You are on page 1of 49

‫حتت إشراف الشيخ‬

‫شرح األربعني النووية‬


‫مقرر األسبوع األول‬
‫من البداية حتى هناية الحديث الثالث‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪2‬‬

‫المقدمة‬
‫بسم ال َّله الرمحن الرحيم‪ ،‬الحمد ل َّله رب العالمين‪ ،‬والصالة‬
‫محم ٍد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعين‪ ،‬أ َّما بعد‪:‬‬ ‫والسالم عىل نب ِّينا َّ‬
‫«اْل أرب ِعين النَّو ِو َّي ِة»‪.‬‬
‫مشهور بـ أ‬
‫ٌ‬ ‫هذا المتن‬
‫واإلمام النووي رمحه ال َّله َ‬
‫وضع اثنين وأربعين (‪ )42‬حديثا‪،‬‬
‫واشترط أن تكون األحاديث هي التي عليها َمدار الدين؛ يعني‪ :‬أصول‬
‫(‪)1‬‬
‫الدين ‪.‬‬
‫وأتى الحافظ ابن رجب رمحه ال َّله‪ ،‬واستدرك عليه ثمانية (‪)8‬‬
‫أحاديث؛ فكانت زيادة ابن رجب مع أصل متن النووي‪ :‬مخسين (‪)50‬‬
‫حديثا‪ ،‬وكلها شامل ٌة ألمور الدين‪.‬‬
‫واألربعون النوو َّية لها مقدِّ م ٌة وضعها المصنِّف؛ لكن لطولها ال‬
‫(‪)2‬‬
‫ووضع يف آخرها شرحا لغريبِ َها؛ كذلك ال ُيحفظ؛ فدَ ْأ ُب بعض‬
‫ُتحفظ‪َ ،‬‬

‫)‪ (1‬متون طالب ِ‬


‫العلم‪ ،‬النسخة الكبيرة مع الحواشي‪ ،‬متن األربعين النووية‬
‫(ص‪.)96‬‬
‫للجوهري (‪.)123/1‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬أي‪ :‬شأن وعادة‪ .‬الصحاح‬
‫‪3‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫وضع األحاديث التي ُتح َفظ َف َح ْسب‪.‬‬ ‫أهل ِ‬


‫العلم ْ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪4‬‬

‫ت أرجمة ِ‬
‫الما ِم النَّو ِوي رمحه ال َّله‬
‫اسمه‪ ،‬ونسبه‪ ،‬ونِسبته‪:‬‬
‫هو‪ :‬يحيى بن َش َرف بن ُم ِري بن حسن بن حسين بن محمد بن‬
‫(‪)1‬‬
‫الح َزامِي النَّووي ‪.‬‬
‫جمعة بن ِح َزام ِ‬
‫ُ ُ‬
‫والنَّووي نِسبة إىل «ن ََوى» مدينة جنوب دمشق تبعد عنها ‪ 90‬كيلو‬
‫(‪)2‬‬
‫مترا ‪.‬‬
‫كنيته‪ ،‬ولقبه‪:‬‬
‫يتزوج رمحه ال َّله‪.‬‬
‫كنيته‪ :‬أبو زكريا‪ ،‬وال َو َلد له؛ بل مل َّ‬
‫لقبه‪ُ :‬م ْحيي الدِّ ين‪ ،‬وكان َيكره أن ُيل َّقب به‪ ،‬ويقول‪« :‬ال َأجعل يف‬
‫(‪)3‬‬
‫ِح ٍّل َمن لقبني ُم ْحيي الدِّ ين» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬تحفة الطالبين (ص‪ ،)40-39‬طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (‪،)395/8‬‬


‫الروي (ص‪،)10‬‬ ‫طبقات الشافعية البن قاضي ُش ْهبة (‪ ،)153/2‬المنهل ْ‬
‫العذب َّ‬
‫السوي (ص‪.)51‬‬
‫المنهاج َّ‬
‫(‪ )2‬معجم البلدان (‪ ،)306/5‬تحفة الطالبين (ص‪ِ ،)41‬خ َطط َّ‬
‫الشام (‪.)230 /3‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الطالبين (ص‪ ،)39‬طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (‪،)395/8‬‬
‫طبقات الشافعية لإلسنوي (‪ ،)266/2‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)909‬المنهل‬
‫‪5‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫مولده‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫حرم‪ ،‬سنة (‪631‬هـ) ‪.‬‬
‫ولد يف مدينة «نوى» يف شهر ُم َّ‬
‫نشأته‪:‬‬
‫نشأ رمحه ال َّله منذ ِصغره مهتما بالعلم ِ‬
‫مح ّبا له‪ ،‬قال ياسين‬
‫(‪)2‬‬
‫المراكشي ‪« :‬رأيت الشيخ ُم ْحيي الدِّ ين ‪ -‬وهو ابن عشر سنين ‪ -‬بن ََوى‪،‬‬
‫والصبيان ُي ْك ِرهونه عىل ال َّلعب معهم‪ ،‬وهو َيهرب منهم‪ ،‬و َيبكي‬
‫(‪)3‬‬
‫إلكراههم‪ ،‬و َيقرأ القرآن يف تلك الحال فوقع يف قلبي محبته» ‪.‬‬
‫«لما كان عمري تسع عشرة سنة؛ َق ِدم بي‬
‫وقال النَّووي عن نفسه‪َّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الرواح َّية ‪،‬‬
‫فسكنت المدرسة َّ‬
‫ُ‬ ‫والدي إىل دمشق يف سنة تسع وأربعين‪،‬‬

‫الروي (ص‪.)11‬‬ ‫ْ‬


‫العذب َّ‬
‫(‪ )1‬تحفة الطالبين (ص‪ ،)42‬طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (‪.)396/8‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬ياسين بن عبد ال َّله‪ ،‬المقرئ‪ ،‬الحجام‪ ،‬األسود‪ ،‬الصالح‪ ،‬شيخ اإلمام‬
‫النووي‪ ،‬تويف سنة (‪687‬هـ)‪ .‬البداية والنهاية (‪ ،)651/17‬شذرات الذهب‬
‫(‪.)704/7‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الطالبين (ص‪.)44‬‬
‫الرواح َّية‪ :‬بناها التاجر هبة ال َّله بن محمد‪ ،‬أبو القاسم‪ ،‬المعروف بابن‬
‫(‪ )4‬المدرسة َّ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪6‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫يت نحو سنتين مل أضع جنبي إىل األرض‪ ،‬وكان ُقويت فيها ِجراية‬
‫وبق ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫المدرسة ال غير» ‪.‬‬

‫رواحة‪ ،‬تويف سنة (‪622‬هـ)‪ ،‬وقفها عىل الشافعية‪ ،‬وموقعها شرقي الجامع‬
‫األموي‪ ،‬وغربي المدرسة الدَّ ْولع َّية‪ .‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)824‬الدارس يف‬
‫تاريخ المدارس (‪.)199/1‬‬
‫(‪ِ )1‬‬
‫الجراية‪ :‬األجرة (‪.)349/37‬‬
‫(‪ )2‬تحفة الطالبين (ص‪.)46-45‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫(‪)1‬‬
‫يف نحو أربعة أشهر‬ ‫«حفظت كتاب التَّنبيه‬
‫ُ‬ ‫وقال ‪ -‬أيضا ‪:-‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫السنة» ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫المهذب يف باقي َّ‬ ‫وحفظت ُربع العبادات من‬
‫ُ‬ ‫ونصف‪،‬‬
‫«كنت أقرأ َّ‬
‫كل يوم اثني عشر درسا عىل المشايخ؛‬ ‫ُ‬ ‫وقال ‪ -‬أيضا ‪:-‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرحا وتصحيحا» ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وقال تلميذه ابن الع َّطار ‪« :‬وذكر يل رمحه ال َّله أنَّه كان ال َيضيع له‬
‫وقت يف ليل وال هنار؛ َّإال يف وظيفة من االشتغال بالعلم‪ ،‬حتى يف ذهابه‬
‫ٍ‬
‫مطالعة‪ ،‬وأنَّه بقي عىل‬ ‫يف الطرق ومجيئه يشتغل يف تكرار محفوظه‪ ،‬أو‬

‫(‪ )1‬وهو كتاب مختصر يف أصول مذهب الشافعي؛ ألبي إسحاق إبراهيم بن عيل‬
‫الشيرازي‪ ،‬تويف سنة ( ‪476‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )2‬أحد أشهر ُكتُب الشافعية يف فروع المذهب وتفصيالته؛ ألبي إسحاق‬
‫الشيرازي‪،‬‬
‫الراوي يف ترمجة اإلمام النَّواوي (ص‪.)31‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الطالبين (ص‪ُ ،)46‬بغية َّ‬
‫(‪ )4‬تحفة الطالبين (ص‪.)49‬‬
‫(‪ )5‬هو‪ :‬عيل بن إبراهيم بن داوود‪ ،‬أبو الحسن بن الع َّطار الشافعي‪ ،‬ولد سنة‬
‫(‪654‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪724‬هـ)‪ .‬طبقات الشافعية الكبرى للسبكي‬
‫(‪ ،)130/10‬طبقات الشافعية البن قاضي ُش ْهبة (‪.)270/2‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪8‬‬

‫ست سنين‪ ،‬ثم إنَّه اشتغل بالتَّصنيف‪،‬‬


‫التَّحصيل عىل هذا الوجه نحو ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ووالهتم» ‪.‬‬
‫والمناصحة للمسلمين ُ‬
‫واإلفادة‪ُ ،‬‬

‫(‪ )1‬تحفة الطالبين (ص‪.)64‬‬


‫‪9‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫شيوخه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بجهابِذة العلماء يف شتَّى الفنون‪،‬‬
‫عصره رمحه ال َّله حافال َ‬
‫كان ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫ومن شيوخه ‪:‬‬
‫‪ -1‬إسحاق بن أمحد بن عثمان‪ ،‬أبو إبراهيم المغربي ثم المقدسي‬
‫الشافعي‪ ،‬تويف سنة (‪650‬هـ)‪ ،‬وهو من أوائل شيوخه يف‬
‫الفقه‪.‬‬
‫‪ -2‬عبد الرمحن بن نوح بن محمد‪ ،‬أبو محمد المقدسي ثم‬
‫الدمشقي الشافعي‪ ،‬تويف سنة (‪654‬هـ)‪.‬‬

‫(‪َ )1‬جهابِذة مجْع ِج ْهبِذ‪ ،‬وهو‪ :‬النَّ َّقاد َ‬


‫الخبِير‪ .‬القاموس المحيط (ص‪ ،)332‬تاج‬
‫العروس (‪.)392/9‬‬
‫(‪ )2‬طبقات الفقهاء الشافعية (‪ ،)311/1‬هتذيب األسماء واللغات (‪،)18/1‬‬
‫تحفة الطالبين (ص‪ ،)60-58‬طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (‪،149/8‬‬
‫‪ ،)309/8 ،188/8‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)887‬طبقات الشافعية البن قاضي‬
‫الروي (ص‪،)18‬‬ ‫ُش ْهبة (‪ ،)102/2‬المنهل الصايف (‪ ،)299/1‬المنهل ْ‬
‫العذب َّ‬
‫السوي (ص‪ ،)56‬شذرات الذهب (‪.)657/7‬‬
‫المنهاج َّ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪10‬‬

‫‪ -3‬خالد بن يوسف بن سعد‪ ،‬أبو البقاء النابلسي الشافعي‪ ،‬تويف‬


‫سنة (‪662‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -4‬أمحد بن سامل‪ ،‬أبو العباس المصري الحنفي الن َّْحوي‪ ،‬تويف سنة‬
‫(‪664‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -5‬إبراهيم بن عيسى‪ ،‬أبو إسحاق المر ِ‬
‫ادي األندلسي الشافعي‪،‬‬ ‫َُ‬
‫تويف سنة (‪668‬هـ)‪.‬‬
‫الح َلبِي ثم الدمشقي‬
‫يل ثم َ‬‫ِ ِ‬
‫سالر بن الحسن‪ ،‬أبو الحسن اإلرب ّ‬
‫‪َّ -6‬‬
‫الشافعي‪ ،‬تويف سنة (‪670‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -7‬عمر بن ُبنْدار بن عمر بن عيل بن محمد‪ ،‬أبو الفتْح ال َّت ْفلِيسي‬
‫الشافعي‪ ،‬تويف سنة (‪672‬هـ)‪.‬‬
‫الر َبعي الشافعي‪ ،‬تويف‬
‫‪ -8‬عمر بن أسعد بن أبى غالب‪ ،‬أبو حفص َّ‬
‫سنة (‪675‬هـ)‪.‬‬
‫الفرج‬
‫‪ -9‬عبد الرمحن بن أبي عمر محمد بن أمحد بن قدامة‪ ،‬أبو َ‬
‫أجل شيوخه‪.‬‬
‫المقدسي الحنبيل‪ ،‬تويف سنة (‪682‬هـ)‪ ،‬وهو َ‬
‫‪11‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫تالميذه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َول ِ َي النووي مش َي َخة دار الحديث األشرف َّية ‪ ،‬وباشر التَّدريس يف‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أكثر من مدرسة ‪ ،‬فكثر تالميذه‪ ،‬ومنهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬أمحد بن محمد بن عباس بن َج ْع َوان‪ ،‬شهاب الدِّ ين األنصاري‬

‫الدمشقي الشافعي‪ ،‬تويف سنة (‪699‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬دار الحديث األشرف َّية‪ :‬بناها الملك األشرف مظفر الدين موسى بن العادل‬
‫المتوىف سنة (‪635‬هـ)‪ ،‬وتقع جوار باب القلعة الشرقي غربي العصرونية وشمايل‬
‫القيمازية الحنفية‪ .‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)844‬الدارس يف تاريخ المدارس‬
‫(‪.)15/1‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ اإلسالم (‪ ،)331/15‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)912‬طبقات الشافعية‬
‫الروي (ص‪.)37-36‬‬ ‫البن قاضي ُش ْهبة (‪ ،)156/2‬المنهل ْ‬
‫العذب َّ‬
‫(‪ )3‬تحفة الطالبين (ص‪ ،)113-53‬تاريخ اإلسالم (‪ ،)895/15‬طبقات الشافعية‬
‫الكبرى للسبكي (‪ ،)130/10 ،40/10 ، 35/8‬طبقات الشافعيين (ص‪،911‬‬
‫‪ ،)940‬المنهل الصايف (‪.)398/2‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -2‬أمحد بن ْفرح‪ ،‬أبو العباس ال َّلخمي اإلشبييل الشافعي‪ ،‬تويف سنة‬

‫(‪699‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -3‬إسماعيل بن عثمان بن عبد الكريم بن تمام‪ ،‬أبو ِ‬
‫الفداء القرشي‬ ‫َّ‬
‫الحنفي‪ ،‬تويف سنة (‪714‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -4‬عيل بن إبراهيم بن داوود‪ ،‬أبو الحسن بن الع َّطار الشافعي‪،‬‬

‫تويف سنة (‪724‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -5‬سليمان بن هالل بن ِش ْبل بن َف َالح‪ ،‬أبو الفضل الدَّ اراين‬

‫الشافعي‪ ،‬تويف سنة (‪725‬هـ)‪.‬‬


‫‪13‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫أعامله‪:‬‬
‫تبوأ اإلمام النَّووي منزلة رفيعة يف العلم؛ فقد باشر رمحه ال َّله‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫التَّدريس يف المدرسة اإلقبال َّية ‪ ،‬والمدرسة ال َفلك َّية ‪ ،‬وغيرمها‪ ،‬وولِي‬
‫(‪)3‬‬
‫مشيخة دار الحديث األشرف َّية سنة (‪665‬هـ) إىل أن مات ‪.‬‬

‫(‪ )1‬المدرسة اإلقبال َّية‪ :‬أنشأها مجال الدولة إقبال‪ ،‬المتوىف سنة (‪603‬هـ)‪ ،‬وتقع‬
‫داخل باب الفرج وباب الفراديس‪ ،‬بينهما شمايل الجامع والظاهرية الجوانية‬
‫وشرقي الجاروخية‪ .‬تاريخ اإلسالم (‪ ،)73/13‬الدارس يف تاريخ المدارس‬
‫(‪.)118/1‬‬
‫(‪ )2‬المدرسة ال َفلك َّية‪ :‬أنشأها األمير َف َلك الدِّ ين سليمان المتوىف سنة (‪599‬هـ)‪،‬‬
‫وقد كانت دارا له ثم وقفها‪ ،‬وتقع بحارة األفتريس‪ ،‬غربي المدرسة الركنية‬
‫الجوانية‪ .‬المختصر يف أخبار ال َب َشر (‪ ،)102/3‬الدارس يف تاريخ المدارس‬
‫َّ‬
‫(‪.)327/1‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ اإلسالم (‪ ،)331/15‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)912‬طبقات الشافعية‬
‫الروي (ص‪.)37-36‬‬ ‫البن قاضي ُش ْهبة (‪ ،)156/2‬المنهل ْ‬
‫العذب َّ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪14‬‬

‫مؤ َّلفاته‪:‬‬
‫ُبورك له يف عمره‪ ،‬ويف مؤلفاته‪ ،‬وقد قيل‪« :‬لو ُق ِّسمت مؤلفا ُته عىل‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2( )1‬‬
‫ِسني ُع ْمره؛ لكان نصيب ِّ‬
‫كل يوم ك َُّراستين » ‪ ،‬ومن مؤلفاته ‪:‬‬
‫‪ .1‬التِّبيان يف آداب َح َملة القرآن‪.‬‬

‫شرح صحيح مسلم‪.‬‬


‫‪ .2‬المنهاج يف ْ‬
‫‪ .3‬رياض الصالحين‪.‬‬

‫‪ .4‬األذكار‪.‬‬

‫‪ .5‬األربعون يف مباين اإلسالم وقواعد األحكام «األَ ْر َب ُع َ‬


‫ون‬

‫الن ََّو ِو َّية»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال ُك َّراسة‪ :‬الجزء من الكتاب‪ .‬تاج العروس (‪ ،)438/16‬المعجم الوسيط‬


‫(‪.)783/2‬‬
‫(‪ )2‬اإلمام النَّووي لعبد الغني الدَّ ْقر (ص‪.)157‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الطالبين (ص‪ ،)83-70‬الكاشف َّ‬
‫للذهبي (‪ ،)138/1‬تاريخ اإلسالم‬
‫الروي‬ ‫ْ‬
‫العذب َّ‬ ‫(‪ ،)329/15‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)912-911‬المنهل‬
‫(ص‪.)23‬‬
‫‪15‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫‪ .6‬الروضة يف مختصر شرح الرافعي‪.‬‬

‫الربا‪.‬‬
‫شرح المهذب‪ ،‬وصل فيه إىل باب ِّ‬
‫‪ .7‬المجموع يف ْ‬
‫‪ .8‬التحرير يف ألفاظ التَّنبيه‪.‬‬

‫‪ .9‬بستان العارفين‪.‬‬

‫‪ .10‬التَّهذيب لألسماء واللغات‪.‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪16‬‬

‫وفاته‪:‬‬
‫بعد حياة عامرة بالعلم والتعليم تويف رمحه ال َّله ليلة األربعاء‪ ،‬يف‬
‫الثلث األخير من الليل‪ ،‬ليلة الرابع والعشرين من رجب‪ ،‬سنة (‪676‬هـ)‬
‫(‪)1‬‬
‫بِن ََوى‪ ،‬عن مخس وأربعين سنة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قال الحافظ الذهبي رمحه ال َّله ‪« :‬وقد رثاه غير واحد‪ ،‬يبلغون‬
‫(‪)3‬‬
‫عشرين ن ْفسا بأكثر من ِّ‬
‫ست مئة بيت» ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وقد أورد تلميذه ابن الع َّطار رمحه ال َّله بعضا من َم َراثِيه ‪.‬‬

‫السوي‬
‫(‪ )1‬تحفة الطالبين (ص‪ ،)43‬طبقات الشافعيين (ص‪ ،)913‬المنهاج َّ‬
‫(ص‪.)75‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬محمد بن أمحد بن عثمان بن َقا ْيماز‪ ،‬أبو عبد ال َّله التركماين الذهبي‬
‫الشافعي‪ ،‬ولد سنة (‪673‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪748‬هـ)‪ .‬طبقات الشافعية الكبرى‬
‫للسبكي (‪ ،)100/9‬الوايف بالوفيات (‪.)114/2‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ اإلسالم (‪.)332/15‬‬
‫(‪ )4‬تحفة الطالبين (ص‪.)114‬‬
‫‪17‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫ترجمة الحاف ِ‬
‫ظ ا أب ِن رجب رمحه ال َّله‬ ‫أ‬
‫اسمه‪ ،‬ونسبه‪ ،‬ونِسبته‪:‬‬
‫هو‪ :‬عبد الرمحن بن أمحد بن عبد الرمحن بن الحسن بن محمد بن‬
‫(‪)1‬‬
‫أبي البركات مسعود‪ ،‬البغدادي ثم الدمشقي الحنبيل ‪.‬‬
‫كنيته‪ ،‬ولقبه‪:‬‬
‫كنيته‪ :‬أبو الفرج‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لقبه‪ :‬زين الدِّ ين‪ ،‬ومجال الدِّ ين‪ ،‬واشتهر بـ«ابن رجب» ‪.‬‬
‫مولده‪:‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ولد بـ«بغداد» يف ربيع األول سنة (‪736‬هـ) ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجوهر المنضد (ص‪ ،)46‬شذرات الذهب (‪ ،)578/8‬تسهيل السابلة‬


‫(‪.)1202/3‬‬
‫(‪ )2‬شذرات الذهب (‪ ،)578/8‬تسهيل السابلة (‪.)1202/3‬‬
‫(‪ )3‬مدينة مشهورة‪ ،‬كانت قرية من قرى الفرس‪ ،‬أخذها أبو جعفر المنصور‪،‬‬
‫وسماها‪« :‬مدينة السالم»‪ .‬معجم ما استعجم من أسماء‬
‫ومصرها وجعلها مدينة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫البالد والمواضع (‪ ،)262/1‬معجم البلدان (‪.)457-456/1‬‬
‫(‪ )4‬إنباء الغمر (‪ ،)460/1‬األعالم (‪.)295/3‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪18‬‬

‫نشأته‪:‬‬
‫نشأ رمحه ال َّله يف بيت علم ودين؛ فجده عبد الرمحن المعروف‬
‫(‪)1‬‬
‫بـ«رجب» كان محدِّ ثا‪ ،‬قال عنه ابن حجر ‪« :‬سمع ُث َالثِ َّيات البخاري من‬
‫(‪)2‬‬ ‫ابن المال ِحانِي عن ال َقطِ ِ‬
‫يع ّي حدَّ ث هبا‪ ،...‬وكان ُي ِ‬
‫قرئ حسبة» ‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫وأ َّما والده‪ :‬فقد ُولد ببغداد ونشأ هبا‪ ،‬وقرأ القرآن بالروايات‪ ،‬وسمع‬
‫(‪)3‬‬
‫من مشايخها‪ ،‬وجلس لإلقراء بدمشق‪ ،‬وكان خ ِّيرا د ِّينا عفيفا ‪.‬‬
‫قدم ابن رجب مع والده إىل دمشق وهو صغير‪ ،‬سنة أربع وأربعين‬
‫وسبع مئة (‪744‬هـ)‪ ،‬فسمع من خلق كثير‪ ،‬واشتغل بسماع الحديث‬
‫ِ‬
‫صادعة‪،‬‬ ‫مجالس تذكيره للقلوب‬ ‫باعتناء والده‪ ،‬ورحل فيه‪ ،‬وكانت‬
‫ُ‬
‫وللناس عامة مباركة نافعة‪ ،‬مالت القلوب بالمح َّبة إليه‪ ،‬وكان ال يعرف‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬أبو الفضل شهاب الدين أمحد بن عيل بن محمد الكناين العسقالين‪ ،‬ثم‬
‫المصري الشافعي‪ُ ،‬ولِد سنة (‪773‬هـ)‪ ،‬إمام الحفاظ يف زمانه‪ ،‬برع يف الحديث‬
‫وتقدَّ م يف مجيع فنونه‪ ،‬تويف رمحه ال َّله سنة (‪852‬هـ)‪ .‬طبقات الحفاظ للسيوطي‬
‫(‪.)552/1‬‬
‫(‪ )2‬الدرر الكامنة (‪.)236/2‬‬
‫(‪ )3‬غاية النهاية (‪ ،)53/1‬الدرر الكامنة (‪ ،)151/1‬تسهيل السابلة (‪.)1165/2‬‬
‫‪19‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫شيئا من أمور الناس‪ ،‬وال يتر َّدد إىل أحد من ذوي الواليات‪ ،‬وكان فقيرا‬
‫(‪)1‬‬
‫متع ِّففا َغن ِ َّي النفس‪ ،‬صاحب عبادة وهتجد ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫قال ابن ِ‬
‫الم ْب َرد ‪« :‬قال ابن قاضي ُش ْه َبة‪ :‬وقال شيخنا‪ :‬كان قرأ‬
‫وأتقن الفن‪ ،‬ثم أكب عىل االشتغال بمعرفة فنون الحديث ِ‬
‫وع َلله‬ ‫َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ومعانيه‪ ،‬وانفرد وحده ب ُكتُب» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬إنباء الغمر (‪ ،)460/1‬الجوهر المنضد (ص‪ ،)49-48‬تسهيل السابلة‬


‫(‪.)1203/3‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو المحاسن مجال الدِّ ين يوسف بن حسن بن أمحد بن عبد الهادي‪ ،‬الشهير‬
‫الم ْب َرد»‪ ،‬الصالحي الحنبيل‪ ،‬ولد سنة (‪840‬هـ)‪ ،‬صاحب التصانيف‬ ‫بـ«ابن ِ‬

‫الكثيرة‪ ،‬تويف سنة (‪909‬هـ)‪ .‬شذرات الذهب (‪ ،)62/10‬تسهيل السابلة‬


‫(‪.)1202/3‬‬
‫(‪ )3‬الجوهر المنضد (ص‪.)48‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪20‬‬

‫شيوخه‪:‬‬
‫أخذ رمحه ال َّله عن مجاعة كثيرة يف شتَّى الفنون‪ ،‬ومِن شيوخه الذين‬
‫(‪)1‬‬
‫أخذ عنهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬شمس الدِّ ين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعيد بن جرير‬
‫الز َر ِع ّي‪ ،‬أبو عبد ال َّله ابن قيم الجوزية‪ ،‬تويف سنة (‪751‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -2‬صدْ ر الدِّ ين محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم بن‬
‫الم ْيدُ ومِي‪ ،‬تويف سنة (‪754‬هـ)‪.‬‬
‫عنان‪ ،‬أبو الفتح َ‬
‫‪ -3‬محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي‪ ،‬األنصاري العبادي‪،‬‬
‫المعروف بـ«ابن الخباز»‪ ،‬تويف سنة (‪756‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -4‬شيخ اإلسالم عالء الدين خليل بن َك ْي َك ْلدي‪ ،‬أبو سعيد‬
‫العالئي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي‪ ،‬تويف سنة (‪761‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -5‬شرف الدِّ ين أمحد بن الحسن بن عبد ال َّله‪ ،‬أبو العباس المشهور‬
‫بـ «ابن قاضي الجبل»‪ ،‬تويف سنة (‪771‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدرر الكامنة (‪ ،)109-108/3‬المقصد األرشد (‪ ،)82/2‬الجوهر المنضد‬


‫(ص‪ ،)47‬شذرات الذهب (‪ ،)579/8‬تسهيل السابلة (‪ ،)1203/3‬شرح علل‬
‫الترمذي (‪.)259-252/1‬‬
‫‪21‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪22‬‬

‫تالميذه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َول ِ َي ابن رجب تدريس «الحنبلية» ‪ ،‬وويل حلقة شيخه ابن قاضي‬
‫(‪)2‬‬
‫تالميذه‪ ،‬ومِن أشهرهم ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الج َبل‪ ،‬ف َك ُث َر‬
‫َ‬
‫‪ -1‬عيل بن محمد بن عيل بن عباس بن فت َيان‪ ،‬ال َع َالء ال َبعيل ثم‬
‫الدمشقي الحنبيل‪ ،‬ويعرف بـ«ابن ال َّل َّحام»‪ ،‬تويف سنة‬
‫(‪803‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -2‬محب الدِّ ين أمحد بن نصر ال َّله بن أمحد بن محمد بن عمر‪،‬‬
‫أبو الفضل مفتي الديار المصرية‪ ،‬تويف سنة (‪844‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -3‬عبد الرمحن بن محمد بن عبد ال َّله بن محمد الزين‪ ،‬أبو ذر‬
‫المصري الحنبيل‪ ،‬تويف سنة (‪846‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬المدرسة الشريفية الحنبلية‪ :‬بناها شرف اإلسالم عبد الوهاب ابن الشيخ أبي‬
‫الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي ثم الدمشقي‪ ،‬المتوىف سنة (‪536‬هـ)‪ ،‬تقع‬
‫بالقرب من الجامع األموي بدمشق‪ .‬منادمة األطالل ومسامرة الخيال‬
‫(ص‪.)234‬‬
‫(‪ )2‬المقصد األرشد (‪ ،)237/2‬الضوء الالمع (‪،)137-136/4( )234/2‬‬
‫الجوهر المنضد (ص‪ ،)47‬شرح علل الترمذي (‪.)265-261/1‬‬
‫‪23‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪24‬‬

‫مؤ َّلفاته‪:‬‬
‫صنَّف ابن رجب رمحه ال َّله كتبا كثيرة قارب عددها الخمسين‪ ،‬ومِن‬
‫(‪)1‬‬
‫مؤلفاته ‪:‬‬
‫‪ .1‬شرح جامع الترمذي‪.‬‬

‫‪ .2‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.‬‬


‫‪ .3‬جامع العلوم والحكم يف شرح مخسين حديثا من جوامع‬
‫الكلم‪.‬‬
‫‪ .4‬تقرير القواعد وتحرير الفوائد‪.‬‬
‫‪ .5‬لطائف المعارف فيما للموسم من الوظائف‪.‬‬
‫‪ .6‬ذيل طبقات الحنابلة‪.‬‬
‫‪ .7‬كشف الكربة يف وصف حال أهل الغربة‪.‬‬
‫‪ .8‬أهوال القبور‪.‬‬

‫(‪ )1‬المقصد األرشد (‪ ،)82/2‬الجوهر المنضد (ص‪ ،)49‬شذرات الذهب‬


‫(‪ ،)579/8‬السحب الوابلة (‪ ،)476/2‬األعالم (‪ ،)295/3‬تسهيل السابلة‬
‫(‪ ،)1205-1204/3‬شرح علل الترمذي (‪.)270-266/1‬‬
‫‪25‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫‪ .9‬الذل واالنكسار للعزيز الغفار‪.‬‬


‫‪ .10‬استنشاق نسيم األنْس من نفحات رياض ال ُقدس‪.‬‬
‫‪ .11‬شرح حديث‪« :‬اح َف ِ‬
‫ظ ال َّل َه َي ْح َف ْظ َك»‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪ .12‬نزهة األسماع يف مسألة السماع‪.‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪26‬‬

‫وفاته‪:‬‬
‫تويف رمحه ال َّله ليلة االثنين‪ ،‬رابع شهر رمضان‪ ،‬سنة (‪795‬هـ)‬
‫(‪)1‬‬
‫بدمشق ‪.‬‬
‫قال ابن ِ‬
‫الم َبرد‪« :‬قال الشيخ اإلمام العالمة شمس الدِّ ين ابن ناصر‬

‫الدِّ ين ‪ -‬فيما وجدته بخطه ‪ -‬قال‪ :‬حدَّ ثني َمن حفر ْ‬


‫لحد ابن رجب َّ‬
‫أن‬

‫الشيخ زين الدِّ ين بن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام‪ ،‬فقال‪ :‬احفر يل‬
‫ِ‬
‫هاهنا َل ْحدا‪ ،‬وأشار إىل البقعة التي ُدفن فيها‪ ،‬قال‪ :‬فحفرت له‪َّ ،‬‬
‫فلما‬

‫فرغت نزل يف القبر واضطجع فيه فأعجبه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا ج ِّيدٌ ‪ ،‬ثم خرج‪،‬‬

‫قال‪ :‬فوال َّله! ما شعرت بعد أيام َّإال وقد ُأتِي به ميتا محموال يف ن ْعشه‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فوضعته يف ذلك ال َّلحد َ‬
‫وو َار ْي ُته فيه» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدرر الكامنة (‪ ،)109/3‬المقصد األرشد (‪ ،)82/2‬الجوهر المنضد‬


‫(‪ ،)53/1‬السحب الوابلة (‪.)475/2‬‬
‫(‪ )2‬الجوهر المنضد (‪.)52/1‬‬
‫‪27‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫احلَدِيثُ األَوَّلُ‬

‫أب ِن‬ ‫ح أفص ‪ -‬عمر‬ ‫أبِي‬ ‫المؤأ ِمنِين‪،‬‬ ‫أ ِميرِ‬ ‫ع أن‬


‫اب ‪ -‬ر ِضي ال َّله ع أنه قال‪ :‬س ِم أعت رسول ال َّل ِه ﷺ يقول‪« :‬إِنَّام‬ ‫الخ َّط ِ‬

‫ات‪ ،‬وإِنَّام لِكل ا أمرِئ ما نوى‪ ،‬فم أن كان أت ِه أجرته إِلى ال َّل ِه‬ ‫اْل أعامل بِالني ِ‬
‫َّ‬
‫ورسولِ ِه؛ ف ِه أجرته إِلى ال َّل ِه ورسولِ ِه‪ ،‬وم أن كان أت ِه أجرته لِد أنيا ي ِصيبها‪ ،‬أ ِو‬
‫ا أمرأة ي أنكِحها؛ ف ِه أجرته إِلى ما هاجر إِل أي ِه» رواه إِماما المحدثِين‪ :‬أبو ع أب ِد‬
‫ار ُّي‪ ،‬وأبو‬ ‫اهيم أب ِن الم ِغير ِة أب ِن ب أر ِد أزب أه البخ ِ‬
‫ال َّل ِه‪ُ ،‬ممد بن إِسام ِعيل ب ِن إِبر ِ‬
‫أ أ‬ ‫َّ أ أ‬
‫أب ِن م أسلِم القش أيرِ ُّي‬ ‫أبن الح َّجاجِ‬ ‫الحس أي ِن‪ ،‬م أسلِم‬
‫ب‬ ‫حيح أي ِهام ‪ -‬ال َّلذ أي ِن هام أص ُّح الكت ِ‬ ‫ور ُّي ر ِضي ال َّله ع أنهام فِي ص ِ‬
‫النَّ أيساب ِ‬

‫المصنَّف ِة ‪.-‬‬
‫ٍ‬
‫حديث صدَّ ره المصنِّف هو حديث عمر بن الخطاب رضي‬ ‫َّأول‬
‫ومسلم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والترمذي‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ال َّله عنه‪ ،‬وهذا الحديث رواه البخاري‬
‫(‪)1‬‬
‫والنسائي‪ ،‬وابن ماج ْه‪ ،‬واإلمام أمحد ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬باب بدْ ء الوحي‪ ،‬كيف كان بدْ ء الوحي إىل رسول ال َّله ﷺ؟‬
‫رقم (‪ ،)1‬ومسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب قوله ﷺ‪« :‬إِن ََّما األَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِة»‪ ،‬وأنَّه‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪28‬‬

‫أصل من أصول هذا الدين؛ وهو‪ :‬إصالح النِّ َّية ل َّله‬


‫وهذا الحديث ٌ‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وجعل بعض العلماء هذا الحديث ُمصدَّ را يف ِّأول ك ُتبِهم؛ إيماء‬ ‫َ‬
‫العلم أو غيره‪.‬‬ ‫منهم بأمهية إصالح النية ل َّله؛ سواء يف طلب ِ‬

‫حديث َو َضعه يف «صحيحه»‪ :‬حديث عمر‬ ‫ٍ‬ ‫فالبخاري رمحه ال َّله َّأول‬
‫ات»‪ ،‬والحافظ‬‫بن الخطاب رضي ال َّله عنه‪« :‬إِنَّما األَ ْعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الم ِ‬
‫وضعه هذا‬
‫حديث َ‬ ‫قدسي رمحه ال َّله يف «العمدة يف األحكام»‪َّ :‬أول‬ ‫َ‬

‫َيدخل فيه الغزو وغيره من األعمال‪ ،‬رقم (‪ ،)1907‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الطالق‪،‬‬
‫باب فيما عني به الطالق والنيات‪ ،‬رقم (‪ ،)2201‬والترمذي‪ ،‬أبواب فضائل‬
‫الجهاد عن رسول ال َّله ﷺ‪ ،‬باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا‪ ،‬رقم‬
‫(‪ ،)1647‬والنسائي‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب النِّ َّية يف الوضوء‪ ،‬رقم (‪ ،)75‬وابن‬
‫ماج ْه‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب النِّ َّية‪ ،‬رقم (‪ ،)4227‬وأمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪،)170‬‬
‫البخاري وابن ماجه‪« :‬بِالنِّ َّي ِة»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ولفظهم سوى‬
‫(‪ )1‬هو‪ :‬تقي الدين َأ ُبو ُم َح َّمد َع ْبد الغني بن عبد الواحد بن عيل ْبن سرور ْبن رافع ْبن‬
‫المقدسي‪ُ ،‬ولد سنة (‪541‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪600‬هـ)‪ .‬ذيل‬ ‫ييل‬ ‫حسن بن جع َفر الجم ِ‬
‫اع‬
‫ّ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫طبقات الحنابلة البن رجب (‪.)1/3‬‬
‫‪29‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫الحديث‪« :‬إِن ََّما األَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِة»‪ ،‬وكذا النووي رمحه ال َّله هنا‪َّ :‬أول‬
‫بعضهم‪« :‬ينبغي لكل‬ ‫ات»؛ بل حتى قال ُ‬ ‫حديث‪« :‬إِنَّما األَ ْعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫مصنِّف أن يضع هذا الحديث يف َصدْ ر مصنَّفه» ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عبادة؛ يتضاعف الثواب؛‬ ‫وجل يف ِّ‬
‫كل‬ ‫عز َّ‬ ‫فالعبد إذا َأصلح النية ل َّله َّ‬
‫ف ل ِ َم ْن َي َشا ُء﴾ [البقرة‪ ،]261 :‬قال ابن‬ ‫قال سبحانه‪﴿ :‬وال َّله ي َض ِ‬
‫اع ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عمله» ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كثير رمحه ال َّله ‪« :‬أي‪ :‬بحسب إخالصه يف‬
‫رأيت الناس َي ُصفون يف المسجد للصالة؛ فت َبا ُين أجورهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫بح َسب إخالص كل ٍّ‬
‫مصل‪.‬‬ ‫وارتفاعها‪ ،‬وإعظامها‪ ،‬ومضاعفتها عند ال َّله؛ َ‬
‫فإذا قيل‪ :‬ما الذي ُي َص ِّفي النِّ َّية؟‬
‫ربه بأن يرزقه اإلخالص؛ قال شيخ‬
‫نقول‪ :‬الدعاء؛ يدعو الشخص َّ‬

‫هدي رمحه ال َّله‪ .‬شرح األربعين النوو َّية البن َدقِيق‬


‫ممن قاله‪ :‬عبد الرمحن بن َم ّ‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫العيد (ص‪.)25‬‬
‫الشافعى‪ُ ،‬ولد‬ ‫البصري‬ ‫كثير‬ ‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو ِ‬
‫الفدَ اء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المذهب البن الملقن (‪.)428‬‬
‫َّ‬ ‫سنة (‪700‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪774‬هـ)‪ .‬العقد‬
‫(‪ )3‬تفسير ابن كثير (‪.)693/1‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪30‬‬

‫(‪)1‬‬
‫اإلسالم ‪« :‬وكان أكثر دعاء عمر بن الخطاب‪ :‬ال َّلهم اجعل عميل كله‬
‫(‪)2‬‬ ‫ٍ‬
‫ألحد فيه شيئا» ‪.‬‬ ‫صالحا‪ ،‬واجعله لوجهك خالصا‪ ،‬وال َتجعل‬
‫فيقول المسلِم مثال‪ :‬ال َّلهم إنِّي أسألك اإلخالص يف القول‬
‫والعمل‪.‬‬
‫﴿و َما ُأمِ ُروا‬
‫وال َّله عز وجل قال عن اليهود والنصارى والمشركين‪َ :‬‬
‫إِ َّال ل ِ َي ْع ُبدُ وا ال َّل َه ُم ْخلِ ِصي َن َل ُه الدِّ ي َن﴾ [البينة‪َ ،]5 :‬فلِفساد دينهم؛ مل ُيثابوا عىل‬
‫ما َعملوه من األعمال‪ ،‬وإال فال َّله عز وجل َأخبر عن الكفار بأهنم ُينفقون‬
‫و ُيجاهدون‪ ،‬لكن مل ُيق َبل ذلك العمل؛ ألهنم مشركون؛ قال ال َّله عز‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وجل‪﴿ :‬و َال ي َزا ُل َ ِ‬
‫اس َت َطا ُعوا﴾‬ ‫ون ُي َقات ُلو َن ُك ْم َحتَّى َي ُردوك ُْم َع ْن دين ُك ْم إِن ْ‬ ‫َ َ‬
‫[البقرة‪ ،]217 :‬فال َّله َأخبر أنَّهم يقاتِلون‪ ،‬وقال سبحانه‪﴿ :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن َك َف ُروا‬
‫فأخبر بأنَّهم ُينفقون؛ بل قد‬ ‫ون َأ ْم َوا َل ُه ْم ل ِ َي ُصدوا َع ْن َسبِي ِل ال َّل ِه﴾ َ‬
‫ُين ِْف ُق َ‬
‫يكون َب ْذ ُل الكافر أكثر من َب ْذل المسلِم‪َ ﴿ ،‬ف َس ُين ِْف ُقون ََها ُث َّم َت ُك ُ‬
‫ون َع َل ْي ِه ْم‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬أمحد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد ال َّله بن أبي القاسم بن الخضر بن‬
‫الحنبيل‪ُ ،‬ولد سنة (‪661‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة‬
‫ّ‬ ‫الدمشقي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحراينّ‪ُ ،‬ث َّم‬
‫محمد ابن تيمية َّ‬
‫ٍ‬
‫رجب (‪.)491/4‬‬ ‫(‪728‬هـ)‪ .‬ذيل طبقات الحنابلة البن‬
‫(‪ )2‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)334/1‬‬
‫‪31‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫َح ْس َرة﴾ [األنفال‪ ،]36 :‬لكن ال ُيثاب عليها؛ بل حسرة؛ ألجل أنه مل َيعمل‬
‫هبذا الحديث؛ وهو إخالص النِّ َّية والقصد ل َّله سبحانه يف اعتقاده‬
‫وأعماله‪.‬‬
‫﴿و َما َمنَ َع ُه ْم َأ ْن ُت ْق َب َل مِن ُْه ْم َن َف َقا ُت ُه ْم‬ ‫عز َّ‬
‫وجل عن المنافقين‪َ :‬‬ ‫وقال َّ‬
‫إِ َّال َأن َُّه ْم َك َف ُروا بِال َّل ِه َوبِ َر ُسول ِ ِه﴾ [التوبة‪ ،]54 :‬فهم ُينفقون‪ ،‬لكن لسوء‬
‫ن َّيتهم؛ مل ُتقبل‪.‬‬
‫الص َال ِة َقا ُموا ك َُسا َلى‬
‫﴿وإِ َذا َقا ُموا إِ َلى َّ‬ ‫عز َّ‬
‫وجل أيضا عنهم‪َ :‬‬ ‫وقال َّ‬
‫ون ال َّل َه إِ َّال َقلِيال﴾ [النساء‪]142 :‬؛ فعندهم صالةٌ‪،‬‬
‫َّاس َو َال َي ْذك ُُر َ‬ ‫ُي َرا ُء َ‬
‫ون الن َ‬
‫كر‪ ،‬لكنَّها ما نَفعتهم؛ لعدم صالح النِّية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعندهم ذ ٌ‬
‫ومما ُيصلِح النِّية مع الدعاء ‪ -‬بإذن ال َّله ‪ :-‬اإلكثار من ذكر ال َّله؛‬ ‫َّ‬
‫فذكْر ال َّله عالمة اإليمان‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ومدْ ح الناس ما َينفع‪ ،‬وذمهم إن كنت عىل طريق َس ِو ٍّي – أيضا ‪ -‬ال‬
‫يضر؛ وإنَّما تراقب ال َّله عز وجل فيما تقول و َت َذر‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫(إِنَّام اْل أعامل بِالني ِ‬
‫رواية‪« :‬بالن ِ َّية» ؛ يعني‪ :‬إنما ُي َثاب‬
‫ٍ‬ ‫ات)‪ ،‬ويف‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األيمان والنذور‪ ،‬باب الن َّية يف األيمان‪ ،‬رقم (‪،)6689‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪32‬‬

‫الرجل عىل أعماله بالنِّ َّية الصالحة‪ ،‬أو ال ُيثاب بالنِّية الفاسدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذه قاعد ٌة عظيم ٌة‪( :‬وإِنَّام لِكل ا أمرِئ ما نوى)؛ يعني‪ :‬اعمل ما َ‬
‫شئت‬

‫فال َّله م َّط ٌ‬


‫لع عىل قلبك‪ ،‬عىل قدْ ر نيتك؛ تثاب أو تعا َقب‪.‬‬

‫رأيت أهل األرض مجيعهم َيعملون؛ فالنَّفس َم ْج ُبول ٌة عىل ِّ‬


‫حب‬ ‫وإذا َ‬
‫رجال كافرا يحب اإلحسان للضعفاء‬
‫العمل الصالح‪ ،‬حتى ولو كان ُ‬
‫واأليتام ونحو ذلك؛ لكن يأيت الشيطان ف ُيفسد عليه النِّ َّية‪.‬‬
‫(فم أن كان أت ِه أجرته إِلى ال َّل ِه ورسولِ ِه‪ ،‬ف ِه أجرته إِلى ال َّل ِه ورسولِ ِه)؛‬

‫يعني‪ :‬فمن كانت هجرته إىل ال َّله ورسوله؛ ف ُيع َطى من الثواب ما َ‬
‫قصدَ ه‬
‫ِ‬
‫اْلول‪.‬‬ ‫من هجرته إىل ال َّله ورسوله؛ هذا يف الطاعة‪ .‬هذا القسم َّ‬
‫(وم أن كان أت ِه أجرته لِد أنيا ي ِصيبها)؛ هذا ِ‬
‫القسم الثَّان‪ :‬النِّ َّية قد تكون‬
‫فيه مباحة‪ ،‬أو فاسدة؛ إذا كانت الدنيا مباحة؛ ال ُيؤجر الشخص عىل هذا‬
‫المباح‪.‬‬
‫(أ ِو ا أمرأة ي أنكِحها‪ ،‬ف ِه أجرته إِلى ما هاجر إِل أي ِه) مباح كذلك‪ ،‬فإذا كان‬

‫اب َق ْول ِ ِه ﷺ‪« :‬إِن ََّما األَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِة»‪ ،‬وأنه يدخل فيه الغزو‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪َ ،‬ب ُ‬
‫وغيره من األعمال‪ ،‬رقم (‪.)1907‬‬
‫‪33‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫قصده لدنيا ونحو ذلك؛ فال ُيثاب عىل ذلك‪.‬‬


‫اهيم‬ ‫(رواه إِماما المحدثِين‪ :‬أبو عب ِد ال َّل ِه‪ُ ،‬ممد بن إِسام ِعيل ب ِن إِبر ِ‬
‫أ أ‬ ‫َّ أ أ‬ ‫أ‬
‫ار ُّي‪ ،‬وأبو الحس أي ِن‪ ،‬م أسلِم أبن الح َّجاجِ أب ِن‬ ‫أب ِن الم ِغير ِة أب ِن ب أر ِد أزب أه البخ ِ‬

‫حيح أي ِهام ‪ -‬ا َّللذ أي ِن‬ ‫ور ُّي ر ِضي ال َّله ع أنهام فِي ص ِ‬
‫م أسلِم القش أيرِ ُّي النَّ أيساب ِ‬

‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ومسلم(‪ )1‬تلميذ‬‫ٌ‬ ‫ب المصنَّف ِة ‪)-‬‬ ‫هام أص ُّح الكت ِ‬

‫***‬

‫النيسابوري‪ُ ،‬ولد سنة‬


‫ّ‬ ‫القشيري‬
‫ّ‬ ‫)‪ (1‬هو‪ :‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج‬
‫(‪204‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪261‬هـ)‪ .‬تذكرة الحفاظ للذهبي (‪.)125/2‬‬
‫الجعفي‬
‫ّ‬ ‫)‪ (2‬هو‪ :‬أبو عبد ال َّله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزب ْه‬
‫البخاري‪ُ ،‬ولد سنة (‪194‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪ .)256‬تذكرة الحفاظ للذهبي‬
‫ّ‬ ‫موالهم‬
‫(‪.)104/2‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪34‬‬

‫احلَدِيثُ الثَّانِي‬

‫ع أن عمر ر ِضي ال َّله ع أنه ‪ -‬أ أيضا ‪ -‬قال‪« :‬ب أينام ن أحن ِع أند‬
‫اب‪ ،‬ش ِديد‬
‫اض الثي ِ‬ ‫ول ال َّل ِه ﷺ ذات ي أوم‪ ،‬إِ أذ طلع عل أينا رج ٌل‪ ،‬ش ِديد بي ِ‬
‫رس ِ‬

‫السفرِ‪ ،‬وَل ي أعرِفه ِمنَّا أح ٌد‪ ،‬ح َّتى جلس إِلى‬ ‫ِ‬
‫الش أعرِ‪َ ،‬ل يرى عل أيه أثر َّ‬
‫سو ِ‬
‫اد َّ‬
‫خذ أي ِه‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬
‫النَّبِي ﷺ‪ ،‬فأسند ر أكبتي ِه إِلى ر أكبتي ِه‪ ،‬ووضع ك َّفي ِه على ف ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ُم َّمد!‬
‫سالمِ؟‬ ‫أ أخبِ أرنِي ع ِن ِ‬
‫ال أ‬
‫سالم‪ :‬أنأ ت أشهد أن َل إِله إِ ََّل ال َّله وأ َّن ُم َّمدا‬ ‫فقال رسول ال َّل ِه ﷺ‪ِ :‬‬
‫ال أ‬
‫الصالة‪ ،‬وتؤأ تِي الزَّكاة‪ ،‬وتصوم رمضان‪ ،‬وتح َّج الب أيت‬ ‫ِ ِ‬
‫رسول ال َّله‪ ،‬وتقيم َّ‬
‫ج أبنا له‪ ،‬ي أسأله ويصدقه ‪.-‬‬ ‫ستط أعت إِل أي ِه سبِيال‪ ،‬قال‪ :‬صد أقت ‪ -‬فع ِ‬ ‫إِ ِن ا أ‬
‫قال‪ :‬فأ أخبِ أرنِي ع ِن ِ‬
‫اليام ِن؟‬
‫قال‪ :‬أنأ تؤأ ِمن بِال َّل ِه‪ ،‬ومالئِكتِ ِه‪ ،‬وكتبِ ِه‪ ،‬ورسلِ ِه‪ ،‬والي أو ِم ِ‬
‫اآلخرِ‪،‬‬
‫وتؤأ ِمن بِالقد ِر خ أيرِ ِه وشر ِه‪ ،‬قال‪ :‬صد أقت‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأ أخبِ أرنِي ع ِن ِ‬
‫ال أحس ِ‬
‫ان؟‬
‫قال‪ :‬أنأ ت أعبد ال َّله كأنَّك تراه‪ ،‬فإِنأ ل أم تك أن تراه فإِنَّه يراك‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫الساع ِة؟‬ ‫ِ‬


‫قال‪ :‬فأ أخبِ أرني ع ِن َّ‬
‫السائِ ِل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬ما الم أسؤول ع أنها بِأ أعلم من َّ‬
‫قال‪ :‬فأ أخبِ أرنِي ع أن أماراتِها؟‬
‫الش ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أنأ تلِد اْلمة ربَّتها‪ ،‬وأنأ ترى الحفاة العراة العالة ِرعاء َّ‬
‫يتطاولون فِي الب أني ِ‬
‫ان‪.‬‬
‫السائِل؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬ث َّم ا أنطلق فلبِ أثت مل ّيا‪ ،‬ث َّم قال لي‪ :‬يا عمر! أت أد ِري م ِن َّ‬
‫ق ألت‪ :‬ال َّله ورسوله أ أعلم‪ ،‬قال‪ :‬فإِنَّه ِج أبرِيل أتاك أم يعلمك أم ِدينك أم» رواه‬
‫م أسلِ ٌم‪.‬‬

‫كان الصحابة رضي ال َّله عنهم كثيرا ما َيجلسون إىل ِّ‬


‫النبي ﷺ؛‬

‫ليتع َّلموا أ ْمر دينهم‪ ،‬فوا َفق جلوس َ‬


‫عمر هذه الحادثة؛ وهي نزول جبريل‬
‫للنبي عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫عليه السالم ِّ‬
‫الحديث اْلول‪« :‬إِنَّما األَ ْعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫ات»؛ يعني‪ :‬الشخص ي ُثاب أو‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُيعاقب عىل قدْ ر ن َّيته؛ هذا ٌ‬
‫أصل من أصول الدين‪.‬‬
‫الحديث الثان ‪ -‬هذا ‪ -‬وهو‪ :‬تقرير أص ٍل من أصول الدين؛ وهو‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪36‬‬

‫مرتبة اإلسالم واإليمان واإلحسان؛ لذلك قال الخ َّطابِي(‪« :)1‬هذا‬


‫شمل مجيع أمور الدين»(‪.)2‬‬ ‫الحديث َ‬
‫قال‪( :‬ع أن عمر ر ِضي ال َّله ع أنه ‪ -‬أ أيضا ‪ -‬قال‪« :‬ب أينام ن أحن ِع أند‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ)؛ يعني‪ :‬عمر بن الخطاب رضي ال َّله عنه يحكي هذه‬ ‫رس ِ‬

‫قعت؛ ألنَّها و َق ْ‬
‫عت غرابتها يف أمرين‪:‬‬ ‫القصة التي َو ْ‬
‫اْلول‪ :‬يف كيف َّية حدوثها‪.‬‬
‫اْلمر َّ‬
‫اْلمر الثان‪ :‬غرابتها يف شمولها؛ فأتت بأصول هذا الدين‪.‬‬
‫بش ٍر‪ ،‬وتتغ َّير‬ ‫فغرابتها من ناحية ما كان فيها؛ م َل ٌك َي َّ‬
‫تصور يف صورة َ‬
‫أحواله تماما‪ ،‬ليس عليه َو ْع َثاء السفر(‪ ،)3‬وال غبار وال نحوه‪ ،‬ثم يأيت‬
‫يسأل عن أصول الدين‪ ،‬ويقول‪( :‬صد أقت)‪.‬‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ)؛ هذا يدل عىل ْ‬
‫فضل‬ ‫لذلك قال‪( :‬ب أينام ن أحن ِع أند رس ِ‬

‫البستي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الخطابي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬هو‪ :‬أبو سليمان محد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب‪،‬‬
‫الشافعي‪ُ ،‬ولد سنة (‪319‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪388‬هـ)‪ .‬طبقات الفقهاء الشافعية البن‬
‫ّ‬
‫الصالح (‪.)467/1‬‬

‫(‪ )2‬معامل السنن للخ َّط ّ‬


‫ابي (‪.)321/4‬‬
‫)‪ (3‬أي‪ :‬مش َّقته‪ .‬الصحاح للجوهري (‪.)296/1‬‬
‫‪37‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫بعلمه‪ ،‬فكان النبي ﷺ‬ ‫الزمين للنبي ﷺ ينتفعون ِ‬


‫الصحابة؛ حيث كانوا ُم ِ‬
‫ِّ‬
‫بارزا للصحابة؛ هذا يسأله‪ ،‬وهذا يقضي حاجته‪ ،‬وهذا َيستمع ل ِ َما يقول‪،‬‬
‫ِ‬

‫وهذا ينظر لعبادته‪ ،‬وهكذا‪.‬‬


‫ول ال َّل ِه ﷺ)؛ هذا يدل أيضا‪ :‬عىل أنَّه ينبغي‬
‫قال‪( :‬ب أينام ن أحن ِع أند رس ِ‬

‫العلم أن َيجلس للناس؛ للتعليم واإلرشاد واإلفتاء‬ ‫للداعي وطالب ِ‬

‫وهكذا‪ ،‬ال يكون ُمت ََرهبِنا يف بيته أو يف عمله ونحو ذلك؛ وإنَّما َيجلس‬
‫النبي ﷺ ‪ -‬يف صحيح‬ ‫ِّ‬ ‫للناس و ُيع ِّلمهم بما عنده من ِع ٍ‬
‫لم؛ ولقول‬
‫(‪)1‬‬
‫«ب ِّل ُغوا َعنِّي َو َل ْو آ َية»‪.‬‬
‫البخاري ‪َ :-‬‬
‫قال‪( :‬ذات ي أوم)؛ هذا يدل عىل كثرة جلوسهم عند رسول ال َّله ﷺ؛‬
‫يعني‪ :‬نجلس كثيرا؛ لكن يف إحدى مرات الجلوس‪( :‬إِ أذ طلع عل أينا‬
‫رج ٌل)؛ يعني‪ :‬أتى وأقبل علينا رجل‪.‬‬
‫السفر‪.‬‬
‫اب)؛ يعني‪ :‬ثيابه بيضاء ما عليها َدنَس َّ‬ ‫(ش ِديد بي ِ‬
‫اض الثي ِ‬

‫دليل ‪ -‬بالنسبة للثياب ‪ :-‬أنه َينبغي لمن يريد أن ُيقابِل أهل‬


‫وفيه ٌ‬

‫(‪ )1‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب ما ُذكِر عن بني إسرائيل‪ ،‬رقم (‪ ،)3461‬من‬
‫حديث عبد ال َّله بن ٍ‬
‫عمرو رضي ال َّله عنهما‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪38‬‬

‫الرجل ‪ -‬الذي هو جبريل عليه‬ ‫ِ‬


‫العلم والفضل‪ :‬أن يتز َّين يف لباسه؛ فهذا ُ‬
‫بثياب ح ٍ‬
‫سنة‪ ،‬وشعره حس ٌن؛‬ ‫ٍ َ‬ ‫قابله‬
‫النبي ﷺ َ‬
‫لما أراد أن يقابل َّ‬ ‫السالم ‪َّ -‬‬
‫ويتجمل إذا أراد أن يقابل أهل الفضل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وهكذا اإلنسان يتن َّظف‬
‫(ش ِديد سو ِ‬
‫غبار‪ ،‬ومع ذلك‪َ( :‬ل يرى‬ ‫الش أعرِ)؛ يعني‪ :‬ما عىل شعره ٌ‬
‫اد َّ‬
‫السفرِ)؛ يعني‪ :‬ليس بمسافر‪ ،‬ومن عادة المسافر أن تت َِّسخ ثيابه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عل أيه أثر َّ‬
‫وأن ي َت َب ْع َثر شعره‪.‬‬
‫ِ‬
‫غريب ال نَعرفه‪ ،‬ليس من أهل‬
‫ٌ‬ ‫(وَل ي أعرِفه منَّا أح ٌد) هذا ُ‬
‫رج ٌل‬
‫المدينة حتى يكون هبذا المظهر الج ِّيد‪ ،‬وإذا كان مسافرا ليست عليه‬
‫ب الصحابة رضي ال َّله عنهم من هذا‪.‬‬ ‫صفات السفر؛ فلذلك ِ‬
‫عج َ‬
‫فتعجب الصحابة ألمرين‪:‬‬
‫َّ‬
‫بمقيم عندنا‪ ،‬ومع يقينِنَا بأنَّه ليس‬
‫ٍ‬ ‫اْلمر اْلول‪ :‬أنَّنا ما نَعرفه؛ ليس‬
‫مسافر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مقيما عندنا؛ تخ َّيلنا أنه‬
‫اْلمر الثان‪ :‬ما عليه أثر السفر‪.‬‬
‫فتعجب الصحابة رضي ال َّله عنهم من حاله‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫كيف يكون ذلك؟!‬
‫السفرِ‪ ،‬وَل ي أعرِفه ِمنَّا أح ٌد)؛ يعني‪ :‬قالوا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ( :‬ل يرى عل أيه أثر َّ‬
‫مسافر؟ ال؛ ما عليه أثر السفر‪ ،‬مقيم يف المدينة؟ ال‪ ،‬ليس مقيما؛ ما نَعرفه‬
‫ٌ‬
‫‪39‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫وال َيعرفه منا أحدٌ ‪.‬‬


‫لما أتى‪( :‬ش ِديد بي ِ‬
‫اض‬ ‫وصف جبريل عليه السالم َّ‬ ‫وهكذا يف ْ‬
‫مال‪ ،‬فال تأيت‬ ‫الش أعرِ)؛ يعني‪ :‬المالئكة فيهم َج ٌ‬ ‫اب‪ ،‬ش ِديد سو ِ‬
‫اد َّ‬ ‫الثي ِ‬
‫ٍ‬
‫قبيحة‪ ،‬فهم َخ ْلق مجيل؛ كما يف قوله‪َ ﴿ :‬ما َه َذا َب َشرا إِ ْن َه َذا إِ َّال‬ ‫ٍ‬
‫بصورة‬
‫متقر ٌر يف أذهاهنم َج َمال المالئكة‪.‬‬ ‫يم﴾ [يوسف‪]31 :‬؛ ألنَّه ِّ‬‫َم َل ٌك ك َِر ٌ‬
‫والعكس‪ُ :‬قبح الشياطين؛ كما قال سبحانه عن شجرة َّ‬
‫الزقوم‪:‬‬
‫ين﴾ [الصافات‪]65 :‬؛ ُم ِ‬
‫فز َع ٌة قبِ َ‬
‫يح ٌة‪.‬‬ ‫الش َياطِ ِ‬ ‫﴿ َط ْل ُع َها ك ََأ َّن ُه ُر ُء ُ‬
‫وس َّ‬
‫ٍ‬
‫صورة‪ ،‬وهو يف غير‬ ‫فجبريل عليه السالم إذا ن ََزل؛ يأيت يف ْأب َهى‬
‫صورته الحقيق َّية‪.‬‬
‫الرجل الغريب جلسة المتأ ِّدب المتع ِّلم؛ قال‪( :‬ح َّتى‬
‫وج َلس هذا ُ‬
‫َ‬
‫جلس إِلى النَّبِي ﷺ)؛ يعني‪َ :‬ج َلس جبريل عليه السالم أمام ِّ‬
‫النبي ﷺ‪،‬‬
‫وهذا من أ َد ِ‬
‫ب المتع ِّلم؛ َيجلس أمام من يريد أن يسأله‪ ،‬ال يأيت يسأله من‬
‫الجانب؛ بل َيجلس أمامه ‪ -‬إذا كان جالسا ‪ ،-‬ويسأله‪ :‬ما ُحكم كذا‬
‫وكذا؟ وهكذا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ؛‬ ‫سند ر أكبت أيه إِلى ر أكبت أيه)‪ :‬أسند ُرك َبتيه إىل ُرك َب َتي ِّ‬
‫قال‪( :‬فأ أ‬
‫خذ أي ِه)‪:‬‬
‫مثل‪ :‬جلسة التشهد‪ ،‬ج َلس ج ْلسة المتع ِّلم‪( ،‬ووضع ك َّفي ِه على ف ِ‬
‫أ‬ ‫َ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪40‬‬

‫ِ‬
‫َو َضع جبريل عليه السالم يديه عىل َفخ َذ ِي ِّ‬
‫النبي ﷺ‪.‬‬
‫غريب ومع ذلك متع ِّل ٌم متأ ِّد ٌب!‬
‫ٌ‬ ‫رج ٌل‬
‫ُ‬
‫النبي ﷺ‬
‫جالس أمام ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وهذا يدل عىل التأدب مع أهل الفضل؛ فهو‬
‫ج ْلسة المتأ ِّدب يف عدَّ ة ٍ‬
‫أمور‪:‬‬
‫النبي ﷺ؛ وإنَّما َجلس بكل ٍ‬
‫أدب‪،‬‬ ‫اْلول‪ :‬مل َيرفع صوته عىل ِّ‬
‫اْلمر َّ‬
‫(وقال‪ :‬يا ُم َّمد!)‪.‬‬
‫اْلمر الثان‪ :‬ج ْلسة التأدب؛ حيث َجلس ج ْلسة التشهد‪ ،‬وهذه غاية‬
‫العلم والفضل‪.‬‬ ‫األدب والتعظيم ألهل ِ‬
‫َ‬
‫النبي ﷺ؛ مبالغة يف‬ ‫اْلمر الثالث‪ :‬و َضع يديه عىل ِ‬
‫فخ َذي‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫العلم‪ ،‬والتلطف مع َمن ُيع ِّلم‪ ،‬وهكذا ينبغي‬ ‫وأخ ِذ ِ‬
‫اإلنصات‪ ،‬واأل َدب‪ْ ،‬‬
‫العلم أن يكون مع من ُي َع ِّلمه‪.‬‬ ‫لطالب ِ‬
‫ٍ‬
‫عرف‬‫عظيم‪ ،‬ويسأل عن أحكا ٍم عظيمة‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫ٌ‬ ‫الرجل متأ ِّد ٌب‬
‫وهذا ُ‬
‫تعجب الصحابة من هذا الموقف؛ َمن الرجل؟! وما‬ ‫الرجل؛ لذلك َّ‬ ‫هذا ُ‬
‫صفة الحدث‪ ،‬ومِ َّما يتكلم به؛ حتى قال‬
‫ِ‬ ‫هذه األسئلة؟! وحال الحدث‪،‬‬
‫ب مع‬ ‫السائِل؟)؛ الصحابة يف َج َل ٍل َ‬
‫وخ ْط ٍ‬ ‫النبي ﷺ‪( :‬يا عمر! أت أد ِري م ِن َّ‬
‫هذا الحدث الكبير‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫أن جبريل عليه السالم ف َعل ذلك بأمر ال َّله سبحانه ‪ -‬كما‬
‫والمراد‪َّ :‬‬
‫سيأيت ‪-‬؛ ليتع َّلم الناس أمور الدين‪ ،‬فأتى جبريل هبذه األسئلة العظيمة؛‬
‫ليعرف الصحابة هذه المراتب العظيمة بأركاهنا‪.‬‬
‫النبي ﷺ عنها ‪ -‬إسالم‪ ،‬إيمان‪،‬‬
‫فأتى جبريل عليه السالم فسأل َّ‬
‫ٍ‬
‫واحد؛ كما قال عليه الصالة‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫إحسان‪ ،‬وعالمات الساعة ‪ -‬يف‬
‫والسالم‪( :‬فإِنَّه ِج أبرِيل أتاك أم يعلمك أم ِدينك أم)‪.‬‬
‫رج ٌل‬
‫سالمِ؟)؛ يعني‪ :‬ع ِّلمني اإلسالم‪ ،‬هذا ُ‬ ‫فقال‪( :‬أ أخبِ أرنِي ع ِن ِ‬
‫ال أ‬
‫النبي ﷺ ما هو اإلسالم؟ يعني‪ :‬أخبرين عن مراتب الدين‪.‬‬
‫يسأل َّ‬
‫سالم) كأنَّه يقول‪ :‬المرتبة األُوىل هي‬ ‫(فقال رسول ال َّله ﷺ‪ِ :‬‬
‫ال أ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫وهو‪( :‬أنأ ت أشهد أ ََّل إِله إِ ََّل ال َّله وأ َّن ُم َّمدا رسول ال َّله‪ ،‬وتقيم َّ‬
‫الصالة‪،‬‬
‫ستط أعت إِل أي ِه سبِيال)‪،‬‬
‫وتؤأ تي الزَّكاة‪ ،‬وتصوم رمضان‪ ،‬وتح َّج الب أيت إِ ِن ا أ‬
‫ِ‬
‫فال يكون الشخص مسلِما إال إذا أدى هذه األركان‪ ،‬وال يتم إسالم ٍ‬
‫عبد‬ ‫َّ‬
‫يتم له إسالمه‪،‬‬ ‫الخمسة‪ ،‬وإذا َّ‬
‫اختل شيء منها؛ مل َّ‬ ‫ْ‬ ‫إال إذا أتى هبذه األركان‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪42‬‬

‫وهذه أصل الدين‪ ،‬وسبق لكم بيان هذه األركان(‪.)1‬‬

‫(قال‪ :‬صد أقت) ُ‬


‫رجل ال أحد َيعرفه‪ ،‬ويسأل هذا السؤال العظيم‪،‬‬
‫للنبي ﷺ‪( :‬صد أقت)؛ يعني‪ :‬كأنَّه َيعرف هذا الجواب من قبل‪.‬‬
‫فيقول ِّ‬
‫ج أبنا له)‪ِ :‬‬
‫فعجب الصحابة من هذا الفعل؛ (ي أسأله ويصدقه)‪.‬‬ ‫(فع ِ‬

‫كأن يقول‪ :‬ما اسم هذا؟ يقول‪ :‬حس ٌن‪ ،‬فيقول‪ :‬صدقت؛ يعني‪َّ :‬‬
‫كأن‬
‫عنده ِعلما‪.‬‬
‫َّ‬
‫فكأن عنده خبرا‪.‬‬ ‫ما اسم هذه السيارة؟ كذا‪ ،‬صدقت؛‬
‫لم‬ ‫ِ‬
‫ما اسم زوجة فالن؟ اسمها فاطمة‪ ،‬صدقت؛ فمعناه عنده ع ٌ‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫فعجب الصحابة؛ يعني‪ :‬كيف يقول له‪( :‬صد أقت)‪ ،‬وهو ُي ْظ ِهر أنَّه‬ ‫ِ‬

‫لم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ال َيعلم؟!؛ فاستغرب الصحابة؛ يسأل وهو عنده ع ٌ‬
‫اليام ِن؟)؛ يعني‪ :‬ما هي أركان اإليمان؟‬ ‫(قال‪ :‬فأ أخبِ أرنِي ع ِن ِ‬
‫(قال‪ :‬أنأ تؤأ ِمن بِال َّل ِه‪ ،‬ومالئِكتِ ِه‪ ،‬وكتبِ ِه‪ ،‬ورسلِ ِه‪ ،‬والي أو ِم ِ‬
‫اآلخرِ‪،‬‬

‫(‪ )1‬شرح ثالثة األصول وأدلتها (ص‪.)70‬‬


‫‪43‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫وتؤأ ِمن بِالقد ِر خ أيرِ ِه وشر ِه‪ ،‬قال‪ :‬صد أقت) وسبق لكم تفصيل ذلك(‪.)1‬‬
‫(أنأ تؤأ ِمن بِال َّل ِه)؛ هذا أصل األركان؛ سواء أركان اإليمان أو‬
‫ٍ‬
‫شخص يف هذا الدين إال‬ ‫اإلسالم أو اإلحسان‪ ،‬وال َيتِم دخول‬

‫به ‪ -‬اإليمان بال َّله ‪ ،-‬وهذا أصل األصول – اإليمان بال َّله ‪ ،-‬و َّ‬
‫يتفرع‬
‫عليه مجيع الفروع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والش ِّر يف قوله‪( :‬وتؤأ من بِالقد ِر خ أيرِه وشره)‪َّ :‬‬
‫فسرهتا‬ ‫والمراد بالخير َّ‬
‫ٍ‬
‫سعادة‪ ،‬أو ما فيه من‬ ‫لو ِه َو ُم ِّره»(‪)2‬؛ يعني‪ :‬ما فيه من‬
‫«ح ِ‬
‫اللفظة الثانية‪ُ :‬‬
‫ٍ‬
‫شقاء‪.‬‬
‫أمراض ‪ -‬هذا يف الشر ‪.-‬‬ ‫ٍ‬ ‫زق‪ ،‬أو ما فيه من‬ ‫مثل‪ :‬الر ٍ‬
‫ِّ‬
‫(قال‪ :‬فأ أخبِ أرنِي ع ِن ِ‬
‫ال أحس ِ‬
‫ان؟ قال‪ :‬أنأ ت أعبد ال َّله كأنَّك تراه) هذه‬
‫درجتَي اإلحسان‪.‬‬ ‫الدرجة ا ُ‬
‫ألوىل من َ‬
‫قال‪( :‬فإِنأ ل أم تك أن تراه فإِنَّه يراك)؛ يعني‪ :‬إذا مل تكن تراه أنت؛‬

‫(‪ )1‬شرح ثالثة األصول وأدلتها (ص‪.)82‬‬


‫اإل ْسالم‪،‬‬ ‫اإليمان‪ِ ،‬ذكْر ِ‬
‫اإل ْخ َبار عن َو ْصف ِ‬ ‫اب َفرض ِ‬
‫َ‬ ‫(‪ )2‬رواه ابن ح َّبان‪َ ،‬ب ُ ْ‬
‫كر جوام ِع شعبهما‪ ،‬رقم (‪ ،)168‬من حديث عمر بن الخطاب رضي‬ ‫واإليمان بِ ِذ ِ‬
‫ِ‬

‫ال َّله عنه‪.‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪44‬‬

‫أن ال َّله سبحانه يراك‪.‬‬ ‫ِ‬


‫واستحضر َّ‬ ‫ِ‬
‫فاستشعر‬
‫الساع ِة؟ قال‪ :‬ما الم أسؤول ع أنها بِأ أعلم ِمن‬ ‫ِ‬
‫(قال‪ :‬فأ أخبِ أرني ع ِن َّ‬
‫السائِ ِل)؛ يعني‪ :‬الرسول ﷺ يقول‪ :‬أنا المسؤول وأنت السائل‪ ،‬وما‬ ‫َّ‬
‫المسؤول الذي هو أنا بأعلم من السائل الذي هو أنت‪ ،‬فأنت ما َتعرف‬
‫الجواب‪ ،‬وأنا أيضا ما َأعرف الجواب‪ ،‬فأنا وأنت يف الجهل هبا سوا ٌء‪.‬‬
‫محجوب حتى عن‬
‫ٌ‬ ‫أن جبريل ما َيعرفها؛ فأ ْمر الساعة‬ ‫َّ‬
‫فدل عىل َّ‬
‫المالئكة‪ ،‬فهذا خير المالئكة‪ ،‬وهذا خير الرسل؛ كالمها ال يعرف متى‬
‫اها ُق ْل إِن ََّما ِع ْل ُم َها‬ ‫السا َع ِة َأ َّي َ‬
‫ان ُم ْر َس َ‬ ‫الساعة‪ ،‬قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ي ْس َأ ُلون ََك َع ِن َّ‬
‫ض َال َت ْأتِي ُك ْم‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ِعنْدَ ربي َال يج ِّليها لِو ْقتِها إِ َّال ُهو َث ُق َل ْت فِي السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ َ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫إِ َّال ب ْغتَة﴾ [األعراف‪]187 :‬؛ ِ‬
‫فع ْلم الساعة ال َيعرفه إال ال َّله سبحانه‪ ،‬حتى مل‬ ‫َ‬
‫إن الدقيقة القادمة المستق َب َلة؛ حتى المالئكة ما‬ ‫ُيطلِعه عىل المالئكة؛ بل َّ‬
‫يعرفوهنا؛ قال سبحانه‪ُ ﴿ :‬ق ْل َال يع َلم من فِي السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬
‫ب‬‫ض ال َغ ْي َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َْ ُ َ ْ‬
‫إِ َّال ال َّل ُه﴾ [النمل‪]65 :‬؛ يعني‪َ :‬بعد دقيقة ماذا سيحدث؟ ال يعرفون؛ قال‬
‫ب َف َال ُي ْظ ِه ُر َع َلى َغ ْيبِ ِه َأ َحدا * إِ َّال َم ِن ْار َت َضى مِ ْن‬
‫سبحانه‪َ ﴿ :‬عال ِ ُم ا ْل َغ ْي ِ‬

‫البخاري‬
‫ِّ‬ ‫ول﴾ [الجن‪]27-26 :‬؛ لذلك النبي ﷺ ‪ -‬يف صحيح‬ ‫رس ٍ‬
‫َ ُ‬
‫‪45‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫الكهان‪ ،‬قال‪َ « :‬ل ْي ُسوا بِ َش ْي ٍء»‪ ،‬المالئكة ال‬


‫َّ‬ ‫ٍ (‪)1‬‬
‫ومسلم ‪َّ -‬‬
‫لما ُسئل عن‬
‫ِ‬
‫سيعرف الكاهن؟!‬ ‫يعرفون؛ فكيف‬
‫(قال‪ :‬فأ أخبِ أرنِي ع أن أماراتِها؟) هذا من ْ‬
‫فضل ال َّله عز وجل أنه َّ‬
‫لما‬
‫أخفى عىل العباد الساعة؛ جعل لها عالمات؛ ليستعدوا ألمر الساعة‪.‬‬
‫(قال‪ :‬أنأ تلِد اْلمة ربَّتها)؛ يعني‪ :‬األمة تلد س ِّيدَ ها؛ والمعنى‪ :‬أن‬
‫األمة تلد لس ِّيدها ولدا‪ ،‬فيكون الولد كأنه س ِّيد لها؛ ألنه ُح ٌّر كأبيه‪ ،‬أما هي‬
‫فال تزال َأمة‪ ،‬وهذا إخبار عن كثرة ِ‬
‫اإل َماء وأوالده َّن‪ ،‬وهذا من انقالب‬ ‫َ‬
‫األحوال‪.‬‬
‫(و) من أشراط الساعة‪( :‬أنأ ترى الحفاة)؛ يعني‪ :‬الذين ليس عىل‬
‫أرجلهم نِ ٌ‬
‫عال‪( ،‬العراة) الذين ال ثياب تسترهم‪( ،‬العالة) الفقراء‪ِ ( ،‬رعاء‬
‫الش َياه‪ ،‬وذكر َر ْع َي ِّ‬
‫الشياه؛ ألن أفقر الناس هم أهل‬ ‫الش ِ‬
‫اء)؛ يعني‪ :‬رعاة ِّ‬ ‫َّ‬
‫الشا ِء هم أقل‬ ‫الش َياه‪ ،‬أفقر من أهل البقر‪ ،‬وأفقر من أهل اإلبل‪ِ ،‬‬
‫فر َعاء َّ‬ ‫ِّ‬
‫الناس حاال‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بشيء‪ ،‬وهو ينوي أنه‬ ‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب قول الرجل للشيء‪ :‬ليس‬
‫ليس بحق‪ ،‬رقم (‪ ،)6213‬ومسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب تحريم الكهانة وإتيان‬
‫الكهان‪ ،‬رقم (‪ ،)2228‬من حديث عائشة رضي ال َّله عنها‪.‬‬
‫َّ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪46‬‬

‫والذ َّلة ‪( -‬يتطاولون فِي الب أني ِ‬


‫ان) كل‬ ‫َأن ترى من هذا حالهم ‪ -‬الفقر ِّ‬
‫ٍ‬
‫واحد يقول‪ :‬أنا ُبن َياين وعماريت أطول من عمارتك‪ ،‬وعماريت أمجل من‬
‫عمارتك‪ ،‬وعنده ال َغنم أو كان ِ‬
‫راع َي َغنَم؛ هذا من أمارات الساعة‪.‬‬
‫ظهرت؛ فكم من راعي َغ ٍ‬
‫نم َيملك‬ ‫ْ‬ ‫وهذه األمارة ال شك أنَّها‬
‫ٍ‬
‫شاهقة؛ بل يتنافسون بالبنيان‪ ،‬يقول‪ :‬أنا عماريت أطول من‬ ‫ٍ‬
‫عمارات‬
‫الرجل وهكذا‪.‬‬
‫عمارتك‪ ،‬وأطول من عمارة هذا ُ‬
‫فلما انتهى هذا الحديث والحوار‬
‫انتهى اآلن من أمارات الساعة‪َّ ،‬‬
‫النبي ﷺ وبين جبريل عليه السالم؛ (قال‪ :‬ث َّم ا أنطلق)؛ يعني‪َ :‬ذهب‬ ‫بين ِّ‬
‫متعجبا من هذه الحال‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫هذا الرجل‪( ،‬فلبِ أثت ملِ ّيا)؛ يعني‪ :‬جلست طويال‬
‫السائِل؟) وهذا يدل عىل َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫(ث َّم قال) النبي ﷺ (لي‪ :‬يا عمر! أت أد ِري م ِن َّ‬
‫يرة‪ ،‬وال ترد ٍد‪ ،‬وال‬
‫شف ٌق عىل أمته‪ ،‬ال يجعلهم يف ح ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫رفيق م ِ‬
‫النبي ﷺ ٌ ُ‬‫َّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إشكال؛ بل يخبرهم ِّ‬
‫بكل‬
‫(ق ألت‪ :‬ال َّله ورسوله أ أعلم) وهذا يدل عىل َّ‬
‫أن دين اإلسالم‪ :‬دين‬
‫أسرار؛ يأيت يسأل عالنية ُثم َيذهب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫غموض‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫الوضوح؛ ما فيه‬
‫و ُيخبرهم َمن هذا؛ فالنبي ﷺ أخبرهم‪( :‬قال‪ :‬فإِنَّه ِج أبرِيل أتاك أم) بأمر‬
‫ٌ‬
‫إحسان‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫إيمان‪،‬‬ ‫ال َّله (يعلمك أم ِدينك أم)؛ يعني‪ :‬أصول الدين؛ إسال ٌم‪،‬‬
‫‪47‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫و َيدخل يف ذلك أشراط الساعة‪.‬‬


‫وهذا يدُ لك عىل أمهية هذه األصول؛ فجبريل عليه السالم نَزل من‬
‫الناس هبا؛ ألمهيتها‪ ،‬وعليها مدار‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ؛ ل ُي َع ِّلم‬
‫السماء بأمر ال َّله إىل ِّ‬
‫الدِّ ين‪.‬‬
‫أصل من أصول الدين؛ قال ابن َدقِيق‬
‫ٌ‬ ‫وهذا الحديث‬
‫وأئمة الخ َلف‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫أن َمن صدَّ ق هبذه‬ ‫َّ‬ ‫السلف‬‫العيد رمحه ال َّله‪« :‬مذهب َّ‬
‫األمور تصديقا جازما ال ريب فيه وال تردد؛ كان مؤمِنا حقا»‬
‫ّ (‪)1‬‬

‫وقصة جبريل هذه ‪ -‬يف تمثلِه ُ‬


‫برج ٍل ‪ -‬قد َيستدل هبا بعض الناس‬

‫رج ٍل آخر‪ ،‬مثل ُ‬


‫رجل يقول‪ :‬أنا‬ ‫عىل جواز تمثيل الشخص لشخصية ُ‬
‫رج ٍل آخر ‪ -‬ويستدل هبذا الحديث‪ ،‬ومثل‬ ‫فالن ‪ -‬يتم َّثل بشخصية ُ‬
‫شخص َيخرج يقول‪ :‬أنا ال ُف َضيل بن ِعياض(‪ ،)2‬ماذا تقول يا ابن‬

‫(‪ )1‬شرح األربعين النووية البن دقيق ِ‬


‫العيد (ص‪.)42‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو عيل الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي‪ُ ،‬ولد سنة‬
‫للذهبي (‪ ،)421/8‬طبقات‬
‫ّ‬ ‫(‪105‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪187‬هـ)‪ .‬سير أعالم النبالء‬
‫للسيوطي (‪.)110/1‬‬
‫ّ‬ ‫الحفاظ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪48‬‬

‫المس ّيب(‪)1‬؟ فيتحاورون بينهما‪.‬‬


‫نوع من الكذب‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ال؛ هذا ٌ‬
‫فلو قال‪ :‬هذا الحديث فيه تمثيل جبريل‪َ ،‬ت َم َّثل يف صورة ُ‬
‫رجل!‬

‫نقول‪ :‬هذا ال َّله عز وجل هو الذي غ َّير صورته إىل صورة ُ‬


‫رجلٍ؛‬
‫ٍ‬
‫عظيمة‪ ،‬أ َّما أنت فلم ُي َغ ِّيرك ال َّله ومل يأمرك هبذا التغيير؛ بل هو من‬ ‫ٍ‬
‫لحكمة‬
‫البصري(‪ - )2‬مثال ‪-‬؛ هذا‬
‫ّ‬ ‫أنواع الكذب! تقول‪ :‬أنا ال ُف َضيل‪ ،‬أو َ‬
‫الحسن‬
‫ميت‪ ،‬لست أنت ال ُف َضيل وال‬
‫ميت‪ ،‬وال ُف َضيل ٌ‬
‫كذب! الحسن البصري ٌ‬
‫ٌ‬
‫الحسن؛ وإنَّما أنت ٌ‬
‫فالن!‬
‫شخص بشخصية غيره؛ وإنَّما يقول‪ :‬قال‬
‫ٌ‬ ‫فال يجوز إذا أن َيتم َّثل‬
‫الحسن البصري‪ ،‬وقال ال ُف َضيل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬أبو محمد سعيد بن المسيب ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ‬
‫المخزومي‪ُ .‬ولد (سنة ‪15‬هـ)‪ ،‬وتو ّفي‬
‫ّ‬ ‫القرشي‬
‫ّ‬ ‫بن عمران ابن مخزوم بن يقظة‪،‬‬
‫للذهبي (‪.)217/4‬‬
‫ّ‬ ‫سنة (‪94‬هـ)‪ .‬سير أعالم النبالء‬
‫البصري‪ُ ،‬ولد لسنتين بقيتا من‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار‬
‫خالفة عمر رضي ال َّله عنه؛ يعني سنة (‪21‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪110‬هـ)‪ .‬سير أعالم‬
‫النبالء للذهبي (‪.)563/4‬‬
‫‪49‬‬ ‫مقرر األسبوع األول‬

‫احلَدِيثُ الثَّالِثُ‬

‫الر أحم ِن‪ ،‬ع أب ِد ال َّل ِه أب ِن عمر أب ِن‬ ‫َّ‬ ‫ع أن أبِي ع أب ِد‬
‫اب ر ِضي ال َّله ع أنهام قال‪ :‬س ِم أعت رسول ال َّل ِه ﷺ يقول‪« :‬بنِي‬ ‫الخ َّط ِ‬

‫سالم على خ أمس‪ :‬شهاد ِة أن َل إِله إِ ََّل ال َّله وأ َّن ُم َّمدا ع أبده ورسوله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ال أ‬
‫ت‪ ،‬وص أو ِم رمضان» رواه‬ ‫اء الزَّك ِاة‪ ،‬وحج البي ِ‬ ‫وإِقا ِم الصال ِة‪ ،‬وإِيت ِ‬
‫أ‬ ‫َّ‬
‫ار ُّي‪ ،‬وم أسلِ ٌم‪.‬‬
‫البخ ِ‬

‫مما يدور عليه الدين؛ وهو أركان اإلسالم‪.‬‬ ‫وهذا الحديث َّ‬
‫سالم على خ أمس) ومجيع هذه األركان مردها عىل الجزء‬ ‫ال أ‬‫(بنِي ِ‬

‫األول من الركن األول وهو‪( :‬شهاد ِة أن َل إِله إِ ََّل ال َّله)‪.‬‬ ‫َّ‬


‫قال‪( :‬شهاد ِة أن َل إِله إِ ََّل ال َّله وأ َّن ُم َّمدا ع أبده ورسوله‪ ،‬وإِقا ِم‬
‫ت‪ ،‬وص أو ِم رمضان) فالحج‪ ،‬والصوم‪،‬‬ ‫اء الزَّك ِاة‪ ،‬وحج البي ِ‬
‫الصال ِة‪ ،‬وإِيت ِ‬
‫أ‬ ‫َّ‬
‫محمدا رسول ال َّله؛ مردها إىل أن تشهد أن‬ ‫والزكاة‪ ،‬والصالة‪ ،‬وشهادة َّ‬
‫أن َّ‬
‫َال إله َّإال ال َّله‪.‬‬
‫***‬

You might also like