You are on page 1of 32

‫مونارخية اآلب يف الالهوت اآلبائي اإلسكندري‬

‫إعداد‬
‫د‪ .‬أنطون جرجس عبد املسيح‬
‫القاهرة – نوفمرب ‪2023‬م‬
‫الفهرست‬
‫اآلبائ اإلسكندري ‪1.......................................‬‬
‫ي‬ ‫مونارخية اآلب يف الالهوت‬
‫العالمة كليمندس اإلسكندري ‪1..........................................................‬‬
‫اآلب هو علة االبن ‪1 ...........................................................................‬‬
‫العالمة أوريجينوس اإلسكندري ‪5.......................................................‬‬
‫االبن يأخذ من اآلب ما هو عليه ‪5 ...........................................................‬‬
‫اآلب هو بداية االبن ‪6 .........................................................................‬‬
‫االبن يأخذ كيانه من اآلب بال بداية أو زمان ‪7 .............................................‬‬
‫اآلب هو مبدأ ومصدر االبن والروح القدس‪8 .............................................‬‬
‫اآلب هو مصدر األلوهية ف الثالوث ‪9 .....................................................‬‬
‫ق‪ .‬ديونيسيوس اإلسكندري ‪11 ..........................................................‬‬
‫االبن والروح القدس متحدان ف اآلب الرأس ‪11 ..........................................‬‬
‫إكرام االبن لآلب كرأس له ‪12 ................................................................‬‬
‫اآلب هو مصدر االبن ‪13 .....................................................................‬‬
‫اآلب هو نبع االبن ‪14 .........................................................................‬‬
‫العالمة ديديموس الضير‪16 .............................................................‬‬
‫خروج االبن والروح القدس من اآلب ‪16 ...................................................‬‬
‫الرسول ‪17 ................................................................‬‬
‫ي‬ ‫ق‪ .‬أثناسيوس‬
‫اآلب هو أصل االبن ووالده ‪17 ..............................................................‬‬
‫هللا اآلب هو الينبوع األزل لحكمته الذاتية ‪18 ...........................................‬‬
‫اآلب هو البدء والينبوع ‪18 ...................................................................‬‬
‫ق‪ .‬ر‬
‫كيلس اإلسكندري ‪20 .................................................................‬‬
‫اآلب هو المصدر والينبوع ف الثالوث‪20 ..................................................‬‬
‫اآلب هو البدء غي المبتدئ للطبيعة اإللهية ‪21 .........................................‬‬
‫اآلب هو البدء والقوة والسيادة ف الطبيعة اإللهية ‪21 ..................................‬‬
‫اآلب هو أصل الكلمة الخالق ‪22 ............................................................‬‬
‫اآلب هو الجذر والينبوع لالبن ‪23 ..........................................................‬‬
‫اآلب هو البداية األزلية للكلمة ‪23 ...........................................................‬‬
‫اآلب هو بداية االبن ‪24 .......................................................................‬‬
‫اآلب هو علة وجود االبن كمولود طبيع منه ‪24 .........................................‬‬
‫الخالصة ‪27 .................................................................................‬‬
‫مونارخية الآب في اللاهوت الآبائي الإسكندري‬

‫سوف نستعرض يف هذا البحث املوجز اإلشارات إىل مونارخية اآلب يف‬
‫تعليم وكتابات آباء كنيسة اإلسكندرية يف حقبة ما قبل نيقية وحقبة نيقية‬
‫وما بعد نيقية‪ ،‬وذلك من أجل الوقوف على أفضل تصور حول مفهوم‬
‫املونارخية يف الثالوث‪ ،‬وهل كان يؤمن آباء اإلسكندرية مبونارخية اآلب أم‬
‫مبونارخية الثالوث‪ ،‬كما يدَّعي بعض الباحثني يف العصر احلديث؟‬

‫العلامة كليمندس الإسكندري‬

‫الآب هو علة الابن‬

‫يشري العالمة كليمندس اإلسكندريّ إىل العالقة العلية والسببية بني اآلب‬
‫واالبن‪ ،‬فال يسبق االبن اآلب كالتايل‪:‬‬
‫”وكل سبب يُدرَك كسبب بالعقل‪ ،‬ينشغل بشيءٍ ما‪،‬‬
‫ويُدرِك صلته بشيءٍ ما‪ .‬أي أن البعض يُؤثِّر‪ ،‬كما السيف‬
‫يف القطع‪ .‬ولبعض املوضوعات‪ ،‬كتلك اليت هلا‬
‫استعداد‪ ،‬كما النار يف اخلشب‪ ،‬ألهنا لن حترق‬
‫الصُلب‪ .‬والسبب خيص األشياء اليت هلا عالقة بشيءٍ‬
‫ما‪ .‬ألنه يُدرَك بعالقته بشيءٍ آخر‪ ،‬حىت أننا نستخدم‬
‫أذهاننا يف االثنني‪ ،‬لكي نتصوّر السبب كسبب‪ .‬نفس‬
‫العالقة جندها يف اخلالق‪ ،‬والصانع‪ ،‬واآلب‪ .‬فالشيء‬
‫ليس سببًا لذاته‪ ،‬وال املرء أبًا لنفسه‪ .‬ألن األول سيصري‬
‫‪1‬‬
‫الثاين‪ .‬اآلن‪ ،‬السبب يعمل ويُؤثِّر‪ .‬فاملنتج بالسبب هو‬
‫مفعول ومُتأثر‪ .‬ولكن نفس الشيء عندما يُؤخَذ يف حد‬
‫ذاته ال ميكن أن يكون فعالً ومُتأثرًا‪ ،‬وال ميكن أن يكون‬
‫ابنًا وأبًا‪ .‬وإال يسبق السبب ما قام به‪ ،‬كأن [يسبق]‬
‫القطع السيف‪ .‬ونفس الشيء ال ميكن أن يسبق يف نفس‬
‫اللحظة‪ ،‬كما للمادة كسبب‪ ،‬ويف نفس الوقت أيضًا‪،‬‬
‫تكون بعد والحقة ألثر السبب‪ .‬واآلن ختتلف الكينونة عن‬
‫الصريورة‪ ،‬كما السبب عن األثر‪ ،‬واآلب عن االبن‪ .‬ألن‬
‫نفس الشيء ال ميكن أن ’يكون‘ وأن ’يصري‘ يف نفس‬
‫اللحظة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬هو ليس سببًا لنفسه‪ .‬فاألشياء‬
‫ليست أسبابًا لبعضها البعض‪ ،‬ولكنها أسبابٌ لكلٌّ من‬
‫األخرى“‪1.‬‬

‫ويستطرد العالمة كليمندس اإلسكندريّ يف نفس السياق مؤكدًا على أن‬


‫اآلب هو العلة األبعد وأبو الكون‪ ،‬وهو األقدم واألكثر خريية للجميع كالتايل‪:‬‬
‫”إذًا‪ ،‬هدفنا هو إثبات أن الغنوسيّ وحده قديس وتقي‪،‬‬
‫ويعبد اإلله احلقيقيّ بطريقةٍ جديرةٍ به‪ .‬وأن هذه‬
‫العبادة املقدَّمة هلل‪ ،‬يتبعها حب [اهلل] وحب من اهلل‬
‫[له]‪ ]...[ .‬يكثرث بالفلسفة األكثر قدمًا‪ ،‬وبالنبوة‬
‫األوىل‪ .‬ومن بني األفكار املعقولة‪[ ،‬يكترث] مبا هو أقدم‬
‫يف أصله‪ ،‬وباملبدأ األول الذي بال زمن أو نشأةٍ‪[ ،‬الذي]‬

‫‪ 1‬كليمندس اإلسكندري (عالمة)‪ ،‬املتفرقات (نسخة إليكترونية)‪ ،‬ترمجة‪ :‬األب الدكتور بوال ساويروس‪( ،‬القاهرة‪،‬‬
‫موقع الكنوز القبطية)‪ ،20-18 :9 :8 ،‬ص ‪.1430 ،1429‬‬
‫‪2‬‬
‫هو بادئ الوجود ‪ -‬االبن ‪ -‬الذي منه يتعيَّن أن نتعلَّم‬
‫العلة األبعد‪ ،‬أبُ الكون‪ ،‬األقدم واألكثر خريية للجميع‪،‬‬
‫غري القابل للتعبري عنه بكالمٍ‪ ،‬ولكن يُبجَّل بالتبجيل‬
‫والصمت‪ ،‬والعجب املقدَّس‪ ،‬ويُبجَّل بأقصى درجة‪.‬‬
‫ويُعلَن عنه بواسطة الرب‪ ،‬بقدر ما يكون أولئك الذين‬
‫تعلَّموا قادرين على اإلدراك والفهم‪ ،‬مِن أولئك الذين‬
‫أختارهم الربّ للمعرفة‪’ ،‬الذين صارت هلم احلواس‬
‫‪2‬‬
‫مُدرَّبةً‘‪ ،‬كما يقول الرسول“‪.‬‬
‫يرى العالمة كليمندس اإلسكندريّ أن اآلب هو العلة األوىل جلميع‬
‫األشياء اليت تتمُّ بواسطة االبن قائالً‪:‬‬
‫”وبشكلٍ عامٍ‪ ،‬كل الفوائد اخلاصة باحلياة‪ ،‬يف أقصى‬
‫تعقل هلا‪ ،‬تنبع من سلطان اهلل‪ ،‬الذي هو اآلب للجميع‪،‬‬
‫وتتمُّ باالبن‪ ،‬الذي هو أيضًا‪ ،‬بسبب كُونه ’خملِّص‬
‫مجيع الناس وال سيما املؤمنني‘‪ ،‬كما يقول الرسول‬
‫(‪1‬يت ‪ ،)10 :4‬أقرب إىل العلة األوىل‪ ،‬أي إىل الربّ‬
‫[اآلب]“‪3.‬‬

‫ويشري العالمة كليمندس إىل أن اآلب هو علة كل شيء جيد‪ ،‬وأنه ملك‬
‫الكل‪ ،‬وأن االبن هو الثاين‪ ،‬وكل شيء به كان حبسب إرادة اآلب‪ ،‬والروح‬
‫القدس هو الثالث‪ ،‬وكل شيء به كان وفقًا إلرادة اآلب قائالً‪:‬‬

‫‪ 2‬املرجع السابق‪ ،5 ،4 :1 :7 ،‬ص ‪.1211 ،1210‬‬


‫‪ 3‬املرجع السابق‪ ،36 :17 :6 ،‬ص ‪.1192‬‬
‫‪3‬‬
‫”حىت أنه عندما يقول‪’ :‬حول ملك الكل‪ ،‬كل شيء‬
‫يوجد‪ ،‬وبسببه كل شيء‪ .‬وهو علة كل األشياء اجليدة‪.‬‬
‫وحول الثاين األشياء الثانية يف الترتيب‪ ،‬وحو الثالث‬
‫الثالثة‘‪ .‬فإنين ال أفهم شيئًا آخر سوى أن املقصود هو‬
‫الثالوث القدوس‪ ،‬ألن الثاين هو االبن الذي به كان كل‬
‫شيء وفقًا إلرادة اآلب‪ ،‬والثالث الروح القدس‪ ،‬الذي‬
‫‪4‬‬
‫به كان كل شيء وفقًا إلرادة اآلب“‪.‬‬

‫‪ 4‬املرجع السابق‪ ،29 ،28 :14 :5 ،‬ص ‪.946 ،945‬‬


‫‪4‬‬
‫العلامة أور يجينوس الإسكندري‬

‫الابن يأخذ من الآب ما هو عليه‬

‫يشري العالمة أورجيينوس يف إشارة إىل مونارخية اآلب‪ ،‬أن االبن‬


‫الوحيد املولود من اآلب‪ ،‬يأخذ منه ما هو عليه‪ ،‬دومنا أي بدء زمنيًا كان‬
‫أم تعليليًا كالتايل‪:‬‬
‫”هلذا‪ ،‬نعلم أن اهلل هو أبدًا أب البنه الوحيد املولود‬
‫منه‪ ،‬واآلخذ عنه ما هو عليه‪ ،‬دومنا أيّ بدء‪ ،‬زمنيًا‬
‫كان أم تعليليًا‪ ،‬مما يقدر العقل وحده أن يتمثله يف ذاته‬
‫ويُمحِّصه يف فهمه املجرَّد‪ ،‬إىل حدّ ما‪ ،‬ويف تفكريه“‪5.‬‬

‫ويؤكد العالمة أورجيينوس على املفهوم السابق يف موضع آخر‪ ،‬حيث‬


‫يشري إىل أن االبن يستمد من اآلب كل ما هو عليه‪ ،‬إذ مل يكن هناك وقت‬
‫مل يكن االبن يف اآلب‪ ،‬داحضًا بذلك املزاعم اآلريوسية بأن هناك وقت كان‬
‫فيه اآلب بدون االبن كالتايل‪:‬‬
‫”وهو [االبن] ‪ -‬كما يقول الكتاب ‪ -‬خبار قوة اهلل األوىل‬
‫وغري املولودة‪ ،‬يستمد منه كل ما هو عليه‪ ،‬إذ مل يكن‬
‫حنيٌ مل يكن فيه“‪6.‬‬

‫‪ 5‬أورجيينوس (عالمة)‪ ،‬يف املبادئ‪ ،‬ترمجة‪ :‬األب جورج خوام البولسي‪( ،‬لبنان‪ :‬منشورات املكتبة البولسية‪،‬‬
‫‪ ،2 :2 :1 ،)2002‬ص ‪.85‬‬
‫‪ 6‬املرجع السابق‪ ،9 :2 :1 ،‬ص ‪.95 ،94‬‬
‫‪5‬‬
‫الآب هو بداية الابن‬

‫يوضح العالمة أورجيينوس أن االبن هو خبار قوة اهلل‪ ،‬وإنه كان هكذا‬
‫على الدوام‪ ،‬ومل يكن لالبن بدءًا آخر سوى اهلل اآلب نفسه كالتايل‪:‬‬
‫”يُبيِّن هذا أن خبار قوة اهلل هذا كان دائمًا ومل يكن له‬
‫بدء ما خال اهلل نفسه‪ .‬إذ ال يليق‪ ،‬يف سائر األحوال‪،‬‬
‫أن يكون قد حظى بابتداءٍ آخر له سوى اهلل نفسه‪ ،‬الذي‬
‫يستمد منه الكيان والوالدة“‪7.‬‬

‫ويشري العالمة أورجيينوس يف موضع آخر إىل أن اآلب هو بداية االبن‬


‫يف األزلية‪ ،‬وذلك يف سياق تفسريه آلية (يو ‪” )1 :1‬يف البدء كان الكلمة‪“...‬‬
‫قائالً‪:‬‬
‫”ميكن للمرء أن يفترض باالستناد على نقطة أن اهلل‬
‫نفسه هو بداية كافة األشياء‪ ،‬أن اآلب هو بداية االبن‪.‬‬
‫وهكذا إن الفساد هو بداية أعمال السخط‪ ،‬فبكلمةٍ‬
‫واحدةٍ‪[ ،‬اهلل] هو مبثابة البداية لكل ما هو موجودٌ‪ .‬هذا‬
‫الرأي مدعوم من قبلنا (يف القول املقدَّس) ’يف البدء‬
‫كان الكلمة‘‪ .‬ففي لفظة (الكلمة) ميكن للمرء أن يرى‬
‫االبن‪ ،‬وألن (االبن) كان يف اآلب‪ ،‬فمن هنا ميكن باملثل‬
‫‪8‬‬
‫أن يُقال أنه‪ ،‬أي االبن‪ ،‬كان أيضًا يف البدء [اآلب]“‪.‬‬

‫‪ 7‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.95‬‬


‫‪ 8‬أورجيينوس (عالمة)‪ ،‬تفسري إجنيل يوحنا ج‪ ،1‬ترمجة‪ :‬الراهب مكاري البهنساوي‪ ،‬حتت إشراف‪ :‬األنبا‬
‫اسطفانوس أسقف ببا والفشن‪( ،‬القاهرة‪ ،)2020 ،‬ص ‪.123 ،122‬‬
‫‪6‬‬
‫ويؤكد العالمة أورجيينوس على أن اآلب هو بداية االبن‪ ،‬واالبن بدوره‬
‫هو بداية كل الذين خُلِقوا حبسب صورة اهلل كالتايل‪:‬‬
‫”باإلضافة إىل هذه املعاين‪ ،‬فهناك ما نتحدَّث فيه عن‬
‫البدء أو البداية حبسب الشكل [اهليئة]‪ .‬ومن هنا‬
‫(نقول) أنه لئن كان (املسيح) بكر كل خملوق أو كائن‬
‫يُمثِّل صورة اإلله غري املنظور‪ .‬هكذا فإن اآلب يُعدّ‬
‫كبدايته‪ .‬وبنفس الطريقة‪ ،‬فإن املسيح هو مبدأ هؤالء‬
‫الذين خُلِقوا حبسب صورة اهلل‪ .‬ألنه إذَا كان البشر (قد‬
‫خُلِقوا) حبسب الصورة‪ ،‬أمَّا الصورة فهي حبسب‬
‫اآلب‪ ،‬ففي احلالة األوىل‪ ،‬فإن اآلب هو مبدأ املسيح‪،‬‬
‫وعلى اجلانب اآلخر‪ ،‬فإن املسيح هو مبثابة األصل أو‬
‫االبتداء بالنسبة للبشر‪ ،‬هؤالء الذين خُلِقوا ليس‬
‫‪9‬‬
‫حبسب ما هو عليه‪ ،‬بل حبسب الصورة“‪.‬‬
‫الابن يأخذ كيانه من الآب بلا بداية أو زمان‬

‫يرى العالمة أورجيينوس أن كيان االلن يتحدر من اآلب نفسه‪ ،‬ولكن‬


‫بطريقةٍ ال زمنيةٍ وبال بداية‪ ،‬بل من اهلل نفسه كالتايل‪:‬‬
‫”فاحلكمة أزلية وضياء أزليته يف آنٍ واحدٍ‪ .‬إن نفهم‬
‫جيدًا هذا يغدُ جليًا أن كيان االبن يتحدر من اآلب‬

‫‪ 9‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.128-125‬‬


‫‪7‬‬
‫نفسه‪ ،‬ولكن بطريقةٍ ال زمنيةٍ ودومنا بدء‪ ،‬بل من اهلل‬
‫ذاته“‪10.‬‬

‫الآب هو مبدأ ومصدر الابن والروح القدس‬

‫يشري العالمة أورجيينوس إىل أن اآلب هو اجلودة يف مبدئه‪ ،‬اليت منها‬


‫وُلِدَ االبن الذي هو صورة اآلب يف كل شيء‪ ،‬لذا يالئمه واحلق يُقال أن‬
‫االبن يُدعَى صورة جودته‪ ،‬إذ ليس يف االبن جودة أخرى سوى اجلودة اليت‬
‫عند اآلب كالتايل‪:‬‬
‫”فاآلب هو‪ ،‬بال مراء‪ ،‬اجلودة يف مبدئه؛ منها وُلِدَ‬
‫االبن الذي هو صورة اآلب يف كل شيء‪ .‬لذا يالئم واحلق‬
‫يُقال أن يُدعَى صورة جودته؛ إذ ليس يف االبن من جودة‬
‫أخرى غري اجلودة اليت عند اآلب‪ ]...[ .‬وقد دُعِيَ‬
‫بصوابٍ صورته‪ ،‬ألنه ال ينحدر من سوى هذه اجلودة‬
‫اليت هي املبدأ‪ ،‬حىت ال تُرى يف االبن جودةٌ غري تلك‬
‫اليت عند اآلب‪ ،‬وال جودة مغايرة أو خمتلفة‪ ]...[ .‬بل‬
‫جيب وضع اجلودة يف اآلب يف مبدئها‪ ،‬كما قُلنا أعاله‪.‬‬
‫فاالبن املولود منه‪ ،‬أو الروح القدس الذي منه ينبثق‪،‬‬
‫يستنسخان يف ذاهتما بال أدىن ريبٍ طبيعة هذه اجلودة‬

‫‪ 10‬أورجيينوس (عالمة)‪ ،‬يف املبادئ‪ ،‬ترمجة‪ :‬األب جورج خوام البولسي‪( ،‬لبنان‪ :‬منشورات املكتبة البولسية‪،‬‬
‫‪ ،11 :2 :1 ،)2002‬ص ‪.99‬‬
‫‪8‬‬
‫املكنونة يف املصدر‪ ،‬الذي منه يُولد االبن وينبثق الروح‬
‫القدس“‪11.‬‬

‫الآب هو مصدر الألوهية في الثالوث‬

‫يؤكد العالمة أورجيينوس على أنه ال يوجد أقل أو أكثر يف الثالوث‪،‬‬


‫مادام هناك مصدر ألوهية وحيد هو اآلب يسوس الكون بكلمته وعقله‪،‬‬
‫ويُقدِّس بروح فيه كل خليق بالتقديس كالتايل‪:‬‬
‫”ويف سائر األحوال‪ ،‬ما من أكثر أو أقل يف الثالوث‪ ،‬ما‬
‫دام مصدر ألوهيةٍ وحيدٌ يسوس الكون بكلمته وعقله‪،‬‬
‫ويُقدِّس بروح فيه كل خليق بالتقديس‪ ،‬على حسب ما‬
‫كُتِبَ يف املزمور‪ :‬بكلمة الرب صُنِعَت السماوات‪ ،‬وبروح‬
‫فيه كل جنودها (مز ‪ .)6 :32‬أجل‪ ،‬إهنا عملية رئيسية‬
‫من قِبل اهلل اآلب‪ ،‬عالوةً على تلك اليت مينح مبوجبها‬
‫الكائنات مجيعًا أن توجد‪ ،‬على وفق طبيعة كل منها“‪12.‬‬

‫ويشري العالمة أورجيينوس أيضًا إىل أن اآلب هو نبع األلوهة لالبن‬


‫والروح القدس قائالً‪:‬‬
‫”واهلل دُعِيَ حمبة‪ ،‬واملسيح لُقِّبَ بأنه ’ابن املحبة‘‪،‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬إذَا وجدنا ’روح املحبة‘‪ ،‬و ’ابن املحبة‘ و‬
‫’إله املحبة‘‪ ،‬فمن املؤكَّد أنه جيب أن نفهم أن االبن‬

‫‪ 11‬املرجع السابق‪ ،13 :2 :1 ،‬ص ‪.100‬‬


‫‪ 12‬املرجع السابق‪ ،7 :3 :1 ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪9‬‬
‫والروح القدس كليهما ينبعان من نبعٍ واحدٍ أللوهة‬
‫اآلب“‪13.‬‬

‫‪ 13‬أورجيينوس (عالمة)‪ ،‬تفسري الرسالة إىل رومية ج‪ ،1‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬عادل ذكري‪( ،‬القاهرة‪ :‬مدرسة اإلسكندرية‬
‫للدراسات املسيحية‪ ،12 :9 :4 ،)2020 ،‬ص ‪.312‬‬
‫‪10‬‬
‫ق‪ .‬ديونيسيوس الإسكندري‬

‫الابن والروح القدس متحدان في الآب الرأس‬

‫يشري ق‪ .‬ديونيسيوس اإلسكندري إىل مونارخية اآلب أو وحدة الرأس يف‬


‫اآلب‪ ،‬حيث يؤكد على أن الكلمة اإلهلي مُتَّحِد بإله الكل‪ ،‬وإن الروح القدس‬
‫قائم يف اهلل ومستقر فيه‪ ،‬وهكذا فإن الثالوث القدوس متجمع معًا ومتَّحِد‬
‫يف واحد‪ ،‬أي أهنم مُتَّحِدون يف الرأس الذي هو اهلل اآلب ضابط الكل‬
‫كالتايل‪:‬‬
‫”ألنه ال حمالة إن الكلمة اإلهليّ مُتَّحِد بإله الكل‪ ،‬وإن‬
‫الروح القدس قائم يف اهلل ومُستقر فيه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإن‬
‫الثالوث القدوس مُتجمِع ومُتَّحِد يف واحد‪ ،‬كما قيل‪،‬‬
‫إهنم متحدون يف هذا الرأس‪ ،‬الذي هو اهلل [اآلب]‬
‫‪14‬‬
‫ضابط الكل“‪.‬‬
‫ويستطرد ق‪ .‬ديونيسيوس مؤكدًا على مونارخية اآلب يف نفس الرسالة‪،‬‬
‫حيث يرفض فصل الوحدة اإلهلية العجيبة إىل ثالث ألوهيات‪ ،‬ضد مَن‬
‫يؤمنون بثالثة آهلة يف الثالوث‪ ،‬ويؤكد على متايُّز األقانيم الثالثة يف الثالوث‬
‫القدوس‪ ،‬ضد السابيليني القائلني بأقنوم واحد يف الثالوث القدوس‪ .‬وهكذا‬
‫ينسب ق‪ .‬ديونيسيوس لقب ”ضابط الكل“ هلل اآلب أبو ربنا يسوع املسيح‪،‬‬
‫ويُشدِّد على أننا ينبغي أن نؤمن باهلل اآلب ضابط الكل‪ ،‬وبيسوع املسيح‬

‫‪ 14‬ديونيسيوس اإلسكندري (قديس)‪ ،‬القديس ديونيسيوس السكندري الكبري‪ ،‬ترمجة‪ :‬أجمد رفعت رشدي‪،‬‬
‫(القاهرة‪ :‬مدرسة اإلسكندرية للدراسات املسيحية‪ ،)2017 ،‬الرسالة الثانية عن الثالوث ضد مَن يؤمنون بثالثة آهلة وضد‬
‫السابيليني‪ ،‬ص ‪.167‬‬
‫‪11‬‬
‫ابنه‪ ،‬وبالروح القدس‪ .‬ويشري إىل أن الكلمة مُتَّحِد بإله الكل‪ ،‬ألنه قال‪” :‬أنا‬
‫واآلب واحدٌ“ (يو ‪ ،)30 :10‬وكذلك ”أنا يف اآلب واآلب يفَّ“ (يو ‪،)10 :14‬‬
‫مُميِّزًا بني أقنوم اآلب وأقنوم االبن‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬يُؤكِّد على ضرورة حفظ‬
‫الثالوث اإلهليّ ووحدة املصدر أو املونارخية يف اآلب دون انتقاص كالتايل‪:‬‬
‫”فال ينبغي إذًا أن نفصل الوحدة اإلهلية العجيبة إىل‬
‫ثالثة ألوهيات‪ ،‬وال ينبغي أن كرامة الرب وعظمته‬
‫الفائقة تُنتقص الوصف ’مصنوع‘‪ ،‬لكن ال بد أن نؤمن‬
‫باهلل اآلب ضابط الكل‪ ،‬ويسوع املسيح ابنه‪ ،‬وبالروح‬
‫القدس‪ ،‬وبأن الكلمة مُتَّحِد بإله الكل‪ ،‬ألنه قال‪’ :‬أنا‬
‫واآلب واحدٌ‘ (يو ‪ ،)30 :10‬وكذلك ’أنا يف اآلب واآلب‬
‫يفَّ‘ (يو ‪ ،)10 :14‬وهكذا يكون من البيَّن أن الثالوث‬
‫اإلهليّ‪ ،‬ووحدة املصدر‪ ،‬يكونان حمفوظني دون‬
‫‪15‬‬
‫انتقاص“‪.‬‬
‫إكرام الابن للآب كرأس له‬

‫يشري ق‪ .‬ديونيسيوس يف إشارة واضحة إىل مونارخية اآلب يف الثالوث‬


‫القدوس‪ ،‬حيث يؤكد على وحدة مشيئة اآلب واالبن يف تدبري اآلالم‬
‫اخلالصية‪ ،‬وهكذا يُكرِّم االبن اآلب كرأسٍ له قائالً‪:‬‬
‫”قطعًا ويقينًا إن إرادة االبن ليست شيئًا آخر غري إرادة‬
‫اآلب‪ ،‬ألنَّ مَن يريد ما يريده اآلب تكون له نفس مشيئة‬

‫‪ 15‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.169 ،168‬‬


‫‪12‬‬
‫اآلب‪ .‬هذا بشكلٍ هندسيّ‪ ،‬لذلك فعندما يقول‪’ :‬ال‬
‫إراديت بل إرادتك‘‪ ،‬فليس معناها أنه يرغب أن تزناح‬
‫عنه الكأس‪ ،‬بل إنه يشري إىل أن إرادة اآلب هي يف أن‬
‫يتأمل‪ ،‬وهكذا يُكرِّم اآلب كرأسٍ ‪ ،άρχήν‬ألنه إذَا لقَّب‬
‫اآلباء إرادة شخص بأهنا مُجرَّد رأي [أو عالمة رمزية‬
‫أو شكلية]‪ ،‬وإنْ كانت مثل هذه اإلرادة ترتبط مبا هو‬
‫خفيّ وله غاية كامنة‪ ،‬فكيف يقول البعض إن الربَّ‬
‫الذي هو فوق كل هذه األشياء له إرادة شكلية؟ إن هذا‬
‫‪16‬‬
‫واردٌ فقط إذَا كان لدينا خلَّل يف الفكر“‪.‬‬
‫الآب هو مصدر الابن‬

‫يشري ق‪ .‬ديونيسيوس إىل والدة االبن من اآلب غري املبتدئ‪ ،‬مؤكدًا على‬
‫أن االبن كنسلٍ ليس بال مصدر‪ ،‬ألن مصدره هو اهلل اآلب نفسه غري املولود‬
‫قائالً‪:‬‬
‫”السؤال األول‪ :‬أيهما [أصح] هل االبن ولد نفسه أم وُلِدَ‬
‫من اآلب؟ اإلجابة‪ :‬االبن وُلِدَ من اآلب‪ ،‬وليس هو الذي‬
‫وَلَدَ نفسه‪ ]...[ .‬السؤال الثالث‪ ،‬أنت تقول‪ :‬غري مبتدئ‬
‫من غري مبتدئ [أي ليس له بدء]؟ اإلجابة‪[ :‬االبن] هو‬
‫كنسلٍ ليس بال مصدر‪ ،‬ولكن اآلب غري مبتدئ‪ ،‬ألنه‬
‫‪17‬‬
‫غري مولود“‪.‬‬

‫‪ 16‬املرجع السابق‪ ،‬تفسري إجنيل لوقا (لو ‪ ،)48-42 :22‬ص ‪.212 ،211‬‬
‫‪ 17‬املرجع السابق‪ ،‬أسئلة وأجوبة‪ ،‬ص ‪.238 ،237‬‬
‫‪13‬‬
‫الآب هو نبع الابن‬

‫يستخدم ق‪ .‬ديونيسيوس مثل النبع والنهر لتشبيه الوالدة األزلية لالبن‬


‫من اآلب‪ ،‬مشبهًا اآلب بالنبع احلقيقيّ واالبن هو النهر املتدفق من هذا‬
‫النبع كالتايل‪:‬‬
‫”ألنه ال ميكن أن يُدعَى النبع هنرًا وال النهر نبعًا‪ ،‬لكنهما‬
‫يظالن حقيقتني‪ ،‬وأن هذا النبع هو اآلب باحلقيقة‪،‬‬
‫بينما النهر هو املاء املتدفِق من النبع‪ ]...[ .‬لقد قيل‬
‫بعاليه أن اهلل هو علة كل األشياء الصاحلة‪ ،‬لكن االبن‬
‫دُعِيَ النهر الذي يتدفق منه [أي من اهلل]‪ ،‬ألن الكلمة‬
‫هي لفظة العقل‪ ،‬أو باللغة البشرية‪ ،‬هي منبعثة بواسطة‬
‫الفم من العقل‪ .‬لكن الفكر الذي يُنطَق باللسان هو‬
‫متمايز عن الكلمة املوجودة يف العقل‪ .‬ألن هذه األخرية‬
‫بعدما تلفظ األوىل‪ ،‬تبقى كما كانت عليه مِن قبل‪ ،‬لكن‬
‫الفكر قد أُرسِلَ وانتشر يف كل مكانٍ من حوله‪ ،‬وهكذا‬
‫كل منهما يكون يف اآلخر‪ ،‬رغم أن الواحد ينبع من‬
‫اآلخر‪ ،‬وهم واحدٌ رغم أهنما اثنان‪ .‬وبنفس الطريقة‪،‬‬
‫نقول إن اآلب واالبن مها واحدٌ‪ ،‬وأحدمها يكون يف‬
‫‪18‬‬
‫اآلخر“‪.‬‬
‫ويستطرد ق‪ .‬ديونيسيوس يف نفس السياق مؤكدًا على أن العقل هو آب‬
‫[أقنوم] الكلمة املوجود يف ذاته‪ ،‬لكن الكلمة كابنٍ للعقل‪ ،‬ال ميكن أن يكون‬

‫‪ 18‬املرجع السابق‪ ،‬رسالة ق‪ .‬ديونيسيوس اإلسكندري إىل البابا ديونيسيوس الروماين‪ ،‬ص ‪.289‬‬
‫‪14‬‬
‫موجودًا قبله أو بدونه‪ ،‬لكنه موجود معه‪ ،‬ووجد فيه املنبع واملصدر‪ ،‬هكذا‬
‫اآلب ضابط الكل والعقل الكوينّ كان له ابن قبل كل األشياء‪ ،‬هو الكلمة‬
‫والنطق‪ ،‬وهو إعالنه واملخبِر عنه كالتايل‪:‬‬
‫”وباملثل ألن العقل هو آب الكلمة‪ ،‬موجود يف ذاته‪ ،‬لكن‬
‫الكلمة كابنٍ للعقل‪ ،‬ال ميكن أن يكون موجودًا قبله أو‬
‫بدونه‪ ،‬لكنه موجود معه‪ ،‬ووجد فيه املنبع واملصدر‪.‬‬
‫وبنفس الطريقة‪ ،‬فإن اآلب ضابط الكل والعقل الكوينّ‬
‫له ابن قبل كل األشياء‪ ،‬هو الكلمة والنطق‪ ،‬وهو إعالنه‬
‫‪19‬‬
‫واملخبِر عنه“‪.‬‬

‫‪ 19‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.293 ،292‬‬


‫‪15‬‬
‫العلامة ديديموس الضرير‬

‫خروج الابن والروح القدس من الآب‬

‫يُوضِّح العالمة ديدميوس أن الروح القدس خيرج من اآلب مثلما خيرج‬


‫االبن أو املخلِّص نفسه من اهلل‪ ،‬ويشري إىل أن الروح القدس يُقال عنه أنه‬
‫’ينبثق من عند اآلب‘ (يو ‪ ،)26 :15‬وذلك وفق خاصة اآلب املتفردة‪،‬‬
‫ووفق مفهوم األبوة‪ ،‬أي املصدرية‪ .‬وبالرغم من أن املسيح قال إنه قد خرج‬
‫من قِبَل اهلل‪ ،‬لكنه مل ينسب لنفسه خاصية االنبثاق عند حديثه عن عالقته‬
‫باآلب‪ ،‬ألن خاصية االنبثاق هي خاصة بالروح القدس فقط كالتايل‪:‬‬
‫”فعلينا أن ندرك أن الروح القدس خيرج من اآلب مثلما‬
‫خيرج املخلِّص نفسه من اهلل‪ ،‬وهو ما شهد له‬
‫[املخلِّص] بقوله‪’ :‬ألين خرجت من قِبَل اهلل وأتيت‘ (يو‬
‫‪ ]...[ )42 :8‬وهكذا فعلينا أن نؤمن باإلقرارات التالية‬
‫اليت استخدمت كلمات ال يُنطق هبا وهي مُدرَكة باإلميان‬
‫وحده عن أن املخلِّص ’خرج من عند اآلب‘ (يو ‪:8‬‬
‫‪ ،)42‬و ’روح احلق الذي من عند اآلب ينبثق‘ (يو ‪:15‬‬
‫‪ ،)26‬واآلب نفسه الذي قال‪’ :‬الروح الذي خيرج مين‘‬
‫(إش ‪ 16 :57‬سبعينية)‪ .‬وباحلقيقة قد قيل حسنًا‬
‫بالنص‪’ :‬روح احلق الذي من عند اآلب ينبثق‘ (يو ‪:15‬‬
‫‪ .)26‬وكان من املمكن أن يقول‪’ :‬من اهلل‘‪ ،‬أو ’من‬
‫الربّ‘‪ ،‬أو ’من ضابط الكل‘‪ ،‬ولكنه مل يستعمل أيًا من‬

‫‪16‬‬
‫هذه‪ .‬بل عوضًا قال‪’ :‬من اآلب‘‪ ،‬وهذا مردَّه ال ألن اآلب‬
‫خمتلف عن اهلل ضابط الكل ‪ -‬فإن جمرَّد التفكري يف‬
‫هذا يُعدّ جرمًا ‪ -‬بل باحلري أن روح احلق يُقال عنه‬
‫’ينبثق من اآلب‘ (يو ‪ ،)26 :15‬وفق خاصة اآلب‬
‫املتفردة‪ ،‬ووفق مفهوم األبوة‪ .‬وبالرغم من أن املسيح‬
‫قال يف مواقفٍ عديدةٍ إنه قد خرج من قِبَل اهلل‪ ،‬لكنه‬
‫مل ينسب لنفسه املزيَّة [أي اخلاصية األقنومية] اليت‬
‫ناقشناها لتونا [أي االنبثاق]‪ ،‬عند حديثه عن عالقته‬
‫باآلب‪ ،‬بل عندما يتحدَّث عنها يقول‪’ :‬أنا يف اآلب واآلب‬
‫يفَّ‘ (يو ‪ ،)10 :14‬ويف موضع آخر‪’ :‬أنا واآلب واحدٌ‘‬
‫(يو ‪ .)30 :10‬والقارئ احلصيف سيجد يف اإلجنيل‬
‫فقرات أخرى عديدة مُشاهبة هلذه“‪20.‬‬

‫ق‪ .‬أثناسيوس الرسولي‬

‫الآب هو أصل الابن ووالده‬

‫يشري ق‪ .‬أثناسيوس إىل أن اآلب هو أصل االبن ووالده‪ ،‬وأن اآلب هو‬
‫آب‪ ،‬وهو مل يكن ابنًا ألحد‪ ،‬واالبن هو ابن وليس بأخ‪ ،‬وال يوجد أصل سابق‬
‫عليهما يف الوجود كالتايل‪:‬‬

‫‪ 20‬ديدميوس الضرير (عالمة)‪ ،‬الروح القدس‪ ،‬ترمجة‪ :‬أجمد رفعت رشدي‪( ،‬القاهرة‪ :‬مدرسة اإلسكندرية‬
‫للدراسات املسيحية‪ ،115-113 :4 ،)2015 ،‬ص ‪.75-73‬‬
‫‪17‬‬
‫”فاآلب واالبن مل يُولَدا من أصل سابق عليهما يف‬
‫الوجود‪ ،‬حىت ميكن اعتبارمها أخوين‪ ،‬ولكن اآلب هو‬
‫أصل االبن وهو والده‪ .‬واآلب هو آب‪ ،‬وهو مل يكن ابنًا‬
‫‪21‬‬
‫ألحد‪ ،‬واالبن هو ابن وليس بأخٍ“‪.‬‬
‫الله الآب هو الينبوع الأزلي لحكمته الذاتية‬

‫يرى ق‪ .‬أثناسيوس أن اهلل اآلب هو الينبوع األزيلّ حلكمته الذاتية‪ ،‬أي‬


‫أقنوم الكلمة أو االبن‪ ،‬وملَّا كان الينبوع أزليًا‪ ،‬فبالضرورة تكون احلكمة‬
‫أزليةً أيضًا كالتايل‪:‬‬
‫”أمَّا احلقيقة فتشهد بأن اهلل هو الينبوع األزيلّ حلكمته‬
‫الذاتية‪ ،‬وملَّا كان الينبوع أزليًا‪ ،‬فبالضرورة جيب أن‬
‫تكون احلكمة أزليةً أيضًا‪ ،‬ألنه من خالل هذه احلكمة‬
‫‪22‬‬
‫خُلِقَت كل األشياء“‪.‬‬
‫الآب هو البدء والينبوع‬

‫يصف ق‪ .‬أثناسيوس اآلب بأنه البدء والينبوع يف الثالوث القدوس‪،‬‬


‫مُميِّزًا بينه وبني أقنومي الكلمة والروح القدس كالتايل‪:‬‬
‫”وهكذا يُكرَز بإلهٍ واحدٍ يف الكنيسة‪’ :‬الذي على الكل‬
‫وبالكل ويف الكل‘ (أف ‪’ .)6 :4‬على الكل‘ أي كأب‬

‫‪ 21‬أثناسيوس (قديس)‪ ،‬املقاالت الثالثة ضد اآلريوسيني‪ ،‬ترمجة‪ :‬أ صموئيل كامل وآخرين‪( ،‬القاهرة‪ :‬املركز‬
‫األرثوذكسي للدراسات اآلبائية‪ ،14 :5 :1 ،)2017 ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ 22‬املرجع السابق‪ ،3 :6 :1 ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪18‬‬
‫وكبدءٍ وكينبوع‪ ،‬و ’بالكل‘ أي بالكلمة‪ ،‬و ’يف الكل‘ أي‬
‫يف الروح القدس‪ .‬هو ثالوث ليس فقط باالسم وصيغة‬
‫الكالم‪ ،‬بل باحلق والوجود الفعليّ“‪23.‬‬

‫ويصف ق‪ .‬أثناسيوس أقنوم اآلب أيضًا بأنه ينبوع ونور وأب‪ ،‬وال ميكن‬
‫أن يكون الينبوع جافًا بدون ماء‪ ،‬وال أب بدون ابن‪ ،‬وال نور بدون شعاع‬
‫كالتايل‪:‬‬
‫”إذَا كان اهلل ينبوعًا ونورًا وأبًا‪ ،‬فليس من اجلائز القول‬
‫بأن الينبوع جافٌ‪ ،‬أو أن النور بال شعاع‪ ،‬أو أن اهلل بال‬
‫كلمة‪ ،‬لئال يكون اهلل غري حكيم‪ ،‬وغري عاقل‪ ،‬وبال‬
‫شعاع‪ .‬وإذًا‪ ،‬فحيث إن اآلب أزيلّ‪ ،‬فبالضرورة يكون‬
‫االبن أيضًا أزليًا‪ ،‬ألن كل ما هو لآلب فهو بال شك‬
‫لالبن أيضًا“‪24.‬‬

‫‪ 23‬أثناسيوس (قديس)‪ ،‬الرسائل عن الروح القدس لألسقف سرابيون‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬نصحي عبد الشهيد ود‪ .‬موريس‬
‫تاوضروس‪( ،‬القاهرة‪ :‬املركز األرثوذكسي للدراسات اآلبائية‪ ،28 :1 ،)2018 ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ 24‬املرجع السابق‪ ،2 :2 ،‬ص ‪.114 ،113‬‬
‫‪19‬‬
‫ق‪ .‬كيرلس الإسكندري‬

‫الآب هو المصدر والينبوع في الثالوث‬

‫يتحدَّث ق‪ .‬كريلس اإلسكندريّ عن أن اآلب هو املصدر أو الينبوع يف‬


‫الثالوث‪ ،‬وأن أقنوم الكلمة فيه ألنه حكمته وقوته وصورة جوهره وشعاع‬
‫جمده قائالً‪:‬‬
‫”أمَّا بالنسبة لالبن فالبدء ليس بدءًا زمنيًا وال‬
‫جغرافيًا‪ ،‬فهو أزيلّ وأقدم من كل الدهور‪ ،‬ومل يُولد من‬
‫اآلب يف الزمان‪ ،‬ألنه كان مع اآلب‪ ،‬مثل املاء يف‬
‫الينبوع‪ ،‬أو كما قال هو ’خرجت من عند اآلب وقد أتيت‬
‫إىل العامل‘ (يو ‪ .)28 :16‬فإذَا اعتربنا اآلب املصدر أو‬
‫الينبوع‪ ،‬فإن الكلمة كان فيه ألنه حكمته وقوته وصورة‬
‫جوهره وشعاع جمده‪ ]...[ .‬هل من اعتراض على أن‬
‫االبن يف اآلب مثل املاء يف الينبوع‪ ،‬أو أن اآلب هو‬
‫الينبوع؟ إنَّ كلمة ’ينبوع‘ تعين هنا املعية‪ .‬ألن االبن يف‬
‫اآلب وهو من اآلب‪ ،‬ليس كمَّن يأيت من اخلارج يف‬
‫الزمن‪ ،‬بل هو من ذات جوهر اآلب“‪25.‬‬

‫‪ 25‬كريلس اإلسكندري (قديس)‪ ،‬شرح إجنيل يوحنا مج‪ ،1‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬نصحي عبد الشهيد وآخرين‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫املركز األرثوذكسي للدراسات اآلبائية‪ ،1 :1 ،)2015 ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪20‬‬
‫الآب هو البدء غير المبتدئ للطبيعة الإلهية‬

‫يشري ق‪ .‬كريلس اإلسكندريّ إىل أن اآلب هو بدء االبن‪ ،‬والبدء غري‬


‫املبتدئ للطبيعة اإلهلية قائالً‪:‬‬
‫”ولذلك وصف القديسون اهلل اآلب أنه هو ’بدء‘ االبن‪،‬‬
‫وكانوا يقصدون من ذلك أنه مع اآلب‪ ]...[ .‬وحقًا سوف‬
‫يأيت مع اآلب ألنه يف اآلب‪ ،‬وهو البدء غري املبتدئ‬
‫للطبيعة اإلهلية‪ ،‬وهي اليت جتعل اآلب هو البدء بالنسبة‬
‫لالبن من ناحية املعية ألن االبن من اآلب“‪26.‬‬

‫الآب هو البدء والقوة والسيادة في الطبيعة الإلهية‬

‫ويوضح ق‪ .‬كريلس اإلسكندري أن اآلب هو البدء ‪ άρχή‬مبعىن القوة‬


‫والسيادة على الكل‪ ،‬أي الطبيعة اإلهلية اليت فوق الكل‪ ،‬واليت حتت‬
‫أقدامها تستقر الطبائع املخلوقة املدعوة للوجود بإرداة الالهوت كالتايل‪:‬‬
‫”واإلجنيليّ املبارك ‪ -‬على ما يبدو يل ‪ -‬يُسمِّي اآلب‬
‫البدء ‪ άρχή‬أي القوة والسيادة اليت على الكل‪ ،‬أي‬
‫الطبيعة اإلهلية اليت فوق الكل‪ ،‬واليت حتت أقدامها‬
‫تستقر الطبائع املخلوقة اليت هي كائنة ومدعوة للوجود‬
‫بسبب إرادة الالهوت‪ .‬يف هذا البدء ‪ άρχή‬الذي هو فوق‬
‫الكل وعلى الكل ’كان الكلمة‘‪ ،‬ليس مع الطبائع املخلوقة‬
‫اليت حتت قدمي البدء‪ ،‬وإمنا عاليًا عنها مجيعًا‪ ،‬ألنه‬
‫‪ 26‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪21‬‬
‫’يف البدء‘ أي من ذات الطبيعة والكائن دائمًا مع اآلب‪،‬‬
‫وله طبيعة الذي ولده كمكانٍ أزيلّ قبل الكل‪ .‬لذلك هو‬
‫مولودٌ حرٌ من اآلب احلر‪ ،‬ومنه ومعه له السيادة ‪άρχή‬‬
‫‪27‬‬
‫على الكلّ“‪.‬‬
‫ويشري ق‪ .‬كريلس أيضًا إىل أن اآلب هو البدء لالبن‪ ،‬موضحًا مفهوم‬
‫’يف البدء‘ أن البدء ليس أي شيء آخر سوى اآلب ذاته قائالً‪:‬‬
‫”يبدو اإلجنيليّ الطوباويّ‪ ،‬وكأنه يُفسِّر لنا بوضوحٍ تامٍ‬
‫مفهوم ’البدء‘‪ ،‬فيقول ليس البدء شيئًا آخر إال اآلب‬
‫ذاته‪ ،‬الذي منه أشرق الكلمة املحيي‪ ،‬مثل النور من‬
‫الشمس‪ ،‬والذي يُدرَك على أنه شيء آخر غري الشمس‪،‬‬
‫لكنه ليس خارجًا عن جوهر ذاك الذي بعثه‪ .‬فبدء االبن‬
‫‪28‬‬
‫إذن هو اآلب“‪.‬‬
‫الآب هو أصل الكلمة الخالق‬

‫يقول ق‪ .‬كريلس‪ ،‬مثله مثل ق‪ .‬أثناسيوس الرسويلّ‪ ،‬أن اآلب هو أصل‬


‫الكلمة اخلالق‪ ،‬وأنه كائن طبيعيًا يف االبن كالتايل‪:‬‬
‫”ألن االبن هو قوة أقنوم اآلب اخلاصة به وجبوهره‪.‬‬
‫وأيضًا عندما يعمل االبن‪ ،‬يعمل اآلب أيضًا‪ ،‬فاآلب‬

‫‪ 27‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬


‫‪ 28‬كريلس اإلسكندري (قديس)‪ ،‬الكنوز يف الثالوث‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬جورج عوض إبراهيم‪( ،‬القاهرة‪ :‬املركز األرثوذكسي‬
‫للدراسات اآلبائية‪ ،)2011 ،‬مقالة ‪ ،121 :32‬ص ‪.504‬‬
‫‪22‬‬
‫أصل الكلمة اخلالق‪ ،‬وهو كائن طبيعيًا يف االبن مثل‬
‫‪29‬‬
‫النار يف احلرارة الصادرة منها“‪.‬‬
‫الآب هو الجذر والينبوع للابن‬

‫يؤكد ق‪ .‬كريلس اإلسكندريّ على أن اآلب هو اجلذر والينبوع لوليده‪ ،‬أي‬


‫ابنه الوحيد‪ ،‬وهكذا كل ما يعمله االبن يُنسَب إىل اآلب الذي يصدر منه‬
‫االبن كالتايل‪:‬‬
‫”ألن اآلب يعمل بواسطة االبن‪ .‬ألن كل ما يعمله االبن‬
‫يُنسَب إىل اآلب الذي منه يصدر االبن‪ ،‬إذ أن اآلب هو‬
‫‪30‬‬
‫اجلذر والينبوع لوليده“‪.‬‬
‫الآب هو البداية الأزلية للكلمة‬

‫يُفرِّق ق‪ .‬كريلس بني البداية األزلية للكلمة يف اآلب خارج حدود الزمان‬
‫واملكان‪ ،‬وبني البداية الزمنية للمخلوقات كالتايل‪:‬‬
‫”وحني حدَّد الكتاب أن الكلمة هو بداية املخلوقات‪،‬‬
‫يقول‪’ :‬يف البدء خلق‘‪ ،‬بينما عن كلمة اهلل ’يف البدء‬
‫كان الكلمة‘‪ .‬بالنسبة للمخلوقات‪ ،‬البداية هي الزمن‪،‬‬
‫بينما بالنسبة لكلمة اهلل‪ ،‬الكائن منذ األزل‪ ،‬فإن‬

‫‪ 29‬كريلس اإلسكندري (قديس)‪ ،‬شرح إجنيل يوحنا مج‪ ،1‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬نصحي عبد الشهيد وآخرين‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫املركز األرثوذكسي للدراسات اآلبائية‪ ،1 :1 ،)2015 ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ 30‬كريلس اإلسكندري (قديس)‪ ،‬شرح إجنيل يوحنا مج‪ ،2‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬نصحي عبد الشهيد وآخرين‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫املركز األرثوذكسي للدراسات اآلبائية‪ ،)2015 ،‬ص ‪.401‬‬
‫‪23‬‬
‫البداية ‪ άρχή‬هي فقط أباه األزيلّ‪ ،‬الذي ليس له بداية‪،‬‬
‫‪31‬‬
‫طاملا أنه كائن معه أزليًا“‪.‬‬
‫الآب هو بداية الابن‬

‫يفسر ق‪ .‬كريلس‪ ،‬مثله مثل ق‪ .‬أثناسيوس‪ 32‬وق‪ .‬باسيليوس الكبري‪ ،‬أن‬


‫اآلب أعظم من االبن‪ ،‬ألن االبن كمساوٍ لآلب يف اجلوهر ومتماثل معه يف‬
‫كل شيء‪ ،‬اتَّخذ اآلب الذي بال بداية كبدايةٍ له ألنه يأيت منه‪ ،‬بالرغم من‬
‫أن وجوده أزيلّ معه كالتايل‪:‬‬
‫”إذًا‪ ،‬االبن مساوٍ لآلب من جهة اجلوهر ومتماثل معه‬
‫يف كل شيء‪ ،‬لكنه يقول عن اآلب إنه أعظم؛ ألنه أتَّخذ‬
‫اآلب الذي بال بداية فقط بسبب أنه يأيت منه‪ ،‬بالرغم‬
‫‪33‬‬
‫من أن وجوده أزيلّ معه“‪.‬‬
‫الآب هو علة وجود الابن كمولود طبيعي منه‬

‫يرد ق‪ .‬كريلس على إدعاء اآلريوسيني اهلراطقة بأن اآلب هو علة وجود‬
‫االبن املخلوق‪ ،‬مؤكدًا على أن اآلب هو علة وجود االبن كوالدٍ حبسب‬
‫الطبيعة‪ ،‬وليس كخالق قائالً‪:‬‬

‫‪ 31‬كريلس اإلسكندري (قديس)‪ ،‬الكنوز يف الثالوث‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬جورج عوض إبراهيم‪( ،‬القاهرة‪ :‬املركز األرثوذكسي‬
‫للدراسات اآلبائية‪ ،)2011 ،‬مقالة ‪ ،50 :15‬ص ‪.252‬‬
‫‪ 32‬يفسر ق‪ .‬أثناسيوس آية ”أيب أعظم مين“ كالتايل‪” :‬لذلك‪ ،‬فإن االبن نفسه مل يقل ’أيب أعظم مين‘ حىت ال يظن أح ٌد أنه‬
‫غريب عن طبيعة اآلب‪ ،‬بل قال‪’ :‬أعظم مين‘‪ ،‬ليس من جهة احلجم وال من جهة الزمن‪ ،‬بل بسبب ميالده من أبيه ذاته‪ ،‬فإنه حىت‬
‫عندما يُقال‪’ :‬أعظم مين‘‪ ،‬أَظهر مرةً أخرى أنه من ذاتية جوهره الذايتّ“ (أثناسيوس (قديس)‪ ،‬املقاالت الثالثة ضد اآلريوسيني‪،‬‬
‫ترمجة‪ :‬أ‪ .‬صموئيل كامل وآخرين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املركز األرثوذكسي للدراسات اآلبائية‪ ،58 :13 :1 ،2017 ،‬ص ‪.)140‬‬
‫‪ 33‬كريلس اإلسكندري (قديس)‪ ،‬الكنوز يف الثالوث‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬جورج عوض إبراهيم‪( ،‬القاهرة‪ :‬املركز األرثوذكسي‬
‫للدراسات اآلبائية‪ ،)2011 ،‬مقالة ‪ ،4 :11‬ص ‪.137‬‬
‫‪24‬‬
‫”بأية طريقة‪ ،‬يا حماريب املسيح‪ ،‬تزعمون أن اآلب‬
‫صار علة وجود االبن؟ حسنًا‪ .‬إذَا كُنتم تظنون أنه‬
‫خملوق‪ ،‬فإنه عندئذٍ يكون خملوقًا وليس ابنًا‪ ،‬حماربني‬
‫بوضوحٍ اآلب الذي يقول للذي ولده‪’ :‬ولدتك من بطين‬
‫قبل يوسيفوروس [كوكب الصبح]“ (مز ‪3 :109‬‬
‫سبعينية)‪ .‬أمَّا لو اعترفتم بأنه ‪ -‬حقًا ‪ -‬هو االبن وآمنتم‬
‫بأنه هكذا يكون‪ ،‬عندئذٍ يتحتم عليكم أال تقولوا إن اآلب‬
‫علة االبن كخالق‪ ،‬بل كوالدٍ حبسب الطبيعة‪ .‬ولن‬
‫يعيقكم عن ذلك شيءٌ؛ ألن الذي يأيت من آخر حبسب‬
‫الطبيعة‪ ،‬يتحتم أن يكون من نفس جوهره‪ ،‬حىت لو كان‬
‫‪34‬‬
‫ذاك هو علة وجوده“‪.‬‬
‫ويستطرد ق‪ .‬كريلس يف شرح كيف أن اآلب هو علة وجود االبن‪ ،‬إال أن‬
‫االبن من نفس جوهر اآلب‪ ،‬مولود منه أزليًا خارج حدود الزمان واملكان‪،‬‬
‫وهو كائن معه أبديًا كالتايل‪:‬‬
‫”إنْ مل يكن االبن شبيهًا باآلب حبسب اجلوهر‪ ،‬وال‬
‫مساويًا لآلب يف اجلوهر‪ ،‬باعتبار أن اآلب ال يأيت من‬
‫علةٍ ما‪ ،‬بينما اآلب هو علة االبن‪ ،‬فما الذي مينع أن‬
‫نقول أيضًا إن قايني مل يكن مساويًا ألبيه يف اجلوهر؟‬
‫ألن آدم مل يُولَد من أحد؛ ألنه كان اإلنسان األول‪ ،‬ويف‬
‫ذات الوقت كان آدم هو علة قايني‪ ،‬إذ صار قايني منه‪.‬‬
‫ومبا أن هذا االفتراض كاذب (ألن قايني كان من نفس‬
‫‪ 34‬املرجع السابق‪ ،‬مقالة ‪ ،10 :10‬ص ‪.124‬‬
‫‪25‬‬
‫جوهر آدم)‪ ،‬فيكون االبن أيضًا ‪ -‬على أية حال ‪ -‬من‬
‫نفس جوهر اآلب‪ ،‬حىت لو كان اآلب بالنسبة له علة‬
‫وجوده‪ ،‬طاملا أتى [وُلِدَ] منه أزليًا‪ ،‬وهو كائن معه‬
‫‪35‬‬
‫أبديًا“‪.‬‬

‫‪ 35‬املرجع السابق‪ ،‬مقالة ‪ ،12 :10‬ص ‪.125‬‬


‫‪26‬‬
‫الخلاصة‬

‫نستخلص من هذا البحث تعليم اآلباء اإلسكندريني بدءًا من العالمة‬


‫كليمندس اإلسكندري وصوالً إىل ق‪ .‬كريلس اإلسكندريّ مبونارخية اآلب‪،‬‬
‫وهكذا يتفق التعليم اإلسكندريّ مع التعليم الكبادوكيّ مبونارخية اآلب‪.‬‬
‫حيث يرى العالمة كليمندس اإلسكندريّ يف سياق تعليمه عن مونارخية اآلب‬
‫أن اآلب هو علة االبن‪ .‬ويتبعه تلميذه العالمة أورجيينوس اإلسكندريّ يف‬
‫نفس األمر‪ ،‬حيث يرى أن االبن يأخذ من اآلب ما هو عليه‪ ،‬وأن اآلب هو‬
‫بداية االبن‪ ،‬وهكذا يأخذ االبن كيانه من اآلب بال بداية أو زمان‪ .‬كما يؤكد‬
‫العالمة أورجيينوس على أن اآلب هو مبدأ ومصدر االبن والروح القدس‪،‬‬
‫وأن اآلب هو مصدر األلوهية يف الثالوث‪.‬‬
‫وهكذا يتبع العالمة أورجيينوس تلميذه ق‪ .‬ديونيسيوس اإلسكندريّ‪،‬‬
‫الذي يؤكد على احتاد االبن والروح القدس يف اآلب الرأس‪ ،‬ويشري ق‪.‬‬
‫ديونيسيوس إىل إكرام االبن لآلب كرأسٍ له‪ .‬ويرى أن اآلب هو مصدر‬
‫االبن‪ ،‬وأن اآلب نبع االبن‪ .‬ويشدد العالمة ديدميوس الضرير‪ ،‬أحد تالميذ‬
‫العالمة أورجيينوس‪ ،‬على خروج أو صدور االبن والروح القدس من اآلب‪.‬‬
‫ويتبع ق‪ .‬أثناسيوس الرسويلّ التقليد اإلسكندريّ السابق عليه‪ ،‬والذي‬
‫يؤكد على مونارخية اآلب‪ .‬يقول ق‪ .‬أثناسيوس بأن اآلب هو أصل االبن‬
‫ووالده‪ ،‬وأن اهلل اآلب هو الينبوع األزيلّ حلكمته الذاتية‪ ،‬ويصف اآلب بأنه‬
‫البدء والينبوع يف الثالوث القدوس‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ويتبعه يف ذلك ق‪ .‬كريلس اإلسكندريّ الذي يؤكد على أن اآلب هو املصدر‬
‫والينبوع يف الثالوث‪ ،‬وأن اآلب هو البدء غري املبتدئ للطبيعة اإلهلية‪ .‬ويرى‬
‫ق‪ .‬كريلس أن اآلب هو البدء والقوة والسيادة يف الطبيعة اإلهلية‪ ،‬ويقول‪،‬‬
‫مثلما قال ق‪ .‬أثناسيوس‪ ،‬بأن اآلب هو أصل الكلمة اخلالق‪ .‬ويؤكد ق‪.‬‬
‫كريلس يف نفس السياق أيضًا على أن اآلب هو اجلذر والينبوع لالبن‪ ،‬وأن‬
‫اآلب هو البداية األزلية ألقنوم الكلمة‪ .‬ويقول‪ ،‬كما قال العالمة أورجيينوس‬
‫من قبله‪ ،‬إن اآلب هو بداية االبن‪ .‬ويقول‪ ،‬مثلما قال اآلباء اإلسكندريني‬
‫والكبادوكيني من قبله‪ ،‬إن اآلب هو علة وجود االبن كمولود طبيعيّ منه‪.‬‬

‫‪28‬‬

You might also like