Professional Documents
Culture Documents
الروابط الحجاجية
الروابط الحجاجية
الحمد هلل الذي هدانا له>>ذا وم>>ا كن>>ا لنهت>>دي ل>>وال أن ه>>دانا هللا
فالحم>>>د هلل حم>>>د الش>>>اكرين والص>>>الة والس>>>الم على س>>>يد
المرس>>لين وعلى آل>>ه وص>>حبه والت>>ابعين وت>>ابعيهم إلى ي>>وم
الدين ،أما بعد :
التمهيد
الروابط الحجاجية
إن من نت>ائج التواص>ل الحاص>ل بين اللغ>ة العربي>ة العدي>د م>ع من اللغ>ات
ظاهرة التأثر حيث أنه>ا أخ>ذت عن ه>ذه اللغ>ات الش>يء الكث>ير ،وق>د ك>ان
للروابط نصيبها ال>وافر من ه>ذا الت>أثير ،فق>د اقتبس كث>ير من أدب>اء اللغ>ة
العربي>>ة أنماط>>ا متنوع>>ة من أدوات الرب>>ط ال>>تي أخ>>ذت موقعه>>ا في اللغ>>ة
العربية كروابط جديدة ،وليس معنى هذا أن تلك الروابط الجديدة دخلت إلى
اللغة العربية بألفاظها األعجمية ،بل منها ما كان ترجمة حرفية ومنها ما تم
تركيبه من لفظين أو أكثر ليؤدي وظيفة في الرب>>ط لم يكن يؤديه>>ا أي منه>>ا
مفردا ومنها ما خرج عن أصل وضعه في االستعمال إلى وضع آخر جديد
وهكذا استعملت سلسلة الروابط وأصبح لها األداء الفعال التي تحدد االتج>>اه
الحجاجي من األلفاظ والمؤشرات اللغوية باإلضافة إلى الس>>ياق اللغ>>وي ،1
و لما ك>>انت للغ>>ة وظيف>>ة حجاجي>>ة ،وك>>انت التسلس>>الت الخطابي>>ة مح>>ددة
بواس>>طة بني>>ة األق>>وال اللغوي>>ة ،وبواس>>طة العناص>>ر والم>>واد ال>>تي تم
تش>>غيلها ،فق>>د اش>>تملت اللغ>>ات الطبيعي>>ة على مؤش>>رات لغوي>>ة خاص>>ة
بالحجاج ،فاللغة العربية مثال تشتمل على عدد كبير من الروابط الحجاجية
ال>>تي ال يمكن تعريفه>>ا إال باإلحال>>ة على قيمته>>ا الحجاجي>>ة ت>>ذكر من ه>>ذه
_ الضوابط لغة:
الضابط لغة" :الضوابط جمع ضابط وهو مأخوذ من ضبط الشيء يض>>بطه
ضبطا :أي حفظه حفظا بليغا أو جازما ،ومنه قيل :ضبطت البالد ،إذا قمت
بأمرها قياما حازما محافظا عليها" ،3وق>>ال ابن منظ>>ور ":والض>>بط ل>>زوم
الشيء وحبسه وحصره .والضبط اإلتقان واإلحك>>ام" ،4وعن الرواب>>ط في
اللغة ذهبت معظم المعاجم العربية قديما وح>>ديثا إلى مع>>اني الج>>ذر (رب>>ط)
التي دارت حول عدة معان أساسية هي :الشد والثب>>ات والتوثي>>ق العالق>>ة...
5
وتدور كلها حول معنيين أساسيين :الشد والثبات
_ الضوابط اصطالحًا:
ينظر :البعد التداولي والحجاجي في الخطاب القرآني ،قدور عمران ، 2
?https://ketabonline.com/ar/books/107283/read
page=20&part=1#p-107283-20-4
لسان العرب ،محمد بن مكرم بن على ،أبو الفضل ،جمال الدين ابن 4
القواعد ،تقي الدين الحصني ،مكتبة الرشد ،د.ط ،د.ت ،ج/١ص٢٤ 7
غمز عيون البصائر في شرح االشباه والنظائر ،شهاب الدين الحسيني 8
لسان العرب ،محمد بن مكرم بن على ،أبو الفضل ،جمال الدين ابن 12
هللا (ت ٥٣٨هـ) ،تحقيق :محمد باسل عيون السود ،دار الكتب العلمية،
بيروت – لبنان ،ط١٩٩٨ ،١م ،ج/١ص١٦٩
تهذيب اللغة ،محمد بن أحمد بن األزهري الهروي ،أبو منصور (ت 14
البيان والتبيين ،أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ ،تحقيق :عبد السالم 16
ينظر :صحيح البخاري ،أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاري 18
الجعفي ،تحقيق :د ، .مصطفى ديب البغا ،دار ابن كثير ،دار اليمامة ،
دمشق ،ط١٩٩٣ ،٥م ،ج/٤ص١٧٠٢
ينظر :التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من 19
جامع البيان عن تأويل آي القرآن أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( 24
٣١٠ – ٢٢٤هـ) ،تحقيق :د عبد هللا بن عبد المحسن التركي ،دار هجر
للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن ،ط٢٠٠١ ،١م ،ج/١٣ص٣٧٠
لقد اختلف علماء العد في عدد آي السورة الكريمة على ثالثة أقوال :
القول األول :أنها خمس وسبعون آية ،عند أهل الكوفة .
القول الثاني :أنها ست وسبعون ،عند أهل الحجاز والبصرة .
26
القول الثالث :أنها سبع وسبعون آية ،عند أهل الشام
_ تناسب بداية السورة مع خاتمتها :
يقول اإلمام الزركشي في كتابه ( البرهان في علوم القرآن ) " :إن ترتيب
الس>>ور ت>>وقيفي ،وان>>ك إذا اعت>>برت افتت>>اح ك>>ل س>>ورة وجدت>>ه في غاي>>ة
المناسبة لما ختم به السورة قبلها " ،27وعندما نتأم>>ل س>>ورة األنف>>ال وننعم
النظر في بدايتها ونهايتها ،نجد أنها تبدأ بإصالح ذات ال>>بين لقول>>ه تع>>الى:
{ َو َأْص ِلُحوا َذ اَت َب ْي ِنُك ْم ۖ } ،28وذات ال>بين أي م>ا بين الق>وم أو الن>اس من قراب>ة
وصلة ومودة ،أو عدواة وبغضاء .
وختام السورة في قوله تعالىَ {:و ُأْو ُلوْا اَألْر َح اِم َب ْع ُض ُهْم َأْو َلى ِبَب ْع ٍض }، 29
وليس غريب ذلك على أحد ما بين أولى األرحام من قرابة وصلة فالخاتم>>ة
جيدة ومتناسقة مع سياق اآليات كما هو الشأن في كل القرآن الكريم.
ينظر :البداية والنهاية ،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي 25
ينظر :الحجاج مفهومه ومجاالته ،حافظ اسماعيل العلوي وآخرون ، 31
أحمد محمد الخراط ،مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق ،د.ط ،د.ت،
ص.١٥٣
معاني الحروف ،علي بن عيسى بن علي بن عبد هللا ،أبو الحسن 33
٢٠٠٦م ،ص٣٠
سورة الفرقان ،آية٤٤: 35
هؤالء المشركين يسمعون ما تقول لهم سماع قبول ،أو يعقل>>ون م>>ا ت>>ورده
عليهم من الحجج والبراهين الدالة على الوحدانية فتهتم بش>>أنهم وتطم>>ع في
إيمانهم (إال كاألنعام بل هم أضل سبيال) انتقال في صفة حالهم إلى ما ه>>و
أش>>د من ح>>ال األنع>>ام بأن>>ه أض>>ل س>>بيال ،وض>>الل الس>>بيل ع>>دم االهت>>داء
للمقصود ألن األنعام تفقه بعض ما تسمعه من أصوات الزجر ونحوه>>ا من
رعاته>>ا وس>>ائقيها وه>>ؤالء ال يفقه>>ون ش>>يئا من أص>>وات مرش>>دهم وه>>و
الرسول عليه الصالة والسالم وهذا كقوله تعالى ( :فهي كالحج>>ارة أو أش>>د
قسوة وأن من الحجارة لما يتفجر من>>ه األنه>>ار) ،36ونحن نج>>د أن الحج>>ة
الواقعة قبل بل هي الحجه االولى (هم كاألنعام والحجة الواقعة بعد بل هي
الحجة الثانية (هم أضل سبيال) فهي األق>>وى ،فهن>>ا الراب>>ط الحج>>اجي رب>>ط
بين الحج>>تين االولى والثاني>>ة بغ>>رض الوص>>ول إلى النتيج>>ة وهي ( ع>>دم
االهتداء).
_٢الرابط الحجاجي (لكن ) :
من حروف االستدراك ،ومعنى االستدراك أن تنسب حكما الس>>مها يخ>>الف
المحكوم عليه قبلها ،كأنك لما أخبرت عن األول بخبر خفت أن يت>>وهم من
الثاني مثل ذلك ،فتداركت بخبره إن س>>لبا وإن إيجاب>>ا ،ول>>ذلك ال يك>>ون اال
بعد كالم ملفوظ به أو مقدر ...وال تقع لكن إال بين متناقض>>ين بوج>>ه م>>ا ،
ولكن تفيد االستدراك لتوسطها بين كالمين متغايرين نفيا وإيجابا ،فس>>تدرك
به>>ا النفي باإليج>>اب ،وااليج>>اب ب>>النفي والتغ>>اير في المع>>نى بمنزلت>>ه في
اللغة ، 37وتعد لكن من الرواب>>ط الحجاجي>>ة ال>>تي تظه>>ر الق>>وة الحجاجي>>ة
ألطروح>>ة على أخ>>رى إذ يق>>ع بين الحج>>ة و ض>>د النتيج>>ة ،وكم>>ا يص>>لح
للحجاج تقديم معلومات على أساس أنها حجج ،ولقد ورد الراب>>ط الحج>>اجي
ينظر :التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من 36
،ولقد جاء في تفسير هذه اآلي>>ة " إذ ي>>ريكهم هللا " ب>>دل من قول>>ه " إذ أنتم
بالعدوة الدنيا " فإن هذه الرؤيا مما اشتمل عليه زمان كونهم بالع>>دوة ال>>دنيا
لوقوعها في مدة نزول المس>>لمين بالع>>دوة من ب>>در ،والمن>>ام مص>>در ميمي
بمعنى النوم ويطلق على زمن النوم وعلى مكانه ويتعلق قوله " في منامك"
بفع>>ل " ي>>ريكهم " ف>>اإلراءة إراءة رؤي>>ا وأس>>ندت إلى هللا تع>>الى ألن رؤي>>ا
النبي -صلى هللا عليه وسلم – وحي بمدلولها كما دل عليه قوله تعالى وق>>د
رأى الرسول صلى هللا علي>>ه وس>>لم رؤي>>ا من>>ام جيش المش>>ركين قليال دلت
على نصره وقد حكاها للمسلمين وهم يعلمون أن رؤيا الن>>بي لم تخطئ لكن
أوهمهم الع>>دد ،فمع>>نى قول>>ه تع>>الى " ول>>و أراكهم كث>>يرا لفش>>لتم " أي ل>>و
أراكهم رؤي>>ا مماثل>>ة للحال>>ة ال>>تي تبص>>رها األعين ل>>دخل قل>>وب المس>>لمين
الفشل وكان االستدراك في قوله ( ولكن هللا سلم ) راجع إلى ما في جمل>>ة (
لو أراكهم كثيرا ) من اإلش>عار ب>>أن الع>>دو كث>>ير في نفس األم>>ر ،ووض>>ع
الظ>>اهر موض>>ع المض>>مر في قول>>ه ( لكن هللا س>>لم ) دون أن يق>>ول ولكن>>ه
سلم ،القصد زيادة إسناد ذلك إلى هللا وأنه بعنايته واهتمامه به>>ذا الح>>ادث ،
وجملة ( إنه عليم بذات الصدور ) تذييل للمن>>ة أي أوحى إلى رس>>وله بتل>>ك
الرؤي>>>ا الرمزي>>>ة لعلم>>>ه بم>>>ا في الص>>>دور البش>>>رية من ت>>>أثر النف>>>وس
بالمشاهدات ، 39وان الرابط الحجاحي "لكن" أظهر القوة الحجاجي>>ة لحج>>ة
عن حجة أخرى ،حيث أن الحجة الثانية {هللا سلم}أق>وى من الحج>ة االولى
{ أراكم كث>>يرا } ألن الحج>>ة االولى ج>>اءت قب>>ل ( لكن ) و الحج>>ة الثاني>>ة
أقوى وتوجه القول محمله إلى النتيج>>ة { ق>>ويت قل>>وبهم } وبت>>الي الراب>>ط
لكن أظهر القوة الحجاجية للحجة الثانية عن الحجة األولى .
سورة األنفال ،آية ٤٣ : 38
ينظر :التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من 39
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،عبد الرحمن بن ناصر بن 41
عبد هللا ابن يوسف ،أبو محمد ،جمال الدين ،ابن هشام (ت ٧٦١هـ)،
تحقيق :د .مازن المبارك /محمد علي حمد هللا ،دار الفكر ،دمشق ،ط،٦
١٩٨٥م٤٦٣ ،
وقد ورد هذا الرابط الحجاجي (الواو) في م>>واطن ع>>دة من س>>ورة االنف>>ال
ومن ذلك قوله تعالىِ {:إْذ ُيَغ ِّش يُك ُم الُّن َع اَس َأَم َن ًة ِّم ْن ُه َو ُيَن ِّز ُل َع َلْي ُك م ِّمن الَّس َم اء
َم اء ِّلُيَط ِّه َر ُك م ِبِه َو ُيْذ ِهَب َع نُك ْم ِر ْج َز الَّش ْي َط اِن َو ِلَي ْر ِبَط َع َلى ُقُلوِبُك ْم َو ُيَث ِّب َت ِبِه
اَألْق َداَم } 43حيث جاء في تفسير هذه اآلية الكريمة:ومن نص>>>ره واس>>تجابته
ل>>دعائكم أن أن>>زل عليكم نعاس>>ا ُيَغ ِّش يُك ُم [أي] في>>ذهب م>>ا في قل>>وبكم من
الخوف والوجل ،ويكون َأَم َن ًة لكم وعالم>ة على النص>ر والطمأنين>ة ،ومن
ذلك :أنه أنزل عليكم من الس>>ماء مط>>را ليطه>>ركم ب>>ه من الح>>دث والخبث،
وليطهركم ب>ه من وس>اوس الش>يطان ورج>زه ( َو ِلَي ْر ِب َط َع َلى ُقُل وِبُك ْم ) أي:
يثبتها فإن ثبات القلب ،أص>>ل ثب>>ات الب>>دنَ ،و ُيَث ِّب َت ِب ِه األْق َداَم ف>>إن األرض
44
كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر تلبدت ،وثبتت به األقدام
وق>>د رب>>ط الراب>>ط (ال>>واو ) بين حج>>تين حيث رب>>ط الحج>>ه االولى ( ِإْذ
ُيَغ ِّش يُك ُم الُّن َع اَس َأَم َن ًة ِّم ْن ُه) و الحجة الثاني>>ة (َو ُيَن ِّز ُل َع َلْي ُك م ِّمن الَّس َم اء َم اء)
والنتيجة ( ِّلُيَط ِّه َر ُك م ِبِه َو ُي ْذ ِهَب َع نُك ْم ِر ْج َز الَّش ْي َط اِن َو ِلَي ْر ِب َط َع َلى ُقُل وِبُك ْم
َو ُيَث ِّب َت ِبِه اَألْق َداَم )
ينظر :جامع البيان عن تأويل آي القرآن أبو جعفر محمد بن جرير 44
الطبري ( ٣١٠ – ٢٢٤هـ) ،تحقيق :د عبد هللا بن عبد المحسن التركي،