Professional Documents
Culture Documents
مختصر كتاب ولله الأسماء الحسنى
مختصر كتاب ولله الأسماء الحسنى
5
6
�إن احلمد هلل نحمده ،ون�ستعينه ،ون�ستغفره ،ونتوب �إليه ،ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا و�سيئات
�أعمالنا ،من يهده اهلل فال م�ضل له ،ومن ي�ضلل فال هادي له ،و�أ�شهد �أال �إله �إال اهلل و حده ال
�شريك له ،و�أ�شهد �أن حممدً ا عبده ور�سوله� -صلى اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه و�سلم ت�سلي ًما
كث ًريا� -أما بعد:
ف�إن �أج ّل املقا�صـد و�أنفع العلوم و�أ�شرفها و�أعالها؛ العلم ب�أ�سماء اهلل احل�سنى ،و�صفاته
ال ُعال؛ لأنها ُتع ِّرف النا�س بربهم �سبحانه ،الذي هو �أ�شرف معلوم ،و�أعظم مق�صود ،وتع ِّرفهم
بخالقهم وخالق ال�سماوات والأر�ض ومن فيهن ،وهذا ي�ستلزم عبادته – �سبحانه -وحمبته،
وخ�شيته ،وتعظيمه ،و�إجالله.
ومن رحمته – �سبحانه � -أن جعل توحيده ومعرفته� ،أمر ًا مركو ًزا يف الفطر والعقول �إجما ًال؛
�إال �أن يطر�أ على الفطرة والعقل ما يف�سدهما من فعل �شياطني اجلن والإن�س ،قال اهلل تعالى:
ﱫ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬﱪ [الروم ، ]30 :وقال « : كل مولود يولد على الفطرة ف�أبواه يهودانه �أو
ين�صرانه( »...جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه .)1359
ويف ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :ال �سعادة للعباد ،وال �صالح لهم ،وال
نعيم �إال ب�أن يعرفوا ربهم ،ويكون هو وحده غاية مطلوبهم ،والتعرف �إليه قرة عيونهم،...
ومتى فقدوا ذلك؛ كانوا �أ�سو�أ حا ًال من الأنعام ،وكانت الأنعام �أطيب ً
عي�شا منهم يف العاجل،
و�أ�سلم عاقبة يف الآجل» (مختصر الصواعق املرسلة .)47/1
أهمية التعرف على األسماء الحسنى
أو ًال � :إن �أ�شرف غايات امل�سلم ،ومنتهى طلبه؛ �أن يفوز بر�ضوان اهلل -تعالى -وجنته ،و�أن
يتنعم بالنظر �إلى وجه اهلل -ذي اجلالل والإكرام -يف الدار الآخرة ،ولكن هذه الغاية لن
تتحقق �إال بتوفيق اهلل لعبده للإميان به وحده ،وطاعته ،واجتناب معا�صيه.
7
وهذا الإميان والعمل ال�صالح لن يتحقق للعبد القيام بهما �إال بالعلم؛ لأن العلم قبل القول
والعمل ،قال تعالى :ﱫ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﱪ[ فاطر.]28:
وملا كان �شرف كل علم بح�سب ما يتعلق به هذا العلم ،كان �أ�شرف العلوم و�أج ّلها العلم الذي
يتعلق باهلل ،ومبعرفة �أ�سمائه احل�سنى ،و�صفاته ال ُعال ،وبقدر معرفة العبد ب�أ�سماء اهلل
و�صفاته يكون حظه من العبودية لربه ،والأن�س به ،وحمبته ،و�إجالله ،وتعظيمه.
ثاني ًا :العلم ب�أ�سماء اهلل و�صفاته �أ�صل العلوم و�أ�سا�س الإميان ،و�أول الواجبات ،ف�إذا
عرف النا�س ربهم عبدوه.
يقول قوام ال�سنة الأ�صفهاين رحمه اهلل تعالى« :قال بع�ض العلماء� :أول فر�ض فر�ضه اهلل
على خلقه :معرفته ،ف�إذا عرفه النا�س عبدوه ،قال اهلل تعالى :ﱫ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﱪ
[محمد. ]19:
فينبغي للم�سلمني �أن يعرفوا �أ�سماء اهلل وتف�سريهاِّ ،
فيعظموا اهلل حق عظمته ،ولو �أراد
رجل �أن يعامل رج ًال؛ ف�إنه �سيطلب منه �أن يعرف ا�سمه وكنيته ،وا�سم �أبيه وجده ،وي�س�أله عن
�صغري �أمره وكبريه ،فاهلل الذي خلقنا ورزقنا ،ونحن نرجوا رحمته ونخاف من �سخطه� ،أولى
�أن نعرف �أ�سماءه ونعرف تف�سريها»( .احلجة في بيان احملجة .)122/1
ثالث ًا :يف معرفة اهلل ب�أ�سمائه و�صفاته زيادة يف الإميان واليقني وحتقيق للتوحيد ،وتذوق
لطعم العبودية.
يقول ال�شيخ ال�سعدي رحمه اهلل تعالى« :وبح�سب معرفته بربه يكون �إميانه ،فكلما ازداد
معرفة بربه ازداد �إميانه ،وكلما نق�ص نق�ص ،و�أقرب طريق �إلى ذلك :تدبر �صفاته و�أ�سمائه
من القر�آن»( .تفسير السعدي .)24/1
رابع ًا :العامل باهلل تعالى حقيقة ي�ستدل مبا علم من �صفاته و�أفعاله على ما يفعله وعلى ما
ي�شرعه من الأحكام؛ لأنه ال يفعل �إال ما هو مقت�ضى �أ�سمائه و�صفاته ،و�أفعاله دائرة بني العدل
والف�ضل واحلكمة.
8
خامس ًا :التــالزم الوثيــق بني �صفــات اهلل تعالى وما تقت�ضيــه من العبادات الظاهرة
والباطنة ،ويف ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :فعلم العبد بتفرد الرب تعالى
بال�ضر ،والنفع ،والعطاء ،واملنع ،واخللق ،والرزق ،والإحياء ،والإماتة؛ يثمر له :عبودية التوكل
عليه باط ًنا ،ولوازم التوكل وثمراته ظاه ًرا ...فرجعت العبودية كلها �إلى مقت�ضى الأ�سماء
وال�صفات»( .إغاثة اللهفان .)10/1
سادس ًا :للتعبد ب�أ�سماء اهلل تعالى و�صفاته �آثار طيبة يف �سالمة القلوب ،و�سالمة الأخالق
وال�سلوك ،كما �أن يف تعطيلها با ًبا �إلى �أمرا�ض القلوب وم�ساوئ الأخالق.
سابع ًا :يف معرفة �أ�سماء اهلل و�صفاته ،والتعبد له بها �سبحانه ثمرات طيبة يف املوقف من
امل�صائب واملكروهات وال�شدائد؛ ف�إذا علم العبد �أن ربه عليم حكيم عدل ال يظلم �أحدً ا ،ر�ضي
و�صرب ،وتي َّقن �أن املكروهات التي ت�صيبه واملحن التي تنزل به فيها �ضروب من امل�صالح
واملنافع التي ال يبلغها علمه؛ لكنها من مقت�ضى علم اهلل تعالى وحكمته ،فيطمئن ،وي�سكن �إلى
ربه ،ويفو�ض �أمره �إليه.
ثامن ًا :فهم معاين �أ�سماء اهلل و�صفاته طريق �إلى حمبة اهلل ،وتعظيمه ورجائه واخلوف
منه ،ويف ذلك يقول العز بن عبد ال�سالم رحمه اهلل تعالى« :فهم معاين �أ�سماء اهلل تعالى
و�سيلة �إلى معاملته بثمراتها من اخلوف ،والرجاء ،واملهابة ،واملحبة والتوكل ،وغري ذلك من
ثمرات معرفة ال�صفات» (شجرة املعارف ص.)1
تاسع ًا� :إن يف تدبر معاين �أ�سماء اهلل و�صفاته �أكرب عون على تدبر كتاب اهلل
تعالى ،حيث �أمرنا اهلل بتدبر القر�آن يف قوله �سبحانه :ﱫ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪ [صً ،]29 :
ونظرا لأن القر�آن الكرمي يكرث
ريا من �أبواب
فيه ذكر الأ�سماء وال�صفات ح�سب متعلقاتها ،ف�إن يف تدبرها با ًبا كب ً
تدبر القر�آن.
عاشرا :العلم ب�أ�سماء اهلل و�صفاته يزرع يف القلب الأدب مع اهلل تعالى واحلياء منه.
ً
9
يقول ابن القيم رحمه اهلل تعالى�« :إن الأدب مع اهلل -تبارك وتعالى :-هو القيام بدينه،
والت�أدب ب�آدابه ظاه ًرا وباط ًنا .وال ي�ستقيم لأحد قط الأدب مع اهلل �إال بثالثة �أ�شياء :معرفته
ب�أ�سمائه و�صفاته ،ومعرفته بدينه و�شرعه ،وما يحب وما يكره ،ونف�س م�ستعدة قابلة لينة،
متهيئة لقبول احلق عل ًما وعم ًال وحا ًال»( .مدارج السالكني .)403/2
الحادي عشر :املعرفة باهلل تعالى و�أ�سمائه و�صفاته تب�صر العبد بنقائ�ص نف�سه وعيوبها
و�آفاتها ،فيجتهد يف �إ�صالحها.
يقول الإمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى�« :أركان الكفر �أربعة :الكرب ،واحل�سد ،والغ�ضب،
وال�شهوة ...ومن�ش�أ هذه الأربعة من جهله بربه وجهله بنف�سه ،ف�إنه لو عرف ربه ب�صفات الكمال،
ونعوت اجلالل ،وعرف نف�سه بالنقائ�ص والآفات مل يتكرب ،ومل يغ�ضب لها ،ومل يح�سد �أحدًا على
ما �آتاه اهلل»( .الفوائد ص.)177
الثاني عشر :الآثار ال�سيئة والنتائج الوخيمة ،التي تنتج من فقد العبد ملعرفة �أ�سماء اهلل
تعالى و�صفاتـه ،وعدم فهمه لها وتدبرها والتعبد هلل تعالى بها.
ويجلي الإمام ابن القيم – رحمه اهلل تعالى� -آثار هذا الفقد �أو �ضعفه ،فيقول�« :أي �شيء
عرف من مل يعرف اهلل ور�سله ،و�أي حقيقة �أدرك من فاتتــه هذه احلقيقة ،و�أي علم �أو عمل
ح�صل ملن فاته العلم باهلل والعمل مبر�ضاته ومعرفة الطريق املو�صلة �إليه ،وما له بعد الو�صول
�إليه»( .هداية احليارى ص .)591
10
وهو – �سبحانه -يحب موجب �أ�سمائه و�صفاته ،فهو عليم يحب كل عليم ،جواد يحب كل
جواد ،جميل يحب اجلمال ،عفو يحب العفو و�أهله ،حيي يحب احلياء و�أهله� ،شكور يحب
ال�شاكرين� ،صبور يحب ال�صابرين.
ولذلك ف�إنه ُيدعى يف كل مطلوب ،مبا ينا�سب ذلك املطلوب ،فيقول الداعي مث ًال :ال َّلهم اغفر
علي يا تواب ،وارزقني يا رزاق ،ونحو ذلك. يل وارحمني� ،إنك �أنت الغفور الرحيم ،وتب َّ
•هل نصوص أسماء اهلل الحسنى محكمة أو متشابهة؟
ن�صو�ص الأ�سماء احل�سنى من الن�صو�ص املحكمة �أيمّ ا �إحكام ،بل هي من �أحكم املحكمات،
فمعانيها وا�ضحة ،حيث نفهم من ا�سم «الرحمن» غري ما نفهمه من ا�سم «العزيز»..،
وهكذا ،وكذلك ف�إنَّ من �إحكام الأ�سماء احل�سنى ت�ضمنها �صفات الكمال ،و�أنها لي�ست
أعالما جمرد ًة ،فنعلم �أن ا�سم اهلل «احلكيم» مت�ضمن احلكمة الكاملة ،و�أن ا�سم اهلل � ً
«العزيز» مت�ضمن العزة الكاملة.
« و�أما �إذا �أريد حقائق ال�صفات وكيفياتها فهذا من املت�شابه احلقيقي ،الذي ال يعلـم معناه
�إال اهلل ،فال يعلمه من الب�شـر �أح ٌد»( .املنهاج األسنى في شرح أسماء الله احلسنى .)27 -26/1
اسما )...الحديث.
ً •شرح حديث( :إن هلل تسعة وتسعين
عن �أبي هريرة � :أن ر�سول اهلل قال�« :إن هلل ت�سعة وت�سعني ا�س ًما من �أح�صاها دخل
اجلنة»( .أخرجه البخاري ومسلم).
جاء يف بع�ض روايات هذا احلديث تف�صيل يف ذكر هذه الأ�سماء الت�سعة والت�سعني ،كما عند
الرتمذي وغريه ،ولكن �أغلب العلماء �ضعفوا هذه الرواية وردوها .و�إمنا الرواية ال�صحيحة
هي التي عند البخاري وم�سلم ،وغريهما مما مل يذكر فيها تف�صيل لهذه الأ�سماء.
ولي�س يف الرواية ال�صحيحة لهذا احلديث ما يدل على ح�صر �أ�سـماء اهلل بالعدد املذكور؛
ويف ذلك يقول الإمام النووي رحمه اهلل تعـالى« :اتفق العلمـاء على �أن هذا احلديث لي�س فيه
ح�صر لأ�سمائه � -سبحانه وتعالى -فلي�س معناه �أنه لي�س له �أ�سماء غري هذه الت�سعة والت�سعني؛
و�إمنا مق�صـود احلديث �أن هذه الت�سعة والت�سعني من �أح�صاها دخـل اجلنة ،فاملراد الإخبار
11
عن دخول اجلنة ب�إح�صائها ال الإخبار بح�صر الأ�سماء»�« .شرح �صحيح م�سلم» للنووي .5/17
ويراجع الكالم النفي�س البن حجر يف فتح الباري على هذا احلديث .218/11
ح�صر؛
ويف ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى�« :إن الأ�سماء احل�سنى ال تدخل حتت ٍ
بعدد ،ف�إن هلل تعالى �أ�سماء و�صفات ا�ست�أثر بها يف علم الغيب عنده ال يعلمها ٌ
ملك وال تحُ ُّد ٍ
نبي مر�س ٌل ،كما يف احلديث ال�صحيح�« :أ�س�ألك بكل ا�سم هو لك� ،سميت به نف�سك، مقرب وال ٌّ
ٌ
�أو �أنزلته يف كتابك� ،أو علمته �أحدً ا من خلقك� ،أو ا�ست�أثرت به يف علم الغيب عندك»( .أحمد،
واحلاكم ،وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة).
•ما معنى اإلحصاء في قول الرسول ( : من أحصاها دخل الجنة)؟
ذكـر �أهـل العلم يف ذلك معاين عظيمة ،ال ي�صدق على �أحد ب�أنه �أح�صـاها على وجه التمـام
والكـمال� ،أو حفظـها ،حتى ي�أتي بها ،وهي كما يلي:
•عدها وحفظها وا�ستح�ضارها و�أخذها من �أدلتها� ،سواء ما ورد منها يف الكتاب �أو ال�سنة.
•فهم معانيها ومعرفة مدلوالتها ،وهذا من معاين الإح�صاء الذي منه العقـل واملعـرفة؛ تقول
العـرب :فالن ذو ح�صاة� ،أي :ذو عقل ومعرفة بالأمور.
•معرفة �آثارها يف الكون واحلياة ،والقلب ،قدر الطاقة؛ لأن هذا ميدان يتفاوت النا�س يف
حتقيقه.
•دعاء اهلل بها والتعبد له �سبحانه ،و�شهود �آثارها يف القلب ،والل�سان ،واجلوارح،
والعمل بها.
ف�إذا قر�أ :ﱫ ﭥ ﭦ ﭧﱪ علم �أن اهلل ي�سمعه ويراه ،و�أنه ال يخفى عليه خافية،
فيخافه يف �سره وعلنه ،ويراقبه يف �أحواله كافة ،و�إذا قر�أ :ﱫﭛ ﭜﱪ؛ تذكر �صفة
الرحمة ،واعتقد �أنها من �صفات اهلل �سبحانه فريجو رحمته ،وال يي�أ�س من مغفرته� ....إلخ.
•بيان منهج أهل السنة والجماعة في توحيد األسماء والصفات
�إن منهج �أهل ال�سنة واجلماعة يف درا�سة �أ�سماء اهلل احل�سنى و�صفاته العال هو املنهج
العدل واخليار ،وهو و�سط بني من نفوا ال�صفات وعطلوها ،ومن �أفرطوا يف الإثبات ،حتى
�شبهوا �صفات اخلالق ب�صفات املخلوق العاجز ،القا�صر املحدود.
12
وقد بني هذا املنهج على �أ�س�س ثابتة ،من �أخذ بها جنا -ب�إذن اهلل تعالى -من �ضالالت
هذا الطرف �أو ذاك ،وقد خل�صها ال�شيخ ال�شنقيطي -رحمه اهلل تعالى -يف ر�سالته القيمة
(منهج درا�سة الأ�سماء وال�صفات) ،وذلك بقوله« :اعلموا �أن كرثة اخلو�ض والتعمق يف البحث
يف �آيات ال�صفات ،وكرثة الأ�سئلة يف ذلك املو�ضوع من البدع التي يكرهها ال�سلف.
واعلموا �أن مبحث �آيات ال�صفات دل القر�آن العظيم �أنه يرتكز على ثالثة �أ�س�س؛ من جاء بها
كلها فقد وافق ال�صواب وكان على االعتقاد ،الذي كان عليه النبي ،و�أ�صحابه ،وال�سلف
ال�صالح ،ومن �أخل بواحد من تلك الأ�س�س الثالثة فقد �ضل.
أحـد هذه األسـس الثالثة :هـو تنزيه اهلل -جـل وعال -عن �أن ي�شـبه �شيء من
�صـفاته �شـي ًئا من �صـفات املخـلوقني ،وهـذا الأ�صـل يدل عليه قــوله تعـالى :ﱫ ﭡ ﭢ
ﭣﱪ ،ﱫ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﱪ ،ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﱪ .
الثاني :هو الإميان مبا و�صف اهلل به نف�سه؛ لأنه ال ي�صف اهلل �أعلم باهلل من اهلل :ﱫ ﯥ
ﯦ ﯧ ﯨﱪ.
والإميان مبا و�صفه به ر�سوله ، لأنه ال ي�صف اهلل بعد اهلل �أعلم باهلل من ر�سول اهلل ، الذي
قال يف حقه :ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ [النجم ،]4-3 :فيلزم كل مكلف
�أن ي�ؤمن مبا و�صف اهلل به نف�سه �أو و�صفه به ر�سوله وينزه اهلل -جل وعال -عن �أن ت�شبه
�صفته �صفة اخللق؛ ومن ظن �أن �صفة خالق ال�سماوات والأر�ض ت�شبه �شي ًئا من �صفات اخللق
فهذا جمنون جاهل ،ملحد �ضال ،ومن �آمن ب�صفات ربه -جل وعال -منزهً ا ربه عن ت�شبيه
�صفاته ب�صفات اخللق فهو م�ؤمن منـزه �سامل من ورطـة الت�شبيـه والتعطيـل .وهذا التحقيق هـو
م�ضمـون قوله تعالى :ﱫ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﱪ [الشورى ،] 11 :فهذه الآية
فيها تعليم عظيم يحل جميع الإ�شكاالت ،ويجيب عن جميع الأ�سئلة حول املو�ضوع؛ ذلك لأن اهلل
قال :ﱫ ﭥ ﭦ ﭧﱪ بعد قوله :ﱫ ﭡ ﭢ ﭣﱪ.
الثالث� :أن تقطـعوا �أطـماعكم عن �إدراك حـقيقة الكـيفية؛ لأن �إدراك حقيقة الكيفية
م�سـتحيل ،وهـذا ن�ص اهلل عليه يف �ســورة (طه) حـيث قال :ﱫ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ ﯨ ﯩ ﱪ [ طه ] 110 :انظر ( :منهج دراسة األسماء والصفات) باختصار.
13
الفصل األول
•من عرف اهلل ب�أ�سمائه و�صفاته �أحبه حمبة عظيمة ال ت�ضاهيها حمبة �أخرى ،ذلك
�أن �أ�سماء اهلل كلها ح�سنى وجميلة وجليلة ،وهي مقت�ضية للخلق والأمر .و�شهود �آثار
�أ�سمائه احل�سنى يورث يف القلب حمبة الرب العظيم ،ذي اجلالل والإكرام ،الرحمن
الرحيم - ،وهلل املثل الأعلى -لو �أن خملو ًقا من النا�س اجتمعت فيه �صفات جميلة،
كالرحمة وال�صدق والعدل والوفاء واحلكمة� ...إلخ ،ثم كان مع ذلك حم�س ًنا وخريه وا�صل
لبع�ضهم؛ لكان ذلك مدعاة ملحبة النا�س له والثناء عليه ،هذا وهو خملوق �ضعيف يعرتيه
النق�ص واجلهل ،وحمدود الزمان واملكان وال�صفات؛ فكيف مبن له كل �صفات الكمال
واجلالل ،والعظمة واجلمال ،والإح�سان والإنعام؟
•يقول ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :ف�إذا ان�ضم داعي الإح�سان والإنعام �إلى داعي الكمال
واجلمال ،مل يتخلف عن حمبة َ -منْ هذا �ش�أنه � -إال �أرد�أ القلوب ،و�أخبثها ،و�أ�ش ّدها
نق�صا ،و�أبعدها من كل خري ،ف�إن اهلل فطر القلوب على حمبة املح�سن الكامل يف �أو�صافه ً
و�أخالقه ،و�إذا كانت هذه فطرة اهلل التي فطر عليها قلوب عباده ،فمن املعلوم �أنه ال �أحد
�أعظم �إح�سا ًنا منه �سبحانه وتعالى ،وال �شيء �أكمل منه وال �أجمل ،فكل كمال وجمال يف
املخلوق من �آثار �صنعه �سبحانه وتعالى ،وهو الذي ال يحد كماله وال يو�صف جالله وجماله،
وال يح�صي �أحد من خلقه ثنا ًء عليه بجميل �صفاته وعظيم �إح�سانه وبديع �أفعاله ،بل هو
كما �أثنى على نف�سه ،و�إذا كان الكمال حمبو ًبا لذاته ونف�سه ،وجب �أن يكون اهلل هو املحبوب
لذاته و�صفاته؛ �إذ ال �شيء �أكمل منه ،وكل ا�سم من �أ�سمائه و�صفة من �صفاته و�أفعاله دالة
عليه ،فهو املحبوب املحمود على كل ما فعل وعلى كل ما �أمر؛ �إذ لي�س يف �أعماله عبث وال
يف �أوامره �سفه ،بل �أفعاله كلها ال تخرج عن احلكمة وامل�صلحة ،والعدل والف�ضل والرحمة،
16
وكل واحد من ذلك ي�ستوجب احلمد والثناء واملحبة عليه»( .طريق الهجرتني .)521،520
كالما ُي ّدعى ،و�إمنا هي -عند ال�صادقني فيها -معنى يجمع •وحمبة اهلل لي�ست ً
بني قوة الإخال�ص هلل تعالى وقوة املتابعة لر�سول اهلل ظاه ًرا وباط ًنا ،قال اهلل
:ﱫ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﱪ
[آل عمران.]31 :
•ومع �أن جميع �أ�سماء اهلل احل�سنى تقت�ضي حمبة اهلل ف�إنه ميكن اخت�صا�ص الأ�سماء
التي يظهر فيها ذلك ،ومن هذه الأ�سماء :اهلل جل جالله -الرب -الرحمن ،الرحيم
-الأول ،الآخر -القدو�س -ال�سبوح -احلي -القيوم -ال�سالم -امل�ؤمن -اللطيف -
احلكيم -البرَ ّ -الكرمي الأكرم -الغفور ،الغفار -العف ّو -الر�ؤوف -ال�صمد -احلليم
-الودود -ال�شاكر ،ال�شكور -املولى -الن�صري -اخلالق -البارئ -امل�صور -احلافظ،
احلفيظ -املقيت -الرزاق ،الرازق -احلميد -املجيد -الوا�سع -الفتاح -ال�شايف
-اجلواد -الغني -املح�سن -اجلميل -املعطي -الوهاب -املنان -التواب -الوكيل،
الكفيل -القريب -املجيب – احليي -ال�ستري -الرفيق -البا�سط.
17
•اجلامع جميع معاين �أ�سماء اهلل احل�سنى ،واملت�ضمن �سائر �صفات اهلل تعالى.
وخ�ضوعا،
ً •وا�سم «اهلل» دا ٌّل على كونه م�ألوهً ا معبودًا ،ت�ألهه اخلالئق حمبة ،وتعظي ًما،
وفزعا �إليه يف احلوائج والنوائب.
ً
•واإلله :هو امل�ألوه� ،أي :امل�ستحق لأن ي�ؤله؛ �أي يعبد .وال ي�ستحق �أن ي�ؤله ويعبد �إال اهلل
وحده.
من آثار هذا االسم العظيم
•حمبة اهلل حمبة عظيمة تتقدم على حمبة النف�س ،والأهل ،والولد ،والدنيا جمي ًعا؛
لأنه امل�ألوه املعبود وحده ،وهو املنعم املتف�ضل وحده ،وهو الذي له الأ�سماء احل�سنى ،وهو
الذي له اخللق والأمر واحلمد كله وهذا ي�ستلزم حمبة من يحبه اهلل تعالى وما يحبه،
وبغ�ض من يبغ�ضه �سبحانه ،وما يبغ�ضه ،واملواالة واملعاداة فيه .وال يذوق طعم الإميان �إال
من �أحب اهلل احلب كله ،و�أحب فيه و�أبغ�ض فيه.
•تعظيمه �سبحانه و�إجالله و�إخال�ص العبودية له وحده ،من توكل ،وخوف ،ورجاء ،ورغبة،
ورهبة ،و�صالة ،و�صيام ،وذبح ،ونذر ،وغري ذلك من �أنواع العبادات التي ال يجوز �صرفها
�إال له �سبحانه.
•من �أعظم �آثار هذا اال�سم العظيم ومعرفته حق املعرفة طم�أنينة القلب و�سعادته و�أن�سه
باهلل .
•مبا �أن لفظ اجلاللة م�ستلزم جميع الأ�سماء وال�صفات ،ف�إن من �آثار هذا اال�سم
العظيم �آثار بقية �أ�سمائه �سبحانه و�صفاته ،وكل �أثر من �آثار �أ�سماء اهلل و�صفاته
لي�س �سوى �أثر لهذا اال�سم العظيم ومن موجباته.
18
األولى -رحمة عامة :وهي جلميع اخلالئق :ب�إيجادهم ،وتربيتهم ،ورزقهم ،و�إمدادهم
بالنعم والعطايا ،قال اهلل } :ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ { [غافر.]7 :
الثانية -رحمة خاصة :وهذه الرحمة ال تكون �إال للم�ؤمنني ،فريحمهم اهلل يف الدنيا
بتوفيقهم �إلى الهداية وال�صراط امل�ستقيم ،ويثيبهم عليه ،ويدافع عنهم وين�صرهم ويرزقهم
احلياة الطيبة ،ويبارك لهم فيما �أعطاهم ،وميدهم بال�صرب واليقني عند امل�صائب ،ويغفر
لهم ذنوبهم ويكفرها بامل�صائب ،ويرحمهم يف الآخرة بالعفو عن �سيئاتهم والر�ضا عنهم
والإنعام عليهم ،بدخولهم اجلنة وجناتهم من عذابه ونقمته .وهذه الرحمة هي التي جاء
ذكرها يف قوله تعالى } :ﰑ ﰒ ﰓ { [األحزاب.]43 :
19
أو ًال :تظهر �آثار رحمة اهلل يف كل ما خلق اهلل يف هذا الكون العري�ض ،وما فيه من
املخلوقات الدالة على عظمته �سبحانه ورحمته بهذا الإن�سان بت�سخريها له.
إخراجا
ثان ًيا� :أعظم �آثار رحمته �سبحانه �إر�ساله الر�سل و�إنزاله الكتب هداية للنا�س و� ً
لهم من الظلمات �إلى النور؛ فالر�سل رحمة من عند اهلل لعباده ،قال اهلل }ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ { [األنبياء.]107 :
ً
ثالثا :ومن �آثار رحمته �سبحانه ما ي�ضعه يف قلوب الأمهات من رحمة نحو �أوالدهن� ،سواء كان
ذلك عند الإن�سان �أو احليوان.
رابعا :وتتجلى رحمة اهلل يف �شرعه املطهر و�أحكامه التي كلها خري ورحمة للخلق� ،سواءً
ما يتعلق بهدايتهم وحفظ �أديانهم� ،أو ما يتعلق بحفظ نفو�سهم و�أبدانهم� ،أو ما يتعلق بحفظ
عقولهم و�أفكارهم� ،أو ما يتعلق بحفظ �أعرا�ضهم و�أن�سابهم و�أوالدهم� ،أو ما يتعلق بحفظ
�أموالهم وممتلكاتهم.
خامسا :كما تتجلى رحمة اهلل يف امل�صائب واملكروهات ،التي يقدرها على عباده ً
امل�ؤمنني ،فهي و�إن كانت م�ؤذية ومكروهة لكن يف �أعطافها الرحمة واخلري.
سادسا :وتتجلى رحمة اهلل يف رحمته اخلا�صة ب�أوليائه ،وتوفيقهم ،وت�سديدهم، ً
وحفظهم ،وتي�سري �أمورهم ،و�إجابة دعائهم ،ون�صرهم على �أعدائهم الكافرين.
20
أو ًال :حمبة اهلل املحبة العظيمة ،وذلك حينما يفكر العبد وينظر يف �آثار رحمة اهلل
يف الآفاق ويف النف�س ،التي ال تعد وال حت�صى.
ثان ًيا :عبودية الرجاء والتعلق برحمة اهلل تعالى ،وعدم الي�أ�س منها ،ف�إن اهلل قد و�سعت
رحمته كل �شيء ،وهو الذي يغفر الذنوب جمي ًعا ،كما �أن الرجاء والنظر �إلى رحمة اهلل
الوا�سعة و�آثارها يثمر الأمل يف النفو�س املكروبة ،وح�سن الظن باهلل تعالى ،وانتظار الفرج
بعد ال�شدة ،ومغفرة الذنوب.
ً
ثالثا :ات�صاف العبد بالرحمة وبذلها لعباد اهلل تبارك وتعالى.
•و�أعظم الرحمة بالنا�س هدايتهم �إلى التوحيد ،و�إخراجهم من الظلمات �إلى النور ب�إذن
ربهم ،ثم الرحمة بهم يف �أنف�سهم ،و�أعرا�ضهم ،وعقولهم ،و�أموالهم ،ودفع الظلم
عنهم ،وتفريج كروبهم.
رابعا :التعرض لرحمة اهلل تعالى بفعل أسبابها:
ً
•ومن �أعظم ما ت�ستجلب به رحمة اهلل تعالى فعل ما ير�ضيه وي�أمر به ،واجتناب ما ي�سخطه
وينهى عنه باتباع ما جاء به النبي .
•ومما ت�ستجلب به رحمة اهلل تعالى ما ذكر �ساب ًقا من الرحمة باخللق والإح�سان �إليهم.
•ومن الطرق التي تنال بها رحمة اهلل تدبر القر�آن والإن�صات �إليه.
•وكذلك اال�ستغفار من �أعظم ما ت�ستجلب به رحمة اهلل تعالى.
خامسا :احلياء من اهلل � :إن الت�أمل يف �إح�سـان اهلل ورحمته يورث العبد حـياء منه -
ً
�سبحانه وتعالى -في�ستحي العـبد امل�ؤمن من خالقه �أن يع�صيه.
21
•أو ًال :حمبته �سبحانه وتعالى على كرمه وجوده ونعمه ،التي ال تعد وال حت�صى ،وال�سعي
�إلى حتقيق هذه املحبة ب�شكره �سبحانه بالقلب والل�سان واجلوارح ،و�إفراده وحده بالعبادة.
•ثان ًيا :احلياء منه �سبحانه والت�أدب معه ورجا�ؤه ،فمع كرثة معا�صي عباده؛ ف�إنه مل
مينع عنهم عطاءه وكرمه وجوده ،وهذا الكرم العظيم يورث يف قلب العبد امل�ؤمن حياء
وانك�سا ًرا وخو ًفا ورجا ًء وبعدً ا عما ي�سخطه �سبحانه وتعالى.
ثالثا :التعلق به وحده �سبحانه ،والتوكل عليه وتفوي�ض الأمور �إليه ،وطلب احلاجات • ً
منه وحده �سبحانه؛ لأنه الكرمي الذي ال نهاية لكرمه ،والقادر الذي ال يعجزه �شيء يف
الأر�ض وال يف ال�سماء ،احلي الذي ال ميوت.
رابعا :التخلق بخلق الكرم ،والتحلي ب�صفة اجلود وال�سخاء على عباد اهلل تعالى ،ف�إن • ً
اهلل كرمي يحب من عباده الكرماء ،الذين يفرج اهلل بهم كرب املحتاجني ويغيث بهم
امللهوفني؛ وخلق الكرم الذي يحبه اهلل تعالى لي�س يف الإ�سراف والتبذير وت�ضييع الأموال،
و�إمنا هو التو�سط بني الإ�سراف والتبذير ،وبني البخل وال�شح.
خامسا :كرثة دعاء اهلل و�إح�سان الظن به تعالى ،وطلب احلاجات منه �سبحانه، ً •
مهما كان قدر هذه احلاجة ،وت�أخري �أو منع �إجابة الدعاء وق�ضاء احلاجة ،ال يقدح يف
كرم اهلل �سبحانه وجوده ،بل �إن منعه �سبحانه ق�ضاء حاجة عبده امل�ؤمن هو يف ذاته كر ٌم
منه �سبحانه ورحمة� ،إذ قد يكون يف ق�ضاء احلاجة التي يلح العبد يف ق�ضائها هالك له
يف دينه �أو دنياه.
سادسا :املكرم من �أكرمه اهلل تعالى بالإميان والهدى ،ولو كان فق ًريا مبتلى ،واملهان من ً •
�أهانه اهلل تعالى بالكفر والف�سوق والع�صيان ،ولو كان غن ًيا ووجي ًها.
23
•قال �( :أيها النا�س �إن اهلل طيب وال يقبل �إال طي ًبا) (أخرجه مسلم).
المعنى في حق اهلل
•الط ّيب يف �صفة اهلل تعالى مبعنى املنزه عن النقائ�ص ،وهو مبعنى القدو�س ،و�أ�صل الطيب:
الزكاة والطهارة وال�سالمة من اخلبث ،فهو طيب و�أفعاله طيبة ،و�صفاته �أطيب �شيء،
و�أ�سما�ؤه �أطيب الأ�سماء ،وا�سمه (الطيب) ،وال ي�صدر عنه �إال طيب ،وال ي�صعد �إليه �إال
طيب ،وال يقرب منه �إال طيب ،فالطيبات كلها له وم�ضافة �إليه و�صادرة عنه ومنتهية �إليه.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبة اهلل �سبحانه ل�صفاته و�أ�سمائه الطيبة اجلليلة الكرمية ،وحمده عليها و�إجالله
وتعظيمه ،والثناء عليه بها.
•ثان ًيا :ومن �آثار ا�سمه �سبحانه (الطيب) ما جاء يف احلديث نف�سه ،من �أنه �سبحانه طيب
ال يقبل �إال طي ًبا ،وال ينبغي �أن يتقرب �إليه العبد �إال بالطيب من الأقوال والأعمال املنبعثة
من املقا�صد الطيبة.
ثالثا :ومن �آثار الإميان با�سمه �سبحانه (الطيب) حمبة من اختاره �سبحانه لأن يكون • ً
طي ًبا من خملوقاته؛ لأنه ال يختار وال يخت�ص من املخلوقات �إال �أطيبها ،ف�إن امل�ؤمن ال
يحب وال ي�ؤثر من العقائد والأقوال ،والأعمال والأخالق ،والأ�صحاب واملناكح ،واملطاعم
وامل�شارب� ،إال �أطيبها و�أزكاها.
رابعا :حمده �سبحانه والثناء عليه واللهج بذكره و�شكره على ما �أنعم به �سبحانه علينا، • ً
حيث �أنزل علينا �أف�ضل كتبه ،و�أر�سل �إلينا �أف�ضل ر�سله ،و�شرع لنا �أف�ضل �شرائعه ،التي
كلها طيبة يف عقيدتها و�أحكامها و�أخالقها ،والتي تكفل لكل من تعلمها وعمل بها احلياة
الطيبة الهنيئة املطمئنة يف الدنيا والآخرة.
24
25
26
رابعا :الإميان با�سمه (اخلالق) ي�ستلزم قبول �شرعه ،واحلكم به ،والتحاكم �إليه ،وعدم • ً
الر�ضا بغريه بدي ًال؛ لأنه ال�شرع ال�صادر عن اخلالق احلكيم العليم بخلقه ونوازعهم
وم�صاحلهم ،فكان �أح�سن ال�شرع و�أكمله و�أ�صلحه } :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ {
[امللك.]14 :
خامسا :الإميان ب�أنه �سبحانه اخلالق كل �شيء يقت�ضي الإقرار بعلم اخلالق �سبحانه ً •
بجزئيات خلقه كلها �صغريها وكبريها ،دقيقها وجليلها.
سادسا :تعظيم اهلل وتكبريه و�إجالله ،وذلك عند معاينة خملوقاته العظيمة يف ً •
الآفاق والأنف�س ،لأن عظمة هذه املخلوقات ودقتها وانتظامها يدل على عظمة خالقها
و�إتقانه.
سابعا :الإميان بعلوه �سبحانه على خلقه ومباينته لهم ،فاخلالق �سبحانه بائن عن ً •
املخلوق بذاته و�صفاته ،فال احتاد وال حلول وال ممازجة ،تعالى اهلل عن ذلك عل ًوا كب ًريا.
27
28
29
32
33
•ورد ا�سمه �سبحانه (احلميد)يف �أكرث من �آية ،كما يف قوله تعالى } :ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ { [هود.]73 :
المعنى في حق اهلل
•(احلميد) �أي :املحمود يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أقواله ،و�شرعه وقدره ،ال �إله �إال هو،
وال رب �سواه.
•و(احلميد) يف �أفعاله؛ ف�إن �أفعاله تعالى دائرة بني الف�ضل والعدل.
وهو سبحانه حميد من وجهين
•أحدهما� :أن جميع املخلوقات ناطقة بحمده ،فكل حمد وقع من �أهل ال�سماوات والأر�ض،
الأولني منهم والآخرين ،وكل حمد يقع منهم يف الدنيا والآخرة ،ف�إن اهلل م�ستحقه من
وجوه كثرية ،منها� :أن اهلل هو الذي خلقهم ،ورزقهم ،و�أ�سدى عليهم النعم الظاهرة
والباطنة ،الدينية والدنيوية ،و�صرف عنهم النقم واملكاره.
•الوجه الثاني� :أنه يحمد �سبحانه على ما له من الأ�سماء احل�سنى ،وال�صفات الكاملة
العليا ،فله كل �صفات الكمال ال نح�صي ثنا ًء عليه.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبة اهلل حمبة عظيمة �صادقة ،ال ي�شاركه فيها �أحد من اخللق ،وهذه
املحبة بدورها تثمر عبوديات �أخرى يف القلب ،كالإخال�ص هلل تعالى واحلياء والأدب
مع اهلل ،وعبوديات الل�سان واجلوارح بالقيام ب�أوامره ،واجتناب نواهيه ،والتقرب
�إليه بطاعته.
•ثان ًيا :كرثة ذكره �سبحانه و�شكره ،وخ�صو�ص ًا بالأذكار التي تت�ضمن حمده �سبحانه،
والثناء عليه بالثناء احل�سن على ما له �سبحانه من الأ�سماء احل�سنى وال�صفات العال ،وملا
�أ�سداه �سبحانه على عباده من النعم التي ال تعد وال حت�صى.
34
ثالثا :اليقني ب�أن اهلل هو امل�ستحق للحمد كله على الإطالق ،كما قال �سبحانه عن • ً
نف�سه }:ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{� ،أي :هو الذي له جميع املحامد ب�أ�سرها ،ولي�س
ذلك لأحد �إال هلل تعالى ،وال نح�صي ثنا ًء عليه ،هو كما �أثنى على نف�سه ،و�أما ما ين�سب �إلى
املخلوق من احلمد فهو جزئي ،وحقيقته �أنه داخل يف حمد اهلل ،فما من حممود يحمد
على �شيء مما دق �أو جل �إال واهلل املحمود عليه بالذات والأولوية.
•كما �أن له احلمد على �شريعته احلكيمة التي كلها خري ورحمة ،ولو مل ندرك حكمة بع�ضها،
وكذلك �أحكامه �سبحانه القدرية ،فما كنا فيها م�أمورين مبدافعتها بالأ�سباب ال�شرعية
دافعنا ،وما كان منها �أمر مق�ضي؛ ف�إن الواجب حينها اال�ست�سالم والر�ضا واليقني ب�أن له
�سبحانه احلكمة البالغة التي يحمد عليها.
•كما �أن له احلمد يف �أحكامه اجلزائية يف الدنيا ويوم القيامة؛ لأنها كلها ف�ضل ورحمة �أو
عدل وحكمة.
35
36
•التوا�ضع للحق ،واالنقياد له بعد تبينه؛ لأن اخلري كله يف احلق ،وما بعد احلق �إال ال�ضالل.
•�صدق التوكل على (احلق) � -سبحانه وتعالى -لأن من كان على احلق الذي هو دين
اهلل ،ف�إنه يثق يف اهلل ،ويعتمد عليه يف ن�صره لدينه ،وت�أييده لأوليائه ,قال اهلل
}:ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ { [النمل.]79 :
•الثقة يف ن�صر اهلل لدينه احلق و�أوليائه الثابتني عليه ،وعدم االغرتار بانتفا�ش الباطل
وزبده يف وقت من الأوقات ف�إنه ذاهب.
•الإميان با�سمه �سبحانه (احلق) ،وما ي�ستلزم ذلك من �أنَّ وعده احلق ،ولقاءه احلق،
واجلنة حق ،والنار حق؛ فكل ذلك يثمر يف القلب اال�ستعداد للقاء اهلل ،واخلوف من
املقام بني يديه �سبحانه ،وال�شوق �إلى جنته ،واخلوف من عذابه.
37
الفصل الثاني
•يقول الإمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى�« :إن التوكل حال مر ّكبة من جمموع �أمور ال تتم
حقيقة التوكل �إال بها ...ف�أول ذلك :معرفة بالرب و�صفاته من قدرته وكفايته وقيوميته
وانتهاء الأمور �إلى علمه و�صدورها عن م�شيئته وقدرته .وهذه املعرفة �أول درجة ي�ضع بها
العبد قدمه يف مقام التوكل� - ،إلى �أن قال رحمه اهلل تعالى :-والتوكل من �أعظم املقامات
متع ّل ًقا بالأ�سماء احل�سنى( .مدارج السالكني .)118 ، 117/2
•ويقول ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :فقوة الرجاء على ح�سب قوة املعرفة باهلل �سبحانه
و�أ�سمائه و�صفاته ،وغلبة رحمته غ�ضبه ،ولوال روح الرجاء ل ُع ِّطلت عبودية القلب
واجلوارح ،...بل لوال روح الرجاء ملا حتركت اجلوارح بالطاعة ،ولوال ريحه الطيبة ملا
جرت �سفن الأعمال يف بحر الإرادات»( .مدارج السالكني .)42/2
•والرجاء ال يت�صور من مف ِّرط م�سرف مقيم على م�ساخط اهلل تعالى� ،آخذ ب�أ�سباب
الهالك ،بل �إنه ال يكون �إال مع انعقاد �أ�سباب النجاة ...وهذا ما يقرره ابن القيم -رحمه
اهلل تعالى -حيث يقول« :ح�سن الظن �إمنا يكون مع انعقاد �أ�سباب النجاة ،و�أما مع انعقاد
�أ�سباب الهالك فال يت�أتى �إح�سان الظن ،ف�إن قيل :بل يت�أتَّى ذلك؛ ويكون م�ستند ح�سن
الظنِّ � :سعة مغفرة اهلل ورحمته وعفوه وجوده؛ و�أن رحمته �سبقت غ�ضبه؛ و�أنه ال تنفعه
العقوبة وال ي�ض ُّره العفو .قيل :الأمر هكذا ،واهلل فوق ذلك ،و�أج ُّل و�أكرم؛ و�أجود و�أرحم،
ٌ
مو�صوف باحلكمة وال ِعزَّة واالنتقام ولكن �إمنا ي�ضع ذلك يف حم ِّله الالئق به ،ف�إنه �سبحانه
و�ش َّدة البط�ش؛ وعقوبة من ي�ستح ُّق العقوبة ،فلو كان ُم َع َّول ح�سن الظنِّ على جم َّرد �صفاته ِ
املجرم
َ رب والفاجر؛ وامل�ؤمن والكافر؛ وول ُّيه وعد ُّوه .فما ينفع و�أ�سمائه ،ال�شرتك يف ذلك ال ُّ
�أ�سما�ؤُه و�صفا ُته وقد باء ب�سخطه وغ�ضبه؛ و َت َع َّر�ض ِل َل ْع َن ِته؛ و�أوقع يف حمارمه؛ وانتهك
40
حرماته؟! بل ح�سن الظنِّ ينفع من تاب وندم و�أقلع ،و َب ّدل ال�سيئة باحل�سنة ،وا�ستقبل بق َّية
ُع ُمره باخلري والطاعة ،ثم �أح�سن الظنَّ ،فهذا ُح ْ�سنُ ظنِّ ،والأول غرو ٌر ،واهلل امل�ستعان».
(اجلواب الكافي ص .)37 ، 36
•ومن الأ�سماء التي تثمر التوكل على اهلل ،وقوة الرجاء والتعلق به � -سبحانه وتعالى :-
الرحمن ،الرحيم -الرب -املح�سن -اللطيف -الودود -الغفور -الغفار -الر�ؤوف
-العفو -التواب -الفتاح -الوا�سع -الرفيق -القريب -املجيب -العليم -احلكيم
احلي-الوهاب -ال ّرزاق -املعطي -اجلواد -امل ّنان -القوي -العزيز ّ - -ال�سالم ّ -
الق ّيوم -القدير -املجيد -ال�صمد -املقيت -ال�شايف -الأول ،الآخر -الوكيل -الغني-
الكفيل -احلفيظ -احل�سيب.
41
•ومن لطف اهلل تعالى بعبده� :أن يجعل ما يبتليه به من املعا�صي �سب ًبا لرحمته ،فيفتح له
عند وقوع ذلك باب التوبة والت�ضرع ،واالبتهال �إلى ربه ،وازدراء نف�سه واحتقارها ،وزوال
العجب والكرب من قلبه ،ما هو خري له من كثري من الطاعات.
•ومن لطفه بعبده احلبيب عنده� :إذا مالت نف�سه مع �شهوات النف�س ال�ضارة ،وا�سرت�سلت يف
ذلك �أن ينغ�صها عليه ويكدّرها ،فال يكاد يتناول منها �شي ًئا �إال مقرو ًنا باملكدرات ،حم�ش ًوا
بالغ�ص�ص؛ لئال مييل معها كل امليل (انظر :املذاهب الربانية من اآليات القرآنية ص .)76-71
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•حمبة اهلل والأن�س به ،حيث �إنه يلطف بعباده امل�ؤمنني ،ويح�سن �إليهم ,ويرفق بهم,
وال يعجل عليهم بالعقوبة ،وي�سوق لهم اخلري من حيث يحت�سبون ،ومن حيث ال يحت�سبون،
بل قد ي�سوق لهم اخلري من حيث يكرهون .وهذه املحبة تثمر التقرب �إليه �سبحانه ب�أنواع
العبوديات ،كما تثمر احلياء والإجالل له �سبحانه ،وهذا احلياء يدفع العبد �إلى تعظيم
حرماته �سبحانه فال يغ�شاها ،وحدوده فال يقربها ،كما تثمر هذه املحبة الدعوة �إليه
�سبحانه واجلهاد يف �سبيله ،والت�ضحية بالنف�س واملال يف �سبيل مر�ضاته.
•الطم�أنينة وال�سكينة التي ي�سكبها هذا اال�سم الكرمي يف قلب امل�ؤمن.
•�صدق التوكل على اهلل والر�ضا مبا يختاره �سبحانه ،والإكثار من دعاء اال�ستخارة،
الذي به يفو�ض العبد ربه �سبحانه يف �أن يختار له ما كان له فيه اخلري يف الدنيا والآخرة.
•�إن اهلل �سبحانه وتعالى ال يفوته من العلم �شيء و�إن دق و�صغر؛ لأنه اللطيف اخلبري.
مت�صف بدقة العلم ،و�إحاطته بكل �صغرية وكبرية؛ حا�سب نف�سه ٌ •ف�إذا علم العبد �أن ربه
على �أقواله و�أفعاله وحركاته و�سكناته ،ف�إنه يف كل وقت وحني ،بيـن يـدي اللطيـف
اخلبيـر } :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ { [امللك.]14 :
•ملا كان من معاين (اللطيف) الرب والرفق والإح�سان؛ ف�إن مما يثمره يف قلب امل�ؤمن
و�أخالقه �أن يتخلق بهذا اخللق العظيم ،فيكون رفي ًقا بعباد اهلل ،حم�س ًنا �إليهم ،با ًّرا
بهم؛ يحب اخلري ويفعله لهم ،ويكره ال�شر ويج ِّنبهم �إياه.
43
44
ثالثا :الثقة يف ن�صر اهلل تعالى وفتحه لعباده امل�ؤمنني ،فهو �سبحانه الذي ي�أتي بالفتح بني • ً
عباده امل�ؤمنني و�أعدائه الكافرين ،ومنه الن�صر والتمكني ،فال يجوز بحال �أن يتطرق �إلى
نف�س امل�ؤمن الي�أ�س من فتحه �سبحانه ون�صره �إذا �أبط�أ ،فله �سبحانه احلكمة من ت�أخري
الفتح والن�صر.
رابعا :ملا كان فتحه �سبحانه نوعني :فتحه بحكمه ال�شرعي ،وفتحه بحكمه القدري ،ف�إن هذا • ً
الفهم يثمر يف قلب امل�ؤمن اغتباطه بفتحه ال�شرعي الديني ،الذي هو �شرعه على �أل�سنة ر�سله -
عليهم ال�صالة وال�سالم -وتوحيده و�س�ؤال اهلل الثبات عليه ،كما �أنه يثمر تفويـ�ض الأمـور
�إلى فتحه بحكمه القدري و�س�ؤال اهلل الفتاح العليم مفاتيح اخلري ،وما كان عاقبته خ ًريا،
واال�ستعاذة به من مفاتيح ال�شر وما ي�ؤول �إليه.
45
46
•جاء يف ُّ
ال�س َّنة الت�صريح بهذا اال�سم الكرمي « ،...ال َّلهم �إين �أ�س�ألك ب�أن لك احلمد ال �إله �إال
�أنت املنان » (أخرجه الترمذي وأبو داود ،وصححه األلباني).
المعنى في حق اهلل
•(امل ّنان) ف ّعال من قولك :مننت على فالن �إذا ا�صطنعت عنده �صنيعة و�أح�سنت �إليه ،فاهلل
هو املان على عباده ب�إح�سانه و�إنعامه ورزقه �إياهم.
•و(امل ّنان) الذي يجود بالنوال قبل ال�س�ؤال.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبة اهلل وحمده والثناء عليه على مننه العظيمة التي ال تعد وال تـح�صى،
و�أعظمهـا منة الـهداية للإيـمان.
•ثان ًيا :ال�شعور بالتطامن وه�ضم النف�س ،واالعرتاف ب�ضعفها ونق�صها ،و�أن العبد ال�ضعيف
لو وكل �إلى نف�سه طرفة عني لهلك وخاب وخ�سر ،ولكن توفيق اهلل للعبد ومنته عليه هو
الذي �أقامه وحفظه وي�سر له �أموره.
ثالثا :والثمرة ال�سابقة تقود �إلى ثمرة �أخرى� ،أال وهي عدم التعلق بالأ�سباب والركون • ً
�إليها ،و�أنه لوال منة اهلل و�إذنه بنفعها و�أثرها مل جتد على فاعلها �شي ًئا ،فاملا ُّن بكل
خري هو اهلل وحده م�سبب الأ�سباب ،وهذا يثمر �صدق التوكل على اهلل .
رابعا:البعد عن �صفة املنة على اخللق؛ لأن اهلل �سبحانه هو املانّ احلقيقي على عباده، • ً
وقد نهى اهلل ور�سوله عن املنّ بالعطية ور�ؤية النف�س و�إيذاء الفقراء باملنّ عليهم.
47
•ثان ًيا� :إن التعبد هلل تعالى با�سمه (الوا�سع) يفتح با ًبا وا�س ًعا من الأمل والرجاء عندما
تغلق �أبواب الرزق ،وعندما ت�شتد الكروب ،ويو�سو�س ال�شيطان يف ال�صدر ،و َي ِعد بال�شر،
ويبثّ الي�أ�س.
ثالثا� :إن التعبد هلل تعالى با�سمه (الوا�سع) يرد و�ساو�س ال�شيطان و�إيعاده بال�شر والفقر • ً
والبخل ،وعدم �إنفاق املال يف حماب اهلل تعالى ،ف�إذا علم العبد �سعة رزق اهلل وخزائنه
التي ال تنفد؛ كان هذا العلم واليقني داف ًعا لهذه الو�ساو�س ،وحاث ًا على اجلود يف �سبيل اهلل
رجاء رحمته وثوابه.
رابعا :عدم القنوط من رحمة اهلل تعالى ومغفرته ،وذلك حينما تزل القدم ويقع العبد • ً
يف املع�صية ،فيتذكر العبد ا�سمه �سبحانه (الوا�سع) و�أنه (وا�سع املغفرة) ،فحينئذ ي�سري
الرجاء يف القلب وال يكون لل�شيطان جمال يف التقنيط من رحمة اهلل تعالى.
وو�سع اهلل فيها على عباده خامسا :االغتباط ب�شريعة اهلل التي و�سعت كل خريّ ، ً •
حرجا ،والفرح بالهداية �إليها ،والأخذ ب�أ�سباب الثبات عليها، ومل يجعل فيها �ضي ًقا وال ً
والدعوة �إليها ،واجلهاد يف �سبيل ن�شرها و�إي�صالها للمحرومني منها.
سادسا :التخلق بهذه ال�صفة الكرمية مبا ينا�سب قدرة الإن�سان وحدوده ،وذلك ب�أن ً •
خل ُلق ،وا�سع ال�صدرِّ ،
مو�س ًعا -ب�إذن اهلل تعالى -على عباد ي�سعى امل�ؤمن ب�أن يكون وا�سع ا ُ
اهلل مبا يقدر عليه من مال� ،أو جاه� ،أو علم؛ في�س ُعهم بخلقه و�أدبه.
49
ﮊﮋﮌﮍ والع�صاة فهذا من عظيم ر�أفته ولطفه ورحمته ،قال تعالى} :
ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ { [الشورى.]19 :
ني من تفاوت �أرزاق العباد ،حيث جعل �أما داللته على ا�سمه �سبحانه (احلكيم) فهذا ب ٌ
�سبحانه بحكمته بع�ض عباده غن ًّيا وبع�ضهم فق ًريا ،وبع�ضهم بني ذلك ،وله �سبحانه
احلكمة البالغة.
خامسا :املحبة العظيمة التي يثمرها هذا اال�سم الكرمي يف قلوب �أولياء اهلل ً •
و�أ�صفيائه ،حيث َمنَّ عليهم ب�أعظم الرزق و�أنفعه� ،أال وهو رزق العلم النافع ،والعمل
ال�صالح ،والهداية �إليه.
سادسا� :إن �أعظم ما ا�ستُجلب به رزق اهلل والربكة فيه تقوى اهلل وطاعته قال ً •
�سبحانه } :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ { [الطالق.]3-2 :
ومادام �أن الطاعة باب �إلى الرزق والربكة؛ ف�إن العك�س �صحيح � ً
أي�ضا؛ ذلك �أن املع�صية
باب �إلى نق�ص الرزق �أو بركته� ،أو كون الرزق با ًبا للعا�صي �إلى النكد وال�شقاء.
سابعا :ينبغي للم�ؤمن املوحد �أن يجعل �أكرب همه ال�سعي لنيل الرزق الأعظم والف�ضل ً •
الأكرب� ،أال وهو ر�ضا اهلل �سبحانه وجنته ،فاجلنة �أعظم الرزق و�أف�ضله و�أكرمه.
•ثام ًنا� :إميان العبد با�سمه �سبحانه (الرزاق) يبعد عن القلب ال�شح والبخل؛ لأن ال�شعور
ب�أن ما يف اليد من رزق ،وما يف القلب من علم وهداية؛ هو من اهلل وحده ،و�أن املان به
هو اهلل �سبحانه ،وهو رزقه وف�ضله� ،إن هذا ال�شعور يدفع بامل�ؤمن �إلى التوا�ضع واجلود مبا
رزقه اهلل �سبحانه من علم �أو مال �أو جاه يف �سبيل اهلل تعالى.
51
53
54
•ورد هذان اال�سمان يف حديث �صحيح يف قوله � ...( :أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر ال �إله �إال
�أنت) (أخرجه البخاري).
المعنى في حق اهلل
•(املقدم ،امل�ؤخر) هو املنزل الأ�شياء منازلها ،يقدم ما �شاء منها وي�ؤخر ما �شاء؛ قدم
املقادير قبل �أن يخلق اخللق ،وقدم من �شاء بالتوفيق �إلى مقامات ال�سابقني ،و� ّأخر من
�شاء عن مراتبهم وثبطهم عنها ،ال مقدم ملا � َّأخر وال ُم� ِّؤخر ملا ق َّدم.
•واملقدم وامل�ؤخر من �أ�سمائه احل�سنى املزدوجة املتقابلة ،التي ال يطلق واحد مبفرده على
اهلل �إال مقرو ًنا بالآخر ،ف�إن الكمال يف اجتماعهما.
من آثار اإليمان بهذين االسمين الكريمين
•أو ًال :الإميان ب�أنه �سبحانه (املقدم وامل�ؤخر) يثمر يف قلب امل�ؤمن التعلق باهلل وحده،
والتوكل عليه �سبحانه؛ فمهما حاول الب�شر تقدمي �شيء مل يرد اهلل تقدميه� ،أو ت�أخري
�أمر مل يرد اهلل تعالى ت�أخريه؛ فلن ي�ستطيعوا ،وهذا يخ ِّل�ص القلب من اخلوف من املخلوق
�أو رجائه.
•ثان ًيا� :إن التقدم احلقيقي النافع هو التقدم �إلى طاعة اهلل وجنته ومر�ضاته ،والت�أخر
عن ذلك هو الت�أخر احلقيقي املذموم� ،أما التقدم يف الدنيا والت�أخر عنها فلي�س مبقيا�س
للتقدم والت�أخر.
• ً
ثالثا :الإميان بحكمته �سبحانه البالغة يف تقدمي ما قدم وت�أخري ما � َّأخر ،ومقت�ضى حكمته
�سبحانه يجعل امل�ؤمن ير�ضى وي�سلم ويعتقد ب�أن اخلرية فيما اختاره اهلل له من تقدمي �أو
ت�أخري ،وقد يكون يف ذلك الرحمة واللطف وهو ال ي�شعر.
• ً
رابعا :تقدمي من ق َّدمه اهلل وت�أخري من � َّأخره �سبحانه ،وذلك ب�أن يكون ميزان التقدمي
والت�أخري ،واحلب والبغ�ض ،والوالء والرباء؛ هو ميزان اهلل يف ذلك كله ،ال كما يزن به
�أكرث النا�س اليوم ،حيث يقدِّ مون �أهل اجلاه واملال والرئا�سات.
55
56
الفصل الثالث
•�إن علم العبد بعلم اهلل الذي ال تخفى عليه خافية ،وب�شهوده ومراقبته لعباده ،وب�سمعه
لأ�صواتهم ما �أعلنوا منها وما �أ�سروا ،وبب�صره �سبحانه الذي ال يحجبه �شيء ،وبخربته
التي يعلم بها مكنونات القلوب وخفايا املقا�صد والنوايا� ،إن ذلك كله يثمر يف قلب العبد
مراقبة ربه �سبحانه ،فال يكون على حال ظاهرة �أو باطنة ت�سخط اهلل ،وهذا الإميان
�إذا متكن يف قلب العبد �أثمر فيه الإخال�ص هلل تعالى يف جميع الأقوال والأعمال ،وانتفى
من العبد الرياء و�إرادة الدنيا ب�أعماله و�أقواله ،كما يثمر مراقبة ربه �سبحانه ب�أال يكون
يف حال ت�سخط اهلل و�أال يكون يف القلب من اخلواطر والأفكار �إال ما يحبه اهلل .
•و�إذا �شهد العبد عظمة اهلل و�إجالله وقهره وقدرته ،وكذلك �إحاطته وعلمه ورقابته و�سمعه
وب�صره ،وكذلك حكمه اجلزائي ،وعدله و�شدة انتقامه؛ قام يف القلب اخلوف منه �سبحانه
واخل�شية والوجل من عقابه ،و�أثمر ذلك امل�سارعة �إلى طاعته واالنقبا�ض عن �أ�سباب
�سخطه وعقابه.
•يقول الإمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :و�إذا جت َّلى �سبحانه ب�صفة ال�سمع والب�صر والعلم،
انبعث من العبد قوة احلياء ،في�ستحي من ربه �أن يراه على ما يكره� ،أو ي�سمع منه ما يكره،
�أو ُيخفي يف �سريرته ما ميقته عليه ،فتبقى حركاته و�أقواله وخواطره موزونة مبيزان ال�شرع
غري مهملة وال مر�سلة حتت حكم الطبيعة والهوى»( .طريق الهجرتني ص .)134
أي�ضا« :املراقبة :دوام علم العبد ويقينه باطالع احلق �سبحانه وتعالى على ظاهره •ويقول � ً
وباطنه ،فا�ستدامته لهذا العلم واليقني هي املراقبة ،وهي ثمرة علمه ب�أن اهلل �سبحانه
رقيب عليه ،ناظر �إليه� ،سامع لقوله ،وهو مطلع على عمله كل وقت وكل حلظة وكل نف�س
وكل طرفة عني»( .مدارج السالكني .)65/2
58
•وعن الف�ضيل بن عيا�ض قال« :امل�ؤمن يحا�سب نف�سه ،ويعلم �أن له موق ًفا بني يدي اهلل
تعالى ،واملنافق يغفل عن نف�سه ،فرحم اهلل عبدً ا نظر لنف�سه قبل نزول ملك املوت به».
(تاريخ بغداد .)184/4
• ُيروى �أن ابن عمر -ر�ضي اهلل عنهما -لقي ً
غالما يرعى الغنم ،ف�س�أله �أن يبيعه ر� ًأ�سا
منها ،فقال الغالم :الغنم لي�ست يل ،كما �أن �صاحبها مل ي�أذن يل ببيعها ،قال ابن عمر:
فبعني ر� ًأ�سا منها واحتفظ بالثمن لنف�سك وقل ل�صاحبها �إن ذئ ًبا قد اختطفها ،قال
الراعي :ف�أين اهلل � ًإذا.
•املراقبة والإخال�ص واخلوف من اهلل هي ثمرة التعبد ب�أ�سمائه �سبحانه :ال�سميع -
العليم -الرقيب -املحيط -الب�صري -اخلبري -ال�شهيد -احلفيظ -املهيمن -الباطن
-القيوم -القريب -اللطيف -العظيم -القدير -القاهر -العزيز -الكبري -القوي -
املتني -العلي -الأعلى -اجلبار -الديان -احلكم -احل�سيب.
59
61
62
63
64
خامسا� :إن الإميان ب�أن اهلل ال يخفى عن ب�صره �شيء ي�ضفي على امل�ؤمن الطم�أنينة ً •
وال�صرب واالحت�ساب ،حني يناله من �أعداء اهلل الأذى واالبتالء؛ وذلك لعلم العبد ب�أن اهلل
يرى ذلك ويعلمه ،و�أنه مل يح�صل �إال بعلمه وحكمته ،ولو �شاء اهلل النتقم من
�أعداء اهلل تعالى لأوليائه ،ولكنه �سبحانه حكيم ورحيم ولطيف بعباده ,حيث ي�سوق �إليهم
اخلري والرحمة من حيث ال ي�شعرون ،بل ومن حيث يكرهون .
65
66
67
•مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف كتاب اهلل و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة ،فعن عبد اهلل بن �أني�س،
يوم القيامة � -أو قال :العباد ُ -عراة ُغر ًال قال �سمعت ر�سول اهلل يقولُ ( :يح�شر ُ
النا�س َ
وت َي�سمعه من َب ُعد كما َي�سمعه َمنْ َق ُرب� :أنا ُ
امللك� ،أنا الد ّيان ب�ص ٍ
ُب ْه ًما) ...ثم ُيناديهم َ
...احلديث) (أخرجه احلاكم ،وصححه).
المعنى في حق اهلل
•(الديان) قيل :هو القهار ،وقيل هو احلاكم القا�ضي ،املجازي ،يقالِ :د ْنتُ الرجل �إذا
جزيته� ،أُدينه.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :اخلوف من اهلل �سبحانه وتعالى ،واجتناب ما ي�سخطه قبل يوم احل�ساب ،يوم
اجلزاء والف�صل والق�ضاء ،اليوم الذي يحكم اهلل فيه بحكمه بني النا�س ،ويقت�ص
فيه للمظلوم من الظامل.
اجتناب مظامل العباد من ثمرات الإميان با�سمه �سبحانه (الديان) ،الذي يحكم بني
عباده فيما كانوا فيه يختلفون ،وال ي�ستطيع �أحد �أن يخرج عن طاعته وحكمه وقهره.
•ثان ًيا :ومن �آثار الإميان با�سمه �سبحانه (الديان) ت�سلية املظلومني واملقهورين يف هذه
يوما ال ريب فيه �سيقت�ص فيه (الديان) �سبحانه من
الدنيا ،وذلك ب�أن يوقنوا ب�أن هناك ً
الظاملني ،وي�شفي �صدور املظلومني ممن ظلمهم.
• ً
ثالثا :توخي العدل مع النا�س ملن ابتاله اهلل باحلكم بينهم �أو جمازاتهم يف الدنيا،
و�إ�شاعة العدل واحلكم مبا �أنزل اهلل بني النا�س؛ لأن حكم اهلل تعالى هو احلكم العدل
الذي ال يتطرق �إليه ظلم وال جهل.
• ً
رابعا :الر�ضا بحكم اهلل تعالى :ال�شرعي ،والقدري ،واجلزائي.
69
70
71
72
•ثان ًيا :الثقة يف رحمة اهلل تعالى وحكمته ولطفه ،وذلك �إذا ر�أينا امل�صائب الفردية �أو
الكوارث اجلماعية وت�سلط الأعداء على امل�سلمني ،ف�إمياننا بقدرة اهلل وقهره لكل
�شيء ،و�أنه �سبحانه قادر على �أن يرفع امل�صائب ويكبت ويق�صم الكفرة ,ثم ال نراه �سبحانه
يفعل ذلك يف وقت من الأوقات؛ ف�إن هذا يجعلنا نوقن ب�أن هلل تعالى احلكمة يف ابتالء
امل�ؤمنني والإمالء للكافرين ،و�أن يف �أعطاف ذلك اللطف والرحمة وامل�صلحة.
ثالثا :االبتعاد عن الظلم ب�شتى �صوره ،وبخا�صة ظلم العباد يف دمائهم و�أموالهم • ً
و�أعرا�ضهم؛ لأن الإميان بقدرة اهلل تعالى وانتقامه للمظلومني من الظاملني يجعل العبد
يرتدع عن الظلم والعدوان ،وما �أح�سن القول امل�أثور�( :إذا دعتك قدرتك �إلى ظلم النا�س
فتذكر قدرة اهلل عليك).
رابعا :الإميان ب�أن ما �أودع اهلل من القدرة والقوة يف الإن�سان �إمنا هي من اهلل • ً
و�إنعامه وف�ضله ،وهذا ال�شعور يدفع امل�سـلم �إلى �أن ِّ
ي�سخر ما �أودع اهلل فيه من هـذه القدرة
يف طاعة اهلل ويف طريق اخلري والإ�صالح ،ويحذر من توجيه ذلك يف مع�صية اهلل
تعالى وطريق ال�شر والإف�ساد.
خامسا :على امل�ؤمن بقدرة اهلل � أال يغرت بقدرته وقوته -كما هو واقع الدول الكافرة ً •
التي اغرتت بقوتها الع�سكرية والتقنية ونحوها -و�أن يلج�أ �إلى اهلل �سـبحانه وتعالى فيما
ينوبه ،و�أن يترب�أ من الـحول والقوة �إال باهلل تعالى ،ولذا �أر�شدنا الر�سول � إلى �أن نقول
يف �أذكارنا« :ال حـول وال قوة �إال باهلل» ،وعلمنا اال�ستخارة يف الأمـور كلها.
73
الفصل الرابع
•يقول ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :من �صحت له معرفة ربه والفقه يف �أ�سمائه و�صفاته؛
علم يقي ًنا �أن املكروهات التي ت�صيبه واملحن التي تنزل به فيها من �ضروب امل�صالح التي
ال يح�صيها علمه وال فكرته»( .الفوائد ص ،)85وهذا يعني على ال�صرب والر�ضا واال�ست�سالم
حلكم اهلل . ُ
يل من الغنى ،وال�سقم •قال املربد« :قيل للح�سن بن علي� :إن �أبا ذر يقول :الفقر �أحب �إ َّ
يل من ال�صحة ،فقال :رحم اهلل �أبا ذر� ،أما �أنا ف�أقول :من اتكل على ح�سن اختيار �أحب �إ َّ
اهلل له مل يتمنّ �شي ًئا .وهذا ح ُّد الوقوف على الر�ضا مبا ت�صرف به الق�ضاء»( .سير أعالم
النبالء .)262/3
•وعن مكحول الأزدي ،قال� :سمعت ابن عمر -ر�ضي اهلل عنهما -يقول�« :إن الرجل ي�ستخري
اهلل تبارك وتعالى؛ فيختار له في�سخط على ربه ! فال يلبث �أن ينظر يف العاقبة ف�إذا
هو خري له»( .الزهد البن املبارك ص.)32
•اجتمع وهيب بن الورد ،و�سفيان الثوري ،ويو�سف بن �أ�سباط .فقال الثوري« :قد كنت �أكره
موت الفجاءة قبل اليوم ،و�أما اليوم :فوددت �أين ميت ،فقال له يو�سف بن �أ�سباط :ومل؟
فقال :ملا �أتخوف من الفتنة .فقال يو�سف :لكني ال �أكره طول البقاء ،فقال الثوري :ومل
حلا .فقيل لوهيب� :أي �شيء يوما �أتوب فيه و�أعمل �صا ً
تكره املوت؟ فقال :لعلي �أ�صادف ً
تقول �أنت ؟ فقال� :أنا ال �أختار �شي ًئا؛ �أحب ذلك �إ َّ
يل �أحبه �إلى اهلل .فق َّبل الثوري بني عينيه.
وقال :روحانية ورب الكعبة»( .مدارج السالكني .)215/2
•وعن �أبي عبد اهلل ال�صويف قال« :كتب رجل �إلى � ٍأخ له� :أما بعد ،ف�إين �أو�صيك بتقوى
اهلل والر�ضا بالقدر ،والت�سليم ملا علم اجلبار من مكنون الأجل ومق�سوم الرزق؛ ف�إن
76
اهلل جعل لكل نف�س رز ًقا مو�صو ًفا لي�س ل�شيء منه �إلى غريها من�صرف ،فال ي�شغلك
الرزق امل�ضمون لك عن العمل املفرو�ض عليك ،فقد �شغلت رجا ًال �أتعبت �أبدانهم ،وطالت
�أ�سفارهم ،ثم مل يزيدوا ومل يزدادوا على املق�سوم لهم رز ًقا ،رزقنا اهلل و�إياك القنوع
والر�ضاء؛ ف�إنه من ر�ضي قنع ،ومن قنع ر�ضي بق�سم اهلل وال�سالم»( .صالح املال البن
أبي الدنيا ص .)480
•ومن الأ�سماء احل�سنى التي تثمر عبودية ال�صرب والر�ضا بحكم اهلل تعالى :اللطيف -
احلكيم -العليم -اخلبري -الرب -الرحيم -القيوم -الرب -الوكيل -القدو�س -
ال�سالم -امل�ؤمن -الطيب -احلميد -اجلميل.
77
�- -شعور الغبطة وال�سرور بالهداية لهذه ال�شريعة العظيمة ،التي هي من لدن احلكيم
اخلبري ،و�شكر اهلل عليها ،وجتنب �أ�سباب زوالها ،وال�سعي لن�شرها بني النا�س.
- -الإذعان لأحكامه الدينية و�أوامره ال�شرعية ،واال�ست�سالم التام لها ،و�أال يكون يف
القلب منها �أدنى ريبة وال حرج.
وهذا الإذعان لأحكام اهلل تعالى ال�شرعية واجب وفر�ض متعني على الفرد ،واملجتمع،
والدولة ،وذلك ب�أن يكون احلكم والتحاكم �إلى �شرع اهلل وحده ،ورف�ض ما �سواه.
ثالثا :ويف �شهود �آثار حكمته �سبحانه يف �أقداره ثمار عظيمة يف القلب وال�سلوك ،منها الر�ضا • ً
بق�ضاء اهلل تعالى وقدره ،والإميان ب�أن ما يق�ضيه اهلل من �أحكامه الكونية القدرية فيها
احلكمة البالغة ،وفيها ال�صالح واخلري� ،إما يف احلال �أو امل�آل مما نعلمه وما ال نعلمه ,مما يعود
�إلى كمال علمه وحكمته ،ولو ظهر فيها �شيء تكرهه النفو�س وتت�أمل منه.
رابعا� :س�ؤال اهلل احلكمة؛ لأنه �سبحانه هو مالكها وم�سديها ,مع بذل الأ�سباب يف • ً
حت�صيلها بالعلم النافع ،والعمل ال�صالح.
79
•ورد ا�سمه �سبحانه (اخلبري) يف �آيات كثرية ،منها قوله �سبحانه }:ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ { [التحرمي.]3 :
•وقوله تبارك وتعالى } :ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ { [األنعام.]73 :
المعنى في حق اهلل
•(اخلبري) :الذي انتهى علمه �إلى الإحاطة ببواطن الأ�شياء وخفاياها كما �أحاط بظواهرها.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•الإميان ب�أن اهلل -تبارك وتعالى -خبري بعباده جميعهم من املـالئكة واجلن والإن�س
وغريهم ال يـخفى عليه خـافية منهم.
• َمنْ َع ِل َم �أن اهلل �سبحانه خبري بذلك كله ،و�آمن به �إميا ًنا ال ريب فيه؛ راقب ربه ،وارتدع
عن ذنبه ،ف ِع ْل ُمنا ب�أنه مطلع على ما ن�صنع يدفعنا �إلى ت�صحيح نوايانا وغ�ض �أب�صارنا،
وحفظ فروجنا ،و�أ�سماعنا و�أل�سنتا ،وحفظ جوارحنا كلها عن كل ما ي�سخطه �سبحانه.
•�إن حكمه �سبحانه ب�إهالك املجرمني والع�صاة مبني على خربته بهم ،ومبا ارتكبوه من
الذنوب والآثام واملعا�صي } :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ { [الفرقان ,]58 :وهذا جا ٍر يف
كل �أحكامه و�أق�ضيته ،وهذا يثمر يف القلب االطمئنان لأحكامه �سبحانه الكونية.
•ولأنه �سبحانه ي�ستوي عنده �إ�سرارنا القول �أو جهرنا به ،فهو عليم بذات ال�صدور ،ف�إن
العامل ب�أن اهلل خبري بعمله الظاهر والباطن يدفعه علمه �إلى التخل�ص من الآفات الباطنة
التي ال يعلمها �إال اهلل ,اخلبري ببواطن القلوب وخفايا النفو�س ،مثل� :آفات الرياء
والكرب واحل�سد وغريها.
•الإذعان واال�ست�سالم لأحكام اهلل ,العارف مبا ي�صلح لعـباده من ال�شـرائع التي
تت�ضـمن ما ينفعهـم وي�صلح �ش�ؤونهم.
80
82
83
84
85
•قال �« :إن اهلل جميل يحب اجلمال ،الكرب بطر احلق وغمط النا�س» (أخرجه مسلم).
المعنى في حق اهلل
•اجلميل من له نعوت احل�سن والإح�سان ،ف�إنه جميل يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله،
جميل يف �أ�سمائه ،ف�إنها كلها ح�سنى ،وكلها دالة على غاية احلمد واملجد والكمال.
•وكذلك هو اجلميل يف �أو�صافه؛ ف�إن �أو�صافه كلها �أو�صاف كمال ونعوت ثناء وحمد ،وكذلك
�أفعاله كلها جميلة ،وهي دائرة بني �أفعال الرب والإح�سان التي يحمد عليها ويثنى عليها وي�شكر،
وبني �أفعال العدل التي يحمد عليها ملوافقتها للحكمة واحلمد.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال� :إثبات �صفة اجلمال له �سبحانه على الوجه الالئق به على احلقيقة ،بال كيف وال
متثيل ،جمال الذات وال�صفات والأ�سماء والأفعال.
•ثان ًيا :حمبته �سبحانه وتعالى ملا له من كمال اجلمال يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله،
وما يرى من جمال يف خلق اهلل .
ثالثا :الر�ضا مبا يقدر اهلل ويق�ضيه من امل�صائب واملكدرات؛ لأنه �سبحانه ال يفعل �إال ما • ً
فيه احلكمة واخلري لعبده امل�ؤمن؛ لأن كل �أفعاله جميلة وما ين�ش�أ من الفعل اجلميل �إال جميل،
وهذا يثمر يف قلب امل�ؤمن الطم�أنينة �إلى �أقدار اهلل امل�ؤملة ،وح�سن الظن باهلل تعالى.
رابعا :ال�شوق �إلى ر�ؤية اهلل الذي له اجلمال كله ،واال�ستعداد بالعمل ال�صالح املقرب • ً
�إلى جنته ،والتنعم ب�أعظم نعيم يف اجلنة� ،أال وهو ر�ؤية اهلل .
خامسا :يف قوله �( :إن اهلل جميل يحب اجلمال) حث على التجمل والنظافة ،وهذا ً •
التجمل ي�شمل جمال الظاهر يف اجل�سد واللبا�س من غري �إ�سراف ،كما ي�شمل جمال
الأخالق ،وجمال الباطن يف القلب ،وما ينطوي عليه من الأعمال القلبية اجلميلة،
كالإخال�ص واملحبة ،و�سالمته من كل ما يدن�سه ويكدره.
86
الفصل الخامس
•ما �أكرث �أ�سماء اهلل احل�سنى التي تبعث يف قلب امل�ؤمن �شكره لربه وحمده واحلياء منه،
واالعرتاف ب�آالئه ومننه وعطائه .وال�شكر ال�صادق يثمر للعبد عبوديات �أخرى ،كاملحبة
والتعظيم والإجالل وامل�سارعة يف مر�ضاة اهلل ،والبعد عن م�ساخطه.
•عن علي بن عبد الرحمن قال« :كتب بع�ض احلكماء �إلى � ٍأخ له� :أما بعد يا �أخي ،فقد �أ�صبح
بنا من نعم اهلل ما ال نح�صيه مع كرثة ما نع�صيه ،فما ندري �أيها ن�شكر� :أجميل ما
ظهر �أم قبيح ما �سرت»؟ (الشكر البن أبي الدنيا ص .)194
•وعن بكر بن عبداهلل املزين قال« :لقيت � ًأخا يل من �إخواين ال�ضعفاء ،فقلت :يا �أخي
�أو�صني ،فقال :ما �أدري ما �أقول ،غري �أنه ينبغي لهذا العبد �أن ال يفرت عن احلمد
واال�ستغفار ،وابن �آدم بني نعمة وذنب ،وال ت�صلح النعمة �إال باحلمد وال�شكر ،وال الذنب �إال
بالتوبة واال�ستغفار .قال :ف�أو�سعني عل ًما ما �شئتُ » (الشكر البن أبي الدنيا ص .)150
•عن عبداهلل بن احل�سن ال�سكري البغدادي قال�« :سمعت علي بن خ�شرم يقول :كتب �إ ّ
يل
ب�شر بن احلارث �أبو ن�صر� :إلى �أبي احل�سن علي ابن خ�شرم :ال�سالم عليك ،ف�إين �أحمد
�إليك اهلل الذي ال �إله �إال هو� ،أما بعد :ف�إين �أ�س�أل اهلل �أن يتم ما بنا وبكم من نعمة ،و�أن
يرزقنا و�إياكم ال�شكر على �إح�سانه ،و�أن مييتنا ويحيينا و�إياكم على الإ�سالم ،و�أن ي�سلم لنا
ولكم خل ًفا من تلفً ،
وعو�ضا من كل رزية» (حلية األولياء .)341/8
•عن جعفر بن حممد بن علي بن احل�سني قال« :ملا قال �سفيان الثوري :ال �أقوم حتى
حتدثني ،قال له� :أنا �أحدثك ،وما كرثة احلديث لك بخري؛ يا �سفيان� ،إذا �أنعم اهلل عليك
بنعمة ،ف�أحببت بقاءها ودوامها :ف�أكرث من احلمد وال�شكر عليها ،ف�إن اهلل قال يف
كتابه }:ﭰ ﭱ ﭲ{ [إبراهيم( ]7 :حلية األولياء .)341/8
88
•عن �سليم بن من�صور بن عمار قال�« :سمعت �أبي يقول :دخلت على املن�صور �أمري امل�ؤمنني،
فقال يل :يا من�صور عظني و�أوجز .فقلت� :إن من حق امل ِنعم على املن َعم عليه �أن ال يجعل
ما �أنعم به عليه �سب ًبا ملع�صيته .فقال� :أح�سنت و�أوجزت» (تاريخ دمشق .)340/60
•عن �أبي عبد اهلل الرازي قال« :قال يل �سفيان بن عيينة :يا �أبا عبد اهلل �إن من ُ�شكر اهلل
على النعمة �أن نحمده عليها ،ون�ستعني بها على طاعته فما �شكر اهلل من ا�ستعان بنعمته
على مع�صيته» (حلية األولياء .)278/7
•ومن الأ�سماء التي تثمر عبودية ال�شكر له واحلياء منه �سبحانه :الرب -احلي -
القيوم -الرزاق -الوهاب -املعطي -املنان -اجلواد -الرب -الرحمن -الرحيم
-املقيت -الوكيل -الكفيل -ال�شايف -ال�شاكر ،ال�شكور -احلليم -الر�ؤوف -العفو -
الكرمي -الكايف -البا�سط -اللطيف -احليي -املجيب.
89
90
•مل يرد ذكر هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف حديث الر�سول �« إن
حيي كرمي ،ي�ستحي من عبده �إذا رفع يده �أن يردهما �صف ًرا» (أخرجهربكم تبارك وتعالى ٌّ
أبو داود والنسائي ،وصححه األلباني).
المعنى في حق اهلل
و�صف يليق به ،لي�س كحياء املخلوقني الذي هو تغري وانك�سار َي ْعرتي ال�شخ�ص •حيا�ؤه تعالى ٌ
وكمال جوده
ِ ترك ما لي�س يتنا�سب مع �سعة رحمته، عند خوف ما ُيعاب �أو ُيذم ،بل هو ُ
وكرمه ،وعظيم عفوه وحلمه .وهذا من رحمته وكرمه وكماله وحلمه �أنّ العبد يجاهر
باملعا�صي مع فقره ال�شديد �إليه ،حتى �إنه ال ميكنه �أن يع�صي �إال �أن يتقوى عليها بنعم ربه،
والرب مع كمال غناه عن اخللق كلهم من كرمه ي�ستحيي من هتكه وف�ضيحته ،و�إحالل العقوبة
به ،في�سرته مبا يقي�ض له من �أ�سباب ال�سرت ،ويعفو عنه ،ويغفر له.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبة اهلل و�إجالله وتعظيمه وحمده و�شكره والثناء عليه ،وذلك مبا يقت�ضيه
هذا اال�سم الكرمي من احللم والكرم والعفو وال�سرت منه �سبحانه على عباده.
•ثان ًيا :احلياء منه �سبحانه ،واالنك�سار بني يديه ،ومقت النف�س ،واالعرتاف بتق�صريها،
حيث ينعم �سبحانه على عباده ،ويحلم عنهم ،وي�سرتهم ،وهم متمادون يف معا�صيه.
ثالثا :احلياء من اخللق �أن يروه على فعل قبيح �أو خارم للمروءة ،وهذا احلياء يحبه اهلل • ً
،بل هو من �شعب الإميان كما جاء يف احلديث« :واحلياء �شعبة من الإميان» (أخرجه
البخاري ومسلم) .ولكن ينبغي �أال يكون احلياء �سب ًبا جلهل الإن�سان باحلق� ،أو تفويت ما
مذموما.
ً يحتاج �إليه يف دينه �أو دنياه ،ف�إنه يف هذا احلال ي�صري
رابعا :حياء املرء من نف�سه؛ وهو حياء النفو�س ال�شريفة العزيزة الرفيعة من ر�ضاها • ً
لنف�سها بالنق�ص ،وقناعتها بالدون ،فيجد نف�سه م�ستح ًيا من نف�سه حتى ك�أن له نف�سني،
ي�ستحي ب�إحداهما من الأخرى ،وهذا من �أكمل ما يكون من احلياء ،ف�إن العبد �إذا ا�ستحيا
من نف�سه فهو ب�أن ي�ستحي من غريه �أجدر.
91
93
•مل يرد هذان اال�سمان يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا وردا ب�صيغة الفعل كما يف قوله �سبحانه:
} ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ { [البقرة.]245 :
•�أما احلديث النبوي فقد ورد فيه ذكر هذين اال�سمني الكرميني ،فقال ر�سول اهلل �( :إن
اهلل هو امل�س ِّعر ،القاب�ض البا�سط) (أخرجه الترمذي ،وصححه األلباني).
المعنى في حق اهلل
•هذان اال�سمان الكرميان من الأ�سماء املتقابالت التي ال ينبغي �أن يفرد �أحدها عن قرينه،
وال �أن يثنى على اهلل بواحد منهما �إال مقرو ًنا مبقابله؛ لأنَّ الكمال املطلق �إمنا َيح�صل
مبجموع الو�صفني.
•فهو القاب�ض للأرزاق والأرواح والنفو�س ،والبا�سط للأرزاق والرحمة والقلوب.
من آثار اإليمان بهذين االسمين الكريمين
•أو ًال :حمبة اهلل الذي بيده الب�سط وال�سعة ،وبيده القب�ض والت�ضييق ،وهو العليم
احلكيم ،وهذا يثمر املحبة هلل تعالى والأن�س به ،وال�شكر له.
•ثان ًيا :جتريد التوكل عليه وحده وتفوي�ض الأمور �إليه �سبحانه ،ذلك �أنه القاب�ض البا�سط
وحده� ،إذ ال با�سط ملا قب�ض ،وال قاب�ض ملا ب�سط ،فمن هذه �صفاته فهو امل�ستحق �أن يتوكل
عليه وحده ،وي�ستعان وي�ستغاث به.
ثالثا :الر�ضا مبا يق�سم اهلل من رزق وغريه� ،سواء كان ً
ب�سطا �أو ً
قب�ضا؛ لأنه �سبحانه • ً
احلكيم العليم بخلقه وما ي�صلح لهم.
رابعا� :س�ؤال اهلل � أعظم الب�سط و�أف�ضله ،وهو ب�سط الرحمة والهداية على القلب؛ • ً
حتى ي�ست�ضيء بنور الإميان ،ويتخل�ص من �آثار الذنوب.
94
خامسا :الإميان ب�أن كل ما ي�صدر عن اهلل من ب�سط وقب�ض ،فله احلكمة البالغة ً •
فيه ،وال يعني ب�سطه �سبحانه على �أحد من خلقه يف �شيء من الدنيا ر�ضاه عن املب�سوط له،
أي�ضا قب�ضه �سبحانه عن �أحد من خلقه يف �شيء من الدنيا �سخطه عليه ومقته كما ال يعني � ً
له ،كال ،بل قد يدل ذلك على العك�س؛ �إذ �إن اهلل ي�ضيق على بع�ض �أوليائه رحمة بهم
وا�ستدراجا.
ً ولط ًفا ،ويو�سع ويب�سط على �أعدائه �إمالء لهم
سادسا :احلذر من ا�ستعمال ما ب�سط اهلل من الرزق وغريه يف معا�صيه ،بل الواجب ً •
�شكر اهلل على ذلك بالقلب والل�سان والأعمال.
95
•مل يرد ذكر ا�سمه �سبحانه (املعطي) يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة النبوية ،قال
ريا يفقهه يف الدين ،واهلل املعطي و�أنا القا�سم) (أخرجه ر�سول اهلل ( :من يرد اهلل به خ ً
البخاري).
المعنى في حق اهلل
•اهلل �سبحانه هو املعطي على احلقيقة ،ال مانع ملا �أعطى وال معطي ملا منع ،وعطا�ؤه
�سبحانه وا�سع لي�س له حدود وال قيود ،يعطي عباده يف الدنيا؛ كافرهم وم�ؤمنهم� ،أما يف
الآخرة ف�إن عطاءه وف�ضله ال يكون �إال للم�ؤمنني .وعطا�ؤه �سبحانه وا�سع ي�شمل كل العطايا
والهبات ،و�أعظمها عطية الإميان والهداية .وبني ا�سمه �سبحانه (املعطي) و�أ�سمائه
�سبحانه( :الوهاب)( ،املنان)( ،اجلواد) تقارب يف املعاين والآثار.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبته �سبحانه وحمده والثناء عليه و�شكره على ما له من العطايا املتنوعة يف الدين
والدنيا ،والتي ال تعد وال حت�صى ،وال�شكر على ذلك ي�ستلزم العمل بطاعته �سبحانه،
واجتناب حمارمه ،وتعظيم �أوامره ونواهيه.
•ثان ًيا� :س�ؤاله �سبحانه وحده والتعلق به يف جلب املنافع وامل�صالح ،ودفع امل�ضار؛ �إذ �إن
املخلوق ال�ضعيف ال ميلك من ذلك �شي ًئا �إال �أن ي�أذن اهلل ويجعله �سب ًبا يف العطية،
واحلر�ص يف �س�ؤال اهلل على العطية العظيمة التي ال تبيد وال تفنى� ،أال وهي اجلنة
ونعيمها ور�ؤية اهلل .
ثالثا :ال�سخاء مبا يف اليد ،و�إعطا�ؤه م�ستحقيه من الفقراء واملحتاجني؛ لأن املال مال • ً
اهلل ،وهو املعطي على احلقيقة ،فمن �شكر اهلل يف نعمة املال ،اجلود به و�إعطا�ؤه
مل�ستحقيه.
• ً
رابعا :كما �أن من �آثار ا�سمه �سبحانه (املعطي) عدم املن بالعطية؛ لأنها من اهلل على
احلقيقة ،و�إمنا العبد م�ستخلف فيه لالبتالء.
96
الفصل السادس
•يقول ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :على قدر املعرفة يكون تعظيم الرب تعالى يف القلب،
و�أعرف النا�س به �أ�شدهم له تعظي ًما و�إجال ًال ,وقد ذم اهلل تعالى من مل يعظمه حق عظمته،
وال عرفه حق معرفته ،وال و�صفه حق �صفته؛ و�أقوالهم تدور على هذا ,فقال تعالى :ﱫ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ [نوح.]13 :
-قال ابن عبا�س وجماهد« :ال ترجون هلل عظمة».
-وقال �سعيد بن جبري« :ما لكم ال تعظمون اهلل حق عظمته؟».
-وقال الكلبي« :ال تخافون هلل عظمة».
-قال البغوي« :والرجاء مبعنى اخلوف ،والوقار :العظمة؛ ا�سم من التوقري ،وهو
التعظيم».
-وقال احل�سن« :ال تعرفون هلل ح ًّقا ،وال ت�شكرون له نعمة».
•وروح العبادة :هو الإجالل واملحبة؛ ف�إذا تخلى �أحدهما عن الآخر ف�سدت ،ف�إذا اقرتن
بهذين الثناء على املحبوب املعظم ،فذلك حقيقة احلمد»( .مدارج السالكني .)495/2
تو�سد املوت �إذا منت ،واجعله ن�صب •قال هرم بن حيان لأوي�س القرين� :أو�صني .قالّ :
عينيك ،و�إذا قمت فادع اهلل �أن ي�صلح لك قلبك ونيتك ،فلن تعالج �شي ًئا �أ�شد عليك منهما؛
بينا قلبك معك ونيتك �إذا هو مدبر ،وبينا هو مدبر �إذا هو مقبل ،وال تنظر يف �صغر
اخلطيئة ،ولكن انظر �إلى عظمة من ع�صيت( .صفة الصفوة .)55/3
•وكتب عمر بن عبد العزيز -رحمه اهلل تعالى � -إلى بع�ض ع ّماله�« :أما بعد ،فقد �أمكنتك
القدرة من ظلم العباد ،ف�إذا هممت بظلم �أحد فاذكر قدرة اهلل عليك ،واعلم �أنك ال ت�أتي
98
�إلى النا�س �شي ًئا �إال كان زائ ًال عنهم باق ًيا عليك ،واعلم �أن اهلل � آخ ٌذ للمظلومني من
الظاملني وال�سالم»( .إحياء علوم الدين .)55/4
•ومن الأ�سماء احل�سنى التي تبعث يف القلب تعظيم الرب �سبحانه و�إجالله والأدب معه:
احلي -القيوم -الظاهر -الباطن -الرب -ال�سيد -القاهر -العظيم -الكبري -
اجلبار -العلي -املحيط -امللك -القوي -العزيز -القدير -الوا�سع -احلميد -املجيد
-املهيمن -املتكرب -الوارث.
99
100
101
102
103
104
106
107
رابعا :تعظيم �أمره �سبحانه ونهيه ،وتعظيم ن�صو�ص الكتاب وال�سنة واال�ست�سالم لها, • ً
وعدم التقدم بني يدي اهلل تعالى ور�سوله بر�أي �أو اجتهاد.
خامسا :تعظيم �شعائر اهلل وحرماته؛ قال اهلل تعالى } :ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ً •
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ { [احلج.]30 :
ومن تعظيم �شعائر اهلل تعالى تعظيم احلج و�شعائره كال�صفا واملروة ،والذبح هلل تعالى،
وتعظيم �شعرية ال�صالة ،والزكاة ،وال�صيام ،واجلهاد ،والأمر باملعروف والنهي عن
املنكر ،وغريها من �شعائر اهلل تعالى وفرائ�ضه.
ومن تعظيم حرمات اهلل تعالى تعظيم مناهيه واجتنابها ،كالربا والزنا و�شرب اخلمر
و�سائر الكبائر واملحرمات ،فاجتناب حمارم اهلل تعالى دليل على تعظيم اهلل تعالى
وتوقريه ،والغ�ضب عند انتهاكها من تعظيم اهلل .
108
109
110
112
113
114
} ﭷﭸﭹ •ورد ذكر ا�سمه �سبحانه (العزيز) يف كتاب اهلل كث ًريا ،ومنه قوله تعالى:
ﭺ ﭻ { [البقرة.]260 :
•و(العزيز) الذي له العزة كلها :عزة القوة ،وعزة الغلبة ،وعزة االمتناع ،فامتنع �أن يناله
�أحد من املخلوقات ،وقهر جميع املوجودات ،ودانت له اخلليقة ،وخ�ضعت لعظمته.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :ا�سمه �سبحانه (العزيز) ي�ستلزم توحيده وعبادته وحده ال �شريك له؛ �إذ ال�شركة
تنايف كمال العزة.
•ثان ًيا :ومن كمال العزة تربئته �سبحانه من كل �سوء ،وتنزيهه من كل �شر ونق�ص.
ثالثا :من كمال عزته �سبحانه ،نفاذ حكمه و�أمره يف عباده ،وت�صريف قلوبهم على ما • ً
ي�شاء ،وهذا ما ال يقدر عليه �إال اهلل �سبحانه ،وهو ما يجعل العبد خائ ًفا من ربه �سبحانه،
الئذا بجنابه ،معت�ص ًما به ،مترب ًئا من احلول والقوة ،ي�س�أل ربه حفظ قلبه ،و�صالح دينهً
ودنياه.
أي�ضا يف ق�ضائه� :أن ي�شهد �أن الكمال واحلمد ،والغنى التام،رابعا :ومن �شهود عزته � ً• ً
والذم ،والعيب والظلم واحلاجة ،وكلما والعزة ك َّلها هلل ،و�أن العبد َ
نف�سه �أولى بالتق�صري ِّ
ازداد �شهوده لذله ونق�صه وعيبه وفقره؛ ازداد �شهوده لعزة اهلل وكماله ،وحمده وغناه.
خامسا :يثمر الإميان بهذا اال�سم الكرمي العزة يف قلب امل�ؤمن ،و�أنه مهما ابتغى العبد
ً •
العزة عند غري اهلل تعالى ويف غري دينه؛ فلن يجدها ،ولن يجد �إال الذل وال�ضعف والهوان.
وال�شعور بهذه العزة؛ يثمر التعايل على الباطل و�أهله ،وعدم اال�ستكانة لهم مهما ت�سلطوا
على العبد ،فغاية ما يقدرون عليه الأذى الظاهري.
115
سادسا :كما يثمر هذا ال�شعور ،عدم الركون �إلى �شيء من هذه الدنيا الفانية ،وجعلها ً •
م�صدر العزة والقوة ،فكم ر�أينا و�سمعنا عن كثري من النا�س الذين اغرت بع�ضهم مباله �أو
جاهه �أو ولده �أو �سلطانه ومن�صبه؛ فكانت كلها �سب ًبا يف �إذالله وا�ستخذائه و�شقائه.
سابعا :من �أ�سباب العزة العفو والتوا�ضع والذلة للم�ؤمنني ،قال ...( :وما زاد اهلل ً •
عبدا بعف ٍو �إال عزًّا) (أخرجه مسلم).
ً
•ثام ًنا� :سمى اهلل تبارك وتعالى كتابه( :العزيز) ،وذلك يف قوله �سبحانه }:ﮏ ﮐ
ﮑ { [فصلت ،]41 :ومن عزته؛ �أنه غالب بحججه وكماله و�شموله ،ومن قال به واحتج
به؛ فهو الغالب العزيز ،ومن عزته؛ �أن يعز ويرفع من عمل به ودعا �إليه.
116
الفصل السابع
•�إن تعظيم اهلل واخلوف منه وحده ،و�شهود قهره وعلوه و�إحاطته ومراقبته وعزته
وقوته وربوبيته ،وواليته ،ون�صره ،ووعده ووعيده؛ كل ذلك يثمر يف القلب الأخالق العالية،
ومنها ال�شجاعة والثبات على احلق والن�صيحة يف �سبيل اهلل واال�ستهانة بالباطل
و�أهله؛ لأنهم يف قب�ضة اهلل وحتت قهره وملكه و�سلطانه.
•«وهو �سبحانه يحب موجب �أ�سمائه و�صفاته ,فهو عليم يحب كل عليم ،جواد يحب كل
جواد ،وتر يحب الوتر ،جميل يحب اجلمال ،عفو يحب العفو و�أهله ،حيي يحب احلياء
و�أهله ،بر يحب الأبرار� ،شكور يحب ال�شاكرين� ،صبور يحب ال�صابرين ،حليم يحب �أهل
احللم»( .بدائع التفسير .)316/2
•يقول ابن القيم رحمه اهلل تعالى�« :إن التوا�ضع يتولد من بني العلم باهلل �سبحانه ومعرفة
�أ�سمائه و�صفاته ونعوت جالله وتعظيمه وحمبته و�إجالله ،ومن معرفته بنف�سه وتفا�صيلها
وعيوب عملها و�آفاتها ,فيتو ّلد من بني ذلك ك ِّله خل ٌق هو التوا�ضع؛ وهو :انك�سار القلب هلل؛
أحد ف�ض ًال؛ وال َيرى له عند � ٍ
أحد الذل والرحمة بعباده ،فال َيرى له على � ٍ وخف�ض جناح ِّ
ح ًّقا ،بل يرى الف�ضل للنا�س عليه؛ واحلقوق لهم ِق َب َله ،وهذا ُخل ٌق �إمنا ُيعطيه اهلل من
ُيح ُّبه و ُيكرمه و ُيق ِّربه»( .الفوائد ص 158 ،157باختصار).
أي�ضا�« :أركان الكفر �أربعة :الكرب ،واحل�سد ،والغ�ضب ،وال�شهوة ،فالكرب مينعه •ويقول � ً
االنقياد ،واحل�سد مينعه قبول الن�صيحة وبذلها ،والغ�ضب مينعه العدل ،وال�شهوة متنعه
التفرغ للعبادة ...ومن�ش�أ هذه الأربعة :من جهله بربه وجهله بنف�سه ،ف�إنه لو عرف ربه
ب�صفات الكمال ونعوت اجلالل ،وعرف نف�سه بالنقائ�ص والآفات؛ مل يتكرب ومل يغ�ضب
لها ومل يح�سد �أحدً ا على ما �آتاه اهلل ،ف�إن احل�سد يف احلقيقة نوع من معاداة اهلل ،ف�إنه
118
يكره نعمة اهلل على عبده ...فهو م�ضاد هلل يف ق�ضائه وقدره وحمبته وكراهته .ولذلك
كان �إبلي�س عد ًّوا حقيقة؛ لأن ذنبه كان عن كرب وح�سد .فقلع هاتني ال�صفتني مبعرفة اهلل
وتوحيده والر�ضا به وعنه والإنابة �إليه»( .الروح ص .)522
•ومن الأ�سماء احل�سنى التي تثمر الأخالق الكرمية :الكرمي -اجلواد -املح�سن -املنان -
الرفيق -احلليم -ال�ستري -الوهاب -املعطي -العفو -الرحيم.
119
•مل يرد ذكر هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا جاء ذلك يف ُّ
ال�س َّنة عن ابن عبا�س
-ر�ضي اهلل عنهما -قال :قال ر�سول اهلل �« :إن اهلل تعالى جواد يحب اجلود ،ويحب
معايل الأخالق ،ويكره �سفا�سفها» (أخرجه أبونعيم في احللية ،وصححه األلباني في السلسلة وصحيح
اجلامع).
المعنى في حق اهلل
•(اجلواد) يعني� :أنه تعالى اجلواد املطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات ،وملأها من
ف�ضله ،وكرمه ،ونعمه املتنوعة ،وخ�ص بجوده ال�سائلني بل�سان املقال �أو ل�سان احلال؛ من
بر ،وفاجر ،وم�سلم ،وكافر ،ومن جوده الوا�سع ما �أعده لأوليائه يف دار النعيم ،مما ال عني
ر�أت ،وال �أذن �سمعت ,وال خطر على قلب ب�شر.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :قال ابن القيم رحمه اهلل« :فهو �سبحانه ُي ِح ُّب من عباده �أن ُي�ؤَ ِّم ُلوه ويرجوه وي�س�ألوه
من ف�ضله؛ لأنه امللك احل ُّق (اجلواد)� ،أجود من ُ�س ِئ َل؛ و�أو�سع من �أعطى» (مدارج السالكني
،)50/2وهذا يثمر التوجه �إلى اهلل وحده اجلواد الكرمي و�س�ؤاله �سبحانه وترك ما �سواه.
•ثان ًيا :ال َتخـلق ب�صـفة (اجلود) وال�سعي لإي�صال اخلري للنا�س ،والإنفاق ب�سـخاء يف وجوه
اخلري التي يحبها اهلل ,فاهلل جواد يحب الأجواد من عباده.
120
121
•ورد هذا اال�سم الكرمي يف ال�سنة املطهرة ،قال ر�سول اهلل �« :إذا حكمتم فاعدلوا و�إذا
قلتم ف�أح�سنوا ،ف�إن اهلل حم�سن يحب الإح�سان» (أخرجه ابن عدي في الكامل ،وحسنه األلباني
في الصحيح «.)»470
المعنى في حق اهلل
•(�إن اهلل تعالى حم�سن)�« :أي :الإح�سان له و�صف الزم؛ ال يخلو موجود عن �إح�سانه طرفة
عني ،فال بد لكل مكون من �إح�سانه �إليه بنعمةالإيجاد ونعمة الإمداد» (فيض القدير .)264/2
•واهلل �سبحانه حم�سن يف �إنعامه ،فيعطي النعم الكثرية التي ال تعد وال حت�صى ،وحم�سن
يف فعله ،فهو �سبحانه وتعالى �أح�سن كل �شيء خلقه ،قال تعالى } :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨﮩ { [السجدة.]7 :
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :الفرح بهذا الدين و�شريعة الإ�سالم التي هي من �آثار �إح�سانه �سبحانه ،وال�سعي
لن�شرها والدعوة �إليها؛ لتهن�أ الب�شرية بهذا الإح�سان العظيم.
•ثان ًيا :التحلي ب�صفة الإح�سان ،وال�سعي �إلى �أن يكون العبد من املح�سنني الذين يحبهم
اهلل .
والإح�سان من العبد نوعان:
- -األول� :إح�سان يف عبادة اهلل تعالى.
- -والثاني� :إح�سان �إلى عباد اهلل تعالى ،وذلك ب�إي�صال جميع �أنواع اخلري لهم،
وكال النوعني قد وعد اهلل تعالى بالثواب عليهما ،فقال }:ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ{ [التوبة.]120 :
122
123
124
•مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف كتاب اهلل ،و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة النبوية ،قال �( :إن اهلل
ٌّ
حيي �ستري ،يحب احلياء وال�سرت ،ف�إذا اغت�سل �أحدكم فلي�سترت) (أخرجه أبو داود ،وصححه
األلباني).
المعنى في حق اهلل
• ِ
(�ستّري) يعني �أنه �ساتر ي�سرت على عباده كث ًريا وال يف�ضحهم يف امل�شاهد ،كذلك يحب من
عباده ال�سرت على �أنف�سهم واجتناب ما ي�شينهم.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبة اهلل احلليم على عباده ،الذي ي�سرتهم وال يف�ضحهم ،وال ي�ستعجل
بعقوبتهم ،فحقيق مبن هذا و�صفه مع �أو�صافه الأخرى الكاملة �أن يحب كل احلب ،ويفرد
وحده بالعبودية واملحبة والإخال�ص والتعظيم والإجالل.
•ثان ًيا :احلياء من اهلل الذي يرى عبده وهو يع�صيه في�سرته وال يف�ضحه ،فحري بالعبد
�أن يت�أدب مع ربه �سبحانه وي�ستحي منه ،الذي يراه يف جميع �أحواله ،وال يخفى عليه من
عبده خافية.
ثالثا :التخلق ب�صفة ال�سرت على النف�س وعلى اخللق؛ لأن اهلل �ِ ستّري يحب ال�سرت،• ً
وي�أمر عباده بالت�سرت على النف�س �إذا ابتليت باملع�صية وعدم املجاهرة بها ،وكذلك �أمر
بال�سرت على النا�س ،والبعد عن �إ�شاعة الفاح�شة بينهم.
125
•مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة النبوية ،ومنها قوله:
«�إن اهلل رفيق يحب �أهل الرفق ،و�إن اهلل يعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف» (أخرجه
أحمد ،وصححه األلباني).
المعنى في حق اهلل
•(الرفيق) يف �أفعاله و�شرعه ،فاهلل تعالى رفيق يف �أفعاله ،خلق املخلوقات كلها بالتدريج
�شي ًئا ف�شي ًئا ،بح�سب حكمته ورفقه ،مع �أنه قادر على خلقها دفعة واحدة ويف حلظة واحدة.
•ومن ت�أمل يف خلقه و�أمره وجد ما احتوى عليه �شرعه من الرفق و�شرع الأحكام �شي ًئا بعد
�شيء ،وجريانها على وجه ال�سعة والي�سر ،ومنا�سبة العباد ،وما يف خلقه من احلكمة؛ �إذ
بح َكم و�أ�سرار ال حتيط بها العقول.
خلق اخللق �أطوا ًرا ،ونقلهم من حالة �إلى �أخرى ِ
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبته �سبحانه وتعظيمه و�إجالله وحمده ،حيث ظهرت �آثار لطفه ورفقه بعباده يف
خلقه و�شرعه وقدرته ور�أفته ورحمته ،مع غناه �سبحانه عن خلقه.
ومن ذلك �إمهاله �سبحانه للع�صاة من عباده ليتوبوا ،ولو �شاء لعاجلهم بالعقوبة ،لكنه
رفق بهم وت�أنى فلله احلمد حمدً ا كث ًريا طي ًبا مبار ًكا فيه.
•ثان ًيا� :شكره �سبحانه وحمده والثناء عليه على هدايته �إلى هذا الدين الكامل احلكيم
املي�سر ،الذي كله لطف ورفق وم�صلحة للعباد.
ثالثا :التخلق ب�صفة الرفق والت�أين يف الأمور مع النف�س ومع اخللق ،بل حتى مع العدو، • ً
و�أولى النا�س باحللم والرفق واللني :الأهل وذوو الأرحام ،قال �« :إذا �أراد اهلل ب�أهل بيت
خ ًريا �أدخل عليهم الرفق» (أخرجه أحمد ،وصححه األلباني).
والرفق ال يعني التفريط والك�سل وتفويت فر�ص اخلري ،بل الرفق املمدوح و�سط بني
العجلة والطي�ش ،وبني الك�سل وتفويت الفر�ص� ،أما الطاعات والعبادات فينبغي �أن ي�سارع
�إليها العباد.
126
127
الفصل الثامن
•يبني ابن القيم -رحمه اهلل تعالى � -أثر الر�ضا واليقني يف �سالمة القلب ،فيقول�« :إن
والدغل والغ ِِّل ،وال
الر�ضا يفتح له باب ال�سالمة ،فيجعل قلبه �سلي ًما َنقِ ًّيا من الغ�ش َّ
ينجو من عذاب اهلل �إال من �أتى اهلل بقلب �سليم ،وت�ستحيل �سالمة القلب مع ال�سخط
والدغل والغ�ش:َ وعدم الر�ضا ،وك َّلما كان العبد �أ�شد ر�ضى كان قلبه �أ�سلمَ .
فاخلبث
قرين بال�سخط ،و�سالمة القلب وبره ون�صحه :قرين الر�ضا ،وكذلك احل�سد :هو من
ثمرات ال�سخط ،و�سالمة القلب منه من ثمرات الر�ضا»( .مدارج السالكني .)207/2
•عن �أبي الدرداء ر�ضي اهلل عنه ،قال« :ذروة الإميان :ال�صرب للحكم ،والر�ضا بالقدر،
والإخال�ص يف التوكل ،واال�ست�سالم للرب ( » حلية األولياء .)216/1
•ويقول ابن القيم -رحمه اهلل تعالى -يف تعريف القلب ال�سليم« :اعلم �أن «الت�سليم» هو
اخلال�ص من �شبه ٍة تعار�ض اخلرب� ،أو �شهو ٍة تعار�ض الأمر� ،أو �إرادة تعار�ض الإخال�ص� ،أو
اعرتا�ض يعار�ض القدر وال�شرع.
ٍ
•و�صاحب هذا التخل�ص :هو �صاحب القلب ال�سليم الذي ال ينجو يوم القيامة �إال من �أتى اهلل
به ،ف�إن الت�سليم �ضد املنازعة .واملنازعة� :إما ب�شبهة فا�سدة ،تعار�ض الإميان باخلرب عما
و�صف اهلل به نف�سه من �صفاته و�أفعاله ،وما �أخرب به عن اليوم الآخر ،وغري ذلك .فالت�سليم
له :ترك منازعته ب�شبهات املتكلمني الباطلة .و�إما ب�شهوة تعار�ض �أمر اهلل فالت�سليم
للأمر بالتخل�ص منها� ،أو �إرادة تعار�ض مراد اهلل من عبده؛ فتعار�ضه �إرادة تتعلق مبراد
العبد من الرب؛ فالت�سليم بالتخل�ص منها� .أو اعرتا�ض يعار�ض حكمته يف خلقه و�أمره؛
ب�أن يظن �أن مقت�ضى احلكمة خالف ما �شرع ،وخالف ما ق�ضى وقدر .فالت�سليم :التخل�ص
130
131
الفصل التاسع
•كل �أ�سماء اهلل و�صفاته ُيثنى على اهلل �سبحانه بها ،و ُيحمد عليها ،و ُيدعى بها ،ويخ�ص
من هذه الأ�سماء بع�ض ما ورد يف الأذكار والأدعية امل�أثورة ,من كرثة الدعاء بها وما تثمره
من االفتقار �إلى اهلل .
•كان من افتقاره ودعائه �صلى اهلل عليه و�سلم« :اللهم ت�سمع كالمي ،وترى مكاين ،وتعلم
�سري وعالنيتي ،ال يخفى عليك �شيء من �أمري� ،أنا البائ�س الفقري ،امل�ستغيث امل�ستجري،
والوجل امل�شفق ،املقر املعرتف بذنوبي� ،أ�س�ألك م�س�ألة امل�سكني ،و�أبتهل �إليك ابتهال املذنب
الذليل ،و�أدعوك دعاء اخلائف ال�ضرير ،من خ�ضعت لك رقبته ،وفا�ضت لك عيناه ،وذل
ج�سده ،ورغم �أنفه لك ،ال َّلهم ال جتعلني بدعائك رب �ش ًًّقا ،وكن بي ر�ؤو ًفا رحي ًما ،يا خري
امل�س�ؤولني ،ويا خري املعطني» (املعجم الصغير للطبراني ص.)144
•وقال احل�سن الب�صري رحمه اهلل« :تفقدوا احلالوة يف ثالثة �أ�شياء :يف ال�صالة ،ويف
الذكر ،وقراءة القر�آن ،ف�إن وجدمت ...و�إال فاعلموا �أن الباب مغلق» (مدارج ال�سالكني
.)424/2
•يقول ابن القيم رحمه اهلل تعالى« :و�سمعت �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يقول� :إن يف الدنيا
جنة من مل يدخلها مل يدخل جنة الآخرة ،قال :وكان �إذا �صلى الفجر يجل�س يف مكانه
يذكر اهلل تعالى حتى يتعالى النهار جدًّا ،وكان �إذا �سئل عن ذلك يقول :هذه غدوتي ولو
مل �أتغد هذه الغدوة �سقطت ،وقال يل مرة :ال �أترك الذكر �إال بنية �إجمام النف�س و�إراحتها
لأ�ستعد بتلك الراحة لذكر �آخر �أو كالم هذا معناه» (الرد الوافر ص. )69
134
•ومن الأ�سماء احل�سنى التي تثمر هذه ال�صفات :اهلل جل جالله -احلي -القيوم -
الرحمن ،الرحيم -الرب -اللطيف -الغفور -العفو -امللك -القدو�س -الغني -احلميد
-الرزاق -امل ّنان -اجلواد -الكرمي -احلليم -اجلبار -العظيم -الأول ،الآخر -
الظاهر ،الباطن -الأحد -ال�صمد -الويل -الن�صري -القريب -املجيب -الوتر -
الواحد ،الأحد.
135
136
137
138
139
140
141
•مل يرد ذكر هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن الكرمي؛ و�إمنا ورد يف حديث النبي حيث
روى �أبو هريرة �أن ر�سول اهلل قال�« :إن هلل ت�سعة وت�سعني ا�س ًما مئة �إال واحدً ا؛ ال
يحفظها �أحد �إال دخل اجلنة ،وهو وتر يحب الوتر» (أخرجه البخاري ومسلم).
المعنى في حق اهلل
•اهلل وتر وهو واحد .و(الوتر) :هو الفرد الذي ال �شريك له وال نظري.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :احلر�ص يف الأقوال والأعمال على �إيقاعها وت ًرا ،ح�سب ما ورد يف ال�سنة من احلث
على �إنهاء بع�ض الأقوال والأعمال على وتر؛ لأنه �سبحانه وتر يحب الوتر.
•ثان ًيا :وقد جاء احلث على �صالة الوتر -حيث يختم الليل بها ،-وقد قال « :يا �أهل
القر�آن �أوتروا ،ف�إن اهلل وتر يحب الوتر» (أخرجه أبو داود ،وصححه األلباني).
ثالثا :توحيده �سبحانه و�إفراد العبادة له وحده ،فهو الواحد الأحد الوتر ال�صمد. • ً
143
144
145
•ورد ذكر ا�سمه �سبحانه (ال�شايف) وذلك يف قوله يف الدعاءِ �« :
أذهب الب�أ�س رب النا�س
ا�شف و�أنت ال�شايف» (أخرجه البخاري ومسلم).
المعنى في حق اهلل
•اهلل هو ال�شايف احلقيقي لأمرا�ض الأبدان والقلوب ،ال �شفاء �إال �شفا�ؤه ،ال يك�شف
ال�ضر �إال هو �سبحانه ،وال ي�أتي باخلري �إال هو �سبحانه.
•ي�شفي ال�صدور من ال�شبه وال�شكوك ،ومن احل�سد والغل ،والأبدان من الأمرا�ض والآفات،
ال يقدر على ذلك غريه ،وال ُيدعى بهذا اال�سم �سواه.
•فاهلل هو طبيب الأبدان والقلوب ،و�شريعته هي طب الب�شرية وعالج �أدوائها،
وم�صدر خريها و�صالحها.
من آثار اإليمان بهذا االسم الكريم
•أو ًال :حمبة اهلل الذي ال �شفاء �إال �شفا�ؤه ،والذي ال يك�شف ال�ضر �إال هو ،وال ي�أتي
باخلري �إال هو ،وهو الذي �أنزل الكتب و�أر�سل الر�سل ،لي�شفي النا�س من �أمرا�ض ال�شرك
والكفر وال�شكوك.
•ثان ًيا :التوكل على اهلل وحده ،ودعا�ؤه �سبحانه ،واللجوء �إليه يف ك�شف الكربات و�شفاء
�أمرا�ض القلوب والأبدان ،وعدم التعلق ب�أي �شيء من الأ�سباب ,وفعل الأ�سباب يف عالج
الأمرا�ض ال ينايف التوكل على اهلل � إذا مل يتعلق بها.
ثالثا :ال�سعي يف �إي�صال اخلري وك�شف الكربات وق�ضاء احلاجات لعباد اهلل ,واحلر�ص • ً
على �أن يكون امل�سلم �سب ًبا يف �إذهاب الأمرا�ض القلبية واجل�سدية عن النا�س ,ح�سب العلم
والقدرة.
رابعا :الفـرح بهذا الدين وب�شـريعة الإ�سـالم ,التي جاءت ل�شـفاء ال�صدور ومعاجلة • ً
�أدواء ال�شـبهات ,فيجب حمد اهلل و�شكره والثناء عليه بهذا اال�سم الكرمي؛ لأن
هذا ال�شفاء العظيم الذي يت�ضمنه القر�آن الكرمي هو من �آثار �أ�سمائه �سبحانه (ال�شايف،
الهادي ،الرحمن ،الرحيم).
147
•قال اهلل تعالى :ﱫ ﯕ ﯖ { [احلشر .]23 :و�أما ا�سمه �سبحانه (املليك) فجاء
يف قوله تعالى }:ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{
[القمر ،]55-54 :و�أما ا�سمه �سبحانه (املالك) فجاء يف قوله تعالى }:ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ { [آل عمران.]26 :
•وقرئ يف �سورة الفاحتة :مالك وملك.
المعنى في حق اهلل
•(ا َمل ِلك) :الذي ال ملك فوقه ،وال �شيء �إال دونه ،فهو امللك واملالك امللك التام الكامل -
و ُم ْل ُك املخلوقني ناق�ص وزائل . -
•�إن حقيقة امللك� :إمنا تتم بالعطاء واملنع ،والإكرام والإهانة ،والإثابة والعقوبة ،والغ�ضب
والر�ضا ،والتولية والعزل ،و�إعزاز من يليق به ال ِعزُّ ،و�إذالل من يليق به ّ
الذل.
مظلوما؛ وي�أخذ ظاملًا،
ً •ومن متام ملكه �أنه يغفر ذن ًبا؛ و ُيف ّرج كر ًبا؛ ويك�شف غ ًّما ،وين�صر
مري�ضا ،و ُيقيل عرث ًة؛ وي�سرت عور ًة،
ً ُّ
ويفك عان ًيا؛ و ُيغني فق ًريا ،ويجرب ك�س ًريا؛ وي�شفي
أقواما وي�ضع �آخرين.
ويداول الأيام بني النا�س؛ ويرفع � ً
•وكل من ملك �شي ًئا ف�إمنا بتمليك اهلل له ،واهلل �سبحانه ي�ؤتي ملكه من ي�شاء ،وينزعه عمن
ي�شاء.
من آثار هذه األسماء الكريمة
•اهلل هو امللك احلق لل�سماوات والأر�ض ،وما فيهما ،وما بينهما؛ لأنه خالقهما فال يخرج �شيء
من خلقه عن ملكه ،وهذا يقت�ضي �أنه �سبحانه املدبر لهما ،املت�صرف فيهما كما ي�شاء بقدرة
مطلقة ،ال مانع ملا �أعطى ،وال معطي ملا منع ،وال يعجزه �شيء يف ال�سماوات وال يف الأر�ض.
•عدم خروج �أمر من الأمور� ،أو فعل من الأفعال البتة عن ت�صرف امللك احلق.
•�صفة امللك احلقيقي تقت�ضي احلكمة يف خلق اخللق ،وعدم تركهم �سدى ،كما تقت�ضي
�إر�سال الر�سل و�إنزال الكتب ،و�أمر العباد ونهيهم ،وثوابهم ،وعقابهم ،كما ت�ستلزم حياة
148
150
151
152
• ً
ثالثا :والهداية �أكرب نعمة ُي ْن ِعم بها (الهادي) �سبحانه على عبده؛ � ْإذ كل نعمة دونها زائلة
وم�ضمح َّلة ،وبقدر هدايته تكون �سعادته يف الدنيا ،وطيب عي�شه ،وراحة باله ،وكذا فوزه ِ
ودرجته يف الآخرة.
والأنبياء � -صلوات اهلل عليهم ،وهم �أكمل النا�س �إميا ًنا وهداية -كانوا ي�س�ألون اهلل تعالى
�أن يهديهم.
رابعا� :سعي امل�ؤمن �إلى �أن يكون هاد ًيا �إلى اهلل و�إلى �صراطه امل�ستقيم ،وذلك بن�شر • ً
العلم ،والدعوة �إلى اهلل �سبحانه ،و�إر�شاد النا�س �إلى احلق ،وحتذيرهم من الباطل.
153
7 المقدمة
15 الفصل األول :األسماء التي تثمر محبة اهلل واألنس به
39 الفصل الثاني :األسماء التي تثمر التوكل على اهلل وقوة الرجاء والتعلق به
42 ( )19اللطيف
44 ( )20الفتّاح
46 ( )21الودود
47 ( )22امل ّنان
155
87 الفصل الخامس :األسماء التي تثمر الحياء منه والشكر له
97 الفصل السادس :األسماء التي تثمر اإلجالل والتعظيم واألدب مع اهلل
100 الرب
(ّ )63
102 ( )65،64الظاهر ،الباطن
103 ( )66اجل ّبار
104 ( )68،67القاهر ،الق ّهار
105 القوي
(ّ )69
106 ( )70املتني
107 ( )71العظيم
109 ( )72املهيمن
110 ( )73املجيد
157
133 الفصل التاسع :األسماء التي تثمر االفتقار إلى اهلل وكثرة دعائه
155 الفهرس
159