Professional Documents
Culture Documents
الحدث
الحدث
تتكون الرواية من جمموعة من العناصر اليت تشكل عند حسن بنائها وتركيب بعضها ببعض عمال حمكما،
واحلدث هو العنصر األهم الذي جتتمع فيه بقية العناصر الفنية من زمان ومكان وشخصيات .لذا الميكن قيام
رواية أو حكاية دون ركيزهتا األساسية املتمثلة يف احلدث.
لغة:
يقول ابن منظور عن احلدث أنه احلديث :نقيض القدمي ،واحلدوث نقيض القدمة ،حدث الشيء حيدث حدوثا
وحداثة ،وأحدث هو فهو حمدث وحديث .وحدث أمر أي وقع واحلدث األمر احلادث املنكر الذي ليس مبعتاد
وال معروف يف السنة ،واستحدثت خربا أي وجدت خربا جديدا .وحدثان الدهر وحوادثه :نوبه ،وما حيدث
منه واحدها حادث ،وكذلك أحداثه واحدها حدث .املالحظ هنا أن احلدث له معاين متعددة تفهم حسب
سياق قوهلا ،فقد يقصد به اجلديد ،الوقوع ،النوائب.
ويقول بطرس البستاين أيضا يف قطر احمليط حدث األمر حيدث حدوثا وقع .واحلدث اإلبداء والغائط واجلمع
أحداث.
يظهر من خالل التعريفات اللغوية السابقة أن معىن لفظة "احلدث" احلايل هو معىن مستجد ،مل يصرح به يف
املعاجم العربية القدمية ،إذ كانت هذه اللفظة حتمل معاين خمتلفة مغايرة ملا هي عليه اليوم ومن معانيها املعجمية
اجلدة ،الوقوع ،مصائب الدهر ،الغائط.
اصطالحا:
تعددت مفاهيم احلدث عند الباحثني والعلماء ،لكنه بأبسط تعريفاته هو اقرتان فعل بزمن ،فهو إذن ذو ركنني:
الفعل والزمن ،ولكي نتمكن من بناء احلدث داخل القصة جيب أن نرتب الفعل (الذي يعين جمموعة من الوقائع
اجلزئية املرتبطة واملنظمة ،على حنو خاص) حبسب توايل صوره يف الزمان .إذن فاحلدث ناتج عن إرتباط زمن
بفعل ،شرط أن يوافق هذا الفعل ترتيب الزمن.
يعرفه لطيف زيتوني أيضا بأنه كل ما يؤدي إىل تغيري أمر أو خلق حركة أو إنتاج شيء ،وميكن حتديد احلدث
يف الرواية بأنه لعبة قوى متواجهة أو متحالفة ،تنطوي على أجزاء تشكل بدورها حاالت خمالفة أو مواجهة بني
الشخصيات.
ومن جانيه يرى مهدي عبيدي يف كتابه مجالية املكان يف ثالثية حنا مينا أن احلدث الروائي ليس متاما كاحلدث
الواقعي ،وذلك ألن الكاتب حني يكتب روايته خيتار من األحداث احلياتية مايراه مناسبا ،كما أنه ينتقي
وحيذف ويضيف من خمزونه الثقايف ومن خياله الفين ،ماجيعل من احلدث الروائي شيئا آخر الجند له مرادفا يف
واقعنا املعاش .ويتم نقل احلدث عن طريق السرد ،فالسرد هو نقل احلادثة من صورهتا الواقعية إىل صورة لغوية
هي الفعل.
وعليه يظهر الفرق بشكل واضح بني احلدث الروائي واحلدث الواقعي ،فاألول مستنبط من الثاين لكن يبقى
حتت تصرف الكاتب يضيف وحيذف ويقدم ويؤخر وينسج خبياله كما يشاء ليصبح احلدث الروائي عنصرا
فريدا من نوعه ال مثيل له يف الواقع.
الرواية من الفنون األدبية احلديثة اليت حظيت بإقبال كبري من املؤلفني والقراء كذلك ،السيما الرواية التارخيية
اليت تنقل أحداثا واقعية تارخيية بنكهة خاصة جتذب انتباه القارئ ،على عكس كتب التاريخ اجلافة اليت ال
تشويق وال حيوية فيها .لكن األحداث املوجودة يف هذا النوع من الروايات ليست تارخيية حمظى بل تتداخل
معها أحداث إفرتاضية يضيفها الكاتب من صنع خياله حتقيقا لغويات فنية ،بناًء على هذا تنقسم األحداث إىل:
األحداث التاريخية :هي األحداث اليت تستمد مادهتا اخلام من التاريخ حيث يتوىل الكاتب مهمة
نقلها فقط دون تغيري أو إضافة ،فتكمن مزيته الوحيدة يف النقل األديب لألحداث.
األحداث اإلفتراضية :هي األحداث املصاحبة لألحداث التارخيية ،تكون مبثابة احملرك هلا ،متنحها
خاصية احلركية والدينامية .وعادة ماتكون قصص حب أو معاناة شخص أو قصة تضحية ،وهي
كلها من خيال الكاتب ال متت للواقع بصلة.
النسق التتابعي :يعد هذا النسق البنائي من األنساق اليت عرفت منذ زمن طويل ،حبيث تقدم
األحداث للسامع بنفس ترتيب وقوعها أي بنفس ترتيبها الزمين .يقوم الكاتب بنقل األحداث
حسب ترتيبها الكرونولوجي دون أي تداخل أو تقدمي أو تأخري ،ليقدم قصة مستقلة التتداخل
مع قصة أخرى .وهبذا يكون النسق التتابعي أيسر األنساق وأكثرها شيوعا خاصة يف الروايات
التارخيية.
النسق التضميني :من األنساق البنائية اليت يعتمدها الكاتب وسيلة لعرض قصته للمتلقي ،وهذا
النسق يقوم على أساس نشوء قصص كثرية يف إطار قصة قصرية واحدة .ويوظف الراوي هذا
اللون من األنساق حماولة منه لسد فراغ داخل العمل السردي من جهة ،وحبثا عن التنوع يف
طريقة العرض القصصي دفعا للملل من جهة أخرى .إذ يضمن املؤلف قصصا ثانوية خيالية يف
القصة الرئيسية وتكون خادمة هلا.
النسق الدائري :ويراد به بداية األحداث من نقطة ما مث تعود يف النهاية إىل نفس النقطة اليت
انطلقت منها .وهذا النسق غالبا ما يأيت نسقا ثانويا إىل جانب أنساق أخرى كالتتابع مثال .وهذا
يعين أن النقطة اليت تنطلق منها أحداث القصة هي نفس النقطة اليت تنتهي عندها يف شكل دائرة.