You are on page 1of 24

‫قضية خلق القرآن عند اجلربية واملعتزلة وأهل السنة‬

‫(دراسة مقارنة نقدية)‬

‫الستيفاء الواجبة ملادة قاضية الكالم‬

‫احملاضر‪ :‬األستاذ الدكتور أمل فتح هللا زركشي‪MA ،‬‬

‫قدمه‪:‬‬

‫أمري شاهدين‬
‫‪Nim: 422021821003‬‬

‫قسم العقيدة و الفلسفة اإلسالمية‬

‫يف الدراسة العليا‬

‫جامعة دارالسالم كونتور‬

‫‪ 2021‬م‪ 1442 /‬ه‬


‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫القول خبلق القرآن مشكلة خطرية بني املتكلمني‪ .‬وهذه املشكلة يعين القول خبلق القرآن من أمهيّة‬

‫البحث يف قضية علم الكالم‪ .‬ألن القول أبن القرآن خملوق يلزم إىل نفي الصفة من صفات هللا وهي‬

‫الكالم‪ .‬والقول أبن الصفات خملوق يلزم ثالثة لوازم‪ .‬األول كان املوصوف‪-‬يعين هللا تعاىل‪-‬خملوق‪.‬‬

‫وصف هللا ابألأبكم‪ ،‬وهو من صفات النقائص‪ .‬والثالث يف لزوم القول‬


‫والثاين يف نفي صفات الكالم قد ّ‬
‫الزم خلق العلم‪ ،‬ألن القرآن من علم هللا‪ .‬وكأهنم يزعمون أن هللا مل يكن عاملا حىت خلأق‬
‫خبلق القرآن أ‬
‫‪1‬‬
‫العلم‪.‬‬

‫ومّن قال أن القرآن خملوق هو اجلبية واملعتزلة‪ .‬هم يقولون مثل ذلك ألجل التنزيه اىل هللا من‬

‫الصفات‪ .‬ألن الصفات عندهم من احلوادث‪ .‬والسبب يف هذه املغالطة ألهنم استدلّوا ابلتأويل الكالمي‬

‫وابلدليل العقلي يعين تقدمي العقل على النقل‪ .‬أما أهل السنة واجلماعة من أهل املذاهب األربعة وغريهم‬

‫من السلف واخللف‪ ،‬متفقون على أن القران كالم هللا غري خملوق‪ 2.‬ولذلك قام احد علماء أهل السنة‬

‫واجلماعة‪ ،‬وهو اإلمام أمحد ابن حنبل‪ ،‬إىل رد القول خبلق القرآن‪ .‬وهو يرد ردا شديدا يف املناقشة الطويلة‬

‫بينه وبني اجلبية واملعتزلة‪ .‬حىت يصيب احملنة يف العصر الطويل منذ عصر اخلليفة املؤمون واملعتصم والواثق‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد العزيز بن مرزوق الطريف‪ ،‬اخلراسانية يف شرح عقيدة الرازيني‪ ،‬ج‪( ،1.‬د‪.‬م‪ :‬مكتبة املنهاج‪ 2016 ،‬م)‪ ،‬ص‪-175 .‬‬
‫‪.178‬‬
‫‪ 2‬عبد االخر محاد الغنيمي‪ ،‬املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية‪( ،‬بريوت‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،)1995 ،‬ص‪119 .‬‬

‫‪2‬‬
‫من هذه خلفية البحث‪ ،‬أراد الباحث ان يقرن ويرد ما قاله اجلبية واملعتزلة يف مسألة خلق القرآن‬

‫أبراء أهل السنة واجلماعة‪ ،‬خاصة قول اإلمام أمحد بن حنبل‪ .‬ألنه من كبار العلماء يف عصره‪ ،‬ويعيش‬

‫حتت شدة الفتنة واحملنة‪ .‬وأكب احملنة الذي عاىن اإلمام أمحد بن حنبل يف عصر خليفة املؤمون واملعتصم‬

‫والواثق‪ .‬استعمل اخلليفة املؤمون ّقوته أن جُيرب الفقهاء واحمل ّدثون ليواقفوا أن القرآن خملوق‪ 3.‬فلعلى هذا‬

‫البحث انفعا جلميع املسلمني يف العامل‪ ،‬ويكون دفعا ملن أصاب شبهة خبلق القرآن‪.‬‬

‫التعريف عن خلق القرآن‬

‫"خلق القرآن" يف النحوي هو اإلضافة من لفظني يعين "خلق" وهو املضاف و"القرآن" مضاف‬

‫اليه‪ .‬وأما معناه لغة فأن "خلق" هو مصدر من "خلق‪-‬خيلق‪-‬خلقا" ومعناه خملوق وهو ما وجد بال مثال‬

‫قبله‪ 4.‬وأما "القرآن" فمصدر من "قرأ‪-‬يقرأ‪-‬قرءا وقراءة وقرآان" ومعناه املقروء‪ .‬مث جعل هذا املصدر امسا‬

‫ونزل اىل نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وأغلب العلماء يتعرف القرآن كالم هللا‬
‫للكالم الذي أوحي ّ‬
‫‪5‬‬
‫ونزل اىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكتب يف النصوص‪ ،‬ونقل متوتّرا‪ ،‬والقراءة به عبادة‪.‬‬ ‫ر‬
‫املجعجز ّ‬
‫من هذين معنيني نعرف أبن املصطلح "خلق القرآن" هو الفهم أبن القرآن هو املخلوق‬

‫‪ 3‬حممد أبو زهرة‪ ،‬ابن حنبل ‪:‬حياته وعصره‪ ،‬آراءه وفقهه‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪ ،‬د‪.‬ع)‪ ،‬ص‪.46 .‬‬
‫‪ 4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪( ،11 .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 2009 ،‬م)‪ ،‬ص‪.102 .‬‬
‫‪ 5‬حممد بكر إمساعيل‪ ،‬دراسة يف علوم القرآن‪( ،‬القاهرة ‪:‬دار املنار‪ 1991 ،‬م)‪ ،‬ص‪.11-10 .‬‬
‫‪3‬‬
‫وصف‬
‫ومن هذا التعريف أن "خلق القرآن" هو القضية التفكريية مّن قال أن القرآن خملوق وال يج أ‬
‫بصفة قدمية وأزلية‪ .‬ونشأ هذ الرأي يف دولة األجأمية مث طرأ يف أول دولة العباسية حىت جعله املؤمون‬

‫واخلليفتان بعده فهما رمسيا يف الدولة وهذا اشتهر ابملرحنأة‪.‬‬

‫قضية اجلربية يف خلق القرآن‬

‫أما اجلبية أو اجلهمية هم فرقة الكالمية اليت نسبت إىل جهم بن صفوان‪ 6،‬الذي يقول ابجلب أي‬

‫أن اإلنسان جمبور يف أفعاله وأنه ال اختيار له وال قدرة‪ ،‬أنه كالريشة املعلقة يف اهلواء إذا هبت الريح حترك‬

‫ميينا ومشاال وإن مل هتب سكت‪ ،‬وإن هللا سبحانه وهتاىل قدر عليه أعماال البد أن تصدر منه‪7.‬وتعلّم‬

‫صفوان علم الكالم من جعد بن درهم‪ 8.‬أما مذهب اجلبية يف تقرير العقيدة فهو أتويل آايت الصفات‬

‫اليت تؤدي إىل تشبيه مبخلوقاته‪ ،‬وأمتت صفة الفعل واخللق فقط وال يصح أن يتصف املخلوقات هباتني‬
‫‪9‬‬
‫الصفتني‪.‬‬

‫‪ 6‬اجلرجاين‪ ،‬معجم املعرفة‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الفضيلة‪ ،‬د‪.‬ع)‪ ،‬ص‪.72 .‬‬


‫‪ّ 7‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬دراسة يف علم الكالم‪( ،‬فونوروكو ‪:‬جامعة دار السالم كوتور للطباعة والنشر‪ 2016 ،‬م)‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫الرزاق احلجسني مرتضى‪ ،‬اتج العروس من جوهر القاموس‪( ،‬د‪.‬م ‪:‬دار اهلداية‪ ،‬د‪.‬ع)‪ ،‬ص‪.‬‬
‫حممد بن حممد بن عبد ّ‬
‫‪8‬‬

‫‪.433‬‬
‫‪ّ 9‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪51 .‬‬

‫‪4‬‬
‫إمنا اتفق جهم بن صفوان القول خبلق القرآن‪ 10.‬والقول خبلق القرآن مرتبط ارتباطا وثيقا بنفي‬

‫الصفات‪ .‬ألن نفي الصفات عن هللا تعاىل ُير إىل نفي الكالم الذي ال يصدر عن جارحة‪ .‬وملا كان‬

‫تعاىل منزها عن الصفات‪ ،‬فال بد أن يقال على أنه تعاىل خلق القرآن كما اتفق اجلهم واملعتزلة‪ 11.‬عند‬

‫اجلهم ال ُيوز أن هللا تعاىل بصفة يوصف هبا خلقه ألن ذلك يقضي تشبيها‪ .‬فنفى كونه حيا‪ ،‬عاملا‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫أثبت كونه قادرا وفاعال وخالقا‪ .‬ألنه ال يوصف شيء من خلقه ابلقدرة والفعل واخللق‪.‬‬

‫وأما استدالل اجلبية يف زعمهم أبن القرآن خملوق فمنها‪:‬‬

‫أوال‪( :‬إران أج أعلنأاهج قجر ً‬


‫آان أعأربريا)‪ 13‬زعم أن "جعل" مبعىن "خلق" فكل جمعول هو خملوق‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫اثنيا‪( :‬هللاج أخالر جق جكل أشيء)‪ 15‬والقرآن شيء يقع عليه اسم شيء‪ ،‬وهو خملوق‪ ،‬ألن "كل" ُيمع‬
‫‪16‬‬
‫كل شيء‪.‬‬

‫اثلثا‪ ( :‬أما أيتري رهم أمن رذكر رمن أرّهبررم جحم أدث)‪ 17‬فزعم أن هللا تعاىل قال القرآن حمدث بنسبة إىل لفظ‬
‫‪18‬‬
‫"ذكر"‪ ،‬وكل حمدث خملوق‪.‬‬

‫‪ 10‬أول من أاثره جعد بن درهام‪ .‬أنه أخذه عن بيان بن مسعان وأخذ بيان عن طالوت بن أخت لبيد بن أعصم وأخذته لبيد‬
‫بن أعصم الساحر الذي سحر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن يهودي ابليمن‪ .‬وكان جهم بن صفوان أخذ عن جعد بن درهم‪ ،‬مث‬
‫أخذ بشر املريسي عن جهم‪ ،‬وأخذ ابن أيب دؤاد املعتزيل عن بشر‪.‬‬
‫‪ 11‬حممد إبراهيم الفيّومي‪ ،‬اخلوارج واملرجئة‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪ ،)2003 ،‬ص‪.282-281 .‬‬
‫‪ّ 12‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬دراسة يف علم الكالم‪ ،‬ص‪.120-119 .‬‬
‫‪ 13‬سورة الزخرف‪ ،‬آية ‪.3‬‬
‫‪ 14‬أمحد بن حنبل‪ ،‬الرد على اجلهمية والزاندقة‪( ،‬الرايض‪ :‬دار الثبات النشر والتوزيع‪ 2003 ،‬م)‪ ،‬ص‪.101 .‬‬
‫‪ 15‬سورة الزمر‪ ،‬آية ‪.63‬‬
‫‪ 16‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.113 .‬‬
‫‪5‬‬
‫سم عيسى كلمة هللا‪ ،‬وعيسى خملوق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫‪19‬‬
‫رابعا‪( :‬إرمنأا ال أم رسي جح رعي أسى ب رن أمرأميأ أر جسو جل هللار أوأكلر أمتجهج)‬
‫‪20‬‬
‫ولذلك القرآن خملوق‪.‬‬

‫منزه هلل تعاىل عن صفات اخللق وتوحيدا‬


‫من تلك اآلايت أ ّكد اجلبية قوهلم أبن القرآن خملوقا‪ّ ،‬‬
‫لذاته تعاىل‪.‬‬

‫قضية املعتزلة يف خلق القرآن‬

‫أما املعتزلة فهي اسم يطلق على فرقة ظهرت يف اإلسالم يف أوائل القرن الثاين وسلكت منهجا‬

‫متطرفا يف حبث العقائد اإلسالمية‪ .‬وهم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي إعتزل عن جملس‬
‫عقليا ّ‬
‫احلسن البصري‪ 21.‬ومن رجال املعتزلة هم‪ :‬واصل بن عطاء‪ ،‬عمر بن عبيد‪ ،‬إبراهيم بن سيار النظام‪،‬‬
‫‪22‬‬
‫معمر بن عباد السلم‪ ،‬موسى األسواري‪ ،‬أبو معىن مثامه بن األشرس‪ ،‬أبو جعفر اإلسكايف‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫اشتهرت املعتزلة فرقة كالمية اليت جنحت اىل تقدمي العقل على النقل واإلستدالل ابلدليل‬

‫العقلي‪ .‬يف رأيهم إن العقل إحدى منابع احلر أكم يف اإلسالم سوى القرآن‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والقياس‪ .‬والقرآن‬

‫عند املعتزلة حمدث وخملوق‪ .‬تلك الفكرة تنتمي اىل قضية نفي الصفات عموما واليت تستند إىل مبدأ‬

‫‪ 17‬سورة األنبياء‪ ،‬آية ‪.2‬‬


‫‪ 18‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.121 .‬‬
‫‪ 19‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.171‬‬
‫‪ 20‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.125 .‬‬
‫عواد بن عبد املعتق‪ ،‬املعتزلة وأصوهلم اخلمسة وموقف أهل السنة منها‪( ،‬الرايض‪ :‬مكتبة الرشد‪ 1414 ،‬ه)‪ ،‬ص‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪21‬‬

‫‪.14-13‬‬
‫‪ 22‬أ ّمل فتح هللا زركشي‪ ،‬دراسة يف علم الكالم‪ ،‬ص‪.120-119 .‬‬
‫‪6‬‬
‫التوحيد املنزيل (التنزيه)‪ .‬يعين هم ال يقولون أبن هللا متكلم وكالمه ذاته‪ ،‬خشيةً أن يتساوي كالم هللا عز‬

‫وجل مع ذاته‪ ،‬فيكون هناك قدميان ما يؤدي اىل الشرك‪ .‬وهلذا فإهنم يرون أن كالم هللا –يعين أن‬
‫‪23‬‬
‫القرآن‪ -‬خملوق حمدث غري قدمي‪.‬‬

‫والبيّنة الدقيقية يف رأي املعتزلة على أن القرآن خملوق ابلنظر إىل األدلّة العقلية واألدلّة النقلية‪ .‬أما‬

‫األدلّة العقلية فهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أ ّن القرآن مقروء ابللسان ومسوح ابليد ومنظور ابلعني ومسموع ابألذن‪ .‬فمستحلّة لو هذا‬
‫‪24‬‬
‫صفة هللا‪ ،‬أل ّن الكالم بصفة هللا ال يتّصف بصفات‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬إن كان الكالم صفة أزلية ليصبح القرآن قدميا ولشارك هللا يف اإلهلية‪ .‬ألن القدم صفة‬
‫‪25‬‬
‫الذات لأللوهية‪.‬‬

‫حملمد‪ .‬ومنهج الكالم لكل رسول خمتلف‪ .‬فمستحلّة إذا‬


‫اثلثا‪ :‬واخلطاب ملوسى خمتلف ابخلطاب ّ‬
‫‪26‬‬
‫قيل "الكالم واحد"‪ .‬على أن شكله خمتلف لكل رسول‪ .‬وهذا يتعارض بصفات الذات لأللوهية‪.‬‬

‫مصطفى حلمي‪ ،‬منهج علماء احلديث والسنة يف أصول الدين‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 1971 ،‬م)‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪.122-121‬‬
‫‪ 24‬القاضي عبد اجلبار‪ ،‬املغين يف أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬ج‪( ،7 .‬القاهرة‪ :‬دار الرتاث‪ 1961 ،‬م)‪ ،‬ص‪.74 .‬‬
‫‪ّ 25‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬دراسة يف علم الكالم‪ ،‬ص‪.133 .‬‬
‫‪ 26‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.134 .‬‬
‫‪7‬‬
‫رابعا‪ :‬أ ّكد املعتزلة وجود الشيء الذي جخياطأب به‪ .‬إذا نج ّر‬
‫صور أبن هللا كلّم منذ أزلية‪ ،‬فإن هللا كلّم‬

‫بال املخاطب ألن العا أمل غري موجود‪ .‬ولذلك ال يقبألون أن كالم هللا أزيل وقدمي‪ .‬وكل غري قدمي هو‬
‫‪27‬‬
‫خملوق‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬لو القرآن كالم أزيل يعين من صفات هللا فمستحلة‪ .‬مثل األمر يف القرآن ال يفيد إال‬

‫بوجود املأمور‪ .‬ولذلك يستحل املأمور موجود يف زمان أزيل‪ .‬ابعتبار األمر ابلصالة الذي مل يكن أمن‬
‫‪28‬‬
‫يقيمون الصالة‪.‬‬

‫وأما أدلتهم النقلية على أن القرآن خملوق فكثري‪ ،‬منها‪:‬‬


‫‪30‬‬
‫أوال‪( :‬هللاج أخالر جق جك رّل أشيء)‪ 29‬اآلية تدل بعمومها على حدوث القرآن‪ ،‬وأنه تعاىل خلقه‪.‬‬

‫اثنيا‪( :‬إران أج أعلنأا قجرآانً أعأربريا)‪ 31‬اآلية تدل على وجوب حدوثه‪ ،‬ألن اجلعل والفعل سواء يف‬
‫‪32‬‬
‫احلقيقة‪.‬‬

‫‪ 27‬أمحد أمني‪ ،‬ضحى اإلسالم‪( ،‬القاهرة‪ :‬النحضة املصرية‪ 1973 ،‬م)‪ ،‬ص‪.38 .‬‬
‫‪ 28‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.35 .‬‬
‫‪ 29‬سورة الرعد‪ ،‬آية ‪.16‬‬
‫‪ 30‬القاضي عبد اجلبار‪ ،‬املغين يف أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬ص‪.94 .‬‬
‫‪ 31‬سورة الزخروف‪ ،‬آية ‪.3‬‬
‫‪ 32‬القاضي عبد اجلبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.94 .‬‬
‫‪8‬‬
‫ر ر ر ر رر‬
‫اثلثا‪ ( :‬أما أيتي رهم من ذكر من أرّهبم جحم أدث) اآلية تدل على حدوث القرآن‪ ،‬ألنه تعاىل ّ‬
‫‪33‬‬
‫نص‬

‫وبني آبية أخرى أن الذكر هو القرآن‪ ،‬مثل قوله تعاىل "إرن جه أو إرال رذكر أوقجرآن‬ ‫‪34‬‬
‫على أن الذكر حمدث‪ّ .‬‬
‫‪36‬‬
‫جمبرني"‪ 35‬وإذا صح أنه ذكر وثبت هبذه اآلية حدوث الذكر‪ ،‬فقد وجب القول حبدوث القرآن‪.‬‬

‫اب جمو أسى)‪ 37‬اآلية تدل على كتاب منزل قبل القرآن يعين التوراة اليت ّنزلت‬ ‫ر رر ر‬
‫رابعا‪ ( :‬أومن قأبله كتأ ج‬
‫‪38‬‬
‫على موسى عليه السالم‪ .‬وما تقدم غريه يلزم حدوثه وال يكون قدميا‪.‬‬

‫ات أررّيب أولأو رجئ نأا‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر ر ر‬


‫خامسا‪( :‬قجل لأو أكا أن البأح جر م أد ًادا ل أكل أمات أررّيب لأنأف أد البأح جر قأب أل أن تأن أف أد أكل أم ج‬
‫مبررثلر ره أم أد ًدا)‪ 39‬اآلية تدل على أن هللا قادر على أن يغري القرآن كله أو بعضه أو يجب ّردله بغريه أو ييت مبثله‬
‫‪40‬‬
‫أو يزيد فيه‪ .‬وما يتبدل ويتغري فهو حمدث‪.‬‬

‫تدل على قويّهم ومتناسقهم يف التفكري العقلي ألجل‬


‫واإلستنتاج من جح أجج املعتزلة هناك أهنا ّ‬

‫الشك ابلقول على أن القرآن خملوق‪.‬‬


‫ّ‬ ‫التنزيه لذات هللا من كل الصفات اليت تدنّسه‪ ،‬حىت أهنم‬

‫قضية أهل السنة واجلماعة يف خلق القرآن‬

‫‪ 33‬سورة األنبياء‪ ،‬آية ‪.2‬‬


‫عواد بن عبد املعتق‪ ،‬املعتزلة وأصوهلم اخلمسة‪ ،‬ص‪.121 .‬‬
‫ّ‬
‫‪34‬‬

‫‪ 35‬سورة يس‪ ،‬آية ‪.69‬‬


‫عواد بن عبد املعترق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.121 .‬‬‫ّ‬
‫‪36‬‬

‫‪ 37‬سورة هود‪ ،‬آية ‪.17‬‬


‫‪ّ 38‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬دراسة يف علم الكالم‪ ،‬ص‪.135 .‬‬
‫‪ 39‬سورة الكهف‪ ،‬آية ‪.109‬‬
‫‪ّ 40‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.135 .‬‬
‫‪9‬‬
‫وابجلملة‪ ،‬فأهل السنة واجلماعة من أهل املذاهب األربعة وغريهم من السلف واخللف‪ ،‬متفقون‬
‫‪42‬‬
‫على أن القران كالم هللا غري خملوق‪ 41.‬ومن أدلة أهل السنة يف إثبات صفة الكالم هلل فيما اييل‪:‬‬

‫ب أررحيم)‪ 43‬فهذه األية ذاللة واضحة أبن القرآن هو كالم هللا‪.‬‬ ‫ر‬
‫أوال‪:‬قال تعاىل‪ ( :‬أس أالم قأوًال من أر ّ‬
‫يما)‪ 44‬أكد هللا تعاىل التكليم ابملصدر املثبت للحقيقة‬‫ر‬
‫وسى تأكل ً‬
‫اثنيا‪ :‬قال تعاىل‪ ( :‬أوأكل أم اَّللج جم أ‬

‫النايف للمجاز‪ ،‬ولقد قال بعضهم أليب عمرو بن العالء ‪-‬أحد القراء السبعة‪ :-‬أريد أن تقرأ‪ ( :‬أوأكل أم اَّللأ‬
‫وسى)‪ ،‬بنصب اسم هللا‪ ،‬ليكون موسى هو املتكلم ال هللا! فقال أبو عمرو‪ :‬هب أين قرأت هذه اآلية‬
‫جم أ‬
‫وسى لر رمي أقاترنأا أوأكل أمهج أربُّهج)‪ 45‬فبهت املعتزيل!‬
‫كذا‪ ،‬فكيف تصنع بقوله تعاىل‪ ( :‬أولأما أجاءأ جم أ‬
‫ك أال أخ أال أق أهلجم ريف اآل رخرةر‬ ‫ر‬ ‫ر ر رر‬ ‫ر ر‬
‫أ‬ ‫ين يأش أرتجو أن بر أعهد اَّلل أوأميأاهنم أمثأنًا قأل ًيال أجولأئر أ‬
‫اثلثا‪ :‬قال تعاىل‪( :‬إن الذ أ‬
‫أوأال يج أكلرّ جم جه جم اَّللج أوأال يأنظججر إرلأي رهم)‪ 46‬فأهاهنم برتك تكليمهم‪ ،‬واملراد أنه ال يكلمهم تكليم تكرمي‪ ،‬وهو‬

‫الصحيح‪ ،‬إذ أخب يف اآلية األخرى أنه يقول هلم يف النار‪( :‬اخسئجوا فريها وأال تج أكلرّم ر‬
‫ون)‪ 47‬فلو كان ال‬ ‫ج‬ ‫أ أ أ‬

‫‪ 41‬عبد االخر محاد الغنيمي‪ ،‬املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية‪ ،‬ص‪119 .‬‬
‫‪ 42‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪112-111 .‬‬
‫‪ 43‬سورة يس‪58 :‬‬
‫‪ 44‬سورة النساء‪164 :‬‬
‫‪ 45‬سورة األعراف‪143 :‬‬
‫‪ 46‬سورة ال عمران‪77 :‬‬
‫‪ 47‬سورة املؤمنون‪108 :‬‬

‫‪10‬‬
‫يكلم عباده املؤمنني‪ ،‬لكانوا يف ذلك هم وأعداؤه سواء‪ ،‬ومل يكن يف ختصيص أعدائه أبنه ال يكلمهم‬

‫فائدة أصال‪.‬‬

‫يسم خلقه قوال‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬واآلية (أأال لأهج اخلأل جق أواألأم جر)‪ّ 48‬‬
‫تدل أبن هللا قد فصل بني قوله وخلقه‪ ،‬وال ّ‬

‫فلما قال تعاىل "أأال لأهج اخلأل جق" مل أ‬


‫يبق شيء خملوق إال كان داخال يف ذلك‪ ،‬مث ذكر ما ليس خبلق‪ ،‬فقال‬ ‫ّ‬
‫‪49‬‬
‫"واألأم جر"‪ .‬فأمره هو قوله‪ ،‬وتبارك رب العاملني إن يكون قوله خلقا‪.‬‬
‫أ‬
‫خامسا‪ :‬والوصف ابلتكلم من أوصافه الكمال‪ ،‬وضده من أوصاف النقص‪ .‬قال تعاىل‪ ( :‬أواختأ أذ‬
‫‪50‬‬
‫وسى رمن بأع ردهر رمن جحلريرّ رهم رعج ًال أج أس ًدا لأهج جخ أوار أأمل يأأروا أأنهج أال يج أكلرّ جم جهم أوأال يأه ردي رهم أسبري ًال)‬
‫قأوجم جم أ‬
‫فكان عباد العجل ‪-‬مع كفرهم‪ -‬أعرف ابلك من املعتزلة‪ ،‬فإهنم مل يقول ملوسى‪ :‬وربك ال يتكلم أيضا‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ضرا أوأال نأف ًعا)‪ 51‬فعلم أن نفي‬ ‫وقال تعاىل عن العجل أيضا‪( :‬أفأ أال يأأرو أن أأال يأرج جع إرلأي رهم قأوًال أوأال أميل ج‬
‫ك أهلجم أ‬

‫رجع القول ونفي التكلم يستدل به على عدم ألوهية العجل‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬وقد كتب البخاري يف صحيحه اباب خاصا‪ ،‬يعين ابب كالم الرب تبارك وتعاىل مع أهل‬
‫‪52‬‬
‫اجلنة‪ ،‬وساق فيه عدة أحاديث‪.‬‬

‫‪ 48‬سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.54‬‬


‫‪ 49‬أمحد بن حنبل‪ ،‬الرد على اجلهمية والزاندقة‪ ،‬ص‪.106 .‬‬
‫‪ 50‬سورة األعراف‪148 :‬‬
‫‪ 51‬سورة طه‪89 :‬‬
‫‪ 52‬انظر‪ ،‬حممد بن إمساعيل البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ :‬كالم الرب مع أهل اجلنة‪( ،‬دمشق‪ :‬دار‬
‫طوق النجاة‪1422 ،‬ه )‪ ،‬ج‪ ،9 .‬ص‪151 .‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن العلماء أهل السنة واجلماعة له دور واثر كبري يف رد فهم خلق القران يعين‪ :‬اإلمام أمحد بن‬

‫حنبل‪ .‬امسه الكامل هو أمحد بن حنبل بن هالل بن أسد بن عبد هللا الشيباين‪ ،‬وتتلقى مع النيب صلى‬

‫هللا عليه وسلم يف نزار بن معد بن عدانن‪ .‬ولد اإلمام أمحد بن حنبل مبروين يف شهر ربيع األول سنة‬
‫‪53‬‬
‫‪ 164‬ه‪ ،‬يف دور حممد املهدي‪ .‬ولكن يف الطفولة أوردت أمه اىل بغداد العراق‪.‬‬

‫أن اإلمام أمحد بن حنبل من كبار العلماء يف عصره‪ ،‬ولكن ال يفوت من بعض البلوى‪ .‬وأكب‬

‫البلوى الذي عاىن اإلمام هو يف عصر خليفة املؤمون واملعتصم والواثق‪ .‬استعمل اخلليفة املؤمون ّقوته ان‬
‫‪54‬‬
‫جُيرب الفقهاء واحمل ّدثون ليواقفوا أن القرآن خملوق‪ .‬وهذه الواقعة مسيت "ابحملنة"‪.‬‬

‫قد كان اإلمام أمحد ينهج املنهج النقلي يف تقرير العقيدة‪ ،‬ويف الصفات اإلهلية قد التزم مبا وصف‬

‫هللا به نفسه ووصفه به رسوله‪ ،‬بدون تشبيه وال تعطيل‪ ،‬وال نقص وال زايدة‪ 55.‬وإىل وجه األخرى أنه مل‬

‫ودل عليه احلديث‪ .‬وأنه قد اعتمد على أصول اللغة‬


‫حث عليه القرآن ّ‬
‫يرتك املنهج العقلي السليم الذي ّ‬
‫‪56‬‬
‫العربية ومواصفاهتا وقانوهنا يف خماطبة وحماورة‪.‬‬

‫عبد العزيز عبد هللا الراجحي‪ ،‬شرح أصول السنة لإلمام أمحد بن حنبل‪( ،‬الرايض‪ :‬دار التوحيد للنشر‪ 1434 ،‬ه)‪،‬‬ ‫‪53‬‬

‫ص‪.19 .‬‬
‫‪ 54‬حممد أبو زهرة‪ ،‬ابن حنبل ‪:‬حياته وعصره‪ ،‬آراءه وفقهه‪ ،‬ص‪.46 .‬‬
‫‪ 55‬تقي الدين أمحد ابن تيمية‪ ،‬أصول التفسري‪( ،‬القاهرة‪ :‬املكتبة السلفية‪ 1399 ،‬ه)‪ ،‬ص‪.41 .‬‬
‫‪ّ 56‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬دراسة يف علم الكالم‪ ،‬ص‪.200 .‬‬
‫‪12‬‬
‫ردا صرحيا كامال على رأي اجلبية‬
‫رد ّ‬
‫استقر على أن القرآن غري خملوق‪ .‬وهو ّ‬
‫كان اإلمام أمحد ّ‬
‫رده إىل أدعاء اجلبية واملعتزلة فباستدالل ابآلايت القرآنيات مع تفسري‬
‫واملعتزلة أبن القرآن خملوق‪ .‬وأما ّ‬

‫صحيح الدين سنبحث عنه فيما بعد‪.‬‬

‫حتليل املقارنة والنقدي عن قضية خلق القرآن‬

‫يف هذا البحث حدد الباحث البيان يف ثالثة أوجه‪ :‬الوجه األول يعين وجه اإلتفاق بني اجلبية‬

‫واملعتزلة يف املسألة خلق القران‪ .‬الوجة الثاين يعين وجه اإلختالف بني اجلبية واملعتزلة وبني أهل السنة‬

‫واجلماعة وخاصة اإلمام أمحد بن حنبل يف تلك املسألة‪ .‬والوجة الثالث يعين وجه النقدي أو الرد على‬

‫اجلبية واملعتزلة يف مسألة خلق القرآن‪ .‬والبيان على ذالك فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬وجه اإلتفاق‬

‫وافق اجلبية واملعتزلة أبن القرآن خملوق‪ .‬تلك الفكرة تنتمي اىل قضية نفي الصفات عموما واليت‬

‫تستند إىل مبدأ التوحيد املعتزيل‪ .‬هم ال يقولون أبن هللا متكلم وكالمه ذاته خشيةً أن يتساوي كالم هللا‬

‫منزها عن الصفات‪ ،‬يف‬


‫عز وجل مع ذاته‪ .‬فيكون هناك قدميان ما يؤدي اىل الشرك‪ .‬وملا كان هللا تعاىل ّ‬
‫أقروا‬
‫نظر اجلبية واملعتزلة فال بد أن يوافق قول خلق القرآن‪ .‬وهذا ما اعرتف به املعتزلة أنفسهم‪ ،‬منذ أن ّ‬
‫‪57‬‬
‫مبشاركتهم جلهم بن صفوان يف القول على أن القرآن خملوق‪.‬‬

‫للتصور اليهودي هلل من جهة وآلراء اجملسمة واملشبهة واخلشوية‬


‫ّ‬ ‫‪ 57‬وأما قصد املعتزلة يف نفي الصفات اإلهلية فهو معارض‬
‫يدل ظاهرها على اتصاف هللا‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬فاهلل لدى املعتزلة (ليس كمثله شيء)‪ .‬تلك آية حمكمة تؤول يف ضوئها كل آايت ّ‬
‫يتقوم أبقانيم)‪ .‬انظر‪:‬‬
‫أبوصاف املخلوقني‪ ،‬ليس شخص وال جوهر وال عرض (إنكار على املسيحية إمكان تشخص هللا أو أنه جوهر ّ‬
‫‪13‬‬
‫وقول املعتزلة يف خلق القرآن‪ ،‬جائت نتيجة قوهلم ابن هللا قدمي‪ ،‬ولكي يدافع عن وحدانية هللا‬

‫ويقاوموا ما ينايف هذه الوحدانية أو يهدمها‪ .‬وقد وجدوا ابلقول أبن القرآن غري خملوق معىن األزلية‪،‬‬

‫متادوا يف القول خبلق القرآن حىت جعلواه عديل التوحيد‪ ،‬ورموا‬


‫والقدم واألزلية من صفات هللا وحده‪ .‬وقد ّ‬
‫‪58‬‬
‫من خالفه ابلكفر واألحلاد‪.‬‬

‫ومّا الذي جعل اجلبية واملعتزلة القول خبلق القرآن أمور‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ .1‬قصد تنزيه هللا عن مشاهبة املخلوقني‪ .‬وذلك أهنم ُيعلون رمن الزم إثبات صفة الكالم إثبات‬

‫صفات أخرى‪ ،‬وهي احللق والل أهاة‪ ،‬واللسان والشفتان‪ ،‬واحلاجة اىل اهلواء خلروج الكالم من‬

‫املتكلم‪ ،‬ووصوله اىل السامع‪ 59.‬وهذا كله أوقعهم فيه التشبيه الذي سبق إىل أذهاهنم‪ .‬وهم شبّهوا‬

‫أبذهاهنم أوال‪ ،‬فاستقبحوا التشبيه‪ .‬واآلخر فدعاهم اىل الوقوع يف ضاللة‪ ،‬وهو تعطيل صفات‬
‫‪60‬‬ ‫ر‬
‫ين التعطيل هنا على التشبيه يف األذهان‪ .‬فهربوا من ابطل‪ ،‬فوقعوا يف ابطل مثله‪.‬‬
‫الكالم‪ .‬وقد بج أ‬

‫أمحد حممود صبحي‪ ،‬يف علم الكالم‪ :‬دراسة فلسفية آلراء القرق اإلسالمية يف أصول الدين‪ ،‬ج‪( ،1.‬بريوت‪ :‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪ 1985‬م)‪ ،‬ص‪.121 .‬‬
‫‪ 58‬حممد إبراهيم الفيومي‪ ،‬اخلوارج واملرجئة‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪ 2003 ،‬م)‪ ،‬ص‪.282 .‬‬
‫‪ 59‬هناك كما قال القاضي عبد اجلبار املعتزيل أبن كالم هللا عز وجل من جنس الكالم املعقول يف الشاهد وهو حروف منظومة‬
‫وأصوات مقطوعة‪ .‬هو عرض خيلق هللا تعاىل يف األجسام على وجه يسمع ويفهم معناه‪ .‬فالقرآن إ ًذا خملوق حمدث مفعول‪ ،‬مل يكن مث‬
‫كان‪ ،‬وأنه غري هللا تعاىل‪ ،‬وأنه أحدث حبسب مصاحل العباد‪.‬‬
‫‪ 60‬عبد العزيز بن مرزوق الطريف‪ ،‬اخلراسانية يف شرح عقيدة الرازيني‪ ،‬ص‪.153 .‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ .2‬تنزيه هللا عن حلول احلوادث به‪ .‬فإهنم يزعمون أن القول إبثبات صفة الكالم وتعلُّق ذلك مبشيئة‬

‫حتل يف ذات هللا‪ .‬فيكون هللا تعاىل ال خيلو من احلوادث‪ .‬وما‬


‫ادث ّ‬
‫هللا وقدرته‪ ،‬يلزم منه القول حبو أ‬
‫‪61‬‬
‫ال خيلوا من احلوادث فهو حادث‪ ،‬واحلوادث كلها خملوقة عندهم‪.‬‬

‫‪ .3‬كان الكالم خملوقا‪ ،‬وكان صفةً فعليةً حادثةً متعلّقةً مبشيئة هللا وقدرته‪ .‬لكنّها تكون حينئذ خملوقةً‬
‫‪62‬‬
‫منفصلةً عن ذات الرب تعاىل‪ ،‬حىت ال حتلّه احلوادث‪ .‬وإالّ‪ ،‬لكان هو حاداث خملوقا‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬وجه اإلختالف‬

‫اختلف أهل السنة واجلماعة عموما واإلمام أمحد بن حنبل خصوصا من اجلبية واملعتزلة يف مسألة‬

‫تقر على أن القرآن غري خملوق وهو كالم هللا القدمي األزيل‪.‬‬
‫خلق القرآن‪ .‬إن اإلمام أمحد اس ّ‬
‫وكانت هذه املشكلة يعين القول خبلق القرآن تتعلق بصفات هللا‪ .‬ولرذا فإن اإلمام أمحد يثبت‬

‫دائما على أن القرآن كالم هللا حقيقة بكماله‪ .‬و أن كالمه صفة من صفاته‪ ،‬كسمعه وبصره‪ ،‬ورمحته‬

‫وقدرته‪ ،‬وعفوه وغفرانه‪ .‬فال ُيوز ألحد أن يبحث خلق الصفات‪ ،‬ألن الصفات من الذات‪ .‬فمن جعل‬

‫صفة من صفاته خملوقة‪ ،‬فقد جعل املوصوف—هللا سبحانه وتعاىل—خملوقا‪.‬‬

‫واختلف اإلمام أمحد عن زعم اجلبية واملعتزلة أبن كالم هللا منفصل من ذاته‪ .‬ألن العاقبة من زعم‬

‫اجلبية واملعتزلة عن تلك املسألة يلتزم أن كون هللا بال علم وال معرفة عنده بشيء وال اسم له وال عزة له‬

‫‪ 61‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.153 .‬‬


‫‪ 62‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.158 .‬‬
‫‪15‬‬
‫والصفة له‪ .‬هذا من ضالل مبني‪ ،‬وهللا بريء من نقص وعجز‪ 63.‬عند اإلمام أمحد أن القرآن كالم هللا‪،‬‬
‫‪64‬‬
‫وكالمه صفة من صفاته‪ ،‬وصفاته ليست منفصلة عنه‪ ،‬وال خملوقة‪.‬‬

‫واختلف أيضا اإلمام أمحد من رأي املعتزلة خبلق القرآن أبنه مقروء ومسموع ومكتوب وحمفوظ‬

‫ومنظور‪ .‬والقرآن عند اإلمام أمحد كالم هللا غري خملوق بكل جهة وعلى كل تصريف‪ .‬ويف ذلك قال‬

‫يتوجه العبد هلل ابلقرآن خبمسة أوجه‪ ،‬وهو فيها غري خملوق‪ .‬يعين حفظ بقلب وتاله بلسان‬
‫اإلمام أمحد‪ّ " :‬‬
‫ط بيد‪ .‬فالقلب خملوق‪ ،‬واحملفوظ غري خملوق‪ .‬والتالوة خملوقة‪ ،‬واملتلو غري‬
‫ومسع أبذن ونظر بنظر وخ ّ‬

‫خملوق‪ .‬والسمع خملوق‪ ،‬واملسموع غري خملوق‪ .‬والنظر خملوق‪ ،‬واملنظور اليه غري خملوق‪ .‬والكتاب خملوق‪،‬‬
‫‪65‬‬
‫واملكتوب غري خملوق‪".‬‬

‫كان السلف الصاحل يرد أتسيس نفي الصفات عند اجلبية واملعتزلة ألهنم قد متس ّكوا بتأسيس‬

‫إثبات الصفات‪ .‬وأما األساس يف إثبات الصفات عند السلف فهو وجوب املسلم أن يمن بصفات هللا‬

‫ووصف به رسوله يف احلديث سواء كان نفيا أو إثباات‪ .‬وكان‬


‫وصف هللا نفسه يف القرآن ّ‬
‫وأمسائه كما ّ‬
‫ووصف به رسوله دون حتريف وال تعطيل‪ ،‬ودون تكييف وال‬
‫وصف هللا نفسه ّ‬
‫السلف يوصفون هللا كما ّ‬

‫‪ 63‬أمحد بن حنبل‪ ،‬الرد على اجلهمية والزاندقة‪ ،‬ص‪.122 .‬‬


‫‪ 64‬عبد العزيز بن مرزوق الطريف‪ ،‬اخلراسانية يف شرح عقيدة الرازيني‪ ،‬ص‪.132 .‬‬
‫‪ 65‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.149 .‬‬
‫‪16‬‬
‫متثيل‪ .‬وأهنم نفوا ما نفي هللا عن نفسه وأثبتوا صفاته كما أثبت هللا دون إحلاد‪ ،‬ليس يف أمسائه وال يف‬

‫آايته‪ 66.‬وهذا القضية يتعلق تقضية توحيد األمساء والصفات‪.‬‬

‫وشرح اإلمام أمحد بن حنبل عن هذا التوحيد كما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬ورود هذه األمساء والصفات يف الكتاب والسنة‪ .‬فال يثبت هلل تعاىل شيء منها إال ما أثبته يف‬

‫كتابه أو ما أثبت له رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ويرجع ذلك إىل أن أمساء هللا وصفاته توقيفية‬

‫أي ال يثبت منها إال ما ورد يف الشرع فحسب‪.‬‬

‫‪ .2‬إفراد هللا تعاىل يف معاين ما ثبت له من األمساء والصفات خبواص ختلف عن اخلواص اليت متييز هبا‬

‫املخلوق عن اخلالق فيما له من األمساء والصفات يعين امساء هللا تعاىل وصفاته التشبيه شيئا من‬

‫املخلوقني وصفاهتم‪ .‬فكل من املخلوق واخلالق فإن اشرتك يف اللفظ الكلي فال اشرتاك بينهما يف‬
‫‪67‬‬
‫خواص وكيفيات األمساء والصفات اليت تقوم بكل منها‪.‬‬

‫ونستطيع أن أنخذ النتيجة يف أتسيس إثبات الصفات اإلهلية عند السلف على أنه الخيرج من‬

‫الكتاب والسنة ومها مصدر اإلثبات والنفي‪ ،‬ولذلك مل يستن ّد يف إثبات األمساء والصفات إىل جمرد العقل‬

‫ومل خيرج من النص‪ .‬فكل ما أثبت هللا لنفسه من اسم وصفة وما أثبت له رسوله فإنه يثبت ذلك ويعتقده‬

‫‪66‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم بن تيمية‪ ،‬الرسالة التدمرية‪( ،‬القاهرة املطبعة ‪:‬السلفي‪ 1400 ،‬ه)‪ ،‬ص‪.4 .‬‬

‫‪17‬‬
‫‪68‬‬ ‫بال حتريف وال تشبيه وال زايدة وال نقصان‪ .‬ودليله قوله تعاىل (لأيس أك رمثلر ره أشيء وهو الس رميع الب ر‬
‫صريج)‪.‬‬ ‫ج أ‬ ‫أجأ‬ ‫أ‬
‫وألجل ذلك قال اإلمام أمحد بن حنبل‪" :‬هذا احلديث نرويها كمل جائت"‪ ،‬وقال أيضا‪" :‬من صفات‬
‫‪69‬‬
‫املؤمن إرجاء ما غاب عنه من األمور إىل هللا كما جائت األحاديث"‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬وجه النقدي‬

‫أن أهل السنة واجلماعة ومنهم اإلمام أمحد بن حنبل قد يردون ردا قطعية من فهم خلق القران‬

‫لذيه اجلريية واملعنتزلة‪ .‬والرد على حجتهم فيا يلي‪:‬‬

‫‪( .1‬هللاج أخالر جق جك رّل أشيء)‪ 70‬اآلية تدل بعمومها على حدوث القرآن‪ ،‬وأنه تعاىل خلقه‪ 71.‬فجواب على‬

‫ذالك‪ ،‬أوال‪ :‬إذ اذخلوا كالم هللا يف عمومها‪ ،‬مع أنه صفة من صفاته‪ ،‬به تكون األشياء املخلوقة‪ ،‬إذ‬

‫أبمره تكون املخلوقات‪ ،‬وطرد ابطلهم‪ :‬أن تكون مجيع صفاته تعاىل خملوقة‪ ،‬كالعلم والقدرة‪ ،‬وغريمها‬

‫وذلك صريح‪ .‬اثنيا‪ :‬مراد من قول تعاىل خالق كل شيء‪ ،‬أي كل شيء خملوق‪ ،‬وكل موجود سوى‬

‫هللا فهو خملوق‪ ،‬ودخل يف هذا العموم أفعال العباد حتما‪ ،‬ومل يدخل يف العموم اخلالق تعاىل‪ ،‬وصفاته‬
‫‪72‬‬
‫ليس غريه‪ ،‬ألنه سبحانه وتعاىل هو املوصوف بصفات الكمال‪ ،‬وصفاته مالزمة لذالك املقدسة‪.‬‬

‫عبد العزيز السيلي‪ ،‬العقيدة السلفية بني اإلمام أمحد بن حنبل واإلمام ابن تيمية‪( ،‬دار املنار‪ :‬القاهرة‪ 1993 ،‬م)‪،‬‬ ‫‪68‬‬

‫ص‪.176.‬‬
‫‪ 69‬أبو الفرج ابن اجلوزي‪ ،‬مناقب اإلمام أمحد بن حنبل‪( ،‬اسكندرية ‪:‬دار ابن خلدون‪ 2016 ،‬م)‪ ،‬ص‪.155 .‬‬
‫‪ 70‬سورة الرعد‪ ،‬آية ‪.16‬‬
‫‪ 71‬القاضي عبد اجلبار‪ ،‬املغين يف أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬ص‪.94 .‬‬
‫‪ 72‬عبد االخر محاد الغنيمي‪ ،‬املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية‪ ،‬ص‪114 .‬‬

‫‪18‬‬
‫أتولوا اآلية (إران أج أعلنأاهج قجرآانً أعأربريا لأ أعل جكم تأع رقلجو أن)‪ 73‬بتأويل "جعل" مبعىن‬
‫‪ .2‬كان اجلبية واملعتزلة ّ‬
‫"خلق" فكل جمعول هو خملوق‪ 74.‬وقال اإلمام أمحد‪ :‬إذا قال هللا "جعل" على معنأ ر‬
‫ني‪ .‬إما على معىن‬

‫ض أو أج أع أل‬ ‫ر‬ ‫رر ر‬


‫خلق ومعىن غري خلق‪ .‬ومثال معىن "خلق" فاآلية (احلأم جد َّلل الذي أخلأ أق الس أم أاوات أواألأر أ‬
‫ك لرلن ر‬
‫اس إر أم ًاما)‪ 76‬ال‬ ‫ال إررين ج ر‬
‫اعلج أ‬ ‫ر‬
‫الظُّلج أمات أوالنُّور)‪ .‬و"جعل" مبعىن غري خلق مثاله قوله تعاىل (قأ أ ّ أ‬
‫‪75‬‬

‫يعين إين خالقك للناس إماما‪ .‬ألن خلق إبراهيم كان متقدما قبل ذلك‪ 77.‬والبيان أيض عن ذلك‪،‬‬

‫فإن "جعل" إذا كان مبعن خلق يتعدى إىل مفعول واحد‪ .‬فإذا تعدى إىل مفعولني مل يكن مبعىن‬
‫‪78‬‬
‫خلق‪.‬‬
‫‪ .3‬مهم كان اجلبية يزعمون أن القرآن جرمسي ر‬
‫بذكر وهو حمدث وكل حمدث خملوق ابإلسناد إىل اآلية ( أما‬ ‫ّأ‬
‫ذكري رن‪ .‬ذكر هللا وذكر نبيه‪.‬‬ ‫‪79‬‬ ‫ر ر ر ر رر‬
‫أييت من ذكر من أرّهبم جحم أدث) قال اإلمام‪ :‬تلك اآلية مجعت بني أ‬
‫وجرى عليهما اسم احلدث‪ .‬وذكر النيب إذا انفرد وقع عليه اسم اخللق وكان أوىل ابحلدث من ذكر هللا‬

‫‪ 73‬سورة الزخرف‪ ،‬آية ‪.3‬‬


‫‪ 74‬أمحد بن حنبل‪ ،‬الرد على اجلهمية والزاندقة‪ ،‬ص‪.101 .‬‬
‫‪ 75‬سورة األنعام‪ ،‬آية ‪.1‬‬
‫‪ 76‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.124‬‬
‫‪ 77‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.105-102 .‬‬
‫‪ 78‬عبد االخر محاد الغنيمي‪ ،‬املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية‪ ،‬ص‪114 .‬‬
‫‪ 79‬سورة األنبياء‪ ،‬آية ‪.2‬‬
‫‪19‬‬
‫الذي إذا انفرد مل يقع عليه اسم اخللق‪ ،‬وال حدث‪ 80.‬فوجد من هذه اآلية أن النيب ال يعلم فعلّمه‬
‫‪81‬‬ ‫هللا‪ ،‬فلما علمه هللا كان ذلك ر‬
‫حمداث اىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫واإلستنتاج على تلك االستدالالت أن هذه املشكلة تتعلق بصفات هللا‪ .‬والبحث عن الصفات‬

‫متصل ابلتوحيد‪ .‬ولذا فإنه يثبت دائما أن القرآن كالم هللا حقيقة‪ ،‬وكالمه علمه‪ ،‬وعلمه صفاته‪ .‬وال‬
‫‪82‬‬
‫تفصل عن ذات هللا أبدا صفاته وأمسائه‪.‬‬

‫الرتجيح‬

‫حنن نعرف من املناظرة والتعارضة الطويلة والردحة بني أهل السنة واجلماعة وبني اجلبية واملعتزلة‬

‫يف قضية خلق القرآن أن راي اإلمام أمحد بن حنبل من علماء أهل السنة أرجح من رأي اجلبية واملعتزلة‪.‬‬

‫ألن القرآن كالم هللا‪ ،‬وكالمه صفة من صفاته‪ ،‬وال يفصل هللا أبدا من صفاته وأمسائه‪ .‬فمن زعم صفة من‬

‫صفاته خملوقة‪ ،‬فقد جعل املوصوف –هللا سبحانه وتعاىل‪ -‬خملوقا‪ .‬والقرآن كالم هللا غري خملوق بكل جهة‬

‫وعلى كل تصريف‪ .‬وابلرغم هو مقروء ومسموع وحمفوظ ومنظور ومكتوب‪ .‬ألنه ال يستوي بني فعل‬

‫العبد وما قام به يعين القرآن‪.‬‬

‫‪ 80‬قال اإلمام أمحد بن حنبل‪ :‬إن الشيئني إذا اجتمعا يف اسم ُيمعهما فكان أحدمها أعلى من اآلخر‪ .‬إذا جرى عليهما‬
‫اسم مدح‪ ،‬فكان أعالمها أوىل ابملدح‪ .‬وإن جرى عليهما اسم ذم‪ ،‬فأدانمها أوىل به‪.‬‬
‫‪ 81‬أمحد بن حنبل‪ ،‬الرد على اجلهمية والزاندقة‪ ،‬ص‪.125 .‬‬
‫‪ّ 82‬أمل فتح هللا زركشي‪ ،‬دراسة يف علم الكالم‪ ،‬ص‪.224 .‬‬
‫‪20‬‬
‫ردا صرحيا جمشوليّا عليهم‬
‫ردوا ّ‬
‫إن أهل السنة واجلماعة عموما واإلمام أمحد بن حنبل خصوصا قد ّ‬
‫ابلنصوص الدينية مبعانيها العميقة وما وراء املعاين من املفاهيم والدالالت‪ 83.‬والعكس أن استدالل اجلبية‬

‫واملعتزلة ابألدلّة العقلية اليت ال تستن ّد ابألدلة النقلية بتفسري صحيح بل هم يتأولون اآلايت املتشبهات‬
‫‪84‬‬
‫رد السلف هذا‬
‫اليت تتعلق وحقيقة هللا تعاىل وصفاته‪ .‬هذا التأويل يسمى ابلتأويل الكالمي‪ .‬وقد ّ‬
‫‪85‬‬
‫التأويل‪ ،‬ولكنهم يقبلون التأويل الذي يتعلق لفهم الدين ويناسب بظهر اللفظ‪.‬‬

‫اإلستنتاج‬

‫أن املشكلة يف القول خبلق القرآن تتعلّق بصفات هللا‪ .‬واختلف أهل السنة واجلماعة عن اجلريية‬

‫لكن اإلمام أمحد بن‬


‫واملعتزلة يف هذه املشكلة‪ .‬إن اجلبية واملعتزلة قد أ ّكدوا على أن القرآن خملوق‪ .‬و ّ‬
‫حنبل من علماء أهل السنة واجلماعة قد ّقرر على أن القرآن غري خملوق ألن القرآن كالم هللا‪ ،‬وكالمه‬

‫صفة من صفاته‪ ،‬وصفاته ليست منفصل عنه‪ ،‬وال خملوقة‪ .‬فال ُيوز ألحد أن يبحث خلق الصفات ألن‬

‫‪ 83‬مصطفى حلمي‪ ،‬منهج علماء احلديث والسنة يف أصول الدين‪ ،‬ص‪.124 .‬‬
‫‪ 84‬يف العادة يخذ املتكلمون والفالسفة الدليل النقلي لالستدالل إذا يطابق برءيهم‪ ،‬ولكن ينفون الدليل النقلي إذا خيتلف‬
‫يتأولونه ليطابق بعقلهم‪ .‬هذا ما يسمى ابلتأويل الكالمي‪ .‬انظر‪ :‬عبد الرمحن بن أمحد اإلُيي‪ ،‬املواقف يف‬
‫برءيهم‪ ،‬أو هم يخذونه مث ّ‬
‫علم الكالم‪( ،‬بريوت ‪:‬عامل الكتب‪ ،‬د‪.‬ع)‪ ،‬ص‪.5 .‬‬
‫‪ 85‬فإن لفظ "التأويل" يراد به ثالثة معان‪ :‬أما املعىن األوىل فهو صرف اللفظ عن اإلحتمال الراجح إىل اإلحتمال املرجوح‪،‬‬
‫لدليل يقرتن بذلك‪ .‬وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من املتأخرين يف أتويل نصوص الصفات‪ ،‬وتجرأك أتويله‪ .‬واملعىن الثاين هو مبعين‬
‫التفسري‪ ،‬وهذا هو الغالب على اصطالح املفسرين القرآن‪ ،‬كما يقول ابن جرير وأمثاله من املصنفني يف التفسري‪ ،‬واختلف علماء‬
‫التأويل‪ ،‬وجماهد إمام املفسرين‪ .‬واملعىن الثالث هو احلقيقة اليت يؤّول الكالم إليها‪ .‬فتأويل ما يف القرآن من أخبار املعاد‪ :‬هو ما أخب هللا‬
‫به‪ ،‬فيه ما يكون من القيامة واحلساب واجلزاء‪ ،‬واجلنة والنار وحنو ذلك‪ .‬هو احلقائق املوجودة أنفسها‪ ،‬ال ما يتصور من معانيها يف‬
‫األذهان‪ ،‬ويعب عنه ابللسان‪ .‬وهذا هو التأويل يف لغة القرآن‪ .‬انظر‪ :‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن‬
‫تيمية‪ ،‬جمموعة الفتاوى‪ ،‬ج‪( ،5 .‬مكة ‪:‬مكتبة النهضة احلديثة‪ 1404 ،‬ه)‪ ،‬ص‪.35 .‬‬
‫‪21‬‬
‫الصفات من الذات‪ .‬فمن جعل صفة من صفاته خملوقة‪ ،‬فقد جعل املوصوف –هللا سبحانه وتعاىل‪-‬‬

‫خملوقا‪.‬‬

‫وأما اجلبية واملعتزلة فقد أ ّكدوا أبن القرآن خملوق‪ .‬هم ال يقولون أبن هللا متكلم وكالمه ذاته‪،‬‬

‫خشيةً أن يتساوي كالم هللا عز وجل مع ذاته‪ .‬فيكون هناك قدميان ما يؤدي اىل الشرك‪ .‬وملا كان هللا‬

‫منزها عن الصفات‪ ،‬يف نظر اجلبية واملعتزلة فال بد أن يتفقا على القول خبلق القرآن‪.‬‬
‫تعاىل ّ‬
‫استدل ابلنصوص الدينية بتفسري صحيح‬
‫ّ‬ ‫وأرجح القول هو قول اإلمام أمحد بن حنبل‪ .‬ألنه قد‬

‫وما ورائه من املفاهيم والدالالت‪ .‬والعكس أن استدالل اجلبية واملعتزلة من األدلّة العقلية اليت ال تضيف‬

‫ابألدلة النقلية بتفسري صحيح‪.‬‬

‫قائمة املراجع‬

‫ابن اجلوزي‪ ،‬أبو الفرج‪ 2016 .‬م‪ .‬مناقب اإلمام أمحد بن حنبل‪ .‬اسكندرية ‪:‬دار ابن خلدون‪.‬‬

‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم‪ .1399 .‬أصول التفسري‪.‬‬

‫القاهرة‪ :‬املكتبة السلفية‪.‬‬

‫_____‪ 1400 .‬ه‪ .‬الرسالة التدمرية‪ .‬القاهرة املطبعة ‪:‬السلفي‪.‬‬

‫_____‪ 1404 .‬ه‪ .‬جمموعة الفتاوى‪ .‬ج‪ .5 .‬مكة ‪:‬مكتبة النهضة احلديثة‪.‬‬

‫ابن حنبل‪ ،‬أمحد‪ .2003 .‬الرد على اجلهمية والزاندقة‪ .‬الرايض‪ :‬دار الثبات النشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫عواد‪ .1414 .‬املعتزلة وأصوهلم اخلمسة وموقف أهل السنة منها‪ .‬الرايض‪ :‬مكتبة‬
‫ابن عبد املعتق‪ّ ،‬‬
‫الرشد‪.‬‬

‫ابن منظور‪ .2009 .‬لسان العرب‪ .‬ج‪ .11 .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬د‪.‬ع‪ .‬ابن حنبل ‪:‬حياته وعصره‪ ،‬أراءه وفقهه‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪.‬‬

‫أمني‪ ،‬أمحد‪ .1973 .‬ضحى اإلسالم‪ .‬القاهرة‪ :‬النحضة املصرية‪.‬‬

‫اإلُيي‪ ،‬عبد الرمحن بن أمحد‪ .‬د‪.‬ع‪ .‬املواقف يف علم الكالم‪ .‬بريوت ‪:‬عامل الكتب‪.‬‬

‫البخاري‪ ،‬حممد بن إمساعيل‪1422 ،‬ه‪ .‬صحيح البخاري‪ .‬دمشق‪ :‬دار طوق النجاة‪.‬‬

‫بكر إمساعيل‪ ،‬حممد‪ .1991 .‬دراسة يف علوم القرآن‪ .‬القاهرة‪ :‬دار املنار‪.‬‬

‫اجلرجاين‪ .‬د‪.‬ع‪ .‬معجم املعرفة‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الفضيلة‪.‬‬

‫حلمي‪ ،‬مصطفى‪ .1971 .‬منهج علماء احلديث والسنة يف أصول الدين‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬

‫العلمية‪.‬‬

‫الراجحي‪ ،‬عبد العزيز عبد هللا‪ .1434 .‬شرح أصول السنة لإلمام أمحد بن حنبل‪ .‬الرايض‪ :‬دار‬

‫التوحيد للنشر‪.‬‬

‫زركشي‪ّ ،‬أمل فتح هللا‪ .2016 .‬دراسة يف علم الكالم‪ .‬فونوروكو‪ :‬جامعة دار السالم كوتور للطباعة‬

‫والنشر‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫السيلي‪ ،‬عبد العزيز‪ 1993 .‬م‪ .‬العقيدة السلفية بني اإلمام أمحد بن حنبل واإلمام ابن تيمية‪ .‬دار‬

‫املنار‪ :‬القاهرة‪.‬‬

‫صبحي‪ ،‬أمحد حممود‪ 1980 .‬م‪ .‬يف علم الكالم‪ :‬دراسة فلسفية آلراء القرق اإلسالمية يف أصول‬

‫الدين‪ .‬ج‪ .1.‬بريوت‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬

‫الطريف‪ ،‬عبد العزيز بن مرزوق‪ .2016 .‬اخلراسانية يف شرح عقيدة الرازيني‪ .‬ج‪ .1.‬د‪.‬م‪ :‬مكتبة املنهاج‪.‬‬

‫عبد اجلبار‪ ،‬القاضي‪ .1961 .‬املغين يف أبواب التوحيد والعدل‪ .‬ج‪ .7 .‬القاهرة‪ :‬دار الرتاث‪.‬‬

‫الغنيمي‪ ،‬عبد االخر محاد ‪ .1995 .‬املنحة اإلهلية يف هتديب شرح الطحاوية‪ .‬بريوت‪ :‬دار ابن اجلوزي‬

‫الفيّومي‪ ،‬حممد إبراهيم‪ .‬اخلوارج واملرجئة‪ .2003 .‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪.‬‬

‫الرزاق احلجسني‪ .‬د‪.‬ع‪ .‬اتج العروس من جوهر القاموس‪ .‬د‪.‬م‪ :‬دار‬


‫مرتضى‪ ،‬حممد بن حممد بن عبد ّ‬

‫اهلداية‪.‬‬

‫‪24‬‬

You might also like