Professional Documents
Culture Documents
المدرسة اإلسالمية
( المدخل اإلسالمي)
تمهيد
يمثل المدل المنهجي االسالمي اإلطار المرجعي و التصوري للظواهر الكونية والمجتمعية فهو يمثل بناء
منهجي قائم بذاته ،فهو يفوق العقل من حيث نظرته الشمولية لألشياء و الوقائع االجتماعية وكيفية حدوثها
وفهمها و تفسيرها و ضبطها و التحكم فيها و التنبؤ بقوانينها و نواميسها ،كيف ال و هو منهج مطلق من
الخالق عز وجل ،و عليه تقوم المدرسة اإلسالمية على مجموعة من المسلمات و الحقائق المطلقة .
_1العقيدة اإلسالمية :
ما هو اإلنسان ؟
اإلنسان هو هذا الكائن الحي المنتصب القامة البادي البشرة ،ذو العقل و التفكير و األخالق الفاضلة و
العواطف الجياشة و اإلحساسات الصادقة و المنطق السليم و الكالم الفصيح المبين ،إبتدأ هللا خلقه من
طين ،ثم جعل ذريته من ساللة من ماء مهين ،إذ خلق آدم من طين بيديه ،ونفخ فيه من روحه وخلق
منه زوجه حواء ،و علمه األسماء و أسجد له مالئكة السماء ،فسجدوا كلهم أجمعون ،إال إبليس أبى أن
يكون من الساجدين ،و نهاه من األكل من الشجرة فنسي ن فأكل منها فعصى و غوى فاهبط إلى األرض
خليفة فيها بعدما تاب وأناب إلى هللا تعالى ،ليعمل فيها و يكفر عن عصيانه هلل تعالى .
فاإلنسان بفطرته ال يملك ان يستقر في هذا الكون الهائل بال رباط فال بد له من عقيدة تفسر له ما
حوله من الحقائق الضخمة ،و تفسر له مكانه فيما حوله ،وعليه فهناك عالقة تالزمية وثيقة بين طبيعة
هذا التصور االعتقادي و طبيعة النظام االجتماعي ،فالنظام االجتماعي هو نوع من التفسير الشامل لهذا
الوجود ،ولمركز اإلنسان فيه ووظيفته وغايته.
2ــ الشخصية اإلنسانية :
إن الشخصية االنسانية وحدة واحدة في طبيعتها وكينونتها ،ال تتناسق خطواتها إال حين يحكمها منهج
واحد منبثق من أصل واحد هو خالقها .
3ــ اإلسالم :
نقصد هنا باإلسالم دين وشريعة ( القرآن و السنة) فهو األصل األول و األساس الذي يشكل دليال
حركيا و ميثاقا عمليا لإلنسان .فاإلسالم كدين و كمنهج يتميز بالشمولية فهو يسعى إلخضاع الجماعات
البشرية إلى نظام واحد و االرتفاع عن مستوى التناقضات الساللية والعرقية و القومية و كل االشكال
العصبية << يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند
هللا أتقاكم>....
و االسالم كدين يتميز بالتنوع و التعدد في العادات و التقاليد و األعراف بل إنه يعتبرها من مصادره
التشريعية < خذ العو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين > كما تتعدد األجناس و اللهجات و القوميات
ولكن ذلك في إطار عقيدة واحدة .
4ــ وحدة الخلق:
يتكون اإلنسان في اإلسالم من أربعة عناصر الروح و الجسم و العقل و النفس ،ولهذا يشترك االنسان مع
الكائنات األخرى في حاجاته كالطعام و الشراب و المأوى و الجنس و يختلف عن الكائنات األخرى
كالحيوان في حاجاته كاإليمان و التفكير و حرية االختيار ،و غيرها من حاجات الروح و العقل و النفس
و التي تميزه عن الحيوان و سائر الكائنات األخرى.
5ــ ميزة التفرد :
فالبشر جميعا صدروا من أصل واحد متميز بكل خصائص اإلنسان التي نعرفها ،فاإلنسان موهوب
بجملة من القوى كاالستعدادات و الدوافع و المهارات ،مما يناسب وظيفته في الحياة ( الخالفة) وهذا
يفسر أيضا أن اإلنسان محدودا و ليس كال مطلقا ،فهناك أمور ال يستطيع عقل اإلنسان إدراكها إدراك
ماهية أو حتى إدراك كيفية ،و إنما يسلم بها تسليما .
6ــ اإلنسان اجتماعي بالطبع:
ــ فالمجتمع حقيقة جوهرية وضرورة فطرية لإلنسان فهو ال يستطيع إشباع حاجاته أو استعداداته أو ميوله
أو رغباته بطريقة مالئمة إال من خالله المجتمع ،كما أنه ال يستطيع العيش في عزلة .
ــ فاألسرة :هي اساس تكوين المجتمع ؛ فالعالقة بين الرجل و المرأة هي أولى العالقات المجتمعية
وأساسها و ستظل كذلك ما دامت المجتمعات قائمة .
ــ فالظواهر االجتماعية :من خالل عالقات االفراد و تفاعلهم المستمر تنشأ الظواهر المجتمعية التي
تؤدي وظائف معينة في المجتمع وذلك لتأكيد بنائه و تدعيمه و تثبيته ،وذلك عندما يسير وفق الفطرة
اإلنسانية السليمة و السوية ،وإما لزعزعته و تدميره و ذلك عندما تنحرف عن الفطرة السليمة.
ــ فالتنظيمات االجتماعية العائلية والتربوية و التعليمية و السياسية و االقتصادية و القانونية
والعسكرية ...هي خاصة من الخواص اإلنسانية ،وهي من صميم فطرة اإلنسان لم تنشأها الطبيعة بما فيها
من وسائل إنتاج.
ــ التغير أالجتماعي :المستمر إال أنه محكوم بقوانين ،و أن هذه القوانين ليست آلية و ال عضوية و ال
ميكانيكية ،و إنما هي قوانين ذات طبيعة خاصة ،فهي إرادة اإلنسان و قدرة هللا ،وال يحمل هذا التغير
بالضرورة فكرة التقدم ،فاإلنسان مجبول على الحركة لتغيير البيئة المحيطة به المادية و المجتمعية ،
وذلك وفق الحقيقة الكونية العامة ،التي تشير إلى الحركة الدائمة لألشياء وعدم ثباتها على حالها.
و تقوم حياة االنسان االجتماعية على الثنائيات ،حيث يسير التكامل و التفكك و التماسك و التشتت
على المستويات الشخصية و الجماعية جنبا إلى جنب ،وسوف يستمران كذلك طالما استمرت الحياة
االجتماعية ،حيث يمتلك المجتمع ميكانزمات القدرة على التوافق و إعادة التوافق ،وبناء ذاته و إعادة
بنائها على مدى التاريخ ،وذلك وفق قاعدتي التدافع و التعاون .
ــ الهدى و الظالل :وهي العودة إلى الطبيعة الحقيقية و الفطر الصحيحة و هي اإلسالم و سيدرك ذلك
اإلنسان سواء بعقله أو عن طريق الوحي .
وهي تتشكل من جملة من المبادئ و المسلمات المسلمة للبحث و مجاالته ،و المحددة لطبيعة المعرفة
اإلنسانية و هذه الحقائق و المسلمات هي :
أــ أن الكون حادث و محدثه هو هللا سبحانه و تعالى ،فهو لم يأتي بالصدفة و لم يخلق نفسه بنفسه .
ب ــ أن االنسان و المجتمعات اإلنسانية هي أجزاء من هذا الكون .
ج ــ أن الكون نظاما وأن هذا النظام ال يتضمن وجود نواميس فحسب ،بل كذلك االنسجام بين هذه
النواميس ،وهي تنفذ بقدر خاص وطليق من كل جبرية آلية أو حتمية طبيعية أو تاريخية أو اجتماعية أو
اقتصادية ،وعليه فإن هذا النظام ال يعني أن تحدث الظواهر الكونية حتما وباستمرار على الصورة التي
تحدث بها في الحاضر .
د ــ تختلف النواميس المجتمعية عن سائر النواميس الكونية خاصة في ما تتضمنه من أحكام القيمة و
حرية اإلرادة .
ه ــ لإلنسان القدرة على اكتشاف النواميس التي تحكم نظام الكون ،بما فيها النواميس االجتماعية و ذلك
عن طريق البحث العلمي .
و ــ يتميز اإلنسان بقدرة فطرية تدفعه ( استعدادا فطريا ) لحب اإلطالع يقول بشارات علي < جاء القران
الكريم ليؤكد أنه ال يمكن أن يوجد المجتمع أو توجد ثقافة أو يكتب لها البقاء ،أو حتى نستطيع فهمها بدون
معرفة >
ن ــ يختلف المجتمع اإلنساني من حيث مادته وظواهره عن مادة وظواهر بقية أجزاء الكون األخرى ،
وهذا االختالف له عالقة كبيرة بالمنهج و كذا بأسلوب البحث وأدواته .
و ــ أن مصادر المعرفة اإلنسانية هي الوحي و التجربة القائمة على المشاهدة فمجاالت العلم التي يمكن
لإلنسان البحث فيها ،بكفاءاته العقلية وحدها هي كل المخلوقات من جماد ونبات و حيوان وإنسان ،أي
الكون وما يحتويه في جانبه المحسوس أي عالم الشهادة ،أما الوحي فهو عالم الغيب الذي ال يدرك إال من
خالل الوحي ،وهو علم هللا الحقيقي ـ علم القلوب ــ وذلك باالعتماد على االعتقاد مثل بدء الخلق ونهايته
وماهيات األشياء و الكائنات و السنن االجتماعية .
يقول السيد قطب رحمه هللا <:إن أي محاولة لتفسير نواميس الحياة االجتماعية بعيدا عن مشيئة هللا وقدره
،إنما هي محاولة ضالة و مضللة >.
2ــ مراحل التحليل :
وهي تلك الخطوات الكبرى التي يسير عليها الفكر في انتقاء و تنظيم المعطيات التي تتناولها الحياة
المجتمعية ،و المنحى الذي يسلكه هذا الفكر لتبني هذه المعطيات وربطها ب بعضها ،وهذه المراحل هي:
ا ــ تحديد المنطلقات التصورية العقدية للمجتمع في كليته .
ب ــ القيام بمسح اجتماعي للمجتمع ،أي نظمه ؛ االجتماعية و االقتصادية و السياسية و القانونية.......و
تحديد االرتباطات فيما بينها وربطها بالمنطلقات التصورية العقدية من جهة أخرى ،وال يتم ذلك إال من
خالل مشاهدة الظواهر مباشرة .
ج ــ تحديد الظاهرة من حيث طبيعتها و انتشارها ووظيفتها و اآلثار المترتبة عليها ،نشأتها و سبب
وجودها .
د ــ مقارنة الظاهرة بغيرها من الظواهر المرتبطة بها في المجتمع نفسه و في غيره من المجتمعات .
ه ــ عرض الظاهرة المدروسة على القرآن و السنة لتحديد إن كانت من الظواهر السليمة أو المرضية ،
فما من شيء ضار لإلنسان و الحياة اإلنسانية و المجتمعية إال و حذر منه اإلسالم وما من خير إال و دل
عليه .