You are on page 1of 6

‫المحاضرة الرابعة‬

‫المدرسة اإلسالمية‬
‫( المدخل اإلسالمي)‬
‫تمهيد‬
‫يمثل المدل المنهجي االسالمي اإلطار المرجعي و التصوري للظواهر الكونية والمجتمعية فهو يمثل بناء‬
‫منهجي قائم بذاته ‪ ،‬فهو يفوق العقل من حيث نظرته الشمولية لألشياء و الوقائع االجتماعية وكيفية حدوثها‬
‫وفهمها و تفسيرها و ضبطها و التحكم فيها و التنبؤ بقوانينها و نواميسها ‪ ،‬كيف ال و هو منهج مطلق من‬
‫الخالق عز وجل ‪ ،‬و عليه تقوم المدرسة اإلسالمية على مجموعة من المسلمات و الحقائق المطلقة ‪.‬‬
‫‪ _1‬العقيدة اإلسالمية ‪:‬‬

‫ما هو اإلنسان ؟‬
‫اإلنسان هو هذا الكائن الحي المنتصب القامة البادي البشرة ‪ ،‬ذو العقل و التفكير و األخالق الفاضلة و‬
‫العواطف الجياشة و اإلحساسات الصادقة و المنطق السليم و الكالم الفصيح المبين ‪ ،‬إبتدأ هللا خلقه من‬
‫طين ‪ ،‬ثم جعل ذريته من ساللة من ماء مهين ‪ ،‬إذ خلق آدم من طين بيديه ‪ ،‬ونفخ فيه من روحه وخلق‬
‫منه زوجه حواء ‪ ،‬و علمه األسماء و أسجد له مالئكة السماء ‪ ،‬فسجدوا كلهم أجمعون ‪ ،‬إال إبليس أبى أن‬
‫يكون من الساجدين ‪ ،‬و نهاه من األكل من الشجرة فنسي ن فأكل منها فعصى و غوى فاهبط إلى األرض‬
‫خليفة فيها بعدما تاب وأناب إلى هللا تعالى ‪ ،‬ليعمل فيها و يكفر عن عصيانه هلل تعالى ‪.‬‬
‫فاإلنسان بفطرته ال يملك ان يستقر في هذا الكون الهائل بال رباط فال بد له من عقيدة تفسر له ما‬
‫حوله من الحقائق الضخمة ‪ ،‬و تفسر له مكانه فيما حوله ‪ ،‬وعليه فهناك عالقة تالزمية وثيقة بين طبيعة‬
‫هذا التصور االعتقادي و طبيعة النظام االجتماعي ‪ ،‬فالنظام االجتماعي هو نوع من التفسير الشامل لهذا‬
‫الوجود ‪ ،‬ولمركز اإلنسان فيه ووظيفته وغايته‪.‬‬
‫‪2‬ــ الشخصية اإلنسانية ‪:‬‬
‫إن الشخصية االنسانية وحدة واحدة في طبيعتها وكينونتها ‪ ،‬ال تتناسق خطواتها إال حين يحكمها منهج‬
‫واحد منبثق من أصل واحد هو خالقها ‪.‬‬
‫‪3‬ــ اإلسالم ‪:‬‬

‫نقصد هنا باإلسالم دين وشريعة ( القرآن و السنة) فهو األصل األول و األساس الذي يشكل دليال‬
‫حركيا و ميثاقا عمليا لإلنسان ‪ .‬فاإلسالم كدين و كمنهج يتميز بالشمولية فهو يسعى إلخضاع الجماعات‬
‫البشرية إلى نظام واحد و االرتفاع عن مستوى التناقضات الساللية والعرقية و القومية و كل االشكال‬
‫العصبية << يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند‬
‫هللا أتقاكم‪>....‬‬
‫و االسالم كدين يتميز بالتنوع و التعدد في العادات و التقاليد و األعراف بل إنه يعتبرها من مصادره‬
‫التشريعية < خذ العو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين > كما تتعدد األجناس و اللهجات و القوميات‬
‫ولكن ذلك في إطار عقيدة واحدة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ وحدة الخلق‪:‬‬

‫يتكون اإلنسان في اإلسالم من أربعة عناصر الروح و الجسم و العقل و النفس ‪ ،‬ولهذا يشترك االنسان مع‬
‫الكائنات األخرى في حاجاته كالطعام و الشراب و المأوى و الجنس و يختلف عن الكائنات األخرى‬
‫كالحيوان في حاجاته كاإليمان و التفكير و حرية االختيار ‪ ،‬و غيرها من حاجات الروح و العقل و النفس‬
‫و التي تميزه عن الحيوان و سائر الكائنات األخرى‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ ميزة التفرد ‪:‬‬
‫فالبشر جميعا صدروا من أصل واحد متميز بكل خصائص اإلنسان التي نعرفها ‪ ،‬فاإلنسان موهوب‬
‫بجملة من القوى كاالستعدادات و الدوافع و المهارات ‪ ،‬مما يناسب وظيفته في الحياة ( الخالفة) وهذا‬
‫يفسر أيضا أن اإلنسان محدودا و ليس كال مطلقا ‪ ،‬فهناك أمور ال يستطيع عقل اإلنسان إدراكها إدراك‬
‫ماهية أو حتى إدراك كيفية ‪ ،‬و إنما يسلم بها تسليما ‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ اإلنسان اجتماعي بالطبع‪:‬‬
‫ــ فالمجتمع حقيقة جوهرية وضرورة فطرية لإلنسان فهو ال يستطيع إشباع حاجاته أو استعداداته أو ميوله‬
‫أو رغباته بطريقة مالئمة إال من خالله المجتمع ‪ ،‬كما أنه ال يستطيع العيش في عزلة ‪.‬‬
‫ــ فاألسرة ‪ :‬هي اساس تكوين المجتمع ؛ فالعالقة بين الرجل و المرأة هي أولى العالقات المجتمعية‬
‫وأساسها و ستظل كذلك ما دامت المجتمعات قائمة ‪.‬‬
‫ــ فالظواهر االجتماعية ‪ :‬من خالل عالقات االفراد و تفاعلهم المستمر تنشأ الظواهر المجتمعية التي‬
‫تؤدي وظائف معينة في المجتمع وذلك لتأكيد بنائه و تدعيمه و تثبيته ‪ ،‬وذلك عندما يسير وفق الفطرة‬
‫اإلنسانية السليمة و السوية ‪ ،‬وإما لزعزعته و تدميره و ذلك عندما تنحرف عن الفطرة السليمة‪.‬‬
‫ــ فالتنظيمات االجتماعية العائلية والتربوية و التعليمية و السياسية و االقتصادية و القانونية‬
‫والعسكرية‪ ...‬هي خاصة من الخواص اإلنسانية ‪ ،‬وهي من صميم فطرة اإلنسان لم تنشأها الطبيعة بما فيها‬
‫من وسائل إنتاج‪.‬‬
‫ــ التغير أالجتماعي ‪ :‬المستمر إال أنه محكوم بقوانين ‪ ،‬و أن هذه القوانين ليست آلية و ال عضوية و ال‬
‫ميكانيكية ‪ ،‬و إنما هي قوانين ذات طبيعة خاصة ‪ ،‬فهي إرادة اإلنسان و قدرة هللا ‪ ،‬وال يحمل هذا التغير‬
‫بالضرورة فكرة التقدم ‪ ،‬فاإلنسان مجبول على الحركة لتغيير البيئة المحيطة به المادية و المجتمعية ‪،‬‬
‫وذلك وفق الحقيقة الكونية العامة ‪ ،‬التي تشير إلى الحركة الدائمة لألشياء وعدم ثباتها على حالها‪.‬‬
‫و تقوم حياة االنسان االجتماعية على الثنائيات ‪ ،‬حيث يسير التكامل و التفكك و التماسك و التشتت‬
‫على المستويات الشخصية و الجماعية جنبا إلى جنب ‪ ،‬وسوف يستمران كذلك طالما استمرت الحياة‬
‫االجتماعية ‪ ،‬حيث يمتلك المجتمع ميكانزمات القدرة على التوافق و إعادة التوافق ‪ ،‬وبناء ذاته و إعادة‬
‫بنائها على مدى التاريخ ‪ ،‬وذلك وفق قاعدتي التدافع و التعاون ‪.‬‬
‫ــ الهدى و الظالل ‪ :‬وهي العودة إلى الطبيعة الحقيقية و الفطر الصحيحة و هي اإلسالم و سيدرك ذلك‬
‫اإلنسان سواء بعقله أو عن طريق الوحي ‪.‬‬

‫ثانياــ البناء المنهجي ‪:‬‬


‫يحتوي البناء المنهجي على مجموعة من العناصر هي ‪:‬‬
‫‪ _ 1‬القواعد المنهجية االسترشادية ‪:‬‬

‫وهي تتشكل من جملة من المبادئ و المسلمات المسلمة للبحث و مجاالته ‪ ،‬و المحددة لطبيعة المعرفة‬
‫اإلنسانية و هذه الحقائق و المسلمات هي ‪:‬‬
‫أــ أن الكون حادث و محدثه هو هللا سبحانه و تعالى ‪ ،‬فهو لم يأتي بالصدفة و لم يخلق نفسه بنفسه ‪.‬‬
‫ب ــ أن االنسان و المجتمعات اإلنسانية هي أجزاء من هذا الكون ‪.‬‬
‫ج ــ أن الكون نظاما وأن هذا النظام ال يتضمن وجود نواميس فحسب ‪ ،‬بل كذلك االنسجام بين هذه‬
‫النواميس ‪ ،‬وهي تنفذ بقدر خاص وطليق من كل جبرية آلية أو حتمية طبيعية أو تاريخية أو اجتماعية أو‬
‫اقتصادية ‪ ،‬وعليه فإن هذا النظام ال يعني أن تحدث الظواهر الكونية حتما وباستمرار على الصورة التي‬
‫تحدث بها في الحاضر ‪.‬‬
‫د ــ تختلف النواميس المجتمعية عن سائر النواميس الكونية خاصة في ما تتضمنه من أحكام القيمة و‬
‫حرية اإلرادة ‪.‬‬
‫ه ــ لإلنسان القدرة على اكتشاف النواميس التي تحكم نظام الكون ‪ ،‬بما فيها النواميس االجتماعية و ذلك‬
‫عن طريق البحث العلمي ‪.‬‬
‫و ــ يتميز اإلنسان بقدرة فطرية تدفعه ( استعدادا فطريا ) لحب اإلطالع يقول بشارات علي < جاء القران‬
‫الكريم ليؤكد أنه ال يمكن أن يوجد المجتمع أو توجد ثقافة أو يكتب لها البقاء ‪ ،‬أو حتى نستطيع فهمها بدون‬
‫معرفة >‬
‫ن ــ يختلف المجتمع اإلنساني من حيث مادته وظواهره عن مادة وظواهر بقية أجزاء الكون األخرى ‪،‬‬
‫وهذا االختالف له عالقة كبيرة بالمنهج و كذا بأسلوب البحث وأدواته ‪.‬‬
‫و ــ أن مصادر المعرفة اإلنسانية هي الوحي و التجربة القائمة على المشاهدة فمجاالت العلم التي يمكن‬
‫لإلنسان البحث فيها ‪ ،‬بكفاءاته العقلية وحدها هي كل المخلوقات من جماد ونبات و حيوان وإنسان ‪ ،‬أي‬
‫الكون وما يحتويه في جانبه المحسوس أي عالم الشهادة ‪ ،‬أما الوحي فهو عالم الغيب الذي ال يدرك إال من‬
‫خالل الوحي ‪ ،‬وهو علم هللا الحقيقي ـ علم القلوب ــ وذلك باالعتماد على االعتقاد مثل بدء الخلق ونهايته‬
‫وماهيات األشياء و الكائنات و السنن االجتماعية ‪.‬‬
‫يقول السيد قطب رحمه هللا ‪ <:‬إن أي محاولة لتفسير نواميس الحياة االجتماعية بعيدا عن مشيئة هللا وقدره‬
‫‪ ،‬إنما هي محاولة ضالة و مضللة >‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ مراحل التحليل ‪:‬‬

‫وهي تلك الخطوات الكبرى التي يسير عليها الفكر في انتقاء و تنظيم المعطيات التي تتناولها الحياة‬
‫المجتمعية ‪ ،‬و المنحى الذي يسلكه هذا الفكر لتبني هذه المعطيات وربطها ب بعضها ‪ ،‬وهذه المراحل هي‪:‬‬
‫ا ــ تحديد المنطلقات التصورية العقدية للمجتمع في كليته ‪.‬‬
‫ب ــ القيام بمسح اجتماعي للمجتمع ‪ ،‬أي نظمه ؛ االجتماعية و االقتصادية و السياسية و القانونية‪.......‬و‬
‫تحديد االرتباطات فيما بينها وربطها بالمنطلقات التصورية العقدية من جهة أخرى ‪ ،‬وال يتم ذلك إال من‬
‫خالل مشاهدة الظواهر مباشرة ‪.‬‬
‫ج ــ تحديد الظاهرة من حيث طبيعتها و انتشارها ووظيفتها و اآلثار المترتبة عليها ‪ ،‬نشأتها و سبب‬
‫وجودها ‪.‬‬
‫د ــ مقارنة الظاهرة بغيرها من الظواهر المرتبطة بها في المجتمع نفسه و في غيره من المجتمعات ‪.‬‬
‫ه ــ عرض الظاهرة المدروسة على القرآن و السنة لتحديد إن كانت من الظواهر السليمة أو المرضية ‪،‬‬
‫فما من شيء ضار لإلنسان و الحياة اإلنسانية و المجتمعية إال و حذر منه اإلسالم وما من خير إال و دل‬
‫عليه ‪.‬‬

‫‪3‬ــ نسق التفسير‪:‬‬


‫‪3‬ــ‪1‬ـ تعريف نسق التفسير‪:‬‬
‫هو االطار الذي تتحدد فيه طبيعة االرتباطات أو العالقات بين الظواهر المجتمعية ‪ ،‬و الذي يفضي إلى‬
‫استخالص القوانين االجتماعية ‪ ،‬و يشير نسق التفسير في المدخل المنهجي اإلسالمي إلى ‪ << :‬الظروف‬
‫و الشروط و العوامل و األسباب التي تنشأ فيها الظاهرة >>‪.‬‬
‫كما يشير إلى الكيفية التي تسهم بواسطتها هذه الظاهرة في الحفاظ على تماسك المجتمع و تكامله أو إلى‬
‫إضعافه و تشتيته اآلن أو في المستقبل سواء على مستوى الوحدات الصغرى أو المجتمع ككل ‪.‬‬
‫و تكشف الدراسة العلمية للقرآن و السنة و تاريخ البشرية أنه يمكن تصنيف الظواهر االجتماعية ككل‬
‫الظواهر النوعية الخاصة بالتفاعل االجتماعي و الثقافي داخل الفئات المنهجية الثالث التالية ‪:‬‬
‫ــ الوصفية‪.‬‬
‫ــ التحليلية ‪.‬‬
‫ــ التركيبية ‪.‬‬
‫و تشير هذه الفئات إلى المستويات التالية‪:‬‬
‫أــ إلى األحداث المتغيرة مثل نشأة المجتمعات و الثقافات و سقوطها ( قصص األنبياء)‪.‬‬
‫ب ــ األنماط المحددة التي تظهر فيها هذه األحداث ‪.‬‬
‫ت ــ النمط الثابت غير المتغير و المتمثل في كل الشعوب ‪.‬‬
‫و على هذا األساس فإن التفسير اإلسالمي للحياة المجتمعية يشير إلى أن ‪:‬‬
‫ــ هناك ضرب من الظواهر المجتمعية تكون العالقة بينها عالقة جزئية أو مساعدة ‪ ،‬حيث أن الظاهرة‬
‫الواحدة تؤدي إلى حدوث عدة ظواهر ‪ ،‬كما أن مجموعة من الظواهر تؤدي إلى حدوث ظاهرة واحدة‪.‬‬
‫ــ هناك ضرب من الظواهر المجتمعية تكون العالقة بينها عالقة تناظر و تبادل ‪ ،‬فالظاهرة تؤثر في‬
‫غيرها و تتأثر‪.‬‬
‫ــ هناك ضرب من الظواهر المجتمعية تكون فيها العالقة هي عالقة علة و معلول ‪ ،‬حيث يتسم ذلك النوع‬
‫من الظواهر باالطراد و االتساق‪.‬‬

You might also like