You are on page 1of 212

‫‪full cover.

indd 2‬‬
‫مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬
‫ووهان الصينية‬
‫العدد ‪ > 693‬ذو القعدة ‪ 1437‬هـ > أغسطس ‪ 2016‬م ‪August‬‬
‫‪ISSN : 0258 - 3941‬‬

‫‪2016‬‬ ‫العدد ‪ 693‬أغسطس‬

‫‪7/26/16 11:30:59 AM‬‬


‫صـدر حديثـًا عن‬

‫اجل ـ ـزء األول‬

‫يصدر عن‬
‫وزارة اإلعالم بدولة الگويت‬

‫‪full cover.indd 1‬‬ ‫‪7/26/16 11:31:26 AM‬‬


‫مجلة شهرية ثقافية مصورة يكتبها عرب ليقرأها كل العرب‬
‫تأسست عام ‪ ،1958‬تصدرها وزارة اإلعالم بدولة الكويت‬

‫العنوان في الكويت‬ ‫رئيس التحرير‬


‫د‪ .‬عادل سالم العبداجلادر‬
‫بنيد القار ‪ -‬قطعة ‪ - 2‬شارع ‪ - 76‬قسيمة ‪ - 105‬هاتف البدالة ‪)00965( 22512081/82/86‬‬
‫> هاتف التحرير‪22512017 :‬‬
‫‪Editorial Tel:‬‬ ‫‪Editor in Chief‬‬
‫> اإلعالن والتوزيع‪ > )00965( 22512043 :‬الفاكس‪)00965( 22512044 :‬‬ ‫‪Dr. Adel S. Al-Abdul Jader‬‬
‫العنوان البريدي‪ :‬ص ب ‪ - 748‬الصفاة ‪ -‬الرمز البريدي ‪ -13008‬الكويت‪.‬‬
‫‪AL-ARABI - A Cultural Illustrated Monthly Arabic Magazine, Published by‬‬
‫‪Ministry of Information - State of Kuwait - P.O.Box: 748 - Safat, Kuwait‬‬
‫‪Tel: )00965( 22512081/82/86 Fax: (00965) 22512044‬‬
‫‪E.mail: arabimag@arabimag.net‬‬

‫عناوين البريد اإللكتروني‬


‫االشتراك مبجلة العربي‪subscribe@alarabi.info :‬‬
‫املتابعة املالية‪fin@alarabi.info :‬‬
‫املشاركات واملقاالت‪alarabi@alarabi.info :‬‬

‫‪alarabiinfo‬‬ ‫‪alarabiinfo‬‬ ‫‪alarabiinfo‬‬

‫شروط النشر في مجلة العربي‬


‫> توجه املقاالت إلى رئيس حترير املجلة‪.‬‬
‫تكتب املقاالت باللغة العربية وبخط واضح وترسل على البريد اإللكتروني‪ ،‬ومرفقة مبا يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعهد خطي من املؤلف أو املترجم بعدم نشر املقالة ساب ًقا في أي مجلة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 2‬سيرة ذاتية مختصرة للمؤلف أو املترجم‪.‬‬
‫‪ - 3‬األصل األجنبي للترجمة‪ ،‬إذا كانت املقالة مترجمة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يفضل أن تكون املقاالت الثقافية مدعمة بصور أصلية عالية النقاء‪ ،‬مع ذكر مصادر هذه‬
‫الصور‪ ،‬ومراعاة ترجمة تعليقات وشروح الصور واجلداول إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫> املوضوعات التي ال تنشر ال تعاد إلى أصحابها‪.‬‬
‫> يفضل أال تقل املقالة عن ‪ 150‬كلمة وال تزيد على ‪ 1000‬كلمة‪.‬‬
‫> يحق للمجلة حذف أو تعديل أو إضافة أي فقرة من املقالة متاش ًيا مع سياسة املجلة في النشر‪.‬‬
‫> اخلرائ� � ��ط التي تنش� � ��ر باملجل� � ��ة مجرد خرائ� � ��ط توضيحية وال تعتب� � ��ر مرجعا للح� � ��دود الدولية‪.‬‬
‫> ال يجوز إعادة النش� � ��ر بأي وس� � ��يلة ألي مادة نشرتها العربي منذ ‪ 1958‬وحتى تاريخه دون موافقة‬
‫خطية من اجلهات املختصة باملجلة وإال اعتبر خرقا لقانون امللكية الفكرية‪.‬‬
‫> االس� � ��م الكامل حس� � ��ب الوثائق الرس� � ��مية‪ ،‬واس� � ��م الدولة‪ ،‬واس� � ��م البنك‪ ،‬ورقم احلساب اخلاص‬
‫باملستفيد‪ ،‬وكذلك رقم اآليبان (‪)IBAN‬‬

‫> امل ��واد املنش ��ورة تعبر ع ��ن آراء كتابه ��ا وال تعبر بالضرورة ع ��ن رأي املجلة‪,‬‬
‫ويتحمل كاتب املقال جميع احلقوق الفكرية املترتبة للغير‪.‬‬
‫طبعت مبطبعة حكومة الكويت‬

‫‪3‬‬

‫‪aug 3-4-5.indd 3‬‬ ‫‪7/26/16 8:11:07 AM‬‬


‫العدد ‪ - 693‬ذو القعدة ‪ 1437‬هـ‬
‫أغسطس (آب) ‪2016‬م‬

‫‪ 96‬د‪ .‬محمد علي عطا‪ ...‬القيمة األخالقية لكتاب «املالحن»‪.‬‬ ‫حديث الشهر‬
‫عبدالكرمي املقداد‪ ...‬قصص قصيرة جداً‬ ‫‪ 8‬د‪ .‬عادل سالم العبداجلادر‪...‬‬
‫‪( 100‬قصة عربية)‪.‬‬ ‫وتنهال ذكريات األحزان‪.‬‬
‫ع������رض واختي������ار‪ :‬نبي������ل س������ليمان‪ ...‬قصــــص‬
‫‪ 103‬عـــــلى اله������واء بالتعاون مع إذاعـــة «مونت كارلو»‬
‫فكر وقضايا عامة‬
‫الدولية‪.‬‬
‫ديوان العربي‬ ‫‪ 24‬عبدالل� � ��ه بش� � ��ارة‪ ...‬اجلدي� � ��د ف� � ��ي بني� � ��ة الدول� � ��ة‬
‫السعودية‪.‬‬
‫‪ 80‬د‪ .‬سمر الفالحي‪ ...‬سمفونية عشقي‪.‬‬ ‫‪ 29‬فيصل املرشد‪ ...‬جوهر اإلسالم االعتدال‪.‬‬
‫‪ 76‬محمد األس� � ��عد‪ ...‬بحثاً عن الفلسفة‪ ...‬عن معنى‬
‫تاريخ وتراث وشخصيات‬ ‫الوجود احلق‪.‬‬
‫‪ 64‬د‪ .‬ع� � ��ادل زيت� � ��ون‪ ...‬مكانة االقتص� � ��اد في احلركة‬
‫الصليبية‪.‬‬ ‫استطالعات وحتقيقات‬
‫‪ 36‬بقلم وعدسة‪ :‬شريف س� � ��نبل‪ ...‬ووهان الصينية‪...‬‬
‫فن‬ ‫مدينة رؤوس الطيور التسعة‪.‬‬
‫‪ 134‬غنام الديكان‪« ...‬تاريخ املوسيقى والغناء‬ ‫ومرة‬ ‫�ذاق‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫حلوة‬ ‫�س‪...‬‬ ‫‪ 114‬بثين� � ��ة حم� � ��دان‪ ...‬نابل� � �‬
‫في الكويت»‪.‬‬ ‫احلياة!‬

‫علوم‬ ‫ملف العدد‬


‫‪ 106‬قصص من الصني (ملف)‪ ...‬ترجمة‪ :‬مي عاشور‪ 146 ...‬د‪ .‬يوس� � ��ف يعق� � ��وب الس� � ��لطان‪ ...‬البح� � ��ث العلمي‬
‫والتطوير‪.‬‬ ‫ذكرى رحيل أمي‪.‬‬
‫‪ 154‬ط� � ��ارق راش� � ��د‪ ...‬اجلراحة الروبوتية‪ :‬من ميس� � ��ك‬ ‫‪ 108‬ترجمة‪ :‬يوسف فرغلي‪« ...‬الزيتون»‪.‬‬
‫باملبضع؟‬
‫‪ 158‬د‪ .‬وحيد محمد مفضل‪ ...‬خرائط الكلمات الثالث‪.‬‬ ‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية‬
‫‪ 68‬دالل محم� � ��د املطي� � ��ري‪ ...‬الثقافة ف� � ��ي الكويت‪...‬‬
‫البيت العربي‬ ‫نشأتها وتطورها‪.‬‬
‫‪ 163‬محم������د ش������عطيط‪ ...‬طفول������ة قارئ������ة ملجـــتمع‬
‫قــــارئ‪.‬‬ ‫أدب ونقد ولغة‬
‫فاروق شوشة‪ ...‬خليل مطران‪ ...‬فاحتة الرومانسية ‪ 168‬د‪ .‬كريستني نصار‪ ...‬مواجهة العدوانية‪.‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪ 174‬فالنتين������ا مي������را‪ :‬الع���ل��اج بالفن������ون مه������م لذوي‬ ‫وصوت التجديد‬
‫االحتياجات اخلاصة‪...‬‬ ‫(جمال العربية)‪.‬‬
‫(حوار‪ :‬إبراهيم فرغلي)‪.‬‬ ‫د‪ .‬جابر عصفور‪ ...‬ذكريات‬ ‫‪18‬‬
‫(أوراق أدبية)‪.‬‬
‫مكتبة «العربي»‬
‫ماجد السامرائي‪ ...‬عن القصيدة الومضة‪.‬‬ ‫‪82‬‬
‫د‪ .‬إبراهيـــ������م بيضــ������ون‪ ...‬مصنف������و املغ������ازي ‪ 184‬عرض‪ :‬محمد شريف اجليوسي‪« ...‬أسرار ع َّمان‪...‬‬ ‫‪84‬‬
‫حتقيقات في ذاكرة املدينة»‪( .‬من املكتبة العربية)‪.‬‬ ‫األوائل‪.‬‬
‫نبي� � ��ل فرج‪ ...‬رس� � ��التان من ش� � ��اعر اجلندول علي ‪ 198‬عرض‪ :‬محمد عبدالرءوف‪ ...‬مشهد التاريخ‬ ‫‪92‬‬
‫(من املكتبة األجنبية)‪.‬‬ ‫محمود طه إلى حسني عفيف‪.‬‬
‫‪ 192‬كتب مختارة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 3-4-5.indd 4‬‬ ‫‪7/26/16 8:11:11 AM‬‬


‫املفكرة الثقافية‬
‫‪ 194‬نش� � ��اد الوافي‪« ...‬مثل ترنيمة»‪ ...‬رواية هندية عن‬
‫دستويفسكي تترجم للعربية‪.‬‬
‫‪ 196‬نسرين البخش� � ��وجني‪ ...‬غربة الروح واجلسد في‬
‫«أطفال بال دموع»‪« ،‬عس� � ��ل النون»‪ ...‬أس� � ��ئلة عن‬
‫الوجود واإلنسان‪.‬‬
‫‪ 200‬د‪ .‬عبدالرحمن أبواملجد‪ ...‬مش� � ��روع أوربي ينقب‬
‫عن تاريخ العرب واملسلمني في أوربا بني احلربني‬
‫ص ‪36‬‬ ‫العامليتني‪.‬‬
‫طرائف‬
‫‪ 202‬صالح عبدالستار الشهاوي‪...‬‬
‫(طرائف عربية)‪.‬‬
‫‪ 204‬محمد حسن أحمد‪...‬‬
‫(طرائف غربية)‪.‬‬
‫أبواب ثابتة‬
‫كاريكاتير‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫ص ‪68‬‬ ‫عزيزي القارئ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫قالوا‪.‬‬ ‫‪34‬‬
‫املسابقة الثقافية‪.‬‬ ‫‪179‬‬
‫مسابقة التصوير الفوتوغرافي‪.‬‬ ‫‪182‬‬
‫عزيزي العربي‪.‬‬ ‫‪206‬‬
‫إلى أن نلتقي‪.‬‬ ‫‪210‬‬

‫ص ‪146‬‬

‫االشتراكات‬
‫قيمة االشتراك السنوي > داخل الكويت ‪ 8‬د‪.‬ك > الوطن العربي ‪ 8‬د‪.‬ك أو ‪ 30‬دوالرا‪.‬‬
‫> باقـي دول العالم ‪10‬د‪.‬ك أو مايعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‪:‬‬
‫> ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية أو شيك بالعمالت املذكورة باسم وزارة اإلعالم على عنوان املجلة‪.‬‬
‫‪Subscription: All Countries $ 40 or The Equivalent‬‬
‫ثـمن النسـخـة‬
‫الـكـويـت ‪ 500‬فلـس‪ ،‬األردن ‪ 500‬فلـــس‪ ،‬البحـــريـــن ‪ 500‬فلـــس‪ ،‬مــصــر ‪ 1.25‬جنيــه‪ ،‬الـســـــودان ‪ 500‬جنيه‪ ،‬مـوريتـانـــيا ‪ 120‬أوقيـــة‪ ،‬تــــونــــس دينار واحـد‪،‬‬
‫اجلـــــزائــر ‪ 80‬ديـنـارا‪ ،‬الـسعـوديـــة ‪ 7‬ريـــاالت‪ ،‬الـيـمـــــــن ‪ 70‬ريـــاال‪ ،‬قــطـــر ‪ 7‬ريـــاالت‪ ،‬سلطنـة عمـان ‪ 500‬بيسـة‪ ،‬لــبــنـان ‪ 2000‬لـيرة‪ ،‬سورية ‪ 30‬لـيرة‪،‬‬
‫اإلمارات ‪ 7‬دراهم‪ ،‬الـمـغـرب ‪ 10‬دراهم‪ ،‬لـيـبــيـا ‪ 500‬درهـم‪ ،‬العراق ‪ 50‬سنتاً‬
‫‪Iran 4000 Riyal, Pakistan 75 Rupees, UK 2.5 Pound, Italy 2 € , France 2 € , Austria 2 € , Germany 2 € ,‬‬
‫‪USA 2$, Canada .4.25 CD‬‬

‫‪5‬‬
‫الفهرس‬

‫‪aug 3-4-5.indd 5‬‬ ‫‪7/26/16 8:11:21 AM‬‬


aug 6.indd 6 7/24/16 8:15:04 AM
‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عزيزي‬
‫القارئ‬

‫تجديد الخطاب الديني وحدوده‬


‫يبدأ كثير من الناس في مختلف أصقاع األرض صباحهم بسماع نشرة األخبار‪ ،‬وتكاد ال تخلو‬
‫م� � ��ن أنباء االحت� � ��راب والقتل والتفجير واالعتداء على عرض أو مال‪ ،‬وكأن البش� � ��رية حقاً تعاني‬
‫أزم� � ��ة أخالقية حادة‪ ،‬وأصبحت الضوابط الدينية والسياس� � ��ية والقانونية تتهاوى حتت ضربات‬
‫اإلرهاب‪ ،‬واملصيبة هنا أن العالم العربي واإلس� �ل��امي هو املتهم بالتحريض‪ ،‬ما يستدعي صحوة‬
‫فكرية إلسقاط هذه التهمة‪.‬‬
‫يكت� � ��ب رئي� � ��س التحرير عن غزو الكويت بعد ربع قرن على مرور هذه احملنة التي كانت فاحتة اآلالم‬
‫والعذاب� � ��ات‪ ،‬ومرارة قصص القهر املاثلة اليوم أمام أعيننا بنزيف الدم في أكثر من بقعة عربية‪ ،‬وأدى‬
‫اختالط الدين بالسياس� � ��ة أو «اإلس� �ل��اموية»‪ ،‬كما اصطلح الباحثون‪ ،‬إلى ارتفاع وتيرة املطالبة بتغيير‬
‫وجه� � ��ة جتديد اخلطاب الديني‪ ،‬ليكون بيد املش � � � ّرع وولي األمر وفي احل� � ��دود اإللهية «قطعية الداللة‬
‫والثبوت»‪ .‬وفي السياق نفسه‪ ،‬يكتب رئيس سلك القضاء الكويتي السابق فيصل املرشد‪ ،‬عن االعتدال‬
‫كمدماك راسخ في عقيدة اإلسالم‪ ،‬ويصحح دالالت بعض املفاهيم كاجلهاد والتكفير على ضوء النداء‬
‫املتصاعد لتجديد اخلطاب الديني‪ ،‬وفي اجلوانب السياس� � ��ية لهذا املوضوع الساخن‪ ،‬يستعيد عبدالله‬
‫بشارة‪ ،‬األمني العام ملجلس التعاون األسبق‪ ،‬بعض الذكريات التي لها عالقة بهذه األجواء‪ .‬وهكذا ترى‬
‫«العربي» نفس� � ��ها في موقع الدفاع عن احملبة والتسامح والسالم‪ ،‬وتخوض معركتها الفكرية التنويرية‬
‫لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫ورصيد املجلة من األقالم املشاركة في هذا العدد غني وثري‪ ،‬وبعد حفظ األلقاب نعد منهم‪ :‬جابر‬
‫عصفور‪ ،‬فاروق شوش� � ��ة‪ ،‬عادل زيتون‪ ،‬نبيل سليمان‪،‬كريس� � ��تني نصار‪ ،‬وجولة عريضة في دوحة األدب‬
‫والش� � ��عر‪ ،‬وفي مرابع الفلسفة والتاريخ‪ ،‬وفي مغاني الفنون واملوسيقى‪ ،‬ووقفة سريعة في مخابر العلم‬
‫التي قيل عنها إنها معابد املس� � ��تقبل‪ ،‬وهذا غير االهتمام مبواضيع «البيت العربي» التي ترعى األسرة‬
‫العربية وقضاياها‪ ،‬والعناية بتقدمي ش� � ��خصيات ودفعها من الظل إلى النور عبر محاورتها‪ ،‬واحلرص‬
‫على علو كعب األبواب الثابتة امللونة بزخارف البهجة والطالوة والطرائف واألقوال املأثورة‪ ،‬واستدراج‬
‫االبتسامة إلى شفاهكم بوساطة الكاريكاتير‪.‬‬
‫يبقى أن نشير إلى أن «العربي» في هذا العدد حتتفي بـ «قصة مدينتني» عربيتني غير مدينتي تشارلز‬
‫ديكنز في روايته الش� � ��هيرة‪ ،‬األولى في اس� � ��تطالع يدور حول مدينة نابلس العريقة املضمخة بالزعتر‬
‫والغار والزيت والزيتون ومتاهيها مع دمش� � ��ق الفيحاء‪ ،‬وعناق مسجدها لكنيستها‪ ،‬وسجايا أهلها ورقة‬
‫طباعهم التي تنتح من جماليات برقوق نيسان في تاللها وروابيها‪ .‬والثانية مدينة ع َّمان في كتاب جديد‬
‫يرص� � ��د أحياءها القدمية واجلدي� � ��دة‪ ،‬تاريخها وما م َّرت به من حتوالت عمرانية ودميوغرافية‪ ،‬وبعض‬
‫مالمح البيئة االجتماعية لساكنيها‪ ،‬وبذلك يكون عدد «العربي» لهذا الشهر قد «كفّى وو ّفى» >‬

‫‪7‬‬
‫عزيزي القارئ‬

‫‪aug 7.indd 7‬‬ ‫‪7/24/16 8:15:20 AM‬‬


‫حديث الشهر‬

‫وتنهال ذكريات‬
‫األحزان‪...‬‬
‫‪8‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 8-11.indd 8‬‬ ‫‪7/26/16 11:03:56 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫د‪ .‬عادل سالم العبدالجادر‬


‫في حديثنا لهذا الش���هر‪ ،‬ش���هر أغس���طس‪ ،‬نس���ترجع ذكري���ات األحزان‪،‬‬
‫وتف���كك الص���ف العرب���ي ف���ي أثن���اء الغ���زو الغاش���م عل���ى الكوي���ت‪،‬‬
‫وتشتت الشعب الكويتي هنا وهناك‪ ...‬نسترجع الذكريات لتكون لنا‬
‫مث�ل�ا للصبر والصمود‪ ،‬واألم���ل والرجاء‪ ،‬واإليمان برحم���ة اهلل الذي أنزل‬‫ً‬
‫آت‬
‫الس���كينة على قلوب المظلومين‪ ...‬نسترجع الذكريات عبرة لذكرٍ ٍ‬
‫من التفكك والشتات‪ ،‬وندعو اهلل أن يرزقنا الصبر والثبات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وتنهال ذكريات األحزان‪...‬‬

‫‪aug 8-11.indd 9‬‬ ‫‪7/26/16 11:04:02 AM‬‬


‫ربع قرن من الزمان مضى على غزو الكويت‪ ،‬واليوم‪،‬‬
‫صيفنا الهب وخريفنا عاصف وش� � ��تاؤنا حزين وربيعنا‬
‫أي ربيع عربي ه� � ��ذا الذي تتقط� � ��ع فيه أوصال‬ ‫ش� � ��ؤم‪ُّ ،‬‬
‫الوطن العربي بس� � ��كاكني اإلرهاب املذهب� � ��ي والطائفي‬
‫أي ربيع تذبل فيه الوجوه الناضرة وتنتش� � ��ر‬ ‫والدين� � ��ي؟! ّ‬
‫فيه الوجوه امللثمة بأقنعة س� � ��واد امل� � ��وت التي يروق لها‬ ‫الحروب ال تخلف سوى‬
‫أنني اجلرحى وحش� � ��رجة القتلى وعويل الثكالى وصياح‬
‫أي ربيع ه� � ��ذا الذي يجوع‬ ‫اليتام� � ��ى وصراخ اآلمن� �ي��ن؟! ُّ‬
‫اآلالم والذكريات الحزينة‪،‬‬
‫فيه من كان� � ��ت أرضه جنّة‪ ،‬ويظمأ فيه َمن جاور النهر؟!‬ ‫فطوبى لمن استشهد‬
‫أي ربيع هذا امللبد بس� � ��حب الس� � ��واد من دخان البنادق‬ ‫ُّ‬
‫واملدافع واحلرائق‪ ...‬حرائق املوت التي أش� � ��علت األرض‬ ‫وطوبى لمن ُ‬
‫شرّد‬
‫والع� � ��رض‪ ،‬ولوثت املاء والهواء‪ ،‬وغاب عن س� � ��مائها نور‬
‫أي ربيع هذا الذي تنتش� � ��ر فيه دبابير الرعب‬ ‫احلي� � ��اة؟! ُّ‬ ‫وطوبى لمن صبر‬
‫وتغيب عنه فراشات الرجاء‪ ،‬وتنثر على أرضه األشواك‬
‫بدال من الزهور والورد؟!‬
‫ف� � ��ي حديث طويل كنا قد أش� � ��رنا إلي� � ��ه من ضمن‬
‫أحاديثن� � ��ا الش� � ��هرية‪ ،‬أوردن� � ��ا ضرورة تغيي� � ��ر اخلطاب‬
‫الدين� � ��ي‪ ،‬والي� � ��وم نؤكد وج� � ��وب اقتصاره عل� � ��ى الوعظ‬
‫واإلرش� � ��اد الديني‪ ،‬بينما نحتاج في اخلطاب السياسي‬ ‫وحرقت آبار‬ ‫من� � ��ذ أن و ّلى ذاك االحتالل املش� � ��ؤوم ُ‬
‫للسياس� � ��يني‪ ،‬ونحت� � ��اج لالقتصادي� �ي��ن ف� � ��ي اخلط� � ��اب‬ ‫النفط‪ ،‬ظلت الغمامة السوداء في السماء حتجب ضوء‬
‫االقتصادي‪ ،‬ولكل علماء امليادي� � ��ن العلمية األخرى‪ ،‬كل‬ ‫ال وظالماً‪ ،‬ولكن‪:‬‬ ‫النهار لتغدو أيامنا كلها لي ً‬
‫حس� � ��ب اختصاصه العلمي‪ ،‬مبا ال يخالف ثوابت الدين‪،‬‬ ‫إذا ال �ش �ع��ب ي ��وم� � ًا أراد احلياة‬
‫الت� � ��ي يأتي يقينها م� � ��ن كونها قطعي� � ��ة الداللة وقطعية‬ ‫فــــ�ل�ا بــــ � ّ�د أن يس� �ـتجـــيـب الـــق ��در‬
‫ظن أو اختالف ب� �ي��ن الفقهاء‪،‬‬ ‫الرس� � ��وخ‪ ،‬دون ش� � ��ك أو ّ‬ ‫وال بـــ � ّ�د للـــــيــــ ��ل أن يــــنـــجـــل ��ي‬
‫وحتى االجتهادات الفقهية‪ ،‬التي نرى فيها رحمة واسعة‬ ‫وال بـ � ّ�د للقـــيـــــ ��د أن يــــنـكــــس ��ر‬
‫عل� � ��ى الناس‪ ،‬نراها مقصورة عل� � ��ى العبادات فقط‪ ،‬أما‬ ‫عاد الش� � ��عب الكويتي كم� � ��ا كان‪ ،‬يبني صروح املجد‬
‫املعام� �ل��ات‪ ،‬فقوان� �ي��ن الدولة تكفل َس � � �نَّها ووضعها مبا‬ ‫احلب‪ .‬تلك دعوة‬ ‫ّ‬ ‫بأنفاس األمل‪ ،‬وعادت الدول� � ��ة وعاد‬
‫يناس� � ��ب أفراد املجتمع‪ ،‬بعيداً عن اإلفراط والتفريط‪.‬‬ ‫األوطان‪ ،‬تطرد األحزان وترس� � ��خ اإلميان واألمان‪ ،‬نُ ّذكر‬
‫والب ّد أن يكون اخلطاب الديني بعيداً عن اتهام األفراد‬ ‫ونخص فيها س� � ��ورية والعراق‬ ‫ّ‬ ‫بها األحباء في كل مكان‪،‬‬
‫أو اجلماعات مبعتقداتهم الدينية والفكرية والسياسية‪،‬‬ ‫واليمن‪ ،‬ونقول لهم إ ّن لكم إخوة لم ولن ينس� � ��وكم‪ ،‬وهم‬
‫فاملرء محاس� � ��ب على اعتقاده م� � ��ن الله عز وجل فقط‪،‬‬ ‫دائماً معكم‪ ،‬يش� � ��اركونكم آالمك� � ��م وأحزانكم‪{ ،‬فإنّ مع‬
‫فهو من آتاه عقال ويعلم حدود تفكيره واستيعابه‪ ،‬وعلى‬ ‫العسر يسرا‪ ،‬إنّ مع العسر يسرا} ‪.‬‬
‫مث� � ��ل ذلك يحاس� � ��به‪ .‬أما حدود الل� � ��ه‪ ،‬التي هي قطعية‬ ‫إن األل� � ��م العظيم الذي يعانيه اجلريح العربي ليس‬
‫الدالل� � ��ة والثبوت‪ ،‬فال يحكم فيه� � ��ا وال ينفذها إال ولي‬ ‫أل� � ��م اجلرح‪ ،‬إمنا هو ألم العذاب الذي جترعه من أهله‬
‫األمر‪ ،‬أو م� � ��ن ينيبه ملثل هذا العم� � ��ل‪ ،‬فاألمر باملعروف‬ ‫وناسه في الوطن واالنتماء‪ ،‬ليصبح غريبا مشرداً‪...‬‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬عبارة نراها ارتبطت شرطيا بحديث‬ ‫بلدة‬
‫وح� �ي ��د م���ن اخل� �ل��ان ف���ي ك���ل ٍ‬
‫الرسول ‪« :‬من رأى منكم منكرا فليغيره بيده‪ ،‬وإن لم‬ ‫إذا ع �ظ��م امل� �ط� �ل ��وب ق� ��لّ ا ُمل� �س � ِ‬
‫�اع � ُ�د‬
‫يس� � ��تطع فبلسانه‪ ،‬وإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وهذا أضعف‬ ‫وكم من ضحايا وثكال� � ��ى وأيتام‪ ،‬تلك هي احلروب‬
‫اإلميان»‪ .‬وما يجهله العامة‪ ،‬وس� � ��كت عنه رجال الدين‪،‬‬ ‫ال تخلف س� � ��وى اآلالم والذكريات احلزينة‪ ،‬فطوبى ملن‬
‫أ ّن هذا احلديث إمن� � ��ا ُو ِج َه لولي األمر‪ ،‬وولي األمر هو‬ ‫استشهد وطوبى ملن ُش ّرد وطوبى ملن صبر‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 8-11.indd 10‬‬ ‫‪7/26/16 11:04:08 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫املس� � ��ؤول األول عن الكيان الذي يج� � ��وز له احلكم فيه‪،‬‬


‫فاألب‬
‫ُ‬ ‫ويأتي ذلك ملن يسمح له القانون بتطبيق العقوبة‪،‬‬
‫رب األس� � ��رة‪ ،‬وهو املس� � ��ؤول عنها‪ ،‬فإذا أنكر منكرا‪،‬‬ ‫هو ُّ‬
‫َح� � ��قَّ له أن يغي� � ��ره بفعل أو قول أو صم� � ��ت بإنكار ذلك‬
‫رب العمل‪ ،‬والوزير ضمن صالحيات‬ ‫املنكر‪ .‬ومثل ذلك ُّ‬
‫التشريع ليس فقه ًا ديني ًا‬ ‫وزارته‪ ،‬وهكذا‪ .‬أما س� � ��ائر الن� � ��اس‪ ،‬فال يحق لهم إنكار‬
‫املنك� � ��ر بالفع� � ��ل‪ ،‬وإمن� � ��ا بالق� � ��ول‪ ،‬وهو إم� � ��ا التأنيب أو‬
‫فقط‪ ،‬بل هو إلمام بالدساتير‬ ‫النصيح� � ��ة‪ ،‬وإما إخبار ولي األمر ش� � ��فاهة أو كتابة مبا‬
‫والقوانين الدولية والعالمية‬ ‫أنكروه‪ ،‬ليتخذ ما يراه مناس� � ��باً به� � ��ذا األمر‪ .‬ولو عمل‬
‫الناس على تغيير املنك� � ��ر بأيديهم ملا كانت احلاجة إلى‬
‫وحقوق اإلنسان التي ما‬ ‫القضاء أو الشرطة أو احلسبة (البلدية)‪ ،‬ولو أنيط مثل‬
‫هذا األمر إلى عامة الناس حللت الفوضى في املجتمع‬
‫فتأت تتغير بتغير الزمان‬ ‫والدولة‪.‬‬
‫إ ّن تغيي� � ��ر اخلط� � ��اب الدين� � ��ي ال ب � � � ّد أن يكون بيد‬
‫امل ُ َش ِّرع‪ ،‬وليس على يد رجال الدين‪ ،‬من الذين صار لهم‬
‫سلطة تش� � ��ريعية‪ ،‬تزايدت عن طريق الفتاوى الشرعية‪،‬‬
‫فالتشريع ليس فقهاً دينياً فقط‪ ،‬بل هو إملام بالدساتير‬
‫والقوانني الدولي� � ��ة والعاملية وحقوق اإلنس� � ��ان التي ما‬
‫نص في القرآن أو السنة أو اإلجماع‪،‬‬ ‫مشابهة ورد فيها ّ‬ ‫فتأت تتغير بتغير الزمان‪ .‬ومعنى ذلك أننا ال نس� � ��تطيع‬
‫ّ‬
‫بشرط أن تشترك احلادثتان في علة احل ْكم‪ .‬وقد اتفق‬ ‫ف� � ��ي ظ ّل القوانني الدولية والعاملية أن نش� � ��تري أو نعتق‬
‫حجة ش� � ��رعية‪ ،‬وهو نوع‬‫علماء األ ّم� � ��ة على أ ّن القياس ّ‬ ‫اليوم عبيداً‪ ،‬حتى وإن كان مثل هذا العِ تْ ُق قد جاء بنص‬
‫من االجته� � ��اد الفردي‪ .‬وفي رس� � ��الة القضاء لعمر بن‬ ‫ديني‪ ،‬كحكم جزاء القتل اخلطأ مثال‪ ،‬فالقوانني الدولية‬
‫اخلط� � ��اب  جملة تؤكد أ ّن القي� � ��اس كان متبعاً من‬ ‫جُت ّرم بيع وشراء الرقيق‪ ،‬فصارت تلك ُسنّة عاملية أولى‬
‫قبل الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬وذلك من قوله‪:‬‬ ‫باالتباع‪ .‬وال نستطيع اليوم أن نرفع راية اجلهاد من أجل‬
‫«اعرف األمثال واألشباه‪ ،‬وقس األمور عند ذلك‪ ،‬ثم‬ ‫الفتوحات اإلس� �ل��امية‪ ،‬فاجلهاد تغي� � ��ر هدفه ومفهومه‬
‫اعمد إلى أحبها إلى الله‪ ،‬وأشبهها باحلق في ما ترى»‪.‬‬ ‫إل� � ��ى الدفاع عن الوطن والعرض واملال والش� � ��رف‪ ،‬وكل‬
‫أما االستحس� � ��ان فيأتي غالبا من القياس‪ ،‬وهو أن‬ ‫ذلك مقي� � ��د بقوانني اتفقت عليها ال� � ��دول واتخذت بها‬
‫قياس‬
‫بقياس خفيت علته عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يقوم املجتهد بترجيح رأي‬ ‫عهداً‪ ،‬لتؤكد عدم االعتداء وإقرار الس� �ل��ام العاملي‪ .‬إن‬
‫واضح العلة‪ .‬كما تأتي «املصلحة املرس� � ��لة» ضمن إطار‬ ‫اللوائح والقوانني العاملية التي تب ّدى صوغها على شكل‬
‫القياس أيضاً‪ ،‬واملصلحة املرسلة هي التي تقتضيها أمور‬ ‫معاهدات دولية تش� � ��رف عليه� � ��ا هيئة األمم املتحدة قد‬
‫نص باالعتبار أو اإللغاء‪ .‬ويشترط‬ ‫احلياة ولم يرد فيها ّ‬ ‫غ َّي� � ��رت العلل واملفاهيم التي بُن� � ��ي عليها مفهوم اجلهاد‬
‫في تلك املصلح� � ��ة أن جتلب النفع أو تدفع الضرر‪ ،‬وأن‬ ‫فقهياً‪ ،‬وال ب ّد لنا أن نؤكد أ ّن الفقه ليس س� � ��وى اجتهاد‪،‬‬
‫تكون عامة وليست خاصة‪ ،‬وأال تعارض نصاً شرعياً‪.‬‬ ‫واالجتهاد إما أن يكون إجماعاً أو قياساً أو استحساناً‪،‬‬
‫بهذا نقول وقد تب� �ي��ن لنا أ ّن اخلطابات الدينية قد‬ ‫ونس� � ��تطيع تعريف اإلجماع بأ ّنه‪ :‬اتفاق مجتهدي األ ّمة‬
‫جعلت م� � ��ن أمتنا العربية ثيوقراطي� � ��ة الهوى في عصر‬ ‫زمن معينّ على ُح ْكم شرعي في مسألة‬ ‫اإلس� �ل��امية في ٍ‬
‫حتق� � ��ق فيه اإلجماع وتضافرت في� � ��ه الدول على نصرة‬ ‫نص في القرآن أو السنّة‪ .‬قال ‪« :‬إ ّن أ ّمتي‬ ‫لم يرد بها ّ‬
‫الدميقراطي� � ��ة‪ ،‬لقد ولى زم� � ��ن الثيوقراطية‪ ،‬وهي ُحكم‬ ‫ال جتتمع على ضاللة»‪ .‬ويش� � ��ترط في اإلجماع أن يأتي‬
‫رجال الدين‪ ،‬بانقضاء س� � ��يطرة الكنيس� � ��ة في العصور‬ ‫نص ش� � ��رعي‪ ،‬وأن يك� � ��ون مبنياً على‬ ‫ف� � ��ي ما لم يرد به ّ‬
‫الوس� � ��طى عل� � ��ى الدولة والش� � ��عب‪ ،‬فهل نطل� � ��ب تقدماً‬ ‫ال‪ .‬أما معنى «القياس»‪،‬‬ ‫الشرع قياساً أو تفسيراً أو تعلي ً‬
‫مبمارسة الرجعية؟! >‬ ‫نص شرعي بحادثة أخرى‬ ‫فهو قياس حادثة لم يرد فيها ّ‬

‫‪11‬‬
‫وتنهال ذكريات األحزان‪...‬‬

‫‪aug 8-11.indd 11‬‬ ‫‪7/26/16 11:04:14 AM‬‬


‫جمـال العـربية‬

‫خليل مطران‬
‫فاتحة الرومانسية وصوت التجديد‬
‫فاروق شوشة‬

‫ه���و ثالث ثالثة من أبرز ش���عراء جيل���ه‪ ،‬أولهم ش���وقي وثانيهم حافظ‪.‬‬
‫ق مث���ل حظهما‪ ،‬ولم يتح‬ ‫لك���ن ش���هرتهما الطاغية جنت عليه‪ ،‬فلم ي ْل َ‬
‫لشعره من الذيوع بعض ما أتيح لهما‪ ،‬وانسكبت شخصيته اإلنسانية‬
‫– المتسمة بالحياء والخجل وعدم المزاحمة – على شعره‪ ،‬الذي علت‬
‫في���ه نبرة الهمس‪ ،‬في مقابل الجهارة عند رفيقيه‪ .‬وهكذا‪ ،‬أصبح ش���اعر‬
‫القطري���ن‪ ،‬خلي���ل مط���ران‪ ،‬مكتف ًيا بأن يُق���رن مع الش���اعرين الكبيرين‪،‬‬
‫حت���ى لو ج���اء بعدهما ف���ي الترتي���ب‪ ،‬وذيوع الصي���ت‪ ،‬وال���دوران على‬
‫األلسنة واألقالم‪.‬‬

‫الش�� ��عري بفضل ذيوع ش�� ��هرته املس�� ��رحية‪ ،‬لكن غوصه‬ ‫أما الذين أتيح لهم أن يتأملوا شعر الثالثة‪ ،‬فيدركون‬
‫في عالم الدراما املس�� ��رحية مترج ًما منح ش�� ��عره سمات‬ ‫نزوعا إلى التجديد‪ ،‬واغترا ًفا من‬
‫أن مطران كان أكثرهم ً‬
‫درامية متثلت في املواق�� ��ف واحلوارات التي امتألت بها‬ ‫اآلداب العاملية والش�� ��عر العاملي‪ ،‬ورغبة في أن تكون لغته‬
‫قصائده‪.‬‬ ‫بعي�� ��دة عن التقليد واخلضوع للم�� ��وروث القدمي‪ ،‬منفر ًدا‬
‫كما تتمث�� ��ل هذه النزعة التجديدي�� ��ة لديه في توليه‬ ‫بعدد من التجارب واحلاالت الشعرية النزّاعة إلى التأمل‪،‬‬
‫رئاس�� ��ة جماع�� ��ة أبو ّلو بع�� ��د رحيل أحمد ش�� ��وقي‪ ،‬وكان‬ ‫ومعانقة الفكر‪ ،‬واستقطار معنى احلياة والوجود‪ ،‬بالرغم‬
‫يرى في ش�� ��عر هذه اجلماعة‪ ،‬الرومانسية الطابع‪ ،‬نزعة‬ ‫من مجاراته لهم في شعر املراثي واملناسبات واإلخوانيات‬
‫وخروجا على املألوف‪ ،‬ورغبة في إبداع‬ ‫ً‬ ‫جتديدية ثوري�� ��ة‬ ‫والوطنيات والغزل والنسيب‪.‬‬
‫تيار شعري يغاير التقليدية السائدة‪ ،‬واملباشرة املتحكمة‪،‬‬ ‫أما اإلش�� ��ارات والعالمات التي تكشف عن ميله إلى‬
‫وهو املوقف الذي جعله مؤي ًدا لها ومناص ًرا إلبداعها‪.‬‬ ‫التجديد لغة وشع ًرا وفك ًرا‪ ،‬فتتمثل في اهتمامه باملسرح‬
‫وعندما رحل مط�� ��ران – اللبنان�� ��ي األصل املصري‬ ‫والتمثيل وتكوين بعض الفرق التمثيلية‪ ،‬وترجمة عديد من‬
‫اإلقامة – عن س�� ��بعة وس�� ��بعني عا ًم�� ��ا (‪،)1949 – 1872‬‬ ‫املس�� ��رحيات عن الفرنسية – من أجلها – مثل «هرناني»‬
‫كان قد أصدر ديوانه في أجزائه األربعة‪ ،‬التي مت ّثَل فيها‬ ‫لفيكتور هوجو‪ ،‬و«بوليو كيت» و«الس ِّيد» لكورني‪ ،‬و«مكبث»‬
‫اهتمامه التجديدي الواضح بالقصة الش�� ��عرية املستمدة‬ ‫و«هامل�� ��ت» و«عطي�� ��ل» و«تاجر البندقي�� ��ة» و«امللك لير»‬
‫م�� ��ن التاريخ القدمي‪ ،‬وما أطلق على بعضه اس�� ��م املالحم‬ ‫و«العاصفة» لشكس�� ��بير‪ ،‬األمر ال�� ��ذي طغى على وجوده‬

‫‪12‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 12-17.indd 12‬‬ ‫‪7/24/16 8:16:15 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫لتسلط احملتل الغاصب‪:‬‬ ‫مث�� ��ل «بزرجمهر» و«ش�� ��يخ أثينة» و«ني�� ��رون»‪ .‬كما يتجلى‬
‫ش � � � � � � ّردوا أخ� � �ي � ��اره � ��ا ب� � �ح � � ً�را َوب�� � � � ّرا‬ ‫في ديوان�� ��ه تطبيقه آلرائ�� ��ه في مفهوم الش�� ��عر وغاياته‬
‫واق � �ت � �ل� ��وا أح� � ��راره� � ��ا ُح� � � � � ًّ�را ف� � ُ�ح � � ّرا‬ ‫وأس�� ��اليبه‪ ،‬وبخاصة في معنى الصورة الشعرية والوحدة‬
‫إمن� � � ��ا ال� � �ص � ��ال � ��ح ي� �ب� �ق���ى ص� � ً‬
‫�احل� ��ا‬ ‫الفنية للقصيدة‪ ،‬وهو ما أكده الناقد الراحل علي عشري‬
‫آخ � ��ر ال� ��ده� ��ر وي� �ب� �ق ��ى ال� � �ش � � ُّ�ر ش � � ّرا‬ ‫زاي�� ��د في كتابته عن مطران ضمن قاموس األدب العربي‬
‫تكسيرها‬‫ُ‬ ‫ك� � � ِّ�س� � ��روا األق�� �ل� ��ام ه � ��ل‬ ‫احلديث‪.‬‬
‫�دي أن ت �ن �ق��ش صخرا؟‬ ‫مي �ن��ع األي � � � َ‬ ‫ً‬
‫يقول مطران‪ ،‬كاشفا عن نزعته التحررية ومقاومته‬

‫‪13‬‬
‫خليل مطران‪ ...‬فاحتة الرومانسية وصوت التجديد‬

‫‪aug 12-17.indd 13‬‬ ‫‪7/24/16 8:16:19 AM‬‬


‫شمس‬ ‫ٌ‬ ‫ل � ِ�ك ال � ْ�ع ��و ُد احل �م �ي� ُ�د‪ ،‬ف��أن� ِ�ت‬ ‫تقطيعها‬‫ُ‬ ‫�دي ه� ��ل‬ ‫ق � ِّ�ط� �ع ��وا األي� � � � � َ‬
‫ول � ��م ي� �ح� �ج � ْ�ب ش� �ع ��اع � ِ�ك غ� �ي � ُ�ر ظ ��لِّ‬ ‫�ن أن ت��ن��ظ��ر ش� � � �زْرا؟‬ ‫مي � �ن� � ُ�ع األع� �ي� � َ‬
‫دع � � � � ْو ٍت ف� �ه�� ّ َ�ب م���ن ش �ت��ى النواحي‬ ‫أخ � �م� ��دوا األن� � �ف � ��اس‪ ،‬ه � ��ذا ُجهدكم‬
‫�زم و ُن� � � � ْب � � � ِ�ل‬
‫م� � �ي � ��ام �ي��نٌ أول � � � � ��و ح � � � � � ٍ‬ ‫وب � � ��ه م� �ن� �ج ��ا ُت� �ن ��ا م� �ن� �ك ��م ف� �ش� �ك ��را!‬
‫�رأي ف�� �ي� � ِ�ك ي � �ك � �ف� � ُ�ل أن ُت � � � ��ر ِّدي‬‫ب� � � � � ٍ‬ ‫ويعتب مطران على اللغة العربية وأهلها‪ ،‬الذين آثروا‬
‫م� � � �ك� � � � ّ َرم � � � ً�ة إل � � � ��ى أس � � �م� � ��ى َم�� �ح� ��لِّ‬ ‫عليها في الكالم والكتابة لغات أخرى‪ ،‬فش�� ��اعت العجمة‬
‫ُي � � � �ن � � � � ِّو ُر ش � �ع� ��ره� ��م ف� � ��ي ك� � � � ِّ�ل ٍ‬
‫واد‬ ‫على األلس�� ��نة واألقالم‪ ،‬وتراجعت اللغة املبينة املشرقة‪،‬‬
‫و ُي� � ��زه� � ��ر ن � �ث� ��ره� ��م ف � ��ي ك � � � ِّ�ل ح� �ق � ِ�ل‬ ‫التي تس�� ��تجير بأمثال عمي�� ��د األدب العربي الدكتور طه‬
‫و«ط � � � ��ه» ف� ��ي ط �ل �ي �ع��ة م� ��ن أج� ��اب� ��وا‬ ‫حسني‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ُي� � �ه� � �ي � ��ئُ ن � �ه � �ض� � ً�ة ف� � ��ي ا ُمل � �س � �ت � �ه� � ِّ�ل‬ ‫س��م��ع� ُ�ت ب � � ��أذْن ق �ل �ب��ي ص � ��وت ع�� ْت� ٍ�ب‬
‫أدب وف � � ��نٍّ‬ ‫مب� � � ��وف� � � ��ور ْي� � � ��ه‪ :‬م � � ��ن ٍ‬ ‫ل� � � ��ه رق� � � � � � � � ��راقُ دم � � � � � � ٍ�ع ُم � �س � �ت � �ه� � ِّ�ل‬
‫وم� � ��ذخ� � ��ور ْي� � ��ه‪ :‬م � ��ن ع � ��قْ � � ٍ�ل ون� ��قْ � � ِ�ل‬ ‫ت� �ق ��ول أله �ل �ه��ا ال �ف �ص �ح��ى‪« :‬أع�� � ٌ‬
‫�دل‬
‫ي�ف�ي��ض ك �م��ا ي�ف�ي��ض ال �ن �ي��ل ِخ ْص ًبا‬ ‫ب ��ر ِّب� �ك� �م ��و اغ�� �ت� ��راب� ��ي ب �ي��ن أه� �ل ��ي؟‬
‫و ُي �ح �ي��ي احل� � � ْ�رثَ ف ��ي َح�� � �ز ِْن ْ‬
‫وسه ِل‬ ‫أل � �س� � ُ�ت أن� � ��ا ال � �ت� ��ي ب� ��دم� ��ي وروح� � ��ي‬
‫روح � ��ا‬ ‫وي� �ب� �ع � ُ�ث ف� ��ي ش� �ب ��اب ال��ع��ص��ر ً‬ ‫�ذت م �ن �ه��م وأَ مُن� � � ��ت ك � � � ّل ط��ف� ِ�ل؟‬
‫َ‬ ‫َغ � � � ْ‬
‫ه � ��و ال � � � ��روح ال� � � ��ذي ي� �ب� �ن ��ي و ُي� �ع� �ل ��ي‬ ‫أن � � ��ا ال � �ع� ��رب � �ي� ��ة امل� � �ش� � �ه � ��و ُد فضلي‬
‫إذا م � ��ا ح�� � ��اول ال� � �ف � ��رس � ��انُ َج � � ّ َل� ��ى‬ ‫فضلي؟‬ ‫أأغ � � ��دو ال � �ي� ��وم‪ ،‬وامل� �غ� �م���و ُر ْ‬
‫وخَ � � � � ّ َل� � � ��ف ُش � � ��قّ � � � ً�ة دون ا ُمل � �ص � � ِّل� ��ي‬ ‫إذا م� ��ا ال � �ق� ��وم ب��ال �ل �غ��ة استخفّ وا‬
‫ف� �ك� �ي ��ف ب � ��ه إذا م � ��ا ش � � � � ّ َ�ن ح� � ْ�ر ًب� ��ا‬ ‫ف �ض��اع��ت‪ ،‬م��ا م�ص�ي� ُ�ر ال �ق��وم؟ ق��ل لي‬
‫�ول أو ا ُمل� � ِ�ض� � ِّ�ل؟‬ ‫�ض � � ِ‬
‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ع��ل��ى ِب� � ��دع ال� � ّ َ‬ ‫�اد‬
‫وم � � � ��ا دع � � � � ��وى احت � � � � � � ٍ�اد ف� � ��ي ب��ل � ٍ‬
‫وفي مناس�� ��بة ثاني�� ��ة‪ ،‬يلتفت ش�� ��اعر القطرين خليل‬ ‫وم� � � ��ا دع� � � � ��وى ِذم� � � � � � � ٍ�ار ُم � �س � �ت � �ق� � ِّ�ل؟‬
‫مط�� ��ران إلى قضي�� ��ة تقدم اللغ�� ��ة العربي�� ��ة والعمل على‬ ‫ف � �س� ��اد ال� � �ق � ��ول ف� �ي ��ه دل � �ي� ��ل ع��ج� ٍ�ز‬
‫جتديده�� ��ا‪ ،‬وأن العي�� ��ب – كل العيوب – ه�� ��و في جهود‬ ‫�اح ِف� � ْ�ع� ��ل؟‬ ‫ف� �ه ��ل م� �ع ��ه ي � �ك� ��ون ص � �ل � ُ‬
‫سدنتها الذين لم يفسحوا لها في ميادين التطور والوفاء‬ ‫وي� � � � ��ا ف�� �ت�� �ي� ��ان� ��ه إن أخ � �ط� ��أت � �ن� ��ي‬
‫باحتياجات العصر‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫م � �ب � � ّ َرت� � ُ�ك� ��م‪ ،‬ف � � � ��إ ّ َن ال� � � ُّث � ��كْ � � � َل ثكلي‬
‫م � ��اذا ي ��ري � ُ�د م ��ن احل �ق �ي �ق��ة ُمسقطُ‬ ‫األل� � ��ى ج� �ح ��دوا جميلي‬ ‫ي �ح��ارب �ن��ي ُ‬
‫�وه� � ِ�م؟‬ ‫ت �ك �ل �ي �ف �ه��ا ع � ��ن ن� �ف� �س ��ه ب � �ت� � ّ‬ ‫ول � � ��م ت� ��ردع � �ه� ��م ُح� � ��رم� � ��ات أص� �ل ��ي‬
‫م� � � ��اذا ي� ��ري� ��د م � ��ن امل � �ع� ��ال� ��ى ن���ائ�� ٌ�م‬ ‫وف� � � ��ي ال� � � �ق � � ��رآن إع� � � �ج � � ��ا ٌز جت� � � ّ َل � � ْ�ت‬
‫وال� �ن� �ج���م م � ��زده � � ٌ�ر ل� �غ� �ي ��ر ال�� �ن�� � ّوم؟‬ ‫جت � � � ِّ�ل‬
‫أس� � � �ن � � ��ى َ‬ ‫�وره ْ‬‫�اي ب � � � �ن� � � � ِ‬ ‫ِح�� � �ل� � � َ‬
‫ل �ن �ع��ش م� �ع ��اش زم���ان� �ن���ا‪ ،‬ولننتهز‬ ‫ول� � �ل� � �ع� � �ل� � �م � ��اء واألدب� � � � � � � � � ��اء ف� �ي� �م ��ا‬
‫نسلم‬
‫ِ‬ ‫أو‬ ‫�ه‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫ز‬‫ْ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�فُ‬ ‫�‬ ‫�رص ال��ن��ج��اح ن‬ ‫ُف� � � َ‬ ‫�أت غ � ��اي � ��ات � ��هُ َم� � � �ه � � � ْ�دتُ ُس� � ْب� �ل ��ي‬ ‫ن���� ْ‬
‫ل ��ن ت��رج��ع ال �ع��رب �ي��ة ال �ف �ص �ح��ى إلى‬ ‫�اب‬‫إذا م � ��ا ك � � ��ان ف � ��ي ك� �ل� �م ��ي ص� �ع�� ٌ‬
‫م ��ا ك� ��ان م �ن �ه��ا ف ��ي ال� ��زم� ��ان األق� ��دم‬ ‫ف � �ل ��ا ت� � ��أخ� � ��ذ ك� � �ث� � �ي � ��ري ب� � ��األق� � � ِّ�ل‬
‫م� ��ا ل� ��م ي��ع��د ذاك ال � ��زم � ��انُ وأه� � ُل ��ه‬ ‫�دمي� � ��ا أو ح���دي� � ًث���ا‬ ‫وه� � � ��ل ل � �غ� ��ة ق� � � ً‬
‫وال� � �ع � ��ا ُد واألخ � �ل� ��اقُ ح � � ّ َت� ��ى ُج ��ره � ِ�م‬ ‫�ات مثلي؟‬ ‫ِ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫حل‬ ‫ا‬ ‫�رة‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫�و‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫ُت� � � ُّ‬
‫�د‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ع‬
‫ل� �ل� �ج ��اه� �ل � ّ�ي ل � �س� ��ان� ��هُ ‪ ،‬وم� � ��ن ال � ��ذي‬ ‫ث�� ��م يقول مطران بعد أن ت�� ��رك املجال للفصحى كي‬
‫ينفي من الفصحى لسان ُمخض َرم؟‬ ‫تتحدث بلسان حالها في ما مضى من األبيات‪:‬‬
‫إنّ ال� � �ت� � �ج � ��دد ل � �ل � �س� ��ان ح � �ي� ��ا ُت� ��ه‬ ‫�داك منا‬ ‫ف � �ي� ��ا أ ّ َم ال� � �ل� � �غ � ��ات ع� � � � � � ِ‬
‫ُ‬
‫وم� ��ن ال � ��ذي ُي �ح �ي �ي��ه غ��ي� ُ�ر امل� ��قْ � � َد ِم؟‬ ‫�اءة‪ ،‬وع� � �ق � ��وقُ َج� � ْ�ه� � ِ�ل‬ ‫ع � �ق� ��وقُ م � � �س� � � ٍ‬

‫‪14‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 12-17.indd 14‬‬ ‫‪7/24/16 8:16:22 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫م � � ��ا أب � � �ه� � ��ج ال� � � �ن � � ��ور ف � � ��ي ع� �ي ��ون ��ي‬ ‫ف� ��ي ع� �ص ��رن ��ا ل� �ل� �ض ��اد ف � �ت� � ٌ�ح ب ��اه � ٌ�ر‬
‫م � ��ا أط � �ي� ��ب ال� �ن� �ف���س ف � ��ي اخل �ل��اء‬ ‫زي � ��دت ب ��ه ف� �خ�� ً�را‪ ،‬ف �ه��ل م ��ن م��أث� ِ�م؟‬
‫ش � � �ف� � ��ان� � � َ�ي ال� � � �ل � � ��هُ م � � ��ن ُج � �ن� ��ون� ��ي‬ ‫م ��ن ف� � � ّرق األخ� ��و ْي� ��ن ي �س �ت �ب �ق��ان من‬
‫وال � � �ب � � �ع� � ��د ع � � ��ن خ � � � ْل � � �ق� � � ِ�ه ش� � �ق � ��ا ْء‬ ‫مب� �ج ��رم؟‬ ‫ط � � � ُ�ر ٍق ل��رف �ع �ت �ه��ا‪ ،‬أل� �ي ��س ُ‬
‫ومن القصائد البديعة‪ ،‬الناطقة بتجديده الش� � ��عري‬ ‫وفي واحدة من خواطره الشعرية احمللِّقة التي يتأمل‬
‫اجلمي� � ��ل‪ ،‬ولغت� � ��ه املنس� � ��ابة الناعمة‪ ،‬وص� � ��وره الناطقة‬ ‫فيها الشاعر معاناته في احلياة والوجود مقار ًنا بينه وبني‬
‫عط ًرا ولو ًنا وظالالً‪ ،‬قصيدته «من غريب إلى عصفورة‬ ‫وبيان‬‫الطائ�� ��ر احل ّر الطليق‪ ،‬املغ ِّرد بلغت�� ��ه التي يجيدها‪ٍ ،‬‬
‫مغترب� � ��ة»‪ ،‬يقول في تقدميها‪« :‬نُظمت في جنيف‪ ،‬بقرب‬ ‫يجيده ليس كبيان البش�� ��ر‪ ،‬فال قيود علي�� ��ه في التعبير‪،‬‬
‫متثال جان جاك روس� � ��و‪ ،‬وقد رأى الشاعر على شجرة‬ ‫وال هموم تس�� ��كن صدره كما يحدث للشاعر‪ ،‬يقول خليل‬
‫فكر للناظم‬ ‫طائ ًرا يش� � ��به أن يكون مصر ًّيا‪ .‬وهي خطرة ٍ‬ ‫مطران‪:‬‬
‫ِف أن يرس� � ��ل مثلها في موع� � ��د من كل عام‪ ،‬حتية إلى‬ ‫أل َ‬ ‫ي � � � ��ا أي� � � �ه � � ��ا ال� � � �ط � � ��ائ � � ��ر امل� � �غ� � � ّن � ��ي‬
‫فقي� � ��د عزيز في عال� � ��م الغيب‪ .‬وقد جع� � ��ل مدارها في‬ ‫ب � � �ل� � ��ا ن� � � � �ث� � � � �ي � � � � ٍ�ر وال ن�� �ظ�� �ي� ��م‬
‫ه� � ��ذه القصيدة على عصف� � ��ورة اش� � ��تبهت عليه بني أن‬ ‫�دو ط� � �ل� � �ي � � ِ�ق‬ ‫م� � � � � ��ن ل� � � � � ��ي ب � � � � � �ش� � � � � � ٍ‬
‫تكون مجلوبة م� � ��ن مصر لالجتار‪ ،‬أو قاطعة من قواطع‬ ‫ك � � � �ش� � � ��دوك امل � � � �ط� � � ��رب ال� � � ّرخ� � �ي � ��م‬
‫األطيار»‪ .‬ثم يقول‪:‬‬ ‫ف � � � ��أن � � � ��ت ت� � � � �ش � � � ��دو ب� � �ل � ��ا ب� � � �ي � � � ٍ�ان‬
‫ي� � � � ��ا م� � � � ��ن ش � � � �ك� � � � ْ�ت أمل � � � � � ��ي م� �ع���ي‬ ‫وم� � � � � � ��ا ت� � � � �ش � � � ��اء امل� � � � �ن � � � ��ى جت� � �ي � � ُ�د‬
‫ط� � � � � ّ َي� � � � � ْب� � � � �ت � � � � ِ�ه ف � � � � ��ي م � �س � �م � �ع� ��ي‬ ‫ون� � � �ح � � ��ن ب � ��ال� � �ل� � �ف � ��ظ وامل � � �ع� � ��ال� � ��ي‬
‫�واك أل� � � � �ط � � � ��ف ب� � �ل� � �س � � ِ�م‬ ‫ش� � � � � � �ك � � � � � � ِ‬ ‫ن � �ع � �ج� ��ز ع � � ��ن ب� � �ع � ��ض م � � ��ا ن � ��ري � � ُ�د‬
‫�وج� � � � � � ِ�ع‬
‫جل� � � � � � � � ��راح� � � � � � � � � ِ�ة امل � � � � � �ت� � � � � � ِّ‬ ‫�ك ي� � � ��ا رف � �ي� ��ق‬ ‫أع�� � � � � � ْ�ر ج � � �ن� � ��اح � � � ْي� � � َ‬
‫م � � ��ا أَ ْع� � � � �ل � � � ��قَ ال� � � �ش � � ��دو ال� ��رخ�� �ي�� � َم‬ ‫�رح خ � � � �ل� � � � ّ َ�ي ب� � � ��الْ‬
‫ْ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫وأ‬ ‫�ر‬
‫ِأط� � � � � � ْ‬
‫�‬ ‫�‬
‫ب� � � � � � �ك � � � � � ��لّ ق� � � � � � �ل � � � � � � ٍ�ب ُم � � � � � ��ول � � � � � � ِ�ع‬ ‫م� � ��ن س�� ��اك�� ��ب ال�� � �ن� � ��ور ل� � ��ي رح� �ي ��ق‬
‫غ � � � � � ِّن� � � � ��ي أه�� � � � � ��ازي�� � � � � ��ج ال � � � � � ّن� � � � ��وى‬ ‫وف � � � ْ�س� � � �ح � � ��ة اجل � � � � � � ّو ل � � ��ي م� � �ج � ��الْ‬ ‫ُ‬
‫وق � � � �ع� � � ��ي‬ ‫وع � � � � �ل� � � � ��ى ُن� � � � � � ��واح� � � � � � ��ي ِّ‬ ‫�رب ب � �ل ��ا م� � � ��رام‬ ‫ُأش� � � � � � � � ��رقْ و ُأغ � � � � � � � � � � ْ‬
‫ب � � �ن� � ��ت «ال � � � �ك � � � �ن� � � ��ان� � � � ِ�ة» م� � � ��ا رم� � ��ى‬ ‫ف � � �ل� � ��ا م� � � � � � �ك � � � � � ��انٌ وال زم � � � � � ��ان‬
‫ب� � � � ��ك ب�� �ي � ��ن ه� � � � � � ��ذي األر ُب � � � � � � � � � ��ع؟‬ ‫وال ه � � � � � �ي� � � � � � ٌ�ام إال ه� � �ي � ��ام � ��ي‬
‫ف� � �ي�� ��م اغ� � � �ت � � ��ر ْب � � ��ت ِ وك� � � � �ن�� � � � ِ�ت ف ��ي‬ ‫واجل� � � � �ن�� � � ��ان‬ ‫ب�� �ي� ��ن ال�� � � �س�� � � �م� � � ��وات ِ‬
‫ذاك األم� � � � � � � � � � � � � ِ�ان األم � � � � �ن� � � � ��ع؟‬ ‫***‬
‫أح� � � � ْ�م � � � �ل� � � � ِ�ت َم � � � ْ�ح� � � �م� � � � َل س � �ل � �ع� � ٍ�ة‬ ‫ُ‬ ‫ط� � � � ْ�ر ب� � ��ي وأن� � � � ��ت األخ ال� ��رف � �ي� � ِ�ق‬
‫ج � � � �ل � � � � ًب� � � ��ا ب� � � �غ� � � �ي � � ��ر ت � � � � � �ط � � � � � � ّو ِع؟‬ ‫إل� � � � � � ��ى م� � � � � �ق � � � � � ٍ ّ�ر م � � � � ��ن األن� � � � � � � � ��ا ْم‬
‫ف � � �ف� � ��ر ْر ِت م � ��ن ق� �ف ��ص الكفيــــــــ‬ ‫ال ع � � � � � � � ��ذْ ر ف� � � �ي � � ��ه وال ع� � �ق � ��وق‬
‫ـ� � � � � ِ�ل إل� � � � ��ى ال� � � �ف� � � �ض � � ��اءِ األوس� � � � � � ِ�ع‬ ‫وال ري�� � � � � � � � � ��اء وال خ� � � � �ص � � � ��ا ْم‬
‫وب � � � � � � � � � ��و ّد ِك ال� � � � � �ع� � � � � � ْو ُد ال � �ق� ��ري � �ـ � �ـ � �ـ‬ ‫م� � ��ا أج� � �م � ��ل ال� � � �ك � � ��و َن ع� � ��ن ق� �ص � ٍّ�ي‬
‫ـ � � � � ��ب ِل� � � � � �س � � � � � ْ�ر ِب � � � � ��ك امل � � �ت � � �م � � � ّن� � ��ع‬ ‫وأب� � � � � � � � � � � ��د َع األرض م� � � � ��ن ع � � � ِ�ل‬
‫ف � ��ي «م� � �ص � ��ر» َم � � ْ�ص � ��رخ � � ِ�ة اللّهيـــ‬ ‫�ارب ف� � � � � � � ��از ب� � � ��ال� � � ��رق� � � � ِّ�ي‬ ‫ل � � � � � � �ه� � � � � � � ٍ‬
‫ـ� � � � � � � � � ِ�ف‪ ،‬وم� � � �ل� � � �ج�� � ��أ امل� � � � �ت� � � � �ف� � � � �ز ِّع‬ ‫ت� � � � �ن� � � � �ح � � � � ُّ�ط ع � � � �ن� � � ��ه وي� � �ع� � �ت� � �ل � ��ي‬
‫«م� ْ�ص� ِ�ر» السماءِ الصحو ِ«م� ْ�ص� ِ�ر» الــــ‬ ‫أع � � �ج� � � ْ�ب مب� � � � ��رأى ه� � � ��ذي امل� �ب���ان���ي‬
‫َ‬
‫�دفءِ «م � � � � �ص� � � � � ِ�ر» امل � � ��شْ � � � �ب � � � ِ�ع‬ ‫ـ� � � � � � � � � � ْ‬ ‫�أن ل � � ��م ت� � �ك � ��ن دي�� � � ��ا ْر‬ ‫َع � � � � َف� � � � ْ�ت ك� � � � � � ْ‬
‫«م� � � �ص � � ��ر» ال � � �ت� � ��ي م � � ��ا ري � � � ��ع ســـا‬ ‫وك�� �ي� ��ف ص � � � ��ارت ُخ� � � ْ�ض� � � ُ�ر اجل�� �ن� � ِ�ان‬
‫ك � � � � ُن � � � �ه� � � ��ا ِب� � � � � � ��ري� � � � � � � ٍ�ح ز َْع � � � � � � � � � � � ِ‬
‫�زع‬ ‫م � � � ��ن ازده� � � � � � � � � � � � ٍ�ار إل� � � � � ��ى ب � � � � � � ��وا ْر؟‬

‫‪15‬‬
‫خليل مطران‪ ...‬فاحتة الرومانسية وصوت التجديد‬

‫‪aug 12-17.indd 15‬‬ ‫‪7/24/16 8:16:30 AM‬‬


‫ع� � � � ��وج� � � � ��ي ب � � � �ب � � � �س � � � �ت� � � � ٍ�ان ُه � � �ن� � ��ا‬ ‫ح � � � �ي� � � � ُ�ث امل � � � � ��راع � � � � ��ي وال � � � � � ّن� � � � ��دى‬
‫ل � � � ��ك ف � � � ��ي ال � � � � � �ع� � � � � ��راءِ ُم� � �ض� � � ّي � ��ع‬ ‫ُ‬
‫ل� � � � �ل� � � � �م � � � ��رت � � � � ِ�وي وامل � � � � � ْ�رت� � � � � �ع � � � � ��ي‬
‫ص� � � � �ف� � � � �ص � � � ��اف � � � ��هُ ُم� � � � � �ت� � � � � �ن � � � � � ٌ‬
‫�اوح‬ ‫ح � � �ي� � ��ث ال � � � � ّ�س � � � ��واق � � � ��ي احل � ��ان� � �ي � ��ا‬
‫وال � � � � � � � � ّن � � � � � � � � ْو ُر ب� � � � � � � ��ادي امل� � � ��دم� � � � ِ�ع‬ ‫تُ ع� � �ل � ��ى ال� � �ط� � �ي�� ��ور ال� � � � � ُّ�ر ّ َض� � � � � ِ�ع‬
‫ل� � � � � ��ي ف� � � � � ��ي ث� � � � � � � � � � � ��را ُه دف� � � �ي� � � �ن � � � ٌ�ة‬ ‫ح� � � �ي � � ��ث احل� � � � � � � � � � � � ��رارة‪ ،‬م� � � � ��ا ُت� � � � ��وا‬
‫ك � � ��ال� � � �ك� � � �ن � � ��ز ف� � � � � ��ي امل � � � �س � � � �ت� � � ��ودع‬ ‫�رع‬
‫�رع� � � � � ِ‬ ‫ِل رب� � � �ي� � � �ب� � � �ه�� � ��ا ي � � � � �ت� � � � � ْ‬
‫ُت� � �خ� � �ف � ��ي األزاه � � � � � � � � � � ُ�ر َق� � � � ْب� � � � َر َه � � ��ا‬ ‫أم أن � � � � � � � ِ�ت م � � � ��ن ت � � �ل� � ��ك اجل � � � ��وا‬
‫ع� � � � � � � ��ن أع�� � � � �ي� � � � ��ن امل � � � �ت � � � �ط � � � �ل� � � � ِ�ع‬ ‫ل � � � ��ي ف � � � ��ي ال� � � �ف� � � �ص � � ��ول األرب� � � � � ��ع‬
‫ك � � � � ��ان � � � � ��ت م� � � � � � �ث � � � � � ��ا ًال ل�� �ل�� �م�� �ح� ��ا‬ ‫ال ت � � �ع� � ��رف �ي ��ن م�� � � ��ن ال� � � � � � ّزم � � � � � ِ�ان‬
‫أروع‬
‫�ال ِ‬ ‫س� � � � � � � � � ِ�ن‪ ،‬ف � � � � ��ي م� � � � � �ث � � � � � ٍ‬ ‫س� � � � � � � ��وى امل � � � � � � �ك� � � � � � � ِ�ان ا ُمل � � � � � �م� � � � � � ِ�رع‬
‫ف � � � �ت � � � �ح � � � � ّ َول� � � ��ت ُل � � � � ْ�ط � � � ��فً � � � ��ا إل � � ��ى‬ ‫ت � � � �ث � � � �ب � �ي ��ن م� � � � � � ��ن ُم� � � � � �ت � � � � ��ر ّب � � � � � ٍ�ع‬
‫�دع‬
‫رق وأب � � � � � � � � � ِ‬ ‫َط � � � � � � � ْي� � � � � � � ٍ�ف أَ ّ َ‬ ‫أب � � � � � � � � � � � � � ً�دا إل� � � � � � � � ��ى ُم�� � � � �ت� � � � ��ر ّب� � � � � ِ�ع‬
‫ط � � � �ي� � � � ٍ�ف ي � � � � �ش� � � � � ُّ�ف ب� � � � ��ه ال � �ب � �ل� ��ى‬ ‫ب� � � � � �ه � � � � ��داي � � � � � ٍ�ة ص� � � � � ّ�ح� � � � ��ت ع � �ل� ��ى‬
‫ع � � � � � � � ��ن رف�� � � � � � �ع� � � � � � ��ة ومت�� � � � � � � ّن� � � � � � � ِ�ع‬ ‫ط � � � � �ل� � � � � ِ�ب األح � � � � � � � � � � � ِّ�ب األن � � � � �ف� � � � � ِ�ع‬
‫ق � � � � ��ول � � � � ��ي ل � � � � � ��ه إن ْج� � � �ئ� � � �ت � � � ِ�ه‬ ‫�وج� � � ِ�ه‬ ‫�وب ف � � �ك� � � ٍ�ر ف � � ��ى ال � � �ت� � � ُّ‬ ‫وث � � � �ق� � � � ِ‬
‫�س ه � � � � � ��ذا ال� � �ب� � �ل� � �ق � � ِ�ع‬ ‫ي� � � � ��ا ُأ ْن� � � � � � � � � � � َ‬ ‫واخ� � � � � � � �ت� � � � � � � �ي � � � � � � ��ار املَ� � � � � � ْن� � � � � �ج � � � � ��ع‬
‫�س ف� � � � ��ي ه � � � � � ��ذا ال� � � �ث � � ��رى‬ ‫أحت� � � � � � � � � � ُّ‬ ‫رأي ع � � � � ��ن د َال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫وغ� � � � � � � �ن � � � � � � ��اءِ‬
‫ن� � � � � َب� � � � �ض�� � � ��ان ق � � � � �ل� � � � � ٍ�ب م� � � ��وج� � � � ِ�ع‬ ‫�رة أو َم� � � � ْ�ه � � � �ي� � � � ِ�ع‬ ‫ل� � � � � � � � ِ�ة إب� � � � � � � � � � � � ٍ‬
‫ه � � � � � � � � ��ذا ح � � � � � �ن � � �ي � ��نٌ م� � � � � � ��ن ف� � � � ��ؤا‬ ‫وق � � � � � �ن� � � � � ��اع� � � � � � ٍ�ة م� � � � � � ��ن ق � � �س � � �م� � � ٍ�ة‬
‫ِد ُم� � � � �ح� � � � � ِّب � � � ��ك امل � � � � ُت � � � �ف� � � � ّ�ج� � � � ِ�ع‬ ‫�وز ِّع‬
‫ِ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬‫م‬‫ُ‬ ‫�ر‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل�� � � � � � ِ�ك ع� � � �ن � � ��د خ� �‬
‫�دت ال� � � � � �ع � � � � ��وادي ج� � � ْ�س � � � َم� � ��هُ‬ ‫َع � � � � � � � � ِ‬ ‫ف� � � ��ي ال� � � � � � ِّ�س� � � � � � ْ�ر ِب أ ّن � � � � � ��ى س� � � � ��ار ال‬
‫ع� � � � ��ن ق� � � � � � ��رب ه� � � � � � ��ذا امل� � � ْ�ض � � �ج� � ��ع‬ ‫ت� � � � �خ� � � � �ش � �ْي� ��نْ َ س� � � � � � � � ��و َء امل � � � ��وق � � � � ِ�ع‬
‫�زن م� � � � ��ا ي� �ك ��و‬ ‫ف� � �م� � �ض�� ��ى ب � � � � ��أح � � � � � ِ‬ ‫ثم يقول خليل مطران‪:‬‬
‫�زع‬‫ن أخ � � � � � ��و األس� � � � � � � ��ى وب� � � � ��أج� � � � � ِ‬ ‫ب� � ��ال � � � ُي� � � ْ�م� � � ِ�ن ي�� � ��ا غ� � � � � ّري � � � ��دة ال�� � ��وا‬
‫والقصي�� ��دة طويلة‪ ،‬وقد اجت�� ��زأت منها بعض مقاطعها‬ ‫ارج� � � �ع � � ��ي‬ ‫دي إل � � � � ��ى ال�� � � � � � � � ��وادي ِ‬
‫ألكش�� ��ف عن هذا ال ّنَفَس الشعري الذي يجعل من مطران رائ ًدا‬ ‫إن � � � � � � � ��ي ألس� � � � � � �م � � � � � � ُ�ع ف � � � � � ��ي غ � �ن� ��ا‬
‫من رواد الش�� ��عر الرومانسي في مصر‪ ،‬والعالم العربي‪ ،‬قبل أن‬ ‫�ات األدم � � � � � � � � ِ�ع‬ ‫ئ�� � � � � � ِ�ك َرقْ � � � � � � � ��رق � � � � � � � � ِ‬
‫يتمثل في هتفات شعراء جماعة أبولو‪ ،‬وما كان يصل إلى الشرق‬ ‫وي � � � � � ��روع� � � � � � �ن � � � � � ��ي ش � � � � � �ج� � � � � ��نٌ ب � ��ه‬
‫– ب��ي��ن احل��ي��ن واحلني – من أنغام ش�� ��عراء املهج�� ��ر األمريكي‪:‬‬ ‫ك � � �ش� � � ً�ج� � ��ى ِب � � � �ح � � � � ْل� � � � ِ�ق ُم � � � � � � � � ��و ّد ِع‬
‫واجلنوبي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشمالي‬
‫ّ‬ ‫ت� � �ل � ��ك ال � � �ب� � ��راع� � ��ة م � � ��ا اس � �ت � �ت � � ّ َم � �ـ‬
‫هذا النَّفس الرومانس�� � ّ�ي‪ ،‬وهذه الوجدانية العاطفية –في‬ ‫�رع‬‫ِ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫�ال‬
‫ٍ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ـ� � � � � ��ت ف� � � � � ��ي ج � � � � � �‬
‫لغة بعض النقاد– جعال من ش�� ��عر مط�� ��ران خزا ًنا جعله زاخ ًرا‬
‫بوقفات تأملية لم يسبقه إليها أحد من شعراء العصر احلديث‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫***‬
‫م�� ��ن هنا كانت عناوي�� ��ن قصائده‪ :‬الزهر‪ ،‬الوردتان‪ ،‬النرجس�� ��ة‪،‬‬ ‫س � � �ي� � ��ري وو ّل � � � � � � ��ي ص� � � � � ��درك ال� �ـ� �ـ� �ـ‬
‫احلمامتان‪ ،‬الوردة والزنبقة‪ ،‬املس�� ��اء‪ ،‬الزنبقة‪ ،‬الشاعر والطائر‪،‬‬ ‫ـ� � �م� � �ش� � �ت�� ��اق شَ � � � � � ْ�ط� � � � � � َر امل � � � � ْ�ر ِب � � � ��ع‬
‫زه�� ��رة س�� ��اهرتني‪ ،‬نفحة الزه�� ��ر‪ ،‬وردة ماتت‪ ،‬م�� ��ن غريب إلى‬ ‫ح � � � �ت� � � ��ى إذا م� � � � � ��ا ِج � � � � ْئ � � � �ت� � � � ِ�ه‬
‫عصفورة مغتربة‪ ،‬وردة بيضاء‪ ،‬الصبابة الس�� ��كرى‪ ،‬حكاية وردة‪،‬‬ ‫�رع‬
‫�ذب َم � � � ��شْ � � � � ِ‬ ‫�رع�� � � � � ِ�ت أع � � � � � � � � َ‬ ‫وش�� � � � � ْ‬
‫النوارة أو زهرة املرغريت‪ ،‬في الغابة‪ ،‬غصن من زهر املش�� ��مش‪،‬‬ ‫وش� � � � � � � � � ��د ْو ِت م� � � ��ا ش� � � � ��اء ال� � � � ُّ�س� � � ��رو‬
‫بنفسجة في عروة‪ ،‬البنفسجة مبنزلة إشارات وجنوم لوامع تؤكد‬ ‫�اص األف� � � � � � � � ُ�ر ِع‬ ‫ر ع � � �ل� � ��ى ارت� � � � � �ق � � � � � ِ‬

‫‪16‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 12-17.indd 16‬‬ ‫‪7/24/16 8:16:32 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ف�� � � � � � � ��إذا َب � � � � � � � � � � � � َد ْت ل� � � � ��ك ه � � � ّ�م � � � ٌ�ة‬ ‫هذا الطابع الش�� ��عري ملطران‪ ،‬وهذه احلياة الش�� ��عرية الداخلية‬
‫م � � � ��ن دائ � � � � � � � � ٍ�ب ي� � �ش� � �ق � ��ى وي � �ب � �ن� ��ي‬ ‫الغنية‪ ،‬بينه وب��ي��ن ذاته‪ ،‬أو بينه وبني وجدانه‪ ،‬بعي ًدا عن صخب‬
‫�وف ال� � �ت� � �ش� � � ُّب� � �ـ‬ ‫ف � � � �ع� � � ��ذي� � � ��ر ُه خ � � � � � � � ُ‬ ‫احلياة‪ ،‬واصطراع حراك املجتمع‪ ،‬وتقلبات السياس�� ��ة وفس�� ��اد‬
‫ـ� �ـ� �ـ ��ه‪ ،‬ب� ��ال�� � ّ َرح� ��ى م� ��ن غ� �ي ��ر ِط� � ْ�ح� � ِ�ن‬ ‫النف�� ��وس‪ .‬وهو ما الحظ�� ��ه صانع مختارات�� ��ه –الناقد واملترجم‬
‫وي� � � �ك � � � ُّ�د ك�� � � � � ّ َد ال� � � � ّ َن � � � ْ�ح � � � ِ�ل وه� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ‬ ‫الدكتور محمد عناني– حني اس�� ��توقفته هذه النماذج من ش�� ��عر‬
‫ـ� � � ��ي ل� � �غ� � �ي � ��ره � ��ا ت�� �س�� �ع� ��ى وجت � �ن� ��ي‬ ‫مطران قبل غيرها ألنها األلصق بطبيعته واألد ُّل على شاعريته‪،‬‬
‫أرض � � � � � ��ى ب� � � � ��أن ُت� � ��قْ � � �ض� � ��ى ُم� � � ًن � ��ى‬ ‫ترسب‬ ‫وعلى طريقه املتفرد في الشعر‪ ،‬وعلى امتالء وجدانه مبا َّ‬
‫ل � �ل� ��آخ � � � ��ري � � � ��ن‪ ،‬وإن ع� � ��د ْت � � �ن� � ��ي‬ ‫فيه من قراءاته في اآلداب العاملية وبخاصة في الشعر الفرنسي‬
‫ُأخ � � � � � �ل� � � � � ��ي م� � � � �ك�� � � ��ان�� � � � َ�ي ل � � �ل� � ��ذي‬ ‫الذي عش�� ��قه وغاص فيه إ ّبان إقامته في فرنس�� ��ا زمن الشباب‬
‫ي� � �س� � �م � ��و إل� � � �ي � � ��ه ب� � �غ� � �ي � ��ر ُح � � � � � � �ز ِْن‬ ‫وطلب العلم‪ .‬وفي ختام ه�� ��ذه الرحلة الثرية مع حديقة مطران‬
‫�ش مل � � � � ��ن ي � �ط� ��ا‬ ‫ول� � � � �ق � � � ��د أَه� � � � � � � � � � � � � ُّ‬ ‫الش�� ��عرية‪ ،‬يستوقفنا الش�� ��اعر وهو يو ِّقع على وتره األخير‬
‫ول� � �ن � ��ي‪ ،‬وإن ي � ��ك حتْ � � � ��تَ ِض� � ْب� �ن ��ي‬ ‫حلن الرضا وس�� ��كينة النفس‪ ،‬ويقول فيما يش�� ��به قصيدة‬
‫إنّ احل � � �ق � � �ي � � �ق � � � َة ح � �ي� ��ن ن � � ْب � �ـ � �ـ � �ـ‬ ‫الوداع‪:‬‬
‫ـ� � � ُل� � �غ� � �ه � ��ا‪َ ،‬ل � �ت � �ك � �ف � �ي � �ن� ��ا و ُت�� �غ�� �ن� ��ي‬ ‫م � � � � � ��اذا ي � � ��ري � � ��د ال� � �ش� � �ع�� ��ر م � �ن� ��ي؟‬
‫�ال ب � � �ك� � � ِّ�ل معــــــ‬ ‫ف � �ي � �ه� ��ا اجل� � � �ل� � � ُ‬ ‫أخ� � � � �ن � � � ��ى ع� � �ل� � �ي � ��ه ُع� � � � �ل� � � � � ّو س � � ِّن� ��ي‬ ‫ْ‬
‫ـ� � � � �ن � � � ��ا ُه‪ ،‬وف� � �ي� � �ه � ��ا ك � � � � � � ُّ�ل ُح � � � ْ�س � � � ِ�ن‬ ‫ه� � ��ل ك� � � ��ان م� � ��ا ذه� � �ب � ��ت ب� � ��ه األ ّي� � � ��ا‬
‫ت� � � �ت� � � �ش � � ��اب � � ��هُ ال� � � � � � ّ َت � � � � ��رك � � � � ��ات ف���ي‬ ‫م م � � � � � � ��ن أدب� � � � � � � � � � � ��ي وف � � � � �ن� � � � ��ي؟‬
‫أ ّن � � � � � � ��ا ُن� � � � � �ع � � � � � ُّ�د ل � � �ه� � ��ا و َن� � ��قْ � � �ن� � ��ي‬ ‫أح � � � �س � � � �ن� � � � ُ�ت ظ� � � � �ن � � � ��ي‪ ،‬وال � � �ل � � �ي� � ��ا‬
‫ف � � � � � � � � � ��إذا ت � � � � ��و ّل� � � � � � ْي� � � � � �ن � � � � ��ا‪ ،‬ف � �ه� ��ل‬ ‫ل� � ��ي ل� � ��م ت� � ��واف� � ��ق ُح� � � ْ�س� � ��ن َظ � � ِّن� ��ي‬
‫أس � � � �م� � � ��اؤن� � � ��ا ع� � � � ّن � � ��ا س� � � ُت � ��غْ � � �ن � ��ي؟‬ ‫�رض� �ـ� �ـ� �ـ‬‫�وق ع � ْ‬ ‫ورج � � � � ْ�ع � � � � ُ�ت م � � ��ن س � � � � � ٍ‬
‫واألرواح ق���د‬ ‫ُ‬ ‫إن ن � � � � � ْب� � � � ��قَ‬ ‫ـ� � � � � ُ�ت ب�� �ض� ��اع�� �ت� ��ي ف � �ي � �ه� ��ا ِب � � �غ �ْب � نْ ِ��‬
‫�اء ت � ْ�ع� �ن ��ي؟‬ ‫ُ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫األ‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫�ت‬
‫ْ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫أف�� � � � � �ك� � � � � ��ان ذل � � � � � � � ��ك َذ ْن � � � � � َب � � � � �ه� � � � ��ا‬
‫ل� � ��و ل� � ��م ي � �ك� ��ن ف� � ��ي ال� � ��ذك� � ��ر للــــ‬ ‫أم ك� � � � ��ان ذن� � � �ب � � ��ي‪ ،‬ال َت� � َ�س � � ْل � �ن� ��ي‬
‫�اب ن � � �ف� � � ٌ�ع ل� � � ��م ي� � ُ�ش� ��قْ � �ن� ��ي‬ ‫أع� � � � �ق � � � � ِ‬ ‫�دت ب � � � � � َ�ي ال � � � � �ن� � � � ��ا ُر ال � �ت� ��ي‬ ‫خَ � � � � �م� � � � � ْ‬
‫اس� � � � �ـ‬ ‫�زاء ف � � � ��إن � � َ ْ‬
‫�ي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫أم� � � � � ��ا اجل � � � � � � � � � � ُ‬ ‫رف�� � �ع� � � ْ�ت ب � �ع�ي��ن ال � � �ع� � � ْ�ص� � � ِ�ر ش ��أن ��ي‬
‫ـ� � � � َت� � � � ْوف� � � �ي � � � ُ�ت م� � �ن � ��ه ف� � � � ��وق وزن� � � ��ي‬ ‫ه� � � ��ي ش � � �ع � � �ل� � � ٌ�ة ك � � ��ان � � ��ت ُت� �ث� �ي� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ‬
‫ف � � ��ي احل � � ��اض � � ��ر اس � �ت � �س � �ل � �ف� � ُ�ت ما‬ ‫ـ� � � ��ر ق� ��ري�� �ح�� �ت� ��ي وت � � �ن � � �ي� � � ُ�ر ذه � �ن� ��ي‬
‫س� � �ي� � �ق � ��ول � ��ه ال� � � � � ّت � � � ��ال � � � ��ون ع � �ن� ��ي!‬ ‫�رب وق � � � �ل � � � �ـ ْ‬ ‫أي� � � � � � � � � ��ام ل� � � � � ��ي ط� � � � � � � � � � ٌ‬
‫وها ه�� ��و ذا ش�� ��اعر القطرين خليل مط�� ��ران‪ ،‬يقول‬ ‫ـ� � �ب � ��ي م � � ��وق � � � ُ�ع ال � � �س � � �ه� � � ِ�م ا ُمل� � � � � � � ِ�رنِّ‬
‫املنصف�� ��ون ل�� ��ه إنه رائ�� ��د التجدي�� ��د‪ ،‬الذي فت�� ��ح أبوا ًبا‪،‬‬ ‫ال ت � � � � �ن� � � � � ُ�دب � � � � � ِّن� � � � ��ي ل � � �ل � � � َع � � �ظ� � ��ا‬
‫وأطلق أش�� ��رع ًة‪ ،‬وع ّبد درو ًبا‪ ،‬ووض�� ��ع في طريق اإلبداع‬ ‫ئ� � � � � � ِ�م ب� � � �ع � � ��ده � � ��ا‪ ،‬ال ت� � �ن � � ُ�دب� � � ِّن � ��ي‬
‫وى وعالمات ناطقة‬ ‫الشعري –في عصرنا احلديث– ُص ً‬ ‫واألل � � � � � � � � ��ى‬ ‫زم� � � � �ن�� � � ��ي ت � � � � � ��و ّل � � � � � ��ى‪ُ ،‬‬
‫بش�� ��اعريته املتفردة‪ ،‬الهامس�� ��ة واحلي ّي�� ��ة‪ ،‬والبعيدة عن‬ ‫�دع� �ن ��ي‬ ‫ع � � �م� � ��رو ُه م�� ��ن ص � �ح � �ب� ��ي‪ ،‬ف � ْ‬
‫اجلهارة واملباش�� ��رة‪ ،‬والـ ُمغتنية بذاتها من غير حاجة إلى‬ ‫�ف ع ��و‬ ‫و ّ َل� � � � � � � ��ى ال � � ��رب� � � �ي�� � � ُ�ع وج� � � � � � � � ّ َ‬
‫صخب أو ضجيج‪ ،‬يصنعه مخلصون أو متابعون‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫دي‪ ،‬وان�� �ق�� �ض� ��ى ع� � �ه � � ُ�د ال� �ت� �غ� �ن � ّ�ي‬
‫وس�� ��يبقى ثالث الش�� ��عراء الثالثة‪ :‬ش�� ��وقي وحافظ‬ ‫وع� � � � � � � ِ�د ْم� � � � � � � ُ�ت ل� � � � � � � � � ��ذّ ِات ال�� � � � ��رؤى‬ ‫َ‬
‫ومطران‪ ،‬في ذاكرة الشعر العربي احلديث ودورانه على‬ ‫ِّ‬
‫وع� � � � � � ِ�د ْم� � � � � � ُ�ت ل � � � � � � � ��ذّ ِات ال � �ت � �م � �ن� ��ي‬ ‫َ‬
‫األلس�� ��نة واألقالم وت� � � ًرا ال مياثل غيره م�� ��ن األوتار‪ ،‬وال‬ ‫�ش ف ��ي‬ ‫إن � � � � ��ي خ � � � ْت � � �م� � � ُ�ت ال� � � �ع� � � � ْي � � � َ‬
‫مياثلُه غيرهُ مهما التَف ََت إليه واستدار >‬ ‫وادي امل � � �خ � � �ي � � �ل� � � ِ�ة‪ ،‬أو ك�� ��أ ّن�� ��ي‬

‫‪17‬‬
‫خليل مطران‪ ...‬فاحتة الرومانسية وصوت التجديد‬

‫‪aug 12-17.indd 17‬‬ ‫‪7/24/16 8:16:37 AM‬‬


‫أوراق أدبية‬

‫ذكريـــات‬
‫د‪ .‬جابر عصفور‬

‫توف���ي جمال عبدالناصر في الثامن والعش���رين من س���بتمبر عام‪.1970‬‬


‫وقد عرفت هذا الخبر في بيتي الصغير في شارع النخيل بالمهندسين‪،‬‬
‫وكان���ت المعرفة تدريجي���ة‪ ،‬إذ فجأة انقطع إرس���ال التلفزي���ون وبدأ يذيع‬
‫القرآن الكريم على امتداد س���اعات‪ ،‬وفي النهاية شاهدنا أنور السادات‬
‫على شاش���ة التلفزيون يعلن وفاة الرئيس جمال عبدالناصر‪ ،‬مؤكدا أن‬
‫ال م���ن أغلى الرجال وأش���جع الرجال وأخل���ص الرجال‪.‬‬ ‫مص���ر قد فقدت رج ً‬
‫وكان اإلعالن نفسي ًا صادق ًا للرجل الذي وصفته أغنية عبدالحليم حافظ‬
‫بأنه حبيب الماليين التي كانت تحمل س���يارته بالفعل‪ ،‬ويهتف باسمه‬
‫الماليين على امتداد العالم العربي‪.‬‬

‫واإلحباطات التي ظل يقاومها منذ هزمية اخلامس‬ ‫ما أذكره أنه قد توفي بعد أن ودع أمير الكويت‪،‬‬
‫من يونيو التي تركت أثرا عميقاً وس� � ��يئاً في نفس� � ��ه‬ ‫ورغم أنه ش� � ��عر باإلرهاق الش� � ��ديد فإنه أصر على‬
‫وصحته‪ ،‬وأدت إلى تفاقم مرض السكري الذي كان‬ ‫توصي� � ��ل أمير الكويت الش� � ��يخ صباح الس� � ��الم الذي‬
‫مصاباً به وضغط ال� � ��دم‪ ،‬فضال عن أمراض القلب‬ ‫كان عبدالناص� � ��ر يك� � ��ن ل� � ��ه محب� � ��ة خاصة بس� � ��بب‬
‫ال� � ��ذي كان الب� � ��د أن يضعف ف� � ��ي مواجهة األحداث‬ ‫مواقف� � ��ه الداعمة ملص� � ��ر‪ ،‬وكان الوداع بع� � ��د انتهاء‬
‫اجلس� � ��ام التي لم يتوقف عبدالناصر عن مقاومتها‬ ‫مؤمتر القم� � ��ة الذي دعا إلي� � ��ه عبدالناصر‪ ،‬وانعقد‬
‫بشجاعة وبس� � ��الة إلى أن سقط على أرض التحدي‬ ‫في القاهرة‪ ،‬وذلك ملواجه� � ��ة محاولة تدمير منظمة‬
‫وف� � ��ي آخر معارك� � ��ه التي كانت من أج� � ��ل أمة عربية‬ ‫التحرير الفلسطينية واألحداث الدموية التي جرت‬
‫واح� � ��دة‪ .‬ولكن س� � ��رعان ما تفرق ش� � ��مل هذه األمة‬ ‫ف� � ��ي األردن‪ ،‬الت� � ��ي كان منها محاولة اغتيال ياس� � ��ر‬
‫العربية‪ ،‬وتعددت انقس� � ��اماتها وانش� � ��قاقاتها إلى أن‬ ‫عرفات‪ ،‬ولك� � ��ن تدخل عبدالناصر قد أنقذ ياس� � ��ر‬
‫وصلت إلى ما وصلنا إليه‪.‬‬ ‫عرف� � ��ات في اللحظات األخيرة‪ ،‬وع� � ��اد إلى القاهرة‬
‫واحلق الذي ال م� � ��راء فيه أننا لم نر طوال عهد‬ ‫متخفي � � �اً لكي يحضر مؤمتر القمة في مواجهة امللك‬
‫عبدالناصر أي شكل من أش� � ��كال احلكم الديني أو‬ ‫حس� �ي��ن‪ ،‬وانتهت احملنة الفلس� � ��طينية التي اقترنت‬
‫عال من أصوات التعصب الديني أو‬ ‫حتى أي صوت ٍ‬ ‫مبا أصبح اس� � ��مه «أحداث أيلول الدامي»‪ .‬وبعد أن‬
‫حت� � ��ى الفنت الطائفية‪ ،‬فقد عش� � ��نا في مصر ناجني‬ ‫قام عبدالناصر بتوصيل أخي� � ��ه حاكم الكويت‪ ،‬عاد‬
‫بفضله من محاوالت بع� � ��ض الذين أرادوا أن يقنعوه‬ ‫إلى منزله مستس� � ��لما إلى التعب ومسلماً نفسه إلى‬
‫ف� � ��ي بداية حكمه بتحجيب النس� � ��اء‪ ،‬ولكنه رفض أن‬ ‫مالك املوت الذي أراحه من كل املصاعب والكوارث‬

‫‪18‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 18-23.indd 18‬‬ ‫‪7/24/16 8:17:12 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪19‬‬
‫ذكري ــات‬

‫‪aug 18-23.indd 19‬‬ ‫‪7/24/16 8:17:17 AM‬‬


‫الزعيم الراحل جمال عبدالناصر‬ ‫املغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح‬

‫لنا أستاذتي الدكتورة نبيلة إبراهيم‪ ،‬وكانتا سافرتني‪.‬‬ ‫يأمر امرأة مصرية بالتحجب‪ ،‬وظلت املرأة املصرية‬
‫وفي كافتيريا كلية اآلداب قابلت عش� � ��رات الطالبات‬ ‫ط� � ��وال عه� � ��ده جديرة ب� � ��أن تكون وريثة ث� � ��ورة ‪1919‬‬
‫من كلية اآلداب والكليات األخرى س� � ��افرات الوجوه‬ ‫الت� � ��ي دعت إلى حترير حرية الوط� � ��ن وحرية أفراده‬
‫أيضاً‪ .‬وأقول األمر نفس� � ��ه ع� � ��ن الطالبات اجلادات‬ ‫واملس� � ��اواة املطلقة بينهم‪ ،‬كما نص على ذلك دستور‬
‫الالئي كنت أقابلهن في قاعات مكتبة جامعة القاهرة‬ ‫‪ 1923‬الذي كتب بعد س� � ��نوات قليلة من ثورة ‪.1919‬‬
‫وكن ينافس� � ��ننا على التفوق‪ ،‬وبعضهن كان ينجح في‬ ‫وكان الدس� � ��تور مبواده املتقدمة مرآة ناصعة ألفكار‬
‫ذلك بالتأكي� � ��د‪ ،‬ولم يكن األمر يقتص� � ��ر على مكتبة‬ ‫ث� � ��ورة ‪ 1919‬وما أحدثته في العقول واألفئدة‪ .‬وورثت‬
‫جامعة القاهرة العامة فحس� � ��ب‪ ،‬وإمنا كان ميتد إلى‬ ‫الث� � ��ورة املصرية التي قام به� � ��ا الضباط األحرار في‬
‫غيرها من املكتبات‪ ،‬ابتداء من مكتبة دار الكتب في‬ ‫يوليو ‪ 1952‬ميراث ثورة ‪ ،1919‬وبالتالي أفكار حترير‬
‫باب اخللق أو فروعها املتعددة إلى آخر املكتبات التي‬ ‫امل� � ��رأة‪ ،‬وه� � ��و األمر ال� � ��ذي أدى إلى أن تك� � ��ون املرأة‬
‫كان منها مكتبة اجليزة التي كنت أفيد منها‪ .‬ومضت‬ ‫املصرية نائبة في البرملان املصري سنة ‪ .1957‬وشهد‬
‫سنواتي الدراس� � ��ية التي انتهت سنة ‪ 1965‬بتخرجي‬ ‫البرملان املصري للم� � ��رة األولى نائبات مدافعات عن‬
‫في اجلامعة إلى أن أصبحت معيداً فيها ثم مدرس � � �اً‬ ‫حقوق املرأة وإكمال األشكال القانونية واالجتماعية‬
‫مساعداً‪ ،‬وما كنت أراه في زميالتي أيام الدراسة هو‬ ‫للمس� � ��اواة بينها وبني الرجل‪ ،‬كما ش� � ��هدت احلكومة‬
‫عينة ملا أصبحت أراه ف� � ��ي طالباتي‪ ،‬بعد أن حتولت‬ ‫للم� � ��رة األولى تعيني الدكت� � ��ورة حكمت أبو زيد وزيرة‬
‫إلى معيد‪ ،‬وكانت أستاذتي املرحومة سهير القلماوي‬ ‫أولى للش� � ��ؤون االجتماعية في ‪ 25‬س� � ��بتمبر ‪،1962‬‬
‫تعاملني بوصفي ابناً لها وتدفعني إلى جتارب صعبة‬ ‫وكان ذل� � ��ك إيذانا بوصول املرأة إل� � ��ى أعلى درجات‬
‫لك� � ��ي تقضي على اخلجل الق� � ��روي الذي لم يكن قد‬ ‫الس� � ��لطة التنفيذية‪ ،‬جنبا إلى جنب الرجل بال فارق‪.‬‬
‫فارقن� � ��ي بعد‪ ،‬فدفعت بي إلى التدريس في أقس� � ��ام‬ ‫وأذكر أنني دخلت جامعة القاهرة في س� � ��بتمبر عام‬
‫اللغة الفرنسية ثم اللغة اإلجنليزية لكي أتعرف على‬ ‫‪ 1961‬للمرة األولى‪ ،‬قادم � � �اً من مدينتي الصغيرة –‬
‫الس� � ��لوك األكثر حترراً من طالبات هذين القسمني‬ ‫بالقي� � ��اس إلى القاهرة‪ -‬احمللة الكبرى‪ ،‬ولم أر طالبة‬
‫بالقياس إلى سلوك طالبات قسم اللغة العربية الذي‬ ‫ترتدي احلجاب أو النقاب‪ ،‬فكلهن كن سافرات‪ ،‬وفي‬
‫كان محافظاً بالقياس إلى طالبات هذين القسمني‪.‬‬ ‫قسم اللغة العربية الذي اخترت الدراسة فيه‪ ،‬متابعاً‬
‫وكانت اجلامعة في تلك السنوات من الستينيات‬ ‫خطى طه حس� �ي��ن‪ ،‬كانت رئيس� � ��ة القسم امرأة‪ ،‬هي‬
‫كرنـف� � ��االً حراً مفتوح � � �اً على كل التي� � ��ارات الفكرية‬ ‫أستاذتي الدكتورة سهير القلماوي‪ ،‬كما كانت تدرس‬

‫‪20‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 18-23.indd 20‬‬ ‫‪7/26/16 8:17:09 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كانت جامعة القاهرة بحق جامعة‬ ‫العاملي� � ��ة‪ ،‬ابت� � ��داء م� � ��ن الوجودية‬
‫لكل الطالب العرب‪ ،‬حني لم تكن‬ ‫ولي� � ��س انته� � ��اء باملاركس� � ��ية‪ .‬وما‬
‫هناك جامعة أخرى في األقطار‬ ‫كان أس� � ��هل احلصول على الكتب‬
‫العربية‪ .‬فظل األم� � ��ر كذلك إلى‬ ‫التي كانت تضعنا في دوامة هذه‬
‫نهاية الستينيات ولم يكن ينافس‬ ‫االجتاه� � ��ات املتقارب� � ��ة واملتضادة‬
‫جامع� � ��ة القاهرة س� � ��وى اجلامعة‬ ‫واملتصارع� � ��ة الت� � ��ي كان بعضه� � ��ا‬
‫األمريكي� � ��ة في بيروت التي كانت‬ ‫يصيب أدمغتنا بال� � ��دوار ويجعلنا‬
‫ً‬
‫تس� � ��تقطب بدورها أعدادا كبيرة‬ ‫نعيد النظ� � ��ر في كل معارفنا التي‬
‫من الط� �ل��اب الع� � ��رب وتتيح لهم‬ ‫كانت لدينا من قبل‪ ،‬وأذكر جيدا‬
‫من حرية النش� � ��اط السياسي ما‬ ‫أنني ظللت أصلي أليام عديدة وال‬
‫لم يكن متاحاً بالقدر نفس� � ��ه في‬ ‫أتوقف عن البكاء مس� � ��تغفراً الله‬
‫جامع� � ��ة القاهرة‪ ،‬ولم أكن أعرف‬ ‫القلماوي‬ ‫سهير‬ ‫د‪.‬‬ ‫س� � ��بحانه وتعالى ألني اس� � ��تمعت‬
‫إلى زميل لي يردد مقولة نيتش� � ��ه الفيلسوف األملاني ذلك في حينه‪ .‬ومرت س� � ��نوات اجلامعة وتخرجت‪،‬‬
‫الذي أعلن في جرأة ل� � ��م أعهدها من قبل بأن اإلله وبدأت أختلط باحلي� � ��اة الثقافية العامة وأعرف من‬
‫قد م� � ��ات‪ ،‬وأننا نعيش في عالم ب� �ل��ا آلهة‪ ،‬حيث ال أس� � ��رار الديكتاتورية الناصرية م� � ��ا كنت أجهله وأنا‬
‫تبقى إال اإلرادة احلرة لإلنس� � ��ان‪ .‬كانت هذه األفكار طالب‪ ،‬وعرفت عن اعتقاالت الش� � ��يوعيني املصريني‬
‫تدير رأس� � ��ي وكنت معلقاً بها ونافراً منها في الوقت التي امتدت من سنة ‪ 1959‬إلى ‪.1964‬‬
‫ومضت بي احلياة في القاهرة بعد أن س� � ��جلت‬ ‫نفس� � ��ه‪ ،‬لكن جوعي املعرفي كان يدفعني إلى قراءة‬
‫كل ش� � ��يء والتعرف على كل ش� � ��يء مت� � ��اح ومباح في لدرجة املاجس� � ��تير مع أستاذتي سهير القلماوي عن‬
‫مكتبات القاهرة التي كانت تبدأ مبكتبات األزهر في «الص� � ��ورة الفنية عند ش� � ��عراء اإلحي� � ��اء في مصر»‪،‬‬
‫احلس� �ي��ن وأزقة األزهر وال تنتهي عند مكتبة الشرق وأخذن� � ��ي البحث في هذه الرس� � ��الة ع� � ��ن االندماج‬
‫التي كانت ملك االحتاد الس� � ��وفييتي في ذلك الوقت الكامل في احلياة الثقافية‪ .‬فقد كنت مس� � ��تغرقاً في‬
‫وتتيح لنا األدب الروسي والكتب املاركسية بأرخص عملي متاماً‪ ،‬وفي قراءة كل ما يتصل بعصر اإلحياء‬
‫األس� � ��عار‪ .‬وال أظ� � ��ن أن مصر قد ش� � ��هدت ازدهاراً في الش� � ��عر الذي كان يبدأ من بداية عصر النهضة‬
‫في منتصف القرن التاس� � ��ع عشر إلى نهاية احلرب‬ ‫ثقافياً كالذي شهدته في الستينيات الناصرية‪.‬‬
‫صحيح أنني كنت أسمع عن السجون الناصرية العاملية الثانية‪ .‬وبسبب هذا االندماج والتفرغ للعلم‬
‫وع� � ��ن عبدالناصر الذي زج بالش� � ��يوعيني واإلخوان لم تكن لي صلة حميم� � ��ة باحلياة الثقافية ومثقفيها‬
‫املس� � ��لمني معاً في سجونه‪ ،‬كما كانت تبلغني أطراف وش� � ��عرائها‪ ،‬وأذكر أنني قد اخترت موضوع الصورة‬
‫ع� � ��ن أخب� � ��ار التعذيب الوحش� � ��ي ال� � ��ذي كان يالقيه الفنية ألنني كنت أريد أن أدرس اجلوانب الفنية في‬
‫املعتقلون اليساريون واليمينيون على السواء‪ .‬ولكني الش� � ��عر على نحو خاص‪ ،‬ذلك ألني كنت أش� � ��عر أن‬
‫أش� � ��هد أنني لم أع� � ��رف في ذلك الوق� � ��ت أحداً من الدرس األدبي في ذلك الوقت ال يركز على اجلوانب‬
‫هؤالء املعتقلني‪ ،‬رمبا ألنني كنت مشغوالً بطلب العلم الفنية في الش� � ��عر الذي اخترته للدرس األكادميي‪،‬‬
‫ومحاول� � ��ة التفوق على أقراني م� � ��ن املصريني وأبناء فقررت التركيز على اجلوانب الفنية‪ ،‬وكانت البداية‬
‫ال� � ��دول العربية‪ ،‬فل� � ��م تكن جامعة القاه� � ��رة جامعة أن اخترت دراسة املوسيقى الشعرية‪ ،‬ولكني اكتشفت‬
‫مفتوح� � ��ة للمصريني فحس� � ��ب‪ ،‬وإمن� � ��ا كانت جامعة بفضل أستاذتي سهير القلماوي أن الدراسة اجلادة‬
‫مفتوحة ل� � ��كل أبناء الدول العربي� � ��ة من احمليط إلى لهذا املوضوع تقتضي دراس� � ��ة املوس� � ��يقى دراس� � ��ة‬
‫ال عن دراس� � ��ة عل� � ��م األصوات اللغوي‪،‬‬ ‫اخلليج‪ ،‬ولذلك عرفنا زمالء مصريني وفلسطينيني متعمقة‪ ،‬فض ً‬
‫وخليجيني وسوريني ومغاربة وتوانسة في قسم اللغة فطلبت مني أستاذتي أن أذهب إلى مقابلة الدكتورة‬
‫العربية‪ ،‬فقس على ذلك بقية األقسام والكليات‪ .‬فقد س� � ��محة اخلول� � ��ي في معه� � ��د املوس� � ��يقى العربية أو‬

‫‪21‬‬
‫ذكري ــات‬

‫‪aug 18-23.indd 21‬‬ ‫‪7/24/16 8:17:23 AM‬‬


‫‪ -‬بوصف� � ��ه مناقش � � �اً‪ ،‬وأس� � ��تاذي‬ ‫الكونسرﭬتوار‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫شكري عياد بوصفه مناقشاً ثانيا‪ً،‬‬ ‫جعلني أخاف م� � ��ن الدخول في‬
‫وأذكر أن شكري عياد قد اتهمني‬ ‫ه� � ��ذا املوض� � ��وع الصع� � ��ب الذي‬
‫بالدوجماطي� � ��ة‪ ،‬وأنني بنيت بحثي‬ ‫قد يحت� � ��اج إلى س� � ��نوات طويلة‬
‫على تصور مس� � ��بق وأنني مضيت‬ ‫م� � ��ن الدرس‪ ،‬فأخ� � ��ذت موضوع‬
‫في البحث ال لكي أكتشف الشعر‬ ‫الص� � ��ورة الفني� � ��ة عند ش� � ��عراء‬
‫اإلحيائي في حي� � ��اد وموضوعية‪،‬‬ ‫اإلحي� � ��اء بوصفه� � ��م املؤسس� �ي��ن‬
‫وإمن� � ��ا لك� � ��ي أثب� � ��ت صح� � ��ة هذا‬ ‫األوائ� � ��ل حلركة الش� � ��عر العربي‬
‫التصور فحس� � ��ب‪ ،‬فلم أ َر من شعر‬ ‫احلدي� � ��ث كله‪ .‬وآثرت أن أغوص‬
‫اإلحيائي� �ي��ن إال ما يتف� � ��ق مع هذا‬ ‫ف� � ��ي دواوين البارودي وش� � ��وقي‬
‫التصور‪ ،‬ومن ثم أغفلت غير ذلك‬ ‫وحافظ واجلارم وأحمد نس� � ��يم‬
‫من جوانب شعر اإلحيائيني‪.‬‬ ‫األهواني‬ ‫عبدالعزيز‬ ‫في مصر‪ ،‬والرصافي والزهاوي‬
‫وبالفع� � ��ل عندما أتأمل األم� � ��ر اآلن بعد كل هذه‬ ‫في العراق‪ ،‬واألخطل الصغير في الش� � ��ام‪ ،‬وغيرهم‬
‫السنوات الطويلة أجد أنني كنت دوجماطياً بالفعل‪،‬‬ ‫من شعراء هذا العصر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واملؤكد أنني كنت غارقا في اتباع أفكار أستاذي وأنني كنت متبعا ألفكار طه حس� �ي��ن ونقاد مدرس� � ��ة‬
‫عبدالعزي� � ��ز األهواني الت� � ��ي أصلها ف� � ��ي كتابه عن الديوان الذين لم يروا س� � ��وى اجلانب التقليدي من‬
‫ابن سناء امللك ومش� � ��كلة العقم واالبتكار‪ .‬وخالصة ش� � ��عر اإلحياء‪ .‬ومن املؤكد أن اجلوان� � ��ب التقليدية‬
‫ه� � ��ذه األفكار أننا ال ميكن أن ندرس ش� � ��عر العصور تغلب على شعر اإلحياء‪ .‬لكن إلى جانب هذا التقليد‬
‫املتأخ� � ��رة التي متض� � ��ي في خطى اال ّتب� � ��اع أكثر من هناك االبت� � ��داع الذي كان يجب الكش� � ��ف عنه‪ ،‬ولم‬
‫خطى االبتكار إال بعد أن ندرس عالقاتهم بالشعراء أنتبه إلى ذلك إال أخيراً‪ ،‬ولذلك تغيرت نظرتي إلى‬
‫القدامى الذين سبقوهم‪ .‬فهؤالء الشعراء املتأخرون شعر هؤالء الشعراء وحاولت أن أكشف عن اجلوانب‬
‫كانوا مقلدين ومتّبع� �ي��ن أكثر منهم مبتكرين‪ .‬ولذلك اجلديدة في ش� � ��عرهم‪ ،‬خصوص � � �اً عندما أقمت مع‬
‫ال ميك� � ��ن مل� � ��ن يريد دراس� � ��ة ش� � ��عرهم إال أن يقارنه أس� � ��تاذي عز الدين إسماعيل ملتقى اإلبداع العربي‬
‫بالشعراء الس� � ��ابقني من القدامى في كل مجال من الذي عقدناه س� � ��نة ‪ ،1992‬مبناس� � ��بة مرور س� � ��تني‬
‫مجاالت الشعر أو أغراضه‪ ،‬وقد تعمقت في نفسي عاماً على وفاة أحمد ش� � ��وقي وحافظ إبراهيم على‬
‫هذه األفكار وزادها رس� � ��وخاً أفكار األساتذة الكبار الس� � ��واء‪ .‬وكتبت بحثاً بعنوان «الشاعر احلكيم»‪ ،‬ثم‬
‫أمث� � ��ال العقاد وطه حس� �ي��ن وإبراهيم املازني‪ ،‬الذين كتبت دراس� � ��ة مطولة كانت تقدمياً لش� � ��عر البارودي‬
‫ذهبوا إلى أن ش� � ��عر املدرسة اإلحيائية شعر تقليدي في طبعة حديثة للديوان‪ ،‬وال أزال إلى اآلن أتوق إلى‬
‫بحت‪ ،‬ولذلك ال ميكن دراس� � ��ته – كما يقول أستاذي أن أعيد قراءة ش� � ��عر ش� � ��وقي‪ ،‬خصوصاً في جوانبه‬
‫عبدالعزيز األهواني ‪ -‬إال بالعودة إلى األصول التي اخلاصة بالوصف والنس� � ��يب أو الغزل‪ ،‬ولكن الزمن‬
‫أخذ عنه� � ��ا‪ ،‬والتي يدخل في مب� � ��اراة معها‪ ،‬ولذلك لم يكن يتيح لي أن أقوم بذلك إلى اآلن‪.‬‬
‫وقد دفعتني أطروحة املاجس� � ��تير إلى أن أحدد‬ ‫قضيت أربع س� � ��نوات في أطروحة املاجستير أبحث‬
‫في ش� � ��عر اإلحيائي� �ي��ن عن عالقته بش� � ��عر القدماء‪ ،‬رس� � ��الة الدكتوراه‪ ،‬وكانت عن «مفهوم الصورة الفنية‬
‫متناس� � ��ياً أن هذا الش� � ��عر لم يكن اتباعاً فحس� � ��ب‪ ،‬في التراث النقدي والبالغي»‪ ،‬وقد قضيت في درسها‬
‫وإمن� � ��ا كان ابتداعاً في الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬وانتهيت من أربع سنوات‪ ،‬وقد أحدثت األطروحة أثراً طيباً عند‬
‫رسالة املاجس� � ��تير وجاءت مناقشتها في شهر يوليو مناقشتها س� � ��نة ‪ .1973‬وسرعان ما تلقفها صديقي‬
‫سنة ‪ .1969‬وأذكر أن جلنة املناقشة كانت تتكون من الدكت� � ��ور مصطفى لبيب ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬وطبعها في‬
‫أستاذتي الدكتورة سهير القلماوي بوصفها مشرفاً‪ ،‬دار نشر كان ميلكها‪ .‬واحلق أن هذه املسيرة العلمية‬
‫وأس� � ��تاذي الدكتور عبداحلمي� � ��د يونس ‪ -‬رحمه الله في اجلامعة كانت مسيرة علمية خالصة‪ .‬ولم أندمج‬

‫‪22‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 18-23.indd 22‬‬ ‫‪7/24/16 8:17:26 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫املعجزة األولى فكانت إعادة بناء‬ ‫في احلي� � ��اة الثقافي� � ��ة العامة إال‬
‫اجليش الذي بدأ يخوض معارك‬ ‫بالق� � ��در القليل ال� � ��ذي كان يتيحه‬
‫االستنزاف البطولية التي كانت‬ ‫الفراغ ما ب� �ي��ن أوقات العمل في‬
‫بداي� � ��ة حل� � ��رب أكتوب� � ��ر ‪.1973‬‬ ‫الرسالة‪ .‬ولذلك شغلني العمل في‬
‫وكانت املعجزة الثانية استكمال‬ ‫أطروحتي املاجس� � ��تير والدكتوراه‬
‫بن� � ��اء الس� � ��د العال� � ��ي‪ .‬والأزال‬ ‫عن قراءة كل ما كنت أود أن أقرأه‬
‫أتذكر اخلطاب الرسمي األخير‬ ‫في ذلك الوق� � ��ت‪ ،‬فقد كنت أريد‬
‫لعبدالناص� � ��ر‪ ،‬الذي كان أش� � ��به‬ ‫أن «أتدكتر» بأس� � ��رع وقت‪ .‬وكان‬
‫بخط� � ��اب الوداع‪ .‬ول� � ��م أندهش‬ ‫زميلي حسن توفيق – رحمه الله‬
‫عندما أعلن عبدالناصر في آخر‬ ‫‪ -‬يح� � ��اول أن يجذبني إلى احلياة‬
‫خطاباته في جامعة القاهرة عن‬ ‫األدبية ويصحبني معه إلى بعض‬
‫ضرورة إعادة التفكير في البنية‬ ‫حسني‬ ‫طه‬ ‫د‪.‬‬ ‫الندوات عندما كان وقتي يتس� � ��ع‬
‫لذلك‪ .‬وال أنسى أنني ذهبت معه حلضور مسرحية السياس� � ��ية للدولة‪ ،‬وعن ضرورة التفكير في صيغة‬
‫«مأس� � ��اة احلالج» بعد أن أكم� � ��ل صالح عبدالصبور التعددية السياسية بدل الصيغة األحادية التي كان‬
‫نصفه� � ��ا األول‪ ،‬وكان ذلك ونح� � ��ن في مرحلة الطلبة ميثلها االحتاد االش� � ��تراكي‪ .‬ولك� � ��ن القدر لم ميهل‬
‫ل� � ��م نتخرج بعد‪ .‬وإن لم تخني الذاكرة فقد كان هذا عبدالناص� � ��ر ليحق� � ��ق مع الش� � ��عب أحالمه‪ ،‬فمات‬
‫ع� � ��ام ‪ ،1964‬وذلك في يوم من أي� � ��ام عمري الذي ال وهو في ذروة انش� � ��غاله بإعادة البناء‪ ،‬فلم يس� � ��تطع‬
‫أظن أنه ميكن أن يتكرر عند ش� � ��اب من شباب هذه أن يحق� � ��ق أحالمه وأحالمنا‪ ،‬وكان عمره عند موته‬
‫األي� � ��ام الذين يطلب� � ��ون العلم محاصري� � ��ن باإلرهاب اثنني وخمس� �ي��ن عاماً فحسب‪ ،‬فقد ولد سنة ‪1918‬‬
‫الديني وبالقمع السياس� � ��ي على الس� � ��واء‪ .‬وتفصيل قبل عام واحد من قيام ثورة ‪ 1919‬ومات سنة ‪،1970‬‬
‫ذلك موجود في مقال بعنوان‪« :‬يوم من عمري» سبق بعد أن ف� � ��رغ من جتهيز اجليش ملعرك� � ��ة التحرير‪،‬‬
‫أن نشرته في اجلزء األول من مذكراتي التي أطلقت ووضع مع قادته العس� � ��كريني خطة التحرير وعبور‬
‫القناة «صقر»‪ ،‬وبعد إعالن وفاة عبدالناصر بيوم‪،‬‬ ‫عليها عنوان‪« :‬زمن جميل مضى»‪.‬‬
‫ول� � ��م أكن قد فرغ� � ��ت من أطروح� � ��ة الدكتوراه ذهب� � ��ت في الصباح لالش� � ��تراك ف� � ��ي اجلنازة‪ ،‬ولم‬
‫بع� � ��د‪ ،‬حتى صدمتنا هزمية يوني� � ��و ‪ 1967‬التي كان يفاجئن� � ��ي أن مصر كلها قد خرجت لوداعه‪ .‬وكانت‬
‫له� � ��ا أعمق وأس� � ��وأ األث� � ��ر على وعينا‪ ،‬فق� � ��د أفقنا أصوات املاليني احملتشدة في الطرقات تردد هتاف‬
‫م� � ��ن أوهامنا‪ ،‬واكتش� � ��فنا اخللل ال� � ��ذي تنبني عليه الوداع احلزين‪« :‬الوداع يا جمال يا حبيب املاليني»‪،‬‬
‫الدولة والفس� � ��اد ال� � ��ذي كان ينخر ف� � ��ي جذورها‪ ،‬وظل هذا الهتاف يتردد مع مسيرة املاليني الباكية‬
‫ففقدنا الثقة بكل ش� � ��يء‪ ،‬وتقوقعت على نفس� � ��ي‪ ،‬التي غفرت لعبدالناصر أخطاءه‪ ،‬ولم تعد تذكر إال‬
‫مدعي � � �اً التفرغ للعمل في أطروح� � ��ة الدكتوراه‪ ،‬كي إجنازاته اإليجابية العظيمة‪.‬‬
‫وفى اليوم التالي أعلن عن تولي أنور السادات‬ ‫أهرب من وطأة احلاضر وقس� � ��وته‪ .‬ولكن لم يفتني‬
‫أن أملح تراخي قبضة القمع البوليس� � ��ي‪ ،‬والس� � ��ماح رئاس� � ��ة اجلمهورية‪ .‬وذهب الس� � ��ادات إلى مجلس‬
‫للمهزومني أن يخرجوا ما في صدورهم من غضب الش� � ��عب ليؤدي القسم الدس� � ��توري‪ ،‬ويلقي خطابه‬
‫وسخط‪ .‬وقد الحظت أن عبدالناصر قد استوعب األول الذي أعل� � ��ن فيه لنواب الش� � ��عب أنه جاءهم‬
‫درس الهزمي� � ��ة‪ ،‬وبدأ في إع� � ��ادة بناء الدولة‪ ،‬حتت ليعلن بأنه سيكمل مسيرته على خطى عبدالناصر‪.‬‬
‫ش� � ��عار‪« :‬يد تبني ويد حتمل السالح»‪ ،‬وكانت الءات وال أنس� � ��ى مش� � ��هد دخوله إلى املجلس حني توقف‬
‫قمة اخلرطوم الث� �ل��اث‪ ،‬تعبيراً عن عزمه اجلديد‪ .‬أمام متثال نصف� � ��ي لعبدالناصر وانحنى أمامه في‬
‫واحل� � ��ق أنني ش� � ��عرت بالتعاطف معه بع� � ��د إدانتي خش� � ��وع‪ ،‬في مشهد ميلودرامي ال يزال محفورا في‬
‫له‪ ،‬وهو يحقق ما يش� � ��به أن يك� � ��ون معجزتني‪ .‬أما ذاكرتي إلى اليوم >‬

‫‪23‬‬
‫ذكري ــات‬

‫‪aug 18-23.indd 23‬‬ ‫‪7/24/16 8:17:28 AM‬‬


‫فكـر‬

‫الجديد في بنية الدولة السعودية‬


‫األمني العام ملجلس التعاون‬
‫لدول اخلليج العربية األسبق‬
‫عبد اهلل بشارة‬

‫عش���ت في الرياض ‪ 12‬س���نة كأمين عام لمجلس التعاون لدول الخليج‬


‫العربية‪ ،‬تابعت فيها مس���ار الدبلوماس���ية السعودية‪ ،‬وقبلها كنت في‬
‫األمم المتحدة س���فيراً لدولة الكويت لدى المنظمة الدولية‪ ،‬األمر الذي‬
‫أتاح لي الوقوف على محتويات هذه الدبلوماسية‪ ،‬ونحن اآلن في مرحلة‬
‫مختلفة‪ ،‬نتابع فيها الجديد الذي دخل تلك المحتويات التي عرفتها في‬
‫لجان األمم المتحدة وفي اجتماعات مجلس األمن والجمعية العامة‪.‬‬

‫ش� � ��عبه ومع زواره‪ ،‬س� � ��خياً معه� � ��م وحريصاً على‬ ‫هن� � ��اك عناصر مس� � ��تجدة دخل� � ��ت املضمون‬
‫راحتهم‪ ،‬وبقدر ما كان متفانياً في حماية وطنه‪،‬‬ ‫املعروف لسياس� � ��ة اململك� � ��ة العربية الس� � ��عودية‬
‫كان شرس � � �اً م� � ��ع خصومه الذين س� � ��عوا لتوطئة‬ ‫اخلارجية‪ ،‬الذي وضع أساس� � ��ه امللك عبدالعزيز‬
‫أقدامهم على تراب اململكة أو احتالل جزء منها‬ ‫آل س� � ��عود‪ ،‬مؤس� � ��س الدولة الس� � ��عودية الثالثة‪،‬‬
‫أو مس املبادئ التي تلتزم بها‪.‬‬ ‫والذي التزم به امللوك الالحقون من أبنائه‪ ،‬وهذا‬
‫والتزم األبناء بهذه التركة‪ ،‬وتبنوا الدبلوماسية‬ ‫املضمون ه� � ��و مبادئ آمن بها املل� � ��ك عبدالعزيز‬
‫الذكية ‪ Smart Diplomacy‬موظفني املسارات نفسها‬ ‫ورس� � ��خها األبناء في ما بعد‪ ،‬وه� � ��ي مرآة لواقع‬
‫في الترحيب الصافي والس� � ��خاء الواقي والدفء‬ ‫اململكة تعكس هويتها‪ ،‬وتبرز مسؤولياتها وحتدد‬
‫املريح‪ ،‬متبنني األس� � ��لوب نفس� � ��ه عند الشدة في‬ ‫غيرته� � ��ا عل� � ��ى تربته� � ��ا وإصرارها عل� � ��ى حماية‬
‫نهج أسود مدافعني عن العرين املقدس بشجاعة‬ ‫س� � ��يادتها وحدوده� � ��ا‪ ،‬م� � ��ع ما يتواف� � ��ر من حس‬
‫سجلها التاريخ وش� � ��دة مقاومة أثارت اإلعجاب‪،‬‬ ‫مرتفع باملس� � ��ؤولية الدينية التي تتحملها اململكة‬
‫مع عزم ال يلني وإصرار ال يضعف‪ ،‬وهي الصفات‬ ‫في حتقيق تس� � ��هيالت لراح� � ��ة احلجاج وحلماية‬
‫التي توارثوها منذ والدة الدولة السعودية األولى‬ ‫األماكن اإلسالمية املقدسة‪.‬‬
‫في منتصف القرن الثامن عشر‪.‬‬ ‫ويس� � ��جل التاري� � ��خ أن املل� � ��وك الذي� � ��ن تولوا‬
‫ويسجل التاريخ مقاومة امللك سعود ثم أخيه‬ ‫املس� � ��ؤولية بعد وفاة املؤس� � ��س امللك عبدالعزيز‬
‫فيصل محاوالت الثورة املصرية في اخلمسينيات‬ ‫صانوا هذه األمانة وأحاطوها برعاية لها أولوية‬
‫والس� � ��تينيات من القرن املاضي لتقويض أعمدة‬ ‫على ما عداها‪ ،‬كما أرس� � ��وا نهجاً استراتيجياً ال‬
‫االس� � ��تقرار الس� � ��عودي‪ ،‬كما أبرز شجاعتهم في‬ ‫مجال للتغيير أو التبديل فيه‪.‬‬
‫احلفاظ على سالمة اململكة ووحدة ترابها‪.‬‬ ‫ال في تعامله مع أبناء‬ ‫كان امللك املؤس� � ��س نبي ً‬

‫‪24‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 24-28.indd 24‬‬ ‫‪7/24/16 8:17:57 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫وعندما تطلق اململكة ش� � ��عار عاصفة احلزم‬ ‫كما س� � ��جل التاري� � ��خ أيضاً الفزع� � ��ة الوطنية‬
‫والع� � ��زم‪ ،‬فإن ه� � ��ذه الكلمات تترج� � ��م ما جاء في‬ ‫لتحري� � ��ر الكوي� � ��ت من الغزو العراق� � ��ي عام ‪1990‬‬
‫خطاب امللك سلمان بن عبدالعزيز عندما التقى‬ ‫وم� � ��ا صاحبها من تغيير في آليات الدبلوماس� � ��ية‬
‫ضيوف مهرجان اجلنادرية وذلك يوم األحد السابع‬ ‫الناعم� � ��ة الهادئ� � ��ة وتطويرها إلى الدبلوماس� � ��ية‬
‫من فبراير ‪ ،2016‬مؤك� � ��داً املبادئ املتوارثة قائ ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫الفاعلة ‪.Effective Diplomacy‬‬
‫«ال يوجد في اململكة العربية الس� � ��عودية نزاعات‪،‬‬ ‫كنت في الرياض آنذاك بصفتي األمني العام‬
‫وال يوجد فيها إضراب وال ما يثير األمن‪ ،‬وأقولها‬ ‫ملجلس التعاون‪ ،‬وشاهدت أبناء امللك عبدالعزيز‬
‫وأكررها‪ ،‬ملوكنا من املل� � ��ك عبدالعزيز إلى امللك‬ ‫وقد حتولوا إلى منور من النوع الذي ال يهدأ حتى‬
‫عبدالله رحمهم الله‪ ،‬وأنا أحتمل املس� � ��ؤولية‪ ،‬إن‬ ‫الوصول إلى هدف� � ��ه‪ ،‬فقد أيقنوا بأن أمن بلدهم‬
‫أمن بالدكم ب� �ل��اد احلرمني أمن لكم أنتم‪ ،‬احلاج‬ ‫يتعرض للتحدي وحان الوقت لالستبدال بقنوات‬
‫واملعتمر والزائر يجيئها آمناً‪ ،‬لذلك تش� � ��رفت أن‬ ‫الدبلوماسية الناعمة آليات املواجهة والذود عن‬
‫يس� � ��مى ملكنا بخادم احلرمني الش� � ��ريفني وهذه‬ ‫قدسية الوطن ونبل الشرف والضمير‪.‬‬
‫مسؤولية وشرف لنا»‪.‬‬ ‫كم� � ��ا الحظت من متابعتي أن املرونة هي ركن‬
‫ويضيف امللك س� � ��لمان مجدداً االلتزام بأمن‬ ‫من أركان الدبلوماسية السعودية‪ ،‬ال تقبل اجلمود‬
‫ال «إن اململكة تدافع عن بالد املسلمني‬ ‫البلد‪ ،‬قائ ً‬ ‫وال التحجر‪ ،‬طاملا إنها ال متس اجلوهر‪.‬‬
‫ومن حقها أن تدافع عن نفس� � ��ها دون تدخل في‬ ‫ولم يتردد امللك س� � ��لمان ب� � ��ن عبدالعزيز في‬
‫شؤون اآلخرين‪ ،‬وندعو اآلخرين إلى عدم التدخل‬ ‫إطالق حملة الهيبة ودعم الش� � ��رعية اليمنية بعد‬
‫في شؤوننا وهي بالد العرب واملسلمني»‪.‬‬ ‫التمرد عليه� � ��ا‪ ،‬وخصوصاً بع� � ��د احتالل صنعاء‬
‫وقد جاءت كلمات امللك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫واعتق� � ��ال املتمردين للقيادة الش� � ��رعية‪ ،‬وبعد أن‬
‫بع� � ��د أن أعلن� � ��ت اململك� � ��ة العربي� � ��ة الس� � ��عودية‬ ‫ش� � ��عرت اململكة ب� � ��أن أمنها يتع� � ��رض للزعزعة‪،‬‬
‫اس� � ��تعدادها إلرس� � ��ال قوات برية ملكافحة تنظيم‬ ‫وأن هن� � ��اك أصابع إقليمية مس� � ��تترة وراء التمرد‬
‫داعش في سورية‪ ،‬وس� � ��ط ترحيب من االئتالف‬ ‫الطامح إلى إقامة نظام يشكل تهديداً ألمن دول‬
‫العامل� � ��ي حملارب� � ��ة اإلره� � ��اب‪ ،‬ونالح� � ��ظ هنا أن‬ ‫مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬وبالذات ألمن اململكة‪،‬‬
‫املش� � ��اركة في س� � ��ورية حملاربة داعش ستكون إذا‬ ‫واستجابت بعض دول املجلس إلمالءات الواجب‬
‫ما مت إجنازها في إطار توافق جماعي‪ ،‬وليس� � ��ت‬ ‫ف� � ��ي حماية الترب� � ��ة اخلليجية‪ ،‬وش� � ��اركت ضمن‬
‫مبادرة فردية مستقلة‪.‬‬ ‫ائتالف التحالف اخلليجي في مواجهة املتمردين‬
‫وليس� � ��ت هذه املرة األولى التي ترس� � ��ل فيها‬ ‫وشركائهم وداعميهم‪.‬‬
‫اململكة قوات س� � ��عودية تدافع عن اس� � ��تراتيجية‬ ‫ً‬
‫ولم يكن قلق اململكة محصورا في الوضع في‬
‫أمنية له� � ��ا عالقة بأمن اململكة‪ ،‬فقد اس� � ��تقبلت‬ ‫اليمن‪ ،‬وإمنا كان الوضع في سورية يثير مخاوفها‬
‫الكويت قوة س� � ��عودية كبيرة عام ‪ 1961‬للدفاع عن‬ ‫ويزيد قلقها‪ ،‬بعد أن متادى النظام الس� � ��وري في‬
‫اس� � ��تقاللها‪ ،‬بعد أن حاول رئي� � ��س وزراء العراق‬ ‫حتديه إلرادة التغيير وس� � ��خَّ ر قواته للقضاء على‬
‫آنذاك عبدالكرمي قاس� � ��م ضم الكوي� � ��ت بالقوة‪،‬‬ ‫املعارضة التي رفضت استمرار االستبداد وعملت‬
‫كما أرس� � ��لت قوات إلى األردن وسورية وشاركت‬ ‫لتأكيد حق التغيير وفق إرادة ش� � ��عبية حرة‪ ،‬تؤمن‬
‫في قوات حفظ الس� �ل��ام املنبثق� � ��ة عن اجلامعة‬ ‫بآدمي� � ��ة اإلنس� � ��ان وكرامته ودس� � ��تور منفتح على‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اجلميع في إطار دميقراطي مستنير‪.‬‬
‫كما نالحظ أيضاً تطور دبلوماس� � ��ية اململكة‬ ‫وتبنت اململكة معارضة النظام الس� � ��وري ومن‬
‫التي انفتحت على الهيئات واملؤسس� � ��ات الدولية‪،‬‬ ‫يقف معه من حلفاء إقليميني ودوليني معروفني‪،‬‬
‫وحتولت من مراقب هادئ إلى عضو فاعل ومؤثر‬ ‫وهو النظام املفروض بالقوة على رقاب الش� � ��عب‬
‫يشارك في الترشيح ويترأس االجتماعات ويسعى‬ ‫السوري‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫اجلديد في بنية الدولة السعودية‬

‫‪aug 24-28.indd 25‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:00 AM‬‬


‫ثاني � � �اً‪ :‬االلت� � ��زام بعروب� � ��ة الدول� � ��ة الوطنية‬ ‫لعضوية اللجان وفرق العمل‪.‬‬
‫الس� � ��عودية باعتبار اجلزيرة العربية أرض العرب‬ ‫خ� �ل��ال عملي ف� � ��ي نيويورك ف� � ��ي الفترة من‬
‫التي احتضنت قبائلهم في س� � ��ابق األزمان‪ ،‬وهي‬ ‫‪ ،1981 - 1971‬كان وفد اململكة في األمم املتحدة‬
‫املوق� � ��ع ال� � ��ذي انطلقت من� � ��ه ه� � ��ذه القبائل نحو‬ ‫يشارك في املداخالت سواء في مجلس األمن أو‬
‫البحر املتوس� � ��ط ومص� � ��ر وش� � ��مال إفريقيا‪ ،‬في‬ ‫اللجان املتخصصة‪ ،‬لكنه لم يس� � ��ع للعضوية في‬
‫ممارسة التجارة والهجرة نحو األفضل قبل بزوغ‬ ‫مختل� � ��ف اللجان والهيئات مب� � ��ا في ذلك مجلس‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫األمن‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬واقع اململكة كمهبط الرسالة احملمدية‬ ‫ف� � ��ي ع� � ��ام ‪ 2013‬ترش� � ��حت اململك� � ��ة العربية‬
‫ومنبع اإلسالم وحضن الدعوة التي حملها النبي‬ ‫الس� � ��عودية ألول مرة لعضوي� � ��ة مجلس األمن عن‬
‫محمد ‪ ،‬ومنها انطلقت تلك الدعوة إلى خارج‬ ‫مقعد من املقعدين املخصصني لقارة آسيا‪ ،‬على‬
‫اجلزيرة نحو إفريقيا وآسيا وجنوب أوربا‪ ،‬وفيها‬ ‫الرغم من أن اململكة عضو مؤس� � ��س في املنظمة‬
‫الكعبة املشرفة واملس� � ��جد احلرام‪ ،‬في مكة ولد‬ ‫الدولية‪ ،‬ورحبت ال� � ��دول األعضاء بذلك تقديراً‬
‫الرس� � ��ول ‪ ،‬وفيها املس� � ��جد النبوي في املدينة‬ ‫ملواقف اململكة السياسية واالقتصادية ومكانتها‬
‫املن� � ��ورة‪ ،‬حيث يرقد الرس� � ��ول  م� � ��ع اخلليفة‬ ‫اإلس� �ل��امية‪ ،‬لكنها رغم االرتياح بفوزها باملقعد‪،‬‬
‫أبوبكر واخلليفة عمر‪.‬‬ ‫فإن قيادة اململكة رأت أن مجلس األمن ال ينهض‬
‫ه� � ��ذه احلقائ� � ��ق‪ ،‬مهبط الوح� � ��ي وموقع بيت‬ ‫مبس� � ��ؤولياته الدولية في حفظ األمن والس� �ل��ام‬
‫الله احل� � ��رام‪ ،‬ومرقد الرس� � ��ول  في املدينة‪،‬‬ ‫العامليني‪ ،‬فاعتذرت عن أخذ املقعد وحل األردن‬
‫ترسم خطوط الدبلوماسية السعودية‪ ،‬في حمل‬ ‫مكانها وش� � ��غل املقعد لعامي ‪ 2014‬و‪ ،2015‬ورغم‬
‫مسؤولية حماية األماكن املقدسة‪.‬‬ ‫ذلك فق� � ��د تعاونت اململك� � ��ة ومجلس األمن حول‬
‫فاملل� � ��ك فيها ه� � ��و خادم احلرم� �ي��ن احملافظ‬ ‫قضيتني تش� � ��غالنها وتش� � ��غالن أيض � � �اً اآلخرين‪،‬‬
‫على س� �ل��امتهما‪ ،‬واملؤمن الوصول إليهما جلميع‬ ‫هما اليمن وس� � ��ورية‪ ،‬وس� � ��هلت املهمة للمبعوثني‬
‫املس� � ��لمني‪ ،‬س� � ��واء في فترة احلج أو في فترات‬ ‫السيما في حالة اليمن‪ ،‬حيث يتردد ممثل األمني‬
‫أخرى ألداء العمرة‪.‬‬ ‫العام لألمم املتح� � ��دة على الرياض لالجتماع مع‬
‫رابعاً‪ :‬اململكة عضو مؤسس للجامعة العربية‬ ‫الش� � ��رعية اليمنية ومع القيادة الس� � ��عودية‪ ،‬كما‬
‫وأيضاً عضو مؤسس في األمم املتحدة‪ ،‬وتشارك‬ ‫أن اململك� � ��ة ترع� � ��ى املعارضة الس� � ��ورية املعتدلة‬
‫في اتفاقيات عربية ودولية وتلتزم مبادئ امليثاق‬ ‫وتس� � ��تضيف اجتماعاتها وتقدم له� � ��ا اخلدمات‬
‫الذي يجسدها‪ ،‬س� � ��واء ميثاق اجلامعة أو األمم‬ ‫اللوجستية وتدعمها سياسياً‪.‬‬
‫املتح� � ��دة‪ ،‬وتتص� � ��رف بامتثال لقواع� � ��ده وتراعي‬ ‫هل ميكن القول إن املك سلمان بن عبدالعزيز‬
‫في س� � ��لوكها الضواب� � ��ط التي تلتزم بها األس� � ��رة‬ ‫اتخذ قرارات تعدت اإلطار الذي انحصرت فيه‬
‫العاملية‪.‬‬ ‫مواق� � ��ف اململك� � ��ة؟ ولإلجابة عن ذل� � ��ك البد من‬
‫خامس � � �اً‪ :‬واقع اململكة كعض� � ��و في مجموعة‬ ‫حتديد املبادئ التي تش� � ��كل جوهر الدبلوماسية‬
‫العش� � ��رين الت� � ��ي تتمي� � ��ز بقدرته� � ��ا االقتصادية‪،‬‬ ‫السعودية‪:‬‬
‫واملالية‪ ،‬ومتاهي السياس� � ��ة اخلارجية السعودية‬ ‫أوال‪ :‬احلفاظ على الدولة الوطنية السعودية‬
‫مع هذه احلقيقة التي أخذت في االتساع بإضافة‬ ‫بحدوده� � ��ا املعروف� � ��ة من� � ��ذ ع� � ��ام ‪ ،1932‬ووقاية‬
‫اهتمامات أخرى للمملكة تزيد من مس� � ��ؤولياتها‬ ‫هذه احل� � ��دود‪ ،‬وتأم� �ي��ن حرية ش� � ��عبها وحماية‬
‫العاملية‪.‬‬ ‫س� � ��يادتها وتقاليدها وأعرافها‪ ،‬وباختصار مهمة‬
‫ال ج� � ��دال في أن سياس� � ��ة اململكة اخلارجية‬ ‫الدبلوماس� � ��ية السعودية هي س� �ل��امة اجلغرافيا‬
‫ه� � ��ي تعبير عن تداخل مصال� � ��ح الدولة الوطنية‪،‬‬ ‫السياس� � ��ية واالجتماعي� � ��ة والس� � ��يادية للمملكة‬
‫مع الرابطة العربية في حضن اإلس� �ل��ام‪ ،‬يضاف‬ ‫الدينية‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 24-28.indd 26‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:05 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫خط������وات غير مألوف������ة في س������عيها للتناغم مع‬ ‫إل� � ��ى ذلك واقعها السياس� � ��ي واالقتصادي املميز‬
‫املستجدات السياس������ية واالقتصادية املعاصرة‪،‬‬ ‫إقليمياً وعاملياً‪.‬‬
‫فمع ارتفاع أس������عار النفط وزيادة الدخل‪ ،‬صار‬ ‫ويعن� � ��ي ذل� � ��ك أن اململكة تتحم� � ��ل أعباء عن‬
‫موقع اململكة السياس������ي واالقتص������ادي مختلفاً‬ ‫مسؤوليات اآلخرين‪ ،‬فصوتها السياسي ال يتأخر‬
‫عما كان عليه س������ابقاً‪ ،‬فاملتانة املالية والعقالنية‬ ‫في ال� � ��ذود عن الوطن واالس� � ��تعداد له‪ ،‬وواقعها‬
‫السياس������ية املعتدلة‪ ،‬وضعت������ا اململكة في قائمة‬ ‫العرب� � ��ي ال يت� � ��ردد في تبن� � ��ي القضاي� � ��ا العربية‬
‫النخب السياس������ية واالقتصادي������ة في مجموعة‬ ‫بكل أشكالها‪ ،‬وتتصدر مس� � ��ؤولياتها اإلسالمية‬
‫العش������رين‪ ،‬التي تتكون من ال������دول ذات األهلية‬ ‫األولوي� � ��ات ف� � ��ي ترس� � ��يخ التع� � ��اون ب� �ي��ن الدول‬
‫املالية املس������اهمة في استقرار االقتصاد العاملي‬ ‫اإلس� �ل��امية‪ ،‬وتأمني ترابطها وإخراجها بصوت‬
‫وازدهاره‪ ،‬وترت������ب على ذلك مس������اران مهمان‪،‬‬ ‫موحد يضمن لها القوة على مسرح األحداث‪.‬‬
‫األول هو املس������اهمة املالية الكبيرة التي تقدمها‬ ‫ل� � ��ذا س� � ��عت اململكة بق� � ��وة إلنش� � ��اء منظمة‬
‫اململك������ة إل������ى االقتص������اد العامل������ي‪ ،‬س������واء عبر‬ ‫املؤمتر اإلس� �ل��امي‪ ،‬ورشحت مدينة «جدة» كمقر‬
‫املؤسس������ات العاملية وصناديق النقد املنتشرة أو‬ ‫لها‪ ،‬وعززت مكانتها وس� � ��اهمت في اتساع نفوذ‬
‫الدعم املباشر أو عبر صندوق التنمية السعودي‬ ‫املنظم� � ��ة في إطار الدول اإلس� �ل��امية وخارجها‪،‬‬
‫أو باألسلوب الثنائي‪.‬‬ ‫وعززت مكانة البنك اإلسالمي للتنمية‪ ،‬متبرعة‬
‫ويتسم املسار الثاني بضرورة إسهام مجموعة‬ ‫مببلغ مليار دوالر إسهاماً منها في عالج مشاكل‬
‫دول اخللي� � ��ج‪ ،‬الت� � ��ي وج� � ��دت نفس� � ��ها في وضع‬ ‫الفقر في الدول اإلسالمية‪.‬‬
‫متماثل‪ ،‬في التنمي� � ��ة العاملية‪ ،‬وفي االعتدال في‬ ‫كما تنهض السياس� � ��ة اخلارجية الس� � ��عودية‬
‫دبلوماسية النفط‪.‬‬ ‫بأعباء ترابط واقع اململكة مع مجموعة العشرين‪،‬‬
‫وج� � ��اءت فكرة قيام مجلس التعاون اخلليجي‬ ‫وما يعن� � ��ي ذلك م� � ��ن حتملها واجب� � ��ات إضافية‬
‫من الش� � ��عور الع� � ��ام بضرورة التكات� � ��ف والتكامل‬ ‫سياس� � ��ية واقتصادي� � ��ة وأخالقية‪ ،‬ف� � ��ي احلفاظ‬
‫واتخاذ موقف موحد في السياس� � ��ة االقتصادية‬ ‫على االستقرار املالي العاملي‪ ،‬وااللتزام بسياسة‬
‫وفي تأمني االس� � ��تقرار الداخلي وحماية السيادة‬ ‫نفطي� � ��ة معتدلة توازن بني ح� � ��ق املنتجني وحقوق‬
‫لدول اخلليج‪.‬‬ ‫املستهلكني دون اضطراب يهز استقرار االقتصاد‬
‫وجنحت مس� � ��اعي اخلليج في إقامة مجلس‬ ‫العاملي‪ ،‬ورس� � ��خت حق املب� � ��ادرة في زيادة اإلنتاج‬
‫التعاون عام ‪ ،1981‬وتكاثفت اجتماعاته وتعاظمت‬ ‫عند الضرورة‪ ،‬متبعة نهجاً مس� � ��ؤوالً وموثوقاً به‬
‫مسؤولياته وبرز كهيئة خليجية يثمن العالم دورها‬ ‫في دبلوماسية النفط ‪.Oil Diplomacy‬‬
‫السياس� � ��ي واالقتصادي والنفط� � ��ي ويثمن حكمة‬ ‫وانسجاماً مع هذه الالئحة من األسس التي‬
‫قياداتها في إدارة شؤونهم‪.‬‬ ‫تقوم عليها السياس� � ��ة السعودية اخلارجية‪ ،‬فقد‬
‫وسارت اململكة في تعاملها مع مجلس التعاون‬ ‫رسم املسؤولون الس� � ��عوديون نهجاً واضحاً يعبر‬
‫باألسلوب التاريخي املعروف باحلذر من الظهور‬ ‫عن واقع اململكة ويؤدي إلى احلفاظ على صالبة‬
‫بدور القائد في وعي كامل ملخاطر احلساسيات‪،‬‬ ‫الدول� � ��ة ووحدته� � ��ا وس� �ل��امة أرضها في ش� � ��كل‬
‫مع بروز دورها الريادي عند األزمات‪ ،‬كما برز مع‬ ‫مسارات استراتيجية‪.‬‬
‫الغ� � ��زو العراقي لدولة الكويت‪ ،‬كما حرصت على‬ ‫وميكن لنا أن نلقي الضوء على هذا اجلديد‬
‫أن يظل اهتمام مجلس التعاون بالشأن اخلليجي‬ ‫الذي وجد في بنية الدولة السعودية التي أسسها‬
‫تاركاً العمل العربي للجامعة العربية‪ ،‬حرصاً من‬ ‫امللك عبدالعزيز‪.‬‬
‫اململكة على وحدة العمل العربي املش� � ��ترك دون‬ ‫كما أش������رت في مطل������ع املقال‪ ،‬ف������إن قيادة‬
‫انكفاءات‪.‬‬ ‫اململك������ة من������ذ تولي امللك فه������د ‪ -‬خامس ملوك‬
‫وبع� � ��د وفاة امللك فهد بن عبدالعزيز عام ‪،2005‬‬ ‫اململكة ‪ -‬مس������ؤولية احلكم ع������ام ‪ ،1982‬اتخذت‬

‫‪27‬‬
‫اجلديد في بنية الدولة السعودية‬

‫‪aug 24-28.indd 27‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:09 AM‬‬


‫الس� � ��لطة‪ ،‬اس� � ��تمرت الديناميكية التي أشعل فتيلها‬ ‫جاء امللك عبدالله بن عبدالعزيز مبقترحات تعظيم‬
‫املل� � ��ك عبدالله‪ ،‬متمثلة في قرار مقاومة التهديدات‬ ‫الدور الس� � ��عودي في القضاي� � ��ا العربية واإلقليمية‪،‬‬
‫الت� � ��ي يتعرض لها أمن اململكة‪ ،‬س� � ��واء في اليمن أو‬ ‫وتأكيد اإلس� � ��هام السعودي في احملفل العاملي‪ ،‬فقد‬
‫من إس� � ��قاطات الوضع في كل من سورية والعراق‪،‬‬ ‫طرحت اململكة ومببادرة منه‪ ،‬عندما كان ولياً للعهد‪،‬‬
‫مع التصدي ملس� � ��اعي زعزعة استقرار دول اخلليج‬ ‫ما يسمى املبادرة العربية حلل القضية الفلسطينية‪،‬‬
‫والدفع بها نحو الصراع الطائفي‪.‬‬ ‫باالعتراف بإس� � ��رائيل في حدود عام ‪ ،1967‬وإقامة‬
‫واس� � ��تمرت اململكة في ممارس� � ��ة الدبلوماسية‬ ‫الدول� � ��ة الفلس� � ��طينية‪ ،‬وخرجت قمة بي� � ��روت عام‬
‫الفاعل� � ��ة متمثلة في اخلطوة غير املألوفة في تاريخ‬ ‫‪ 2002‬باملصادقة عليها كمبادرة عربية س� � ��جلت في‬
‫اململك� � ��ة‪ ،‬املعب� � ��رة عن املرون� � ��ة الدبلوماس� � ��ية‪ ،‬عبر‬ ‫األمم املتح� � ��دة‪ ،‬ث� � ��م أكدتها املجموعة اإلس� �ل��امية‬
‫مشاركة ولي ولي العهد األمير محمد بن سلمان في‬ ‫وصارت الصيغة التي تنال اإلجماع عربياً وإسالمياً‬
‫اجتماعات حلف الناتو في بروكس� � ��ل يومي العاشر‬ ‫وعاملياً‪.‬‬
‫واحلادي عش� � ��ر م� � ��ن فبراير ‪ ،2016‬لبح� � ��ث إمكان‬ ‫كما ساند امللك عبدالله اجلهد الدولي ملقاومة‬
‫مشاركة اململكة ضمن قوات التحالف الدولي البرية‬ ‫اإلره� � ��اب‪ ،‬ودفع باململكة لتتولى الس� � ��بق في إقامة‬
‫حملاربة تنظيم «داعش» والقضاء عليه‪.‬‬ ‫مركز محاربة اإلرهاب العاملي في الرياض مع تبرع‬
‫ومن هذا االس� � ��تعراض‪ ،‬نتوصل إلى أن اململكة‬ ‫مببلغ مائة مليون دوالر لتسهيل انطالقه‪.‬‬
‫العربية الس� � ��عودية متل� � ��ك خبرة واس� � ��عة في إدارة‬ ‫وتوج� � ��ه املل� � ��ك عبدالل� � ��ه نحو احل� � ��وارات بني‬
‫األزم� � ��ات جمعته� � ��ا م� � ��ن تاريخ ممت� � ��د لثالثة قرون‬ ‫احلض� � ��ارات ف� � ��ي إمي� � ��ان بضرورتها ب� �ي��ن األديان‬
‫تعرض� � ��ت فيه� � ��ا الدولة الس� � ��عودية إلى أن� � ��واع من‬ ‫والثقاف� � ��ات وإميان � � �اً منه بدورها ف� � ��ي التقارب بني‬
‫املؤام� � ��رات لتقوي� � ��ض نظامها‪ ،‬وانبثق� � ��ت من قدرة‬ ‫الشعوب‪ ،‬وغرس مشاعر األلفة بينها‪ ،‬وتبنى إقامة‬
‫قيادته� � ��ا منذ قي� � ��ام الدولة الس� � ��عودية األولى على‬ ‫«مرك� � ��ز املل� � ��ك عبدالله للحوار بني أتب� � ��اع الديانات‬
‫مواجهة الصعاب بشجاعة مميزة وبحزم شديد مع‬ ‫والثقاف� � ��ات» في مدينة فيينا مع تبرع س� � ��خي لبدء‬
‫اس� � ��تعداد للتضحية ومواصلة املقاومة حتى التأكد‬ ‫ممارسة جوانب نشاطه‪.‬‬
‫من هزمية العدو وضمان االستقرار وسالمة الوطن‬ ‫ومما يلف� � ��ت النظر أن عهد امللك عبدالله متيز‬
‫وترسيخ أمنه وسيادته‪.‬‬ ‫بتوال� � ��ي املبادرات املتنوعة‪ ،‬س� � ��واء عل� � ��ى الصعيد‬
‫العربي في تنقية األجواء‪ ،‬أو على الس� � ��احة الدولية‬
‫اخلالصة‬ ‫في تكثيف وج� � ��ود اململكة‪ ،‬الس� � ��يما في املنظمات‬
‫إن أب� � ��رز اجلديد في بنية الدولة الس� � ��عودية‬ ‫السياس� � ��ية واملالي� � ��ة‪ ،‬وف� � ��ي هذا اإلطار ترش� � ��حت‬
‫هو نهج االس� � ��تباقية ‪ Preventive‬الذي نتابعه في‬ ‫اململكة ألول م� � ��رة لعضوية مجلس األمن إميانا من‬
‫عاصفة احلزم واحلس� � ��م ف� � ��ي اليمن وفي التزام‬ ‫املل� � ��ك عبدالله بإس� � ��هام اململكة في توجيه الش� � ��أن‬
‫اململكة باملشاركة في ائتالف القوة البرية للتحالف‬ ‫السياس� � ��ي العاملي نحو املبادئ التي جسدها ميثاق‬
‫الدولي حول س� � ��ورية‪ ،‬ومتثل واقعاً يس� � ��تند إلى‬ ‫األمم املتح� � ��دة بــدالً م� � ��ن احتكار الق� � ��وى الكبرى‬
‫تقدير ودراس� � ��ة ملخاطر البطء والتردد‪ ،‬وال شك‬ ‫للقرار ف� � ��ي مجلس األمن حماية ملصاحلها وتنفيذاً‬
‫ف� � ��ي أن هذا اجلديد ح ّمل اململك� � ��ة دوراً إقليمياً‬ ‫الستراتيجيتها‪.‬‬
‫بــارزاً مبا فيه من تبعات اس� � ��تراتيجية وسياسية‬ ‫واتخ� � ��ذ املل� � ��ك عبدالله‪ ،‬بعد جن� � ��اح اململكة في‬
‫واقتصادية‪ ،‬لكن ذل� � ��ك كله يصب في قرار امللك‬ ‫عضوية املجلس‪ ،‬قرار عدم املش� � ��اركة واالنسحاب‪،‬‬
‫س� � ��لمان حماية حقوق اإلنس� � ��ان واحترام آدميته‬ ‫ف� � ��ي خطوة غير مس� � ��بوقة‪ ،‬مدفوع � � �اً بقناعاته بأن‬
‫وترس� � ��يخ شرعيته في احلياة الكرمية اآلمنة في‬ ‫املجلس ل� � ��ن يحق� � ��ق التوقعات في ف� � ��رض العدالة‬
‫وطن� � ��ه‪ ،‬وفق املبادئ التي جس� � ��دتها وثائق األمم‬ ‫واالنتصار للمظلوم‪.‬‬
‫املتحدة وميثاقها >‬ ‫ومع تولي امللك س� � ��لمان ب� � ��ن عبدالعزيز مقاليد‬

‫‪28‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 24-28.indd 28‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:12 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬
‫فكر‬

‫الجهاد والتكفير وتجديد الخطاب الديني‪...‬‬


‫مفاهيم في ضوء العقل‬
‫جوهر اإلسالم االعتدال‬
‫رئيس سلك القضاء الكويتي السابق‬ ‫فيصل المرشد‬

‫إن الدع���وة إلى تجديد الخطاب الديني تقتض���ي التفكير العميق‪ ،‬غير‬
‫المتطرف وغير المتز ّمت‪ ،‬في ظل القول المأثور‪« :‬وما ضرّ األمة إال ترك‬
‫االعتدال»‪ ،‬وذلك من أجل توضيح بعض معاني «المفاهيم» ووضعها‬
‫في سياقها الفقهي السليم‪ ،‬وإنكار التفسير الخاطئ والمتطرف لها‪،‬‬
‫ومن هذه المفاهيم‪ :‬الجهاد والتكفير‪.‬‬

‫املهمة للدول واحلكومات التي حتتكر اس� � ��تخدام‬ ‫اجله������اد فريض������ة مظلومة م������ن أبنائها مثل‬
‫الق� � ��وة‪ .‬وال ينبغي عل� � ��ى كل مجموع� � ��ة أن تكون‬ ‫خصومه������ا‪ ،‬حيث اعتبروا القت������ال غاية في حد‬
‫ميليشيا ثم حتارب كما تشاء‪ ،‬وإال كانت الفوضى‬ ‫ذات������ه‪ ،‬بينما هو مجرد وس������يلة للدفاع عن بالد‬
‫حتى ولو أس� � ��اءت إليهم الدول� � ��ة‪ ،‬لكي ال ينفرط‬ ‫املس������لمني‪ .‬ففكرة اجلهاد من أجل اجلهاد فكرة‬
‫عق� � ��د املجتمع‪ ،‬أخ� � ��ذاً بالقاعدة الش� � ��رعية «درء‬ ‫باطلة‪ ،‬ألن األصل في اإلسالم هو السالم وليس‬
‫املفاسد مقدم على جلب املصالح»‪ ،‬ومبدأ «اختيار‬ ‫احلرب‪ ،‬كما أن األصل هو اإلحياء وليس املوت‪،‬‬
‫أهون الش ّرين»‪ ،‬واعتناق بعض اجلماعات لفكرة‬ ‫ورس������الة اإلسالم لم تنزل إلزهاق األنفس‪ ،‬وإمنا‬
‫التكفير وخاصة ف� � ��ي أوقات األزمات‪ ،‬والتضييق‬ ‫ج������اءت إلحيائه������ا وإصالحها وعم������ارة األرض‪،‬‬
‫ك� � ��رد فعل على ذلك‪ ،‬والتكفي� � ��ر والتهجير وجهان‬ ‫ونهى اإلس���ل��ام عن القتل ألي نفس َ‬
‫{م � ْ�ن َقت ََل‬
‫لعمل� � ��ة واحدة‪ ،‬ف� � ��إذا مت قذف احلاك� � ��م بالتكفير‬ ‫ض َف َكأَ مَّنَا َقت ََل‬ ‫َنفْ ًسا ِب َغ ْي ِر َنفْ ٍس أَ ْو َف َس ٍاد ِفي أْ َ‬
‫ال ْر ِ‬
‫وبقية أفراد املجتمع واجلنود‪ ،‬فإن من شأن ذلك‬ ‫اه ��ا َف َكأَ مَّنَا أَ ْح َيا الن َ‬
‫َّاس‬ ‫يعا َو َم ْن أَ ْح َي َ‬
‫�اس َج ِم ً‬ ‫ال َّن � َ‬
‫أن يؤدي إلى العنف والتفجير والتدمير‪.‬‬ ‫يع ��ا} (املائدة‪ ،)32 :‬ولم يقل املولى عز وجل‬ ‫َج ِم ً‬
‫أو ًال‪ :‬مفهوم اجلهاد في اإلسالم‬ ‫من قتل مس������لماً أو مؤمناً‪ ،‬وإمن������ا أطلق مفهوم‬
‫{ َو َج ِاه ُدوا ِفي ال َّل � ِ�ه َحقَّ ِج َه ِاد ِه ُه َو ْ‬
‫اج َت َب ُاك ْم َو َما‬ ‫النف������س‪ ،‬وكل األنف������س معصومة‪ ،‬كم������ا قال ابن‬
‫ين ِم ْن َح َر ٍج } (احلج‪ ،)78 :‬وقد‬ ‫الد ِ‬‫َج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِفي ِّ‬ ‫تيمية‪ .‬وال يستثنى من ذلك‪ ،‬إال بدليل أنصع من‬
‫يش� � ��ير اجلهاد إلى اجلهاد السلمي في إطار املجتمع‬ ‫شمس النهار‪.‬‬
‫إلقامة العدل‪ ،‬ويُثني القرآن على املجاهدين بأموالهم‬ ‫واجلماعات ليست مهمتها احلرب‪ ،‬ولكن هذه‬

‫‪29‬‬
‫جوهر اإلسالم االعتدال‬

‫‪aug 29-33.indd 29‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:32 AM‬‬


‫بالتج������ارة وزار مريضهم وأكل من طعامهم‪ .‬كما‬ ‫وأنفسهم‪ ،‬وهناك مجاهدة احلاكم ومناصحته‪ ،‬وهي‬
‫دعاهم إليثار الس������لم على احلرب { َو ِإ ْن َجن َُحوا‬ ‫أفض� � ��ل أنواع اجله� � ��اد‪« :‬أفضل أن� � ��واع اجلهاد كلمة‬
‫اج َن � ْ�ح َل َه ��ا َو َت� � َوكَّ لْ َع َل ��ى ال َّل � ِ�ه ِإ َّن ��هُ ُه� � َو‬‫لس� �ل ِْم َف ْ‬ ‫ِل َّ‬ ‫عدل عند س� � ��لطان جائر»‪ ،‬وهن� � ��اك اجلهاد احلربي‬
‫يم} (األنفال‪ .)61 :‬كما ح ّرم النبي‬ ‫يع ا ْل َع ِل ُ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫َّ‬ ‫وقد يشار إليه بـ «القتال»‪ ،‬وله مبرران‪ ،‬أولهما‪ :‬دفع‬
‫ مقاتلة النس������اء والصبيان والرهبان والشيخ‬ ‫الع� � ��دوان ورده‪ ،‬وثانيهما‪ :‬منع الفتن� � ��ة‪َ { :‬و َق ِات ُلوا ِفي‬
‫الكبير واألعمى والضعفاء وأهل الذمة‪ ،‬أو إساءة‬ ‫يل ال َّل � ِ�ه ال َِّذي ��نَ ُيق َِات ُلون َُك ْم َو اَل ت َْع َت � ُ�دوا ِإنَّ ال َّل َه اَل‬
‫َس � ِ�ب ِ‬
‫معاملة األس������رى والتمثيل بجثث القتلى أو قطع‬ ‫ُي ِح � ُّ�ب المْ ُ ْعت َِدي ��نَ } (البق� � ��رة‪ ،)190 :‬مبعنى أن القتال‬
‫الش������جر املثمر أو حرق املساكن أو األبنية‪ ،‬لكون‬ ‫آخ� � ��ر وس� � ��يلة يُلجأ إليه� � ��ا لوقف الع� � ��دوان‪ .‬والدفع‬
‫القتال ُش������ ِّرع ملن يقاتل املسلمني‪ ،‬وألن اإلسالم‬ ‫املش� � ��روع أو احل� � ��رب الدفاعي� � ��ة كما تس� � ��مى اليوم‬
‫ج������اء رحمة للعامل���ي��ن‪ ،‬وقد ح ّرم ح������رب اإليذاء‬ ‫مش� � ��روطة ش� � ��رعاً بعدم تعدي احلدود املعقولة لرد‬
‫والظلم‪ .‬فاإلس���ل��ام دين الس������لم والسالم ويكره‬ ‫ه� � ��ذا العدوان‪ ،‬أي عدم املبالغ� � ��ة بحجة رد العدوان‪.‬‬
‫إراقة الدماء إال لضرورة تقتضيها املصالح ودفع‬ ‫وقد ربط بعض املسلمني ‪ -‬هداهم الله ‪ -‬بني مفهوم‬
‫املضار والعدوان‪ ،‬والضرورة تقدر بقدرها‪ .‬أي أن‬ ‫اجلهاد وممارس� � ��ة العنف‪ ،‬وقد أسيء استخدام هذا‬
‫يخل������و اجلهاد من البغي والعدوان والتجاوز‪ ،‬وأن‬ ‫املصطلح اإلسالمي من بعض غير املسلمني خاصة‪،‬‬
‫يأتي اجلهاد من حاكم الدولة ورأسها‪ .‬وال يُش َّرع‬ ‫ح� �ي��ن أطلق على العمليات الت� � ��ي توصف باإلرهاب‪.‬‬
‫اجلهاد ضد املس������لمني ولو كان������وا من املنافقني‪،‬‬ ‫وهذه احلركات التي مُتارس القتل والتدمير في بالد‬
‫مادام أنهم مساملون وال يبغون في األرض فساداً‬ ‫املسلمني وغير املسلمني باسم اإلسالم‪ ،‬هي أبعد ما‬
‫وال يعتدون‪ ،‬كما ال يُش������ َّرع اجلهاد ضد األنظمة‬ ‫تكون عن اإلسالم فكراً ومنهجاً‪.‬‬
‫احلاكمة وإن لم يطبقوا اإلسالم‪ ،‬أو ضد الهيئات‬ ‫واألص������ل أن اجله������اد املش������روع يك������ون لرد‬
‫األجنبي������ة أو التي متث������ل مصاحلها‪ ،‬ملا قد يؤدي‬ ‫الع������دوان على املس������لمني أو مغتصبي أراضيهم‬
‫ذلك للفنت وهالك البشر واحلرث والضرع‪ ،‬كما‬ ‫ومقدساتهم‪ ،‬أي جهاد األعداء‪ ،‬ال بني املسلمني‬
‫هو حاصل في بالد الش������ام منذ خمس سنوات‪.‬‬ ‫أنفس������هم (الفتن������ة ‪ -‬حرب أهلي������ة) أو ضد غير‬
‫كما ال جتوز محاربة األجانب من غير املس������لمني‬ ‫املسلمني‪.‬‬
‫في بالد املسلمني‪ ،‬طاملا كانوا مساملني ويُعتبرون‬ ‫ومن اخلط������أ االفت������راض ب������أن اجلهاد هو‬
‫أه������ل عهد ومن أهل الذمة‪ ،‬ولو كانت حكوماتهم‬ ‫احلرب املقدس������ة كما يُطلق علي������ه الغربيون‪ ،‬إذ‬
‫تتبع سياس������ة مخالفة ملصلحة املسلمني‪ ،‬لكونهم‬ ‫ليس في اإلسالم حرب مقدسة أو غير مقدسة‪،‬‬
‫ال يحمل������ون وزر حكوماتهم‪ ،‬وهؤالء من قصدهم‬ ‫وإمنا ُش ِّرع للدفاع عن املسلمني‪.‬‬
‫ت ِمنَ‬ ‫{إ اَّل ال َِّذي ��نَ َع َ‬
‫اه � ْ�د مُ ْ‬ ‫املولى تعال������ى بقوله‪ِ :‬‬ ‫ول������م يش������ ّرع اجله������اد حملارب������ة الكافرين أو‬
‫وك ْم شَ � � ْيئً ا َو َل � ْ�م ُي َظ ِاه ُروا‬ ‫ني ُث َّم َل ْم َي ْنقُ ُص ُ‬ ‫المْ ُ ْش � ِ�ر ِك َ‬ ‫املخالفني لإلسالم‪ ،‬إذ القاعدة‪« :‬أن ُكفر الكافر‬
‫توا ِإ َل ْي ِه ْم َع ْه َد ُه � ْ�م ِإ َلى ُم َّد ِت ِه ْم‬ ‫َ‬
‫َع َل ْي ُك � ْ�م أَ َح � ً�دا َفأ مِ ُّ‬ ‫ال يبيح هدر دمه»‪ ،‬فسبب اجلهاد االعتداء على‬
‫ِإنَّ ال َّل َه ُي ِح ُّب المْ ُتَّ ِقنيَ} (التوبة‪.)4 :‬‬ ‫الدين وأهله‪ ،‬على ما استقر عليه الرأي الفقهي‬
‫ومن ث������م فإن اس������تعمال العنف السياس������ي‬ ‫(اجلمهور) بدليل اآلية التي سبق أن أشرنا إليها‬
‫املسلح بشتى أنواعه باعتباره جهاداً داخل البالد‬ ‫يل ال َّل � ِ�ه ال َِّذينَ ُيق َِات ُلون َُك ْم‬ ‫آنفاً‪َ { :‬و َق ِات ُلوا ِفي َس � ِ�ب ِ‬
‫اإلس���ل��امية أو خارجها بدعوى قم������ع املنكرات‪،‬‬ ‫َو اَل ت َْع َت � ُ�دوا ِإنَّ ال َّل َه اَل ُي ِح � ُّ�ب المْ ُ ْعت َِدينَ } (البقرة‪:‬‬
‫يعتبر غير مشروع وخطأ في التطبيق‪.‬‬ ‫‪ ،)190‬وه������و ما يدل على أن قت������ال من لم يُقاتل‬
‫وه � ْ�م َح ْي � ُ�ث‬ ‫أم������ا قول������ه تعال������ى‪َ { :‬واقْ تُ ُل ُ‬ ‫‪ -‬وهو في حكم املس������الم ‪ -‬عدوان وظلم‪ ،‬وهذه‬
‫وه ْم} (البق ��رة‪ ،)191:‬ف���ل��ا يش������ير إل������ى‬ ‫َث ِقفْ تُ ُم ُ‬ ‫اآلية محكمة وليست منسوخة‪.‬‬
‫القـــتــل الــــش������امل للكـــــفار كــــما يزعم البعض‪،‬‬ ‫وقد كانت سيرة الرسول  أن من سالم لم‬
‫بدلي������ل أن اآلية تضـــيف في الس������ــــياق نفس������ه‬ ‫يقاتله‪ ،‬بل لقد تعايش م������ع اليهود وتعامل معهم‬

‫‪30‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 29-33.indd 30‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:38 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪31‬‬
‫جوهر اإلسالم االعتدال‬

‫‪aug 29-33.indd 31‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:42 AM‬‬


‫وعلة قتال املش� � ��ركني هي نقضهم العهد والصلح‪،‬‬ ‫وك ْم}‪ ،‬مبا مفاده‬ ‫وه � ْ�م ِم ْن َح ْي � ُ�ث أَ ْخ َر ُج ُ‬ ‫{ َوأَ ْخ ِر ُج ُ‬
‫ومبادأتهم بالعدوان على املسلمني‪.‬‬ ‫أن العــــ������دوان ق������د وق������ع على املس������لمني‪ ،‬فحقّ‬
‫وال يجوز قت������ل الكافر‪ ،‬ألن اإلس���ل��ام حمى‬ ‫عليه������م الدفاع ع������ن أنفس������هم ور ّد العدوان دون‬
‫من يعيش عل������ى أرضه وخاصة أهل الذمة‪ ،‬وإال‬ ‫جتاوز‪ .‬وإميان البشر جميعاً أمر مستحيل لقوله‬
‫ملا عاش������ت األقليات الدينية حتت ظل اإلس���ل��ام‬ ‫بؤْ ِم ِننيَ}‬ ‫َّاس َو َل ْو َح َر ْصتَ مِ ُ‬ ‫تعالى‪َ { :‬و َما أَكْ َث ُر الن ِ‬
‫ودولته القوية‪ ،‬إذ يؤكد ذلك ما روي عن الرسول‬ ‫(يوسف‪ ،)103 :‬وإن شرط التوقف عن قتال غير‬
‫‪« :‬م������ن آذى ل������ي ذم ّي������اً‪ ،‬فأن������ا خصيــمه يوم‬ ‫املسلمني مرتبط بإنهاء عدوانهم وظلمهم‪َ { :‬ف ِإ ِن‬
‫القيامة»‪.‬‬ ‫�ن} (البقرة‪:‬‬ ‫الظ مِ ِال�ي َ‬ ‫ا ْن َت َه � ْ�وا َف� اََل� ُع � ْ�د َوانَ ِإ اَّل َع َلى َّ‬
‫وحينم������ا انتق������د الق������رآن بع������ض تصرفات‬ ‫ير }‬ ‫ص‬
‫َ ِ ٌ‬ ‫ب‬ ‫ونَ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫با َ ْ َ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫‪َ { .)193‬ف ِإ ِن ا ْن َت َه ْوا َف ِإنَّ ال َّل َه مِ َ‬
‫َاقا} (التوبة‪:‬‬ ‫املسلمني‪{ :‬الأْ َ ْع َ��ر ُ‬
‫اب أَشَ ُّد ُكفْ ًرا َو ِنف ً‬ ‫اعت َُدوا‬ ‫اع َت� � َدى َع َل ْي ُك � ْ�م َف ْ‬ ‫(األنف ��ال‪َ { ،)39 :‬ف َم � ِ�ن ْ‬
‫‪ ،)97‬فه������ل يعني ذل������ك أن الوصف ينصرف إلى‬ ‫اع َت� � َدى َع َل ْي ُك � ْ�م َواتَّقُ ��وا ال َّل� �هَ}‬ ‫ب ْث � ِ�ل َم ��ا ْ‬ ‫َع َل ْي � ِ�ه مِ ِ‬
‫ت ِاد ُل ��وا أَ ْه َل‬‫جمي������ع األع������راب آن������ذاك؟! { َو اَل جُ َ‬ ‫(البق ��رة‪ ،)194 :‬فعلة القتال هنا هي رد االعتداء‬
‫�اب ِإ اَّل ِبال َِّتي ِه َي أَ ْح َس � ُ�ن} (العنكبوت‪.)46 :‬‬ ‫ال ِْك َت � ِ‬ ‫حتى ولو كان من جماعة مسلمة‪.‬‬
‫واحلاص������ل أن ه������دف اجلهاد في اإلس���ل��ام هو‬ ‫ويعلمن������ا التاريخ أن رس������ول الله  لم يبدأ‬
‫الدفاع عن حرمات املسلمني‪ ،‬وال يقصد به حمل‬ ‫قوم������اً بحرب إال بس������بب عدوانه������م أو ظلمهم‪.‬‬
‫الس������يف بظلم لآلخرين وقتل النفس التي ح ّرم‬ ‫وكان املس������لمون يفرضون اجلزية كضريبة على‬
‫الله أو ترويعها‪َ { :‬و َق ِات ُلوا ِفي َس � ِ�ب ِ‬
‫يل ال َّل ِه ال َِّذينَ‬ ‫غير املس������لمني (أهل الذمة) الذين يعيشون في‬
‫ُيق َِات ُلون َُك ْم َو اَل ت َْعت َُدوا ِإنَّ ال َّل َه اَل ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِدينَ }‬ ‫ديار اإلسالم نظير حمايتهم واالستفادة مبرافق‬
‫(البق ��رة‪ .)190 :‬وال ننس������ى أن اليهود أنفس������هم‬ ‫الدول������ة‪ ،‬لقول������ه علي������ه الصالة والس���ل��ام‪« :‬من‬
‫ال ينس������ون األمن واألمان الذيــــن عاش������ــــوهــــما‬ ‫آذى ل������ي ذمياً فأنا خصيمه ي������وم القيامة»‪ ،‬ومن‬
‫عهوداً طواالً س������واء ف������ي أرض اجلزيرة العربية‬ ‫رحمة اإلسالم وس������ماحته أنه أباح زواج املسلم‬
‫أو في بالد األندلس أو في بعض الدول العربية‬ ‫من الكتابية‪ ،‬لتكون ش������ريكة حياته وربة بيته وأم‬
‫حالياً‪.‬‬ ‫أوالده وه������ي غير مس������لمة‪ ،‬وأن يك������ون أخوالهم‬
‫وخاالتهم من غير املسلمني‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬التكفير‬ ‫ني َح ْي ُث‬ ‫أم� � ��ا قوله تعال� � ��ى‪َ { :‬فاقْ تُ ُل ��وا المْ ُ ْش � ِ�ر ِك َ‬
‫لقد ارتبط مفهوم التكفير باجلهاد باعتباره‬ ‫وه ْم} (التوبة‪ )5 :‬وكذلـــك قوله س� � ��بحانه‬ ‫ت ُ‬ ‫َو َج ْد مُ ُ‬
‫االدع������اء الذي يس������تند إليه التكفيريون‪ ،‬س������واء‬ ‫�اب}‬ ‫الر َق � ِ‬
‫ض � ْ�ر َب ِّ‬ ‫{ َف � ِ�إ َذا َل ِقيتُ � ُ�م ال َِّذي ��نَ َك َف � ُ�روا َف َ‬
‫تكفير املس������لمني أو غيرهم‪ ،‬ليك������ون مبرراً لهم‬ ‫(محم ��د‪ ،)4 :‬فاآليت� � ��ان تتعـــلق� � ��ان بحالة احلرب‬
‫الرت������كاب العملي������ات اإلرهابية وس������فك الدماء‬ ‫مع مــــش� � ��ركي العرب‪ ،‬بدليل أن اآلية التي تسبق‬
‫البريئة والتدمير واخلطف‪.‬‬ ‫األولى تستثني من ال ينقض عهده‪ ،‬كما جــــاء فـــي‬
‫وه������م يعتبرون املس������لمني مرتدي������ن‪ ،‬كما أن‬ ‫اآليــة الرابعة من «س� � ��ورة التوب� � ��ة» املذكورة آنـفا‪،‬‬
‫بعضه������م يك ِّفر احلاك������م‪ ،‬وتـــش������دد فريق منهم‬ ‫ولو صح أن الش� � ��رك وحده س� � ��بب للقتال‪ ،‬ملا كان‬
‫بتكفي������ر املجتمع لعدم تكفيره احلاكم‪ ،‬فاعتبروا‬ ‫هـــــناك مـــــجال لالستثناء‪ ،‬بل إن اآلية «السادسة»‬
‫املجتمع جاهلياً‪ ،‬وتس������بب ذلك في س������فك دماء‬ ‫تنص على إجازة من طلب األمان من املش� � ��ركني‪،‬‬
‫املس������لمني وهتـــــك أعراضهــــم‪ ،‬وسلب أموالهم‬ ‫حتى يس� � ��مع كالم الله‪ ،‬ثم إبالغه مأمنه حتى ولو‬
‫م������ن دون وج������ه حق‪ ،‬عل������ى الرغم م������ن كونـــهم‬ ‫است ََجا َر َك َفأَ ِج ْر ُه‬ ‫ني ْ‬ ‫لم يسلم { َو ِإ ْن أَ َح ٌد ِمنَ المْ ُ ْش ِر ِك َ‬
‫مؤمن���ي��ن ويقيمون الش������عائر‪ ،‬وه������م ينتهــجـــون‬ ‫َحتَّ ى َي ْس � َ�م َع كَلاَ َم ال َّل ِه ُث َّم أَ ْب ِلغْ ��هُ َمأ َم َنهُ } (التوبة‪:‬‬
‫ْ‬
‫منهـــج اخلوارج الذين كفّروا سيدنا اإلمام علي‬ ‫‪ ،)6‬وحرمة اإلكراه في الدين حتى لو كان مشركاً‬
‫‪ -‬ك ّرم الله وجهه ‪ -‬وقومه‪ ،‬وكل ذلك سببه عدم‬ ‫ين} (البقرة‪،)256 :‬‬ ‫الد ِ‬‫{ل ِإكْ َرا َه ِف ��ي ِّ‬ ‫أو ملحداً‪ :‬اَ‬

‫‪32‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 29-33.indd 32‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:44 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫واملف������روض أن يك������ون هناك خط������اب ديني‬ ‫فهم الدين وسماحته‪.‬‬


‫يجدد وال يبدد‪ ،‬يبشر وال ينفر‪ ،‬يق ّرب وال يبعد‪،‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن التكفير بغير دليل صريح‬
‫يس������تقي من األصل ويتصل بالعصر ويهتم بفقه‬ ‫انحراف في الفكر‪ ،‬على الرغم من حتذير النبي‬
‫املصالح واملفاس������د وفكر املراجع������ة واملناصحة‬ ‫ من ذلك لقوله‪« :‬من قال ألخيه يا كافر فقد‬
‫والنتائ������ج‪ ،‬ال يق������دس العلماء الس������ابقني‪ ،‬وفي‬ ‫ب������اء بها أحدهما»‪ .‬لذا يتع���ي��ن حترير الفكر من‬
‫الوقت ذاته ال يهيل الت������راب عليهم بغير حق‪...‬‬ ‫هذه املفاهيم املغلوطة التي تخالف الكتاب وسنة‬
‫يخاط������ب العقل والوجدان وال يدغدغ العواطف‪،‬‬ ‫املصطفى ‪ ،‬حتى ال تكون س������بباً في س������فك‬
‫خطاباً ينش������ر احلب وال يدعو للكراهية‪ ،‬ينش������ر‬ ‫الدم������اء‪ ،‬ودرءاً لالنقس������ام في املجتمع املس������لم‪،‬‬
‫التس������امح مع املخالفني في الدني������ا والدين‪ ،‬وال‬ ‫ذلك أن اإلس���ل��ام دين تس������امح بُني على احملبة‬
‫يخوض في األع������راض وال يتاجر باملصطلحات‬ ‫والتعايش الس������لمي مع جميع األدي������ان واحترام‬
‫وال يتتب������ع زالت العلماء أو عوراتهم‪ ،‬وال يوس������ع‬ ‫اآلخر‪ ،‬إنه دين البناء والعلم والسالم‪ ،‬أما البغض‬
‫من دائرة التحرمي بغير حق‪ ،‬فالتحرمي بغير حق‬ ‫والكراهية فهما ديدن احلاقدين‪ ،‬هذا هو جوهر‬
‫كالتحلي������ل بغير حق‪ ...‬خط������اب ال يؤمن بنظرية‬ ‫ديننا العظيم ورس������الته اخلالدة منذ أكثر من ‪14‬‬
‫املؤامرة أو يعتقد أنها تُس������ ِّير الكون‪ ،‬يجــــمع بني‬ ‫قرناً‪ ،‬حيث عايش النبي  أهل الكتاب وتزوج‬
‫النص والعق������ل جمعاً صحيح������اً‪ ،‬ويعترف بتنوع‬ ‫منهم وأكــل طعامه������م وتعامل معهم في التجارة‪،‬‬
‫االجتهادات م������ن أهل االجتهاد‪ ،‬ويــــؤمن بأهمية‬ ‫واشترى منهم السيوف والدروع‪.‬‬
‫التعددي������ة السياس������ية والفكري������ة‪ ،‬خطاب ديني‬ ‫ذلك هو دين عمر الفاروق حينما رفض‬
‫يهدي وال يكفّر‪.‬‬ ‫الصالة في كنيس������ة القيامة ف������ي القدس‪ ،‬ليس‬
‫ويج� � ��ب أن نف� � ��رق بيـــــ� � ��ن ثواب� � ��ت اإلس� �ل��ام‬ ‫تكبراً وجترمياً‪ ،‬بل حكمة وحصافة‪.‬‬
‫ومتغيراته‪ ،‬فنتـــــمس� � ��ك بثوابته بصالبة ونكون مع‬
‫متغيراته مبرونة‪ .‬وثوابت اإلسالم قليلة ومتغيراته‬ ‫ثالث ًا‪ :‬جتديد اخلطاب الديني‬
‫كثيرة‪ ،‬لذا فاإلس� �ل��ام دي� � ��ن ديناميكي يصلح لكل‬ ‫إن جتدي������د اخلط������اب الدين������ي ه������و مطلب‬
‫زمان وم� � ��كان‪ ،‬ويصلح لكل األع� � ��راف والبيئات‪.‬‬ ‫طبيعي في حياة الن������اس‪ ،‬وحاجة ملحة ملواجهة‬
‫فاإلس� �ل��ام الذي س � � �ــــمح بأن يجمع بني رأس� �ي��ن‬ ‫مس������تجدات احلي������اة ومتغيراته������ا مب������ا يتطلب‬
‫من دينني مختلفيـــــن على وس� � ��ادة واحدة هو دين‬ ‫اجته������اداً خاص������اً ونظراً جدي������داً‪ ،‬يتفاعل معها‬
‫عظيم‪ ،‬واإلس� �ل��ام الذي جعل األصل هو السالم‬ ‫ويتناس������ب مع طبيعتها في حدود الش������رع‪ ،‬وقد‬
‫وليس احلرب ه� � ��و دين عظيم أيضاً‪ ،‬واإلس� �ل��ام‬ ‫جنح الفكر االقتصادي اإلس���ل��امي في مس������ألة‬
‫جعل اإلحي� � ��اء (إحياء النفس) هو األصل‪ ،‬وتعمير‬ ‫اس������تثمار رؤوس األموال وتوظيفه������ا عبر آليات‬
‫الكون أيضاً‪ ،‬وليس قتل األنفس أو خراب األكوان‪،‬‬ ‫القت اهتمام املؤسس������ات االقتصادي������ة العاملية‬
‫اإلسالم الذي علّم الناس قبول املفسدة الصغــــيرة‬ ‫حتى تس������ابقوا الحتضان برامج������ه وتطبيقاته‪،‬‬
‫درءاً للكـــبــــي� � ��رة‪ ،‬ويـــــف ّوت املصلحة الصغيرة طلباً‬ ‫إال أن������ه لم يتم تطوير الفكر السياس������ي باملوازاة‬
‫للكب� � ��رى والذي ال يحول اخلطأ إل� � ��ى خطيئة‪ ،‬أو‬ ‫بس������بب حالة الضعف العام والتشتت التي تلف‬
‫اخلطيئة إل� � ��ى كفر‪ ،‬هو دين عظيم‪ ...‬الذي يرتب‬ ‫أمة اإلس���ل��ام‪ ،‬والن������زال مقلدين دومن������ا فكر أو‬
‫أولويات احلي� � ��اة ويقدم حفظ «أي نفس» على كل‬ ‫متحي������ص‪ ،‬وال ميكن جتديد الفك������ر الديني إال‬
‫شيء هو دين عظيم‪.‬‬ ‫بوجود بيئة صاحل������ة يكون فيها تفعيل للحريات‬
‫ندع� � ��و الله تعالى أن يحفظن� � ��ا من الزلل‪ ،‬وأن‬ ‫ومصاحلة وطنية شاملة‪ ،‬فالتجديد في اخلطاب‬
‫يس� � ��دد خطانا‪ ،‬وأن يوفقنا جميعاً لنكون ألس� � ��نة‬ ‫الديني ال ينجح في مجتمع تش������يع فيه الكراهية‬
‫صدق وأقالم حق‪ ،‬لنعكس سماحة عقيدتنا وسمو‬ ‫واألحق������اد والصراعات مع معاناة فئة الش������باب‬
‫قيم ديننا احلنيف >‬ ‫ال الئقاً‪.‬‬
‫الذين ال يجدون عم ً‬

‫‪33‬‬
‫جوهر اإلسالم االعتدال‬

‫‪aug 29-33.indd 33‬‬ ‫‪7/24/16 8:18:46 AM‬‬


‫قــالـوا‬

‫لهذا‪ ،‬نشعر باالنزياح عن وجودنا املادي‪ ،‬واقترابنا‬ ‫< كم هي معقدة بحق مس� � ��ألة إجادة لغة‪ ،‬وكم من‬
‫من منطقة أكثر غموضاً‪ ،‬ولبساً‪ ،‬لكن‪ ،‬أكثر إشراقاً‬ ‫القواعد واملبادئ التي يجب على املرء أن يستوعبها‬
‫لوعينا الضمني‪.‬‬ ‫فتجري فيه مجرى الدم قبل‬
‫زهور كرام‪،‬‬ ‫أن يتمكن م� � ��ن «امتالك» لغة‬
‫ناقدة من املغرب‬ ‫واحدة معينة‪ .‬أبسط الزالت‬
‫تفضح العجز عن فهم كيفية‬
‫< عندم� � ��ا نقرر أن نصير كتاباً ال نكون منلك أدنى‬ ‫عمل النظام كله‪ .‬هفوة واحدة‬
‫فكرة عن ن� � ��وع العمل الذي متثل� � ��ه الكتابة‪ .‬عندما‬ ‫ت� � ��دوي على إثره� � ��ا أجراس‬
‫نبدأ‪ ،‬نكتب عفوياً‪ ،‬انطالق � � �اً من خبرتنا احملدودة‬ ‫اإلنذار‪.‬‬
‫جداً عن العالم غير املكتوب والعالم املكتوب‪ .‬نحن‬ ‫بول أوستر‪ ،‬كاتب روائي‬
‫مفعمون باحليوية الساذجة‪« .‬أنا كاتب»‪ ،‬إنها فرحة‬ ‫من الواليات املتحدة‬
‫«لدي عش� � ��يقة»‪ .‬لك� � � ّ�ن العمل يوماً‬
‫ّ‬ ‫من نوع القول‪:‬‬
‫بعد يوم طوال خمس� �ي��ن سنة‬ ‫وميسرة كقروض شركات‬ ‫ّ‬ ‫< العنصرية العاد ّية سهلة‬
‫‪-‬س� � ��واء من أج� � ��ل أن يصير‬ ‫التسليف‪ .‬البند الصغير بحروف خفيفة احلبر‪ ،‬في‬
‫امل� � ��رء كاتباً أو عش� � ��يقة‪ -‬هو‬ ‫أس� � ��فل الصفحة األخيرة من عقد يحوي عشرات‬
‫مهمة ش� � ��اقة‪ ،‬وأبع� � ��د من أن‬ ‫الصفح� � ��ات‪ ،‬ه� � ��و ما س� � ��وف يأكل� � ��ك‪ .‬والعنصرية‬
‫يكون م� � ��ن أكثر النش� � ��اطات‬ ‫العاد ّي� � ��ة ه� � ��ي غواية الق � � � ّوة‪ ،‬االس� � ��تقواء‪ ،‬وفرصة‬
‫متعة لإلنسان‪.‬‬ ‫املجاني من صنف الدون ّية الرتقاء ال تدفع‬ ‫اخلروج ّ‬
‫ثمناً ل� � ��ه ولو أن الدائ� � ��ن وراء الب� � ��اب‪ .‬وهي أيضاً‬
‫فيليب روث‪ ،‬كاتب روائي‬ ‫متعة اخليانة السر ّية للجسم الضعيف وتخلّيه عن‬
‫من الواليات املتحدة‬ ‫مكابدة القسوة‪ .‬فالعالج مكلف وموجع‪ ،‬والغرغرينا‬
‫قضاء لطيف حتى حتني ضرورة البتر‪.‬‬
‫< من األس� � ��باب التي جتعلني س� � ��ميك اجللد مع‬ ‫هدى أيوب‪،‬‬
‫النق� � ��اد‪ ،‬أنني لم أضطر قط إل� � ��ى االعتماد على‬ ‫كاتبة لبنانية تعيش في فرنسا‬
‫كتبي في كسب لقمة عيشي‪ .‬فلقد كان لدي حتى‬
‫تقاعدي من التدريس راتب أكادميي كاف متاماً‪،‬‬ ‫< الرواية هي احلياة‪ ،‬ليس� � ��ت احلياة التي نحياها‪،‬‬
‫كان ميك� � ��ن أن يلعنني كل من على وجه األرض من‬ ‫إمنا حياة من نوع آخر‪ ،‬حياة‬
‫النق� � ��اد‪ ،‬وتتهاوى مبيعات كتب� � ��ي إلى الصفر‪ ،‬دون‬ ‫ال ندركها‪ ،‬ألنها حالة تتحقق‬
‫أن أجوع‪ .‬اجلانب األقبح في مس� � ��ألة اس� � ��ترزاق‬ ‫من خ� �ل��ال االنزياح عن حياة‬
‫الصحفيني على حس� � ��اب األدب – احلقد والنفاق‬ ‫الواق� � ��ع‪ .‬لك� � ��ن‪ ،‬ف� � ��ي زمنها‪،‬‬
‫والغيبة وما إلى ذلك ‪ -‬إمنا يأتي من حاجة ماسة‬ ‫منارس احلرية في الس� � ��فر‪،‬‬
‫إلى اختالس لقمة العيش‪.‬‬ ‫في اللغة‪ ،‬نهدم عوالم ونبني‬
‫أخرى‪ ،‬نحلم‪ ،‬نحب‪ ،‬منارس‬
‫جون كوتزي‪،‬‬ ‫كل األفعال‪ ،‬وجنربها‪ ،‬بعيداً‬
‫كاتب من جنوب إفريقا حائز «نوبل» في اآلداب‬ ‫عن ع� �ي��ن احلي� � ��اة الواقعية‬

‫‪34‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 34-35.indd 34‬‬ ‫‪7/13/16 9:10:56 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫أفكر فيه كل يوم‪ .‬بقدر ما أفكر فيه أدرك أنه حي‪.‬‬ ‫< في الكتابة‪ ،‬تشبه املدة االندفاعة األولية التي جعلتك‬
‫ليس كبطل ولكن كرجل‪ ،‬متبصر‪ ،‬شجاع‪ ،‬متواضع‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬بينما يجب عليك‪ ،‬بالضرورة‪،‬‬‫حتلم‪ ،‬والتي تتالشى قلي ً‬
‫راءٍ ‪ ،‬رجل كرمي باختصار‪.‬‬ ‫أن تس� � ��تمر‪ .‬إن هذه اللحظة التي نكون فيها كما لو أننا‬
‫الطاهر بن جلون‪،‬‬ ‫صاحون‪ ،‬ليست اللحظة التي أفضلها‪ .‬فالكتابة شبيهة‬
‫كاتب من املغرب‬ ‫بعملية جراحية‪ ،‬إذ نبذل تركيزاً‬
‫كبيراً بحيث يجب إجنازها على‬
‫< الش� � ��عبو ّية‪ ،‬هي مبنزلة قف� � ��ا الدميقراطية املقلوب‪،‬‬ ‫وجه السرعة‪ .‬وفي حالتي‪ ،‬فإن‬
‫حيث إنها تتعلّق باستشارة الشعب‪ ،‬وبأ ّن الدميقراطية‬ ‫التركيز يبدأ في التالشي عند‬
‫دون الش� � ��عب بديه ّي � � �اً ليس� � ��ت دميقراطي� � ��ة‪ ،‬غير أ ّن‬ ‫انصرام ساعة أو ساعة ونصف‬
‫الش� � ��عبوية تتم ّثل عقبتها الكأداء ف� � ��ي بحث انخراط‬ ‫الساعة‪.‬‬
‫اجلماهير الش� � ��عبية انخراطاً مباش� � ��راً و ُكلّياً‪ ،‬وتهدف‬ ‫باتريك موديانو‪،‬‬
‫إل� � ��ى أن يتخذ جز ٌء من هذه اجلماهير نفس� � ��ها القرار‬ ‫روائ ��ي فرنس ��ي‪ ،‬حاصل على‬
‫حتت تأثير العاطف� � ��ة وخارج ك ّل عقالنية‪ .‬وهكذا فإ ّن‬ ‫«نوبل» في اآلداب‪.‬‬
‫هذا اخلطر الذي تنقصه فطنة التمييز بني القرارات‬
‫املهم� � ��ة‪ ،‬ق� � ��د ينش� � ��ئ خط� � ��راً‬ ‫< الرواية احلديثة ال تس� � ��تغني عن املراجع‪ ،‬ويحشد‬
‫حقيق ّي � � �اً للعم� � ��ل اجلي� � ��د لك ّل‬ ‫الكتَّاب خلفهم كماً من املوس� � ��وعات‪ ،‬ويعترف ماركيز‬
‫دميقراطية تليق باس� � ��مها‪ ،‬من‬ ‫أنه يس� � ��تعني بحوالي عش� � ��رين موس� � ��وعة على األقل‬
‫خالل الفصل العادل واملناسب‬ ‫أثن� � ��اء قيامه بعملية الكتابة‪ ،‬ولم يجد بعض الروائيني‬
‫بني الس� � ��لطات (التش� � ��ريعية‪،‬‬ ‫العرب غضاضة في إضافة قائمة باملراجع في نهاية‬
‫التنفيذية والقضائية)‪.‬‬ ‫صفحات الرواية‪ ،‬املعلومات ضرورية بالش� � ��ك‪ ،‬ولكن‬
‫تزيفتان تودروف‪،‬‬ ‫عل� � ��ى الكاتب أن يهضمه� � ��ا أوالً‪ ،‬ويطوعها ملقتضيات‬
‫مفكر وناقد من فرنسا‬ ‫القص ثانياً‪ ،‬وأن يجعل كل ش� � ��يء ينس� � ��اب من داخل‬
‫الشخصية وال يرتكز على الوصف اخلارجي للعالم‪.‬‬
‫د‪.‬محمد املنسي قنديل‪،‬‬
‫< اللغ� � ��ة العربية ل� � ��م تفقد هويتها يوم � � �اً من األيام‪،‬‬ ‫كاتب روائي من مصر‬
‫ومازال� � ��ت حتى اليوم لغة مرس� � ��لة ومس� � ��تقبلة‪ ،‬وفي‬
‫ه� � ��ذا وذاك ظلت واعي� � ��ة لهويتها‪ ،‬وحافظ� � ��ة لتراثها‬ ‫< الطبيب أخبرنا‪« :‬لن يعيش‬
‫الثقاف� � ��ي واحلضاري‪ ،‬رغم احمل� � ��اوالت املضنية التي‬ ‫أكثر من أسبوع»‪ .‬أبي سمعه‬
‫يبذله� � ��ا البعض من العرب‪ ،‬ومن غير العرب‪ ،‬لطمس‬ ‫فأخذ يعد األيام والساعات‪.‬‬
‫هويتها‪ ،‬وإجبارها على اس� � ��تقبال وصوغ مفردات ال‬ ‫لم يكن يريد مغادرة احلياة‪،‬‬
‫تتوافق معها داللي � � �اً‪ ،‬والكارثة التي يغفل عنها هؤالء‬ ‫متيقناً أن أمامه أشياء كثيرة‬
‫أن العربية متتلك البدائل اللغوية الكافية الس� � ��تيعاب‬ ‫لم ينهها بعد‪ .‬كانت تلك املرة‬
‫مفردات الثقافة واحلضارة وإكسابها طبيعة عربية‪.‬‬ ‫األول� � ��ى التي رأيت فيها على‬
‫د‪.‬محمد عبداملطلب‪،‬‬ ‫خد أبي دمعة‪ .‬أغمض عينيه‬
‫ناقد أكادميي من مصر‬ ‫وس� � ��لم روحه ملالئكة اجلنة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫قالوا‬

‫‪aug 34-35.indd 35‬‬ ‫‪7/13/16 9:11:09 AM‬‬


‫استطالع‬

‫ووهان‪...‬‬
‫شيكاغو الصين‬
‫مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬
‫‪36‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 36‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:04 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كاتب ومصور من مصر‬ ‫بقلم وعدسة‪ :‬شريف سنبل‬


‫اس���تقبلتني الس���يدة د‪.‬تش���ن المستش���ارة الثقافية الصينية في مكتبها بشارع ابن‬
‫بطوط���ة بالجي���زة‪ ،‬وأخبرتن���ي أن مقاطع���ة هوبي���ه في الصي���ن وبصفته���ا الملتقى‬
‫الثقاف���ي له���ذا العام (‪ )2015‬قد اختارتني للس���فر أللتقط ص���وراً فوتوغرافية لإلقليم‪،‬‬
‫على أن أعود ألقيم معرض ًا عن هذه المقاطعة‪ .‬وعلى الرغم من أنني لم أسمع في‬
‫حياتي بمكان اسمه هوبيه‪ ،‬ويعلم اهلل وحده بما سأقابله هناك من أناس وأساطير‪،‬‬
‫فق���د رأي���ت أنني لس���ت أقل من اب���ن بطوط���ة‪ ،‬أمير الرحال���ة المس���لمين‪ ،‬الذي ذهب‬
‫للصين بالرغم من أن أحداً من قبله لم يكن قد ذهب ولو حتى لمدة يومين‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 36-63.indd 37‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:10 AM‬‬


‫مدينة إيشان لي‬

‫املركز وس� � ��رنا معاً وتأكد أن صحتي جيدة وأنني‬ ‫قابلن� � ��ي بعدها األس� � ��تاذ ليو ش� � ��يبنج املدير‬
‫أس� � ��ير بال مش� � ��اكل‪ .‬وصلت مطار بكني العظيم‬ ‫التنفي� � ��ذي‪ ،‬وأج� � ��رى مع� � ��ي لقاء لوض� � ��ع برنامج‬
‫الواح� � ��دة ظهراً‪ ،‬وس� � ��رت مس� � ��افات طويلة حتى‬ ‫الرحلة‪ ،‬وليتأكد أنني س� � ��أحتمل مش� � ��اق السفر‪،‬‬
‫وصلت ألطول طابور جوازات شاهدته في حياتي‬ ‫وبخاصة أن املدة طويلة إلى حد ما‪ .‬س� � ��ألني ع ّما‬
‫وأكثرها ازدحام � � �اً‪ ،‬وبعد أن انتهيت من الطابور‪،‬‬ ‫إذا كانت صحتي جيدة وإذا كنت سأحتمل الطعام‬
‫ال آلخذ حقائبي وأنطلق‪ .‬ولكن‬ ‫هبطت سلماً طوي ً‬ ‫الصين� � ��ي وإذا كنت أحمل مع� � ��دات تصوير ثقيلة‪،‬‬
‫بدالً م� � ��ن احلقائب وجدت قطاراً أوصلني لقاعة‬ ‫وأخبرني أن الفنانني الذين سافروا من قبلي من‬
‫هائلة تسع العشرات من سيور احلقائب‪ ،‬وبعدها‬ ‫مصر اشتكوا من هذه املسائل‪.‬‬
‫مبسافة طويلة جداً‪ ،‬مت تفتيش احلقائب تفتيشاً‬ ‫ضحك� � ��ت وأخــــبرته أن صحــــتي جيــدة طاملا‬
‫دقيقاً ألخ� � ��رج بعدها للهواء الطلق‪ ،‬وأبدأ رحلتي‬ ‫أنني ل� � ��ن أتــــورط في مب� � ��اراة تايكـــونــدو‪ ،‬وأنني‬
‫الصينية‪.‬‬ ‫أس� � ��افر بكاميــــ� � ��را صغــــيرة وحامــــ� � ��ل تصوير‪،‬‬
‫استقبلتني مرشدة س� � ��ياحية قالت إن اسمها‬ ‫وأنــني كنت في بالد كثيرة لم يتس � � �ـبب طعامـــها‬
‫اإلجنليزي هو بيتي‪ ،‬في حني أن اس� � ��مها الصيني‬ ‫في مش� � ��اكل تذكر‪ .‬كان الرج� � ��ل لطيفاً وأهداني‬
‫طويل وال ضرورة الستعماله‪.‬‬ ‫كـــتاباً مصوراً‪ ،‬وناقش طلبي لزيارة سور الصيـــن‬
‫وصلت لفن� � ��دق فاخر يقع في ش� � ��ارع رئيس‪،‬‬ ‫العظي� � ��م الذي ظ� � ��ن ابن بطوطة (خال� � ��د الذكر)‬
‫ولف� � ��ت نظــري أن� � ��ه ال يوجـد ف� � ��ي بكيــــ� � ��ن التي‬ ‫أنه الس� � ��ور الذي بن� � ��اه ذو القرنني حلجز يأجوج‬
‫مبان مبنية على الطراز الصيني ذي‬ ‫شاهدتها أي ٍ‬ ‫ومأجوج‪.‬‬
‫األس� � ��طح املنحدرة‪ ،‬فكل ما ش� � ��اهدته كان مباني‬ ‫وافق ليو ش� � ��يبنج على أن أزور بكني خمس� � ��ة‬
‫حديثة للغاية وش � � �ــوارع متس� � ��عة جـــ� � ��داً وأرصفة‬ ‫أي� � ��ام‪ ،‬باإلضافة إلى رحلة هوبيه‪ ،‬وأوصلني لباب‬

‫‪38‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 38‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:15 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫إيشان ‪ -‬أخدود املياه البللورية‬

‫‪39‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 39‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:21 AM‬‬


‫عربات التليفريك فى الطريق‬
‫ألخدود ظالل املصباح‬

‫‪40‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 40‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:26 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫أوسع من شوارع مدننا‪.‬‬

‫ِت ِتي تو‬


‫املرهق ف� � ��ي تتب� � ��ع حديث‬
‫الصيني� �ي��ن باإلجنليزية هو أن‬
‫عديداً من احل� � ��روف الصينية‬
‫هي حروف صامتة تكتب ولكن‬
‫ال تنطق‪ ،‬فمثال حرف الـ «ج» أو‬
‫الـ «‪ »G‬هو حرف صامت يكتب‬
‫فقط‪ ،‬وعلى س� � ��بيل املثال فإن‬
‫كلم� � ��ة ‪ Peking‬تنطق بالعربية‬
‫«بكني» م� � ��ن دون هذا احلرف‪،‬‬
‫وهذه كلمة عرفناها واعتدناها‬
‫على مدى سنوات طوال‪ ،‬وتبدأ‬
‫املشكلة حني نعرف أنه ال يوجد‬
‫أحد في الصني اس� � ��مه «واجن»‬
‫ألن الـ«ج» ال ينطق‪ ،‬وأنك يجب‬
‫أال تخط� � ��ئ في اس� � ��م الزعيم‬
‫العظيم «ماوتسي توجن»‪ ،‬الذي‬
‫ينطق «ماوتسي تون»‪ ،‬بل وأكثر‬
‫من ذلك فالصينيون يس� � ��مونه‬
‫«تش� � ��اميان م� � ��او» ألن هن� � ��اك‬
‫ال م� � ��ن احلروف ال‬ ‫ع� � ��دداً هائ ً‬
‫يعرف� � ��ون كي� � ��ف ينطقونها مثل‬
‫الـ «ر»‪ .‬وكذلك ال � � �ـ«ن» التي ال‬
‫ينطقونها إذا جاءت في وس� � ��ط‬
‫الكلمة‪ .‬وميكنك أن تتخيل لغة‬
‫ال يوجد بها حروف الـ«ج‪،‬ن‪،‬ر»‪.‬‬
‫ولئال تقضي ليلتك مفكراً كيف‬
‫حتولت ماوتس� � ��ي ت� � ��ون لتصبح‬
‫تش� � ��اميان م� � ��او فس� � ��أخبرك‬
‫بالس� � ��ر‪ .‬تش� � ��اميان ه� � ��ي كلمة‬
‫إجنليزي� � ��ة تكتب «تش� � ��ايرمان»‬
‫‪ Chairman‬أي رئيس املجلس‪،‬‬
‫وح� � ��ذف احل� � ��رف ‪ R‬ألنه� � ��م ال‬
‫يعرفون كيف ينطقونه فصارت‬
‫كلم� � ��ة بلغة ال ه� � ��ي صينية وال‬
‫ه� � ��ي إجنليزية‪ ،‬وقد قررت بعد‬
‫مح� � ��اوالت عديدة أنه في حالة‬

‫‪41‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 41‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:30 AM‬‬


‫إيشان ‪ -‬أخدود املياه البللورية‬

‫ووهان‪ ...‬محالت الياميش‬

‫‪42‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 42‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:36 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫السيدات يقمن بأصعب األعمال‬

‫في الس� � ��اعة‪ ،‬وعلى الرغم من أن مقاطعة هوبيه‬ ‫تعس� � ��ر الفهم‪ ،‬أن أستخدم اللغة املصرية العامية‪،‬‬
‫معروفة باسم «أرض األرز والسمك»‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫ألنه في جميع احلاالت لن يفهم أحد شيئا‪.‬‬
‫من أنني ش� � ��اهدت م� � ��زارع األرز تل� � ��ك من نافذة‬ ‫س� � ��ألت عن قيمة الفاتورة ف� � ��ي أحد املطاعم‬
‫القطار‪ ،‬فإن جميع الصور التي التقطتها في أثناء‬ ‫الغربية الشهيرة فقال « ِتتِي تو»‪ ،‬سألته واستفسرت‬
‫سيره كانت «مهزوزة» نظراً لسرعته الفائقة‪ ،‬ومع‬ ‫فأعاد « ِتتِي تو»‪ .‬ومل� � ��ا كان الـ‪ R‬هو حرف صامت‬
‫ذلك‪ ،‬فإن س� � ��يدة عظيمة مبتسمة كانت مستمرة‬ ‫فقد اس� � ��تنتجت أنه يقصد «ثِرتي ت� � ��و» أي اثنني‬
‫بال توقف في تنظيف عربة القطار‪.‬‬ ‫وثالثني‪ .‬أعطيت البائع خمسني فأعطاني الباقي‬
‫أما األسماك فأشهرها س� � ��مكة الـ«ووشاجن»‬ ‫ثمانية وعشرين‪ .‬أعدت له عشرة‪ ،‬فأصر وسألته‬
‫أو ووش� � ��ان‪ ،‬التي تطهى على البخار‪ ،‬وقد تناولتها‬ ‫أليس احلس� � ��اب ِت ِت� � ��ي تو؟ فأومأ برأس� � ��ه موافقاً‬
‫أكثر من عشر مرات خالل زيارتي‪ ،‬نظراً لطعمها‬ ‫وك� � ��رر ورائي أنها ِتتِي تو‪ .‬بعد جدال طويل ممتلئ‬
‫الش� � ��هي من ناحية خاصة عندما متزجها بأنواع‬ ‫بالضح� � ��ك فهمت أن « ِتتِي تو» معناها «توينتي تو»‬
‫صلص� � ��ة التواب� � ��ل املختلف� � ��ة‪ ،‬واقت� � ��داء بالزعيم‬ ‫وليس «ثرتي تو»‪.‬‬
‫تشاميان ماو من ناحية أخرى‪ ،‬ألنها كانت سمكته‬ ‫ذهبت لزيارة املدينة احملرمة والقصر الصيفي‬
‫املفضلة‪.‬‬ ‫وس� � ��ور الصني العظيم وأس� � ��واق احلرير وغيرها‬
‫املقاطعة غني� � ��ة باحملاصيل الزراعية واملعادن‬ ‫في خطوات س� � ��ريعة متالحق� � ��ة انتهت برحلة في‬
‫املختلف� � ��ة ومنه� � ��ا احلديد والفوس� � ��فور والنحاس‬ ‫القطار النفاث إلى مدين� � ��ة ووهان عاصمة إقليم‬
‫والعقيق ومعادن أخرى فشل القاموس في ترجمة‬ ‫هوبيه‪ .‬يس� � ��ير القطار بس� � ��رعة ثالثمائة كيلومتر‬

‫‪43‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 43‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:40 AM‬‬


‫إيشان‪ ...‬املمشى املظلل املؤدي ألخدود املياه البللورية فى نهايته‬

‫‪44‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 44‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:44 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ألي مضايقات‪ ،‬وقد أجابت الرقصة عن تساؤلي‬ ‫اسمها مثل الـ‪ Wollastonite‬مث ً‬
‫ال‪.‬‬
‫بخص������وص الطعام‪ .‬فعلى الرغم من أن الصينيني‬ ‫وكما أن مواطني كل محافظة في مصر وفي‬
‫يفرطون في إضافة الزيوت لكل أنواع الطعام‪ ،‬فإن‬ ‫العالم العربي مشهورون بصفات معينة‪ ،‬فإن أهل‬
‫السيدات املس������كينات ال يتمتعن بأجساد ممتلئة‪.‬‬ ‫الصني يطلقون على مواطني هوبيه اس������م «طيور‬
‫وق������د أخبرتن������ى إميي (وه������و االس������م اإلجنليزى‬ ‫التسعة رؤوس»‪ ،‬وهو اسم مشتق من طائر صيني‬
‫للمرش������دة الووهانية) أن ذل������ك يرجع لإلكثار من‬ ‫أسطوري ش������رس وصعب أن يُقتَل‪ ،‬فيقولون «في‬
‫احلركة وممارسة أنواع الرياضة املختلفة‪.‬‬ ‫الس������ما تالقي الطير أبو تسع رؤوس وفي األرض‬
‫تالقي أهل هوبيه»‪.‬‬
‫ووهان وشيكاغو وآخر األباطرة‬ ‫وصل������ت ووهان بعد أربع س������اعات ونزلت في‬
‫تقع ووهان عاصمة هوبيه في وس������ط ملتقى‬ ‫شارع رئيـ ــس مليء باملطـ ــاعم اللذي ـ ــذة الصينية‬
‫نهري الياجنتس������ي وهان‪ .‬وتعرف بأس������ماء عدة‪،‬‬ ‫والغربي������ة‪ ،‬وهو أمر مهم للغاية بعد أن عانيت من‬
‫ال «طريق املقاطعات التسع»‪ ،‬ألنها ملتقى‬ ‫منها مث ً‬ ‫الطعام في بكني‪ .‬وقد أدهش������ني أمران‪ :‬األول هو‬
‫عشرات من الس������كك احلديدية والطرق والطرق‬ ‫أن أهل ووهان يتحدثون مثلي بامتعاض عن طعام‬
‫الس������ريعة البرية والنهرية التي مت������ر عبر املدينة‬ ‫بك���ي��ن وكأنها دولة أخرى تبع������د مئات األلوف من‬
‫وتربط األقاليم الرئيسة في الصــني‪.‬‬ ‫األميال‪ ،‬واألمر الثاني هو أن الس������يدات يتجمعن‬
‫وبسبب دورها الرئيـ ــس في النـ ــقل الداخلـ ــي‪،‬‬ ‫ال على األرصفة الواسعة ويرقصن في جماعات‬ ‫لي ً‬
‫فإن ـ ـهـ ـ������ا اكت ـس������ـ ـبـت أي ـضـ ـ������اً اس������م «ش������يكاغو‬ ‫يصل عددها إلى ثالثني سيدة ونحو رجل أو اثنني‬
‫الصني»‪.‬‬ ‫أو ثالثة‪ ،‬ويعتبرون الرقص نوعاً لطـ ــيفاً مس������لياً‬
‫واملدين������ة لها دور وطني ب������ارز في تاريخ الصني‬ ‫من أنواع الرياضة‪.‬‬
‫احلدي������ث يبرر اس������م «طيور التس������عة رؤوس» الذي‬ ‫املدهش هو أن أولئك الس������يدات ال يتعرضن‬

‫‪45‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 45‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:48 AM‬‬


‫‪46‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 46‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:53 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫نهر الياجنتسي‬

‫‪47‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 47‬‬ ‫‪7/13/16 9:21:57 AM‬‬


‫حديقة ووهان‬

‫وعل� � ��ى الرغم من أن نهر النيل يفوقه طوال‪ ،‬إال أن‬ ‫يطل� � ��ق على س� � ��كان هوبيه‪ .‬ففي ع� � ��ام ‪ 1911‬كانت‬
‫مجرى النهر في هوبيه يتس� � ��ع أحياناً حتى تظنه‬ ‫ووه� � ��ان هي موقع االنتفاضة التي أطاحت بأس� � ��رة‬
‫بح� � ��راً‪ ،‬وقد هدد املدينة بالغ� � ��رق مرات عدة‪ ،‬إال‬ ‫«كوينج» ‪ Qing‬اإلمبراطورية وبالنظام اإلمبراطوري‬
‫أن تراك� � ��م الطمي على ش� � ��كل ربوتني عاليتني قد‬ ‫الصيني بأكمله‪ ،‬وهو ما شاهدناه في الفيلم الشهير‬
‫حماها من هذا املصير‪.‬‬ ‫«اإلمبراطور األخير»‪.‬‬
‫ويخبرن� � ��ا القدماء بأن إمبراطور الس� � ��ماء قد‬ ‫وبعدها بعشر سنوات‪ ،‬كانت ووهان مرة أخرى‬
‫تأثر ببس� � ��الة «يو» إمبراط� � ��ور األرض في دفاعه‬ ‫مرك� � ��زاً للمقاومة والثورة ضد حكومة ش� � ��ياجن كاي‬
‫عن أرضه ضد فيضان الياجنتسي‪ ،‬فأرسل اللواء‬ ‫تشيك وأدت إلسقاط نظامه‪ ،‬وكانت بعد ذلك سبباً‬
‫الثعبان وزميله اللواء السلحفاة (زحلفة) ليتحكما‬ ‫في ظهور الزعيم األسطوري ماوتسي توجن‪.‬‬
‫في فيضان النهر‪.‬‬ ‫وكانت آخر ث� � ��ورات املدينـــة في عام ‪ 1967‬ضد‬
‫هب� � ��ط الل� � ��واءان من الس� � ��ماء‪ ،‬وبعد دراس� � ��ة‬ ‫الضغط املتزايد ملا عرف باس� � ��م «الث� � ��ورة الثقافية»‬
‫مستفيضة جلغرافية املنطقة‪ ،‬حتوال إلى هضبتني‬ ‫وكانت زوجــــ� � ��ة الزعيم ماو تقوده� � ��ا‪ ،‬وأدت لتراجع‬
‫وأحاطا بالنهر‪ ،‬فس� � ��يطرا عليه وأصبح الس� � ��كان‬ ‫عجلة النهض� � ��ة الصينــــية‪ ،‬التي اس� � ��تردت عافيتها‬
‫ينعمون بحياة هادئة مثمرة‪.‬‬ ‫اآلن‪.‬‬
‫وهبط طائرا كركي من الس� � ��ماء ليحتفال مع‬
‫الس� � ��كان بهذا النصر‪ ،‬واس� � ��تقرا ف� � ��وق هضبتي‬ ‫اللواء الثعبان ورفيقه السلحفاة‬
‫الثعب� � ��ان والس� � ��لحفاة اللذي� � ��ن يرم� � ��زان للحكمة‬ ‫يهزمان الفيضان‬
‫وطول العمر‪ ،‬وهما الس� �ل��احان اللذان برزا فــــي‬ ‫تقع مدينة ووهان على ضفاف نهر الياجنتسي‪،‬‬

‫‪48‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 48‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:01 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫املبنى التراث������ي اجلميل على تل الثعبان في مكان‬ ‫معركتــهما مع الفيضان‪.‬‬


‫يبعد عن مكانه األصلي بكيلومتر واحد‪.‬‬
‫وهناك أس������اطير عديدة عن أسباب بناء ذلك‬ ‫برج الكركي األصفر ومعركة البقاء‬
‫الب������رج‪ ،‬أش������هرها أن راهباً طاوي������اً (الطاوية هي‬ ‫اجلو في الصني بصفة عامة مليء بالضباب‬
‫معتقد قدمي لدى أهل الصني) جاء ملنزل يس������كنه‬ ‫والتصوي������ر فيه صعب‪ ،‬وكن������ت أختار املكان الذي‬
‫صانع جرار وطلب أن يش������رب‪ ،‬فتجاهله الرجل‪،‬‬ ‫نزوره بحس������ب الشمس التي أشرقت ذات صباح‪،‬‬
‫ولكن ابنه قدم له مش������روباً‪ ،‬وبعد زيارات مجانية‬ ‫فذهبن������ا إل������ى «ب������رج طائ������ر الكرك������ي األصفر»‪.‬‬
‫ع������دة قام الراهب بس������داد دينه بأن رس������م طائر‬ ‫والكرك������ي هو طائ������ر أبيض ذو س������اقني طويلتني‬
‫كركي يرق������ص كلما صفق له االبن‪ .‬وهكذا رقص‬ ‫كالبجع ويعرفه ق������راء كتاب «كليلة ودمنة» إذ جاء‬
‫الكركي وسمع أهل املدينة بذلك الراقص العجيب‬ ‫ذكره فيه مرات عديدة‪ ،‬وقد صار أصفر في هذا‬
‫وصاروا يزورون املن������زل وزادت ثروة العائلة التي‬ ‫الب������رج ألنه طائر مس������حور‪ ،‬وعلى م������دى القرون‬
‫بنت البرج تكرمياً للراهب الطاوي‪.‬‬ ‫تس������ببت احلروب واحلرائق وخطط التعمير في‬
‫وألوض������ح الصورة‪ ،‬فأنا ذهبت للصني معتقداً‬ ‫هدم هذا البرج كلياً وجزئياً سبع عشرة مرة‪ ،‬ومع‬
‫أن جمي������ع املباني كما نراها في األفالم هي مبان‬ ‫ذلك فقد بقي رمزا ملدينة ووهان‪ .‬وعلىالرغم من‬
‫صغيرة لها أسطح منحدرة بأطراف مدببة‪ ،‬وكانت‬ ‫أن الدولة قررت في عام ‪ 1957‬إزالته وبناء جسر‬
‫الصدمة أن شركات املقاوالت (كما هي احلال في‬ ‫الياجنتسي على أنقاضه‪ ،‬فإن البرج قد بعث حياً‬
‫بكني والقاهرة) تقوم بص������ورة منتظمة بهدم تلك‬ ‫من بني األط���ل��ال بعد ‪ 24‬عاماً ف������ي عام ‪،1981‬‬
‫املنازل وبناء مبان ش������اهقة حديثة مكانها‪ ،‬وهكذا‬ ‫حني قررت سلطات مدينة ووهان إعادة بناء ذلك‬

‫‪49‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 49‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:06 AM‬‬


‫فإن أي مبنى صغير ذي سقف‬
‫منحدر يصبح أث� � ��راً بديعاً في‬
‫عيون ال� � ��زوار‪ ،‬وكائن � � �اً قبيحاً‬
‫يجب هدمه في عيون شركات‬
‫املقاوالت‪.‬‬
‫وصلن� � ��ا للب� � ��رج ونزلت من‬
‫الس� � ��يارة وانهمكت في تصوير‬
‫املبني� �ي��ن البديع� �ي��ن الكائن� �ي��ن‬
‫أمام� � ��ي وال� � ��زوار الصيني� �ي��ن‬
‫املتناثرين عليهما إلى أن لفتت‬
‫إمي� � ��ي نظري إل� � ��ى أنني أضيع‬
‫الوقت في تصوير بوابة البرج!‬
‫اجتزن� � ��ا البواب� � ��ة وركبنا حافلة‬
‫تش� � ��به الطفط� � ��ف (مجموعة‬
‫مقاع� � ��د يجرها س� � ��ائق) تقوده‬
‫صيني� � ��ة حس� � ��ناء وصعدنا إلى‬
‫قم� � ��ة ت� � ��ل الثعبان حي� � ��ث ظهر‬
‫البرج ال� � ��ذي كان مختبئاً وراء‬
‫األشجار‪.‬‬
‫وجدت نفس� � ��ي بني برجني‬
‫أحدهم� � ��ا مرتف� � ��ع واآلخ� � ��ر‬
‫أكث� � ��ر ارتفاع � � �اً‪ .‬صعدت األول‬
‫مس� � ��تبعداً حتى محاولة صعود‬
‫اآلخ� � ��ر‪ .‬ف� � ��ي أثن� � ��اء صعودي‬
‫س� � ��معت صدى عميق � � �اً لرنني‬
‫جرس عمالق‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫ارتفاع الصوت‪ ،‬فإنه لم يسبب‬
‫أي إزع� � ��اج‪ ،‬فهو صوت متناغم‬
‫متاماً مع امل� � ��كان‪ .‬وصلت إلى‬
‫القم� � ��ة فوج� � ��دت أن األطفال‬
‫والكبار يدفعون رسوماً رمزية‬
‫لك� � ��ي يدق� � ��وا ذل� � ��ك اجل� � ��رس‬
‫الهائل‪.‬‬
‫وقد جذبني ب� � ��رج الكركي‬
‫األكثر ارتفاعاً إلى تسلقه وقد‬
‫اجتذبني سور الصني واجلبال‬
‫التي رأيتها في ما بعد‪ .‬الصعود‬
‫ال يتس� � ��بب ف� � ��ي أي إره� � ��اق‪،‬‬
‫واختالف املش� � ��اهد والرس� � ��وم‬

‫‪50‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 50‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:12 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫إيشان‪ ...‬أخدود املياه البللورية‬

‫‪51‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 51‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:16 AM‬‬


‫الواح� � ��دة‪ ،‬وكان عليه� � ��ا أن تتص� � ��ل مبطعم ليفتح‬ ‫احلائطية ينس� � ��يك الدنيا وكل ما فيها‪ .‬كل زاوية‬
‫أبواب� � ��ه خصيص � � �اً لن� � ��ا‪ ،‬ووقفت س� � ��يدة محترمة‬ ‫في كل طابق تختل� � ��ف متاماً عن غيرها‪ ،‬وفي كل‬
‫خلدمتنا وحدنا وقررت بعد ذلك أن أتبع التوقيت‬ ‫دور أشعر أنني ألتقط صوراً تختلف عما التقطته‬
‫الصيني‪ ،‬حتى لو أدى ذلك إلى أن أترك الشمس‬ ‫من الزاوية نفس� � ��ها في الدور الس� � ��ابق‪ ،‬وسبحان‬
‫وزوايا اإلضاءة والتصوير‪.‬‬ ‫الله في ذلك اإلبداع املعماري املبتكر‪.‬‬
‫بعد الغداء الصيني جذب انتباهي سرب بديع‬ ‫أهم م� � ��ا رأيته هو تل الس� � ��لحفاة في الطرف‬
‫مكون من أربع عرائس بفساتني الزفاف البيضاء‪،‬‬ ‫الغرب� � ��ي من ووهان‪ ،‬وكذل� � ��ك متثال الكركي الذي‬
‫ميشني بسرعة في الطريق ويدخلن حديقة اسمها‬ ‫عل� � ��ى الرغم من ضخامته‪ ،‬فإن� � ��ه يظهر فجأة من‬
‫«تينجت� � ��او للمناظر اخلالبة»‪ ،‬فتتبعتهن بس� � ��رعة‬ ‫الالمكان‪.‬‬
‫وأخبرت آني باللغة العربية أن تشتري لي تذكرة‪،‬‬ ‫بدأت املرش� � ��دة في استعجالي ألنهم معتادون‬
‫ويا للعجب‪ ،‬فقد فهمت واشترت التذكرة‪ .‬عرفت‬ ‫عل� � ��ى تن� � ��اول الطعام ف� � ��ي الثانية عش� � ��رة متاماً‪،‬‬
‫أن العرائس والعرس� � ��ان يذهب� � ��ون هناك اللتقاط‬ ‫ومبنتهى الدقة وبال دقيقة تأخير‪ ،‬فش� � ��رحت لها‬
‫الصور التذكارية‪ .‬واكتش� � ��فت أيض � � �اً أن «تينجتاو‬ ‫أنني أتن� � ��اول وجبة الغداء في الس� � ��اعة الرابعة‪،‬‬
‫للمناظ� � ��ر اخلالبة» كانت هي اخلطوة التالية في‬ ‫واألهم أنني أنتظر الش� � ��مس حتى تضيء اجلانب‬
‫رحلتنا‪.‬‬ ‫الغربي من البرج‪.‬‬
‫تبلغ مس� � ��احة «تينجت� � ��او للمناظ� � ��ر اخلالبة»‬ ‫تابعنا اجلدال حتى الواحدة ولم أس� � ��تطع أن‬
‫‪ 13.50‬كم مرب� � ��ع‪ ،‬باإلضافة إلى ‪ 11‬كيلومتراً من‬ ‫أجعله� � ��ا تنتظر أكث� � ��ر من ذلك‪ .‬اكتش� � ��فت بعدها‬
‫املس� � ��احات املائي� � ��ة‪ ،‬وحتتوي على غاب� � ��ات كثيفة‬ ‫مشكلة عجيبة تنفرد بها الصني‪ ،‬هي أن املطاعم‬
‫وبحيرات واس� � ��عة وأبنية متناثرة وشواطئ جميلة‬ ‫الصيني� � ��ة (وهي أغلبي� � ��ة هنا) تغل� � ��ق أبوابها في‬

‫حديقة ووهان‬

‫‪52‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 52‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:19 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫برج الكركى األصفر‬

‫‪53‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 53‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:23 AM‬‬


‫أخدود ظالل املصباح‪ ...‬الذرة جتلب اخلير‬

‫‪54‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 54‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:29 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫فتيات الزي العسكري في فندق إيشان‬

‫ركبنا سيارة «طفطف» مع سائقة حسناء تشبه‬ ‫متعرجة‪ .‬وتش� � ��تهر البحيرة بتاريخ طويل حلضارة‬
‫س� � ��ائقة «طفطف» برج الكركي األصفر للتنزه في‬ ‫الـ ‪( Qu Yuan‬كما تقول الالفتات)‪ ،‬ومع األسف‬
‫احلديقة الشاسعة املطلة على البحيرات الواسعة‬ ‫لم تخبرنا املرش� � ��دة أي شيء عن هذه احلضارة‪،‬‬
‫كالبحر‪ ،‬وصرت مذهوالً م� � ��ن جمال ووهان التي‬ ‫وأخبرتن� � ��ا الش� � ��بكة العنكبوتية واس� � ��عة االطالع‬
‫لم نس� � ��مع عنها وال عن جمالها أبداً‪ .‬وفهمت أن‬ ‫بأشياء كثيرة مختلفة حتمل االسم نفسه‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 55‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:33 AM‬‬


‫«تشاميان ماو» له مكان منفصل‬
‫في هذه احلديق� � ��ة‪ ،‬ولكنه مغلق‬
‫ألنه ال يج� � ��وز لكائن من كان أن‬
‫يرى م� � ��ا كان هو يراه‪ ،‬حتى بعد‬
‫مرور أربعني عاماً على وفاته‪.‬‬
‫كان� � ��ت نزهتن� � ��ا بع� � ��د ذلك‬
‫في منطقة األس� � ��واق الشعبية‪،‬‬
‫وهي مكان يش� � ��به س� � ��وق العتبة‬
‫بالقاهرة‪ .‬بدأت الزيارة بأسواق‬
‫العط� � ��ارة واملكس� � ��رات‪ ،‬وق� � ��د‬
‫أدهشني رخص األسعار واألنواع‬
‫التي لم نس� � ��مع عنه� � ��ا من قبل‪.‬‬
‫بعدها كانت زيارة ملبنى األحذية‬
‫وحقائ� � ��ب الس� � ��يدات‪ ،‬تبعته� � ��ا‬
‫بزي� � ��ارة ملجمع هائ� � ��ل للمالبس‬
‫من خمس� � ��ة أدوار‪ ،‬والنظام فيه‬
‫ه� � ��و أنك كلما صع� � ��دت ارتفعت‬
‫معك األس� � ��عار‪ ،‬فاكتفيت بالدور‬
‫الراب� � ��ع‪( ...‬الحظ أنن� � ��ا كنا في‬
‫منطقة أس� � ��عار ش� � ��عبية‪ ،‬ولكن‬
‫األس� � ��عار تتزايد بسرعة وكذلك‬
‫النوعية تصبح ممتازة وليس� � ��ت‬
‫كالبضائع الصيني� � ��ة الرخيصة‬
‫التي نراها في بالدنا)‪.‬‬
‫وف� � ��ي جولتن� � ��ا ف� � ��ي مناطق‬
‫األسواق‪ ،‬الحظت كيف أن الرجل‬
‫الصين� � ��ي ال يس� � ��عى للمس� � ��اواة‬
‫باملرأة ب� � ��أي ش� � ��كل‪ ،‬فاألعمال‬
‫الش� � ��اقة التي رأيته� � ��ا‪ ،‬كتنظيف‬
‫وكنس ومس� � ��ح بالط األس� � ��واق‬
‫التجارية والش� � ��وارع والقطارات‬
‫وقي� � ��ادة الطفط� � ��ف تنف� � ��رد بها‬
‫امل� � ��رأة متاماً‪ ،‬ب� � ��ل وأحياناً تقوم‬
‫السيدات بحمل البضائع الثقيلة‬
‫في األسواق‪.‬‬

‫شيان شيان وأوشان‬


‫انتهت زي� � ��ارة ووهان وركبت‬
‫قط� � ��اراً بطيئاً يس� � ��ير بس� � ��رعة‬

‫‪56‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 56‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:37 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫أبراج محيطة بالكركي األصفر ومدينة ووهان في اخللفية‬

‫‪57‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 57‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:40 AM‬‬


‫ووهان‪ ...‬محال املالبس‬

‫املهم‪ ،‬نزلت م� � ��ن القطار محم ً‬


‫ال بحقيبتي الثقيلة‬ ‫مائتي كيلومتر في الس� � ��اعة‪ ،‬متجها ملكان اس� � ��مه‬
‫واحلقيبة األخرى التي صارت محملة بالتذكارات‬ ‫«إيشان»‪ .‬عند الوصول مررت بتجربة البد أن متر‬
‫والهدايا وقناع الوقاية من الغازات الذي يوزعونه‬ ‫أول االسم املكتوب‬ ‫بها لتكتمل خبراتك الصينية‪ .‬اً‬
‫في كل فنادق الصني‪ ،‬وحقيبة الكاميرا‪ ،‬التي على‬ ‫عل� � ��ى التذكرة يختلف عن االس� � ��م ال� � ��ذي أعرفه‪،‬‬
‫الرغم م� � ��ن وزنها اخلفيف‪ ،‬فإنها حتتاج إلى ذراع‬ ‫واالثنان يختلفان عن االس� � ��م الذي ذكرته اإلذاعة‬
‫ثالثة‪ .‬ال أذكر بالضب� � ��ط كيف ضللت طريقي في‬ ‫الداخلية‪ ،‬وكان من حسن احلظ أننى سأنزل في‬
‫محطة القطار‪ ،‬ولكني أذك� � ��ر معاناتي وأنا أهبط‬ ‫احملطة النهائية وبالتالي فلم يتحرك بي القطار‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 58‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:45 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ووهان‪ ...‬محال حقائب السفر‬

‫ملرحل� � ��ة الـ«هوِ ن� � ��دوِ ن» بالصيني� � ��ة أي «الهي� � ��ول»‬ ‫ال بهذه احلقائب‪ ،‬والسيدة‬ ‫الساللم الطويلة محم ً‬
‫بالعربية أو ‪ Chaos‬باإلجنليزية‪ ،‬أو الضياع بلغتنا‬ ‫البالغ� � ��ة اللطف والرقة التي اقتربت وحملت عني‬
‫العامية‪.‬‬ ‫أكبر احلقائ� � ��ب حجماً وهبطت بها الس� � ��لم‪ ،‬وأنا‬
‫وقفت عل� � ��ى البواب� � ��ة واجلمي� � ��ع يدخلون إال‬ ‫ال «ش� � ��يان شيان»‪ ،‬أي ش� � ��كراً‪ .‬وصلت‬ ‫أمتتم قائ ً‬
‫أنا‪ ،‬فق� � ��د كنت بالداخل فعال‪ .‬جاءت س� � ��يدة من‬ ‫أخي� � ��راً لباب ف� � ��ي صالة هائلة‪ ،‬ممتلئ� � ��ة بالركاب‬
‫الشرطة وطلبت مني اخلروج فرفضت خوفاً من‬ ‫الذين يدخلون‪ ،‬وكان واضحاً أنني وصلت لصالة‬
‫الـ «هوِ ندوِ ن» وأخبرتها بالعربية أنني ضيف على‬ ‫املغ� � ��ادرة بدالً من صالة الوص� � ��ول‪ ،‬وأنني وصلت‬

‫‪59‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 59‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:50 AM‬‬


‫ونزال وهما يغنيان أغنية شعبية‪ .‬وصلنا وأنزالني‬ ‫احلكومة الصينية‪ ،‬فأش� � ��ارت إل� � ��ى مقعد بجانب‬
‫وابتس� � ��ما في س� � ��عادة وهما يتن� � ��اوالن أجرهما‪.‬‬ ‫البواب� � ��ة وطلبت مني اجللوس‪ .‬جاء رجل ش� � ��رطة‬
‫قالت س� � ��يوالو إنني يجب أال أش� � ��عر بالذنب فقد‬ ‫ليجلس في املكان الذي كنت جالس � � �اً فيه‪ ،‬وأشار‬
‫ساعدتهما على مواجهة مصاريف احلياة‪.‬‬ ‫فش َر َحت‬ ‫إلي باخلروج فرفضت وجاءت الس� � ��يدة َ‬
‫دخلن� � ��ا أخدود «املياه البلورية» ولم أكد أخطو‬ ‫ل� � ��ه بالصينية ما كنت قد ش� � ��رحته له� � ��ا بالعامية‬
‫خط� � ��وات عدة حتى أدركت أنن� � ��ي أمام منظر من‬ ‫املصرية‪ ،‬وفهم هو وأشار إلي بأن أتبعه‪ .‬تبعته في‬
‫أجمل ما ميكن أن تشاهده عيون البشر‪ .‬األخدود‬ ‫ممرات داخلية مظلمة حتت الس� �ل��الم الرئيسة‪،‬‬
‫عمي� � ��ق وس� � ��ط منحدري� � ��ن مغطي� �ي��ن باخلضرة‬ ‫وتوجس� � ��ت خيفة أن يكونا قد أساءا فهم ما قلته‪،‬‬
‫واألش� � ��جار‪ ،‬وف� � ��ي نهايتهم� � ��ا نب� � ��ع س� � ��اكن يبدو‬ ‫لكنه في احلقيقة أثبت كفاءة مذهلة إذ وصل بي‬
‫كالكريستال وعليه صيادون‪ .‬انتهى الكالم ولكني‬ ‫إلى سيدة حتمل الفتة مكتوباً عليها اسمي‪.‬‬
‫أشعر أن الكلمات خانتني ببساطة‪ .‬ال يوجد كالم‬ ‫اختطفتني السيدة مبتسمة وقالت إننا نتأخر‬
‫أستطيع قوله‪ ،‬ورمبا كانت كلمات واحد من الزوار‬ ‫على آخر قارب‪ .‬كان اس� � ��مها سيوالو‪ ،‬وكانت أول‬
‫هي خير ما يعبر عن املكان‪ ،‬إذ قال إن هذا املكان‬ ‫مرش� � ��دة ال تستخدم اسماً صينياً وآخر إجنليزياً‪.‬‬
‫يبدو وكأنه أحد األماكن التي صنعها الله سبحانه‬ ‫ركبنا ع ّبارة عبرت بنا محيط الياجنتسي وصوالً‬
‫وتعالى ليعطينا حملة عما ستكون عليه اجلنة‪.‬‬ ‫إل� � ��ى فن� � ��دق أنيق على الش� � ��اطئ‪ ،‬وب� � ��دأت رحلة‬
‫سرت والزوار على اجلانب األيسر من الينبوع‪،‬‬ ‫ال احلقيب� � ��ة الثقيلة صعوداً وأنقذني‬ ‫املعاناة حام ً‬
‫وإذا بكلب ضخم يعدو بس� � ��رعة متتبعاً سرباً من‬ ‫أحد البحارة إذ حملها ببساطة إلى فندق «أخدود‬
‫القرود على األش� � ��جار‪ ،‬وسيدة جالسة على قارب‬ ‫ظ� �ل��ال املصب� � ��اح»‪ ،‬وانصرف م� � ��ن دون أن ينتظر‬
‫ف� � ��ي الينبوع بجوار ش� � ��باك الصيادي� � ��ن‪ ،‬وأخرى‬ ‫منحة أو أي شيء‪.‬‬
‫جالسة على جسر تستمع ألشعار أحد العاشقني‬ ‫وصلت الفن� � ��دق ووجدت ثالث فتيات أنيقات‬
‫وسواق خشبية وصياد‬ ‫ٍ‬ ‫الواقف على أول اجلسر‪،‬‬ ‫في زي عس� � ��كري يجلس� � ��ن وراء مكتب االستقبال‬
‫عجوز كأننا في أس� � ��طورة قدمي� � ��ة عادت للحياة‪،‬‬ ‫ويبتس� � ��من‪ ،‬قمن بإعطائي غرفة تطل على النهر‬
‫وفي نهاية كل ذلك ش� �ل��ال ينساب على الصخور‬ ‫تقع في الدور الثالث‪ .‬سألت عن املصعد فاعتذرن‬
‫في ه� � ��دوء‪ ،‬وقال أحد املارة إن الش� �ل��ال ضعيف‬ ‫وقل� � ��ن إنه ال توجد مصاعد‪ .‬اعت� � ��ذرت أنا اآلخر‬
‫وهادئ لعدم سقوط أمطار‪.‬‬ ‫وطلبت غرفة في ال� � ��دور األرضي فاعتذرن وقلن‬
‫وفجأة س� � ��معنا تفجيرات على اجلبال‪ ،‬وقال‬ ‫إنه ال يوجد في الدور األرضي غرف‪ .‬في النهاية‬
‫واحد من العاملني ببواطن األمور إن خط الكهرباء‬ ‫حصلت عل� � ��ى غرفة ف� � ��ي ال� � ��دور األول‪ .‬وقامت‬
‫انفجر‪ ،‬ونظر له واحد من السكان احملليني وقال‬ ‫إحدى الفتيات وهي تبتس� � ��م بحمل حقيبتي التي‬
‫إن هذا هو ما يقوله سكان املدينة‪ .‬نظرت إليه في‬ ‫يزي� � ��د وزنها على وزنها وحملتها نصف املس� � ��افة‪،‬‬
‫فضول فقال إن هذه ليس� � ��ت انفجارات وإمنا هي‬ ‫ولم أستطع املوافقة على ذلك‪.‬‬
‫صواريخ نارية يطلقها أحد س� � ��كان اجلبل يدعونا‬ ‫ف� � ��ي الصباح ذهبن� � ��ا في مس� � ��يرة طويلة إلى‬
‫ال‪ ،‬أو ألن‬‫بها للغداء أو العش� � ��اء ألنه أجن� � ��ب طف ً‬ ‫ممش� � ��ى مظلل وس� � ��رنا على النهر في جو بديع‪،‬‬
‫أحد أبنائه يت� � ��زوج‪ .‬تذكرت أن الصينيني هم أول‬ ‫واستمرت املسيرة حتى بدأت أشعر أنها قد طالت‬
‫م� � ��ن اخترع الصواريخ النارية‪ .‬وال تس� � ��ألني كيف‬ ‫ال صغير‬ ‫جداً‪ .‬نظرت حولي مستغيثاً فوجدت رج ً‬
‫استطعت تتبع احلوار الدائر باللغة الصينية‪.‬‬ ‫احلجم جالساً على األرض وبجواره مقعد خشبي‪،‬‬
‫بعد انته� � ��اء اليوم عدت للفندق‪ ،‬حيث قضيت‬ ‫فسألت عنه وقالت س� � ��يوالو إنه يحمل الزوار مع‬
‫ليلة هادئة للغاية بعد أن علمت أنه للحصول على‬ ‫رفيقه ويس� � ��ير بهم‪ .‬قام الرجل «الصغير» ونادى‬
‫املياه الساخنة علي أن أفتح صنبور املياه واالنتظار‬ ‫زميله األصغ� � ��ر حجماً منه‪ ،‬وحمالني على املقعد‬
‫ملدة «تتي تو» دقيقة‪ .‬يا سالم على الدقة!‬ ‫اخلش� � ��بي وانطلقا يجريان وصعدا الس� �ل��الم بي‬

‫‪60‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 60‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:53 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫طائر الكركي والسلحفاة والثعبان‬

‫‪61‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 61‬‬ ‫‪7/13/16 9:22:59 AM‬‬


‫أخدود ظالل املصباح‪ ...‬العرض املسرحي احلزين‬

‫‪62‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 36-63.indd 62‬‬ ‫‪7/13/16 9:23:05 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ووجدت عرضاً لبعض الفنون التقليدية الصينية‬ ‫ف� � ��ي الصباح انطلقنا م� � ��رة أخرى إلى أخدود‬
‫كاألكروب������ات‪ ،‬وبع������د أن انتهى جلس������ت أللتقط‬ ‫ثان ه� � ��و أخدود «ظ� �ل��ال املصب� � ��اح»‪ .‬وصلنا إلى‬ ‫ٍ‬
‫بضع صور ولكن س������يوالو صاحت ثانية‪ ،‬فذهبت‬ ‫محطة التليفري� � ��ك ولم ننتظر كثيراً‪ ،‬وفتح الرجل‬
‫مس������رعاً ملش������اهدة عرض حزين عن كيف كانت‬ ‫باب العربة وصاح «بسرعة»‪.‬‬
‫الفتيات ينعزلن جانب������اً لصناعة احلرير‪ ،‬وما إن‬ ‫ركبت بس� � ��رعة وقب� � ��ل أن يغلق الباب صاحت‬
‫انتهى حتى نظرت لي س������يوالو وفهمت ما تريده‪،‬‬ ‫س� � ��يوالو‪« :‬اقفز بس� � ��رعة عندما تصل»‪ .‬املناظر‬
‫فقمت مسرعاً متجهاً للعرض الثالث‪ ،‬الذي كان‬ ‫خالب� � ��ة كما هي دائم � � �اً عند رك� � ��وب التليفريك‪.‬‬
‫عرض������اً لعرائس الظل‪ ،‬وهو فن اخترعته الصني‬ ‫عندم� � ��ا اقترب� � ��ت من القم� � ��ة ه� � ��دأت العربة من‬
‫القدمية‪ ،‬متاماً كالصواريخ النارية‪.‬‬ ‫س� � ��رعتها وقفز رجل وفتح الباب وركض بجانبي‬
‫ً‬
‫بعد العرض نظرت لسيوالو محذرا من أنني‬ ‫صائح � � �اً «كيان» (مع مالحظ� � ��ة أن حرفي الكاف‬
‫لن أحترك وس������أجري لقاء صحفي������اً مع الفنان‪.‬‬ ‫والنون صامتان تقريباً)‪ ،‬فقفزت من العربة وهي‬
‫وس������رنا بعدها في ش������وارع القرية القدمية التي‬ ‫سائرة وأخذت أراقب راكبة أخرى تقفز فيها وهي‬
‫حتتوي على احلرف واملنازل القدمية والفنانني‪،‬‬ ‫ف� � ��ي طريقها للهبوط مرة أخ� � ��رى‪ .‬نظرت ورائي‬
‫وانته������ى اليوم مبس������يرة طويلة لق������ارب للفندق‬ ‫فإذا بس� � ��يوالو قادمة في العرب� � ��ة التالية‪ ،‬وهناك‬
‫وصنبور املياه املثلجة ملدة «تتي تو» دقيقة‪.‬‬ ‫حوالي خمس� � ��ون عربة تتح� � ��رك على التوالي كي‬
‫وج������اء دور االقتصاد بعد ذلك‪ ،‬إذ إن الصني‬ ‫تس� � ��توعب هذا العدد الهائل م� � ��ن الزوار‪ ،‬وأنه ال‬
‫قد ش������يدت أعظم وأكبر سد في العالم في هذه‬ ‫وقت لوق� � ��وف كل منها ث� �ل��اث دقائق حتى يهبط‬
‫املنطقة فوق الياجنتس������ي وسمته «سد األخاديد‬ ‫الركاب وثالثاً أخرى ليصعد الركاب في طريقهم‬
‫الثالثة»‪ .‬زيارة الس������د متعة في حد ذاتها‪ ،‬وتبدأ‬ ‫للن� � ��زول‪ .‬وهك� � ��ذا فاملجتمعات كبي� � ��رة العدد لها‬
‫بصع������ود أعلى س������لم كهربائي رأيت������ه في حياتي‬ ‫قوانينها اخلاصة بها‪.‬‬
‫وص������والً إلى نصب ت������ذكاري هائ������ل يقف أمامه‬ ‫وصلنا القمة وأش� � ��ارت س� � ��يوالو إلى صخرة‬
‫جميع الزوار ليلتقطوا صوراً «سيلفي» وغيرها‪،‬‬ ‫هائل� � ��ة ضخم� � ��ة تقف على س� � ��ن مدبب‪ ،‬تس� � ��مى‬
‫وبعد مس������يرة جميلة وس������ط حقول الورد ونزول‬ ‫باملصباح وس� � ��مي األخدود باس� � ��مها‪ .‬مع األسف‬
‫ثم احلافلة ثم الس������د‪ ،‬الذي لم أس������تطع التقاط‬ ‫الصورة لن تكون واضحة ألنها مغطاة باألشجار‪،‬‬
‫صورة واضحة له نظراً ألن نسبة الضباب كانت‬ ‫وبدأنا النزول‪ .‬على قمة أخرى قريبة يجلس فتى‬
‫أعلى م������ن العادي بكثير (ويق������ال إنه تلوث‪ ،‬وإن‬ ‫يعزف على ناي صيني منتف� � ��خ كالبالونة‪ ،‬يرتدي‬
‫كن������ت ال أفهم كيف ميكن له������ذا التلوث أن يوجد‬ ‫مالب� � ��س تقليدية وال يتوقف ع� � ��ن العزف‪ .‬ظننت‬
‫في مس������احات مائية هائلة كهذه)‪ ،‬وأخيراً تصل‬ ‫أنه يس� � ��تجدي بع� � ��ض النقود فحاول� � ��ت الصعود‬
‫حملالت جتارية ش������عبية ورسمية لبيع احملاصيل‬ ‫ل� � ��ه ولكن كانت كل الطرق مس� � ��دودة‪ .‬تعجبت من‬
‫الزراعية ومعها التذكارات‪ .‬تس������تقل خالل هذه‬ ‫هذا الش� � ��حاذ الذي يجلس في مكان مس� � ��تحيل‬
‫الرحلة حوالي س������تة أن������واع من املواصالت حتى‬ ‫كه� � ��ذا‪ ،‬ولكن اتضح أنه فنان وعمله هو أن يجلس‬
‫تخرج‪ .‬السد ينتج كهرباء تكفي للمنطقة بالكامل‪،‬‬ ‫مرحباً بالضي� � ��وف‪ ،‬فاألخدود هو‬ ‫هن� � ��اك ليعزف ّ‬
‫باإلضافة لتوفير املياه للزراعة‪.‬‬ ‫قلع� � ��ة للحرف التقليدية تع� � ��رض فيها الصناعات‬
‫وف� � ��ي النهاية‪ ،‬أمضيت ليلتني في إيش� � ��ان في‬ ‫املنقرضة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫فندق فاخ� � ��ر وطعام غربي كال� � ��ذي نأكله في كل‬ ‫ال وجدت فيه مقهى بسيط‬ ‫هبطت سلماً طوي ً‬
‫أنح� � ��اء العالم‪ ،‬ونزهة جميلة ث� � ��م قطار ثم طائرة‬ ‫يبيع الش������اي الصيني األخضر الصحي الذي ال‬
‫لبكني‪ ،‬وبعد وجبة صينية لذيذة في املطار طرت‬ ‫أحتمل طعمه‪ ،‬وبعض املشروبات املثلجة‪ .‬تابعت‬
‫للقاه� � ��رة متمنياً أن أزور بقي� � ��ة مقاطعات الصني‬ ‫النزول على مهل حتى صاحت سيوالو لكي أسرع‬
‫التي لم نسمع عنها شيئاً >‬ ‫فالعرض على وش������ك أن يبدأ‪ .‬هبطت بس������رعة‬

‫‪63‬‬
‫ووهان‪ ...‬شيكاغو الصني مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬

‫‪aug 36-63.indd 63‬‬ ‫‪7/13/16 9:23:10 AM‬‬


‫تاريخ‬

‫مكانة االقتصاد‬
‫في الحركة الصليبية‬
‫كاتب وأكادميي من سورية‬ ‫د‪ .‬عادل زيتون‬

‫لع���ب االقتص���ا ُد دوراً مهم ًا في تاري���خ الحركة الصليبي���ة‪ ،‬ولم يتجل هذا‬
‫الد ُور في دوافعها ووقائعها فحسب‪ ،‬وإنما تجلى في نتائجها ومصيرها‬
‫أيض ًا‪ .‬ويس���تهدف هذا المقال إلقاء الضوء على أثر العامل االقتصادي‬
‫في تش���كيل ه���ذه الحركة‪ ،‬والس���يما أنها فش���لت في تحقي���ق أهدافها‬
‫السياسية والدينية‪ ،‬في حين نجحت في الميدان االقتصادي الذي ترتب‬
‫عليه إحداث تبدالت عميقة في بنية المجتمع األوربي في أواخر العصور‬
‫الوسطى‪.‬‬

‫يعيشونها إلى األرض التي تفيض باللنب والعسل‪.‬‬ ‫حتدثنا املصادر التاريخية أن الدوافع الدينية‬
‫أما طبقة التجار التي كانت حتكم اجلمهوريات‬ ‫والسياسية لم تكن هي الدوافع الوحيدة للحروب‬
‫اإليطالية الثالث‪ :‬البندقية وجنوه وبيزا‪ ،‬فقد دعمت‬ ‫الصليبي� � ��ة‪ ،‬وإمن� � ��ا تتصدره� � ��ا جميع � � �اً الدواف� � ��ع‬
‫هذه احلركة بحثاً عن الثروة والسيطرة على جتارة‬ ‫االقتصادي� � ��ة‪ .‬وتؤكد أن أوربا الغربية كانت تعاني‪،‬‬
‫ش� � ��رق املتوسط‪ ،‬ولهذا ما كاد يصل الصليبيون إلى‬ ‫قبي� � ��ل احلملة الصليبية األولى ع� � ��ام ‪ ،1096‬أزمة‬
‫الش� � ��مال الس� � ��وري ويحاصرون أنطاكية عام ‪1097‬‬ ‫اقتصادية قاس� � ��ية نتيجة توالي س� � ��نوات القحط‬
‫حتى اندفعت هذه اجلمهوريات ملساعدتهم‪ .‬وطاملا‬ ‫واجلف� � ��اف وانكماش األراض� � ��ي الزراعية وازدياد‬
‫أنها كانت‪ ،‬باإلضافة إلى مرس� � ��يليا الفرنسية‪ ،‬هي‬ ‫ال عن‬ ‫عدد الس� � ��كان وكثرة احلروب احمللية‪ ،‬فض ً‬
‫القوى البحرية األساس� � ��ية في أورب� � ��ا آنذاك‪ ،‬فلم‬ ‫حي� � ��اة البؤس التي كانت تعيش� � ��ها طبقة الفالحني‬
‫يكن بإمكان الصليبيني احتالل مدن الس� � ��احل من‬ ‫بكل فئاتها في ظل قيود النظام اإلقطاعي‪ .‬ولهذا‬
‫دون مس� � ��اعدة أس� � ��اطيلها‪ ،‬كما لم يك� � ��ن باإلمكان‬ ‫فعندما دعا البابا أوربان الثاني للحرب الصليبية‬
‫وص� � ��ول املس� � ��اعدات إليه� � ��م من الغ� � ��رب كاجلنود‬ ‫في مجمع كليرمونت بفرنس� � ��ا عام ‪ ،1095‬كان في‬
‫واملؤن واألس� � ��لحة وآالت احلص� � ��ار واحلجاج ما لم‬ ‫مقدم� � ��ة الذين اس� � ��تجابوا له أبناء ه� � ��ذه الطبقة‬
‫تنقلها هذه األس� � ��اطيل‪ .‬وينبغي أن نؤكد‪ ،‬ثانية‪ ،‬أن‬ ‫والفق� � ��راء واملعدم� � ��ون‪ ،‬وكان دافعه� � ��م إل� � ��ى ذلك‬
‫دع� � ��م هذه اجلمهوريات للصليبي� �ي��ن لم يكن إكراماً‬ ‫التخلص من اجلوع والعبودية واكتس� � ��اب املغفرة‪،‬‬
‫للمس� � ��يحية أو ابتغ� � ��ا ًء ملرضاة الل� � ��ه‪ ،‬وإمنا حتقيقاً‬ ‫والس� � ��يما أنهم كانوا يؤمن� � ��ون مبا وعد به اإلجنيل‬
‫ملصاحلها االقتصادية‪ ،‬فقد كان شعار البنادقة في‬ ‫بأنهم س� � ��يخرجون من حياة البؤس والشقاء التي‬

‫‪64‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 64-67.indd 64‬‬ ‫‪7/13/16 9:24:21 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪65‬‬
‫مكانة االقتصاد في احلركة الصليبية‬

‫‪aug 64-67.indd 65‬‬ ‫‪7/13/16 9:24:23 AM‬‬


‫البندقي� � ��ة مكافأ ًة لها ثالثة أثمان القس� � ��طنطينية‪،‬‬ ‫عصر احلروب الصليبية‪« :‬لنكن بنادقة أوالً ثم لنكن‬
‫كما أصبح لقب حاكم البندقية‪« :‬س� � ��يد ربع ونصف‬ ‫بعد ذلك مس� � ��يحيني»‪ .‬ولهذا لم تقدم اجلمهوريات‬
‫ربع جميع اإلمبراطورية البيزنطية»‪.‬‬ ‫املس� � ��اعدات للصليبيني إال بعد توقي� � ��ع معاهدات‬
‫رس� � ��مية بني قياداته� � ��م‪ ،‬تتضمن االمتي� � ��ازات التي‬
‫السلع واملتاجر‬ ‫ستمنح لها في هذه املدينة أو تلك بعد احتاللها‪.‬‬
‫إن االمتيازات التي حصلت عليها اجلمهوريات‬
‫ف� � ��ي اململكة الصليبية جعلت م� � ��ن جالياتها كيانات‬ ‫الوقائع واالمتيازات‬
‫مس� � ��تقلة إدارياً وقضائي � � �اً ومالي � � �اً‪ ،‬وحولت املدن‬ ‫ش� � ��اركت اجلمهوريات اإليطالية الصليبيني في‬
‫الس� � ��احلية إلى أس� � ��واق عاملية تتوافر فيها متاجر‬ ‫االس� � ��تيالء على مدن الساحل الشامي من أنطاكية‬
‫الش� � ��رق والغ� � ��رب‪ .‬فقد حمل جتارها إلى أس� � ��واق‬ ‫ال عن بعض املدن‬ ‫شماالً حتى عسقالن جنوباً‪ ،‬فض ً‬
‫الغ� � ��رب منتوجات الش� � ��ام ومصر‪ ،‬مث� � ��ل‪ :‬البرتقال‬ ‫ال س� � ��اعدوا الصليبيني في‬ ‫الداخلية‪ .‬فاجلنوية مث ً‬
‫والت� �ي��ن واللوز واألعش� � ��اب الطبية والبلس� � ��م وزيت‬ ‫االس� � ��تيالء على أنطاكية وأرسوف وقيصرية وعكا‬
‫الزيتون والسكر وغيرها‪ ،‬وكذلك األقمشة احلريرية‬ ‫وطرابلس الشام‪ ،‬وس� � ��اعدهم البنادقة في احتالل‬
‫والقطنية والكتانية والسجاجيد واألواني اخلزفية‬ ‫حيف� � ��ا وصيدا وصور‪ ،‬والبيازن� � ��ة بتحصني القدس‬
‫والزجاجية‪ .‬كما حملوا س� � ��لع الشرق األقصى التي‬ ‫واحتالل الالذقي� � ��ة‪ .‬وكانت االمتيازات التي منحها‬
‫كانت تصل إلى مدن الس� � ��احل الشامي على أيدي‬ ‫الصليبيون لهذه اجلمهوريات عديدة‪ ،‬منها أن يكون‬
‫جتار مسلمني ومس� � ��يحيني‪ ،‬مثل‪ :‬احلرير الصيني‬ ‫لكل منها في املدينة حي وس� � ��وق وكنيس� � ��ة ومخبز‬
‫والتواب� � ��ل الهندي� � ��ة بأنواعها واألحج� � ��ار الكرمية‪.‬‬ ‫وحمامات واإلعفاء من بعض الرس� � ��وم‪ .‬ومتس� � ��كت‬
‫وجلبت الس� � ��فن اإليطالي� � ��ة معها م� � ��ن الغرب إلى‬ ‫ال طلبوا‬ ‫اجلمهوريات بهذه االمتيازات‪ ،‬فاجلنوية مث ً‬
‫أس� � ��واق الشام ومصر األخشاب واحلديد والرقيق‪.‬‬ ‫م� � ��ن امللك الصليب� � ��ي بلدوي� � ��ن األول أن يضعوا في‬
‫وكانت البابوية منعت تزويد العرب املس� � ��لمني بهذه‬ ‫كنيس� � ��ة «الضريح املقدس» في القدس لوح ًة نُقش‬
‫املواد ألنها تعزز من قدرات جيش� � ��هم الذي يحارب‬ ‫عليها بحروف ذهبية االمتي� � ��ازات التي ُمنحت لهم‬
‫الصليبيني‪ ،‬فمن األخش� � ��اب واحلديد تصنع السفن‬ ‫واخلدم� � ��ات التي قدمتها جن� � ��وة للصليبيني‪ ،‬ووافق‬
‫واألس� � ��لحة‪ ،‬ومن الرقيق تتش� � ��كل معظم فرق هذا‬ ‫امللك على اقتراحهم‪.‬‬
‫اجليش‪ ،‬ولكن ق� � ��رارات البابوية لم جتد في معظم‬ ‫وبلغ االستغالل االقتصادي للحركة الصليبية‬
‫األحيان آذاناً صاغية‪.‬‬ ‫ذروته عندما حول������ت جمهورية البندقية احلملة‬
‫الصليبية الرابعة عام ‪ 1204‬عن هدفها األصلي‬
‫النقد والصيرفة‬ ‫وه������و احتالل مصر إلى احتالل القس������طنطينية‬
‫كان م� � ��ن النتائج املهمة لتط� � ��ور التجارة وتراكم‬ ‫عاصم������ة اإلمبراطوري������ة البيزنطية املس������يحية‬
‫الثروات التي حتققت في العصر الصليبي إصدار‬ ‫مت ذلك بنا ًء عل������ى اتفاقية‬ ‫األرثوذكس������ية‪ .‬وق������د َّ‬
‫العمالت الذهبية‪ .‬فالعم� �ل��ات الفضية التي كانت‬ ‫س������رية وقعتها البندقية مع الس������لطات األيوبية‬
‫سائدة وقتذاك لم تكن مقبولة في التجارة الدولية‪،‬‬ ‫في مصر‪ ،‬اش������تملت على منح البنادقة امتيازات‬
‫فأصدر امللوك واألمراء الصليبيون عمالت ذهبية‪،‬‬ ‫جتارية في اإلسكندرية مقابل حتويل احلملة عن‬
‫وكان� � ��ت تقلي� � ��داً للدنانير الفاطمي� � ��ة‪ .‬ولكن النقود‬ ‫مصر‪.‬‬
‫الذهبي� � ��ة الت� � ��ي حظيت مبكانة مهمة ف� � ��ي التجارة‬ ‫وبالفع� � ��ل ُحول� � ��ت احلمل� � ��ة التي كان� � ��ت تقلها‬
‫الدولي� � ��ة وقتذاك هي تلك التي أصدرتها جمهورية‬ ‫أس� � ��اطيل البندقي� � ��ة‪ ،‬وه� � ��ي ف� � ��ي ع� � ��رض البحر‪،‬‬
‫فلورنس� � ��ا ع� � ��ام ‪ 1252‬وعرفت باس� � ��م «الفلورين»‪،‬‬ ‫واحتلت القس� � ��طنطينية واقتسم املنتصرون أقاليم‬
‫و«الدوكات» التي أصدرتها جمهورية البندقية عام‬ ‫اإلمبراطوري� � ��ة وجزره� � ��ا‪ ،‬واخت� � ��اروا م� � ��ن بينه� � ��م‬
‫‪ .1282‬ومن النتائج االقتصادية املهمة أيضاً نش� � ��أة‬ ‫إمبراطوراً التيني � � �اً على القس� � ��طنطينية‪ُ .‬ومنحت‬

‫‪66‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 64-67.indd 66‬‬ ‫‪7/13/16 9:24:25 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫سنوات انتصر البنادقة وحلفاؤهم البيازنة وطردوا‬ ‫املص� � ��ارف وما يرتب� � ��ط بها من عملي� � ��ات القروض‬
‫اجلنوية من ح ّيهم واقتس� � ��موه في ما بينهم‪ .‬وتوقف‬ ‫والودائ� � ��ع‪ .‬فلم يع� � ��د التجار واحلج� � ��اج واحملاربون‬
‫الصراع بني اجلمهوري� � ��ات بتوقيع صلح عام ‪1270‬‬ ‫بحاج� � ��ة إلى حم� � ��ل النقود معهم وحتم� � ��ل مخاطر‬
‫ولك� � ��ن كان قد فات األوان ألن س� �ل��اطني املماليك‬ ‫الطرق‪ ،‬وإمن� � ��ا أصبح بإمكانهم إي� � ��داع ما يرغبون‬
‫كانوا قد شرعوا في فتح املدن الصليبية‪ ،‬بل عندما‬ ‫ف� � ��ي حمله من أموال في أح� � ��د فروع املصارف في‬
‫بدأ الس� � ��لطان األش� � ��رف خليل بفتح عكا‪ ،‬عاصمة‬ ‫الغرب ومن ثم تس� � ��لم املبلغ نفس� � ��ه من أحد فروعه‬
‫اململك� � ��ة‪ ،‬عام ‪ ،1291‬جن� � ��د أن البنادق� � ��ة والبيازنة‬ ‫ال‪ .‬والواقع أن هذا‬ ‫في القدس أو ع� � ��كا أو روما مث ً‬
‫دافعوا عنها بضراوة‪ ،‬في حني لم يش� � ��ترك اجلنوية‬ ‫النش� � ��اط املصرفي لم يكن حكراً على اجلمهوريات‬
‫في القتال‪ ،‬ورمبا كان ذلك باالتفاق مع الس� � ��لطان‪.‬‬ ‫اإليطالية مثل البندقية وجنوه وفلورنس� � ��ا فحسب‪،‬‬
‫ولك� � ��ن ينبغي أال نح ِّمل ه� � ��ذه اجلمهوريات وحدها‬ ‫وإمن� � ��ا قامت به منظمات الفرس� � ��ان الرهبان أيضا‬
‫مسؤولية سقوط اململكة الصليبية‪ ،‬ألن هناك قوى‬ ‫وخاصة «فرسان املعبد»‪ ،‬الذين أصبحوا في القرن‬
‫صليبية أخرى تتحمل مسؤولية أكبر‪ ،‬هي منظمات‬ ‫الثالث عش� � ��ر كب� � ��ار مالك املصارف واملؤسس� � ��ات‬
‫الفرس� � ��ان الرهبان (الداوية واإلسبتارية والتيتون)‬ ‫املالية ف� � ��ي الغرب واإلم� � ��ارات الصليبي� � ��ة‪ ،‬نتيجة‬
‫التي كانت قد نش� � ��أت أساساً للدفاع عن األراضي‬ ‫ال لوال‬ ‫ممتلكاتهم الواسعة في الشرق والغرب‪ .‬فمث ً‬
‫املقدس� � ��ة‪ ،‬ولكنها تخلت عن مهمته� � ��ا وغرقت في‬ ‫القروض التي قدمها فرسان املعبد للملك الفرنسي‬
‫عالم املال والتجارة والصيرفة‪.‬‬ ‫لويس السابع ملا متكن من القيام باحلملة الصليبية‬
‫الثاني� � ��ة‪ .‬وقد أثارت ثرواتهم طمع امللك الفرنس� � ��ي‬
‫اخلامتة‬ ‫فحل منظمة فرس� � ��ان املعبد وصادر‬ ‫فيلي� � ��ب الرابع َّ‬
‫في ض� � ��وء ما تقدم ميكن الق� � ��ول إن االقتصاد‬ ‫ممتلكاتهم عام ‪.1312‬‬
‫كان من العوامل األساس� � ��ية الت� � ��ي صاغت احلركة‬
‫الصليبي� � ��ة‪ ،‬واالزده� � ��ار االقتصادي الذي ش� � ��هدته‬ ‫االقتصاد ومصير اململكة‬
‫أوربا‪ ،‬نتيجة هذه احلركة‪ ،‬وما رافق ذلك من س� � � ِّ‬
‫�ك‬ ‫تتحم� � ��ل املنافس� � ��ات االقتصادي� � ��ة احل� � ��ادة‬
‫للعمالت الذهبية وتأس� � ��يس للبيوت� � ��ات املالية‪ ،‬ما‬ ‫واملنازع� � ��ات املس� � ��لحة‪ ،‬التي دارت ب� �ي��ن اجلاليات‬
‫أس� � ��هم في نقل املجتمع األوربي من عالم اإلقطاع‬ ‫التجاري� � ��ة األوربية عام� � ��ة في اململك� � ��ة الصليبية‪،‬‬
‫واألرس� � ��تقراطية القائمة عل� � ��ى نبالة األرض والدم‬ ‫مس� � ��ؤولية كبيرة في دمار هذه اململكة‪ .‬ومن األمثلة‬
‫إلى عالم الرأس� � ��مالية والبورجوازية التجارية منها‬ ‫على ذلك احلرب التي نش� � ��بت بني جنوه والبندقية‬
‫والصناعي� � ��ة‪ .‬وكان ذل� � ��ك كله م� � ��ن مقدمات فجر‬ ‫ح� � ��ول ملكية أحد األدي� � ��رة في ع� � ��كا‪ ،‬حيث قامت‬
‫النهض� � ��ة األوربي� � ��ة احلديثــــة في القرن الس� � ��ادس‬ ‫جن� � ��وه باحتالله عن� � ��وة عام ‪ 1256‬ث� � ��م أغارت على‬
‫عشر >‬ ‫حي البنادقة في املدينة‪ .‬وبعد قتال اس� � ��تمر ثالث‬

‫ما الهبر؟‬
‫قال األعمش‪ :‬سمعت احلجاج على منبر الكوفة يقول‪ :‬يا معشر احلمراء (يعني‬
‫الفرس) تخلفتم عن الغزو‪ ،‬وجلستم على الكراسي‪ ،‬وتبردمت حتت الظالل‪ ،‬فال مير‬
‫بك ��م م ��ار إال قلتم‪ :‬ما الهبر م ��ا الهبر؟ (ما اخلبر؟) والله ألهبرنكم بالس ��يف هبراً‪،‬‬
‫أشغلكم به عن األخبار‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مكانة االقتصاد في احلركة الصليبية‬

‫‪aug 64-67.indd 67‬‬ ‫‪7/13/16 9:24:40 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الثقافة في الكويت‪...‬‬
‫نشأتها وتطورها‬
‫دالل محمد المطيري‬
‫تحتف���ل الكوي���ت هذا الع���ام باختياره���ا عاصمة الثقافة اإلس�ل�امية‪ ،‬وه���و ما جاء‬
‫إثر المس���اهمات المس���تمرة الت���ي تقدمها الكويت على المس���توى اإلنس���اني‪،‬‬
‫ولتقديمها الصورة المعتدلة للروح اإلسالمية المتسامحة مع المجتمعات األخرى‬
‫بغض النظر عن عقائدها الفكرية‪ ،‬وكذلك لدور أهل الكويت في تعزيز مفهوم‬
‫ثقافة السالم والوسطية وتقبل اآلخر والتعايش السلمي بين جميع األديان‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 68-75.indd 68‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:17 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪69‬‬
‫الثقافة في الكويت‪ ...‬نشأتها وتطورها‬

‫‪aug 68-75.indd 69‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:22 AM‬‬


‫كثرة التنقل لألسباب السابق ذكرها‪ ،‬براً‪ ،‬وبحراً‪،‬‬ ‫الثقاف� � ��ة كلمة حتم� � ��ل ف� � ��ي مضمونها‪ ،‬وبني‬
‫أتاح� � ��ت للكويتي� �ي��ن االنفت� � ��اح عل� � ��ى احلضارات‬ ‫تعريفاته� � ��ا العدي� � ��دة‪ ،‬الرق� � ��ي الفك� � ��ري واألدبي‬
‫واملجتمع� � ��ات احمليطة بها‪ ،‬ما أدى إلى اكتس� � ��اب‬ ‫واالجتماعي للشعوب‪ .‬وهي املرآة الصادقة التي‬
‫املعرفة وتقبل كل ما هو جديد ونافع للمجتمع‪.‬‬ ‫تعكس هوية مجتمع ما‪ ،‬والس� � ��لوك الذي يختاره‬
‫ويب� � ��دو أن تلك الظروف ق� � ��د أدت إلى ظهور‬ ‫األف� � ��راد داخ� � ��ل املجتم� � ��ع بإرادته احل� � ��رة‪ ,‬بغية‬
‫إرهاصات مبكرة للثقاف� � ��ة والتعليم في الكويت‪.‬‬ ‫االرتقاء بنفسه وحترير ذاته من االنغالق وضيق‬
‫فق� � ��د ارتبط تاري� � ��خ التعلي� � ��م والوع� � ��ي الفكري‬ ‫األفق‪ .‬والثقافة‪ ،‬أيضا‪ ،‬كمصطلح لغوي واس� � ��ع‪،‬‬
‫بالكويت منذ النشأة األولى للبالد‪ ،‬وكانت البداية‬ ‫تشمل كل ما يتصل باإلنسان من عادات وتقاليد‬
‫في القرن الثامن عشر‪ ،‬ممثلة في اهتمام بسطاء‬ ‫وموروثات اجتماعية وفكري� � ��ة وأدبية وإبداعية‪،‬‬
‫أهل الكويت بالتعليم وحرصهم على حفظ القرآن‬ ‫إضافة إلى مجموع القيم واملعلومات التي حتكم‬
‫الكرمي‪ ،‬واإلملام بالش� � ��ريعة اإلسالمية‪ .‬واتخذت‬ ‫السلوك‪.‬‬
‫ال من‬‫في ذلك الوقت املس� � ��اجد والكتاتيب ش� � ��ك ً‬ ‫وال ش� � ��ك أن الثقافة في الكويت هي امتداد‬
‫أش� � ��كال امل� � ��دارس‪ .‬وكانت الكتاتي� � ��ب تركز على‬ ‫لتراث الثقافة العربية واإلس� �ل��امية‪ ،‬وذلك بحكم‬
‫حتفي� � ��ظ القرآن وتعليم مب� � ��ادئ القراءة والكتابة‬ ‫املوقع اجلغرافي اخل� � ��اص واملتميز الذي حتظى‬
‫وبعض مبادئ العلوم البس� � ��يطة‪ .‬وكان القائمون‬ ‫به دولة الكويت على ساحل اخلليج العربي‪ ،‬الذي‬
‫على تلك الكتاتيب بعض األش� � ��خاص املتطوعني‬ ‫كان ل� � ��ه األثر في جعل املجتم� � ��ع الكويتي منفتحاً‬
‫من رجال الدين في املجتمع الكويتي‪.‬‬ ‫ا للثقافات احمليطة‪ ،‬وس� � ��اهم أيضاً في‬ ‫ومتقب� �ل � ً‬
‫وفي سبيل التعرف على املؤسسات التعليمية‬ ‫نضجها وتفاعلها‪.‬‬
‫والثقافية األولى التي نش� � ��أت في الكويت‪ ،‬التي‬ ‫وحني يت� � ��م اختي� � ��ار الكويت الي� � ��وم عاصمة‬
‫كان لها دور كبير في تش� � ��جيع االهتمام بالثقافة‬ ‫للثقافة اإلسالمية‪ ،‬فإن ذلك ليس أمراً عشوائياً‪،‬‬
‫الحقاً‪ ،‬نع� � ��ود إلى مجلدات «الثقافة في الكويت»‬ ‫بل يؤك� � ��د أن عالقة أهل الكويت بالثقافة عالقة‬
‫الصادرة عن دار س� � ��عاد الصباح‪ ،‬مبشاركة عدد‬ ‫قدمية‪ ،‬أسهم في إقبال أهل الكويت عليها كونها‬
‫كبير م� � ��ن املؤلفني‪ ،‬وتتناول كل ما يتعلق بالثقافة‬ ‫مجتمعاً منفتحاً على اآلخر‪.‬‬
‫في الكويت منذ نشأتها حتى الوقت الراهن‪ ،‬ومن‬ ‫ف� � ��ي مطلع القرن العش� � ��رين‪ ،‬كان� � ��ت الكويت‬
‫أبرز تلك املؤسسات‪:‬‬ ‫مجتمعاً صغي� � ��راً يعتمد اقتص� � ��اده على التجارة‬
‫والصي� � ��د والغوص على اللؤلؤ‪ ،‬كما ش� � ��اعت فيه‬
‫املدرسة املباركية‬ ‫حي� � ��اة البادي� � ��ة املتنقلة وبعض احل� � ��رف اليدوية‬
‫في عام ‪ 1911‬بدأت فكرة إنش� � ��اء املدرس� � ��ة‬ ‫التي حتتاج إليها حياة البحر والبادية‪ .‬وبس� � ��بب‬
‫املباركية‪ ،‬التي تعد أول مدرسة نظامية في دولة‬ ‫تلك الظروف‪ ،‬اشتهرت الكويت بصناعة السفن‬
‫الكويت‪ ،‬وقد س� � ��ميت بهذا االس� � ��م نسبة حلاكم‬ ‫بحرفية‪ ،‬واستطاع من خاللها البحارة الكويتيون‬
‫الكويت في ذلك الوقت الش� � ��يخ مبارك الصباح‪،‬‬ ‫اعت� �ل��اء البح� � ��ار واحمليطات وص� � ��والً إلى الهند‬
‫وكانت أولى ثمرات من� � ��و الوعي وازدياد اليقظة‬ ‫وش� � ��واطئ إفريقيا على تلك الس� � ��فن الشراعية‬
‫الفكري� � ��ة‪ ،‬باعتبار أن التعليم هو حجر األس� � ��اس‬ ‫م� � ��ن أجل التج� � ��ارة والصيد‪ .‬كما ارتبط نش� � ��اط‬
‫في تدعيم كل نهضة‪ ،‬وفي تقدم ورقي الشعوب‪.‬‬ ‫أه� � ��ل الكويت التجاري بالصح� � ��راء والتنقل فيها‬
‫وق� � ��د بدأت فكرة إنش� � ��اء هذه املدرس� � ��ة في‬ ‫ومقاومة املناخ احلار واجلاف‪.‬‬
‫ليل� � ��ة االحتفال باملولد النبوي في ديوان يوس� � ��ف‬ ‫ورغم قس� � ��وة احلياة في ذل� � ��ك الوقت‪ ،‬وقبل‬
‫بن عيس� � ��ى القناعي‪ ،‬وهو أحد رواد النهضة في‬ ‫ظه� � ��ور النف� � ��ط‪ ،‬كان� � ��ت احلياة بس� � ��يطة وهادئة‬
‫الكويت واملس� � ��اهمني في حمل� � ��ة اإلصالح‪ .‬وكان‬ ‫يسودها التفاؤل واحترام الكلمة وااللتزام بالدين‬
‫املجل� � ��س يضم مجموعة كبيرة م� � ��ن أهل الكويت‬ ‫واالنتماء إلى املجتم� � ��ع وتضامن أفراده‪ .‬كما أن‬

‫‪70‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 68-75.indd 70‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:26 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مغادرة الطالب بعد انتهاء اليوم الدراسي عام ‪1951‬‬

‫من الثورة املعرفية اجلديدة على املجتمع الكويتي‬ ‫ورجال الدين من بينهم ياس� �ي��ن الطبطبائي‪ ،‬وهو‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬وقدم داللة على حرص املجتمع‬ ‫أح� � ��د رجال الدين املعروف� �ي��ن‪ ،‬فقام بطرح فكرة‬
‫الكويتي عل� � ��ى االرتقاء‪ ،‬وتنمية مداركه‪ ،‬رغم قلة‬ ‫االقت� � ��داء مبا جاء به النبي  وأن يتعرفوا على‬
‫املوارد وصعوبة املعيشة‪ .‬كما أنها من جهة أخرى‬ ‫س� � ��يرته وأنهم ل� � ��ن يتمكنوا من معرف� � ��ة ذلك إال‬
‫قدمت دلي ً‬
‫ال آخر عل� � ��ى التكافل االجتماعي بني‬ ‫بالتعلي� � ��م‪ ،‬وال علم إال بوجود م� � ��دارس ومعلمني‬
‫أبناء املجتمع‪ ،‬وحب العم� � ��ل اخليري والتطوعي‬ ‫يكونون كالسراج املنير الذي يخرجهم من الطريق‬
‫الراسخ في الكويتيني منذ القدم‪ ,‬حيث أنــشئـــت‬ ‫املظلم إلى النور‪ ،‬واعتبار أن الدين مكون أساسي‬
‫هذه املدرسة ومتت إدارتها من تبرعات الكويتيني‬ ‫م� � ��ن مكونات ثقافة املجتم� � ��ع‪ ،‬وهكذا مت االتفاق‬
‫واجتهاداتهم الش� � ��خصية‪ ،‬أمثال يوسف القناعي‬ ‫على إنشاء أول مدرسة نظامية‪.‬‬
‫وشمالن بن علي وياسني الطبطبائي‪ ،‬باإلضافة‬ ‫وجس� � ��د بناء هذه املدرسة بداية عهد جديد‬ ‫َّ‬

‫‪71‬‬
‫الثقافة في الكويت‪ ...‬نشأتها وتطورها‬

‫‪aug 68-75.indd 71‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:28 AM‬‬


‫املساعدات لألفراد‪ ،‬وجتميع الكتب واملطبوعات‬ ‫إلى تبرعات ومساهمات املواطنني احملبني للعلم‬
‫وتوزيعها‪ ،‬كانت اجلمعي� � ��ة اخليرية تقدم املعونة‬ ‫واملعرفة‪ .‬وكانت بداية انطالقة املدارس النظامية‬
‫العلمي� � ��ة واالجتماعي� � ��ة والدينية‪ .‬وق� � ��ام فرحان‬ ‫في الكويت‪.‬‬
‫اخلالد الذي اش� � ��تهر بحبه للعلم ونشأته الدينية‬
‫وكرمه وس� � ��عيه لإلصالح بإنش� � ��اء هذه اجلمعية‬ ‫اجلمعية اخليرية‬
‫م� � ��ن أمواله اخلاصة لتحقي� � ��ق هدفه النبيل وهو‬ ‫مت ُّيز الكويت في العمل اإلنس� � ��اني واحتاللها‬
‫اإلص� �ل��اح والقضاء على اجلهل خلدمة املجتمع‪.‬‬ ‫مراك� � ��ز متقدمة في العمل اخلي� � ��ري لهما جذور‬
‫وعل� � ��ى الرغم م� � ��ن قلة إمكانات ه� � ��ذه اجلمعية‪،‬‬ ‫ال مع تاريخ ونش� � ��أة البالد‪ ،‬فهما من‬ ‫متت� � ��د طوي ً‬
‫فإنها س� � ��اعدت ف� � ��ي تقدمي خدم� � ��ات رائدة في‬ ‫ت� � ��راث األج� � ��داد وتطلع� � ��ات األبن� � ��اء‪ .‬لكن هذه‬
‫العمل اخليري والتطوعي‪.‬‬ ‫اجلمعي� � ��ة اخليري� � ��ة كان لها دور ثقاف� � ��ي كبير‪،‬‬
‫فه� � ��ي أول جمعي� � ��ة خيرية في الكويت وأنش� � ��ئت‬
‫املكتبة األهلية‬ ‫ع� � ��ام ‪ 1913‬في عهد الش� � ��يخ مب� � ��ارك الصباح‪،‬‬
‫بدأت احلرك� � ��ة الثقافية ف� � ��ي الكويت تأخذ‬ ‫وأسس� � ��ت ككيان أهلي‪ ،‬وتعنى بشكل كبير ببعض‬
‫طريقها إلى التطور واالزدهار بافتتاح أول مكتبة‬ ‫األمور الدينية‪ ،‬وتهتم بارسال بعثات للتعليم على‬
‫عام� � ��ة ف� � ��ي الكويت عام ‪ 1923‬في عهد الش� � ��يخ‬ ‫نفق� � ��ة هذه اجلمعي� � ��ة‪ .‬كما كان لديه� � ��ا عدد من‬
‫أحمد اجلاب� � ��ر‪ .‬وكان قد دعا إلى إنش� � ��ائها في‬ ‫احملاضري� � ��ن الذين كانت تتم دعوتهم للكويت من‬
‫ذل� � ��ك الوقت يوس� � ��ف القناع� � ��ي‪ ،‬واعتمدت على‬ ‫الدول العربية احمليطة‪ ،‬إلثراء احلركة التعليمية‬
‫تبرعات مجموعة من املواطنني وأثرياء الكويت‪،‬‬ ‫والثقافية ف� � ��ي الكويت‪ .‬وباإلضاف� � ��ة إلى تقدمي‬

‫الطالب يتلقون دروسهم في املدرسة املباركية‬

‫‪72‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 68-75.indd 72‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:32 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مكتبة الكويت الوطنية‬

‫‪1924‬‬ ‫بينهم خالد س� � ��ليمان العدساني في عام‬ ‫منهم السيدة ش� � ��اهه الصقر التي تبرعت بشراء‬
‫بتأس� � ��يس ناد يجمعه� � ��م يلتق� � ��ون ويتبادلون فيه‬ ‫األرض لبن� � ��اء املكتب� � ��ة‪ .‬وكان يت� � ��ردد عليها أهل‬
‫اآلراء‪ ,‬بهدف نش� � ��ر الوعي الثقافي واألدبي في‬ ‫الثقافة والعلم لتيسر عليهم االطالع والعلم‪ .‬وقد‬
‫املجتم� � ��ع‪ .‬وبالفعل افتتح النادي األدبي في أبريل‬ ‫أس� � ��همت املكتبة بدورها في ظهور حركة فكرية‬
‫عام ‪ 1924‬وكان مبنزل� � ��ة احتاد لألدباء في ذلك‬ ‫دفعت إلى الساحة بعديد من املفكرين واألدباء‪.‬‬
‫الوقت‪ .‬وكان يجتم� � ��ع فيه األدباء واملفكرون وكل‬ ‫تلق� � ��ت املكتبة عن� � ��د افتتاحها وبدء نش� � ��اطها‬
‫محبي الفكر واألدب‪ ,‬يومياً‪ ,‬لبحث قضايا األدب‬ ‫مجموعة كبيرة من الكتب القيمة‪ ،‬التي قدمها عدد‬
‫واملجتمع النافعة ونش� � ��ر املعرفة بني الشباب في‬ ‫من الكويتيني الذين حتمس� � ��وا لدعم هذا املشروع‪،‬‬
‫ذل� � ��ك الوق� � ��ت‪ .‬وكان أول ناد يؤس� � ��س في تاريخ‬ ‫ومن أهل اخلير واألدباء واحملس� � ��نني الذين تبرعوا‬
‫الكويت‪ ،‬وعندما مت افتتاحه كان له صدى جميل‬ ‫بتزوي� � ��د املكتب� � ��ة مبجموعة متنوعة م� � ��ن املجالت‬
‫ومؤث� � ��ر في جمي� � ��ع أنحاء املنطق� � ��ة‪ .‬وانضم إلى‬ ‫والصحف‪ ،‬ما ترك أثراً في تشجيع القراءة وساعد‬
‫الن� � ��ادي عدد كبير من املثقف� �ي��ن وأصبح ملتقى‬ ‫على بداية النهضة األدبية في الكويت‪.‬‬
‫للش� � ��باب والكبار لتب� � ��ادل اآلراء واألفكار في ما‬
‫بينه� � ��م وإلقاء احملاض� � ��رات ونش� � ��ر العلوم‪ .‬وقد‬ ‫النادي األدبي‬
‫أس� � ��هم أهل الكويت مادياً ومعنوياً‪ ،‬دعماً للنادي‬ ‫فكر مجموع� � ��ة من املثقف� �ي��ن الكويتيني‪ ،‬من‬

‫‪73‬‬
‫الثقافة في الكويت‪ ...‬نشأتها وتطورها‬

‫‪aug 68-75.indd 73‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:36 AM‬‬


‫النادي األدبي‬

‫في تل� � ��ك الفترة‪ ،‬حيث لم تكن وس� � ��ائل االنتقال‬ ‫األدبي‪ ،‬من خالل التب� � ��رع بالكتب واملخطوطات‬
‫احلديثة معروفة في الكويت‪ ،‬كانت املجلة تصدر‬ ‫وإقام� � ��ة الن� � ��دوات وإلق� � ��اء اخلط� � ��ب والقصائد‬
‫وتص� � ��ل إلى قرائه� � ��ا‪ .‬وكان للمجل� � ��ة صداها في‬ ‫الش� � ��عرية‪ ،‬حتى أصبح منارة من منارات الثقافة‬
‫املنطقة‪ ،‬ونالت ش� � ��هرة واسعة ملا كانت حتويه من‬ ‫في ذلك الوقت‪.‬‬
‫تنوع في األفكار واملوضوعات‪ ،‬وإصرار القائمني‬
‫عليه� � ��ا على طرح كل ما هو جديد ومفيد لتغيير‬ ‫مجلة الكويت‬
‫حياتهم لألفضل‪.‬‬ ‫أنش� � ��ئت في ع� � ��ام ‪ 1928‬أول مجل� � ��ة كويتية‬
‫وهي «مجلة الكوي� � ��ت»‪ ،‬أصدرها األديب واملؤرخ‬
‫«الثقافة في الكويت‪ ...‬بواكير ‪ -‬اجتاهات ‪-‬‬ ‫عبدالعزيز أحمد الرش� � ��يد أحد رم� � ��وز الثقافة‬
‫ريادات»‬ ‫الكويتي� � ��ة‪ ،‬وكان مش� � ��هوراً بحب� � ��ه ل� �ل��أدب‪ ،‬وكان‬
‫م� � ��ن الكتب والدراس� � ��ات املهمة التي صدرت‬ ‫مصلح � � �اً اجتماعياً ل� � ��ه آراؤه‪ ،‬ومواقفه الوطنية‬
‫ودونت نش� � ��أة الثقافة في الكويت كتاب «الثقافة‬ ‫املؤثرة والشجاعة في ذلك الوقت‪ .‬وكانت املجلة‬
‫في الكوي� � ��ت‪ ...‬بواكير ‪ -‬اجتاه� � ��ات ‪ -‬ريادات»‬ ‫تدعو إلى التجديد واإلصالح وتهتم بأمور الدين‪،‬‬
‫لألديب واملؤرخ د‪.‬خليف� � ��ة عبدالله الوقيان‪ .‬وهو‬ ‫وكان� � ��ت لها أف� � ��كار واقتراح� � ��ات لدعم اإلصالح‬
‫عبارة عن دراس� � ��ة تاريخية دقيقة مت فيها توثيق‬ ‫والتقدم‪ .‬وقد لعبت املجلة دوراً كويتياً ال يستهان‬
‫املسيرة الثقافية للكويت واجلهود التي بذلت من‬ ‫بقيمته في تلك الفترة املبكرة في نش� � ��ر الثقافة‬
‫املؤسس� � ��ات واألفراد إلثراء الثقافة في املجتمع‪،‬‬ ‫وتأكي� � ��د مش� � ��روع التنوير في املجتم� � ��ع الكويتي‪.‬‬
‫كما يوث� � ��ق أيضا اهتمام الكوي� � ��ت املبكر تاريخيا‬ ‫وكان القائم� � ��ون على املجلة يقوم� � ��ون بطباعتها‬
‫بالثقاف� � ��ة ومواكب� � ��ة أهلها لالجتاه� � ��ات الفكرية‬ ‫خارج الكوي� � ��ت لعدم توافر مطبع� � ��ة في الكويت‬
‫والتنويرية والتفاعل معها‪.‬‬ ‫ف� � ��ي ذلك الوقت‪ .‬وعلى الرغم من صعوبة التنقل‬

‫‪74‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 68-75.indd 74‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:39 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عبدالعزيز الرشيد رئيس حترير مجلة الكويت عام ‪1928‬‬ ‫املدرسة املباركية‬

‫الكوي� � ��ت بالثقافة‪ ،‬قبل فترة طويلة من اكتش� � ��اف‬ ‫يتك� � ��ون الكت� � ��اب م� � ��ن أربعة فص� � ��ول مهمة‬
‫النف� � ��ط‪ ،‬هي م� � ��ا أهلها الحقا لك� � ��ي تنفتح أكثر‬ ‫يتحدث فيها الوقيان عن عوامل االهتمام املبكر‬
‫على الثقاف� � ��ة والفنون‪ ،‬وتقدم من� � ��اذج رائدة في‬ ‫بالثقاف� � ��ة لدى الكويتي� �ي��ن‪ ،‬وعن طبيع� � ��ة املوقع‬
‫العم� � ��ل الثقافي‪ ،‬من خالل إص� � ��دارات ومجالت‬ ‫اجلغرافي واملناخ السياسي واملؤثرات اخلارجية‬
‫ثقافية انتشرت في أرجاء العالم العربي‪ ،‬وكذلك‬ ‫التي أثرت إيجاباً على احلركة الثقافية‪ ،‬ويتطرق‬
‫االنفتاح على فنون املسرح الذي متكنت أن حتفر‬ ‫إلى بدايات نسخ املخطوطات‪ .‬ويع ِّرف باملؤلفات‬
‫لنفس� � ��ها فيه موقعا ال يستهان به‪ ،‬وفنون الدراما‬ ‫املبكرة‪ ،‬وكذلك بالصحف التي صدرت في أوائل‬
‫الحقاً‪ ،‬إضافة إلى املوس� � ��يقى والطرب‪ ،‬وغيرها‬ ‫القرن العشرين‪.‬‬
‫م� � ��ن مجاالت الفنون واآلداب‪ ،‬التي أس� � ��همت من‬ ‫ويع� � ��رف الوقيان أيضا باملؤسس� � ��ات األهلية‬
‫خاللها في التعبير الفني عن هويتها اإلنس� � ��انية‬ ‫التي ظهرت آن� � ��ذاك‪ ،‬كما يتطرق إلى االجتاهات‬
‫ورسالتها اإلنس� � ��انية‪ ،‬وكينونتها كثقافة تعبر عن‬ ‫الفكرية اإلصالحية التي كانت سائدة في الكويت‬
‫االنفتاح على اآلخر‪ ،‬والتفاعل مع ثقافات العالم‬ ‫منذ القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫تأكيداً لقيم التسامح واحترام اآلخر‪.‬‬ ‫ويسلط املؤلف الضوء على إسهامات األدباء‬
‫وال تزال الثقافة اليوم في الكويت كما كانت‪،‬‬ ‫واملفكري� � ��ن الكويتي� �ي��ن ف� � ��ي مناص� � ��رة القضايا‬
‫ثقافة تعبر عن الت� � ��وازن بني األصالة واملعاصرة‪,‬‬ ‫القومية‪ ،‬باإلضافة إلى توثيق أس� � ��ماء أهم الرواد‬
‫بني امل� � ��ادة والروح‪ ,‬بني العل� � ��م واإلميان‪ ...‬ثقافة‬ ‫في املجال الش� � ��عري والقصة القصيرة والرواية‬
‫ثابتة في يقينها في القيم اإلنس� � ��انية األساس� � ��ية‬ ‫واملسرح واملوس� � ��يقى والغناء والفنون التشكيلية‪.‬‬
‫املس� � ��تمدة من القيم الدينية اإلسالمية الروحية‪،‬‬ ‫وتنته� � ��ي الدراس� � ��ة مبالحق تض� � ��م مجموعة من‬
‫تتح� � ��رك وتتفاع� � ��ل وتـــدور حول احمل� � ��ور الثابت‬ ‫الوثائق وعناوين املخطوطات املهمة‪.‬‬
‫املتمثل في السالم والتــــسامح بني املجتمعات >‬ ‫وال شك أن هذه الدالئل املبكرة الهتمام أهل‬

‫‪75‬‬
‫احلياة الثقافية في الكويت ‪ ...‬نشأتها وتطورها‬

‫‪aug 68-75.indd 75‬‬ ‫‪7/14/16 9:53:43 AM‬‬


‫فلسفة‬

‫بحث ًا عن الفلسفة‪...‬‬
‫عن معنى الوجود الحق‬

‫أكادميي من مصر‬ ‫محمد األسعد‬

‫مبحث الس���عادة‪ ،‬أو التأمل في الغايات ومعنى الوجود اإلنساني‪ ،‬من‬


‫المباحث الرئيس���ة في الفلس���فة العربية في مرحلتها اإلس�ل�امية‪ ،‬وهو‬
‫المبحث الذي يعتبره الباحثون سمة مميزة من سمات الفالسفة العرب‬
‫في الفترة الممتدة بين القرنين التاسع والثاني عشر الميالديين‪ ،‬بدليل‬
‫عناوي���ن العدد الكبير من مؤلفاتهم‪ ،‬المفق���ود منها والباقي على حد‬
‫سواء‪.‬‬

‫منحولة‪.‬‬ ‫ألبي يوسف يعقوب الكندي (‪ )873-805‬رسالة‬


‫ويرد موضوع «الس� � ��عادة»‪ ،‬بوصفها غاية سعي‬ ‫«احليلة في دفع األح� � ��زان»‪ ،‬وألبي نصر محمد بن‬
‫اإلنس� � ��ان العاقل‪ ،‬ف� � ��ي تلخيص الفارابي لفلس� � ��فة‬ ‫محمد الفاراب� � ��ي (‪ )950-874‬كتابان‪« ،‬التنبيه على‬
‫أفالطون (‪ 347-427‬ق‪.‬م) في صيغة سؤال وجواب‬ ‫س� � ��بيل السعادة» و«حتصيل الس� � ��عادة»‪ ،‬وألبي علي‬
‫على النحو التالي‪:‬‬ ‫احلس� �ي��ن بن س� � ��ينا (‪ )1037-980‬كتابان يحمالن‬
‫ــ في َم يقوم كمال اإلنسان؟‬ ‫عنوانني مماثلني‪ ،‬أما تلميذ الفارابي‪ ،‬أبواحلس� � ��ن‬
‫ــ في السعادة‪.‬‬ ‫العام� � ��ري (‪ )991-912‬فل� � ��ه كت� � ��اب ش� � ��هير عنوانه‬
‫ــ كيف حتصل السعادة؟‬ ‫«الس� � ��عادة واإلس� � ��عاد»‪ .‬ومن جانبه يؤكد أبوحامد‬
‫ــ بالعلم والسيرة‪.‬‬ ‫الغزال� � ��ي (‪ )1111-1058‬في كتاب� � ��ه «ميزان العمل»‬
‫ــ ما ذلك العلم؟‬ ‫أن غرض الفالس� � ��فة هو التنبيه على سبل حتصيل‬
‫ــ إنه العلم بجوهر كل موجود من املوجودات‪.‬‬ ‫الس� � ��عادة‪ ،‬وأنهم يرون في املعرفة احلقة والس� � ��يرة‬
‫ــ ما تلك السيرة؟‬ ‫الصحيحة الطريق املوصل إليها‪.‬‬
‫ــ إنها السيرة الفاضلة‪.‬‬ ‫وم� � ��ن املعتق� � ��د أن ه� � ��ذا املوضوع انح� � ��در إلى‬
‫ــ كيف يحصل ذلك العلم؟‬ ‫الفالس� � ��فة العرب واملسلمني من الفلسفة اليونانية‬
‫ــ بالفحص والتعلم والتعليم‪.‬‬ ‫الت� � ��ي يت� � ��رادف فيها مفهوم� � ��ا الكمال والس� � ��عادة‪.‬‬
‫ــ أي صناعة تعطي ذلك العلم؟‬ ‫والفلس� � ��فة اليونانية املقصودة هن� � ��ا هي تلك التي‬
‫ــ الفلسفة‪.‬‬ ‫عرفتها الثقافة العربية آنذاك بني القرنني املش� � ��ار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا تك� � ��ون الس� � ��عادة مبحثا فلس� � ��فيا‪ ،‬ألن‬ ‫إليهم� � ��ا‪ ،‬مبا فيه� � ��ا من مؤلف� � ��ات أصيل� � ��ة وأخرى‬

‫‪76‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 76-79indd.indd 76‬‬ ‫‪7/14/16 9:54:45 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪77‬‬
‫بحث ًا عن الفلسفة ‪ ...‬عن معنى الوجود احلق‬

‫‪aug 76-79indd.indd 77‬‬ ‫‪7/14/16 9:54:50 AM‬‬


‫الوط� � ��ن العربي والبلدان املجاورة تقلبات سياس� � ��ية‬ ‫الصناعات األخرى‪ ،‬مثل األلس� � ��نية وصناعة الشعر‬
‫واقتصادي� � ��ة واجتماعي� � ��ة انعكس� � ��ت عل� � ��ى مباحث‬ ‫واخلطاب� � ��ة والصناع� � ��ة العملي� � ��ة‪ ،‬ليس� � ��ت كافية‪،‬‬
‫الفلس� � ��فة وتوجهاتها‪ ،‬فطرأت على مبحث السعادة‬ ‫وبخاص� � ��ة الصناعة األخي� � ��رة على س� � ��بيل املثال‪،‬‬
‫متغي� � ��رات‪ ،‬واعترى مفهومها ش� � ��يء م� � ��ن التضييق‬ ‫فأصحابها ليس مقصده� � ��م الكمال بل نيل األمور‬
‫في مباحث فالس� � ��فة القرن الثاني عش� � ��رامليالدي‪.‬‬ ‫النافعة واملربحة‪.‬‬
‫والس� � ��بب هو تض� � ��اؤل احلل� � ��م بامل� � ��دن «الفاضلة»‬ ‫وهكذا فإن السعادة بهذا الوصف‪ ،‬أي كونها من‬
‫اخليالية في ظل تشظي املمالك واحلروب الداخلية‬ ‫مباحث الفلسفة‪ ،‬ال تعني االستحواذ على األشياء‪،‬‬
‫والغزوات اخلارجية‪ ،‬وما رافقها من تقلبات‪ ،‬بحيث‬ ‫ألن هذا االستحواذ ال مينح لإلنسان العاقل معناه‪،‬‬
‫انتهى األمر إلى االهتمام بأمر اإلنسان «املتوحد»‪،‬‬ ‫أو معن� � ��ى وج� � ��وده احلق‪ ،‬وال تعني م� � ��ن جانب آخر‬
‫أو «املغت� � ��رب» باملفه� � ��وم املعاصر‪ ،‬وصلت� � ��ه بالوجود‬ ‫الفرد املنعزل‪ ،‬ألن املبدأ األس� � ��اس لدى الفالسفة‬
‫احلق‪ ،‬وتدبير ش� � ��ؤونه في خضم م� � ��دن «التخلف»‬ ‫الع� � ��رب أن اإلنس� � ��ان اجتماعي بطبع� � ��ه‪ ،‬وحتقيق‬
‫و«اجله� � ��ل»‪ ،‬كما جتل� � ��ى في كتاب أب� � ��ي بكر محمد‬ ‫الس� � ��عادة ال ميك� � ��ن أن يتم خ� � ��ارج اجلماعة‪ .‬ولهذا‬
‫بن يحيى بن باجة األندلسي (‪ )1138-1080‬املعنون‬ ‫ارتبط مبحث الس� � ��عادة مببحث االجتماع البشري‬
‫«تدبير املتوحد»‪ ،‬وانتهى األمر إلى البحث في قيام‬ ‫وقيام امل� � ��دن «الفاضلة» و«العادلة»‪ ...‬وما إلى ذلك‬
‫وانهيار املدن وال� � ��دول الواقعية وقوانني هذا القيام‬ ‫من صفات ملدن متخيلة ابتكرها عدد من الفالسفة‬
‫واالنهيار‪ ،‬وهو ما مت على يد عبدالرحمن بن خلدون‬ ‫ووضعوا نظمها وأهدافها‪ ،‬وميزوا بينها وبني املدن‬
‫(‪ )1406-1332‬في كتابته «املقدمة» الشهيرة‪.‬‬ ‫«اجلاهلة» أو «الضالة» أو «الفاس� � ��دة»‪ ،‬وكان معيار‬
‫ولكن هذه األسباب والتقلبات لم جتعل مبحث‬ ‫التميي� � ��ز هنا هو معرف� � ��ة ماهية الس� � ��عادة احلقة‪،‬‬
‫ال ف� � ��ي الغايات‪ ،‬أو في‬‫ال‪ ،‬بل ظل تأم ً‬ ‫الس� � ��عادة ناف ً‬ ‫والعمل مبقتضى هذه املعرفة‪.‬‬
‫معنى الوجود اإلنساني‪ ،‬وهو ما سيتبلور الحقاً على‬ ‫وأعطى هذا االجتاه االجتماعي للفلسفة العربية‬
‫نحو واضح في الفلسفة الغربية‪ ،‬التي ورثت التطور‬ ‫سمات مميزة‪ ،‬أهمها العقالنية واملوسوعية‪ .‬ويقوم‬
‫الفلسفي العربي وأضافت إليه ما سيصبح عنوانه‬ ‫مبدأ العقالنية على أساس أن اإلنسان صار إنساناً‬
‫«مبحث الوجود» كما هو مطروح في فلسفات عدة‪،‬‬ ‫بفضل العقل‪ .‬ويقوم مبدأ املوس� � ��وعية على ضرورة‬
‫في فلس� � ��فة مارتن هايدغ� � ��ر (‪ )1976-1889‬حتت‬ ‫العل� � ��م بجوهر املوج� � ��ودات‪ ،‬مع ما يعني� � ��ه هذا من‬
‫عنوان «البح� � ��ث عن الوجود احلق»‪ ،‬وفي فلس� � ��فة‬ ‫بحث في تناس� � ��ق العالم وأجزائه‪ ،‬وكان هذا املبدأ‬
‫إريك ف� � ��روم (‪ )1980-1900‬حت� � ��ت عنوان «الوجود‬ ‫ه� � ��و الذي يقف وراء اهتمام الفالس� � ��فة بكل العلوم‬
‫اجلوهري»‪ ،‬على سبيل املثال ال احلصر‪.‬‬ ‫التي تدرس العالم وتبحث في ش� � ��ؤونه‪ .‬وميكننا أن‬
‫إذاً‪ ،‬التس� � ��اؤل ع� � ��ن غاية اإلنس� � ��ان من وجوده‬ ‫ال على‬‫نعد هذا االهتمام بالرؤية الشاملة للكون دلي ً‬
‫جتس� � ��د في الفلسفة العربية‪/‬اإلسالمية في صيغة‬ ‫ّ‬ ‫اإلميان بوحدة الكون‪.‬‬
‫البحث ع� � ��ن الس� � ��عادة‪ ،‬والتأمل في ش� � ��روط هذه‬ ‫فإذا كانت «السعادة» هي الغاية القصوى لالجتماع‬
‫الس� � ��عادة وطرق الس� � ��عي إليها‪ ،‬إما عبر املس� � ��عى‬ ‫البشري‪ ،‬بالدليل الفلسفي الذي مييز بني عالم الكون‬
‫ال في تخيل املدين� � ��ة الفاضلة‪ ،‬وإما‬ ‫اجلماع� � ��ي ممث ً‬ ‫والفس� � ��اد‪ ،‬وعالم اخللود والفناء‪ ،‬ف� � ��إن حتصيلها هو‬
‫عب� � ��ر املس� � ��عى الفردي ممث� �ل��ا في تدبير ش� � ��ؤون‬ ‫حتصيل لس� � ��عادة روحية أو عقلية‪ ،‬وهذه السعادة هي‬
‫اإلنسان املتوحد‪ .‬واتخذ هذا املسعى نهجني؛ النهج‬ ‫اجلديرة بالس� � ��عي وراءها‪ ،‬ألن الزائ� � ��ل ال يورث غير‬
‫العقالني الذي يعتمد على تطور اإلدراك‪ ،‬بدءاً من‬ ‫التعاسة والقلق كما سيرد عند الكندي‪ ،‬وألن السعادة‬
‫إدراك الذات وانتها ًء بإدراك العام احمليط‪ ،‬والنهج‬ ‫خير يؤثر لذاته كما هي عند الفارابي‪.‬‬
‫الصوفي الذي يقس� � ��م البشر إلى أصناف‪ :‬الصنف‬ ‫ولكن امللحوظ أن مبحث الس� � ��عادة لم يبق على‬
‫غير الناطق الشبيه بصنف البهائم‪ ،‬الذي ال يدرك‬ ‫حاله‪ ،‬طريقاً وغاي ًة‪ ،‬في القرون الالحقة‪ ،‬كما كانت‬
‫واجب الوجود‪ ،‬والصن� � ��ف العارف بواجب الوجود‪.‬‬ ‫احلال في بواكير عصر الفلسفة العربية‪ ،‬فقد شهد‬

‫‪78‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 76-79indd.indd 78‬‬ ‫‪7/14/16 9:54:52 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫تنويعاً آخر على موضوعة السعادة لدى اجلماعة‬ ‫وتكمن السعادة الصوفية في دوام مشاهدة املوجود‬
‫الفلسفية املعروفة باسم «إخوان الصفاء وخالن‬ ‫الواجب الوجود‪ ،‬أي إدراك «احلق»‪.‬‬
‫الوفاء» الت������ي دعت‪ ،‬في أواخر القرن العاش������ر‬ ‫جند هذا املوقف األخير عند أبي بكر محمد‬
‫امليالدي‪ ،‬إل������ى إقامة ما يش������به مدينة «روحية»‬ ‫بن عبدامللك بن طفيل (‪ )1185-1100‬الذي يعد‬
‫محاطة بأسوار وخنادق حتميها من جهل وسوء‬ ‫االجتماع البش� � ��ري عائقاً أمام حتصيل السعادة‬
‫أخالق الناس في عصر كانت ش������مس احلضارة‬ ‫ف� � ��ي كتابه «حي بن يقظ� � ��ان»‪ .‬ولكن هذا املوقف‬
‫العربية فيه قد آذنت باملغيب‪.‬‬ ‫ليس هو السمة الطاغية على الفلسفة العربية‪/‬‬
‫وينفرد ابن باجة ف������ي االلتفات إلى واقع أن‬ ‫اإلس� �ل��امية‪ ،‬ألن االجتاه اإلنس� � ��اني هو الس� � ��مة‬
‫اإلنس������ان الباحث عن احلقيقة يجد نفس������ه في‬ ‫الطاغية على هذه الفلس� � ��فة‪ ،‬ومتثل هذا االجتاه‬
‫املدن القائمة متوحداً (مغترباً)‪ ،‬ولذا وجه بحثه‬ ‫في أعمال أعالمها الكب� � ��ار بدءاً بالكندي مروراً‬
‫نحو تدبير شؤون هذا املغترب ومتكينه من نيل‬ ‫بالفاراب� � ��ي‪ ،‬وص� � ��وال إل� � ��ى ابن باجة وابن رش� � ��د‬
‫«السعادة» إن لم تكن موجودة‪ ،‬أو إزالة العقبات‬ ‫(‪ ،)1198-1126‬وكلهم يرى أن االجتماع البشري‬
‫التي تقف دونها‪.‬‬ ‫ضروري لتحصيل السعادة‪.‬‬
‫ويش������ير هذا التنوع إلى مس������ألتني مهمتني‪:‬‬ ‫وسواء تعلق األمر مبدينة «فاضلة» أو «عادلة»‬
‫األولى تنوع االجتاهات الفلسفية التي شاعت في‬ ‫من صنع اخليال‪ ،‬أو بشروط االجتماع اإلنساني‬
‫الوطن العربي خالل مرحلة حتضره اإلسالمية‪،‬‬ ‫ال������ذي يقوم عل������ى عناصر طبيعي������ة واقتصادية‬
‫بني اجتاهات عقالنية واجتاهات غير عقالنية‪،‬‬ ‫كما عند أبي احلس������ن املاوردي (‪ )1058-974‬أو‬
‫والثانية اس������تجابة الفكر الفلس������في للمتغيرات‬ ‫عند ابن خل������دون‪ ،‬يظل هذا املبحث على عالقة‬
‫االجتماعية وحساس������يته البالغة جتاهها‪ .‬ولعل‬ ‫بالواقع البشري وليس مفارقاً له‪.‬‬
‫أحداث إح������راق الكت������ب الفلس������فية أو طمرها‬ ‫وسنجد أطروحة «السعادة» تتنوع وتتغير تبعاً‬
‫في اآلبار‪ ،‬ومطاردة الفالس������فة واضطهادهم‪،‬‬ ‫الهتمام������ات كل عصر‪ ،‬وتبع������اً للتقلبات الفكرية‬
‫وهي أحداث ش������هدتها أماك������ن وأزمان متباعدة‬ ‫واملادية التي تلم به‪ ،‬وتبعاً ملصادر كل فيلسوف‪.‬‬
‫ومختلفة‪ ،‬دليل على اجلوه������ر االجتماعي لهذه‬ ‫ولهذا جند أن تناول الكندي للس������عادة في كتابه‬
‫الفلس������فة الت������ي لم تك������ن كما يظ������ن ضرباً من‬ ‫«احليلة في دفع األحزان» ينصرف إلى غاية هي‬
‫التخي���ل��ات أو األطروح������ات الغامضة‪ ،‬أو مبحثاً‬ ‫تغيير موقف اإلنس������ان من احلياة‪ .‬أما الفارابي‬
‫ال ال قيمة له كما يُعتقد على صعيد ش������عبي‬ ‫ناف ً‬ ‫فهو أكث������ر طموحاً؛ فالغاية لدي������ه الوصول إلى‬
‫حتى اآلن >‬ ‫حالة ش������بيهة بحالة النيرفانا البوذية‪ ،‬وس������نجد‬

‫يكفيني قوت يومي‬

‫مل ��ا رحل ابن الهيثم إلى الش ��ام‪ ،‬أقام عند أمير م ��ن أمرائها‪ ،‬فأجرى ذلك األمير‬
‫عليه أموا ًال كثيرة‪ ،‬فقال له ابن الهيثم‪ :‬يكفيني قوت يومي‪ .‬فما زاد على قوت يومي‬
‫إن أمسكته كنت خازنك‪ ،‬وإن أنفقته كنت وكيلك‪ ،‬وإذا اشتغلت بهذين األمرين‪ ،‬فمن‬
‫يشتغل بعلمي؟!‬

‫‪79‬‬
‫بحث ًا عن الفلسفة ‪ ...‬عن معنى الوجود احلق‬

‫‪aug 76-79indd.indd 79‬‬ ‫‪7/14/16 9:54:57 AM‬‬


‫ديوان العربي‬

‫سمفونية عشقي‬
‫شاعرة وإعالمية من اليمن‬ ‫د‪.‬سمر الفالحي‬

‫فأظل دفئك في الشتاء‬ ‫أنا في احلب‬


‫كمعطف فرو‬ ‫تلك السيدة العذراء‬
‫أو أكون زينة الصيف‬ ‫أنا لست تلك التي تلهث خلفك‬
‫ألجلك مثل َس ْر ٌو؟!‬ ‫في املروج اخلضراء‬
‫أتعلم أن حلظات السهر‬ ‫ُ‬
‫وتقول فيك قصائد الصحراء‬
‫وقت السمر‬ ‫فتحيك غز ًال ِمن غزل‬
‫ُ‬
‫ونيسي فيها لست أنت‬ ‫بني الشهود‬
‫كما كنت‬ ‫مكان منعزل‬
‫ٍ‬ ‫أو في‬
‫إمنا ضوء القمر؟‬ ‫أنا ال أرى فيك البهاء‬
‫أنا لم أعد تلك‬ ‫وال أجيد أمامك حتى الغناء‬
‫لكي أظن أن الكون بني يديك‬ ‫فكيف قلبي في هواك قد وقع‬
‫وأن اجلاذبية س ّرها عينيك‬ ‫وليس فيك للغناء أو للرقص متسع‬
‫البسام‬
‫حتى ثغرك ّ‬ ‫وحدي أراقص تشايكوفسكي‬
‫ظننت بأنه اإللهام‬ ‫في بحيرة البجع‬
‫أنظر إليه فأقترب من وجنتيك‬ ‫وإذا انتهيت وجدت نفسي‬
‫وأشتهي أن أنتشي طهر شفتيك‬ ‫على أرصفة بروسيلوفسكي‬
‫كل ذلك انتهى‬ ‫اكتبني مبعزوفاته‬
‫يس‪،‬‬
‫فلم أعد لك املرأة الل ِّم ُ‬ ‫وارتشف الوجع‬
‫ولم تعد بنظري‬ ‫العم َر مني‬
‫أأستثني ُ‬
‫ذلك القديس >‬ ‫العمرو‬
‫ُ‬ ‫كي ِأه ُب َك‬

‫‪80‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 80-81.indd 80‬‬ ‫‪7/14/16 9:55:42 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪81‬‬
‫سمفونية عشقي‬

‫‪aug 80-81.indd 81‬‬ ‫‪7/14/16 9:55:46 AM‬‬


‫ديوان العربي‬

‫عن القصيدة الومضة‬


‫كاتب من العراق‬ ‫ماجد صالح السامرائي‬

‫أو قول الشاعر ديك اجلن‪:‬‬ ‫بدأ غير شاعر من الشعراء املجددين يكتب‬
‫فقلت له‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الطبيب َيدي َج ْه ًال‪،‬‬‫ُ‬ ‫َج َّس‬ ‫ما يُعرف بـ «القصيدة الومضة»‪ ،‬وتتم اإلش������ارة‬
‫خل يدي‬ ‫امل��بَ��ة في قلبي‪َ ،‬ف ِّ‬ ‫إنَّ حَ َّ‬ ‫إلى أنها مت ّثل منطاً ش������عرياً جديداً يس������تجيب‬
‫وقد نظر أدونيس‪ ،‬وهو مــــن شعراء احلداثة‬ ‫لسرعة اإليقاع التي يعيشها عصرنا‪.‬‬
‫الذين كتبوا هذه القصيدة‪ ،‬إلــــى قصـــــيدة البيت‬ ‫إال أن ه������ذه «القصي������دة النم������ط» لم تولد‬
‫«بيت يقوم‬‫ٌ‬ ‫الواحد في التراث العربي‪ ،‬فوجد أ ّنه‬ ‫م������ن فراغ‪ ،‬ب������ل إن لها أص������والً تربطها بكل من‬
‫عل������ى الفكرة‪ /‬الومضة‪ ،‬أو الصورة‪ /‬اللمحة‪ ،‬أو‬ ‫القصيدة العربي������ة القدمية‪ ،‬والقصيدة العربية‬
‫املعن������ى‪ /‬الص������ورة‪ ،»...‬التي وجد فيه������ا ينابيع‬ ‫احلديثة‪ ،‬من جانب‪ ،‬وبالقصيدة الغربية في ما‬
‫تتم������ ّوج‪ ...‬ينابيع «م������ن اللّذة والغِ بْط������ة‪ِ :‬غبْطة‬ ‫لها من أصول حداثية‪ ،‬من جانب آخر‪ ،‬وإن كنا‬
‫ولذةَ احلِ س واملُخ ِّيلَة»‪.‬‬ ‫الفكر‪ّ ،‬‬ ‫جند بيننا اليوم من ينسبها إلى «جتربة ما بعد‬
‫وجند هذه «القصيدة الومضة» في الش������عر‬ ‫احلداثة»‪.‬‬
‫احلديث عند أدوني������س‪ ،‬واضحة األبعاد‪ ،‬كقوله‬ ‫فبني الباحثني في التراث العربي‪ ،‬دراس������ ًة‬
‫في قصيدة وضعها حتت عنوان «ا ِملئْ َذنَة»‪:‬‬ ‫ونقداً‪(،‬مث������ل الباحث خليفة محمد ال ِتلِيس������ي)‬
‫الغريب‪ /‬اش ��تراها ‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫ني جا َء‬ ‫« َب َك ْت املِئذَنة ‪ /‬ح َ‬ ‫من يُعيدها إلى م������ا أطلق عليه «قصيدة البيت‬
‫وبنى فو َقها ِم ْدخَ نَة»‬ ‫الواح������د»‪ ،‬إذ يذه������ب إلى أن الش������اعر العربي‬
‫وهو هنا إمنا يُع ّبر عن الصراع بني الروحانية‬ ‫الق������دمي عندم������ا كان يرس������ل البي������ت الواحد‪،‬‬
‫واملادية‪.‬‬ ‫مع ِّبراً عن حلظته الش������عرية‪ ،‬لم يكن يُواجه أي‬
‫وجند ش������اعراً مث������ل نزار ق ّبان������ي يدعو إلى‬ ‫مشكلة تعبيرية‪ ،‬إذ وجد أن البيت الواحد يُع ِّبر‬
‫مثل ه������ذا النمط من القصي������دة‪ ،‬فهو يجد في‬ ‫عن حاجته‪ ،‬ويس������توعب اللحظة الشعرية التي‬
‫القصي������دة الطويلة تبذيراً «في اس������تعمال اللغة‬ ‫يعيشها بكل أبعادها‪.‬‬
‫إلى درجة اإلنهاك‪.»...‬‬ ‫ويأت������ي بأمثل������ة عديدة على ذل������ك‪ ...‬كقول‬
‫ويج������د فيها ش������اعر مم������ن يكتبونه������ا اليوم‬ ‫الشاعر‪:‬‬
‫«استجابة لدافع شعوري»‪ ،‬وأنها «غالباً ما تأتي‬ ‫َذ َه�� � � � � � � َ‬
‫�ب ال� � � ��ذي� � � ��نَ أح � � ُّ�ب� � �ه � � ْ�م‬
‫بدالالت غنية‪ ...‬وقد تعتمد املفارقة»‪ .‬أما اللغة‬ ‫وب � ِ�ق� �ي � ُ�ت م� �ث � َ�ل ال� �س� �ي � ِ�ف َف�� � ْ�ردا‬
‫في هذه القصيدة فهي «منتقاة بش������عرية بالغة‪،‬‬
‫تعتمد بعدي������ن‪ :‬التجلّي‪ ،‬والتص������ ّور‪ ،‬فهي طاقة‬ ‫أو قول اآلخر‪:‬‬
‫اكتشاف وإبداع»‪.‬‬ ‫ش ل َو أنَّ الفتى َح َج ٌر‬ ‫ما أط َي َب الع ْي َ‬
‫ُ‬
‫وباملقابل‪ ،‬جند بني شعراء الغرب ونقّاده في‬ ‫ْموم‬ ‫ُ‬
‫احلوادث عنهُ وه َو َمل ُ‬ ‫تضي‬ ‫مَ ْ‬

‫‪82‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 82-83.indd 82‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:06 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫«تسجيل واقتناص استنارة واحدة ح ّية في سطر‬ ‫العص������ر احلديث (مثل‪ :‬إدغ������ار ألن بو ‪- 1809‬‬
‫ــف سطر»‪.‬‬‫أو سطرين خــــي ٌر من كتــــابة أل ِ‬ ‫‪َ )1849‬م ْن يُنْكر على الش������عر ما يُس������ ّمى «شعراً‬
‫ْ‬
‫لك� � ��ن فرجينيا وول� � ��ف (‪ )1941 - 1882‬تُطل ْق‬ ‫طويل النَفَس»‪.‬‬
‫على ه� � ��ذا النمط تس� � ��مية «املعج� � ��زات اليومية‬ ‫ويذهب إزرا باوند (‪ )1972 - 1885‬مؤ ّكداً ما‬
‫الصغيرة» >‬ ‫يُس ّميه «شع َر الومضة واالستنارة»‪ ،‬مشيراً إلى ّ‬
‫أن‬

‫‪83‬‬
‫عن القصيدة الومضة‬

‫‪aug 82-83.indd 83‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:10 AM‬‬


‫أدب‬

‫مصنّفو المغازي األوائل‬


‫(عروة‪ ،‬الزهري‪ ،‬الواقدي)‬
‫قراءة مقارنة في مروياتهم‬
‫مؤرخ من لبنان‬ ‫د‪.‬إبراهيم بيضون‬

‫التاري���خ اإلس�ل�امي يبدأ من والدة س���يدنا محمد  ع� � ��ام ‪570‬م‪ ،‬وما قبله‬
‫يصطل���ح عل���ى تعريف���ه بالجاهلي���ة‪ ،‬وهو توصي���ف درج علي���ه الفقهاء‬
‫والمؤرخ���ون والك ّت���اب ف���ي اإلس�ل�اميات‪ ،‬م���ن دون التن ّبه جي���داً لحدود‬
‫المصطل���ح وداللت���ه وأبع���اده التاريخي���ة والجغرافي���ة‪ .‬والس���ؤال ال���ذي‬
‫يداهمن���ا ف���ي هذا الس���ياق‪ :‬م���اذا يُقص���د بالجاهلي���ة والجاهليين؟ هل‬
‫هم أهل الحجاز‪ ،‬أم أبعد من ذلك باتجاه اليمن‪ ،‬حيث نش���أت حضارات‬
‫عريق���ة؟ إن المعن���ى الش���ائع للمصطل���ح ينبثق من الجه���ل‪ ،‬ونقيضه‬
‫العل���م‪ ،‬والجه�ل�اء نقيضه���م العلماء‪...‬إل���خ‪ ،‬ولك���ن ثم���ة لَبس��� ًا ف���ي‬
‫المفه���وم اللغوي للمصطلح‪ ،‬مقارنة مع اآلخر اإلس�ل�امي‪ ،‬بما يقارب‪،‬‬
‫بص���ورة ما‪ ،‬تعليق اب���ن منظور في «لس���ان العرب»‪« :‬وقال���وا الجاهلية‬
‫الجهالء‪ ،‬فبالغوا»‪.‬‬

‫ترق إلى مس������توى املراكز احلضارية في‬ ‫مكة لم َ‬ ‫نشأ محمد  في بيئة كانت التجارة النمط‬
‫اليمن‪ ،‬وظلت في تقاليدها وتنظيمــــاتها مفعمة‬ ‫االقتصادي الرئيس فيها‪ ،‬ما يعني أن م ّكة كانت‬
‫بروح البداوة‪.‬‬ ‫منفتحة عل������ى العالم‪ ،‬خصوصاً م������ا بني اليمن‬
‫ولع� ّ‬
‫�����ل ما ُقص������د بـ«اجلاهلي������ة»‪ ،‬هو اجلهل‬ ‫والعراق والشام‪ ،‬حيث األسواق‪ ،‬والسفن األوربية‬
‫بالدي������ن‪ ،‬حي������ث انتش������رت الوثني������ة بطرائقها‬ ‫الراسية على سواحل األخيرة‪ .‬كما تك ّونت لديها‬
‫املختلفة‪ ،‬من دون أن تعرقل مس������ارات احلضارة‬ ‫ثقافات أس������همت في تط ّورها مجتمعاً تكافـــلياً‬
‫في تلك األزمنة‪ ،‬م������ع العلم بأن املنطقة تع ّرفت‬ ‫جتس������دت‬
‫ّ‬ ‫ونظام������اً متثــيلي������اً متوازناً‪ ،‬وكالهما‬
‫مبكراً على التوحيد‪ ،‬من������ذ نزول النبي إبراهيم‬ ‫صورت������ه احلضارية فـــي «اإليالف»‪ ،‬في أبــــعاده‬
‫ في مكة‪ ،‬وبنائه الكعبة‪ ،‬باإلضافة إلى بؤر‬ ‫العالئقي������ة واالجتماعي������ة واالقتصادي������ة‪ ،‬ولكن‬

‫‪84‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 84-91.indd 84‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:37 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪85‬‬
‫مصنّفو املغازي األوائل (عروة‪ ،‬الزهري‪ ،‬الواقدي) قراءة مقارنة في مروياتهم‬

‫‪aug 84-91.indd 85‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:41 AM‬‬


‫موقع خاص في أدبي������ات التاريخ‪ ،‬واليزال حتى‬ ‫يهودي������ة ونصرانية في احلج������از واليمن‪ .‬ولكنه‬
‫اليوم مثار اهتمام في العالم الغربي‪ ،‬وتُعقد حوله‬ ‫متس������ك ب������ه أولئك الوثنيون‪،‬‬
‫«دين اآلباء» الذي ّ‬
‫الندوات واملؤمت������رات‪ .‬أما دوافع هذا االهتمام‪،‬‬ ‫ورأوا فيه حس������ب رواية اب������ن الكلبي في «كتاب‬
‫فمر ّدها إل������ى أن علماء الفكر السياس������ي‪ ،‬كما‬ ‫األصن������ام» بس������اطة ليس������ت ف������ي احلنفية دين‬
‫االجتماعي‪ ،‬ي������رون في االتفاق املنبثق عنه‪ ،‬أول‬ ‫إبراهيم‪ .‬ويُنس������ب ذلك التح������ ّول إلى عمرو بن‬
‫وثيقة في حقوق اإلنسان‪ .‬وإذا رجعنا إلى الرواية‬ ‫�����ي أول «ملوك» خزاعة ف������ي مكة‪ ،‬بعد جالء‬ ‫حل� ٍّ‬
‫في س������يرة ابن هشام ملا فوجئنا بذلك‪ ،‬فقد ورد‬ ‫بني ُجرهم عنها‪ .‬وجدير بالذكر أن احلنفية لم‬
‫فيها‪« :‬فتعاقدوا عل������ى أال يجدوا مبكة مظلوماً‬ ‫تأخذ مداها في االنتشار‪ ،‬وظلّت محصورة في‬
‫من أهلها وغيرهم‪ ،‬ممن دخلها من سائر الناس‬ ‫إطار نخبوي‪ ،‬حتى انبعاثها في دعوة محمد ‬
‫إال قاموا معه‪ ،‬وكان������وا على َمن ظلمه حتى تُر ّد‬ ‫باسم اإلسالم‪.‬‬
‫عليه مظلمته»‪.‬‬ ‫�����ب م������ا قبله» س������وى‬
‫إن اإلس���ل��ام ل������م «يج� ّ‬
‫وكان حملمد  الذي بدأ يلفت األنظار في‬ ‫الوثني������ة‪ ،‬عب������ادة وتفاصيل انحرافية أفس������دت‬
‫مكة‪ ،‬بس������لوكه األخالقي‪ ،‬ورجاحة عقله‪ ،‬وعلو‬ ‫ذلك املجتمع‪ ،‬الس������يما بعد طغي������ان رأس املال‪،‬‬
‫همته في دفع املنكر والظل������م‪ ،‬الدور البارز في‬ ‫ّ‬
‫أخل‬ ‫واستئثار كبار التجار بالسلطة والنفوذ‪ ،‬ما‬
‫انعقاد احللف وف������ي قراراته‪ ،‬وهي لم تخل من‬ ‫باملعادلة القيمية املؤسسة على مبدأ «التكافل»‪،‬‬
‫حتذير لقــــيادات قريش‪ ،‬الغافلة ع ّما يجري من‬ ‫حي������ث لكل نصيبه من املال‪ ،‬بقدر إس������هامه في‬
‫االنته������اكات للقيم والتقالي������د‪ .‬فهل كان احللف‬ ‫التج������ارة‪ ،‬ومبعنى أكثر دق������ة‪ ،‬كان هناك أغنياء‬
‫إرهاص������اً في وعي محم������د ‪ ،‬ألن ثمة حتوالً‬ ‫من دون فق������راء‪ ،‬فيما بدا الش������رخ واضحاً في‬
‫جذري������اً في «أم القرى» س������يؤدي إلى إس������قاط‬ ‫املجتمع بعد انهي������ار منظومة «التكافل»‪ ،‬لترتكز‬
‫الظلم واالستغالل واالستئثار‪ ،‬وكل ما يؤدي إلى‬ ‫املعادل������ة على أغنياء وفق������راء‪ ،‬ومن البديهي أن‬
‫انتهاك إنس������انية اإلنس������ان؟ ألم يكن محمد ‬ ‫يعكس هذا التح ّول سلبياته على جميع مك ّونات‬
‫نفسه أول الذين ق ّوموا هذا احللف‪ ،‬معلّقاً عليه‬ ‫املجتمع ومؤسساته‪.‬‬
‫بقوله‪« :‬لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان‬ ‫وأف������دح من ذلك اختالل األم������ن التجاري‪،‬‬
‫حلفاً‪ ،‬ما أحب أن لي به حم َر النعم‪ ،‬ولو ا ّدعــــى‬ ‫الذي بلغ حداً من اخلطورة في حروب الفِ جار‪،‬‬
‫به في اإلسالم ألجبت»؟‬ ‫مقدم������ات «حل������ف الفض������ول»‪ ،‬واألولى‪،‬‬ ‫وف������ي ّ‬
‫ول������م يطل الوقت آنذاك‪ ،‬حت������ى نزل الوحي‬ ‫كما الثانية‪ ،‬ش������هدهما محم������د ‪ ،‬وقد جتاوز‬
‫مبشراً باإلسالم الذي رفضته‬ ‫على محمد ‪ّ ،‬‬ ‫العشرين من عمره‪.‬‬
‫وتصدت بكل قواها له‪ ،‬ليس دفاعاً عن‬ ‫قري������ش ّ‬ ‫ل������م تقتصر «املقدمات» عل������ى ابتياع العاص‬
‫أصنامها ومعتقداتها الوثنية فحسب‪ ،‬بل ‪ -‬وهو‬ ‫بن وائل الس������همي‪ ،‬أحد زعماء قريش‪ ،‬س������لعة‬
‫األهم ‪ -‬رأت فيه تهدي������داً ملصاحلها التجارية‪،‬‬ ‫من تاجر ميني من زبيد‪ ،‬ومماطلته في تس������ديد‬
‫املرتبطة عضوياً مبواقعها القيادية‪ ،‬وتقاليدها‪،‬‬ ‫ثمنها‪ ،‬حتى أثار حفيظة الزبيدي‪ ،‬وانطلق يطوف‬
‫وطقوس������ها‪ ،‬وعالقاته������ا‪ ،‬وأس������واقها‪ ،‬وكل م������ا‬ ‫مندداً‪ ،‬مش������ ّهراً‪ .‬ولكن فريقاً من‬‫في أحياء مكة ّ‬
‫مينحها القوة والسيادة في شبه جزيرة العرب‪.‬‬ ‫قريش‪ ،‬وجد في ه������ذه احلادثة‪ ،‬تهديداً لتجارة‬
‫ولكن محمداً النب������ي ‪ ،‬صمد أمام املعارضة‬ ‫مكة في صميم تراثه������ا وقيمها‪ ،‬فكانت الدعوة‬
‫الشرس������ة في مكة‪ ،‬ولم يثنه االضطهاد والنفي‬ ‫إل������ى «حلف الفض������ول» املنعقد حينئ������ذ في دار‬
‫عن متابعة الرس������الة لنحو ثالث عش������رة سنة‪،‬‬ ‫عبدالله بن جدعان التيم������ي‪ ،‬ومت ّثل فيه‪ ،‬وفاقاً‬
‫حتى انبثاق نور «الهجرة»‪ ،‬حيث بات لإلس���ل��ام‬ ‫واملطلب‪ ،‬وأسد بن‬ ‫ّ‬ ‫ملصادر الس������يرة‪ ،‬بنو هاشم‪،‬‬
‫مق ّر بعد تش������تّت‪ ،‬واس������تقر في يثرب (املدينة)‬ ‫عبدالع������زّى‪ ،‬وزُهرة‪ ،‬وتيم بن ُمرة‪ .‬ولهذا احللف‬

‫‪86‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 84-91.indd 86‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:45 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫غرب مصر إلى خراس������ان‪ ،‬وفي سياقه انهارت‬ ‫مجتمع������اً له نظامه وقوانينه وعالقاته‪ ،‬حتى إذا‬
‫إمبراطورية «فارس» وانكفأت أخرى على ذاتها‬ ‫مت إعالن اجلهاد ضد املشركني‬ ‫رسخت جذوره ّ‬
‫(البيزنطي������ة)‪ ،‬لتصب������ح «دولة» اإلس���ل��ام القوة‬ ‫ً‬
‫من قري������ش وحلفائها‪ ،‬وفاقا للتش������ريع القرآني‬
‫الفتية الصاعدة في الش������رق‪ ،‬بيد أن العمليات‬ ‫الذي ع ّبرت عنه آيات عدة من س������ور‪ :‬األنفال‪،‬‬
‫مالت إلى الركود بعد اغتيال اخلليفة الثاني‪ ،‬ما‬ ‫آل عم������ران‪ ،‬النس������اء‪ ،‬محمد‪ ،‬الص������ف‪ ،‬البقرة‪،‬‬
‫كان له نتائج س������لبية على فكرة األمة‪ ،‬مع عودة‬ ‫مح ّرض������ة على القتال في س������بيل الله‪ ،‬والدعوة‬
‫إحياء العصبيات القبلية‪.‬‬ ‫إل������ى الطاعة‪ ،‬وع������دم الته ّيب من كث������رة العدو‪،‬‬
‫وفي هذا الس������ياق أخذت كل قبيلة تنس������ج‬ ‫وليس أخي������راً التأكي������د على النص������ر‪ ،‬والوعد‬
‫الرواي������ات ع������ن تاريخه������ا‪ ،‬وتُب������رز تف ّوقها على‬ ‫باجلنة للشهداء‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫خصومها‪ ،‬حتى أن قريشاً دخلت حلبة التنافس‪،‬‬ ‫وجنح الرس������ول  في تعبئة املسلمني في‬
‫لينـــش������أ في ض������وء ذلك منط م������ن التاريخ ع ّبر‬ ‫املدينة‪ ،‬فلم يبطئوا أو يتقاعسوا‪ ،‬وباستثناء غزوة‬
‫عنه باألنس������اب‪ .‬وكانت قريش األكثر إحساساً‬ ‫أحد التي كان للمنافقني دور تخذيلي فيها‪ ،‬فإن‬
‫حتدر‬
‫ّ‬ ‫بالتف������ ّوق‪ ،‬لعالقتها بالرس������ول  الذي‬ ‫ذلك لم يصل إلى حد الهزمية الفعلية‪ ،‬ولم يؤ ّثر‬
‫منها‪ ،‬ونزل علي������ه الوحي في «غارها» وقد د ّون‬ ‫ف������ي معنويات املجاهدين‪ .‬وم������ا لبثوا أن حققوا‬
‫«نسبها» أحد أحفاد الصحابي الزبير بن الع ّوام‪،‬‬ ‫نصراً حاس������ماً في غزوة اخلندق‪ ،‬وفي أعقابه‬
‫وه������و الزبير ب������ن بكار في «كتاب نس������ب قريش‬ ‫نصراً سياس������ياً باهراً في غزوة احلديبية‪ ،‬ولم‬
‫وأخبارها»‪.‬‬ ‫يعد أمام املش������ركني س������وى الرضوخ‪ ،‬الذي ع ّبر‬
‫لي������س يعنين������ا م������ن موضوعة «األنس������اب»‪،‬‬ ‫عنه «الفتح املبني» في العام الثامن الهجري‪.‬‬
‫س������وى ما يتص������ل بالرس������ول ‪ ،‬وحتديداً ما‬ ‫هذا املصطلح (الفتح) اس������تخدم في أدبيات‬
‫ل������ه عالقة باملغازي‪ ،‬وهي إلى جانب «الس������يرة»‬ ‫املغازي ألول م������رة‪ ،‬في الصراع بني املس������لمني‬
‫من جتليات الوعي التاريخي للعرب املس������لمني‪.‬‬ ‫واملشركني‪ ،‬وهو مصطلح خاص باألوائل‪ ،‬وليس‬
‫وقد يختلط األمر بني املوضوعني‪ ،‬ولكنهما في‬ ‫بالض������رورة أن يت ّوج دائماً بعمل عس������كري‪ ،‬وقد‬
‫النتيجة متكاملتان معاً في ش������خصية الرس������ول‬ ‫س������اد خصوصاً بعد وفاة الرسول ‪ ،‬وانطالق‬
‫ وممارس������اته‪ .‬وثمة اتفاق على أن «السيرة»‪،‬‬ ‫حركة الفتوح م������ن دون أن يكون الهدف املبدئي‬
‫ويقصد بها جماع أقوال الرس������ول  وأفعاله‪،‬‬ ‫ف������ي عملياتها‪ ،‬فت������ح األرض فق������ط‪ ،‬وإمنا فتح‬
‫مُت ّث������ل بداية االهتمام������ات التاريخية في القرن‬ ‫عق������ول الناس عل������ى اإلس���ل��ام‪ ،‬واالنضواء في‬
‫األول‪ .‬وت������كاد م������ع املغازي ال تنفص������ل إحداها‬ ‫رسالته ومبادئه‪ ،‬ودعوتهم إلى احلوار بعيداً عن‬
‫ع������ن األخرى‪ ،‬ما ينطبق خصوصاً على مصنّفي‬ ‫كل ظلم واضطهاد‪ ،‬وإساءة حلر ّياتهم‪.‬‬
‫عروة بن الزبير (ت ‪94‬هـ) وابن شهاب الزهري‬ ‫وكانت «تبوك» آخ������ر الغزوات (بعد عام من‬
‫(ت ‪124‬هـ)‪ ،‬فيما ُمصنّف الواقدي (ت ‪ 207‬هـ)‬ ‫الفتح)‪ ،‬ورمبا يص������ح أن تكون أول الفتوح‪ ،‬فقد‬
‫«كت������اب املغازي»‪ ،‬تع ّبر مادته ع������ن عنوانه‪ ،‬وهو‬ ‫انتظمت حين������ذاك حركة «اخلالف������ة»‪ُ ،‬مقارِ بة‬
‫مصدر أساس������ي من حيث شموليته ودقة تت ّبعه‬ ‫األمن������وذج ف������ي «املدينة»‪ ،‬دولة لها ش������خصيتها‬
‫للتفاصيل‪.‬‬ ‫و«تقوميه������ا» (‪622‬م)‪ ،‬لينعكس ذلك على الوعي‬
‫وثم������ة آخ������رون تناث������رت مرويــــاته������م ف������ي‬ ‫التاريخي للعرب املس������لمني‪ ،‬متزامناً مع نش������وء‬
‫مصنّفات القرن الثالث‪ ،‬ولم يجر نــــش������رها عدا‬ ‫فكرة األمة‪.‬‬
‫قطع صغيرة ملوس������ى بن عقبة ووهب بن منبه‪.‬‬ ‫وم������ا لبثت اجليوش أن حت ّرك������ت حتت راية‬
‫أما «الس������يرة» فإن أبرز م������ن روى أخبارها‪ ،‬ابن‬ ‫اجلهاد إلى الش������ام‪ ،‬بالغ������ة ذروتها‪ ،‬مع اخلليفة‬
‫اس������حق (ت ‪151‬هـ)‪ ،‬وهي الت������ي أعاد جمعها‬ ‫عمر بن اخلطاب ‪ ،‬وانتش������ر اإلس���ل��ام من‬

‫‪87‬‬
‫مصنّفو املغازي األوائل (عروة‪ ،‬الزهري‪ ،‬الواقدي) قراءة مقارنة في مروياتهم‬

‫‪aug 84-91.indd 87‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:48 AM‬‬


‫بدر‪ ،‬التي أس������هب فيها‪ ،‬إلى غ������زوات لم ينجم‬ ‫وتبويبه������ا ابن هش������ام (‪213‬هـ) ونُس������بت إليه‪.‬‬
‫عنها اش������تباك أو عمل حربي‪ ،‬مثل «الس������ويق»‪.‬‬ ‫وق������د عثر احملق������ق د‪ .‬س������هيل زكار على قطعة‬
‫كما أن ترتيب األح������داث لم يكن منتظماً‪ ،‬وكان‬ ‫مخطوطة منها برواية يونس بن بكير في مكتبة‬
‫حري������اً باحملق������ق (محمد مصطف������ى األعظمي)‬ ‫فاس‪ ،‬وهي سابقة على الهجرة‪ ،‬لذلك نأت عن‬
‫وجه سهام النقد لبعض املؤرخني أو‬ ‫الذي طاملا ّ‬ ‫املـــغازي وأخبارها‪.‬‬
‫احملققني‪ ،‬مثل الدوري وز ّكار‪ ،‬أن يتّسم منهاجه‬ ‫ومما يجدر توضيح������ه‪ ،‬أن مرويات املرحلة‬
‫باالنس������ياب والدقة في العناوي������ن‪ ...‬فليس ما‬ ‫وم������ا بعدها أيض������اً‪ ،‬كانت تتداول ف������ي الغالب‬
‫يب������رر وضع غزوة بن������ي النضير قبل غزوة أحد‪،‬‬ ‫ش������فاهاً‪ ،‬وه������ي ال تندرج مباش������رة في موضوع‬
‫إلى عروض نافرة في الس������ياق‪ ،‬كالعقبة األولى‬ ‫التاريخ‪ ،‬وإمنا احلافز إليها‪ ،‬ابتغاء الثواب بذكر‬
‫والعقبة الثانية‪ ،‬وعناوين مثل‪ :‬احلش������ر والبكاء‬ ‫مآثر الرس������ول  األمنوذج واملث������ال في حياة‬
‫على حمزة‪ ،‬أو إدراج س������رية مؤتة بني الغزوات‪،‬‬ ‫املس������لمني‪ ،‬وليس التأريخ له‪ .‬ومن هذا املنظور‪،‬‬
‫حت������ى بدا الكتاب خليطاً من أخبار ُمس������هبة‪ ،‬أو‬ ‫فإن كلتيهما (السيرة واملغازي) تلتقي في الهدف‬
‫مبتس������رة‪ ،‬أو غير متوازنة‪ ،‬ومغ������ازي عروة في‬ ‫والداللة‪ ،‬إذ األولى في الغالب تشمل الثانية‪ ،‬كما‬
‫النتيجة هي أخبار راكمها األخير مما س������معه‪،‬‬ ‫األخيرة ال تهمل أخباراً عن الرسول  ليست‬
‫واقتبس������ها آخرون عنه‪ ،‬حت������ى باتت على الرغم‬ ‫في س������ياق الغزوات‪ .‬ويبقى أن هذه الدراس������ة‬
‫م������ن املآخذ عليها‪ ،‬مرجعاً للمصنّفني الكبار في‬ ‫ستهتم حتديداً باألعمال اجلهادية للرسول ‪،‬‬
‫القرنني األول والثاني للهجرة‪.‬‬ ‫وذلك في محاولة للمقارنة بني أخبار األقطاب‬
‫لقد اقتصر ما ذكره عروة من املغازي‪ ،‬على‬ ‫الثالثة‪ :‬ع������روة والزهري والواق������دي‪ ،‬متّخذين‬
‫ست عش������رة غزوة‪ ،‬وهي أقل من نصف ما ورد‬ ‫موقعـ������ة «بدر» مث������االً باعتباره������ا مفتاح النصر‬
‫في مغ������ازي الواقدي‪ .‬وهذا يعني أن عروة رمبا‬ ‫لإلسالم على الشرك‪.‬‬
‫يتقصد رواية املغازي فقط‪ ،‬وإمنا كان مهتماً‬ ‫ّ‬ ‫لم‬ ‫لقد عاش عروة تداعيات ما بعد الرس������ول‬
‫بالسيرة مبا فيها الغزوات وأحداث تتصل بتاريخ‬ ‫‪ ،‬فعرف كثيراً من األخبار‪ ،‬مما لم يُتح لغيره‬
‫الرسول ‪.‬‬ ‫من معاص������ري املرحلة‪ .‬فهو اب������ن صحابي من‬
‫وقبل الدخ������ول في عملية تقوميه ملصنّفات‬ ‫الر ّواد املؤمنني باإلسالم‪ ،‬كما تع ّرف آخرين من‬
‫املغازي الثالثة‪ ،‬البد م������ن التوضيح‪ ،‬بأن هؤالء‬ ‫أولئك النخب‪ ،‬وتناهى إليه‪ ،‬أو س������مع مباش������رة‬
‫لم جتمعهم فترة زمنية واحدة‪ ،‬ورمبا كان لذلك‬ ‫بع������ض أحاديثه������م عن الرس������ول ‪ ،‬حتى غدا‬
‫تأثي������ر في مناهجه������م‪ ،‬ومدى وعيه������م بالتاريخ‬ ‫مرج������ع تل������ك املرحلة‪ ،‬الس������يما ف������ي موضوعة‬
‫ال بالسيرة حينذاك‪ .‬فقد واكب عروة القرن‬ ‫ممث ً‬ ‫املغازي‪ .‬وقي������ل إن اخلليفة األموي عبدامللك بن‬
‫األول من عش������رينياته إلى تسعينياته‪ ،‬معاصراً‬ ‫مروان‪ ،‬كان غالباً ما يعود إليه‪ ،‬لتزويده بأخبار‬
‫لنحو أربعة عقود الزُهري (‪124-51‬هـ)‪ ،‬فيما لم‬ ‫في هذا الشأن‪ .‬إلى جانب ذلك كان عروة على‬
‫يلتق األخير الواقدي (‪207-130‬هـ) الذي زامن‬ ‫مستوى عال من الثقافة‪ ،‬حافظاً للقرآن‪ ،‬متبحراً‬
‫عامني فقط من خالفة األمويني‪ ،‬وأمضى حياته‬ ‫في الش������عر‪ ،‬ما يب������دو في مرويات������ه عن بعض‬
‫في العهد العباسي األول مق ّرباً من املأمون‪ ،‬حتى‬ ‫الغزوات املفعمة مبادة مكثفة من هنا وهناك‪...‬‬
‫وفاته قبل إحدى عشرة سنة من رحيل األخير‪.‬‬ ‫إنه أس������تاذ املش������تهرين بعده‪ ،‬ممن تأثروا به‪ ،‬أو‬
‫وإذا ش������ئنا توصيف مصنّفات الثالثة‪ ،‬فإن‬ ‫اقتبس������وا حرفياً‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬عنه (ابن شهاب‬
‫«موس������وعة» الواق������دي وحدها قمين������ة بعنوانها‬ ‫الزهري وموسى بن عقبة على سبيل املثال)‪.‬‬
‫(كتاب املغازي)‪ ،‬كما أن تصدي مارسدن جونس‬ ‫ولكن ع������روة‪ ،‬لم يذكر كل غزوات الرس������ول‬
‫لتحقيقه������ا‪ ،‬مبا يتس������م به من حرفي������ة وثقافة‬ ‫‪ ،‬فكان انتقائي������اً في منهاجه‪ ،‬بدءاً من غزوة‬

‫‪88‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 84-91.indd 88‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:52 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫والزُه������ري‪ ،‬ف������إن كلتيهما تفتقد االنس������ياب في‬ ‫تاريخي������ة‪ ،‬أضفى عليها قيم������ة خاصة‪ ،‬فجاءت‬
‫ّ‬
‫يشذ‬ ‫املنهج‪ ،‬وهو أكثر بروزاً لدى الزهري الذي‬ ‫املقدمة وكأنها بحث علمي رصني‪ ،‬مك ّرساً ‪ -‬أي‬
‫عن أس������تاذه بعدم التزامه بالس������ياق التاريخي‪،‬‬ ‫جونس ‪ -‬الواقدي بأنه «إمام املغازي»‪.‬‬
‫كذلك في وحدة املوض������وع‪ .‬فبينما اختتم عروة‬ ‫كان عروة ‪ -‬كما س������بقت اإلشارة ‪ -‬األقرب‬
‫بآخر الغزوات «تب������وك»‪ ،‬غل الزهري في العهد‬ ‫ّ‬
‫احتك‬ ‫زمناً إلى الرس������ول ‪ ،‬فلم يدركه‪ ،‬ولكنه‬
‫الراش������دي حتى الفتوحات‪ ،‬ودائماً في س������ياق‬ ‫ال عن التابعني‪ ،‬متأثراً بذلك‬ ‫ببعض أصحابه‪ ،‬فض ً‬
‫متع ّثر واضطراب ف������ي املصطلحات‪ ،‬كأن يُطلق‬ ‫املناخ‪ ،‬والرسول  حينئذ محور احلديث‪ ،‬وفي‬
‫غزوة على القادس������ية‪ ،‬ثم يُدرج بعدها خبراً عن‬ ‫املقابل عازفاً عن صراعات املرحلة‪ ،‬وفي ضوء‬
‫أبي في نهاية «الكتاب»‪.‬‬ ‫عبدالله بن ّ‬ ‫ذلك اس������تفاض عروة في أخب������ار «بدر»‪ ،‬متتبعاً‬
‫املقّق أن يلتزم بالنصوص‪،‬‬ ‫وإذا كان عل������ى حُ‬ ‫تفاصيلها‪ ،‬خالفاً للزهري الذي ابتس������رها حتى‬
‫فال يس������ ّوغ ذلك اخت���ل��ال وحدتها وعدم انتظام‬ ‫االختزال‪.‬‬
‫سياقها‪.‬‬ ‫ويب������دو أن الزُه������ري ال������ذي غــــ������ادر املدينة‬
‫وعل������ى الرغم مم������ا يش������وب «الكتابني» من‬ ‫ليس������تق ّر في دمشق‪ ،‬برعاية خاصة من اخللفاء‬
‫ثغرات في املنهج‪ ،‬فإن ذلك ال يقلّل من أهميتهما‬ ‫األمويني‪ ،‬صرف������ه ذلك عن االهتمام على نطاق‬
‫مصدرين ف������ي املغازي‪ ،‬غي������ر بعيدين عن عهد‬ ‫أوس������ع بأخبار الرس������ول  س������يرة ومغــازي‪،‬‬
‫ال ع������ن احتوائهم������ا أخباراً‬‫الرس������ول ‪ ،‬فض ً‬ ‫متف ّرغاً أو ش������به ذلك ملهام استش������ارية في فقه‬
‫في الس������يرة‪ ،‬األكثر التزاماً به������ا عروة‪ ،‬وأخباراً‬ ‫اإلس���ل��ام‪ ،‬أو توجيهه بإلقاء أحاديث على أبناء‬
‫متناثرة ع������ن أحداث في العهد الراش������دي في‬ ‫اخللفاء‪.‬‬
‫«كت������اب» الزهري‪ .‬وقد أثن������ى احملقق ز ّكار على‬ ‫ويلفت في هذا السياق‪ ،‬إغفال الزهري ذكر‬
‫األخير ‪ -‬أي الكتاب ‪ -‬واعتبره «األثر التاريخي‬ ‫«مؤتة»‪ ،‬بينما ارتقت لدى عروة‪ ،‬والواقدي‪ ،‬إلى‬
‫ا في العهد‬ ‫الوحيد امل������د ّون الذي يصلنا كام���ل�� ً‬ ‫مرتبة غزوة‪ ،‬رمبا بس������بب فرادتها بني السرايا‬
‫األموي»‪ .‬فهل يعني ذلك أن مغازي عروة ليست‬ ‫الت������ي كانت في الغالب اس������تطالعية أكثر منها‬
‫كاملة؟ رمبا كان في ذلك شيء من الصحة‪ ،‬إذا‬ ‫هجومية‪ ،‬هذا س������وى العدد املرتف������ع الذي بلغ‪،‬‬
‫توقفنا عند أحداث مقتضبة ال تتعدى س������طوراً‬ ‫في رواية الواقدي‪ ،‬ثالث������ة آالف مقاتل‪ ،‬بقيادة‬
‫قليلة في كتابه‪ ،‬ولكنه يبقى أكثر شموالً ومنهاجه‬ ‫زي������د بن حارثة‪ .‬وإذا كان������ت األرقام جتنح عادة‬
‫أكثر رصـــانة‪ ،‬مما لدى تلميذه‪.‬‬ ‫إل������ى املبالغة‪ ،‬س������واء في هذه اجلبه������ة أو تلك‬
‫ومن الغري������ب أن غ������زوة «احلديبية»‪ ،‬كانت‬ ‫املقابلة لها‪ ،‬فإن أهمية «مؤتة» ليس������ت خاضعة‬
‫أول عنوان في كتاب الزهري‪ ،‬وقد أسهب فيها‪،‬‬ ‫لهذه املسألة‪ ،‬فهي أول حملة تخترق الشام إلى‬
‫بينما اختصرها عروة‪ ،‬بنزول الرس������ول  في‬ ‫املدى الذي وصل������ت إليه‪ ،‬إذ متت في وقت كان‬
‫احلديبية‪ ،‬قاص������داً االعتمار‪ ،‬وإيف������اده عثماناً‬ ‫اإلس���ل��ام فيه قد جتاوز خط التهديد من جانب‬
‫املتحدر من عشيرة الرجل القوي (أبوسفيان) إلى‬ ‫ّ‬ ‫الشرك‪ ،‬ما شجعه على كسر التوازن اإلقليمي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مكة‪ ،‬ملفاوضته بش������أن العمرة‪ ،‬فانتهى به األمر‬ ‫باجتاه الشام التي ما انفكت مشروعاً حيوياً في‬
‫إلى االتفاق أو الصلح املعروف باسم احلديبية‪.‬‬ ‫سياسة الرسول ‪ ،‬ورأى فيها البوابة الكبرى‬
‫ول������م يُضف أكثر من ذلك‪ ،‬إل������ى أهمية األخير‪،‬‬ ‫النتش������ار املسلمني‪ ،‬مبا يتواءم وطبيعة الدعوة ‪-‬‬
‫وانعكاس������ه اإليجابي على الص������راع مع الوثنية‪،‬‬ ‫الرسالة‪ ،‬عدا ضرورة التسريع في التواصل مع‬
‫محق ّقاً أول نصر سياس������ي على أعداء اإلسالم‪،‬‬ ‫املتنصرة‪ ،‬واستعادتها من الفلك‬ ‫ّ‬ ‫القبائل العربية‬
‫وممهداً بالتالي النهيار منظومة الشرك‪.‬‬ ‫البيزنطي‪.‬‬
‫لقد م������ال عروة غالباً إل������ى االختزال‪ ،‬حتى‬ ‫وف������ي مقارن������ة بني مغ������ازي كل م������ن عروة‬

‫‪89‬‬
‫مصنّفو املغازي األوائل (عروة‪ ،‬الزهري‪ ،‬الواقدي) قراءة مقارنة في مروياتهم‬

‫‪aug 84-91.indd 89‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:56 AM‬‬


‫ُ������ل القرن األول‪،‬‬ ‫الهج������ري‪ ،‬وقبله عاش عروة ج ّ‬ ‫في بنود الصل������ح‪ ،‬أو لعل هــــذه وصل������ت إليــــنا‬
‫فيما الزهري كان مخضرماً واكب القرنني معاً‪.‬‬ ‫بالتــــــواتر كذلك‪ ،‬مع العلم بأن الزهري يس������تهل‬
‫وقد فاق الواقدي سلفية و ُع ّد من علماء عصره‬ ‫مادة احلديبية‪ ،‬بإسناد خبرها األول إلى عروة‪،‬‬
‫البارزين‪ ،‬فنُس������ب إليه ‪ -‬وفاقاً ملارسدن جونس‬ ‫وقد جاء فيه‪« :‬عبدالرزاق بن معمر‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫محقق املغ������ازي ‪ -‬ما يزيد على عش������رين كتاباً‬ ‫الزهري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني عروة بن الزبير‪ ...‬خرج‬
‫في الفقه والس������يرة والتاريخ واألدب‪ ،‬عدا كتابه‬ ‫رس������ول الله  زمن احلديبي������ة‪ ،»...‬إلى نهاية‬
‫األكثر رواجاً‪ ،‬أي املغازي‪ .‬ولسنا معنيني بحياته‬ ‫احلديث بصيغته الكاملة‪ ،‬من دون إغفال أبـــرز‬
‫الشخصية في ما يتعلق بأهوائه وانتماءاته‪ ،‬وكل‬ ‫نتائجه‪ ،‬بأن اإلسالم في مأمن لعشر سنيـــن من‬
‫ما ه������و خارج هذه املقالة‪ ،‬فق������د أجمعت اآلراء‬ ‫أي عدوان قريشي‪.‬‬
‫على تقريضه‪ ،‬قاضياً رصين������اً‪ ،‬ومصنّفاً نزيهاً‪،‬‬ ‫ول������م يع������د بعيد «العم������رة»‪ ،‬ما يح������ول دون‬
‫«والت������زال كتاباته ‪ -‬والكالم للمؤرخ الفرنس������ي‬ ‫موجهاً‬‫مخاطبة ملوك املرحل������ة من هذا املوقع‪ّ ،‬‬
‫س������ورديل ‪ -‬ح������ول عصر الرس������ول محمد ‪،‬‬ ‫إليه������م «كتباً» تدعوه������م إلى اإلس���ل��ام‪ ...‬هذه‬
‫وحجة عند العلماء املسلمني»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تش������ ّكل مصدراً‬ ‫الكت������ب لم يكن في بال الرس������ول  أن حُتدث‬
‫ويرى جونس‪ ،‬أن «م������ن أهم اخلصائص املميزة‬ ‫تغ ّي������راً ما في نفوس هؤالء‪ ،‬إال أنها في أبعادها‬
‫ملغازي الواقدي‪ ،‬هي النظــــام املتكامل للتواريخ»‪.‬‬ ‫االستش������رافية‪ ،‬ظلت تتفاعل في وعي املرحلة‪،‬‬
‫ويصف منهجه بأنه متكامل ونقدي ويخلص إلى‬ ‫ممه������دة لتح ّوالت جذرية‪ ،‬جتلّت إرهاصاتها في‬
‫أن مغازي������ه «أكمل وأمت مص������در محايد‪ ،‬لتاريخ‬ ‫سرية مؤتة وغزوة تبوك‪.‬‬
‫حـــياة النــبي في املدينة»‪.‬‬ ‫والواقع أن مغازي عروة والزهري لم تتس������م‬
‫ول������م يهمل الواق������دي البع������د اجلغرافي في‬ ‫بالش������مولية‪ ،‬إذ األول اقتص������ر على ذكر س������ت‬
‫غزواته املفعمة بالتفاصيل التاريخية‪ ،‬هذا عدا‬ ‫عشرة غزوة‪ ،‬واآلخر حذف منها خمساً لتستقر‬
‫احل������رص على التوثيق‪ ،‬ولكن من دون التس������ليم‬ ‫على اثنتي عش������رة‪ ،‬وما عداه������ا كانت أخباراً ال‬
‫بصحة الس������ند‪ ،‬قب������ل تقومية وإب������داء رأيه في‬ ‫������ت بصلة إلى املغازي‪ .‬ومن هذا املنظور‪ ،‬فإن‬ ‫مت ّ‬
‫الرواية بوس������اطة مصطلح������ات خاصة به‪ .‬كما‬ ‫الوحيد الذي تصدى برصانة وإسهاب ملوضوعة‬
‫يتت ّب������ع حركة املجاهدين واملواق������ع‪ ،‬إلى األعداد‬ ‫املغازي‪ ،‬هو الواقدي‪ ،‬وقد بلغ مجموع ما صنّفه‬
‫وخطط القتال وارتفاع نبرة احلماسة‪ ،‬متصادية‬ ‫ثالثاً وثالثني غزوة‪ ،‬مندرجة على نحو تفصيلي‬
‫مع آيات قرآنية‪ ،‬تش������يع أج������واء حتريضية على‬ ‫في مجلدات ثالثة‪.‬‬
‫القتال وثقة بالنصر‪ ،‬ومنها هذه اآلية من سورة‬ ‫إن������ه كت������اب متم ّيز ف������ي مجاله‪ ،‬وق������د يعود‬
‫{إ ْن ت َْس� � َتفْ ِت ُحوا َف َق � ْ�د َجا َء ُك � ُ�م ا ْل َفت ُْح‬ ‫األنف������ال‪ِ :‬‬ ‫ذل������ك إلى طبيعة املرحل������ة التي عاصرها‪ ،‬حيث‬
‫�ودوا ن َُع ْد َو َل ْن‬ ‫َو ِإ ْن َت ْنت َُه ��وا َف ُه� � َو خَ ْي � ٌ�ر َل ُك ْم َو ِإ ْن ت َُع � ُ‬ ‫ش������هدت تطورات انقالبية في السياسة والعلوم‬
‫ُتغْ ِن َي َعن ُْك ْم ِفئَتُ ُك ْم شَ � � ْيئً ا َو َل � ْ�و َك ُث َر ْت َوأَ ّ َن ال ّ َل َه َم َع‬ ‫واالجتاه������ات الفكرية‪ .‬فقد ُول������د الواقدي في‬
‫المْ ُؤْ ِم ِننيَ}‪.‬‬ ‫املدينة‪ ،‬وأمضى نحو نصف قرن فيها‪ ،‬وأصاب‬
‫كان ذلك في موقعة «بدر»‪ ،‬وقد أسهب فيها‬ ‫من العلم مكانة عالي������ة‪ ،‬إلى نباهة جعلته قريباً‬
‫ال مادتها من عدد من األخباريني‬ ‫الواقدي‪ ،‬مست ً‬ ‫من الناس والعلماء وذوي النفوذ‪ ،‬السيما يحيى‬
‫ومنه������م الزُهري‪ .‬وإذا رجعنا إل������ى هذه املوقعة‬ ‫بن خالد البرمكي وزير اخلليفة الرش������يد الذي‬
‫في مغ������ازي األخير‪ ،‬فلن جند ما يتعدى الرواية‬ ‫أُعجب به وفتح أمامه أفقاً جديداً باالنتقال إلى‬
‫الشائعة عن قافلة أبي سفيان واستنفار قريش‬ ‫بغداد‪ ،‬مق ّرب������اً بعد حني م������ن اخلليفة املأمون‪،‬‬
‫في مكة‪ ،‬وجتهيز حملة قاربت من ألفي مقاتل‪،‬‬ ‫لتنطلق شهرته من هناك‪.‬‬
‫على رأسهم أبوجهل‪ ،‬ثم خرج بهم‪ ،‬تاركاً القيادة‬ ‫ّ‬
‫لق������د ع������اش الواقدي جُ������ل الق������رن الثاني‬

‫‪90‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 84-91.indd 90‬‬ ‫‪7/14/16 9:56:59 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫«بدر» عن س������لفه الزهري الت������ي رواها بصورة‬ ‫لعتبة بن ربيعة‪ ،‬حيث س������قط كالهما في ساحة‬
‫حد ما لدى‬ ‫مقتضب������ة‪ ،‬بينما وجد ضالته إل������ى ٍّ‬ ‫املعرك������ة‪ .‬أما املس������لمون فلم يزي������دوا إال قلي ً‬
‫ال‬
‫عروة‪ ،‬وكان متطابقاً معه وإن بصورة جزئية‪ ،‬مع‬ ‫على ثالثمائة‪ ،‬وقد يحت������اج ذلك إلى نقاش‪ ،‬إذ‬
‫رجحان في التفاصي������ل ملصلحة الواقدي الذي‬ ‫إن إخباري������ات املرحلة كانت متي������ل إلى املبالغة‪،‬‬
‫تت ّب������ع األس������ماء واألرقام ل������دى الطرفني‪ ،‬وأكثر‬ ‫خصوص������اً ف������ي التفاوت بيـــ������ن أعــــ������داد القلة‬
‫م������ن االستش������هادات القرآني������ة‪ ،‬باإلضـــافة إلى‬ ‫املنتصرة من املسلمني وبني الكثرة املنهــــــزمة من‬
‫منهج أكثر سالس������ة وإن شابه تُخمة املادة بعض‬ ‫األعداء‪ ،‬إلظهار أن املؤمنني ال يقاتلون بسيوفهم‬
‫األحيان‪.‬‬ ‫فقط‪ ،‬وإمنا تؤازرهم سيوف الله‪ .‬وفي احملصلة‬
‫ولكن «بدرا» جدي������رة باإلطناب‪ ،‬فقد كانت‬ ‫ً‬ ‫جتنّب أبوس������فيان ‪ -‬زعيم مك������ة ‪ -‬املعركة وجنا‬
‫فاحت������ة النص������ر العظي������م على الش������رك‪ ،‬حيث‬ ‫وهم أبوجهل‪ ،‬الرجل القوي بعده‪،‬‬ ‫بالقافلة‪ ،‬بينما ِ‬
‫ُكسرت شوكة قريش في هذه املعركة‪ ،‬وأصيبت‬ ‫ب������أن الفرصة حانت للقضاء على الرس������ول ‬
‫معنوياته������ا ف������ي الصميم‪ ،‬إذ هـــزم������ت أمام قلّة‬ ‫ودعوته‪ ،‬فقُتل وتشــــتّت صحــــبه في كل ناحية‪،‬‬
‫من املؤمنني‪ ،‬وانس������حبـــت فلولها‪ ،‬وليس في بال‬ ‫قبل تراجعهم مندحرين إلى مكة‪ ،‬مخلّفني عدداً‬
‫قادتها س������وى الثأر‪ ،‬هذا الذي لم يحدث‪ ،‬فيما‬ ‫كبيراً من القتلى وراءهم‪.‬‬
‫كانت االنتصارات تتوالى على جبهة املس������لمني‪،‬‬ ‫لق������د أطن������ب الواقدي ف������ي أخب������ار «بدر»‪،‬‬
‫م������ن دون أن تعرقــ������ل اندفاعــهم هزمية «أحد»‪،‬‬ ‫ال في تفاصيلها من األسباب‪ ،‬إلى شهودها‬ ‫واغ ً‬
‫وهي ليس������ت واقع������اً كذلك‪ .‬ومن ه������ذا املنظور‬ ‫وش������هدائها من املس������لمني‪ ،‬إلى لوائح األس������رى‬
‫أخذت «بدر» ه������ذه الهالة لدى عروة والواقدي‪،‬‬ ‫والقتلى من املش������ركني‪ ،‬ما يدفعنا إلى التساؤل‬
‫الس������يما األخير الذي أحاط بتفاصيلها من دون‬ ‫تيس������ر له رصد‬ ‫عن دقة مصادر الواقدي‪ ،‬وقد ّ‬
‫التس������ليم املطلق بصحة الرواية‪ ،‬ولعله من أوائل‬ ‫هذه املادة املسهبة‪ ،‬خصوصاً أن تصنيفها حدث‬
‫الذين مارس������وا عليه������ا الــــنق������د مبعـــيـــار ذلــك‬ ‫بعد نحو قرنني على وفاة الرسول ‪.‬‬
‫الزمن >‬ ‫ومن الالفت أن الواق������دي لم يقتبس أخبار‬

‫أحمق ثالث‬
‫نتمن على الله‬
‫َّ‬ ‫حك ��ي أن أحمقني اصطحبا في طري ��ق فقال أحدهما لآلخر‪ :‬تعال‬
‫ف ��إن الطري ��ق تُقط ��ع باحلدي ��ث‪ .‬فقال أحدهم ��ا‪ :‬أنا أمتن ��ى قطائع غنم أنتف ��ع بلبنها‬
‫وحلمها وصوفها‪ .‬وقال اآلخر‪ :‬أنا أمتنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى ال تترك‬
‫منها ش ��يئ ًا‪ .‬قال‪ :‬ويحك أهذا من حق الصحبة وحرمة العش ��رة؟! فتصايحا وتخاصما‬
‫واش ��تدت اخلصومة بينهما حتى متاس ��كا باألطواق ثم تراضيا أن يكون أول من يطلع‬
‫عليهما يكون حكما بينهما‪ .‬فطلع عليهما ش ��يخ بحمار عليه زقان من عس ��ل فحدثاه‬
‫بحديثهم ��ا فنزل بالزقني وفتحهما حتى س ��ال العس ��ل على الت ��راب ثم قال‪ :‬صب الله‬
‫دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقني‪.‬‬
‫جلد ُي َج ُّز ُ‬
‫شعر ُه‪ ،‬للشراب وغيره)‬ ‫(ال َز ُّّق‪ٌ :‬‬
‫وعاء من ٍ‬

‫‪91‬‬
‫مصنّفو املغازي األوائل (عروة‪ ،‬الزهري‪ ،‬الواقدي) قراءة مقارنة في مروياتهم‬

‫‪aug 84-91.indd 91‬‬ ‫‪7/14/16 9:57:02 AM‬‬


‫وثائق أدبية‬

‫رسالتان من شاعر الجندول‬


‫علي محمود طه إلى حسين عفيف‬
‫كاتب من مصر‬ ‫نبيل فرج‬

‫عرف����ت حس����ين عفي����ف (‪ )1979 - 1902‬ش����اعر قصيدة النثر في س����نواته‬


‫األخي����رة‪ ،‬وأجري����ت معه حوارات صحفي����ة عدة‪ ،‬جمعتها بع����د رحيله في‬
‫كت����اب ص����در باس����مه ف����ي المكتب����ة الثقافية س����نة ‪ .1986‬وخ��ل�ال هذه‬
‫اللقاءات مع حس����ين عفيف‪ ،‬التي كان����ت تتم في أحد مقاهي الدقي‬
‫المطل����ة عل����ى الميدان‪ ،‬قريب����ا من بيت����ه‪ ،‬أعطاني نس����خة مصورة من‬
‫وصيت����ه‪ ،‬وصفحات مخطوطة عن منهجه في كتابة الش����عر المنثور‪،‬‬
‫ورؤيت����ه لإلبداع‪ .‬وف����ي آخر لقاء مع حس����ين عفيف قدم ل����ي وأنا أودعه‬
‫هاتين الرسالتين اللتين تلقاهما من الشاعر الكبير علي محمود طه‪،‬‬
‫ش����اعر الجندول‪ ،‬في س����نتي ‪ 1940‬و‪ ،1941‬يش����كره فيهم����ا على إهدائه‬
‫ديوانيه الجديدين «األغنية» و«العبير»‪.‬‬

‫املعن� � ��ى األخالقي‪ ،‬ولكن ترجع ه� � ��ذه األهمية أيضاً‬ ‫تتمثل أهمي� � ��ة هاتني الرس� � ��التني في إطالعنا‬
‫إلى ما تتضمنه من عبارات نقدية ال يكتبها إال ناقد‬ ‫عل� � ��ى هذا التعامل الرفيع بني الش� � ��عراء‪ ،‬فرغم أن‬
‫متخصص‪ ،‬تنب� � ��ئ عن ثقافة فنية متتع بها ش� � ��اعر‬ ‫حسني عفيف كان في هذا التاريخ في بداية حياته‬
‫اجلندول عل� � ��ي محمود طه‪ ،‬يرتب� � ��ط فيها اجلمال‬ ‫الش� � ��عرية‪ ،‬لم يكتب عنه أح� � ��د‪ ،‬وكان علي محمود‬
‫بالفن‪ ،‬والواقع باخلي� � ��ال‪ ،‬واحلقيقة باألوهام‪ ،‬وتعد‬ ‫طه في قمة شهرته‪ ،‬تنفد دواوينه التي يعاد طبعها‬
‫فيها املوس� � ��يقى عنص� � ��راً ثابتاً متيز به ش� � ��عر هذا‬ ‫مرات‪ ،‬ويحتفي به النقد والنقاد في مصر واألقطار‬
‫الشاعر الغنائي الكبير‪ ،‬الذي جمع في قصائده بني‬ ‫العربية‪ ،‬إال أنه حرص على أن يقدم حلسني عفيف‬
‫الفطرة واحلرفة‪ .‬ويبدو أن عدم التزام علي محمود‬ ‫بخط يده الش� � ��كر على هديته‪ .‬ومثل هذا اخللق ال‬
‫ط� � ��ه تقاليد الش� � ��عر العربي كان مبنزل� � ��ة األرضية‬ ‫أظن أن أحداً من األس� � ��ماء الالمعة في هذه األيام‬
‫املش� � ��تركة التي التقى عليها املالح التائه مع حسني‬ ‫يلت� � ��زم به‪ ،‬في ما عدا جنيب محفوظ‪ ،‬الذي كان –‬
‫عفيف شاعر قصيدة النثر‪ ،‬إضافة إلى اشتراكهما‬ ‫رحمه الله – يكتب خطابات الش� � ��كر لكل من يرسل‬
‫في افتتانهما باملرأة‪ .‬وإلى جانب الش� � ��عر الوجداني‬ ‫إليه كتاباً‪ ،‬بل كان يرد بقلمه على كل رسالة تصله‪،‬‬
‫والوطني الذي صدر لعلي محمود طه في خمس� � ��ة‬ ‫حتى لو كانت من أسماء نكرة‪.‬‬
‫دواوين‪ ،‬فقد كتب عديداً من املقاالت في الدوريات‬ ‫وال تقتصر أهمية هاتني الرس� � ��التني على هذا‬

‫‪92‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 92-95.indd 92‬‬ ‫‪7/14/16 9:57:56 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪93‬‬
‫رسالتان من شاعر اجلندول علي محمود طه إلى حسني عفيف‬

‫‪aug 92-95.indd 93‬‬ ‫‪7/14/16 9:58:01 AM‬‬


‫‪94‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 92-95.indd 94‬‬ ‫‪7/14/16 9:58:06 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫والرس� � ��التان التاليتان وثيقتان أدبيتان تش� � ��يران إلى‬ ‫الصحفية عن الش� � ��عراء األجانب الذين تعرف على‬
‫طبيعة ذلك الشاعر الكبيــــر األخالقية واإلنسانية‪.‬‬ ‫أعماله� � ��م‪ ،‬مثل ب� � ��ول فيرلني‪ ،‬ش� � ��ارل بودلير‪ ،‬جون‬
‫ماس� � ��فيلد‪ ،‬الفريد دي فيني‪ ،‬وجم� � ��ع كتاباته عنهم‬
‫نص الرسالة األولى‪:‬‬ ‫في كتابه «أرواح ش� � ��اردة» ال� � ��ذي صدر في طبعتني‬
‫عزيزي الشاعر الثائر األستاذ حسني عفيف‪...‬‬ ‫متتاليتني ف� � ��ي ‪1941‬و‪ ،1942‬وكتب علي محمود طه‬
‫طالع� � ��ت في أغنيتك البديعة ش� � ��عراً منثوراً كله‬ ‫بخط يده على النسخة املهداة إلى طه حسني‪« :‬إلى‬
‫عذوبة وكله فن وجمال‪ ،‬تطرد فيه املوسيقى اطراداً‬ ‫الكات� � ��ب العالم األديب العظيم األس� � ��تاذ اجلليل طه‬
‫رخياً وتؤلف فيه األلفاظ بيد العاطفة احلية القوية‬ ‫حسني بك حتية صادقة وتقديرا ألثره في املدرسة‬
‫نغمات متوافقة‪ ،‬هو أس� � ��لوبك أيه� � ��ا الصديق الذي‬ ‫احلديثة»‪ .‬ويلفت النظر في هذا الكتاب اطالع علي‬
‫أبدعته وطريقتك اخلالصة التي أرجو أن تصل بك‬ ‫محمود طه الواس� � ��ع على الشعر الفرنسي واآلداب‬
‫إل� � ��ى املزيد من الفن ومن اجلمال لتتحفنا بروائعك‪،‬‬ ‫العاملية‪ ،‬ووقوف� � ��ه على مذاهبها الفني� � ��ة‪ ،‬وترجمته‬
‫فأشكر لك هديتك ولك محبتي ومودتي‪.‬‬ ‫الش� � ��عرية لبع� � ��ض قصائد منه‪ ،‬قدمه� � ��ا بفهم دقيق‬
‫املخلص علي محمود طه‬ ‫ملواطن اجلمال في الفن اخلالد‪.‬‬
‫القاهرة في ‪ 2‬يونيو ‪1940‬‬ ‫علي محم� � ��ود طه (‪ )1949 - 1902‬ش� � ��اعر من‬
‫طراز رفيع‪ ،‬صاحب قيثارة ونغمات متقنة السبك ال‬
‫نص الرسالة الثانية‪:‬‬ ‫تضارع‪ ،‬ش� � ��عاره احلب‪ ،‬ورسالته اجلمال‪ ،‬له قاموس‬
‫صديقي العزيز الشاعر النابغة األستاذ حسني‬ ‫لغ� � ��وي خاص‪ ،‬يص� � ��وغ كلماته في أس� � ��اليب عصرية‬
‫عفي� � ��ف‪ ...‬تلقي� � ��ت بي� � ��د الغبطة مؤلف� � ��ك اجلديد‬ ‫وخي� � ��ال خص� � ��ب‪ ،‬ال يلتزم فيه� � ��ا الش� � ��كل التقليدي‬
‫«العبير»‪ ،‬فأسكرني شميمه وأطربني تنغيمه‪ ،‬وماذا‬ ‫للقصيدة العربية ويبني اجلديد على القدمي‪ .‬وعلى‬
‫أقول في شعرك احللو الرخيم وقد أسلفت البرهان‬ ‫الرغم من التطور الكبير الذي شهده الشعر العربي‬
‫على تقدي� � ��ري لرفيع فنه وبديع حس� � ��نه‪ .‬فلتهنأ يا‬ ‫من� � ��ذ رحيل علي محم� � ��ود طه‪ ،‬فال يس� � ��تطيع ناقد‬
‫صديقي بعبيرك الس� � ��اطع الفواح‪ ،‬وليهنأ به عشاق‬ ‫أو مؤرخ لتاريخ الش� � ��عر العربي أن يتجاهل ش� � ��اعر‬
‫روحك الصافي وأدبك النبيل‪ ،‬ودمت ألخيك‪.‬‬ ‫اجلن� � ��دول‪ ،‬أو يغض النظر عن أث� � ��ره‪ ،‬وكان أكثر ما‬
‫علي محمود طه‬ ‫ميس قارئه هو ش� � ��عور الش� � ��اعر احلاد باحليرة بني‬
‫‪ 12‬فبراير ‪> 1941‬‬ ‫املادة والروح‪ ،‬واخلير والش� � ��ر‪ ،‬وامتزاجه بالطبيعة‪.‬‬

‫سكوت‬
‫لق ��ي غ�ل�ام أعراب ��ي أبا الع�ل�اء املعري‪ ،‬فقال له‪َ :‬م ْن الش ��يخ يكون؟ ق ��ال املعري‪ :‬أنا‬
‫أبوالع�ل�اء املع ��ري ش ��اعركم املع ��روف‪ .‬فق ��ال الغ�ل�ام‪ :‬أه ًال بالش ��اعر الفح ��ل ذي القول‬
‫اجلزل‪ ،‬والرأي الفصل‪ ،‬أنت القائل في شعرك‪:‬‬
‫وإن � � ��ي وإن ك� �ن ��ت األخ�� �ي� ��ر زم� ��ا ُن� ��ه‬
‫آلت مب ��ا ل ��م ت �س �ت �ط �ع��ه األوائ� � � � ُ�ل؟!‬ ‫ٍ‬
‫ق ��ال أبوالع�ل�اء‪ :‬نع ��م‪ ،‬أن ��ا القائ ��ل وال فخر‪ .‬فق ��ال الغالم‪ :‬ق ��ول ط ّيب‪ ،‬وثق ��ة بالنفس‬
‫واعت ��داد‪ ،‬ولك ��ن األوائ ��ل وضعوا ثمانية وعش ��رين حرف� � ًا هجائي ًا‪ ،‬فهل ل ��ك أن تزيد عليها‬
‫عهدت لي سكوت ًا كهذا السكوت!‬ ‫ُ‬ ‫حرف ًا واحداً؟! فسكت أبوالعالء‪ .‬وقال بعد ذلك‪ :‬والله ما‬

‫‪95‬‬
‫رسالتان من شاعر اجلندول علي محمود طه إلى حسني عفيف‬

‫‪aug 92-95.indd 95‬‬ ‫‪7/14/16 9:58:10 AM‬‬


‫لغة‬

‫الحن»‬
‫م ِ‬ ‫القيمة األخالقيَّة لكتاب «ال َ‬
‫أكادميي من مصر‬ ‫د‪ .‬محمد علي عطا‬

‫«المال ِح���ن» هو كتاب من تأليف العالمة األديب اللغوي ابن ُدرَيد األَز ْ ّ‬
‫دي‬ ‫َ‬
‫(ت‪321‬هـ)‪ ،‬صاحب كتب‪« :‬الجمهرة»‪ ،‬و«االشتقاق»‪ ،‬و«األمالي»‪ ،‬و«صفة‬
‫السرج واللجام»‪ ،‬و«المطر والسحاب»‪ ،‬و«المجتنى»‪ ،‬وغيرها من الكتب‪.‬‬
‫حن» معجم من معاجم المعاني يقع في ‪ 17‬ورقة‪ ،‬تتضمن ‪185‬‬ ‫و«المال ِ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫جملة مورّاة‪ ،‬تشمل ألفاظا لها معنى قريب يعرفه الجميع ومعنى غير‬
‫ش���ائع ال يعرف���ه إال لغوي‪ ،‬فكأنها لغ���ز من األلغاز‪ ،‬مثال تل���ك الكلمات‪:‬‬
‫كلم���ة «أعلمت���ه» فلها معنى ش���ائع يعرف���ه العامة وهو أعلمت���ه الخبر‪،‬‬
‫وله���ا معن���ى بعي���د وهو ش���ققت ش���فته العلي���ا‪ ،‬وكلمة «كل���ب» لها‬
‫معنى ش���ائع يعرفه الجميع وهو الحي���وان المعروف‪ ،‬ولها معنى بعيد‬
‫وهو المس���مار في قائم السيف‪ ،‬وكلمة «الفهد» لها معنى شائع عند‬
‫العامة وهو الحيوان المعروف‪ ،‬ولها معنى بعيد ال يعرفه إال المتخصص‬
‫وهو مسمار في وسط رحل الدابة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫أبوإس� � ��حاق إبراهيم اطف ّيش اجلزائري‪ ،‬ونشر مرة‬


‫االهتمام به قدمي ًا‬
‫بتحقيقه في املطبعة الس� � ��لفية عام ‪1347‬هـ‪ ،‬ومرة‬ ‫حظي هذا الكتاب باالهتمام منذ القدم‪ ،‬حيث‬
‫أخرى في دار الباز للنش� � ��ر والتوزيع‪ ،‬مكة املكرمة‪،‬‬ ‫اهتم ال� � ��رواة بروايت� � ��ه كما في فهرس� � ��ت ابن خير‬
‫ودار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1،1407‬م = ‪1987‬م‪،‬‬ ‫اإلش� � ��بيلي (ت‪575‬ه � � �ـ)‪ ،)326-325/1( ،‬حيث ذكر‬
‫ثم ح َقّقه د‪ .‬عبداإلله نبهان‪ ،‬حتت عنوان «املالحن‬ ‫أربعة طرق لروايته‪ .‬وخلصه الس� � ��يوطي (ت‪911‬هـ)‬
‫معجم تراثي في الدالالت غير الشائعة لأللفاظ»‪،‬‬ ‫في «املزه� � ��ر» (‪ .)447-445/1‬كما نس� � ��ج املؤلفون‬
‫فقد أضاف السمه عبارة توضيحية تبني موضوعه‪،‬‬ ‫على منواله كما سيأتي‪.‬‬
‫ونشر أوالً في وزارة الثقافة بدمشق عام ‪1992‬م‪ ،‬ثم‬
‫في مكتبة لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬عام ‪1996‬م‪.‬‬ ‫حتقيقه ونشره‬
‫نش� � ��ر وليم رايت الكتاب في ليدن عام ‪1859‬م‪،‬‬
‫هدف الكتاب‬ ‫ونشرته املطبعة السلفية‪ ،‬وطبعه املستشرق هينرش‬
‫ذك� � ��ر ابن ُد َريد في مقدمت� � ��ه هدفه من تأليفه‪،‬‬ ‫توربكة في جامعة هيدلبرج عام ‪1882‬م‪ ،‬معتمداً على‬
‫فقال‪« :‬هذا كتاب أ ّلَفناه ليفزع إليه املج َبر املضطهد‬ ‫مخطوطة غوته‪ ،‬ونشر مبصر عام ‪1323‬هـ‪ ،‬وح َقّقه‬

‫‪96‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 96-99.indd 96‬‬ ‫‪7/13/16 9:25:36 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪97‬‬
‫القيمة األخالق ّ َية لكتاب «امل َ ِ‬
‫الحن»‬

‫‪aug 96-99.indd 97‬‬ ‫‪7/13/16 9:25:41 AM‬‬


‫رأيت� � ��ه»‪ ،‬يريد باحللي ضرباً من النبت ترعاه اإلبل‪،‬‬ ‫عل� � ��ى اليمني‪ ،‬املك � � � َره عليه فيعارض مبا رس� � ��مناه‬
‫وق� � ��ول احلالف‪« :‬والله ما رأيت له أتانا وال أخذتها‬ ‫ضمر خالف ما يُظهر؛ ليس� � ��لم من عادية الظالم‬ ‫ويُ ْ‬
‫منه»‪ ،‬يريد باألت� � ��ان صخرة في بطن الوادي‪ ،‬وقول‬ ‫ويتخلَّص من جنَف الغاشم»‪.‬‬
‫احلال� � ��ف‪« :‬والله‪ ،‬ما أخذت له دِ جاجة وال ف ّ ُروجاً»‪،‬‬ ‫ويفهم من هذا الكالم أن هدفه نبيل وهو إيجاد‬
‫يري� � ��د بالدجاج� � ��ة الكبة م� � ��ن الص� � ��وف وبالفروج‬ ‫مخ� � ��رج للمظلوم املكره عل� � ��ى اليمني‪ ،‬وهذا الهدف‬
‫ال َّد َّراع� � ��ة‪ ،‬وقول احلالف‪« :‬والل� � ��ه ما أخذت لفالن‬ ‫قد يصدق على من يحلف‪« :‬والله‪ ،‬ما س� � ��ألت فالناً‬
‫بقرة وال ث� � ��وراً»‪ ،‬يريد بالبقرة العيال الكثيرة ويريد‬ ‫حاج� � ��ة قط»‪ ،‬يريد باحلاجة ضرباً من الش� � ��جر له‬
‫بالثور القطعة العظيمة من األقط‪ ،‬وقول احلالف‪:‬‬ ‫ش� � ��وك؛ فقد يك� � ��ون حلفه لنفي عالقته بش� � ��خص‬
‫«والل� � ��ه‪ ،‬ما ضرب� � ��ت لفالن بطناً وال ظه� � ��راً»‪ ،‬يريد‬ ‫تس� � ��تريب فيه الس� � ��لطة أو احلاكم ويريد املتهم أن‬
‫بالبطن املنخفض من األرض‪ ،‬ويريد بالظهر املرتفع‬ ‫ينفي صلته به‪ ،‬ويصدق هذا أيضاً على من يحلف‪:‬‬
‫من األرض‪ ،‬وقول احلالف‪« :‬والله‪ ،‬ما مسست ألية‬ ‫«والله‪ ،‬ما رأيت فالناً قط وال كلمته»‪ ،‬يريد برأيته‪:‬‬
‫فالن»‪ ،‬يريد باأللية أص� � ��ل اإلبهام‪ ،‬وقول احلالف‪:‬‬ ‫ضرب� � ��ت رئته‪ ،‬وكذل� � ��ك في حلف احلال� � ��ف‪« :‬والله‬
‫«والله‪ ،‬ما كشفت لها قناعاً‪ ،‬وال عرفت لها وجهاً»‪،‬‬ ‫ما أعلم� � ��ت فالنا وال أعلمن� � ��ي»‪ ،‬و«والله ما أخذت‬
‫يريد بالقن� � ��اع الطبق وبالوجه القص� � ��د‪ ،‬وكثير من‬ ‫ا»‪ ،‬يريد باخلف خف اإلبل‬ ‫م� � ��ن فالن خُ ًفّا وال نع� �ل � ً‬
‫مادة الكتاب عل� � ��ى هذا املنوال‪ ،‬منها الكلمات رقم‪:‬‬ ‫وبالنع� � ��ل القطعة الغليظة م� � ��ن األرض‪ ،‬و«والله‪ ،‬ما‬
‫‪.182 ،177 ،173 ،167 ،150، 137 ،134 ،126 ،90‬‬ ‫أخذت من فالن ُج َّبة وال لبستها»‪ ،‬يريد با ُ‬
‫جل َّبة ُج َّبة‬
‫وقد ملّح لذلك ‪ -‬دون استقصاء ‪ -‬محقق املالحن‬ ‫دخل فيه رأس الرمح‪،‬‬ ‫الس� � ��نان وهي املوضع الذي يُ َ‬ ‫ِّ‬
‫د‪.‬عبد اإلله نبهان (ص‪ ،)19‬حيث يقول‪« :‬فزعم أنه‬ ‫و«والله‪ ،‬ما كنت ساعياً قط وال أصلح لذلك»‪ ،‬يريد‬
‫ألفه ليفزع إليه املج َبر املضطهد على حلف اليمني‬ ‫بالس� � ��اعي الذي يلي الصدق� � ��ات‪ ،‬و«والله ما دخلت‬
‫فينجو من جنف الظالم وحيفه؛ أي إنه ق َّدم س� � ��بباً‬ ‫لفالن بيت� � ��ا»‪ ،‬يريد بالبيت القبر‪ .‬واحلالف‪« :‬والله‪،‬‬
‫دين ًّيا ش� � ��رع ًّيا لتأليف� � ��ه‪ ،‬وال أحب أن أنفي ما زعمه‬ ‫خط»‪ ،‬يريد باخلط ِس � � �يْف‬ ‫م� � ��ا لي في هذا الكتاب ّ ُ‬
‫وإن كنت أرجح أن غايته األساس� � ��ية إمنا هي غاية‬ ‫البحر؛ أي شاطئه‪.‬‬
‫تعليمي� � ��ة الغرض منه� � ��ا الرياض� � ��ة اللغوية‪ ،‬وحفظ‬
‫املزيد من مف� � ��ردات اللغة‪ ،‬وحفظ املعاني املعجمية‬ ‫صدقه في هدفه‬
‫األخرى لكثير من األلفاظ املش� � ��هورة مبعنى واحد‬ ‫ولكننا نصدم في هذا الهدف النبيل حني جند‬
‫بني الناس»‪.‬‬ ‫ف� � ��ي الكتاب ما يخالفه‪ ،‬بل يعكس� � ��ه إلى مس� � ��اعدة‬
‫كما ن َّبه د‪ .‬ش� � ��رف الدي� � ��ن الراجحي في كتابه‬ ‫اجلان� � ��ي على الك� � ��ذب وعلى اس� � ��تباحة األعراض‬
‫«محمد بن دري� � ��د وكتابه اجلمهرة» (ص‪)220 ،159‬‬ ‫وعل� � ��ى اخلروج من تنفيذ حد الله عليه‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫إلى هذا األمر‪ ،‬وربط بني صنع ابن دريد وما عرف‬ ‫قول احلال� � ��ف‪« :‬والله ما لفالن عن� � ��دي جارية وال‬
‫في الفقه باحليل الشرعية التي وقف ضدها بعض‬ ‫اغتصبته عليها»‪ ،‬يريد باجلارية املعنى البعيد الذي‬
‫الفقهاء‪ ،‬فق� � ��ال‪« :‬ومجمل القول أن كتاب ابن دريد‬ ‫ال يعرفه إال ضميره وهو السفينة‪ ،‬فهل يحلف هذا‬
‫في املالحن يش� � ��به مس� � ��ألة احليل فهو يتساهل أو‬ ‫احلل� � ��ف إال من اغتصب جاري� � ��ة بالفعل‪ ،‬ويريد أن‬
‫يتسامح ويتحايل على اللغة للميل إلى معنى آخر»‪.‬‬ ‫يخ� � ��رج من التهمة؟ وقس على ذلك قوله‪« :‬والله‪ ،‬ما‬
‫كسرت لفالن ضرساً وال س ًنّا»‪ ،‬يريد ِّ‬
‫بالسنِّ قطعة‬
‫دورته التراثية‬ ‫من العش� � ��ب تتفرق في األرض أو الثور الوحش� � ��ي‪،‬‬
‫ينتمي هذا الكتاب إلى دورة تراثية صغيرة هي‬ ‫وبالضرس قطعة من املطر تقع متفرقة في األرض‪،‬‬
‫دورة فن املالحن‪ ،‬أ ّلَف فيها‪:‬‬ ‫وقول احلالف‪« :‬والل� � ��ه‪ ،‬ما ظلمت فالناً وال غيره»‪،‬‬
‫‪-‬املفجع البصري (ت‪327‬ه � � �ـ) كتاب «املنقذ من‬ ‫َّ‬ ‫يريد ما س� � ��قيته الظليم وهو الل� �ب��ن قبل أن يروب‪،‬‬
‫األمي� � ��ان»‪ ،‬ول� � ��م تبق من� � ��ه غير نصوص ف� � ��ي خزانة‬ ‫وقول احلالف‪« :‬والله‪ ،‬ما أخذت من فالن حلياً وال‬

‫‪98‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 96-99.indd 98‬‬ ‫‪7/13/16 9:25:45 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫األمر في «الصاهل والشاحج» (ص ‪ )224-222‬على‬ ‫األدب (‪ )336/3‬وفيه أنه ترجم حملمد بن اليحمدي‪،‬‬
‫حكاية تاريخية عن س� � ��مات أه� � ��ل البيت وأفعالهم‪،‬‬ ‫و(‪ )117/3‬وفيه ذكر للغري وهو موضع بالكوفة‪ ،‬وفي‬
‫مثل‪« :‬وكان علي عليه الس� �ل��ام يرحم األرملة‪ ،‬ويبر‬ ‫معجم البلدان (‪ )247/3‬وس� � ��ماه «املنقذ من األميان‬
‫الصبيني‪ ،‬ويقطع يد‬ ‫اليتيم‪ ،‬ويضرب بحد سيفه أم َّ‬ ‫في أخبار ملوك اليمن»‪ ،‬وفيه حديث عن قصة امللك‬
‫الس َرق‪ ...‬إلخ»‪.‬‬‫الفيل على َّ‬ ‫شمر وفتحه سمرقند‪ ،‬وفي (‪ )440/3‬ذكر أنه وضعه‬
‫أما كتاب ابن ف� � ��ارس (ت‪495‬هـ) فصوغ كالمه‬ ‫على مثال املالحن البن دريد‪ ،‬وفي هذا املوضع ذكر‬
‫أنب� � ��ل من صوغ ابن دريد‪ ،‬حيث اس� � ��تخدم الكلمات‬ ‫للصني ومن نسب إليها‪.‬‬
‫في أس� � ��لوب شريف‪ ،‬فقد ساق ابن دريد «املالحن»‬ ‫‪ -‬أب� � ��و الع� �ل��اء املع� � ��ري (ت‪449‬ه � � �ـ) في بعض‬
‫على لس� � ��ان حالف يحلف ليخرج من العقوبة‪ ،‬بينما‬ ‫نصوص «الصاهل والشاحج» (ص‪.)222‬‬
‫تخيل ابن فارس لغو ًّيا يس� � ��أل فقي ًها س� � ��ماه «فقيه‬ ‫‪ -‬ابن فارس (ت ‪ 495‬هـ) ألف كتاب « ُفتْ َيا فقيه‬
‫الع� � ��رب» بألغ� � ��از لغوية فيجيب بال ت� � ��ردد مالحظا‬ ‫العرب»‪ ،‬حقّقه د‪ .‬حسني علي محفوظ‪ ،‬ونشره في‬
‫املعنى البعيد املراد ال املعنى القريب‪ ،‬ثم يشرح ابن‬ ‫مجلة املجمع العلمي العربي بدمش� � ��ق‪ ،‬املجلد ‪،33‬‬
‫فارس املعنى البعيد الذي فهمه الفقيه‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬ ‫يولي� � ��و ‪1958‬م‪ ،‬ص‪ ،443‬وما بعدها‪ ،‬واجلزء الثاني‬
‫«قيل لفقيه العرب‪ :‬هل يجب على الرجل إذا أسهد‬ ‫نشره فيها في العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪1958‬م‪ ،‬ص‪.633‬‬
‫الوضوء؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬واإلسهاد أن ميذي الرجل»‪.‬‬ ‫‪ -‬احلري� � ��ري (ت‪516‬ه � � �ـ) في مقامت� � ��ه الثانية‬
‫بينم� � ��ا قلَّد احلري� � ��ري (ت‪516‬ه � � �ـ) ابن فارس‬ ‫والثالثني؛ الطيبية‪.‬‬
‫(ت‪495‬هـ) في مس� � ��ألة املس� � ��تفتي والفقيه األريب‪،‬‬ ‫‪ -‬الكالعي محمد بن عب� � ��د الغفور (ت‪550‬هـ)‬
‫ولم أقف على كتاب الكالعي‪ .‬فكل كتب هذه الدورة‬ ‫في فصل من كتابه «إحكام صنعة الكالم»‪ ،‬وس َّماه‬
‫التراثية تقريباً صاغت األمر صوغاً شريفاً‪.‬‬ ‫املو َّرى (ص‪.)188‬‬
‫وخالص� � ��ة األمر أن اإلم� � ��ام األديب اللغوي ابن‬ ‫املفج� � ��ع البصري يوحي‬
‫َّ‬ ‫كتاب‬ ‫�م‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫ورغ� � ��م أن ا‬
‫وتعجل في صوغه على‬ ‫َّ‬ ‫دريد تن َّكب اجلادة في كتابه‬ ‫بأنه س� � � ٍ�ار على منهج ابن دريد نفس� � ��ه في احللف‬
‫نحو أخرج غالب محتوى كتاب «املالحن» إلى منحى‬ ‫على ش� � ��يء يجهله املس� � ��تمع ويقصده احلالف‪ ،‬فإن‬
‫غير أخالقي رمبا يس� � ��اعد ذوي األخالق املنحرفة‬ ‫النص� � ��وص القليلة التي وصلتن� � ��ا ال تدل على ذلك‪،‬‬
‫عل� � ��ى اخلروج من احلدود‪ ،‬وكان ميكن أن يتخير له‬ ‫ففكرتنا عن منهجه مشوشة‪.‬‬
‫صيغة شريفة كما فعل َمن بع َده >‬ ‫أم� � ��ا أبو الع� �ل��اء املعري (ت‪449‬ه � � �ـ)‪ ،‬فقد أدار‬

‫خبر وعبر‬

‫وقف قس بن س ��اعدة اإليادي خطيب ًا فقال‪ :‬أيها الناس اس ��معوا وعوا‪ ،‬من عاش‬
‫م ��ات‪ ،‬وم ��ن م ��ات فات‪ ،‬كل ما ه ��و آت آت‪ ،‬ليل داج‪ ،‬ونهار س ��اج‪ ،‬وس ��ماء ذات أبراج‪ ،‬إن‬
‫ف ��ي الس ��ماء خلبر ًا وإن في األرض لعبراً‪ ،‬ما ب ��ال الناس يذهبون وال يرجعون‪ ،‬رضوا‬
‫فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يا معشر إياد أين اآلباء واألجداد؟ وأين الفراعنة الشداد؟‬
‫وأين من بنى وش ��يد؟ ألم يكونوا أكثر منكم ما ًال وأطول منكم أج ًال؟ طعنهم الدهر‬
‫بكلكله فترك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية!‬
‫كال بل هو الواحد املعبود ليس بوالد وال مولود‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫القيمة األخالق ّ َية لكتاب «امل َ ِ‬
‫الحن»‬

‫‪aug 96-99.indd 99‬‬ ‫‪7/13/16 9:26:44 AM‬‬


‫قصة قصيرة‬

‫قصص قصيرة جد ًا‬


‫قاص وناقد سوري مقيم في الكويت‬ ‫عبدالكريم المقداد‬

‫حيرة‬ ‫ذاكرة للبيع‬


‫�ت ف� � ��ي منتص� � ��ف‬‫كان� � � ْ‬ ‫«للبيع‪ :‬ذاكرة متوهجة‬
‫املسافة‪،‬‬ ‫ملفك������ر ف������ي مجال������ي‬
‫ح� �ي��ن أطل� � ��ق األخ النار‬ ‫السياسة والتاريخ‪.‬‬
‫على أخيه‪،‬‬ ‫يجي������د‪ ،‬إضاف������ة إلى‬
‫ث ّم‪ ...‬على نفسه‪.‬‬ ‫اللغ������ة العربية‪ ،‬اللغتني‬
‫صرخت األم بق ّوة‪.‬‬ ‫اإلجنليزية والفرنسية‪،‬‬
‫لكنها لبث� � ��ت في وقفتها‬ ‫وله جترب������ة رائدة في‬
‫أكثر من املتوقع‪.‬‬ ‫مجال الكتابة‪.»...‬‬
‫أي منهما تهرع أوال‪ً.‬‬ ‫حارت إلى ّ‬ ‫كان اإلع���ل��ان ب������ارزاً وجاذباً عل������ى الصفحة‬
‫األخي������رة من اجلري������دة‪ .‬ماذا ينق������ص تاجراً‬
‫ناجحاً مثلي غير ذلك‪.‬‬
‫عطش‬ ‫اتصلت بصاحب اإلعالن‪ ،‬واتفقنا‬ ‫ُ‬ ‫على الفور‪،‬‬
‫تهنا في طريق العودة‪.‬‬ ‫على كل شيء‪.‬‬
‫جبن� � ��ا الصح� � ��راء في كل‬ ‫ال أنكر أنني صرت أرى عوالم جديدة ما كنت‬
‫االجتاه� � ��ات‪ ،‬حت� � ��ى نفد‬ ‫أتخ ّيلها‪،‬‬
‫البنزين‪.‬‬ ‫لكن الطامة الكبرى أنني ما عدت أنام‪.‬‬
‫ه ّدنا العط� � ��ش‪ ،‬ولم يتبق‬ ‫تراجعت صحتي‪ ،‬فبعتها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫هدني األرق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫معنا إال جرعة ماء‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وبينما كنت أطالع الصحف‪،‬‬
‫بب� � ��طء وخفر‪ ،‬أم � � � ُّد يدي‬ ‫صدمني خبر انتحار من اشتراها‪.‬‬
‫إليها‪ ،‬ثم أسحبها‪.‬‬ ‫أفاد اخلبر أيضاً‪ ،‬بأنه بعد حتريات وحتقيقات‬
‫متاماً‪ ،‬كما تفعل هي‪.‬‬ ‫جلنة حماية املستهلك‪ ،‬تبني أن البائع األصلي‬
‫صرنا نتحاشى لقاء العيون‪.‬‬ ‫لم يصرح بأن الذاكرة تعود لسوري كان شاهداً‬
‫تك ّرر املد والسحب كثيراً‪.‬‬ ‫على كثير من املجازر خالل الثورة!‬
‫في املرة األخيرة‪ ،‬نفد صبري‪.‬‬
‫تناولت اجلرعة‪ ،‬وشربتها‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪100‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 100-102.indd 100‬‬ ‫‪7/13/16 9:27:18 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫العيون احمل ّمرة جليراني‪.‬‬ ‫ظل‬


‫كاد بعضه� � ��م يتع ّثر بقدميه‪ .‬ومنه� � ��م من كان يحاذيني‬ ‫�ت بالصخ� � ��رة عل� � ��ى‬ ‫هوي� � � ُ‬
‫وال يراني‪.‬‬ ‫جمجمته‪ ،‬ولم يصب بأذى!‬
‫أي منه� � ��م في ذلك‬
‫ل� � ��م أس� � ��مع «صب� � ��اح اخلير» م� � ��ن ّ‬ ‫باملسدس واجهته‪ ،‬في املرة‬
‫الصباح!‬ ‫الثانية‪.‬‬
‫كان يس� � ��تند أمام� � ��ي إل� � ��ى‬
‫اجلدار مباشرة‪،‬‬
‫قرد‬ ‫�ت املخ� � ��زن ف� � ��ي‬‫فأفرغ� � � ُ‬
‫لي� � ��ت احل� � ��ال وقف� � ��ت عند‬ ‫رأسه‪.‬‬
‫حدود القص� � ��ات الغرائبية‪،‬‬ ‫لكنه لم يتأثر!‬
‫والصبغات العجائبية‪،‬‬ ‫لست مجرماً‪ .‬وال أحب األذية‪.‬‬
‫فقد وص� � ��ل به� � ��ا األمر أن‬ ‫جتنيت علي� � ��ه‪ ،‬واملعلومات الت� � ��ي كان يتخم بها‬
‫ُ‬ ‫فه� � ��ل‬
‫جعلتني زبوناً دائماً لعيادات‬ ‫تقاريره لهم‪ ،‬ما كان يعرف بها إال ظلي و‪ ...‬زوجتي؟!‬
‫التجميل‪.‬‬
‫املرة األولى األنف‪ ،‬والثانية‬
‫اخلدود‪ ،‬والثالثة الشفاه‪...‬‬ ‫أحالم‬
‫والعاشرة‪...‬‬ ‫ه ّدن� � ��ي األرق‪ .‬أحتاي ُل على‬
‫�ت األربعني‪ ،‬أنن� � ��ي ما عدت‬
‫ل� � ��م يغظني‪ ،‬حني تخطي� � � ُ‬ ‫طير الن� � ��اس‪ ،‬فال أظفر به‬
‫أعرف نفس� � ��ي في امل� � ��رآة‪ ،‬قدر ما أغاظن� � ��ي أنها ما‬ ‫إال قبيل هنيهات من موعد‬
‫عادت تطيقني‪:‬‬
‫ْ‬ ‫التحاقي بالعمل‪.‬‬
‫‪ -‬كيف أعيش مع قرد؟!‬ ‫وبينما كنت أتقلّب كعادتي‪،‬‬
‫تع ّث� � ��رت ي� � ��دي أمس بخيط‬
‫في وسادتي‪.‬‬
‫وخز‬ ‫رحت أتس� � ��لى بفتله‪ ،‬وش ّده‪،‬‬
‫ُ‬
‫ماذا أفعل بهذا الولد؟‬ ‫فتمدد‪ ،‬واستطال!‬
‫كان يج ّنن� � ��ي ول� � ��م يدخ� � ��ل‬ ‫انتبهت‪ ،‬فاجأني ما علق ب� � ��ه من صور‪ ،‬راحت‬ ‫ُ‬ ‫وح� �ي��ن‬
‫املدرسة بعد!‬ ‫تتتالى كلما سحبته‪:‬‬
‫صدمني قبل فترة بسؤاله‪:‬‬ ‫بقايا بيوت وش� � ��ظايا‪ ،‬مطر أحمر‪ ،‬مركب جانح‪ ،‬قمر‬
‫بابا‪َ ،‬من ميس� � ��ك بالسماء‬ ‫مشروخ‪ ،‬طفل يتسول‪،‬‬
‫فال تقع علينا؟‬ ‫ً‬
‫جث� � ��ث متفس� � ��خة‪ ،‬طائ� � ��ر يش� � ��خب دم � � �ا‪ ،‬أط� � ��راف‬
‫خف� � ��ت أن أجيب� � ��ه حتى ال‬ ‫صناعية‪...‬‬
‫تتناسل أس� � ��ئلته‪ ،‬فشاغلته‬ ‫مت‬
‫ح� �ي��ن أفاقت زوجتي على ش� � ��هقاتي كنت ق� � ��د ك ّو ُ‬
‫بإصبع من الشوكوال‪.‬‬ ‫أمتاراً من اخليط على أرض الغرفة‪.‬‬
‫قبل أيام‪ ،‬وعندما فاجأتنا الس� � ��ماء مبطر غير متوقع‪،‬‬ ‫صارت تساعدني في شد اخليط‬ ‫ْ‬ ‫رأت‪ ،‬ثم‬
‫صعقت ملا ْ‬
‫ْ‬
‫بادرني‪:‬‬ ‫حتى انتهينا منه بعد أكثر من ساعة‪.‬‬
‫يرشنا باملاء بابا؟‬ ‫من ّ‬ ‫�ت كومته‪ ،‬بدمائه� � ��ا ورائحتها النتن� � ��ة‪ ،‬في كيس‪،‬‬ ‫لفف� � � ُ‬
‫كتمت غيظي‪ ،‬وشاغلته ثانية‪.‬‬ ‫ورميتها في حاوية القمامة في اخلارج‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬كدت أختنق بلقمتي حني فاجأني على العشاء‪:‬‬ ‫من قبال‪.‬‬ ‫منت يومها كما لم أ ْ‬ ‫ُ‬
‫خرجت من بطنها؟!‬
‫ُ‬ ‫فعلت وأمي حتى‬ ‫َ‬ ‫بابا‪ ..‬ماذا‬ ‫لكن ما أثار دهشتي حني نزلت لاللتحاق بالعمل تلك‬

‫‪101‬‬
‫قصص قصيرة جد ًا‬

‫‪aug 100-102.indd 101‬‬ ‫‪7/13/16 9:27:24 AM‬‬


‫الثالث‪.‬‬
‫عكس االجتاه‬
‫حني قنصتها‪ ،‬هوت كعصفور‪.‬‬ ‫طائ�� ��رات تلق�� ��ي امل�� ��وت‬
‫اقتربت من البيت‪ ،‬ورآني‪ ،‬حتى ترك ولدي أصحابه‬ ‫ُ‬ ‫ما إن‬ ‫بعش�� ��وائية‪ .‬الدم�� ��ار في كل‬
‫وطار ليحط على صدري‪.‬‬ ‫مكان‪.‬‬
‫علي احتض�� ��ان االثنني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫صعب‬ ‫احتضنت�� ��ه قلي ً‬
‫ال‪ .‬وح��ي��ن‬ ‫الكل يركض كما يوم احلشر‪،‬‬
‫أنزلته وأبقيت على البندقية‪.‬‬ ‫إال هي‪.‬‬
‫الب�� ��د أن زوجتي كانت تنتظرني بش�� ��وق‪ ،‬لكن ال أدري ل َم‬ ‫عجوز تتب ّدى من بني غبش‬
‫حدث ما حدث؟‬ ‫الدخ�� ��ان‪ .‬ت�� ��دب بعكازه�� ��ا‬
‫ودخلت‪ ،‬حتى س� � � ّددت نحو رأسي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الباب‪،‬‬ ‫فتحت‬
‫ُ‬ ‫فما إن‬ ‫كالسلحفاة عكس االجتاه‪.‬‬
‫وقنصتني!‬ ‫وجه عتيق‪ ،‬صارم‪ ،‬والمباالة أسطورية‪.‬‬
‫بعكازها تزيح رؤوساً مفصولة‪ ،‬وأطرافاً مبتورة‪ ،‬وتواصل‬
‫الزحف‪.‬‬
‫طعنة كيوي‬ ‫ملفوفة بالدخان والغبار واملوت تتقدم إلى حيث يفرون‪.‬‬
‫جذال‪ ،‬أنوس برأسي بينهما‪.‬‬ ‫في وسط س�� ��احة املدينة‪ ،‬التي وصلتها بعد جهاد مرير‪،‬‬
‫علي‪ ،‬فتطعمني‬ ‫متيل األولى ّ‬ ‫غرست عكازها‪.‬‬‫ْ‬
‫قطعة كيوي‪.‬‬
‫واصلت الغرس‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ببطء‪ ،‬ويدين واهنتني‪،‬‬
‫تغ�� ��ار الثاني�� ��ة‪ ،‬فتميل أكثر‪،‬‬
‫ّ‬
‫الذهول أعاد الفارين‪ ،‬فتحلقوا حولها‪.‬‬
‫وتطعمني قطعة أخرى‪.‬‬
‫مهرج�� ��ان من الدالل لم ينته‬ ‫توقفت‪ ،‬وراحت حتاكي عيونهم بصمت صاخب‪.‬‬ ‫ْ‬
‫إال عند آخر قطعة كيوي‪.‬‬ ‫حلظات‪ ،‬وبدأ سباقهم إلى العكاز‪ ،‬ميتّنون غرسه‪.‬‬
‫ه�� ��ذه تص ّر على أن تطعمني إياها‪ ،‬واألخرى تل ّح على أن‬
‫يكون ذلك من نصيبها‪.‬‬
‫ال أدري كي�� ��ف تالطم�� ��ت الغي�� ��رة حت�� ��ى وصل�� ��ت إل�� ��ى‬ ‫قناص‬
‫السكاكني؟‬ ‫لم أقنص اليوم إال خمسة‪،‬‬
‫األولى ه� � � ّددت بطعني إذا لم يك�� ��ن إطعامي القطعة من‬ ‫لكنني ل�� ��م أمتالك نفس�� ��ي‬
‫نصيبها‪.‬‬ ‫حني رأيته�� ��ا وأنا في طريق‬
‫األخرى ل ّوحت بسكينها‪ ،‬وتوعدت إذا لم حتظ بذلك‪.‬‬ ‫العودة‪.‬‬
‫ال أدري س�� ��يدي احملق�� ��ق‪ ،‬فأن�� ��ا ل�� ��م أص�� ��ح إال هنا في‬ ‫طفل�� ��ة كانت جترب املش�� ��ي‬
‫املستشفى!‬ ‫على حافة السطح في الدور‬

‫ثالثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫م ��رض أح ��د حكماء العرب ولكنه أم ��ر بأال يؤذن ألحد م ��ن زواره بالدخول عليه‪ ،‬فلما‬
‫ُش ��في أنك ��ر عليه أصحابه ذلك فقال‪ :‬ع ��وادي ثالثة‪ :‬صديق وعدو‪ ،‬وثال ��ث ليس عدو ًا وال‬
‫صديق� � ًا‪ ،‬أم ��ا الصدي ��ق فإنه يتألم لرؤيتي مريض� � ًا‪ ،‬وهذا ما ال أرضاه ل ��ه‪ ،‬وأما العدو فإنه‬
‫يشمت بي وهذا ماال أرضاه لنفسي‪ ،‬وأما الثالث فال حاجة به وال بي لزيارته!‬

‫‪102‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 100-102.indd 102‬‬ ‫‪7/13/16 9:27:29 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫قصص على الهواء‬

‫قصص ألصوات شابة تنشر بالتعاون‬


‫مـ ــع إذاع ـ ـ ــة «مــونــت كــارلــو» الدولي ــة *‬

‫ملــاذا اخ ـتــرت هــذه ال ـق ـصــص?‬


‫عرض واختيار نبيل سليمان ‪ -‬كاتب وروائي من سورية‬

‫من الس������ودان تتقدم قصة عوض كمال «فخ النصوص» إلى املرتبة األولى من بني خمس������ة‬
‫عش������ر قصة دخلت الس������باق في هذه الدورة من برنامج «قصص على الهواء»‪ .‬وإذا كان بني هذه‬
‫املجموعة خمس قصص عاجزة عن الدخول في الس������باق‪ ،‬وهي‪« :‬موت حتى إش������عار آخر – لن‬
‫مي������وت احللم – من كوة القمر – وس������عينا لتفتيت عصابة الكالب املتش������ردة – صوت اآلذان»‪،‬‬
‫فثمة قصص أخرى تتنافس بجدارة مع القصص اخلمس الفائزة‪ ،‬منها «القصاص – املسمار»‪.‬‬
‫أم������ا القصص الفائ������زة فهي بالترتيب‪« :‬فخ النصوص – بابنا ‪ -‬زي������ارة – ربيع رمادي – خراف‬
‫وخرافات»‪.‬‬

‫< املرتبة األولى‪« :‬فخ النصوص» لـعوض كمال ‪ -‬السودان‬


‫تبدع القصة على أكثر من مستوى‪ ،‬ورمبا كان أولها املستوى اللغوي‪ .‬فعدا عن املكنة البادية‬
‫في اختيار املفردات وصوغ اجلمل القصيرة املتوفزة‪ ،‬تأتي اللعبة الفنية املتميزة والذكية املتمثلة‬
‫بتش������غيل اللغة كفاعل س������ردي‪ ،‬فال تعود إهاباً وحسب‪ ،‬بل تصير جسداً سردياً إن ص ْح التعبير‪.‬‬
‫وهكذا نرى الش������خصية القصصية «هي» تختبئ خلف «االس������تعارات الكالمية»‪ ،‬أو تتحدث عن‬
‫مدينتن������ا الت������ي ترفل في «خدع احلداثة اللغوية»‪ .‬وبني «هي» والش������خصية األخرى «هو» تفصل‬
‫ّ‬
‫وكل يرس������م اآلخر من منظوره‪ .‬وعلى مس������توى البناء‪ ،‬تنهض القصة ببس������اطة‪،‬‬ ‫«هوة تعبيرية»‪،‬‬
‫ولك������ن بإحكام وإغ������واء الفتني‪ .‬فبعد الفقرة األولى الوجيزة – وكل م������ا في القصة بالغ اإليجاز‬
‫والتكثيف – التي يش������تبك فيها هو وهي‪ ،‬يكون لكل منهما فقرته التي يتحدث فيها عن اآلخر‪،‬‬
‫إلى أن تأتي اخلامتة بلقطات س������ريعة للنادي ولـ «هو» ولـ «هي»‪ ،‬وتوفي القصة قولها املأثور في‬
‫أن الذكورة التني تشرخ األنوثة‪.‬‬

‫< املرتبة الثانية‪« :‬زيارة» لـعبدالعالي النميلي ‪ -‬املغرب‪.‬‬


‫هي أيضاً قصة بالغة التكثيف‪ ،‬ومحكمة البناء‪ ،‬وفيها يشتق السارد من شخصيته شخصية‪،‬‬

‫* تُنشر القصة األولى الفائزة في هذا العدد‪ ،‬بينما تنشر بقية القصص الفائزة على موقع مجلة العربي وتُبث في إذاعة‬
‫«مونت كارلو الدولية» على مدار شهر أغسطس ‪.2016‬‬

‫‪103‬‬

‫‪aug 103-105.indd 103‬‬ ‫‪7/13/16 9:28:34 AM‬‬


‫باألحرى‪ ،‬تتلبسه شخصية الرجل الغريب املنكسر الذي يبحث عن فكرة أو صورة شاردة‪ ،‬ليكتب‬
‫في كراس������ته‪ .‬وسوف توقظه الريح من سهومه وأخيلته ليرى القصيدة التي تشبه أسطرها آثار‬
‫قدمي طفل على الثلج‪ .‬وكما ينبغي أن تكون قفلة القصة القصيرة محكمة‪ ،‬تنقفل قصة «زيارة»‬
‫بالثقوب السوداء الشعثاء على صفحة الثلج «كأنها أعني دنيا منقرضة حتدق إلي مبرارة»‪.‬‬

‫< املرتبة الثالثة‪« :‬بابنا» لـسامي عبد الستار مسلم ‪ -‬مصر‬


‫جاءت هيئة القصة في س������طور تنادي الس������طور الش������عرية‪ ،‬وعبرها ي������روي الراوي بضمير‬
‫املتكل������م تفاصي������ل حارة من واحد من صباحاته‪ :‬لقاء اجلار عم س������عيد‪ ،‬اإلفطار‪ ،‬الصمت الذي‬
‫يش������ي باملوت‪ ،‬ال������ذي يفجر األخيلة والهواجس‪ ،‬ومنها أن يقتح������م أحدهم البيت ويرمي من فيه‬
‫بالرصاص‪ .‬وهذا الصدى للرعب العميم يتعزز في مخاطبة الراوي للباب‪ ،‬ويتوج بالشاشة التي‬
‫تبث الرعب‪ ،‬لكأننا منوت من أجل املوت‪.‬‬

‫< املرتبة الرابعة‪« :‬ربيع رمادي» لـسميرة عواد ‪ -‬سورية‬


‫قطعت احلرب أوصالها تلجأ طفلة إلى الساردة‪ ،‬لكن املدينة ترفض ذلك‪ ،‬فترحل‬ ‫في مدينة ّ‬
‫ولكن ماردين ملتحيني يخطفان الطفلة في‬
‫ّ‬ ‫أسرة الساردة بالطفلة إلى مدينة ناجية من احلرب‪.‬‬
‫هذه املدينة‪ ،‬فالش ّر مستفحل‪ ،‬ولم يبق إال النظر إلى السماء واألمل بزمن مختلف‪.‬‬

‫< املرتبة اخلامسة‪« :‬خراف وخرافات» لـسعيد بودبوز ‪ -‬املغرب‬


‫تنافس القصة األخيرة سابقتها على املرتبة الرابعة‪ ،‬لوال أن العنوان غير موفق‪ ،‬وما يتالمح‬
‫في اللغة أحياناً من تفاصح‪ .‬أما ما مييز القصة اخلامس������ة‪ ،‬فهو لعبة األس������طرة التي تش������بك‬
‫املاضي باحلاضر‪ ،‬وباألحرى جتعل للزمن مستويني متباعدين‪ ،‬وبهما تلتبس الوقائع وشخصيات‬
‫الراوي والراعي وابنته إلى أن تأتي القفلة البديعة واحملكمة‪ ،‬بانطالق الراعي من البوابة بسرعة‬
‫هائلة‪ ،‬ودخوله في احلائط‪ ،‬ثم اختفائه من دون أن ينهار احلائط أو يظهر فيه أي أثر‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬أال يحق لي أن أفرح بهذه الباقة من القصص البديعة والواعدة بكتّاب للقصة القصيرة‬
‫التي تشكو ندرة من يكتبونها؟‬

‫‪104‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 103-105.indd 104‬‬ ‫‪7/13/16 9:28:39 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫«فخ النُصوص»‬
‫عوض كمال ‪ -‬السودان‬

‫عن لغتي وعاملي والغابة االس� � ��توائية التي حتاصرني‬ ‫هو يختبئ خلف ابتس� � ��امته املُتْقنة‪ ،‬وهي تختبئ‬
‫ورواد املقهى الذين َملَّوا ْ هذه الدراما املكرورة‪:‬‬ ‫خل� � ��ف االس� � ��تعارات الكالم ّي� � ��ة‪ ،‬تفص� � ��ل بينهما هوة‬
‫‪ -‬لكن‪ ...‬أ ُ ِح ّب ِك‪.‬‬ ‫تعبيري� � ��ة ليس لها ق� � ��رار‪ .‬فرس ومه� � ��رة يخ َّبان جنباً‬
‫ه� � ��و ال تعني� � ��ه الفرادي� � ��س‪ ،‬ألنه ق� � ��ادم من زمان‬ ‫إلى جنب‪ ،‬دون أن ينتب� � ��ه أحدهما لآلخر‪ ،‬أو يعترف‬
‫ق� � ��دمي جداً‪ ،‬ل� � ��م تُخْ لق فيه الفرادي� � ��س بعد‪ .‬ال أدري‬ ‫بوج� � ��وده‪ .‬الصمت يجت� � ��ر الذكريات من أس� � ��فل قاع‬
‫علي‪ .‬هذا ليس كافياً‪.‬‬ ‫م� � ��اذا يعجبني فيه‪ ،‬رمبا خوفه َّ‬ ‫املدينة ويضعها في صدارة املش� � ��هد اللغوي‪ ،‬أمامهما‬
‫ال أعرف‪ .‬هو ش� � ��خص غريب على كل حال‪ ،‬رمادي‪،‬‬ ‫مباش� � ��رة على الطاولة‪ ،‬فيعودان إل� � ��ى نقطة البداية‪،‬‬
‫ال تغريه النهايات الس� � ��عيدة‪ .‬وكثيراً ما يتلصص على‬ ‫مخلوقني ضعيفني مكبلني إلى ماضيهما‪« .‬نحن عبيد‬
‫ش� � ��ظايا لغتي‪ .‬هو أناني‪ .‬ال أري� � ��د اخلوض في هذا‬ ‫ملاضينا»‪ ،‬قال فيلس� � ��وف صيني ذات مرة‪ .‬في سطوة‬
‫املوضوع‪ ،‬لكنه أناني بص� � ��ورة ال تحُ ْ تمل‪ .‬دائماً يتكلم‬ ‫حض� � ��ور املاض� � ��ي كأن احلاضر واملس� � ��تقبل طفالن‬
‫عن دراسته‪ ،‬أمه‪ ،‬حبه للموسيقى‪ ،‬انتصاراته‪ ،‬ماضيه‪،‬‬ ‫َش� � ��رِ يدان يس� � ��أالن الناس من حق الله‪ ،‬هامش ُمفْرغ‬
‫ومستقبله‪ .‬وأنا ش� � ��يء من أشيائه‪ ،‬إرث مضمون في‬ ‫على صدر ورقة بيضاء‪ ،‬شيء هش طري ساذج‪.‬‬
‫قبضة اليد‪ .‬ل� � ��م يكن هنالك «نحن»‪ ،‬دائماً كان األمر‬ ‫هو يتساءل عن السبب الذي دفعه للمجيء‪ ،‬ألنه‬
‫متعلق � � �اً به «هو»‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬أريج الياس� � ��مني وزنابق‬ ‫بال ش� � ��ك لم يأت لكي يبتسم‪ .‬هي حتلل الكلمات‪ ،‬ما‬
‫الصباح واصفرار الش� � ��مس عن� � ��د األصيل ال يعنيني‬ ‫وراء الكلمات‪ ،‬االبتسامة اخلرقاء‪ ،‬ارتعاش يديه على‬
‫إلي‪ .‬حينها‬ ‫بقدر ما يعنيني ارتباك عينيه حني ينظر َّ‬ ‫الطاول� � ��ة‪ ،‬والصمت القلق الذي يلفهما كس� � ��وار حول‬
‫ال أجد أرضاً تسعني‪ ،‬أنس� � ��ى هذه الهواجس‪ ،‬وأقبل‬ ‫معصم‪ .‬انتشلهما نادل املقهى من الورطة‪ ،‬وقدم لهما‬
‫هذا الوضع الغريب على علاّ ته‪ .‬على كل حال احلب‬ ‫حروفاً ملون ًة للخروج من املأزق الكالمي‪.‬‬
‫وحده لي� � ��س كافياً‪ ،‬صديقت� � ��ي تُ َذكِ رني باس� � ��تمرار‪.‬‬ ‫ه� � ��ي متطلبة جداً‪ ،‬باألصح تعيش في عالم ٍ‬
‫مواز‪،‬‬
‫ال أع� � ��رف‪ .‬لس� � ��ت متأكدة من ش� � ��يء‪ .‬نف� � ��دت مني‬ ‫ال تش� � ��به كلماتها كلماتي‪ ،‬ال أدري م� � ��اذا أفعل معها‪،‬‬
‫البصي� � ��رة والذخيرة‪ .‬أقول له وأنا أحترر من قس� � ��وة‬ ‫ما الذي أتى بي إلى هنا أساس � � �اً؟ أنا غريب في هذا‬
‫الصمت وعباءة االستعارات السوداء وحمى االبتذال‬ ‫املكان‪ ،‬في وضع شاذ ومربك‪ ،‬مثل نخلة وحيدة وسط‬
‫العاطفي‪:‬‬ ‫غابة استوائية‪ .‬أنا شاب غبي في كل األحوال‪ .‬إذا كنّا‬
‫‪ -‬أ ُ ِح ّبُ َك‪ ...‬لكن‪.‬‬ ‫سنفترق فلنفعل ذلك كأناس متحضرين يجلسون في‬
‫فاجأهم� � ��ا النادل احلش� � ��ري بوجه� � ��ه الطفولي‬ ‫مقهى متحضر وس� � ��ط مدينتنا الت� � ��ي ترفل في خدع‬
‫وابتسامته املخبأة جيداً في جيب قميصه‪ .‬هو اختبأ‬ ‫احلداثة اللغوية‪ .‬ال ب� � ��كاء وال زعيق وال ضجة‪ .‬فقط‬
‫في س� � ��خرية النادل الذي كان ينفض آنية السجائر‪.‬‬ ‫شخصان س� � ��ارا مع بعضهما ش� � ��طراً من الدرب‪ ،‬ثم‬
‫هي قفزت واختزلت نفس� � ��ها في أكواب العصير التي‬ ‫مضى كل إلى حال سبيله‪ .‬هذه هي األصول وقوانني‬
‫يجمعها النادل‪ .‬ومنذ ذلك احلني لم يرهما أحد‪ ،‬إلاّ‬ ‫اللعب‪ .‬كانت متثيلية ركيكة النص على كل حال‪ .‬رغم‬
‫نادل املقهى س� � ��يئ احلظ‪ ،‬الذي أصبح في حيرة من‬ ‫ذلك‪ ،‬ورغماً عني‪ ،‬أعتقد أن عينيها تخصاني بطريقة‬
‫أمره >‬ ‫إلي‪ ،‬إلي عاملي‪ .‬فوجدتني أقول لها رغماً‬ ‫ما‪ ،‬تنتميان َّ‬

‫‪105‬‬

‫‪aug 103-105.indd 105‬‬ ‫‪7/13/16 9:28:46 AM‬‬


‫ملف قصص من الصين‬

‫ذكرى رحيل أمي‬


‫تأليف‪ :‬تجيا بينغ وا‬
‫‪ -‬مترجمة من مصر‬ ‫ترجمة‪ :‬مي عاشور‬

‫نفسي‪:‬‬ ‫عندما يكون شخص على قيد احلياة‪ ،‬نكون‬


‫ق������د عادت أمي‪ ،‬ثم خرج������ت مرة أخرى إلى‬ ‫منشغلني بأشياء كثيرة‪ ,‬لدرجة أننا ال نف ِّرق بني‬
‫الش������ارع لتش������تري لي الفلف������ل األخضر واجلزر‬ ‫النه������ار والليل‪ ،‬ولكنه مبج������رد أن يرحل‪ ،‬تتراكم‬
‫اللذين أحب تناولهم������ا‪ ،‬أو رمبا هي متزح معي‪،‬‬ ‫األيام ومتر ببطء‪َ .‬حس������بت‪ ,‬فوج������دت أنه بعد‬
‫فاختبأت متعمدة داخل تلك الصورة املعلقة على‬ ‫عش������رين يوماً س������تحل الذكرى الثالث������ة لرحيل‬
‫اجل������دار‪ ،‬أضع البخور في املبخرة املوجودة أمام‬ ‫أمي‪.‬‬
‫الصورة‪ ،‬وسرعان ما ينطق لساني جملة واحدة‪:‬‬ ‫قبل ثالث س������نوات‪ ،‬كلم������ا كنت أعطس كنت‬
‫«أنا لست متعباً»‪.‬‬ ‫أقول هذه اجلملة دائماً‪« :‬من يشتاق إلي؟»‪ ،‬كانت‬
‫كان������ت أمي ام������رأة عادية‪ ،‬وضع������ت لفافات‬ ‫أم������ي حُتب املزاح‪ ,‬فكانت تس������تطرد قائلة‪« :‬من‬
‫القدم���ي��ن (‪ ،)4‬لم تكن متعلمة‪ ،‬وس������جل حالتها‬ ‫يش������تاق إليك؟ أمك تش������تاق إليك!»‪ .‬خالل هذه‬
‫املدنية مازال في القرية‪ ,‬ولكن أمي كانت مهمة‬ ‫الس������نوات الثالث كنت أعط������س بكثرة‪ ،‬وخاصة‬
‫للغاية بالنس������بة لي‪ .‬مر وق������ت طويل جداً‪ ،‬فعلى‬ ‫عندم������ا يفوتني وق������ت تناول الطعام‪ ،‬أو أس������هر‬
‫الرغم من أنني لم أعد أعيش في قلق مس������تمر‬ ‫ا‪ ،‬ومبجرد أن أعطس‪ ،‬كن������ت أتذكر أمي‪,‬‬ ‫طوي���ل�� ً‬
‫عل������ى مرض أم������ي‪ ،‬فإنه لم يعد هناك ش������خص‬ ‫وأؤمن بشكل قاطع أنها مازالت تهتم بشأني‪.‬‬
‫يكثر التنبيه والتوصية على هذا وذاك؛ إذا كنت‬ ‫عادة كنت أس������مع فجأة أمي تناديني بشكل‬
‫سأس������افر إلى بعيد‪ ،‬وكذل������ك عندما يكون معي‬ ‫جلي واض������ح‪ ،‬وأنا منهمك ف������ي الكتابة‪ ،‬تعودت‬
‫أكل وش������راب طيبني‪ ،‬ال أدري إلى من أهديهما‪.‬‬ ‫أن ألتفت برأس������ي صوب اليمني مبجرد س������ماع‬
‫س������كنت أمي تلك احلجرة في بيتي بـ «شي آن»‪،‬‬ ‫ص������وت ندائه������ا؛ في املاضي كان������ت أمي جتلس‬
‫لم أحرك أياً من أثاثها‪ ،‬كل ش������يء بقي كما كان‬ ‫عل������ى س������رير الغرفة املوج������ودة ناحي������ة اليمني‪،‬‬
‫عليه‪ ,‬ولكنني فق������ط لم أعد أرى ظل أمي‪ ،‬كنت‬ ‫كانت ال تتحرك‪ ،‬أو حت������ى تصدر صوتاً مبجرد‬
‫أقول لنفس������ي مراراً وتكراراً بحس������رة‪ :‬إن أمي‬ ‫أن أنك������ب عل������ى الكتاب������ة‪ ,‬فقط كان������ت تتبعني‬
‫لم مت������ت‪ ,‬فهي عادت لتس������كن بيتها القدمي في‬ ‫لي وق������ت طويل‪ ،‬كانت‬ ‫بعينيه������ا‪ ،‬وعندما مير َع ّ‬
‫القرية فحس������ب‪ .‬صي������ف هذا العام ح������ار جداً‬ ‫تنادين������ي‪ ,‬ثم تقول‪« :‬هل بوس������عك أن تنتهي من‬
‫ومش������بع بالرطوب������ة القامتة‪ ،‬مما س������يجعل أمي‬ ‫كتابة رموز العالم كله (‪)1‬؟ اخرج لتتجول قلي ً‬
‫ال»‪.‬‬
‫تس������تيقظ كل ليلة‪ ،‬أفكر وأنا ش������ارد الذهن‪ ،‬أنه‬ ‫اآلن‪ ،‬كلما س������معت صوت أم������ي تناديني‪ ,‬أضع‬
‫يجب عل������ي اس������تبدال مكيف جدي������د باملوجود‬ ‫القلم وأسير صوب تلك الغرفة‪ ،‬يجول بخاطري‬
‫ف������ي حجرتها‪ ,‬بعدما أس������تعيد وعيي وأفيق من‬ ‫أن أم������ي قد حضرت من دي خوا (‪ )2‬إلى ش������ي‬
‫ش������رودي‪ ،‬أواس������ي نفس������ي وأطمئنه������ا أنه البد‬ ‫آن (‪)3‬؟‬
‫أن يكون س������كن أمي اجلديد ف������ي القرية رطباً‪.‬‬ ‫بالطبع كانت احلجرة خالية مــن أي ش������يء‪،‬‬
‫مبرور األيام‪ ,‬أخذت تقترب الذكرى الثالثة لرحيل‬ ‫ورغ������م ذل������ك كنت أق������ف لوقت طوي������ل‪ ,‬محدثاً‬

‫‪106‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 106-113.indd 106‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:21 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫رحلت؛ أنا على وجه‬


‫أخبرتني احلقيقة أن أمي قد َ‬ ‫أم� � ��ي‪ ,‬ومن العادات املتعارف عليها في القرية أن‬
‫األرض وه� � ��ي في باطنها‪ ،‬هي رحلت وأنا باق في‬ ‫تُقام مراس� � ��م للذكرى‪ ،‬أعددت البخور‪ ,‬الشموع‪,‬‬
‫الدني� � ��ا‪ ،‬أم وابن صعب أن يلتقيا مجدداً‪ .‬انهمرت‬ ‫الزهور والفاكهة‪ ،‬وعدت إلى قرية دي خوا‪ ،‬ولكن‬
‫دموعي فجأة‪ ،‬وانتحبت باكياً >‬ ‫كان علي الذهاب إلى املقابر فور وصولي هناك‪،‬‬

‫* جتيا بينغ وا هو واحد من أشهر الكتاب الصينيني املعاصرين‪ ،‬ولد عام ‪ 1952‬في مقاطعة شان شب‪ ,‬بدأ نشر أعماله عام ‪،1974‬‬
‫تخرج في قسم اللغة الصينية في جامعة شي بي عام ‪ ,1975‬وحصل على جوائز عدة آخرها جائزة ماو دون لألدب عام ‪.2008‬‬
‫(‪ )1‬الرموز‪ :‬تستخدم الصني الرموز في الكتابة ال احلروف‪ ،‬والرمز في الصينية يساوي كلمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬دي خوا‪ :‬هي مسقط رأس الكاتب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ش ��ي آن‪ xi an :‬مدينة تقع في مقاطعة شانش ��ي ش ��مال غرب الصني‪ ،‬لها أهمية تاريخية وثقافية كبيرة جداً‪ ،‬وهي واحدة من‬
‫عواصم الصني السبع القدمية‪.‬‬
‫(‪ )4‬ف ��ي الص�ي�ن قدمي� � ًا‪ ،‬كان ��ت الفتيات تضعن لفافات القدمني في س ��ن مبكرة جدا‪ ،‬وذلك لتظل أقدامه ��ن صغيرة وال تنمو‪ ،‬وكان‬
‫ُيعتقد أنها من مظاهر اجلمال حني ذاك‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫ذكرى رحيل أمي‬

‫‪aug 106-113.indd 107‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:26 AM‬‬


‫ملف قصص من الصين‬

‫«الزيتــون»‬
‫تأليف‪ :‬جانج كانج *‬
‫ترجمة‪ :‬يوسف فرغلي ‪ -‬مترجم من مصر‬

‫«س������أنتزع الش������تاء من هنا‪ ،‬ثم سأرد إليك‬


‫الربيع مرة أخرى»‪ ...‬هاينه‪.‬‬
‫تل������ك الغاب������ة الكثيفة من أش������جار الزيتون‬
‫كانت تقف منتصبة على التل األس������مر الداكن‪،‬‬
‫بدا وكأن هناك س������حباً رمادية معلقة فوق قمم‬
‫األشجار‪ .‬على الرغم من أنه فصل الشتاء‪ ،‬فإن‬
‫األش������جار كانت خضراء مورق������ة‪ ،‬ثم خلف تلك‬
‫األوراق اخلضراء الداكنة كانت هناك األغصان‬
‫الرفيعة التي امتألت في فصل اخلريف بحبات‬
‫الزيتون املدببة‪ ،‬ولكنها كانت قد قطفت جميعاً‬
‫ولم يتب������ق ش������يء‪ ،‬أال يوجد حتى حب������ة زيتون‬
‫واح������دة؟ أردت أن أج������وب جميع أنح������اء غابة‬
‫باحلي������اة‪ ،‬وتذكرت طعم الزيت������ون الذي تناولته‬ ‫الزيتون بحثاً عنها‪.‬‬
‫في السنوات الس������ابقة‪ ،‬تلك احلبات الصغيرة‬ ‫ولكنن������ي أعرف أنني ل������ن أجده مهما أطلت‬
‫اجلافة اخلض������راء بطعمها احللو الالذع‪ ،‬الذي‬ ‫البحث‪« ،‬ألنني لم أر وجهه ولم أسمع صوته من‬
‫انساب من فمي إلى داخل أعماق قلبي‪.‬‬ ‫قبل‪ ،‬فقط سمعت صوت خطواته الرشيقة وهو‬
‫‪« -‬خذيه������ا»‪ ...‬كانت ي������ده الكبيرة ممدودة‬ ‫مير من أمام منزلي»‪ ،‬فأنى لي أن أذهب وأبحث‬
‫أمامي‪ ،‬وبدا كأن هناك ش������يئاً يتدحرج داخلها‪،‬‬ ‫عنه في احلقيق������ة؟ أنا حتى ال أتذكر مالمحه‪،‬‬
‫ال أري������د أن أنظر إليها فقد كن������ت منهمكة في‬ ‫كان ف������ي ذاكرت������ي املزدحمة يب������دو كجدول ماء‬
‫البكاء بحرقة‪ .‬كانت كتفي تهتز من شدة البكاء‪،‬‬ ‫صغير ينحدر من بني قمم اجلبال‪ ،‬وقد اختفى‬
‫تس������اقطت دموعي وبللت الوشاح األحمر حول‬ ‫عميقاً حتت أش������جار الغابة حتى ال يكاد ضوء‬
‫عنقي ثم سقطت على أرضية غرفة املاكياج‪.‬‬ ‫الشمس ينفذ إليه‪ ،‬لوهلة قصيرة فقط ميكنك‬
‫ال‪ ،‬كانت يده ممدودة‬ ‫‪« -‬خذيها»‪ ...‬كرر قائ ً‬ ‫أن ت������رى ملعان صفحة امل������اء‪ ،‬ولكن ال ميكن أن‬
‫بصبر أمامي‪ .‬أردت جتاهله فأنا لم أكن أعرفه‪،‬‬ ‫تع������رف من أين أتى املاء أو إلى أين س������يمضي؟‬
‫يبدو أن������ه أحد الدارس���ي��ن اله������واة اجلدد في‬ ‫أحيان������اً يبدو وكأنه قد اختف������ى من حياتي إلى‬
‫فرقة اإلذاعة املس������رحية‪ .‬هل يريد أن يجعلني‬ ‫األبد‪ ،‬لكن في ومضة من ومضات ذاكرتي غير‬
‫علي هو ورفاقه؟‬ ‫مادة للس������خرية لكي يضحك َّ‬ ‫املتوقع������ة أراه واقفاً أمامي بكل وضوح‪ .‬أريد أن‬
‫فلنفرض أنني أخطأت في إلقاء الش������عر اليوم‬ ‫أنساه ولكني ال أس������تطيع‪ ،‬على الرغم من أنني‬
‫على خش������بة املس������رح‪ ،‬فكيف يلقي باللوم علي!‬ ‫ال أعرف اسمه حتى هذه اللحظة‪.‬‬
‫فقد أعطاني املخ������رج القصيدة باألمس فقط؟‬ ‫همت على وجهي في تل������ك الغابة النابضة‬

‫‪108‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 106-113.indd 108‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:30 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪109‬‬
‫«الزيتون»‬

‫‪aug 106-113.indd 109‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:35 AM‬‬


‫أمتت������م بإح������دى األغاني وقد نس������يت متاماً ما‬ ‫اس������تمررت في البكاء وكأني أريد أن يعرف كل‬
‫كنت فيه من حزن‪ ،‬لقد كان ذلك الزيتون جيداً‪.‬‬ ‫علي من ظلم‪.‬‬ ‫أعضاء الفرقة ما وقع َّ‬
‫ولكن ملاذا أصبح متجهماً وصارماً هكذا؟‬ ‫‪« -‬أيتها الفتاة الصغي������رة‪ ،‬إن دموعك هذه‬
‫‪« -‬القصيدة التي ألقيتيها اليوم كانت تتكون‬ ‫ماحلة وهذه الثم������رة التي في يدي الذعة‪ ،‬لكن‬
‫من ستة عشر بيتاً‪ ،‬لقد أخطأت في قراءة ثالث‬ ‫دموعك هذه لن تصبح حلوة الطعم‪.»...‬‬
‫كلمات ونسيت جملة كاملة»‪.‬‬ ‫ماذا قال؟ كان صوته هادئاً رزيناً‪.‬‬
‫أصابني الذهول‪.‬‬ ‫رفع������ت رأس������ي‪ ،‬فرأيت ش������اباً رفيعاً طويل‬
‫‪« -‬لقد أخط������أت في ق������راءة كلمة «حجرة‬ ‫القام������ة‪ ،‬كان يرت������دي قميصاً ابي� َّ‬
‫�����ض لونه من‬
‫الدرس» وكلمة «العنكبوت»‪ ،‬فأهل اجلنوب عادة‬ ‫كثرة الغس������ل‪ .‬كانت في راحة يده بعض حبات‬
‫ال يفرقون بني املقاطع الصوتية املتشابهة»‪.‬‬ ‫خضراء بيضاوية من الزيتون‪.‬‬
‫أخ������ذت أردد وراءه النط������ق الصحيح بوجه‬ ‫‪« -‬زيتون أخضر»‪ ...‬هززت رأسي في نفور‬
‫عابس‪.‬‬ ‫من طعمه املر‪.‬‬
‫‪« -‬كيف لي أن أتذكر كل هذه الكلمات؟»‪.‬‬ ‫‪« -‬تعتقدي������ن أن طعمه م������ر أليس كذلك؟»‪،‬‬
‫‪« -‬ابحثي في القاموس‪ ،‬ابحثي عن كل كلمة‬ ‫رفع كتفي������ه ثم أطلق تنهي������دة‪ .‬معظم الناس ال‬
‫في القاموس»‪ ،‬قال بنبرة صوت مرتفعة‪.‬‬ ‫يحبون تناول األش������ياء ذات الطع������م املر‪ ،‬وأنت‬
‫لم أقل شيئاً‪ ،‬نفذت رياح الشتاء الباردة إلى‬ ‫أيته������ا الفتاة الصغيرة ال حتب���ي��ن ذلك أيضاً‪...‬‬
‫الوش������اح الذي أرتديه‪ ،‬انحنيت ملتقطة إحدى‬ ‫ولكن ه������ل ميكن الفصل متاماً بني احللو واملر؟‬
‫أوراق األشجار‪ ،‬كانت شفيفة مثل شبكة رقيقة‪،‬‬ ‫فعندما تتناولي حبات الزيتون يبدو طعمها مراً‬
‫وق������د علق عل������ى جانبيها بعض الب������ذور‪ ،‬بدت‬ ‫ثم ما يلبث أن يصبح حلواً‪ ،‬طعمها يتغير‪ ...‬هل‬
‫وكأنها حبات لؤلؤ صغيرة‪.‬‬ ‫فهمت؟»‪.‬‬
‫‪« -‬ولك������ن‪ ،‬عندم������ا كنت تلقني الش������عر كان‬ ‫أث������ار ذلك فضولي‪ ،‬دفعت بتردد حبة زيتون‬
‫إحساس������ك قوياً وه������ذا ما أحب������ه»‪ ...‬أضاف‬ ‫داخل فم������ي‪ ،‬يا له من أمر عجي������ب‪ ،‬لقد تغير‬
‫قائ ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫طعمها حقاً‪ ،‬فطعمه������ا أفضل من طعم الدموع‬
‫طارت ورقة الش������جر م������ع الرياح مثل قارب‬ ‫املاحلة‪ .‬ملاذا كنت أبكي؟ يا لي من فتاة حمقاء‪،‬‬
‫صغي������ر يبحر إلى املجه������ول‪ ،‬وبقيت البذور في‬ ‫أل������ن يتغير إلقائي أنا أيضا إلى األفضل عندما‬
‫يدي‪.‬‬ ‫ألقي القصيدة في املرة القادمة؟ أخذت أمضغ‬
‫س������أنتزع الش������تاء من هنا‪ ،‬ثم س������أرد إليك‬ ‫حبة الزيتون بينما أنظر إليه‪ ،‬خرجت ابتسامة‬
‫الربيع مرة أخرى‪ ...‬أخذ يقرأ الش������عر بصوت‬ ‫من بني دموعي‪ ،‬ابتس������م هو أيضا مثل أخ كبير‬
‫منخف������ض‪ ،‬اعتلته هيبة وجالل������ة مثل أمير في‬ ‫حنون‪.‬‬
‫إحدى القصص اخليالية‪ ،‬كان إلقاؤه للشعر مثل‬ ‫بعد انتهاء العرض‪ ،‬أقلتنا س������يارة حتى باب‬
‫مقطوعة موسيقية جميلة ورشيقة أسرت قلبي‪،‬‬ ‫محط������ة اإلذاعة‪ ،‬كانت اإلذاع������ة تبعد عن بيتي‬
‫ونغماته املنضبطة أحاطتني من كل جانب‪ .‬في‬ ‫محطتني باحلافل������ة‪ ،‬وفي كل مرة كنت أس������ير‬
‫ذلك الطريق املوحش‪ ،‬بدا وكأن الش������تاء البارد‬ ‫مبفردي عائدة إلى املنزل‪.‬‬
‫قد رحل وأخ������ذت الفراش������ات تتراقص بخفة‬ ‫‪« -‬أال تخافني أيتها الفتاة الصغيرة؟»‪ ،‬قفز‬
‫ورشاقة فوق املروج اخلضراء‪.‬‬ ‫من السيارة متوجهاً نحوي‪.‬‬
‫‪« -‬هاين������ه‪ ،‬ه������ل تعرفين������ه؟ ه������ذه إح������دى‬ ‫‪« -‬وكيف ال أخاف؟ الوقت متأخر جداً‪ ،‬إنها‬
‫قصائده»‪.‬‬ ‫بعد العاشرة بقليل»‪.‬‬
‫ه������ززت رأس������ي‪ ،‬أيعقل أنه يري������د أن يكون‬ ‫‪« -‬من اجليد أن طريقنا واحد إذن»‪.‬‬
‫شاعراً مثل هاينه؟‬ ‫أخذت أس������ير بجانبه بخفة وم������رح‪ ،‬وكنت‬

‫‪110‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 106-113.indd 110‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:41 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عن������د مدخ������ل احلارة حتى أس������رعت بس������عادة‬ ‫‪« -‬ماذا تريدين أن تفعلي عندما تكبرين؟»‪...‬‬
‫نحوهما‪ ،‬ونسيت أن أقول له وداعاً‪ .‬في األسبوع‬ ‫سألني فجأة‪.‬‬
‫التالي واألس������بوع الذي تاله‪ ،‬كان يقول لي «ه َّيا‬ ‫‪« -‬أري������د أن ألتحق مبدرس������ة ثانوية جيدة‪،‬‬
‫نس������ير معاً فطريقنا واحد»‪ ،‬كن������ا في كل مرة‬ ‫وأن ألتح������ق بجامعة مش������هورة»‪ ...‬أجبت إجابة‬
‫نسير ونقرأ الشعر‪ ،‬وكان يصحح لي النطق في‬ ‫منوذجي������ة‪ ،‬بالطبع ل������م أجرؤ أن أخب������ره أنني‬
‫كل مرة‪ ،‬وما نلبث حتى نصل إلى مدخل حارتنا‬ ‫معجبة بإحدى أشهر الكاتبات وقتها‪.‬‬
‫الصغيرة‪ ،‬حيث ينتظرني أبي وأمي‪ ،‬كنت في كل‬ ‫‪« -‬مثل������ي متاما‪ ،‬أنا أيض������ا أريد أن ألتحق‬
‫مرة أس������رع نحوهما بشغف ولهفة‪ ،‬وفي حلظة‬ ‫بأفض������ل جامع������ة‪ ،‬ولكنني دائماً ما أفش������ل في‬
‫أنساه متاماً‪ ،‬وما إن أصل إلى البيت حتى أتذكر‬ ‫ا «ولكن ال داعي‬ ‫ذلك»‪ ...‬ابتس������م وأكمل قائ���ل�� ً‬
‫أني لم أقل له وداعاً‪ ،‬ولكن يبدو أنه لم يغضب‪،‬‬ ‫للقل������ق‪ ،‬فس������وف ألتح������ق باجلامعة ف������ي العام‬
‫ففي كل مرة كان يس������ير معي ويتحدث بطريقة‬ ‫املقبل‪ ،‬عندها سوف أدعوك لتناول احللوى‪...‬‬
‫تختلف عن اآلخرين‪ ،‬ولكن ماذا كان يعمل‪ ،‬وما‬ ‫اتفقنا؟ أما إذا فشلت في ذلك فال داعي للقلق‪،‬‬
‫اسمه؟ في ذلك الوقت يبدو أني لم أفهم عادات‬ ‫متاما مث������ل الزيتون‪ ،‬هناك من يعتقد أن طعمه‬
‫البالغني في التواصل والتعرف إلى األصدقاء‪،‬‬ ‫مر وهناك من يعتق������د أن طعمه حلو‪ ،‬فيختلف‬
‫فدائماً ما كنت أنسى أن أسأله‪.‬‬ ‫الشعور باحللو واملر من شخص آلخر»‪.‬‬
‫وبعد مدة طويلة‪ ،‬كان يوم الس������بت‪ ،‬ولم يكن‬ ‫في ذلك املس������اء‪ ،‬لم يتسن لي الوقت ألفكر‬
‫برنامج������ي قد بدأ بعد‪ ،‬أخ������ذت أجتول بحرية‬ ‫في ما قال‪ ،‬فم������ا إن رأيت أبي وأمي ينتظراني‬

‫‪111‬‬
‫«الزيتون»‬

‫‪aug 106-113.indd 111‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:44 AM‬‬


‫قس������م اإلخراج‪ ،‬إذا لم يك������ن هنا فال بد أنه قد‬ ‫في أروقة اإلذاعة‪ .‬فجأة س������معت صوت عزف‬
‫التحق بها وذهب إلى بكني‪ ،‬ولكنه قال إنه سوف‬ ‫البيانو قادماً من إحدى الغرف املغلقة‪ ،‬لقد كان‬
‫يدعوني لتناول احللوى‪.‬‬ ‫حلن األغني������ة املفضلة لي «م������ن يعزف املزمار‬
‫‪« -‬هل جنحت؟ بأي مدرسة التحقت؟» أخذ‬ ‫الذهبي؟»‪ ،‬دفعت الباب لكي أرى‪ ،‬ولدهش������تي‬
‫اجلميع يسألوني في وقت واحد‪.‬‬ ‫كان هو من يعزف‪ ،‬كان يعزف بتركيز ش������ديد‪.‬‬
‫‪« -‬نعم جنحت‪ ،‬التحقت مبدرسة جيدة»‪...‬‬ ‫دلفت بخفة إلى الداخل ووقفت أستمع‪ ،‬أخذت‬
‫أجبتهم بال اهتمام‪.‬‬ ‫أس������تمع وأس������تمع ثم بدأت بالغن������اء مع اللحن‪:‬‬
‫‪« -‬خذي!» أعطاني لفافة من ورق‪.‬‬ ‫«زه������ور البرقوق بيضاء مثل الس������حاب‪ ،‬وزهور‬
‫‪« -‬لقد غادر وترك لك هذه احللوى»‪.‬‬ ‫اخلوخ حمراء مثل شمس الغروب‪.»....‬‬
‫‪« -‬هل ذهب إلى بكني؟»‪ ...‬سألت بسعادة‪.‬‬ ‫كان بعض الش������باب يس������يرون ف������ي اخلارج‬
‫‪« -‬ذهب إلى شينجياجن ليلتحق باجليش‪...‬‬ ‫وألصق������وا وجوههم جتاه زج������اج نافذة الغرفة‪،‬‬
‫فش������ل في االلتحاق باجلامعة للعام الثالث على‬ ‫قال أحدهم بس������خرية ولؤم‪« :‬انظروا‪ ...‬الفتاة‬
‫التوالي‪ ،‬لقد كان������ت درجاته في األدب واللغات‬ ‫اجلميلة تغني والعريس يعزف البيانو‪.»......‬‬
‫واملس������رح جي������دة‪ ،‬وف������ي كل مرة يش������ارك في‬ ‫كانت األغنية قد انتهت للتو‪ ،‬سألته بفضول‬
‫االمتح������ان كان من ضمن الثالث������ة األوائل‪ ،‬لكن‬ ‫شديد‪« :‬ماذا يقولون‪ ...‬هل يستطيع الذئب حقا‬
‫اجلامعة لم تقبله‪« ،‬بدا وكأن قلبي قد سقط في‬ ‫أن يعزف البيانو؟ إذا كان الذئب يعزف فأنا لن‬
‫بحيرة متجمدة‪« :‬ملاذا؟ ملاذا لم يقبلوه؟»‪.‬‬ ‫أغني!» (العريس والذئب النطق نفسه في اللغة‬
‫‪« -‬ألن والده‪ ...‬أنا لس������ت متأكداً»‪ ...‬غادر‬ ‫الصينية)‪ ،‬احمر وجه������ه فجأة‪ ،‬نظر إلي لوهلة‬
‫ولم يكمل‪.‬‬ ‫ثم نهض بس������رعة وأغلق لوح������ة مفاتيح البيانو‬
‫فهم������ت‪ ،‬خرجت بصم������ت‪ ،‬أردت أن أبكي‪.‬‬ ‫وخرج‪ ،‬كانت مفاتيح البيان������و مازالت تتراقص‬
‫فكرت في نفس������ي‪ ،‬هل ينتظرني مصيره نفسه‬ ‫حيث ع ّم اللحن الس������عيد أرج������اء الغرفة‪ ،‬وفي‬
‫في املس������تقبل؟ لقد س������ار معي م������رات عديدة‬ ‫حلظة اختفى كل ه������ذا‪ ،‬صمت مطبق‪ ،‬لم يتبق‬
‫ولكنه لم يقل لي جملة واحدة عن نفس������ه‪ ،‬بيدو‬ ‫سواي‪ ،‬وقفت هناك في حيرة وخوف‪.‬‬
‫أن������ه نظر إلي كأغبى فت������اة في العالم‪ ،‬فأين لي‬ ‫وعندما خرجت في املس������اء لم يس������ر معي‪،‬‬
‫أن أذهب وأبحث عنه اآلن؟ أنا ال أعرف اسمه‬ ‫يب������دو أن صوت إغ���ل��اق لوحة مفاتي������ح البيانو‬
‫حتى‪.‬‬ ‫قطع م������ا كان بيننا‪ ،‬حزنت لبضع������ة أيام ولكن‬
‫دخلت بصم������ت إلى تلك الغرف������ة التي كان‬ ‫حلسن احلظ انشغلت بدروسي وأخذت أستعد‬
‫يع������زف فيها البيانو‪ ،‬فتح������ت لفافة الورق ولكن‬ ‫المتحان نهاية العام‪ ،‬وألس������ابيع عدة لم أذهب‬
‫ل������م يكن بها حلوى‪ ،‬كان به������ا بضع حبات زيتون‬ ‫إلى محطة اإلذاعة‪ ،‬وكنت قد نسيت ذلك األمر‬
‫خض������راء كانت لها رائحة ممي������زة‪ .‬كانت هناك‬ ‫متام������اً‪ ،‬وبعد انتهاء االمتح������ان‪ ،‬أصبت بالزكام‬
‫قصاصة ورق صغيرة على الزيتون كتب عليها‪:‬‬ ‫وظللت هكذا حتى منتصف أغس������طس عندما‬
‫«س������أنتزع الشتاء من هنا‪ ،‬ثم سأرد إليك الربيع‬ ‫تسلمت خطاب القبول‪ ،‬عندها فقط ذهبت بكل‬
‫مرة أخرى»‪.‬‬ ‫س������عادة ومرح في أحد أيام السبت إلى محطة‬
‫ليس عليها اس������م أو عن������وان‪ ،‬وهكذا رحل‪،‬‬ ‫اإلذاعة‪.‬‬
‫رحل إلى م������كان ال يعرفه أح������د‪ ،‬فكيف لي أن‬ ‫أخ������ذت عيناي تلتفتان ف������ي كل االجتاهات‬
‫أذهب وأبحث عنه؟ فأنا لن أراه مجدداً‪.‬‬ ‫بحثاً عنه‪ ،‬أريد أن أخبره أنني التحقت بأفضل‬
‫بكي������ت‪ ،‬انهم������رت دموع������ي عل������ى وجنت������ي‬ ‫مدرسة ثانوية في املدينة‪ .‬وماذا عنه؟ هل مازال‬
‫وتس������اقطت عل������ى األرض‪ ،‬ال أدري ملاذا؟ لكني‬ ‫غاضباً من������ي؟ هل التحق بأفضل جامعة أم ال؟‬
‫ش������عرت باحلزن واألس������ى‪ ،‬آه يا قلبي الطفولي‬ ‫لقد قال إنه يرغب ف������ي االلتحاق بكلية األوبرا‬

‫‪112‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 106-113.indd 112‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:48 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫س������نوات عدي������دة‪ ،‬ولكن في حلظة م������ا عندما‬ ‫ال������ذي ل������م يجرح من قب������ل‪ ،‬ش������عرت ألول مرة‬
‫تقاب������ل الظرف واملوقف عندها فقط تفهم حقاً‬ ‫بالتعاطف العميق مع أحدهم‪ ،‬وشعرت باخلوف‬
‫ما معنى كالمه‪ ،‬حتى ولو نس������يت متاماً من أين‬ ‫على مستقبلي‪ ،‬ولكن ملاذا يحب تناول الزيتون؟‬
‫أتت تلك اجلملة أو حتى نس������يت من يكون ذلك‬ ‫تل������ك الثم������رة اخلضراء مرة الطع������م‪ ،‬ماذا قال‬
‫الشخص الغريب‪.‬‬ ‫ع������ن احللو واملر؟ إن الناس تختلف في التفريق‬
‫كان دائماً ل������دي الرغبة في أن أبحث عنه‪،‬‬ ‫بينهما‪ ،‬وإن احللو واملر كالهما يتغير‪ ،‬يا له من‬
‫كنت أسرح بخيالي أنه اآلن مخرج ممتاز‪ ،‬يُخرج‬ ‫شخص غريب‪.‬‬
‫أكثر املس������رحيات درامية‪ ،‬قادماً من شينجياجن‬ ‫بكيت طويال من أجله ومن أجلي أنا أيضا‪ً،‬‬
‫إلى مس������ارح بكني‪ .‬س������أكون وس������ط اجلمهور‬ ‫لقد قال سابقاً إن الدموع املاحلة لن تتغير إلى‬
‫أشاهد املس������رحية‪ ،‬أشاهد وأشاهد حتى أبكي‬ ‫الطعم احللو‪ ،‬ولكن مل������اذا ثمرة الزيتون أول ما‬
‫مثل األطفال‪ ،‬عندها س������يقول لي‪« :‬أيتها الفتاة‬ ‫تنبت ال تكون حلوة الطعم؟ رمبا إن كانت كذلك‬
‫الصغيرة‪ ،‬إن دموعك هذه ماحلة وهذا الزيتون‬ ‫ألحبها الصغار والكب������ار‪ ،‬أردت أن أبكي أيضاً‬
‫مر الطعم‪ ،‬ولك������ن دموعك لن تتغير إلى الطعم‬ ‫من أجل الزيتون‪.‬‬
‫احللو»‪.‬‬ ‫أخذت أجت������ول داخل تلـــ������ك الغابة الكثيفة‬
‫رمب������ا ثمرة الزيت������ون العجيب������ة‪ ،‬التي يتغير‬ ‫من أشجار الزيتون بحثاً عن ذلك الغصن الذي‬
‫طمعه������ا من امل������ر إلى احللو‪ ،‬ه������ي التي جتعلنا‬ ‫رمبا قد ت������رك باملصادفة ثمرة زيتــــون صغيرة‪،‬‬
‫نوق������ف أحزاننا ودموعنا‪ ،‬ونس������ير م������ن الغرفة‬ ‫ب������دا وكأنن������ي أري������د أن أبحث ع������ن «املاضي»‪،‬‬
‫الضيقة املظلمة إلى الفضاء الرحب الواس������ع‪،‬‬ ‫ففي الس������نوات الالحقة عاملن������ي القدر مبثل‬
‫وه������ي أيضاً الت������ي جتعلن������ا نقض������ي أياماً بال‬ ‫م������ا عامله متام������اً‪ ،‬فقد رمى بي خـــ������ارج املهد‬
‫ش������مس بحثاً عن الضوء املنشود‪ .‬لقد فهم هذا‬ ‫الطفولي الدافئ‪ .‬بالطبع لم ألتحق بأي جامعة‬
‫املنطق منذ ثمانية عشر عاماً مضت‪ ،‬يا له من‬ ‫جي������دة‪ ،‬فمثله متاماً صممت عل������ى ترك املنزل‬
‫محظ������وظ‪ ،‬رمبا هو في األصل منطق بس������يط‬ ‫وذهبت بعيداً‪ .‬خالل تلك الس������نوات واألش������هر‬
‫ولك������ن ال يفهمه عدي������د من الن������اس أو رمبا ال‬ ‫الطويلة الشاقة‪ ،‬كنت دائما أفكر فيه‪ ،‬أفكر في‬
‫يرغبون في أن يفعلوا مثله‪.‬‬ ‫قميصه الطويل الباهت‪ ،‬وأفكــر أيضاً في ثمرة‬
‫في النهاي������ة‪ ،‬وجدت حتت إحدى أش������جار‬ ‫الزيتون‪.‬‬
‫الزيتون الهزيلة ثمرة زيتون مدببة داكنة اللون‪،‬‬ ‫ً‬
‫أحيان������ا أعتقد أنه اختفى متاما من حياتي‪،‬‬‫ً‬
‫كان جلدها مجع������داً‪ ،‬فلن مير وقت طويل حتى‬ ‫ولك������ن ال أدري ف������ي أي حلظ������ة‪ ،‬كان يبدو مثل‬
‫تتحل������ل إلى ط���ي��ن وتذوب ف������ي األرض‪ ،‬ولكنها‬ ‫مياه الغدير الصغي������ر الالمعة‪ ،‬قادماً من آالف‬
‫س������تظل س������رمدية‪ ،‬فقط س������تترك خلفها بذرة‬ ‫ال������دروب والتموجات بني صخ������ور اجلبال‪ ،‬ثم‬
‫زيتون صلبة‪ ،‬ثم ماذا يوجد بعد؟‬ ‫يلمع أمامي ف������ي حلظة‪ ،‬ثم يكمل طريقه فرحاً‬
‫س������أنتزع الش������تاء من هنا‪ ،‬ثم س������أرد إليك‬ ‫إلى قلب الغابة الكثيفة‪ .‬عندها عرفت كيف أن‬
‫الربيع مرة أخرى‪ ...،‬ك������م أرغب في أن أتذوق‬ ‫شخصاً يبدو عادياً يقول كالماً غير عادي‪ ،‬عادة‬
‫مجدداً ذل������ك الزيتون األخضر الذي يجمع بني‬ ‫ما يكون له تأثير غير عادي على حياة أحد ما‪.‬‬
‫املر واحللو >‬ ‫لقد ظل قابع������اً في إحدى زوايا مخازن ذاكرتي‬

‫* ول���دت الكاتب���ة الصيني���ة جاجن كاجن‪ ،‬ولدت عام ‪ 1950‬مبدينة هانش���و‪ ،‬وكان أول أعمالها قصة قصي���رة بعنوان «املصباح»‪،‬‬
‫نش���رت عام ‪ 1972‬مبلحق جريدة ش���نغهاي‪ ،‬حازت روايتاها «الصيف» و«ضباب الصباح اخلفيف» جائزة اإلبداع في كتابة القصة‬
‫القصي���رة ع���ام ‪ ،1980‬وم���ن أش���هر أعمالها أيض ًا «احلق في احلب» ‪ 1979‬و«األضواء الش���مالية» ‪ ،1981‬وق���د انضمت إلى رابطة‬
‫الكتــــاب الصينيني عام ‪.1980‬‬

‫‪113‬‬
‫«الزيتون»‬

‫‪aug 106-113.indd 113‬‬ ‫‪7/13/16 9:29:54 AM‬‬


‫استطالع‬

‫مذاق التاريخ املعماري القدمي‬

‫‪114‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 114‬‬ ‫‪7/13/16 9:30:56 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫نابلس‪...‬‬
‫حلوة المذاق ومر ُة الحياة!‬
‫إعالمية وكاتبة من فلسطني‬ ‫بثينـة حمـدان‬
‫بي���ن جبلي عيب���ال وجرزيم عاش س���كانها‪،‬‬
‫وثالث ديانات هي اإلس�ل�امية والمس���يحية‬
‫والس���امرية‪ ....‬يف���وح منه���ا عط���ر خ���اص‬
‫يحك���ي تاريخه���ا العريق مثل زي���ت الزيتون‪،‬‬
‫والث���ري بالزعت���ر الس���اكن فيه���ا والمنطلق‬
‫بك���رم لغيره���ا‪ ،‬والش���هي مث���ل حلوياته���ا‬
‫ومأكوالتها الشهيرة‪ ...‬هي فالفيا أنابوليس‬
‫ف���ي عه���د الروم���ان‪ ،‬وجب���ل الن���ار كناية عن‬
‫ثورة سكانها على المحتلين من فرنسيين‬
‫وإنجلي���ز وإس���رائيليين‪ ،‬و«ملك���ة فلس���طين‬
‫غي���ر المتوج���ة» المتالكه���ا كل مقوم���ات‬
‫العاصم���ة االقتصادي���ة‪ ،‬وه���ي «دمش���ق‬
‫الصغرى»‪ ،‬التي تشترك معها في كثير من‬
‫صفاتها ولهجتها ومأكوالته���ا وحلوياتها‪،‬‬
‫الرتباطهما بخط س���كة حدي���د الحجاز‪ ،‬الذي‬
‫يص���ل بين دمش���ق والمدين���ة المنورة‪ .‬هي‬
‫مدين���ة نابل���س – كما س���ميت ف���ي العهد‬
‫صعدت فيها إلى القمة‬ ‫ُ‬ ‫اإلس�ل�امي ‪ -‬التي‬
‫ونزل���ت إلى القاع‪ ،‬ف���كان «ضجيجها» هادئاً‬
‫متس���امح ًا ف���ي كل طبقاته���ا الجبلي���ة في‬
‫تم���ازج بي���ن مذاق المدين���ة الحلو‪ ،‬وم���رارة ما‬
‫يقوم به االحتالل من تدمير لمعالمها‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 115‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:03 AM‬‬


‫أتبس������م لوجهها السمائي‪ ،‬مع شوق‬
‫ّ‬ ‫إلى الش������ام‪،‬‬ ‫اس������تيقظت مبكراً‪ ،‬ألذهب إلى توأم دمش������ق‬
‫للزالبية ورغيف املشبك احملشو مبر ّبى اليقطني‪،‬‬ ‫الت������ي ولدت فيه������ا‪ ،‬ففي نابلس فقط أس������تطيع‬
‫أقترب من أجمل م������ذاق للبهارات‪ ،‬وأقوى عطر‬ ‫تذوق احلالوة الطحينية متاماً كالتي في سورية‪،‬‬
‫للزعتر‪ ،‬ثم أغتس������ل بالصابون النابلسي وأرتدي‬ ‫حيث طفولتي وعائلة والدتي قبل رحيل أغلبهم‬
‫ثيابي وأنطلق‪ .‬لست مغرمة بالطعام (أرجو عدم‬ ‫بس������بب احلرب‪ .‬أقترب من نابلس فأستنش������ق‬
‫إساءة فهمي)‪ ،‬لكنني أعتقد أن الطعام هو الذي‬ ‫ربيع س������ورية احلقيقي‪ ،‬أس������مع لهجتها املمتدة‬

‫‪116‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 116‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:10 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫نابلس ش������ماالً مبسافة خمسني كيلومتراً‪ ،‬لكنها‬ ‫يرغبني ليس إال! معادلة استثنائية‪ ،‬حلّها ليست‬
‫مع احلواجز تستغرق من ساعة وخمس وأربعني‬ ‫بدانت������ي‪ ،‬فأنا رغم عش������قي للحلوي������ات نحيفة‬
‫دقيقة فأكثر وفق املزاج االحتاللي‪ ،‬انطلقت في‬ ‫باختصار‪.‬‬
‫ال وعوجاء واقعاً‪ ،‬ملرورها‬ ‫طريق مستقيمة ش������ك ً‬
‫بأسوأ احلواجز في الضفة الغربية وهما حاجزا‬ ‫مزاج الطريق «املستقيمة»‬
‫زعت������رة وح������وارة‪ ،‬حي������ث اإلغالقات املس������تمرة‬ ‫من مدينة رام الله وسط فلسطني إلى مدينة‬

‫‪117‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 117‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:15 AM‬‬


‫تل بالطة‬

‫‪118‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 118‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:26 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كنيسة بئر يعقوب‬

‫ثالثة وعشرون ألف نس������مة‪ ،‬ومنهم الجئون من‬ ‫واكتظاظ مئات الس������يارات منتظرة إفراج قوات‬
‫اللد والرملة وقرية كفر قاسم املعروفة مبذبحتها‬ ‫االحتالل‪ ،‬ليتسنّى للحامل الوصول إلى املشفى‬
‫وطيرة دندن واملجدل وغيرها‪.‬‬ ‫في الوقت املناسب واملرضى أيضاً‪ ،‬وللموظفني‬
‫ومث������ل كل املخيمات تبدو املن������ازل متراصة‬ ‫والطلبة والعم������ال الذهاب إلى أعمالهم‪ .‬وما إن‬
‫بوح������ي املاض������ي حني كان������ت مجرد خي������ام‪ ،‬أما‬ ‫وصل������ت إلى ح������دود املدينة حت������ى وجدتها فتاة‬
‫اخليم������ة الكبي������رة فه������ي بالتأكيد ن������ادي املخيم‬ ‫ثائرة بني جبلي عيبال وجرزمي الشاهقني‪ ،‬تفوح‬
‫املعروف اليوم باس������م مركز شباب بالطة‪ ،‬الذي‬ ‫منها رائحة الصابون النابلسي‪ ،‬بهية مثل حالوة‬
‫ينظ������م الي������وم مباريات كرة ق������دم حصل خاللها‬ ‫كنافتها الش������هيرة‪ ،‬فتاة قد تكون ابنة الشام في‬
‫على جوائز منها كأس اململكة وكأس فلس������طني‪،‬‬ ‫مالمحها وامليول السورية للهجتها‪ ،‬فتمتد مرحبة‬
‫ويحتضن كافة أوجه النشاط الثقافي والرياضي‬ ‫م َؤهِّ لة ُمس ِّهلة‪.‬‬
‫والكشفي ألطفال وشباب املخيم‪ ،‬وأغلقته قوات‬
‫االحتالل مرات عدة لدوره النضالي‪ ،‬والس������يما‬ ‫استقبال اللجوء‬
‫ف������ي االنتفاضة األولى‪ ،‬وكان أطولها إغالقه في‬ ‫قب������ل أن يصب������ح الزائر جزءاً م������ن العمران‬
‫الفترة ب���ي��ن ‪1982‬و‪ .1992‬مواجهات كثيرة تقوم‬ ‫املترامي بني اجلبلني‪ ،‬عليه أن يشاهد أوالً مخيم‬
‫ب���ي��ن جنود االحت���ل��ال وأطفال وش������باب املخيم‪،‬‬ ‫بالطة إلى اليسار الذي أُسس عام ‪ 1950‬بتعداد‬
‫وأصيب منهم أخيراً محمد السعودي في أكتوبر‬ ‫خمسة آالف نس������مة‪ ،‬وعلى مساحة ‪ 167‬دومناً‬
‫‪ 2015‬في قدمه واعتقلته قوات االحتالل وحولته‬ ‫وصل������ت اليوم إلى ‪ 460‬دومن������اً‪ ،‬حيث يعيش فيه‬

‫‪119‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 119‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:34 AM‬‬


‫شوارع البلدة القدمية‬

‫وخارجه‪ ،‬وهي العودة‪ ،‬وال شيء غيرها‪.‬‬ ‫لالعتق������ال اإلداري‪ ،‬ال������ذي هو أحد األس������باب‬
‫الرئيسة إلضراب األسرى عن الطعام‪ ،‬فاإلداري‬
‫إلى «بيت فلسطني»‬ ‫يعن������ي اعتقاالً بال مب������رر قانون������ي وال محاكمة‬
‫كان لقائ� � ��ي األول في «بيت فلس� � ��طني» وهو‬ ‫لوجود ملف س������ري لدى املخابرات اإلسرائيلية‪،‬‬
‫قصر رجل األعمال الفلس� � ��طيني منيب املصري‬ ‫فيبدأ االعتقال ويتجدد ب���ل��ا محــــددات زمنية‪.‬‬
‫(موالي� � ��د ‪ ،)1934‬الواقع عل� � ��ى قمة جبل جرزمي‪،‬‬ ‫واليـــــزال األس������ير السعودي بال عالج واملماطلة‬
‫حيث مس� � ��احة متتد إلى أربعمائة دومن يتوسطها‬ ‫مستمرة‪.‬‬
‫بن� � ��اء مك� � ��ون من ثالث� � ��ة طوابق مس� � ��احة الواحد‬ ‫في املدينة أيضاً مخيم عس������كر الذي أُسس‬
‫منها أل� � ��ف متر‪ ،‬يفتح البيت أبوابه للزوار‪ُ ،‬فتِحت‬ ‫تزامن������اً م������ع بالطة على مس������احة ‪ 209‬دومنات‬
‫واجتزت حدائق وأشجاراً إلى‬
‫ُ‬ ‫البوابة اإللكترونية‪،‬‬ ‫أضيف إليها ‪ 90‬بسبب اكتظاظه الشديد‪ ،‬حيث‬
‫اليمني واليس� � ��ار‪ ،‬إلى أن أوقفني الشاب محمد‪،‬‬ ‫يقطنه أكثر من س������بعة عش������ر ألف الجئ‪ .‬فيه‬
‫الذي يعمل في القصر‪ ،‬ذهبنا مباشرة إلى «جناح‬ ‫تناول������ت أجمل وجبة «مفتول» مطبوخة بأجنحة‬
‫الك� � ��ون» حيث يجل� � ��س املص� � ��ري ومجموعة من‬ ‫دج������اج فقط‪ ...‬فقي������رة من اللح������م لكنها غنية‬
‫الش� � ��باب والصبايا القادمني من مدينة الناصرة‬ ‫باحلب والك������رم‪ ،‬واملفتول بحبيبات������ه املصنوعة‬
‫داخ� � ��ل أراضي ال � � �ـ ‪ ،1948‬أحدهم رس� � ��م صورة‬ ‫يدوياً من الطحني أعدتها يدا الجئة تراءت لها‬
‫للمصري وحدثوه عن جوانب نشاط مؤسستهم‪.‬‬ ‫اللد وحيفا ويافا فتداخلت الشهـــية باالشـــتهاء‬
‫ف� � ��ي ه� � ��ذا اجلن� � ��اح كان مخطط الك� � ��ون كله‬ ‫للع������ودة‪ ،‬حفرت الوجبة الفلس������طينية اخلالصة‬
‫حولنا‪ ...‬كيف نش� � ��أ وتطور وكواكب� � ��ه والطبقات‬ ‫ببس������اطتها كل أح���ل��ام الالجئ���ي��ن ف������ي املخيم‬

‫‪120‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 120‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:40 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫تل بالطة‬

‫‪121‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 121‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:47 AM‬‬


‫شوارع البلدة‬
‫القدمية وجامع‬
‫اخلضر وكنيسة‬
‫فيلبس‬

‫‪122‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 122‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:53 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫األرضية وقطع أثري� � ��ة وأحفورية‪ ،‬أخبر املصري‬


‫خري� � ��ج قس� � ��م اجليولوجيا من جامعة تكس� � ��اس‬
‫األمريكي� � ��ة «العرب� � ��ي» أنه جمع مكون� � ��ات البيت‬
‫الضخم� � ��ة من قط� � ��ع أثرية وب� �ل��اط وأبواب على‬
‫مدى أربعني عاماً‪ ،‬وش� � ��حنها في ‪ 145‬حاوية إلى‬
‫فلس� � ��طني‪ ،‬البناء ملوكي على الطراز القدمي‪ ،‬فيه‬
‫يعيش مستمتعاً بكل ما استطاع اقتناءه من شتى‬
‫بالد العالم‪.‬‬
‫لكل غرفة في البيت اس������م ي������دل على معلم‬
‫فلسطيني‪ ،‬واألبرز األجنحة األربعة‪ ،‬فبعد جناح‬
‫الك������ون أخذنا محمد إلى جناح األركيولوجيا أي‬
‫علم اآلث������ار‪ ،‬حيث دير بيزنطي عث������ر عليه في‬
‫أثناء احلفر فحافظ علي������ه ومت ترميمه ليصبح‬
‫أح������د معال������م القص������ر‪ ،‬وفي أرضه فسيفس������اء‬
‫جميلة‪ ،‬ثم صال������ون الذاكرة الذي يوثق التجربة‬
‫الفلس������طينية منذ عام ‪ ،1917‬حيث أس������ماء كل‬
‫القرى املدمرة الفلس������طينية ورسومات لفنانني‬
‫فلسطينيني حتكي عن املجازر واالنتـــفاضتيـــــن‬
‫وأه������م األعالم الفلس������طينية والعربي������ة‪ ،‬وطبعاً‬
‫بحثت عن اسم قريتي «عنابة» ووقفت والتقطت‬
‫صورة معه������ا‪ ،‬جتولنا في أرجاء القصر‪ ،‬ودخلنا‬
‫جناح املوانئ السبعة‪ ،‬في إشارة ملوانئ فلسطني‬
‫التاريخية‪.‬‬

‫على عرش اخلديو‬


‫وفي إح������دى الغرف لفت انتباهي أقدم آلة‬
‫تصوير ف������ي العالم‪ ،‬إلى جانبها هذا الكرس������ي‬
‫األخضر والذهبي املزرك������ش‪ ،‬الذي يعد وجوده‬
‫في القصر أم������راً جائزاً‪ ،‬لك������ن أن أجلس عليه‬
‫تدعي‬ ‫في قفزة من ش������خصيتي الالجئ������ة‪ ،‬التي ّ‬
‫الكتابة واإلحس������اس ه������و الالف������ت! إنه عرش‬
‫اخلديو إسماعيل بحد ذاته‪ ،‬في البداية جلست‬
‫مسكينة مس������تكينة قبل أن أتنبه وألتقط صورة‬
‫أخ������رى وأنا ف������اردة ذراعي مدعي������ة ما هو أكبر‬
‫من إحس������اس امللوك ب������ل ويتعداه إل������ى أباطرة‬
‫وسالطني العالم‪ ،‬فلحظات العز لالجئ البد من‬
‫اغتنامها ب������كل جمالياتها‪ .‬وفي حديقة القصر‪،‬‬
‫أش������ار لنا املصري إلى أنه يستقبل شهرياً نحو‬
‫خمسني شخصاً على مدار العام عدا العرائس‬

‫‪123‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 123‬‬ ‫‪7/13/16 9:31:57 AM‬‬


‫الدير البيزنطي‬

‫‪124‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 124‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:09 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الدير البيزنطي في بيت فلسطني‪ ،‬قصر منيب املصري‬

‫مش������كلة الزواج حيث مينع الزواج من خارجها‪،‬‬ ‫والعرس������ان الذين يأتون اللتقاط صور تذكارية‬
‫وتش������ير اإلحصاءات إلى وجود شابني لكل فتاة‪،‬‬ ‫قبل الزف������اف‪ .‬انتهت الزيارة بص������ورة جماعية‬
‫لذا يدرج عنده������م زواج البدل أي تزويج أخوين‬ ‫مع������ه‪ ،‬وكان ه������و عل������ى موع������د لزراع������ة بعض‬
‫معاً ألختني من عائلة أخرى‪.‬‬ ‫األش������جار مع طلبة اجلامعة ف������ي وادي الباذان‪،‬‬
‫في أبريل يحتفلون بعيد الفس������ح (بالسني)‬ ‫وهو منطقة سياحية تش������تهر بالينابيع والطيور‬
‫ا األبي������ض وتبدأ مراس������م ذبح‬‫فيرت������دون لي���ل�� ً‬ ‫املقيمة واملهاجرة كالهدهد والسنونو وغيرهما‪،‬‬
‫القرابني فيختلط الدم باللباس‪ .‬تعتبر الطائفة‬ ‫وفيها آثار تعود للعهد اآلشوري‪ ،‬وهي أحد أبرز‬
‫أن اليهود كانوا شعباً واحداً لكن بعد موت النبي‬ ‫األماكن الس������ياحية لرحالت طلبة املدارس في‬
‫سليمان عليه الس���ل��ام انقسموا وأصبحوا أبناء‬ ‫فلسطني‪.‬‬
‫«إس������رائيل» الذين لم يتركوا فلسطني أبداً‪ ،‬أما‬
‫اليه������ود الذين أقاموا دولة إس������رائيل فهم يهود‬ ‫«الس َم َرة»‪ ...‬وليس الصهاينة!‬
‫ُ‬
‫فق������ط‪ ،‬كانوا قد خرج������وا وع������ادوا إليها بجيل‬ ‫قرب القصر على قمة جرزمي منطقة يعيش‬
‫جديد ولغة جديدة ال عالقة لها بـ«إس������رائيل»‪،‬‬ ‫فيها «الس������مرة» أو «الس������امريون»‪ ،‬وهم طائفة‬
‫كم������ا أن هناك كثيراً م������ن االختالفات بني توراة‬ ‫يهودية ال تؤمن بوجود هيكل سليمان في القدس‬
‫اليهود وتوراة السامريني‪.‬‬ ‫كم������ا يدعي اإلس������رائيليون‪ ،‬وقبلته������م هي جبل‬
‫في هذه املنطقة يأتي الس������ياح للتعرف على‬ ‫ج������رزمي حيث يقطنون‪ ،‬وهم أصغر طائفة دينية‬
‫الطائف������ة ومتحفها ومعبد جوبيت������ر الذي أقامه‬ ‫في العالم وعددهم ‪ 750‬فرداً‪ ،‬أكثر من نصفهم‬
‫الرومان‪ ،‬اخل������اص بالس������امريني‪ ،‬نلتقط صورة‬ ‫يعيش������ون على قمة جرزمي‪ .‬وتعاني الطائفة من‬

‫‪125‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 125‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:17 AM‬‬


‫جانب آخر من الدير البيزنطي‬

‫وَلنا الكنيس������ة إلى البئر بعم������ق ‪ 40‬متراً‪،‬‬ ‫جَ‬ ‫جميلة تطل على معال������م نابلس من أعلى نقطة‬
‫الت������ي حفرها س������يدنا يعقــــوب عليه الس������ـــالم‬ ‫فيها‪.‬‬
‫عــــندما جاء إلى املدينة‪.‬‬
‫أخبرن������ي عـــ���ل��اء أن الكنيس������ة بنــــيت ألول‬ ‫هنا حفر النبي يعقوب‪ ...‬وارتوى املسيح‬
‫م������رة من قبل امللكة هيالنة والــــدة قس������طنطني‬ ‫نحو انحدار اجلبل الشديد‪ ،‬اجتهت ومررت‬
‫إمبراط������ور روم������ا آنذاك‪ ،‬لكنه������ا هدمت مرات‬ ‫ب���ي��ن بي������وت املدينة الت������ي متأل اجلبل���ي��ن‪ ،‬إلى‬
‫عدة‪ ،‬والي������وم يتواله������ا األب فالمينوس‪ ،‬الذي‬ ‫بلدية نابلس‪ ،‬فهناك التقي������ت باألصدقـــــاء زيد‬
‫كان يجلس في حديقتها حني وصلنا وش������اهدنا‬ ‫األزهري من بلدة سبس������طية احملاذية للمدينة‪،‬‬
‫قبره الذي أعده األب على أمل أن يدفن فيه في‬ ‫وعالء الهم������وز الذي اعتاد قض������اء وقــــته أيــام‬
‫حديقة الكنيسة التي أفنى حياته فيها‪ ،‬وهي في‬ ‫السبت متجوالً بعيداً عن ضغوط العمل‪ ،‬حصلنا‬
‫عهده حظيت بالرعاية املشهودة‪.‬‬ ‫على بع������ض املعلومات من البلدي������ة عن املدينة‪،‬‬
‫ويب������دو أن وجود القبر فيه������ا يعود ملا قامت‬ ‫ثم انطلقنا إلى بئر يعقوب حيث ش������رب سيدنا‬
‫به ق������وات االحتالل اإلس������رائيلي حني اقتحمت‬ ‫عيس������ى عليه الس���ل��ام املاء من املــرأة السامرية‬
‫الكنيسة عام ‪ 1967‬وذبحت رئيسها األرشمندريت‬ ‫رغم أن������ه يحرم على هذه الطائف������ة االخـــتالط‬
‫فيليمينوس‪.‬‬ ‫بغيره������م‪ ،‬مر املس������يح باملكان قادماً م������ن بيــــت‬
‫إجماالً عانى املس������يحــــيون ومت تهجــــيرهم‬ ‫املقــــدس متــــجـــهاً إلى اجلليل‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 126‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:27 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫جناح الكون في بيت فلسطني‬

‫فيلماً تاريخياً عنه وتاريخ املدينة‪ ،‬جتولت وعالء‬ ‫من قبل االحت���ل��ال فبقي منهم ‪ 250‬ش������خـــصاً‬
‫وزيد في املكان شاهدين على احلجارة القدمية‪،‬‬ ‫فقط في املدينة‪ ،‬ومع ذلك يحافظ السكان على‬
‫أش������ار عالء إلى البوابة الشرقية للتل‪ ،‬وما بقي‬ ‫اإلرث املس������يحي والكنائس العدي������دة املوجودة‬
‫من بواباته املس������تندة إل������ى بقايا أعمدة ضخمة‪،‬‬ ‫فيها‪.‬‬
‫متيز املوقع بوفرة املياه‪ ،‬لذا كان مسرحاً ميسراً‬
‫للحياة واالستقرار وتأسيس املدينة‪ ،‬ومن نقطة‬ ‫شكيم‪ ...‬الكنعانية‬
‫حددها عالء اس������تطعنا التق������اط أفضل صورة‬ ‫كان الذهاب إلى تل بالطة الواقع بني جبلي‬
‫للمكان‪.‬‬ ‫ج������رزمي وعيبال يعني الذهاب إل������ى أقدم موقع‬
‫أُسست عليه نابلس أو شكيم‪ ،‬أي املرتفع كما أطلق‬
‫بالليمون‪ ...‬فهمنا التاريخ واحلضارات‬ ‫عليها العرب الكنعانيون الذين أسسوها أواسط‬
‫ف������ي ه������ذا الطقس احل������ار‪ ،‬مررن������ا مبقهى‬ ‫األلف الثالث قب������ل امليالد‪ .‬على هذه التلة كانت‬
‫احلموز وهو ألقارب عالء‪ ،‬وهناك افترقنا فغادر‬ ‫البداية‪ ،‬وتقول األدبيات إن املسيح عليه السالم‬
‫زيد مضط������راً للعودة إلى بلدته البعيدة عش������رة‬ ‫مر باملنطق������ة التي ُه ِج َرت ف������ي إحدى الفترات‬
‫كيلومترات اس������تعداداً لليلة مقدسية تراثية تقام‬ ‫فأس������س الرومان مدينتهم فالفيا أنابولس قبل‬
‫فيه������ا‪ ،‬كان عصير الليم������ون بالنعناع حتت الظل‬ ‫أن تصبح نابلس في احلكم اإلس���ل��امي‪ .‬شربنا‬
‫كافياً ليش������حذ همتنا ملتابع������ة اجلولة في البلدة‬ ‫كوباً من الش������اي بالنعناع‪ ،‬وش������اهدنا في املوقع‬

‫‪127‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 127‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:34 AM‬‬


‫القدمية‪ ،‬التي أُسست سابقاً في تل بالطة‪ ،‬وبعد‬
‫أن دمرها الرومان بس������بب مترد سكانها‪ ،‬بنيت‬
‫غرب������ه البلدة القدمية ع������ام ‪71‬م‪ ،‬للبلدة بوابتان‬
‫رئيس������يتان‪ ،‬عبرنا م������ن بوابته������ا الغربية أي من‬
‫جهة كنيسة القديس فيلبس األسقفية وبجانبها‬
‫تظهر مئذنة جامع اخلضر‪ ،‬الذي بني على أرض‬
‫تبرع������ت بها الكنيس������ة‪ ،‬فصار الن������اس يربطون‬
‫اجلامع بالكنيسة والكنيسة باجلامع ليدللوا على‬
‫مكانها‪ ،‬وهكذا ُفتِح لنا عالم البلدة القدمية في‬
‫املدينة التي تعيـــش فيها ثالثة أديان؛ اإلسالمية‬
‫واملس������يحية والس������امرية‪ .‬س������رت في شوارعها‬
‫فتذكرت ش������وارع البلدتني القدميتني في اخلليل‬
‫والقدس‪.‬‬
‫حتدث عالء عن وفرة املياه‪ ،‬ففيها خمس������ة‬
‫ال للمياه‪ ،‬ش������اهدت ع������دداً منها‬‫وثالثون س������بي ً‬
‫واملارة يش������ربون وعابري السبيل يستمتعون بها‪،‬‬
‫وعند منزل علي جاد الله (أبو حس������ام) توقفنا‪،‬‬
‫وهو يشبه بيوت الش������ام في تصميمه‪ ،‬والساحة‬
‫التي تتوس������طه‪ ،‬كانت بس������اطة احلياة أيام زمان‬
‫تختصر ف������ي حالة حددها «أبو حس������ام»‪ ،‬قائ ً‬
‫ال‬
‫إن س������لة البيض ف������ي دكان احل������ارة كانت تكفي‬
‫اجلميع‪.‬‬
‫جلس������نا في غرفة تضـــ������م مقتنيــــات أثرية‬
‫جمعها «أبو حس������ام» وهو أمر طبيعي لش������خص‬
‫يعي������ش داخل بلدة محاطة بس������ــور م������ن املباني‬
‫القدمية وست عشرة بوابة منها بوابتان رئيستان‪،‬‬
‫يج������د قطعاً قدمية حوله ويش������عر بقيمتها ليس‬
‫إال‪ ،‬ب������ل وصار يحب ش������راءها واقتناءها‪ ،‬فهذا‬
‫«البيرو» كانت تس������تخدمه النساء قدمياً للتز ّين‬
‫ووضع عطرها والكحل العربي وفساتينها ورمبا‬
‫الذهب‪ .‬وص������دف أن الدرج األخــير اس������تحال‬
‫فتح������ه إلى أن مت ذلك ع������ام ‪ 1965‬وفوجئ «أبو‬
‫حس������ام» بكرتونة من مكعبات السكر‪ .‬قد تكون‬
‫حبات الس������كر لفتاة مراهق������ة أو عروس كانت‬
‫تس������ترق حلظات في غرفتها ف������ي أثناء التزين‬
‫فتتناولها‪.‬‬
‫في املنزل بعض أشغال «أبو حسام» اليدوية‬
‫مثل مجسم القدس من الفخار بإضاءته اجلذابة‪،‬‬
‫مشهد عام جلبال نابلس‬
‫وم������ا إن غادرنا حتى ج������اءت مجموعة من طلبة‬

‫‪128‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 128‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:40 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪129‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 129‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:45 AM‬‬


‫في مصبنة البدر‬

‫املنيع‪ ،‬في إش������ارة إلى الصراعات على السلطة‬ ‫امل������دارس‪ ،‬فأي مكان في ه������ذه البلدة هو محط‬
‫ب���ي��ن عائالت املدين������ة‪ ،‬وهو مبني عل������ى النمط‬ ‫للسياحة وللتعلم‪.‬‬
‫احللب������ي‪ ،‬ألن جذور آل طوقان تع������ود إلى حماة‬
‫في سورية‪.‬‬ ‫القصور داخل السور‬
‫كانت رائحتها متأل خطواتي داخل هذه البلدة‪،‬‬
‫القهوة والزعتر‪ ...‬الرائحة النفّ اذة للغاية‬ ‫أنتظر حلظة رؤية قصر آل طوقان‪ ،‬إحدى عائالت‬
‫عن������د دكانة «قه������وة بريك» وقفن������ا‪ ،‬أخذتني‬ ‫نابل� � ��س القدمية‪ ،‬حيث عاش� � ��ت وأصبحت األديبة‬
‫الرائحة‪ ،‬وألنني لس������ت «مدمنة» قهوة‪ ،‬جذبتني‬ ‫والش� � ��اعرة ف� � ��دوى طوق� � ��ان‪ ،‬حاول� � ��ت البحث في‬
‫رائحة البهارات والزعت������ر أكثر‪ ،‬الزعتر هنا هو‬ ‫تفاصيل روايتها «رحلة جبلية‪ ...‬رحلة صعبة» وكيف‬
‫ذهب فلسطني األخضر وتنتشر زراعته شمالها‬ ‫كانت نظرة ابن اجليران لها نهاية قصة ذهابها إلى‬
‫مبا مس������احته ‪ 5500‬دومن‪ ،‬أنتجت العام املاضي‬ ‫املدرسة على سبيل العقاب وبداية مشوارها األدبي‬
‫‪ 11‬ألف طن منه‪ ،‬تش������تهر نابلس به‪ ،‬استنشقته‬ ‫على يد أخيها الشاعر إبراهيم طوقان‪.‬‬
‫وكأنن������ي أمر عل������ى كل طفولتي الت������ي كانت في‬ ‫تع������رض القص������ر للتدميــــ������ر م������ن قـــــ������وات‬
‫الغرب������ة تفتقد وتنتظر أي زائر من فلس������طني أو‬ ‫االحتــالل كم������ا تعرض لهذا عدي������د من املنازل‬
‫بالد الشام ليحضر الزعتر‪ ،‬وأنا الطفلة النحيفة‬ ‫والقصور واملس������اجد والكنائس في البلدة‪ .‬بني‬
‫التي تعيش وتنمو عليه‪ .‬كان املكان ميتلئ بالزوار‪،‬‬ ‫القصر قبل ثالثمــــائ������ة عام على منط احلصن‬

‫‪130‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 130‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:52 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مع عائلة أبي حسام‬

‫على بوابات بعض مس������اجدها‪ ،‬مثل‪ :‬الصالحي‬ ‫الس������يما األجانب‪ ،‬جلست مع املالك باسل بريك‬
‫الكبير‪ ،‬وجامع الس������اطون الذي يعود بناؤه لفترة‬ ‫(‪ ،)1962‬الذي تعم������ل عائلته في املهنة منذ عام‬
‫حك������م اخلليفة عمر بن اخلطاب ‪ ،‬وطبعاً ال‬ ‫‪ ،1936‬جلس������نا ف������ي زاوية تراثي������ة وحدثنا كيف‬
‫يكتمل املكان إال باحلمامات التركية‪ ،‬التي يعمل‬ ‫تطورت خبرة العائلة‪ ،‬السيما في مجال العطارة‬
‫منها اثنان من أصل أحد عشر‪.‬‬ ‫واألعش������اب الطبية فصارت مت������ازج بني اخلبرة‬
‫والدراس������ة‪ ،‬لديهم نحو ‪ 90‬صنفاً من البهارات‪.‬‬
‫صابونة‪ ...‬الزيت واحلليب‬ ‫وأك������د ملجلة «العرب������ي» أن البلدة قدمية تتعرض‬
‫لكثرة زراعة الزيتون شمال فلسطني‪ ،‬اشتهرت‬ ‫القتحام������ات كثي������رة ضمن مح������اوالت إلضعاف‬
‫نابل� � ��س بصناع� � ��ة الصاب� � ��ون من زي� � ��ت الزيتون‪،‬‬ ‫احلركة التجارية فيها‪.‬‬
‫ومب� � ��روري وعالء بإح� � ��دى املصاب� � ��ن (أي مصنع‬
‫الصابون)‪ ،‬التقينا شامخ بدر مالك مصبنة البدر‪،‬‬ ‫إلى الياسمينة وأريو‬
‫ال� � ��ذي أخبر «العرب� � ��ي» بأهمية وف� � ��رة املياه لبناء‬ ‫عش������رون ألفاً يعيش������ون في البلدة القدمية‪،‬‬
‫املصابن‪ ،‬وهو ما متتاز به البلدة القدمية‪ ،‬وع ّرفنا‬ ‫التي تضم س������بعة أحياء‪ ،‬منها حارة الياس������مينة‬
‫على آلية صناعته‪ ،‬وفتح لنا مخازنه حتت األرض‬ ‫التي نسير فيها حالياً‪ ،‬يغلب على حجارة البلدة‬
‫املمتلئ� � ��ة بزيت الزيت� � ��ون‪ ،‬التي كانت س� � ��ابقاً مثل‬ ‫الطابع املعماري اإلس���ل��امي ما ع������دا الروماني‬
‫البنك يحفظ الناس زيتهم فيها والسيما الفائض‪،‬‬ ‫والبيزنطي والعثماني‪ ،‬وهن������اك نقوش مملوكية‬

‫‪131‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 131‬‬ ‫‪7/13/16 9:32:58 AM‬‬


‫مجسم القدس صناعة «أبوحسام»‬

‫صورة تذكارية مع منيب املصري‬

‫‪132‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 114-133.indd 132‬‬ ‫‪7/13/16 9:33:16 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كنيسة بئر يعقوب‬

‫طري� � ��ق الرجوع‪ ،‬فقاموا بإش� � ��عال اجلبل مبا فيه‬ ‫الذي يس� � ��تخدمه مالك املصابن إذا احتاجوا في‬
‫من خيام عس� � ��كرية ليفر اجليش الفرنسي‪ .‬هذه‬ ‫صناعة الصاب� � ��ون‪ ،‬حينها يعطون للناس حقوقهم‬
‫نار املقاومة‪ ،‬لذلك ل ُ ِّقب� � ��ت بجبل النار‪ ،‬أما نارها‬ ‫م� � ��ن أرباح املصبنة‪ .‬وأكد لنا ش� � ��امخ أن الصابون‬
‫اليوم فهي نار االحتالل امللتهبة من جراء ما يقوم‬ ‫يعتم� � ��د في مكوناته على أج� � ��ود أنواع الزيت وهو‬
‫ب� � ��ه بفصل املدينة ع� � ��ن قراها الس� � ��ت واألربعني‬ ‫زيت العصرة األولى مع مادة قلوية حتدث التصنب‪،‬‬
‫بعش� � ��رات احلواجز العسكرية‪ ،‬وقصف ملدارسها‬ ‫وحديثاً تطورت الصناعة وأضيفت عناصر أخرى‬
‫وأس� � ��واقها ومعاملها األثرية‪ ،‬ففي البلدة القدمية‬ ‫للصاب� � ��ون مثل حلي� � ��ب املاعز‪ ،‬الذي يس� � ��اعد في‬
‫كان� � ��ت اجلرافات املدرعة تفت� � ��ح الطرق الضيقة‬ ‫جتديد خالي� � ��ا البش� � ��رة‪ ،‬وأنتج أيض � � �اً الصابون‬
‫فيه� � ��ا فتجرف معها بي� � ��وت املواطنني‪ ،‬وحتى عام‬ ‫السائل‪ ،‬عدا عن قطع الصابون الصغيرة محفور‬
‫‪ 2004‬مت ترمي� � ��م أكث� � ��ر م� � ��ن ‪ 3700‬بيت مس� � ��جل‬ ‫عليها أسماء العروسني‪.‬‬
‫ل� � ��دى بلدي� � ��ة نابلس‪ ،‬وف� � ��ي تقرير جلن� � ��ة تقصي‬
‫احلقائ� � ��ق التابعة لألمم املتح� � ��دة لعام ‪ 2002‬بعد‬ ‫بني سكر املدينة ومرارة احلياة‬
‫عملي� � ��ة «ال� � ��درع الواقي» جلي� � ��ش االحتالل‪ ،‬جاء‬ ‫هك� � ��ذا يحتف� � ��ظ كل بيت فــــيها بس� � ��كره على‬
‫فيه أن نابلس كان� � ��ت من املدن األكثر تضرراً في‬ ‫هواه‪ ،‬حت� � ��ى العروس حتم� � ��ل مكعـــباته� � ��ا معها‪،‬‬
‫ممتلكاتها‪ ،‬والسيما البلدة القدمية مبا فيها مبان‬ ‫لكنهم من جــــهة أخ� � ��رى وقفوا ومازالوا في وجه‬
‫ذات أهمية ثقافية ودينية وتاريخية‪ ،‬وأن االحتالل‬ ‫أق� � ��وى جيــــوش العال� � ��م‪ ،‬بدءاً مما فعل� � ��وه حيـــن‬
‫لم يكن ميهل السكان وقتاً حلمل أمتعتهم >‬ ‫هاجم نابليون بونابرت أس� � ��وار عكا وكانت نابلس‬

‫‪133‬‬
‫نابلس‪ ...‬حلوة املذاق ومر ُة احلياة!‬

‫‪aug 114-133.indd 133‬‬ ‫‪7/13/16 9:33:22 AM‬‬


‫فن‬

‫جانب من التراث الموسيقي العربي‬


‫«تاريخ الموسيقى والغناء في الكويت»‬
‫فنان وموسيقي من الكويت‬ ‫غنام الديكان‬

‫يحتل موضوع الموس���يقى والغناء عند شعوب العالم حيزاً كبيراً من‬
‫االهتمام‪ ،‬وذلك ألهمية الغناء والموس���يقى بين الناس على مختلف‬
‫فئاتهم وطبقاتهم كجزء من الموروث الوجداني الذي يتم التعبير عنه‬
‫فني��� ًا‪ ،‬ب���دءاً بأغاني األطفال وص���و ًال إلى الكبار من مرددين ومنش���دين‪،‬‬
‫في ش���تى المواضيع من تراتي���ل العبادات إلى أغان���ي الحرب والهجاء‬
‫والغ���زل والمدي���ح‪ ،‬بين جميع األعم���ار والفئات والطبق���ات تقريب ًا‪ ,‬حيث‬
‫تبين الدراسات النظرية مدى العناية بهذا الموضوع‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 134-145.indd 134‬‬ ‫‪7/20/16 10:37:26 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫أوصى بالغناء للزفاف‪ ،‬إذ إنه قال لعائش� � ��ة حينما‬ ‫أكدت مصادر املوس� � ��يقى والغن� � ��اء عند العرب‬
‫زفت عروس أحد األنصار‪« :‬أبعثتم معها َمن يغني؟‬ ‫قبل اإلس� �ل��ام‪ ،‬حضور ألوان الغن� � ��اء في كثير من‬
‫قالت ال‪ ،‬قال أم� � ��ا علمت أن األنصار قوم يعجبهم‬ ‫املناس� � ��بات االجتماعي� � ��ة‪ ،‬كالزواج وغي� � ��ره‪ ،‬أو في‬
‫غناء الغ� � ��زل»‪ .‬وكذلك في بعض املناس� � ��بات التي‬ ‫تراني� � ��م العبادات ف� � ��ي الفترة التي س� � ��بقت ظهور‬
‫عايش� � ��ها ولم يحرم الغناء فيها‪ ،‬وهنا يرى البعض‬ ‫اإلسالم‪.‬‬
‫أن ه� � ��ذه أنواع محددة من الغناء وليس للغناء على‬ ‫وم� � ��ن املؤكد أن الش� � ��عر‪ ،‬وهو دي� � ��وان العرب‪،‬‬
‫عواهنه‪.‬‬ ‫ه� � ��و أس� � ��اس الغناء ف� � ��ي اجلزي� � ��رة العربية‪ ،‬حيث‬
‫كان يعتمد عليه عل ّية الق� � ��وم والقبائل في التعبير‬
‫الفن� � ��ي‪ ،‬فكان� � ��ت القبيلة حتتفل مبولد ش� � ��اعر من جدل طويل‬
‫لعل واحداً من أعقد مواطن اجلدل في الفكر‬ ‫أبنائها (وتقيم الوالئم وتغني النس� � ��اء على املزهر‬
‫كم� � ��ا يصنعن في األعراس) احتفا ًء بظهور فرد من اإلسالمي وأش� � ��دها ابتعاثاً للحيرة‪ ،‬موقف الدين‬
‫املوهوبني ممن س� � ��يتولى الدفاع عنها ويوثق مآثر اإلس� �ل��امي من املوسيقى‪ ،‬وكأن اجلدال لم يتوقف‬
‫بني الفقهاء واملشرعني في سماع املوسيقى‪ ،‬فمنهم‬ ‫وبطوالت أبنائها‪.‬‬
‫من أرجعه إلى الشعر وس ّوغ إباحته في الدفاع عن‬
‫وجهة النظر اإلس� �ل��امية في مواضيع تدعم توجه‬ ‫مقام الشاعر االجتماعي‬
‫كان للشاعر مقامه االجتماعي السامي في كل املس� � ��لمني في جميع املناسبات والتوجهات‪ ،‬ومنهم‬
‫مكان‪ ،‬س� � ��واء في بالط احلي� � ��رة أو في قصور آل َمن رأى غير ذلك‪.‬‬
‫غس� � ��ان أو في س� � ��وق عكاظ أو في خيمة البدوي‬
‫(كانت كثرة من املغنني والش� � ��عراء من طبقة امللوك األسانيد التي تبيح السماع‬
‫إن األس� � ��انيد التي تبيح «الس� � ��ماع» ال تقل قوة‬ ‫واألمراء في أيام اجلاهلية مما يلفت النظر)‪.‬‬
‫والش� � ��اعر موس� � ��يقي أكثر منه ناظماً وقيل إنه ع� � ��ن أضدادها‪ ،‬وإن لم تك� � ��ن بكثرتها‪ ،‬وقد جاءت‬
‫كان يستأجر موسيقياً (مغنياً) يغني أبياته الشعرية الكثي� � ��ر من املؤلف� � ��ات التي اهتمت بهذا الش� � ��أن‪،‬‬
‫مثلما يستخدم راوية يرويها عنه‪ ،‬وفي بداية ظهور وطرحت بأس� � ��انيدها من األحادي� � ��ث إضافة آلراء‬
‫اإلسالم ونش� � ��ر دعوة النبي محمد  والصحابة مهمة له� � ��ذه املواضيع‪ .‬وبني أيدين� � ��ا كتاب أصدره‬
‫رضي الله عنهم‪ ،‬وانشغالهم بنشر تعاليم اإلسالم متخصص باملوس� � ��يقى‪ ،‬قدم فيه م� � ��ن وجهة نظره‬
‫عال‪ ،‬وهو‬ ‫الس� � ��امية‪ ،‬انحس� � ��ر االهتمام بالغناء واملوس� � ��يقى‪ ،‬كمس� � ��لم وموس� � ��يقي حاصل على مؤهل ٍ‬
‫د‪.‬حمد الهباد‪ ،‬في كتابه «املختصر في حكم النغم‬ ‫نسبياً‪ ،‬في تلك الفترة‪.‬‬
‫ً‬
‫أما الش� � ��عر فلم يفقد مكانه‪ ،‬فقد كان الشاعر والوتر»‪ ،‬كثيرا من األحاديث وشرح عالقة املوسيقى‬
‫حس� � ��ان بن ثابت أشبه بشاعر النبي  الرسمي‪ ،‬باملس� � ��لمني‪ ،‬وبينّ مدى إباحة الغناء واملوسيقى في‬
‫وواحداً من أقوى من ذاد عن النبي واإلسالم‪ ،‬وقام كثير من املواضع‪ ،‬معتمداً على املراجع املوثقة‪.‬‬
‫مبواجهة األضداد وس� � ��حق عادات التكبر والترفع‬
‫ع� � ��ن العامة‪ .‬وبعد فتح مكة دخل كثير من املناوئني بداية علم الهارموني‬
‫الهارمون� � ��ي ‪ ،harmony‬اصط� �ل��اح يطل� � ��ق على‬ ‫إلى اإلس� �ل��ام‪ ،‬وكان من بينهم كثير من الش� � ��عراء‬
‫مجموع� � ��ة من األص� � ��وات املوس� � ��يقية م� � ��ن آالت‬ ‫واملغنني‪.‬‬
‫وبعد فترة استقرار اإلسالم في مكة واملدينة‪ ،‬موسيقية أو أصوات بش � � �ـرية تؤدي أكثر من حلن‬
‫ظهرت بعض األراجيز واألغاني‪ ،‬قيل إن بعضاً من في وقت واحد وبشكل متناسق‪ ،‬وفق مهارة املؤلف‬
‫الصحابة أعرض عنها ومنهم من استهجنها ومنهم املوس� � ��يقي أو املوزع‪ ،‬والهارموني له أش� � ��كال عدة‬
‫أش� � ��هرها املس� � ��تخدم في العزف األوركس� � ��ترالي‬ ‫من أقبل على سماعها‪.‬‬
‫كما ت� � ��روي كثير م� � ��ن املص� � ��ادر أن النبي  السيمفوني ‪ ،orchestra symphony‬فمنه «الكونشرتو‬

‫‪135‬‬
‫«تاريخ املوسيقى والغناء في الكويت»‬

‫‪aug 134-145.indd 135‬‬ ‫‪7/20/16 10:37:32 AM‬‬


‫العرضة البحرية‬

‫الفاسي املتوفى سنة ‪1096‬هـ‪ ،‬حوالي‪1685‬م‪ ،‬حيث‬ ‫‪ ،»concerto‬و«الكاونتربوين� � ��ت ‪ ،»counter point‬أو‬
‫أس� � ��هموا في طرح كثير من النظريات التي ارتقت‬ ‫الطباق في املوس� � ��يقى‪ ،‬وهو العالقة بني األصوات‬ ‫ِّ‬
‫الحقاً باملوسيقى العاملية‪.‬‬ ‫التي تعتمد بعضها‪ ،‬على بعض‪ ،‬ومع ذلك تس� � ��تقل‬
‫وقد أش� � ��ار د‪ .‬يوس� � ��ف ش� � ��وقي لهذه احلقيقة‬ ‫في اإليق� � ��اع واملعال� � ��م وتس� � ��تخدم اآلالت الوترية‬
‫بقول� � ��ه‪« :‬لقد حم� � ��ل د‪ .‬هنري فارم� � ��ر ‪Dr. Henry‬‬ ‫والنحاسية واخلشبية‪.‬‬
‫‪ farmer‬ل� � ��واء الدعوة لنا نح� � ��ن العرب‪ ،‬وأخذ على‬ ‫وقد كتب كل من الفارابي (في القرن العاشر)‬
‫عاتق� � ��ه وحده تعريف العال� � ��م املعاصر مبا تدين به‬ ‫وابن س� � ��ينا (القرن احلادي عش� � ��ر) عن املسافات‬
‫نظرية املوس� � ��يقى ف� � ��ي أوربـــــا للمعرف� � ��ة العربية‪،‬‬ ‫املوس� � ��يقية باعتباره� � ��ا بداي� � ��ة عل� � ��م الهارمون� � ��ي‬
‫وعمل مخلصاً على شـد انتباه العالم إلى الفالسفة‬ ‫الذي ارتق� � ��ى باملوس� � ��يقى العاملية‪ ،‬كم� � ��ا كتبا عن‬
‫الع� � ��رب وعلمائه� � ��م‪ ،‬الذين كانت له� � ��م كتابات في‬ ‫تناغم وتداخ� � ��ل األصوات «النغمات» كش� � ��رح بُعد‬
‫املوسيقى أثــرت في معارف اإلنسانية»‪.‬‬ ‫الدرجت� �ي��ن األول� � ��ى والثالثة كمس� � ��افتني متفقتني‪،‬‬
‫كما أكدت د‪.‬س� � ��محة اخلولي الفكرة نفس� � ��ها‪،‬‬ ‫حيث س� � ��بقا العالم الغربي الذي يستقي موسيقاه‬
‫حيث كتبت تق� � ��ول‪« :‬ونحن نرتكب خط� � ��أ تاريخياً‬ ‫وعل� � ��م الهارموني ونظرياته بال� � ��ذات‪ ،‬عن كثير من‬
‫ال يغتف� � ��ر إذا أغفلنا عظماء الفالس� � ��فة واملفكرين‬ ‫الفالسفة والعلماء العرب‪.‬‬
‫واملسلمني من العصور الوسطى‪ ،‬فهم الذين سبقوا‬ ‫وقد أتت إسهاماتهما بني إسهامات عدد كبير‬
‫علماء الغرب من األملان والفرنس� � ��يني واألمريكيني‬ ‫من العلماء والفالسفة العرب‪ ،‬بدءاً من الفيلسوف‬
‫في العصر احلدي� � ��ث‪ ،‬مبا تركوه لنا‪ ،‬وللغرب ذاته‪،‬‬ ‫يونس بن س� � ��ليمان الكاتب (املتوفى سنة ‪148‬هـ ‪-‬‬
‫من تراث علمي وفلسفي يتناول املوسيقى‪ ،‬ونخص‬ ‫حوالي ‪765‬م) ومعه أربعة وثالثون عاملاً وفيلسوفاً‬
‫بالذكر منه� � ��م الكندي والفاراب� � ��ي وإخوان الصفا‬ ‫من بينهم‪ :‬اخلليل ابن أحمد‪ ،‬الكندي‪ ،‬ابن املنجم‪،‬‬
‫وابن سينا واألرموي وغيرهم‪ ،‬وإن كانت املوسيقى‬ ‫املس� � ��عودي‪ ،‬الرازي‪ ،‬األرموي‪ ،‬إس� � ��حاق املوصلي‪،‬‬
‫ال متثل إال واحداً من مجاالت بحوثهم الواس� � ��عة‪،‬‬ ‫وغيرهم كثير‪ ،‬ولع� � ��ل آخرهم أبو زيد عبدالرحمن‬

‫‪136‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 134-145.indd 136‬‬ ‫‪7/20/16 10:37:36 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫فرقة املعيوف الشعبية‬

‫موهبة الغناء في النصف الثاني من القرن التاسع‬ ‫التي اطلع الغرب فيها ألول مرة على جوانب الفكر‬
‫عشر؛ الفنان عبده احلامولي‪ ،‬الذي كان يغني في‬ ‫اليوناني القدمي»‪.‬‬
‫قصور اخلديو إسماعيل‪.‬‬
‫الس � � �لَّم العربي املوس� � ��يقي‬
‫وبُحث في املؤمتر ُ‬ ‫املؤمتر األول للموسيقى العربية‬
‫بالس � � �لَّم املوس� � ��يقي الغرب� � ��ي‪ ،‬واملقامات‪،‬‬
‫وعالقته ُّ‬ ‫ُعق� � ��د مؤمتر املوس� � ��يقى العربي� � ��ة األول في‬
‫واإليقاع‪ ،‬وقدمت فيه محاضرات عن طرق تدريس‬ ‫القاه� � ��رة ع� � ��ام ‪ 1932‬لتدارس املوس� � ��يقى العربية‬
‫املوسيقى وتاريخها‪.‬‬ ‫حتت رعاي� � ��ة امللك فؤاد ملك مص� � ��ر آنذاك‪ ،‬فــــي‬
‫كم� � ��ا اهت� � ��م احلاض� � ��رون باختي� � ��ار األعم� � ��ال‬ ‫أروق� � ��ة معهد املوس� � ��يقى العربية‪ ،‬املوج� � ��ود حالياً‬
‫املوس� � ��يقية املصرية والعربي� � ��ة التي يجب احلفاظ‬ ‫ف� � ��ي ش� � ��ارع رمس� � ��يس‪ ،‬وذلك بعد بضع س� � ��نوات‬
‫عليها كتراث يحفظ لألجيال القادمة‪ .‬وكانت مصر‬ ‫مـــن تأس� � ��يس معهد املوسيقى العربية حتت رعاية‬
‫حاضن� � ��ة للموس� � ��يقى‪ ،‬وعرفت بتقدي� � ��ر املتعاملني‬ ‫امللك ف� � ��ؤاد األول عام ‪1929‬م‪ ،‬وق� � ��د ضم املؤمتر‬
‫فيها‪ ،‬وخصوصاً تلك النخبة منهم التي ُذكرت في‬ ‫موس� � ��يقيني من مصر والش� � ��ام وتركــــي� � ��ا وبــعض‬
‫«كتاب املوسيقى الش� � ��رقي» لألستاذ محمد كامل‬ ‫املـــندوبني األوربيني‪.‬‬
‫اخللعي‪ ،‬الذي حفظ كثيراً من نصوص ومقامات‪،‬‬ ‫وق� � ��ام بالدعوة إلى املؤمتر ع� � ��ام ‪ 1932‬الفنان‬
‫وكان مش� � ��هوراً ومحبوباً ح� �ي��ن ذاك‪ ,‬وعند الرجوع‬ ‫محمد أحمد احلفن� � ��ي حتت الرعاية امللكية‪ ،‬وكان‬
‫إلى دور املوس� � ��يقى مبصر قبل املؤمتر‪ ،‬فقد كانت‬ ‫احلفني قد أمت دراس� � ��ته للموس� � ��يقى ف� � ��ي أملانيا‪.‬‬
‫تزخر باملوس� � ��يقيني واملغنيني الذين تخصصوا في‬ ‫وكان الهدف من الدعوة إلى املؤمتر احلفاظ على‬
‫ألوان من الغناء الشرقي‪ ،‬أهمها «املوشحات»‪ ،‬ودور‬ ‫التراث املوس� � ��يقي والغنائي‪ ،‬خصوص � � �اً بعد وفاة‬
‫الرواد منهم في تأليف النصوص واألحلان والغناء‬ ‫أعالمه الكبار مثل املني� �ل��اوي عام ‪ ،1911‬وصالح‬
‫املتقن‪( .‬انظر كتاب املوسيقى الشرقي الذي وصف‬ ‫عبداحلي عام ‪ ،1912‬وس� � ��يد درويش عام ‪،1917‬‬
‫فيه املؤلف نقالت املقام بني الدرجات املوس� � ��يقية‬ ‫وهم مجموعة من رموز الفن واألعالم الذين خلفوا‬

‫‪137‬‬
‫«تاريخ املوسيقى والغناء في الكويت»‬

‫‪aug 134-145.indd 137‬‬ ‫‪7/20/16 10:37:39 AM‬‬


‫فرقة تلفزيون الكويت‬

‫وأس� � ��مائها الش� � ��ائعة قدمياً من تأليف املوسيقار «مركز رعاية الفنون الشعبية ‪»1956‬‬
‫لع� � ��ل أهم ما قامت ب� � ��ه حكومة الكويت ممثلة في‬ ‫محمد كامل اخللعي‪ ،‬ذيلّه د‪.‬حسني فوزي)‪.‬‬
‫وزارة الش� � ��ؤون االجتماعية والعمل هو إنش� � ��اء مركز‬
‫رعاية الفنون الشعبية‪ ،‬الذي يعتبر ثاني مركز للفنون‬ ‫املوسيقى بني مصر والكويت‬
‫الش� � ��عبية بعد مصر في منتصف خمس� � ��ينيات القرن‬ ‫مما يؤسف له أنه لم تكن هناك صلة في ذلك‬
‫املاض� � ��ي‪ ،‬حي� � ��ث أولت ال� � ��وزارة عناية علمي� � ��ة وفنية‬ ‫الوقت بني املوس� � ��يقيني في مص� � ��ر والكويت‪ ،‬وقد‬
‫بالتراث الش� � ��عبي احلي‪ ،‬وقام املركز بتسجيل مختلف‬ ‫كتب في ذلك د‪ .‬يوسف الدوخي‪:‬‬
‫أنواع الفنون من وس� � ��ائل التسجيل املختلفة الصوتية‬ ‫«وم� � ��ن غري� � ��ب االتف� � ��اق أن يتعاي� � ��ش الف� � ��رج‬
‫والفوتوغرافي� � ��ة والس� � ��ينمائية‪ ،‬كم� � ��ا جم� � ��ع اآلالت‬ ‫واحلامول� � ��ي في عصر واحد‪ ،‬وأن يحمال مش� � ��عل‬
‫املوسيقية واألزياء‪ ،‬وأشرف على تأسيس املركز الفنان‬ ‫الفن كل حسب درايته واتساع مداركه‪ .‬ومن غريب‬
‫رائد املوسيقى واملس� � ��رح األول حـمـد عيسى الرجيب‬ ‫األق� � ��دار أن يتوفي� � ��ا في عام واح� � ��د وكأنهما على‬
‫(‪1998-1924‬م)‪ ،‬وحلسن احلظ أن يكون بني من كان‬ ‫موعد مع القدر‪.‬‬
‫لهم دور الريادة في املركز األستاذ صفوت كمال‪ ،‬الذي‬ ‫فعبده احلامولي (‪ )1901 - 1845‬ما إن تخرج‬
‫يعد واحداً من الشخصيات املميزة في علم الفلكلور‪،‬‬ ‫في الفن على يد أستاذه حتى علت مكانته وطفقت‬
‫وله أهمية ب� �ي��ن كثيرين من األس� � ��اتذة بهذا اجلانب‪،‬‬ ‫شهرته البالد‪ ،‬وأتيح له السفر إلى إسطنبول أكثر‬
‫وكان من الشخصيات التي لها دور الريادة‪.‬‬ ‫من مرة‪ ،‬اس� � ��تغل فيها موهبت� � ��ه ليضيف إلى ألوان‬
‫وانض� � ��م لهذا املرك� � ��ز األول باخلليج نخبة من‬ ‫الغناء ألوان� � ��ا طريفة‪ .‬وعبدالل� � ��ه الفرج (‪- 1836‬‬
‫الش� � ��خصيات األدبية‪ ،‬مثل‪ :‬أحمد العدواني‪ ،‬أحمد‬ ‫‪ )1901‬نش� � ��أ في الهند‪ ،‬وكانت له يد في الرس� � ��م‬
‫البشر‪ .‬وقد شكلت مجموعة من اللجان على النحو‬ ‫والتصوير‪ ،‬وبرع في دراس� � ��ة املوسيقى‪ ،‬فصنع من‬
‫التالي‪:‬‬ ‫تلك الدراسة أحلاناً تداولها عازفو اخلليج»‪.‬‬
‫‪ -‬جلنة املوسيقى والفنون الشعبية‪.‬‬ ‫لذلك أخذت األغنية العربية تس� � ��ير‪ ،‬عموما‪،‬‬
‫‪ -‬جلن� � ��ة املس� � ��رح‪ :‬زك� � ��ي طليم� � ��ات‪ ,‬محم� � ��د‬ ‫نح� � ��و مفترق الط� � ��رق القتفائها جميع األس� � ��اليب‬
‫النشمي‪.‬‬ ‫املتبعة في الغناء العربي القدمي‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 134-145.indd 138‬‬ ‫‪7/20/16 10:52:54 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫املوسيقى والغناء العربي بهذه املنطقة كغناء شعبي‬ ‫‪ -‬جلن� � ��ة الفلكلور والتراث الش� � ��عبي‪ :‬صفوت‬
‫من دون آالت موس� � ��يقية‪ ،‬أو التي تعتمد على آالت‬ ‫كمال‪.‬‬
‫موس� � ��يقية محدودة مثل آلــة الـعـود بش� � ��كل رئيس‪،‬‬ ‫‪ -‬جلنة املوسيقى والفنون الشعبية‪ :‬وكان في‬
‫والكم� � ��ان إن وج� � ��دت‪ ،‬واآللة اإليقاعية الش� � ��هيرة‬ ‫عضويتها من الفنانني حمد الرجيب‪ ،‬سعودالراشد‪،‬‬
‫ف� � ��ي أثناء غناء أل� � ��وان الصوت الثالث� � ��ة التي جاء‬ ‫أحمد الزجنب� � ��اري‪ ،‬أحمد باقر‪ ،‬ومب� � ��ارك امليال‪.‬‬
‫بها عبدالله الف� � ��رج (‪1900/1836‬م)‪ ,‬الذي يعتبر‬ ‫كما انض� � ��م لها من الفنانني الش� � ��عبيني والنهامني‬
‫مؤس� � ��س الصوت ف� � ��ي اخلليج العرب� � ��ي‪ ،‬وتالميذ‬ ‫راش� � ��د صالح اجليماز وغيره م� � ��ن اجليل القدمي‪،‬‬
‫مدرسته مثل‪ :‬الفنانني خالد البكر وأخيه يوسف‪،‬‬ ‫ثم األخوين دوخ� � ��ي‪ ،‬وهما املطرب عوض الدوخي‬
‫وإبراهيم اليعقوب وأخيه‪ ،‬إضافة إلى عبداللطيف‬ ‫والش� � ��اعر امللحن يوس� � ��ف الدوخي محمد التتان‪،‬‬
‫العروج‪ .‬وكان هذا اللون من الغناء هو فن الصفوة‬ ‫وجاء من جيل الشباب شادي اخلليج وعبداحلميد‬
‫ومن الفنون احملببة للعامة‪ ،‬كما كان للفنان الشيخ‬ ‫السيد وإبراهيم الصولة وغيرهم‪ .‬وتقاطر الفنانون‬
‫محمد بن فارس (‪1935/1895‬م) والفنان ضاحي‬ ‫واملوسيقيون وشعراء األغنية وكتّابها والهواة أيضاً‬
‫بن ولي� � ��د‪ ،‬دور الريادة في غن� � ��اء وأحلان الصوت‬ ‫على هذا املركز‪.‬‬
‫البحريني‪.‬‬ ‫وتعد جلنة الفنون الش� � ��عبية م� � ��ن أهم اللجان‬
‫الت� � ��ي بدأت الكويت بعدها تخطو إثر خطى الدول‬
‫املوسيقى الشعبية في الكويت‬ ‫العربية في احلفاظ على موروث عامة‪ ،‬واملوسيقى‬
‫نظراً لثراء املوس� � ��يقى اإليقاعي� � ��ة في منطقة‬ ‫الغنائي� � ��ة بصورة خاصة‪ ،‬وبدأ التطوير املوس� � ��يقي‬
‫اخللي� � ��ج العربي بص� � ��ورة عامة والكوي� � ��ت بصورة‬ ‫احلثيث‪ ,‬متزامناً مع دراسة ما كان يقدمه الفنانون‬
‫خاصة‪ ،‬وهذا ال يعني اإلقالل من أهمية اإليقاعات‬ ‫املؤسسون للفن في الكويت واخلليج‪ ،‬وما تركوا من‬
‫في س� � ��ائر أرجاء اجلزيرة العربية والوطن العربي‪،‬‬ ‫ت� � ��راث لدى أبناء اخلليج‪ ،‬لتبرز بعد ذلك ألوان من‬

‫الفن الشعبي األصيل‬

‫‪139‬‬
‫«تاريخ املوسيقى والغناء في الكويت»‬

‫‪aug 134-145.indd 139‬‬ ‫‪7/20/16 10:53:04 AM‬‬


‫كما توظف اإليقاعات والتصفيق في كثير من‬ ‫لكن لضيق املساحة وتكثيف املوضوع‪ ،‬سأركز على‬
‫أغاني العمل‪ ،‬وه� � ��ي إيقاعات صعبة ومعقدة تردد‬ ‫الكوي� � ��ت‪ .‬فف� � ��ي الكويت واخللي� � ��ج توجد ضروب‬
‫في أثناء غناء البحارة عند اإلبحار بالسفن الكبيرة‬ ‫إيقاعية مزدوجة متداخلة تداخ ً‬
‫ال يش� � ��ابه إلى حد‬
‫ملس� � ��افات طويلة للهند وإفريقي� � ��ا وغيرهما‪ ،‬تغنى‬ ‫كبي� � ��ر التوزي� � ��ع الهارموني‪ ،‬وه� � ��ذا توزيع هارموني‬
‫لتوحي� � ��د اجلهد في أثناء رفع األش� � ��رعة وإنزالها‪،‬‬ ‫فط� � ��ري‪ ،‬ومن هنا يكتس� � ��ب قوته وتأثي� � ��ره‪ .‬وهذه‬
‫وكذلك عند االستعداد لرسو السفينة والتجديف‪،‬‬ ‫النوعي� � ��ة لم نس� � ��مع أو نقرأ عنها ف� � ��ي اإليقاعات‬
‫وكذلك أغاني الترفيه‪.‬‬ ‫املعروفة في الوطن العربي كإيقاعات املوش� � ��حات‪،‬‬
‫فق� � ��د اقتصرت ف� � ��ي وظيفتها عل� � ��ى تقوية اإليقاع‬
‫أحلان الصوت‬ ‫وتنظي� � ��م حركة اللحن‪ .‬وأبدع الفنان الش� � ��عبي في‬
‫من العجيب أن أحلان الصوت التي عرفت في‬ ‫تنظيم ه� � ��ذه اإليقاع� � ��ات على درج� � ��ات مختلفة‪.‬‬
‫منطقة اخلليج العربي كقالب من الغناء الرئيس لم‬ ‫فجعل لكل آلة إيقاع تسمية ولها مشتقات‪ ،‬ومهمة‬
‫تكن معروفة قبل انتشار وسائل اإلعالم أو قبل بث‬ ‫خاصة‪ ،‬وضروب تختلف في ما بينها مكونة إيقاعاً‬
‫اإلذاعات في الكويت والبحرين ودول اخلليج‪ .‬أما‬ ‫واحداً… «وتكثر اآلالت اإليقاعية أو تقل في الغناء‬
‫غناء الصـوت‪ ،‬فهو الغناء الكالس� � ��يكي في الكويت‬ ‫اجلماعي وفقاً لعدد األصوات التي تؤدي الغناء‪...‬‬
‫والبحرين بش� � ��كل خاص‪ ،‬وفي دول اخلليج بشكل‬ ‫وما تناسب معها فتشكل بذلك القالب الغنائي»‪.‬‬
‫عام‪.‬‬ ‫ولدين� � ��ا اآلن ه� � ��ذا اإليقاع ال� � ��ذي تؤديه آالت‬
‫إيقاع الصوت‪ :‬هو الذي يؤدى مبصاحبة آلـــة‬ ‫عدة‪:‬‬
‫العـود الرئيس� � ��ة وآلة إيقاعية صغيرة حتمل باليد‬ ‫أوالً‪ :‬خط اللحن «الغــناء»‪.‬‬
‫وينق� � ��ر باألصاب� � ��ع عليها باليد األخ� � ��رى وهو على‬ ‫ثانيا‪ :‬خط الطــــــارات‪ ،‬وهو اإليقاع األساس‪.‬‬
‫ثالثة قوالب من اإليقاع‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬آلة «الطبل اخلماري» الشكل الثابت‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬الصوت الش� � ��امي‪ ،‬وه� � ��و رباعي اإليقاع‬ ‫رابــــــع � � �اً‪« :‬الــطـــب� � ��ل الالعـــــــ� � ��وب» للتـــصرف‬
‫‪.4/4‬‬ ‫والزخرفــــــــــة‪.‬‬
‫ثانيـاً‪ :‬الصوت العـربي‪ ،‬وهو سداس� � ��ي اإليقاع‬ ‫خامسـاً‪ :‬آلة «الطويسات» للزخرفة اإليقاعية‪:‬‬
‫‪.6/4‬‬ ‫وهي حادة الصوت يسمعها جميع املؤدين‪.‬‬
‫ثالث � � �اً‪« :‬الصوت اخليال� � ��ي»‪ ،‬وهو مركب إيقاع‬ ‫ويتب� � ��ع هذه الطريقة من قوال� � ��ب الغناء الكثير‬
‫الرباع� � ��ي ‪ ،12/8‬وه� � ��ذا الن� � ��وع ال� � ��ذي تَغلُب على‬ ‫التي تؤ ّدى باستخدام عدة آالت إيقاعية‪.‬‬
‫نصوص أحلانه مواضيع أخف على الس� � ��امع‪ ،‬وإذا‬ ‫وق� � ��د تس� � ��تبدل بـ«الط� � ��ارات» أي الدف� � ��وف‬
‫رددت أحلان� � ��ه غنا ًء م� � ��ن دون آلة إيق� � ��اع املرواس‬ ‫«اجلح� � ��ال» أي األواني الفخاري� � ��ة وذلك في غناء‬
‫يسمى «خـتم‪ ،‬وتؤ ّدى أغانيه عادة في نهاية السمر‬ ‫احلدادي «البحري»‪.‬‬
‫ومبواضي� � ��ع من الوع� � ��ظ أو النصيح� � ��ة والطرافة‬ ‫وله� � ��ذا يالحظ أن أكثر أن� � ��واع الغناء اعتمدت‬
‫كعجوز الشعر‪ .‬وتعتمد أحلان الصوت على النص‬ ‫عل� � ��ى آالت اإليقاع منذ القدم لتغطي نقص اآلالت‬
‫الفصيح أو نص الشعر احلميني الذي كان معروفاً‬ ‫النغمية‪ ،‬وهنا يحرص الفنان الش� � ��عبي‪ ،‬على تعدد‬
‫وش� � ��ائعاً ف� � ��ي غناء املوس� � ��يقيني ألحل� � ��ان الصوت‬ ‫آالت اإليق� � ��اع‪ ،‬وتعدد درجاتها املوس� � ��يقية‪ ،‬فمنها‬
‫الثالثة‪.‬‬ ‫ما يأخذ ش� � ��كل الباص ومنها الدرجات املتوسطة‬
‫واحل� � ��ادة‪ ،‬إضاف� � ��ة للتصفيق املزخ� � ��رف واألدوات‬
‫القوالب الغنائية الشعبية الكويتية‬ ‫النحاس� � ��ية مثل الصاجات الصغيرة والنحاس� � ��ية‬
‫إن األحل� � ��ان الغنائية الش� � ��عبية ف� � ��ي الكويت‪،‬‬ ‫(الطاس� � ��ات) والهاون‪ ،‬وبعض األوان� � ��ي الفخارية‬
‫كثيرة بأس� � ��مائها متعددة بألوانه� � ��ا ضمن قوالب‬ ‫الت� � ��ي ال تؤثر فيها عوامل الطبيعة من رطوبة على‬
‫معين� � ��ة أو محددة‪ .‬ولكل قال� � ��ب إطاره اخلاص به‬ ‫اجللود بالنسبة للدفوف وغيرها‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 134-145.indd 140‬‬ ‫‪7/20/16 10:37:59 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫األخوان الفنانان‪ :‬امللحن يوسف املهنا واملطرب عبداحملسن املهنا‬

‫ثاني � � �اً‪ :‬اللحن‪ ،‬ويخض� � ��ع اللحن ف� � ��ي األغنية‬ ‫من حيث تركيبه اإليقاعي وجمله اللحنية امللتزمة‬
‫ال حلن‬ ‫الش� � ��عبية للمضمون الذي تعب� � ��ر عنه‪ ،‬فمث ً‬ ‫إل� � ��ى حد م� � ��ا بتفعيلة اإليقاع وكذل� � ��ك بأوزان من‬
‫أغنية الزفاف وضعه الفنان الش� � ��عبي للتعبير عن‬ ‫شعر الفصحى أو العامية‪.‬‬
‫الفرحة‪ ,‬بكلمات مناس� � ��بة‪ ،‬مث� � ��ال‪ ،‬ال إله إال الله ‪-‬‬ ‫ومبعن� � ��ى أوضح يكون لكل قال� � ��ب ألوانه التي‬
‫عليك أسعيد‪ ,‬كما وضع حلن العرضة التي هدفها‬ ‫متي� � ��زه عن غيره م� � ��ن األلوان الغنائية‪ ،‬وله اس� � ��م‬
‫التغني في زمن السلم بأمجاد املاضي وما فيه من‬ ‫يس� � ��تدل م� � ��ن خالله على ه� � ��دف ه� � ��ذا النوع أو‬
‫بطوالت ومآثر يتم فيها عرض الرجال والس� �ل��ام‬ ‫اإليق� � ��اع‪ ...‬ويتكون الل� � ��ون الغنائي عادة من ثالثة‬
‫اس� � ��تعداداً للحرب‪ .‬والغناء هنا يكون مبا يتناسب‬ ‫عناصر‪:‬‬
‫أيضاً م� � ��ع هذا املضمون من حيث احلماس� � ��ة في‬ ‫أوالً‪ :‬اإليقاع‪ ،‬وهو الذي يحدد س� � ��ير النغمات‬
‫اللحن‪.‬‬ ‫ضم� � ��ن موازي� � ��ر (حقول) متس� � ��اوية (كما أش� � ��رنا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثالث � � �ا‪ :‬أوزان الش� � ��عر‪ ...‬إن كثي� � ��را من أوزان‬ ‫سابقاً‪ ...‬من إيقاعات بسيطة أو مركبة)‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫«تاريخ املوسيقى والغناء في الكويت»‬

‫‪aug 134-145.indd 141‬‬ ‫‪7/21/16 9:27:34 AM‬‬


‫آالت ايقاعية مختلفة‪ :‬الطبل البحري والطوسه والهاون وزير املاء واجلرة الفخارية‬

‫‪142‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 134-145.indd 142‬‬ ‫‪7/21/16 9:36:10 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪ - 2‬يس� � ��مى الن� � ��وع الثان� � ��ي من� � ��ه «الصادح»‪،‬‬ ‫الشعر الش� � ��عبي مرتبطة بألوان معينة في الغناء‪،‬‬
‫واصطالحه املوسيقي «تينور»‪.‬‬ ‫وش� � ��اعت عند الشاعر الش� � ��عبي الغنائي نصوص‬
‫‪ - 3‬هذا بالنس� � ��بة لألصوات حسبما جاء في‬ ‫السامري ونصوص اخلماري أو األصوات‪ ،‬وكذلك‬
‫كتاب د‪ .‬محمود احلنفي «املوسيقى النظرية»‪.‬‬ ‫نظم «الزهيري»‪.‬‬
‫وتنحصر اآلالت جميعها في ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫كما شاعت أسماء شعراء أجادوا فيها مثل‪:‬‬
‫‪ - 1‬النوع األول‪ :‬آالت ذات أوتار وتسمى اآلالت‬ ‫‪ - 1‬الش� � ��اعر الفن� � ��ان عبدالل� � ��ه الف� � ��رج‬
‫الوترية كالرباب والعود‪.‬‬ ‫(‪1901/1836‬م) صاحب اإلبداع واألغنية العربية‬
‫‪ - 2‬النوع الثاني‪ :‬آالت ينفخ فيها وتسمى آالت‬ ‫املس� � ��تمدة من التراث العرب� � ��ي «األصوات»‪ ،‬أغاني‬
‫النفخ كالناي أو املزامير‪.‬‬ ‫الصوت‪ ،‬إضافة إلبداعات أخرى‪.‬‬
‫‪ - 3‬الن� � ��وع الثالث‪ :‬آالت ينقر عليها وتس� � ��مى‬ ‫‪ - 2‬الش� � ��اعر الفن� � ��ان محم� � ��د ب� � ��ن لعب� � ��ون‬
‫آالت اإليقاع‪.‬‬ ‫(‪1831/1797‬م) مجدد الغناء احلضري والبدوي‪.‬‬
‫وقسمت أصوات هذه اآلالت كتقسيم األصوات‬ ‫‪ - 3‬الفن� � ��ان جوهر اللنق� � ��اوي (‪1950/1870‬م‬
‫البش� � ��رية الس� � ��ابق ذكره� � ��ا‪ ،‬س� � ��برانو لألصوات‬ ‫تقريباً)‪ ،‬صاحب أول فرقة جتمع البحارة‪.‬‬
‫البشرية السابق ذكرها‪ ،‬سبرانو أول وسبرانو ثان‪،‬‬
‫وكونترالتو لألصوات احلادة‪.‬‬ ‫اإليقاعات في املوسيقى الكويتية‬
‫والب� � ��اص التيــن� � ��ور األول والتين� � ��ور الثان� � ��ي‬ ‫كم� � ��ا ه� � ��و معروف ل� � ��دى املتعامل� �ي��ن في حقل‬
‫لألص� � ��وات الغليظ� � ��ة‪ ،‬وقبل التط� � ��رق إلى آالت‬ ‫املوس� � ��يقى‪ ،‬تتكون إيقاعات املوسيقى الكويتية من‬
‫اإليقاع‪ ،‬البد أن نتعرف على اإليقاع وأهميته في‬ ‫عنصرين جوهريني‪ ،‬هما‪ :‬الصوت والزمن‪.‬‬
‫املوسيقى‪.‬‬ ‫والص� � ��وت ف� � ��ي ع� � ��رف الطبيعي� �ي��ن موضوعه‬
‫دراس� � ��ة األصوات عامة‪ ،‬أما في عرف املوسيقيني‬
‫اإليقاع‪:‬‬ ‫فموضوع� � ��ه دراس� � ��ة األصوات الت� � ��ي تقبلها األذن‬
‫يس� � ��مى في املوس� � ��يقى األوزان أو الضروب أو‬ ‫وترت� � ��اح له� � ��ا النفس وقد ح� � ��ددت ب � � �ـ «النغمة» أو‬
‫األص� � ��ول‪ ،‬وهو الوزن الذي يحدد س� � ��ير النغمات‪،‬‬ ‫«الدرج� � ��ة الصوتية» حني ص� � ��دور الصوت (غنا ًء)‬
‫كما هي احلال بالنس� � ��بة لبحور الش� � ��عر‪ ،‬حيث إن‬ ‫م� � ��ن األص� � ��وات البش� � ��رية أو (عزفاً) م� � ��ن اآلالت‬
‫لكل بحر تفعيالته اخلاصة يسير عليها املنظوم من‬ ‫املوسيقية‪.‬‬
‫الكالم‪ ,‬ثم اإليقاعات املركبة‪ ،‬وهي انقسام الزمن‬ ‫وتنقس� � ��م األص� � ��وات البش� � ��رية إلى قس� � ��مني‬
‫الواحد إلى ثالثة أزمنة‪.‬‬ ‫رئيسني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫مثال‪ :‬مركب الثاني‪ ،‬ينقس� � ��م كل زمن منه إلى‬ ‫‪ -‬أصوات النساء واألطفال‪.‬‬
‫ثالثة أزمنة صغيرة فيصبح بدل (‪،)- 3 - 3 - 2 - 1‬‬ ‫‪ -‬أصوات الرجال‪.‬‬
‫وقد شاع هذا النوع من اإليقاعات املركبة باخلليج‬ ‫وينقسم كل من هذين القسمني إلى أنواع‪:‬‬
‫واجلزيرة العربية بأكمله� � ��ا‪ ،‬ويتبعه من اإليقاعات‬ ‫أوالً‪ :‬أصوات النساء واألطفال‪:‬‬
‫الش� � ��عبية في الكويت «إيقاع الدزة» املس� � ��تعمل في‬ ‫‪ - 1‬يسمى النوع األول منه‪ :‬الندى‪ ،‬واصطالحه‬
‫«أغاني الزفاف» منه هذا اللحن‪ :‬عليك أسعيد‪...‬‬ ‫املوسيقي سبرانو‪ ،‬وهو لألصوات احلادة‪.‬‬
‫ال إله إال الله‪.‬‬ ‫‪ - 2‬يس� � ��مى النوع الثاني‪ :‬الرنان‪ ،‬واصطالحه‬
‫ومثال آخر من اليمن على هذا الوزن اإليقاعي‬ ‫املوس� � ��يقي كونترالت� � ��و‪ ،‬وه� � ��و ألص� � ��وات النس� � ��اء‬
‫(مرك� � ��ب الثنائي) مع الفارق ف� � ��ي الضروبات‪ .‬عن‬ ‫الغليظة‪.‬‬
‫اإليقاع السابق هذا املثال‪ :‬أال يا طير يا اخلضر‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أصوات الرجال‬
‫وقد أب� � ��دع الفنان الش� � ��عبي ف� � ��ي تنظيم هذه‬ ‫‪ - 1‬يس� � ��مى الن� � ��وع األول من� � ��ه «الغلي� � ��ظ»‪،‬‬
‫اإليقاع� � ��ات‪ ،‬فجع� � ��ل لكل آل� � ��ة إيقاع تس� � ��مية ولها‬ ‫واصطالحه املوسيقي «باص»‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫«تاريخ املوسيقى والغناء في الكويت»‬

‫‪aug 134-145.indd 143‬‬ ‫‪7/20/16 10:38:31 AM‬‬


‫الفنان غريد الشاطئ‬

‫فرقة الفنون الشعبية الكويتية‬

‫‪144‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 134-145.indd 144‬‬ ‫‪7/20/16 10:38:35 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مش� � ��تقات‪ ،‬ومهمة خاصة‪ ،‬وض� � ��روب تختلف فيها ثالثة‪ ،‬بحيث يقتصر إيق� � ��اع أحدهم على اإليقاع‬
‫األساسي‪ ،‬واالثنان اآلخران يقومان بـ«التشربك»‬ ‫بينها مكونة إيقاعاً واحداً‪.‬‬
‫«وتكث� � ��ر اآلالت اإليقاعي� � ��ة أو تقل ف� � ��ي الغناء وهي الزخرف� � ��ة اإليقاعية الت� � ��ي أدخلها البحارة‬
‫اجلماعي وفقاً لعدد األصوات التي تؤدي الغناء‪ ..‬ملصاحبة الطبل الكبير واحلجلة والهاون في أثناء‬
‫غناء احلداديات‪.‬‬ ‫وما تناسب معها فتشكل بذلك القالب الغنائي»‪.‬‬

‫قوالب الغناء واملوسيقى في الكويت‬ ‫آالت اإليقاع‬


‫القال� � ��ب أو «الف� � ��ورم» ه� � ��و أس� � ��اس الغن� � ��اء‬ ‫‪ -‬الط� � ��ار أو الط� � ��ارة وجمعه� � ��ا طي� � ��ران أو‬
‫واملوس� � ��يقى‪ ،‬والقوال� � ��ب عبارة عن ش� � ��عر وحلن‬ ‫طـــارات‪:‬‬
‫وإيق� � ��اع‪ ،‬وه� � ��ي العناصر التي يتك� � ��ون منها أنواع‬ ‫هو أكثر اآلالت اإليقاعية الش� � ��عبية انتش� � ��اراً‬
‫القالب الغنائي واألحلان‪ ,‬مثل‪ :‬قالب الس� � ��امري‪،‬‬ ‫وأهمي� � ��ة بني أه� � ��ل فن الغن� � ��اء الش� � ��عبي والطابع‬
‫قال� � ��ب غناء اخلم� � ��اري‪ ،‬وعلى ض� � ��وء ذلك تصاغ‬ ‫الترفيه� � ��ي‪ .‬وقد أجاد العزف (الضرب) عليه كثير‬
‫األغاني‪.‬‬ ‫من الفنانني الشعبيني‪ ،‬وتفنّنوا باستخراج «ال ُدم»‪،‬‬
‫املوس� � ��يقى اآللية‪ ،‬أي التي تعتمد على اآلالت‬ ‫وثالثة أنواع من «التك»‪.‬‬
‫املوسيقية‪ ،‬مثل البشارف والسماعيات والدوالب‪،‬‬ ‫والصفق� � ��ال يضي� � ��ف للغن� � ��اء احليوي� � ��ة وحث‬
‫ولكن أن� � ��واع القوالب والغناء لم تكن معروفة عند‬ ‫املش� � ��اركني لزيادة التطريب كم� � ��ا يتصرف الكثير‬
‫املوسيقيني في العالم العربي حتى ظهور األغاني‬ ‫م� � ��ن «ضاربي الط� � ��ار» في اإليق� � ��اع ارجتاالت مللء‬
‫املطبوعة على أش� � ��رطة الكاس� � ��يت التي انتشرت‬ ‫الفراغات والزخرفة‪.‬‬
‫بع� � ��د طبع ألبومات غنائية للفنانني العرب بصورة‬ ‫‪ -‬الطبل البحري الكبير‪:‬‬
‫عام� � ��ة والفنانني في اخلليج بصورة خاصة‪ ،‬حيث‬ ‫ه� � ��و آلة إيقاعية أساس� � ��ية ألكثر أن� � ��واع الغناء‬
‫برز الغناء الكويتي والسعودي واليمني‪ ،‬واجلزيرة‬ ‫وخصوصاً (الغناء البحري) ‪ -‬الراس ‪ -‬الشمالي‪.‬‬
‫العربية بصورة خاصة‪.‬‬ ‫(ث� � ��م عملي� � ��ة الش� � ��باح) ويحتل ه� � ��ذا الطبل مكان‬
‫وفي س� � ��بعينيات الق� � ��رن املاضي‪ ،‬غنى بعض‬ ‫الصدارة وقد قسمه الفنانون الشعبيون إلى نوعني‬
‫الفنانني الكبار في العال� � ��م العربي مجموعة من‬ ‫أو مهمتني كما أشرنا سابقاً‪.‬‬
‫ه� � ��ذه القوال� � ��ب‪ ،‬مثل‪ :‬قالب الص� � ��وت الذي غناه‬ ‫األول‪« :‬طب� � ��ل ال� � ��راس» كما تس� � ��ميه البحارة‪.‬‬
‫املط� � ��رب الكبير عبداحللي� � ��م حافظ‪ ،‬وهو صوت‬ ‫ويعتب� � ��ر من أهم الطبول وقد س� � ��مي بهذا االس� � ��م‬
‫«ياهل� � ��ي» كما غنى قالب الص� � ��وت مجموعة من‬ ‫لضربه « ُدم» األس� � ��اس ضمن األش� � ��كال اإليقاعية‬
‫الفنانني املطرب� � ��ة فايزة أحم� � ��د‪ ،‬وديع الصافي‪،‬‬ ‫املوجودة في الطقم الواحد «أو الوزن»‪.‬‬
‫جن� � ��اة الصغي� � ��رة‪ ،‬املطربة صب� � ��اح‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬من‬ ‫الثان� � ��ي‪« :‬الطب� � ��ل اخلم� � ��اري» يصاحب الطبل‬
‫الش� � ��ام والع� � ��راق وهم األكثر معرف� � ��ة بالغناء في‬ ‫األول ف� � ��ي أكثر الفنون الغنائي� � ��ة البحرية‪ .‬بعد أن‬
‫الكويت‪.‬‬ ‫يشد الطبل اخلماري على درجة صوتية أعلى من‬
‫ً‬
‫أما الغناء األش� � ��هر ش� � ��عبيا في دول اخلليج‪،‬‬ ‫درجة الطبل الكبي� � ��ر «طبل الراس» للحصول على‬
‫وبصورة خاص� � ��ة دولة الكويت ودول� � ��ة البحرين‪،‬‬ ‫صوتني مختلفني‪.‬‬
‫حيث ب� � ��رع فنانو هذين البلدي� � ��ن باألصوات‪ ،‬فهو‬ ‫الثالث‪« :‬املرواس»‪ ،‬وج� � ��د املرواس ليصاحب‬
‫غن� � ��اء النخ� � ��ب من األش� � ��خاص بنصوص ش� � ��عر‬ ‫آل� � ��ة العود ف� � ��ي غناء «األص� � ��وات» فصغر حجمه‬
‫عربي� � ��ة فصيحة ونصوص من الش� � ��عر احلميني‪.‬‬ ‫يجعل الدرجة الصادرة منه (بعد عملية الش� � ��باح)‬
‫كما أنه الغناء الش� � ��عبي احملب� � ��ب للبحارة ويؤدى‬ ‫ال تطغ� � ��ى على صوت آلة الع� � ��ود‪ ،‬حتى وإن وصل‬
‫بطريقة شعبية بالعزف على آلة العود واملراويس‬ ‫ع� � ��دد املروس� �ي��ن ب� �ي��ن ‪ 4‬و‪ 6‬أف� � ��راد‪ ،‬وإن كان‬
‫والتصفيق املزخرف >‬ ‫أفضل عدد للمروس� �ي��ن في أثن� � ��اء غناء الصوت‬

‫‪145‬‬
‫«تاريخ املوسيقى والغناء في الكويت»‬

‫‪aug 134-145.indd 145‬‬ ‫‪7/20/16 10:38:38 AM‬‬


‫علوم‬

‫البحث العلمي والتطوير‪...‬‬


‫األنواع والمستلزمات والمعوقات‬
‫خبير واستشاري في سياسات العلوم والتكنولوجيا‬
‫واستراتيجيات البحث العلمي ‪ -‬الكويت‬
‫د‪ .‬يوسف يعقوب السلطان‬

‫غدا البحث العلمي من أهم عناصر التقدم الصناعي والرغد الحياتي‬


‫للمجتمعات‪ ،‬الس����يما مجتمعات الدول المتقدمة‪ ،‬التي أولت البحث‬
‫العلم����ي وأوج����ه نش����اطه المختلفة ش����تى أن����واع الدع����م واإلمكانات‬
‫بعد الح����رب العالمية الثانية‪ .‬إن دالة اإلنتاج (‪)Production Function‬‬
‫له����ا عالق����ة م����ع ثالث����ة عوام����ل‪ :‬رأس الم����ال (‪ )Capital‬واألرض (‪)Land‬‬
‫والعمالة (‪.)Labour‬‬

‫‪146‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 146-153.indd 146‬‬ ‫‪7/21/16 9:40:30 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الوطنية واإلعمار ارتباطاً وثيقاً ال ميكن فصله‪،‬‬


‫ه������ذه املعادل������ة ل������م يكت������ب له������ا النج������اح‬
‫إذ إن الدول املتقدمة صناعياً بارعة في ترس������يخ‬
‫والتطبي������ق األمث������ل إال بعد إضاف������ة عامل رابع‬
‫يتعل������ق بالتكنولوجي������ا واملعرف������ة التكنولوجي������ة‬
‫هذا التزاوج واالستفادة منه ألقصى مدى‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما س������بق نرى أن الدول املتقدمة‬ ‫(‪)Technology and Technological Know - How‬‬
‫ال تخطو خط������وة في أي مجال إال بعد دراس������ة‬
‫والت������ي تتعلق وتتطور‪ ،‬من خ���ل��ال البحث العلمي‬
‫مس������تفيضة وب ّينة‪ ،‬وه������ذا ما يجعلها مس������تقرة‬
‫والتطوير (‪.)Research and Development - RD‬‬
‫اجتماعي������اً واقتصادياً وعلمي������اً‪ ،‬أو مبعنى آخر‪،‬‬
‫وحيث إن تركيبة االقتصاد والنظم السياسية‬
‫إن البح������ث العلمي يش������ ّكل ج������زءاً ال يتجزأ من‬
‫تتباين بني ال������دول املتقدمة والدول النامية‪ ،‬فإن‬
‫مؤسسات البحث العلمي والتطوير تكاد تكون في‬
‫منظوم������ة تنميتها الش������املة‪ ،‬وعل������ى نقيض ذلك‬
‫جند أن الدول النامية ترجتل عش������وائياً ودومنا‬
‫معظم الدول املتقدمة مس������تقلة وبعيدة عن وطأة‬
‫البيروقراطية احلكومية ‪ -‬عدا املؤسس������ات التي‬
‫منه������ج محدد احللول للمش������كالت التي تواجهها‬
‫والت������ي تكون بعي������دة جداً عن األس������لوب العلمي‬
‫تبح������ث في مجاالت الدف������اع واألمن ‪ -‬إذ يعتمد‬
‫معظمها على القطاع اخلاص وش������ركات اإلنتاج‪.‬‬
‫املوضوعي‪.‬‬
‫إن توجيه البحث العلمي إلى أغراض التنمية‬ ‫أما ف������ي الدول النامية‪ ،‬ف������إن معظم‪ ،‬إن لم يكن‬
‫في الدول النامية تقابله مشكالت وحتديات تنبع‬ ‫جل‪ ،‬مراكز البحث العلمي ت������كاد تكون مركزية‪،‬‬
‫من أن وعي ومفاهيم التنمية في هذه املجموعة‬ ‫إذ إنه������ا مت ّول وتدار وتش������رف عليها احلكومات‬
‫مازالت حتب������و‪ ،‬أو أن التخطي������ط لها يتم بطرق‬
‫(بشكل كامل)‪ .‬وال مراء أن لكل واحد من هذين‬
‫ووسائل عش������وائية أو ارجتالية أو مقلّدة لنموذج‬
‫النظامني س������لبيات وإيجابي������ات‪ ،‬إذ يعتمد تطور‬
‫من الدول الصناعية املتقدمة‪ ،‬قد ال يكون موائماً‬‫املجتمع واالستفادة من نتائج البحث العلمي على‬
‫له������ذه املجتمعات‪ ،‬وف������ي دول أخ������رى ال يكترث‬ ‫ميزان السلبيات واإليجابيات‪.‬‬
‫ويعتمد جناح وتع ّثر مؤسسات البحث العلمي‬
‫صانعو القرار السياسي بذلك‪.‬‬
‫ل������ذا ينتك������س نش������اط البح������ث العلمي في‬ ‫والتطور على عوامل عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ه������ذه املجتمعات نتيجة له������ذا التخ ّبط أو غياب‬ ‫< الدعم املادي‪.‬‬
‫التخطيط‪ ،‬لتغدو ممارس������ات ونتائج اجلهود‪ ،‬ال‬ ‫< القوى العاملة‪.‬‬
‫< املفه������وم والتقدي������ر السياس������ي والنظ������رة‬
‫متس‪ ،‬أو تنب������ع من‪ ،‬أو تتواكب م������ع‪ ،‬احتياجات‬
‫االجتماعية لدور األبحاث في تطوير املجتمع‪.‬‬
‫املجتمع وأس������س التنمي������ة‪ .‬وقد ال ينظ������ر إليها‬
‫كأبح������اث علمية رصينة أو ذات مردود اجتماعي‬ ‫< تشريع سياسات للبحث العلمي‪.‬‬
‫واقتصادي‪ .‬كما قد يتس������اءل البعض عن أهمية‬ ‫< توافر املعلومات العلمية والتكنولوجية‪.‬‬
‫< إيجاد قنوات لتطبيق نتائج البحث العلمي‬
‫مؤسس������ات البحث العلمي ملجتمعاتها‪ ،‬وقد يعلل‬
‫بعض الباحثني أن مثل ه������ذا التجافي والتباعد‬ ‫في مختلف املؤسسات وقطاع املجتمع‪.‬‬
‫ال ج������دال في أن للبحث العلم������ي وتطبيقاته‬
‫ب���ي��ن البحث العلمي والتنمية ف������ي الدول النامية‬
‫التكنولوجي������ة دوراً ضليع������اً في تط������ور ورفاهية‬
‫س������تنجم عنه أبحاث ليس������ت ذات صلة بالتنمية‬
‫املجتمع������ات‪ .‬وعليه‪ ،‬ميكن اعتبار إجراء البحوث‬
‫الوطني������ة‪ ،‬إذ يس������عى من خالله������ا الباحثون إلى‬
‫العلمية مقياساً لتقدم الدول ومن ّوها االجتماعي‬
‫النش������ر في دوريات علمية عاملية بغرض الترقية‬
‫أو حضور محافل علمية عاملية فقط‪.‬‬‫واالقتصادي والصناع������ي‪ .‬فالدول التي تخطط‬
‫لتطبيق������ات مخرجات البح������ث العلمي‪ ،‬ال عجب‬
‫في أنها تتبوأ الصدارة في مجاالت عدة‪ ،‬بل وقد تعريف البحث العلمي‬
‫هو الدراس������ة العميقة واحلقيقية ملشكلة من‬ ‫تسيطر على مجريات األمور العاملية‪.‬‬
‫يرتب������ط البحث العلم������ي وتطبيقاته بالتنمية املشكالت التي تواجه املجتمع وقطاعاته املختلفة‬

‫‪147‬‬
‫البحث العلمي والتطوير‪ ...‬األنواع واملستلزمات واملعوقات‬

‫‪aug 146-153.indd 147‬‬ ‫‪7/20/16 10:39:53 AM‬‬


‫التي تس������عى إلى ابتكار احللول ملشكالت جتابه‬ ‫ف������ي أى مي������دان من ميادي������ن العل������وم الطبيعية‬
‫قطاعات املجتمع‪ ،‬أو قد تك ّون معضلة في عجلة‬ ‫والتكنولوجية والهندسية والطبية‪ ،‬وفي أي فرع‬
‫التنمية والسبق والتطور‪.‬‬ ‫من فروع املعرفة اإلنسانية‪ ،‬وذلك باتباع أساليب‬
‫وجترى هذه األبحاث عادة في مراكز ومعاهد‬ ‫علمي������ة مقننة‪ ،‬معتمدة على التخطيط واملنهجية‬
‫متخصصة لألبح������اث التطبيقية‪ .‬وفي كثير من‬ ‫العلمية الصائبة‪.‬‬
‫األحيان تكون طريقة إجراء األبحاث التطبيقية‬ ‫وح������ري بالذك������ر أال تقتصر جوانب نش������اط‬
‫معروفة بص������ورة أو بأخرى‪ ،‬فبعد أن يتم حتديد‬ ‫البح������ث والتطوي������ر والدراس������ات العلمي������ة على‬
‫املشكلة من خالل دراس������تها وحتليلها من جميع‬ ‫قطاع������ات علمية بحت������ة‪ ،‬مثل‪ :‬البت������رول والبيئة‬
‫النواحي‪ ،‬يتم اختيار أفضل الطرق واألس������اليب‬ ‫والتلوث واملياه‪ ...‬إلخ‪ ،‬إذ إن مشكالت اجتماعية‬
‫العلمية إلجراء البحث‪ ،‬ويخصص الزمن املناسب‬ ‫أخرى مثل انتش������ار املخدرات‪ ،‬وجنوح األحداث‪،‬‬
‫والق������وى العاملة الكافي������ة واملتخصصة‪ ،‬وترصد‬ ‫والطالق والعنوس������ة‪ ...‬إلخ‪ ،‬هي أمور تهم صانع‬
‫امليزاني������ة املطلوبة ويتم جتهيز املعدات واألجهزة‬ ‫القرار السياسي أيضاً‪.‬‬
‫الضرورية لذلك‪.‬‬
‫يتم إجراء هذا النمط من األبحاث للتوصل‬ ‫أنواع البحث العلمي‬
‫إلى نتائج ميك������ن تطبيقها علمياً أو التوصل إلى‬ ‫إن البحث العلمي‪ ،‬وإن كان يصبو إلى حتقيق‬
‫نتائ������ج تثبت بص������ورة قاطعة ف������ي موضوع معني‬ ‫أهداف عدة تط ّرقنا لها آنفاً‪ ،‬إال أن لهذا النشاط‬
‫سواء بالسلب أو اإليجاب‪ ،‬أو التوصل إلى زيادة‬ ‫أنواعاً عدة تختلف حسب مواقع إجنازها ونوعية‬
‫املعرفة التكنولوجية وإلى دراس������ات جدوى فنية‬ ‫وكمية الصرف عليها والهدف من ممارستها‪.‬‬
‫أو اقتصادي������ة بحيث يكون لها في النهاية مردود‬ ‫ونس������تعرض في ما يلي أنواع البحث العلمي‬
‫اجتماعي واقتصادي على مسيرة التنمية كإنتاج‬ ‫املتعارف عليها عاملياً‪:‬‬
‫مواد أو سلع جديدة‪.‬‬
‫‪ - 1‬أبحاث أساسية وأكادميية‬
‫‪ - 3‬األبحاث التطويرية‬ ‫(‪)Basic & Academic Research‬‬
‫ته������دف ه������ذه األبحاث إل������ى زي������ادة املعرفة (‪)Developmental Research‬‬
‫هي جميع وجوه النشاط البحثي التي تهدف‬ ‫اإلنس������انية والكش������ف عن احلقائ������ق والنظريات‬
‫إلى حتس���ي��ن منتجات وم������واد موج������ودة وزيادة‬ ‫(العل������م من أج������ل العلم) دون االكت������راث بتطبيق‬
‫كفاءته������ا‪ ،‬أو تطوي������ر وتعزي������ز آلي������ات اإلنتاج أو‬ ‫النتائج‪ ،‬وتش������مل ش������تى التخصص������ات العلمية‬
‫احلصول على منتجات ومواد جديدة‪ .‬ويُنفّذ هذا‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية‪ .‬ومما س������بق نستنبط‬
‫النم������ط من األبحاث عادة في معامل ومختبرات‬ ‫أن البح������ث األساس������ي ينبع من رغب������ة الباحث‬
‫تابع������ة لش������ركات إنتاجية وصناعي������ة‪ ،‬فكثير من‬ ‫ف������ي اس������تيعاب وتف ّهم ظاهرة علمي������ة معينة‪ ،‬أو‬
‫املؤسس������ات والش������ركات الصناعية الكبرى في‬ ‫استكشاف أسرارها‪ ،‬وفي زيادة املعرفة بها‪ ،‬وما‬
‫الدول املتقدمة متلك املال واخلبرات والباحثني‬ ‫يتبع ذلك من نشر علمي أو إلقاء حملاضرات في‬
‫والفنيني والقوى العاملة الالزمة إلنش������اء مراكز‬ ‫مؤمترات علمية‪ ،‬حيث يؤدي ذلك إلى مس������اندة‬
‫بحثية تابعة لها‪ ،‬وتكون مهمة هذه املراكز إجراء‬ ‫الباحث عند التقدم لترقية علمية‪.‬‬
‫األبحاث التطبيقية ذات العالقة بأهداف ورؤى‬
‫هذه املؤسس������ة الصناعية‪ .‬إن ُج َّل هذه األبحاث‬ ‫‪ - 2‬أبحاث تطبيقية (‪)Applied Research‬‬
‫مخصص لتطوير وحتسني املنتجات التي تنتجها‬ ‫هي مجاالت األبحاث التي تتوق إلى اكتشاف‬
‫مصانع هذه املؤسس������ة بغية حتقيق الس������بق في‬ ‫حق������ول وآف������اق علمية جدي������دة تقت������رن بهدف‬
‫األسواق‪ ،‬ومن ثم جباية أرباح أكثر‪ ،‬كما تقوم هذه‬ ‫تطبيقي مباشر‪ ،‬أو هي جوانب النشاط البحثي‬

‫‪148‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 146-153.indd 148‬‬ ‫‪7/20/16 10:39:56 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫العلم يتعملق!‬

‫ونس������تعرض ف������ي ما يل������ي س������رداً ألهم تلك‬ ‫املراكز بإج������راء األبحاث للحصول على منتجات‬
‫املستلزمات‪:‬‬ ‫جديدة تصنع بعد ذلك وتطرح لالستهالك‪.‬‬
‫‪ - 1‬استقطاب القوى البشرية وتنميتها‪ :‬تعتبر‬
‫مصادر إعداد وتأهيل وتدريب الثروة البش� � ��رية‪،‬‬ ‫‪ - 4‬االستشارات والدراسات‬
‫ه� � ��ي الفيصل ب� �ي��ن التق� � ��دم والتأخر ف� � ��ي عاملنا‬ ‫(‪)Consultation & Studies‬‬
‫املعاص� � ��ر‪ .‬فال ميكن أن يتحق� � ��ق تقدم من دونها‪،‬‬ ‫يعتمد هذا النوع من اجلهد على اختيار أفضل‬
‫ولذل� � ��ك‪ ،‬فإن االس� � ��تثمار األكبر يج� � ��ب أن يوجه‬ ‫احللول أو املقترحات العلمية من بني ما هو متاح‬
‫إلى كينونة رأس املال البش� � ��ري إلعداد قوة العمل‬ ‫على الساحة العلمية ليتناسب مع طبيعة املجتمع‬
‫املد ّربة واملتخصصة والباحثة واملخترعة املبدعة‪.‬‬ ‫أو قطاع������ات اخلدمات واإلنت������اج‪ .‬وفي كثير من‬
‫إن مشكلة مصادر الثروة البشرية (اجلامعات‬ ‫األحيان يعتمد هذا النش������اط على أدوات مكتبية‬
‫واملعاهد التطبيقية) في الدول النامية‪ ،‬التي يعتبر‬ ‫ومراج������ع إذا كان ذا طبيعة اجتماعية أو أدبية أو‬
‫خريجوه������ا باحثني علميني‪ ،‬أو ق������ادة في الرأي‬ ‫تربوية‪ ،‬مقارنة مع ما س������لف ذك������ره من أبحاث‪،‬‬
‫والفكر واإلنتاج والتوجيه في املجتمع‪ ،‬تتركز في‬ ‫حيث يكون للمختبر دور مهم في ذلك‪.‬‬
‫إبط������اء وتأخر بعض الدول النامية في مباش������رة‬
‫التعليم العالي واجلامعي‪ ،‬وقد تكون املباشرة في‬ ‫متطلبات ومستلزمات البحث العلمي‬
‫طور اإلعداد في البعض اآلخر‪ ،‬باإلضافة إلى أن‬ ‫تكاد تك������ون متطلبات ومس������تلزمات البحث‬
‫أول ما يلفت النظر في التعليم العالي واجلامعي‬ ‫العلمي البشرية أو املادية أو املؤسساتية عامة لكل‬
‫ف������ي هذه الدول‪ ،‬واألم������ر ينطبق على اجلامعات‬ ‫الدول‪ ،‬وإن تباينت أولويات البحث العلمي لديها‪،‬‬
‫العربية‪ ،‬أن سياس������ته تقوم على سياسة التعليم‬ ‫حيث تش������كل تلك املس������تلزمات اللبنة األساسية‬
‫العام نفس������ه‪ ،‬م������ن حيث أنظمة قبول������ه‪ ،‬وانتقال‬ ‫والركن املتني للنهوض بالبحث العلمي‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫البحث العلمي والتطوير‪ ...‬األنواع واملستلزمات واملعوقات‬

‫‪aug 146-153.indd 149‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:01 AM‬‬


‫املختبرات وعلب (بتري) تسعى إلى احلقائق‬

‫تنمية وإثراء البح������ث العلمي‪ .‬كما يجب أن تتيح‬ ‫املتعلم من مرحلة إلى أخرى على أساس «املقدرة»‬
‫ط������رق التدريس فيها وأنظم������ة تقوميها الفرص‬ ‫وحدها‪ ،‬واملقدرة هنا ه������ي املقدرة على احلفظ‬
‫الكتشاف العناصر القادرة على مواكبة متطلبات‬ ‫وليس االبتكار‪ .‬وتزداد املش������كلة حدة بسبب قلة‬
‫وحتديات مهاراتها البحثية وقدرتها على التفكير‬ ‫األعداد امللتحقة بهذا النوع من التعليم‪ ،‬ما يؤدي‬
‫واالبتكار‪.‬‬ ‫إلى تس������جيل طلبة في غير مواق������ع رغباتهم‪ ،‬أو‬
‫وعلى صانعي القرار السياسي في املجتمعات‬ ‫إمداد س������وق العمالة بكم فائض من تخصصات‬
‫العربية دراسة وحتديد أسباب عزوف النشء عن‬ ‫جامعي������ة‪ .‬أضف إلى ذل������ك أن بعض اخل ّريجني‬
‫التخصصات العلمية وإيجاد احللول لذلك‪.‬‬ ‫ال يفضل������ون العم������ل في مجال البح������ث العلمي‪،‬‬
‫‪ - 2‬توفي������ر املن������اخ العلم������ي املالئ������م للعطاء‬ ‫والس������يما في التخصصات العلمية والهندسية‪،‬‬
‫واإلبداع‪.‬‬ ‫على الرغم م������ن أهل ّيتهم لذلك‪ .‬ويعزى ذلك إلى‬
‫‪ - 3‬تنظيم وإدارة البحث العلمي‪.‬‬ ‫عدم توافر احلوافز املادية‪ ،‬مقارنة بزمالئهم في‬
‫‪ - 4‬متوي������ل البح������ث العلم������ي‪ ،‬ويعتب������ر هذا‬ ‫الدول املتقدمة‪ .‬ويتطلب ذلك من هذه اجلامعات‬
‫العنصر من أهم‪ ،‬إن ل������م يكن األهم‪ ،‬في أعمدة‬ ‫أن ترسم سياسة جديدة لقبول الطالب‪ ،‬والسيما‬
‫مؤسسات األبحاث‪.‬‬ ‫في التخصصات الهندسية والعلمية‪ ،‬تهدف إلى‬
‫‪ - 5‬توفير خدمات املعلومات العلمية والتقنية‪.‬‬ ‫اختيار أفضل العناصر التي ميكن أن تس������هم في‬

‫‪150‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 146-153.indd 150‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:07 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ملتطلبات التنمية الشاملة‪.‬‬


‫‪ - 2‬انعدام أو ضعف التفاعل بني اجلامعات‬
‫واملعاهد التطبيقية ومؤسسات األبحاث‪.‬‬
‫‪ - 3‬غي������اب التع������اون ب���ي��ن قط������اع اإلنت������اج‬
‫واخلدمات ومؤسسات األبحاث‪.‬‬
‫‪ - 4‬غياب التنس������يق أو التنظيم الداخلي بني‬
‫مؤسس������ات األبحاث خالل السعي لتجنب بعض‬
‫الثغ������رات‪ ،‬مثل‪ :‬عدم وج������ود حوافز لدى العلماء‬
‫الباحثني املهتمني بالبحث العلمي‪ ،‬أو عدم وجود‬
‫آليات لتخصي������ص املوارد املالي������ة لإلنفاق على‬
‫البحث العلم������ي‪ ،‬أو تخصيص املوارد البش������رية‬
‫واملالية بصورة عشوائية غير متقنة‪.‬‬
‫وق������د ينعك������س ذلك س������لباً على مؤسس������ات‬
‫التموي������ل‪ ،‬ويتم ّثل بالدعم الس������خي لبرامج غير‬
‫ذات أولوية للتنمية الشاملة‪.‬‬
‫‪ - 5‬الوضع السياسي املالئم الذي يتوقف على‬
‫تهيئة مناخ سياسي مش������جع للعلم والتكنولوجيا‬
‫والبحث العلمي يرتكز على عناصر عدة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫حس������ن القيادة واملس������توى التعليم������ي لألعضاء‬
‫املنتخبني في البرملان‪ ،‬وماهية احلكومة واملميزات‬
‫االجتماعية والثقافية واحمليط السياسي القائم‬
‫عل������ى ظروف محددة‪ ،‬رض������ا املجتمعات وقبولها‬
‫بأهمية األبحاث العلمية في التنمية املستدامة‪.‬‬
‫‪ - 6‬عدم إملام أو مش������اركة القائمني بالبحث‬
‫العلمي بخطط التنمية الوطنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬تشجيع النشر العلمي‪.‬‬
‫‪ - 7‬اعتماد املعايير السياس������ية واالجتماعية‬ ‫‪ - 7‬تطبيق نتائج األبحاث العلمية في قطاعات‬
‫لتعيني القائمني على مؤسسات األبحاث من دون‬ ‫اإلنتاج واخلدم������ات املختلفة‪ ،‬ويتم ذلك بتأصيل‬
‫االهتمام الفعلي باجلوان������ب األكادميية واخلبرة‬ ‫الروابط مع قطاعات اإلنتاج واخلدمات‪.‬‬
‫والتخصص‪ ،‬ما يحد من تطور هذه املؤسس������ات‪،‬‬
‫إذ إن تعيني املناصب األخرى داخل املؤسسة قد‬ ‫معوقات البحث العلمي‬
‫يتم باألسلوب ذاته‪.‬‬ ‫يواجه البح������ث العلمي والتطور التكنولوجي‪،‬‬
‫‪ - 8‬عدم وجود سياسة معلنة للبحث العلمي‪،‬‬ ‫كأي نش������اط علمي يتطلب رصد املوارد وحش������د‬
‫وترك هوية البحث العلمي ووجوه نش������اطه وفق‬ ‫الطاقات‪ ،‬عديداً من املش������كالت والعقبات التي‬
‫رؤية وأهواء القائمني على هذه املؤسس������ات‪ ،‬أو‬ ‫قد حتد م������ن انطالقه وحتقيق م������ا يتوخى منه‬
‫االس������تعانة مبؤسس������ات وأفراد أجانب ليس لهم‬ ‫على الوجه األكمل‪ .‬وقد تتباين هذه املعوقات بني‬
‫دراية أو إملام بطبيعة املجتمع واحتياجاته‪.‬‬ ‫الدول املتقدم������ة والنامية‪ ،‬أو حتى بني مجموعة‬
‫‪ - 9‬ع������دم اختيار فريق البح������ث أو الباحث‬ ‫من الدول‪.‬‬
‫ملوضوعات مرتبط������ة باملجتمع ذاته‪ ،‬وذلك لكون‬ ‫ونسرد في ما يلي بعضاً من هذه املعوقات‪:‬‬
‫البحث طويل املدة أو الحتياجه إلى موارد مالية‬ ‫‪ - 1‬ع������دم مواكبة برامج األبحاث وتطويرها‬

‫‪151‬‬
‫البحث العلمي والتطوير‪ ...‬األنواع واملستلزمات واملعوقات‬

‫‪aug 146-153.indd 151‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:11 AM‬‬


‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن اجلامعات تشهد التس ّرب‬ ‫مناس������بة أو احلاجة إلى أجه������زة ومعدات قد ال‬
‫م� � ��ن التخصصات العلمي� � ��ة والتكنولوجية‪ ،‬ما ينتج‬ ‫تك������ون متوافرة‪ .‬وف������ي بعض األحي������ان قد يلجأ‬
‫عنه مسلمات سلبية تقع على الفرد واملجتمع على‬ ‫الباح������ث إلى تكرار بحث س������ابق له م������ع تغيير‬
‫حد س� � ��واء‪ ،‬إذ س� � ��يواجه نقصاً ح� � ��اداً في الكوادر‬ ‫طفيف في األرقام واألهداف واألس������اليب‪ .‬وقد‬
‫املتخصص� � ��ة في هذه املجاالت‪ ،‬قد ينعكس س� � ��لباً‬ ‫ي������ؤول ذلك أحيان������اً إلى ضعف آلي������ة ربط هذه‬
‫على برامج التنمية الوطنية والتنمية املستدامة‪.‬‬ ‫املؤسسات بقطاعات املجتمع‪.‬‬
‫وقد يؤول الس� � ��بب لعزوف الشباب عن ارتياد‬ ‫‪ - 10‬في كثير من املجتمعات‪ ،‬أو باألحرى في‬
‫املجاالت العلمية إلى‪:‬‬ ‫عديد من قطاعاتها‪ ،‬والسيما النامية‪ ،‬ال تستأثر‬
‫< ضعف البني� � ��ة التحتية للتعليم األساس� � ��ي‪،‬‬ ‫مؤسس������ات البحث العلمي بدعم املجتمع‪ ،‬بل قد‬
‫وانع� � ��دام البرامج التش� � ��جيعية للطلب� � ��ة‪ ،‬واإلقبال‬ ‫ينظر ه������ؤالء إلى هذه املؤسس������ات نظرة دونية‪،‬‬
‫عل� � ��ى االنخراط في مج� � ��االت األبح� � ��اث العلمية‬ ‫واضعني ف������ي االعتبار التط������ور العلمي والتقدم‬
‫واالبتكارات‪ ،‬وكذا االفتقار إلى مراكز ومؤسسات‬ ‫التكنولوج������ي اللذين حظيت بهم������ا املجتمعات‪،‬‬
‫تعنى بالبحث العلمي‪ ،‬وتضاؤل املخصص احلكومي‬ ‫املتقدم������ة‪ ،‬ومحاولة مقارنة ذل������ك بإنتاج وعمل‬
‫للبحث العلمي‪.‬‬ ‫املؤسسات الوطنية‪ ،‬ولذا فإن أي محاولة لتطوير‬
‫< انعدام التناف� � ��س على التخصصات العلمية‬ ‫هذه املؤسسات وتشجيعها تستند بصورة رئيسة‬
‫وغياب التحفيز أو تشجيع اإلبداعات العلمية كما‬ ‫إلى نظرة املجتمع اإليجابية ملؤسس������ات األبحاث‬
‫هو مألوف في رصد جوائز تشجيعية للتنافس في‬ ‫وتقديره للعاملني فيه������ا‪ ،‬وإلى األهمية القصوى‬
‫مجاالت أخرى‪.‬‬ ‫جلهودهم في التنمية املستدامة‪.‬‬
‫< تش� � ��هد اجلامع� � ��ات تغيير رغب� � ��ات الطلبة‬ ‫‪ - 11‬تعان������ي عديد من املؤسس������ات العلمية‬
‫في س� � ��نواتهم األول� � ��ى من دخوله� � ��م لكلياتهم التي‬ ‫م������ن غي������اب االس������تقرار التنظيم������ي والتغيرات‬
‫اختاروها‪.‬‬ ‫املتالحق������ة واملتعاقبة في مواقعها وتبعيتها‪ .‬وقد‬
‫وقد يثير ذلك تس������اؤالت ودواف������ع عن هذه‬ ‫يقود غياب االس������تقرار التنظيمي هذا إلى عدم‬
‫األم������ور‪ ،‬أي ملاذا يقرر الش������باب االلتحاق بكلية‬ ‫إتاحة الفرص������ة الكافية لتنفيذ برامج األبحاث‪،‬‬
‫ثم يعدلون عنها بعد أن متر س������نة دراس������ية من‬ ‫وعدم االس������تقرار الوظيفي لدى العاملني فيها‪،‬‬
‫أعماره������م؟ هل هناك أس������باب دعته������م التخاذ‬ ‫أو يُع������زى لقص������ور إدراك القائم���ي��ن على هذه‬
‫تعجلوا في‬ ‫قرار ثم أدرك������وا بعد التجربة أنه������م ّ‬ ‫املؤسس������ات ملفهوم وسياس������ة وفلس������فة البحث‬
‫اتخاذه؟ ملاذا لم يعطوا أنفسهم الفرصة الكافية‬ ‫العلمي‪ ،‬مما يجعلهم يلجأون إلى هيئات أجنبية‬
‫للتعرف على إمكاناتهم الذاتية وعلى الكلية التي‬ ‫إلعداد برام������ج بحثية وطنية‪ ،‬وهذه الهيئات قد‬
‫تناسبهم؟ هل هناك من يجبرهم على اتخاذ قرار‬ ‫ال تك������ون على دراية كافية مبتطلبات التنمية في‬
‫غير مناسب؟ إن قرار التحاق الطالب بتخصص‬ ‫املجتمعات الناميــة‪.‬‬
‫معني يتف������ق مع ميوله وإمكانات������ه وقدراته‪ ،‬البد‬
‫أن يبدأ قبل االلتحاق‪ ،‬وذلك كي يش������حذ وين ّمي‬ ‫عزوف الدارسني عن التخصصات العلمية‬
‫تلك القدرات لديه‪ ،‬وم������ن ثم معرفة الكلية التي‬ ‫تط ّرقنا آنفاً إلى أهمية البحث العلمي للتنمية‪،‬‬
‫تناس������به‪ .‬وهذا األس������لوب معمول به في العالم‬ ‫بيد أن هناك مش� � ��كلة تواج� � ��ه التعليم اجلامعي ‪-‬‬
‫املتق������دم حيث يتم تخصيص دراس������ات وامتحان‬ ‫وهو الرافض األساس� � ��ي للموارد البش� � ��رية ‪ -‬هي‬
‫قدرات لهذا األمر‪.‬‬ ‫ع� � ��زوف الدارس� �ي��ن عن ارتياد مج� � ��االت األبحاث‬
‫< ال� � ��دور الكبير الذي يلعبه التأثير األس� � ��ري‬ ‫العلمية والعل� � ��وم التكنولوجية وازدياد إقبالهم على‬
‫ف� � ��ي اختيار األبناء التخصص� � ��ات التي ال تتفق مع‬ ‫املج� � ��االت األدبي� � ��ة واإلدارية والفن� � ��ون‪ ،‬وإن كانت‬
‫قدراتهم ومهاراتهم وذلك إرضاء لرغبة األس� � ��رة‪،‬‬ ‫لهذه التخصصات مس� � ��اهمة في التنمية‪ ،‬ال ريب‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 146-153.indd 152‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:14 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كل شيء حتت املجهر‬

‫األفضل خلريجي التخصصات األخرى‪ .‬وهكذا تظل‬ ‫وأيضاً قد ينساق الطالب وراء رغبة أقرانه الذين‬
‫املش� � ��كلة قائمة والشباب يعزفون وينأون عن العلوم‪،‬‬ ‫يلتحقون بالكليات العلمي� � ��ة‪ ،‬ونظراً الرتباطه بهم‪،‬‬
‫بل وقد ينزحون إلى اخلارج للبحث عن فرص عمل‪،‬‬ ‫فإنه ق� � ��د يختار الكلية ذاتها‪ ،‬وق� � ��د ال يوفق فيها‪،‬‬
‫وعمن يحترم عقولهم املتميزة‪ ،‬وابتكاراتهم اجلديدة‪.‬‬ ‫كذلك ق� � ��د يتأثر الطال� � ��ب بالنظ� � ��رة االجتماعية‬
‫وق� � ��د يرى البعض أن التخصص� � ��ات غير العلمية ال‬ ‫للكليات كالهندس� � ��ة والعل� � ��وم الطبية‪ ،‬م� � ��ا يجعله‬
‫تتطلب منه املكوث في اجلامعة لساعات طويلة‪ ،‬وأن‬ ‫ينس� � ��اق وراء هذه النظرة‪ ،‬ويختار كلية ال تناس� � ��به‬
‫التخصصات األخرى قد تكون سهلة حلياتهم‪.‬‬ ‫ويكون مصيره الفش� � ��ل والتحوي� � ��ل إلى كلية أخرى‬
‫وح� � ��ري بالذك� � ��ر أن يتيق� � ��ن صانع� � ��و الق� � ��رار‬ ‫غير فنية أو علمية الحقاً‪.‬‬
‫السياسي ومتخذو القرارات في مجتمعاتنا العربية‬ ‫< تدني مستوى خريجي الثانوية العامة‪ ،‬إذ إن‬
‫واإلسالمية إلى أهمية دور املرأة في عملية التنمية‬ ‫طبيعة الدراس� � ��ة األكادميية في الكليات اجلامعية‬
‫الشاملة‪ ،‬وأنها ركن راسخ لتحقيق األهداف التنموية‬ ‫تختلف متاماً عن الدراسة في املدارس التعليمية‪،‬‬
‫املس� � ��تدامة‪ ،‬وأنها ركيزة أساس� � ��ية لهذه األهداف‪،‬‬ ‫حيث إن الطال� � ��ب ينتقل من أس� � ��لوب التلقني إلى‬
‫وعليهم أن يق ّروا بأن للمرأة في جميع التخصصات‬ ‫أس� � ��لوب البحث‪ ،‬وهو مس� � ��ار جديد عليه‪ ،‬ولذلك‬
‫يتفجر منه� � ��ا اإلبداع واالبتكار متى‬ ‫ّ‬ ‫واملجاالت بؤرة‬ ‫عل� � ��ى الطالب أن يتحم� � ��ل في بداي� � ��ة األمر حتى‬
‫أعطيت الفرصة وفتح لها املجال لذلك‪.‬‬ ‫يتأقلم‪ .‬ولكن ف� � ��ي حالة عدم مقدرته على التأقلم‬
‫واملتمح� � ��ص ملس� � ��يرة العل� � ��وم والتكنولوجي� � ��ا‬
‫ّ‬ ‫ووصوله حلالة كراهية التخصص واملجال نفس� � ��ه‪،‬‬
‫والبح� � ��ث العلمي ف� � ��ي مجتمعاتنا‪ ،‬ي� � ��رى أن املرأة‬ ‫فعليه أال يتس � � � ّرع في اتخاذ القرار‪ ،‬وأن يستش� � ��ير‬
‫ساهمت مساهمة فاعلة في حتقيق برامج التنمية‬ ‫املتخصص� �ي��ن وذوي اخلبرة في هذا الش� � ��أن قبل‬
‫املس� � ��تدامة‪ ،‬وفي حتقيق تطلعات وآف� � ��اق التنمية‬ ‫التحويل إلى كلية أخرى‪.‬‬
‫االقتصادية الوطنية >‬ ‫< محدودي� � ��ة ف� � ��رص العمل أو تواف� � ��ر الفرص‬

‫‪153‬‬
‫البحث العلمي والتطوير‪ ...‬األنواع واملستلزمات واملعوقات‬

‫‪aug 146-153.indd 153‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:19 AM‬‬


‫علوم‬

‫الكشف عن آلة تكاد تجري عملية جراحية بال مساعدة‬

‫الجراحة الروبوتية‪:‬‬
‫من يمسك بالمبضع؟‬

‫‪154‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 154-157.indd 154‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:46 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كاتب ومترجم من مصر‬ ‫إعداد‪ :‬طارق راشد‬


‫اآلالت ال تشرب الكحوليات‪ ،‬وال يصيبها التعب‪ ،‬وال تضرب عن العمل‪ .‬فكرة‬
‫إجراء الروبوتات عمليات جراحية للمرضى من دون تدخل بشري فكرة جذابة‬
‫بالنسبة لمديري المستشفيات‪ ،‬أما بالنسبة للمرضى‪ ،‬فالسؤال الحاسم‬
‫هو‪« :‬أهي أفضل من الجراحين البش���ر؟»‪ .‬تنطوي العمليات الجراحية على‬
‫كثير من البلبلة والتعقيد‪ ،‬ويمكن أن تتحول العملية الروتينية إلى مصدر‬
‫تهديد للحياة في دقائق‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫اجلراحة الروبوتية‪ :‬من ميسك باملبضع؟‬

‫‪aug 154-157.indd 155‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:49 AM‬‬


‫أثن� � ��اء العملية‪ ،‬وزودوا هذه ال� � ��ذراع بكاميرات ميكنها‬ ‫نتيجة لهذه االعتب� � ��ارات‪ ،‬جند أن دور الروبوتات‬
‫تكوي� � ��ن صورة ثالثية األبعاد ‪ 3D‬إلرش� � ��ادها في أثناء‬ ‫ف� � ��ي غرف العمليات حت� � ��ى اآلن اقتصر إلى حد كبير‬
‫اس� � ��تخدامها أداة اخلياط� � ��ة‪ ،‬وأيضا بجه� � ��از تصوير‬ ‫عل� � ��ى كونه� � ��ا ال تزيد كثي� � ��راً عل� � ��ى أدوات دقيقة آلية‬
‫ح� � ��راري ملس� � ��اعدتها عل� � ��ى التميي� � ��ز بني األنس� � ��جة‬ ‫يستخدمها اجلراحون‪ ،‬وهذا بعيد كل البعد عن الكبائن‬
‫املتشابهة في الشكل‪ .‬وسيطر الفريق على الذراع من‬ ‫اجلراحي� � ��ة الذكي� � ��ة واملقصورات الطبي� � ��ة التي نراها‬
‫خالل برنامج كمبيوتر طوروه بأنفس� � ��هم يحتوي على‬ ‫ف� � ��ي أعمال اخليال العلمي‪ .‬لكن ورقة بحثية نُش� � ��رت‬
‫مجموع� � ��ة تعليمات تتعلق بالغ� � ��رز والعقد واملناورات‪،‬‬ ‫أخيراً في مجلة «س� � ��اينس ترانسليش� � ��نال ميديس� � ��ن»‬
‫ما س� � ��مح للذراع بتخطيط وتنفيذ عملية تُعرف باسم‬ ‫‪ Science Translational Medicine‬املعني� � ��ة بالط� � ��ب‬
‫«املفاغرة»‪ ،‬تش� � ��تمل على استخدام اخلياطة في حلم‬ ‫االنتقالي م� � ��ن إعداد بيتر كي� � ��م ‪ ،Peter Kim‬اجلراح‬
‫جزءي أنبوب في اجلسم‪.‬‬ ‫باملركز الوطني لطب األطفال في واشنطن العاصمة‪،‬‬
‫قب� � ��ل كل عملية م� � ��ن العملي� � ��ات التجريبية‪ ،‬كان‬ ‫وزمالئه‪ ،‬تطرح فكرة روبوتات جراحة حقيقية جتري‬
‫الفري� � ��ق يعمد إلى تخدي� � ��ر اخلنزي� � ��ر الصغير ويفتح‬ ‫عمليات جراحية بأقل قدر من اإلشراف البشري‪ ،‬في‬
‫بطنه ويكش� � ��ف جزءاً من أمعائ� � ��ه الدقيقة‪ ،‬ثم يقطعه‬ ‫ما يعتبر خطوة أقرب إلى حتقيق ذلك اخليال العلمي‪.‬‬
‫وينير املناطق التي س� � ��تتم خياطتها باستخدام صبغة‬ ‫وعلى الرغم من أن هذه الروبوتات لم يُس� � ��مح لها بعد‬
‫فلورس� � ��نتية للمس� � ��اعدة على إرش� � ��اد الذراع‪ .‬قامت‬ ‫مبمارس� � ��ة عملها على البشر‪ ،‬فإنها متكنت بنجاح من‬
‫«سمارت»‪ ،‬حتت إشراف أحد اجلراحني‪ ،‬بلحم أمعاء‬ ‫خياطة أمعاء اخلنازير الصغيرة‪.‬‬
‫اخلنزير الصغير باخلياطة من جديد‪ .‬وفي العمليات‬ ‫لكي يصنع الدكتور كيم وفريقه الطبيب الروبوتي‬
‫األرب� � ��ع التي تناولته� � ��ا الورقة البحثية‪ ،‬ق� � ��ام الروبوت‬ ‫املسمى اختصاراً «ستار» ‪( Star‬روبوت النسيج الذكي‬
‫بتنفيذ حوالي ‪ 60‬في املائة من اإلجراء اجلراحي دون‬ ‫املستقل) ‪ ،Smart Tissue Autonomos Robot‬زودوا‬
‫تدخل بش� � ��ري‪ ،‬وقام بتنفيذ البقي� � ��ة مبجرد تعديالت‬ ‫ذراعاً روبوتية بأداة خياطة جراحية متطورة ومستشعر‬
‫طفيف� � ��ة في الغرز‪ .‬لكن ف� � ��ي الفترة التي انقضت منذ‬ ‫للش� � ��دة الكتش� � ��اف درجة ش� � ��د اخليط اجلراحي في‬

‫‪156‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 154-157.indd 156‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:52 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫دون أي مساعدة من األطباء‪.‬‬ ‫أن ق ّدم الفريق النتائج التي توصل إليها للنشر‪ ،‬يقول‬
‫غير أن وجود «س� � ��تار» يس� � ��لط الضوء في الواقع‬ ‫الفريق إن «س� � ��تار» أمتت بنجاح العملية بكاملها دون‬
‫على سؤالينْ يُطرحان أكثر فأكثر في مجتمع يزداد فيه‬ ‫مساعدة‪.‬‬
‫االعتماد على الروبوتات يوماً بعد يوم‪ ،‬هما‪« :‬هل سيثق‬ ‫وإ ْذ ق� � ��ارن د‪.‬كي� � ��م وزم� �ل��اؤه عمل «س� � ��تار» بعمل‬
‫الناس بالروبوت� � ��ات ويأمنونها عل� � ��ى أرواحهم؟» و«من‬ ‫اجلراح� �ي��ن ذوي اخلب� � ��رة مم� � ��ن يعملون مبس� � ��اعدة‬
‫يتحمل املسؤولية القانونية إذا ما وقع خطأ ما؟»‪.‬‬ ‫األدوات الروبوتي� � ��ة املوج� � ��ودة ومن دونها‪ ،‬اس� � ��تنتجوا‬
‫س� � ��تتوقف اإلجابة عن السؤال األول على األرجح‬ ‫أن غرز «س� � ��تار» موزعة على مس� � ��افات أكثر انتظاماً‪،‬‬
‫على مستوى اإلش� � ��راف الذي تخضع له هذه اآلالت‪،‬‬ ‫كما أن األمعاء املخيطة أقل تسريباً‪ .‬ولم يعان أي من‬
‫فتحويل طائرات ال� � ��ركاب إلى طائرات من دون طيار‬ ‫اخلنازير أي مضاعفات‪.‬‬
‫ال على سبيل املثال‪ ،‬لكن املسافرين‬ ‫لن يس� � ��تغرق طوي ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صحيح أن «ستار» استغرقت وقتا أطول كثيرا مما‬
‫يطمئن� � ��ون بفعل وجود طاق� � ��م رحل� � ��ة‪ ،‬وبالتالي فمن‬ ‫يستغرقه اجلراح البشري في خياطة اجلرح‪ ،‬حيث بلغ‬
‫املس� � ��تبعد أن يحدث هذا قريباً‪ .‬وس� � ��يصدق الش� � ��يء‬ ‫متوسط زمن العملية ‪ 50‬دقيقة‪ ،‬أما اإلنسان فيستغرق‬
‫نفس� � ��ه على األرجح على الروبوتات اجلراحية‪ ،‬مهما‬ ‫نحو ثماني دقائق‪ ،‬لكن هذه الوتيرة ستزداد سرعة بكل‬
‫كان مس� � ��توى اجل� � ��ودة الذي تص� � ��ل إلي� � ��ه‪ .‬ور ّداً على‬ ‫تأكيد‪ .‬وإذا لم تتمكن «ستار» أبداً من مضاهاة اجل َّراح‬
‫الس� � ��ؤال الثاني‪ ،‬فإن احملامني يحوم� � ��ون بالفعل حول‬ ‫البش� � ��ري في س� � ��رعة العمل‪ ،‬فإن املنتج النهائي الذي‬
‫ه� � ��ذا املوضوع‪ ،‬حي� � ��ث تعرض� � ��ت ش� � ��ركة «إنتويتيف‬ ‫تقدمه على ما يبدو‪ ,‬ويفوق املنتج البش� � ��ري‪ ,‬س� � ��يقلل‬
‫س� � ��يرجيكال»‪ ،‬صانع� � ��ة الروبوتات اجلراحي� � ��ة‪ ،‬التي‬ ‫‪ -‬إذا ما تُرجم إلى ممارس� � ��ة إكلينيكية منتظمة ‪ -‬من‬
‫تتخذ من مدينة صنيفيل ‪ Sunnyvale‬بوالية كاليفورنيا‬ ‫معدالت إعادة إدخال املرضى إلى املستشفى‪.‬‬
‫األمريكية مق ّراً له� � ��ا‪ ،‬لدعاوى قضائية يزعم رافعوها‬ ‫تظل «س� � ��تار» ف� � ��ي الوق� � ��ت الراهن مج� � ��رد أداة‬
‫أن اجلراحني لم يتلقوا تدريباً كافياً الستخدام آالتها‪،‬‬ ‫ال باملعنى احلقيقي‪ ،‬غير أن هذا‬ ‫ال مستق ً‬ ‫وليست فاع ً‬
‫أو أن الروبوتات معيبة (وهي مزاعم تنفيها الشركة)‪.‬‬ ‫ً‬
‫االس� � ��تقالل على األرجح ليس ببعيد ج ّدا‪ ،‬حيث يأمل‬
‫رمبا تتفوق الروبوتات على البشر في غرفة العمليات‪،‬‬ ‫د‪.‬كيم‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أن تتمكن نسخة محسنة منها‬
‫لكن القضاء سيحدد أيضاً مدى سرعة انتشارها >‬ ‫في القريب العاجل من استئصال الزائدة الدودية من‬

‫‪157‬‬
‫اجلراحة الروبوتية‪ :‬من ميسك باملبضع؟‬

‫‪aug 154-157.indd 157‬‬ ‫‪7/20/16 10:40:58 AM‬‬


‫علوم‬

‫خرائط الكلمات الثالث‪...‬‬


‫نظام عالمي جديد لعنونة األماكن‬

‫باحث وكاتب علمي من مصر‬ ‫د‪ .‬وحيد محمد مفضل‬

‫العال���م كل يوم في جدي���د‪ ،‬وبواعث الثورة المعرفي���ة والتكنولوجية‬


‫الحادث���ة ال ت���كاد تخم���د أو تنته���ي‪ ،‬إال ويظه���ر إنج���از علم���ي أو تقن���ي‬
‫جدي���د‪ ،‬يحفز هو اآلخر على توات���ر مزيد من االبت���كارات واألفكار المبدعة‬
‫والمفعم���ة بروح التنافس والرغبة في تحقيق الس���بق والريادة‪ .‬وهذا ما‬
‫ينطب���ق تمام ًا على ابت���كارات إلكتروني���ة وتكنولوجي���ة كثيرة يصعب‬
‫حصره���ا‪ ،‬لك���ن نخ���ص بالذك���ر منه���ا التطبيق���ات الخاصة باس���تخدام‬
‫الخرائط الجغرافي���ة ومحركات البحث الجغرافي المتاحة على ش���بكة‬
‫اإلنترنت‪ ،‬ونظم تحديد المواقع الجغرافية عموم ًا‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 158-162.indd 158‬‬ ‫‪7/20/16 10:41:28 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مس������احة كل مرب������ع ‪ 3‬أمتار × ‪ 3‬أمت������ار‪ ،‬ويعبر‬ ‫بعد أن كان األمر قاصراً على محرك بحث‬
‫ع������ن موقع كل مرب������ع من ه������ذه املربعات برمز‬ ‫جغراف������ي واحد فق������ط (خرائ������ط جوجل) في‬
‫فري������د وثابت من ثالث مف������ردات فقط‪ ،‬وميكن‬ ‫العام ‪ ،2005‬تعج صفحات الويب اآلن بعش������رات‬
‫احلصول عليه������ا من خالل خرائ������ط جغرافية‬ ‫احملركات املنافسة‪ ،‬التي ميكن بكبسة زر واحدة‬
‫معدة خصيصاً لهذا التطبيق‪.‬‬ ‫أن تفتح أمامك آفاقاً معلوماتية جديدة وخدمات‬
‫وعمل على تطوير هذه الفكرة وحتويلها إلى‬ ‫عديدة وفريدة لم يكن يحلم أحدنا مبعاصرتها‬
‫تطبيق قابل لالس������تخدام مجموع������ة من الهواة‬ ‫ال إلى خدمة حتديد حالة‬ ‫يوماً م������ا‪ .‬ولتنظر مث ً‬
‫في إجنلت������را منذ الع������ام ‪ ،2013‬حيث مت أخيراً‬ ‫الطرق واالزدحام املروري املتاحة على خرائط‬
‫إطالق إص������دار خاص بالهوات������ف الذكية لهذا‬ ‫«ياه������و» أو «بنج» أو «جوج������ل»‪ ،‬لتعرف كم من‬
‫التطبي������ق‪ ،‬فضال عن موق������ع خرائط إلكتروني‬ ‫الوق������ت واجلهد ميكن توفيره‪ ،‬وك������م املعلومات‬
‫(‪ ،)https://map.what3words.com‬يش������ابه‬ ‫التي ميك������ن احلصول عليها واالس������تفادة منها‬
‫بش������كل ما تطبيق «خرائ������ط جوجل» وغيره من‬ ‫بوساطة هذه اخلرائط‪.‬‬
‫محركات البح������ث اجلغرافية التي نعرفها‪ ،‬وإن‬ ‫واس������تكماالً لهذا التوجه‪ ،‬ميك������ن القول إن‬
‫ترك������زت مهمة احمل������رك اجلديد ف������ي حتديد‬ ‫العال������م أضحى عل������ى موعد مع فك������رة جديدة‬
‫الكلمات الثالث أو املفردات اخلاصة بأي موقع‬ ‫ومبتكرة لتحديد املواضــــع واجلهات وترميز أو‬
‫أو مربع تري������ده على وجه البس������يطة‪ ،‬والبحث‬ ‫عنونة جمــــيع املواقع واألمــــاكن على مس������توى‬
‫كذل������ك ع������ن أي موقع من خ���ل��ال إدخال ثالث‬ ‫العال������م‪ ،‬مبا في ذلك املناط������ق النائـــــية والقرى‬
‫كلمات سهلة احلفظ والكتابة‪.‬‬ ‫املجهول������ة‪ ،‬ب������ل وحت������ى الصح������ارى واألراضي‬
‫كما يجري العمل حالياً على إطالق نس������خة‬ ‫الفض������اء! وتتمثل ه������ذه الفكرة في اس������تخدام‬
‫باللغات العربي������ة واإليطالية واليونانية من هذا‬ ‫خرائ������ط جدي������دة وترميز أو توليف������ة من ثالث‬
‫ال عن إصداراته احلالية املوجودة‬ ‫التطبيق‪ ،‬فض ً‬ ‫كلمات فقط ال غي������ر‪ ،‬للتعبير عن عني العنوان‬
‫بتس������ع لغات‪ ،‬حيث ميكن ألي شخص استخدام‬ ‫أو املكان املقصود‪ ،‬وهذا عوضاً عن اس������تخدام‬
‫التطبيق بأي لغة يفضلها‪ ،‬ومن املعلوم أن جميع‬ ‫اإلحداثي������ات اجلغرافي������ة أو تقاطعات خطوط‬
‫اإلصدارات تؤدي إلى النتائج نفس������ها من دون‬ ‫الطول والعرض‪ ،‬وعوضاً أيضاً عن اس������تخدام‬
‫وجود أي فارق‪ .‬وفيما يخص اإلصدار العربي‪،‬‬ ‫أنظم������ة العناوي������ن املعــــروف������ة املتــــمثــــلة فـــي‬
‫فينتظ������ر أن يت������م إط���ل��اق نس������خته التجريبية‬ ‫الرموز البريدية أو أرقام صـــــناديــــق البريد أو‬
‫خ���ل��ال فترة قريبة‪ ،‬حيث يش������ير جاميي براون‬ ‫أسماء الشوارع‪ ،‬التي يصعب الوصول إليها في‬
‫مدير برنامج اللغات بالش������ــركة املطـــــورة لهذا‬ ‫أحيان كثيرة‪.‬‬
‫التطبيق‪ ،‬إلى أن هذه النس������خة لن تكون ترجمة‬ ‫ولقد ب������دأت ه������ذه الفكرة ‪ -‬الت������ي يعرف‬
‫للنسخة اإلجنليزية‪ ،‬بل عبارة عن إصدار خاص‬ ‫تطبيقها باس������ــــم خرائط الكلـــــمات الثالث أو‬
‫ومستقل ذاتياً بجميع مفرداته العربية‪ ،‬كما هي‬ ‫‪ -What3Words‬في االنتش������ار بشكل واسع في‬
‫حال بقية اللغ������ات‪ ،‬ما ميثل في حد ذاته عامل‬ ‫اآلونة األخيرة‪ ،‬بس������بب ما حتظى به من مزايا‪،‬‬
‫ج������ذب لعموم الناس واملس������تخدمني في العالم‬ ‫أهمها سهولة االستخدام والتطبيق‪.‬‬
‫العربي‪.‬‬
‫وكان الدافع األكبر وراء ابتكار هذا النظام‪،‬‬ ‫فكرة عمل النظام اجلديد‬
‫هو صعوبة استخدام وتطبيق نظام اإلحداثيات‬ ‫تتمث������ل فكرة عم������ل نظام العنون������ة اجلديد‬
‫اجلغرافية املكون من أرقام وحروف وإش������ارات‬ ‫‪-‬املعروف باس������م ‪ - What3Words‬في تقسيم‬
‫في حتديد املواقع وعناوين األماكن واملنش������آت‬ ‫س������طح الكرة األرضي������ة إلى ش������بكة افتراضية‬
‫املختلفة بالنس������بة لعموم الناس‪ ،‬نظراً لصعوبة‬ ‫متكامل������ة م������ن ‪ 57‬تريليون مربع صغي������ر‪ ،‬تبلغ‬

‫‪159‬‬
‫خرائط الكلمات الثالث‪ ...‬نظام عاملي جديد لعنونة األماكن‬

‫‪aug 158-162.indd 159‬‬ ‫‪7/20/16 10:41:31 AM‬‬


‫طويل������ة أو صعب������ة النط������ق أو منافي������ة لل������ذوق‬ ‫تذكر الس������تة عش������ر رقماً التي متثل إحداثيات‬
‫واآلداب‪.‬‬ ‫املوق������ع الواح������د‪ ،‬التي تكتب عادة على ش������اكلة‬
‫كما جتنب هذه اخلوارزميات إعطاء كلمات‬ ‫‪ ،51 31 39.12 E, 25 17 18 .05 N‬باإلضاف������ة‬
‫متش������ابهة ألكثر من مكان‪ ،‬وتعم������ل في الوقت‬ ‫إلى س������هولة اخلطأ عن������د كتابة ه������ذه األرقام‬
‫نفسه على تخصيص الكلمات األبسط واألكثر‬ ‫أو عند إرس������الها لش������خص ما عبر اإلمييل أو‬
‫ش������يوعاً للمناط������ق األكث������ر س������كا ًنا‪ ،‬والكلمات‬ ‫أي تطبي������ق آخ������ر‪ ،‬وهو ما ميك������ن أن يؤدي إلى‬
‫األطول للمناطق غـــي������ر املأهولـــــة‪ ،‬كونـــــها أقل‬ ‫الذه������اب إل������ى موقع مغاير أو بعي������د متاماً عن‬
‫اس������تخداماً‪ .‬كما جرى تزوي������د خرائط النظام‬ ‫املوقع املقصود‪ ،‬على ما في ذلك من فقد للوقت‬
‫اجلدي������د بقائمة من الكلم������ات واملفردات تصل‬ ‫واجله������د وامل������ال أيضاً‪ .‬ومن هن������ا بزغت فكرة‬
‫ف������ي مجموعه������ا من ‪ 25‬إلى ‪ 40‬أل������ف كلمة‪ ،‬مت‬ ‫ابتكار نظام جديد مبس������ط ميكن اس������تخدامه‬
‫اختيارها بعناية ودقة بحيث تكون سهلة النطق‬ ‫بس������هولة من قبل اجلميع‪ ،‬وميكن أيضاً تعميمه‬
‫وبس������يطة قدر اإلم������كان‪ ،‬وأال تتضمن أي كلمة‬ ‫وتبادل بيانات جميع املواقع والبقاع بوس������اطته‬
‫غير الئقة‪.‬‬ ‫من دون خطأ أو تعثر‪ ،‬وهو ما حتقق بالفعل من‬
‫وم������ن الناحي������ة التقني������ة‪ ،‬ف������إن تطبي������ق‬ ‫خالل إطالق تطبيق خرائط الكلمات الثالث أو‬
‫‪ What3Words‬اإللكترون������ي اخل������اص بالهواتف‬ ‫‪.What3Words‬‬
‫الذكية يتميز بصغر حجمه‪ ،‬حيث ال يزيد حجم‬ ‫ويعتبر نظام العنونة اجلديد أدق كثيراً وأسهل‬
‫البرنام������ج اخلاص به على ‪ 5‬ميجابايت‪ ،‬ما يعني‬ ‫ف������ي االس������تخدام والتطبيق من بقي������ة األنظمة‬
‫إمكان تثبيته بكل س������هولة عل������ى جميع الهواتف‬ ‫التقليدية األخرى‪ ،‬املس������تخدمة في االستدالل‬
‫الذكية وجميع املنصات‪ .‬كما ميكن لهذا التطبيق‬ ‫على العناوين وأماكن املنشآت وخالفه املتمثلة‬
‫العمل من دون اتص������ال باإلنترنت‪ ،‬وهو ما يفيد‬ ‫في أسماء الش������وارع والرموز البريدية‪ ،‬كما أنه‬
‫في حالة ضعف البث أو انقطاع االتصال بشبكة‬ ‫أكثر س������هولة من ناحية التبادل واملش������اركة مع‬
‫اإلنترنت‪ .‬كما توج������د بالتطبيق خاصية حتويل‬ ‫اآلخريــــن إذا قورن بنظام األرقام أو اإلحداثيات‬
‫اإلحداثيات إلى ثالث كلمات والعكس‪ ،‬وخاصية‬ ‫اجلــــغرافية‪ ،‬ألن الكلمات عموماً أس������هل كثيراً‬
‫املشاركة التي ميكن من خالل النقر عليها إرسال‬ ‫ف������ي احلفظ والتذكر من األرق������ام‪ .‬بيد أن هذا‬
‫الكلم������ات الثالث الدالة عل������ى موقعك إلى أحد‬ ‫ال يعني إلغاء النظام اجلديد لألنظمة القدمية‬
‫األصدقاء سواء بوس������اطة الرسائل القصيرة أو‬ ‫املعمـــــ������ول به������ا في كل دولة‪ ،‬كم������ا أنه ال يعتبر‬
‫البري������د اإللكتروني ومواقع التواصل االجتماعي‬ ‫ال لنظـــــام حتديد املواقع العاملي باستخدام‬ ‫بدي ً‬
‫أو غيره������ا من التطبيقات املش������ابهة املثبتة على‬ ‫اإلحداثـــــي������ات اجلغرافية (‪ ،)GPS‬كون األخير‬
‫جهازك‪ .‬لكن امليزة األهم فوق كل هذا تتمثل في‬ ‫نظاماً عاملياً لتحديد املواقع اجلغرافية (وليس‬
‫إتاح������ة هذا النظام لألفراد باملجان‪ ،‬من دون أي‬ ‫عناوين األماكن)‪ ،‬وله تطبيقات مستقلة عديدة‬
‫تكلفة أو عبء مادي‪.‬‬ ‫ومجاالت استخدام محددة‪.‬‬
‫أما ع������ن أبرز مح������ددات أو عــي������وب هــذا‬
‫النظ������ام‪ ،‬فتتلخ������ص فــ������ي افــتــــق������اد عـــناوين‬ ‫املزايا واحملددات‬
‫األماكــــ������ن واملواقع في اإلص������دار احلالي للبعد‬ ‫ال عن سهولة االس������تــخدام والتطـــبيق‪،‬‬ ‫فض ً‬
‫الثال������ث‪ ،‬نظراً لتضمني جمــــي������ع املواقــــع فـــيــه‬ ‫فإن تطبي������ق خرائ������ط ‪ What3Words‬اجلديــــد‬
‫ال لنظام‬ ‫بش������كل ثنائي األبعاد‪ ،‬وهذا خالفاً مث ً‬ ‫يتمي������ز بأكثر م������ن ميزة وخاصي������ة أخرى‪ ،‬مثل‬
‫اإلحداثيات اجلغرافي������ة‪ ،‬الذي ميكن أن يعطي‬ ‫اعتم������اده ف������ي إص������دار الكلمات الث���ل��اث على‬
‫فكرة ع������ن قيم االرتفاع������ات‪ ،‬وخالفــــ������اً أيضاً‬ ‫خوارزمي������ات رياضي������ة‪ ،‬وليس عل������ى االختيار‬
‫لنظ������ام العناوي������ن البريدية ال������ذي يز ّودنا برقم‬ ‫العش������وائي للمفردات‪ ،‬ما يجنب إصدار كلمات‬

‫‪160‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 158-162.indd 160‬‬ ‫‪7/20/16 10:41:38 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كبيرة وأوجه عديدة لالستفادة من هذا النظام‬ ‫الطاب������ق ال������ذي توجد في������ه الش������قة أو املكتب‬
‫في أكثر من مجال عمل وتطبيق آخر‪ ،‬الس������يما‬ ‫ال‪ .‬بيد أن غيلز رايس مدير إدارة التس������ويق‬ ‫مث ً‬
‫في ظل رداءة نظام العنونة احلالي في أكثر من‬ ‫اخلاصة بخرائ������ط الكلمات الث���ل��اث وتطــبيق‬
‫‪ 135‬دول������ة عبر العالم‪ ،‬وافتق������ار مناطق كثيرة‪،‬‬ ‫‪ What3Words‬ي������رى أنه ميكن التغلب على هذا‬
‫خاصة العش������وائيات والقرى الصغيرة واملناطق‬ ‫النقص بكتابة اس������م الطاب������ق أو الدور بجانب‬
‫النائي������ة‪ ،‬إلى نظام عنونة ثاب������ت‪ .‬لذا ميكن أن‬ ‫الكلمات الث���ل��اث اخلاصة بكل املوقع‪ ،‬موضحاً‬
‫يؤدي استخدام هذا النظام إلى اختصار الوقت‬ ‫أنهم بصدد تطوير التطبيق ومحاولة إيجاد حل‬
‫واجلهد‪ ،‬وذلك عن طريق تيسير عملية الوصول‬ ‫لهذه املشكلة‪.‬‬
‫للم������دارس أو التجمعات الس������كنية أو آبار املياه‬ ‫لك������ن وبغض النظ������ر عن ه������ذا العيب‪ ،‬فإن‬
‫أو املقاص������د األخرى التي توج������د في مثل هذه‬ ‫جناع������ة الفك������رة وس������هولة تطبيق واس������تخدام‬
‫املناطق‪.‬‬ ‫خرائط الكلمات الث���ل��اث ميكن أن حتدثا نقلة‬
‫كم������ا ميك������ن أن يس������هل النـــظام لش������ركات‬ ‫حقيقية في حتديد املواقع والعناوين‪ ،‬ذلك أنها‬
‫الش������حن وغيرها من ش������ركات اخلدمات مهمة‬ ‫تقدم مفهوماً جدي������داً ملعنى الترميز اجلغرافي‬
‫تس������ليم الطلبات ألي عنوان ف������ي أقصر وقت‪،‬‬ ‫وعناوين األماكن‪.‬‬
‫حيث تقدر ش������ركة الش������حن العمالقة (‪)UPS‬‬
‫على سبيل املثال‪ ،‬بأن توفــــــير كل سائق توصيل‬ ‫أهمية التطبيق وآفاق االستخدام‬
‫لديها مليل واحد‪ ،‬يــــمكن أن يوفر على الش������ركة‬ ‫ال تقتص������ر أهمية نظام العنون������ة بالكلمات‬
‫‪ 50‬مليون دوالر س������نوياً‪ .‬واألمر نفــس������ه ينطبق‬ ‫الثالث على مجرد تس������هيل عملية التعرف على‬
‫عل������ى عمل منظمات اإلغاث������ة وعون الالجئني‪،‬‬ ‫العنوان أو مشاركته مع اآلخرين‪ ،‬بل هناك مزايا‬

‫‪161‬‬
‫خرائط الكلمات الثالث‪ ...‬نظام عاملي جديد لعنونة األماكن‬

‫‪aug 158-162.indd 161‬‬ ‫‪7/20/16 10:41:41 AM‬‬


‫العق������ارات الوطني������ة‪ ،‬وأبرزها بالطب������ع املوقع‬ ‫حيث يصعب عادة الوصـــــول إلى معــس������كرات‬
‫واملساحة واملواصفات الداخلية‪ .‬وعلى اخلطى‬ ‫الالجئ���ي��ن وإيص������ال اإلعان������ات ملس������تحقيها‪،‬‬
‫نفس������ها‪ ،‬فإن تطبيق ‪ UN-Asign‬اخلاص بهيئة‬ ‫بس������بب جتمعــــهم ووجودهـــم في مناطــــق نائية‬
‫اإلغاث������ة التابعة ل���ل��أمم املتح������دة‪ ،‬أدرج نظام‬ ‫وبعيدة‪.‬‬
‫خرائط الكلمات الثالث في عملية التعرف على‬ ‫ونظرا لتنامي أهمية تطبيق نظام اخلرائط‬ ‫ً‬
‫األبني������ة املتضررة واملناطق املعرضة للكوارث أو‬ ‫اجلديد‪ ،‬فق������د أقدم عدد كبير من الش������ركات‬
‫األزم������ات‪ ،‬وهذا من أج������ل تعزيز قدرة اجلهات‬ ‫التجارية‪ ،‬ب������ل والهيئات املعنية باإلغاثة وتقدمي‬
‫األممية املعنية على االستجابة لعمليات اإلغاثة‬ ‫اخلدم������ات واملعلوم������ات املدني������ة وغيرها‪ ،‬على‬
‫وتقدمي العون‪.‬‬ ‫استخدامه بشكل رسمي وعملي‪ .‬ومن أبرز تلك‬
‫واآلن‪ ،‬وبع������د كل ه������ذا الع������رض‪ ...‬لتحكم‬ ‫الهيئات على س������بيل املثال‪ ،‬املتحف البريطاني‬
‫بنفس������ك على جــــدوى النظــــام اجلديد‪ ،‬وهذا‬ ‫‪ The British Museum‬ال������ذي أق������دم عل������ى‬
‫من خ���ل��ال الولــــوج إلى تطبي������ق ‪What3Words‬‬ ‫اس������تخدام تطبيق خرائط الكلمات الثالث من‬
‫عل������ى هاتفك الذك������ي أو اخلرائط اخلاصـــة به‬ ‫أجل تسجيل مواقع وبيانات القطع األثرية التي‬
‫عل������ى الويب‪ ،‬وال تنس احلص������ول على الكلمات‬ ‫ج������رى العثور عليها‪ ،‬وعدده������ا يصل إلى مليون‬
‫الث���ل��اث الدالة على عنوان س������كنك أو عملك‪،‬‬ ‫قطعة‪.‬‬
‫التي ميكن أن تظل قرينة بك طول العمر‪ ،‬وهذا‬ ‫كما اعتم������دت هيئة اخلرائ������ط النرويجية‬
‫بالطب������ع إذا لم ترحل عن������ه أو تنتقل إلى عمل‬ ‫املعروفة باسم ‪ Kartverket‬أيضاً نظام العنونة‬
‫آخر! >‬ ‫اجلدي������د ف������ي عملية تس������جيل كل م������ا يخص‬

‫‪162‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 158-162.indd 162‬‬ ‫‪7/20/16 10:41:45 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫طفولة قارئة لمجتمع قارئ‬


‫كاتب من املغرب‬ ‫محمد شعطيط‬

‫يس���ر اهلل ل���ي وأن���ا أع���د ه���ذا المق���ال حض���ور دورة تكويني���ة إلحدى‬
‫َّ‬
‫الجامعات المغربية بش���راكة مع إحدى المدارس األجنبية بالمغرب‪.‬‬
‫تناول���ت ال���دورة مجموع���ة م���ن المواضي���ع المتعلق���ة باإلص�ل�اح‬
‫التعليم���ي ال���ذي تعرفه الب�ل�اد‪ .‬وكان ضمن هذه الورش���ات ورش���ة‬
‫تتعل���ق ببيداغوجي���ا المش���روع‪ .‬وكان من بين أهم المش���اريع التي‬
‫اقترحه���ا المؤط���ر الق���ادم م���ن هن���اك‪ ،‬م���ن الب�ل�اد األوربي���ة‪ :‬القراءة‬
‫الممتعة‪ ،‬أو متعة القراءة‪.‬‬

‫خير جلي������س في األنام؟ وهل من دور لألس������رة‬ ‫تتمحور الفك������رة حول قراءة قصص مختارة‬
‫واملدرسة واملجتمع في هذا املجال؟‬ ‫بعناية للتلميذ في نهاية احلصة الدراسية حتى‬
‫تنمو عالقة صداقة ومحبة بني املتعلم والكتاب‪،‬‬
‫أهمية القراءة‬ ‫وهذه العالق������ة تبدأ في النمو م������ع اجلنني في‬
‫ال يخف������ى على أحد ما للق������راءة من أهمية‪،‬‬ ‫بطن أمه‪ .‬فقد أش������ارت بعض الدراس������ات إلى‬
‫وجميع أفراد املجتمع ال ينكرون أهمية القراءة‪.‬‬ ‫أن اجلنني في ش������هره الس������ابع يتعرض لسماع‬
‫وإذا كان البد من كلمات في هذا املجال‪ ،‬فيمكن‬ ‫معلومات منظمة جتع������ل تفتحه الذهني أفضل‬
‫القول إن القراءة تعمل على‪:‬‬ ‫في املستقبل‪ .‬ولذلك جتد النساء احلامالت في‬
‫‪ -‬تنمي������ة املع������ارف واخلبرات ونق������ل القيم‬ ‫ا ‪ -‬يقرأن ألطفالهن األجنة‬ ‫الغرب – كندا مث���ل�� ً‬
‫واألخالق‪.‬‬ ‫بصوت مرتفع‪.‬‬
‫‪ -‬تبع������ث في نف������وس األطف������ال الطموحات‬ ‫لقد آن األوان لتصبح القراءة جزءاً من تربية‬
‫العالية وجتعلهم يحلمون باألحالم الكبيرة‪.‬‬ ‫وثقافة املجتمع‪« .‬إن األطفال الذين يقرأون في‬
‫‪ -‬أش������ارت دراسة أس������ترالية حديثة إلى أن‬ ‫الب���ل��اد املتقدمة ليس ألنهم يعرفون فضل العلم‬
‫عال تعد من األنش������طة الذهنية‬‫القراءة بصوت ٍ‬ ‫ودوره في احلياة‪ ،‬ولكن ألن الكبار يقرأون‪ ،‬وحني‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التي تغذي عقل الطف������ل‪ ،‬وتؤثر تأثيرا قويا في‬ ‫يقرأ الكب������ار والصغار فهذا يعني أن ممارس������ة‬
‫تنمية مهاراته اإلدراكية وتنمي التفكير اإليجابي‬ ‫القراءة صارت جزءاً من ثقافة املجتمع»‪.‬‬
‫لديه‪ .‬كما حتفز األطفال على الدراسة وترسخ‬ ‫فهل من س������بيل جلعل الطفل يتخذ الكتاب‬

‫‪163‬‬
‫طفولة قارئة ملجتمع قارئ‬

‫‪aug 164-167.indd 163‬‬ ‫‪7/24/16 8:14:03 AM‬‬


‫من االقتراحات العملي������ة لتحفيز األطفال على‬ ‫فيهم حب التعلُّ������م‪ .‬وهذا غيض من فيض‪ ،‬فكل‬
‫القراءة‪:‬‬ ‫ما بلغته البش������رية من تقدم معرفي وتقني إمنا‬
‫‪ -‬تخصيص مكان للق������راءة في املنزل يكون‬ ‫كان بفضل القراءة‪ ،‬وبالقراءة فقط‪ ،‬فاألمة التي‬
‫مضاء بش������كل جيد‪ ،‬فيه كراس مريحة ورفوف‬ ‫ال تقرأ أمة على هامش التاريخ‪.‬‬
‫مرتبة بعناية‪ .‬م������ع اعتياد رؤية األطفال آلبائهم‬
‫وهم يق������رأون‪ .‬وتهيئة املناخ املنزلي الذي يحيط‬ ‫دور األسرة‬
‫بالطفل ويحمل رس������ائل واضح������ة ومحددة عن‬ ‫من األس������رة تبدأ اخلطوات األولى للقراءة‪،‬‬
‫قيمة القراءة‪.‬‬ ‫ففي دراس������ة أجرتها دراكن عام ‪ 1966‬استمرت‬
‫‪ -‬مش������اركة األطف������ال لوالديهم ف������ي كتابة‬ ‫‪ 6‬سنوات لتتبع أثر قراءة الطفل منذ سن مبكرة‬
‫الرسائل واخلطابات وقائمة املشتريات‪ ،‬كما أن‬ ‫–حوالي الثالثة من عمره ‪ -‬ومدى تطورها لديه‪،‬‬
‫كتابة أسماء األطفال على ممتلكاتهم من غرفة‬ ‫كان من بني أهم نتائجها أن األطفال يستطيعون‬
‫وكتاب وحاسوب وغيرها تسهم في تركيز انتباه‬ ‫أن يقرأوا قب������ل دخولهم الصف األول االبتدائي‬
‫الطفل على الشيء املكتوب‪.‬‬ ‫وقب������ل أن يتلق������وا أي تعليم رس������مي للقراءة إذا‬
‫‪ -‬ش������راء كتب من مختلف األحجام مناسبة‬ ‫توافر جو أس������ري‪ .‬ويقول الباحثان بوتلر وكالي‬
‫لشتى أعمار األطفال ووضعها في جناح خاص‬ ‫ال من‬ ‫‪ :Butler and Clay 1982‬إن هناك كماً هائ ً‬
‫في خزان������ة البيت‪ ،‬يعينان عل������ى ربط األطفال‬ ‫البحوث العلمية التي تدعم وجهة النظر القائلة‬
‫مباشرة بالكتب‪.‬‬ ‫إن اتصال الطفل بالكت������ب واملواد املطبوعة في‬
‫‪ -‬تأليف كتاب صغير مبعية األبناء من صور‬ ‫البي������ت قبل التحاقه باملدرس������ة ل������ه تأثير كبير‬
‫مختلفة وقصاصات وأل������وان مما يعطي للطفل‬ ‫على منوه املعرفي بعد التحاقه بها‪ .‬أما كراشن‬
‫ش������عوراً بالفخر واالعتزاز ألن������ه ملك له ومؤلفه‬ ‫‪ KRACHN 1993‬فقد أش������ار إل������ى أن عدداً من‬
‫اخلاص‪.‬‬ ‫البح������وث يدعم وجه������ة النظر التي تش������ير إلى‬
‫‪ -‬القراءة للطفل بصوت معبر ومؤثر ومثير‬ ‫أنه عندما تتواف������ر الكتب وتتم إتاحتها للقراءة‪،‬‬
‫بطريق������ة تربوية وجذابة والتح������اور معه ودفعه‬ ‫وعندما تكون البيئة املنزلي������ة ثرية باملطبوعات‬
‫إلبداء رأيه وعواطفه ومشاعره وانفعاالته فتعلم‬ ‫بأش������كالها املختلفة‪ ،‬فإن إقب������ال األطفال على‬
‫القراءة يبدأ من األذن‪« :‬اإلدراك الصوتي»‪.‬‬ ‫الق������راءة س������يحدث بش������كل أكب������ر واجتاهاتهم‬
‫‪ -‬ترك الطفل يختار كتبه املفضلة مع توجيه‬ ‫اإليجابية نحو القراءة ستنمو بشكل أفضل‪.‬‬
‫لطيف ما أمكن‪ ،‬وحتفي������زه على اختيار الرفيق‬ ‫كما تش������ير األبحاث إلى أن األطفال الذين‬
‫قب������ل الطريق فالصديق القارئ يش������جع القراءة‬ ‫يق������رأ لهم أهلهم باس������تمرار أو أف������راد آخرون‬
‫وقدمياً قيل‪« :‬الطباع تسرق الطباع‪ ،‬والصاحب‬ ‫موج������ودون في املنزل يصبح������ون قرا ًء في وقت‬
‫ساحب»‪.‬‬ ‫ال طبيعي������اً للكتب‪ .‬فالتعليم‬ ‫مبك������ر ويظهرون مي ً‬
‫‪ -‬إشراك األبناء في نوادي الكتب واملكتبات‬ ‫األس������ري ل������ه دور كبي������ر ف������ي التنش������ئة عل������ى‬
‫العامة واألندي������ة الثقافية واجلمعي������ات املعنية‬ ‫اس������تراتيجيات القراءة‪ .‬وفي استطالع للرابطة‬
‫بنش������ر ثقافة القراءة والكتاب‪ .‬واالش������تراك في‬ ‫األمريكية ملجالس اآلب������اء تبني أن ‪ 82‬في املائة‬
‫بعض املجالت التربوية املوجهة لألطفال باسم‬ ‫م������ن األطفال الذين ال يحبون القراءة لم يحظوا‬
‫الطفل املشترك حتى يشعر بقيمته ومكانته‪.‬‬ ‫بتشجيع آبائهم وأمهاتهم‪.‬‬
‫‪ -‬تضم���ي��ن الهداي������ا املقدم������ة لألطفال في‬
‫املناسبات اخلاصة والعامة بعض الكتب حسب‬ ‫اقتراحات عملية‬
‫األعمار واالهتمامات‪.‬‬ ‫بعد هذا العرض النظري‪ ،‬نورد هنا مجموعة‬

‫‪164‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 164-167.indd 164‬‬ ‫‪7/24/16 8:10:25 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪165‬‬
‫طفولة قارئة ملجتمع قارئ‬

‫‪aug 164-167.indd 165‬‬ ‫‪7/24/16 8:10:28 AM‬‬


‫د‪.‬عبدالكرمي بكار إلى أن حتديد وقت مشاهدة‬ ‫‪ -‬اصطحاب بعض الكتب والقصص املشوقة‬
‫األطفال للتلفاز وبرام������ج األلعاب يجعل الطفل‬ ‫أثناء السفر والرحالت الطبيعية مع ترك الوقت‬
‫يفر من الفراغ الذي يواجهه إلى القراءة والكتاب‬ ‫الكاف������ي لألطفال للع������ب واالس������تمتاع بجمال‬
‫والرسم‪.‬‬ ‫الطبيعة حتى ال ينقلب حب الكتاب إلى بغض‪.‬‬
‫‪ -‬جلسات التسميع والقراءة يجب أن حتافظ‬ ‫‪ -‬تعوي������د الطف������ل عل������ى مش������اهدة الكتب‪،‬‬
‫على عاملي التشويق واإلثارة وتبتعد عن الرتابة‬ ‫فالبعي������د عن العني بعيد ع������ن القلب كما يقال‪،‬‬
‫وامللل م������ع تنويع النص������وص القرائية ومواضيع‬ ‫وإع������ادة ترتي������ب املكتب������ة بني الفين������ة واألخرى‬
‫الكتب بني ش������تى العلوم اإلنس������انية من قصص‬ ‫وتزيينه������ا بال������ورد وص������ور بعض الش������خصيات‬
‫وحكايات وأدب وعلوم‪ ،‬مراعاة لس������ن األطفال‬ ‫الكرتونية الهادف������ة ووضع بعض اللعب اجلميلة‬
‫واهتماماتهم‪.‬‬ ‫على رفوفها‪ ،‬وال تخفى الغاية من ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬يح������دد اخلب������راء أهمية حتدي������ث مكتبة‬ ‫‪ -‬تأسيس نادي القراءة في املنزل‪ ،‬واستقبال‬
‫الطف������ل بالكتب‪ ،‬ويح������ددون ع������دداً معيناً منها‬ ‫أصدقاء الطفل حلصص خاصة بالقراءة ميكن‬
‫حسب السن‪ :‬فالدراس������ات حتدد ‪ 5‬إلى ‪ 8‬كتب‬ ‫أن تس������بقها أو تتلوه������ا حص������ة للعب لتش������ويق‬
‫لألطفال من ‪ 3‬إلى ‪ 4‬سنوات‪.‬‬ ‫األطفال وحتفيزهم‪.‬‬
‫‪ -‬ب������دالً م������ن حكـــــاي������ة قــــص������ة بطــــريقــــة‬
‫دور املدرسة‬ ‫ش������فهـــــية يستحس������ن قراءتها من الكتاب حتى‬
‫ال يخف������ى ما للمدرس������ة م������ن دور فاعل في‬ ‫يس������تأنس الطف������ل بالكتاب أوال ويتع������ود عليه‪،‬‬
‫تش������جيع األطفال على القراءة وحتفيزهم على‬ ‫ثم ليع������رف ثانياً أن ما يس������تمتع به من أحداث‬
‫االهتمام بها‪ .‬وال ش������ك أن دوره������ا متمم لدور‬ ‫وقصص منبعها هذه الوريقات التي أمامه فتنتج‬
‫األس������رة ومصاحب ل������ه‪ .‬وبالتفاع������ل بني هاتني‬ ‫بذلك صداقة خاصة بطريقة ضمنية بني الطفل‬
‫املؤسس������تني والتنس������يق نحصل على مخرجات‬ ‫والكتاب‪.‬‬
‫فاعلة وجيدة‪ ،‬وذلك من خالل‪:‬‬ ‫‪ -‬اختيار الكتب املناس������بة لعمر الطفل‪ ،‬ذات‬
‫‪ -‬تش������جيع الطفل على تب������ادل القصص مع‬ ‫اللغة الراقية غي������ر الصعبة‪ ،‬والعبارات اجلميلة‬
‫أصدقائه مع عرض درامي ملضمون القصة في‬ ‫والقص������ص اجلذابة املش������وقة للخي������ال واملثيرة‬
‫نهاية الفصل ما أمكن‪.‬‬ ‫للتفكير‪ ،‬وقراءتها بصوت معبر جميل‪ ،‬ومش������وق‬
‫‪ -‬التواص������ل مع الطاق������م اإلداري والتربوي‬ ‫في جلسات عائلية‪ ،‬أو في نزهة أو قرب املدفأة‬
‫للمؤسسة لتقدمي مجموعة من الكتب والقصص‬ ‫في ليلة ممطرة‪ ،‬مع جتنب القصص املغرقة في‬
‫املناسبة ملكتبة القس������م أو املدرسة‪ ،‬وتخصيص‬ ‫اخلي������ال‪ ،‬أو املخيفة واملرعبة‪ ،‬التي تروج لبعض‬
‫مكافآت مشجعة لألطفال الذين يقضون أوقات‬ ‫األساطير التي متأل قلوب األطفال رعباً‪.‬‬
‫فراغهم في املكتبة املدرسية‪.‬‬ ‫‪ -‬اختيار القصص املرحة واملضحكة‪ ،‬فاملرح‬
‫‪ -‬االهتمام باملكتبة املدرسية نظافة وترتيباً‬ ‫هو قوت ال������روح‪ ،‬والطفل يش������عر باالمتنان ملن‬
‫وجماالً حتى تكون م���ل��اذاً وراحة ومتعة للطفل‬ ‫يضحكه‪ ،‬إضافة إلى تقدمي بعض احللوى أثناء‬
‫كما أطل������ق عليها ف������ي بعض الدول كالس������ويد‬ ‫القراءة وزيارات املكتبات‪.‬‬
‫والدمنارك «غرفة الراحة واملتعة»‪.‬‬ ‫‪ -‬إذا احت������اج األبوان إلى القراءة للطفل من‬
‫‪ -‬إحي������اء دور املكتبات املتنقلة خصوصا في‬ ‫احلاس������وب أو القـــــارئ اللوحـــــ������ي أو الهــــاتف‬
‫البوادي واألماكن البعيدة عن املدن‪ .‬وفي إحدى‬ ‫الذكي‪ ،‬فليكن ذلك لوقت محدد ودون إفــــــراط‬
‫املؤسسات مع األس������ف هدية من إحدى الدول‬ ‫حتى يأم������ن الطفل من أضرار اس������تخدام هذه‬
‫الغربي������ة وهي عب������ارة عن مكتب������ة متنقلة لكنها‬ ‫األجه������زة التي حت������ذر األبح������اث م������ن املبالغة‬
‫معطلة عن العمل‪ .‬فما جدوى الش������كوى من قلة‬ ‫في اس������تعمالها يوم������ا بعد يوم‪ .‬ويش������ير املفكر‬

‫‪166‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 164-167.indd 166‬‬ ‫‪7/24/16 8:10:33 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪ -‬عقد شراكات بني الدولة ممثلة في وزارة‬ ‫القراءة ونحن نعطل اإلمكانات املتاحة؟‬
‫الثقافة وال������وزارات املعنية واجلمعيات واألندية‬ ‫‪ -‬مناقش������ة التالمي������ذ ف������ي ما ق������رأوه في‬
‫الثقافية لتقدمي تخفيضات مناس������بة لألطفال‬ ‫األس������بوع أو خالل فترة زمني������ة معينة وجتاذب‬
‫الذي������ن يش������ترون الكت������ب بحيث تزداد نس������بة‬ ‫أطراف احلديث معه������م‪ ،‬ودفعهم إلبداء آرائهم‬
‫التخفيض كلما اشترى الطفل كتاباً‪.‬‬ ‫وحتديد بعض الفوائد التربوية‪ ،‬ومكافأتهم بعد‬
‫‪ -‬ف������ي بعض ال������دول العربية هن������اك برامج‬ ‫كل إجناز قرائي‪.‬‬
‫موجهة للكبار بعنوان «كتاب قرأته»‪ ،‬يتم احلديث‬ ‫‪ -‬توفير الكتاب املمتع املش������وق‪ .‬يقول أحد‬
‫فيها مع املس������تجوب عن آخر كتاب قرأه فح ّبذا‬ ‫الناش������رين‪« :‬كما أن الطفل ال يركض ويلعب من‬
‫لو يتم إنتاج حلق������ات خاصة باألطفال أو وضع‬ ‫أجل تقوية عضالت������ه وإمنا من أجل املتعة‪ ،‬فهو‬
‫برنامج خاص بهذه الفئة العمرية‪.‬‬ ‫كذل������ك ال يقرأ من أج������ل الفائدة وإمنا من أجل‬
‫‪ -‬توفي������ر كت������ب للمكفوفيــــ������ن بطريـــــق������ة‬ ‫التس������لية واملتعة»‪ .‬ومن هنا كانت أهمية توفير‬
‫«بــــرايـــــ������ل» وتعميمها على املكتبات العامة حتى‬ ‫الكتاب املمتع‪.‬‬
‫يتس������نى لهذه الفئة ول������وج املكتب������ات واالنتفاع‬
‫منها‪.‬‬ ‫دور املجتمع الرسمي واملدني‬
‫‪ -‬االهتمام بالوظائف املتعلقة بالعلم واملعرفة‬ ‫ووسائل اإلعالم‬
‫وإمدادها باإلمكانات الالزم������ة لتأدية وظائفها‬ ‫كلما تضافرت اجلهود وتكاثفت استطاعت‬
‫حتى يهتم املجتمع بالقراءة والعلم‪.‬‬ ‫جتاوز العقبات‪ .‬ومشكلة القراءة مشكلة مركبة‬
‫ففي أوربا مث���ل��ا ‪ 40‬في املائة من الوظائف‬ ‫فهي – كما يقول أحد املفكرين ‪ -‬تقتضي حلوالً‬
‫على صلة بالعلم والبحث مما يجعل القراءة لدى‬ ‫مركبة‪ .‬فاس������تنفار جميع الطاق������ات والفعاليات‬
‫الذين يش������غلون تلك الوظائف جزءاً من سلوكهم‬ ‫والكفاءات من شتى املجاالت الرسمية والشعبية‬
‫اليومي‪.‬‬ ‫كفي������ل بإعادة مجد القراءة وثقافة البحث‪ .‬ومن‬
‫وأخي������راً نختم ه������ذا املقال به������ذه األبيات‬ ‫هذه االقتراحات في هذا املجال‪:‬‬
‫اجلميلة لش������اعر إجنليزي م������ن قصيدته «األم‬ ‫‪ -‬محاربة األمية على الصعيدين الرس������مي‬
‫القارئة»‪:‬‬ ‫واألهل������ي (الش������عبي) وتش������جيع اجلمعي������ات‬
‫قد تكون لديك ثروة حقيقية مخفاة‬ ‫واملؤسسات الناشطة في هذا املجال‪.‬‬
‫ع��ل��ب ج� ��واه� ��ر وص� �ن ��ادي ��ق ذهب‬ ‫‪ -‬وضع ملصقات وصور وإعالنات تش������جع‬
‫لكنك ل��ن ت�ك��ون أب ��د ًا أغ�ن��ى مني‬ ‫عل������ى الق������راءة في مداخ������ل امل������دن واملتنزهات‬
‫ألن ل��ي أم� � ًا تعلمني وت �ق��رأ ل��ي >‬ ‫واحلدائق العمومية‪.‬‬

‫موعوظ‬

‫ق ��ال الهيث ��م بن صالح البنه‪ :‬يا بني إذا أقللت م ��ن الكالم أكثرت من الصواب‪،‬‬
‫ق ��ال‪ :‬ي ��ا أب ��ت فإن أنا أكث ��رت وأكث ��رت يعني كالم� � ًا وصواب ًا‪ ،‬ق ��ال‪ :‬يا بن ��ي ما رأيت‬
‫موعوظ ًا أحق بأن يكون واعظ ًا منك‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫طفولة قارئة ملجتمع قارئ‬

‫‪aug 164-167.indd 167‬‬ ‫‪7/24/16 8:10:37 AM‬‬


‫مواجهة العدوانيّـة‬
‫أكادميية من لبنان‬ ‫د‪ .‬كريستين نصار‬

‫حياة اإلنسان مليئة بالصراعات (الكبرى والصغرى)‪ ،‬بعمل ّيات التنافس‪،‬‬


‫بالوضعي����ات العدائ ّي����ة (المباش����رة وغي����ر المباش����رة)‪ ،‬من ش����أنها‪ ،‬على‬
‫األقل‪ ،‬تش����ويه واقعه اليومي؛ وضمن هذا اإلطار‪ ،‬هناك بعض المهن‪،‬‬
‫ذات العالق����ة التفاعل ّي����ة م����ع اآلخرين‪ ،‬بش����كل خ����اص‪ ،‬تع����رّض أكثر من‬
‫لكن العدوان ّية ليس����ت أم����راً مح ّتم ًا (أي‬
‫ّ‬ ‫غيرها للس����لوكيات العدوان ّية‪.‬‬
‫ال مفر منه)‪ ،‬إذ بإمكان اإلنس����ان مواجهتها وإخمادها ش����رط توافر أدوات‬
‫ج ّيدة لديه‪.‬‬

‫حداً أدنى من‬ ‫أن تواف� � ��ر ذلك يتطلّب‪ ،‬على األقل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫أكث� � ��ر م� � ��ن ذل� � ��ك نق� � ��ول‪ :‬ميلك اإلنس� � ��ان‪،‬‬
‫التد ّرب عليها كي يتم ّكن من استخدامها‪.‬‬ ‫ح� �ي��ن يواجه بش� � ��كل منتظم وضعي� � ��ات عدوان ّية‬
‫‪ -‬هن� � ��اك حلول تبدو أكث� � ��ر تالؤماً وإفادة من‬ ‫‪ -‬صراع ّي� � ��ة في حيات� � ��ه (املهن ّية بوج� � � ٍ�ه خاص)‪،‬‬
‫غيرها إلدارة هذا الن� � ��وع أو ذاك من الوضع ّيات‬ ‫صراعات كامنة أو ُمع َّبراً عنها (بني زمالء العمل‪،‬‬
‫الصراع ّية‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ال)‪،‬‬‫مع املسؤولني‪ ،‬استقبال جمهور عدواني‪ ...‬مث ً‬
‫أن الناس غير متش� � ��ابهني في مواجهة‬ ‫ومب� � ��ا ّ‬ ‫عدي� � ��داً من التقن ّي� � ��ات (احللول) التي تس� � ��اعده‬
‫الصراع‪ ،‬فال بد للفرد إذن من التع ّرف على موقفه‬ ‫على مواجهة هذه الوضع ّيات وحل اإلش� � ��كال ّيات‬
‫الفط� � ��ري وعلى مواقف اآلخرين؛ ه� � ��ذا‪ ،‬وبإمكانه‪،‬‬ ‫الناجمة عنها؛ هذه احللول هي ق ّيمة‪ ،‬أيضاً‪ ،‬على‬
‫ل� � ��دى مواجهته لوضع ّية خالف ّي� � ��ة مع ّينة‪ ،‬تبنّي أحد‬ ‫مستوى‪ :‬الصراعات اليوم ّية‪ ،‬العالقات العائل ّية‪،‬‬
‫أربعة مواقف أساس ّية‪ :‬الهروب‪ ،‬احملاربة‪ ،‬التالعب‪،‬‬ ‫بني األصدقاء‪ ،‬مع اجليران (الفنّيات التي س� � ��يتم‬
‫تأكيد الذات‪ .‬ولك ِّل من هذه املواقف مظاهر إيجاب ّية‬ ‫مت تطبيقها ضمن إط� � ��ار مختلف أنواع‬ ‫عرضه� � ��ا ّ‬
‫أو س� � ��لب ّية في وضع ّيات مع ّينة‪ :‬على س� � ��بيل املثال‪،‬‬ ‫الوضعيات)‪.‬‬
‫أن مواقف الهروب‪ ،‬احملاربة والتالعب ترتبط‬ ‫يبدو ّ‬ ‫لكن‪ ،‬ليتم ّكن الف� � ��رد من مواجهة الوضعيات‬
‫بالدماغ البدائ� � ��ي ‪ ،le cerveau reptilien‬حيث كان‬ ‫العدائ ّي� � ��ة‪ ،‬ال بد له من تأمني بع� � ��ض املتطلّبات‪،‬‬
‫على اإلنس� � ��ان البدائ� � ��ي القيام مبواجه� � ��ة فيزيق ّية‬ ‫مثل‪:‬‬
‫لهجوم احليوان� � ��ات الب ّرية عليه‪ ،‬ف� � ��ي حني يرتبط‬ ‫‪ -‬فهم الوضع ّية (فهم أوليات نش� � ��وء الصراع‬
‫تأكي� � ��د الذات بدماغه العقالن� � ��ي ‪،le néo-cortex‬‬ ‫وتداعي العالقات بينه وبني من يناصبه العداء)‪.‬‬
‫وه� � ��و موقف يتم تعلّمه؛ وبالتالي‪ ،‬يفرض التس� � ��اؤل‬ ‫‪ -‬إيجاد وس� � ��ائل مت ّكنه م� � ��ن إدارة الوضع ّية (أي‬
‫التالي نفس� � ��ه‪ :‬بني احملاربة‪ ،‬تأكيد الذات‪ ،‬الهروب‬ ‫من إج� � ��راء تواصل ج ّيد مع اآلخري� � ��ن)‪ .‬واملعلوم‬

‫‪168‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 168-173.indd 168‬‬ ‫‪7/24/16 8:11:13 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫‪169‬‬
‫مواجهة العدوان ّيـة‬

‫‪aug 168-173.indd 169‬‬ ‫‪7/24/16 8:11:27 AM‬‬


‫ذاك‪ ،‬أو للتنكيد املنحرِ ف من قِ َبل اآلخر‪ ،‬وسائل‬ ‫والتالعب‪ ،‬كيف يستجيب الفرد للعدوان ّية؟‬
‫أو ف ّني� � ��ات مأخوذة م� � ��ن االلتماس� � ��ات العالج ّية‬ ‫بد من‬ ‫قب� � ��ل اإلجاب� � ��ة عن هذا التس� � ��اؤل‪ ،‬ال ّ‬
‫األكثر إجن� � ��ازاً وفعال ّي � � � ًة واملوجودة حال ّي � � �اً‪ :‬إ ّنها‬ ‫التنويه إلى اختالف املخاطر التي يلتقيها إنسان‬
‫س� � ��هلة التطبي� � ��ق‪ ،‬وطبع � � �اً يختلف اس� � ��تخدامها‬ ‫اليوم عن تلك التي كان يلتقيها في بدايات تط ّوره‬
‫تبعاً حلاج� � ��ة الفرد وش� � ��خصيته والوضع ّية التي‬ ‫البش� � ��ري‪ ،‬فهي‪ ،‬اليوم نفس ّية أكثر منها فيزيق ّية؛‬
‫يوج� � ��د به� � ��ا ضمن إطاره� � ��ا‪ .‬يضاف إل� � ��ى ذلك‪،‬‬ ‫يض� � ��اف إلى ذل� � ��ك‪ ،‬ارتباط اختي� � ��ار الفرد ألحد‬
‫وجود قاس� � ��م مش� � ��ترك يرتبط بتنمي� � ��ة التواصل‬ ‫املواقف املذكورة أع� �ل��اه بطبيعة العالقة القائمة‬
‫�كل خاص‪ ،‬عل� � ��ى‪ :‬تأكيد الذات‬ ‫الذي يرتكز‪ ،‬بش� � � ٍ‬ ‫بينه وبني اآلخر ومبيوله الفطر ّية‪ ،‬حيث يبدو هذا‬
‫‪ ،l’assertivité‬الصدق‪/‬األصالة ‪،l’authenticité‬‬ ‫املوقف أو ذاك أكثر تالؤماً مع الوضع ّية احمليطة‬
‫احلن� � ��و ‪ l’empathie‬واحت� � ��رام حاج� � ��ات كل فرد‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫بالفرد ومع فرادته الشخص ّية‪ .‬لكن هناك‪،‬‬
‫‪.le respect des besoins de chacun‬‬ ‫عام‪ ،‬إطارين أساس � � � ّيني‪ :‬إط� � ��ار عقالني تأكيدي‬
‫أن العدوانية‬ ‫ال ب� � ��د م� � ��ن التنويه هن� � ��ا إل� � ��ى ّ‬ ‫يرتبط بالنضج الواعي لدى اإلنس� � ��ان الذي يلجأ‬
‫والعنف قد يكونان الس� � ��بب في نش� � ��وء عديد من‬ ‫واع ويتالءم عموماً مع موقف تأكيد‬ ‫إليه بش� � ��كل ٍ‬
‫االضطرابات النفس ّية املختلفة‪ ،‬كاالكتئاب والقلق‬ ‫الذات كاس� � ��تجابة‪ ،‬وإطار فطري يفرض نفس� � ��ه‬
‫واضطراب ما بع� � ��د الصدمة واإلدمان‪ ...‬إلخ‪ ،‬أو‬ ‫علي� � ��ه أحياناً ف� � ��ي وضع ّيات مع ّين� � ��ة‪ ،‬حني يحس‬
‫كنتاج لها؛ كما قد يكونان اس� � ��تجابة طبيعية عند‬ ‫بخطر أو بحالة إجهاد وضغط مث ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ُالحظ بكثرة حتت شكل غضب‬ ‫بعض األفراد‪ ،‬وت َ‬ ‫إن اال ّتص� � ��ال م� � ��ع الواقع وم� � ��ع اآلخر ال‬ ‫ث � � � ّم ّ‬
‫وصراخ‪ ...‬إل� � ��خ‪ .‬لذا‪ ،‬لتحقيق الع� �ل��اج‪ ،‬البد من‬ ‫يكون مباش� � ��راً‪ ،‬بل يتم ضبطه من قِ َبل الفرد عبر‬
‫أخذ كل ذلك باالعتبار‪ ،‬حيث للتشخيص النفسي‬ ‫مصاف ثالث‪:‬‬
‫‪ le psychodiagnostic‬دور أساس� � ��ي في توضيح‬ ‫‪ -‬مص� � ��اف عصب ّي� � ��ة ‪filtres neurologiques‬‬
‫واقع احل� � ��ال‪ :‬من هو املعت� � ��دي أو املعتدى عليه؟‬ ‫احلاسي ما‬ ‫ّ‬ ‫يحدد اجلهاز‬‫ّ‬ ‫هي احلواس اخلمس‪،‬‬
‫ما أمناط العدوان التي يتم تنش� � ��يطها (تفعيلها)؟‬ ‫ميكن لإلنسان إدراكه‪.‬‬
‫ما موضوع العدوان؟ م� � ��ا هو االضطراب الكامن‬ ‫‪ -‬مصاف ثقاف ّية ‪ filtres culturels‬تش ّكل انتماء‬
‫وراءه؟ م� � ��ا درجة الوعي؟ ما املظاه� � ��ر التفاعل ّية‬ ‫ال‪،‬‬‫الفرد إلى ثقافة وبلد مع ّينني ورؤيته للعالم‪ ،‬فمث ً‬
‫املم ِّيزة لالنتقال إلى االعتداء الفعلي ‪le passage‬‬ ‫خف� � ��ض النظر داللة احترام في ثقافتنا الش� � ��رق ّية‬
‫‪ à l’acte‬؟ ألي إط� � ��ار ميكن إع� � ��ادة العدوان ّية؟ ما‬ ‫لكنّه داللة على اخلبث في الثقافة األورب ّية‪ ،‬وللبيئة‬
‫العالج املناسب؟ ‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫العائل ّية األساس ّية‪ ،‬هي أيضاً‪ ،‬دورها في بناء الفرد‬
‫لنتذ ّك� � ��ر دائماً أنن� � ��ا «ال نعالِج أعمال عنف»‬ ‫لرؤيته بخصوص العالم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ des violences‬أو حتى «أش� � ��خاصاً عنيفني» ‪des‬‬ ‫‪ -‬مص� � ��اف ش� � ��خص ّية ‪،filtres personnels‬‬
‫‪ violents‬بل نعالج أفراداً يتم ّيزون بتاريخ شخصي‬ ‫ه� � ��ي املعتقدات التي ط ّورها الف� � ��رد انطالقاً من‬
‫فري� � ��د م� � ��ن نوعه؛ يُس� � ��تثنى من ه� � ��ذه املالحظة‬ ‫خبراته وجتاربه‪ ،‬حيث يس� � ��تخلص عموماً قواعد‬
‫النرجسي املنحرف ‪ le pervers narcissique‬ذو‬ ‫واستنتاجات سلوك ّية تبعاً لطريقته الشخص ّية في‬
‫النمط اخلاص على مس� � ��توى التواصل‪ ،‬إذ إ ّنه ال‬ ‫جتاوز الوضع ّيات‪ ،‬ومييل عموماً إلسقاط منوذجه‬
‫يعتبر اآلخر شخصاً بل ش� � ��يئاً يحق له السيطرة‬ ‫اخلاص بالعالم على اآلخرين‪.‬‬
‫علي� � ��ه‪ ،‬كما يحق له التالعب بالوقائع ومبش� � ��اعر‬ ‫بالعودة إل� � ��ى العدوان ّية وكيف ّي� � ��ة مواجهتها‪،‬‬
‫ه� � ��ذا اآلخر كضحي� � ��ة يعمل عل� � ��ى جتريدها من‬ ‫�أن هناك عدي� � ��داً م� � ��ن الطرق‬ ‫نعي� � ��د الق� � ��ول ب� � � ّ‬
‫صفاتها كش� � ��خص؛ وهو مس� � ��ؤول عن عديد من‬ ‫والتقنيات (احللول) العالج ّية؛ وسنعرض في ما‬
‫االنتهاكات بحق اآلخرين بحيث يكون الصراع معه‬ ‫يلي بانوراما للوس� � ��ائل الف ّعالة املتوافرة مبتناول‬
‫أمراً محتّماً‪ .‬لذا‪ ،‬ال بد للضح ّية من التواصل معه‬ ‫اجلمي� � ��ع ك� � ��ي ال يكونوا لعب� � ��ة لعدوان ّي� � ��ة هذا أو‬

‫‪170‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 168-173.indd 170‬‬ ‫‪7/24/16 8:11:30 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫إن اجلمي� � ��ع لديهم مآخذ عليك‪ ،‬من‬ ‫«حني تقول ّ‬ ‫حلماية نفس� � ��ها منه وعليها معرفة كيف ّية التعامل‬
‫تقصد بالتحديد؟»‪ ،‬حيث ينبغي جتنّب استخدام‬ ‫أي فنّيات يصلح استخدامها‪ :‬عليها‪،‬‬ ‫معه ومعرفة ّ‬
‫السؤال «ملاذا»‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ضده أو‬ ‫ال‪ ،‬أن تتجنّب البحث عن أ ّنها على حق ّ‬ ‫مث ً‬
‫أن األدوات املذك� � ��ورة‬ ‫جت� � ��در اإلش� � ��ارة إل� � ��ى ّ‬ ‫إقناعه بوجه� � ��ة نظرها حول الوضعية أو محاولة‬
‫أعاله (اجلمل النموذجية‪ ،‬البرج العاجي‪ ،‬كس� � ��ر‬ ‫تبديد عدوانيته عبر إرضائه أو تبرير نفسها‪ ،‬إذ‬
‫املزامنة ‪ ...‬إلخ) هي جزء من الفنّيات التي تدخل‬ ‫من ش� � ��أن كل ذلك زيادة متطلباته أكثر فأكثر‪...‬‬
‫ضمن إطار ما يس � � � ّمى ب � � �ـ «تقنيات تأكيد الذات»‬ ‫إلخ‪.‬‬
‫‪techniques d’affirmation de soi‬؛ وهي مبنزلة‬ ‫أن الهدف من تواص� � ��ل الضحية معه‬ ‫ومب� � ��ا ّ‬
‫وسائل مباشرة تساعد على‪:‬‬ ‫كمنحرف يقتصر على حماية نفس� � ��ها منه ال ربح‬
‫‪ - 1‬إدارة العدوان ّي� � ��ة ‪gérer l’agressivité‬‬ ‫ضده‪ ،‬يكمن املوقف األهم الذي بإمكانها‬ ‫املعركة ّ‬
‫املخاطب وحلماية الفرد نفس� � ��ه‬ ‫ِ‬ ‫(أو العنف) لدى‬ ‫تبنّيه إذن في توكيد الذات كاستراتيجية أساس ّية‬
‫حني يك� � ��ون ضمن جمهور عدائ� � ��ي ينتهك إحدى‬ ‫يت� � ��م تدعيمها باحملافظة على ه� � ��دوء األعصاب‬
‫أو ع� � ��دداً من القيم امله ّمة بالنس� � ��بة له‪ ،‬كانتهاك‬ ‫وضب� � ��ط الذات ف� � ��ي عمل ّية التفاع� � ��ل معه‪ ،‬عدم‬
‫امل� � ��دى احلي� � ��وي ‪ l’espace vital‬اخلاص به كفرد‬ ‫االعت� � ��راض عل� � ��ى احلج� � ��ج الت� � ��ي يعطيها خالل‬
‫أو الكش� � ��ف عن أس� � ��راره أو عدم احملافظة على‬ ‫النق� � ��اش‪ ،‬أل ّنه مس� � ��تعد على فعل أي ش� � ��يء كي‬
‫املس� � ��افة االجتماعية التي يجب اإلبقاء عليها بني‬ ‫يربح‪ ،‬خفض املعلومات التي تكش� � ��ف عن حياتها‬
‫األفراد أو إظهار االحتق� � ��ار له أو إنكار هو ّيته أو‬ ‫الش� � ��خصية قدر اإلم� � ��كان‪ ،‬عدم فق� � ��دان رباطة‬
‫خ� � ��رق راحته الش� � ��خص ّية‪ ...‬إلخ‪ .‬هذه الوس� � ��ائل‬ ‫جأش� � ��ها مبواجهة حتديات� � ��ه (حتريضاته) مهما‬
‫ومتعددة‪ ،‬منها ما يُس� � ��تخ َدم الس� � ��تباق‬ ‫ّ‬ ‫متن ّوع� � ��ة‬ ‫كثرت‪ ،‬قول كال نافية حاس� � ��مة بالنسبة لألشياء‬
‫العدوان ّية ‪ prévenir l’agressivité‬مثل‪:‬‬ ‫الش� � ��خصية التي يتع ّرض لها هذا النرجس� � ��ي أو‬
‫‪ -‬التساؤل ‪ le questionnement‬ويتض ّمن‪:‬‬ ‫بالنس� � ��بة إلهاناته التي قد تش � � � ّوه كرامتها‪ ،‬عدم‬
‫< التساؤل االستكشافي‪le questionnement‬‬ ‫بأي مالحظة يبديها‪ ،‬اس� � ��تخدام‬ ‫إظه� � ��ار تأ ّثرها ّ‬
‫‪ ،exploratoire‬حيث يتم استخدام أسئلة مفتوحة‬ ‫أدوات ما يس ّمى «اإلصغاء الناشط» مثل‪ :‬اجلمل‬
‫تبدأ بظرف ‪ :adverbe‬ل َم‪ ،‬كيف‪ ،‬ماذا؟ أس� � ��ئلة‬ ‫النموذجي� � ��ة ‪ les tampons‬أي اس� � ��تخدام جم� � ��ل‬
‫مغلق� � ��ة تبدأ بفع� � ��ل وتثير إجابة‪ :‬نع� � ��م أو كال؛ ال‬ ‫صغيرة كـ «أنت على حق» «هذا رأيك»‪« ،‬أفهم»‪...‬‬
‫موجه� � ��ة حتتوي على‬ ‫نصح باس� � ��تخدام أس� � ��ئلة ّ‬ ‫يُ َ‬ ‫إل� � ��خ‪ ،‬ذات مفع� � ��ول مماثل ملفعول ورق ّ‬
‫النش� � ��اف‬
‫بأن‪...‬؟»‪،‬‬ ‫اإلجاب� � ��ة التي نود س� � ��ماعها «أال تعتقد ّ‬ ‫وته� � ��دف إلزالة العدوان ّية‪ ،‬البرج العاجي ‪la tour‬‬
‫جداً؛ فبمواجهة‬ ‫«ل َم ال تفعل‪...‬؟»‪ ،‬أل ّن� � ��ه تالعبي ّ‬ ‫‪ d’ivoire‬أي التظاه� � ��ر بعدم س� � ��ماع االنتقاد‪ ،‬مع‬
‫املفضل اللجوء إلى األسئلة‬ ‫ّ‬ ‫مخاطب عدواني‪ ،‬من‬ ‫ِ‬ ‫محدد للجس� � ��م ووجه عص� � � ّ�ي على الفهم‬ ‫ّ‬ ‫وض� � ��ع‬
‫ً‬
‫املفتوحة جتنّبا إلذكاء عدوانيته عبر طرح أس� � ��ئلة‬ ‫إذ يصع� � ��ب فك رموزه االنفعالية‪ ،‬كس� � ��ر املزامنة‬
‫مغلقة حمقاء وجلذب اهتم� � ��ام الدماغ العقالني‬ ‫‪ ،la désynchronisation‬تغيي� � ��ر نبرة الصوت أو‬
‫‪ le néo-cortex‬لديه بدالً من الدماغ البدائي ‪le‬‬ ‫موضوع النقاش أو طريقة الوقوف أو‪ ،‬حتى‪ ،‬ترك‬
‫‪.cerveau reptilien‬‬ ‫املكان إذا بلغ النقاش حدود االنتقاد والتحقير‪...‬‬
‫< التساؤل التوضيحي (س� � ��بق التركيز عليه‬ ‫إلخ‪ .‬وللحصول عل� � ��ى معلومات دقيقة أو إثباتات‬
‫أعاله)‪.‬‬ ‫معينة‪ ،‬ميكن استخدام التس� � ��اؤل التوضيحي ‪le‬‬
‫‪ -‬إعادة الصياغ� � ��ة ‪( la reformulation‬هي‬ ‫‪ ،questionnement clarificatoire‬دفع املخاطب‬
‫أداة جوهر ّية ف� � ��ي التواصل)‪ :‬يتعلّق األمر بإعادة‬ ‫لتحدي� � ��د ما يري� � ��د قوله وتوضي� � ��ح فكرته‪ ،‬األمر‬
‫املخاطب بش� � ��كل موجز وباس� � ��تخدام‬ ‫ِ‬ ‫م� � ��ا قال� � ��ه‬ ‫ال� � ��ذي قد يكون في غاي� � ��ة األهم ّية لتبديد عديد‬
‫كلمات� � ��ه؛ ميكن التمهيد لها باس� � ��تخدام العبارات‬ ‫من حاالت س� � ��وء التفاهم ب� �ي��ن املتخاطبني‪ ،‬مثال‬

‫‪171‬‬
‫مواجهة العدوان ّيـة‬

‫‪aug 168-173.indd 171‬‬ ‫‪7/25/16 1:15:38 PM‬‬


‫وهي س� � ��بب العدوان ّية‪ ،‬بدالً م� � ��ن محاولة إظهار‬ ‫التالي� � ��ة «إن فهم� � ��ت ج ّي� � ��داً‪ »....‬أو «إذاً‪ ،‬ت� � ��ود‬
‫وجهة نظرنا‪.‬‬ ‫قول‪ »....‬أو «لتلخي� � ��ص‪ »....‬أو «ألتأ ّكد من أنني‬
‫‪ -‬تبنّي موق� � ��ف توكيدي بدالً من تبنّي موقف‬ ‫فهمت ج ّيداً‪ .»....‬من حس� � ��نات إعادة الصياغة‬
‫صراعي قد يثير االنزالق نحو العدوان ّية‪.‬‬ ‫املخاطب بأننا نصغي إليه‪ ،‬نهتم‬ ‫َ‬ ‫هذه أ ّنها تُش� � ��عِ ر‬
‫‪ -‬محاول� � ��ة إيجاد حلول م� � ��ع اآلخر بدالً من‬ ‫ب� � ��ه ونفهمه‪ ،‬كما تس� � ��اعد على تأم� �ي��ن مزيد من‬
‫تبرير الذات‪.‬‬ ‫املعلومات حوله‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -‬حتى إن ب� � ��دا اآلخر مخطئاً بالظهور حتت‬ ‫‪ -‬احلد األدنى من االستجابة ‪:les relances‬‬
‫شكل عدواني‪ ،‬من املهم إظهار احترامنا له‪.‬‬ ‫هو اس� � ��تجابات بسيطة (إشارات صغيرة‪ :‬لفظية‬
‫باتاه‬ ‫باختص� � ��ار نق� � ��ول‪ ،‬لتجنّب االن� � ��زالق جّ‬ ‫أو غي� � ��ر لفظي� � ��ة) تترجم اهتمامنا مب� � ��ا يقوله أو‬
‫املخاطب بدالً‬‫ِ‬ ‫العنف‪ ،‬من املناس� � ��ب التركيز على‬ ‫يفعله اآلخر ودعوته لالس� � ��تمرار ف� � ��ي التعبير كـ‬
‫يحدثنا‬
‫ّ‬ ‫التي‬ ‫للطريقة‬ ‫من القيام برد فعل مش� � ��ابه‬ ‫«هز الرأس»‪« ،‬تكرار كلمة قالها الفرد»‪ ،‬محاكيات‬
‫فضل تبنّي موقف توكيدي للبحث‬ ‫به� � ��ا؛ ومن ث ّم‪ ،‬يُ َّ‬ ‫صوت ّية ‪( onomatopées‬هم ‪ ،hum‬نعم ‪،)...oui‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مع اآلخر عن حلول‪ .‬ومن املهم‪ ،‬أيضا‪ ،‬إظهار أننا‬ ‫ابتسامة‪ ،‬نظرة تساؤل‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫نصغي إليه ونفهمه‪ ،‬وإظهار االحترام له‪.‬‬ ‫‪ -‬التزامن ‪ :la synchronisation‬ويعني نقل‬
‫‪ - 3‬استعادة األنفاس بعد التع ّرض للعدوان ّية‪:‬‬ ‫بانعكاس‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫للمخاط� � ��ب عن طريق القي� � ��ام‬ ‫تف ّهمن� � ��ا‬
‫جداً هنا إعطاء الذات فترة استراحة‬ ‫من املهم ّ‬ ‫لس� � ��لوكه ولرؤيته للعالم؛ ومن ش� � ��أن ذلك تعميق‬
‫(‪ 10‬دقائق)‪ ،‬ث ّم تص ّور مكان آمن (مكان طبيعي‬ ‫العالقة معه‪.‬‬
‫أو خيال� � ��ي يثير مش� � ��اعر االرتي� � ��اح والطمأنينة‬ ‫قد يتم ذلك بش� � ��كل لفظي كاستخدام تعابير‬
‫بداخلنا)‪.‬‬ ‫مث� � ��ل «يبدو لي أ ّنك غاضباً م� � ��ن والدك في هذا‬
‫ومن املهم‪ ،‬أيضاً‪ ،‬اس� � ��تعراض الفرد للعناصر‬ ‫املوق� � ��ف‪ »..‬أو «معن� � ��ى ذلك أ ّنك كن� � ��ت متضايقاً‬
‫املرئ ّية ‪( visuels‬أي ما يراه)‪ ،‬الس� � ��معية ‪auditifs‬‬ ‫ملقابلتك هذا الش� � ��خص» أو يتم بإعادة الصياغة؛‬
‫(ما يسمعه)‪ ،‬األحاسيس احلرك ّية ‪،kinesthésiques‬‬ ‫محدد‬ ‫ّ‬ ‫وقد يتم بشكل غير لفظي (استخدام وضع‬
‫الش � � � ّمية ‪ ...olfactifs‬إلخ‪ ،‬في أثناء تركيزه على‬ ‫ا أو إظه� � ��ار تعبيرات في‬ ‫للجس� � ��م ‪ posture‬مث� �ل � ً‬
‫مشاعر االس� � ��تجمام ‪ détente‬ورغد العيش التي‬ ‫الوجه أو إشارات ‪ gestes‬مع ّينة ذات معنى‪.)...‬‬
‫يحس بها‪.‬‬ ‫‪ – 2‬حتيي� � ��د العدوان ّي� � ��ة أو إزال� � ��ة تهديدها‬
‫وهناك‪ ،‬إل� � ��ى جانب التقنيات املذكورة أعاله‪،‬‬ ‫حلماي� � ��ة ال� � ��ذات ‪désamorcer l’agressivité et‬‬
‫عدد آخر م� � ��ن التقنيات الش� � ��ديدة الفعالية في‬ ‫‪ :se protéger‬الب� � ��د م� � ��ن التمييز ب� �ي��ن العدوان ّية‬
‫عالج الس� � ��لوك العدواني‪ ،‬س� � ��نكتفي بذكر عدد‬ ‫‪ ،l’agressivité‬فمهم� � ��ا تد ّنى مس� � ��توى االتّصال‬
‫معينّ منها فحسب كمثال من شأنه املساعدة على‬ ‫ضم� � ��ن إطارها‪ ،‬تبق� � ��ى العالقة قائم� � ��ة‪ ،‬والعنف‬
‫تكوين فكرة واضحة بخصوص التقنيات التي لم‬ ‫‪ la violence‬ال� � ��ذي يه� � ��دف جل� � ��رح اآلخر‪ ،‬بل‬
‫جداً)‪:‬‬
‫يتم ذكرها (وهي عديدة ّ‬ ‫لتحطيم� � ��ه‪ ،‬حيث يك� � ��ون هذا اآلخ� � ��ر عبارة عن‬
‫‪ -‬االس� � ��ترخاء‪ :la relaxation‬لتهدئة الذات‪،‬‬ ‫ضده‪.‬‬ ‫شيء إلطالق الش� � ��خص العنيف مكبوتاته ّ‬
‫إذ يس� � ��تحيل اإلحس� � ��اس بالقلق واالسترخاء في‬ ‫ح� �ي��ن يرتفع الصوت‪ ،‬يتعلّ� � ��ق األمر بالبقاء ضمن‬
‫الوقت نفس� � ��ه؛ وميكننا‪ ،‬بالتال� � ��ي‪ ،‬محاربة القلق‬ ‫إطار العالقة‪ ،‬وما أمك� � ��ن إعادة احلوار والتوازن‬
‫بكل بس� � ��اطة عن طريق االس� � ��ترخاء‪ .‬وهو مفيد‬ ‫عدة ينبغي‬ ‫إليها‪ .‬ولتأم� �ي��ن ذلك‪ ،‬هناك مب� � ��ادئ ّ‬
‫جداً للشخص حني يود خفض توتّره لدى مواجهة‬ ‫ّ‬ ‫احترامها‪:‬‬
‫متعددة ميكن‬ ‫ّ‬ ‫وضعي� � ��ات عدائ ّية‪ ،‬وهو على أنواع‬ ‫‪ -‬التركي� � ��ز عل� � ��ى اآلخر‪ ،‬عل� � ��ى دوافعه‪ ،‬على‬
‫للفرد اختيار ما يناسبه منها‪.‬‬ ‫حاجاته‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -‬توكيد الذات التعاطفي ‪l’affirmation de‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬فهم القيم� � ��ة ‪ la valeur‬التي مت اغتصابها‬

‫‪172‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 168-173.indd 172‬‬ ‫‪7/24/16 8:11:38 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ال‪« ،‬أنت على حق بأن تغضب»‬ ‫مع� � ��ه‪ :‬القول له‪ ،‬مث ً‬ ‫‪ :soi empathique‬يكم� � ��ن أساس � � �اً في اإلصغاء‪،‬‬
‫لكن دون س� � ��خرية أو لهج� � ��ة عدائية؛ األمر الذي‬ ‫قصد هنااإلصغاء‬ ‫وهو ليس باألمر الس� � ��هل‪ ،‬إذ يُ َ‬
‫يؤ ّدي إلى خفض رد الفعل عند هذا الش� � ��خص‪...‬‬ ‫إلى م� � ��ا يقوله اآلخر الذي ق� � ��د يكون على حق‪،‬‬
‫إلخ‪.‬‬ ‫مع أسبقية الشك اإليجابي بخصوصه كمخاطب؛‬
‫خالص� � ��ة الق� � ��ول‪ ،‬إن الس� � ��لوك العدواني هو‬ ‫مع وضع النفس مكان اآلخر لتف ّهم وضعه بشكل‬
‫ظاهرة طبيع ّية ترافق اإلنس� � ��ان في جميع مراحل‬ ‫ج ّيد‪ ،‬حيث تساعد متارين االسترخاء على تهدئة‬
‫تط � � � ّوره‪ ،‬وميكن حتديده كونه س� � ��لوكاً يُحدِ ث أذى‬ ‫االنفعال‪.‬‬
‫لآلخر أو للذات؛ وهو شديد التن ّوع لدرجة القول‪،‬‬ ‫‪ -‬األس� � ��طوانة املش� � ��روخة ‪:le disque rayé‬‬
‫ف� � ��ي النهاية‪ ،‬إ ّنه ليس هناك س� � ��وى عدد قليل من‬ ‫معرفة املثابرة على التعبير عن فكرة أو عن شعور‬
‫السلوك ّيات البشر ّية التي قد تخلو من العدوان‪.‬‬ ‫أو عن حاجة مع ّينة مع جتاهل العناصر الثانو ّية‪،‬‬
‫إ ّنه س� � ��لوك تختل� � ��ف مظاه� � ��ره والتعبير عنه‬ ‫عدم التح ّول عن مجرى احلديث وعدم التبرير من‬
‫باخت� �ل��اف عوام� � ��ل متع� � � ّ�ددة‪ ،‬كالوراثة وأس� � ��لوب‬ ‫جه� � ��ة‪ ،‬عدم االبتعاد عن النقطة املرغوب بالتعبير‬
‫التنشئة األس� � ��ر ّية واملستوى الثقافي واالقتصادي‬ ‫عنها‪ ،‬عدم االسترس� � ��ال في التفس� � ��ير مع جتنّب‬
‫واالجتماع� � ��ي‪ ...‬إلخ‪ ،‬كما يختلف على مس� � ��توى‬ ‫إمكان التالعب من قِ َبل اآلخر‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫وج� � ��ه نحو الذات‪ ،‬نحو اآلخرين)‪ ،‬على‬ ‫االتجّ اه ( ُم َّ‬ ‫‪ -‬معرف� � ��ة إيجاد تس� � ��وية‪savoir trouver un‬‬
‫مس� � ��توى الش� � ��كل (عدوان ما ّدي جسدي‪ ،‬عدوان‬ ‫‪( compromis‬ال ب� � ��د أن تختل� � ��ف آراؤنا وأذواقنا‬
‫معنوي لفظي‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫وأفكارنا واهتماماتنا ع� � ��ن آراء وأذواق اآلخرين‪،‬‬
‫وميك� � ��ن‪ ،‬أخي� � ��راً‪ ،‬الق� � ��ول ّ‬
‫بأن ه� � ��ذا العدوان‬ ‫ماس� � ��ة وإال‬
‫فتصب� � ��ح التس� � ��وية‪ ،‬عندئ� � ��ذ‪ ،‬حاجة ّ‬
‫ليس كلّه س� � ��لبياً‪ ،‬إذ هناك ن� � ��وع إيجابي قد يتم ّثل‬ ‫الستحال العيش املشترك)‪.‬‬
‫باملنافسة ويس� � ��اهم بإثبات الفرد لشخص ّيته‪ ،‬في‬ ‫‪ -‬جتريد الذات من الغضب ‪savoir désarmer‬‬
‫حني يتم ّثل النوع الس� � ��لبي (وه� � ��و املقصود غالباً‬ ‫‪ :sa propre colère‬ه� � ��و إجراء صعب‪ ،‬لكن ميكن‬
‫التحدث عن الس� � ��لوك العدوان� � ��ي) بالرغبة‬ ‫ّ‬ ‫لدى‬ ‫حتقيقه عبر القيام باس� � ��ترخاء سريع يُت َبع من ث ّم‬
‫قصد به‬ ‫في إحل� � ��اق األذى باآلخرين أو بالذات ويُ َ‬ ‫بتحليل وضع ّية اآلخر مع أسبق ّية الشك اإليجابي‪.‬‬
‫التخريب والتدمير‪.‬‬ ‫ومن األفضل تأجيل مناقشة مع ّينة على القيام بها‬
‫أخي� � ��راً‪ ،‬م� � ��ن غي� � ��ر املمكن حتديد الس� � ��لوك‬ ‫حتت تأثير الغضب‪.‬‬
‫العدوان� � ��ي دون ذكر التفاع� � ��ل املعقّد الذي يربط‬ ‫‪ -‬جتريد اآلخر من غضبه‪ :‬بعد جتريد الذات‬
‫ب� �ي��ن‪ :‬املعتدي والبيئ� � ��ة والضح ّي� � ��ة وطبيعة هذا‬ ‫َ‬
‫املخاطب‬ ‫من الغضب‪ ،‬ميتنع الف� � ��رد عن مقاطعة‬
‫التفاعل املس� � ��ؤول عن دينام ّي� � ��ة انتقال الفرد إلى‬ ‫وه� � ��و في ق ّم� � ��ة غضبه؛ وحني يهدأ ه� � ��ذا األخير‬
‫فعل االعتداء (العنف) ‪> le passage à l’acte‬‬ ‫يصبح باإلمكان استخدام توكيد الذات التعاطفي‬

‫ال يبلغ مكروه ًا‬

‫كلم معاوية بن أبي س ��فيان األحنف بن قيس في ش ��يء بلغه عنه‪ ،‬فأنكره‬
‫األحن ��ف فقال له معاوية‪ :‬أبلغن ��ي الثقة‪ ،‬فقال له األحنف‪ :‬إن الثقة ال يبلغ‬
‫مكروها‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫مواجهة العدوان ّيـة‬

‫‪aug 168-173.indd 173‬‬ ‫‪7/24/16 8:11:42 AM‬‬


‫برامج تتبنى الفن والموسيقى والدراما لألطفال‬
‫فاالنتينا ميرا‪ :‬العالج بالفنون مهم‬
‫لذوي االحتياجات الخاصة في العالم‬
‫حوار‪ :‬إبراهيم فرغلي‬

‫ال ي���زال العالج بالفنون أو ما يطلق عليه ‪ Art Therapy‬مجا ًال جديداً نس���بي ًا‬
‫ف���ي العال���م العرب���ي‪ ،‬مقارن���ة بمدى انتش���اره والتوس���ع في اس���تخدامه‬
‫ف���ي الغرب‪ ،‬ومع ذل���ك فهناك اليوم تج���ارب عديدة في ع���دد من الدول‬
‫مث�ل�ا‪ ،‬وغيرهما من دول العال���م العربي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العربي���ة‪ ،‬بينه���ا مص���ر والبحرين‬
‫الت���ي بدأت تهتم به���ذا المجال‪ .‬وه���و مجال يختص بع�ل�اج األطفال من‬
‫ذوي االحتياج���ات الخاص���ة بامتالك مه���ارات التعبير عن ال���ذات ومواجهة‬
‫مش���اكل عدم النم���و العقل���ي أو اإلصابة بأم���راض مزمنة‪ ،‬مث���ل التوحد‬
‫على س���بيل المثال‪ ،‬وأنواع من متالزمة داون سيندروم وسواها من أوجه‬
‫اإلصابة بأمراض جينية أو وراثية‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 174-178.indd 174‬‬ ‫‪7/24/16 8:12:00 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫أنطوني� � ��و ميرا في أحد األبح� � ��اث العلمية حول كيفية‬ ‫الباحثة والفنان� � ��ة اإليطالية فاالنتينا ميرا‪ ،‬واحدة‬
‫عالج األطفال من ذوي االحتياجات اخلاصة‪ ،‬وهو ما‬ ‫من املهتمات واملختصات به� � ��ذا املوضوع‪ ،‬وقد قطعت‬
‫وفر لي اكتساب اخلبرة في التعامل مع األطفال الذين‬ ‫ش� � ��وطاً كبيراً في الدراس� � ��ة األكادميية في هذا املجال‬
‫يعانون مش� � ��اكل صحية ونفسية خطيرة ويتم عالجهم‬ ‫الذي يجمع بني الدراس� � ��ة الفنية املتخصصة والتأهيل‬
‫في املستشفيات املتخصصة‪ .‬وفي إيطاليا يوجد عدد‬ ‫التعليم� � ��ي والتربوي‪ ،‬وكذلك في عل� � ��م النفس والطب‪،‬‬
‫من األكادمييات التي تتضمن أقس� � ��اماً للعالج بالفنون‪،‬‬ ‫كما أنه� � ��ا قامت بتصميم عدد م� � ��ن البرامج العالجية‬
‫وفيها تتمحور الدراس� � ��ة حول سبل عالج األطفال في‬ ‫بالفنون وقامت به� � ��ا في كل من البحرين ومصر‪ .‬وفي‬
‫املستش� � ��فيات باس� � ��تخدام الفنون واألل� � ��وان وعدد من‬ ‫ه� � ��ذا احلوار نتعرف على هذا املي� � ��دان املهم واجلديد‬
‫الدراسات املتخصصة األخرى املتعلقة باملوضوع‪.‬‬ ‫في عالج األطفال وطبيعة هذا التخصص‪ ،‬كما نتعرف‬
‫< كيف ميكن املزج هنا بني مجالني يبدوان بعيدين‬ ‫على مس� � ��تقبل هذا النوع من العالج في العالم العربي‬
‫ع ��ن بعضهما البعض نس ��بي ًا وهما الف ��ن والطب؟ وما‬ ‫في املس� � ��تقبل القريب‪ ،‬وطبيعة برامج العالج التي تتم‬
‫املؤه�ل�ات التي ينبغ ��ي أن يتمتع بها م ��ن يخوض هذه‬ ‫اآلن وجنحت ف� � ��ي خدمة آالف األطف� � ��ال في املعاهد‬
‫التجربة؟‬ ‫الطبية وبعض املدارس ودور رعاية األيتام وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة لي فإنني متخصصة في عالج األطفال‬ ‫< أود أن أب ��دأ احل ��وار معك حول طبيعة دراس ��تك‬
‫الذي� � ��ن يعانون صعوبات نفس� � ��ية وخصوص � � �اً من ذوي‬ ‫وتخصصك في مجال الفنون‪ ،‬وصو ًال لبداية االهتمام‬
‫االحتياج� � ��ات اخلاص� � ��ة‪ .‬ف� � ��ي مش� � ��روعاتي العالجية‬ ‫مبجال العالج بالفنون؟‬
‫أس� � ��تخدم ع� � ��ددا من الوس� � ��ائل الفني� � ��ة املختلفة‪ ،‬مثل‬ ‫ً‬
‫‪ -‬كان عم� � ��ري ‪ 13‬عام � � �ا حني التحقت مبدرس� � ��ة‬
‫الرس� � ��م‪ ،‬والكت� � ��ب املص� � ��ورة باعتبارها من الوس� � ��ائل‬ ‫الفنون باملعهد العالي للفنون في تشيرينيوال بإيطاليا‪،‬‬
‫املهمة لتط� � ��ور النمو الذاتي لكل طفل‪ ،‬واملس� � ��رح وفن‬ ‫وحصل� � ��ت على دبلوم في الدراس� � ��ات الفنية من معهد‬
‫اجلرافيك وأخيراً فيديوهات الرس� � ��وم املتحركة‪ .‬وكل‬ ‫تشيريونيوال‪ ،‬وتخرجت في أكادميية الفنون الحقاً في‬
‫مشروع يتم تصميمه وفقاً للظروف اخلاصة بكل طفل‬ ‫مدينة فودجا‪ ،‬بقسم التصوير‪ ،‬ثم التحقت بالدراسات‬
‫وطبيعة املش� � ��كالت التي يعانيها‪ .‬وبالنس� � ��بة لألطفال‬ ‫العليا في قس� � ��م تصمي� � ��م اجلرافي� � ��ك‪ ،‬وكان موضوع‬
‫ذوي االحتياج� � ��ات اخلاص� � ��ة فلكل منهم مش� � ��روعات‬ ‫الدراس� � ��ة مش� � ��روعاً للرس� � ��م لألطفال كعالج نفس� � ��ي‬
‫ال منهم‬ ‫عالج خاصة باس� � ��تخدام ورش وأدوات متنح ك ً‬ ‫باستخدام الفنون والفيديو آرت واملسرح‪.‬‬
‫الفرصة للتعبير عن نفسه‪.‬‬ ‫< متى بدأ اهتمامك فعليا بهذا الشأن؟‬
‫< ملاذا وقع اختيارك على مصر لكي تقومي بالعمل‬ ‫‪ -‬ب� � ��دأ اهتمامي جدي � � �اً مبوضوع الع� �ل��اج بالفن‬
‫فيها ببرامج عالج األطفال بالفنون؟‬ ‫لألطف� � ��ال منذ العام ‪ ،2013‬وف� � ��ي العام ‪ 2014‬أجنزت‬
‫‪ -‬لم يك� � ��ن اختي� � ��اري للعمل في مصر عش� � ��وائيا‬ ‫ورق� � ��ة بحثية حول املوضوع‪ .‬وش� � ��اركت ف� � ��ي مهرجان‬
‫في احلقيقة‪ ،‬فقد أردت أن أس� � ��هم في تنفيذ مش� � ��روع‬ ‫صيف� � ��ي لفنون األطف� � ��ال في دولة البحري� � ��ن في العام‬
‫عالجي لألطفال في هذا البلد اجلميل‪ .‬فقبل سنوات‬ ‫نفسه حتت رعاية وزارة الثقافة بالبحرين‪ ،‬كما شاركت‬
‫عدة حني كنت في القاهرة‪ ،‬وبالتحديد في منطقة عني‬ ‫ف� � ��ي مش� � ��روعات عدة للع� �ل��اج بالفنون ف� � ��ي عدد من‬
‫ش� � ��مس في شرق القاهرة‪ ،‬شاهدت عدداً من األطفال‬ ‫املدارس اإليطالية‪.‬‬
‫الذين كانوا يلعبون في الشارع‪ .‬وفي أحد األيام التقيت‬ ‫< ه ��ل العالج بالفن ��ون تخصص علمي؟ وكيف هو‬
‫بأم لطفلة من ذوي االحتياج� � ��ات اخلاصة‪ ،‬وصدمني‬ ‫وضعه كتخصص في إيطاليا؟ وإلى أي مدى منتش ��ر؟‬
‫أنه� � ��ا كانت تعتقد أن� � ��ه ال أمل لطفلته� � ��ا الصغيرة في‬ ‫وه ��ل هن ��اك مؤسس ��ات أكادميي ��ة متخصصة ف ��ي هذا‬
‫احلياة‪ .‬ومنذ تلك اللحظة أخذت على عاتقي الدراسة‬ ‫األمر؟‬
‫بتوس� � ��ع ومزيد م� � ��ن التخصص في مج� � ��ال الطفولة‪،‬‬ ‫‪ -‬العالج بالفن� � ��ون أصبح الي� � ��وم موضوعاً علمياً‬
‫وف� � ��ي كيفية عالج األطفال باس� � ��تخدام الفن‪ ،‬وقد ولد‬ ‫يش� � ��ترك فيه متخصصون في الفنون وفي علم النفس‬
‫مش� � ��روعي للعالج بالفن بهدف توس� � ��يع أفق األطفال‬ ‫والطب‪ .‬وفي الس� � ��نوات األخيرة س� � ��اعدني ش� � ��قيقي‬

‫‪175‬‬
‫فاالنتينا ميرا‪ :‬العالج بالفنون مهم لذوي االحتياجات اخلاصة في العالم‬

‫‪aug 174-178.indd 175‬‬ ‫‪7/24/16 8:12:03 AM‬‬


‫للعالج باس� � ��تخدام الدراما‪ ،‬وكل منها يستخدم أشكاالً‬ ‫الذين يحتاجون للمساعدة العالجية ولآلباء واألمهات‬
‫عديدة للتعبير‪ ،‬بينها الرسم‪ ،‬وغيره من الوسائل‪.‬‬ ‫بش� � ��كل خاص‪ ،‬لتأكيد أن أطفالهم ال يحتاجون إال إلى‬
‫أما في ما يتعلق بالعالم العربي‪ ،‬ففي بعض الدول‬ ‫بعض الدعم العالجي والتعليمي‪ .‬وكان تركيزي ينصب‬
‫العربية هناك مجموع� � ��ات من الفنانني الذين يقومون‬ ‫على منح مساحة للطفل من خالل الفن‪ :‬خالل الورش‬
‫بعم� � ��ل ورش للع� �ل��اج بالفن‪ ،‬لكني لس� � ��ت مطلعة على‬ ‫العالجية لألطفال كنت أس� � ��أل األطفال عن أحالمهم‪،‬‬
‫طبيعة البرامج العالجية التي يستخدمونها‪.‬‬ ‫فكل إنس� � ��ان يج� � ��ب أن يكون لديه حلم‪ .‬أس� � ��الهم عما‬
‫واآلن توجد في مستش� � ��فيات عدة مختصة بعالج‬ ‫يريدون أن يحققونه في حياتهم‪ ،‬وعما يحبونه بش� � ��كل‬
‫األطفال أقسام خاصة بالعالج بالفنون‪ ،‬مثل «مستشفى‬ ‫عام‪ .‬وباس� � ��تخدام األلوان أو أي أش� � ��كال فنية أخرى‬
‫طنطا لعالج س� � ��رطان األطفال ‪ »57357‬أو «مستشفى‬ ‫نقوم مبس� � ��اعدتهم على رسم ما يحلمون به أو تفسير‬
‫مجدي يعقوب لعالج وجراحة القلب» في أسوان‪.‬‬ ‫ما يقومون برسمه‪.‬‬
‫وبالنس� � ��بة لي فإنني أس� � ��تغل فرصة احملاضرات‬ ‫وقبل أش� � ��هر عدة وافقت مكتبة اإلسكندرية على‬
‫ال محاضرة قدمتها في‬ ‫التي أش� � ��ارك فيها‪ ،‬وبينها مث ً‬ ‫دعم مشروع تقدمت به لهم بعنوان «ألعاب خيال الظل»‪،‬‬
‫كلي� � ��ة الفنون اجلميلة بجامعة اإلس� � ��كندرية قبل فترة‪،‬‬ ‫وهو مش� � ��روع يتكون من ثالث ورش تتم إقامة كل منها‬
‫حي� � ��ث أركز دائما على مش� � ��اركة خبرات� � ��ي في مجال‬ ‫في املدارس واملستشفيات ودور األيتام وغيرها‪.‬‬
‫العالج بالفنون‪ ،‬وتوضيح الكيفية التي يس� � ��هم بها الفن‬ ‫< ما أوجه االختالف بني أوربا والعالم العربي في‬
‫في عالج األطفال‪ ،‬كما أؤكد للفنانني وطلبة الفنون أن‬ ‫حقل العالج بالفن؟‬
‫هذا العمل يحتاج إلى كثير من الدراس� � ��ة املتخصصة‪،‬‬ ‫‪ -‬توجد في أوربا مراكز متخصصة في متابعة هذا‬
‫وكثي� � ��ر من الصبر‪ ،‬ويحتاج إل� � ��ى طاقة صبر هائلة في‬ ‫الهدف‪ ،‬باإلضافة إلى مؤسس� � ��ات أهلية غير حكومية‬
‫احلقيق� � ��ة‪ .‬فكل مش� � ��روع عالجي يحتاج إلى دراس� � ��ة‬ ‫متخصصة في العالج بالفنون املختلفة‪ ،‬بينها مؤسسات‬
‫األهداف املتوخاة منه بحرص وتركيز‪ ،‬ومراعاة طبيعة‬ ‫عالج باملوس� � ��يقى‪ ،‬ومراكز للعالج بفن الرقص‪ ،‬وأخرى‬

‫اللون والشكل واملهارة تعني الطفل على جتاوز اإلعاقة‬

‫‪176‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 174-178.indd 176‬‬ ‫‪7/24/16 8:12:14 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫العالج بالفن يشمل املراحل العمرية كافة‬

‫عمر الطفل‪ ،‬وباختالف الهدف احملدد من العالج‪ ،‬كما‬ ‫األطفال املوجه لهم املش� � ��روع واحتياجاتهم ومتوس� � ��ط‬
‫س� � ��بق أن وضحت ل� � ��ك‪ .‬كما أن درج� � ��ة إصابة الطفل‬ ‫أعمارهم‪ .‬فكل مشروع عالجي بالفن البد أن يتضمن‬
‫باإلعاق� � ��ة الذهنية مث� �ل��ا قد حتدد طبيع� � ��ة البرنامج‬ ‫ثالثة عناصر رئيسة‪:‬‬
‫العالجي الذي يت� � ��م تصميمه من أجله‪ ،‬وهكذا‪ .‬واملهم‬ ‫‪ -‬العالج بالفن‪.‬‬
‫أن تتواف� � ��ر في كل برنامج عالجي ف� � ��رص كبيرة تتيح‬ ‫‪ -‬اجلانب التعليمي في املشروع‪.‬‬
‫للطفل املستهدف أن يعبر عن نفسه بشكل جيد فهذه‬ ‫‪ -‬اجلانب اإلنساني‪.‬‬
‫من أه� � ��م األهداف ألنها تيس� � ��ر عالج املش� � ��اكل التي‬ ‫فكل طفل من حقه أن يحصل على وس� � ��يلة للعالج‬
‫يعانيه� � ��ا‪ .‬وقد منحتني هذه اخلبرات ش� � ��عوراً عاطفياً‬ ‫بالفن‪ ،‬وامتالك أدوات تتيح له التعبير عن نفسه‪.‬‬
‫قوياً‪ ،‬خصوصا خالل الورش التي يش� � ��ارك فيها اآلباء‬ ‫وأمتن� � ��ى أن تقوم اجلامعات األكادميية في الدول‬
‫معنا للتفاعل وفهم طريقة عمل البرنامج العالجي‪.‬‬ ‫العربية بتبني إنشاء أقسام متخصصة للعالج بالفن في‬
‫< م ��ا الفئ ��ات االجتماعي ��ة األكث ��ر تقب�ل ً�ا وتفهم ًا‬ ‫الكليات املختلفة إلعداد الدارسني والفنانني للحصول‬
‫لهذا النوع من العالج؟‬ ‫على اخلبرة في التعامل مع األطفال احملتاجني للرعاية‬
‫‪ -‬خالل عملي في مص� � ��ر‪ ،‬تعاملت مع أطفال من‬ ‫العالجية والطبية بهذه الوسائل‪.‬‬
‫الطبقات املوسرة‪ ،‬لكني أيضا تعاملت مع الفقراء أكثر‬ ‫< ه ��ل تتواف ��ر ل ��كل طف ��ل يتلقى ورش ��ة عالجية‬
‫بكثير‪ .‬أذكر أطفاالً لم يكونوا سمعوا أبداً عن «مسرح‬ ‫فرص ��ة احلصول عل ��ى النتائج العالجية نفس ��ها التي‬
‫ال‪ ،‬أو حتى مس� � ��رح العرائس‪ .‬ولم يكن‬ ‫خيال الظل» مث ً‬ ‫حتقق له الش ��فاء مما يعانيه أم أنها تختلف من طفل‬
‫لديهم ف� � ��ي منازلهم ألوان أو حتى أق� �ل��ام ألنها تعتبر‬ ‫آلخر؟‬
‫مكلفة بالنسبة ألوضاع أهلهم االقتصادية‪ .‬لكن الطيبة‬ ‫‪ -‬البرنامج العالجي يختلف في احلقيقة باختالف‬

‫‪177‬‬
‫فاالنتينا ميرا‪ :‬العالج بالفنون مهم لذوي االحتياجات اخلاصة في العالم‬

‫‪aug 174-178.indd 177‬‬ ‫‪7/24/16 8:12:17 AM‬‬


‫الفنون تفتح الطريق للصحة النفسية‬

‫وفقاً لتشخيص كل مرض‪.‬‬ ‫والبساطة اللتني يتمتع بهما هؤالء الناس كانتا تتضحان‬
‫والهدف النهائ� � ��ي للعالج بالفن ‪ ،Art Therapy‬أن‬ ‫من خالل انفعاالتهم ومش� � ��اعرهم‪ ،‬في رسومهم‪ ،‬وفي‬
‫يعم� � ��ل على اكتش� � ��اف الطفل لذات� � ��ه وقدراته التي قد‬ ‫السعادة التي يشعرون بها وهم يرون ابتسامات ذويهم‬
‫يكون غير قادر على اكتشافها بنفسه‪ .‬وذلك من خالل‬ ‫املشجعة وفي محاوالتهم إلسعاد أطفالهم مبشاركتهم‬
‫فعاليات النشاط الفنية املختلفة‪ ،‬أما اجلانب العالجي‬ ‫التلوين أو اللعب بالدمى والعرائس‪.‬‬
‫فيتوقف عل� � ��ى قدرات ومه� � ��ارات املتخصصني لقيادة‬ ‫< كي ��ف تتعامل�ي�ن م ��ع األطف ��ال الع ��رب خ�ل�ال‬
‫األطفال في طريق العالج والتعبير عن ذواتهم‪.‬‬ ‫البرامج العالجية؟ وبأي لغة؟‬
‫< كيف ترين مس ��تقبل ه ��ذا التخصص في العالم‬ ‫‪ -‬احلقيق� � ��ة لغتي العربية ليس� � ��ت جي� � ��دة‪ ،‬ولذلك‬
‫العربي؟‬ ‫أس� � ��تخدم اإلجنليزية البس� � ��يطة‪ ،‬ويقوم فريق رائع من‬
‫‪ -‬هن� � ��اك في الواقع مؤش� � ��رات عدي� � ��دة تدل على‬ ‫املس� � ��اعدين واملتطوع� �ي��ن والفنانني بترجم� � ��ة ما أقول‬
‫ارتف� � ��اع االهتمام به� � ��ذه املقاربة العالجي� � ��ة في العالم‬ ‫لألطفال‪ ،‬ولكن أه� � ��م طريقة للح� � ��وار والتفاعل بيني‬
‫العرب� � ��ي‪ ،‬م� � ��ا يؤك� � ��د أنها س� � ��تلقى اهتمام� � ��ا أكبر في‬ ‫وبني األطفال هي لغة الفن‪ ،‬وهي لغة عاملية يس� � ��تطيع‬
‫السنوات املقبلة‪ .‬لكن ال بد من التأكيد أن العالج بالفن‬ ‫اجلميع فهمها بسهولة‪ ،‬خصوصاً حني أستخدم الدمى‬
‫يحتاج إلى دراس� � ��ة مكثف� � ��ة‪ ،‬وخصوصاً في باب إعداد‬ ‫والعرائس‪ ،‬أو الرسم واأللوان‪.‬‬
‫وتأهيل وتدري� � ��ب الطلبة واملتطوع� �ي��ن للعمل في هذا‬ ‫< ف ��ي تقديرك إذا ب ��دأ االهتمام العرب ��ي أكادميي ًا‬
‫املجال‪ ،‬ولعلنا سنش� � ��هد في القريب برامج متخصصة‬ ‫مبثل هذا التخصص‪ ،‬فهل يجب أن يكون تابع ًا لكليات‬
‫لتدري� � ��ب وتعليم اخلبرات اخلاصة بالع� �ل��اج بالفنون‪.‬‬ ‫الفنون أم يلحق بالكليات الطبية املتخصصة؟‬
‫وهن� � ��اك حم� � ��اس متزايد م� � ��ن اجلهات املس� � ��ؤولة في‬ ‫‪ -‬أعتق� � ��د أن أي كلي� � ��ة مختصة بدراس� � ��ة العلوم‬
‫التعليم واحلكومات واألطباء واآلباء بتبني هذه املسألة‬ ‫اإلنس� � ��انية والفنون واآلداب يجب أن يكون بها قس� � ��م‬
‫واس� � ��تثمارها في مواجهة املتاعب النفسية واملشكالت‬ ‫متخص� � ��ص ف� � ��ي الع� �ل��اج بالفن� � ��ون‪ .‬اجلان� � ��ب الطبي‬
‫الصحية التي يعانيها بعض األطفال >‬ ‫األكادمي� � ��ي مختلف‪ ،‬وأكثر تخصص � � �اً علمياً خصوصاً‬

‫‪178‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 174-178.indd 178‬‬ ‫‪7/24/16 8:12:20 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬
‫المسابقة الثقافية‬

‫األدب الروسي‬

‫رواي ��ة يحك ��ي فيه ��ا نيق ��والي غوغ ��ول ع ��ن‬
‫محت ��ال يتعام ��ل بالبي ��ع والرهون ��ات عل ��ى‬
‫أرواح الن ��اس‪ .‬ويق ��ول فيها‪« :‬إن بعض الناس‬
‫‪5‬‬ ‫رواي ��ة كتبه ��ا ميخائي ��ل ش ��ولوخوف ال ��ذي‬
‫لم يحصل على ش ��هادة املدرس ��ة االبتدائية‪،‬‬
‫ولكنه رغم ذلك نال جائزة نوبل عام ‪.1965‬‬
‫‪1‬‬
‫يعيش ��ون ف ��ي ه ��ذا الوج ��ود كمج ��رد بق ��ع‬ ‫أ – الدون الهادئ‪.‬‬
‫ولطخات على شخصيات اآلخرين»‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلخوة كرامازوف‪.‬‬
‫أ‪ -‬املعلم ومارجريتا‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬آنا كارنينا‪.‬‬
‫ب– أرواح ميتة‪.‬‬
‫ج‪ -‬اإلخوة كارامازوف‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪2‬‬
‫رواي ��ة يحك ��ي فيه ��ا إيف ��ان تورغيني ��ف ع ��ن‬ ‫رواي ��ة كتبه ��ا في ��ودور دوستويفس ��كي ح ��ول‬
‫الصراع ��ات العائلية الت ��ي تدور حول تنافس‬ ‫موضوع اجلرمية وضمير القاتل الذي يفكر‬
‫جيل الش ��باب ض ��د األجيال األكبر س ��نا في‬ ‫في معنى مفهوم العدالة والقانون‪.‬‬
‫روسيا عام ‪.1860‬‬ ‫أ‪ -‬اآلباء والبنون‪.‬‬
‫أ‪ -‬اجلرمية والعقاب‪.‬‬ ‫ب – اجلرمية والعقاب‪.‬‬
‫ب‪ -‬آنا كارنينا‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الدكتور جيفاجو‪.‬‬
‫ج– اآلباء و البنون‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫رواي ��ة يحك ��ي فيه ��ا لي ��و تولس ��توي قص ��ة‬
‫اجتياح نابليون بونابارت لألراضي الروسية‪،‬‬
‫ثم انس ��حابه منه ��ا‪ ،‬نتيجة عجزه عن حتمل‬
‫شتاء روسيا القارص‪.‬‬
‫أ‪ -‬املعلم ومارجريتا‪.‬‬
‫ب‪ -‬أرواح ميتة‪.‬‬
‫ج – احلرب والسالم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫رواية يحكي فيها مكسيم غوركي عن أم فقيرة‬
‫مساملة‪ ،‬يقوم أوالدها بتعليمها في سن الكبر‬
‫ع ��ن السياس ��ة وحق ��وق املظلوم�ي�ن‪ ،‬ويق ��ول‬
‫فيها‪« :‬بعض الناس تعمى عيونهم من ش ��دة‬
‫اجل ��وع‪ ،‬وبعضه ��م تعم ��ى عيونه ��م من كثرة‬
‫الذهب»‪.‬‬
‫أ – األم‪.‬‬
‫ب‪ -‬اجلرمية والعقاب‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدون الهادئ‪.‬‬
‫‪179‬‬

‫‪aug 179-181.indd 179‬‬ ‫‪7/21/16 8:54:05 AM‬‬


‫‪9‬‬ ‫‪7‬‬
‫رواية يتناول فيها ليو تولستوي قضية الزواج‪،‬‬ ‫رواية يحكي فيها ميخائيل ليرمنتوف قصة‬
‫م ��ن خ�ل�ال حي ��اة زوج ��ة رج ��ل أرس ��تقراطي‬ ‫ش ��خص يعتب ��ره الناس بط�ل�ا‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬
‫يهمله ��ا زوجه ��ا‪ ،‬ويفتت ��ح تولس ��توي روايت ��ه‬ ‫«لطاملا تغذى الناس باحللوى حتى فس ��دت‬
‫باجلمل ��ة املش ��هورة‪« :‬كل العائالت الس ��عيدة‬ ‫ده ��م‪ ،‬وينبغ ��ي عليه ��م اآلن أن يتعاط ��وا‬
‫م َع ُ‬
‫تتش ��ابه‪ ،‬لك ��ن لكل عائل ��ة تعيس ��ة طريقتها‬ ‫العقاقير ا ُملرة حتى تشفى معدهم»‪.‬‬
‫اخلاصة في التعاسة»‪.‬‬ ‫أ‪ -‬بطل من هذا الزمان‪.‬‬
‫أ‪ -‬آنا كارنينا‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الدون الهادئ‪.‬‬
‫ب‪ -‬اجلرمية والعقاب‪.‬‬ ‫ج‪ -‬احلرب والسالم‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدون الهادئ‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬
‫رواي ��ة يط ��ور فيه ��ا ميخائي ��ل بولغاك ��وف‬ ‫رواي ��ة يحك ��ي فيها بوريس باس ��ترناك قصة‬
‫مس ��رحية غوت ��ة الش ��هيرة «فاوس ��ت»‪ ،‬حي ��ث‬ ‫طبي ��ب وش ��اعر يكاف ��ح وس ��ط اضطراب ��ات‬
‫يكتب عن شيطان يلحق الدمار مبوسكو‪.‬‬ ‫الثورة الروسية في سبيل احلب واحلياة‪.‬‬
‫أ‪ -‬الدكتور جيفاجو‪.‬‬ ‫أ‪ -‬اإلخوة كرامازوف‪.‬‬
‫ب‪ -‬بطل من هذا الزمان‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الدكتور جيفاجو‪.‬‬
‫ج‪ -‬املعلم ومارجريتا‪.‬‬ ‫ج‪ -‬احلرب والسالم‪.‬‬

‫جوائز املسابقة‬
‫اجلائزة األولى ‪ 100‬دينار‬
‫اجلائزة الثانية ‪ 75‬دينا ًرا‬
‫اجلائزة الثالثة ‪ 50‬دينا ًرا‬
‫باإلضافة إلى ‪ 8‬جوائز تشجيعية قيمة كل منها‬
‫‪ 40‬دينا ًرا‪.‬‬
‫شروط املسابقة‬
‫اإلجابة عن تس� � ��عة أسئلة على األقل من األسئلة‬
‫املنشورة‪ ،‬يكتب على الظرف مجلة العربي «مسابقة‬
‫العربي العدد ‪ .»693‬آخر موعد لوصول اإلجابات‬
‫هو أول نوفمبر ‪2016‬م‪ .‬على أن يكون االسم ثالثي ًا‬
‫(وباللغتني العربية واإلجنليزية) والعنوان البريدي‬
‫واضحني‪ ،‬ورقم الهاتف‪ ،‬وأن يرس� � ��ل املشاركون من‬
‫داخل الكويت صورة البطاقة املدنية‪.‬‬
‫ولن تقبل اإلجابات التي ترد إلى املجلة بواسطة‬
‫البريد اإللكتروني‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 179-181.indd 180‬‬ ‫‪7/21/16 8:54:09 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫حل مسابقة العدد ‪ 690‬مايو ‪2016‬‬


‫هو ثمرة تعاون مشترك بني الفيلسوف البريطاني‬ ‫من أش� � ��هر كتب الفيلس� � ��وف األملان� � ��ي مارتن‬
‫برتراند راس�� ��ل مع زميله ألفرد ن�� ��ورث هوايتهيد‪،‬‬ ‫‪6‬‬ ‫هايدجر‪ ،‬وقد صدره بإهداء لصديقه إدموند‬ ‫‪1‬‬
‫صدر عام ‪ :1910‬مبادئ الرياضيات‪.‬‬ ‫هوسرل في عام ‪ :1927‬الوجود والزمان‪.‬‬
‫كتاب وضعه فيلس�� ��وف العصور الوسطى املشهور‬
‫أوغسطينوس لتفس�� ��ير ما جرى من سقوط ملدينة‬
‫‪7‬‬ ‫مقال� � ��ة كتبها الفيلس� � ��وف األملان� � ��ي إميانويل‬
‫كانط في سبتمبر عام ‪1784‬م‪ ،‬ملناقشة سؤال‬
‫‪2‬‬
‫روما على يد القوط سنة ‪ 410‬ميالدية‪ ،‬ويعد أحد‬ ‫طرحته إحدى املس� � ��ابقات الفكرية املهمة في‬
‫أطول املؤلفات الفلسفية التي جمعت بني اخلواطر‬ ‫كونسبرج في بروسيا‪ :‬ما التنوير؟‬
‫الذاتية والتفلسف املدرسي‪ :‬مدينة الله‪.‬‬
‫كتاب للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر‪ ،‬صدر‬ ‫‪8‬‬
‫كتاب صدر في عام ‪ ،1762‬للفيلس�� ��وف الفرنسي‬
‫جان جاك روس�� ��و‪ ،‬وحظر وأُحرق في العام نفسه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫في عام ‪ ،1943‬يتضح فيه تأثر س�� ��ارتر الش�� ��ديد‬
‫ويحكى أن الفيلس�� ��وف األملان�� ��ي كانط كان يترقبه‬
‫بأفكار الفيلس�� ��وف مارتن هايدج�� ��ر‪ ،‬وقد ترجمه‬
‫بش�� ��غف كبير اضط�� ��ره إلى مخالف�� ��ة روتني حياته‬
‫املفك�� ��ر العرب�� ��ي عبدالرحمن بدوي ع�� ��ام ‪:1966‬‬
‫االعتيادي الثابت الذي اش�� ��تهر به ليكمل قراءته‪:‬‬
‫الوجود والزمان‪.‬‬
‫إميل أو التربية‪.‬‬
‫في عام ‪1740‬م‪ ،‬صدر كتاب الفيلسوف األسكتلندي‬
‫ديفيد هي�� ��وم والذي قال عنه الفيلس�� ��وف األملاني‬
‫‪9‬‬ ‫ه� � ��و الكت� � ��اب األش� � ��هر للفيلس� � ��وف األملاني‬
‫‪4‬‬
‫كان�� ��ط إن�� ��ه كان الس�� ��بب ف�� ��ي إفاقته من س�� ��باته‬ ‫ش� � ��وبنهاور‪ ،‬وقد صدر في ع� � ��ام ‪ ،1818‬وأثر‬
‫الدوغمائي‪ ،‬إال أن اس�� ��تقبال الق�� ��راء للكتاب كان‬ ‫بش� � ��كل كبير في أف� � ��كار الفيلس� � ��وف األملاني‬
‫فات�� ��راً‪ ،‬مم�� ��ا اضطر هي�� ��وم إلى تنقيح�� ��ه وتعديل‬ ‫نيتشه‪ :‬العالم إرادة ومتث ً‬
‫ال‪.‬‬
‫عنوانه وإعادة نش�� ��ره مرات عدة من دون جدوى‪:‬‬
‫بحث في الطبيعة البشرية‪.‬‬ ‫من كتب أرسطو التي صدرت في القرن الرابع قبل‬
‫امليالد‪ ،‬ويلخص فيه هدف اإلنس�� ��ان بأنه الس�� ��عي‬
‫‪5‬‬
‫كتاب يصف فيه الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت‬ ‫‪10‬‬ ‫لتحقيق الس�� ��عادة والنجاح من خالل التوسط بني‬
‫طريقته في ممارس�� ��ة التفلس�� ��ف من موقع الذات‬ ‫أمرين متطرفني‪ ،‬حيث الش�� ��جاعة هي التوس�� ��ط‬
‫املفكرة‪ ،‬وص�� ��در في ع�� ��ام ‪1636‬م‪ ،‬ويعده كثيرون‬ ‫ب��ي��ن تطرف اجل��ب��ن وتط�� ��رف الته�� ��ور‪ :‬األخالق‬
‫فاحتة الفلسفة احلديثة‪ :‬مقال في املنهج‪.‬‬ ‫النيقوماخية‪.‬‬

‫أسماء الفائزين‬
‫‪ - 2‬آن ��دي محمد حس ��ن حج ��ازي ‪ -‬جدة‪ /‬اململك ��ة العربية‬ ‫الفائز األول‪:‬‬
‫السعودية‪.‬‬ ‫حسن مكي حسن‪ /‬مدينة حمد ‪ -‬مملكة البحرين‪.‬‬
‫‪ - 3‬عنايات راغب علي الشرفا ‪ -‬محافظة الفروانية‪ /‬الكويت‪.‬‬ ‫الفائز الثاني‪:‬‬
‫‪ - 4‬صابر محمد صميدة ‪ -‬املنستير‪ /‬تونس‪.‬‬ ‫سعود بن علي بن حمدان‪ /‬والية السيب ‪ -‬سلطنة ُعمان‪.‬‬
‫‪ - 5‬سمية عبدالكرمي محمد ‪ -‬احملرق‪ /‬مملكة البحرين‪.‬‬ ‫الفائز الثالث‬
‫‪ - 6‬محمد مصطفى محمد اخلطيب ‪ -‬محافظة قنا‪ /‬مصر‪.‬‬ ‫محمد حسن الشيبة‪ /‬الدوحة ‪ -‬قطر‪.‬‬
‫‪ - 7‬عبدالله أحمد محمد العلي ‪ -‬الهفوف‪ /‬اململكة العربية‬ ‫الفائزون باجلوائز التشجيعية‬
‫السعودية‪.‬‬ ‫‪ - 1‬ياسر السيد سويلم ‪ -‬محافظة دمياط‪ /‬مصر‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫املسابقة الثقافية‬

‫‪aug 179-181.indd 181‬‬ ‫‪7/21/16 8:54:12 AM‬‬


‫للتصوير الفوتوغرافي‬

‫الفائزة األولى‪:‬‬
‫«النحل والربيع»‪ ،‬بعدسة‪ :‬فاتن عبداحلميد سالمة‪ /‬تونس‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ضمن سعيها الكتش� � ��اف طاقات‬
‫إبداعية عربية‪ ،‬تنش� � ��ر «العربي»‬
‫نتائج مسابقتها الشهرية ألفضل‬
‫الصور الفوتوغرافية‪ .‬املس� � ��ابقة‬
‫مفتوحة لكل املصورين في الوطن‬
‫العربي‪ .‬وتختار جلنة حتكيم في‬
‫«العرب� � ��ي» ثالث ص� � ��ور للحصول‬
‫على ثالث جوائز شهرية‪ .‬على أن‬
‫مينح الفائزون التالون اشتراكات‬
‫مجاني� � ��ة مبجلة العرب� � ��ي كجوائز‬
‫تش� � ��جيعية ملدة عام كام� � ��ل‪ ،‬كما‬
‫تنش� � ��ر الص� � ��ور الفائ� � ��زة باملراكز‬
‫األولى‪.‬‬

‫املشاركون في املسابقات الثقافية‬


‫والفوتوغرافية والعربي الصغير‬
‫م��ن داخ ��ل دول ��ة ال �ك��وي��ت‪ ،‬يجب‬
‫أن ترفق رسائلهم بصور البطاقة‬
‫امل��دن �ي��ة وال��ه��ات��ف‪ ،‬واملشاركون‬
‫القصر ي��رس�ل��ون ص��ور البطاقة‬
‫املدنية ألحد األبوين‪.‬‬

‫شروط املسابقة‬
‫< املجاالت التي يتم التنافس فيها هي فنون الصور الشخصية‪ ،‬جماليات الطبيعة اخلالبة ورصد احلياة البرية‪ ،‬املدن والطرقات وحركة املجتمع في سعيه‬
‫لبناء احلياة‪ ،‬التصوير في اإلضاءة املتاحة وتباين األبيض واألس� � ��ود‪ ،‬توثيق العمارة العربية واإلس� �ل��امية والتراث العاملي‪ ،‬ويحق لكل متنافس االش� � ��تراك في‬
‫هذه املجاالت‪ < .‬األعمال الفائزة تصبح ملكاً ملجلة العربي‪ ،‬ويجوز لها نش� � ��رها بأي وس� � ��يلة إلكترونية أو طباعية مع االحتفاظ بامللكية املعنوية للمصور‪ ،‬وال‬
‫يحق للمشارك املطالبة باسترجاع الصور غير الفائزة‪ < .‬على املشاركني مراعاة املعايير األخالقية والقانونية في الصور املقدمة‪ ،‬ومبشاركة املتسابق يتعهد‬
‫بتحمل� � ��ه حق� � ��وق امللكية الفكرية واخلصوصية للصور‪ < .‬تكون الصور األصلية املطبوعة بحجم مناس� � ��ب ال يقل عن ‪( 5x7‬أقصر ضلع ‪ 12‬س� � ��م)‪ ،‬مع ضرورة‬
‫تس� � ��جيل جميع البيانات اخلاصة باملوضوع (مثل مكان التصوير‪ ،‬وتاريخ التصوير وموضوع الصورة)‪ ،‬وعنوان املتس� � ��ابق‪ ،‬واسمه الثالثي (باللغة اإلجنليزية)‪،‬‬
‫ورقم هاتفه‪ < .‬الصور الرقمية املرسلة بالبريد اإللكتروني‪ ،‬ال يقل طول (أقصر ضلع) في الصورة عن ‪ 1900‬بكسل‪( ،‬تعادل ‪ 5‬ميجا بكسل تقريباً) ويجب أن‬
‫تكون صيغتها ‪ ، jpg‬مع ذكر جميع البيانات الس� � ��ابقة‪ < .‬لن تقبل الصور التي حتتوي على إطارات إضافية أو توقيع أو تاريخ أو عبارات مطبوعة‪ < .‬ترس� � ��ل‬
‫الصور إلى عنوان «العربي»‪ :‬صندوق بريد ‪ ،748‬الرمز البريدي‪ ،13008 ،‬الصفاة‪ ،‬دولة الكويت‪ .‬ويكتب على املغلف بخط واضح‪ :‬مسابقة «العربي» الشهرية‬
‫للتصوير الفوتوغرافي‪ ،‬أو على البريد اإللكتروني ‪alarabi@alarabi.info‬‬

‫‪182‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 182-183.indd 182‬‬ ‫‪7/21/16 8:55:02 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫اجلائزة الثالثة‬ ‫اجلائزة الثانية‬ ‫اجلائزة األولى‬


‫د‪.‬ك‬ ‫‪50‬‬ ‫د‪.‬ك‬ ‫‪75‬‬ ‫د‪.‬ك‬ ‫‪100‬‬

‫‪2‬‬
‫الفائز الثاني‪:‬‬
‫«وجه من الريف»‪،‬‬
‫بعدسة‪ :‬محمد إبراهيم‬
‫حسن عويس‪ /‬مصر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفائز الثالث‪:‬‬
‫«هدوء البحيرة ‪-‬‬
‫بحيرة قارون»‪ ،‬بعدسة‪:‬‬
‫إبراهيم حسني‬
‫مصطفى‪ /‬مصر‪.‬‬

‫الفائزون باشتراكات مجانية في مجلة العربي‪:‬‬


‫< بوملطة عبدامللك بن علي‪ /‬اجلزائر‪ < .‬إبراهيم مختار محمد‪ /‬مصر‪ < .‬سارة نبيه محمد عبدالرزاق‪ /‬مصر‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫مسابقة التصوير الفوتوغرافي‬

‫‪aug 182-183.indd 183‬‬ ‫‪7/21/16 8:55:08 AM‬‬


‫من المكتبة العربية‬

‫عمان‪....‬‬
‫«أسرار َّ‬
‫تحقيقات في ذاكرة المدينة»‬
‫تأليف‪ :‬محمد أبوعريضة‬
‫كاتب من األردن‬
‫كاتب ومحلل سياسي من األردن‬ ‫عرض‪ :‬محمد شريف الجيوسي‬

‫تناول الباح����ث األردني االس����تقصائي محمد‬


‫أبوعريضة مس����ائل كثيرة ف����ي كتابه الصادر‬
‫عمان‪ ...‬تحقيقات في‬ ‫حديث ًا بعنوان «أس����رار َّ‬
‫ذاك����رة المدين����ة»‪ ،‬جاء عل����ى رأس����ها األحياء‬
‫عم����ان‪ ،‬وق����د‬
‫التاريخي����ة للعاصم����ة األردني����ة َّ‬
‫أطلق أبو عريضة على هذه األحياء أس����ماء‬
‫معب����رة تتس����اوق م����ع طبيعته����ا وتاريخه����ا‬
‫ودورها‪ ،‬فكان الحي اآلسيوي الذي يقطنه‬
‫آس����يويـون وآس����يويــات قـــدم����ن للخدم����ة‬
‫ف����ي المنازل‪ ،‬وم����ا يس����تـــتــبع م����ن عالقات‬
‫ومـــش����كالت اجتـمــاعـــي����ة وخصوصـــي����ات‬
‫رسمت الحي بطابعه؛ إلى حد أن تط ّلق أسرة ابنتها لمجرد أن الخطيب‬
‫أو الزوج يقطن ذلك الحي‪.‬‬

‫عمان‪،‬‬
‫وصول أفواج املهاجرين الشراكس������ة إلى َّ‬ ‫م������ن أحياء عم������ان حي جبل القلع������ة‪ ،‬الذي‬
‫من بينه������م احلاج يعق������وب الذي عم������ل طاهياً‬ ‫قطنت������ه في فت������رة عائ���ل��ات تولى أف������راد منها‬
‫لدى امللك عبدالله األول‪ ،‬ومربية امللك حس���ي��ن‬ ‫مسؤوليات جس������اماً في س������لم الدولة األردنية‬
‫واس������مها مؤنسات‪ ،‬وكان امللك دائم الزيارة لهما‬ ‫ومنها عائل������ة أبوالراغب‪ ،‬ويش������رف احلي على‬
‫قبل أن يتوفيا‪.‬‬ ‫عم������ان وامل������درج الروماني‬
‫أج������زاء من وس������ط َّ‬
‫وقد أعادت الفورة النفطية للحي التجاري‪،‬الواقع‬ ‫والساحة الهاشمية ومجمع رغدان‪ ،‬مشيراً إلى‬
‫في وسط البلد ألقه‪ ،‬والذي كان يعج بأسواق األحذية‬ ‫رواية زياد القاس������م «أبناء القلعة»‪ ،‬التي س������جل‬
‫واإللكتروني� � ��ات واحملام� � ��ص والصيدليات وعيادات‬ ‫فيها تفاصي������ل حياة الناس في اجلبل على نحو‬
‫األطباء‪ ،‬وقد س� � ��جل أبوعريضة مالم� � ��ح التغيرات‬ ‫مميز‪ .‬وقد بدأت احلياة تعود إلى هذا احلي مع‬

‫‪184‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 184-187.indd 184‬‬ ‫‪7/21/16 8:55:38 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الطارئ� � ��ة عل� � ��ى احلي وانتق� � ��ال أهميت� � ��ه الحقاً إلى‬
‫األطراف‪ ،‬مش� � ��يراً إلى القبط� � ��ي صانع أحذية امللك‬
‫حس� �ي��ن‪ ،‬والتأثير السلبي لالس� � ��تيراد على صناعة‬
‫األحذية ف� � ��ي ع َّمان‪ ،‬وتطور اقتناء وس� � ��ائل اإلعالم‬
‫الحي السياسي والحي‬ ‫ونوعي� � ��ة احلاصلني عليها وتراج� � ��ع دور وأهمية ُدور‬
‫الس� � ��ينما‪ ،‬وحركة فتح التي كانت تطبع جريدتها في‬
‫الصناعي وأحياء النبالء‬ ‫مطبعة ق� � ��رب درج يؤدي إلى ش� � ��ارع قبرطاي‪ ،‬فيما‬
‫واآلسيويين‬ ‫اتخذت ش� � ��خصيات سياسية من وس� � ��ط العاصمة‬
‫عيادات لها مثل منيف الرزاز وعبدالرحمن شقير‪.‬‬
‫وحظي احلي السياس� � ��ي باهتم� � ��ام أكثر من‬
‫في «الرينبو»‬ ‫خاص لدى املؤلف أبو عريضة‪ ،‬وهو احلي الواقع‬
‫على ش� � ��وارع ميني ويسار ش� � ��ارع الرينبو (ما قبل‬
‫كانت تصاغ السياسات‬ ‫الدوار األول)‪ ،‬وهو املربع الذي قطنه صنَّاع تاريخ‬
‫األردن احلدي� � ��ث‪ ،‬متحدثاً ع� � ��ن أن مفردة الرينبو‬
‫تحوالت سلبية وإيجابية‬ ‫(‪ Rainbow‬ق� � ��وس ق� � ��زح) ال� � ��ذي تكنّى الش� � ��ارع‬
‫به� � ��ا تعني ألوان الطيف‪ ،‬حي� � ��ث إن قاطنيه كانوا‬
‫في «الحي الصناعي»‬ ‫ميثلون مختلف ألوان الطيف السياس� � ��ي األردني‬
‫بتناقضاته املختلفة إلى منتصف الربع الثالث من‬
‫حي النبالء‪ ،‬هادئ‬ ‫عمان دور في نش� � ��وء‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬وكان لبلدية َّ‬
‫هذا احلي وبدايات جب� � ��ل اللويبدة‪ ،‬عندما بدأت‬
‫أرسـتـقراطي‪ ...‬يوشك تجار‬ ‫سفحي جبلي عمان واللويبدة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫بضخ املياه إلى‬
‫ويع� � ��ود الباح� � ��ث إلى موس� � ��وعة محمد رفيع‬
‫العقار أن يأتوا عليه‬ ‫بأجزائه� � ��ا الثالثة «ذاكرة مدينة» وكتاب «س� � ��يرة‬
‫مدينة» لعبدالرحمن منيف‪ ،‬الذي أش� � ��ار إلى أن‬
‫ذه� � ��اب األوالد إلى ملعب «كوب� � ��ان» الواقع خلف‬
‫غرف� � ��ة صناع� � ��ة عم� � ��ان‪ ,‬اآلن‪ ،‬كان يعتبر مغامرة‬
‫يعاقبون عليها من األهل‪.‬‬
‫حترياً جلأ إلى بيت العودات في احلي السياسي‪،‬‬ ‫وسجل الباحث مفارقة غريبة‪ ،‬أن عبدالرحمن‬
‫عندما بدا ل� � ��ه أن جمهور املتظاهرين في أعقاب‬ ‫أرش� � ��يدات‪ ،‬الذي قطن منزل املعتمد البريطاني‬
‫ح� � ��ل مجلس النواب في ‪ 7‬يناير ‪1956‬؛ اكتش� � ��فوا‬ ‫في احل� � ��ي السياس� � ��ي‪ ،‬كان أح� � ��د أعضاء جلنة‬
‫هويته‪ ،‬فتوج� � ��ه املتظاهرون إلى من� � ��زل العودات‬ ‫الوصاية على عرش امللك حس� �ي��ن‪ ،‬فيما كان ابنه‬
‫للقب� � ��ض على التح� � ��ري‪ ،‬الت� � ��ي كان ابنه� � ��ا نعيم‬ ‫نبيه أرش� � ��يدات‪ ،‬من أكثر الش� � ��يوعيني األردنيني‬
‫شيوعياً‪ ،‬لكن أس� � ��رة العودات حمت التحري ولم‬ ‫تش� � ��دداً‪ ،‬ومكث ش� � ��هوراً من خمس� � ��ينيات القرن‬
‫تس� � ��مح للمتظاهرين بالقبض عليه‪ ،‬حيث أصبح‬ ‫املاض� � ��ي في قبو مظلم لطباع� � ��ة جريدة احلزب‪،‬‬
‫التح� � ��ري وفق العادات العش� � ��ائرية في حمايتهم‪،‬‬ ‫وقد خلّد الروائي العربي الس� � ��وري اليساري حنا‬
‫لك� � ��ن ذلك لم يحل في اليوم التالي دون أن يدعي‬ ‫مينة واقعة نبيه أرشيدات في روايته «الثلج يأتي‬
‫التح� � ��ري على املتظاهرين ومنه� � ��م نعيم العودات‬ ‫من النافذة» حيث أوحت جتربة أرشيدات بفكرة‬
‫الشيوعي الذي حماه!‬ ‫الرواية حلنا مينة وأهداها له‪.‬‬
‫ومن املفارقات التي ساقها الباحث‪ ،‬أن أفراداً‬ ‫ومن املفارقات التي س� � ��جلها أبو عريضة‪ ،‬أن‬

‫‪185‬‬
‫عمان‪ ....‬حتقيقات في ذاكرة املدينة»‬
‫«أسرار َّ‬

‫‪aug 184-187.indd 185‬‬ ‫‪7/21/16 8:55:42 AM‬‬


‫وأطل� � ��ق أبو عريضة على بقي� � ��ة جبل اللويبدة‬ ‫من الشرطة كانوا يبلغون أسرة آل نفاع الشيوعية‬
‫مسمى حي النبالء‪ ،‬الذي استنكر في حديثه عنه‬ ‫مس� � ��بقاً (من مواطني احلي السياسي) مبواعيد‬
‫فلس� � ��فته عن املكان‪ ،‬مس� � ��تعرضا مفاصل ومزايا‬ ‫حمالت املداهمة التي نفذتها املخابرات عشرات‬
‫وخصوصيات هذا احلي‪ ،‬الهادئ األرس� � ��تقراطي‬ ‫املرات في اخلمس� � ��ينيات‪ ،‬وكان من سكان احلي‬
‫الثقافي والفني التعبيري والتش� � ��كيلي واإلعالمي‬ ‫بعض الشيوعيني‪ ،‬من بينهم عيسى مدانات‪.‬‬
‫والسياسي واألدبي‪ ،‬والدراجات والنادي األوملبي‪،‬‬ ‫وممن قطن احلي أيضاً رئيس الوزراء األسبق‬
‫مبرزاً كمثال‪ ،‬أن أكثر من ‪ 30‬فناناً تشكيليا يعيشون‬ ‫الشريف عبداحلميد ش� � ��رف وعالوي الكباريتي‬
‫اليوم ف� � ��ي اللويبدة‪ ،‬ب� � ��أدق تفاصيل� � ��ه‪ ،‬لكن هذا‬ ‫والد رئيس الوزراء األسبق عبدالكرمي الكباريتي‬
‫احلي‪ /‬اجلبل بات يُخش� � ��ى عليه من هجوم جتار‬ ‫وقائ� � ��د اجليش اجلنرال اإلجنليزي غلوب باش� � ��ا‬
‫العقار؛ الذين يتحرك� � ��ون لطمس معامله‪ ،‬وإغراق‬ ‫قبل طرده واملعتمد البريطاني‪ ،‬كما قطنه قوميون‬
‫احللم باملشاريع اإلسكانية ومبان مسطحة تفتقر‬ ‫ع� � ��رب من بينهم كمال وعلي منكو ونزار جردانة‪.‬‬
‫إلى نكهة املكان القدمي‪.‬‬ ‫كما سكنه سعيد املفتي وتوفيق أبوالهدى وإبراهيم‬
‫ودعا الكاتب بلس� � ��ان الفنان التشكيلي عصام‬ ‫هاشم (رؤساء وزارات س� � ��ابقون)‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫طنطاوي في نطاق حديثه عن قصة عشقه جلبل‬ ‫عمر حكمت والرأس� � ��مالي الكبي� � ��ر رياض املفلح‬
‫اللويبدة‪ ،‬إلى تأسيس هيئة مستقلة غايتها احلفاظ‬ ‫وخليل ش� � ��قير (الذي حتول منزله إلى دار شقير‬
‫على معالم ومالمح جبل اللويبدة‪ ،‬ومنع أي تغيير‬ ‫للثقافة والتراث)‪.‬‬
‫فيه‪ ،‬بل ترميم املباني القدمية‪ .‬ويشاطره في ذلك‬ ‫كما قطن احلي د‪ .‬عبدالرحمن شقير (األمني‬
‫الفهم احملاس� � ��ب القانوني عالء الدين احلسيني‪،‬‬ ‫العام للجبهة الوطنية في اخلمس������ينيات قبل أن‬
‫الذي بدأ يشعر أن حتوالت عميقة تعصف باملكان‬ ‫يغادر إلى س������ورية)‪ ،‬وعائلة العس������لي احلجازية‬
‫بدأت تفقده بعضاً من جوهره‪ .‬ويرى أبو عريضة‬ ‫التي تنتمي إليها وال������دة عبدالله األول‪ ،‬وصالح‬
‫أن هذا قد يكون الس� � ��بب الذي دفع بعض األسر‬ ‫منصور الصايغ الذي كان أول من أدخل اخلزنة‬
‫ملغادرة املكان‪.‬‬ ‫احلديدية إلى األردن‪ ،‬وفتح محالت لبيع التمور‬
‫وإذ يطل� � ��ق أبو عريضة عل� � ��ى اللويبدة وصف‬ ‫والسمن احلجازي‪ ،‬وكان يطيب للملكني عبدالله‬
‫«اجلبل احلي»‪ ،‬فيرى أنه يحمل في كل ذرة تراب‬ ‫األول وط���ل��ال تن������اول القهوة ووجبات الس������ليق‬
‫فيه ذاكرة عظيم� � ��ة‪ ،‬وألن امل� � ��كان مرتبط ابتدا ًء‬ ‫عنده‪.‬‬
‫ببداية نش� � ��أة الدولة األردنية‪ ،‬فإن حمايته واجب‬ ‫ً‬
‫كما قطن شارع الرينبو أيضا امللك طالل قبل‬
‫وطني‪ ،‬ويكفي احلي إضافة إلى كل ما ورد آنفاً أنه‬ ‫أن يصبح ملكاً مقابل منزل العودات (وهو املنزل‬
‫احلي الوحيد في األردن‪ ،‬الذي حتظى ش� � ��وارعه‬ ‫ال� � ��ذي ولد فيه األمراء حس� �ي��ن ومحمد وحس� � ��ن‬
‫بأس� � ��ماء ش� � ��عراء وأدباء‪ ،‬كان لهم األث� � ��ر الكبير‬ ‫وبسمة) على مقربة من بيت الشيوعيني‪.‬‬
‫في حياة ش� � ��عوبهم‪ ،‬مثل‪ :‬أحمد ش� � ��وقي وحافظ‬ ‫يق� � ��ول أبو عريضة إن مربع احلي السياس� � ��ي‬
‫إبراهي� � ��م وإبراهيم طوق� � ��ان والف� � ��رزدق وجرير‬ ‫يتكون م� � ��ن ‪ 4‬ش� � ��وارع متوازية تقريب � � �اً‪ ،‬تتقاطع‬
‫واألخطل ومحمد إقبال ومحمد بيرم التونس� � ��ي‬ ‫معه� � ��ا أكثر من ‪ 10‬ش� � ��وارع وأزقة‪ ،‬وس� � ��كن ذاك‬
‫ومؤنس الرزاز وحسني فريز وغيرهم‪.‬‬ ‫املربع في اخلمسينيات‪ ،‬مزيج متباين من الناس‪:‬‬
‫عمان؛ احل� � ��ي الصناعي‪ ،‬حيث‬ ‫ومن أحي� � ��اء َّ‬ ‫ش� � ��يوعيون وبعثيون وقوميون عرب ورجال حكم‬
‫عرض أبوعريضة للتحوالت الس� � ��لبية لذلك (فال‬ ‫وجتار كبار وغيره� � ��م‪ ،‬ومزيج متناقض من ألوان‬
‫رائح� � ��ة اخلبز وطعمه‪ ،‬كما كانا في الس� � ��ابق‪ ،‬وال‬ ‫الطيف السياس� � ��ي في األردن وقتذاك‪ ،‬في وقت‬
‫الوجوه دافئة حميمة‪ ،‬كما كانت تقف بالقرب من‬ ‫كان األردن يعيش فيه حتوالت عميقة‪ ،‬وأكس� � ��بوا‬
‫«بيت نار» املخبز الوطني في ستينيات وسبعينيات‬ ‫املرب� � ��ع تناقضاتهم‪ ,‬ولعبوا أدواراً مهمة في تاريخ‬
‫القرن املاضي)‪.‬‬ ‫األردن ومصير البلد‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 184-187.indd 186‬‬ ‫‪7/21/16 8:55:49 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫فجدب الطبيعة وظلم الدولة وارتفاع أسعار‬ ‫وف� � ��ي املقاب� � ��ل‪ ،‬كانت هناك حت� � ��والت أخرى‬
‫األعالف دفعت أبناء احملافظات لهجر أراضيهم‬ ‫إيجابية في وادي النصر‪ ،‬حيث لم تعد احليوانات‬
‫وقطعان ماش������يتهم‪ ،‬ما دفعه������م للعمل في جهاز‬ ‫املفترسة كما كانت احلال عام ‪ ،1948‬أي قبل أن‬
‫الدولة البيروقراطي‪ ،‬وفي آن لم تتح لهم املدينة‬ ‫يتم استئناسه‪.‬‬
‫الولوج إلى عاملها‪ ،‬معتب������راً أن احلراك األردني‬ ‫حت� � ��دث أبو عريض� � ��ة عن مصنع الش� � ��ماع وعن‬
‫كشف مقدار الغنب التاريخي الواقع عليهم‪.‬‬ ‫املهاجرين الفلس� � ��طينيني الذين قطنوا وادي النصر‪،‬‬
‫عمان‬
‫ولفت أبو عريضة إلى أن عدد س� � ��كان َّ‬ ‫وعن صالون أبي س� � ��ليم‪ ،‬وعيادات االحتاد اللوثري‪،‬‬
‫عند تأس� � ��يس اإلمارة عام ‪ 1922‬لم يكن ليتجاوز‬ ‫الت� � ��ي كانت تقدم خدم� � ��ات طبية مجاني� � ��ة بعد عام‬
‫‪ 7‬آالف نسمة‪ ،‬وبتأسيس� � ��ها كانت احلاجة ملحة‬ ‫‪ ،1967‬وع� � ��ن ش� � ��خصية درويش احلش� � ��اش املختلفة‬
‫لعم� � ��ال وموظفني‪ ،‬من داخل اإلم� � ��ارة وخارجها‪،‬‬ ‫الكرمية البسيطة املزاجية املتعثرة‪ ،‬التي كانت تلثغ‪.‬‬
‫فش� � ��هدت قدوماً منظماً بدءاً من الثالثينيات من‬ ‫يروي املغترب علي؛ القادم من ذاكرة النسيان‪،‬‬
‫املتعلمني وعائالتهم من فلسطني وسورية ولبنان‬ ‫ذك� � ��رى طاملا بقيت راس� � ��خة ف� � ��ي ذاكرته مذ كان‬
‫والع� � ��راق واحلجاز‪ ،‬ومع مت� � ��دد العمران وانتقاله‬ ‫صبياً‪ ،‬عندما اقترب من كشك مشاوي احلشاش‬
‫عمان واللويبدة واحلسني‪ ،‬برزت‬ ‫إلى سفوح جبال َّ‬ ‫مستمتعاً برائحة املشاوي‪ ،‬وهو ميصمص شفتيه‪،‬‬
‫احلاجة لعمال عاديني للعمل في البناء والتحميل‬ ‫فما كان من احلش� � ��اش إال أن ألقى القبض عليه‪،‬‬
‫والتنزيل في األسواق‪.‬‬ ‫وبعد أن استوعب األمر‪ ،‬منحه ساندويتش كباب‬
‫وأدت موج� � ��ات اجل� � ��راد وج� � ��دب األرض في‬ ‫وشقف «مثكل»‪ ،‬كما يلفظها‪ ،‬طارداً حرف الشني‬
‫الس� � ��نوات م� � ��ن ‪ 1929‬إلى ‪ 1938‬إل� � ��ى بحث أبناء‬ ‫من الكلمة!‬
‫احملافظ� � ��ات وبخاص� � ��ة الطفيلة ع� � ��ن بدائل في‬ ‫من عائ���ل��ات وادي النصر الكيالي واحللتـــة‬
‫عمان‪.‬‬
‫العاصمة َّ‬ ‫وأبو هاش������م وأبو عم������ارة والعمري وس������كجها‬
‫واقتبس املؤلف أبو عريضة رؤية للباحث في‬ ‫والزميل������ي واملس������لماني واخلليل������ي والطرش������ا‬
‫التاريخ د‪ .‬طارق التل‪ ،‬حيث يرى أن كل عش� � ��يرة‬ ‫والعبودي وأبو عارف احلالق والكردي وغيرها‪،‬‬
‫ال‪ ،‬فقد نقلت هذه العشائر‬ ‫تشكل مجتمعاً متكام ً‬ ‫وجميعها من العائالت الفلسطينية املهاجرة‪،‬‬
‫عالقاته� � ��ا القرابي� � ��ة معه� � ��ا‪ ,‬واس� � ��تمر أفرادها‬ ‫وق� � ��د اختف� � ��ت اآلن معال� � ��م مصنع الش� � ��ماغ‬
‫يعيشون بأنساق العالقات التي كانوا يعيشـــــونها‬ ‫وصناعة األث� � ��اث ومركز وكالة الغ� � ��وث ومقاهي‬
‫فــ� � ��ي بلداتهم وقراهم‪ ،‬وهكذا ل� � ��م تنب العالقات‬ ‫وبق� � ��االت وادي النصر القدمي� � ��ة‪ ،‬وحلت مكانها‬
‫عمان عل� � ��ى أس� � ��اس اإلنتاج‪ ،‬ولم يتش� � ��كل‬ ‫ف� � ��ي َّ‬ ‫محالت جتارة اجلملة‪.‬‬
‫ُ‬
‫نس� � ��ق طبقي‪ ،‬وبقيت الدولة هي املشغل الرئيس‬ ‫وع� � ��رض الباح� � ��ث مفص� �ل��ا ألحي� � ��اء أبن� � ��اء‬
‫للمواطنني‪ ،‬وبقيت العالقات مبنية على اعتبارات‬ ‫عم� � ��ان‪ ،‬املعاني� �ي��ن والطفايلة‬ ‫احملافظ� � ��ات ف� � ��ي َّ‬
‫عش� � ��ائرية وجهوي� � ��ة وعل� � ��ى أس� � ��اس «الزبائنية»‬ ‫والكركي� � ��ة والعبدالالت واملصاروة‪ ،‬وملش� � ��اعرهم‬
‫السياس� � ��ية‪ ،‬ولي� � ��س على اعتب� � ��ارات طبقية‪ ،‬ولم‬ ‫بأن الدولة تتخلى عنهم منذ س� � ��نوات غير بعيدة‪،‬‬
‫تتكون تش� � ��كيالت اجتماعية طبيعية ومؤسسات‬ ‫بشكل غير الئق‪ ،‬فحالهم كاملستجير من الرمضاء‬
‫مجتمع مدني مستقلة‪.‬‬ ‫بالنار‪ ،‬هربوا من فقر مدقع في محافظاتهم‪ ،‬من‬
‫يذكر أن الكتاب صدر بطبعته األولى عن دار‬ ‫جراء فش� � ��ل الدولة في تنمية مناطقهم األصلية‪،‬‬
‫عم� � ��ان‪ ،‬بدعم من‬ ‫فضاءات للنش� � ��ر والتوزيع في َّ‬ ‫إلى فقر أكثر قس� � ��وة في املدينة‪ ،‬حيث يحتاجون‬
‫وزارة الثقاف� � ��ة األردنية‪ ،‬في نحو ‪ 400‬صفحة من‬ ‫إلى أكث� � ��ر من إيجاد فرصة عمل ومكان س� � ��كن‪،‬‬
‫القطع الكبير‪ ،‬غالفه من تصميم بهاء س� � ��ليمان‪،‬‬ ‫إلى االندماج في املجتمع املديني اجلديد‪ .‬ويحمل‬
‫رقم اإلي� � ��داع لدى املكتب� � ��ة الوطني� � ��ة (األردنية)‬ ‫األبن� � ��اء واألحفاد منهم في دواخلهم حنيناً جارفاً‬
‫‪> 2013/ 7/2305‬‬ ‫إلى حياة لم يعيشوها في مناطقهم األصلية‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫عمان‪ ....‬حتقيقات في ذاكرة املدينة»‬
‫«أسرار َّ‬

‫‪aug 184-187.indd 187‬‬ ‫‪7/21/16 8:55:56 AM‬‬


‫من المكتبة األجنبية‬

‫مشهــد التاريــخ‬
‫تأليف‪ :‬جون لويس غاديس‬
‫عرض‪ :‬محمد عبدالرءوف كاتب من مصر‬

‫ما التاريخ؟ وما الوعي التاريخي؟ وما طبيعة عمل‬


‫الم ��ؤرخ؟ هل توجد حقيق ��ة تاريخية؟ ه ��ل التاريخ‬
‫عل ��م؟ م ��ا أوجه الش ��به واالختالف بين ��ه وبين كل‬
‫من العلوم الطبيعية والعلوم االجتماعية؟‬
‫يناقش جون لويس غاديس في كتاب «مش ��هد‬
‫التاريخ» هذه األس ��ئلة إلى جانب أس ��ئلة وقضايا‬
‫أخرى‪ ،‬تتعل ��ق بمناهج البح ��ث التاريخي والزمان‬
‫والم ��كان وإمكان وجود نظ ��رة موضوعية إلى‬
‫الماض ��ي‪ ،‬وأث ��ر النظري ��ات العلمي ��ة الحديث ��ة‬
‫عل ��ى البح ��ث التاريخ ��ي‪ ،‬وغيره ��ا م ��ن القضايا‬
‫واإلش ��كاليات‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو كتاب عن مناهج‬
‫دراسة التاريخ وروايته‪ ،‬عن عمل المؤرخ ووظيفته‪ ،‬عن طرق الرؤية والنظر‪ ،‬ال عن‬
‫مج ��رد المعرفة والمعلوم ��ات التاريخية‪ .‬ومن هنا تأتي أهمي ��ة الكتاب وميزته‬
‫األساس ��ية؛ حيث يجد القارئ نفسه مدفوع ًا إلى مزيد من التفكير والتأمل في‬
‫الموضوعات التي يطرحها الكتاب ويناقشها‪.‬‬

‫مبفهومي البنية والصيرورة واختالف صورتيهما‬ ‫يقع كتاب «مش� � ��هد التاريخ» الصادر عن دار‬
‫ب� �ي��ن كل من التاري� � ��خ والعلوم الطبيعي� � ��ة‪ ،‬ويتابع‬ ‫نش� � ��ر جامعة أكس� � ��فورد في ‪ 192‬صفحة‪ ،‬ويضم‬
‫مقارنة التاريخ بالعلوم االجتماعية وأيهما أقرب‬ ‫مقدم� � ��ة وثمانية فصول‪ .‬الفص� � ��ل األول مبنزلة‬
‫إلى العلوم الطبيعية‪ ،‬ث� � ��م يناقش بعض املفاهيم‬ ‫مدخل عام عن دراسة التاريخ والوعي التاريخي‪،‬‬
‫والنظريات العلمية احلديثة مثل الفوضى وعدم‬ ‫ويشير الفصل الثاني إلى موقع التاريخ واملؤرخني‬
‫التحديد والنسبية واالحتمال والسببية واحلتمية‬ ‫بني الفن والعلم وض� � ��رورة حفاظ املؤرخني على‬
‫والوقائ� � ��ع املضادة ومدى صل� � ��ة الفكر التاريخي‬ ‫املوازنة بينهما من حيث معاجلة الزمان واملكان‪.‬‬
‫بهذه املفاهيم‪ .‬أما الفصل السابع‪ ،‬فيؤكد أهمية‬ ‫أما الفصول من الثالث إلى الس� � ��ادس‪ ،‬فيناقش‬
‫معايش� � ��ة امل� � ��ؤرخ ملوضوعه‪ ،‬وت� � ��زداد أهمية هذا‬ ‫املؤل� � ��ف فيه� � ��ا القضي� � ��ة احملورية؛ ه� � ��ل التاريخ‬
‫األمر في حالة كتابة سيرة األشخاص والترجمة‬ ‫علم أم ال؟ وذلك من منظ� � ��ورات مختلفة؛ فيبدأ‬

‫‪188‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 188-191.indd 188‬‬ ‫‪7/21/16 8:56:28 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مارك بلوخ وإدوارد كار‪ ،‬ويشير إليهما باستمرار‬ ‫له� � ��م‪ ،‬إذ ترقى هذه املعايش� � ��ة إلى درجة تقمص‬
‫على امتداد الكتاب‪ ،‬موضح� � ��ا أنه يقدم تطويراً‬ ‫الشخصية والتعاطف معها‪.‬‬
‫ألطروحتيهما من خالل ما اس� � ��تجد من نظريات‬ ‫ويختت� � ��م الكت� � ��اب بالفص� � ��ل الثام� � ��ن‪ ،‬الذي‬
‫علمي� � ��ة‪ ،‬ويحاول تبس� � ��يط وتوضيح بعض األمور‬ ‫يع� � ��ود إلى ما جاء في بداي� � ��ة الكتاب عن الوعي‬
‫املعقدة والغامضة في مناه� � ��ج البحث التاريخي‬ ‫التاريخي‪ ،‬فيش� � ��ير إلى فك� � ��رة النظر بعني املؤرخ‬
‫بطريق� � ��ة تعليمية‪ .‬ومن أجل توضيح رؤيته ملاهية‬ ‫التي تس� � ��عى إلى متثيل الواق� � ��ع وتصويره‪ ،‬وهي‬
‫الوع� � ��ي التاريخي ونظ� � ��رة املؤرخ إل� � ��ى املاضي‪،‬‬ ‫في ذلك تتسم باالش� � ��تباك مع احلدث واالبتعاد‬
‫الرسام األملاني‬
‫َّ‬ ‫يستخدم املؤلف لوحة من أعمال‬ ‫عنه في الوقت ذاته‪ ،‬كما أنها عني ناقدة تس� � ��عى‬
‫كاس� � ��بر ديفي� � ��د فريدريك‪ ،‬وهي لوح� � ��ة «متج ِّول‬ ‫إلى حترير احلاضر مما يتركه املاضي من قيود‬
‫فوق بحر م� � ��ن الضباب» التي يرجع تاريخها إلى‬ ‫وأخطاء وأفكار قطعية صارمة‪.‬‬
‫عام ‪ .1818‬يصف غادي� � ��س اللوحة قائال‪« :‬رجل‬ ‫مؤلف الكتاب هو املؤرخ جون لويس غاديس‪،‬‬
‫ش� � ��اب يقف حاس� � ��ر الرأس مرتدياً معطفاً داكناً‬ ‫أس� � ��تاذ التاريخ بجامعة ييل في الواليات املتحدة‬
‫فوق حافة صخرية مرتفعة‪ .‬يولينا الرجل ظهره‪،‬‬ ‫األمريكية‪ ،‬ويُعد أب� � ��رز مؤرخي احلرب الباردة‪،‬‬
‫ويثبت نفسه بعصا مشي في مواجهة الرياح التي‬ ‫حي� � ��ث صدرت له كتب عدة ع� � ��ن احلرب الباردة‬
‫تعصف بش� � ��عره املل َّبد‪ .‬ميتد أمامه مشهد يغلفه‬ ‫واس� � ��تراتيجية االحتواء التي طبقته� � ��ا الواليات‬
‫الضب� � ��اب‪ ،‬وفيه تل� � ��وح جزئياً األش� � ��كال العجيبة‬ ‫املتحدة إزاء االحتاد السوفييتي‪ ،‬ومن هذه الكتب‪:‬‬
‫لنتوءات صخرية على مس� � ��افة أبعد‪ .‬كما يكشف‬ ‫«الواليات املتحدة وجذور احلرب الباردة» ‪،1972‬‬
‫األف� � ��ق البعيد عن جب� � ��ال جهة اليس� � ��ار‪ ،‬وأرض‬ ‫«روس� � ��يا واالحتاد السوفييتي والواليات املتحدة»‬
‫منبسطة جهة اليمني‪ ،‬ورمبا يظهر بعيداً جداً ‪ -‬ال‬ ‫‪« ،1978‬اس� � ��تراتيجيات االحتواء» ‪« ،1982‬السالم‬
‫ميكن للمرء تأكيد ذلك ‪ -‬أحد احمليطات‪ .‬إال أنه‬ ‫الطويل» ‪« ،1987‬الواليات املتحدة ونهاية احلرب‬
‫قد ال يكون س� � ��وى مزيد من الضباب وقد اندمج‬ ‫الباردة» ‪ ،1992‬و«احل� � ��رب الباردة‪ :‬تاريخ جديد»‬
‫مع السحب بصورة دقيقة غير محسوسة‪ ...‬تترك‬ ‫‪.2005‬‬
‫متناقضا؛ حيث توحي بس� � ��يادة‬ ‫ً‬ ‫انطباعا‬
‫ً‬ ‫اللوحة‬ ‫كذلك كتب غاديس سيرة السياسي األمريكي‬
‫ش� � ��خص ما على املشهد‪ ،‬وتوحي في الوقت ذاته‬ ‫الش� � ��هير جورج كينان‪ ،‬وحصل به� � ��ا على جائزة‬
‫بعدم أهميته داخله‪ .‬ال نرى أي وجه في اللوحة‪،‬‬ ‫بوليت� � ��زر ألفضل س� � ��يرة حياة ع� � ��ام ‪ .2012‬ومن‬
‫ومن ثم فمن املس� � ��تحيل معرفة ما إذا كان املنظر‬ ‫ثم‪ ،‬ميكن القول إن كتاب «مش� � ��هد التاريخ» ميثل‬
‫املواجه للرجل الشاب مبهجاً أو مرعباً أو كليهما‬ ‫حلق� � ��ة جديدة في سلس� � ��لة الكت� � ��ب التي يضعها‬
‫معاً»‪ .‬إن الوعي مبشهد التاريخ يشبه ما تصوره‬ ‫مؤرخون بارزون يضمنونها خالصة خبراتهم بعد‬
‫اللوحة‪ ،‬االبتعاد عن املش� � ��هد مبس� � ��افة ما وعدم‬ ‫ممارس� � ��تهم للتدوين التاريخي‪ ،‬وهي كتب تتناول‬
‫االنغماس فيه‪ ،‬التوتر القائم بني شعور الشخص‬ ‫طبيعة التاريخ ومهنة امل� � ��ؤرخ والقضايا املنهجية‬
‫بالضخامة والس� � ��يطرة على املشهد وشعوره في‬ ‫والفلس� � ��فية املتعلقة بالتاري� � ��خ وتدوينه‪ .‬وهذا ما‬
‫الوق� � ��ت ذاته بالتفاهة والصغر مقارنة مبا يتجلى‬ ‫سبق أن قدمه‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬مارك بلوخ في‬
‫له‪ ،‬التوت� � ��ر بني التجري� � ��د والتعميم م� � ��ن ناحية‬ ‫كتابه «دفاعا ع� � ��ن التاريخ أو مهنة املؤرخ» ‪،1949‬‬
‫والتخصيص والتمثيل احلرفي من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫وروب� �ي��ن كولنغوود ف� � ��ي «فكرة التاري� � ��خ» ‪،1956‬‬
‫اإلحس� � ��اس بالفضول املمتزج بالرهبة والتصميم‬ ‫وجوفري إلتون ف� � ��ي «ممارس� � ��ة التاريخ» ‪،1967‬‬
‫على اكتشاف األشياء ووصفها وتصويرها‪.‬‬ ‫وإدوارد كار في «ما التاريخ؟» ‪.1961‬‬
‫وهك� � ��ذا‪ ،‬يعم� � ��ل التاريخ على توس� � ��يع األفق‬
‫واتساع الرؤية‪ ،‬فإذا كان املاضي مبنزلة املشهد‪،‬‬ ‫الوعي التاريخي‪ ...‬املؤرخون وتصوير املاضي‬
‫ف� � ��إن التاري� � ��خ هو طريق� � ��ة رؤيتن� � ��ا ومتثلنا لهذا‬ ‫يس� � ��تلهم غادي� � ��س ف� � ��ي كتابه ه� � ��ذا كال من‬

‫‪189‬‬
‫مشهد التاريخ‬

‫‪aug 188-191.indd 189‬‬ ‫‪7/21/16 8:56:33 AM‬‬


‫التحديد» في الفيزياء احلديثة‪،‬‬ ‫املش� � ��هد‪ ،‬وهو ما يرفعنا ويرتقي‬
‫الذي صاغ� � ��ه الفيزيائي األملاني‬ ‫بنا فوق الع� � ��ادي والدارج لندرك‬
‫هيزنبرج‪.‬‬ ‫م� � ��ا ال ميكنن� � ��ا رؤيته مباش� � ��رة‬
‫وعن قرب‪ .‬إن اخلبرة املباش� � ��رة‬
‫هل التاريخ علم؟‬ ‫باألح� � ��داث واالفتقار إلى الوعي‬
‫لإلجاب������ة عن هذا الس������ؤال‬ ‫التاريخي ليسا بالضرورة أفضل‬
‫ومحاول������ة توضي������ح العالقة بني‬ ‫طريقة لفهمها واستيعابها‪ ،‬حيث‬
‫التاري������خ والعلم‪ ،‬يس������لك املؤلف‬ ‫ال يتع� � ��دى مجال رؤية اإلنس� � ��ان‬
‫مس������اراً عكس������ياً من العلم إلى‬ ‫وإدراكه حدود حواس� � ��ه املباشرة‬
‫التاريخ‪ ،‬حيث يستدعي نظريات‬ ‫وم� � ��ا يصل إلي� � ��ه م� � ��ن جزئيات‬
‫ومفاهي������م علمي������ة حديثة ليقيم‬ ‫ومعلوم� � ��ات آني� � ��ة متفرق� � ��ة‪ ،‬إنه‬
‫الدليل عل������ى أن التاريخ‪ ،‬خالفاً‬ ‫يفتق� � ��د م� � ��ا مينح� � ��ه التاريخ من‬
‫للتصور الشائع‪ ،‬يستخدم املناهج‬ ‫اتس� � ��اع الرؤية واألفق ومالحظة‬
‫ذاتها املوجودة في العلوم الطبيعية‪.‬‬ ‫األمن� � ��اط املتك� � ��ررة والق� � ��درة عل� � ��ى املقارنة بني‬
‫وتفسير ذلك ليس أن التاريخ قد تغير مبرور‬ ‫األح� � ��داث من خ� �ل��ال خبرات متتد ف� � ��ي الزمان‬
‫السنني ليأخذ طابعاً علمياً أكثر‪ ،‬وإمنا العلم هو‬ ‫وامل� � ��كان‪ .‬بل يؤكد املؤل� � ��ف أن املؤرخ أفضل فهماً‬
‫الذي تغير ليقترب أكث������ر من الطابع التاريخي‪.‬‬ ‫واس� � ��تيعاباً للحاضر من املشاركني فيه مباشرة‪،‬‬
‫لقد غ َّيرت الفيزياء احلديثة طبيعة العلم‪ ،‬حيث‬ ‫وذلك انطالقاً من حقيقة بس� � ��يطة هي أنه لديه‬
‫تخل������ى عن طابعه اخلطي احلتمي الذي اتس������م‬ ‫أفق ورؤية أوسع‪.‬‬
‫به ف������ي املاضي م������ع فيزياء نيوت������ن‪ ،‬ليصبح ذا‬ ‫كذلك‪ ،‬يُش ِّبه املؤلف ما يقوم به املؤرخون من‬
‫طبيعة مختلفة تس������ودها مفاهيم مثل النس������بية‬ ‫جتريد ومتثيل بعلم أو فن رس� � ��م اخلرائط‪ ،‬فكما‬
‫واالحتمال وعدم التحديد والفوضى والتعقيد‪.‬‬ ‫أن اخلرائط ليس� � ��ت هي الطبيع� � ��ة والتضاريس‬
‫فنجد علم������اء الفيزياء النظرية مثل أينش������تاين‬ ‫ذاته� � ��ا‪ ،‬وإمنا متثيل وتصوير لها‪ ،‬فكذلك التاريخ‬
‫ال يعتمدون ف������ي املقام األول‬ ‫وعلم������اء الفلك مث ً‬ ‫هو طريقة متثلنا ملشهد املاضي وتصويره‪ .‬ويزيد‬
‫عل������ى ما يطل������ق عليه غاديس «جت������ارب الفكر»‬ ‫غاديس هذه النقطة توضيحاً بقوله إنه كما يقوم‬
‫وليس جتارب املعمل‪ ،‬وجتارب الفكر هذه تشبه‬ ‫واضع� � ��و اخلرائط ومصمموها بتصوير ورس� � ��م‬
‫احلكاية التاريخية‪ ،‬وكالهم������ا يقوم على العمل‬ ‫البالد والط� � ��رق والس� � ��مات اجليولوجية للمكان‬
‫الذهن������ي والس������رد من أجل الفح������ص وتوضيح‬ ‫ومحاكاتها‪ ،‬فكذلك على املؤرخني متثيل املاضي‬
‫كيفية حدوث األشياء‪ ،‬وبالتالي حتديد أسبابها‬ ‫ومحاكاته وليس إعادة إنتاجه حرفياً‪.‬‬
‫وعللها‪.‬‬ ‫وهنا تبرز براعة امل� � ��ؤرخ في معاجلة الزمان‬
‫م������ن ناحية أخرى‪ ،‬يلتق������ي التاريخ مع العلم‬ ‫وامل� � ��كان والتالعب بهما اقتراباً وابتعاداً من أجل‬
‫الطبيعي في آلية حدوث االكتشافات اجلديدة‪،‬‬ ‫تكوي� � ��ن صورة كلي� � ��ة للح� � ��دث التاريخي‪ .‬وخالل‬
‫حي������ث يس������تلزم االكتش������اف اجلدي������د املقارنة‬ ‫مالحظته ورصده ملش� � ��هد املاضي‪ ،‬يقوم املؤلف‬
‫م������ع ما هو قائ������م بالفعل‪ ،‬وخالل ه������ذه املقارنة‬ ‫بعملي� � ��ات انتق� � ��اء واختيار وتركي� � ��ز على أحداث‬
‫يلجأ الباحث‪ ،‬س������واء في التاري������خ أو في العلوم‬ ‫بعينها أو أماكن وأوق� � ��ات دون غيرها‪ ،‬وهنا فإن‬
‫الطبيعية‪ ،‬إلى استخدام منهج االستنباط ومنهج‬ ‫موق� � ��ع املالحظة والرصد يؤثر ف� � ��ي رؤية املؤرخ‬
‫االس������تقراء‪ .‬إن دراس������ة التاريخ ينبغي أن حتذو‬ ‫لألحداث واملوضوعات التي يالحظها‪ ،‬مما ينشأ‬
‫ح������ذو العل������وم الطبيعية ومناهجها‪ ،‬س������واء في‬ ‫عنه الق� � ��ول بصعوبة وجود املوضوعية واحلقيقة‬
‫اخلطوات واإلجراءات النظرية أو العملية‪.‬‬ ‫التاريخية‪ ،‬وهذا يش� � ��به إلى حد كبير مبدأ «عدم‬

‫‪190‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 188-191.indd 190‬‬ ‫‪7/21/16 8:56:37 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫لعدم إم������كان عرض األح������داث التاريخية‪ ،‬وهو‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬يؤك������د غاديس أن املناهج‬
‫التفكير عن طريق الوقائع املضادة‪ ،‬أي افتراض‬ ‫التي يس������تخدمها املؤرخون أق������رب إلى مناهج‬
‫عكس ما ح������دث بالفع������ل واس������تخالص نتائج‬ ‫العل������وم الطبيعي������ة الصارمة منها إل������ى مناهج‬
‫مختلف������ة‪ ،‬وه������و ما يطل������ق عليه أس������لوب «ماذا‬ ‫العلوم االجتماعية‪ ،‬فالباحثون في مجال العلوم‬
‫ل������و؟»‪ ،‬وذلك ف������ي محاولة للوص������ول إلى أقرب‬ ‫االجتماعية يرك������زون على انفص������ال املتغيرات‬
‫تفس������ير عقلي مقبول وتعميمات مقنعة ودروس‬ ‫واس������تقالل بعضها عن بعض‪ ،‬ما يؤدي بهم إلى‬
‫مستفادة‪.‬‬ ‫الوقوع في عمليات اختزال وتسطيح للمجتمعات‬
‫أم������ا عند التأري������خ حلياة ش������خص ما‪ ،‬فإن‬ ‫اإلنس������انية ومش������كالتها‪ ،‬الت������ي تنط������وي على‬
‫غاديس يؤك������د أهمية تقمص املؤرخ ش������خصية‬ ‫عالقات وظواهر مركبة يتداخل فيها السياسي‬
‫َم������ن يؤرخ له‪ ،‬أن يدخ������ل عقله وروحه ويتعاطف‬ ‫واالقتصادي والدين������ي‪ .‬هذا االختزال للظواهر‬
‫معه ليفهم دوافعه ويفسر سلوكه‪ .‬فهناك أمناط‬ ‫اإلنسانية وردها إلى عوامل مستقلة بعضها عن‬
‫من السلوك اإلنساني متتد وتتكرر مع اختالف‬ ‫بعض‪ ،‬مهما تعددت تلك العوامل‪ ،‬يبتعد مبناهج‬
‫الزم������ان وامل������كان‪ ،‬وهو م������ا يجب عل������ى املؤرخ‬ ‫العلوم االجتماعية عن مناهج العلوم الطبيعية‪.‬‬
‫االنتب������اه إليه وهو يكتب عن ش������خص بعينه‪ .‬إن‬ ‫أما املؤرخ������ون فيفترضون ارتباط املتغيرات‬
‫املؤرخ بإمكانه إصدار حكم أخالقي نهائي على‬ ‫والعوامل املؤثرة وتشابكها‪ ،‬وأن املجتمع اإلنساني‬
‫ش������خص بعينه‪ ،‬ورغم أنه ينبغي أن يكون حكما‬ ‫أكبر م������ن مجموع أجزائه‪ ،‬وأن م������ا يبدو خطياً‬
‫غير متحيز‪ ،‬فإنه غالبا ما يكون كذلك‪.‬‬ ‫ا للتنبؤ به يدخل‪ ،‬عند البحث والتحقيق‪،‬‬ ‫وقاب���ل�� ً‬
‫أخيراً‪ ،‬ميك������ن القول إن هذا الكتاب مبنزلة‬ ‫ف������ي دائرة االحتمال وعدم التنبؤ؛ وهم في ذلك‬
‫مش������هد يصور للقارئ عم������ل املؤرخني ونظرتهم‬ ‫أقرب إلى نظريات علمية مثل نظريات الفوضى‬
‫إلى املاضي ومناه������ج البحث التاريخي وعالقة‬ ‫(الش������واش) والتركيب التي تبحث في س������لوك‬
‫التاريخ بالعلوم الطبيعي������ة والعلوم االجتماعية‪،‬‬ ‫األنظمة الديناميكية والظواهر املركبة‪.‬‬
‫وم������ن ث������م فإن������ه يكتس������ب أهمية خاص������ة لدى‬ ‫أما عن الس������ببية وعالقة األسباب بالنتائج‬
‫الباحثني في التاريخ والطالب الذين يدرس������ون‬ ‫والتحق������ق من دقتها‪ ،‬فباإلضافة إلى الربط بني‬
‫التاريخ‪ ،‬وكذلك الق������ارئ العام غير املتخصص‪،‬‬ ‫األسباب املباشرة واملتوسطة والبعيدة‪ ،‬أي البدء‬
‫وذل������ك لتميزه بالوضوح والش������مول والبس������اطة‬ ‫بالبني������ة ومحاول������ة اس������تخالص العمليات التي‬
‫واإليجاز >‬ ‫أنتجتها‪ ،‬فهناك أسلوب إضافي يسلكه املؤرخون‬

‫تب ًا له‬
‫قال اجلارم في ثقيل‪:‬‬
‫ت� � � � � � �ب� � � � � � � ًا ل�� � � � � � ��ه م�� � � � � � ��ن ث� � �ق� � �ي�� ��ل‬
‫دم� � � � � � � � � � � ًا وروح� � � � � � � � � � � � � � � ًا وط � � �ي � � �ن� � ��ة‬
‫ل� � � � � ��و ك�� � � � � � ��ان م� � � � � ��ن ق�� � � � � � ��وم ن� � � ��وح‬
‫مل� � � � � ��ا رك�� � � � � �ب� � � � � � ُ�ت ال � � �س � � �ف � � �ي � � �ن� � ��ة!‬

‫‪191‬‬
‫مشهد التاريخ‬

‫‪aug 188-191.indd 191‬‬ ‫‪7/21/16 8:56:41 AM‬‬


‫كتب مختارة‬

‫مب يفكر األدب؟‬


‫َ‬ ‫تخلي ��ص اإلبري ��ز ف ��ي تلخي ��ص‬
‫تطبيقات في الفلسفة األدبية‬ ‫باريز‬
‫بيار ماشيري‪ ،‬ت‪ :‬د‪.‬جوزيف شرمي‬ ‫رفاعة رافع الطهطاوي‬
‫املنظمة العربية للترجمة ‪ -‬بيروت‪،‬‬ ‫املدى – دمشق‪2015 ،‬‬
‫‪2009‬‬ ‫الكتاب األش� � ��هر للتنويري املصري‬
‫دراسة حول الطريقة التي ينتج بها‬ ‫رفاعة الطهط� � ��اوي‪ ،‬الذي يتضمن‬
‫الن� � ��ص األدبي األف� � ��كار‪ ،‬وتأمالت‬ ‫يوميات رحلته إلى باريس ومقارناته‬
‫حول الطريقة غير املباش� � ��رة التي‬ ‫بني أوضاع أوربا وأوضاع املسلمني‬
‫تتك� � ��ون بها التج� � ��ارب الفكرية في‬ ‫في مصر‪.‬‬
‫النصوص الروائية والسردية‪.‬‬

‫زهرة الصمت‬ ‫اللوبي اخلليجي ‪ -‬العربي في أمريكا‬


‫رءوف مسعد‬ ‫بني الطموح والواقع‬
‫دار العني للنشر ‪ -‬القاهرة‪2016 ،‬‬ ‫د‪ .‬دانــــــــــــــي ��ة قـــــــلي�ل�ات اخلطي ��ب‪،‬‬
‫رواي� � ��ة جديدة تتناول بش� � ��كل فني‬ ‫ت‪ :‬د‪ .‬محمد شيا‬
‫وجتريب� � ��ي تاريخ التميي� � ��ز الديني‬ ‫مرك ��ز دراس ��ات الوح ��دة العربي ��ة ‪-‬‬
‫ف� � ��ي مص� � ��ر‪ ،‬ويقوم الن� � ��ص مبزج‬ ‫بيروت‪2016 ،‬‬
‫وثائق تاريخية مع التخييل وأجزاء‬ ‫يتن� � ��اول الكت� � ��اب مح� � ��اوالت الدول‬
‫من رواي� � ��ات أخرى للكاتب تناولت‬ ‫اخلليجي� � ��ة – العربية تش� � ��كيل لوبي‬
‫املوضوع‪.‬‬ ‫مؤثر في سياسات اإلدارة األمريكية‪،‬‬
‫ويتأمل عوامل النجاح والفش� � ��ل في‬
‫حتقيق األهداف املرجوة‪.‬‬

‫الس ��ينما واملجتم ��ع ف ��ي الوط ��ن‬ ‫ف ��ي ظ ��ل العن ��ف (السياس ��ة واالقتص ��اد‬
‫العربي‬ ‫ومشكالت التنمية)‬
‫إبراهيم العريس‬ ‫حتري ��ر‪ :‬مجموعة من الباحثني ‪ -‬ترجمة‪:‬‬
‫مرك ��ز دراس ��ات الوح ��دة العربي ��ة ‪-‬‬ ‫كمال املصري‬
‫بيروت‪2015 ،‬‬ ‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
‫املجلد األول من موسوعة سينمائية‬ ‫– سلسلة عالم املعرفة ‪ -‬الكويت‪2016 ،‬‬
‫قاموس� � ��ية – حتليلية ترصد اإلنتاج‬ ‫يق�� ��دم الكت�� ��اب عب�� ��ر جت�� ��ارب الباحثني‬
‫الس� � ��ينمائي في العالم العربي من‬ ‫املش�� ��اركني فيه بالتطبيق على تس�� ��ع دول‬
‫زوايا متنوعة عديدة‪ ،‬تتناول األفالم‬ ‫نامية‪ ،‬كيفية استخدام السيطرة السياسية‬
‫واملمثلني واملخرجني والتقنيات‪.‬‬ ‫على االمتي�� ��ازات االقتصادي�� ��ة للحد من‬
‫العنف داخل النظام االجتماعي‪.‬‬

‫اجلندي الطيب شفيك‬ ‫كتاب الهمزة‬


‫ياروسالف هاشيك‪ ،‬ت‪ :‬توفيق األسدي‬ ‫تأليف‪ :‬رش ��ا األمير‪ ،‬رسوم‪ :‬دانيال‬
‫دار اخليال للطباعة والنش ��ر ‪ -‬بيروت‪،‬‬ ‫قطار‪ ،‬خطوط‪ :‬علي عاصي‬
‫‪2008‬‬ ‫دار اجلديد – بيروت‪2012 ،‬‬
‫اجلزء األول من ثالثية روائية بالعنوان‬ ‫جترب� � ��ة أدبي� � ��ة تق� � ��دم للفتي� � ��ان‬
‫نفسه للروائي التشيكي هاشيك‪ ،‬تقدم‬ ‫والناش� � ��ئة كل م� � ��ا يتعل� � ��ق بحرف‬
‫جتربة س� � ��ردية س� � ��اخرة ع� � ��ن جندي‬ ‫الهم� � ��زة ف� � ��ي اللغ� � ��ة العربية‪ ،‬من‬
‫تش� � ��يكي خالل احلرب العاملية راصداً‬ ‫خالل أسس� � ��ه املعجمية والتعامل‬
‫لألحداث الرهيبة بحس ساخر‪.‬‬ ‫مع ح� � ��رف األلف نحوياً في جميع‬
‫اجلمل العربية بطريقة ممتعة‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 192-193.indd 192‬‬ ‫‪7/21/16 8:57:11 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫شعر قريش في اجلاهلية‬ ‫الركض فوق املاء‬


‫د‪ .‬مختار الغوث‬ ‫محمود قاسم‬
‫مجل ��س النش ��ر العلم ��ي ‪ -‬جامعة‬ ‫دار وعد للنشر ‪ -‬القاهرة‪2012 ،‬‬
‫الكويت‪2015 ،‬‬
‫رواي� � ��ة يتناول فيه� � ��ا الكاتب عدداً‬
‫دراسة لشعر قريش في اجلاهلية‪،‬‬
‫من حيث مصادره وقيمته العلمية‪،‬‬ ‫من الشخصيات التي تقدم مناذج‬
‫ونش� � ��أته وتدوينه وجمع� � ��ه قدمياً‬ ‫لص� � ��ور مزيف� � ��ة ش� � ��وهت نفس� � ��ياً‬
‫وحديثاً وجمع ما يغلب على الظن‬ ‫بسبب تغيرات اجتماعية وقيمية‪،‬‬
‫أنه صحيح منه‪.‬‬ ‫وخصوصاً في الوس� � ��ط اإلعالمي‬
‫والصحفي‪.‬‬

‫امرأة خرساء‬ ‫نهارات فيينا (مقاالت)‬


‫شمسة العنزي‬ ‫طارق الطيب‬
‫آفاق للنشر‪ -‬الكويت‪2016 ،‬‬ ‫دار الع�ي�ن للنش ��ر ‪ -‬القاه ��رة‪،‬‬
‫مجموع� � ��ة م� � ��ن النص� � ��وص التي‬ ‫‪2015‬‬
‫تنتمي للب� � ��وح والتعبير الذاتي من‬ ‫مجموع������ة م������ن املق������االت التي‬
‫حيث املضمون وللش� � ��عر من حيث‬ ‫يتأمل فيها الروائي النمساوي‪-‬‬
‫الش� � ��كل األدبي والفني‪ ،‬تقدم فيها‬ ‫الس������وداني ط������ارق الطي������ب‬
‫الش� � ��اعرة نقداً اجتماعياً وأسئلة‬ ‫مجموعة م������ن الظواهر الثقافية‬
‫وجودية وذاتية‪.‬‬ ‫العربية مقارنة بأوضاع الثقافة‬
‫في النمسا‪.‬‬

‫عصفور املاء‬ ‫حكايات ونوادر األطفال في التراث‬


‫صبحي شحاتة‬ ‫تقدمي‪ :‬د‪ .‬عبدالرازق حسني‬
‫رسوم‪ :‬مجدي الكفراوي‬ ‫دار النفائ ��س للنش ��ر والتوزي ��ع –‬
‫دار شجرة للنشر‪2015 ،‬‬ ‫عمان‬
‫مجموعة قصصية لألطفال تتناول‬ ‫مجموعة م� � ��ن النص� � ��وص األدبية‬
‫قص� � ��ة عصفور لم يتمكن من النوم‪،‬‬ ‫مخت� � ��ارة م� � ��ن ذخيرة واس� � ��عة من‬
‫وأراد أن يتأم� � ��ل العالم خالل الليل‪،‬‬ ‫الت� � ��راث العرب� � ��ي‪ ،‬جتتم� � ��ع عل� � ��ى‬
‫فيتس� � ��لل م� � ��ن عش� � ��ه ليحل� � ��ق فوق‬ ‫االهتم� � ��ام باألطف� � ��ال من الش� � ��عر‬
‫األشجار بادئاً رحلته‪.‬‬ ‫والس� � ��رد واملواق� � ��ف التاريخي� � ��ة‬
‫املختلفة‪.‬‬

‫االحتالل وإعادة بناء الدولة‬ ‫ديدمونة الصغيرة‬


‫د‪ .‬محمد فايز فرحات‬ ‫لطيفة بطي‬
‫مرك ��ز دراس ��ات الوح ��دة العربية –‬ ‫املجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫بيروت‪2015 ،‬‬ ‫واآلداب ‪ -‬الكويت ‪ -‬سلس ��لة نوافذ‬
‫محاولة لتق� � ��دمي إطار نظري لفهم‬ ‫املعرفة‪2016 ،‬‬
‫ظاهرة إع� � ��ادة بن� � ��اء الدولة حتت‬ ‫مجموعة من املسرحيات املكتوبة‬
‫االحت� �ل��ال العس� � ��كري م� � ��ن خالل‬ ‫للناش� � ��ئة‪ ،‬أو باألح� � ��رى عدد من‬
‫دراسة مقارنة لثالث جتارب في كل‬ ‫اللوحات املس� � ��رحية الت� � ��ي تقدم‬
‫من اليابان وأفغانستان والعراق‪.‬‬ ‫أفكاراً مختلفة للناش� � ��ئة في قالب‬
‫مسرحي مشوق‪ ،‬وخيالي‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫كتب مختارة‬

‫‪aug 192-193.indd 193‬‬ ‫‪7/21/16 8:57:16 AM‬‬


‫المفكرة الثقافية‬

‫مشروع أوربي ينقب عن تاريخ العرب‬


‫والمسلمين في أوربا بين الحربين العالميتين‬
‫مصر‬ ‫د‪.‬عبد الرحمن أبو المجد‬

‫البدو في شبه جزيرة سيناء‪ ،‬وكانت مهمته مواجهة‬ ‫جمعني حوار مع البروفيس� � ��ور عمرو رياض‪،‬‬
‫الق� � ��وات البريطانية الت� � ��ي كانت تخطط للزحف‬ ‫األس� � ��تاذ في جامعة أوتريخت الهولندية مبعهد‬
‫على فلس� � ��طني‪ ،‬وأصيب في إح� � ��دى املواجهات‬ ‫البحوث للدراس� � ��ات الفلس� � ��فية والدينية (‪)OFR‬‬
‫العسكرية بطلق ناري في ساقه اليسرى نقل على‬ ‫‪ -‬قسم الفلس� � ��فة والدراسات الدينية‪ ،‬تخصص‬
‫إثره إلى برلني عام ‪ ،1917‬ليستكمل عالجه‪ ،‬ومت‬ ‫اإلس� �ل��ام واللغة العربية‪ .‬وبصفته رئيساً ملشروع‬
‫بتر س� � ��اقه اليسرى من القدم إلى ما فوق الركبة‬ ‫بحثي في تاريخ العرب واملسلمني في أوربا فترة‬
‫في أكتوبر ‪ ،1919‬ثم خرج من اخلدمة العسكرية‬ ‫ما بني احلربني العامليتني (‪ ،)MIE‬ومدة املشروع‬
‫وأقام في برلني وتزوج واستقر بها‪ ،‬إلى أن وافته‬ ‫خمس س� � ��نوات‪ 2019-2014 :‬وبتمويل من مجلس‬
‫املنية في أحد املستش� � ��افي األمريكية العسكرية‬ ‫البحوث األوربي (‪ ،)ERC‬انعطف بنا احلوار إلى‬
‫في برلني سنة ‪.1946‬‬ ‫احلديث عن تاريخ العرب في أوربا والشخصيات‬
‫العربية التي لعبت دوراً كبيراً بني الشرق والغرب‬
‫نشاط ثقافي متنوع‬ ‫مبا ال ميكن أن يختزل باعتبارهم غرباء سلبيني‬
‫تزوجه من أملانية واستقراره في أملانيا جعاله‬ ‫جتاه ما ي� � ��دور في أورب� � ��ا واملناقش� � ��ات الغربية‬
‫ينفتح على اجلان� � ��ب الثقافي ويحتك به احتكاكاً‬ ‫الشرقية‪.‬‬
‫كبي� � ��راً‪ ،‬وكتب زك� � ��ي مقاالت عدة ف� � ��ي املجالت‬ ‫ش������خصيات كثيرة اختلف كثير حولها‪ ،‬وأنا‬
‫األملانية املتخصصة واحتك ببعض املستش� � ��رقني‬ ‫أتذكر فلس������فة بيتر هولوارد بأن إعادة التفكير‬
‫وكات� � ��ب وهو في أملانيا بع� � ��ض الصحف العربية‪،‬‬ ‫ف������ي البحوث والدراس������ات التاريخي������ة عادة ما‬
‫وأهمها مجلة «املن� � ��ار» التي كان يرأس حتريرها‬ ‫تفصح ع������ن جديد يج������ب أن يظل ف������ي صورة‬
‫الش� � ��يخ رش� � ��يد رضا‪ ،‬وكان عل� � ��ى عالقة وطيدة‬ ‫جديدة مؤقتة تظ������ل أكثر توضيح������اً وحتقـــيقاً‬
‫بكثير من األعضاء املؤسسني للمؤمتر اإلسالمي‬ ‫حول أحداث املاضي وتساعد على فهم املاضي‬
‫األورب� � ��ي الذي عقد بجنيف في س� � ��بتمبر س� � ��نة‬ ‫بص������ورة أوس������ع وأرحب إلى أن يس������تجد جديد‬
‫‪ 1935‬حت� � ��ت رئاس� � ��ة األمير ش� � ��كيب أرس� �ل��ان‪،‬‬ ‫آخر‪ ،‬فيضي������ف لهذه الصورة ما يزيد بريقها أو‬
‫وإنتاجه الصحفي في الصحف األملــانية ال ميكن‬ ‫ما يطفئها‪.‬‬
‫أن يختزل باعتباره غريباً سلبياً جتاه ما يدور في‬ ‫من الش� � ��خصيات التي لعبت دوراً كبيراً بني‬
‫أملانيا وأوربا واملناقشات الشرقية العامة‪ .‬تأملت‬ ‫الش� � ��رق والغرب‪ ،‬زكي كرام (‪ ،)1947-1886‬الذي‬
‫رس� � ��الته لرش� � ��يد رضا وعمق بالغت� � ��ه ورصانة‬ ‫ول� � ��د في دمش� � ��ق وبدأ حياته في دراس� � ��ة العلوم‬
‫أس� � ��لوبه مبا يدلل على أنه مثق� � ��ف وأديب أريب‬ ‫العسكرية‪ ،‬ثم انتقل إلى اسطنبول ليكمل دراسته‬
‫ال يقل أسلوبه عن أس� � ��لوب املنفلوطي أو املازني‬ ‫العس� � ��كرية‪ ،‬والتح� � ��ق باجليش العثمان� � ��ي قائداً‬
‫وغيرهما >‬ ‫إلح� � ��دى الكتائب العثمانية‪ ،‬ثم عني قائداً لقوات‬

‫‪194‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 194-201.indd 194‬‬ ‫‪7/21/16 8:57:57 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫صورة عن رسالة زكي كرام إلى الشيخ رشيد رضا‬

‫‪195‬‬
‫مشروع أوربي ينقب عن تاريخ العرب واملسلمني في أوربا بني احلربني العامليتني‬

‫‪aug 194-201.indd 195‬‬ ‫‪7/21/16 8:58:07 AM‬‬


‫«مثل ترنيمة»‪ ...‬رواية هندية‬
‫عن دستويفسكي تترجم للعربية‬
‫باحث من الهند‬ ‫نشاد الوافي‬

‫اجلهد في اكتش� � ��اف أبعاد حياة‬ ‫كـــــتب بيرومــــــبادافام س� � ��ري‬


‫دستويفس� � ��كي األخالقي� � ��ة‪ ،‬فقد‬ ‫ده� � ��اران ه� � ��ذه الرواي� � ��ة األنيقة‬
‫أقلقتن� � ��ي انقالبات قلب� � ��ه والفقر‬ ‫على ضوء حياة األديب الش� � ��هير‬
‫القات� � ��ل واألم� � ��راض الت� � ��ي عانى‬ ‫الروسي دستويفسكي ‪ ،‬والسيما‬
‫منه� � ��ا‪ .‬ورأيت في دستويفس� � ��كي‬ ‫حياته بعدما اضطر لكتابة رواية‬
‫إنس� � ��انا أخالقي � � �اً زكت� � ��ه املعاناة‬ ‫«املقام� � ��ر»‪ .‬وكم� � ��ا ه� � ��و معروف‬
‫املع ِّذب� � ��ة‪ .‬وفي نظرت� � ��ي أنه رجل‬ ‫أن دستويفس� � ��كي كان مي� � ��ارس‬
‫ش� � ��ديد األخالقي� � ��ة فكيف يكتب‬ ‫املقام� � ��رة‪ ،‬ومن ثم اس� � ��تدان من‬
‫رجل مسيء رواية مثل «اجلرمية‬ ‫الناس ماال طائال حتى غدا مدينا‬
‫والعق� � ��اب» و«اإلخوة كارامازوف»‬ ‫لكثي� � ��ر ومن بينهم ستيلوفس� � ��كي‬
‫و«األبل� � ��ه»؟! ون� � ��رى ه� � ��ذا ب� �ي��ن‬ ‫ناش� � ��ر الكتب‪ .‬وهو من عرف أن‬
‫األسطر حني يسأل دستويفسكي‬ ‫غالف الرواية‬ ‫ثروة دستويفس� � ��كي في موهبته‪،‬‬
‫زوجته ع� � ��ن املقاييس التي نعتمد‬ ‫فأرغمه على أن يوقع وثيقة جتيز‬
‫عليها في اختيار ش� � ��خص حسن‬ ‫آنا التي أصبحت زوجته‪.‬‬ ‫له جمي� � ��ع حقوق م� � ��ا يكتبه ملدة‬
‫وس� � ��يئ «أن� � ��ا ولدت ف� � ��ي الطبقة‬ ‫يــق� � ��ول ده� � ��اران «حـــــاول� � ��ت‬ ‫تس� � ��ع س� � ��نوات تالية على الرغم‬
‫السفلى هل هي جرمية ارتكبتها؟‬ ‫معاجلة حياة دي س� � ��تويفي سكي‬ ‫من إمتام رواية تش� � ��تمل على ‪160‬‬
‫هل نختار والدتنا؟ وهل لنا حرية‬ ‫م� � ��ن جانب معاكس مل� � ��ا يبدو في‬ ‫صفحة قب� � ��ل األول م� � ��ن نوفمبر‬
‫كامل� � ��ة الختي� � ��ار أب وأم وأس� � ��رة‬ ‫س� � ��يرته الذاتي� � ��ة‪ ،‬ففيه� � ��ا جنده‬ ‫عام ‪1866‬م‪ .‬ولس� � ��وء احلظ باءت‬
‫نحبه� � ��ا؟ أن� � ��ا فقير وم� � ��ا اخترت‬ ‫مدم� � ��ن اخلمر واملقامرة وس� � ��يئ‬ ‫مح� � ��اوالت دستويفس� � ��كي لكتابة‬
‫الفق� � ��ر‪ ...،‬وما هو س� � ��ر الكرماء‬ ‫اخللق يعيش كما يرى‪ ،‬وهذه هي‬ ‫صفحة واحدة بالفشل وأسدى له‬
‫هل هم كرماء في احلقيقة؟ وكم‬ ‫الصورة التي يقدمها إلينا مؤرخو‬ ‫أصدقاؤه النصيحة بتعيني كاتبة‬
‫من دنيء بينهم؟! وكم من شريف‬ ‫س� � ��يرته‪ .‬ولكن هذه الرواية تبذل‬ ‫آلة لتس� � ��اعده في العمل‪ .‬فاختار‬

‫«مثل ترنيمة»‬
‫الكاتب واملترجم املصري يزف ببش� � ��رى للهنود عامة والكيراليني خاص� � ��ة بترجمة رواية ملياملية‪ ،‬وهي‬
‫رواية ش� � ��هيرة كتبها بيرومبادافام س� � ��ري دهاران‪ ،‬رئيس أكادميية األدب الكيرالي‪ ،‬نش� � ��رت طبعتها الثانية‬
‫سلسلة «روايات الهالل‪ ،‬شهر فبراير ‪2015‬م» والتي حازت جائزة َويَالر األدبية لعام ‪1996‬م‪ .‬وصدرت باللغة‬
‫امللياملي� � ��ة عام ‪1993‬م وأعيدت طباعتها على األقل أربع وخمس� �ي��ن مرة وبيع خالل ‪ 12‬عاماً مليون نس� � ��خة‪.‬‬
‫اجت� � ��ازت هذه الرواية ح� � ��دود الدولة في املرة األولى لتصبح جزءاً من عالم األدب العربي بعد ترجمتها إلى‬
‫اللغة اإلجنليزية حني صممت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عام ‪2010‬م على نشرها‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 194-201.indd 196‬‬ ‫‪7/21/16 8:58:12 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ب� �ي��ن األدني� � ��اء الذين طب� � ��ع عليهم‬


‫الكاتب بيرومبادافام سري دهاران‬ ‫املجتم� � ��ع طبعة الدن� � ��اءة؟‪ ...‬رأيت‬
‫بني الكرماء القاتل� �ي��ن واملجنونني‬
‫ولد بيرومبادافام س� � ��ري ده� � ��اران في قري� � ��ة بيرومبادافام‬ ‫واملس� � ��يئني‪ ،‬ورأيت ب� �ي��ن املنبوذين‬
‫مبنطقة موواتب� � ��وزا ‪ Movatupuzha‬يوم ‪ 12‬فبراير ‪1938‬م‪ .‬وقد‬ ‫األتقياء والش� � ��رفاء‪ ،‬هل تظنني أن‬
‫ترعرع على حب األدب العارم منذ نعومة أظفاره‪ ،‬وبدأ مس� � ��يرته‬ ‫جمي� � ��ع من يجلس على الكراس� � ��ي‬
‫األدبية بقرض الش� � ��عر ثم حتول إل� � ��ى كتابة القصص والروايات‪،‬‬ ‫احملترم� � ��ة أش� � ��خاص أذكياء؟‪ ،‬هل‬
‫وكتب الس� � ��يناريو لنحو ‪ 12‬فيلماً‪ .‬بالرغ� � ��م من أنه ألف ‪ 12‬قصة‬ ‫لهم حق لذلك؟‪ ...‬أحياناً أفكر أن‬
‫قصي� � ��رة‪ ،‬فإنه ترك روايات عديدة ذات قيمة يبلغ عددها حوالي‬ ‫الفقر والدناءة شيء محترم»‪.‬‬
‫الثالثني‪ .‬وحصل على جوائز أدبية ونقدية عدة‪ ،‬منها جائزة كيراال‬ ‫ومرة أخرى يقول عن املقامرة‬
‫للفيل� � ��م‪ ،‬وجائزة النقد الس� � ��ينمائي‪ ،‬وجائ� � ��زة هيئة أدب األطفال‬ ‫«يقول الناس إنني مدمن مقامرة‪،‬‬
‫وجائ� � ��زة أكادميية األدب الكيرالي‪ ،‬وجائ� � ��زة صوت الكيراال‪ .‬أما‬ ‫هل ي� � ��درون أن احلي� � ��اة من األلف‬
‫روايته «مثل ترنيم� � ��ة»‪ ،‬فحصلت على جوائز مرموقة عدة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫إل� � ��ى الياء مقام� � ��رة يلعبها الناس‪،‬‬
‫جائزة َويَالر‪ ،‬وجائزة ن� � ��ادي األدب امللياملي في أبوظبي‪ ،‬وجائزة‬ ‫فالبع� � ��ض يف� � ��وز والبع� � ��ض اآلخر‬
‫ش� � ��اكتى أبوظبي‪ ،‬وجائ� � ��زة ثقافية كيرالية‪ ،‬وجائ� � ��زة نادي األدب‬ ‫يخسر؟»‪.‬‬
‫امللياملي مبسقط‪ ،‬وجائزة كاويا منداالم‪ ،‬وجائزة الشاعر األعظم‬ ‫يق� � ��ول املترج� � ��م محم� � ��د عيد‬
‫ج� � ��ي التذكارية‪ ،‬وجائزة وي دي بادياتيريب� � ��اد األدبية التذكارية‪.‬‬
‫إبراهيم عن ه� � ��ذا العمل «واجهت‬
‫وعمل س� � ��ري دهاران عضوا في أكادميية األدب الكيرالي وهيئة‬
‫في ترجم� � ��ة الرواية الهندية‪( ،‬مثل‬
‫رقابة الس� � ��ينما وهيئة إدارية ف� � ��ي جمعية تعاون األدب الكيرالي‪،‬‬
‫ترنيم� � ��ة)‪ ،‬كلم� � ��ات هندي� � ��ة‪ ،‬ذللها‬
‫ويعمل حاليا رئيس أكادميية األدب الكيرالي‪ .‬وترجمت مجموعة‬
‫لي األس� � ��تاذ قدس� � ��ي‪ ،‬إضافة إلى‬
‫من أعماله إلى اللغات األجنبية ولغات الهند املختلفة‪.‬‬
‫مقاطع م� � ��ن الكتاب املقدس‪ ،‬أتيت‬
‫مبثيالتها م� � ��ن الترجم� � ��ة العربية‬
‫الشائعة في الكنائس املصرية‪ ،‬مع‬
‫املترجم محمد عيد إبراهيم‬ ‫ترجمة مقاطع أخرى من األشعار‬
‫ولد في ح� � ��ي حدائق القبة بالقاهرة في ‪ 12‬مايو ‪1955‬م‪ .‬تخرج‬ ‫الت� � ��ي كان يتم ّثلها دستويفس� � ��كي‪،‬‬
‫في كلية اإلعالم ‪ -‬قس� � ��م الصحافة بجامعة القاهرة س� � ��نة ‪1978‬م‪.‬‬ ‫ما وهبني س� � ��عادة فائقة‪ ،‬حيث إن‬
‫وص� � ��در له ‪ 13‬ديوان� � ��ا و‪ 14‬ديوان� � ��ا مترجما وترجم نح� � ��و ‪ 25‬رواية‬ ‫رواية الكاتب الكبير سري دهاران‬
‫و‪ 7‬مجموعات قصصية‪ ،‬باإلضافة إلى خمس مس� � ��رحيات وس� � ��بعة‬ ‫تع ّد عالم� � ��ة فارقة ومنوذجاً باهراً‬
‫كتب نقدية وخمس قصص أطفال‪ ،‬ومتت ترجمة كثير من أش� � ��عاره‬ ‫في كيفي� � ��ة وضع قناع م� � ��ن كاتب‬
‫إل� � ��ى اللغات العاملية‪ .‬وهو من األدباء النوادر الذين ترجموا األعمال‬ ‫أجنبي بسيرة مختلفة عن الكاتب‬ ‫ّ‬
‫إلى اللغة اإلجنليزية‪ ،‬وأنشأ محمد عيد إبراهيم «أصوات» الشعرية‬ ‫واخلوض ف� � ��ي تفاصيله� � ��ا‪ ،‬فكأن‬
‫ع� � ��ام ‪1978‬م ومجلة الس� � ��وداء ع� � ��ام ‪1980‬م‪ .‬وأش� � ��رف على حترير‬ ‫كاتبها هو الش� � ��خص املكتوب عنه‪،‬‬
‫سلس� � ��لة «آفاق الترجمة» في هيئة قصور الثقاف� � ��ة بالقاهرة وعمل‬ ‫وقد الق� � ��ت الترجمة العربية حظاً‬
‫مدي� � ��راً لتحريرها من عام ‪1996‬م إلى ع� � ��ام ‪1998‬م‪ .‬ثم عمل مديراً‬ ‫كبي� � ��راً ف� � ��ي انتش� � ��ارها‪ ،‬وأجمعت‬
‫تنفيذياً على «املش� � ��روع القومي للترجم� � ��ة» باملجلس األعلى للثقافة‬ ‫عليها الصحف املصرية والعربية‪،‬‬
‫بالقاه� � ��رة ب� �ي��ن عام� � ��ي ‪1998‬و‪ .1999‬وعم� � ��ل محمد عي� � ��د إبراهيم‬ ‫وباعت آالفاً من النسخ في مؤسسة‬
‫محررا ومترجما في عدد من الصحف العربية في دولة اإلمارات‪.‬‬ ‫كلمة في أبوظبي وفي مؤسسة دار‬
‫الهالل في القاهرة» >‬

‫‪197‬‬
‫«مثل ترنيمة»‪ ...‬رواية هندية عن دستويفسكي تترجم للعربية‬

‫‪aug 194-201.indd 197‬‬ ‫‪7/21/16 8:58:16 AM‬‬


‫غربة الروح والجسد‬
‫في «أطفال بال دموع»‬
‫مصر‬ ‫نسرين البخشونجي‬

‫مشكلتها الوحيدة أنها تريد أن‬ ‫هل الغربة عن الوطن هي‬


‫تعيش حياته������ا‪ ,‬أن تنفق املال‬ ‫سبب شعورنا بالوحدة أم نشعر‬
‫الذي جتني������ه‪ ,‬أن تتمتع‪ ،‬بينما‬ ‫بالوحدة لغربتنا عن أنفس������نا؟‬
‫هو يعكف على جمع املال وتلك‬ ‫أس������ئلة يطرحها الكاتب عالء‬
‫ه������ي مهمت������ه الوحي������دة‪ .‬لهذا‬ ‫الديب‪ ,‬ال������ذي رحل عن عاملنا‬
‫استنكر أفعالها‪ ,‬البغيضة من‬ ‫في فبراير املاضي‪ ,‬في روايته‬
‫وجهة نظره‪ ,‬إذ كانت تش������تري‬ ‫األولى «أطفال بال دموع»‪ ،‬من‬
‫لطفليهم������ا لعب������اً ومالب������س‪،‬‬ ‫خالل قص������ة د‪ .‬مني������ر فكار‪،‬‬
‫ل������ذا ص������ارت احلي������اة بينهما‬ ‫أستاذ األدب املعار إلى إحدى‬
‫مستحيلة‪.‬‬ ‫دول اخلليج منذ عشر سنوات‪.‬‬
‫«انته������ت ش������هور اإلج������ازة‬ ‫البطل يحكي في تدفق سردي‬
‫كأنه������ا س������يجارة قدمي������ة‪ ,‬بال‬ ‫معاناته م������ع احلياة ومحاوالته‬
‫م������ذاق»‪ ...‬يش������عر مني������ر أنه‬ ‫أن ينجح في جمع املال الوفير‪،‬‬
‫عائ������د لوطنه الثان������ي من دون‬ ‫كان يبيع قطع حلوى وأش������ياء‬ ‫وأن يظل محافظاً على الصورة‬
‫أن ينج������ز أش������ياء مهمة‪ ,‬وكأن‬ ‫عالء الديب‬ ‫اخلارجية التي رسمها لنفسه‪.‬‬
‫الوقت ابتلع إجازته ولم ميهله‬ ‫لكن������ه في وس������ط دوامة جمع‬
‫فرصة‪ .‬فلم يزر والده الضرير‬ ‫بس������يطة يش������تريها العاب������رون‬ ‫معان‬
‫ٍ‬ ‫املال والغربة‪ ,‬تاهت منه‬
‫بكفر ش������وق‪ ,‬ولم ي������ر طفليه‪،‬‬ ‫ف������ي احملطة‪ .‬كان رجب يحكي‬ ‫كثيرة للحي������اة‪ ,‬أهمها أن يكون‬
‫وبالتال������ي لم يعطهم������ا الهدايا‬ ‫ملني������ر‪ ,‬الطف������ل الصغير‪ ,‬عن‬ ‫إنساناً‪.‬‬
‫التي اش������تراها لهم������ا‪ .‬هذا ما‬ ‫الذهب الذي خطف بصر ابنته‬ ‫بني مشهد احملطة في بلدته‬
‫ي������راه بينما احلقيق������ة أنه ظل‬ ‫حني دخلت الكه������ف بحثاً عن‬ ‫الصغيرة «كفر شوق» وذاكرته‬
‫يكتب املقاالت التي سينشرها‬ ‫أمها‪ ,‬التي ماتت داخله ومتزق‬ ‫عالقة غرامية‪ ،‬فالصورة التي‬
‫في اجلرائد القاهرية في ذلك‬ ‫جسدها‪ .‬حكى له عن الساحر‬ ‫ال يحاول أن يتذكرها تستدعي‬
‫«البانسيون» الرخيص بوسط‬ ‫املغربي الذي مشت خلفه ابنته‬ ‫نفس������ها تلقائياً مبناسبة ومن‬
‫البل������د‪ .‬وبضعة أي������ام قضاها‬ ‫الضريرة ولم تعد‪ ،‬وعن الديك‬ ‫دون مناس������بة‪ .‬رمب������ا لتؤك������د‬
‫في اإلس������كندرية في محاولة‬ ‫الذي يرق������ص مذبوحاً ويتناثر‬ ‫ش������عوره النفس������ي بالغرب������ة‪،‬‬
‫للبحث عن رجب‪ .‬حني توشك‬ ‫دمه على املارين‪.‬‬ ‫والرغبة ف������ي العودة إلى حيث‬
‫الرواي������ة على االنته������اء‪ ،‬يقول‬ ‫تعثرت حياة د‪.‬منير الزوجية‬ ‫ينتمي عل������ى الرغم م������ن أنه‪,‬‬
‫د‪.‬منير «لم أص������رف في هذه‬ ‫وانه������ارت‪ ,‬فهو يك������ره زوجته‬ ‫هو نفس������ه‪ ,‬يريد أن يبتعد‪ ,‬أن‬
‫الرحل������ة نص������ف ما ق������درت‪,‬‬ ‫سناء األستاذة اجلامعية‪ ,‬ففي‬ ‫يفر من ماضي������ه وطفولته‪ ،‬أن‬
‫الدوالرات في جيبي صحيحة‪,‬‬ ‫أثناء السرد سينطق باحلقيقة‪.‬‬ ‫يفر من عالقت������ه برجب الذي‬

‫‪198‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 194-201.indd 198‬‬ ‫‪7/21/16 8:58:20 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫بال قيمة حقيقي������ة‪ .‬لكن هذه‬ ‫ونق������ود مصري������ة كثي������رة وهم‬


‫املقاالت تعجب زمالءه وجتلب‬ ‫جميع������اً هن������ا يش������ـــــتكون من‬
‫له ماالً إضافياً‪.‬‬ ‫الــغ���ل��اء والفقر»‪ ،‬في إش������ارة‬
‫الرواي������ة ممتلئة مبش������اعر‬ ‫لبخل������ه‪ .‬ولهذا الس������بب أيضا‬
‫احل������زن والفق������د‪ ,‬ومحاوالت‬ ‫ارتك������ب د‪.‬منير بع������ض اآلثام‪،‬‬
‫للبح������ث ع������ن ذات مفق������ودة‬ ‫لكنه لم يلعب القمار أبداً‪ ,‬ألنه‬
‫بفعل الزمن والغربة‪ .‬ومكتوبة‬ ‫يحترم املال‪.‬‬
‫بلغة ش������عرية ش������فيفة وكأنها‬ ‫«أطفال بال دم������وع» رواية‬
‫«مونودرام������ا»‪« .‬أطف������ال ب���ل��ا‬ ‫مكتوب������ة ف������ي حقب������ة أواخ������ر‬
‫دم������وع» رواية ضم������ن ثالثية‪،‬‬ ‫س������بعينيات القرن املاضي‪ ,‬مع‬
‫يحك������ي د‪.‬مني������ر القص������ة من‬ ‫بداية س������فر املصري���ي��ن للعمل‬
‫وجهة نظ������ره‪ ،‬ث������م «قمر على‬ ‫باخل������ارج‪ ،‬الذي ترت������ب عليه‬
‫املستنقع»‪ ،‬حيث تروي الزوجة‬ ‫تغيي������ر األف������كار واملس������تويات‬
‫األحداث‪ ،‬ثم «عيون البنفسج»‬ ‫د‪.‬مني������ر‪ ،‬لطاملا حلم بأن يكون‬ ‫املجتمعي������ة‪ ,‬وظهور ش������ركات‬
‫الت������ي يرويها تامر اب������ن منير‬ ‫كاتباً ومبدع������اً‪ ،‬لكن األبحاث‬ ‫توظي������ف األموال على س������بيل‬
‫الذي صار شاعراً‪ .‬مت جتميع‬ ‫واملقاالت املتخصصة خطفته‬ ‫املثال‪ .‬في الوقت ذاته انتشرت‬
‫الرواي������ات الثالث ف������ي كتاب‬ ‫من حلمه‪ ,‬وظ������ل يحاول بقدر‬ ‫ص������ورة الطف������ل الباك������ي في‬
‫واحد عام ‪ 2009‬صدر عن دار‬ ‫ما يستطيع أن ينهي مجموعة‬ ‫البيوت املصرية‪ ,‬تلك الصورة‬
‫الشروق املصرية‪.‬‬ ‫قصصي������ة أراد أن يكتب آخر‬ ‫املرس������ومة لطف������ل تس������يل من‬
‫ولد عالء الدين حسب الله‬ ‫قص������ة فيها ع������ن الغربة‪ ,‬لكنه‬ ‫عينه دمعة واحدة‪ .‬الغريب أن‬
‫الديب بالقاهرة عام ‪ ،1939‬وهو‬ ‫لم ينجح‪ .‬في مكاشفة بديعة‪,‬‬ ‫أصدق������اءه املغتربني طلبوا منه‬
‫كاتب صحفي‪ ,‬مترجم وأديب‪.‬‬ ‫س������رد د‪ .‬منير أنه اعتاد كتابة‬ ‫أن يحضر لهم من مصر نسخاً‬
‫اشتهر بعموده الثقافي «عصير‬ ‫املقاالت الباه������رة التي تتكون‬ ‫من هذه الصورة‪.‬‬
‫الكت������ب»‪ ،‬وحصل الراحل على‬ ‫من مقدم������ة مختلف������ة ونهاية‬ ‫عن������اء الرغبة ف������ي الكتابة‬
‫جائ������زة الدول������ة التقديرية في‬ ‫بديع������ة‪ ،‬بينم������ا القل������ب مجرد‬ ‫اإلبداعي������ة دون أن يتمخ������ض‬
‫اآلداب عام ‪> 2001‬‬ ‫مض������غ كالم‪ ,‬مجرد كالم فارغ‬ ‫عمل حقيقي كان أحد عذابات‬

‫عسل النون‪...‬‬
‫أسئلة عن الوجود واإلنسان‬
‫قصة مكاش� � ��فة «هل خجل نزيف‬ ‫تختلف في طريقة السرد وطرح‬ ‫يحتف� � ��ي الكات� � ��ب محم� � ��د‬
‫الدم ف� � ��ي رأس الولد من الدماء‬ ‫الفك� � ��رة‪ ،‬ولكن يبقى «الس� � ��ؤال»‬ ‫رفيع في مجموعت� � ��ه القصصية‬
‫الهاربة في ع� � ��روق األم؟» و«هل‬ ‫الس� � ��مة األساس� � ��ية الغالب� � ��ة في‬ ‫األحدث «عس� � ��ل النون» باألنثى‪،‬‬
‫تظنون أن كل ما س� � ��ألت عنه لم‬ ‫النص� � ��وص‪ .‬فرفيع ال يكتفي أبداً‬ ‫بداي� � ��ة م� � ��ن اإلهداء‪/‬الولوج‪ ,‬ثم‬
‫يكن هناك؟»‪.‬‬ ‫بسرد احلكايات ليمتّع القارئ‪ ،‬بل‬ ‫املفتتح «يا ن� � ��ون‪ ,‬يا حبلى بنقطة‬
‫تظل القراءة حملمد رفيع تعني‬ ‫يدفعه دائما نحو فوهة األس� � ��ئلة‬ ‫التكوين»‪ ,‬حت� � ��ى إهداء اخلروج‪.‬‬
‫أننا أمام نص ذي مستويات عدة‪,‬‬ ‫الت� � ��ي يطرحها داخل النص‪ ،‬مثل‬ ‫إحدى وعش� � ��رون قص� � ��ة قصيرة‬

‫‪199‬‬
‫عسل النون‪ ...‬أسئلة عن الوجود واإلنسان‬

‫‪aug 194-201.indd 199‬‬ ‫‪7/21/16 8:58:24 AM‬‬


‫لألطفال أن بوناب� � ��رت هو الذي‬ ‫أهمها البعد الفلسفي والصوفي‪,‬‬
‫ي� � ��روي له� � ��م قصت� � ��ه‪ ,‬بينما عمر‬ ‫عالوة على اللغ� � ��ة وتناول الفكرة‬
‫«املمثل» نائم بالبيت‪ .‬كان البطل‬ ‫من زاوي� � ��ة مختلفة وجذابة‪ ،‬وهو‬
‫مستقراً ولكن حياته تغيرت حني‬ ‫األس� � ��لوب الذي يعتمده رفيع في‬
‫دخل� � ��ت عليه جدت� � ��ه الغرفة وهو‬ ‫كتاباته بش� � ��كل عام‪ ،‬على س� � ��بيل‬
‫في وضع جنسي افتراضي‪ ,‬ماتت‬ ‫املثال مجموعته القصصية «أبهة‬
‫اجلدة من هول الصدمة‪ ،‬فتحول‬ ‫املاء»‪.‬‬
‫الشاب إلى مجرم افتراضي‪.‬‬ ‫«ما قاله حكائيل لي» عبارة‬
‫يظل رفيع قادرا على إدهاش‬ ‫ع� � ��ن متتالي� � ��ة تتك� � ��ون من س� � ��بع‬
‫الق� � ��ارئ واملده� � ��ش لي� � ��س فقط‬ ‫قصص عالوة عل� � ��ى املفتتح «ما‬
‫تكنيك الكتابة وال حتى اللغة التي‬ ‫قبل احلكاية» واخلت� � ��ام «غيبوبة‬
‫يعتني به� � ��ا الكاتب بش� � ��كل بالغ‪،‬‬ ‫اجلن� � ��ة»‪ ،‬يتن� � ��اول فيه� � ��ا الكاتب‬
‫ولك� � ��ن في طرح الفكرة نفس� � ��ها‪.‬‬ ‫أي� � ��ام فيتح� � ��ول ألنث� � ��ى والعكس‪،‬‬ ‫فك� � ��رة امل� � ��وت واحلي� � ��اة‪ ,‬اجلنة‬
‫فاحل� � ��دث البس� � ��يط «س� � ��قوط‬ ‫رغب� � ��ة من� � ��ه ف� � ��ي دراس� � ��ة تأثير‬ ‫والنار‪ ,‬خيارات احلياة ومساراتها‬
‫البطل عل� � ��ى األرض» هو احلدث‬ ‫التحول اجلنس� � ��ي على املشاعر‪,‬‬ ‫«إن كان الن� � ��وم موت � � �اً مؤقت � � �اً‪,‬‬
‫الرئيس في القصة‪ ،‬ولكن طريقة‬ ‫التذوق وغيرهما‪ .‬وس� � ��مى الفتاة‬ ‫فالغيبوبة م� � ��وت مؤجل»‪ .‬فمثال‬
‫التناول هي الت� � ��ي أعطت للنص‬ ‫الت� � ��ي يكونها «ليلي� � ��ت»‪ .‬ظل «آدم‬ ‫ف� � ��ي احلكاية الثالث� � ��ة كتب رفيع‪،‬‬
‫خصوصيت� � ��ه وبه� � ��اءه‪« .‬قمت من‬ ‫يفع� � ��ل ذل� � ��ك ويصور م� � ��ا يحدث‬ ‫«كيف أص� � ��ف األرض؟ هل أقول‬
‫وقيعت� � ��ي‪ ,‬وأحسس� � ��ت بح� �ل��اوة‬ ‫بكامي� � ��را الفيديو كي ي� � ��د ّون كل‬ ‫لها إنه� � ��ا مثل اجلن� � ��ة حني يحل‬
‫تصعد إل� � ��ى فمي‪ ,‬ونظرت لعيني‬ ‫شيء‪ .‬لكنه وقع في حب «ليليت»‬ ‫السالم؟ وكالس� � ��عير حني متتلئ‬
‫القط� � ��ة التي أطلت برأس� � ��ها من‬ ‫التي يراها األنثى املكتملة‪« .‬ترك‬ ‫باحلروب واجل� � ��وع؟‪ ,‬مددت يدي‬
‫داخل كيس السمك كي تودعني‪,‬‬ ‫آدم البحث ف� � ��ي احلقائق وتفرغ‬ ‫نحو التفاح� � ��ة‪ ,‬هل أعود لألرض‬
‫وسرت راضيا ألن كلمني بصوت‬ ‫للحب» ووقعت «ليليت» كذلك في‬ ‫ثاني� � ��ة وأع� � ��رى وأش� � ��قى؟ أي� � ��ن‬
‫العصافير وعيني القطة الناعسة‬ ‫ح� � ��ب «آدم»‪« .‬والغريب أنها كانت‬ ‫إبليس ليخدعن� � ��ي؟ أين اخلضر‬
‫ورضا الناس ودموع البنت امللتاعة‬ ‫تسأل نفسها‪ :‬هل آدم في الضفة‬ ‫ليرشدني؟»‪.‬‬
‫حني جفت‪ ,‬واختفت البنت»‪.‬‬ ‫األخ� � ��رى ينتظ� � ��ر؟ ه� � ��ل يتعذب‬ ‫اس� � ��تخدم رفيع األس� � ��طورة‬
‫خص� � ��ص الكات� � ��ب اجل� � ��زء‬ ‫مثل� � ��ي؟»‪ .‬وفي النهاية مات وعلى‬ ‫اليونانية الش� � ��هيرة نرسيس في‬
‫األخي� � ��ر من مجموعته «عس� � ��ل‬ ‫قب� � ��ره كتبت عبارة «هنا يرقد آدم‬ ‫قصة بعنوان «نرسيس اجلديد»‪،‬‬
‫الن� � ��ون» لب� � ��اب يحم� � ��ل العنوان‬ ‫وليليت»‪.‬‬ ‫تناول فيه� � ��ا قص� � ��ة الدكتور آدم‬
‫نفسه‪ ،‬يحتوي على أربع قصص‬ ‫في جزء آخر مكون من ثالث‬ ‫النابغ� � ��ة الذي يج� � ��ري اختبارات‬
‫مؤمل� � ��ة «الهاتف»‪« ,‬عش� � ��اءات»‪,‬‬ ‫قصص يحمل عنوانا فرعيا «كلل‬ ‫وأبحاث � � �اً غ ّي� � ��رت وج� � ��ه العالم‪,‬‬
‫«اآلنس� � ��ة كيوبيد» و«ف� � ��ي أنوثة‬ ‫الكاف»‪ ،‬جند قصة «زمن الهولو»‬ ‫حت� � ��ى بدأ ف� � ��ي إج� � ��راء عمليات‬
‫كهرب� � ��اء»‪ .‬ترتب� � ��ط القص� � ��ص‬ ‫التي تتحدث عن قصة حب منت‬ ‫التحول اجلنسي لبعض املواطنني‬
‫األربع بفك� � ��رة واحدة هي األنثى‬ ‫وانتهت عبر أس� �ل��اك احلاسوب‪,‬‬ ‫فامت� �ل��أت س� � ��احــــات احملاك� � ��م‬
‫الوحيدة احملرومة من األمومة‪.‬‬ ‫فالهولو تقني� � ��ة حولت الدنيا إلى‬ ‫بالقضاي� � ��ا اخلاص� � ��ة بالنس� � ��ب‬
‫فب� �ي��ن راهب� � ��ة رغبت ف� � ��ي ابن‬ ‫عالم افتراض� � ��ي‪ .‬عمر البطل ذو‬ ‫واإلرث‪ .‬ولكن� � ��ه (الدكتور آدم) لم‬
‫فطردت من الدير وعاش� � ��ت ما‬ ‫العشرين عاما ميثل دور نابليون‬ ‫يتوقف عند ذلك‪ ،‬بل صار يجري‬
‫بقي م� � ��ن حياتها وحيدة‪ .‬وثالث‬ ‫بونابرت ف� � ��ي برنامج تعليمي في‬ ‫ه� � ��ذا التح� � ��ول على نفس� � ��ه عن‬
‫عجائز ينتظرن املوت فيأكلن كل‬ ‫املدارس‪ ,‬م� � ��ن خالل الهولو يبدو‬ ‫طريق محل� � ��ول‪ ,‬ينام بعدها ثالثة‬

‫‪200‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 194-201.indd 200‬‬ ‫‪7/21/16 8:58:30 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫فيروز الرحباني� � ��ة‪ ,‬فاتن حمامة‪,‬‬ ‫تلك اللحظة الت� � ��ي ارتدت فيها‬ ‫يوم عش� � ��اءهن األخير ويحكني‬
‫أم كلثوم وفايزة أحمد‪.‬‬ ‫املعط� � ��ف بلهفتها عل� � ��ى اجلراء‬ ‫احلكاي� � ��ة ذاته� � ��ا يومي� � ��ا‪ .‬وأنثى‬
‫محمد رفي� � ��ع كاتب مصري‪,‬‬ ‫وكأنه� � ��ا أوالدها الذين لم يأتوا؟‬ ‫تتمنى أن تعثر على نصفها اآلخر‬
‫صدرت له رواي� � ��ة واحدة بعنوان‬ ‫هل متنت أن ترضعها؟ هل حكى‬ ‫ول� � ��م جتده مع أنها كانت س� � ��بباً‬
‫«ساحل الغواية» وأربع مجموعات‬ ‫الف� � ��راء لكتفيه� � ��ا قص� � ��ة األنثى‬ ‫في قصص حب كثيرة نتج عنها‬
‫قصصي� � ��ة‪ .‬ص� � ��درت مجموعته‬ ‫املغدورة؟»‪.‬‬ ‫ال‪ ,‬وأخرى‬ ‫أكثر من خمسني طف ً‬
‫القصصية «عس� � ��ل النون» أخيراً‬ ‫إهداء اخلروج من املجموعة‬ ‫حركتها إنس� � ��انيتها حني ارتدت‬
‫ع� � ��ن دار روافد للنش� � ��ر والتوزيع‬ ‫القصصية «عسل النون» للكاتب‬ ‫معطف � � �اً م� � ��ن الف� � ��رو احلقيقي‬
‫بالقاهرة‪ ،‬وتقع ف� � ��ي ‪ 99‬صفحة‬ ‫محم� � ��د رفي� � ��ع‪ ,‬كان إلى نس� � ��اء‬ ‫فاكتشفت أن الصياد كان عدمي‬
‫من القطع املتوسط >‬ ‫كثيرات‪ ،‬منهن س� � ��عاد حس� � ��ني‪,‬‬ ‫اإلنسانية «هل أحست املرأة في‬

‫‪201‬‬
‫عسل النون‪ ...‬أسئلة عن الوجود واإلنسان‬

‫‪aug 194-201.indd 201‬‬ ‫‪7/21/16 8:58:34 AM‬‬


‫طرائف عربية‬

‫حجة داحضة‬
‫كان أصحاب أب� � ��ي علي الثقفي الفقيه إذا رأوا‬
‫امرأة جميلة يقول� � ��ون‪ُ :‬حجة‪ ،‬فعرضت لهم امرأة‬
‫قبيحة فقالوا‪ :‬داحضة‪.‬‬

‫سقف‬
‫قيل ألعرابي‪ :‬أتعرف النجوم؟ قال‪ :‬وهل يجهل‬
‫أحد سقف بيته‪.‬‬

‫تشبه ًا بالعرب‬
‫يذكر صاحب معجم األدباء عن محمد بن أحمد‬
‫أبو الن� � ��دي الغندجاني اللغوي‪ ،‬أنه غاب عن أهله‬
‫مدة‪ ،‬وأقام في البادية س� � ��نني ع� � ��دة‪ ،‬وعاد يروي‬
‫ويخبر‪ ،‬وكان له ابن‪ ،‬فأخذ يطليه بالزيت‪ ،‬ويوقفه‬
‫في ش� � ��مس القيظ بالغندج� � ��ان (بلدة في فارس)‬
‫وهي ح� � ��ارة جداً‪ ،‬ولم يزل يفعل ب� � ��ه ذلك‪ ،‬ليكون‬
‫أسمر اللون كالعرب‪ ،‬حتى مات ذلك املسكني‪.‬‬ ‫لست أقدر على املنع‬
‫في مديح الرغيف‬ ‫قال ابن خالوي� � ��ه (النحوي َخصم املتنبي‬
‫ً‬
‫يقول شاعر طفيلي مادحا الرغيف‪:‬‏‬ ‫في مجلس س� � ��يف الدول� � ��ة) يوم � � �اً مخاطباً‬
‫دع ع���ن���ك ل���وم���ي ي����ا ع����ذول‬ ‫املتنب� � ��ي‪ :‬ل� � ��وال ابن أخي جاهل مل� � ��ا رضي أن‬
‫ف���ل���س���ت أف�����ه�����م م������ا ت���ق���ول‬ ‫يُدع� � ��ى باملتنبي‪ ،‬ألن معن� � ��ى املتنبي الكاذب‪،‬‬
‫إن ال�������رغ�������ي�������ف م���ح���ب���ب‬ ‫وم� � ��ن رضي أن يُدعى بالك� � ��ذب‪ ،‬فهو جاهل‪.‬‬
‫ف���ي ال���ن���اس م��ط��ل��ب��ه جميل‬ ‫فقال له املتنبي‪ :‬لست أرضى أن أُدعى بذلك‪،‬‬
‫الس����ي����م����ا إن ك��������ان وس����ط‬ ‫الغض مني‪ ،‬ولس� � ��ت‬
‫ّ‬ ‫وإمنا يدعوني من يريد‬
‫ح��������روف��������ه ع�����������رق ن����ب����ي����ل‪.‬‬ ‫أقدر على املنع‪.‬‬
‫لقد شككتني‬ ‫أسنانها تطحن احلجر‪:‬‬
‫قال أشعب‪ :‬دخلت على سالم بن عبدالله بن‬ ‫قال شاعر يهجو زوجته‪:‬‬
‫عمر‪ ،‬فقال‪ُ :‬حملت إلينا هريس� � ��ة‪ ،‬وأنا صائم‪،‬‬ ‫ل�������ي ع������ج������وز ك�����أن�����ه�����ا ال�����ـ‬
‫فاقع� � ��د ُكلْ‪ ،‬فأمعن� � ��ت‪ ،‬فقال‪ :‬أرف� � ��ق فما بقي‬ ‫����ر‬
‫ـ������ب������د ُر ف������ي ل����ي����ل����ة امل����ط ْ‬
‫يُحمل مع� � ��ك‪ ،‬فرجعت إلى بيتي ومعي ما تبقى‬ ‫ن������اط������ق ع�������ن ج����م����ي����ع أع�����ـ‬
‫م� � ��ن الهريس� � ��ة‪ ،‬فقالت املرأة‪ :‬يا مش� � ��ؤوم بعث‬ ‫ـ����ض����ائ����ه����ا ش�����اه�����د ال����ك����ب ْ����ر‬
‫عبدالل� � ��ه بن عمرو بن عثم� � ��ان يطلبك‪ ،‬وقلت‪:‬‬ ‫غ�����ي�����ر أض�������راس�������ه�������ا ف���ف���ي���ـ‬
‫إنك مريض‪ .‬فقلت‪ :‬أحس� � ��نت‪ .‬فدخلت حماماً‬ ‫ـ����ه����ا ل�������ذي ال����ل����ب ُم���ع���ت���ب ْ���ر‬
‫ومتوج� � ��ت بدهن وصف� � ��رة‪ ،‬وعصبت رأس� � ��ي‪،‬‬ ‫ْأع ُ‬
‫������������ظ������������م غ�������ي�������ر أن�����ه�����ا‬
‫وأخ� � ��ذت قصب� � ��ي أت� � ��وكأ عليها وأتيت� � ��ه‪ ،‬فقال‬ ‫����ر‬
‫ْ‬ ‫ج‬ ‫����‬‫حل‬ ‫ا‬ ‫����ن‬ ‫ح‬ ‫����‬ ‫ط‬ ‫����‬ ‫ت‬ ‫�����م‬ ‫ظ‬ ‫�����‬ ‫ع‬ ‫أ‬

‫‪202‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 202-205.indd 202‬‬ ‫‪7/25/16 1:16:08 PM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عبدالله‪ :‬ملاذا تأخرت علينا؟ قلت‪ُ :‬جعلت فداك‬


‫ما قمت منذ ش� � ��هرين‪ ،‬وعنده سالم بن عبدالله‬
‫بن عمر صاحب الهريس� � ��ة‪ ،‬ولم أش� � ��عر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ويحك يا أشعب‪ ،‬وغضب وخرج‪ ،‬فقال عبدالله‪:‬‬
‫ما غضب خالي س� � ��الم إ َّال من شيء‪ ،‬فاعترفت‬
‫له‪ ،‬فضح� � ��ك هو وجلس� � ��اؤه‪ ،‬فخرجت‪ ،‬فلقيت‬
‫ساملاً‪ ،‬فقال‪ :‬ويحك ألم تأكل عندي الهريسة؟!‬
‫قلت بلى‪ ،‬فقال‪ :‬والله لقد شككتني‪.‬‬

‫حيلة‬
‫ذكر أبو محم� � ��د القرعاني ف� � ��ي تاريخه‪ ،‬أن‬
‫املأمون أصاب بخراس� � ��ان كانون� � ��ا من الذهب‬
‫مرصعا باجلواهر قيل إنه ليزدجر بن ش� � ��هريار‬
‫الفارس� � ��ي‪ ،‬فق� � ��ال ذو الرئاس� � ��تني (الفضل بن‬
‫س� � ��هيل بن الصولت)‪ :‬يا أمي� � ��ر املؤمنني‪ ،‬الرأي‬
‫أن جتعله ف� � ��ي الكعبة يوقد فيه العود (البخور)‬
‫بالليل والنهار‪ ،‬فقال املأمون أفعل‪ ،‬وأمر بحمل‬
‫كيف؟‬ ‫الكانون إلى مك� � ��ة املكرمة واتصل اخلبر بيزيد‬
‫ذهب رجل لإلمام الش� � ��افعي وقال‪ :‬كيف يكون‬ ‫ابن هارون حُ َ‬
‫املدِّث فأمر مس� � ��تمليه (كاتبه) أن‬
‫إبليس م� � ��ن نار ويعذبه الله بالنار؟ فأحضر قطعة‬ ‫يقف يوم اخلميس عند اجتماع الناس وأصحاب‬
‫من الطني وقذفه بها‪ ،‬ثم قال‪ :‬كيف تكون مخلوقاً‬ ‫احلديث فيشكر املأمون ويدعو له ويخبر بخبر‬
‫من طني ويؤملك؟‬ ‫الكانون ففعل ذلك‪ .‬فلما سمع يزيد كالمه صاح‬
‫وانتهره وقال له‪ :‬ويلك اسكت إن أمير املؤمنني‬
‫لئيم‬ ‫أج� � ��ل قدرا وأعلم بالله ع� � ��ز وجل من أن يجعل‬
‫كان الع� � ��رب يعتبرون اللنب كامل� � ��اء ال يباع‪ ،‬وقد‬ ‫بيت� � ��ه تعالى بيت نار (كاملجوس) فكتب أصحاب‬
‫حدث أن م� � ��ر رجل بامرأة من الع� � ��رب في بادية‪،‬‬ ‫البريد بذلك إلى املأمون فأمر بكس� � ��ر الكانون‬
‫فقال لها‪ :‬هل من لنب يباع؟ فقالت له‪ :‬إنك لئيم أو‬ ‫وبطل ما دبره ذو الرئاستني!‬
‫قريب عهد بقوم لئام!‬
‫راكب البحر‬
‫الكتاب الطائر‬ ‫قي� � ��ل ألعرابي ركب البحر‪ :‬ما أعجب ما رأيت؟‬
‫َّ‬
‫يروى أن املستنصر بالله‪ ،‬أحد ملوك األندلس‪،‬‬ ‫قال‪ :‬سالمتي‪.‬‬
‫ملا س� � ��مع بعكوف أب� � ��ي الْف� � ��رج األصفهاني وهو‬
‫ببغداد على تألي� � ��ف بعض كتبه في تاريخ األدب‬ ‫فرسان ورجالة‬
‫وفنون� � ��ه‪ ،‬بعث إليه بأل� � ��ف دِ ينَار على أَن يوجه لَه‬ ‫قال األصمع� � ��ي‪ :‬مررت بأعرابي ف� � ��ي البادية‪،‬‬
‫نس� � ��خة من الكت� � ��اب فور تأليفه‪ ،‬يق� � ��ول املقري‪:‬‬ ‫فرأيته يفلي ثوبه‪ ،‬فيلتقط البراغيث ويدع القمل‪،‬‬
‫فط� � ��ار الكتاب إلى األندلس قبل أن تتلقفه أيدي‬ ‫فقلت له في ذلك‪ .‬فقال‪ :‬أبدأ بالفرس� � ��ان ثم أثني‬ ‫ُ‬
‫الوراقني ببغداد >‬ ‫بالرجالة‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪203‬‬

‫‪aug 202-205.indd 203‬‬ ‫‪7/25/16 1:16:14 PM‬‬


‫طرائف غربية‬

‫بني الشاعر واألمير‬


‫كان الش������اعر الفرنس������ي الفونتني كثير‬
‫النس������يان‪ ،‬وحدث أن نس������ي مرة دعوة كان‬
‫األمير «كونديه» وجهها إليه لتناول العش������اء‬
‫معه‪ ،‬فغض������ب األمير غضباً ش������ديداً‪ ،‬وملا‬
‫ذهب الش������اعر إلى قص������ره كــ������ي يعــــتــــذر‬
‫إلـــــي������ه‪ ،‬رفض األمي������ر مصافحته‪ ،‬وأدار له‬
‫ظهره‪.‬‬
‫وهن������ا ضح������ك الفونتــــني وقــــ������ال لـــه‪:‬‬
‫«ش������كراً ل������ك يا م������والي‪ ،‬لق������د أيقنت اآلن‬
‫أن������ك راض عني‪ ،‬ومازل������ت تعاملني معاملة‬
‫األصدق������اء‪ ،‬إذ ل������م يُعرف عن������ك أنك تدير‬
‫ظهرك لألعداء!»‪.‬‬
‫وهن������ا لم يس������ع األمي������ر إال أن يصافح‬
‫الشاعر وهو يبتسم‪.‬‬

‫البحث عن عنوان!‬
‫طلب أحد األدباء الش������بان إلى الروائي‬ ‫تأمني على العرش‬
‫األسكتلندي الشهير «ج‪.‬م‪.‬باري» أن يرشده‬ ‫لعل املل������ك الوحيد في العالم الذي أ ّمن‬
‫إلى عنوان جذاب لكت������اب جديد انتهى من‬ ‫على «عرش������ه» هو براخاد هيب������وك‪ ،‬الذي‬
‫تأليفه‪ .‬فسأله باري‪« :‬هل ذكرت في الكتاب‬ ‫حكم دولة سيام بجنوب شرقي آسيا قبل أن‬
‫ش������يئاً عن الطبول أو املزامير؟»‪ .‬وملا أجاب‬ ‫يتغير اسمها‪ ،‬حيث اتفق مع شركتني للتأمني‬
‫األديب الـــش������اب بالنفي‪ ،‬قـــــ������ال له بـــــاري‪:‬‬ ‫على دفع أقساط معينة‪ ،‬طاملا ظل محتفظاً‬
‫إذن‪ ،‬فليك������ن اس������م كتاب������ك‪« :‬ال طبول وال‬ ‫بكرسي احلكم‪ ،‬فإذا أبعد عن احلكم لسبب‬
‫مزامير»‪.‬‬ ‫من األس������باب‪ ،‬دفعت له الشركتان تعويضاً‬
‫اتفق عليه‪.‬‬
‫قصائد حب‬ ‫وق������د ظل امللك براخــــ������اد يحكم مملكة‬
‫أ َّلف أحد الشعراء الروس كتاباً‪ ،‬في عهد‬ ‫س������يام لنحو عشر س������نوات من ‪ 1925‬حتى‬
‫ستالني‪ ،‬يتضمن مجموعة قصائد غرامية‪،‬‬ ‫‪ 1935‬حني أرغـــم على التنازل عـــن عرشه‪،‬‬
‫يناجي فيها الشاعر حبيبته‪ ،‬وأهدى الناشر‬ ‫فقب������ض مبلغاً كبي������راً من امل������ال‪ ،‬م َّكنه من‬
‫‪ -‬كاملعتاد ‪ -‬نس������خة منه إلى ستالني‪ ،‬فقال‬ ‫العي������ش في يس������ر وبذخ حتى توفي س������نة‬
‫ستالني للناش������ر بعد أن اطلع على الكتاب‪:‬‬ ‫‪.1941‬‬

‫‪204‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 202-205.indd 204‬‬ ‫‪7/21/16 8:59:26 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫«مث������ل ه������ذه الكتب ال يص������ح أن يطبع منها‬


‫أكثر من نسختني‪ ...‬نسخة للعاشق‪ ،‬وأخرى‬
‫للعشيقة»‪.‬‬
‫وس������رعان م������ا ُس������حب الكت������اب م������ن‬
‫املكتبات‪.‬‬

‫قرأت كتابك‬
‫قالت سيدة لبرنارد شو مرة‪:‬‬
‫«لقد قرأت كتابك األخير ثالث مرات»‪.‬‬
‫فقال لها برنارد شو‪:‬‬
‫ِّ‬
‫أفض������ل أن تش������ــــتريه ث���ل��اث‬ ‫«كن������ت‬
‫مرات!»‪.‬‬

‫باخرة حتترق‬
‫حدث أن اش������تعلت الن������ار ذات ليلة في‬
‫باخ������رة إجنليزي������ة كان يقوده������ا الضاب������ط‬
‫البحار اإلجنليزي ماكريج������ور عام ‪1825‬م‪،‬‬
‫فلما حتق������ق أال س������بيل إلى النج������اة‪ ،‬كتب‬
‫بيكاسو يقلد نفسه‬ ‫رس������الة ألقى به������ا إلى البحر ف������ي زجاجة‬
‫أراد أحد أصدقاء الفنان العبقري بابلو‬ ‫مغلقة وقــــ������ال فيها‪« :‬إن الس������فينة حتترق‬
‫بيكاس������و أن يداعبه‪ ،‬فطلب منه أن يفحص‬ ‫بالقرب من الساحل الفرنس������ي‪ ،‬إليزابـــيث‬
‫ثالث لوح������ات كان قد أهداها له بيكاس������و‬ ‫وجوانا ‪ -‬زوجته وأخته ‪ -‬وأنا نسلم أرواحنا‬
‫من قبل‪ ،‬ليؤك������د له إن كانت حقاً من عمله‪،‬‬ ‫اآلن وديع������ة في يد اخلال������ق الذي نرجو أن‬
‫ولم ينتبه الفنان‪ ،‬بل شرع يفحص اللوحات‪،‬‬ ‫يغفر لنا آثامنا وميحو معاصينا ويقبلنا في‬
‫وأخيرا قال‪:‬‬ ‫الفردوس»‪.‬‬
‫‪ -‬من الواضح أن هذه اللوحات مقلدة‪.‬‬ ‫وبعد س������اعتني جنا ماكريجور وأس������رته‬
‫فقال صديقه في ثقة‪:‬‬ ‫بأعجوب������ة‪ ،‬وعادوا س������املني إل������ى إجنلترا‪.‬‬
‫ولكنك أنت ال������ذي أعطيتنيها منذ فترة‬ ‫وبعد مرور ثمانية عش������ر ش������هراً عثر أحد‬
‫طويل������ة‪ ،‬وأن������ا أردت أن أختـــب������ر ذاكــرت������ك‬ ‫املستحمني على الشاطئ الفرنسي على تلك‬
‫فقط‪.‬‬ ‫الزجاجة فبعث بها إلى املسؤولني بإجنلترا‪.‬‬
‫أعاد بيكاس� � ��و فحص اللوح� � ��ات‪ ،‬ثم قال‬ ‫واعترف ماكريجور بأن الرسالة هي رسالته‬
‫بهدوء‪:‬‬ ‫نفس������ها‪ ،‬وقد أهداها للش������ركة التي كانت‬
‫‪ -‬حقاً إن اإلنسان يقلد نفسه أحياناً! >‬ ‫متلك السفينة‪.‬‬

‫‪205‬‬

‫‪aug 202-205.indd 205‬‬ ‫‪7/21/16 8:59:29 AM‬‬


‫عزيزي العربي‬

‫مع اإلسالم الصحيح وضد السلوك الخاطئ‬

‫أ ّن مصد َره� � ��ا هو أهل اإلس� �ل��ام‬ ‫وإنا ضد س� � ��لوك ّيات وممارسات‬ ‫مّ‬ ‫الس � � � ّيد رئيس حتري� � ��ر مجلّة‬
‫األش� � ��عري حتدي� � ��داً‪ ،‬ال� � ��ذي بات‬ ‫لشرائح كبيرة من املسلمني‪ ،‬حيث‬ ‫«العرب� � ��ي» الغ � � � ّراء‪ ،‬حت ّي� � ��ة طيب� � ��ة‬
‫هو «اإلس� �ل��ام السائد» في اجلزء‬ ‫ُوجدوا‪ ،‬إ ْن في بلدانــهم أو في بالد‬ ‫وبعد‪ ,‬تعليق � � �اً على اإليجاز الوافي‬
‫األكب� � ��ر م� � ��ن العال� � ��م اإلس� �ل��امي‬ ‫مهاجرهم‪ ،‬انتش� � ��رت واستفحلت‬ ‫املنش� � ��ور ف� � ��ي الع� � ��دد ‪( 692‬يوليو‬
‫خالل الق� � ��رون التس� � ��عة الفائتة‪.‬‬ ‫في العقدين األخيرين‪ ،‬تقوم على‬ ‫‪ )2016‬بعن� � ��وان «ق� � ��راءة في كتاب‬
‫ف� � ��ي العالم الغرب� � ��ي‪ ،‬ومع اإلقرار‬ ‫التأويل والفهم املش ّوه للدين‪ ،‬الذي‬ ‫اإلس� �ل��امـــــوفوبـــيا‪ ....‬املخ� � ��اوف‬
‫بدور أصح� � ��اب املصال� � ��ح الذين‬ ‫جرى التأس� � ��يس له وفرضه منذ‬ ‫اجلديدة من اإلسالم في فرنسا»‪،‬‬
‫أش� � ��ار إليهم الكات� � ��ب في تكريس‬ ‫القرن الثاني عش� � ��ر امليالدي على‬ ‫بقلم د‪ .‬نزار العاني‪ ،‬أود اإلش� � ��ارة‬
‫واستثمار ظاهرة اإلسالموفوبيا‪،‬‬ ‫يد أبي حامد الغزالي و َمن تبعه من‬ ‫إلى ما يلي‪:‬‬
‫فإ ّن املسلمني املهاجرين ق ّدموا من‬ ‫«فقهاء وعلماء»‪ ،‬الذي أدخل األ ّمة‬ ‫لم تعد ظاهرة اإلسالموفوبيا‬
‫املسوغات واملب ّررات ما ال يُحتاج‬ ‫سبات ك ّرس تخلّفها عن‬ ‫ٍ‬ ‫م ّذاك في‬ ‫مقتصر ًة على العالم الغربي الذي‬
‫مع� � ��ه للنفخ فيه‪ ،‬ف� � ��ي الوقت ذاته‬ ‫سائر أمم األرض‪ ،‬واستفاق اليوم‬ ‫يقيم في� � ��ه املهاجرون املس� � ��لمون‬
‫الذي ق � � � ّدم فيه إخوانهم املقيمون‬ ‫ربا على آخر أنفاسها‪...‬‬ ‫ليجهز مّ‬ ‫ويفجرون‪ ،‬بق� � ��در ما باتت ظاهر ًة‬
‫في بلدانهم األصلية ما هو أبشع‪.‬‬ ‫ولع � � � ّل الق� � ��راءة املع ّمقــــ� � ��ة لوقائع‬ ‫واضح� � ��ة داخ� � ��ل دول العال� � ��م‬
‫يصل أغل� � ��ب املهاجرين إلى بلدان‬ ‫األم� � ��ور وس� � ��يرورتها‪ ،‬تفصح أ ّن‬ ‫اإلس� �ل��امي ذاته‪ ،‬م� � ��ن بنغالديش‬
‫نزوحه� � ��م حاملني معه� � ��م مفاهيم‬ ‫ه� � ��ذه «الفوبيا» لي� � ��س مصدرها‬ ‫حتى املغ� � ��رب‪ .‬وهي في احلالتني‬
‫ومعتق� � ��دات تر ّب� � ��وا عليه� � ��ا ف� � ��ي‬ ‫أهل اإلس� �ل��ام عموماً‪ ،‬بطوائفهم‬ ‫ال مت ّث� � ��ل موقف � � �اً ضد اإلس� �ل��ام‬
‫بلدانهم‪ ،‬تقوم بشكل أساسي على‬ ‫وملله� � ��م وتـــف ّرعاته� � ��م‪ ،‬بق� � ��در ما‬ ‫كديان� � ��ة يعتنــقها ماليني البش� � ��ر‪،‬‬

‫‪206‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 206-209.indd 206‬‬ ‫‪7/21/16 8:59:50 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫به س� � ��يدنا مح ّمد بن عبدالله ‪.‬‬ ‫تضع اخلطط ملواجهتها‪ ،‬فإ ّن األمر‬ ‫تأويالت األشعر ّية ومفاهيمها‪.‬‬
‫كلّي أمل أن تتاب� � ��ع مجلّة «العربي»‬ ‫أكث� � ��ر صعوبة ف� � ��ي بل� � ��دان العالم‬ ‫وغالب � � �اً م� � ��ا تش � � � ّكل ه� � ��ذه‬
‫دو َرها الرائ� � ��د والفاعل‪ ،‬مع إيالء‬ ‫اإلس� �ل��امي‪ ،‬حيث البيئة والسلطة‬ ‫املفاهيم أ ّول العوائق أمام االندماج‬
‫املساحة األكبر ألطروحات التنوير‪.‬‬ ‫واملؤسس� � ��ات حاضنة على الغالب‬ ‫ّ‬ ‫والتعاي� � ��ش ف� � ��ي وم� � ��ع املجتمعات‬
‫وتفضلوا بقبول فائق االحترام >‬ ‫ّ‬ ‫لها‪ ،‬ومعيقة فاعلة ملشاريع التنوير‬ ‫احلاضنة لهم‪ ،‬وتع ّمق اإلحس� � ��اس‬
‫التي جته� � ��د خللق وع� � ��ي صحيح‬ ‫بالعزل� � ��ة واالنكف� � ��اء‪ ،‬بحيث يصبح‬
‫وضـاح صـائب ‪ -‬سورية‬
‫ّ‬ ‫وسليم لإلسالم احلقيقي الذي جاء‬ ‫بي� � ��ت العائل� � ��ة احلص� � ��ن املنيع في‬
‫واملوجه الرئيس‬ ‫ّ‬ ‫بيئة ُمكفّرة سلفاً‪،‬‬
‫تنويه‬ ‫لألبن� � ��اء والصائ� � ��غ ملفاهيمه� � ��م‪،‬‬
‫ترد استفس� � ��ارات من كثير من قراء «العرب� � ��ي» (محمود أحمد الورداني‪،‬‬ ‫ليتدخّ ل املسجد بعدها في تأصيل‬
‫عبدالرحم� � ��ن محمد‪ ،‬د‪ .‬هواش نصر الصالح‪ ،‬س� � ��عيد حمادة) ومن أكثر‬ ‫العدوان ّية جتاه «الكفّار» املجاورين‪،‬‬
‫من بلد‪ ،‬مصر‪ ،‬س� � ��ورية والس� � ��عودية‪ ...‬حول توزيع أع� � ��داد مجلة العربي‬ ‫وفي تكريس «اجلهاد» جتاه هؤالء‬
‫ال به� � ��ذه اللهفة على بقاء‬
‫ووصوله� � ��ا إلى أكش� � ��اك البيع‪ ،‬وهم غيورون فع ً‬ ‫كمدخ� � ��ل حصري جل ّن� � ��ة موعودة‪.‬‬
‫املجل� � ��ة في مق� � ��دم الركب الثقاف� � ��ي واملعرفي‪ ،‬واملجل� � ��ة إذ تعتذر لقرائها‬ ‫وإذا كــــان بـــاإلمــكــــان‪ ،‬من الناحية‬
‫وكتابها ومتابعيها عن هذا الطارئ الذي ال تستطيع ضبط مفاصله‪ ،‬لتَعِ د‬ ‫النظر ّية‪ ،‬أن يتخلّص الغرب من هذه‬
‫احملبني أنها ستتالفى هذا الطارئ وتتابع البحث عن احللول املمكنة‪.‬‬ ‫املشكلة‪ ،‬أو أن ينجح في معاجلتها‪،‬‬
‫كون البيئة رافضة لها‪ ،‬والسلطات‬

‫‪E.mail: subscribe@alarabi.info‬‬

‫قسيمة جتديد اشتراك ‪ /‬اشتراك جديد‬

‫االسم الثالثي‬

‫العنوان البريدي‬

‫العنوان اإللكتروني‬

‫(العمل)‬ ‫الهاتف‪( :‬املنزل)‬

‫الهاتف اجلوال‬

‫‪207‬‬
‫عزيزي العربي‬

‫‪aug 206-209.indd 207‬‬ ‫‪7/21/16 8:59:54 AM‬‬


‫رواء الروح في وادي الحياة‬

‫خوف‬
‫ٍ‬ ‫ظمآن‬ ‫�ام وجيب‬ ‫مل ��ا تفت ��تَ ف ��ي الظ�ل ِ‬
‫فاكتويت‬
‫ْ‬ ‫يبحث عن رواء الروح‬ ‫بكيت‬
‫ْ‬ ‫قلبك ما‬
‫وه � ّ�ب لي � ٌ�ل م ��ن حري ��ق الوهم‬ ‫في وادي احلياة‬ ‫أتراك عانقتَ الركوع‬ ‫َ‬
‫رأيت‬
‫يصبغ ما ْ‬ ‫ما نال بعض ًا من مناه‬ ‫رس ��متَ للصم � ِ�ت املهيم � ِ�ن في‬
‫فهتفت وحدي‬ ‫وما اترويت!‬ ‫بيت‬
‫ظالل ْ‬ ‫َ‬ ‫العراء‬
‫واملدى بحر املتاهة واألنني‬ ‫***‬ ‫أتراك خاصمت البكاء‬ ‫َ‬
‫انتهيت‬
‫ْ‬ ‫أنا‬ ‫تــب ��دو الس ��فيــــنة والضــــب ��اب‬ ‫أم ارتعدتَ ؟‬
‫صبح‬‫ٍ‬ ‫ثم انتبهت لصوت‬ ‫العنيد‬
‫ْ‬ ‫وقبضة الليل‬ ‫وحني ساءلك األنني عن البكاء‬
‫قد تدفق في الفؤاد مبشراً‬ ‫الشمس تشرق من جديد‬ ‫أسف‪:‬‬ ‫هتفت في ٍ‬
‫فسجدت للرحمن شكر ًا‬ ‫لكن كف املوج قيد‬ ‫نسيت!‬
‫ْ‬
‫أنني قد عدت حي ًا من جديد‬ ‫قد أحاط جدار روحك عاتياً‬ ‫***‬
‫حييت! >‬
‫ْ‬ ‫لقد‬ ‫نأيت!‬
‫ْ‬ ‫مهما‬ ‫يا ويل قلبي من دجاه‬
‫***‬ ‫سراب ألتقيه‬ ‫ٍ‬ ‫ومن‬
‫محمد عباس علي داود‪ -‬مصر‬ ‫ولق ��د نظرت إل ��ى األمور بعني‬ ‫على رباه‬

‫ضع عالمة ✓ أمام املطبوعة املطلوب االشتراك فيها‬


‫(‪ )1‬قيمة االشتراك السنوي لـ «العربي» للمشتركني من الوطن العربي‪:‬‬
‫‪ 8‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‪.‬‬
‫باقي دول العالم ‪ 10‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‪.‬‬
‫(‪ )2‬قيمة االشتراك السنوي لـ «العربي الصغير» للمشتركني من الوطن العربي‪:‬‬
‫‪ 6‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‪.‬‬
‫باقي دول العالم ‪ 8‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‪.‬‬
‫(‪ )3‬قيمة االشتراك في كتاب العربي‪ 5 :‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‬
‫باقي دول العالم ‪ 16‬دوال ًرا أمريك ًيا‪.‬‬
‫توقيع طالب االشتراك‪:‬‬

‫ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية أو شيك بالدينار الكويتي باسم وزارة اإلعالم‬
‫مع القسيمة على العنوان التالي‪:‬‬
‫مجلة العربي ‪ -‬قسم االشتراكات‬
‫دولة الكويت ‪ -‬ص‪.‬ب‪ - 748 :‬الصفاة ‪ -‬الرمز البريدي ‪ - 13008‬بدالة‪ - )00965( 22512086/82/81 :‬فاكس‪)00965( 22512044 :‬‬
‫‪State of Kuwait - P.O. Box: 748 Safat 13008-Tel.: (00965) 22512086/82/81-Fax: (00965) 22512044‬‬

‫‪208‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 206-209.indd 208‬‬ ‫‪7/21/16 9:00:00 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ام‬
‫تم َ‬
‫امرأة ألبي ّ‬
‫ٍ‬ ‫مدين ٌة بعط ِر‬

‫كالبحر حُتيا عن َد ُه‬


‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫ضحكة‬ ‫لك‬‫ِ‬
‫ُّ‬
‫وتستلذ األعنيُ‬ ‫البيوت‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫غرف‬
‫يرومها‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الغافيات‬ ‫فيك املعاني‬
‫ِ‬
‫حب ِك مزمنُ‬ ‫وداء ِ ّ‬
‫احلروف ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جيش‬
‫الشفاه يد ُلّنا‬
‫ِ‬ ‫فيك الف ُ‬
‫َراش إلى‬ ‫ِ‬
‫دنونا فاســتح َ‬
‫ــال املمكنُ‬ ‫حتى ْ‬
‫سمهُ‬
‫مستطاب ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ثعبانُ خ� ِ ّ�د ِك‬
‫ــــة تـــتــل ّ َونُ‬ ‫َـــك غـــاب ٌ‬
‫وألن عــــين ِ‬ ‫َّ‬
‫عقول الناظرينَ بريقُ ُها‬ ‫َ‬ ‫أعيا‬
‫فتلعـــثـــمـوا وتـــأ ّولوا وتــك ّـهنُ وا‬
‫نقوش ضوءٍ ُك ِ ّح َل ْت‬ ‫ُ‬ ‫فالبعض َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫تتبطنُ‬‫ّ‬ ‫جواهر‬
‫ٌ‬ ‫والبعض َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫رشف َْت طيو ُر املاءِ دم َع قصائدي‬
‫تغر ُدها ففا َح السوسنُ‬‫ومض ْت ِ ّ‬‫َ‬
‫سحابة‬
‫ٍ‬ ‫متثا ُل َك املشهود ُ‬
‫نزف‬ ‫«حبيب» فـ « َم ْو ِص ِلي» قد را َعها‬
‫ُ‬ ‫عذر ًا‬ ‫حاول ُْت أن َ‬
‫أصل النهاي َة قب َلهم‬
‫أو ق ٌ‬
‫ـــبلة تهـــمــي عليها األعني‬ ‫الضفاف ستسكنُ‬ ‫ِ‬ ‫أ ّ َن األعاج َم في‬ ‫ُ‬
‫«جميل» ستُ ط َعنُ‬ ‫فقر ْأتُها‪ْ :‬أن يا‬
‫همساتنا‬
‫ِ‬ ‫الليل عن‬
‫ِ‬ ‫نام ْت عيونُ‬
‫َ‬ ‫والكنائس ُه ِ ّد َم ْت‬
‫َ‬ ‫أن اجلوام َع‬ ‫َّ‬ ‫متور ٌد‬
‫ِّ‬ ‫نبضها‬
‫�ارة‪ُ ،‬‬
‫ط�ع��نَ امل �ن� ِ‬
‫النهاية تمُ ِعنُ‬
‫ِ‬ ‫إن البداي َة في‬‫َّ‬ ‫يتحصنُ‬
‫َّ‬ ‫ـــلبنا‬
‫ـــيع بق ِ‬
‫أمـــا الرب ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫كمنجة وتدندنُ‬ ‫ــفنار‬
‫وعــلى ال ِ‬
‫• «موصلي»‪ :‬مدينتي املوصل >‬ ‫ليس حجارةً‬ ‫الفضي َ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫متثالك‬ ‫ٌ‬
‫محمومة‬ ‫ُ‬
‫سيوفنا‬ ‫«حبيب»‬
‫ُ‬ ‫عذر ًا‬
‫عبدالله سرمد اجلميل ‪ -‬العراق‬ ‫شمس تؤمنُ‬ ‫ٍ‬ ‫بشروق‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫جنمة‬ ‫بل‬ ‫�ذاب املعدنُ‬
‫أحالمها تغلي ف� َ‬
‫ُ‬

‫محم ��د الناصري‪ /‬العراق‪ ،‬مظفر حيدر‪ /‬س ��ورية‪ ،‬مصطفى‬


‫حس�ي�ن‪ /‬مص ��ر‪ ،‬عزي ��ز العرب ��اوي‪ /‬املغ ��رب‪ ،‬زكري ��ا حمايتي‪/‬‬
‫ل‬ ‫ئ‬ ‫رسا‬
‫اجلزائر‪ ،‬موسى أحمد‪ /‬س ��ورية‪ ،‬قائد أحمد‪ /‬اليمن‪ ،‬محمد‬
‫وصلت كم‬
‫أمي ��ن‪ /‬مصر‪ ،‬مها حداد‪ /‬اململكة العربية الس ��عودية‪ ،‬محمد‬
‫القماطي‪ /‬طرابلس‪ ،‬زبير مهداد‪ /‬املغرب‪.‬‬
‫نا‬

‫‪209‬‬
‫عزيزي العربي‬

‫‪aug 206-209.indd 209‬‬ ‫‪7/21/16 9:00:05 AM‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫إلى أن‬
‫نلتقي‬
‫فاطمة حسين العيسى‬
‫كاتبة من الكويت‬

‫وطن ومواطن‬
‫ا أو طالت ‪ -‬من اإلقامة وس� � ��ط مالذ آمن بال� � ��غ الدفء كرمي‬ ‫بعد ش� � ��هور تس� � ��عة ‪ -‬قصرت قلي� �ل � ً‬
‫العطاء‪.‬‬
‫تتأهب الروح البشرية اجلديدة الختراق الشرنقة‪ ،‬وجتد نفسها محاطة بلفافة دفء آخر وأصوات‬
‫تك ّبر في اآلذان مرات ثالث وكأنها تبدأ بإقامة صالة مرحبة بالقادم اجلديد‪.‬‬
‫ً‬
‫ه� � ��ذا الذي مت فصله عن رحم أمه للتو بقطع حبله الس� � ��ري ليطلق الصرخة األولى احتجاجا على‬
‫ترحيله من وطنه الصغير إلى العالم األكبر‪.‬‬
‫يبدأ درس� � ��ه األول في التأقلم بوض� � ��ع قدميه الصغيرتني على أول عتبات «املواطنة»‪ ،‬وهو االس� � ��م‬
‫اجلديد لصلته باألرض‪.‬‬
‫وتبدأ رحلة الوصل لهذا املواطن الصغير بهذا الوطن الكبير‪ ،‬الذي نس� � ��ميه «االنتماء»‪ ،‬ذاك الدرس‬
‫األول لربط اإلنسان بوطنه رباطاً له صفات النمو واالستمرارية بإرادة اخلالق على املخلوق‪.‬‬
‫لذا يقال إن املواطنة حق له صفة الدميومة ‪ -‬إال ما كتب الله ‪ -‬أما االنتماء فهو واجب مستمر ما‬
‫دامت العالقة سوية بني اإلنسان وموقع قدميه‪.‬‬
‫الوط� � ��ن‪ ...‬نعرفه مبجرد فتح أعيننا‪ ،‬لكن االنتماء لي� � ��س مجرد ملصق إعالني‪ ،‬إمنا هو درس مهم‬
‫يعطينا إياه األهل أوالً‪ ،‬ثم املدرس� � ��ة رغم اختالف اللغة واملوقع‪ .‬واالنتماء‪ ،‬مطلوب من االثنني (الوطن‬
‫واملواطن) ممارس� � ��ته بحرفية عالية‪ ،‬فال تتكامل املواطنة إال بإجناز االنتماء‪ ،‬الذي نترجمه في حياتنا‬
‫اخلاصة أو العامة‪ ،‬رغم تقدم العامة عن اخلاصة‪ .‬إن اجلدية في ممارس� � ��ة س� � ��لوك االنتماء هي التي‬
‫تص� � ��وغ املواطن احلق وليس مجرد عابر الس� � ��بيل‪ ،‬ألن لألوطان حرمات‪ ،‬وله� � ��ا قواعد وقوانني‪ ،‬ونظم‬
‫تبدأ من احترام علم البالد وتنتهي عند إماطة األذى عن الطريق‪ ،‬فالسلوك العام هو الصوت املسموع‬
‫لالنتماء احلق‪.‬‬
‫لألوط� � ��ان إدارات عليا في مجاالت السياس� � ��ة واالقتصاد والعلم واالجتم� � ��اع‪ ،‬وللمجتمع أخالقيات‬
‫عامة راقية مطلوب من األفراد ممارستها بكم كبير من الطاعة‪.‬‬
‫تل� � ��ك حق� � ��وق األوطان على مواطنيها وزوارها‪ ،‬وما على اإلنس� � ��ان إال أن ي� � ��درك أن حريته ذاتية‬
‫فقط ال ميارسها في األجواء العامة‪ ،‬ألن ما يخرج منه عن إطار منزله اخلاص هو للعموم وليس له‬
‫خصوصية به‪.‬‬
‫اعذرون� � ��ي إن آمنت بأن الوطن العربي قد أدركته اجلودة عن� � ��د صناعته ألوطانه‪ ،‬ولكنه مازال في‬
‫الدرجات الدنيا في تشكيل وصوغ مواطنيه‪ ،‬أقول صوغاً وال أقول صناعة والفرق بينهما كبير‪.‬‬
‫فالعربي يحب وطن ولكنه ال ميارس انتماءه بحرفية يستحقها الوطن >‬

‫‪210‬‬
‫العدد ‪ - 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪aug 210.indd 210‬‬ ‫‪7/21/16 9:00:21 AM‬‬


‫صـدر حديثـًا عن‬

‫اجل ـ ـزء األول‬

‫يصدر عن‬
‫وزارة اإلعالم بدولة الگويت‬

‫‪full cover.indd 1‬‬ ‫‪7/26/16 11:31:26 AM‬‬


‫‪full cover.indd 2‬‬
‫مدينة رؤوس الطيور التسعة!‬
‫ووهان الصينية‬
‫العدد ‪ > 693‬ذو القعدة ‪ 1437‬هـ > أغسطس ‪ 2016‬م ‪August‬‬
‫‪ISSN : 0258 - 3941‬‬

‫‪2016‬‬ ‫العدد ‪ 693‬أغسطس‬

‫‪7/26/16 11:30:59 AM‬‬

You might also like