Professional Documents
Culture Documents
أدورنو وهيدغر - نحو تجاوز الأنطولوجيا الفينومنولوجية ؟ - كوة - couua
أدورنو وهيدغر - نحو تجاوز الأنطولوجيا الفينومنولوجية ؟ - كوة - couua
كوة
بحث
ال شك أّن االنتقادات الذي وجهها ثيودور أدورنو ،Theodor Adornoأحد أبرز ممثلي الجيل األول لمدرسة فرانكفورت ،إلى الفيلسوف األلماني الكبير مارتن هيدغر Martin
Heideggerتعد في نظر العديد من المتخصصين في الحقل الفلسفي الغربي المعاصر من أعمق االنتقادات وأكثرها راديكالية التي ُو جهت لهذا الفيلسوف من طرف ممثل بارز لتقليد فلسفي
ينتمي إلى الفضاء الفكري الهيغيلي-الماركسي الذي تنتسب إليه النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت .وقد تركزت هذه االنتقادات على وجه التحديد حول قراءة هيدغر لكتاب إيمانويل كانط “نقد
العقل الخالص” ،ولمفهوم “الكينونة” الذي شّكل ،بطبيعة الحال ،المحور األساسي لألنطولوجيا الفينومنولوجية لهيدغر .ضمن هذا السياق يعتقد أدورنو أّن قراءة هيدغر لنص “نقد العقل
الخالص” كان غرضها األساسي تقديم الفلسفة الكانطية كفلسفة أنطولوجية وهذا قصد إفراغها من مضامينها النقدية التي شكلت محور اهتمام كانط و مّثلت -بطبيعة الحال-المقصد األساسي
والمركزي للمشروع الفلسفي الكانطي برمته ،وفي هذه الحالة سنرتد –بحسب أدورنو -إلى مرحلة ما قبل نقدية .والحُق أّن أدورنو كان قد أشار إلى أّن هيدغر في كتابه “كانط ومشكلة
الميتافيزيقا” ،ولكي يستخلص من قراءة النص الكانطي اللحظة المضادة للنزعة الذاتية و”المتعالية” قد أضفى عليها طابعا أنطولوجيا” .وقد سبق لهيدغر أن عّبر عن هذه الفكرة في دراسته
لكانط بقوله ” إّن الغرض من هذا الكتاب هو تفسير نقد العقل الخالص لكانط بكيفية يتم فيها توضيح أّن “مشكلة الميتافيزيقا” هي مشكلة متعقلة باألنطولوجيا األساسية” ويمكن القول تبعا لذلك
أّن هيدغر قد جانب الصواب –حسب أدورنو -في هذه القراءة ألّنه اعتقد بإمكانية مماثلة اهتمام كانط الحقيقي للموضوع ﺑ “أنطولوجيا خفية” غير حاضرة في الفلسفة النقدية الكانطية ،أو بعبارة
أخرى :إّن التأويل األنطولوجي لكانط من قبل هيدغر ال “يتعارض فقط مع النقد الكانطي لألنطولوجيا العقالنية ،بل مع سيرورة نقد العقل نفسه؛ ألنه –وبحسب كانط-تحّدد الموضوعية –
المتعلقة بالمعرفة ومجموع كل ما تمت معرفته -بالطابع الذاتي ،أي بالذات المتعالية التي لم يكف كانط عن تأكيدها .والشك أّن هذا األخير قد أكد تقّبل وجود الشيء في ذاته خلف ثنائية الذات
والموضوع ،غير أنه ترك هذا الوجود غير محّدد قصدا ،بحيث يتعذر على أي تأويل فك رموز أنطولوجيا ما .من المؤكد ،ورغم وجود فروق أساسية بينهما ،فإننا نجد تقاربا شديدا بين
أدورنو وإرنست كاسيرر في ما يخص هذا النقد الموجه لهيدغر؛ لقد أعاب كاسيرر ،وأحد الممثلين الكبار الكانطية الجديدة المنتسبة إلى مدرسة ماربورغ ، Ecole de Marbourgعلى
هيدغر تأويله األنطولوجي لنظرية المعرفة الكانطية وهو السبب الكامن وراء وقوع فلسفة هيدغر في منزلق فلسفي أدى إلى حصول تأويل غير موفق للفلسفة الكانطية .ويبدو أّن أدورنو-من
خالل هذا النقد -قد انقاد في نفس االتجاه الذي رسمه كاسيرر عام ،1929وأنه كان متأثرا – بشكل غير مباشر على األقل -بالكانطية الجديدة لمدرسة ماربورغ .ولئن كان نقده لهيدغر يتبع
نفس مسار النقد األساسي الذي وجهه كاسيرر ،فقد كان متميزا عنه وعن المدرسة الفلسفية التي كان ينتمي إليها بسبب انتمائها إلى التقليد الفلسفي المثالي ،بخالف التوجه المادي (الماركسي
الجديد) ألدورنو الرافض لغياب الطابع العيني لألنطولوجيا الهيدغيرية .إضافة إلى ذلك أكد أدورنو بأّن األنطولوجيا الهيدغرية بإعالئها من مكانة الكينونة وأّو ليتها واعتبارها التصور “األكثر
كلية” ،على حساب الذات التي تم زحزحتها عن أساسها األنطولوجي وتفكيك مقامها ،وهذا عبر التبشير بنهايتها ،بحيث ستشكل الكينونة – ضمن المنظور الهيدغري -المتعالي المطلق ”
فالكينونة من حيث التعريف ال ُتستنبط من التصورات العليا وال ُتستعرض من جهة التصورات الدنيا .ولكن هل ينتج عن ذلك أّن “الكينونة” لم يعد بإمكانها أن تثير أي إشكال؟ قطعا ال؛ إنما ال
يمكن أن ينتج إال هذا :أّن “الكينونة” ليست من الكائن في شيء[ ]..إّن “الكينونة هي التصّو ر المفهوم-بنفسه .فإّن في كل معرفة وتلفظ ،في كل سلوك إزاء الكائن ،في كل سلوك –إزاء–ذات-
أنفسنا إنما يتم استعمال الكينونة ” .ومن هذا المنطلق يرى أدورنو أّن ” ما عملت على زحزحته األنطولوجيا الهيدغيرية–بالفعل-هو الشعور بتمركز اإلنسان حول نفسه .لقد تملكت الذات على
نحو ما ،التأمل الذاتي الفلسفي ،النقد القديم جدا للتمركز حول األرض” .إّن تعلق هيدغر الراسخ بالكينونة قد تحّو ل في آخر المطاف إلى نظرية تقر باالنتماء إلى الكينونة مما أدى –حسب
أدورنو -إلى وقوعه في نزعة متشبثة بالقديم ومنتصرة له ،وهذا ما جعله يستبعد ” المسألة لنقدية باعتبارها مرحلة قبل أنطولوجية
.
لقد أدرك أدورنو أن فهم واستخالص األصول واألسس النظرية لفكر الكينونة عند هيدغر يقتضي استحضار وفحص فينومنولوجيا هوسرل التي ظل هيدغر يفكر في فضائها ،حتى وإن تحّو ل
إلى البحث في أفق الكينونة بغرض إضفاء الطابع األنطولوجي على الفينومنولوجيا ،وهذا قصد تقويض منطلقات هذا الفكر وتجاوزه .ضمن هذا السياق يشير أدورنو إلى أّن الخطاب الفلسفي
الهيدغري قد استند فيما يخص فكرة الكينونة إلى الحدس الماهوي الذي يعتبر عند إدموند هوسرل Edmond Husserlأساس إدراك الماهيات الكامنة في الوعي قصد تحويل الفينومنولوجيا
إلى علم صارم وكلي .ولم يكن من قبيل المصادفة أن فّضل هيدغر من جميع أعمال هوسرل المبحث المنطقي السادس الذي طّو ر فيه هوسرل مفهوم ” الحدس المقولي” ،فمن خالل مثل هذا
الحدس يمكن أن تنفتح الكينونة وتنكشف .وهكذا ،فإّن االنتقال من الفينومنولوجيا الهوسرلية إلى األنطولوجيا الفينومنولوجية لهيدغر قد ارتبطت بتضمن هذه األخيرة لمفهوم الحدس الذي استقاه
–كما أشرنا إلى ذلك -من هوسرل .ولكن وفي الوقت نفسه ،انتهج هيدغر طريقه الخاص والمتميز في الكينونة والزمان حينما انتقل بالفينومنولوجيا إلى مجال البحث األنطولوجي ،لكنه في هذا
المرحلة تخلى عن اللحظة العقلية في فكر هوسرل .ويعيب أدورنو على هيدغر أيضا نزعته الموضوعانية األنطولوجية Objectivisme ontologiqueالتي لم تكن سوى نتيجة لقلب
لمفهوم الذاتية .هذا ،وقد انتقد أدورنو فكرة الكينونة التي أصبحت فيه هذه األخيرة المفهوم المركزي في تأسيس أنطولوجيا وجودانية . Ontologie Existentialeوفقا لهذا المنظور،ابتعد
الخطاب الفلسفي لهيدغر عن الطابع العيني أو الملموس ،وعن تناقضات الواقع االجتماعي وبقي مجردا بسبب ” فحينما يتم تحقيق هذه األنطولوجيا إلى حدها األقصى ،ال تعود الفلسفة في
حاجة إلى االهتمام بالجانب االجتماعي والتاريخي لحياة الفرد ” .والواقع أّن أدورنو يدين في هذا النقد إلى صديقه الفيلسوف األلماني غونتر أندرس .Günther Andersيرى هذا األخير
أّن األنطولوجيا الهيدغيرية قد غّيبت الجانب العيني أو الملموس عن التحليل المتعلق بالكينونة والكائن ضمن سياق االنفتاح على التأويل ،وهذا قصد مجاوزة الميتافيزيقا ،في كتابه العمدة
الكينونة والزمان ،وهذا ما يفسر لنا عجز هذه األنطولوجيا عن القيام بتحليل العالقات المادية وعزوفها عن االهتمام بالحياة الواقعية والفعلية ضمن السياقات التاريخية للمجتمع الصناعي
المعاصر ،واكتفائها بالقراءة المجردة والالتاريخية للواقع اإلنساني ،من خالل إعطاء األولوية األنطولوجية للكينونة .لقد أغفل هيدغر مكانة وأهمية الذات اإلنسانية داخل سيرورة الحياة
االجتماعية ولم يكترث بكيفية التحّر ر من الوضع القائم .وهكذا ،بقي هيدغر سجين رؤية تقليدية ال تنصت إلى نداء المعاصرة ومتجاهلة الغتراب وتشيؤ الوعي في المجتمع الرأسمالي القائم
على تقسيم العمل اإلنساني .وبناء على هذا يرى أدورنو في الجدل السلبي أّن الفلسفة ال ينبغي أن تعيش في عالمها الخاص ،الذي انقطعت روابطه بعالم اإلنسان ،بل إنها ترتبط بممارسة
اإلنسان العملية وبالوجود العيني الذي ال ُيفهم بمعزل عن اللحظة التاريخية التي يتحّقق فيها وعن المجتمع الذي يحّدد قدرات اإلنسان وإمكاناته .وهذا ال يعني أن تقتصر الفلسفة على ما هو
عيني ومباشر ،أو تلتزم بعالم الواقع على ما هو عليه .إنها على عكس ذلك تستخلص من الواقع ما هو ممكن فيه ،وبذلك يمكن القول إنها فلسفة تعترف بالواقع من ناحية وترفضه من ناحية
أخرى ،والبد أن تتسم كل فلسفة نقدية بقدر من عنصر “السلب” .غير أّن أدورنو يذهب أبعد من ذلك ،حيث يرى أّن النقد األساسي لألنطولوجيا الفينومنولوجية لهيدغر يجب أن يتوجه إلى
جوهر أو قلب هذه األنطولوجيا أي إلى نظرية االختالف األنطولوجي .La différence ontologiqueلهذا السبب كان من المفيد التذكير بتسويغ هيدغر نفسه في كتابه “الكينونة
والزمان” ،وبالتحديد إلى الفقرة 2المتعلقة ﺑ “البنية الصورية للسؤال عن الكينونةّ” ،حيث طرح أربعة أسئلة أساسية وقد صاغها كالتالي“ :من أّي كائن ينبغي الستفتاح الكينونة أن يأخذ منطلقه
؟ هل المنطلق هو أّي كان ،أم إّن لكائن معّين أولّية ما في بلورة مسألة الكينونة ؟ أّي منها هو هذا الكائن النموذجي وبأي معنى له أّو لّية ؟ .في إجابته على هذه األسئلة ،بّين هيدغر أّن طرح
سؤال الكينونة يقتضي التطرق إلى الكائن بوصفه الخيط الهادي إلى استعادة معنى الكينونة ،إذ ال نستطيع فهم معناها دون فهم الكائن .لذلك منح هيدغر مكانة متميزة للكائن وخصه بأولوية
أنطولوجية وّجه األنطولوجيا األساسية نحو الكائن قصد تبيان اختالفه األنطولوجي عبر تحليل بنيته ضمن خصوصيته ،باعتباره اإلمكانية األنطولوجية الوحيدة إلدراك الكينونة .والدازين هو
الكائن الذي تنطوي كينونته على مساءلة الكينونة .ضمن هذا السياق يقول هيدغر“ :تعني بلورة مسألة الكينونة بذلك :أن نجعل كائنا ما –هو السائل -شفافا في كينونته .وإن طرح هذا السؤال،
من جهة ما هو ضرب كينونة خاص بكائن ما ،إنما هو ذاته متعّين في ماهيته بما هو مسؤول عنه ضمنه -بالكينونة .هذا الكائن ،الذي هو نحن أنفسنا في كل مرة والذي يملك من بين ما يملك
إمكانية كينونة الّتسآل ،نحن نصطلح عليه بلفظة دازاين (. )Daseinوإّن طرح السؤال الصريح والشّفاف عن معنى الكينونة يتطلب تفسيرا مناسبا عن كائن ما (الدازاين) بالنظر إلى كينونته
.وبهذا فإّن الدازاين (الوجود هنا) هو في الوقت نفسه الكائن .ومن هنا يعتقد أدورنو أّن هذا مجرد تحصيل حاصل ،أدى إلى الوقوع في معضلة عويصة وطريق مسدود وقعت فيها األنطولوجيا
الهيدغيرية بحيث انتفى االختالف األنطولوجي بين الكينونة والكائن .وقد عّبر أدورنو عن هذا بقوله ” :إّن خطاب هيدغر حول االختالف األنطولوجي يختزل في تحصيل حاصل ،بحيث تتبّين
لنا الكينونة من حيث مغايرتها للكائن ألنها كينونة .إذذاك يصبح الكائن واقعا أنطولوجيا ،ولكنه مجرد لفظة زائفة وراكدة ،إذ ال وجود لكينونة بدون كائن أو بتعبير هيدغر نفسه أيضا ال يمكن
أن يوجد كائن بدون كينونة .هذا ،وعلى الرغم من أن هيدغر قد أظهر في الكينونة والزمان توجهه الستكشاف حقيقة الكينونة عبر العودة إلى األشياء ذاتها وتوجيه اهتمامه إلى الكائن هنا أي
الدازاين ،ومن نمط المعالجة الذي تستوجبه ” األمور نفسها” .فكلما كان مفهوم الخط األساسي الذي من شأن علم ما ،وكلما كان أكر أصلّية في التجذر ضمن المناظرة مع األشياء ذاتها .غير
أّن محاولة هيدغر لم تتحّر ر من الطابع التجريدي والميتافيزيقي رغمادعائه مقاربة هذا الكائن بصورة عينية .لذلك تعد هذه المقاربة –بحسب أدورنو -مقاربة “عينية'” زائفة ،والتي ال يختلف
كثيرا عن المقاربات الفلسفية السابقة التي انتقدها هيدغر نفسه .لذلك يعيب أدورنو على هيدغر عدم إدراكه لطبيعة التجربة المعاشة ،ومرد ذلك بطبيعة الحال إلى هيمنة الطابع أو التحليل
األنطولوجي ،وبخاصة أّن فيلسوف الغابة السوداء قد أضفى هذا الطابع األنطولوجي Ontologisationعلى التجربة المعاشة عبر التحليلية األنطولوجية للدازاين من أجل تأويل معنى
الكينونة بعامة .ولكن هذه التحليلية أدت في نهاية األمر إلى تجميد جملة التمظهرات الخاصة للكائن في “وجودانيات” ،Existentiauxفي البنيات التي ال تحتفظ بالمفهوم العام المتصلبة أو
المتحجرة والمفصولة تماما عن التجربة اإلنسانية المعاشة .وإذا كان أدورنو يعترض على رؤية هيدغر فيما يخص إضفاء الطابع األنطولوجي على التجربة المعاشة ألّن هذا األخير ربط
األنطولوجيا بالفينومنولوجيا ،حيث راهن في الكينونة والزمان على إمكانية تأسيس أنطولوجيا فينومنولوجية .والحقيقة أّن هيدغر في تصّو ره إمكانية استخالص “الوجودانيات” باعتبارها
شروط إمكانية الدازاين نفسه ،بقي سجين التصّو ر المتعالي للذاتية .ولذلك كان لزاما عليه البقاء ضمن رؤية تجريدية “خفية” ،وفي الوقت نفسه ،في النزعة الصورية التي ميزت المدرسة
الفينومنولوجية .وهذا ما أوضحه النقد النظري فيما يخص األنطولوجيا الوجودانية .وعلى الرغم من هذه الرؤية األنطولوجية التي قدمها هيدغر فإننا نالحظ –كما يقول أدورنو -أّن فيلسوف
الغابة السوداء ال ينفك يبّين أّن المشروع األنطولوجي الفينومنولوجية في الكينونة والزمان يمكن أن يتجه وجهة تأويلية قصد فهم الكينونة والكشف عن معناها وكنهها .يقول هيدغر ضمن هذا
السياق ” :إّن الفلسفة هي أنطولوجيا فينومنولوجية كلية ،تنبع هرمينوطقا الّدازين Herméneutique du Daseinالتي من حيث هي تحليلية الوجود ،قد عّينت الخيط الهادي لكل تسأل
فلسفي ،من أين ينبجس وإلى أين يرتد” .ولكن وفي الوقت نفسه ،فإّن األولوية التي أعطاها هيدغر للكينونة “المختفية” للدازاين تبعدنا أكثر عن التجربة العينية وذلك ألنه حتى وإن حاول
التنصل من الطابع المجرد للفينومنولوجيا الهوسرلية ،فإّن محاولته باءت في آخر المطاف بالفشل ألّن العودة إلى األشياء نفسها أي إلى موجودات كما تظهر أو تتبدى لنا قد تم استبدالها بالعودة
إلى الكينونة ،وهو المفهوم األكثر تجريدا كما يرى أدورنو .وبناء على ذلك ،يتم االنتقال من الكائن (أي ما يظهر) إلى الكينونة (ما ال يظهر) .ومن ثم تتحول األنطولوجيا التأويلية إلى علم
كلي مجرد .ضمن هذا السياق يبّين أدورنو كيف أّن “المقتضيات األنطولوجية ال ترضي إال المقوالت ،وأمام السيادة التي عملت الفينومنولوجيا النتزاعها من الفكر :الذاتية الخالصة والزمنية
الخالصة أيضا .ومن مفهوم الكينونة الملقى بها (المقذوف) التي وضعت كشرط أخير لكينونة اإلنسان ،أصبحت الحياة وأنها عمياء وغير ذات معنى إال ما تعلق بفلسفة الحياة [ .]..وفي هذا
المضمار ،يمكن أن نفهم محدودية المقوالت الوجودانية لهيدغر ،الكينونة الملقى بها ،القلق والموت التي ال يمكن أن تستبعد إمكانية اكتمال الكائن الحي ومفهوم الحياة الخالص التي يجلب إليه
المشروع األنطولوجي لهيدغر .وهكذا ،يبدأ السقوط النهائي للفلسفة الفينومنولوجية .وللمرة الثانية ،تجد الفلسفة نفسها عاجزة أمام مسألة الكينونة .ولم تتمكن من وصف الكينونة بالقدر الكافي
من حيث هي مستقلة وأساسية قد عرفت الفلسفة كيف تعرضه سابقا”
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
:
-1من أهم الدراسات الفلسفية المقارنة بين مارتن هيدغر وثيودور أدورنو كتاب هرمان مورشن بعنوان أدورنو وهيدغر.دراسة في رفض التواصل ،وقد صدر بشتوتغرت في عام ،1981
حيث أثبت فيه أنه على الرغم من وجود فروق جوهرية بين هيدغر وأدورنو ،فإنه يمكن أن نجد جوامع مشتركة في العديد من القضايا والمسائل الفلسفية (مسألة التقنية ،نقد الفكر الوضعي ،نقد
الميتافزيقا ،الخ) بل أكد مورشن أيضا ما يسميه بحضور الفكر الهيدغيري في المتن الفلسفي ألدورنو بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،أو لحظة هيدغيرية في فكر أدورنو الشاب عبر ثالثة
نصوص أساسية ألدورنو وهي :كيركيغارد ،بناء الجمالية الصادر عام ،1933راهنية الفلسفة الصادر عام ،1931وفكرة التاريخ-الطبيعة وهي محاضرة ألقاها أدورنو في 15جويلية
1932بمجامعة فرانكفورت.لقد حاول أدورنو في هذه المحاضرة إعادة صياغة “التوجه األنطولوجي”الذي قدمه هيدغر لفلسفة التاريخ في الكينونة والزمان ،وهذا من خالل محاولة تقريبه
للتاريخ “العيني” باالستناد إلى أعمال كل من غيورغ لوكاش وفلتر بنيامين .وهذا ما دفع هرمان مورشن إلى القول بوجود ” تقارب” في رؤى هيدغر وأدورنو .غير أن “التقارب” لم يدم وقتا
طويال ،إذ سرعان ما أعلن أدورنو في كتابته الالحقة “عداءه” لفلسفة هيدغر .لقد صّر ح أدورنو في 1أكتوبر من عام 1965في رسالة وجهها إلى صديق مارتن هيدغر مورشن أنه ” بعد
خمس سنوات من اآلن سأحطم هيدغر” In fünf Jahren habe ich den Heidegger kleingemachtوحتى فلتر بنيامين الذي جمعته عالقة صداقة مع ثيودور أدورنو أعلن
بدوره عام 1930في رسالة وجهها إلى صديقه غرشوم شوليم Gershom Scholemأنه سيكتب كتابا ” سيحطم فيه هيدغر” den Heidegger zurstrümmern
/أدورنو-وهيدغر-نحو-تجاوز-األنطولوجيا-اhttps://couua.com/2018/07/03/ 1/3
02/10/2022 17:57 – couuaأدورنو وهيدغر :نحو تجاوز األنطولوجيا الفينومنولوجية ؟ – كوة
للتعمق انظر
:
Hermann Mörchen, Adorno und Heidegger. Unterschung einer philosophischen Kommunikationsverweigerung, Klet-Cotta, Stuttgart,
.1981
يمكن الرجوع أيضا إلى كتاب بوراهيما وطارة بعنوان:
Bourahima Ouattara, Adorno et Heidegger : Une controverse philosophique. Paris, L’Harmattan, 1999 .
انظر أيضا
:
.Theodor Adorno, Métaphysique. Concept et problèmes .Traduit de l’allemand par Christoph David, Paris , Payot, 2007
-2تجدر اإلشارة إلى أّن قراءة هيدغر ﻠ نقد العقل الخالص قد أثارت جداال حادا بين المتخصصين في فلسفة كانط ،حيث ذهب البعض منهم إلى اإلشادة بعمق هذه القراءة وأصالتها وذلك
لقدرتها على حل بعض الصعوبات العالقة بها .في حين يرى باحثون آخرون أّن قراءة أو تأويل هيدغر مضللة وال تنسجم مع النصوص الكانطية بل ومتناقضة معها أحيانا .ومن ذلك
االنتقادات التي وجهها الفيلسوف الكانطي-الجديد إرنست كاسيرر في ندوة دافوس Davosعام .1929لمزيد من التفصيل فيما يخص الخالف الفلسفي بين هيدغر وكاسيرر انظر:
Ernest Cassirer –Martin Heidegger, Débat sur le Kantisme et la philosophie (Davos, 1929) Traduit par P.Aubenque ,J.M. Quillet,
.P.Fataud , Paris, Beauchesne, 1972
Theodor Adorno, Dialectique négative, Traduit par G. Coffin, J. Masson, O. Masson, A. Renault, D. Trousson, Paris, Petite -3
.Bibliothèque Payot, 2003, p 85
Martin Heidegger, Kant et le problème de la métaphysique. Traduit de l’allemand par Alphonse de Walhens et Walter Biemel, -4
.Gallimard, 2005, p 57
.Arno Münster, Adorno, une introduction. Paris, éditions Hermann, 2008, p 167-5
-7ولد إرنست كاسيرر سنة 1874في مدينة بريسلو ،وتوفي سنة 1945في مدينة نيويورك األمريكيةُ .يعد أحد أقطاب الكانطية الجديدة ، Le néo-kantismeفي فرعها المتمثل في
مدرسة ماربورغ ، Ecole de Marbourgالتي اهتمت بالمباحث االبيستمولوجية العلمية و خاصة بالرياضيات و الفيزياء ،وقد ضمت أيضا هرمن كوهين و باول ناتورب .وفي سنة
ُ 1906عّين كاسيرر أستاذا في جامعة برلين ،ثم أستاذ بكرسي في جامعة هامبورغ .وبعد وصول النازية إلى الحكم عام 1933هاجر إلى السويد وصار أستاذا في جامعتها من 1935إلى
،1941ثم غادرها متجها إلى الواليات المتحدة األمريكية ليصيرا أستاذا في جامعة يال . Baleمن أهم مؤلفاته ” :فلسفة األشكال الرمزية” ” ،1923فلسفة األنوار ” ،1932مقالة في
اإلنسان ” ” ،1945أسطورة الدولة ” .1947
-9مارتن هيدغر ،الكينونة والزمان ،ترجمة وتقديم فتحي المسكيني ،بيروت ،دار الكتاب الجديد المتحدة
،2012 ،
ص
.50
-10مارتن هيدغر ،الكينونة والزمان ،ص .52
.Theodor Adorno, Dialectique négative, p 87 -11
.Ibid., p90 -12
-13هانز جورج غادامير ،طرق هيدغر ،ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح .بيروت ،دار الكتاب الجديد المتحدة ،2007 ،ص
.246
.Arno Münster, Adorno, une introduction, p 171 -14
Theodor Adorno, Jargon de l’authenticité. De l’idéologie allemande. Traduit de l’allemand par Eliane Escoubas, Paris, Petite -15
.Bibliothèque Payot, p 151
-16غونتر أندرس ( )1992-1902فيلسوف ألماني معاصر .كان على عالقة بمعهد الدراسات االجتماعية بفرانكفورت وصديقا ألدورنو وماركوز وبنيامين .تحصل على شهادة الدكتوراه في
الفلسفة عام 1924بإشراف إدموند هوسرل .التقى بمارتن هيدغر ،حيث ربطته به عالقة صداقة .ومع وصول النازية إلى الحكم هاجر إلى الواليات المتحدة األمريكية ،حيث ظل يواصل
كتاباته الفلسفية التي تمحورت حول نقد الحداثة التقنية وفضح توظيفها غير اإلنساني في العالم المعاصر .من أهم أعماله :إلغاء اإلنسان ج 1عام ،1956أما ج 2فقد ظهر عام .1980
هيروشيما في كل مكان عام .1959نحن أبناء أيشمان عام .1988التهديد النووي عام
.1992
Günther Anders, Sur la pseudo- concrétude de la philosophie de Heidegger,Traduit par Luc Mercier, Paris, Sens et Tonka, 2003, p-17
.39
.Arno Münster, Adorno, une introduction, p 174-18
-19رمضان بسطاويسي محمد ،علم الجمال لدى مدرسة فرانكفورت .أدورنو نموذجا ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،1998 ،ص
.81
-20مارتن هيدغر ،الكينونة والزمان ،ص
.56
-21علينا أن نالحظ إصرار هيدغر على تحاشي مصطلح ” إنسان” حتى ال يترك من معنى ” الكائن” الذي ينبغي استجوابه حول معنى ” الكينونة” سوى أن ” يكون على نحو ما ” ،أّن له ”
طريقة ما في الكينونة “ .ولذلك فمصطلح ” دازاين” هنا ليس له أّي ” مضمون” أو ” تعّين” أنثروبولوجي ،بل هو إشارة ” صورية” إلى بنية كينونة محض .ورغم أّن الدازاين هو ” السائل”
عنى معنى الكينونة ،فهو أيضا في الوقت نفسه ” المستجوب” في هذا السؤال عن معنى الكينونة (المترجم)
.
-22مارتن هيدغر ،الكينونة والزمان ،ص
.57
.Theodor Adorno, Dialectique négative, p 97-23
Martin Arriola, « L’enracinement de la philosophie dans le concret, le fil conducteur du Polemos Adorno- Heidegger » Revue-25
.Ithaque, nº 1, Année 2007, p 114
.Theodor Adorno, Jargon de l’authenticité. De l’idéologie allemande, p 124 -26
-27ارتن هيدغر ،الكينونة والزمان ،ص
.104
.Martin Arriola, « L’enracinement de la philosophie dans le concret, le fil conducteur du Polemos Adorno- Heidegger » p 116-28
من أرشيف البروفسور كمال بومنير:
الدكتور كمال بومنير يعد البروفيسور كمال بومنير أحد األقالم الفلسفية الجادة في العالم العربي ،يساهم في إغناء الدرس
الفلسفي تأليفا وترجمة .بدأ مشواره الدراسي على يد األستاذ لخضر بوناب بثانوية ابن رشد حيث قرأ لكارل ماركس
وجان بول سارتر وغاستون باشالر وهنري برغسون… والتحق بجامعة الجزائر ودرس االستطيقيا والفلسفة األلمانية …
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ.د /كمال بومنير غيورغ لوكاتش György Lukácsفيلسوف مجري معاصر (ُ .)1971-1885يّعد
أحد أقطاب الفكر الماركسي في القرن العشرين .تأثر بكانط وبهيغل وماركس وفيبر ودلتاي ،وهذا ما يظهر في واحد من
أهم أعماله الفلسفية “التاريخ والوعي الطبقي” عام ،1923الذي عالج فيه موضوع التشيؤ . La réificationبدأ يلمع
…
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ /د كمال بومنير نانسي فرازر Nancy Fraserفيلسوفة أمريكية معاصرة (ولدت عام )1947بمدينة
بالتيمور .Baltimoreتعتبر من أهم ممثلي النظرية النقدية في الواليات المتحدة األمريكية .تأثرت أثناء مسارها الفكري
والسياسي بالعديد من الفالسفة (ثيودور أدورنو ،ميشيل فوكو ،يورغن هابرماس ،ريتشارد رورتي على وجه
الخصوص) .انصب اهتمامها …
/أدورنو-وهيدغر-نحو-تجاوز-األنطولوجيا-اhttps://couua.com/2018/07/03/ 2/3
02/10/2022 17:57 – couuaأدورنو وهيدغر :نحو تجاوز األنطولوجيا الفينومنولوجية ؟ – كوة
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ .د /كمال بومنير ُو لد الرّسام التشكيلي األمريكي أندي وارول Andy Warholفي مدينة بيتسبورغ
Pittsburgبالواليات المتحدة األمريكية في عام .1931درس في معهد كارنجي للتكنولوجيا وتخّر ج منه سنة ،1949
ثم استقر في مدينة نيويورك واشتغل كرّسام في ميدان االشهار .بدأ وارول رسم لوحاته األولى بأسلوب تعبيري… .
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ.د /كمال بومنير اعتقد أننا اليوم أمام نوعين من الفضاء العمومي؛ هناك أوال وقبل كل شيء ما يظهر عبر الفضاء العمومي البرجوازي Öffentlichkeit
Bürgerlicheضمن عالقته بأشكال الصراعات المباشرة ضد األزمة االجتماعية البنيوية السائدة في زمن الرأسمالية .فمن المعلوم أّن الفضاء العمومي “الرسمي” يعيد بشكل واسع
لغة ورمزية …
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ.د /كمال بومنير هربرت ماركوز Herbert Marcuseفيلسوف ألماني معاصر (.)1979-1898
تأثر بهيغل وماركس وشيلر وهيدغر وفرويد .انظم عام 1934إلى معهد الدراسات االجتماعية بفرانكفورت إلى جانب
ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو ،وأسهم في تعميق النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت من خالل مقاالته وبحوثه .ثم
هاجر إلى الواليات المتحدة األمريكية …
أكمل القراءة »
ترجمة :أ .د /كمال بومنير إّن االعتراف بالحرية الدينية وحرية المعتقد كحقوق أساسية هي بمثابة إجابة سياسية مناسبة
فيما يخص مواجهة تحديات التعددية الدينية .وهكذا ،وعلى مستوى التفاعالت االجتماعية بين المواطنين ،يمكننا تفادي
العديد من النزاعات المحتملة ،ولكن هذا ال يمنع من استمرارها على المستوى المعرفي بين غير المؤمنين والمؤمنين …
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ.د /كمال بومنير أوسكار نيغت Oskar Negtفيلسوف ألماني معاصر (ُو لد عام )1934يعد أحد
ممثلي النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت ضمن الجناح الفكري (النابع –بطبيعة الحال -من داخل النظرية النقدية) الذي
أصبح يسمى اليوم ﺑ “التيار الساخن” Le courant chaudوهو تيار يضم أيضا بعض الفالسفة الفرانكفورتيين
(ألكسندر …
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ.د /كمال بومنير راينر روشليتز Rainer Rochlitzفيلسوف ومترجم فرنسي من أصل ألماني ولد في
مدينة هانوفر عام 1946وتوفي في باريس في عام .2002درس الفلسفة وتاريخ الفن ،وتخصص في الجماليات وفلسفة
الفن .ساهم روشليتز من خالل ترجماته وأعماله في نشر العديد من األعمال الفلسفية األلمانية المعاصرة… ،
أكمل القراءة »
ترجمة وتقديم :أ.د /كمال بومنير ولد الفيلسوف والناقد األدبي والفني األلماني فلتر بنيامين Walter Benjaminسنة
.1892درس الفلسفة في جامعات فريبورغ وميونخ وبرلين ،وتحصل سنة 1919على شهادة الدكتوراه في الفلسفة،
وكانت رسالته بعنوان “أصول تراجيديا الباروك األلماني” ،حيث ارتكز اهتمامه في مجال الفن واألدب ،وفي الدراما
األلمانية في …
أكمل القراءة »
/أدورنو-وهيدغر-نحو-تجاوز-األنطولوجيا-اhttps://couua.com/2018/07/03/ 3/3