You are on page 1of 12

‫هايدغر ناقداً نيتشه‬

‫القوة وميتافيزيقا الذاتية‬


‫إرادة ّ‬
‫[*]‬
‫آالن دي بينوا ‪Alain de BENOIST‬‬ ‫[[[‬

‫ابتداء من سنة ‪ ،1936‬قدّ م مارتن هايدغر قراءة ُمكثّفة لعمل نيتشه‪ .‬وبحسب كاتب املقال‬
‫املفكر الفرنيس آالن دي بينوا فإن الطريقة التي ُيحلّل بها هايدغر فلسفة نيتشه(‪ )1‬تُ ثّل مرحلة‬
‫حية من الوهلة األوىل‪ .‬فهو يرى إىل أن‬ ‫الخاص رغم أن استنتاجاته تبدو ُم ّ‬
‫ّ‬ ‫أساسية من فكره‬
‫االرتجاج النيتيش هو النتيجة البعيدة لالرتجاج األفالطوين ثم الديكاريت‪ .‬ويشري إىل أن نيتشه‬
‫وصفه بأنه‬
‫يخص الجزء األسايس من فلسفته» ويذهب إىل حدّ ْ‬ ‫ّ‬ ‫«قريب للغاية من ديكارت يف ما‬
‫«أكرث األفالطونيني تفلّتاً»‪.‬‬
‫أما كيف متكّن هايدغر من القيام مبثل هذا التشخيص‪ ،‬فهذا ما يسعى دي بينوا إىل تبيينه‬
‫املحرر‬ ‫ ‬ ‫ورشحه يف مقالته هذه‪.‬‬

‫بإعالن «موت الله» ورفْض «العامل فوق املحسوس» لصالح العامل املحسوس الذي أُعلِن‬
‫رسمياً أنه وحده الحقيقي‪ ،‬بدا نيتشه وكأنه يُهاجم مجال األفكار األفالطونية ويُعلن عدم وجود‬
‫ْ‬

‫*ـ مفكر فرنيس‪.‬‬


‫ـ العنوان األصيل للمقال‪:‬‬
‫‪Heidegger،critique de Nietzsche،volonté de puissance et métaphysique de la subjectivité‬‬
‫ـ املصدر‪ :‬نقالً عن املوقع الخاص لكاتبه‬
‫‪s3-eu-west-1.amazonaws.com/alaindebenoist/pdf/heidegger_critique_de_nietzsche.pdf‬‬
‫ـ ترجمة‪ :‬عامد أيوب‪.‬‬
‫‪ُ -1‬ج ِمعت الدروس التي ألقاها هايدغر حول نيتشه بني عامي ‪ 1936‬و‪ ،1937‬ثم بني عامي ‪ 1939‬و‪ ،1941‬يف كتاب بعنوان‬
‫(نيتشه) من جزئني (‪ .)Nietzsche, 2 vol., Gallimard, 1951‬يجب أن نُضيف إليها الدراسة التي جاءت بعنوان (كلمة‬
‫جمعت يف كتاب (طـرق ال تؤدّي إىل أي مكـان)‬ ‫نيتشه "مات الله") التي شكّلت أساسـاً لعدّ ة مؤمترات عُقدَ ت سنة ‪ 1943‬و ُ‬
‫‪ .Chemins qui ne mènent nulle part, Gallimard, 1962, pp. 253- 322‬انظر أيضاً‪َ " :‬من هو زرادشت نيتشه؟"‪.‬‬
‫(?‪ )Qui est le Zarathoustra de Nietzsche‬يف (دراسات ومؤمترات) ‪Essais et conferences, Gallimard, 1958 et 1980, pp 116 - 147‬‬
‫(نص املؤمتر الذي ُع ِقد سنة ‪ 1953‬وجرى تناوله بشكل تفصييل يف جزء بعنوان‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪( Was heibt denken? Tübingen 1954, pp. 1947-et 61 - 78).‬‬
‫ـ ُمحارضة أُل ِقيت يف ‪ 26‬ترشين الثاين ‪ 2000‬يف روما خالل مؤمتر دويل بعنوان «نيتشه أبعد من الغرب» نظّمته الجمعية الثقافية «اتّجاه ‪»66‬‬
‫‪.Route 66‬‬
‫‪329‬‬ ‫هايدغر ناقدًا نيتشه‬

‫عوامل خَفيّة‪( .‬حتى لو مل تكن رصخة «مات الله» رصخة ُملحد وإمنا املالحظة الجليّة للموت‬
‫الطارئ والقديم ـ وحتى رصخة ُمتّسمة بالندم‪ ،‬تشجب هؤالء املؤمنني باعتبارهم « ُملحدين»‬
‫ب عن إميانهم بطريقة ال ينتج عنها إال موت الله)‪ .‬يف الواقع‪ ،‬إن نيتشه ُمعجب بنفسه‬ ‫حقيقيني ُع ِّ َ‬
‫َب مصطلحات إشكاليته‪ .‬لكن‬ ‫رصاح ًة ألنه قام ِﺑ «قلْب» الفكر األفالطوين‪ .‬وهو يعني بذلك أنه قَل َ‬
‫أال يُوازي هذا القلْب (‪ )umkehrung‬التجاوز (‪)Überwindung‬؟ أال ميكن تفسريه بشكل ّ‬
‫أدق‬
‫وصف العامل املحسوس کـ «عامل حقيقي»‪ ،‬والعامل‬ ‫كاكتامل (‪)Vollendung‬؟ بعبارة أخرى‪ ،‬إن ْ‬
‫ما فوق املحسوس كوهم زائف‪ ،‬أال يكفي هذا للخروج من األفالطونية؟ ويُضيف جان بوفريه‬
‫خاص‬
‫ّ‬ ‫القلب النيتشوي لألفالطونية بدوره‪ ،‬يف األفالطونية‪ ،‬ليشء ما‬
‫ُ‬ ‫‪« Jean Beaufret‬أال يستجيب‬
‫باألفالطونية التي أصبحت أكرث وضوحاً يف ضوء عملية قلْبها؟» [[[‪.‬‬
‫لقد ش ّدد هايدغر مرارا ً عىل أن ُمعارضة يشء ما تعني حتْامً مشاركة هذا اليشء نفسه يف ما‬
‫نُعارضه‪ .‬سيُؤكّد إذن أن «القلْب» األفالطوين الذي يقوم به نيتشه ميتاز بشكل رئيس بالحفاظ عىل‬
‫خاصة مبا يُريد «قلبه» وهذا ما سيقوده إىل التأكيد عىل أن‬
‫ّ‬ ‫ترسيامت مفهومية أو إلهامات جوهرية‬
‫نيتشه يبقى يف النهاية يف «املوقع امليتافيزيقي األسايس»‪ ،‬الذي يُع ّرفه هايدغر بأنه «الطريقة التي‬
‫يعتمدها ذلك الذي يطرح السؤال امل َبديئ يك يبقى هو نفسه ُمندمجاً بالبنية غري امل ُط ّورة للسؤال‬
‫امل َبديئ»[[[‪.‬‬
‫أما عن كيفية إجراء برهنته؟ فذلك سيكون بشكل أسايس انطالقاً من تفكري نقدي حول مفهوم‬
‫القيمة‪.‬‬
‫يحتل هذا املفهوم عند نيتشه مكانة بالغة األه ّمية‪ .‬ويُع ّد عنرصا ً أساسياً يف نقده ومرشوعه عىل‬ ‫ّ‬
‫السواء‪ .‬كتب نيتشه‪ :‬ماذا تعني العدمية؟ ـ أن القيم العليا [‪ ]die obersten werte‬تفقد قيمتها»‬ ‫ّ‬
‫(‪ La volonté de puissance‬الفقرة ‪ .)2‬إن العدمية ناجمة عن التغلّب التدريجي لبعض القيم التي‬
‫يعتربها نيتشه األكرث دناء ًة (أو زيْفاً) عىل قيمٍ أخرى كانت األكرث ُس ُم ّوا ً (أو األكرث أصالةً)‪ .‬بتعبري‬
‫الخاص قيامً ُمستعارة‬
‫ّ‬ ‫أدق‪ ،‬يعتقد نيتشه أن اإلنسان يُسقط تدريجياً ثم يُبلور يف مجال وجوده‬ ‫ّ‬
‫أصلياً من العامل الخ ِف ّي ‪ .arrière-monde‬يف التحليل األخري‪ ،‬ارتكز «تخفيض القيم» عىل العدول‬
‫عن قيم العامل املحسوس باسم مثل أعىل ما ورايئ (أو فوق العامل املا ّدي) الذي ليس سوى‬

‫‪[[[- Jean Beaufret،Dialogue avec Heidegger،vol. 2،Philosophie moderne, Minuit،1973،p. 195.‬‬


‫‪[2]- Martin Heidegger،Nietzsche،op. cit. vol. 1،p. 353.‬‬

‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬ ‫االستغراب‬
‫حلقات الجدل‬ ‫‪330‬‬

‫خدعة وبريق ُمو ِهم للعامل املحسوس‪ ،‬ما يعني أن العدمية تصدر عن ث َنوية ‪ dualism‬العاملني‬
‫التي ألهمت الفلسفة الغربية منذ أفالطون‪ .‬وملا كانت العدمية مطروح ًة كحدث أسايس يف التاريخ‬
‫الغريب‪ ،‬يقرأ نيتشه إذن هذا التاريخ بوصفه تاريخ التخفيض البطيء ﻟ «القيم العليا»‪ ،‬وإن نقطة‬
‫النهاية للعدمية هي أنه ال يشء له قيمة وأن ليس هناك يشء ذو قيمة‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬يعترب نيتشه‬
‫عب‪« :‬بحث يف‬
‫أن إرادة القوة هي «مبدأ التأسيس الجديد للقيم»‪ .‬وإن العنوان الفرعي لكتابه ُم ّ‬
‫قلب القيم كافّة»‪ .‬فانطالقاً من مفهوم القيمة يفهم نيتشه صعود العدمية وإمكانية تجاوزها‪ :‬ارتكزت‬
‫العدمية عىل تخفيض بعض القيم؛ ومن أجل ُمواجهتها يجب تأسيس قيم جديدة‪.‬‬
‫الخاص يقوم عىل التفكري ﺑ «ما له قيمة»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عىل العكس‪ ،‬يُنكر هايدغر بقوة فكرة أن دور الفلسفة‬
‫واستطرادا ً‪ ،‬عىل تحديد مقياس للقيم‪ .‬بالطبع ليست كل القيم متعادلة بنظر هايدغر‪ .‬هنا أيضاً‪،‬‬
‫يستوحي باألحرى من الفلسفة اإلغريقية الغريبة أصالً عن مفهوم القيمة كام نفهمها اليوم‪ ،‬الفلسفة‬
‫التي فهمت فكر الكينونة کـ «بزوغ لعامل االختالف»‪ ،‬ومجال الكينونة كمجال لالختيار بني األفضل‬
‫واألسوإ انطالقاً من «الكايف»‪ .‬وقد كتب جان بوفريه ‪ Jean Beaufret‬أن «االختيار إيثارا ً هو امله ّمة‬
‫النقدية أساساً لفكر الكينونة [‪ ]...‬إن فكرة االختيار ت ُشكل جوهر اللوغوس ‪ Logos‬الذي ال يقوم‬
‫الكل بال تنظيم‪ ،‬بل عىل عدم االحتفاظ مبا انتخبه يف ُمص ّنفه»[[[‪.‬‬
‫عىل ج ْمع ّ‬
‫إن أولية «القيمة» باملعنى الحديث للكلمة ُمشتقّة من األولية األفالطونية للـ « أغاثون»‬
‫(‪ ،)Agathon‬أي الخري بذاته‪ ،‬الخري املج ّرد‪ .‬إن هذا الخري املقطوع من أي تعيني ملموس هو ما‬
‫عي نوع ّية الكينونة ونوعية عامل األفكار يف الوقت نفسه‪ .‬إن القول بأن العامل فوق املحسوس‬
‫يُ ّ‬
‫محكوم بالخري يعني برأي أفالطون أن عامل األفكار هو نفسه محكوم بفكرة‪ ،‬فكرة «أغاثون»‪،‬‬
‫املطروحة بوصفها الفكرة األوىل‪ ،‬أي القيمة بامتياز‪ .‬ينتج من ذلك أن حقيقة الكينونة‪ ،‬الحقيقة‬
‫الضعيفة متاماً‪ ،‬ال ت ُساوي شيئاً بذاتها ـ كام كان الحال عند فالسفة ما قبل سقراط الذين يعتربون أن‬
‫الحقيقة الكافية نفسها بنفسها مل تكن بحاجة أبدا ً إىل أن تكون مكفولة مام هو أرفع منها ـ ‪ ،‬وإمنا‬
‫ُعب عن اﻟ «أغاثون» الذي ترتبط به‪« .‬هكذا يفتتح أفالطون‪ ،‬تحت اسم‬
‫ُجسد أو ت ّ‬
‫فقط باعتبارها ت ّ‬
‫الفلسفة‪ ،‬إخضاع الحقيقة»[[[‪ .‬إن التاريخ الفلسفي ملفهوم القيمة سيكون تاريخ إخضاع الحقيقة‪.‬‬
‫كل قيمة تتامهى ُمذ ذاك مع وجهة نظر‪ .‬وكل قيمة يطرحها هدف ما‪ ،‬ونظرة عىل ما ق ّررنا أنه ذو‬

‫‪[1]- Jean Beaufret،op. cit.،pp. 184185-‬‬


‫‪[2]- Ibid.،p. 196.‬‬

‫االستغراب‬ ‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬
‫‪331‬‬ ‫هايدغر ناقدًا نيتشه‬

‫قيمة‪ .‬إن هذا التعريف الحديث ﻟ «القيمة» يظهر عىل نحو أكمل لدى ديكارت الذي ُيكّن مامرسة‬
‫الفلسفة من بلوغ أوجها يف تعيني «القيمة الصحيحة» للخريات التي ال ترتبط إال بنا‪ ،‬وهذا انطالقاً‬
‫من مصدر وحيد للتعيني هو «األنا امل ُفكّر» (‪ .)Ego cogitans‬مثة نتيجتان رئيسيتان لذلك‪.‬‬
‫األوىل هي ظهور صورة جديدة للحقيقة‪ .‬مع ديكارت‪ ،‬الحقيقة ليست االنكشاف ‪aléthèia‬‬
‫القديم لدى اإلغريق القدامى‪ ،‬وال حتى «املطابقة» ‪ adaequatio‬التي شفى امل ُعلّقون القدماء‬
‫ُغلّتهم منها («الحقيقة هي تطابق األشياء والعقل»)‪ .‬من املطابقة البسيطة تتح ّول الحقيقة إىل‬
‫نصبة نفسها «بوصفها أمان الوجود»[[[‪.‬‬ ‫«يقني» ـ «الحقيقة» ‪ verum‬تتحول إىل «يقني» ‪ certum‬ـ ُم ّ‬
‫ال يتساءل ديكارت بشأن الكينونة (‪ ،)Être‬وإمنا فقط بشأن الكائن (‪ )Etant‬الذي ميكن أن يعرض‬
‫نفسه يف بُعد اليقني‪ .‬وهذا يعني أنه ال يهت ّم إال باملعرفة القابلة ِلن تطرح نفسها كمعرفة للذات‪ .‬وال‬
‫ميكن أن تحدث من دونها أي معرفة أخرى‪ ،‬حيث طرح أرسطو‪ ،‬مثالً‪ ،‬أن كل معرفة هي أوالً معرفة‬
‫يشء آخر‪ ،‬وأنه عىل هذا النحو ميكن لِامهية الحقيقة االقرتاب‪ .‬لليقني الذي يُز ّودنا به اإلميان يف‬
‫سمها توما األكويني «‪ )»Absentibus‬يستجيب يقني اﻟ «‪intuitis‬‬ ‫يخص األمور الغائبة (التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما‬
‫محل السلطة اإللهية‪.‬‬
‫سيحل ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ »mentis‬الذي‬
‫يتأت من وجود الذات امل ُفكِّرة التي متتحن نفسها‪ .‬لكن هايدغر‬
‫يؤكّد ديكارت أن تأويل الحقيقة كيقني ّ‬
‫بي يف الواقع عكس ذلك‪ :‬إن طرح وجود الذات كحقيقة أوىل أكيدة يقود إىل ف ْهم كل حقيقة كيقني‪.‬‬ ‫يُ ّ‬
‫النتيجة الثانية للتأكيد الحديث ألولية القيمة هي انبجاس ما يُس ّميه هايدغر «ميتافيزيقا الذات»‪.‬‬
‫ﻓ «األنا» ‪ le moi‬تتح ّول مع ديكارت إىل «ذات» ـ أو لِنقل ذلك بلغة هايدغر‪ ،‬إن اإلنسان «بوصفه‬
‫موضوعاً ‪ subjectum‬يتنظّم ويُوفّر األمان لنفسه ُمراعياً استقراره يف جملة الكائن[[[ (‪ .)Etant‬مع‬
‫ديكارت‪ ،‬الذات هي التي يصبح علمها التفكّري‪ ،‬أي العلم بذاتها‪ ،‬معيار الحقيقة‪ .‬هذا يعني بتعبري‬
‫خ ِفيّة ألي عملية استحضار للكائن وحقيقته [‪ ]...‬مام يعني أن كل‬ ‫هايدغر أن «اإلنسان هو العلّة ال َ‬
‫كائن غري إنساين يصبح موضوعاً لهذه الذات[[[‪.‬‬
‫لكن هذا االنزياح الذي نراه يتسلّل بات ّجاه تص ّور ذايت محض للحقيقة يعني أن مثة دورا ً أساسياً‬
‫جد‬‫يعود إىل القرار وبالتايل إىل اإلرادة‪ .‬ويُفيد الكوجيتو الديكاريت «أنا أُفكّر إذا ً أنا موجود» أنني أو َ‬
‫ت أُفكّر‪ ،‬وأن كينونتي يُع ّينها هذا التمثيل الذي أُك ّونه لذايت‪ ،‬لكنه يُفيد أيضاً أن طريقتي يف‬ ‫ما ُد ْم ُ‬
‫‪[1]- Martin Heidegger،Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p. 20.‬‬
‫‪[2]- Ibid.،p. 23.‬‬
‫‪[3]- Ibid.،p. 136.‬‬

‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬ ‫االستغراب‬
‫حلقات الجدل‬ ‫‪332‬‬

‫تبت أيضاً يف حضورها أو حضور ما تَحويه يف ذاتها‪ .‬إذا اعتُرب يف بادئ األمر أكيدا ً‬
‫متثيل األشياء ّ‬
‫ما تعتربه الذات بطريقة ُمدرِكة كام هو‪ ،‬فإن الذات تُق ّرر طرحه من حيث هو والذي س ُينظر إليه عىل‬
‫أنه أكيد‪ُ .‬مذ ذاك‪ ،‬لن تعود الحقيقة ت ُد َرك أو تُراد‪ .‬إن اليقني الديكاريت هو إذن قبل كل يشء مسألة‬
‫ب جان بوفريه أن «املعرفة‬ ‫إرادة‪ :‬إن الحكم نفسه يُؤ ّول ضمن أفق اإلرادة وكتصديق لإلرادة‪ .‬كَتَ َ‬
‫نفسها للحقيقة كام يتطلّبها التثمني الصحيح لل ِقيم ت ُصبح بدورها موضوع تقويم يعتمد من ناحيته‪،‬‬
‫بشكل أسايس‪ ،‬عىل قابلية اإلرادة ملواجهة املواقف التي تتو ّرط فيها»[[[‪.‬‬
‫بعد ذلك يُلقي هايدغر نظر ًة عىل امل ُك ّونني األساسيني لفلسفة نيتشه‪ :‬إرادة القوة والعودة األبدية‪.‬‬
‫إن هايدغر‪ ،‬وهو يُواجه التأويل الذي اقرتحه ألفريد بوملري[[[ (‪ )Alfred Bäumler‬سنة ‪ ،1931‬والذي‬
‫تبعاً له يبلغ الفكر النيتشوي أوجه يف موضوع إرادة القوة‪ ،‬يف حني تُصبح عقيدة العودة األبدية عنده‬
‫«بدون نتائج كربى»‪ ،‬يجتهد يف إظهار أن هاتني املضمونيتني ‪ thematiques‬هام يف الحقيقة غري‬
‫قابلتني لالنفصال‪.‬‬
‫جل ّياً عند نيتشه‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬عندما يكتب هذه‬ ‫ثم إن كونهام غري قابلتني لالنفصال يَظهر َ‬
‫رسخ يف الصريورة طابع الكينونة ـ هذه هي إرادة القوة العليا»‪ .‬أو كذلك‬ ‫الجملة امل ُوحية‪« :‬أن يُ ّ‬
‫عندما يُعلن أن إرادة القوة هي قوة محدودة ليس بوسع تطورها إال أن يكون ال ُمتناهياً‪ ،‬لكن هذا‬
‫ب‬
‫التطور «ال ميكن أن يُف ّك َر فيه إال عىل نحو دوري»[[[‪ .‬يف كتاب (هكذت تكلّم زرادشت) يُع ّ‬
‫موضوع إرادة القوة بالطبع عن صورة «اإلنسان األعىل» (‪ .)surhomme‬إن اإلنسان األعىل والعودة‬
‫األبدية هام أُ ّسا تعليم زرادشت‪ .‬يُش ّدد هايدغر عىل أن هاتني العقيدتني ال ميكن أن تنفصال ألن‬
‫كالً منهام «يدعو اآلخر يك يستجيب له»[[[‪ .‬إن العودة األبدية تعني اإلنسان األعىل‪ ،‬كام أن اإلنسان‬
‫األعىل يتض ّمن عقيدة العودة‪« :‬يحدث التعليامن ويُشكّالن دائرة‪ .‬يستجيب التعليم من خالل حركته‬
‫جد يف الدائرة التي‪ ،‬من حيث هي عودة أبدية لل ُمتطابق‪ ،‬تُشكّل كينونة الكائن‪ ،‬أي ما‬ ‫الدائرية لِام يو َ‬
‫هو يف الصريورة دائم»[[[‪.‬‬
‫لكن ما هي إرادة القوة؟ يُعلن نيتشه‪« :‬حيث وجدتُ الحياة‪ ،‬وجدتُ إرادة القوة»‪ .‬وأيضاً‪« :‬إن‬

‫‪[1]- Op. cit.،p. 189.‬‬


‫‪umler،Nietzsche. Der Philosoph und Politiker،Reclam،Leipzig 1931.‬ن‪[2]- Alfred B‬‬
‫‪[3]- Friedrich Nietzsche،Le crépuscule des idoles،XII،2e partie،§ 77.‬‬
‫‪[4]-Martin Heidegger،Essais et conférences،op. cit.،p. 137‬‬
‫‪[5]- Ibid.،p. 139.‬‬

‫االستغراب‬ ‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬
‫‪333‬‬ ‫هايدغر ناقدًا نيتشه‬

‫الحي‪ ،‬إمنا هو مزيد من قوة»[[[‪ .‬بالتايل‪،‬‬‫ّ‬ ‫ما يُريده اإلنسان‪ ،‬ما يُريده أي جزء صغري من الجسم‬
‫خاصية للحياة ـ بل إن ِميزتها أمر بالغ الخطورة‪ .‬لكن هايدغر يُقاوم بقوة كل تأويل‬ ‫ّ‬ ‫تبدو إرادة القوة‬
‫«بيولوجاين» (‪ )biologisante‬لوجهات نظر نيتشه‪ .‬بالتأكيد يُش ّدد نيتشه عىل «الحياة» لكن ال يف‬
‫منظور «بيولوجي»‪ ،‬إذ يكتب هايدغر «عندما يفهم نيتشه الكائن يف جملته وقبل كل يشء الكينونة‬
‫ؤسس ميتافيزيقاً هذه الصورة‬ ‫من حيث هي «حياة»‪ ]...[ ،‬فهو ال يُفكّر بيولوجياً البتة‪ ،‬وإمنا يُ ّ‬
‫البيولوجية يف الظاهر للعامل»[[[‪ .‬طارحاً إرادة القوة كامهية الحياة‪ ،‬يريد نيتشه القول أن إرادة القوة‬
‫ت ُشكّل املِيزة األساس لكل كائن‪ ،‬وأنها ماهية كل كائن‪ .‬ويُضيف نيتشه أن إرادة القوة هي «املاهية‬
‫األكرث حميمي ًة للكينونة»[[[‪ .‬يف نهاية املطاف‪ ،‬الكينونة عينها تُصبح إرادة القوة‪.‬‬
‫تتعي به»[[[‪ .‬لذلك من املرشوع‬ ‫لكن هايدغر يُالحظ أنه «مل يعد هناك من يشء ميكن لإلرادة أن ّ‬
‫نفسه عن اإلرادة أنها «ت ُريد‬
‫تأويل اإلرادة كإرادة ت ُؤكّد نفسها‪ ،‬أي إرادة اإلرادة‪ .‬أال يقول نيتشه ُ‬
‫باألحرى متلّك العدم بدالً من ال يشء»[[[ ؟ ومن ناحية أخرى‪ ،‬تتقابل الكلمتان ـ «إرادة» و«قوة» ـ‬
‫يف عبارة (إرادة القوة) إىل ح ّد تطابق مدلوليهام‪ ،‬فبالنسبة لنيتشه ليست القوة إال ماهية اإلرادة‪ ،‬بينام‬
‫ت َؤول كل إرادة إىل إرادة ـ كينونة ـ أكرث‪ .‬يقول هايدغر «إن إرادة القوة هي ماهية القوة‪ .‬إن ماهية القوة‬
‫تظل هدف اإلرادة‪ ،‬يف هذا املعنى‬ ‫ـ وال البتّة مج ّرد ك ّم (‪ )quantum‬من القوة ـ هي بالطبع التي ّ‬
‫الخاص ليس مبقدور اإلرادة أن تكون إرادة إال يف ماهية القوة نفسها»[[[‪ .‬إن إرادة القوة ليست يف‬
‫األخري إال هذه اإلرادة التي تريد أن ت ُؤكّد ذاتها يف رغبة الغزو‪ ،‬أي توطيد هيمنة اإلنسان بشكل أكرب‬
‫ويثّل اإلنسان األعىل اللحظة التي يُصبح فيها اإلنسان «سيد املامرسة‬ ‫ودائم عىل مجمل الكائن‪ُ ،‬‬
‫غري املرشوطة للقوة بوسائل القوة امل ُتاحة كلها له عىل هذه األرض»[[[ ‪.‬‬
‫لكن عقيدة العودة األبدية‪ ،‬أي الصيغة النيتشوية لألبدية ـ التي تتجاوز التص ّور املسيحي لألبدية‬
‫كثبات ﻟ «اآلن» (‪ )maintenant‬الحارضة لتجعل من األبدية العودة الدامئة للمتطابق ـ ت ُشكّل هي‬
‫أيضاً «إعالناً حول الكائن يف مجمله» (هايدغر)‪ .‬إن الكائن يف مجمله هو‪ ،‬يف آنٍ واحد‪ ،‬إرادة‬
‫القوة والعودة األبدية‪...‬إن ما ت ُ ُف ِّك َر فيه انطالقاً من (ويف منظور) العودة األبدية هو ما يجعل من‬
‫‪[1]- Friedrich Nietzsche،La Volonté de puissance،§ 702.‬‬
‫‪[2]- Martin Heidegger،Nietzsche،op. cit.،vol. 1،p. 409.‬‬
‫‪[3]- Friedrich Nietzsche،La volonté de puissance،§ 693.‬‬
‫‪[4]- Nietzsche،op. cit.،vol. 1،p. 42.‬‬
‫‪[5]- Friedrich Nietzsche،La généalogie de la morale،3،1.‬‬
‫‪[6]- Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p. 215.‬‬
‫‪[7]- Ibid.،p. 102.‬‬

‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬ ‫االستغراب‬
‫حلقات الجدل‬ ‫‪334‬‬

‫جهة دامئاً وفقط نحو ما هو أكرث منها‪« .‬إن إرادة اإلرادة ترتكز‬
‫إرادة القوة إرادة بال موضوع‪ ،‬إرادة ُمو ّ‬
‫عىل حقيقة إرادة القوة يف النسيان الجذري للكينونة لصالح الفعل‪ ،‬وهذا بدوره ليس له معنى آخر‬
‫الخاص لألفق الذي يُع ّبئ يف كل مكان عاملاً فاتحاً فيه‬
‫ّ‬ ‫سوى إعادة الفعل أيضاً ودامئاً يف االنشغال‬
‫فضا ًء جديدا ً»[[[ ‪ .‬لذلك يقول هايدغر عن العودة األبدية أنها «أعظم انتصار مليتافيزيقا اإلرادة من‬
‫الخاصة»‪ .‬ويُضيف هايدغر «إليكم ما يه ّم‪ :‬إن الكائن‪ ،‬من حيث هو‬
‫ّ‬ ‫حيث إن اإلرادة تريد إرادتها‬
‫كائن ولديه امليزة األساس إلرادة القوة‪ ،‬ليس مبقدوره أن يكون يف مجمله غري عودة أبدية ﻟ «لذات‬
‫النفس» (‪ )Même‬وبالعكس‪ :‬يجب عىل الكائن‪ ،‬الذي هو يف مجمله عودة أبدية ﻟ «ذات النفس»‪،‬‬
‫أن يتوفّر من حيث هو كائن عىل املِيزة األساسية إلرادة القوة»[[[‪.‬‬
‫إن هايدغر وهو يذهب بعيدا ً بتفكريه حول العالقة بني إرادة القوة والعودة األبدية يُالحظ أن هذه‬
‫العالقة ت ُق ّدم من النظرة األوىل متييزا ً ميتافيزيقاً‪ ،‬أي التمييز بني املاهية والوجود‪ .‬إن إرادة القوة هي‬
‫عند نيتشه ماهية مجمل الكائن‪ ،‬كينونة الكائن يف مجمله‪ ،‬بينام املظهر «الحيايت» له طابع العودة‪،‬‬
‫فالعودة األبدية ت ُشبه تغيري وجه [أو هيئة] الوجود‪ .‬كتب هايدغر‪« :‬ت ُشري إرادة القوة إىل كينونة الكائن‬
‫ُعب عن الطريقة‬
‫من حيث هو كائن‪ ،‬ماهية ‪ essentia‬الكائن [‪ ]...‬إن «العودة األبدية لذات النفس» ت ّ‬
‫التي يكون بها الكائن يف مجمله وجود ‪ existentia‬الكائن»[[[‪ .‬أما بالنسبة ﻟِ «اإلنسان األعىل» فهو‬
‫«االسم امل ُعطى لكينونة اإلنسان التي ت ُطابق كينونة الكائن»[[[‪.‬‬
‫عي الكائن يف مجمله من خالل إرادة‬
‫يرى هايدغر أن نيتشه يُربهن بالرضورة بلغة الق َيم ألنه يُ ّ‬
‫القوة‪ .‬إن مفهوم القيمة هو «جزء ُمك ّمل رضوري من ميتافيزيقا إرادة القوة»[[[‪« .‬إرادة القوة وتأسيس‬
‫القيَم هام اليشء نفسه خصوصا وأن إرادة القوة تفحص بتدقيق ونظام وجهات النظر امل ُتعلّقة بالحفظ‬
‫والنم ّو»[[[‪ .‬لكن‪ ،‬أي معنى للقيمة عند نيتشه؟ إنه بشكل أسايس معنى «املنظور» ‪ ،perspective‬أي‬
‫ُعي «بشكل منظوري» [‪ ]...‬املاهية األساسية املنظورية للحياة»[[[‪ .‬إن‬
‫وجهة نظر‪« :‬تُح ّدد القيمة وت ّ‬
‫تأسيس ق َيم جديدة يعني إذن تعيني املنظور ورشوطه «التي تُوجب أن تكون الحياة حياة‪ ،‬أي تضمن‬

‫‪[1]- Jean Beaufret،op. cit.،p. 214.‬‬


‫‪[2]-Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p. 228.‬‬
‫‪[3]-Ibid.،p. 209.‬‬
‫‪[4]- Martin Heidegger،Essais et conférences،op. cit.،p. 144.‬‬
‫‪[5]- Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p. 80.‬‬
‫‪[6]- Ibid.،p. 89.‬‬
‫‪[7]- Martin Heidegger،Nietzsche،op. cit.،vol. 1،p. 381.‬‬

‫االستغراب‬ ‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬
‫‪335‬‬ ‫هايدغر ناقدًا نيتشه‬

‫تقوية ماهيتها»[[[‪ .‬ملا كانت ماهية الحياة هي إرادة القوة‪ ،‬فاملسألة ُمرتبطة بأن يُج َع َل من هذه اإلرادة‬
‫املنظور املفتوح قطعاً عىل ُمجمل الكائن‪ .‬بالتايل كام الحظ هايدغر‪« :‬تنكشف إرادة القوة من‬
‫حيث هي الذاتية القصوى التي ت ُفكّر من منظور القيم»[[[‪.‬‬
‫يَؤول تعيني ماهية الحقيقة عند نيتشه إذن إىل تثمني القيم (‪ .)...‬لكن‪ ،‬وبشكل بالغ الدقة‪ ،‬نجد‬
‫إخضاع الحقيقة بواسطة القيمة عند أفالطون‪ .‬إن استبدال قيمة بأخرى‪ ،‬كتلك امل ُمثّلة بالقوة أو‬
‫باﻟ «حياة»‪ ،‬بالقيمة امل ُمثّلة ﺑ «أغاثون»‪ ،‬إن هذا االستبدال ال يعني القطيعة مع األفالطونية‪ .‬عىل‬
‫ني ما بواسطة القيمة‪،‬‬
‫العكس‪ ،‬إنه يعني البقاء بداخل األفالطونية التي تقوم عىل إخضاع الحقيقة لتعي ٍ‬
‫تتغي القيمة‪ ،‬لكن تص ّور‬
‫محل قيمة ت ُعترب أدىن أو ضا ّرة‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫ُمكتفي ًة بإحالل قيمة أخرى ت ُعترب أعظم‬
‫الحقيقة يبقى هو نفسه‪.‬‬
‫لكن نيتشه يذهب أبعد من أفالطون‪ .‬ففي حني اكتفى األخري بوضع الحقيقة يف وضعية خضوع‬
‫محل الحقيقة‪ .‬إن الحقيقة عند أفالطون خاضعة فقط للخري‬
‫ّ‬ ‫للقيمة‪ ،‬قام نيتشه بإحالل القيمة‬
‫(أغاثون)‪ .‬أما عند نيتشه‪ ،‬فهي ليست فقط خاضعة للحياة والقوة وإرادة القوة‪ ،‬وإمنا تُختَزل يف ذاتها‬
‫وتتطابق معها‪ .‬ليست الحقيقة هي ما له قيمة (ألنها «صالحة»)‪ ،‬بل إن ما له قيمة أو نعتربه ذا قيمة‬
‫فوق كل يشء هو الحقيقة‪ .‬إن مفهوم القيمة يتمكّن أخريا ً من اخرتاق مفهوم الحقيقة‪ .‬فالقيمة ت ُفتّش‬
‫الخاصة بانقالب الحقيقة إىل‬
‫ّ‬ ‫الحقيقة‪ ،‬بحيث تجنح الحقيقة نفسها لتُصبح قيمة‪ .‬هذه هي العملية‬
‫قيمة والتي‪ ،‬بحسب هايدغر‪ ،‬قد أنجزها نيتشه‪.‬‬
‫يظل يف الظاهر ضمن املنظور الديكاريت حيث ت ُحتّم‬
‫إن نيتشه وهو يقرتح تأسيس قيم جديدة ّ‬
‫الذات العارفة بواسطة اإلدراك نفسه أن تكون لديه حقيقة اليشء املعروف‪ .‬بعد أن يرفع نيتشه‬
‫ُعب عن عامل قيد التح ّول‪ ،‬ال يستطيع إال االعتامد عىل تأويل الحقيقة‬
‫األقنعة عن الفكرة التي ت ّ‬
‫كيقني ـ وباألحرى كيقني ذايت ألن «ماهية الذاتية تجنح بالرضورة إىل الذاتية غري املرشوطة»[[[‪.‬‬
‫ويُعلن هايدغر قائالً «ينبغي علينا ف ْهم فلسفة نيتشه من حيث هي ميتافيزيقا الذاتية»[[[‪ .‬وإذا كانت‬
‫ُ‬
‫املدلول نفسه الذي ﻟ «الحقيقة ـ التي ـ صارت ـ قيمة»‪ ،‬فإن الحقيقة مل ت َ ُعد‬ ‫القيمة وجهة نظر ولها‬
‫سوى مسألة وجهة نظر‪ .‬لكن يف الوقت عينه‪ ،‬إن القيمة من حيث هي وجهة نظر «هي يف كل م ّرة‬

‫‪[1]- Ibid.،p. 381.‬‬


‫‪[2]- Ibid.،vol. 2،p. 219.‬‬
‫‪[3]- Ibid.،p. 239.‬‬
‫‪[4]- Ibid.،p. 160.‬‬

‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬ ‫االستغراب‬
‫حلقات الجدل‬ ‫‪336‬‬

‫ُمح ّددة من خالل طريقة النظر [‪ ]...‬بالتايل‪ ،‬ليست القيم شيئاً ما موجودا ً بذاته بادئ ذي بَدء‪ ،‬بحيث‬
‫ُيكنها عند الحاجة أن ت ُصبح وجهات نظر»[[[‪ .‬إن إرادة القوة‪ ،‬من حيث هي ع ْرض غري مرشوط‬
‫ُعب عن املاهية نفسها للذاتية التي ال يشء قادرا ً عىل تعطيلها‪« :‬الكائن‬ ‫إلحدى وجهات النظر‪ ،‬ت ّ‬
‫ُمبتلَع كهدف يف ُمثولية الذاتية»[[[‪.‬‬
‫حص فإن قلْب ال ِقيم (‪ )tranvaluation‬الذي أنجزه‬ ‫ويكتب هايدغر‪« :‬مبا أن كل خري قد ت ُ ُف ِّ‬
‫محل قيم ُمتف ّوقة إىل اآلن‪ ،‬بل تقوم عىل ما يفهمه منذ اآلن‬ ‫ّ‬ ‫نيتشه ال يقوم عىل إحالل قيم جديدة‬
‫كَ ِقيَم «الكينونة» «النهاية» «الحقيقة»‪ ،‬وال يشء إال من حيث هو قيم‪ .‬يعود قلب القيم النيتشوي يف‬
‫العمق إىل تحويل كل رضوب تعيني الكائن إىل قيم»[[[‪ .‬يجعل نيتشه الكينونة ُمتالزمة مع الذات‪.‬‬
‫وال ميكن للكينونة أن تظهر إال من خالل القيم التي هي رشوط اإلرادة التي تطرحها اإلرادة‪ .‬ويقول‬
‫هايدغر «إن الفكر الذي يُفكّر بلغة القيم مينع يف الحال الكينونة من الحدوث يف الحقيقة»[[[‪.‬‬
‫يف ما يتعلّق بالعدمية‪ ،‬يظهر فكر هايدغر وفكر نيتشه متناقضني‪ .‬طبعاً‪ ،‬ينسب هايدغر إىل‬
‫نيتشه الفضل يف كونه أول من تع ّرف يف العدمية‪ ،‬ال فقط إىل أنها إحدى السامت امل ُم ّيزة لألزمان‬
‫الحديثة‪ ،‬بل أيضاً أنها «الواقعة األصلية األساسية ملغامرة التاريخ الغريب»‪ .‬ويُكمل هايدغر ُ‬
‫نفسه‬
‫يف الطريق ذاتها عندما يكتب أن «العدمية هي تاريخ»‪ ،‬وأنها «تُشكّل ماهية التاريخ الغريب ألنها‬
‫تُساعد يف تعيني قانون املواقف امليتافيزيقية األساسية وعالقة كل موقف باآلخر»‪ُ ،‬مضيفاً أنه يجب‬
‫بالتايل‪ ،‬وقبل أي يشء‪ُ ،‬محاولة معرفة العدمية من حيث هي «قانون التاريخ»[[[‪ .‬لكن بنظر هايدغر‪،‬‬
‫ليست القضية األساسية للعدمية هي تخفيض بعض القيم لصالح قيم أخرى‪ ،‬وإمنا نسيان الكينونة‬
‫التي ُيثّل التفكري بها بلغة القيم طريق ًة مبقدار ما تُساوي الكينونة بذاتها خلف كل قيمة‪ .‬كتب‬
‫هايدغر «إن ميتافيزيقا نيتشه‪ ،‬ومن الوهلة نفسها أساس ماهية «العدمية الكالسيكية» ال يستطيعان‬
‫تعيني حدودهام من حيث ميتافيزيقا الذاتية امل ُطلقة إلرادة القوة»[[[‪ .‬إذن‪ ،‬ليس مبقدور التفكري بلغة‬
‫القيم أن يتعارض مع العدمية ألنه تعبري عنها وينبثق عنها‪.‬‬
‫إن نيتشه ال يعود إىل «البدء األسايس» الذي يتم ّناه‪ ،‬فهو‪ ،‬برأي هايدغر‪ ،‬مل «يُن ِه» إذن امليتافيزيقا‬

‫‪[1]- Ibid.،p. 84.‬‬


‫‪[2]- Martin Heidegger،Chemins qui ne mènent nulle part،op. cit.،pp. 214-‬‬
‫‪[3]- Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p. 91.‬‬
‫‪[4]- Chemins qui ne mènent nulle part،op. cit.،p. 317،trad. modifiée.‬‬
‫‪[5]- Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p. 76.‬‬
‫‪[6]- Ibid.،p. 160.‬‬

‫االستغراب‬ ‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬
‫‪337‬‬ ‫هايدغر ناقدًا نيتشه‬

‫توصل إىل‬
‫إال مبعنى اكتاملها (‪ .)vollrndung‬إذ يكتب هايدغر «ال نيتشه وال أي ُمفكّر آخر قبله ّ‬
‫البدء؛ كلهم‪ ،‬وألول وهلة‪ ،‬مل يروا البدء إال من وجهة نظر ما مل يكن سوى هروب من البدء‪ ،‬طريقة‬
‫بحق قلْب األفالطونية‪« .‬لكن‬‫ملقاطعة البدء‪ :‬من وجهة نظر الفلسفة األفالطونية»[[[‪ .‬لقد ا ّدعى نيتشه ّ‬
‫عملية القلْب هذه ال تُلغي املوقف األفالطوين األسايس‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬إنها تدعمه من خالل‬
‫املظهر الذي تُولّده إللغائه»[[[‪ .‬إن فكر نيتشه ينتمي إىل امليتافيزيقا التي يُثّل انتهاءها واكتاملها‪.‬‬
‫ويكتب جان بوفريه‪« :‬نيتشه أقرب ما يكون إىل ديكارت مبقدار ما ت ُفيض زعزعة الحقيقة‬
‫لصالح اإلرادة التي يُشغّلها ديكارت إىل تأويل نيتيش للحقيقة ک (‪ )wertschâtzung‬يف منظور‬
‫رسا ً أيضاً‪ ،‬أقرب إىل أفالطون مبقدار ما تظهر الحقيقة‬ ‫اإلرادة نفسها امل ُجذّرة يف إرادة القوة‪ .‬لكنه‪ّ ،‬‬
‫مع أفالطون ألول مرة خاضعة ملا هو أعظم منها‪ ،‬حيث يُشكّل إخضاع الحقيقة حالة أفالطونية‬
‫حص األفالطونية من جميع‬ ‫للميتافيزيقا الغربية التي يَصدر نيتشه عنها بقدر ما يزداد ُغلُ ّوا ً يف تف ّ‬
‫النواحي»[[[‪.‬‬
‫ص َف هايدغر ِمرارا ً العامل الحديث بأنه «زمن الغياب الكامل للمعنى»‪ ،‬غياب يربطه هايدغر ﺑ‬ ‫َو َ‬
‫«غياب الحقيقة» الناجم عن نسيان الكينونة وصعود ميتافيزيقا الذاتية‪ .‬نفهم بشكل أفضل منذ ذلك‬
‫«تتوصل عربه األزمنة الحديثة إىل هيئتها‬
‫ّ‬ ‫الوقت أن باستطاعة هايدغر النظر إىل فكر نيتشه كفكر‬
‫ل األنطولوجي الذي ينتج من النسيان‬ ‫الخاصة» ‪ ،‬إكامل امليتافيزيقا التي ت ُقيم الكائن يف التخ ّ‬
‫[[[‬
‫ّ‬
‫وأيضاً من ترك الكينونة‪.‬‬
‫لسنا هنا بوارد النقاش حول صحة أو صوابية نقد هايدغر لفكر نيتشه‪ .‬ويجب باملقابل التشديد‬
‫عىل الطابع الفريد ج ّدا ً لفكره‪ .‬لطاملا كان ﻟ نيتشه أعداء كُرث سواء يف حياته أو بعد مامته‪ .‬وهؤالء‬
‫أخذوا عليه عموماً ال عقالنيته وعداوته للمسيحية و«نزعته البيولوجية» ‪ Biologisme‬امل َ‬
‫ُفتضة‪،‬‬
‫أو انتابهم القلق من النتائج التي قد تنجم عن «تطبيق» عقيدته‪ .‬وال نجد شيئاً من هذا القبيل عند‬
‫هايدغر الذي يُعارضه برباهني ُمختلفة متاماً‪ .‬يعرتف هايدغر بفضل نيتشه الكبري يف أنه كان أول من‬
‫تناول وجهاً لوجه مسألة العدمية و َع َر َف أنه من خاللها إمنا ت ُط َرح كل إشكالية التاريخ الغريب‪ .‬لكن‬
‫يرق إىل مستوى هذه اإلشكالية التي ح ّددها هو نفسه‪ .‬ليس‬ ‫هايدغر يعتقد عىل نح ٍو ما أن نيتشه مل َ‬
‫‪[1]- Ibid.،vol. 1,p. 363.‬‬
‫‪[2]- Ibid.،pp. 363- 364.‬‬
‫‪[3]- Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p.11.‬‬
‫‪[4]- Silvio Vietta،Heidegger،critique du national-socialisme et de la technique،Pardès،Puiseaux 1993،p. 102.‬‬

‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬ ‫االستغراب‬
‫حلقات الجدل‬ ‫‪338‬‬

‫مرشوع نيتشه هو ما يطرحه هايدغر للمناقشة بل عىل العكس يأخذ هايدغر عىل نيتشه عدم ذهابه‬
‫ظل أسريا ً لدى ميتافيزيقا اعتقد خطأً أنه تجاوزها‪.‬‬
‫بعيدا ً يف تناول األمور وأنه ّ‬
‫لكن هناك أيضاً جانب ظريف ينبغي تقدميه‪ .‬طبعاً ليس صدفة أنه سنة ‪ 1939‬ويف عهد الرايخ‬
‫الثالث ق ّدم هايدغر هذا العمل الذي يتض ّمن مواجهة قوية مع فكر نيتشه‪ .‬من خالل قراءة نيتشه‪،‬‬
‫اعرتف هايدغر بالعدمية معتربا ً أنها‪ ،‬اليوم‪ ،‬هي الظاهرة األش ّد ضغطاً يف عرصنا الراهن‪ .‬لكنه‬
‫تحقّق يف الوقت نفسه من كون االشرتاكية القومية ‪ national‬ـ ‪ socialisme‬هي الشكل الحديث‬
‫للعدمية الحارض أمامه‪ .‬يف عرص (الكينونة والزمان)‪َ ،‬عك ََف هايدغر فقط عىل إظهار الطابع الزمني‬
‫والتاريخي بشكل أسايس ﻟ «الدازاين» «‪ »Dasein‬اإلنساين يف منظور منهجي ال صلة له بالتاريخ‪.‬‬
‫فمن خالل االشرتاكية القومية فقط‪ ،‬وعرب قراءة نيتشه التي ُد ِف َع هايدغر إليها‪ ،‬لجأ إىل التساؤل حول‬
‫التاريخ الحقيقي‪ ،‬وليس فقط التاريخ بوصفه فئة ُمجردة‪ .‬كتب سيلفيو فييتّا «‪ »Silvio Vietta‬إىل‬
‫أي درجة يف الحقيقة كانت االشرتاكية ـ القومية تعبريا ً عن العدمية‪ ،‬مل يكتشف هايدغر ذلك إال يف‬
‫ضوء التط ّور التاريخي الحقيقي وعرب دراسة هذا امل ُفكّر الذي هو أول َمن حلّل يف العمق املظاهر‬
‫التاريخية للعدمية الحديثة‪ ،‬الذي هو نيتشه»[[[‪.‬‬
‫يخص تجربة الرايخ‬ ‫ّ‬ ‫لِنقل ذلك بوضوح‪ :‬إن هايدغر الذي أخذنا عليه ظلامً «سكوته» يف ما‬
‫جح جدا ً أنه أه ّم‬ ‫الثالث التي هي تجربته‪ ،‬يُط ّور عن طريق نقده لنيتشه نقدا ً أساسياً للنازية ( ِمن امل ُر ّ‬
‫ص َد َر عىل اإلطالق)‪ .‬ويتض ّمن هذا النقد جانبني يَرجع كل واحد منهام إىل اآلخر كام يف لعبة‬ ‫نقد َ‬
‫حثَي إرادة‬ ‫التعسفية لعمل نيتشه (خصوصا من خالل َم ْب َ‬ ‫ّ‬ ‫املرايا‪ :‬فمن ناحية‪ ،‬يوجد نقد القراءة النازية‬
‫القوة واإلنسان األعىل)؛ ومن ناحية أخرى هناك نقد األفكار التي وردت يف عمل نيتشه والتي قد‬
‫التعسفي الذي يشجبه نيتشه‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يبذل هايدغر قصاراه يك يُظ ِه َر أوالً‬ ‫ّ‬ ‫ت ُع ّرضه لالنحراف‬
‫أن نيتشه ال يقول ما أردنا أن يقوله ومن ثم كيف أَم َك َن‪ ،‬انطالقاً مام قاله‪ ،‬جعله يقول شيئاً آخر غري‬
‫الذي قاله‪ .‬ويُظهر للوهلة نفسها العنرص التن ّبؤي يف رؤية نيتشه‪.‬‬
‫نص الدرس حول نيتشه‪ ،‬نقرأ مثالً الجمل التالية‪« :‬إن إرادة القوة بوصفها املاهية نفسها‬ ‫يف ّ‬
‫للقوة هي القيمة الوحيدة األساس التي نق ّدر عىل أساسها كل ما يجب أن تكون له قيمة أو ما ليس‬
‫باإلمكان املطالبة بغريها [‪ ]...‬أما بالنسبة لألمر الذي نُكافح من أجله‪ُ ،‬متص َّورا ً أو مرغوباً به بوصفه‬
‫هدفاً جوهرياً‪ ،‬إليكم ما هو ذو فائدة ثانوية‪ .‬إن األهداف والشعارات مهام تكن ليست شيئاً آخر سوى‬

‫‪[1]- Martin Heidegger،Nietzsche،op. cit.،vol. 2،p. 102.‬‬

‫االستغراب‬ ‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬
‫‪339‬‬ ‫هايدغر ناقدًا نيتشه‬

‫وسائل للكفاح‪ .‬إن ما نكافح من أجله ُمق ّرر قبل األوان‪ :‬إنه القوة نفسها التي ال تحتاج إىل أي هدف‪.‬‬
‫وهي بال هدف مبقدار ما تكون كل ّية الكائن بال قيمة‪ .‬إن غياب الهدف ُمرتبط باملاهية امليتافيزيقية‬
‫خاص عىل االشرتاكية ـ القومية امل ُؤ ّولة هنا بوضوح‪ ،‬ال‬ ‫ّ‬ ‫للقوة» (‪ .)43‬تنطبق هذه الكلامت بشكل‬
‫ك َن َسق ُمج ّهز بأيديولوجيا حقيقية‪ ،‬وإمنا كحركة ُمستم ّرة تبتغي دامئاً املزيد من القوة والهيمنة ويُشكّل‬
‫النجاح والنرص بالنسبة لها ـ كام يف الليربالية ذات اإللهام «الدارويني»ـ ِمعيارا ً للحقيقة‪.‬‬
‫بحق‪« :‬إن تحليل القوة الذي قام به هايدغر سنة ‪ُ 1940‬مم ّيز خصوصاً‬
‫لقد كَتَب سيلفيو فييتّا ّ‬
‫لناحية ما يُظهره من جرعة شجاعة شخصية بعيدة عن أن تكون أمرا ً ال يُذكر‪ .‬ويرشح التحليل يف‬
‫نص واضح سياسياً أن كل الواجهة األيديولوجية لالشرتاكية القومية ليست سوى تعبري عن القوة‬ ‫ّ‬
‫املحض‪« ،‬بال هدف» يف ذاتها‪ ،‬وال يشء غري ذلك [‪ ]...‬يرى هايدغر ويقول برصاحة‪ ،‬يف سنة‬
‫‪ ،1940‬أن فكر الهيمنة والقوة بوصفه «كفاحاً» (‪ )kampf‬ـ ينىس امل ُستمع بصعوبة هنا ربط املسألة‬
‫بكتاب (كفاحي) ‪ Mein kampf‬ـ ليس [‪ ]...‬يف حقيقته أي يشء آخر سوى هذه العدمية التي ال‬
‫ميكنها االستيالء عىل فئة الحقيقة إال بصفة أداة يف خدمة القوة والكفاح»[[[‪.‬‬
‫بفضل قراءة نيتشه إذن متكّن هايدغر من وضع أسس نقد أسايس لفكر القوة املحض‪ ،‬فكر‬
‫الكل الذي تبدو االشرتاكية القومية‪ ،‬برأي هايدغر‪ ،‬وكأنها ُممثّل منوذجي له‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الهيمنة والتفتيش‬
‫لكنه يرى أن ذلك الفكر‪ ،‬بعيدا ً عن الرايخ الثالث نفسه‪ُ ،‬ي ّيز كل الحداثة بوصفها سبباً لقيام إنسانية‬
‫ُمطابقة للامهية األساسية للتقنية الحديثة وحقيقتها امليتافيزيقية‪ ،‬أي قيام إنسانية ال يش َء كافياً‬
‫ُؤسس عىل‬ ‫شك يف أن االندفاع الالإرادي الكلّياين‪ ،‬امل ّ‬‫أي مجا ٍل كان‪ .‬بنظر هايدغر‪ ،‬ال ّ‬‫بنظرها يف ّ‬
‫جسدة يف االشرتاكية القومية‪ ،‬يرتبط مبيتافيزيقا الذاتية‪ ،‬ميتافيزيقا‬
‫هيجان إرادة القوة كام نجدها ُم ّ‬
‫التفتيش البعيدة عن االختفاء مع الرايخ الثالث‪ ،‬لكنها عىل العكس ُمك ّرسة لتدوم ما دامت العدمية‬
‫الناتجة عن نسيان الكينونة‪ .‬يف هذا املعنى ُيثّل درس نيتشه انتقاالً بني نقد االشرتاكية القومية ونقد‬
‫التقنية الذي ليس مبقدور األول إال أن يكون مرحلة من مراحله‪.‬‬

‫‪[1]- Op. cit.،pp. 115- 116.‬‬

‫‪AL-ISTIGHRAB‬‬
‫خر يــف ‪2 0 1 6‬‬ ‫االستغراب‬

You might also like