم أعلن إسالمه للجميع قبيل فتح مكة‬
‫النتفاء مستلزم السرية‪.‬‬
‫* إن العلماء اختلفوا أيضا في تحديد توقيت هجرة العباس‬
‫‪ ،‬وإن كان األرجح أن هجرته تأخرت إلى ما قبيل الفتح وهو ما‬
‫أيده الذهبي وما يظهر من كالم ابن حجر‪.‬‬
‫* ثبتت مشاركة العباس في الجهاد مع رسول اهلل ‪ ‬في‬
‫فتح مكة‪ ،‬وفي حنين ويوم الطائف‪ ،‬وفي تبوك‪ ،‬كما شارك في فتح‬

‫‪020‬‬
‫‪C‬‬

‫بيت المقدس في خالفة عمر‪.‬‬


‫* إن العباس بن عبد المطلب ‪ ‬بايع الخلفاء الثالثة أبا بكر‬
‫وعمر وعثمان ‪ ،‬وارتضى خالفتهم‪ ،‬وما كان له موقف معارض‬
‫لبيعتهم‪ .‬وال عبرة بما أشاعه البعض من رفض العباس لبيعة أبي بكر‬
‫‪ ‬وما تالها؛ لمعارضته الوقائع التاريخية التي أيدتها صحيح‬
‫الروايات‪.‬‬
‫نص على إمامة العباس‪ ،‬مع‬
‫* بطالن ما ذهبت إليه الراوندية من ال ّ‬
‫كونه أقرب إلى النبي ‪ ‬نسبا ممن توالها؛ وذلك لعدم توافر‬
‫شرطها األساسي فيه‪ ،‬وهو السبق إلى اإلسالم؛ ولذا أيضا لم يكن من‬
‫أصحاب الشورى مع فضله ومكانته‪.‬‬
‫ساد ْتها‬
‫* إن العالقة بين عمر والعباس ‪ ‬غمرتها المحبة َو َ‬
‫المودة‪ ،‬وتوجت بنصوص ال تقبل الشك في ثناء كل منهما على اآلخر‪.‬‬
‫* بطالن ما ذهب إليه حسن المالكي في كتابه الصحبة والصحابة‬
‫من تفرقة مزعومة بين الصحبة بمعناها الشرعي وقصرها على من أسلم‬
‫قبل الحديبية‪ ،‬والصحبة بمعناها العام‪ ،‬ويدخل فيها من أسلم بعد‬
‫الحديبية‪ ،‬وتنزيل نصوص الثناء والمدح والفضل على األولى منهما‬
‫دون األخرى‪.‬‬
‫* بطالن ما ذهب إليه بعض الغالة من جبن العباس وذلته‪ ،‬حيث‬
‫كان ‪ ‬من أعز قريش‪ ،‬وكان من القالئل الذين حظوا بمكانة سامقة‬

‫‪025‬‬
‫‪C‬‬

‫ومنزلة رفيعة في الجاهلية واإلسالم‪.‬‬


‫* إنه رغم تأخر إسالم العباس نسبيا إال أنه لم يكن من الطلقاء‬
‫ــ كما زعم الزاعمون ــ‪.‬‬

‫عم‬
‫كانت هذه بعض النتائج التي انتهى إليها البحث في سيرة ِّ‬
‫النبي ‪ ‬العباس بن عبد المطلب ‪.‬‬
‫هذا والمجال رحب لمن يريد دراسة سيرة عم النبي العباس من‬
‫جوانب أخرى قد يكون أهملها البحث‪ ،‬والذي يعد خطوة على‬
‫الطريق‪ ،‬نسأل اهلل تعالى أن تكون خالصة لوجهه الكريم‪ ،‬كما نسأله ــ‬
‫تعالى ــ المثوبة عليها ــ‪.‬‬
‫وفي النهاية فإن واجب الوفاء والعرفان ليقتضي أن أنسب الفضل‬
‫ألهله‪ ،‬وأقدم الشكر لمستحقيه عمال بقوله تعالى‪{ :‬ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ}(‪ )1‬وال يسعني إال أن أتقدم بأسمى آيات الشكر إلى إخواني‬
‫الكرام في مبرة اآلل واألصحاب فهم من كلَّف وأعان و َّيسر واستبشر‪.‬‬
‫وأخيرا‪ :‬فهذا جهد المقل وهو عرضة للخطأ والصواب‪ ،‬ويعلم اهلل‬
‫ـ ‪ ‬ـ أني لم أدخر وسعا‪ ،‬فإن كنت قد ُوف ِّقت فهذا من فضل اهلل ـ ‪ ‬ـ‬
‫(‪)5‬‬
‫وإن كان غير‬ ‫وتوفيقه {ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ}‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ :‬جزء آية ‪.525‬‬
‫(‪ )5‬سورة هود‪ :‬جزء آية ‪.33‬‬

‫‪023‬‬
‫‪C‬‬

‫ذلك فحسبي أني بشر أخطئ وأصيب‪ ،‬والكمال هلل ـ ‪ ‬ـ وحده‪ .‬وال‬
‫يخلو بحث من هنات وهفوات‪.‬‬
‫وأرجو أن يكون هذا الجهد المتواضع مقبوال‪ ،‬خاتما بقول‬
‫السيوطي في نهاية نظمه عقود الجمان‪:‬‬
‫زففتهـــــا لمـــــن نهـــــاه راجـــــح ومهرهـــا منـــه الـــدعاء الصـــالح‬
‫علــ ّي إذا صــرت قــرين الــرمس تنفعنــــي دعوتــــه فــــي بؤســــي‬
‫والحمـــــد هلل علـــــى اإلنعـــــام حمــدا يفــوق البــدر فــي التمــام‬
‫مصـــليا علـــى نبـــي قـــد علـــت أوصـــافه بـــين الـــورى وكملـــت‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‬


‫واهلل ولي التوفيق‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 1‬ــ األباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير‪ :‬أبو عبد اهلل الحسين بن‬
‫إبراهيم الهمذاني الجورقاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار‬
‫الفريوائي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الصميعي للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض ــ المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ومؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية‪ ،‬الهند‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1255‬هـ‬
‫ــ ‪5225‬م‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ اإلبهاج في شرح المنهاج‪ :‬تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي‬
‫السبكي وولده تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ‬
‫بيروت‪ ،‬سنة ‪1210‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ اآلحاد والمثاني‪ :‬أبو بكر حمد بن عمرو بن الضحاك‪ ،‬ابن أبي‬
‫عاصم‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬باسم فيصل أحمد الجوابرة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الراية ــ الرياض‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة‪1211‬هـ ــ ‪1221‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ االحتجاج على أهل اللجاج‪ :‬أحمد بن أبى طالب الطبرسي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد باقر الخرساني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار النعمان‪ ،‬النجف‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد‬
‫البصري البغدادي‪ ،‬الشهير بالماوردي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪:1‬‬
‫بدون‪.‬‬

‫‪021‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 0‬ــ أحكام أهل الذمة‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬يوسف بن أحمد البكري ــ شاكر بن توفيق العاروري‪ ،‬الناشر‪ :‬رمادى‬
‫للنشر ــ الدمام‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1213‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ اإلحكام في أصول األحكام‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد اآلمدي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬سيد الجميلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫بدون‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ اإلحكام في أصول األحكام‪ :‬علي بن حزم األندلسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫اآلفاق الجديدة ــ بيروت‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أخبار الدولة العباسية‪ :‬مؤلف أخبار الدولة العباسية مجهول‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد العزيز الدوري‪ ،‬عبد الجبار المطلبي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن إسحاق‬
‫ابن العباس المكي الفاكهي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الملك عبد اهلل دهيش‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫خضر ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪ 1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ أخبار مكة وما جاء فيها من األثار‪ :‬أبو الوليد محمد بن عبد اهلل ابن‬
‫أحمد الغساني المكي‪ ،‬المعروف باألزرقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬رشدي الصالح ملحس‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار األندلس للنشر ــ بيروت‪.‬‬
‫‪ 15‬ــ االختصاص‪ :‬محمد بن محمد بن النعمان‪ ،‬المفيد‪ :‬جامعة‬
‫المدرسين‪ ،‬قم‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري‪ :‬أبو العباس أحمد بن محمد‬
‫ابن أبى بكر‪ ،‬القسطالني‪ ،‬الناشر‪ :‬المطبعة الكبرى األميرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة‬
‫‪1252‬هـ‪.‬‬

‫‪025‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 12‬ــ إرشاد القلوب المنجي َمن عمل به من أليم القلوب‪ :‬الحسن بن أبي‬
‫الحسن الديلمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬هاشم الميالني‪ ،‬دار األسوة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫سنة ‪1252‬هـ‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ أسباب نزول القرآن‪ :‬أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي‪،‬‬
‫النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬عصام الحميدان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار اإلصالح ــ الدمام‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 10‬ــ أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ :‬أبو الحسن علي بن أبي الكرم‬
‫الجزري‪ ،‬عز الدين ابن األثير‪ ،‬نشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‬
‫ــ ‪ 1222‬م‪.‬‬
‫‪ 15‬ــ أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ :‬أبو الحسن علي بن أبي الكرم‬
‫محمد‪ ،‬الشيباني الجزري‪ ،‬عز الدين ابن األثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد معوض ــ‬
‫عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ‬
‫‪ 1222‬م‪.‬‬
‫‪ 13‬ــ األسماء والصفات للبيهقي‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي‪،‬‬
‫البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن محمد الحاشدي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة السوادي‪ ،‬جدة ــ‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ األسماء والصفات‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد اهلل بن محمد الحاشدي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة السوادي‪ ،‬جدة ــ المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ~‬
‫الصالَّبي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة‬
‫(شخصيته وعصره ــ دراسة شاملة)‪َ :‬علي محمد َّ‬
‫الصحابة‪ ،‬الشارقة ــ اإلمارات‪ ،‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪ 5222‬م‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 51‬ــ أصول مذهب الشيعة اإلثنى عشرية عرض ونقد‪ :‬ناصر بن عبد اهلل‬
‫القفاري‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 55‬ــ األصيلي في أنساب الطالبين‪ :‬ابن الطقطقي الحسني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مهدي الرجائي‪ ،‬نشر‪ :‬مكتبة آية اهلل العظمى المرعشي ــ قم‪ ،‬سنة ‪1213‬هـ‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن عمر‬
‫ابن الحسن الرازي‪ ،‬الملقب بفخر الدين الرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي سامي النشار‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ أعالم النبوة‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب‬
‫البصري البغدادي‪ ،‬الشهير بالماوردي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل ــ بيروت‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ األعالم‪ :‬خير الدين بن محمود بن محمد‪ ،‬الزركلي الدمشقي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ ،12 :‬مايو سنة‪5225‬م‪.‬‬
‫‪ 50‬ــ أعيان الشيعة‪ :‬محسن األمين‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة ابن زيدون ــ دمشق‪،‬‬
‫بدون‪.‬‬
‫‪ 55‬ــ األغاني‪ :‬أبو الفرج األصفهاني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر ــ بيروت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ 53‬ــ االكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اهلل ـ ‘ ـ والثالثة الخلفاء‪:‬‬
‫أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكالعي الحميري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‪ 1252‬هـ‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ :‬أبو عبد اهلل عالء الدين‬
‫مغلطاي بن قليج المصري الحكري الحنفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو عبد الرحمن عادل بن‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫محمد ــ أبو محمد أسامة بن إبراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬الفاروق الحديثة للطباعة والنشر‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1255‬هـ ــ ‪5221‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ األمالي‪ :‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الثقافة للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ــ قم ط‪ ،1 :‬سنة‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 21‬ــ أنباء نجباء األبناء‪ :‬محمد بن ظفر‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار اآلفاق الجديدة ــ بيروت‪ ،‬سنة ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 25‬ــ االنتصار للصحابة األخيار في رد أباطيل حسن المالكي‪:‬‬
‫عبد المحسن بن حمد‪ ،‬العباد البدر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن القيم‪ ،‬الدمام‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1252‬هـ‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)‪ :‬ناصر الدين أبو‬
‫سعيد عبد اهلل بن عمر‪ ،‬الشيرازي البيضاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد الرحمن‬
‫المرعشلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1213‬هـ‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ أنيس الفقهاء في تعريفات األلفاظ المتداولة بين الفقهاء‪ :‬قاسم بن‬
‫عبد اهلل بن أمير علي القونوي الرومي الحنفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬يحيى حسن مراد‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ الباعث الحثيث‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن كثير‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،5 :‬بدون‪.‬‬
‫‪ 20‬ــ بحار األنوار الجامعة لدرر أخبار األئمة األطهار‪ :‬محمد باقر‬
‫المجلسي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الوفاء ــ بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ‬
‫‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 25‬ــ البحر المحيط في أصول الفقه‪ :‬أبو عبد اهلل بدر الدين محمد بن‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫عبد اهلل بن بهادر الزركشي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتبي‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ‬
‫‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 23‬ــ البدء والتاريخ‪ :‬المطهر بن طاهر المقدسي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية‪ ،‬بور سعيد‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ البداية والنهاية‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬
‫البصري ثم الدمشقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬سنة ‪1225‬هـ ــ ‪1230‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ بدر الكبرى المدينة والغزوة‪ :‬محمد عبده يماني‪ ،‬منشور ضمن‬
‫سلسلة كتاب المجلة العربية‪ ،‬عدد‪ ،102‬سنة‪1221‬هـ‪.‬‬
‫‪ 21‬ــ البدر المنير في تخريج األحاديث واألثار الواقعة في الشرح الكبير‪:‬‬
‫سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري‪ ،‬ابن الملقن‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬مصطفى أبو الغيط وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهجرة للنشر والتوزيع ــ‬
‫الرياض ــ السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 25‬ــ البرصان والعرجان والعميان والحوالن‪ :‬أبو عثمان عمرو بن بحر‬
‫ابن محبوب الليثي‪ ،‬الشهير بالجاحظ‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪ 1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ البرهان في تفسير القرآن‪ :‬هاشم البحراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬قسم الدراسات‬
‫اإلسالمية بمؤسسة البعثة‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة البعثة ــ قم‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ :‬لأللوسي‪ .‬ط‪ :2‬القاهرة‪،‬‬
‫بدون‪.‬‬
‫محمد بن‬
‫‪ 22‬ــ تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬أبو الفيض مح ّمد بن ّ‬
‫عبد الر ّزاق الحسيني‪ ،‬المل ّقب بمرتضى‪ ،‬ال َّزبيدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من‬
‫المحققين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهداية‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪020‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 20‬ــ تاريخ اإلسالم ووفيات المشاهير واألعالم‪ :‬شمس الدين أبو‬


‫عبد اهلل محمد بن أحمد بن عثمان بن قَ ْايماز الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر عبد السالم‬
‫التدمري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ‬
‫‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 25‬ــ تاريخ الخلفاء‪ :‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬حمدي الدمرداش‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 23‬ــ تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس‪ :‬حسين بن محمد بن‬
‫الحسن ال ِّديار بَ ْكري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار صادر ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ التاريخ الكبير‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن إسماعيل بن إبراهيم‬
‫البخاري‪ ،‬دائرة المعارف العثمانية‪ ،‬حيدر آباد ــ الدكن‪ ،‬طبع تحت مراقبة‪:‬‬
‫محمد عبد المعيد خان‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ تاريخ المدينة البن شبة‪ :‬أبو زيد عمر بن شبة (واسمه زيد) بن‬
‫عبيدة بن ريطة النميري البصري‪ ،‬تحقيق‪ :‬فهيم محمد شلتوت‪ ،‬طبع على نفقة‪:‬‬
‫السيد حبيب محمود أحمد ــ جدة‪ ،‬سنة ‪ 1222‬هـ‬
‫‪ 21‬ــ تاريخ اليعقوبي‪ :‬أحمد بن أبي يعقوب‪ ،‬دار صادر ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 25‬ــ تاريخ بغداد‪ :‬أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت‪ ،‬الخطيب البغدادي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الدكتور بشار عواد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ــ بيروت‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫سنة ‪1255‬هـ ــ ‪5225‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ تاريخ دمشق‪ :‬أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اهلل المعروف بابن‬
‫عساكر تحقيق‪ :‬عمرو بن غرامة العمروي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬

‫‪025‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 22‬ــ تثبيت دالئل النبوة‪ :‬القاضى عبد الجبار بن أحمد الهمذاني‪ ،‬دار‬
‫المصطفى ــ القاهرة‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ التحرير الطاووسي‪ :‬حسن بن زين الدين العاملي‪ ،‬تحقيق‪ :‬فاضل‬
‫الجواهري‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة آية اهلل العظمى المرعشي النجفي ــ قم‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫سنة‪1211‬هـ‪.‬‬
‫‪ 20‬ــ تحرير ألفاظ التنبيه‪ :‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف‬
‫النووي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الغني الدقر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القلم ــ دمشق‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1223‬هـ‪.‬‬
‫‪ 25‬ــ التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة‪ :‬شمس الدين أبو الخير‬
‫محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬السخاوي‪ ،‬الناشر‪ :‬الكتب العلميه‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 23‬ــ التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة‪ :‬شمس الدين محمد بن‬
‫عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬السخاوي‪ ،‬الناشر‪ :‬الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ تحفة المحتاج في شرح المنهاج‪ :‬أحمد بن محمد بن علي بن حجر‬
‫الهيتمي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة التجارية الكبرى بمصر‪ ،‬سنة ‪1225‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 02‬ــ تخريج األحاديث واآلثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري‪:‬‬
‫جمال الدين أبو محمد عبد اهلل بن يوسف بن محمد الزيلعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن‬
‫عبد الرحمن السعد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن خزيمة ــ الرياض‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 01‬ــ تصحيح اعتقادات اإلمامية‪ :‬محمد بن محمد بن النعمان‪ ،‬المفيد‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬حسين درگاهي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ــ بيروت ــ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬

‫‪023‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 05‬ــ تعجيل المنفعة بزوائد رجال األئمة األربعة‪ :‬أبو الفضل أحمد بن‬
‫علي بن محمد‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬إكرام اهلل إمداد الحق‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار البشائر ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1220‬م‪.‬‬
‫‪ 02‬ــ التعديل والتجريح‪ ،‬لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح‪ :‬أبو‬
‫الوليد سليمان بن خلف القرطبي الباجي األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو لبابة حسين‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار اللواء للنشر والتوزيع ــ الرياض‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1220‬ــ ‪1230‬م‪.‬‬
‫‪ 02‬ــ تفسير البغوي= معالم التنزيل في تفسير القرآن‪ :‬أبو محمد الحسين‬
‫ابن مسعود البغوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ‬
‫‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 02‬ــ التفسير الصافي‪ :‬الفيض الكاشاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين األعلمي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة الصدر ــ طهران‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1210‬هـ‪.‬‬
‫‪ 00‬ــ تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ :‬أبو جعفر محمد‬
‫ابن جرير الطبري‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن ط‪ ،1 :‬سنة ‪1255‬هـ ــ ‪5221‬م‪.‬‬
‫‪ 05‬ــ تفسير العياشي‪ :‬محمد بن مسعود العياشي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الحاج السيد‬
‫هاشم الرسولي المحالتي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العلمية اإلسالمية ــ طهران‪.‬‬
‫‪ 03‬ــ تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن كثير‬
‫القرشي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسين شمس الدين‪ ،‬نشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫منشورات محمد علي بيضون ــ بيروت‪ ،‬ط‪ 1 :‬سنة ‪ 1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 02‬ــ تفسير القرآن العظيم‪ :‬أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس‪،‬‬
‫ابن أبي حاتم الرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسعد محمد الطيب‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة نزار مصطفى‬
‫الباز ــ المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 52‬ــ تفسير القمي‪ :‬علي بن إبراهيم القمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬طيب الجزائري‪،‬‬


‫الناشر‪ :‬مؤسسة دار الكتب ــ قم‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 51‬ــ تفسير الماوردي = النكت والعيون‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد بن‬
‫محمد بن حبيب البصري البغدادي‪ ،‬الشهير بالماوردي‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد بن عبد‬
‫المقصود بن عبد الرحيم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت ــ لبنان‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 55‬ــ تفسير مجاهد‪ :‬أبو الحجاج مجاهد بن جبر التابعي المكي القرشي‬
‫المخزومي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد عبد السالم أبو النيل‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‬
‫اإلسالمي الحديثة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1212‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ تفسير مقاتل بن سليمان‪ :‬أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير‬
‫األزدي البلخى‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل محمود شحاته‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث ــ‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1252‬هـ‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ تقريب التهذيب‪ :‬أبو الفضل أحمد بن علي‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عوامة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الرشيد ــ سوريا‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1220‬هـ ــ‬
‫‪1230‬م‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪ :‬القاضي أبو بكر محمد بن‬
‫الطيب‪ ،‬الباقالني المالكي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الكتب الثقافية ــ بيروت‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫سنة ‪1235‬م‪.‬‬
‫‪ 50‬ــ التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد‪ :‬أبو عمر يوسف بن‬
‫عبد اهلل‪ ،‬ابن عبد البر القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى بن أحمد العلوي‪ ،‬محمد‬
‫عبد الكبير البكري‪ ،‬الناشر‪ :‬وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية ــ‬
‫المغرب‪ ،‬سنة ‪1235‬هـ‪.‬‬
‫‪ 55‬ــ تنزيه الشريعة المرفوعة عن األخبار الشنيعة الموضوعة‪ :‬نور الدين‪،‬‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الكناني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الوهاب عبد‬
‫اللطيف‪ ،‬عبد اهلل محمد الصديق الغماري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 53‬ــ تهذيب األحكام‪ :‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫اإلسالمية ــ طهران‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1202‬هـ‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ تهذيب األسماء واللغات‪ :‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف‬
‫النووي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 32‬ــ تهذيب التهذيب‪ :‬أبو الفضل أحمد بن علي‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مطبعة دائرة المعارف النظامية‪ ،‬الهند‪ ،‬الطبعة‪ :‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1250‬هـ‪.‬‬
‫‪ 31‬ــ تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ :‬أبو الحجاج يوسف بن‬
‫عبد الرحمن المزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ‬
‫بيروت ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 35‬ــ الثاني من األفراد‪ :‬أبو الحسن علي بن عمر‪ ،‬الدارقطني‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مخطوط نُشر في برنامج جوامع الكلم المجاني التابع لموقع الشبكة اإلسالمية‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 32‬ــ الثقات‪ :‬أبو حاتم محمد بن حبان‪ ،‬التميمي‪ ،‬الدارمي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬ه ــ‬
‫‪1252‬م‪.‬‬
‫‪ 32‬ــ جامع الرواة‪ :‬محمد بن على األردبيلي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة المحمدى ــ‬
‫قم‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 32‬ــ الجامع الكبير ــ سنن الترمذي‪ :‬أبو عيسى محمد بن عيسى‪،‬‬

‫‪021‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ــ بيروت‪،‬‬
‫سنة ‪1223‬م‪.‬‬
‫‪ 30‬ــ الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‘ وسننه‬
‫وأيامه = صحيح البخاري‪ :‬أبو عبداهلل محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1255‬هـ‪.‬‬
‫‪ 35‬ــ جامع بيان العلم وفضله‪ :‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن محمد بن‬
‫عبد البر‪ ،‬القرطبي تحقيق‪ :‬أبو األشبال الزهيري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن الجوزي‪،‬‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 33‬ــ الجامع ألحكام القرآن = تفسير القرطبي‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن‬
‫أحمد بن أبي بكر األنصاري الخزرجي‪ ،‬شمس الدين القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‬
‫البردوني وإبراهيم أطفيش‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب المصرية ــ القاهرة‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة‬
‫‪1232‬هـ ــ ‪1202‬م‪.‬‬
‫‪ 32‬ــ الجرح والتعديل‪ :‬أبو محمد عبد الرحمن بن محمد التميمي‪ ،‬ابن‬
‫أبي حاتم الرازي‪ ،‬الناشر‪ :‬طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية ــ بحيدر آباد‬
‫الدكن ــ الهند‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‪1551‬هـ‬
‫‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ جمهرة اللغة‪ :‬أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد األزدي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫رمزي منير بعلبكي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العلم للماليين ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1235‬م‪.‬‬
‫‪ 21‬ــ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‪ :‬تقي الدين أبو العباس‬
‫أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‪ ،‬ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬علي بن حسن وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العاصمة‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة‬
‫‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬

‫‪025‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 25‬ــ جواب أهل السنة النبوية في نقض كالم الشيعة والزيدية (مطبوع‬
‫ضمن الرسائل والمسائل النجدية‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬القسم األول)‪ :‬أبو سليمان‬
‫عبد اهلل بن محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العاصمة‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ جوامع السيرة النبوية‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم‬
‫األندلسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة‪ :‬محمد بن أبي بكر‬
‫بالب ِّري‪ ،‬نقحها وعلق عليها‪ :‬د محمد التونجي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫التِّلمساني المعروف ُ‬
‫الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع ــ الرياض‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1222‬هـ ــ ‪ 1232‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ حاشية السندي على سنن ابن ماجه = كفاية الحاجة في شرح سنن‬
‫ابن ماجه‪ ،‬أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي التتوي‪ ،‬السندي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الجيل ــ بيروت‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬موافقة للطبعة رقم‪ ،5‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 20‬ــ حاشية السندي على سنن النسائي (مطبوع السنن)‪ :‬عبد الرحمن بن‬
‫أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتب المطبوعات اإلسالمية ــ‬
‫حلب‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪ 1220‬هـ ــ ‪1230‬م‪.‬‬
‫‪ 25‬ــ حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني‪ :‬أبو الحسن علي‬
‫ابن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد البقاعي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر ــ بيروت‪.‬‬
‫‪ 23‬ــ الحكومة اإلسالمية‪ :‬روح اهلل الخميني‪ ،‬نشر مؤسسة تنظيم طبع‬
‫ونشر تراث اإلمام الخميني ــ طهران‪ ،‬ط‪1220 :1‬م‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ حلية األبرار‪ :‬هاشم البحراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬غالم رضا البروجردي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مؤسسة المعارف اإلسالمية ــ قم ــ ايران‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‪1211‬هـ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 122‬ــ حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ :‬أبو نعيم أحمد بن عبد اهلل بن‬
‫أحمد‪ ،‬األصبهاني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار السعادة ــ مصر‪ ،‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1252‬م‪.‬‬
‫‪ 121‬ــ حوار مع فضل اهلل حول الزهراء‪ :‬هاشم الهاشمي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الهدى ــ قم‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1255‬ه‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ خاتمة المستدرك‪ :‬ميرزا حسين النوري الطبرسي‪ ،‬تحقيق ونشر‪:‬‬
‫مؤسسة آل البيت إلحياء التراث ــ قم ــ ايران‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ الخرائج والجرائح‪ :‬قطب الدين الراوندي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة اإلمام‬
‫المهدي ــ قم‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ الخصال‪ :‬محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المعروف‬
‫بالصدوق‪ ،‬جماعة المدرسين ــ قم‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ الخصائص الكبرى‪ :‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين‬
‫السيوطي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 120‬ــ خالصة األقوال‪ :‬الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫المطبعة الحيدرية ــ النجف‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1231‬هـ‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ الدر المنثور‪ :‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 123‬ــ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة‪ :‬علي خان المدني‬
‫الشيرازي‪ ،‬الناشر‪ :‬منشورات مكتبة بصيرتي ــ قم‪ ،‬سنة ‪1225‬هـ‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ دفاعا عن اآلل واألصحاب‪ :‬قسم الدراسات والبحوث بجمعية‬
‫اآلل واألصحاب بالبحرين‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1221‬هـ ــ ‪5212‬م‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 112‬ــ دالئل النبوة‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي تحقيق‪:‬‬


‫عبد المعطي قلعجي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1223‬هـ ــ ‪1233‬م‪.‬‬
‫‪ 111‬ــ ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من‬
‫ذوي الشأن األكبر‪ :‬عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل‬
‫شحادة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ــ ط‪ ،5 :‬سنة ‪122‬هـ ــ ‪1233‬م‪.‬‬
‫‪ 115‬ــ ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى‪ :‬محب الدين أحمد بن‬
‫عبد اهلل الطبري‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة القدسي ــ القاهرة‪ ،‬عن نسخة‪ :‬دار الكتب‬
‫المصرية‪ ،‬ونسخة الخزانة التيمورية‪ ،‬سنة ‪1220‬هـ‪.‬‬
‫‪ 112‬ــ الذريعة إلى أصول الشريعة‪ :‬أبو القاسم علي بن طاهر‪ ،‬الشريف‬
‫المرتضى‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو القاسم كرجي‪ ،‬طبعة دانشكاة ــ طهران‪.‬‬
‫‪ 112‬ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة‪ :‬آقا بزرك الطهراني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫األضواء ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 112‬ــ رجال ابن الغضائري‪ :‬أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي‬
‫البغدادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد رضا الجاللي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الحديث ــ قم‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫سنة ‪1255‬هـ‪.‬‬
‫‪ 110‬ــ رجال ابن داود‪ :‬ابن داود الحلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد صادق آل بحر‬
‫العلوم‪ ،‬الناشر‪ :‬منشورات مطبعة الحيدرية ــ النجف‪ ،‬سنة ‪1225‬هـ ــ ‪1255‬م‪.‬‬
‫‪ 115‬ــ رجال الخاقاني‪ :‬علي الخاقاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد صادق بحر‬
‫العلوم‪ ،‬طبع ونشر مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 113‬ــ رجال الطوسي‪ :‬أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد باقر المجلسي‪ ،‬مطبعة بعثت ــ قم‪ ،‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 112‬ــ رجال الكشي‪ :‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقر‬


‫المجلسي وآخرون‪ ،‬مطبعة بعثت ــ قم‪ ،‬ط‪ :5‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ رجال حول الرسول‪ :‬خالد محمد خالد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1251‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 151‬ــ رد المحتار على الدر المختار‪ :‬محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز‬
‫عابدين الدمشقي الحنفي‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر ــ بيروت‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 155‬ــ رسالة في أصول الفقه‪ :‬أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن‪،‬‬
‫العكبري الحنبلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬موفق بن عبد اهلل بن عبد القادر‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة‬
‫ّ‬
‫المكية ــ مكة المكرمة‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ الروض األنف في شرح السيرة النبوية البن هشام‪ :‬أبو القاسم‬
‫السهيلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر عبد السالم السالمي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1251‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ الروض الداني (المعجم الصغير)‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد‬
‫الطبراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد شكور محمود الحاج أمرير‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دار عمار ــ بيروت‪ ،‬عمان ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ روضات الجنات‪ :‬محمد باقر الخونساري‪ ،‬طبعة طهران‪،‬‬
‫ط‪ ،5 :‬سنة ‪1253‬هـ‪.‬‬
‫‪ 150‬ــ روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب اإلمام‬
‫أحمد بن حنبل‪ :‬أبو محمد موفق الدين عبد اهلل بن أحمد بن محمد‪ ،‬الشهير‬
‫الريان للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫بابن قدامة المقدسي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة ّ‬
‫سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5225‬م‪.‬‬

‫‪020‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 155‬ــ زاد المسير في علم التفسير‪ :‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن‬
‫ابن علي بن محمد الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرزاق المهدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1255‬هـ‪.‬‬
‫‪ 153‬ــ زاد المعاد في هدي خير العباد‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب‪،‬‬
‫ابن قيم الجوزية‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ــ مكتبة المنار اإلسالمية‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬ط‪ ،55 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ سبل السالم‪ :‬أبو إبراهيم عز الدين محمد بن إسماعيل بن صالح‬
‫ابن محمد الحسني‪ ،‬الكحالني ثم الصنعاني‪ ،‬المعروف باألمير‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الحديث‪ ،‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ سبل الهدى والرشاد‪ ،‬في سيرة خير العباد‪ ،‬وذكر فضائله وأعالم‬
‫نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد‪ :‬محمد بن يوسف الصالحي الشامي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬علي محمد معوض‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 121‬ــ السرائر‪ :‬ابن إدريس الحلي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي‬
‫التابعة لجماعة المدرسين ــ قم‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها‪ :‬أبو‬
‫عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬بدون‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في األمة‪:‬‬
‫أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعارف‪ ،‬الرياض ــ‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ ‪ 1225‬م‪.‬‬

‫‪025‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 122‬ــ سمط النجوم العوالي في أنباء األوائل والتوالي‪ :‬عبد الملك بن‬
‫حسين بن عبد الملك العصامي المكي‪ ،‬تحققي‪ :‬عادل أحمد عبد الموجود ــ‬
‫علي محمد معوض‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‬
‫ــ ‪1223‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ السمو الروحي األعظم والجمال الفني في البالغة النبوية‪:‬‬
‫مصطفى صادق الرافعي‪ ،‬دار البشير للثقافة والعلوم‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 120‬ــ السنة‪ :‬أبو بكر بن أبي عاصم‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر الدين‬
‫األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي ــ بيروت ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ سنن ابن ماجه‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني (ابن ماجه)‬
‫تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1222‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 123‬ــ السنن الكبرى‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين‪ ،‬البيهقي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد عبد القادر عطا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنان ــ ط‪،1 :‬‬
‫سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ السنن الكبرى‪ :‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب‪ ،‬النسائي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬حسن عبد المنعم شلبي‪ ،‬أشرف عليه‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة ــ بيروت ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪1251‬هـ ــ ‪5221‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ سير أعالم النبالء‪ :‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن‬
‫عثمان بن قَ ْايماز الذهبي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الحديث ــ القاهرة‪ ،‬سنة ‪1255‬هـ ــ‬
‫‪5220‬م‪.‬‬
‫‪ 121‬ــ سير أعالم النبالء‪ :‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن‬
‫عثمان بن قَ ْايماز الذهبي تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين بإشراف شعيب‬

‫‪023‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫األرناؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪ 1222‬هـ ــ ‪ 1232‬م (تم‬


‫الرجوع إليه مرة واحدة لزيادة ليست في طبعة دار الحديث)‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة األمين المأمون‪ :‬أبو‬
‫الفرج نور الدين علي بن إبراهيم‪ ،‬الحلبي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1255‬هـ‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ السيرة النبوية (من البداية والنهاية البن كثير)‪ :‬أبو الفداء إسماعيل‬
‫ابن عمر بن كثير القرشي الدمشقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ــ لبنان‪ ،‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1250‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة‪ :‬محمد بن محمد أبو شهبة‪،‬‬
‫دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬سنة ‪1255‬هـ‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ السيرة النبوية في ضوء المصادر األصلية‪ ،‬مهدي رزق اهلل‪ ،‬طبع‬
‫مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 120‬ــ السيرة النبوية‪ :‬أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري‬
‫المعافري‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى السقا وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة ومطبعة مصطفى‬
‫البابي الحلبي ــ مصر‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ الشافي في اإلمامة‪ :‬أبو القاسم علي بن طاهر‪ ،‬الشريف‬
‫المرتضى‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الصادق ــ طهران‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 123‬ــ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ :‬أبو القاسم هبة اهلل بن‬
‫الحسن بن منصور الطبري الرازي الاللكائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد بن سعد بن حمدان‬
‫الغامدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار طيبة ــ السعودية ــ ط‪ ،3 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 122‬ــ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ :‬أبو القاسم هبة اهلل بن‬
‫الحسن بن منصور الطبري الرازي الاللكائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد بن سعد بن حمدان‬
‫الغامدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار طيبة ــ السعودية‪ ،‬ط‪ ،3 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‬
‫‪ 122‬ــ شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية‪ :‬أبو‬
‫عبد اهلل محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المالكي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1220‬م‪.‬‬
‫‪ 121‬ــ شرح السنة‪ :‬أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء‬
‫البغوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ــ محمد زهير الشاويش‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب‬
‫اإلسالمي ــ دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ شرح الكوكب المنير‪ :‬تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد بن‬
‫عبد العزيز الفتوحي المعروف بابن النجار‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الزحيلي ونزيه حماد‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1213‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ شرح المواقف‪ :‬الشريف الجرجاني‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة السعادة ـ‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ :1‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪1225‬م‬
‫‪ 122‬ــ شرح عمدة الفقه (من أول كتاب الصالة إلى آخر باب آداب‬
‫المشي إلى الصالة)‪ :‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬ابن تيمية‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬خالد بن علي المشيقح‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1213‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ شرح مختصر الروضة‪ :‬أبو الربيع‪ ،‬نجم الدين سليمان بن‬
‫عبد القوي الطوفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1225‬هـ ــ ‪1235‬م‪.‬‬

‫‪002‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 120‬ــ شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن‪ :‬أبو‬
‫حفص عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي المعروف بـ ابن شاهين‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل‬
‫ابن محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ‬
‫‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ شرح مشكل اآلثار‪ :‬أبو جعفر أحمد بن محمد بن سالمة‪ ،‬األزدي‬
‫الحجري المصري المعروف بالطحاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‪1222 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 123‬ــ شرح نهج البالغة‪ :‬ابن أبي الحديد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1253‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫ي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬‫اآلج ِّر ُّ‬
‫‪ 122‬ــ الشريعة‪ :‬أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد اهلل ُ‬
‫الدكتور عبد اهلل بن عمر بن سليمان الدميجي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الوطن ــ الرياض ــ‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة‪1252‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 102‬ــ شعب اإليمان‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين‪ ،‬البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫عبد العلي عبد الحميد حامد‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض‬
‫بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 101‬ــ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام‪ :‬تقي الدين محمد بن أحمد بن‬
‫علي‪ ،‬أبو الطيب المكي الحسني الفاسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫سنة ‪1251‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 105‬ــ الصارم المسلول على شاتم الرسول‪ :‬تقي الدين أبو العباس أحمد‬
‫ابن عبد الحليم بن عبد السالم‪ ،‬ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬الناشر‪ :‬الحرس الوطني السعودي‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪001‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 102‬ــ الصحبة والصحابة‪ :‬حسن بن فرحان المالكي‪ ،‬الناشر‪ :‬مركز‬


‫الدراسات التاريخية‪ ،‬ط‪1252 :5‬هـ ــ ‪5222‬م‬
‫‪ 102‬ــ الصحيح من سيرة النبي األعظم‪ :‬جعفر مرتضى العاملي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار الحديث للطباعة والنشر ــ قم ــ ايران‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1250‬هـ‪.‬‬
‫‪ 102‬ــ صحيح وضعيف سنن ابن ماجة‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪،‬‬
‫مصدر الكتاب‪ :‬برنامج منظومة التحقيقات الحديثية ــ المجاني ــ من إنتاج مركز‬
‫نور اإلسالم ألبحاث القرآن والسنة باإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ 100‬ــ صحيح وضعيف سنن أبي داود‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪،‬‬
‫مصدر الكتاب‪ :‬برنامج منظومة التحقيقات الحديثية ــ المجاني ــ من إنتاج مركز‬
‫نور اإلسالم ألبحاث القرآن والسنة باإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ 105‬ــ صحيح وضعيف سنن الترمذي‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‬
‫مصدر الكتاب‪ :‬برنامج منظومة التحقيقات الحديثية ــ المجاني ــ من إنتاج مركز‬
‫نور اإلسالم ألبحاث القرآن والسنة باإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ 103‬ــ صحيح وضعيف سنن النسائي‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪،‬‬
‫مصدر الكتاب‪ :‬برنامج منظومة التحقيقات الحديثية ــ المجاني ــ من إنتاج مركز‬
‫نور اإلسالم ألبحاث القرآن والسنة باإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ 102‬ــ الضعفاء الكبير‪ :‬أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد‬
‫العقيلي المكي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي أمين قلعجي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المكتبة العلمية‬
‫ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ الضعفاء والمتروكون‪ :‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي‬
‫الخراساني‪ ،‬النسائي‪ ،‬المحقق‪ :‬محمود إبراهيم زايد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الوعي ــ‬
‫حلب‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1220‬هـ‪.‬‬

‫‪005‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 151‬ــ ضعيف الجامع الصغير وزيادته‪ :‬أبو عبد الرحمن محمد ناصر‬
‫الدين األلباني‪ ،‬أشرف على طبعه‪ :‬زهير الشاويش‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫بدون‪.‬‬
‫‪ 155‬ــ طبقات الحفاظ‪ :‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال‪ :‬السيد علي أصغر‬
‫البروجردي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مهدي الرجائي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتب آية اهلل المرعشي النجفي ــ‬
‫قم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 152‬ــ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف‪ :‬ابن طاووس الحسني‪ ،‬طبعة‬
‫الخيام ــ قم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1251‬هـ‬
‫‪ 152‬ــ الطفل بين الوراثة والتربية‪ :‬محمد تقي فلسفي‪ ،‬ترجمة‪ :‬فاضل‬
‫الحسيني الميالني‪ ،‬مؤسسة العلمي ــ بيروت‪.‬‬
‫‪ 150‬ــ العقد الفريد‪ :‬أبو عمر‪ ،‬شهاب الدين أحمد بن محمد بن‬
‫عبد ربه‪ ،‬المعروف بابن عبد ربه األندلسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 155‬ــ العلل المتناهية في األحاديث الواهية‪ :‬جمال الدين أبو الفرج‬
‫عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬إرشاد الحق األثري‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫إدارة العلوم األثرية‪ ،‬فيصل آباد‪ ،‬باكستان‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1221‬هـ ــ ‪1231‬م‪.‬‬
‫‪ 153‬ــ عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ :‬أبو محمد محمود بن أحمد‬
‫ابن موسى الغيتابى الحنفى‪ ،‬بدر الدين العينى‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي‬
‫ــ بيروت‪.‬‬

‫‪002‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 152‬ــ العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ :‬أبو على الحسن بن رشيق‬


‫القيرواني األزدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الجيل‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1221‬هـ ــ ‪1231‬م‪.‬‬
‫‪ 132‬ــ الفائق في غريب الحديث واألثر‪ :‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن‬
‫أحمد‪ ،‬الزمخشري جار اهلل‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي ــ محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،5 :‬بدون‪.‬‬
‫‪ 131‬ــ الفتاوى الكبرى‪ :‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن‬
‫عبد السالم‪ ،‬ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1223‬هـ ــ ‪1235‬م‪.‬‬
‫‪ 135‬ــ فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ :‬أبو الفضل أحمد بن علي بن‬
‫حجر العسقالني الشافعي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة ــ بيروت‪ ،‬سنة ‪1252‬هـ‪.‬‬
‫‪ 132‬ــ فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ :‬زين الدين عبد الرحمن بن‬
‫السالمي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الغرباء األثرية ــ‬
‫أحمد بن رجب بن الحسن‪َ ،‬‬
‫المدينة النبوية‪ .‬الحقوق‪ :‬مكتب تحقيق دار الحرمين ــ القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1215‬هـ ــ ‪1220‬م‪.‬‬
‫‪ 132‬ــ فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي‪ :‬شمس الدين أبو الخير‬
‫محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬علي حسين علي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة السنة ــ مصر‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ‬
‫‪5222‬م‪.‬‬
‫الب َال ُذري‪،‬‬
‫‪ 132‬ــ فتوح البلدان‪ :‬أحمد بن يحيى بن جابر بن داود َ‬
‫الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل ــ بيروت‪ ،‬سنة ‪1233‬م‪.‬‬

‫‪002‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 130‬ــ فرق الشيعة‪ :‬الحسن موسى النوبختي‪ ،‬سعد القمي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫عبد المنعم الحنفي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الرشاد ــ القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ‬
‫‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 135‬ــ الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية‪ :‬أبو منصور عبد القاهر بن‬
‫طاهر بن محمد البغدادي األسفراييني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار اآلفاق الجديدة ــ بيروت‪،‬‬
‫ط‪ ،5 :‬سنة ‪1255‬م‪.‬‬
‫‪ 133‬ــ الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق‪ :‬أبو العباس شهاب الدين‬
‫أحمد بن إدريس القرافي‪ ،‬طبع ونشر عالم الكتب‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 132‬ــ ا ْل ِف َص َل في الملل واألهواء والنحل‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن‬
‫سعيد بن حزم األندلسي القرطبي الظاهري‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الخانجي ــ القاهرة‪،‬‬
‫بدون رقم الطبعة وتاريخها‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ فضائل الخلفاء األربعة وغيرهم‪ :‬أبو نعيم أحمد بن عبد اهلل بن‬
‫أحمد بن إسحاق األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬صالح بن محمد العقيل‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫البخاري للنشر والتوزيع‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 121‬ــ فضائل الصحابة‪ :‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل‬
‫ابن أسد الشيباني‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬وصي اهلل محمد عباس‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‬
‫ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ فضائل الصحابة‪ :‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل‬
‫ابن أسد الشيباني‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬وصي اهلل محمد عباس‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‬
‫ــ بيروت ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1222‬ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ فقه السيرة النبوية‪ :‬منير محمد الغضبان‪ ،‬الناشر‪ :‬جامعة أم القرى‪،‬‬
‫ط‪ ،5 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪ 1225‬م‪.‬‬

‫‪002‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 122‬ــ فقه السيرة‪ :‬محمد الغزالي السقا‪ ،‬نشر‪ :‬دار القلم ــ دمشق‪،‬‬
‫تخريج األحاديث‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1255‬هـ‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ الفهرست‪ :‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬جواد القيومي‪،‬‬
‫مؤسسة النشر اإلسالمي ــ قم‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪ 120‬ــ الفوائد المجموعة في األحاديث الموضوعة‪ :‬محمد بن علي بن‬
‫محمد الشوكاني المحقق‪ :‬عبد الرحمن بن يحي المعلمي اليماني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ قاموس الرجال‪ :‬محمد تقي التستري‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين بقم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬ه‪.‬‬
‫‪ 123‬ــ قواطع األدلة في األصول‪ :‬أبو المظفر‪ ،‬منصور بن محمد بن‬
‫عبد الجبار السمعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسن الشافعي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1213‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ قواعد األحكام‪ :‬الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة‬
‫المدرسين بقم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة‪ :‬شمس الدين‬
‫أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن عثمان بن قَ ْايماز الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوامة‪،‬‬
‫أحمد محمد نمر الخطيب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القبلة للثقافة اإلسالمية ــ مؤسسة علوم‬
‫القرآن‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 521‬ــ الكافي في األصول والفروع‪ :‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫على أكبر غفاري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬آخوندي‪ ،‬إيران‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة‬
‫‪1233‬هـ‪.‬‬

‫‪000‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 525‬ــ الكامل في ضعفاء الرجال‪ :‬أبو أحمد بن عدي الجرجاني‪،‬‬


‫تحقيق‪ :‬عادل أحمد عبد الموجود ــ علي محمد معوض‪ ،‬شارك في تحقيقه‪:‬‬
‫عبد الفتاح أبو سنة‪ ،‬الناشر‪ :‬الكتب العلمية ــ بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1213‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ كتاب التعريفات‪ :‬علي بن محمد بن علي الزين‪ ،‬الشريف‬
‫الجرجاني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ‬
‫‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ كتاب الفتن‪ :‬أبو عبد اهلل نعيم بن حماد الخزاعي المروزي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬سمير أمين الزهيري‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة التوحيد ــ القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1215‬هـ‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ كتاب سليم بن قيس‪ :‬سليم بن قيس الهاللي العامري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد باقر األنصاري‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي ــ قم‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 520‬ــ كسر الصنم‪ :‬نقض كتاب أصول الكافي للكليني‪ ،‬أبو الفضل بن‬
‫الرضا البرقعي‪ ،‬منشورات رابطة أهل السنة في إيران‪ ،‬طبع دار البيارق ــ‬
‫األردن‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1223‬م‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ كشاف القناع عن متن االقناع‪ :‬منصور بن يونس البهوتي الحنبلي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬لجنة متخصصة في وزارة العدل‪ ،‬الناشر‪ :‬وزارة العدل ــ المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1251‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 523‬ــ الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث‪ :‬برهان الدين الحلبي‬
‫أبو الوفا إبراهيم بن محمد الطرابلسي الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬صبحي السامرائي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬مكتبة النهضة العربية ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1225‬هـ ــ‬
‫‪1235‬م‪.‬‬

‫‪005‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 522‬ــ كشف الخفاء ومزيل اإللباس‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن محمد‬


‫العجلوني الدمشقي‪ ،‬نشر المكتبة العصرية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد بن أحمد بن‬
‫يوسف بن هنداوي‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ كشف الغمة في معرفة األئمة‪ :‬علي بن عيسى اإلربلي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار األضواء ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ كشف المشكل من حديث الصحيحين‪ :‬جمال الدين أبو الفرج‬
‫عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي حسين البواب‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار الوطن ــ الرياض‪.‬‬
‫‪ 515‬ــ كنز العمال في سنن األقوال واألفعال‪ :‬عالء الدين علي بن‬
‫حسام الدين البرهانفوري‪ ،‬الشهير بالمتقي الهندي‪ ،‬تحقيق‪ :‬بكري حياني ــ‬
‫صفوة السقا‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1221‬هـ ــ ‪1231‬م‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ الكنى واألسماء‪ :‬أبو ب ِْشر محمد بن أحمد بن حماد‪ ،‬األنصاري‬
‫الدوالبي الرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن حزم‬
‫ــ بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1251‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ الكنى واألسماء‪ :‬مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الرحيم محمد أحمد القشقري‪ ،‬الناشر‪ :‬عمادة البحث العلمي‬
‫بالجامعة اإلسالمية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‬
‫‪ 512‬ــ الآللئ المصنوعة في األحاديث الموضوعة‪ :‬عبد الرحمن بن أبي‬
‫بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي تحقيق‪ :‬أبو عبد الرحمن صالح بن محمد بن‬
‫عويضة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1220‬م‪.‬‬

‫‪003‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 510‬ــ لسان العرب‪ :‬أبو الفضل محمد بن مكرم بن على‪ ،‬ابن منظور‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار صادر ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪ 1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 515‬ــ هلل وللحقيقة‪ :‬علي آل محسن‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1252‬هـ‬
‫ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 513‬ــ لوامع األنوار البهية وسواطع األسرار األثرية لشرح الدرة المضية‬
‫في عقد الفرقة المرضية‪ :‬شمس الدين‪ ،‬أبو العون محمد بن أحمد بن سالم‬
‫السفاريني الحنبلي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الخافقين ومكتبتها ــ دمشق‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة‬
‫‪1225‬هـ ــ ‪1235‬م‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ مآثر اإلنافة في معالم الخالفة‪ :‬أحمد بن علي بن أحمد الفزاري‬
‫القلقشندي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الستار أحمد فراج‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة حكومة الكويت ــ‬
‫الكويت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ المبسوط في فقه اإلمامية‪ :‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد تقى الكشفي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة المرتضوية‪ ،‬طهران ‪1235‬هـ‪.‬‬
‫‪ 551‬ــ المجدي في أنساب الطالبيين‪ :‬على بن محمد العلوى العمري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الدكتور أحمد المهدوي الدامغاني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة آية اهلل العظمى‬
‫المرعشي النجفي العامة ــ قم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬ــ سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 555‬ــ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬أبو الحسن نور الدين علي بن أبي‬
‫بكر الهيثمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسام الدين القدسي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة القدسي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫سنة‪1212‬هـ‪1222 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ مجمع النورين‪ :‬أبو الحسن المرندي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي ــ قم‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪002‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 552‬ــ مجمل اللغة‪ :‬أبو الحسين أحمد بن فارس القزويني الرازي‪،‬‬


‫تحقيق‪ :‬زهير عبد المحسن سلطان‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ بيروت‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫سنة ‪1220‬هـ ــ ‪1230‬م‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ مجموع الفتاوى‪ :‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن‬
‫تيمية الحراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬الناشر‪ :‬مجمع الملك‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف‪ ،‬المدينة النبوية‪ ،‬المملكة العربية السعودية ــ‬
‫سنة ‪1210‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 550‬ــ محاسن التأويل‪ :‬محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم‬
‫الحالق القاسمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلميه‬
‫ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1213‬هـ‪.‬‬
‫‪ 555‬ــ المحبر‪ :‬أبو جعفر محمد بن حبيب‪ ،‬البغدادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬إيلزة‬
‫ليختن شتيتر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 553‬ــ مخالفة الصحابي للحديث النبوي‪ ،‬عبد الكريم النملة‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مكتبة الرشد الرياض‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة‪1252‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ مختار الصحاح‪ :‬زين الدين أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر‬
‫الرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العصرية ــ الدار‬
‫النموذجية‪ ،‬بيروت ــ صيدا‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ :‬محمد بن‬
‫أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫المعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة‬
‫‪1210‬هـ ــ ‪1220‬م‪.‬‬

‫‪052‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 521‬ــ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول‪ :‬محمد باقر المجلسي‪،‬‬


‫الناشر‪ :‬دار الكتب اإلسالمية ــ طهران‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ مرآة الكتب‪ :‬علي بن موسى بن محمد شفيع التبريزي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد علي الحائري‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة آية اهلل العظمى المرعشي العامة ــ قم‪ ،‬ط‪:‬‬
‫‪ ،1‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المرتضى‪ :‬أبو الحسن الندوي‪ ،‬المجمع اإلسالمي العلمي‪ ،‬ط‪:5‬‬
‫سنة ‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ :‬أبو الحسن على بن الحسين‬
‫المسعودي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسعد داغر‪ ،‬نشر‪ :‬دار الهجرة ــ قم‪ ،‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المرويات التاريخية عند المسلمين‪ :‬خالد كبير عالل‪ ،‬مبرة اآلل‬
‫واألصحاب بالكويت‪ ،،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1221‬هـ ــ ‪5212‬م‪.‬‬
‫‪ 520‬ــ المستجاد من كتاب اإلرشاد‪ :‬الحسن بن يوسف بن المطهر‬
‫الحلي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة آية اهلل العظمى المرعشي النجفي ــ قم‪ ،‬سنة ‪1220‬هـ‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ مستخرج أبي عوانة‪ :‬أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم‬
‫النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬أيمن بن عارف الدمشقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة ــ بيروت‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1223‬م‪.‬‬
‫‪ 523‬ــ مستدرك سفينة البحار‪ :‬على النمازي الشاهرودي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسن‬
‫ابن على النمازي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي ــ قم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المستدرك على الصحيحين‪ :‬أبو عبد اهلل الحاكم محمد بن عبد‬
‫اهلل النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪ 1211‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬

‫‪051‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 522‬ــ المستدرك على الصحيحين‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن عبد اهلل‪،‬‬
‫الحاكم النيسابوري‪ ،‬ط‪ ،1 :‬دار التأصيل ــ القاهرة‪ ،‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪5212‬م‪.‬‬
‫‪ 521‬ــ مستدركات علم رجال الحديث‪ :‬علي النمازي الشاهرودي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬ابن المؤلف‪ ،‬المطبعة‪ :‬شفق ــ طهران‪ .‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ المستصفى‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد عبد السالم عبد الشافي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ مسند أبي يعلى‪ :‬أبو يعلى أحمد بن علي بن الم ُثنى التميمي‪،‬‬
‫الموصلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم أسد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المأمون للتراث ــ دمشق ــ‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ مسند أبي يعلى‪ :‬أبو يعلى أحمد بن علي بن الم ُثنى‪ ،‬التميمي‪،‬‬
‫الموصلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم أسد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المأمون للتراث ــ دمشق‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار‪ :‬أبو بكر أحمد بن عمرو‬
‫ابن عبد الخالق المعروف بالبزار‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة العلوم والحكم ــ المدينة‬
‫المنورة ــ ‪( ،‬بدأت ‪1233‬م‪ ،‬وانتهت ‪5222‬م)‪.‬‬
‫‪ 520‬ــ مسند الحميدي‪ :‬أبو بكر عبد اهلل بن الزبير الحميدي المكي‪،‬‬
‫اني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار السقا‪ ،‬دمشق ــ سوريا ــ ط‪،1 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬حسن سليم أسد ال َّد َار ّ‬
‫سنة ‪1220‬م‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ مسند الحميدي‪ :‬أبو بكر عبد اهلل بن الزبير بن عيسى بن عبيد اهلل‬
‫اني‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫القرشي األسدي الحميدي المكي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسن سليم أسد ال َّد َار ّ‬
‫دار السقا‪ ،‬دمشق ــ سوريا‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1220‬م‪.‬‬

‫‪055‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 523‬ــ مسند الدارمي المعروف بـ (سنن الدارمي)‪ :‬أبو محمد عبد اهلل‬
‫ابن عبد الرحمن الدارمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم أسد الداراني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫المغني للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ‬
‫‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل‬
‫‘‪ :‬أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء‬
‫التراث العربي ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المسند‪ :‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫شعيب األرنؤوط‪ ،‬وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪1251‬هـ ــ‬
‫‪5221‬م‪.‬‬
‫‪ 521‬ــ مشاهير علماء األمصار وأعالم فقهاء األقطار‪ :‬أبو حاتم محمد بن‬
‫حبان‪ ،‬التميمي‪ ،‬الدارمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مرزوق على ابراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الوفاء ــ‬
‫المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‪1211‬هـ ــ ‪1221‬م‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه‪ :‬أبو العباس شهاب الدين‬
‫أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري الكناني الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫المنتقى الكشناوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العربية ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير‪ :‬أبو العباس أحمد بن‬
‫محمد بن علي الفيومي‪ ،‬المكتبة العلمية ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المصنف في األحاديث واآلثار‪ :‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫كمال يوسف الحوت‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد ــ الرياض ــ ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ المصنف‪ :‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام اليماني الصنعاني‪،‬‬

‫‪052‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬المجلس العلمي ــ الهند‪ ،‬يطلب من‪:‬‬
‫المكتب اإلسالمي ــ بيروت ــ ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 520‬ــ المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية‪ :‬أبو الفضل أحمد بن‬
‫علي‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ )15( :‬رسالة علمية قدمت لجامعة اإلمام‬
‫محمد بن سعود‪ ،‬تنسيق‪ :‬د‪ .‬سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشثري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫العاصمة‪ ،‬دار الغيث ــ السعودية‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ المعارف‪ :‬أبو محمد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬ثروت عكاشة‪ ،‬الناشر‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫سنة ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 523‬ــ المعجم األوسط‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫طارق بن عوض اهلل بن محمد‪ ،‬عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الحرمين ــ القاهرة‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ معجم الشعراء‪ :‬أبو عبيد اهلل محمد بن عمران المرزباني‪،‬‬
‫بتصحيح وتعليق‪ :‬األستاذ الدكتور ف‪ .‬كرنكو‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة القدسي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1225‬هـ ــ ‪1235‬م‪.‬‬
‫‪ 502‬ــ معجم الصحابة‪ :‬أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق‬
‫البغدادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬صالح بن سالم المصراتي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الغرباء األثرية ــ‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1213‬هـ‪.‬‬
‫‪ 501‬ــ معجم الصحابة‪ :‬أبو القاسم عبد اهلل بن محمد بن عبد العزيز‪،‬‬
‫البغوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد األمين الجكني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة دار البيان ــ الكويت‪،‬‬
‫ط‪ ،1 :‬سنة ‪1251‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬

‫‪052‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 505‬ــ المعجم الكبير‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫حمدي بن عبد المجيد السلفي ــ الناشر‪ :‬مكتبة ابن تيمية ــ القاهرة‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫بدون‪.‬‬
‫‪ 502‬ــ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة‪ :‬أبو القاسم‬
‫الخوئى‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي ــ قم‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1212‬هـ‪.‬‬
‫‪ 502‬ــ معجم مقاييس اللغة‪ :‬أبو الحسين أحمد بن فارس الرازي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1252‬م‪.‬‬
‫‪ 502‬ــ معرفة السنن واآلثار‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين‪ ،‬البيهقي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد المعطي أمين قلعجي‪ ،‬الناشرون‪ :‬جامعة الدراسات اإلسالمية (كراتشي ــ‬
‫باكستان)‪ ،‬دار قتيبة (دمشق ــ بيروت)‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1221‬م‪.‬‬
‫‪ 500‬ــ المعرفة والتاريخ‪ :‬أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أكرم ضياء العمري‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1221‬هـ ــ‬
‫‪1231‬م‪.‬‬
‫‪ 505‬ــ المغازي‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن عمر بن واقد السهمي الواقدي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬مارسدن جونس‪ ،‬الناشر‪ :‬دار األعلمي ــ بيروت‪ .‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1222‬هـ‬
‫ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 503‬ــ مغاني األخيار في شرح أسامي رجال معاني اآلثار‪ :‬أبو محمد بدر‬
‫الدين العيني الحنفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسن إسماعيل‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1255‬هـ ــ ‪ 5220‬م‪.‬‬
‫‪ 502‬ــ المغني البن قدامة‪ :‬أبو محمد موفق الدين عبد اهلل بن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬الشهير بابن قدامة المقدسي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة القاهرة‪ ،‬سنة ‪1233‬هـ ــ‬
‫‪1203‬م‪.‬‬

‫‪052‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 552‬ــ المفردات في غريب القرآن‪ :‬أبو القاسم الحسين بن محمد‬


‫المعروف بالراغب األصفهانى‪ ،‬تحقيق‪ :‬صفوان عدنان الداودي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫القلم‪ ،‬الدار الشامية ــ دمشق ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‪1215‬هـ‪.‬‬
‫‪ 551‬ــ المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ :‬جواد علي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الساقي‪ ،‬ط‪ ،2 :‬سنة ‪1255‬هـ ــ ‪5225‬م‪.‬‬
‫‪ 555‬ــ المفيد من معجم رجال الحديث‪ :‬محمد الجواهري‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مكتبة المحالتي ــ قم ــ ايران ط‪ ،5 :‬سنة ‪1252‬هـ‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين‪ :‬أبو الحسن علي بن‬
‫إسماعيل األشعري‪ ،‬تحقيق‪ :‬نعيم زرزور‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العصرية‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫سنة ‪1250‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ مقدمة ابن الصالح‪ :‬أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن‪ ،‬ابن‬
‫الصالح‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر المعاصر ــ بيروت‪ ،‬سنة ‪1220‬هـ ــ ‪1230‬م‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ ا ْل ِملَ َل َوالن ِّ َح َل‪ :‬أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد‬
‫الشهرستاني‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الحلبي‪ ،‬بدون رقم الطبعة وتاريخها‪.‬‬
‫‪ 550‬ــ من ال يحضره الفقيه‪ :‬ابن بابويه القمي (الصدوق) تحقيق‪ :‬على‬
‫أكبر الغفاري‪ ،‬طبعة جامعة المدرسين ــ قم‪ ،‬ط‪ ،5 :‬سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 555‬ــ المنار المنيف في الصحيح والضعيف‪ :‬محمد بن أبي بكر بن‬
‫أيوب بن سعد‪ ،‬شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة المطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ ‪1252‬م‪.‬‬
‫‪ 553‬ــ مناقب آل أبي طالب‪ :‬ابن شهر آشوب‪ ،‬الناشر‪ :‬المطبعة‬
‫الحيدرية ــ النجف‪ ،‬سنة ‪1250‬هـ ــ ‪1220‬م‪.‬‬

‫‪050‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 552‬ــ المنتظم في تاريخ األمم والملوك‪ :‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي‬
‫ابن محمد الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬مصطفى عبد القادر عطا‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1215‬هـ ــ ‪1225‬م‪.‬‬
‫‪ 532‬ــ المنتقى من السنن المسندة‪ :‬أبو محمد عبد اهلل بن علي بن‬
‫الجارود النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل عمر البارودي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الكتاب‬
‫الثقافية ــ بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1223‬هـ ــ ‪1233‬م‪.‬‬
‫‪ 531‬ــ المنمق في أخبار قريش‪ :‬أبو جعفر محمد بن حبيب‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫خورشيد أحمد فاروق‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1222‬هـ ــ‬
‫‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 535‬ــ منهاج السنة النبوية في نقض كالم الشيعة القدرية‪ :‬تقي الدين‬
‫أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‪ ،‬ابن تيمية الحراني الحنبلي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد رشاد سالم‪ ،‬الناشر‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة‬
‫‪1220‬هـ ــ ‪1230‬م‪.‬‬
‫‪ 532‬ــ المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ :‬أبو زكريا محيي الدين‬
‫يحيى بن شرف النووي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪ ،‬ط‪،5 :‬‬
‫سنة ‪1225‬هـ‪.‬‬
‫‪ 532‬ــ المهذب في علم أصول الفقه المقارن‪ ،‬عبد الكريم النملة‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة الرشد ــ الرياض‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1252‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 532‬ــ الموسوعة الفقهية الكويتية‪ :‬صادر عن‪ :‬وزارة األوقاف والشئون‬
‫اإلسالمية ــ الكويت‪ ،‬اشترك في طباعتها‪ :‬مطابع دار الصفوة ــ مصر‪ ،‬دار‬
‫السالسل ــ الكويت‪.‬‬

‫‪055‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 530‬ــ الموضوعات‪ :‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن‬
‫محمد الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن محمد عثمان‪ ،‬الناشر‪ :‬محمد‬
‫عبد المحسن صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬بدون‪.‬‬
‫‪ 535‬ــ ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ :‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد‬
‫ابن أحمد بن عثمان بن قَ ْايماز الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ــ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1235‬هـ ــ ‪1202‬م‪.‬‬
‫‪ 533‬ــ نسب قريش‪ :‬أبو عبد اهلل مصعب بن عبد اهلل‪ ،‬الزبيري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫ليفي بروفنسال‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2 :‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ 532‬ــ نقد الرجال‪ :‬التفرشي صادق التفرشي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة آل البيت‬
‫إلحياء التراث ــ قم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1213‬هـ‬
‫‪ 522‬ــ نهاية األرب في فنون األدب‪ :‬أحمد بن عبد الوهاب بن محمد‬
‫القرشي التيمي البكري‪ ،‬شهاب الدين النويري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب والوثائق‬
‫القومية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1 :‬سنة ‪1252‬هـ‪.‬‬
‫‪ 521‬ــ نهاية األقدام في علم الكالم‪ :‬أبو الفتح محمد بن عبد الكريم‪،‬‬
‫الشهرستاني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة زهران ــ القاهرة‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ نهاية الدراية في شرح الكفاية‪ :‬محمد حسين الغروي األصفهاني‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬مهدي أحدي أمير كالئي‪ ،‬الناشر‪ :‬انتشارات سيد الشهداء ــ قم ــ‬
‫ايران‪ ،‬ط‪.1 :‬‬
‫‪ 522‬ــ نهاية الدراية‪ :‬حسن الصدر‪ ،‬تحقيق‪ :‬ماجد الغرباوي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫نشر المشعر‪ ،‬المطبعة‪ :‬اعتماد ــ قم‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ :‬شمس الدين محمد بن أبي‬

‫‪053‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫العباس أحمد بن حمزة‪ ،‬شهاب الدين الرملي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة‬
‫‪1222‬هـ ــ ‪1232‬م‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ النهاية في غريب الحديث واألثر‪ :‬مجد الدين أبو السعادات‬
‫المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد‬
‫الزاوى ــ محمود محمد الطناحي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العلمية ــ بيروت‪ ،‬سنة‬
‫‪1222‬هـ ــ ‪1252‬م‪.‬‬
‫‪ 520‬ــ نيل األوطار‪ :‬محمد بن علي بن محمد بن عبد اهلل الشوكاني‬
‫اليمني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عصام الدين الصبابطي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الحديث‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،1 :‬‬
‫سنة ‪1212‬هـ ــ ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ الوافي بالوفيات‪ :‬صالح الدين خليل بن أيبك بن عبد اهلل‬
‫الصفدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد األرناؤوط وتركي مصطفى‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫ــ بيروت‪ ،‬سنة‪1252‬هـ ــ ‪5222‬م‪.‬‬
‫‪ 523‬ــ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة‪ :‬محمد بن الحسن‬
‫الحر العاملي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ :‬أبو العباس شمس الدين أحمد‬
‫ابن محمد‪ ،‬ابن خلكان البرمكي اإلربلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫صادر ــ بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫* دوريات‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ مرويات إسالم العباس جمع ودراسة وتحقيق‪ ،‬سليمان بن حمد‬
‫العودة‪ ،‬بحث منشور بمجلة جامعة اإلمام‪ ،‬العدد ‪ ،55‬رجب ‪1252‬هـ‪.‬‬

‫‪052‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 5‬ــ أجوبة الشيخ أبي إسحاق الحويني‪ ،‬مجلة التوحيد‪ ،‬عدد (ذو القعدة‬
‫سنة ‪1252‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ سليم بن قيس الهاللي‪ ،‬حقيقة واقعة أم شخصية مصطنعة؟‪،‬‬
‫عبد المهدي جاللي‪ ،‬بحث بمجلة نصوص معاصرة‪ ،‬العدد السادس في ربيع‬
‫سنة ‪1222‬هـ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ الشعر في ضوء الشريعة اإلسالمية‪ :‬محمد بن عبد الرحمن األهدل‪،‬‬
‫مقال منشور بمجلة الجامعة اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪.25‬‬
‫‪ 2‬ــ نقد كتاب اإلمامة والسياسة المنسوب البن قتيبة‪ ،‬بحث الدكتور‬
‫خالد كبير عالل في موقع مجلة الفسطاط بعنوان‪http://efustat.blogspot.com :‬‬

‫** ** **‬

‫‪032‬‬

You might also like