You are on page 1of 19

‫الجامعة المستنصرية‬

‫كلية التربية‪ /‬قسم اللغة العربية‬

‫الروابط الحجاجية في سورة االنفال‬


‫بحث مقدم من الطالبة ‪:‬‬
‫نور حارث ناصر‬
‫بإشراف‪:‬‬
‫احمد بطل‬
‫االهداء‬
‫الى‬
‫_ من وضع المولى سبحانه وتعالى الجنة تحت أقدامها‬
‫ووقرها في كتابه العزيز (أمي الغالية)‬
‫_ (اصدقائي ) الذين اشهد لهم بأنهم كانوا نعم االصدقاء‬
‫في كل االمور‬
‫_ (أساتذتي ) وكل من قدم لي يد العون إلكمال هذا البحث‬
‫_ كل من يفرح لفرحي ويسعد لنجاحي اهدي بحثي هذا‬
‫اهدي بحثي المتواضع هذا‬
‫الشكر والتقدير‬
‫الحمد هلل الذي أنار لنا درب العلم والمعرفة واعاننا على أداء‬
‫هذا الواجب ووفقنا إلى إنجاز هذا العم>>ل وان>>ا اتق>>دم بخ>>الص‬
‫الشكر والتقدير واالمتنان إلى كل من ساعدني على إتمام ه>>ذا‬
‫العمل واخص بالذكر الدكتور المشرف على ه>>ذا البحث ( د‪.‬‬
‫أحمد بطل ) على ما قدمه لي من نصائح وتوجيهات ط>>ول‬
‫فترة إنجاز هذا البحث ‪.‬‬
‫ِبْس ِم الَّلـِه الَّر ْح َم ٰـ ِن الَّر ِحيِم‬

‫"َو َم ا ُأوِتيُتْم ِمْن اْلِع ْلِم ِإَّال َقِليًال"‬

‫صدق هللا العظيم‬


‫[سورة االسراء‪ ،‬اآلية‪]٨٥ :‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد هلل الذي هدانا له>>ذا وم>>ا كن>>ا لنهت>>دي ل>>وال أن ه>>دانا هللا‬
‫فالحم>>>د هلل حم>>>د الش>>>اكرين والص>>>الة والس>>>الم على س>>>يد‬
‫المرس>>لين وعلى آل>>ه وص>>حبه والت>>ابعين وت>>ابعيهم إلى ي>>وم‬
‫الدين‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫التمهيد‬
‫الروابط الحجاجية‬
‫إن من نت>ائج التواص>ل الحاص>ل بين اللغ>ة العربي>ة العدي>د م>ع من اللغ>ات‬
‫ظاهرة التأثر حيث أنه>ا أخ>ذت عن ه>ذه اللغ>ات الش>يء الكث>ير‪ ،‬وق>د ك>ان‬
‫للروابط نصيبها ال>وافر من ه>ذا الت>أثير ‪ ،‬فق>د اقتبس كث>ير من أدب>اء اللغ>ة‬
‫العربي>>ة أنماط>>ا متنوع>>ة من أدوات الرب>>ط ال>>تي أخ>>ذت موقعه>>ا في اللغ>>ة‬
‫العربية كروابط جديدة‪ ،‬وليس معنى هذا أن تلك الروابط الجديدة دخلت إلى‬
‫اللغة العربية بألفاظها األعجمية‪ ،‬بل منها ما كان ترجمة حرفية ومنها ما تم‬
‫تركيبه من لفظين أو أكثر ليؤدي وظيفة في الرب>>ط لم يكن يؤديه>>ا أي منه>>ا‬
‫مفردا ومنها ما خرج عن أصل وضعه في االستعمال إلى وضع آخر جديد‬
‫وهكذا استعملت سلسلة الروابط وأصبح لها األداء الفعال التي تحدد االتج>>اه‬
‫الحجاجي من األلفاظ والمؤشرات اللغوية باإلضافة إلى الس>>ياق اللغ>>وي ‪،1‬‬
‫و لما ك>>انت للغ>>ة وظيف>>ة حجاجي>>ة ‪ ،‬وك>>انت التسلس>>الت الخطابي>>ة مح>>ددة‬
‫بواس>>طة بني>>ة األق>>وال اللغوي>>ة ‪ ،‬وبواس>>طة العناص>>ر والم>>واد ال>>تي تم‬
‫تش>>غيلها ‪ ،‬فق>>د اش>>تملت اللغ>>ات الطبيعي>>ة على مؤش>>رات لغوي>>ة خاص>>ة‬
‫بالحجاج ‪ ،‬فاللغة العربية مثال تشتمل على عدد كبير من الروابط الحجاجية‬
‫ال>>تي ال يمكن تعريفه>>ا إال باإلحال>>ة على قيمته>>ا الحجاجي>>ة ت>>ذكر من ه>>ذه‬

‫ينظر‪:‬الضوابط في الكتابة العربية الحديثة ‪ -‬دراسة تطبيقية –‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(أطروحة دكتوراه) ‪ ،‬غازي فتحي محمد سليم ‪ ،،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬محمد‬


‫العبد ‪،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪ ،‬قسم اللغة العربية وأدائها ‪،‬‬
‫القاهرة ‪٢٠٠٠ ،‬م‪ ،‬ص‪٣٤٣‬‬
‫األدوات ‪( :‬لكن ‪ ،‬ب>>ل ‪ ،‬إذن ‪ ،‬ح>>تى ‪ ،‬الس>>يما ‪ ،‬إذ ‪ ،‬بم>>ا أن ‪ ،‬الن ‪ ،‬م>>ع‬
‫‪2‬‬
‫ذلك‪ ،‬تقريبا‪ ،‬ما إال ‪ )...‬وكل رابط من الروابط يؤدي وظيفة خاصة‬

‫_ الضوابط لغة‪:‬‬
‫الضابط لغة‪" :‬الضوابط جمع ضابط وهو مأخوذ من ضبط الشيء يض>>بطه‬
‫ضبطا‪ :‬أي حفظه حفظا بليغا أو جازما‪ ،‬ومنه قيل‪ :‬ضبطت البالد‪ ،‬إذا قمت‬
‫بأمرها قياما حازما محافظا عليها"‪ ،3‬وق>>ال ابن منظ>>ور‪ ":‬والض>>بط ل>>زوم‬
‫الشيء وحبسه وحصره‪ .‬والضبط اإلتقان واإلحك>>ام" ‪ ،4‬وعن الرواب>>ط في‬
‫اللغة ذهبت معظم المعاجم العربية قديما وح>>ديثا إلى مع>>اني الج>>ذر (رب>>ط)‬
‫التي دارت حول عدة معان أساسية هي‪ :‬الشد والثب>>ات والتوثي>>ق العالق>>ة‪...‬‬
‫‪5‬‬
‫وتدور كلها حول معنيين أساسيين‪ :‬الشد والثبات‬
‫_ الضوابط اصطالحًا‪:‬‬

‫ينظر‪ :‬البعد التداولي والحجاجي في الخطاب القرآني ‪ ،‬قدور عمران ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫عالم الكتب الحديث ‪ ،‬األردن ‪ ،‬ط‪ ،٢٠١٢ ،١‬ص ‪٣٥‬‬


‫الضوابط الفقهية في خيار المجلس والشرط والتدليس والغبن ‪ -‬المجلد ‪1‬‬ ‫‪3‬‬

‫– الصفحة ‪ – 19‬جامع الكتب اإلسالمية‬

‫?‪https://ketabonline.com/ar/books/107283/read‬‬
‫‪page=20&part=1#p-107283-20-4‬‬
‫لسان العرب ‪،‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن‬ ‫‪4‬‬

‫منظور األنصاري الرويفعى اإلفريقى (ت ‪٧١١‬هـ)‪ ،‬الحواشي‪ :‬لليازجي‬


‫وجماعة من اللغويين‪ ،‬دار صادر – بيروت‪ ،‬ط‪١٤١٤ ،٣‬هـ‪( ،‬مادة ‪:‬‬
‫ضبط )‪ ،‬ج‪/٢‬ص‪٥٠٩‬‬
‫ينظر‪ :‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬محمد سمير نجيب مؤسسة‬ ‫‪5‬‬

‫الرسالة ‪ ،‬بيروت ط‪١٩٨٥ ،١‬م‪ ،‬ص‪٩٠‬‬


‫وقيل‪ :‬هو "ما انتظم صورًا متشابهة في موضوع واحد " ‪ ،6‬وأن الض>>ابط‬
‫أخُّص من القاعدة‪ ،‬فعَّر فه أصحاب هذا االتجاه بأنه "أمر ُك ِّلي يختص بب>>اب‬
‫واحد‪ ،‬ويُقصد به نظم صور متشابهة"‪ 7‬وه>و الغ>الب والمش>هور في تعريف>ه‪،‬‬
‫وقيل أن الضابط أعُّم من القاعدة‪ ،‬ولم أجد من قال به إال أن أحمد الحم>>وي‬
‫نس>>به إلى بعض المحققين‪ ،‬فق>>ال‪" :‬في عب>>ارة بعض المحققين م>>ا نص>>ه‪:‬‬
‫ورسموا الضابطة بأنها أمر كلي ينطبق على جزئياته لتعرف أحكامها منه‪،‬‬
‫قال‪ :‬وهي أعم من القاعدة‪ ،‬ومن ثم َر َس ُموها بأنها صورة كلية يتعرف منها‬
‫أحكام جميع جزئياتها" ‪ 8‬وهناك من ذهب إلى أن " الرابط عند النح>>اة ه>>و‬
‫ما يربط أحد المتصاحبين باآلخر‪ ،‬مثل الهاء في ‪ :‬عمر قام غالم>>ه و الف>>اء‬
‫في‪ :‬من أحس>>>ن فلنفس>>>ه"‪ ، 9‬وق>>>د ج>>>اء في معجم المص>>>طلحات النحوي>>>ة‬
‫والصرفية ‪ " :‬أنه العالقة التي تصل شيئين ببعضهما البعض ‪ ،‬وتعنى كون‬
‫الالحق منهما متعلقا بسابقه "‪ 10‬أما الرابط فهو مورفيم من صنف الرواب>>>ط‬
‫(حروف العطف ‪ ،‬الظ>>روف ) يرب>>ط بين وح>>دتين داللي>>تين أو أك>>ثر ‪ ،‬في‬
‫‪11‬‬
‫إطار استراتيجية حجاجية واحدة‬
‫_ الحجاج لغة‪:‬‬
‫تكاد تجمع المعاجم اللغوية العربية األساس>>ية في تعريفه>>ا للحج>>اج على م>>ا‬
‫ج>>اء في لس>>ان الع>>رب البن منظ>>ور حيث ق>>ال ‪ ":‬يق>>ال‪ :‬حاججت>>ه أحاج>>ه‬
‫حجاجا ومحاجة حتى حججته أي غلبته بالحجج ال>>تي أدليت به>>ا؛ والحج>>ة‪:‬‬
‫البرهان؛ وقيل‪ :‬الحجة ما دوفع به الخصم"‪ ، 12‬وق>ال الزمخش>ري في أس>اس‬
‫البالغة عن الحج>>اج ‪ ":‬إحتج على خص>>مه بحج>>ة ش>>هباء‪ ،‬وبحجج ش>>هب‪،‬‬

‫االشباه والنظائر ‪ ،‬البن السبكي ‪ ،‬ج‪/١‬ص‪١١‬‬ ‫‪6‬‬

‫القواعد ‪ ،‬تقي الدين الحصني ‪ ،‬مكتبة الرشد ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪/١‬ص‪٢٤‬‬ ‫‪7‬‬

‫غمز عيون البصائر في شرح االشباه والنظائر ‪ ،‬شهاب الدين الحسيني‬ ‫‪8‬‬

‫الحموي الحنفي ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪١٩٨٠ ،١‬م‪ ،‬ج‪/٢‬ص‪٥‬‬


‫الهادي الى لغة العرب‪ ،‬حسن سعيد الكرمي ‪ ،‬دار لبنان للطباعة والنشر‪،‬‬ ‫‪9‬‬

‫بيروت ‪ ،‬ط ‪ ١٩٩١ ، ١‬م‪ ،‬ج ‪/٢‬ص‪١٢١‬‬


‫معجم المصطلحات النحوية والصرفية ‪ ،‬محمد سمير نحيب ‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪10‬‬

‫الرسالة دار الفرقان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪٩٥‬‬


‫ينظر‪ :‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪٩٦‬‬ ‫‪11‬‬
‫وح>>اج خص>>مه فحج>>ه‪ ،‬وفالن خص>>مه محج>>وج‪ ،‬وفالن تحج>>ه الرف>>اق أي‬
‫تقصده" ‪ ،13‬وقال األزهري في تعري>>ف الحج>>اج ‪ ":‬الحج>>ة‪ :‬الوج>>ه ال>>ذي‬
‫يك>>ون ب>>ه الظف>>ر عن>>د الخص>>ومة‪ ،‬وجمعه>>ا حجج"‪ ،14‬نس>>تنتج من خالل‬
‫التعاريف اللغوية أن معاني الجذر اللغوي لكلمة حجاج (ح ‪ .‬ج‪ .‬ج ) ت>>دور‬
‫حول المجادلة بسبب خالف الوجهة أو م>ا ش>ابه‪ ،‬ومن>ه ال>>دليل على ال>>رأي‬
‫المرغوب إثباته‬
‫_ الحجاج اصطالحًا‪:‬‬
‫لقد اندرج الحجاج ق>ديما في م>ا يس>مى بالخطاب>ة والبالغ>ة ‪ ،‬وفن االقن>اع‪،‬‬
‫وكث>>يرا م>>ا ورد في الثق>>افتين الغربي>>ة و العربي>>ة بتس>>ميات مختلف>>ة بمع>>نى‬
‫الجدل‪ ،‬و التناظر وما إلى ذلك ‪ ،‬وقيل في تعريف>>ه ‪":‬إن الحج>>اج ه>>و تق>>ديم‬
‫الحجج واألدل>>ة المؤدي>>ة إلى نتيج>>ة معين>>ة ويتمث>>ل في إنج>>از تسلس>>الت‬
‫اس>تنتاجية داخ>>ل الخط>اب بعض>>ها بمثاب>ة الحجج اللغوي>ة وبعض>>ها اآلخ>>ر‬
‫بمثابة النتائج التي تستخلص منها "‪ ،15‬أما الجاحظ فقد كان عن>>ده الحج>>اج‬
‫بمع>>نى ( البي>>ان)‪ ،‬وه>>ذا م>>ا نج>>ده في كت>>اب( البي>>ان والتب>>يين) فق>>د تن>>اول‬
‫الجاحظ فصوال كثيرة فيم>ا يتعل>>ق بالحج>>اج‪ ،‬ففي الفص>>ل ال>>ذي تن>اول في>ه‬
‫البالغة‪ ،‬حاول إيضاح هذا المفهوم باالستش>>هاد بص>>حيفة تنتمي إلى الثقاف>>ة‬
‫الهندية إذ يقول‪" :‬أول البالغة اجتماع آلة البالغة وذل>>ك أن يك>>ون الخطيب‬
‫رابط الجأش ساكن الجوارح قليل اللح>>ظ متح>>يز اللف>>ظ‪ ،‬ال يكلم س>>يد األم>>ة‬

‫لسان العرب ‪،‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن‬ ‫‪12‬‬

‫منظور األنصاري الرويفعى اإلفريقى (ت ‪٧١١‬هـ)‪ ،‬الحواشي‪ :‬لليازجي‬


‫وجماعة من اللغويين‪ ،‬ج‪/٢‬ص‪٢٢٨‬‬
‫أساس البالغة‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري جار‬ ‫‪13‬‬

‫هللا (ت ‪٥٣٨‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪١٩٩٨ ،١‬م‪ ،‬ج‪/١‬ص‪١٦٩‬‬
‫تهذيب اللغة‪ ،‬محمد بن أحمد بن األزهري الهروي‪ ،‬أبو منصور (ت‬ ‫‪14‬‬

‫‪٣٧٠‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوض مرعب‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –‬


‫بيروت‪ ،‬ط‪٢٠٠١ ،١‬م‪ ،‬ج‪/٣‬ص‪٢٥١‬‬
‫اللغة والحجاج‪ ،‬أبو بكر العزاوي العمدة في الطبع‪ ،‬درب سيدنا الدار‬ ‫‪15‬‬

‫البيضاء ‪ ، ٢٠٠٦ ،‬ص ‪١٦‬‬


‫وال المل>>>وك بكالم الس>>>وقة‪ ،‬ويك>>>ون في ق>>>واه فض>>>ل التص>>>رف في ك>>>ل‬
‫‪16‬‬
‫طبقة ‪"....‬‬
‫_ التعريف بسورة األنفال‬
‫_ اسمها ووقت نزولها ‪:‬‬
‫س>ميت س>ورة األنف>ال ألن>ه ورد لف>ظ (األنف>ال) في أول الس>ورة في قول>ه‪:‬‬
‫{ َي ْس َأُلوَن َك َع ِن اَأْلنَفاِل }‪ ،17‬وهذا االسم ه>>و ال>>ذي ع>>رفت ب>>ه الس>>ورة بين‬
‫المس>>لمين ‪ ،‬وب>>ه كتبت في المص>>احف حين كتبت أس>>ماء الس>>ورة ‪ ،‬وكتبت‬
‫في كتب التفسير والحديث‪ ،18‬وسميت ه>>ذه الس>>ورة بس>>ورة األنف>>ال ‪ ،‬ألن‬
‫أول آية افتتحت بها ورد فيها اس>م األنف>ال ‪ ،‬ب>ل وتك>رر فيه>ا ‪ ،‬ف>ذكر فيه>ا‬
‫حكم األنفال‪ ،‬ولم يرد لفظ األنفال في غيرها من سور الق>>>رآن الك>>>ريم ‪، 19‬‬
‫كما سميت هذه السورة بسورة (بدر) وقد ذكر ذلك الس>>يوطي في اإلتق>>ان ‪،‬‬
‫واس>>تدل ل>>ه بم>>ا رواه س>>عيد بن جب>>ير ق>>ال ‪ " :‬قلت البن عب>>اس ‪ :‬س>>ورة‬
‫األنفال ؟ قال ‪ :‬تلك سورة بدر" ‪ 20‬وس>ميت بس>ورة ب>در ألنه>ا تن>اولت أح>داث‬
‫ه>>ذه الغ>زوة بالتفص>>يل‪ ،‬كم>ا س>ميت بس>ورة الجه>اد ‪ ،‬لتض>>منها كث>يرًا من‬
‫أحكام الجهاد والغزو والقتال ‪ ،‬ويعد الجهاد الموضوع األساس ال>>ذي ت>>دور‬
‫عليه أكثر آيات السورة الكريمة وكانت قراءتها س>>نه‪ ،‬يقرأه>>ا رس>>ول هللا ‪-‬‬

‫البيان والتبيين‪ ،‬أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ ‪ ،‬تحقيق ‪:‬عبد السالم‬ ‫‪16‬‬

‫هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪٩٢‬‬


‫سورة األنفال ‪ ،‬آية‪١:‬‬ ‫‪17‬‬

‫ينظر‪ :‬صحيح البخاري ‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاري‬ ‫‪18‬‬

‫الجعفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ ، .‬مصطفى ديب البغا ‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دار اليمامة ‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط‪١٩٩٣ ،٥‬م‪ ،‬ج‪/٤‬ص‪١٧٠٢‬‬
‫ينظر‪ :‬التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من‬ ‫‪19‬‬

‫تفسير الكتاب المجيد)‪ ،‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن‬


‫عاشور التونسي (ت ‪١٣٩٣ :‬هـ)‪ ،‬الدار التونسية للنشر ‪ ،‬تونس‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪١٩٨٤‬م ‪ ،‬ج‪/١٣‬ص‪٣٦٦‬‬
‫الدر المنثور‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي (ت‬ ‫‪20‬‬

‫‪٩١١‬هـ) ‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪/٧‬ص‪٥‬‬


‫صلى هللا عليه وسلم – عند الزحوف ‪ ،‬فعمل الن>>اس ب>>ذلك ‪ ،21‬و " س>>ورة‬
‫األنفال مدنية بدرية"‪ ،22‬فهي من المدني ‪ ،‬ق>>ال ابن عب>>اس ‪ :‬هي مدني>>ة إال‬
‫سبع آيات من قول>>ه تع>>الى { وإذ مك>>ر ب>>ك ال>>ذين كف>>روا } إلى آخ>>ر الس>>بع‬
‫آي>>ات‪ ،23‬وهي بدري>>ة أي أنه>>ا ن>>زلت في ب>>در ‪ ،‬وق>>د أجم>>ع الكث>>ير من‬
‫المفسرين أن وقت نزولها كان في بدر ‪ ،‬قال عبادة بن الصامت رض>>ي هللا‬
‫عنه‪ ":‬نزلت فينا معش>ر أص>حاب ب>در حين اختلفن>ا في النق>ل وس>اءت في>ه‬
‫أخالقنا فنزعه هللا من أيدينا فجعله لرسول هللا صلى هللا علي>>ه وس>>لم فقس>>مه‬
‫‪24‬‬
‫بين المسلمين على السواء"‬
‫_ فضل سورة األنفال ‪:‬‬
‫دلت األدلة الكثيرة على أفضلية بعض السور واآليات ‪ ،‬وس>>ورة األنف>>ال لم‬
‫يثبت في فضلها حديث ص>حيح عن الن>بي ص>لى هللا علي>ه وس>لم ‪ ،‬إال أنه>ا‬
‫ن>>الت ق>>درا من الفض>>ل ال>>ذي أس>>ند لعم>>وم س>>ور الق>>رآن ‪ ،‬باإلض>>افة إلى‬
‫خصائص أخرى منها أنها من السبع الط>>وال ‪ ،‬وأنه>>ا تح>>دثت بإس>>هاب عن‬
‫أهم أحداث يوم بدر الذي سمي بيوم الفرقان وقد سمي هذا اليوم أيض>>ا كم>>ا‬
‫في نص اآلية القرآنية بيوم التقى الجمع>>ان‪ ،‬وغ>>زوة ب>>در هي الغ>>زوة ال>>تي‬
‫نزلت المالئكة تقاتل م>>ع المؤم>>نين ‪ ،‬فحق>>ق هللا لرس>>وله _ ص>>لى هللا علي>>ه‬
‫وآله وصحبه وسلم)نصره ووعده ‪ ،‬و أنها تقرأ في مواطن الحرب والقت>>ال‬
‫‪25‬‬

‫_ عدد آيات سورة األنفال ‪:‬‬


‫ينظر‪ :‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور‪ ،‬إبراهيم بن عمر بن حسن‬ ‫‪21‬‬

‫الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (ت ‪٨٨٥‬هـ)‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪،‬‬


‫القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪/٨‬ص‪٢١٤‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري‬ ‫‪22‬‬

‫القرطبي ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار الكتب المصرية‬


‫– القاهرة‪ ،‬ط‪١٩٦٤ ،٢‬م‪ ،‬ج‪/٧‬ص‪٣٦٠‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪/٧‬ص‪٣٦١‬‬ ‫‪23‬‬

‫جامع البيان عن تأويل آي القرآن أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (‬ ‫‪24‬‬

‫‪ ٣١٠ – ٢٢٤‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د عبد هللا بن عبد المحسن التركي‪ ،‬دار هجر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪٢٠٠١ ،١‬م‪ ،‬ج‪/١٣‬ص‪٣٧٠‬‬
‫لقد اختلف علماء العد في عدد آي السورة الكريمة على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أنها خمس وسبعون آية ‪ ،‬عند أهل الكوفة ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنها ست وسبعون ‪ ،‬عند أهل الحجاز والبصرة ‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أنها سبع وسبعون آية ‪ ،‬عند أهل الشام‬
‫_ تناسب بداية السورة مع خاتمتها ‪:‬‬
‫يقول اإلمام الزركشي في كتابه ( البرهان في علوم القرآن ) ‪ " :‬إن ترتيب‬
‫الس>>ور ت>>وقيفي ‪ ،‬وان>>ك إذا اعت>>برت افتت>>اح ك>>ل س>>ورة وجدت>>ه في غاي>>ة‬
‫المناسبة لما ختم به السورة قبلها "‪ ،27‬وعندما نتأم>>ل س>>ورة األنف>>ال وننعم‬
‫النظر في بدايتها ونهايتها ‪ ،‬نجد أنها تبدأ بإصالح ذات ال>>بين لقول>>ه تع>>الى‪:‬‬
‫{ َو َأْص ِلُحوا َذ اَت َب ْي ِنُك ْم ۖ }‪ ،28‬وذات ال>بين أي م>ا بين الق>وم أو الن>اس من قراب>ة‬
‫وصلة ومودة ‪ ،‬أو عدواة وبغضاء ‪.‬‬
‫وختام السورة في قوله تعالى‪َ {:‬و ُأْو ُلوْا اَألْر َح اِم َب ْع ُض ُهْم َأْو َلى ِبَب ْع ٍض }‪، 29‬‬
‫وليس غريب ذلك على أحد ما بين أولى األرحام من قرابة وصلة فالخاتم>>ة‬
‫جيدة ومتناسقة مع سياق اآليات كما هو الشأن في كل القرآن الكريم‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬ ‫‪25‬‬

‫البصري ثم الدمشقي (ت ‪ ٧٧٤‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا بن عبد المحسن‬


‫التركي‪ ،‬دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪١٩٩٧ ،١‬م‪ ،‬ج‬
‫‪/٧‬ص‪٨‬‬
‫ينظر‪ :‬البيان في عّد آي القرآن‪ ،‬عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو‬ ‫‪26‬‬

‫عمرو الداني (ت‪٤٤٤‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬غانم قدوري الحمد ‪ ،‬مركز‬


‫المخطوطات والتراث ‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪١٩٩٤ ،١‬م‪ ،‬ص‪١٥٨‬‬
‫البرهان في علوم القرآن‪ ،‬أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن‬ ‫‪27‬‬

‫بهادر الزركشي (ت ‪٧٩٤‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار‬


‫إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه‪ ،‬ط‪١٩٥٧ ،١‬م‪ ،‬ص‪٣٨‬‬
‫سورة األنفال ‪ ،‬آية‪١:‬‬ ‫‪28‬‬

‫سورة األنفال ‪ ،‬آية‪٥٧:‬‬ ‫‪29‬‬


‫المبحث األول‬
‫الروابط الحجاجية [ بل _ لكن _ الواو _ الفاء ]‬
‫إن القرآن الكريم كتاب هداية وإصالح‪ ،‬بمعنى أنه يرمي إلى تغي>>ير وض>>ع‬
‫قائم‪ ،‬فإذا كان األمر كذلك كان القرآن حجاجا ال مراء فيه وغرضه األك>>بر‬
‫هو إصالح األمة بأسرها فإصالح كفارها بدعوتهم إلى االيم>>ان‪ ،‬وإص>>الح‬
‫المؤمنين بتقويم أخالقهم وتثبيتهم على هداهم وإرش>>ادهم إلى ط>>رق النج>>اح‬
‫وتزكية نفوسهم ولذلك كانت أغراضه مرتبط>>ة ب>>أحوال المجتم>>ع و ه>>ذا ال‬
‫يعني أن القرآن يدعو إلى ترك الناس سدى ال يهتدون‪ ،‬وإنما س>>بيل الهداي>>ة‬
‫إلى اإليم>>ان يج>>ري على النظ>>ر واالس>>تدالل ‪ ،‬وعلى الحج>>اج الق>>ائم في‬
‫الخطاب القرآني كله تقريبا‪ ،‬وتتمثل معجزة محمد عليه الصالة والسالم في‬
‫القرآن الكريم الذي يخاطب ب>ه البش>ر ( الن>اس أجمعين) إلقن>اعهم ب>التخلي‬
‫عن معتقداتهم واإليمان بالمعتقد الجديد ‪ ،‬وق>>د تع>>ددت مظ>>اهر ه>>ذا االقن>>اع‬
‫في القرآن المبني في جانب منه على اللغ>>ة وب>>العودة إلى مض>>مون الكت>>اب‬
‫المقدس وأسباب النزول يمكن اعتبار الق>>رآن خطاب>>ا حجاجي>>ا نظ>>را لكون>>ه‬
‫جاء ردا على خطابات سواء أكانت علني>>ة أم ض>>منية‪ ،30‬فاللغ>>ة هي ال>>تي‬
‫تحدث التواصل بين الباث و المخاطب للرسالة اللغوي>>ة ‪ ،‬قص>>د الت>>أثير في‬
‫المخاطب و تغيير سلوكه و معتقداته حيث ي>>رى ديك>>رو " إنن>>ا نتكلم عام>>ة‬
‫بقصد التأثير" وهذا التأثير هو الحم>>ل على اإلذع>>ان واإلقن>>اع بم>>ا يع>>رض‬
‫علينا من أفكار و معتقدات ‪ ،‬و ه>>ذا يحص>>ل بالوس>>ائل اللغوي>>ة و بإمكان>>ات‬
‫اللغ>ة الطبيعي>ة ال>تي يت>وافر عليه>ا المتكلم ك>ون اللغ>ة تحم>ل بص>فة ذاتي>ة‬
‫وجوهرية وظيفة حجاجية‪ ،31‬والروابط الحجاجية عديدة في القرآن الك>>>ريم‬

‫ينظر‪ :‬مباحث في علوم القرآن‪ ،‬مناع بن خليل القطان (ت ‪١٤٢٠‬هـ)‪،‬‬ ‫‪30‬‬

‫مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪٢٠٠٠ ،٣‬م‪ ،‬ص‪٣١٦‬‬


‫اال اني سأتكلم في هذا المبحث عن الروابط ( بل _ لكن _ الواو _ والف>>اء‬
‫) في سورة االنفال كما قمت بتفسير اآليات لتحديد الحجج ونتائجها‪.‬‬

‫‪ _١‬الرابط الحجاجي (بل ) ‪:‬‬


‫هي حرف من حروف المع>>اني غ>>ير المختص>>ة وهي مهمل>>ة ال عم>>ل له>>ا‪،‬‬
‫ومعناها األساسي اإلضراب أي االعراض واالنتقال من ش>يء آلخ>>ر وه>>و‬
‫هن>>ا االض>>راب عم>>ا قبله>>ا واالنتق>>ال الى م>>ا بع>>دها لمع>>نى يظه>>ر للمتكلم‪،‬‬
‫ويمثل المالقي لسبب هذا االنتقال بقوله "إما أنها لب>>داء ( وض>>ع ش>>يء على‬
‫معنى بالقصد ) أو لغل>>ط ( وض>>ع ش>>يء على غ>>يره بمض>>ي ال>>وهم إلي>>ه ثم‬
‫يظه>ر المقص>ود) أو للنس>يان ( وض>ع ش>يء على غ>يره من غ>ير علم ب>ه "‪،32‬‬
‫ويق>>>ول الرم>>>اني في ش>>>أنها ‪ " :‬وهي من الح>>>روف الهوام>>>ل ومعناه>>>ا‬
‫اإلضراب عن األول وااليجاب للثاني"‪ 33‬ويستخدم هذا الرابط لغرض>>ين ‪:‬‬
‫الحجاج واإلبطال‪ ،‬فه>>و من رواب>>ط التع>>ارض الحج>>اجي‪ ،34‬وان الراب>>ط‬
‫الحج>>اجي (ب>>ل) لم ي>>رد في س>>وره االنف>>ال ل>>ذلك س>>أورد مث>>اال من س>>ورة‬
‫الفرقان في قوله تعالى‪َ {:‬أْم َت ْح َس ُب َأَّن َأْك َث َر ُه ْم َي ْس َم ُعوَن َأْو َي ْع ِقُل وَن ۚ ِإْن ُه ْم‬
‫ِإاَّل َك اَأْلْن َع اِم ۖ َب ْل ُه ْم َأَض ُّل َس ِبياًل }‪ ،35‬ومعنى هذه اآلية أتظن يارس>>ول هللا أن‬

‫ينظر‪ :‬الحجاج مفهومه ومجاالته ‪ ،‬حافظ اسماعيل العلوي وآخرون ‪،‬‬ ‫‪31‬‬

‫دار الكتب العلمية ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪/١‬ص‪٤٥‬‬


‫رصف المباني في شرح حروف المعاني‪ ،‬أحمد بن عبد النور المالقي تح‬ ‫‪32‬‬

‫أحمد محمد الخراط ‪ ،‬مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.١٥٣‬‬

‫معاني الحروف ‪ ،‬علي بن عيسى بن علي بن عبد هللا‪ ،‬أبو الحسن‬ ‫‪33‬‬

‫الرماني المعتزلي (ت‪٣٨٤‬هـ) ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬الشيخ عرفان بن سليم العشا‬


‫حسونة الدمشقي ‪ ،‬المكتبة العصرية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪٢٠٠٥، ١‬م ‪ ،‬ص ‪.٧١‬‬
‫ينظر‪ :‬اللغة و الحجاج ‪ ،‬أبو بكر العزاوي ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬ط ‪، ١‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪٢٠٠٦‬م‪ ،‬ص‪٣٠‬‬
‫سورة الفرقان ‪ ،‬آية‪٤٤:‬‬ ‫‪35‬‬
‫هؤالء المشركين يسمعون ما تقول لهم سماع قبول ‪ ،‬أو يعقل>>ون م>>ا ت>>ورده‬
‫عليهم من الحجج والبراهين الدالة على الوحدانية فتهتم بش>>أنهم وتطم>>ع في‬
‫إيمانهم (إال كاألنعام بل هم أضل سبيال) انتقال في صفة حالهم إلى ما ه>>و‬
‫أش>>د من ح>>ال األنع>>ام بأن>>ه أض>>ل س>>بيال‪ ،‬وض>>الل الس>>بيل ع>>دم االهت>>داء‬
‫للمقصود ألن األنعام تفقه بعض ما تسمعه من أصوات الزجر ونحوه>>ا من‬
‫رعاته>>ا وس>>ائقيها وه>>ؤالء ال يفقه>>ون ش>>يئا من أص>>وات مرش>>دهم وه>>و‬
‫الرسول عليه الصالة والسالم وهذا كقوله تعالى‪ ( :‬فهي كالحج>>ارة أو أش>>د‬
‫قسوة وأن من الحجارة لما يتفجر من>>ه األنه>>ار)‪ ،36‬ونحن نج>>د أن الحج>>ة‬
‫الواقعة قبل بل هي الحجه االولى (هم كاألنعام والحجة الواقعة بعد بل هي‬
‫الحجة الثانية (هم أضل سبيال) فهي األق>>وى‪ ،‬فهن>>ا الراب>>ط الحج>>اجي رب>>ط‬
‫بين الحج>>تين االولى والثاني>>ة بغ>>رض الوص>>ول إلى النتيج>>ة وهي ( ع>>دم‬
‫االهتداء)‪.‬‬
‫‪ _٢‬الرابط الحجاجي (لكن ) ‪:‬‬
‫من حروف االستدراك‪ ،‬ومعنى االستدراك أن تنسب حكما الس>>مها يخ>>الف‬
‫المحكوم عليه قبلها ‪ ،‬كأنك لما أخبرت عن األول بخبر خفت أن يت>>وهم من‬
‫الثاني مثل ذلك ‪ ،‬فتداركت بخبره إن س>>لبا وإن إيجاب>>ا‪ ،‬ول>>ذلك ال يك>>ون اال‬
‫بعد كالم ملفوظ به أو مقدر ‪ ...‬وال تقع لكن إال بين متناقض>>ين بوج>>ه م>>ا ‪،‬‬
‫ولكن تفيد االستدراك لتوسطها بين كالمين متغايرين نفيا وإيجابا‪ ،‬فس>>تدرك‬
‫به>>ا النفي باإليج>>اب ‪ ،‬وااليج>>اب ب>>النفي والتغ>>اير في المع>>نى بمنزلت>>ه في‬
‫اللغة‪ ، 37‬وتعد لكن من الرواب>>ط الحجاجي>>ة ال>>تي تظه>>ر الق>>وة الحجاجي>>ة‬
‫ألطروح>>ة على أخ>>رى إذ يق>>ع بين الحج>>ة و ض>>د النتيج>>ة ‪ ،‬وكم>>ا يص>>لح‬
‫للحجاج تقديم معلومات على أساس أنها حجج‪ ،‬ولقد ورد الراب>>ط الحج>>اجي‬

‫ينظر‪ :‬التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من‬ ‫‪36‬‬

‫تفسير الكتاب المجيد)‪ ،‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن‬


‫عاشور التونسي (ت ‪١٣٩٣ :‬هـ)‪،‬ج‪/١٩‬ص‪٣٩‬‬
‫ينظر‪ :‬الجنى الداني في حروف المعاني‪ ،‬أبو محمد بدر الدين حسن بن‬ ‫‪37‬‬

‫قاسم بن عبد هللا بن علّي المرادي المصري المالكي (ت ‪٧٤٩‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫د فخر الدين قباوة واألستاذ محمد نديم فاضل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‬
‫– لبنان‪ ،‬ط‪١٩٩٢ ،١‬م‪ ،‬ص‪١٤٤‬‬
‫(لكن ) في عدة آيات من سورة االنفال منها قوله تعالى‪ِ {:‬إْذ ُي ِر يَك ُهُم ُهَّللا ِفي‬
‫َم َن اِمَك َقِلياًل ۖ َو َلْو َأَر اَك ُهْم َك ِثيًر ا َلَف ِش ْل ُتْم َو َلَتَن اَز ْع ُتْم ِفي اَأْلْم ِر َو َٰل ِكَّن َهَّللا َس َّلَم ۗ ‬
‫‪38‬‬
‫ِإَّن ُه َع ِليٌم ِبَذ اِت الُّص ُد وِر }‬

‫‪ ،‬ولقد جاء في تفسير هذه اآلي>>ة " إذ ي>>ريكهم هللا " ب>>دل من قول>>ه " إذ أنتم‬
‫بالعدوة الدنيا " فإن هذه الرؤيا مما اشتمل عليه زمان كونهم بالع>>دوة ال>>دنيا‬
‫لوقوعها في مدة نزول المس>>لمين بالع>>دوة من ب>>در ‪ ،‬والمن>>ام مص>>در ميمي‬
‫بمعنى النوم ويطلق على زمن النوم وعلى مكانه ويتعلق قوله " في منامك"‬
‫بفع>>ل " ي>>ريكهم " ف>>اإلراءة إراءة رؤي>>ا وأس>>ندت إلى هللا تع>>الى ألن رؤي>>ا‬
‫النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم – وحي بمدلولها كما دل عليه قوله تعالى وق>>د‬
‫رأى الرسول صلى هللا علي>>ه وس>>لم رؤي>>ا من>>ام جيش المش>>ركين قليال دلت‬
‫على نصره وقد حكاها للمسلمين وهم يعلمون أن رؤيا الن>>بي لم تخطئ لكن‬
‫أوهمهم الع>>دد ‪ ،‬فمع>>نى قول>>ه تع>>الى " ول>>و أراكهم كث>>يرا لفش>>لتم " أي ل>>و‬
‫أراكهم رؤي>>ا مماثل>>ة للحال>>ة ال>>تي تبص>>رها األعين ل>>دخل قل>>وب المس>>لمين‬
‫الفشل وكان االستدراك في قوله ( ولكن هللا سلم ) راجع إلى ما في جمل>>ة (‬
‫لو أراكهم كثيرا ) من اإلش>عار ب>>أن الع>>دو كث>>ير في نفس األم>>ر ‪ ،‬ووض>>ع‬
‫الظ>>اهر موض>>ع المض>>مر في قول>>ه ( لكن هللا س>>لم ) دون أن يق>>ول ولكن>>ه‬
‫سلم ‪ ،‬القصد زيادة إسناد ذلك إلى هللا وأنه بعنايته واهتمامه به>>ذا الح>>ادث ‪،‬‬
‫وجملة ( إنه عليم بذات الصدور ) تذييل للمن>>ة أي أوحى إلى رس>>وله بتل>>ك‬
‫الرؤي>>>ا الرمزي>>>ة لعلم>>>ه بم>>>ا في الص>>>دور البش>>>رية من ت>>>أثر النف>>>وس‬
‫بالمشاهدات‪ ، 39‬وان الرابط الحجاحي "لكن" أظهر القوة الحجاجي>>ة لحج>>ة‬
‫عن حجة أخرى‪ ،‬حيث أن الحجة الثانية {هللا سلم}أق>وى من الحج>ة االولى‬
‫{ أراكم كث>>يرا } ألن الحج>>ة االولى ج>>اءت قب>>ل ( لكن ) و الحج>>ة الثاني>>ة‬
‫أقوى وتوجه القول محمله إلى النتيج>>ة { ق>>ويت قل>>وبهم } وبت>>الي الراب>>ط‬
‫لكن أظهر القوة الحجاجية للحجة الثانية عن الحجة األولى ‪.‬‬
‫سورة األنفال ‪ ،‬آية ‪٤٣ :‬‬ ‫‪38‬‬

‫ينظر‪ :‬التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من‬ ‫‪39‬‬

‫تفسير الكتاب المجيد)‪ ،‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن‬


‫عاشور التونسي (ت ‪١٣٩٣ :‬هـ)‪،‬ج‪/١٠‬ص‪٢٤‬‬
‫ولقد جاء الرابط الحجاجي (لكن ) في قوله تع>>الى‪َ { :‬و َأَّل َف َب ْي َن ُقُل وِبِه ْم َل ْو‬
‫َأنَفْق َت َم ا ِفي اَألْر ِض َج ِم يًع ا َّم ا َأَّلْف ْت َب ْي َن ُقُل وِبِه ْم َو َلِكَّن َهَّللا َأَّل َف َب ْي َن ُهْم ِإَّن ُه‬
‫َع ِز يٌز َح ِكيٌم}‪ ،40‬ولقد جاء في تفسير هذه اآلية الكريمة‪َ ":‬و َأَّلَف َب ْي َن ُقُل وِبِه ْم‬
‫فاجتمعوا وائتلفوا‪ ،‬وازدادت ق>>وتهم بس>>بب اجتم>>اعهم‪ ،‬ولم يكن ه>>ذا بس>>عي‬
‫أح>>د‪ ،‬وال بق>>وة غ>>ير ق>>وة هّللا ‪،‬فل>>و أنفقت م>>ا في األرض جميع>>ا من ذهب‬
‫وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة َم ا َأَّلْف َت َب ْي َن ُقُلوِبِه ْم‬
‫ألنه ال يقدر على تقليب القلوب إال هّللا تعالى‪َ .‬و َلِكَّن َهَّللا َأَّلَف َب ْي َن ُهْم ِإَّن ُه َع ِز يٌز‬
‫َح ِكيٌم ومن عزته أن ألف بين قلوبهم‪ ،‬وجمعها بعد الفرق>>ة" ‪ 41‬وان الراب>>ط‬
‫الحجاحي "لكن" أظهر القوة الحجاجية في ألفة األوس والخزرج ‪ ،‬حيث لو‬
‫أنفقوا ما في االرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن هللا ق>>ادر على ذل>>ك ‪،‬‬
‫حيث أن الحج>>ة االولى ( َّم ا َأَّلْف ْت َب ْي َن ُقُل وِبِه ْم ) والراب>>ط (لكن ) والنتيج>>ة‬
‫هي (َهَّللا َأَّلَف َب ْي َن ُهْم )‬
‫_ الرابط ( الواو ) ‪:‬‬
‫تعد الواو من الروابط الحجاجي>>ة المتس>>اوقة أو المتس>>اندة‪ ،‬وق>>د أش>>ار إليه>>ا‬
‫جمهور النحاة ‪ :‬تفيد مطلق الجمع إذ تقوم بربط الحجج وترتيبه>>ا ووص>>ل‬
‫بعضها ببعض ‪ ،‬بل وتقوي كل حج>>ة منه>>ا األخ>>رى ‪ ،‬وتعم>>ل على الرب>>ط‬
‫النسقي أفقيا‪ ،42‬والعالق>ة ال>تي ينتجه>ا الراب>ط الحج>اجي ( ال>واو ) تس>اعد على‬
‫تعقيب األحداث وتتابعها وربط المعاني ببعضها البعض ‪ ،‬والتي تشكل بنية‬
‫حجاجية يصل بها الحجاج إلى تثبيت الفكرة عند المخاطب‪.‬‬

‫سورة االنفال ‪ ،‬آية‪٦٣:‬‬ ‫‪40‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر بن‬ ‫‪41‬‬

‫عبد هللا السعدي (ت ‪١٣٧٦‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪،‬‬


‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪٢٠٠٠ ،١‬م ‪ ،‬ص‪٣٢٥‬‬
‫ينظر‪ :‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب‪ ،‬عبد هللا بن يوسف بن أحمد بن‬ ‫‪42‬‬

‫عبد هللا ابن يوسف‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬ابن هشام (ت ‪٧٦١‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬د‪ .‬مازن المبارك ‪ /‬محمد علي حمد هللا‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪،٦‬‬
‫‪١٩٨٥‬م‪٤٦٣ ،‬‬
‫وقد ورد هذا الرابط الحجاجي (الواو) في م>>واطن ع>>دة من س>>ورة االنف>>ال‬
‫ومن ذلك قوله تعالى‪ِ {:‬إْذ ُيَغ ِّش يُك ُم الُّن َع اَس َأَم َن ًة ِّم ْن ُه َو ُيَن ِّز ُل َع َلْي ُك م ِّمن الَّس َم اء‬
‫َم اء ِّلُيَط ِّه َر ُك م ِبِه َو ُيْذ ِهَب َع نُك ْم ِر ْج َز الَّش ْي َط اِن َو ِلَي ْر ِبَط َع َلى ُقُلوِبُك ْم َو ُيَث ِّب َت ِبِه‬
‫اَألْق َداَم } ‪ 43‬حيث جاء في تفسير هذه اآلية الكريمة‪:‬ومن نص>>>ره واس>>تجابته‬
‫ل>>دعائكم أن أن>>زل عليكم نعاس>>ا ُيَغ ِّش يُك ُم [أي] في>>ذهب م>>ا في قل>>وبكم من‬
‫الخوف والوجل‪ ،‬ويكون َأَم َن ًة لكم وعالم>ة على النص>ر والطمأنين>ة ‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪ :‬أنه أنزل عليكم من الس>>ماء مط>>را ليطه>>ركم ب>>ه من الح>>دث والخبث‪،‬‬
‫وليطهركم ب>ه من وس>اوس الش>يطان ورج>زه ( َو ِلَي ْر ِب َط َع َلى ُقُل وِبُك ْم ) أي‪:‬‬
‫يثبتها فإن ثبات القلب‪ ،‬أص>>ل ثب>>ات الب>>دن‪َ ،‬و ُيَث ِّب َت ِب ِه األْق َداَم ف>>إن األرض‬
‫‪44‬‬
‫كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر تلبدت‪ ،‬وثبتت به األقدام‬
‫وق>>د رب>>ط الراب>>ط (ال>>واو ) بين حج>>تين حيث رب>>ط الحج>>ه االولى ( ِإْذ‬
‫ُيَغ ِّش يُك ُم الُّن َع اَس َأَم َن ًة ِّم ْن ُه) و الحجة الثاني>>ة (َو ُيَن ِّز ُل َع َلْي ُك م ِّمن الَّس َم اء َم اء)‬
‫والنتيجة ( ِّلُيَط ِّه َر ُك م ِبِه َو ُي ْذ ِهَب َع نُك ْم ِر ْج َز الَّش ْي َط اِن َو ِلَي ْر ِب َط َع َلى ُقُل وِبُك ْم‬
‫َو ُيَث ِّب َت ِبِه اَألْق َداَم )‬

‫سورة االنفال ‪ ،‬آية‪١١:‬‬ ‫‪43‬‬

‫ينظر‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن أبو جعفر محمد بن جرير‬ ‫‪44‬‬

‫الطبري (‪ ٣١٠ – ٢٢٤‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د عبد هللا بن عبد المحسن التركي‪،‬‬

You might also like