You are on page 1of 36

‫‪1‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...

‬الوافد الجديد‬

‫مقدمــــــة‪:‬‬
‫يف الفاتح من جانفي ‪ 1999‬دخلت أوروبا عهدا جديدا‪ ،‬و ذلك بتبين إحدى عشرة دولة من أصل‬
‫مخس ة عش رة من ال دول األعض اء يف اإلحتاد األورويب لعمل ة واح دة‪ ،‬أطل ق عليه ا اس م "دول املوج ة األوىل"‪.‬و‬
‫التحق هبذه املوجة اليونان يف بداية عام ‪ 2001‬ليصبح العضو الثاين عشر يف نظام اليورو باعتبار أنه حقق كل‬
‫شروط و معايري االنضمام للعملة األوروبية "اليورو"‪.‬‬

‫أما الدول اليت مل تستوف بعد شروط اإلنضمام إىل العملة األوروبية املّوحدة "اليورو" باإلضافة إىل أسباب‬
‫أخرى هي‪ :‬اململكة املتحدة‪ ،‬الدامنارك و السويد‪ ،‬فهذه الدول حتتفظ بعمالهتا الوطنية يف التداول‪ ،‬و هلا احلق‬
‫كامال غري منقوصا يف اإلنضمام إىل نظام اليورو‪.‬‬

‫و لقد أعترب ظهور اليورو حدثا رئيسيا يف اإلقتصاد العاملي‪ ،‬و يف تطبيق النظام النقدي الدويل نظ را للق ّوة‬
‫اليت متثلها إقتصاديات دول اجلماعة األوروبية‪.‬‬

‫و سنحاول من خالل هذا الفصل اإلملام بكل اجلوانب املتعلقة بالعملة األوروبية املّوحدة من ميالد و ظهور‬
‫إىل تسيري‪ ،‬و صوال إىل تأثرياهتا املختلفة على أداء اإلقتصاد األورويب‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ميالد العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‬


‫تمهيـــــــــد‪:‬‬
‫إن الي ورو كعمل ة موح دة ل دول االحتاد األورويب‪ ،‬و كعمل ة دولي ة جدي دة‪ ،‬ع رفت مراح ل عدي دة س واء من‬
‫ناحية اإلصدار أو من ناحية وصوهلا جليوب األوروبيني و يف مقابل ذلك صادفتها العديد من الصعوبات‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫و س وف حناول من خالل ه ذا املبحث إظه ار ش كل و فئ ات الي ورو و أنظم ة إص داره‪ ،‬م ع التط رق إىل‬
‫املراحل املتبعة لالنتقال من استعمال العمالت الوطنية إىل استعمال العملة األوروبية املوحدة "اليورو"‪ ،‬و كذا‬
‫الص عوبات ال يت واجهت ظه ور ه ذه األخ رية خالل ه ذه املرحل ة ‪ -‬مرحل ة االنتق ال‪ -‬كم ا س نحاول إعط اء‬
‫تعريف ات م وجزة بال دول الداخل ة و اخلارجة عن منطق ة الي ورو و موقف كل واح دة منه ا من العملة األوروبي ة‬
‫املوحدة "اليورو"‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬شكل‪ ،‬فئات و أنظمة إصدار اليورو‪.‬‬
‫أوال‪ :‬شكل اليورو‬
‫"الي ورو" ه و اس م العمل ة األوروبي ة املش رتكة لبل دان االحتاد األورويب‪ ،‬و ق د مت تس جيله يف هيئ ة القواع د و‬
‫املعايري الدولية هبذا االسم الذي سيعتمد كذلك بالنسبة لغريه من الكلمات املختصرة‪)1(.‬‬

‫و لقد مت إعداد التصميمات اهلندسية لورقة اليورو بشكل علمي و عملي متناسب‪ ،‬و اليت قام بتصميمها‬
‫املهندس األملاين "روبري كالينا" و اليت استغرقت منه ما يزيد عن العامني‪ ،‬يف وضع اخلطوط العريضة‪ ،‬و إضافة‬
‫اللمسات الدقيقة على كل ورقة‪ ،‬و اليت وافق عليها وزراء مالية االحتاد األورويب يف اجتماعهم عام ‪.1999‬‬
‫و تشري التصميمات اهلندسية يف جمموعها العام إىل كل العصور التارخيية اليت مرت هبا احلضارة األوروبية‪،‬‬
‫لتعكس آماهلا و طموحاهتا‪ ،‬و تعرب من خالهلا كل آماهلا و معاناهتا من أجل الوحدة‪ ،‬و هذه الرسوم املختلفة‬
‫يف كل فئة من فئات اليورو‪ ،‬و هي مصحوبة بشكل واحد مستدمي يف كل الفئات باختالف ألواهنا‪ ،‬هو تعبري‬
‫مشرتك بني العام و اخلاص‪ ،‬و ما بني املاضي و احلاضر و املستقبل‪ ،‬أي كل الفئات مطبوع عليها‪،‬و مصحوبة‬
‫خبريطة أوروبا الكربى‪)2(.‬‬

‫(‪ )1‬مسري صارم‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.135‬‬


‫(‪ )2‬حمسن أمحد اخلضريي‪ :‬اليورو اإلطار الشامل و الكامل للعملة األوروبية الوحيدة‪ ،‬جمموعة النيل العربية الطبعة األوىل ‪ ،2002‬ص‪.113‬‬

‫و ق د مت اعتم اد ح رف "‪ "E‬ال ذي ه و احلرف اخلامس من األجبدي ة اليوناني ة ‪ EPSILON‬املرتبط ة مبه د‬


‫احلضارة األوروبية (حضارة اإلغريق القدماء) باإلضافة إىل أن حرف "‪ "E‬هو احلرف األول يف كلمة ‪Europe‬‬

‫و يتخلل "‪ "E‬خطان متوازيان يرمزان إىل االستقرار‪ ،‬و يرمزان إىل قوس و سهمان ينطلقان إىل مستقبل أفضل‪،‬‬
‫و مت كتابة عبارة "اليورو" بكل من األحرف الالتينية هكذا ‪ EURO‬و األحرف اليونانية هكذا ‪ EYPO‬للتعبري‬
‫عن االرتباط بني املاضي املستمر و احلاضر املستقر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فئات و أنظمة إصدار اليورو‪.‬‬
‫لقد مت إصدار اليورو من خالل ثالث أنظمة رئيسية و هي على النحو التايل‪:‬‬
‫* النظام األول‪:‬أوراق عملة نقدية‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫لق د مت إص دارها مث ل أي عمل ة ورقي ة أخ رى يف الع امل‪ ،‬و خض عت لنفس إج راءات اإلص دار و الطب ع و‬
‫ال رتقيم و التسلس ل اخلاص بالورق ة النقدي ة كم ا حتم ل توقيع ات حماف ظ البن ك املرك زي األورويب‪ ،‬و يت ابع البن ك‬
‫املركزي عمليات تداوهلا‪.‬‬
‫كما استندت العملة الورقية مثلها مثل باقي العمالت الورقية يف العامل إىل قوة القانون‪ ،‬أي أهنا ملزمة قانونا‬
‫و حيكمها القانون‪ ،‬و هي بذلك تكون مقبولة يف إبراء الذمم و استيفاء احلقوق استنادا هلذا القانون‪.‬‬
‫و ملا مت ط رح الي ورو كعمل ة ورقي ة حمل العمالت األوروبي ة اخلاص ة بك ل دول ة من دول اجملموع ة‪ ،‬مت س حب‬
‫هذه األخرية (العمالت األوروبية) من التداول‪ ،‬ألهنا ببساطة فقدت قوة إبرائها و عرضها القانوين‪ ،‬و مل تصبح‬
‫قانونية ملزمة ألي تعامل بعد انتهاء الفرتة االنتقالية‪ ،‬بل إنه أثناء الفرتة االنتقالية مت حتويل عرضها من العرض‬
‫العام إىل العرض اخلاص‪ ،‬حيث اقتصر التعامل هبا فقط عند البنوك و املصارف اليت قامت بسحبها و إحالل‬
‫"اليورو" حملها‪)1(.‬‬

‫و العملة الورقية طرحت قانونا و هلا قوة اإلبراء و القبول العام و فئاهتا سبع هي‪:‬‬
‫‪ 05‬ي ورو‪ 10،‬ي ورو‪ 20 ،‬ي ورو‪ 50،‬ي ورو ‪ 200،‬ي ورو‪ 100 ،‬ي ورو‪ 500،‬ي ورو‪ ،‬و لك ل فئ ة من ه ذه الفئ ات‬
‫شكل حجم و مقاس خمتلف‪ ،‬حيث يستطيع الفرد العادي التمييز بينها و حىت ضعفاء البصر تسهل عليهم‬
‫التعامل هبا خاصة و أن أوروبا تشهد ظاهرة التقدم يف السن ( متوسط عمر الفرد جتاوز ‪ 90‬سنة) و هو ما‬
‫يعين عدد كبري منهم ضعفاء البصر‪.‬‬
‫و فيما يلي جدول يّبني أحجام و ألوان أوراق اليورو‪.‬‬
‫(‪ )1‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫الجدول رقم (‪ :)1-3‬أحجام و ألوان أوراق اليورو‪.‬‬


‫اللــون‬ ‫الحجــم‬ ‫الفئــة‬
‫الرمادي‬ ‫‪120‬مم ‪ x62‬مم‬ ‫‪ 5‬يورو‬
‫الزهري‬ ‫‪127‬مم ‪ x 67‬مم‬ ‫‪ 10‬يورو‬
‫األزرق‬ ‫‪133‬مم ‪ x 72‬مم‬ ‫‪ 20‬يورو‬
‫الربتقايل‬ ‫‪140‬مم ‪ x 77‬مم‬ ‫‪ 50‬يورو‬
‫األخضر‬ ‫‪147‬مم‪ x82‬مم‬ ‫‪ 100‬يورو‬
‫األصفر‬ ‫‪153‬مم ‪ x82‬مم‬ ‫‪ 200‬يورو‬
‫األرجواين‬ ‫‪160‬مم ‪ x82‬مم‬ ‫‪ 500‬يورو‬
‫‪Source Didier Cahen : l’Euro l’enjeux et modalités pratiques, les éditions‬‬
‫‪4‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫‪d’organisation ; Paris1998.P425.‬‬

‫* النظام الثاني‪ :‬مسكوكات معدنية‪.‬‬


‫و هي عمالت مساعدة أو ما يطلق عليها أشباه النقود و يتم إصدارها لتسهيل املعامالت و سداد للفروق‪،‬‬
‫و يف الوقت ذاته لكبح التضخم و احملافظة على استقرار األسعار‪.‬‬
‫فالعمالت املساعدة هي عمالت الزمة للتداول‪ ،‬ليس فقط لألف راد‪ ،‬بل للسياح األجانب و حمالت التوزيع‪،‬‬
‫و حيتاج إليها النظام النقدي يف التعامل لكوهنا معدنية‪ ،‬و بالتايل فإن قابليتها للتآكل حمدودة و قابليتها للتلف‬
‫حمدودة أيض ا‪ .‬و ق د مت ط رح ج انب منه ا يف أملاني او فرنس ا‪ ،‬و مت ت داوهلا من ذ ع ام ‪ ،2000‬و إن ك انت على‬
‫نطاق حمدود يتسع بالتدريج شيئا فشيئا و فئاهتا ‪ 8‬فئات هي‪:‬‬
‫‪ 1‬سنت‪ 2،‬سنت‪ 5،‬سنت‪10 ،‬سنت‪20 ،‬سنت‪50 ،‬سنت‪ 1 ،‬يورو‪ 2 ،‬يورو‪.‬‬
‫و قد محلت النقود املعدنية لليورو وجهني على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬الوجه األول‪ :‬ثابت يف مجيع الفئات و األحجام اخلاصة بالعملة املعدنية و هو حيدد قيمة اليورو‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الثاين‪ :‬شكل خاص بكل فئة من الفئات و خيتلف من دولة إىل أخرى‪ ،‬و حيمل هذا الشكل طابعا‬
‫حمليا خاص بكل دولة من األعضاء‪.‬‬

‫*النظام الثالث‪ :‬إصدار اليورو احلسايب و البطاقات اإلئتمانية‪.‬‬


‫على ال رغم من أن ه ذا النظ ام الث الث إال ان ه ك ان األول يف التط بيق و االس تخدام‪ ،‬إذ مت االتف اق علي ه و‬
‫اإلع داد ل ه‪ ،‬و تطبيق ه و تنفي ذه من ذ أول حلظ ة أطل ق فيه ا الي ورو و ه ذا ي دل على التخطي ط اجلي د لتوف ري‬
‫مقوم ات جناح الي ورو و امتص اص أي آث ار س لبية مل يؤخ ذ حس اهبا يف االعتب ار‪ ،‬أو جنمت عن اعتب ارات‬
‫التعامل‪.‬‬
‫و قد مت استخدام اليورو احلسايب منذ الفاتح من جانفي ‪ 2001‬يف عمليات الدفع و السداد اإللكرتوين و‬
‫احلسايب عن طريق‪:‬‬
‫‪ -‬البطاقات االئتمانية؛‬
‫‪ -‬الشبكات السياحية؛‬
‫‪ -‬السندات احلكومية و سندات الشركات؛‬
‫‪ -‬سداد الضرائب و املستحقات احلكومية؛‬
‫‪ -‬سداد الديون املستقبلية و عمليات اخلصم؛‬
‫‪5‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫‪ -‬منح القروض احلكومية و املساعدات الدولية‪.‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل االنتقال إلى استعمال اليورو و الصعوبات التي واجهته‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مراحل االنتقال إلى استعمال اليورو‪.‬‬
‫مت االتفاق بني الدول األعضاء على ثالث مراحل حىت يصل اليورو إىل جيوب األوروبيني‪ ،‬و يتم استخدامه‬
‫يف احلياة اليومية‪ ،‬و هذه املراحل هي‪:‬‬
‫* المرحلة األولى‪ :‬ماي ‪ 1998‬إىل جانفي ‪.1999‬‬
‫مت خالل هذه املرحلة حتديد الدول األعضاء اليت ستشارك يف اليورو منذ بدايته يف عام ‪ ،1999‬و هي ما‬
‫أطل ق عليه ا ب دول " املوج ة األوىل" ‪ Première vague‬و ذل ك بن اءا على مراجع ة املؤش رات االقتص ادية هلذه‬
‫الدول‪ ،‬و الوقوف على مدى استيفائها لشروط االنضمام إىل منطقة االحتاد النقدي األورويب‪.‬‬
‫و ق د مت حتدي د دول املوج ة األوىل و هي إح دى عش ر دول ة (‪ ،)1‬ه ذه األخ رية اتفقت على إدخ ال بعض‬
‫التعديالت التشريعية و التصديق على التشريعات اخلاصة بالتحّول إىل اليورو‪.‬‬

‫(‪ )1‬كاتيا حداد‪ :‬اليورو قد انطلق‪ ،‬ملحق الكفاح العريب‪ ،‬لبنان ‪ ،1999‬ص‪.29‬‬

‫و يف خالل ه ذه املرحل ة ك ذلك‪ ،‬مت اختاذ الرتتيب ات اخلاص ة بس ك الوح دات املعدني ة و إص دار أوراق‬
‫البنكنوت لليورو‪ ،‬كما مت يف جوان ‪ 1998‬إنشاء النظام األورويب للبنوك املركزية و البنك املركزي األورويب‪.‬‬
‫* المرحلة الثانية‪ :‬جانفي ‪1999‬إىل جانفي ‪.2002‬‬
‫لقد تقرر يف هناية هذه املرحلة ميالد العملة األوروبية املوحدة "اليورو" و إحالله حمل اإليكو مع حتديد سعر‬
‫تبادل بني اليورو و عمالت الدول املشاركة يف الوحدة النقدية‪.‬‬
‫و خالل هذه املرحلة ّمت استخدام اليورو كوحدة نقدية يف البورصات‪ ،‬يف األسواق املالية و بني املصارف كما‬
‫مت إصدار السندات احلكومية اجلديدة باليورو‪ ،‬و هذه األخرية سوف تستحق بعد جانفي ‪ 2002‬حيث يكون‬
‫اليورو قد مت تعميمه يف املبادالت اليومية‪.‬‬
‫هذه املرحلة أطلق عليها اخلرباء تسمية " مرحلة التعامل املزدوج" حيث يتم خالهلا التحول بصورة جزئية إىل‬
‫اليورو و هو حتول اختياري‪ ،‬إذ أن الدول املشاركة يف االحتاد النقدي تستخدم العملة الوطنية و اليورو دون أي‬
‫متي يز‪ ،‬م ع األخ ذ بعني االعتب ار أن ك ل عمل ة وطني ة يف ه ذه الف رتة م ا هي إال تس مية للي ورو و بس عر ص رف‬
‫ثابت‪ ،‬و من مث ليس هناك أي حظر أو فرض الستخدام اليورو أو العملة الوطنية‪.‬‬
‫كما ّمت خالل هذه املرحلة وضع األدوات اليت تدخل يف االستهالك مثل أدوات التوزيع األوتوماتيكية و كذا‬
‫االتصاالت‪ ،‬إذ مت سك القطع املعدنية يف سبتمرب‪ 2001‬مث األوراق النقدية من ديسمرب ‪ 2001‬اليت وضعت يف‬
‫البن وك و مكاتب الربي د و وجهت لإلستعمال الي ومي عن طريق املوزعات األتوماتيكية كما تق رر خالل هذه‬
‫‪6‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫املرحلة أن يضطلع البنك األورويب مبباشرة مهامه يف رسم السياسة النقدية و أن تقوم البنوك املركزية األوروبية‬
‫بتحويل كافة أعمال السوق النقدية إىل عملة اليورو‪)1(.‬‬

‫* المرحلة الثالثة‪ :‬جانفي ‪2002‬إىل جويلية ‪.2002‬‬


‫يف أول يوم من هذه املرحلة‪ ،‬مت طرح األوراق النقدية و القطع املعدنية للعملة اجلديدة "اليورو" للتداول يف‬
‫احلي اة اليومي ة لل دول املش اركة‪ ،‬و مت س حب القط ع املعدني ة و األوراق النقدي ة الوطني ة هلذه ال دول من الس وق‬
‫النقدي ة‪ .‬كم ا ق امت احلكوم ات و املؤسس ات ب دفع أج ور العم ال‪ ،‬حتدي د أس عار الس لع و تس ديد الض رائب‬
‫باليورو‪.‬‬
‫‪(1) Simon.P : EURO 2000, lettre des établissements de crédit et des entreprises d’investissement, AFECEI,‬‬
‫‪Octobre 2000, N°= 14. P35.‬‬
‫و قد ّمت االتفاق على أن يصبح اليورو هو العملة الوحيدة املعمول هبا يف التداول و اليت هلا صفة قانونية يف‬
‫‪ 30‬جوان ‪ 2002‬كحد أقصى‪.‬‬
‫و ن ّود أن نشري إىل أن هذه املرحلة عرفت نوعا من املرونة النسبية‪ ،‬إذ أن الت واريخ احملددة بصورة رمسية لكل‬
‫إجراء خالل هذه املرحلة مل يتم حتديدها بصورة قاطعة‪.‬‬
‫و يف هناية هذه املرحلة تكون قد اكتملت عملية التحول إىل اليورو‪.‬‬
‫و الشكل التايل يبني بصورة خمتصرة مراحل حتول االحتاد األورويب إىل التعامل باليورو يف احلياة اليومية و وصول‬
‫اليورو إىل جيوب املواطنني يف أوروبا‪.‬‬
‫شكل رقم (‪ :)1-3‬مراحل تحول االتحاد األوروبي إلى التعامل باليورو في الحياة اليومية و وصول اليورو إلى‬
‫جيوب المواطنين في أوروبا‪.‬‬

‫املرحلة األوىل‬ ‫املرحلة الثانية‬ ‫املرحلة الثالثة‬

‫حتديد دول املوجة األوىل‬ ‫‪ -‬إحالل اليورو حمل اإليكو‪.‬‬


‫املشاركة يف اليورو‪.‬‬ ‫‪ -‬حتديد سعر التبادل بني‬ ‫‪ -‬ط رح الي ورو للت داول يف‬
‫اليورو والعمالت الداخلة فيه‪.‬‬ ‫احلياة اليومية‪.‬‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫‪1999‬‬ ‫العمالت‬
‫جانفي‬ ‫‪-1998‬‬‫‪-‬مايسحب‬
‫جانفي‪ -1999‬جانفي ‪2002‬‬ ‫‪ -‬أص بح الي ورو ه و العمل ة‬
‫‪ -2002‬جويلية ‪2002‬‬ ‫جانفي‬ ‫الوحيدة املعمول هبا‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫المصـدر‪ :‬من إعداد الباحث‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬الصعوبات المرتبطة لالنتقال إلى اليورو‪.‬‬
‫ميكن تص نيف ه ذه الص عوبات إىل ثالث أص ناف‪ :‬الص عوبات النفس ية‪ ،‬الص عوبات التقني ة و الص عوبات‬
‫القانونية‪.‬‬

‫* الصعوبات النفسية‪:‬‬
‫أول هذه الصعوبات تتجلى يف مدى مصداقية النظام النقدي اجلديد‪ ،‬و الذي جيب أن يتفق مع انطالق‬
‫االحتاد االقتصادي و النقدي‪ ،‬فهذا األخري قائم على أساس التثبيت غري القابل لإللغاء ملعدالت الصرف بني‬
‫عمالت الدول املشاركة و الشروط األخرى إلقامة إحتاد نقدي (حتويل العمالت‪ ،‬حركة جّي دة لرؤوس األم وال)‬
‫و هي إىل حد اآلن مرضية‪ ،‬و إذا كان الدخول إىل املرحلة الثالثة مرتبط مبعدالت الصرف هذه فإن األع وان‬
‫االقتصاديني لن يعرف وا هلا أي آثار إجيابية وعليه من املستحسن إدخال اليورو مع بداية املرحلة الثالثة‪ ،‬حبيث‬
‫ينبغي أن يتوافق مع وجود اليورو كتلة حامسة "‪ "Masse Critique‬من العمليات ( من بينها نشاط البنك‬
‫املركزي‪ ،‬عمليات التحويل بني دول منطقة اليورو و باقي العامل‪ )...‬و اليت تعترب دليل ملموس على وضع نظام‬
‫حقيقي للعملة املوحدة‪ ،‬فهذه الكتلة احلامسة لن جترب األعوان غري املالية على االستعمال الفوري لليورو‪.‬‬
‫كما تظهر هنا صعوبة نفسية ثانية و اليت تتمثل يف قبول العائالت و املؤسسات التأقلم التدرجيي مع العملة‬
‫املوح دة األوروبي ة‪ ،‬و ب األخص م ع مع دالت التحوي ل ال يت تربطه ا ب العمالت الوطني ة‪ ،‬و من ه ف املرور احلقيقي‬
‫لليورو لن يكون مرورا فوريا بل تدرجييا‪)1(.‬‬

‫* الصعوبات التقنية‪:‬‬
‫حسب إحصائيات أفريل ‪ 1999‬تقدر النقود املتداولة يف االحتاد األورويب حوايل ‪ 76‬مليار قطعة نقدية و ‪13‬‬
‫مليار ورقة نقدية‪ ،‬و يتضح لنا جليا صعوبة تعويض هذه الكمية اهلائلة من النقود بعملة جديدة حتل حملها‪ .‬و‬
‫فعال فإن املديريات الوطنية للعمالت ( بالنسبة للقطع النقدية) و املؤسسة النقدية األوروبية ( بالنسبة لألوراق‬
‫النقدي ة) اس تطاعت القي ام بأعم ال متهيدي ة ج د متقدم ة خالل املرحل ة الثاني ة ملس رية الوح دة النقدي ة‪ ،‬حيث‬
‫حددت الوجه‪ ،‬الشكل و حجم املبالغ اإلمجالية لألوراق النقدية اجلديدة‪.‬‬
‫كم ا ال ننس ى أن هن اك ص عوبات واجهت بعض األع وان االقتص ادية املتمثل ة يف القط اع اخلاص‪ ،‬و‬
‫ب األخص البن وك ال يت تس تعمل آالت الس حب األتوماتيكي ة و الرباجمي ات بالعمل ة الوطني ة‪ ،‬ه ذه األخ رية أعي د‬
‫تكييفها و تعويضها مبا يتماشى مع العملة اجلديدة "اليورو"‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫‪(1) Pascal Kauffman: OP.Cit.P90.‬‬


‫* الصعوبات القانونية‪:‬‬
‫مل تكن معاهدة "ماسرتخيت" دقيقة فيما خيص اآلجال احملددة للمرور إىل اليورو حيث نصت املادة ‪109‬‬
‫الفق رة ‪ 04‬على أن ه‪ ":‬ينبغي على جملس وزراء االحتاد األورويب اختاذ اإلج راءات الض رورية إلدخ ال و بس رعة‬
‫العملة املوحدة مباشرة بعد انطالق االحتاد النقدي"‪.‬‬
‫كما تنص االتفاقية أن ال يواجه تداول اليورو انطالق االحتاد االقتصادي و النقدي‪ ،‬و مل توضح أسباب هذا‬
‫التباعد و ال حىت املدة احملددة‪.‬‬
‫كل هذه النق اط أدت على التحفظ من التداول الفوري لليورو يف مجيع العمليات النقدية‪ ،‬فقائمة الدول‬
‫األعضاء املشاركة يف االحتاد النقدي و اليت حققت شروط االنضمام‪ ،‬مل يتم التعرف إليها حىت‬
‫شهر ماي ‪ ،1998‬كما أن االحتاد النقدي بدأ أشغاله فعليا يف الفاتح من جانفي ‪ ،1999‬و عليه كان من غري‬
‫املعقول تنظيم عملية حتويل مجيع العمالت الوطنية إىل اليورو و يف مدة قصرية كهذه (من ماي ‪ 1998‬إىل غاية‬
‫‪.)01/01/1999‬‬
‫كم ا أن هن اك ص عوبة أخ رى واجهت االنتق ال الف وري و الكام ل للي ورو‪ ،‬و املتمثل ة يف اختي ار مع دالت‬
‫التحوي ل ال يت س رتبط الي ورو ب العمالت الوطني ة لل دول املعني ة و ال يت جيب أن تك ون حمددة يف الي وم األول من‬
‫انطالق املرحلة الثالثة و بالتايل فإن ال رأي العام ال ميكنه ال رتاجع عن هذه املعدالت و ما عليه سوى التأقلم‬
‫معها‪.‬‬
‫و باملوازاة مع ما سبق فإن اتفاقية ماسرتخيت تفرض أن يكون اليورو منذ بداية االحتاد النقدي عملة خاصة و‬
‫كاملة ليست مثل وحدة النقد األورويب "اإليكو" ( ال تستعمل يف مجيع العمليات النقدية)‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أعضاء االتحاد األوروبي داخل وخارج منطقة اليورو‪.‬‬
‫يتش كل االحتاد األورويب من مخس ة عش رة دول ة هي‪ :‬النمس ا‪ ،‬بلجيك ا‪ ،‬ال دامنارك‪ ،‬أملاني ا‪ ،‬فرنس ا‪ ،‬اليون ان‪،‬‬
‫بريطانيا‪ ،‬ايرلندا‪ ،‬لوكسمبورغ‪ ،‬فنلندا‪ ،‬السويد‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬هولندا‪ ،‬الربتغال‪ ،‬إسبانيا‪.‬‬
‫و باختي ار اإلح دى عش رة دول ة املكون ة للن واة األوىل للوح دة النقدي ة األوروبي ة‪ ،‬و ك ذلك اليون ان باعتب اره‬
‫العضو الثاين عشر املنضم يف الفاتح جانفي ‪ 2002‬تكون الدول األعضاء يف االحتاد األورويب قد انقسمت إىل‬
‫جمموعتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬دول الوح دة النقدي ة أو دول منطق ة الي ورو‪ ،‬و يطل ق عليه ا يف ه ذا اإلط ار تس مية بال دول املنتمي ة أو‬
‫الداخلة يف الوحدة النقدية "‪ "The Ins‬حيث تبلغ مساحتها (مساحة منطقة اليورو) حنو ‪ 3,365‬مليون كم‪ ،‬و‬
‫‪9‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫ع دد س كاهنا حنو ‪ 301,9‬ملي ون نس مة يتح دثون بـ ‪ 17‬لغ ة‪ ،‬كم ا حتوز منطق ة الي ورو على اجلزء األك رب من‬
‫االحتياطي العاملي من الذهب بنسبة ‪ %20,6‬مقابل ‪ % 8,13‬لليابان‪ % 4,1 ،‬للواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬هي الدول اليت مل تنضم بعد للوحدة النقدية و نعين هبا‪ :‬بريطانيا‪ ،‬الدامنرك و السويد‪ ،‬و يطلق عليها‬
‫"‪."The outs‬‬ ‫دول اخلارج‬
‫و سنتناول فيما يلي جزءا خمتصرا ملواقف دول الداخل و اخلارج من الوحدة النقدية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬دول الـداخــل‪)1(.‬‬

‫* ألمانيا‪:‬‬
‫لقد بّينت عمليات استطالع الرأي أن ‪ %40‬فقط من األملان يؤيدون الوحدة النقدية و يعارضها ‪ ،% 45‬و‬
‫تأيت املعارضة نتيجة املخاوف من استبدال عملتهم الوطنية القوية باليورو الذي مل خيترب‪.‬‬
‫و زاد من اس تياء الش عب األملاين الص راع الطوي ل بني السياس يني عن د اختي ار أول رئيس للبن ك املرك زي‬
‫األورويب‪ ،‬ه ذا الص راع ال ذي اعت ربه البعض إش ارة للص عوبات ال يت ميكن أن يواجهه ا الي ورو من ج انب‬
‫السياسيني‪،‬و إىل جانب عدم تعاطف الشعب األملاين‪ ،‬واجه "هيلموت كول"(*) صعوبات من جانب البنك‬
‫االحتادي األملاين ال ذي اختذ مواق ف متش ددة يف مراح ل إع داد االقتص اد األملاين للتكي ف م ع مع ايري التأه ل‬
‫للوحدة النقدية‪ ،‬حيث احلكومة األملانية طرحت فكرة إعادة تقييم رصيد الذهب لدى البنك االحتادي األملاين‬
‫الس تخدام الف رق يف تقليص ال دين الع ام‪ ،‬إال أن ه ذا األخ ري ع ارض الفك رة و رفض التع اون م ع احلكوم ة يف‬
‫األخذ هبذا احلل‪.‬‬
‫كما أن البنك االحتادي األملاين قد أبدى عدم ارتياحه لقبول إيطاليا و بلجيكا لعضوية الوحدة النقدية يف‬
‫الوقت الذي ميثل فيه الدين العام يف الدولتني ‪ %100‬و هو األمر الذي سوف يتسبب حسب رأيه يف عدم‬
‫استقرار اليورو‪.‬‬
‫إال أنه ميكن القول بأن األمر يف أملانيا مل يزد عن جمرد عدم التعاطف بفكرة استبدال املارك األملاين باليورو‪،‬‬
‫فالش عب األملاين مل خيرج يف مظ اهرات ض خمة تع ارض الوح دة النقدي ة‪ ،‬كم ا أن احلزبني الرئيس يني‪ ،‬احلزب‬
‫املسيحي الدميقراطي الذي يتزعمه "كول" و احلزب االش رتاكي الدميقراطي الذي يتزعمه "شرودر" و إن اختلفا‬
‫يف رؤيتهما ملزايا اليورو‪ ،‬إال أهنما مل خيتلفا يف ضرورة تنفيذ الوحدة النقدية ألوروبا يف اإلطار الزمين احملدد‪.‬‬

‫(‪ )1‬جملة عن غرفة التجارة العربية الربيطانية‪ :‬العملة األوروبية املوحدة و تأثرياهتا‪ ،‬نوفمرب ‪ ،1998‬ص ص‪.79-62‬‬

‫(*) هيلموت كول‪:‬مستشار أملامني سابق‪ ،‬ناضل ملدة عقدين من الزمن من أجل جناح الوحدة النقدية يف أوروبا‪.‬‬

‫* فرنسا‪:‬‬
‫‪10‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫قام الرئيس الفرنسي احلايل " جاك شرياك" مبتابعة املسرية من حيث توقف "ميرتان"‪ ،‬كما حرصت احلكومات‬
‫الفرنسية املتعاقبة رغم اختالف وجهات نظرها على مواصلة إعداد االقتصاد الفرنسي الستيفاء شروط العضوية‬
‫يف الوحدة النقدية‪ ،‬متحملة يف ذلك تبعات ارتفاع معدالت الفائدة و البطالة أيضا‪.‬‬
‫و ل و أن اجلانب الس ليب الوحي د يف املوق ف الفرنس ي ك ان موافق ة الش عب الفرنس ي على معاه دة ماس رتخيت‬
‫بأغلبي ة بس يطة‪ ،‬كم ا أش ارت عملي ات اس تطالع ال رأي الع ام يف فرنس ا إىل أن ‪ % 58‬من الفرنس يني يؤي دون‬
‫الوحدة النقدية و يعارضها ‪ % 36‬كما وجهت انتقادات لفرنسا لعدم قيامها بإصدار الق وانني الالزمة مبنح و‬
‫ضمان استقالل البنك املركزي الفرنسي و ذلك باعتبار استقالل البنك من متطلبات جناح الوحدة النقدية‪.‬‬
‫كما حتاول فرنسا منح جملس وزراء مالية منطقة اليورو من الثقل السياسي و صالحيته مثل ما جمللس وزراء‬
‫مالية االحتاد األورويب (‪15‬دولة) و لكن أملانيا و بريطانيا عارضتا بقوة االجتاه الفرنسي‪ ،‬و مؤخرا طالبت فرنسا‬
‫أن يكون لدول منطقة اليورو حق التمثيل و التصويت يف اجتماعات الدول الصناعية السبع الكربى و لكن‬
‫أملانيا و بريطانيا عارضتا االق رتاح الفرنسي و على ما يبدو فإن فرنسا حتاول بشىت الطرق معاقبة دول االحتاد‬
‫األورويب اليت ختلفت عن ركب الوحدة النقدية‪ ،‬و بصفة خاصة بريطانيا و ذل ك حبرماهنا من املسامهة يف اختاذ‬
‫القرارات األوروبية‪.‬‬
‫* إيطاليا‪:‬‬
‫لقد تغريت مشاعر الشعب اإليطايل بانضمام بلدهم إىل عضوية الوحدة النقدية ألوروبا كعضو مؤسس‪،‬‬
‫فكثريا ما شعر اإليطاليون بأهنم يف الدرجة الثانية للدوري األورويب بعد أملانيا و فرنسا اللتني ترتبعان يف الدوري‬
‫املمتاز أما اآلن فيمكن القول بأن "اإليطاليون" يف الدوري األورويب املمتاز جنبا إىل جنب مع أملانيا و فرنسا‪،‬‬
‫و لكي تبقى إيطاليا يف منطقة اليورو ال بد هلا من املضي يف تنفيذ ما التزمت به من ختفيضات يف الدين العام‬
‫الذي تراكم على مدى ربع قرن كما حتتاج كذلك إىل االستقرار السياسي‪.‬‬
‫و على اجلانب اإلجيايب أيض ا ف إن أغلبي ة الش عب اإليط ايل يؤي دون االنض مام إىل الوح دة النقدي ة حيث‬
‫أظه رت عملي ات اس تطالع ال رأي الع ام إىل أن ‪ %78‬من الش عب اإليط ايل يؤي دون االنض مام إىل العمل ة‬
‫األوروبي ة املوح دة و يعارض ها ‪ ،%11‬و ت اريخ إيطالي ا حاف ل بالنش اط ع ل الس احة األوروبي ة فهي من ال دول‬
‫الست املؤسسة للسوق األوروبية املشرتكة يف عام ‪ 1957‬و انضمت اللرية اإليطالية إىل نظام النقد األورويب عند‬
‫إقامت ه يف ع ام ‪ 1979‬و لكن اض طرار الل رية إىل مغ ادرة آلي ة ض بط أس عار ص رف العمالت األوروبي ة يف ع ام‬
‫‪ 1992‬قد مس مشاعر اإليطاليني لذلك فإن انضمام إيطاليا إىل الوحدة النقدية جناح للحكومة اإليطالية بكل‬
‫املع ايري و اس تعادة لثق ة اإليط اليني و األوروب يني على ح د س واء‪ ،‬و ي رى املراقب ون أن احملافظ ة على ه ذه الثق ة‬
‫ستكون خالل االلتزام بتخفيض النسبة بني الدين العام و إمجايل الناتج كما وعدت به احلكومة اإليطالية‪ ،‬و‬
‫‪11‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫هذه املهمة دون شك صعبة للغاية خاصة أن حمافظ البنك املركزي اإليطايل قد ح ّذ ر جلنة امليزانية يف الربملان‬
‫اإليطايل بأن املهمة صعبة‪.‬‬
‫* إسبانيا‪:‬‬
‫لقد حضيت الوحدة النقدية بتأييد أغلبية اإلسبان‪ ،‬فقد أظهر استطالع لل رأي أن حنو ‪ %61‬من الشعب‬
‫اإلسباين يؤيدون انضمام اسبانيا إىل الوحدة النقدية و يعارضها ‪ %23‬فقط‪.‬‬
‫و ق د تبنت احلكوم ة االس بانية احلالي ة بع د توليه ا احلكم يف م اي ‪ ،1996‬سياس ات وجهت مبقتض اها‬
‫االقتص اد االس باين إىل عه د الي ورو‪ ،‬و ح ىت املل ك "خ وان ك ارلوس" ال ذي ال يت دخل يف املعت اد يف األم ور‬
‫السياسية‪ ،‬حتدث يف كلمة له إىل الشعب االسباين عن أمهية انضمام بالده إىل الوحدة النقدية األوروبية‪.‬‬
‫و جنحت اس بانيا يف االنض مام إىل اجملموع ة املؤسس ة للي ورو‪ ،‬و ذل ك إث ر حتقيقه ا لتخفيض يف مع دالت‬
‫التضخم و أسعار الفائدة طويلة األجل‪ ،‬و حتقيق االستقرار لعملتها و تقليص العجز احلكومي مليزانيتها‪.‬‬
‫* البرتغال‪:‬‬
‫مع هناية عام ‪ 1997‬استوىف االقتصاد الربتغايل معايري ماسرتخيت املؤهلة لعضوية الوحدة النقدية‪ ،‬و قد كان‬
‫لإلرادة اجلادة للقيادة السياسية الفضل يف هتيئة االقتصاد الربتغايل للتأهل لعضوية اليورو‪ ،‬و لو أن املراقبني يرون‬
‫أن اإلرادة القوي ة من ج انب القي ادة السياس ية مل تواكبه ا إرادة ش عبية على نفس املس توى‪ ،‬حيث تش ري‬
‫استطالعات الرأي العام يف الربتغال إىل أن ‪ %45‬فقط يؤيدون عضوية الربتغال يف الوحدة النقدية‪ ،‬و يعارضها‬
‫‪.%29‬‬
‫و يف بداية ‪ ،1998‬اقرتحت منظمة التعاون االقتصادي و التنمية (أو‪ ،‬إي‪ ،‬سي‪ ،‬دي) ضرورة التزام الربتغال‬
‫بربن امج للسيطرة على العج ز يف امليزاني ة و تقليص ال دين الع ام‪ ،‬بع د انض مامها للي ورو‪ ،‬و متكنت الربتغ ال من‬
‫حتقيق هذه اإلجنازات بفضل االخنفاض الس ريع يف أسعار الفائدة‪ ،‬و الذي أدى بدوره إىل اخنفاض املدفوعات‬
‫من الفوائ د على ال ديون‪ ،‬ه ذا باإلض افة إىل اإلي رادات الض خمة من ب رامج اخلصخص ة ال يت اس تخدمت يف‬
‫ختفيض العجز و الدين العام‪.‬‬
‫إال أن بعض األوساط األوروبية تنتقد الربتغال‪ ،‬و تعزو تأهلها لعضوية الوحدة النقدية إىل الزيادة الكبرية يف‬
‫اإلي رادات‪ ،‬اليت ساعدت على ختفيض العجز و الدين العام و ليس نتيجة إصالحات اقتصادية بعيدة األثر‪،‬‬
‫لذلك تتفق هذه اجلهات مع وجهة نظر منظمة التعاون االقتصادي و التنمية من ضرورة ترشيد اإلنفاق و إتباع‬
‫سياسة اقتصادية متكنها من السيطرة على العجز و الدين العام‪.‬‬
‫* هولندا‪:‬‬
‫هولندا‪ ،‬هي الدولة املضيفة للقمة األوروبية اليت انعقدت يف املدينة اهلولندية "ماسرتخيت" يف ديسمرب من عام‬
‫‪ ،1991‬كم ا اس تفادت هولن دا من الق رار ل ذي اختذت ه يف أوائ ل الثمانين ات برب ط "اجلل در" باملارك األملاين و‬
‫‪12‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫بإقام ة مث ل ه ذه الوح دة النقدي ة الفعال ة م ع أملاني ا اس تفادت هولن دا من السياس ات النقدي ة احلازم ة للبن ك‬
‫االحتادي األملاين‪ ،‬ل ذلك فال غراب ة يف أن يك ون موقف ال رأي الع ام اهلولن دي من الي ورو مش اهبا إىل ح د بعي د‬
‫موق ف ال رأي الع ام األملاين‪ ،‬من حيث تش ككه يف اس تبدال اجلل در الق وي ال ذي داول ه على م دى ‪300‬عام ا‬
‫بالعمل ة األوروبي ة املوح دة "الي ورو" ال يت مل ختت رب‪ ،‬و ق د س اعد على ختفي ف تل ك الش كوك تع يني اهلولن دي‬
‫"دوسينربج" أول رئيس للبنك املركزي األورويب‪.‬‬
‫و على اجلانب االقتصادي‪ ،‬مل يكن من يشك يف قدرة هولندا على التأهل لعضوية الوحدة النقدية يف املوجة‬
‫األوىل حيث النم و الق وي لالقتص اد‪ ،‬اس تقرار العمل ة‪ ،‬مع دالت الفائ دة املنخفض ة و االخنف اض املتواص ل يف‬
‫البطالة‪.‬‬
‫* بلجيكا‪:‬‬
‫بلجيكا يف قلب مشروعات التضامن و االحتاد يف أوروبا منذ البداية‪ ،‬فهي عضو مؤسس يف جمموعة الفحم‬
‫و احلدي د‪ ،‬و الس وق األوروبي ة املش رتكة مث االحتاد األورويب‪ ،‬و عاص متها بروكس ل هي عاص مة أوروب ا‪ ،‬فمن‬
‫الصعب تصور قيام وحدة نقدية أوروبية ال تكون بلجيكا طرفا فيها‪ ،‬كما أن مسائل الوحدة النقدية ليست‬
‫جديدة على بلجيكا‪ ،‬فهناك وحدة نقدية بينها و بني لوكسمبورغ منذ عام ‪ 1922‬و اقتصادها مرتبط ارتباطا‬
‫وثيقا باالقتصاديني األملاين و الفرنسي‪ ،‬فوفقا لعمليات استطالع لل رأي حيضى اليورو بتأييد ‪ %57‬من الشعب‬
‫البلجيكي بينما عارضه‬
‫‪. %32‬‬
‫إال أن املشكلة اليت واجهتها بلجيكا كانت يف ارتفاع مستوى الدين العام إىل أكثر من ضعف مستوى معيار‬
‫ماسرتخيت‪ ،‬حيث اخنفض يف عام ‪ 1997‬إىل ‪ % 123,6‬من إمجايل الناتج احمللي‪ ،‬و قبلت بلجيكا يف جمموعة‬
‫اليورو على أساس التزاماهتا خبطة لتخفيض الدين العام‪.‬‬
‫* لوكسمبورغ‪:‬‬
‫لوكس مبورغ‪ ،‬ش أهنا ش أن بلجيك ا يف أهنا ق د ج ربت الوح دة النقدي ة يف إط ار ال دولتني من ذ ع ام ‪1922‬‬
‫باإلضافة إىل االرتباط الوثيق بني االقتصاد اللوكسمبورجي و االقتصاديني األملاين و الفرنسي‪.‬‬
‫و من ناحي ة تأه ل االقتص اد اللوكس مبورجي للوح دة النقدي ة‪ ،‬مل يكن حمل أي ش ك‪ ،‬حيث حققت‬
‫لوكسمبورغ خالل عام ‪ 1997‬فائضا يف ميزانيتها‪ ،‬و مل يتجاوز الدين العام ‪ %8‬من إمجايل الناتج احمللي‪ ،‬كما‬
‫اختذت لوكس مبورغ اخلط وات الالزم ة إلع داد مش روعات الق وانني ملنح البن ك املرك زي اس تقالله عن الس لطة‬
‫النقدية‪ ،‬و ذلك متاشيا مع اتفاقية ماسرتخيت للوحدة النقدية‪.‬‬
‫كما حيظى اليورو بتأييد أغلبية الشعب يف لوكسمبورج و أظهر استطالع الرأي أن ‪ %62‬من الشعب يؤيدون‬
‫اليورو‪ ،‬و يعارضه ‪.%28‬‬
‫* فلندا‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫مل يكن هناك من شك يف قدرة فنلندا على استيفاء معايري ماسرتخيت و التأهل للوحدة النقدية فاالقتصاد‬
‫الفنلندي ينمو مبعدل ‪ %5‬سنويا‪،‬و يف عام ‪ 1997‬كانت نسبة كل من الدين العام و العجز يف امليزانية إىل‬
‫إمجايل الناتج احمللي ‪ % 55.8‬و ‪ %0.9‬على التوايل‪.‬‬
‫و بالرغم من التأييد الكامل الذي حيضى به اليورو من جانب السياسيني إال أنه ال حيظى بالتأييد الشعيب‬
‫حيث يرى املعارضون أنه من الرغم من املزايا االقتصادية اليت قد جيلبها اليورو لفنلندا‪ ،‬إال أهنم خيشون من تأثري‬
‫الوحدة النقدية على نظام الرعاية االجتماعية اليت يتمتع هبا الشعب الفنلندي‪ ،‬و أظهرت عمليات استطالع‬
‫الرأي أن ‪ % 33‬فقط من الفنلنديني يؤيدون الوحدة النقدية‪ ،‬بينما يعارضها األغلبية ‪.% 62‬‬
‫* النمسا‬
‫بعد ثالث سنوات فقط من انضمام النمسا إىل عضوية االحتاد األورويب متكنت من احتالل مكانتها العالية‬
‫كاقتصاد من الط راز األول‪ ،‬و خري دليل على ذلك تأهلها لعضوية الوحدة النقدية بعد استيفائها ألربعة من‬
‫معايري ماسرتخيت اخلمسة‪ ،‬حيث كان هناك ارتفاع بسيط يف عجز امليزانية باملقارنة مبعيار ماسرتخيت‪.‬‬
‫لكنها تبدي نوعا من عدم االرتياح من أن فتح اجملال لعضوية اقتصاديات أضعف يف املستقبل من‬
‫دول وسط و شرق أوروبا‪ ،‬قد يرجح كفة األضرار اليت قد تصيبها من فقداهنا لقدرهتا التنافسية لتلك الدول اليت‬
‫تتمت ع ب رخص األي دي العامل ة فيه ا‪ ،‬كم ا أن هن اك معارض ة ش عبية للي ورو‪ ،‬و لكن ه ذه املعارض ة تتن اقص‬
‫باستمرار حيث أظهرت عمليات استطالع الرأي اخنفاض املعارضة من ‪ % 47‬يف بداية عام ‪ 1997‬إىل ‪% 43‬‬
‫يف بداية العام املوايل‪ ،‬و ارتفعت نسبة املؤيدين من ‪ % 40‬إىل ‪ % 44‬خالل نفس فرتة املقارنة‪.‬‬
‫* ايرلندا‪:‬‬
‫الشعب االيرلندي يقدر قيمة ارتباطه بأوروبا‪ ،‬لذلك فقد أّيد اتفاقية ماسرتخيت يف استفتاء ‪ 1992‬بأغلبية و‬
‫صلت إىل ‪ % 69‬كما أظهرت عمليات االستطالع أن ‪% 67‬من الشعب االيرلندي يؤيد انضمام بالده إىل‬
‫اليورو‪ ،‬و أن املعارضني ال يتعدون ‪% 18‬فال غرابة إذن يف انضمام ايرلندا إىل الوحدة النقدية بالرغم من غياب‬
‫الشريك التجاري األول و هو بريطانيا‪.‬‬
‫كما لو يواجه االقتصاد االيرلندي أي صعوبة يف استيفاء معايري ماسرتخيت و التأهل لالنضمام إىل منطقة‬
‫اليورو‪ ،‬و يعتقد املراقبون بأن احتماالت التهديد اليرلندا بعد االنضمام إىل اليورو سوف يتوقف على مسار‬
‫اإلسرتليين‪ ،‬فإذا تعرض اإلسرتليين الخنفاض كبري فإن املنتجني االيرلنديني سوف يواجهون ضغوطات شديدة‪ ،‬و‬
‫قد حيتاجون حينئذ ملساعدة أوروبية و لكن ايرلندا و صناعتها تتغريان بسرعة فاحلوافز الضريبية اليت وفرهتا ايرلندا‬
‫لالستثمارات األجنبية جذبت إليها استثمارات ضخمة من الشركات املتعددة اجلنسية‪.‬‬
‫* اليونان يلتحق بدول الموجة األولى‪:‬‬
‫‪14‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫بالرغم من التأييد الشعب اليوناين النضمام بالده إىل منطقة اليورو‪ ،‬حيث أظهرت عمليات استطالع ال رأي‬
‫يف بداية عام ‪ 1998‬أن ‪% 59‬من الشعب اليوناين يؤّيدون انضمام اليونان إىل الوحدة النقدية‪ ،‬و يعارضها ‪27‬‬
‫‪%‬و ك ذا ت وفر اإلرادة السياس ية‪ ،‬إال أن االقتص اد اليون اين مل يس توف أي معي ار من مع ايري ماس رتخيت للتأه ل‬
‫لعضوية الوحدة النقدية‪.‬‬
‫لكن احلكوم ة اليوناني ة آن ذاك ال يت ت ولت مقالي د احلكم يف س بتمرب من ع ام ‪ 1996‬اتبعت جمموع ة من‬
‫السياسات للمضي يف إجراء ما يلزم للتأهل لعضوية الوحدة النقدية‪ ،‬فعلى سبيل املثال قامت يف مارس ‪1997‬‬
‫بتخفيض عملتها "الدرامخا" بنسبة ‪ % 14‬و ضمته إىل آلية ضبط أسعار صرف العمالت األوروبية‪.‬‬
‫و مع مرور الوقت استوفت اليونان كل الشروط املطلوبة لالنضمام إىل نظام "اليورو" فشكلت قمة "ف ريا"‬
‫املنعقدة بالربتغال يف ج وان ‪ 2000‬حدثا بالنسبة لليونانيني حيث اتفق يف هذه القمة على أن يكون انضمام‬
‫اليونان لنظام اليورو يوم الفاتح من شهر جانفي من عام ‪.2001‬‬
‫و بالفعل يف ‪ 01/01/2001‬انضمت اليونان للوحدة النقدية األوروبية و بالتايل أصبح اليونان البلد الثاين‬
‫عشر يف نظام "اليورو"‪.‬‬
‫ثــانـيا‪ :‬دول الخــارج‪.‬‬
‫* الدانمارك‪:‬‬
‫إن مهمة احلكومة الدامناركية يف إقناع الشعب بتأييد االنضمام إىل الوحدة النقدية صعبة للغاية هذا بالرغم‬
‫من أهنا استوفت معايري ماسرتخيت للتأهل لعضوية الوحدة النقدية‪ ،‬كما أن األح زاب السياسية‪ ،‬البنك املركزي‬
‫الدامناركي و قطاع اخلدمات املالية كّلها تؤّيد انضمام الدامنارك إىل الوحدة النقدية‪ ،‬و يف استطالع لل رأي العام‬
‫تبني أن ‪% 32‬فقط من الدامناركيني يؤيدون الوحدة النقدية و يعارضها ‪. % 62‬‬
‫* السويد‪:‬‬
‫ب الرغم من قناع ة احلكوم ة و األح زاب السياس ية جبدوى االنض مام إىل الوح دة النقدي ة إال أهنم يتفق ون يف‬
‫ضرورة الرجوع إىل الشعب أوال‪ ،‬إذ أن غياب التأييد الشعيب للوحدة النقدية حال دون اختاذ احلكومة السويدية‬
‫لق رار االنض مام إىل الوح دة النقدي ة يف املوج ة األوىل‪ ،‬و لق د اس توفت الس ويد ملعظم مع ايري ماس رتخيت لكن‬
‫اإلرادة الش عبية غ ري متعاطف ة م ع احلكوم ة‪ ،‬حيث أظه رت اس تطالع لل رأي أن ‪% 34‬فق ط من الش عب يؤّي د‬
‫االنضمام إىل الوحدة النقدية و يعارضها ‪.% 56‬‬
‫و قد صرح زعماء احلزب احلكم يف السويد يوم اجلمعة ‪ 15‬أوت ‪ 2003‬أن احلكومة ستجري استفتاء على‬
‫ما إذا كانت البالد ستتخلى عن عملتها و تنضم إىل اليورو األورويب يوم ‪ 14‬سبتمرب اجلاري‪ ،‬و هذا القرار أيده‬
‫كل من احلزب الدميقراطي و حزب املعتدلون و ثالثة أح زاب ميينية أخرى فيما عارضه كل من حزبا اليسار و‬
‫اخلضر‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫كما قام معهد "جالوب" باستطالع لل رأي يف أوت ‪ 2003‬و توصل إىل ال رتاجع الكبري يف تأييد الشعب‬
‫لالنضمام لليورو حيث تبني أن املؤيدين ميثلون ‪% 30‬و املعارضون ‪.% 43‬‬

‫* بريطانيا‪:‬‬
‫مل يكن املوق ف الربيط اين ولي د أزم ة اإلس رتليين يف آلي ة ض بط أس عار ص رف العمالت األوروبي ة يف س بتمرب‬
‫‪ 1992‬كما ذكرنا سابقا‪ ،‬و لكنه تقليدي جسمته مواقف "مارجريت تاتشر" املعارضة لربوكسل‪.‬‬
‫و يف ماي ‪ 1997‬جاء التغري يف املوقف الربيطاين جتاه أوروبا بقدوم حزب العمال إىل احلكم بقيادة "توين‬
‫بلي ري" حيث ق امت ب التوقيع على الوثيق ة االجتماعي ة لالحتاد األورويب ال يت رفض تها حكوم ة احملافظني‪ ،‬كم ا‬
‫حددت موقفها بالنسبة لعضوية بريطانيا يف الوحدة النقدية‪ ،‬إذ التزمت مبدئيا باالنضمام إىل العملة األوروبية‬
‫املوحدة‪ ،‬و من مث انتهت فرتة عدم اختاذ القرار الذي اتسم به املوقف الربيطاين من قبل‪.‬‬
‫و بدأت مرحلة اإلعداد لليورو‪ ،‬إذ أعلن "جوردان ب راون" وزير املالية و االقتصاد الربيطاين أن حكومته ترى‬
‫أنه يف حالة جناح العملة األوروبية املوحدة‪ ،‬على بريطانيا االنضمام إىل الوحدة االقتصادية و العملة األوروبية‬
‫املوح دة‪ ،‬ل ذلك ف إن حس ب رأي ه بريطاني ا لن تنض م إىل العمل ة املّوح دة يف ج انفي ‪ ،1999‬و لكن بع د‬
‫االنتخاب ات العام ة يف م اي ‪ 2002‬و بع د موافق ة الش عب الربيط اين يف اس تفتاء ش عيب ‪ ،‬ق ام "ج وردان ب راون"‬
‫بتحديد معايري لقياس جناح العملة األوروبية املوحدة و نفعها لربيطانيا و تتمثل يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬حتقيق التناسق التام بني االقتصاد الربيطاين و اقتصاديات دول العملة األوروبية املوحدة مبا حيقق لالقتصاد‬
‫الربيطاين االستقرار و الرخاء يف إطار السياسة النقدية العامة ألوروبا؛‬
‫‪ -‬توفر املرونة املناسبة ملواجهة التغريات و التقلبات االقتصادية غري املتوقعة؛‬
‫‪ -‬هتيئة املناخ املالئم لألعمال إلقامة مشاريع استثمارية طويل األمد يف بريطانيا‪ ،‬إذ ترى بريطانيا أن االنضمام‬
‫إىل عملة أوروبية موحدة ناجحة‪ ،‬سيساعد بريطانيا على خلق البيئة املناسبة جلذب االستثمارات ذات القيمة و‬
‫اإلنتاجية العالية؛‬
‫‪ -‬تأثري العمل بالعملة األوروبية املوحدة على قطاع اخلدمات املالية يف بريطانيا؛‬
‫‪ -‬العمالة‪ :‬إذ مما ال شك فيه فإن جناح العملة املوحدة أو فشلها يستند إىل ما سيوفره النظام اجلديد من فرص‬
‫العم ل إال أن ه و يف ش هر م اي ‪" ،2003‬أعلن ج وردان ب راون" أن بالده ليس ت مس تعدة بع د لالنض مام إىل‬
‫العمل ة األوروبي ة املوح دة‪ ،‬إذ ق ال أم ام جملس الربملان الربيط اين أن اختب ارا واح دا من بني مخس ة اختب ارات‬
‫اقتصادية‪ ،‬مت اجتيازه بنجاح لالنضمام إىل اليورو و هو املتعلق باألرباح اليت ستعود‬
‫‪16‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫على قط اع اخلدمات املالي ة يف بريطاني ا‪ ،‬كم ا أض اف أن االنض مام إىل الي ورو س يخفض تكلف ة الص ادرات‬
‫الربيطانية يف األسواق األوروبية األمر الذي ميكن أن يعزز التجارة بني بريطانيا و دول منطقة اليورو بنسبة ‪50‬‬
‫‪ %‬يف الثالثني عاما القادمة و هي حقيقة بالغة األمهية توضح ضرورة االنضمام لليورو يف األجل الطويل‪.‬‬

‫لكن املشكلة األهم حاليا هي سعر الفائدة‪ ،‬إذ أن االقتصاد الربيطاين أكثر حساسية لتغ ريات سعر الفائدة‬
‫مقارنة باقتصاديات منطقة اليورو و ذلك ألسباب كثرية منها ضخامة حجم الديون العقارية يف بريطانيا‪ ،‬ومن‬
‫مث فإن ختفيض سعر الفائدة يف بريطانيا قد يؤدي إىل مشكلتني‪ :‬زيادة نسبة التضخم و ارتفاع كبري يف أسعار‬
‫العقارات‪.‬‬
‫غري أن "براون" أعطى إشارة اجيابية عن موقف حكومته من "اليورو" إذ قال أنه سيتم إعادة حبث االنضمام‬
‫إلي ه يف ع ام ‪ ،2004‬و إذا أثبتت االختب ارات االقتص ادية اخلمس ة أن مص لحة بريطاني ا تقتض ي ال دخول يف‬
‫اليورو‪ ،‬فمن املمكن بعدها طرح األمر يف استفتاء عام قبل االنتخابات النيابية القادمة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تسيير العملة الموحدة‪ :‬المؤسسات و السياسيات‪.‬‬


‫تمهيـــــــد‪:‬‬
‫نص ت اتفاقي ة ماس رتخيت على إجياد العدي د من املؤسس ات ال يت تت وىل إجناز الوح دة النقدي ة و على رأس ها‬
‫النظ ام األورويب للبن وك املركزي ة‪ ،‬و ال ذي يض م ك ل البن وك املركزي ة لل دول األعض اء‪ ،‬باإلض افة للبن ك املرك زي‬
‫األورويب ال ذي يش كل جملس إدارت ه من جملس ني أح دمها تنفي ذي و اآلخ ر جملس احملافظني و تن اط هلذا البن ك‬
‫مهمة تفعيل "اليورو" و إدارة العمليات املالية املختلفة‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫و يفرتض أن يكون البنك املركزي هو اجلهة الرمسية املنوط هبا أن تقوم بذلك‪ ،‬و قبل إنشاء هذا البنك مت‬
‫إنشاء املؤسسة النقدية األوروبية‪.‬‬
‫و س وف حناول من خالل ه ذا املبحث التع رف على ه ذه املؤسس ات و مراح ل تطوره ا وك ذا السياس ة‬
‫املنتهجة لنظام اليورو‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬النظام األوروبي للبنوك المركزية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬المؤسسة النقدية األوروبية‪.‬‬
‫أنشأت معاهدة ماسرتخيت املؤسسة النقدية األوروبية يف الفاتح من جانفي ‪ 1994‬كمؤسسة انتقالية لتنسيق‬
‫األعم ال التحض ريية اخلاص ة بالسياس ة النقدي ة للمرحل ة الثالث ة لالحتاد االقتص ادي و النق دي األورويب و ب دء‬
‫العم ل ب اليورو املق رر ل ه أول ج انفي ‪ ،1999‬و ك ان من العناص ر املهم ة ض من التف ويض املمن وح للمؤسس ة‬
‫النقدية األوروبية‪ ،‬وضع إطار عمل للسياسة النقدية اليت يتبعها " النظام األورويب للبنوك املركزية" الذي سيتكون‬
‫من البن ك املرك زي األورويب و البن وك املركزي ة الوطني ة للدول األعض اء يف االحتاد األورويب‪ .‬و ك ان دور املؤسسة‬
‫النقدية األوروبية استشاريا يف األساس‪ ،‬ففي حالة التوصل إىل توافق أراء فإهنا تقدم توصيات يأخذ هبا جملس‬
‫إدارة البن ك املرك زي األورويب أم ا يف حال ة ع دم التوص ل لتواف ق اآلراء ك ان دور املؤسس ة النقدي ة يقتص ر على‬
‫حتدي د القض ايا املهم ة و توض يحها و إع داد "قائم ة " من اخلي ارات ليخت ار منه ا البن ك املرك زي األورويب‪،‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك تنحصر املهام املناطة مبؤسسة النقد األوروبية كما نصت عليها معاهدة ماسرتخيت مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -‬و ضع السياسات النقدية و املالية؛‬
‫‪ -‬حتديد أسعار الصرف؛‬
‫‪ -‬التحضري إلصدار العملة األوروبية؛‬
‫‪ -‬حتديد القواعد املنظمة لعمليات (النظام األورويب للمصارف املركزية)؛‬
‫‪ -‬التأكيد على سهولة التعامل فيما بني دول األعضاء فيما بعد‪.‬‬
‫و قد حققت املؤسسة النقدية منذ إنشائها حىت عام ‪ 1997‬مساحة كبرية من األرضية املشرتكة لالتفاق و‬
‫جسدت مطبوعاهتا اإلطار املقرتح للسياسة النقدية بدرجة معقولة من التفصيل و استطاعت املؤسسة النقدية‬
‫أيض ا توس يع جماالت تواف ق اآلراء و متابع ة العم ل الف ين املهم و زاد أس لوهبا احلريص و املت وازن من ش فافية و‬
‫مصداقية عملية التوحيد‪)1(.‬‬

‫و جتدر اإلشارة إىل أن مؤسسة النقد األوروبية لن تكون مسؤولة عن رسم و تنفيذ السياسة النقدية لدول‬
‫اجملموع ة حيث أن ك ل بن ك من البن وك املركزي ة يف دول اجملموع ة س وف يس تمر خالل املرحل ة الثاني ة يف تنفي ذ‬
‫سياسته النقدية املستقلة‪)2(.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النظام األوروبي للبنوك المركزية‪.‬‬


‫‪18‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫يف بداية املرحلة الثالثة من مراحل اتفاقية ماسرتخيت مت إنشاء البنك املركزي األورويب يف ‪ 1998‬ليحل حمل‬
‫مؤسسة النقد األوروبية‪ ،‬و لن يعين إنشاء البنك املركزي األورويب أن البنوك املركزية لدول اجملموعة سوف يتم‬
‫إلغاؤها و لكن سوف تكّو ن هذه البنوك مع البنك املركزي األورويب ما يسمى بالنظام األورويب للبنوك املركزية‪.‬‬
‫أم ا فيم ا يتعل ق بالوظ ائف الرئيس ية هلذا النظ ام‪ ،‬ف إن املادة الثالث ة من املس ودة ال يت اقرتحه ا جملس حمافظي‬
‫البنوك املركزية إلنشاء النظام األورويب للبنوك املركزية قد حددت تلك الوظائف فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬رسم و تنفيذ السياسة النقدية لالحتاد األورويب كتكتل اقتصادي؛‬
‫‪ -‬اإلشراف على االحتياطات الرمسية من النقد األجنيب‪ ،‬و حتديد كيفية إدارة هذه االحتياطات و توظيفها؛‬
‫‪ -‬وضع الضوابط اليت حتافظ على االستقرار املايل و النقدي يف دول االحتاد األورويب؛‬
‫‪ -‬إصدار أوراق البنكنوت و سك الوحدات املعدنية لليورو؛‬
‫‪ -‬وضع و تنفيذ معايري الرقابة على املؤسسات االئتمانية يف االحتاد األورويب؛‬
‫‪ -‬العمل على تدعيم موازين املدفوعات للدول األعضاء و سياستها االقتصادية مبا حيقق أهدافها التنموية‪.‬‬

‫(‪ )1‬تشارلز اينوخ و آخرون‪ :‬العمليات النقدية يف االحتاد االقتصادي و النقدي األورويب‪ ،‬جملة التمويل و التنمية‪ ،‬العدد‪ ،02‬جوان‪ ،1998‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )2‬حشاد نبيل‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫فهذه الوظائف و املهام النقدية للنظام األورويب للبنوك املركزية أريد هلا أن تتطور حبيث متثل األرضية‬
‫لقي ام بن ك مرك زي أورويب و ال ذي يع د مبثاب ة الس لطة النقدي ة املوح دة ل دول االحتاد األورويب ممثل ة يف بنوكه ا‬
‫املركزية اليت حتدد السياسات النقدية املطبقة يف دول االحتاد األورويب‪.‬‬
‫و ال ننسى أن نشري إىل أن املرحلة الثالثة من مراحل تطبيق التكامل االقتصادي و النقدي كما نصت عليها‬
‫اتفاقية ماسرتخيت من أهم املراحل إن مل تكن أمهها على اإلطالق‪ ،‬و يف الوقت نفسه ختتلف هذه املرحلة عن‬
‫املرحلتني السابقتني و مصدر هذا االختالف هو أن هناك بعض املعايري أو الشروط االقتصادية و املالية اليت‬
‫جيب أن تت وفر يف ال دول ال يت تنض م إىل ه ذه املرحل ة ( حيث أن دول اجملموع ة ال يت لن تت وفر ل ديها الش روط‬
‫السابق ذكرها لن تشرتك يف املرحلة الثالثة حىت حتقق هذه الشروط بينما مل يكن هناك شروط أو معايري معينة‬
‫النضمام دول اجملموعة يف املرحلتني األوىل و الثانية)‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬البنك المركزي األوروبي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تشكيل البنك المركزي األوروبي‪:‬‬
‫بدأ البنك املركزي األورويب(*) عمله فعليا يف جانفي ‪ 1999‬بعد أن اتفقت الدول األعضاء على نظام عمل‬
‫هذا البنك يف ماي ‪ ،1998‬و يقع مقر البنك يف مدينة فرانكفورت األملانية‪ ،‬حيث يوجد البنك املركزي األملاين‬
‫‪19‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫" البوندس بانك" أش هر البن وك املركزي ة يف ال دول األوروبي ة و يع د البن ك املركزي األورويب مبثاب ة الس لطة النقدي ة‬
‫املوحدة لالحتاد األورويب اليت حتدد السياسة النقدية واجبة التطبيق يف الدول األعضاء‪ ،‬و تعمل على احلد من‬
‫االزدواجية يف السياسات النقدية املطبقة يف هذه الدول حبيث يؤدي هذا التنسيق بني السياسات النقدية إىل‬
‫حتقيق استقرار أسعار صرف اليورو أمام العمالت األخرى يف األسواق النقدية‪.‬‬
‫و يتكون البنك املركزي األورويب من جملس إدارة به جملسان مها‪ :‬جملس احملافظني و اجمللس التنفيذي‪.‬‬
‫و تتمثل املهمة الرئيسية للمجلس التنفيذي‪ ،‬الذي يتكون من رئيس و نائب رئيس البنك املركزي األورويب و‬
‫أربع ة أعض اء آخ رين يف تنفي ذ السياس ة النقدي ة وفق ا لتوجيه ات و الق رارات ال يت يتخ ذها جملس احملافظني عن‬
‫طريق إعطاء التعليمات للبنوك املركزية‪ ،‬و باإلضافة إىل ذلك فهو مسؤول عن األعمال اجلارية للبنك املركزي‬
‫األورويب‪.‬‬

‫(*) أطل ق على البن ك املرك زي األورويب " بن ك البن وك املركزي ة يف االحتاد األورويب" حيث يش رف ه ذا البن ك على أداء البن وك املركزي ة يف ال دول األعض اء و ذل ك باعتب اره‬
‫مؤسسة "فوق قومية" أي مؤسسة "‪." Super National‬‬

‫و يض م جملس احملافظني‪ ،‬و ه و املس ؤول عن إع داد السياس ة النقدي ة املوح دة و حتدي د التوجيه ات اخلاص ة‬
‫بتنفي ذها اجمللس التنفي ذي و حمافظي البن وك املركزي ة الوطني ة للبل دان اإلث ين عش ر ملنطق ة الي ورو‪ ،‬و لك ل عض و‬
‫ص وت واح د و ميكن أيض ا أن يش رتك رئيس جملس االحتاد األورويب و عض و من اللجن ة األوروبي ة يف‬
‫االجتماعات غري أهنما ال ميلكان احلق يف التصويت‪.‬‬
‫و ميكن اختاذ معظم القرارات‪ ،‬مبا يف ذلك القرارات املتعلقة بالسياسة االقتصادية باألغلبية البسيطة‪ ،‬غري أن‬
‫التصويت على القرارات اليت تؤثر على مراكز البنوك املركزية الوطنية باعتبارها محلة أسهم النظام األورويب للبنوك‬
‫املركزية (مثال املرتبطة باحتياطات رأس املال و العمالت األجنبية للبنك املركزي األورويب) يتم ترجيحها بنصيب‬
‫ك ل بن ك مرك زي وط ين يف رأمسال البن ك املرك زي األورويب ( و تعطى أص وات أعض اء اجمللس التنفي ذي وزن‬
‫صفر)‪.‬‬
‫و طاملا ال تشرتك كل ال دول األعض اء يف االحتاد األورويب يف منطقة اليورو فإن اجمللس الع ام ( اهليئة الثالثة‬
‫الختاذ الق رارات يف البنك املركزي األورويب) س وف يوجه النظ ام األورويب للبنوك املركزية‪ ،‬و يتكون هذا اجمللس‬
‫من رئيس و ن ائب رئيس البن ك املرك زي األورويب و حمافظي البن وك املركزي ة الوطني ة لك ل البل دان اخلمس ة عش ر‬
‫األعضاء يف االحتاد األورويب‪.‬‬
‫و م ا دامت البن وك املركزي ة لبل دان االحتاد األورويب ال يت مل تتنب بع د الي ورو ( ال دامنارك‪ ،‬الس ويد‪ ،‬اململك ة‬
‫املتحدة‪ )،‬تستمر يف إتباع سياسات نقدية وطنية‪ ،‬فإهنا لن تشارك يف اختاذ الق رارات املتعلقة بالسياسة النقدية‬
‫املوح دة ملنطق ة الي ورو‪ .‬غ ري أهنا س تملك فرص ة مناقش ة قض ايا السياس ة النقدي ة‪ ،‬و عالق ات أس عار ص رفها‬
‫‪20‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫باليورو‪ ،‬و يف هذا السياق يساهم اجمللس العام يف التحض ريات الالزمة لتحديد أسعار صرف عمالت البلدان‬
‫الثالثة غري املشاركة يف عملة اليورو‪.‬‬
‫و قد مت حتديد رأس املال املكتتب فيه للبنك املركزي األورويب ‪ 50‬مليار يورو‪ ،‬تساهم فيه الدول األعضاء‬
‫بنسب متفاوتة تتوقف على نسبة سكان الدولة إىل إمجايل سكان االحتاد األورويب‪ ،‬و كذلك بناءا على نسبة‬
‫مس امهة الدول ة يف الن اتج احمللي اإلمجايل لالحتاد‪ ،‬و س وف يت أثر نص يب ك ل دول ة يف راس م ال البن ك املرك زي‬
‫األورويب بعدد الدول اليت ستشارك يف عضوية اليورو منذ البداية و كذلك باالحتياطات اليت يتم االحتفاظ هبا‬
‫لدى البنك املركزي األورويب‪.‬‬
‫و اجلدول التايل يوضح نسب املشاركة لكل دولة من الدول األعضاء يف رأمسال البنك املركزي األورويب‪ ،‬و‬
‫قيمتها باليورو‪ ،‬و ذلك يف حالة مشاركة الدول األعضاء اخلمسة عشر يف هذا النظام‪ ،‬و سوف يقوم البنك‬
‫املركزي األورويب باالحتفاظ هبذه االحتياطات و إدارهتا كما يقوم بتوزيع األرباح‬
‫الناجتة عن هذه االحتياطات بعد االحتفاظ بنسبة ‪ %20‬منها لديه و يتم توزيع نسبة ‪ 80 %‬على‬
‫كزية الوطنية حسب نسبة مسامهتها يف رأس مال البنك(‪.)1‬‬ ‫البنوك املر‬
‫جــدول رقـم (‪ :)2-3‬نسبة المساهمة في رأسمال البنك المركزي األوروبي و قيمتها باليورو‪.‬‬
‫" في حالة مشاركة الخمسة عشر دولة من أعضاء االتحاد األوروبي"‪.‬‬
‫قيمتها بالمليار يورو‬ ‫نسبة المشاركة في رأس مال البنك ‪%‬‬ ‫الدولــة‬
‫‪1150‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫النمسا‬
‫‪1450‬‬ ‫‪2.9‬‬ ‫بلجيكا‬
‫‪775‬‬ ‫‪1.55‬‬ ‫الدامنارك‬
‫‪675‬‬ ‫‪1.35‬‬ ‫فنلندا‬
‫‪8100‬‬ ‫‪16.2‬‬ ‫فرنسا‬
‫‪11475‬‬ ‫‪22.95‬‬ ‫أملانيا‬
‫‪1150‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫اليونان‬
‫‪475‬‬ ‫‪0.95‬‬ ‫ايرلندا‬
‫‪7900‬‬ ‫‪15.8‬‬ ‫إيطاليا‬
‫‪75‬‬ ‫‪0.15‬‬ ‫لكسمبورغ‬
‫‪2125‬‬ ‫‪4.25‬‬ ‫هولندا‬
‫‪1125‬‬ ‫‪2.25‬‬ ‫الربتغال‬
‫‪21‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫‪4650‬‬ ‫‪9.3‬‬ ‫اسبانيا‬


‫‪1150‬‬ ‫‪2.35‬‬ ‫السويد‬
‫‪7800‬‬ ‫‪15.6‬‬ ‫إجنلرتا‬
‫‪50075‬‬ ‫‪100‬‬ ‫اإلجمــالي‬

‫ذكره‪ ،‬ص‪.157‬‬ ‫المصـدر‪ :‬مغاوري شليب علي‪ ،‬مرجع سبق‬

‫‪(1) Didier Cahen : l’Euro enjeux et modalités pratiques, les éditions d’organisation, 3éme édition ; Année‬‬
‫‪1998. P50.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهداف و مهام البنك المركزي األوروبي‪.‬‬
‫متث ل الئح ة النظ ام األورويب للبن وك املركزي ة ج زءا ال يتج زأ من معاه دة ماس رتخيت‪ ،‬و تنص املادة الثاني ة من‬
‫الئحة النظام األورويب للبنوك املركزية على أن "اهلدف الرئيسي للنظام األورويب للبنوك املركزية يتمثل يف احملافظة‬
‫على اس تقرار األس عار و دون اإلخالل هبدف اس تقرار األس عار‪ ،‬فإن ه ي دعم السياس ات االقتص ادية العام ة‬
‫للجماع ة بقص د اإلس هام يف حتقي ق أه داف اجلماع ة‪ ...‬و يعم ل النظ ام األورويب للبن وك املركزي ة‪ ،‬و فق ا ملب دأ‬
‫اقتصاد السوق مفتوح يتميز باملنافسة احلرة‪ ،‬و يدعم التخصيص الفعال للموارد‪"...‬‬
‫و يعطي ه ذا التف ويض األولوي ة الواض حة للمحافظ ة على اس تقرارا األس عار باعتب اره أس اس الش روط‬
‫االقتص ادية ال يت تع زز النم و املتواص ل لإلنت اج‪ ،‬و مس توى مرتفع ا من خل ق ف رص العم ل‪ ،‬و مس تويات معيشة‬
‫أفضل و هذه األمور كلها مدرجة يف معاهدة ماسرتخيت كأهداف لالحتاد األورويب‪)1(.‬‬

‫و ترتبط األهداف األساسية لنظام اليورو ارتباطا مباش را بتحقيق االستقرار االقتصادي‪ ،‬و هي تتألف من‬
‫حتدي د و تنفي ذ السياس ات النقدي ة ملنطق ة الي ورو‪ ،‬و إج راء عملي ات ص رف أجن يب تتف ق م ع املادة ‪ 109‬من‬
‫معاهدة ماسرتخيت‪ ،‬و حيازة و إدارة احتياطيات أجنبية رمسية لبلدان االحتاد األورويب املشاركة‪ ،‬و تعزيز العمل‬
‫الس لس لنظ ام ال دفع‪ ،‬و اإلس هام يف اإلدارة السلس لة لسياس ات الس لطة املس ؤولة عن رقاب ة احليط ة املالي ة‬
‫للمؤسسات اإلئتمانية و استقرار النظام املايل و باإلضافة إىل هذا فإن لنظام اليورو وظائف استشارية مهمة‬
‫فيما يتعلق بالتشريع اجلديد على مستوى االحتاد األورويب و على املستوى الوطين ضمن نظام صالحياته‪)2(.‬‬

‫كم ا تض من املادة ‪ 107‬من معاه دة ماس رتخيت و املادة ‪ 07‬من الئح ة النظ ام األورويب للبن وك املركزي ة‪،‬‬
‫اس تقالل البن ك املرك زي األورويب‪ ،‬و البن وك املركزي ة الوطني ة‪ ،‬و أعض اء هيئ ات اختاذ الق رار فيه ا‪ ،‬يف ممارس ة‬
‫‪22‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫سلطتها و تنفيذ واجباهتا و ليس مسموحا هلا أن تطلب أو تتلقى التعليمات من حكومة أية دولة عضو أو أية‬
‫منظم ة يف اجلماع ة األوروبي ة أو أي ة هيئ ة أخ رى‪ ،‬و عالوة على ه ذا‪ ،‬ف إن ه ذه احلكوم ات و املؤسس ات و‬
‫كزية الوطنية يف أداء مهامها‪(.‬‬
‫اهليئات ملزمة باالمتناع عن حماولة التأثري على البنك املركزي األورويب و البنوك املر‬
‫‪)3‬‬

‫باإلضافة إىل هذا فإن املادة ‪ 10‬الفقرة ‪ 03‬من الئحة النظام األورويب للبنوك املركزية‪ ،‬و اليت تنص‬

‫‪ ،1999‬ص‪.19‬‬ ‫(‪ )1‬أوتسمار إيسنج‪ :‬السياسة النقدية لنظام اليورو‪ ،‬جملة التمويل و التنمية‪ ،‬العدد‪ ،01‬مارس‬
‫‪(2) Claude Gnos : Op.Cit.P76.‬‬
‫‪(3) Francesco Papadia et Cardo Santini : la banque centrale européenne, Edition d’organisation, Paris, 1998,‬‬
‫‪P36.‬‬
‫على أن وقائع اجتماعات جملس حمافظي البنك املركزي األورويب س رية رغم السماح بطبع حمص لة املداوالت و‬
‫هي تعزز استقالل أعضاء جملس احملافظني يف عملية اختاذ القرار‪.‬‬
‫و ه ذا االس تقالل هليئ ات اختاذ الق رار يف البن ك املرك زي األورويب يس مح هلا ب الرتكيز على إجناز تفويض ها و‬
‫تبين توجه متوسط األجل يتطلع إىل األمام‪ ،‬دون أن تربكها االعتبارات السياسية القصرية األجل‪.‬و هذا أمر‬
‫حاسم لتحقيق درجة عالية من املصداقية بالنسبة ملؤسسة جديدة بدون سجل إجنازات يف جمال السياسات‪ .‬و‬
‫ذلك بدروه أمر حيوي لسياسة نقدية ناجحة‪ ،‬و يف اجملتمع الدميقراطي جيب أن ينسجم استقالل البنوك املركزية‬
‫أو املؤسسات األخرى يف حتقيق أهداف بذاهتا مع املسؤولية أمام اجلمهور‪.‬‬
‫و تتضمن معاهدة ماسرتخيت أحكاما عديدة تؤمن مسؤولية البنك املركزي األورويب عن أعماله‪.‬‬
‫فالبنك مرتبط قبل كل شيء بالتزامات عديدة بإبالغ البيانات (املادة ‪ 15‬من الئحة النظام األورويب للبنوك‬
‫املركزية) فأوال جيب أن ينشر كل أسبوع بيانا ماليا موحدا لنظام اليورو و ثانيا جيب أن يصدر و ينشر تقارير‬
‫فصلية حول أنشطة نظام اليورو ‪ ،‬و ثالثا جيب أن يعد تقري را سنويا عن السياسة النقدية و األنشطة األخرى‬
‫لنظام اليورو‪ ،‬ليعرضه رئيس البنك املركزي األورويب على الربملان األورويب‪.‬‬
‫و س وف يعم ل البن ك املرك زي األورويب على جتاوز ه ذه املقتض يات القانوني ة إلبالغ البيان ات‪ ،‬مبا يعكس‬
‫التزامه بإعالم اجلمهور بقراراته و باألسس االقتصادية اليت بنيت عليها‪ .‬و منذ إنشاء البنك املركزي األورويب‬
‫يصدر رئيس بصورة منظمة بيانات عامة يعرض و يشرح فيها قرارات جملس حمافظي البنك‪.‬‬
‫و ابتداء من أول جانفي ‪ ،1999‬و يف أعقاب أول اجتماع جمللس احملافظني مباشرة كل شهر‪ ،‬يتم عقد مؤمتر‬
‫ص حفي يع رض في ه رئيس و ن ائب رئيس البن ك وجه ة نظ ر جملس احملافظني يف املوق ف االقتص ادي و م ربرات‬
‫قرارات سياسته النقدية و يتلقيان األسئلة من الصحافة و ينشر البيان الذي يلقيه ال رئيس بعد املؤمتر الصحفي‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫و ينشر البنك املركزي األورويب أيضا‪ ،‬تقييما تفصيليا للتطورات االقتصـادية يف منطقـة اليورو‪،‬‬
‫‪23‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫و تقديرا ملوقف السياسة النقدية يف نشرته الشهرية‪ ،‬جنبا إىل جنب مع املواد اخلاصة بالقضايا املتصلة باقتصاد‬
‫منطق ة الي ورو و إحص ائيات منطق ة الي ورو‪ ،‬باإلض افة إىل ه ذا ينش ر البن ك املرك زي األورويب أوراق عم ل و‬
‫دراسات لنشر أفكاره‪.‬‬
‫و أخريا يدعى رئيس البنك املركزي األورويب إىل اجتماعات جملس وزراء الشؤون االقتصـادية و املالية التابع‬
‫لالحتاد األورويب ( اجمللس االقتص ادي و املايل) كلم ا ج رت مناقش ة األم ور املتعلق ة بأه داف و مه ام النظ ام‬
‫األورويب للبن وك املركزي ة و نظ ام الي ورو‪ .‬كم ا ي دعى أيض ا للمش اركة يف اجتماع ات جملس الي ورو ال ذي جيم ع‬
‫أعضاء منطقة اليورو باجمللس االقتصادي و املايل من أجل تبادل غري رمسي لآلراء‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الخالف حول شغل منصب رئيس البنك المركزي األوروبي‪.‬‬


‫حدث خالف خالل قمة بروكسل يف ماي ‪ 1998‬حول شغل منصب رئيس البنك املركزي األورويب‪ ،‬و قد‬
‫احتدم هذا اخلالف بني فرنسا و أملانيا‪ ،‬حيث فرنسا أصرت على أن يشغل هذا املنصب رئيس البنك املركزي‬
‫"كلود تريشي" أما بقية الدول األعضاء بزعامة أملانيا فقد أصرت على تعيني رئيس مؤسسة النقد األورويب " ومي‬
‫ديفرنربج" و هي املؤسسة اليت حل حملها البنك املركزي األورويب‪.‬‬
‫و بعد جلسة ساخنة من املفاوضات مت االتفاق على حل وسط و هو جتزئة الرئاسة األوىل للبنك املركزي‬
‫األورويب بني املرش حني الس ابقني‪ ،‬حيث رأس البن ك رئيس مؤسس ة النق د األوروبي ة ملدة مثاين س نوات بش كل‬
‫رمسي‪ ،‬و لكن هذا التعيني كان مشروطا بالتعهد الشفوي منه برتك منصب للمرشح الفرنسي بعد مرور أربع‬
‫سنوات من بداية عمل البنك املركزي األورويب‪ ،‬أي يف النصف الثاين من عام ‪ .2002‬و بذلك أصبح رئيس‬
‫البنك املركزي األورويب هو " ومي ديفرن ربج" و تض م اهليئة التنفيذية للبنك مخسة أعض اء من بني الشخصيات‬
‫املعروفة بتأييدها للسياسة النقدية املتشددة‪)1(.‬‬

‫و لقد القت صيغة تعيني رئيس البنك املركزي األورويب العديد من االنتقادات من جانب بعض األكادمييني‬
‫و رجال األحزاب السياسية‪ ،‬و ركزت أغلب هذه االنتقادات على أن قرار اقتسام رئاسة البنك املركزي األورويب‬
‫بني شخصني فرنسي و آخر هولندي خيالف األسس اليت حددهتا اتفاقية ماسرتخيت بشأن تعيني رئيس البنك‬
‫املركزي‪.‬‬
‫كما قد يؤدي هذا القرار إىل فتح الباب لتدخل السياسة يف عمل أعلى سلطة نقدية يف االحتاد األورويب‪ ،‬و‬
‫الذي سيكون له آثار سلبية على استقرار منطقة اليورو إذا تكرر يف املستقبل‪.‬‬
‫و لكن‪ ،‬ميكن لن ا أن نالحظ أن االنتقادات اليت وجهت إىل صيغة "بروكسل" بشأن رئاسة البنك املركزي‬
‫األورويب‪ ،‬هلا ما يربرها حيث أن ما حدث من تدخل سياسي قد يتكرر يف مواقـف أخرى‬
‫‪24‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫(‪ )1‬مغاوري شليب علي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪،‬ص‪.34‬‬

‫و لكن األمر ليس هبذه اخلطورة حيث ميكن القول أن عملية تويل رئاسة البنك املركزي األورويب بناءا على هذه‬
‫الصيغة التوفيقية ال تعين عدم استقاللية البنك املركزي األورويب‪ ،‬كما ال تعين أن هذا األسلوب سيصبح تقليديا‬
‫أوروبيا يف املستقبل‪ ،‬و ذلك ألن قيام البنك مبهامه ال يرتبط بشخص رئيسه‪ ،‬و لكن يرتبط بالسياسة النقدية‬
‫اليت يضعها جملس إدارته و تطبقها اهليئة التنفيذية‪ ،‬كما أن استقرار اليورو يرتبط مبدى حتقيق الدول األعضاء‬
‫ملعايري التقارب االقتصادي‪ ،‬و التنسيق بني سياستها النقدية و املالية‪ ،‬و ال يرتبط بشخص رئيس البنك املركزي‬
‫األورويب‪ ،‬كما أن هذا احلل الوسط يؤكد أن دول االحتاد األورويب ستصل يف النهاية إىل حلول للمشـاكل اليت‬
‫تواجه وحـدهتا االقتصـادية‬
‫و النقدية‪ ،‬و إهنا ستكون مستعدة لقبول حل وسط يرضي مجيع األط راف‪ ،‬و لن تسمح بأن تؤثر اخلالفات‬
‫حول بعض القضايا على ما حققته من إجناز يف طريق الوحدة االقتصادية و النقدية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬السياسة النقدية الموحدة لنظام اليورو‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تحديد السياسة النقدية‪.‬‬
‫ك ان وض ع اس رتاتيجية للسياس ة النقدي ة موجه ة حنو االس تقرار‪ ،‬و حتدي د وس ائل و ت دابري تنفي ذها عنص را‬
‫أساسيا من العمل التحضريي ملؤسسة النقد األوروبية و البنك املركزي األورويب‪.‬‬
‫و يف س بيل تعزي ز املص داقية و الش فافية‪ ،‬ق دم جملس حمافظي البن ك املرك زي األورويب‪ ،‬تعريف ا كمي ا واض حا‬
‫الستقرار األسعار و هو "حتقيق زيادة سنوية يف الرقم القياسي املنسق ألسعار املستهلك بالنسبة ملنطقة اليورو‬
‫يقل عن نسبة ‪)1(."%02‬‬

‫و املالح ظ أن ه ذا التعري ف يواف ق على ارتف اع األس عار و لكن بنس بة حمددة و بالت ايل ميكن الق ول أن‬
‫السياس ة النقدي ة لنظ ام الي ورو تنظ ر إىل االنكم اش على أن ه ال يتف ق م ع أه داف االس تقرار االقتص ادي‪ ،‬ه ذا‬
‫يعكس ختوف االحتاد األورويب من الوق وع يف فخ الس يولة ال ذي وق ع في ه الياب ان يف الس نوات األخ رية‪ ،‬و‬
‫أص بحت األس عار ال تس تجيب لزي ادة ع رض النق ود يف االقتص اد الياب اين و ه ذا التص رف من ج انب االحتاد‬
‫األورويب جينب كل الدول األوروبية الوقوع يف نفس املشكلة‪.‬‬
‫و ق د أعلن جملس احملافظني يف البن ك املرك زي األورويب أيض ا أن ه جيب على السياس ة النقدي ة يف االحتاد‬
‫األورويب أن حتاف ظ على اس تقرار األس عار يف األج ل املتوس ط و ليس يف األج ل الطوي ل فق ط‪ ،‬ل ذلك ف إن‬
‫السياس ة النقدي ة لنظ ام الي ورو لن يتم تع ديلها يف حال ة التغ ريات غ ري املتك ررة يف مس تويات األس عار‪ ،‬أو يف‬
‫معدالت التضخم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أومتار إيسنج ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪25‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫و تتألف اسرتاتيجية السياسة النقدية لنظام اليورو من عنصرين رئيسيني آخرين‪:‬‬


‫أ‪ /‬النقود‪ :‬يعزى هلا دور بارز بناء على وجهة النظر اليت هلا ما يربرها عمليا‪ ،‬و القائلة بأن التضخم على األقل‬
‫يف املدى الطويل‪ ،‬ظاهرة نقدية‪ ،‬و قد وضع جملس احملافظني ض وابط أساسية لعملية التوسع النقدي تتفق مع‬
‫احملافظة على استقرار األسعار و ينسجم مع حتقيق معدل منو مناسب لإلنتاج‪.‬‬
‫ب‪ /‬بعض المؤشــرات الماليــة و االقتصــادية‪ :‬جيري جملس احملافظني تقييما مبينا على أساس واسع للمخاطرات‬
‫ال يت تواج ه اس تقرار األس عار باس تخدام جمموع ة واس عة من متغ ريات املؤش رات االقتص ادية و املالي ة‪ ،‬مثال‪،‬‬
‫معدالت الفائدة الطويلة األجل و منحىن العائد‪ ،‬و مؤش رات ثقة املستهلكني و أسعار استرياد السلع‪ .....‬و‬
‫باستخدام تقييم هذه املؤشرات يتم حتديد املخاطر اليت يتعرض هلا استقرار األسعار و التغلب عليها سريعا‪.‬‬
‫و يواجه البنك املركزي العديد من التحديات حىت يكتب لسياسته النقدية احلفاظ على استقرار اليورو‪ ،‬و‬
‫متثل هذه التحديات يف ضرورة القيام بعدد من املهام مثل‪)1( :‬‬

‫‪ -‬أن يتم جتنب ح دوث أي ص دمات اقتص ادية يف ال دول األعض اء يف ن ادي الي ورو‪ ،‬و ذل ك ألن تع رض أي‬
‫دولة من الدول األعضاء لصدمة اقتصادية يضر بقية الدول األعضاء‪ ،‬و تكون السياسة النقدية العامة للبنك‬
‫املركزي األورويب عدمية الفاعلية يف عالج صدمة هذه الدول؛‬
‫‪ -‬أن تق دم السياسات املالية الوطنية لدول األعضاء يف اليورو الدعم املطلق للسياسة النقدية املوحدة لنظام‬
‫اليورو يف احملافظة على االستقرار االقتصادي‪ ،‬يف حالة حدوث ذلك فإنه سيحقق مصداقية للسياسة النقدية‬
‫املوحدة لنظام اليورو و مينع حدوث أي ضغوط تضخمية غري مرغوب فيها‪ .‬و يلعب ميثاق االستقرار و النمو‬
‫الذي وقعت عليه الدول األعضاء دورا هاما يف هذا اجملال‪ ،‬حيث يضمن أن تستمر الدول األعضاء يف حتقيق‬
‫املستوى املطلوب من املؤشرات االقتصادية املختلفة اليت حتقق االستقرار يف حالة جتاوز هذه املؤش رات املستوى‬
‫املطلوب‪ ،‬فإن هناك غرامة مالية تتحملها الدولة كنسبة من ناجتها اإلمجايل؛‬
‫‪ -‬أن ت دعم السياس ة النقدي ة املوح دة لنظ ام الي ورو أه داف النم و و خل ق ف رص عم ل يف األج ل الطوي ل م ع‬
‫احملافظة على استقرار األسعار و على أقل تقدير أن حتافظ على مستويات النمو دون زيادة أو نقصان بشرط‬
‫عدم تعرض استقرار األسعار لالهتزاز‪ ،‬كذلك ال بد من أن تساهم السياسة يف ختفيف حدة البطالة يف الدول‬
‫األعضاء‪)2(.‬‬

‫(‪ :)1‬كاتيا حداد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪(2) Jafere. P : Monnaie et politique monétaire, économica, 4éme éditions, Octobre 1996. P22.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أدوات السياسة النقدية‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫يعكس تصميم األدوات النقدية لالحتاد النقدي و االقتصادي األورويب رغبة االحتاد األورويب يف الالمركزية‪،‬‬
‫فالبنوك املركزية الوطنية حتتفظ بدور مهم يف تنفيذ السياسة النقدية‪ ،‬و يتخذ جملس إدارة البنك املركزي األورويب‬
‫الق رارات اخلاصة بتنفيذ السياسة‪ ،‬و قد مت وضع إطار السياسة النقدية األوروبية حبيث تقوم على جمموعة من‬
‫األدوات هي كما يلي‪:‬‬
‫* عمليات السوق المفتوحة‪:‬‬
‫هي األداة الرئيس ية يف النظ ام‪ ،‬حبيث توج ه أس عار الفائ دة‪ ،‬و ت وفر الس يولة للنظ ام املايل‪ ،‬مقاب ل ض مانات‬
‫مالئم ة‪ ،‬و جتس د عملي ات الس وق املفتوح ة المركزي ة النظ ام من خالل اعتم اده على البن وك الوطني ة يف تنفي ذ‬
‫عمليات السوق املفتوحة يف ظل توجيهات البنك املركزي األورويب من خالل عمليات منتظمة ميكن أن حتدث‬
‫على مس افات زمني ة حمددة س لفا‪ ،‬و عملي ات تص حيحية للس وق املفتوح ة‪ ،‬تبع ا للتط ورات يف الس يولة قص رية‬
‫األجل‪.‬‬
‫* التسهيالت الدائمة‪:‬‬
‫هي تسهيالت متويلية من البنك املركزي األورويب هتدف إىل حتقيق االستقرار الذايت للنظام‪ ،‬من خالل قيام‬
‫الس وق ب التخفيف من ع دم االس تقرار يف الس يولة‪ ،‬و يف أس عار الفائ دة‪ ،‬و تنقس م إىل تس هيالن‪ :‬تس هيل‬
‫"لومبارد" الذي تستطيع البنوك من خالله احلصول على سيولة فورية‪ ،‬و تسهيل "اإليداع" الذي ميكن البنوك‬
‫من إيداع فوائضها يف السيولة على الفور‪ ،‬حيث يلعب التسهيالن دور يف احلد من تقلبات أسعار الفائدة من‬
‫خالل حتديدها حلدود التقلب‪.‬‬
‫* شروط االحتياطي‪:‬‬
‫إن وج ود اش رتاطات االحتي اطي من ش أنه تعزي ز الس يولة اليومي ة للبن وك املش اركة يف النظ ام األورويب للبن وك‬
‫املركزية اخلاضعة هلذه االشرتاطات استنادا إىل ميزانيتها آخر الشهر‪ ،‬حيث ستساهم هذه االش رتاطات يف إجياد‬
‫أسعار فائدة أكثر استقرار يف سوق املال من خالل تأمني طلب هيكلي مالئم على البنك املركزي األورويب عن‬
‫طريق تضييق نسبة احتياطي تقدر بـ ‪ %02‬على التزامات املؤسسات االئتمانية‪.‬‬

‫* نظام المدفوعات األوروبي‪:‬‬


‫إن نظام "تارجت"(*) هو نظام املدفوعات اخلاص بالبنوك املركزية للدول األعضاء يف االحتاد االقتصادي و‬
‫النقدي األورويب‪ ،‬و قد بدأ العمل هبذا النظام بداية من سنة ‪ ،1999‬فهو ال يدعم السياسة األوروبية فقط بل‬
‫يساهم أيضا يف تطوير نظام دفع فعال و آمن داخل أوروبا‪ ،‬و يوفر للبنوك التجارية يف االحتاد األورويب نتائج‬
‫هنائية مستمرة خالل اليوم عن حتويالت األف راد‪ ،‬و من مت فإن األمر يقتضي أن يكون آمنا و فعاال و يضمن‬
‫‪27‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫ارتباط ظروف أس واق النقد احمللية بصورة فورية و مستمرة بالظروف السائدة يف األماكن األخرى من االحتاد‬
‫لضمان سعر فائدة مّوحد لليورو‪.‬‬
‫إن نظام "تارجت" يوفر خدمات الدفع بصورة مماثلة لتلك اخلدمات املؤمنة و املقدمة على املستوى الوطين‬
‫لل دول‪ ،‬كم ا يض من للمش اركني في ه الفعالي ة يف أنظم ة ال دفع على املس توى احمللي لل دول األعض اء يف االحتاد‬
‫االقتصادي و النقدي األورويب‪ ،‬بنفس شروط األداء اجلّيد لعمليات تبادل املدفوعات على مستوى الدول فيما‬
‫بينها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عالقة الدول األوروبية التي ما زالت خارج اليورو باالتحاد النقدي‪.‬‬
‫بع د حتدي د دول املوج ة األوىل يف ن ادي "الي ورو" و هم إح دى عش رة دول ة‪ ،‬و بق اء أرب ع دول خ ارج ه ذا‬
‫الن ادي يث ار س ؤال ه ام ح ول عالق ة ه ذه ال دول بالنظ ام النق دي األورويب‪ ،‬و من املالح ظ أن اتفاقي ة‬
‫"ماسرتخيت" مل حتدد طبيعة هذه العالقة رغم أمهيتها ملنع عدم االستقرار يف منطقة اليورو‪ ،‬و لذلك مت معاجلة‬
‫هذا القصور من خالل م ؤمتر "دبلن" يف ديسمرب ‪ ،1996‬حيث مت االتفاق على بعض القواعد اليت تنظم هذه‬
‫العالقة و خاصة يف جمال أسعار الصرف‪ ،‬و وضعت هذه القواعد يف نظام جديد لسعر الصرف أطلق عليه "‬
‫النظام النقدي األورويب الثاين"‪.‬‬
‫و قد مت املصادقة على قواعد هذا النظام من قبل الدول األعضاء يف "أمسرتدام" يف ج وان ‪ ،1998‬و يهدف‬
‫ه ذا النظ ام باألس اس إىل محاي ة الي ورو من اآلث ار الس لبية لتخفيض عمالت ال دول ال يت م ازالت خ ارج ن ادي‬
‫اليورو‪ ،‬و هذا يشبه إىل حد كبري النظام النقدي األورويب األساسي‪ ،‬حيث تتحدد أسعار عمالت الدول اليت‬
‫ما زالت خارج نادي اليورو بناء على سعر صرف اليورو‪ ،‬و ذلك بواسطة البنك املركزي األورويب‪ ،‬و بالتشاور‬
‫م ع البن وك املركزي ة هلذه ال دول و ب الرجوع إىل مؤسس ة النق د األوروبي ة و وزراء املالي ة يف دول االحتاد النق دي‬
‫األورويب‪ ،‬و س وف يس مح لعمالت ه ذه ال دول هبامش تقلب يص ل إىل ‪ %15-+‬مقاب ل األس عار املركزي ة‪ ،‬و‬
‫سوف يكون هناك مرونة بالنسبة للدول اليت تريد‬
‫(* )نظام تارجت‪ :‬يشري إىل نظام التمويل اآليل السريع لتحقيق التسويات اإلمجالية عرب أوروبا يف الوقت احلقيقي و الفوري حلدوثها‪.‬‬

‫الدخول إىل نادي اليورو بعد أن تنجز معظم املعايري الالزمة لاللتحاق به‪ ،‬حيث يتم ختفيض هامش التذبذب‬
‫هلذه العمالت‪ ،‬و س وف يت دخل البن ك املرك زي األورويب للحف اظ على اس تقرار أس عار ه ذه العمالت داخ ل‬
‫اهلامش املتف ق علي ه‪ ،‬و ق د مت االتف اق على أن العض وية يف ه ذا النظ ام س وف تك ون اختياري ة على أن تق وم‬
‫الدول اليت ما زالت خارج االحتاد باختاذ اإلجراءات اليت حتقق التقارب االقتصادي بينها و بني الدول األعضاء‬
‫متهيدا لدخوهلا إىل عضوية اليورو‪.‬‬
‫‪28‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫و يالحظ من تصميم أدوات السياسة النقدية لالحتاد النقدي األورويب و عالقة الدول اليت ما زالت خارج‬
‫الي ورو م ع االحتاد النق دي أن هن اك رغب ة قوي ة لالحتاد األورويب يف الالمركزي ة حيث س يتخذ البن ك املرك زي‬
‫األورويب القرارات املتعلقة بتنفيذ هذه السياسة و سوف تكون الق رارات بناءا على توافق اآلراء جملس إدارة هذا‬
‫البنك الذي يتكون من حمافظي البنوك املركزية للدول األعضاء و الذي جيتمع كل شهر‪ ،‬كما أنه ترك للدول‬
‫األعضاء اليت مازالت خارج النظام النقدي املوحد حرية االنضمام إىل ميكانيزم سعر الصرف مع اليورو‪ ،‬وحرية‬
‫االنضمام إىل اليورو عندما توافق أوضاعها مع آليات عمل النظام النقدي املّوحد‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مزايا و عيوب "اليورو" و تأثيره على االقتصاد األوروبي‪.‬‬


‫تمهـيــــــد‪:‬‬
‫ال ش ك أن مؤّي دي و معارض ي الوح دة النقدي ة ألوروب ا يتب ارون يف إب راز مزاي ا و عي وب العمل ة األوروبي ة‬
‫املوحدة‪ ،‬و مدى تأثريها على أداء االقتصاد األورويب‪.‬‬
‫و يف ح ديث للمفتش املايل للمفوض ية األوروبي ة "إي ف تيب اولت" ح اول تلخيص نت ائج انطالق الي ورو على‬
‫االقتص اد األورويب حيث ق ال‪ ":‬إن منطق ة الي ورو س تتمتع بثق ل اقتص ادي ي وازي مثيل ه يف الوالي ات املتح دة‬
‫األمريكية"‪.‬‬
‫و رغم هذه اآلراء متعارضة و هلا خلفياهتا السياسية اليت تعكس مصاحل أصحاهبا إال أن كل رأي له مربراته‬
‫االقتصادية و سيكون الزمن هو احلكم الرئيسي‪ ،‬و هو الذي سيضع العملة األوروبية املوحدة حمل اختبارات‬
‫عديدة و صعبة و من خالهلا سيحكم بفشل أو بنجاح اليورو‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫المطلب األول‪ :‬مزايا و عيوب العملة األوروبية الموحدة‪.‬‬


‫أوال‪ :‬مزايا العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪.‬‬
‫ميكن تلخيص مزايا العملة األوروبية املوحدة "اليورو" يف النقاط التالية‪:‬‬
‫* اختفاء تكاليف و مخاطر الصرف‪:‬‬
‫إن امليزة األوىل للوحدة النقدية تكمن يف اخنفاض تكاليف املعامالت يف منطقة اليورو‪ ،‬و ذلك نتيجة اختفاء‬
‫احلاجة إىل عمليات الصرف بني عمالت الدول األعضاء يف "اليورو" و من مث اختفاء عموالت املصارف‪.‬‬
‫و تقدر الوفرة الناجتة من اختفاء هذه الرسوم بنحو ‪ 30‬بليون مارك أملاين أي ما يعادل ‪ 16,7‬بليون دوالر‬
‫أمريكي (‪ ،)1‬هذا إىل جانب اختفاء املخاطر املرتتبة على التغريات يف أسعار الصرف‪ ،‬و توفري املصاريف اإلدارية‬
‫املرتتبة على قيد التحويل بني عمالت دول االحتاد النقدي‪.‬‬
‫و الشك أن ما نعتربه مزايا هنا‪ ،‬ينعكس سلبيا على املصارف حبرماهنا من مصدر من مصادر الدخل‪ ،‬و هي‬
‫العم والت ال يت حتص ل عليه ا من عملي ات التحوي ل بني العمالت املختلف ة ل دول االحتاد النق دي‪ ،‬و س يؤدي‬
‫ذلك ‪-‬كما يقول املراقبون‪ -‬إىل ختفيض العملة نتيجة إلغاء بعض العمليات اإلدارية‪ ،‬و عدم احلاجة إىل إج راء‬
‫بعض عمليات القيد و احملاسبة‪.‬‬
‫(‪ ) 1‬مسري عبد العزيز‪ :‬التكتالت االقتصادية اإلقليمية يف إطار العوملة‪ ،‬مكتبة و مطبعة اإلشعاع الفنية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2001 ،‬ص‪.227‬‬

‫و لو أن املراقبني يرون من ناحية أخرى أن هذه العمالة الفائضة قد تستوعبها قطاعات أخرى مستفيدة من‬
‫زيادة النشاط االقتصادي‪ ،‬و أن األمر سيتطلب إعادة تدريب هذه العمالة لتستفيد من فرص العمل املتاحة يف‬
‫القطاعات األخرى لالقتصاد‪.‬‬
‫* المزيد من الوضوح في األسعار‪:‬‬
‫توفري الوضوح الكامل يف األسعار لدى املستهلكني‪ ،‬حيث ميكـن للمستهلك أن يقـارن بوضوح‬
‫و دقة بني األسعار يف األسواق املختلفة لدول الوحدة النقدية‪ ،‬و ميكن للمشرتي س واء كان مستهلكا أو تاجرا‬
‫أن خيتار و يتخذ قراراه بسرعة‪ ،‬هذا يف الوقت الذي يتمكن فيه البائع من سرعة حساب التكاليف و هامش‬
‫الربح‪.‬‬
‫و يرى املراقب ون أن ميزة اس تخدام العملة املوحدة يف هذه احلالة تساعد املتعاملني يف س لعة ما ش رائها من‬
‫حيث تكون أسعارها أرخص‪ ،‬و إعادة بيعها يف األسواق املرتفعة األسعار‪ ،‬طاملا كان االجتار يف السلعة مشروعا‬
‫و ميكن تناقلها بني األسواق املختلفة و الفضل يف هذه احلالة لن يكون فقط للعملة املوحدة "اليورو" بل أيضا‬
‫للس وق الداخلي ة املوح دة ال يت ت تيح الفرص ة لنق ل الس لع يف حري ة تام ة ع رب ح دود ال دول األعض اء يف االحتاد‬
‫األورويب‪.‬‬
‫* سهولة نقل رؤوس األموال‪:‬‬
‫‪30‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫يعتقد البعض أن مزايا "اليورو" هو تسهيل تناقل رؤوس األموال بني املناطق املختلفة‪ ،‬و هذا الرأي مبين على‬
‫حقيقة أن مستوى اإلدخارات ختتلف من منطقة إىل أخرى ألن هناك مناطق تدخر أكثر من غريها‪ ،‬و من مث‬
‫ميكن نقل األم وال من املناطق األكثر ادخارا لتوفري التمويل الالزم للمشروعات يف املناطق األقل ادخارا دون‬
‫التعرض ألي خماطر بعد اختفاء عمليات الصرف بني العمالت املختلفة‪ ،‬باإلضافة إىل متاثل معدالت الفائدة‬
‫يف منطقة اليورو‪)1(.‬‬

‫* منع الصدمات الناجمة عن المضاربة في المعامالت‪:‬‬


‫لق د ع انت ال دول األوروبي ة املنطوي ة يف آلي ة الص رف األورويب ج راء املض اربة على عمالهتا مما عج ل خبروج‬
‫بعض العمالت من آلية الصرف و اليت اتسمت بالضعف آنذاك (اجلنيه اإلس رتليين‪ ،‬اللرية اإليطالية)‪ ،‬و لعل‬
‫األزم ة ال يت تع رض هلا النظ ام يف ‪ 1992‬و ‪ 1993‬خ ري دلي ل على ذل ك حيث ت زامن ذل ك م ع مرحل ة تراج ع‬
‫اقتصادي عرفته أوروبا ملدة سنتني مّيزهتا معدالت بطالة مرتفعة قدرت بنحو ‪ ،%10‬مما جعل هذه الدول تنصاع‬
‫وراء الضغط السياسي بانتهاجها لسياسات مل تكن منسجمة مع‬
‫‪(1) Brociner Andrew: Op.Cit. P33.‬‬

‫اس تقرار أس عار الص رف بغ رض حتف يز االس تثمار خبفض ها ألس عار الفائ دة و ال يت ك انت متفاوت ة من دول ة إىل‬
‫أخرى من دول اجملموعة‪ ،‬و هكذا فإن تثبيتها ألسعار صرفها دون رجعة يف مطلع سنة ‪ 1999‬و إحالل اليورو‬
‫مقابل العمالت احمللية كفيل مبنع محالت املضاربة على األقل بني عمالت اجملموعة بعضها البعض‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عيوب العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪.‬‬
‫ميكن تلخيص عيوب العملة األوروبية املوحدة "اليورو" يف النقاط التالية‪:‬‬
‫* اختفاء المزايا النسبية التي تتمتع بعض الصناعات في بعض المناطق‪:‬‬
‫إن التحول إىل سوق موحدة بعملة واحدة قد يؤدي إىل فقدان امليزة النسبية اليت تتمتع هبا بعض الصناعات‬
‫يف بعض من اطق دول االحتاد النق دي‪ ،‬كم ا أن اخنف اض تك اليف الص فقات التجاري ة أدى إىل الرتك يز إىل ح د‬
‫بعيد على استخدام الطاقات اإلنتاجية الضخمة‪ ،‬و هذا ما وفر ميزة نسبية لبعض األعمال يف بعض املناطق‬
‫على حساب مناطق أخرى‪ ،‬و إعادة توزيع االستثمارات إىل هذه املناطق أدى بطبيعة احلال إىل إعادة توزيع‬
‫األعمال أيضا بينها‪.‬‬
‫* تداخل الدورات االقتصادية بين األجزاء المختلفة لمنطقة "اليورو"‪)1( :‬‬

‫إن ت داخل ال دورات االقتص ادية بني ال دول املختلف ة يف االحتاد األورويب أدت إىل زوال املزاي ا النس بية لبعض‬
‫املن اطق ‪ -‬على األق ل خالل املراح ل املبك رة األوىل للوح دة النقدي ة‪ -‬و يف حال ة اس تمرار الت داخل يف منطق ة‬
‫"اليورو"‪ ،‬فإن مهام النظام األورويب للمصارف املركزية ستكون أصعب‪.‬‬
‫* زيادة الحساسية للصدمات المؤثرة على المناطق المختلفة‪:‬‬
‫‪31‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫يق ول املراقب ون إن مرون ة ميزاني ات ال دول األعض اء يف الوح دة النقدي ة تعت رب مس ألة حيوي ة للتغلب على‬
‫الصعوبات اليت قد تتعرض هلا اقتصاديات تلك الدول نتيجة الصدمات غري املنسقة‪.‬‬
‫و يضرب املراقبون مثال لذلك بأن ارتفاع أسعار البرتول على سبيل املثال سيكون تأثريه أقل على فرنسا اليت‬
‫يعتمد فيها إنتاج الكهرباء على حمطات التوليد النووية بينما التأثري على ايطاليا و اسبانيا سيكون أشد العتماد‬
‫حمط ات تولي د الكهرب اء يف ال دولتني على الب رتول‪ ،‬و الت أثري على الس ويد س يكون أش د أيض ا نتيج ة لزي ادة‬
‫احتياجات التدفئة و التسخني‪.‬‬

‫(‪ )1‬جملة من غرفة التجارة العربية الربيطانية‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫و يف حالة استمرار مثل هذا التأثري‪ ،‬فإنه سوف يؤدي إىل متتع بعض املناطق مبزايا دون غريها‪.‬‬
‫كما نبه "ليون بريتان" نائب رئيس املفوضية األوروبية يف حديث له يف لندن يف أكتوبر ‪ 1998‬إىل أنه بعد‬
‫قي ام الوح دة النقدي ة س وف حترم احلكوم ات الوطني ة من اس تخدام مع دالت الفائ دة أو إع ادة تق ييم العمل ة‬
‫ملواجه ة بعض الص دمات االقتص ادية‪ ،‬و أض اف ب أن ه ذا س وف يع ين إج راء التع ديالت املطلوب ة من خالل‬
‫أس واق العمل‪ ،‬كما ط الب بض رورة جع ل أس واق العمل يف أوروب ا أكثر مرون ة مما هي علي ه اآلن‪ ،‬و أن األمر‬
‫يتطلب ختفيض التكاليف األخرى‪ -‬غري األجور‪ -‬ختفيضا كبريا‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اآلثار االيجابية لليورو على أداء االقتصاد األوروبي‪.‬‬
‫لقد أدى ظهور اليورو إىل حتقيق العديد من املزايا للدول األعضاء‪ ،‬و ذلك يف العديد من اجملاالت‪ ،‬و أن‬
‫ه ذه املزاي ا ك انت على مس توى اقتص اديات ال دول األعض اء‪ ،‬و على املس توى الكلي لالحتاد األورويب‪ ،‬و أهم‬
‫هذه النقاط االجيابية ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬لق د أدى دخ ول معظم دول االحتاد األورويب إىل عض وية الي ورو إىل القي ام باملزي د من اإلص الحات‬
‫االقتصادية‪ ،‬و إعادة اهليكلة يف هذه الدول‪ .‬و قد أدت هذه اإلصالحات إىل خلق ظروف مواتية لنمو العديد‬
‫من القطاعات االقتصادية‪.‬‬
‫‪" -‬اليورو" يستند إىل العديد من املعطيات مثل اخنفاض معدالت التضخم‪ ،‬تدين عجز املوازنة العامة يف بلدان‬
‫نادي اليورو‪ ،‬مما جعله عملة أوروبية قوية تكون منافسة لقوة الدوالر األمريكي‪.‬‬
‫‪ -‬إن اعتماد اليورو يف التعامل داخل أوروبا شكل خطوة أساسية حنو توحيد أس واق العمل بني بلدان االحتاد‬
‫األورويب‪ ،‬كما سيساعد على خلق املزيد من فرص العمل اجلديدة يف األجل الطويل‪ ،‬و ذلك ألن وجود عملة‬
‫أوروبية موحدة ساعد على إلغاء تكاليف التحويل بني العمالت الوطنية و سهل عملية انتقال رؤوس األم وال‪،‬‬
‫‪32‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫كما ساعد على إلغاء ضرورة االحتفاظ باحتياطات كبرية من العمالت الصعبة أو الدوالر لتسوية املدفوعات‬
‫اخلارجية‪.‬‬
‫‪ -‬إن فتح احلدود بني الدول األوروبية و اعتمادها لليورو عمل على زيادة حدة املنافسة بني هذه الدول‪ ،‬حيث‬
‫اختلفت القطاعات اليت استفادت من هذه املنافسة من دولة إىل أخرى حسب املزايا النسبية و التنافسية اليت‬
‫تتمتع هبا كل دولة من دول األعضاء‪ ،‬كما أّنه مع إعتماد اليورو حتسنت املراكز التنافسية هلذه القطاعات و من‬
‫مث كسبت مكانتها يف األسواق األوروبية‪ ،‬فعلى سبيل املثال أدى حتسن املركز التنافسي لصناعة وسائل النقل يف‬
‫أملانيا إىل اكتساب هذه الصناعة مكانة أفضل يف أسواق االحتاد األورويب‪ ،‬مما ساعد إىل ختصص أملانيا يف هذه‬
‫الصناعة و هكذا بالنسبة لباقي الدول األوروبية‪.‬‬
‫و املس تفيد األك رب من ه ذه املنافس ة ه و املس تهلك األورويب‪ ،‬حيث أن احت دام املنافس ة بني املنتجني‬
‫األوروبيني سوف يؤدي إىل توفري سلع بأسعار منخفضة و جودة عالية يف ظل شفافية األسعار‪)1(.‬‬

‫‪ -‬لق د أث ر الي ورو بص ورة اجيابي ة على أس واق املال األوروبي ة حيث س اعد على جتاوز العدي د من املخ اطر مث ل‬
‫خماطر تذبذب أسعار العمالت األوروبية و غريها من املخاطر‪ ،‬و تقدر هذه املخاطر بباليني الدوالرات‪ ،‬و قد‬
‫ساعد جتاوز هذه املخاطر إىل زيادة التنافس بني أسواق املـال األوروبية‪،‬‬
‫و زيادة كفاءهتا على إدارة و توظيف رؤوس األموال‪ ،‬كما ساعد على جذب املزيد من االستثمارات و الودائع‬
‫إىل هذه األسواق و زيادة التحويل من الدوالر إىل اليورو‪.‬‬
‫‪ -‬يساعد اليورو يف حرية حركة رأس املال و العمل بني الدول األعضاء‪ ،‬مما أدى إىل حتسني الكفاية اإلنتاجية‬
‫و بالتايل تعزيز التجارة من خ ارج االحتاد األورويب إىل داخله مبع ىن أن دول االحتاد األورويب سوف تتحول من‬
‫اس ترياد بعض الس لع من خ ارج االحتاد إىل اس تريادها من ال داخل‪ ،‬و ذل ك ألهنا س تكون ب ديل مناس ب من‬
‫حيث السعر و اجلودة و الشروط و تكاليف النقل و غريها من املزايا‪ ،‬و هذا سوف يعمل على زيادة التجارة‬
‫الداخلية لدول اليورو على حساب جتارهتم مع العامل اخلارجي‪)2(.‬‬

‫‪ -‬يؤثر اليورو على مجيع األعمال املصرفية يف اجلهاز املصريف األورويب‪ ،‬مثل عمليات الدفع‪ ،‬إدارة احلسابات‪،‬‬
‫الودائ ع‪ ،‬األوراق املالي ة و نظم الص رف اآللي ة‪ ،‬و ذل ك ألن البن وك الوطني ة األوروبي ة نقلت س لطتها إىل س لطة‬
‫نقدية موحدة و املتمثل يف البنك املركزي األورويب الذي يشرف ‪-‬كما سبق و أن أش رنا إليه‪ -‬على السياسة‬
‫النقدي ة املوح دة و ي راقب البن وك املركزي ة الوطني ة‪ ،‬مما أدى إىل ت أثر ك ل من إي رادات و نفق ات ه ذه البن وك‬
‫األوروبية الوطنية‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫فبالنسبة لإليرادات‪ ،‬أدى إىل إلغاء العمالت الوطنية إىل إجياد مرونة عالية بالنسبة حلركة كل من املقرتضني و‬
‫أصحاب الودائع مبا جيعلهم حيصلون على بعض املكاسب‪ ،‬و هذا يعين زيادة أسعار الودائع و ختفيض أسعار‬
‫الق روض جلذب أك رب ع دد ممكن من العمالء الق دامى أو للحف اظ على العمالء و منعهم من االنتق ال إىل‬
‫التعامل مع بنوك أخرى‪ ،‬و سوف ينعكس ذلك على إيرادات البنوك األوروبية بالزيادة‪ ،‬كما أن البنوك األوروبية‬
‫ستجد أمامها أسواق واسعة لتقدمي خدماهتا مهما‬
‫(‪ )1‬مغاوري شليب علي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫(‪ )2‬مسري عبد العزيز‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.229‬‬

‫كان عدد أو مكان فروعها حيث تتم تسوية املدفوعات من خالل نظام املدفوعات املوحد الذي سبق‬
‫احلديث عنه‪.‬‬
‫أم ا بالنس بة لنفق ات ه ذه البن وك فإهنا ت أثرت بالس لب أي أهنا زادت‪ ،‬مما دف ع البن وك إىل القي ام بعملي ات‬
‫اندماج أو تكتل أو التخصص يف تقدمي اخلدمات إىل شرحية معينة من العمالء هبدف تقليل التكاليف‪.‬‬
‫أيض ا من املمكن يف املستقبل الق ريب أن ي دخل منافس ني ج دد إىل جمال العم ل املص ريف و هي املؤسس ات‬
‫غري املصرفية اليت تقوم مبعاجلة املعلومات و االتصال حيث ستقوم هذه املؤسسات بإضافة اخلدمات املصرفية‬
‫إىل جمال عملها و تنافسها‪.‬‬
‫‪ -‬يسعى االحتاد النقدي األورويب جاهدا إىل تذويب الفوارق بني الدول األعضاء بالنسبة للمراكز املالية‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل السياس ة النقدي ة املوح دة‪ ،‬و أس لوب احلد األدىن لالحتي اطي النق دي ال ذي حيدد من قب ل البن ك‬
‫املركزي األورويب لدول االحتاد النقدي‪ ،‬و هذا من أجل حتسني املراكز املالية داخل دول االحتاد بسبب تكافؤ‬
‫الفرص و اتساع األسواق‪.‬‬
‫‪ -‬ت ؤدي العملة األوروبية املوحدة "الي ورو" إىل تعزيز التكامل بني أس واق األس هم احمللية يف دول األعضاء‪ ،‬و‬
‫سوف يسقط أهم حمدد لتوليفة احملفظة االستثمارية و هو سعر الصرف‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬اآلثار السلبية لليورو على أداء االقتصاد األوروبي‪.‬‬
‫رغم املزاي ا االجيابي ة ال يت حققه ا الي ورو على أداء االقتص اد األورويب‪ ،‬إّال أن ه يف املقاب ل مت تس جيل بعض‬
‫السلبيات على أداء االقتصاد األورويب يف العديد من اجلوانب و هذه اآلثار ميكن إمجاهلا يف اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬ميكن القول أن إطالق اليورو يف املوعد احملدد له أدى إىل صرف أنظار الدول األوروبية عن مواصلة ب رامج‬
‫اإلص الح االقتص ادي الوطني ة و متابعته ا‪ ،‬و ذل ك لتهتم حنو اس تكمال ش روط االنض مام إىل الوح دة النقدي ة‬
‫األوروبية‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫‪ -‬هن اك بعض القطاع ات ال يت تض ررت بع د إطالق الي ورو و ذل ك بس بب املنافس ة الش ديدة يف بعض ال دول‬
‫األعضاء دون غريها‪ ،‬فعلى سبيل املثال قطاع البناء‪ ،‬و بعض الصناعات اخلفيفة و الصناعات الغذائية يف أملانيا‬
‫تتعرض ملنافسة شديدة من الصناعات املماثلة داخل دول االحتاد األورويب‪ ،‬حيث أن منتجات هذه الصناعات‬
‫يف اسبانيا و ايطاليا و فرنسا و الربتغال أعلى يف اجلودة و أرخص يف السعر‬
‫من مثيالهتا املنتجة يف أملانيا‪ ،‬و من مث فإن استخدام اليورو مسح هلذه املنتجات أن هتيمن على بعض األس واق‬
‫األوروبية مثل السوق األملاين‪ ،‬و من مث تتعرض الصناعات املثيلة هلا يف أملانيا لضغوط تنافسية شديدة قد تؤدي‬
‫إىل فقدان األملان لوظائفهم أو الضغط على هذه القطاعات لتخفيض التكاليف عن طريق خفض األجور‪ ،‬و‬
‫املالحظ أن كل هذا ليس يف صاحل املواطن األملاين‪ ،‬كما أنه ما حيدث يف هذه الصناعات يف أملانيا ميكن أن‬
‫حيدث يف صناعات أخرى يف دول أخرى من دول االحتاد األورويب‪.‬‬
‫‪ -‬رغم ما حققه اليورو يف سوق العمل من توحيد يف دول االحتاد األورويب‪ ،‬إال أن هذا التوحد لسوق العمل‬
‫أث ر س لبا على بعض ال دول األعض اء و خاص ة ال دول ذات األج ور العالي ة حيث هتاجر إليه ا األي دي العاملة‬
‫الرخيصة لتنافس القوى العاملة الوطنية و حتل حملها مما يؤدي إىل فقدان بعض العمال احملليني لوظائفهم‪.‬‬
‫و يف نفس ال وقت ي ؤدي اس تخدام الي ورو إىل هج رة رؤوس األم وال و الش ركات من ال دول األعض اء عالي ة‬
‫التك اليف ( هبا ض رائب عالي ة) إىل ال دول األخ رى األق ل من حيث التك اليف مث ل الربتغ ال و ايطالي ا‪ ،‬مما ق د‬
‫يؤدي إىل خلل يف اهلياكل االقتصادية لبعض دول األعضاء‪.‬‬
‫‪ -‬هناك بعض اآلراء اليت كانت و ال زالت متخوفة من أنه يف ظل استخدام اليورو سوف تتحمل بعض الدول‬
‫األعض اء دون غريه ا أعب اء مالي ة ل دعم ال دول األخ رى األق ل منو‪ ،‬و ذل ك لتح ديث مرافقه ا العام ة و زي ادة‬
‫التنمية فيها‪ ،‬كما يتخوف البعض من زيادة هذه األعباء يف ظل توجه االحتاد األورويب لدعم دول شرق أوروبا‬
‫أو لدعم األعضاء اجلدد يف االحتاد‪.‬‬
‫‪ -‬كما سبق و أن أشرنا إليه سابقا‪ ،‬فإن استخدام اليورو يؤثر على النظام املصريف األورويب إذ تقلصت إي رادات‬
‫البنوك األوروبية ‪ -‬على األقل يف األجل القصري‪ -‬و ذلك بسبب تراجع اإلي رادات من العمل يف النقد األجنيب‬
‫نتيج ة انع دام احلاج ة إىل ه ذا النش اط من عم ل البن وك و ك ذلك بسبب ش دة املنافس ة بني البن وك يف خمتلف‬
‫جماالت العمل املصريف‪ ،‬كما حتملت البنوك األوروبية تكاليف عالية للتحول إىل اليورو و ذلك بسبب تكاليف‬
‫التحوي ل لألنظم ة اإللكرتوني ة و تع ديل املاكين ات اآللي ة للص رف‪ ،‬كم ا ق امت ه ذه البن وك ببعض ال دورات‬
‫التدريبية للعاملني هبا على األنظمة اجلديدة اليت تعتمد على اليورو‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫‪ -‬يؤكد البعض أن استخدام اليورو و قيام البنك املركزي األورويب مبهامه سوف يفقد الدول األعضاء حريته ا يف‬
‫اللجوء إىل أسلوب التمويل التضخمي و الذي تعودت الكثري من الدول اللجوء‬
‫إلي ه ألن ه ي ؤدي إىل زي ادة م وارد احلكوم ات دون حتم ل أي تك اليف‪ ،‬بغض النظ ر عن اخنف اض الق وة الش رائية‬
‫للنقود املوجودة لدى األفراد و املؤسسات لصاحل احلكومة‪ ،‬و هلذا الصدد يبقى البعض متخوف من جلوء بعض‬
‫احلكومات يف الدول األعضاء إىل تعويض هذه اخلسارة بفرض مزيد من الض رائب املباشرة مما يؤثر على رفاهية‬
‫األفراد‪)*(.‬‬

‫و يف النهاي ة ميكن الق ول أن توزي ع ه ذه اآلث ار س واء االجيابي ة أو الس لبية بني ال دول األعض اء لن يك ون‬
‫بالتس اوي‪ ،‬و ذل ك بس بب اختالف مراكزه ا االقتص ادية‪ ،‬و تف اوت أدائه ا االقتص ادي‪ ،‬و ه و م ا يؤك د أمهي ة‬
‫اآللية املوضوعة داخل االحتاد األورويب لتوزيع مغامن و مغارم الوحدة االقتصادية و النقدية بني الدول األعضاء‪،‬‬
‫و اليت تعتمد على تعويض الدول األعضاء األكثر تضررا من عملية التكامل االقتصادي و الوحدة النقدية‪.‬‬

‫(* ) قدرت خسائر بعض الدول األوروبية من فقداهنا حلق استخدام أسلوب التمويل بالعجز مببالغ كبرية وصلت إىل نسبة ترتاوح بني ‪ %0,5‬و ‪ %1‬من‬
‫الدخل القومي يف دول مثل‪ :‬اليونان‪ ،‬الربتغال و إيطاليا‪.‬‬

‫خالصة الفـصل الـثالـث‪:‬‬


‫‪36‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العملة األوروبية الموحدة "اليورو"‪ ...‬الوافد الجديد‬

‫من خالل هذا الفصل‪ ،‬رأينا أن العملة األوروبية املّوحدة "اليورو"‪ ،‬مرت بثالث مراحل رئيسية حىت وص لت‬
‫إىل جيوب األوروبيني‪ ،‬إال أن هذه املراحل ختللتها صـعوبات خمتلفة (تقـنية‪ ،‬نفسـية‬
‫و قانونـية)‪.‬‬
‫كم ا أبرزن ا موق ف و مس تقبل ك ل دول ة من دول اإلحتاد األورويب اخلمس ة عش ر بش أن العمل ة األوروبي ة‬
‫املّوحـدة‪ ،‬و تطرقنا إىل املؤسسات اليت تشرف و تسيري هذا الوافد اجلـديد "اليـورو"‪،‬‬
‫و املتمثلة يف البداية يف املؤسسة النقدية األوروبية‪ ،‬هذه األخرية ح ّل حملها البنك املركزي األوريب‪ ،‬الذي يعد‬
‫مبثابة السلطة النقدية املّوحدة لإلحتاد األورويب اليت حتدد السياسة النقدية الواجبة التطبيق يف الدول األعضاء‪.‬‬

‫و أخريا أبرزنا اآلثار اإلجيابية و السلبية للعملة األوروبيـة املّوحدة على آداء اإلقتـصاد األورويب‬
‫و اليت قلنا أهنا ‪ -‬اآلثار السلبية و اإلجيابية ‪ -‬لن تكون بالتساوي بني الدول األعضاء نظ را إلختالف املراكز‬
‫اإلقتصادية بني الدول األوروبية و تفاوت أدائها اإلقتصادي‪.‬‬

You might also like