تمهيد: في العلوم اإلنسانية ،هنالك مناهج كمية وأخرى كيفية .فإذا عدنا قليال للوراء ،فإن إدخال الرياضيات لفهم الظواهر الطبيعية هو الذي يمثل القطيعة بين القرون الوسطى والقرن ،17فبدأ العلماء يتحدثون عن أهمية الرياضيات التي منحت صبغة جديدة للعلم فيما بعد ،حيث يؤكد Galliléeعلى ضرورة إخضاع الطبيعة للرياضيات .ليس هذا فحسب .نجد Heideggerيربط ميالد العلم الحديث بالمشروع الرياضي للطبيعة الذي يحول كل شيء إلى مجرد أجسام مادية تتشابه فيما بينها وحتى وإن اختلفت فهذا االختالف يكمن في فروق كمية بسيطة. بالرغم من هذا التصور الحديث للعلم ،فإنه علينا أال ننسى أهمية الرياضيات في إضفاء صبغة علمية موضوعية دقيقة على البحوث العلمية .هذا ما حدث أوال لعلوم الطبيعة ابتداء من القرن ،18ثم للعلوم االجتماعية فيما بعد حيث كانت األولى نموذجا للثانية التي حاولت حذو ما قامت به األولى. فإلثبات موضوعيتها ودقتها ،وجدت العلوم االجتماعية نفسها أمام طريق مسدود :إما أن تستخدم المناهج الكمية أو أن تبقى في طي النسيان. وعليه ،ظهرت مناهج كمية وأخرى كيفية ،تختلف من حيث الموضوع والهدف. أوال-المناهج الكمية )méthodes quantitatives( : -1التعريف االصطالحي للمنهج الكمي: المراد بلفظ "الكمي" هنا هو مقدار الشيء وفقًا لرقم معين ،ويمكن اشتقاق أداة االستفهام "كم؟"، من لفظ "الكم"؛ الستخدامها في السؤال بغرض التعرف على مقدار المقياس ،فعلى سبيل المثال :كم يبلغ طولك؟ يبلغ طولي 192سم ،كم يبلغ وزنك؟ يبلغ وزني 96كجم ،كم يصل ارتفاع المبنى؟ يصل ارتفاع عصرا ....وهكذا. ً المبنى إلى 30م ،كم الساعة اآلن؟ الساعة اآلن الثالثة -2تعريف المنهج الكمي :يعرف بأنه" :أحد طرق القياس التي يتم استخدامها في األبحاث والدراسات العلمية الختبار الفرضيات ،ومن ثم تطبيق النظريات والمفاهيم المكتسبة على أرض الواقع بالنسبة لألبحاث ذات الصبغة العلمية". "هو نوع من البحوث العلمية التي تفترض وجود حقائق اجتماعية موضوعية ،منفردة ومعزولة عن مشاعر ومعتقدات األفراد ،وتعتمد على األساليب اإلحصائية في الغالب ،في جمعها للبيانات وتحليلها" ،ويعني القياس استخدام كل المؤشرات التي يستخدمها اإلحصاء للقيام بمقارنة المعطيات التي تم جمعها من الميدان. إن أغلبية البحوث في العلوم اإلنسانية تستعمل القياس ،وكذلك األمر حينما يتم استعمال المؤشرات ،النسب ،المتوسطات أو األدوات التي يوفرها اإلحصاء بصفة عامة ،إننا نستنجد بالمناهج الكمية أثناء محاولة معرفتنا مثال :تطور أسعار اإلستهالك ،نية التصويت في االنتخابات القادمة ،االرتباط بين درجة التحضر ونسبة المواليد. إن البحث الكمي يبحث عن األسباب والحقائق من منظور أوسع وأشمل ،وعن العالقات بين المتغيرات حتى يمكن تفسير عالقات السبب والنتيجة بين هذه المتغيرات ،ويصبح من الممكن التوصل إلى تنبؤات دقيقة بخصوص الظاهرة أو الظواهر محل الدراسة. -3أهداف البحوث الكمية: تهدف البحوث الكمية إلى اختبار المتغيرات التجريبية ،وفي ذات الوقت التحكم في أو ضبط المتغيرات االعتراضية التي تظهر في محيط أو سياق الدراسة ،ومن خالل ذلك فإن العالقات بين المتغيرات يمكن تعميمها كما يمكن التنبؤ بها في المجاالت أو مجتمعات البحث. كما يهدف البحث الكمي إلى اختبار النظريات ويعمل الباحثون هنا بطريقة قياسية من خالل تحديد النظرية الموجودة فعال في األدبيات السابقة ،ويحصلون على المفاهيم والتعريفات الالزمة ،ويتم افتراض العالقات بين المتغيرات ثم جمع البيانات وتحليلها إحصائية ،وعلى ضوء النتائج التي يتحصل عليها الباحث يتم قبول أو رفض الفرضيات ومن ثم قبول أو رفض النظرية أو تعديلها. وفي ظل البحوث الكمية يتم تصميم الدراسة (وضع الفرضيات ووصف المتغيرات وأسلوب قياسها) عند إعداد مشروع الدراسة وقبل البدء في جمع البيانات بعكس الحال في البحوث الكيفية .ويالحظ أيضا أن المفاهيم التي يتم استخدامها في البحوث الكمية يتم تعريفها إجرائي hحتى يمكن اختبار الفرضيات التي تم تحديدها من البداية ،ويجب أن يتأكد الباحث من أن المقاييس المستخدمة (مثل قائمة االستبيان) هي مقاييس صادقة وثابتة من خالل إجراء اختبار الصدق والثبات المعروفة ،وبعد القيام باإلجراءات السابقة يتم جمع البيانات وتبويبها بشكل كمي أو رقمي ثم يجري عليها التحليل اإلحصائي للوصول إلى نتائج البحث ،ويالحظ أن التحيز الموجود في المدخل الكيفي الذي أشرنا إليه آنفا تتم مالفاته من خالل االختيار العشوائي لمفردات العينة من مجتمع البحث. وصفوة القول إن الهدف من البحث الكمي هو اختبار النظرية بأسلوب قياسي من خالل ثبوت أو عدم ثبوت صحة الفرضيات التي حددها الباحث في مشروع البحث ،إال أنه تجب اإلشارة إلى أن البحث الكمي يعاني أيضا من بعض األخطاء مثل أخطاء المعاينة واألخطاء األخرى مثل أخطاء القياس ،وهناك احتمال لتحيز الباحث في أي مرحلة من مراحل البحث. -4استخدامات المدخل الكمي في البحث: يتم استخدام البحوث الكمية عندما تكون هناك معلومات معروفة ومتوفرة حول الموضوع الذي يرغب الباحث في دراسته ،بمعنى أن هناك نظريات محددة وأدبيات سابقة تتوفر لدى الباحث ،بعكس الحال في البحوث الكيفية ،كما أن درجة وضوح الظاهرة أو المشكلة محل الدراسة تمكن الباحث من استخدام المدخل الكمي في البحث ،هذا إضافة إلى توفر مقاييس ثابتة وصادقة إحصائية عن المتغيرات المراد دراسة العالقات بينها. -5طرق استخدام البحوث الكمية: أ -الطريقة اإلحصائية :أي المعالجة الرياضية للبيانات الكمية ومنها اإلحصاءات السكانية والزواج والطالق والمواليد والوفيات. ب -المسح االجتماعي :ونعني بها تسجيل وتفسير الوضع الراهن لنظام اجتماعي أو لجماعة أو البيئة أو قضية ما ،بهدف دراسة الواقع االجتماعي للحصول على بيانات تمکن تصنيفها وتفسيرها لالستفادة منها في التخطيط المستقبلي. جـز -االجتماع والقياس :وهي طريقة للتعرف على درجة االنجذاب والتنافر التي يظهرها األفراد تجاه بعضهم البعض ،أو اتجاه مشكلة أو قضية مجتمعية ما ،وتتم من خالل :االستخبارات أو االستبيانات، االستبار وهو عبارة عن لقاء شخصي بين الباحث والمبحوث ،وعادة يكون المبحوثين ال يستطيعون القراءة والكتابة ،ويقرأ الباحث لهم باللهجة العامية أو اللهجة الدارجة ،حتى يستطيعوا الفهم ليدون الباحث إجاباتهم في استبانه خاصة ،ويجيب كل مبحوث على حدى -تعتمد الطرق الكمية في العلوم اإلنسانية على نموذج التفسير االستنباطي االستقرائي ،ويبدأ االستقصاء بنظرية عن الظاهرة موضوع البحث .ومن هذه النظرية نستنتج مجموعة من الفروض التي تخضع بدورها لالختبار باستخدام إجراءات محددة مثل إجراءات التصميم التجريبي ،أو السبي ،المقارن ،أو االرتباطي .ومع ذلك فإن المنهجين يكمالن بعضهما بعضا ،علما بأنهما يختلفان في نقاط أساسية، خصوصا ما يتعلق منهما بموضوعية الباحث ودوره. -في البحث الكمي تكتسب استقاللية الباحث عن موضوع البحث بقيمة كبيرة بخالف ذلك فإن البحث الكيفي يعود إلى اإلدراك الذاتي للباحث بوصفة عنصرا أساسيا المعرفة. -إن البحث الكمي يعتمد على درجة كبيرة على تقنين البحوث الميدانية ،فتكون أسئلة االستبيان وكذلك اإلجابة محددة مسبقة .أما المقابالت الكيفية فهي أكثر مرونة ،وتتكيف مع الحاالت المختلفة. -6خطوات إعداد البحوث الكمية: تمر البحوث الكمية بخمس مراحل وهي مراحل مترابطة وكل واحدة تتأثر بأخرى .وهذه المراحل: -مرحلة تحديد المشكلة (مشكلة البحث) وذلك عن طريق: -مصادر المشكلة البحثية من الخبرة البحثية ،استشارة المختصين ،دراسات سابقة أو ندوات ومؤتمرات، وسائل اإلعالم واالنترنت. -صفات المشكلة البحثية (عدم اإلضرار بمصلحة عامة أو خاصة ،ال تخالف مبدأ شرعي أو قانوني ،تقع ضمن اإلمكانيات المتاحة للحصول على البيانات الالزمة. ثانيا :مرحلة تحديد أهداف البحث وصياغة وأسئلته وفرضياته. ثالثا :مرحلة جمع البيانات باستخدام إحدى أدوات جمع البيانات. رابعا :مرحلة تحليل البيانات ،وتتم إما عن طريق: -اإلحصاء الوصفي بعرض البيانات -اإلحصاء االستداللي (العالقة بين متغيرات البحث ،الفرق بين مجموعتين ،التنبؤ) خامسا :مرحلة كتابة النتائج والتوصيات (رصد النتائج ،تقديم التوصيات ،ملخص البحث والتوثيق). -7عيوب استخدام البحوث الكمية: -ال تقيس الظواهر أو العوامل الالكمية أي غير القابلة للقياس ،وفي حالة البدائل وحل مشكلة اختيار الحل األمثل ال تسمح باختيار الحل األمثل إال بمعيار واحد فقط. -تحتاج لتكلفة عالية. -صعوبة تعميم النتائج إذا كانت العينات غير ممثلة تمثيال دقيقا للمجتمع األصلي. ثانيا :المناهج الكيفية -1مفهوم المنهج الكيفي (النوعي): عرف العلماء المنهج النوعي بأنه" :نوع من أنواع األبحاث العلمية التي تعتمد على دراسة َّ السلوك والمواقف اإلنسانية ،وفي سبيل ذلك يتم جمع المعلومات والبيانات؛ من خالل مجموعة من الوسائل مثل ال ُمقابالت وال ُمالحظات". ومن خالل التعريف السابق يتَّضح أن المنهج النوعي عبارة عن البحث العلمي الذي يعتمد على البيانات النوعية ،حيث يُقدِّم فيه الباحث التفسيرات الشاملة لموضوع أو مشكلة البحث العلمي ،وال يوجد مجال للنتائج اإلحصائية أو الرقمية ،بل إن النتائج تتمثَّل في ال ُجمل التوضيحية أو اللغة المسموعة. الكميَّة يُستخدم المنهج النوعي في العديد من الميادين التي ال يُمكن استخدام المقاييس اإلحصائية أو ِّ نظرا لعدم جدوى ذلك في تمكين الباحث من تأمين وتفسير ال ُمشكالت أو الظواهر التي يتم عرضها فيهاً ، التفوق واالبتكار ،واختيار عيِّنة من ُّ الكم ،فعلى سبيل المثال في حالة كتابة بحث علمي عن عن طريق ِّ الكمي أن يؤتي ثماره في الحصول على المجتمع؛ من أجل اشتقاق المعلومات منهم ،فال يُمكن لألسلوب ِّ عا ُمستحدثًا من مناهج األبحاث العلمية ،وفي الغالب يتم استخدامه في النتائج ،ويُعَدُّ المنهج النوعي نو ً العلوم االجتماعية والنفسية ،وجميع ما يتعلَّق بالنشاط اإلنساني على ُمستوى ال ُمجتمع.فهي مناهج تهدف أساسا إلى فهم الظاهرة موضوع الدراسة ،بحصر معنى األقوال التي تم جمعها أو السلوكات التي تمت مالحظتها" لذلك ،ال يتطلب األمر عددا كبيرا من العناصر كما هو األمر بالنسبة للمناهج الكمية ،ألن األمر يتطلب فهم المعاني ،السلوكات ،المواقف ،وال يمكن القيام بذلك على نطاق واسع ،إذ أن ذلك سيتطلب وقتا وجهدا طويال .كما أن الهدف ال يتمثل في تجميع معطيات كمية ،بل معطيات كيفية تهدف أساسا إلى فهم الظاهرة موضوع الدراسة. مثال على ذلك نموذج لدراسة في هذه الحالة ،هو لدراسة قامت بهاMirra Komavorsky تتعلق بتأثير البطالة على مكانة رب األسرة ،انصبت على 59حالة فقط.وخلصت إلى نتيجة مفادها بأن رب األسرة ال يصبح هو المتسلط على أسرته وهنالك إضرار بالجو األسري في حالة األسر التي كانت تسودها عالقات متساوية بين الزوج والزوجة ،بينما مكانة رب األسرة ال تأثر في حالة وجود عالقات سلطوية للزوج على الزوجة.
-2خصائص البحوث الكيفية:
إن أهم ما يميز م نهج البحث الكيفي هو جدلية األصالة ،أصالة في االقتراب من المبحوث ،وأخرى من الواقع ،وتعني األصالة أن الباحث يفهم الموضوع في بناه الخاص وفي خصوصيته ،وهناك البنية ،أو إقامة بناء ،وتعني فهم الحدث ،أو الميدان من منظور نظري وعام ومقارن ،وأهم خصائص تصميم البحث الكيفي هي: -االنفتاح :إذا كانت عملية البحث الكمي مقننة ومحددة ،فإن عملية البحث الكيفي تكون مفتوحة ،ذلك أن األ دوات الكمية مغلقة ،وتتحكم خطوات البحث فيها بعقل الباحث ،أما األدوات الكيفية فتعتبر البحث مجاال مفتوحة أمام الباحث والمبحوث للتعديل التطوير. إن مبدأ االنفتاح يتضمن على الصعيدين النظري والمنهجي مجموعة من النتائج ،أهمها: أ .التأكيد على الوظيفة االستكشافية للبحث الكيفي. ب .التخلي عن تكوين الفرضيات مسبقا. جـ -إن البحث الكيفي يركز على البحث الميداني االستطالعي ،وهذا ما يهمله البحث الكمي غالبا. -البحث بوصفه متفاعال :إذا كانت مناهج البحث الكمي تؤكد على المسافة بين الباحث والمبحوث في عملية البحث ،فإن المناهج الكيفية بخالف ذلك تؤكد على أن عملية البحث ينبغي أن تكون عملية تفاعلية بين الباحث ،وبين األفراد الذين ينتمون إلى ثقافة معينة. -الطابع الديناميكي بين البحث والموضوع :إن فهم البحث على أنه عملية تفاعل واتصال بين الباحث والمبحوث ،يعني أن العالقة بين البحث والموضوع ديناميكية ،أي أن هذه الديناميكية هي ما يميز البحث وموضوع البحث .وكما تقول هوبف Hopfفإن البحث الكيفي يهتم بالمقام األول بنماذج التفسير والفعل، التي ل ها إلزام اجتماعي محدد ،لكن هذه النماذج الجماعية للفعل والتفسير ال يمكن تصورها على أنها موجودة وغير متغيرة ،وإنما يعاد إنتاجها وتتغير وفقا لفرضيات علم االجتماع الكيفي من خالل أفعال وتأويالت أعضاء المجتمع الفاعلين. -التأمل النقدي للموضوع والتحليل :يتميز البحث الكيفي بالتفكير النقدي بالموضوع ،أو تأمل موضوع البحث وعملية البحث .إن مبدأ التأمل بالنسبة إلى موضوع التحليل ،أي الظواهر والعمليات التي ينبغي دراستها ،يقوم على التصور النظري لمجال الموضوع ذاته ،كما أن الفرضية األساسية للنموذج التفسيري تكمن في افتراض التأمل النقدي لمعاني منتجات السلوك البشري اللغوي (الرموز ،أفعال اللغة ،التأويالت اللغوية ،غير اللغوية واإلشارات ،واألفعال). -التفسير :يعني مبدأ التفسير أن نتوقع من الباحث االجتماعي بيان الخطوات المختلفة العملية البحث بقدر اإلمكان ،وتتحد أيضا القواعد التي ينبغي موجبها تفسير البيانات التي تم الحصول عليها ميدانية ،ويتعين على الباحث الكيفي تفسير بياناته بشكل أفضل ،وإال يقع فريسة للتكميم والترميز ،كما هو الحال في البحث الكمي ،فالبحث الكيفي فكري وعقلي وميداني ،حتى الواقع اإلمبريقي فإنه يبحث كإشكالية فكرية ومعرفية، ب خالف منهج البحث الكمي الذي يغلب عليه الطابع اآللي التقني. -المرونة :تتسم البحوث الكيفية بالمرونة ،وبمساهمة المبحوثين في عملية البحث .بحيث إن مهمته ،تتمثل في أنه يوجه البحث للحصول على البيانات والتفسيرات من الحياة االجتماعية اإلمبريقية ،فالبحث يبقى متجذرة فيها. -3عيوب البحوث الكيفية: -عادة ما يكون حجم العينة صغيرا جدا ،وهذا ال يتيح إمكانية تعميم النتائج ،ولهذا عادة ما تكون البحوث الكيفية الخطوة األولى التي تتبعها خطوات ومراحل أخرى من خالل البحوث الكمية ،وإن كان ذلك ال يمنع أن هناك بعض المشكالت تكون فيها بيانات البحوث الكيفية كافية لإلجابة عن تساؤالتها. -بعد ثبات البيانات في البحوث الكيفية مشكلة أخرى ،حيث إن القائمين بعمليات المالحظة ينغمسون بشكل كبير في المشكلة البحثية ويندمجون مع المبحوثين مما يفقدهم الموضوعية في جمع البيانات. -إذا لم يخطط للبحوث الكيفي ة بشكل جيد ،فإن المشروع ربما ال يثمر نتائج ذات قيمة ،فعلى الرغم من السهولة الظاهرية في إجراء البحوث الكيفية ،إال أن عدم التخطيط الدقيق لها قد يفقد الباحث التركيز الكافي على القضايا األساسية في المشكلة البحثية. ثالثا -الفرق بين المنهج الكمي والمنهج النوعي أو الكيفي في البحث العلمي: يوجد عديد من أوجه االختالف فيما بين المنهج الكمي أو النوعي ،وسوف نستعرض ذلك فيما يلي: -الهدف :يعد الحصول على أرقام لها داللة بخصوص مشكلة البحث العلمي المحرك األساسي الستخدام المنهج الكمي ،بينما تعتبر الدوافع االجتماعية واإلنسانية هي المحرك الستخدام المنهج النوعي أو الكيفي. -عينات الدراسة :من أكثر أنواع العينات التي يستخدمها الباحث في المنهج الكمي هي العينات العشوائية، أما بالنسبة للمنهج النوعي فتستخدم العينات المنتظمة. -أدوات الدراسة :يعد من أكثر أدوات الدراسة المستخدمة في المنهج الكمي استمارات االستبيانات على اختالف أنواعها ،ومن أكثر أدوات الدراسة التي يتم استخدامها في المنهج النوعي المقابالت والمالحظات. -المرونة :يعد المنهج الكمي أقل مرونة من المنهج النوعي أو الكيفي؛ لعدم وجود ما يسمى الوصف في خطواته. -الدور المنوط بالباحث :يتضح دور الباحث في المنهج النوعي بطريقة أو بأخرى وتظهر آثاره الملموسة في الدراسة ،أما بالنسبة للمنهج الكمي فيختفي دور الباحث ،أو ينفصل عن البحث. -الفرضيات العلمية :يهتم المنهج الكمي بالفرضيات ،وما تتضمنها من متغيرات بحثية ،ومن ثم يحتاج ذلك المنهج لتعريفات علمية دقيقة لتلك المتغيرات ،ومن خالل ذلك المنهج يستطيع الباحث اختبار وقياس العالقات فيما بين المتغيرات ،سواء المستقلة أو التابعة ،بينما ال يتطلب المنهج النوعي الفرضيات بشكل موسع ،ويمكن أن يكون ذلك في صورة فرضية واحدة على أقصى تقدير. -التوصيات النهائية في البحث :تختلف التوصيات في المنهج النوعي الذي يسوق توصيات نهائية ناتجة عن سمات وأوصاف ،على خالف المنهج الكمي الذي يسوق التوصيات نتاج أرقام واضحة. رابعا :أيهما أنسب للبحث العلمي المنهج الكمي أو النوعي؟ لكل من المنهجين خصائصه التي تميزه ،فنرى المنهج الكمي ذا دالالت رقمية مهمة تدعم البحث العلمي ،وتمنحه القرينة والبرهان ،ونرى المنهج النوعي يتطرق إلى قلب المشكلة ويلتمس العنصر اإلنساني ومكنوناته وسماته ،وجميع ما يرتبط باألمور المعنوية غير القابلة للقياس ،ومن الممكن أن نقول إن المنهج الكمي والمنهج النوعي يكمالن بعضهما البعض. لذا فإن البعض يشبه البحث العلمي بالفيلم السينمائي المحبوك ،والمنهج الكمي يمثل المنتج الذي يضخ األموال؛ من أجل اإلنفاق على الفنانين ،وشراء األجهزة المستخدمة في عمل الفيلم ،وتوفير جميع ما يستلزم ذلك من اعتمادات مالية ،والمنهج النوعي يتمثل في الفيلم السينمائي أو الحبكة الدرامية التي يراها المشاهدون عبر شاشات التلفاز. تعد الشروط البحثية وموضوع البحث أو مشكلته على صلة وثيقة بالوصف ،وذلك هو ما ينطوي عليه المنهج النوعي المدعوم عن طريق الرقميات التي يوفرها المنهج الكمي. من أبرز العوامل التي تجعل الباحث العلمي يدمج ما بين المنهج الكمي والنوعي عند إعداد البحث أو الدراسة العلمية ،هو عالقة السببية التي تتضح في أهمية وأهداف وفرضيات البحث العلمي ،فالوصف ضا الكم. ال غني عنه ،وأي ً يمكن التعبير عن المقترحات والتوصيات التي يجب أن ينتهي بها البحث العلمي المنهج بطريقة كمية أو نوعية. يحتاج البحث العلمي إلى المرونة في التعامل مع البيانات والمعلومات ،وهو ما يتضمنه المنهج النوعي، وكذلك يحتاج البحث إلى ضمان الموضوعية ،والتي تتمثل في االبتعاد عن التحيز من جانب الباحث، وذلك ما يهتم به المنهج الكمي.