You are on page 1of 18

‫الووسن الدراسي ‪9191-9102‬‬ ‫جاهعت هوالي إسواعيل‬

‫الدورة الربيعيت‬ ‫كليت اآلداب والعلوم اإلنسانيت‬

‫الفصل الرابع‬ ‫شعبت الفلسفت‬

‫األستاذ‪ :‬هحود هنادي إدريسي‬ ‫وحدة‪ :‬نشأة العلن الحديث‬

‫محاور الوحدة‪:‬‬

‫‪ .0‬العمم القديم‪:‬‬

‫أ‪ :‬الفمك الرياضي‪ :‬مسمماته وفرضياته وأغراضه‪.‬‬

‫ب‪ :‬الفيزياء المشائية‪ :‬معالمها ونواقصها‪.‬‬

‫‪ .9‬العمم الحديث‪:‬‬

‫أ‪ :‬األساس الكوبيرنيكي‬

‫ب‪ :‬المالحظات الفمكية المعززة لمفمك الجديد‪ :‬تيكوبراهي وغاليمي‬

‫ج‪ :‬ترييض الطبيعة‪ :‬قانون سقوط األجسام ومبدأ العطالة‪.‬‬


‫أعزائي عزيزاتي‪ ،‬طالبات وطالبا؛‬

‫ىذا ىو برنامج وحدة العمـ الحديث‪ .‬لقد أرشدت الحاضريف منكـ في محاضرتيف‪ ،‬قبل أف‬
‫يضرب فيروس كورونا‪ ،‬ضربتو إلى المراجع التي سنعتمد عمييا في دراستنا لمحاور ىذه‬
‫الوحدة‪ .‬لكف‪ ،‬ونظ ار ليذه الجائحة التي أصابت بمدنا العزيز‪ ،‬بل والبشرية جمعاء‪ ،‬عميكـ أف‬
‫تدرسوا بتمعف الوثائق اآلتية التي أضعيا رىف إشارتكـ‪ ،‬في انتظار أف تنجمي الغمة ونعود‬
‫إلى لقاءاتنا المباشرة التي ال يحل محميا التعمـ عف بعد‪ ،‬أو في انتظار أف أمدكـ بدروس‬
‫مدونة‪ ،‬إف طالت الجائحة ال قدر هللا‪.‬‬

‫ما الذؼ يتعيف عميكـ فعمو؟‬

‫فيما يخص المحور ‪:0‬‬

‫ادرسوا الفصل األوؿ مف كتاب المرحوـ سالم يفوت‪ :‬الفمسفة والعمـ في العصر الكالسيكي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ .9191 ،‬وعنواف ىذا الفصل ىو‪ :‬النيضة واإلصالح‬
‫العممي‪ ،‬ويبدأ مف الصفحة ‪ ،1‬وينتيي عند الصفحة ‪ .54‬أنبيكـ إلى أف الكتاب قد أعيد‬
‫نشره بعنواف آخر ىو‪ :‬إبستمولوجيا العمـ الحديث‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬دار توبقاؿ‪ ،‬الطبعة ‪،2‬‬
‫‪ .2009‬وقد َح ّممتو وقطعتو‪ ،‬ثـ وضعت رىف إشارتكـ الفصل المطموب منكـ دراستو‪.‬‬

‫فيما يخص المحور ‪:9‬‬

‫‪ .9‬ادرسوا مقالتيف أللكسندر كويري مف كتابو‪:‬‬

‫‪ Koyré, Études d’histoire de la pensée scientifique.‬‬

‫وعنوانيما‪:‬‬

‫; ‪ Galilée et Platon‬‬

‫‪ Galilée et la révolution scientifique du XVII e siècle.‬‬


‫قمت بتحميل الكتاب وتقطيع المقالتيف المعنيتيف منو ووضعتيما في ممف واحد رىف إشارتكـ‪.‬‬

‫‪ .2‬ادرسوا أيضا وبتمعف تحميالت هايدغر الرائعة لعمـ الطبيعة الرياضي الحديث‪ ،‬الواردة‬
‫في كتابو‪ :‬السؤاؿ عف الشيء‪ :‬حوؿ نظرية المبادغ الترنسندنتالية عند كنت‪ ،‬ترجمة‬
‫إسماعيل المصدؽ‪ ،‬بيروت‪ ،‬المنظمة العربية لمترجمة‪.2092 ،‬‬

‫قمت أيضا بتحميل الكتاب‪ ،‬وقطعت الصفحات التي وردت فييا تحميالت ىايدغر‪ ،‬ثـ‬
‫وضعتيا رىف إشارتكـ‪.‬‬
‫العمم القديم‬ ‫‪.0‬‬

‫إف امتالؾ تصور جيد عف األسس اإلبستمولوجية "لمعمـ الحديث" أمر يعسر عمينا إف لـ‬
‫نعقد مقارنة نتبيف فييا الفروؽ بينو وبيف "العمـ القديـ" والعمـ الوسيطي‪ .‬لقد كاف عمـ الفمؾ‬
‫(نظرية كوبيرنيكوس) ىو البؤرة التي انطمقت منيا موجات زلزالية أصابت الفيزياء والفمسفة‪،‬‬
‫وأ دت في نياية المطاؼ إلى إسقاط المبادغ والمعتقدات اإلبستمولوجية التي قاـ عمييا العمـ‬
‫القديـ ‪ .‬وما دامت الثورة الكوبيرنيكية قد أفضت إلى تجديد عمـ الفمؾ‪ ،‬واقتضت فيزياء جديدة‬
‫وميتافيزيقا جديدة‪ ،‬فإف فيـ "العمـ الحديث" الذؼ بدأ في التشكل مع ىذه الثورة يتطمب منا أف‬
‫نقارنو بػ"العمـ القديـ"‪ ،‬وبالضبط بيذه العموـ والصناعت‪ ،‬أؼ الفمؾ والفيزياء والفمسفة‪.‬‬

‫أ‪ :‬الفمك الرياضي‪ :‬مسمماته وأغراضه‬

‫ال يمكف الحديث عف عمـ الفمؾ الرياضي وتطوره إلى حدود كوبيرنيكوس دوف استحضار‬
‫الفيمسوؼ اليوناني أفالطون (‪ 754 -524‬ؽ‪.‬ـ)‪ .‬ذلؾ أنو ىو مف وضع الكثير مف األسس‬
‫التي ينبغي ليذا العمـ أف يستند إلييا والمطالب التي ينبغي لو أف يسعى إلى تحقيقيا‪.‬‬

‫كانت أكبر مشكمة تواجو الفمكييف في عصر أفالطوف ىي «تَ َحير الكواكب السيارة»‪ .‬لـ تكف‬
‫«الكواكب أو النجوـ الثابتة» تثير مشكمة‪ :‬فمواقعيا ال تتغير‪ ،‬سواء بالنسبة إلى بعضيا‬
‫البعض‪ ،‬أو بالنسبة إلى األرض‪ .‬وىذا الثبات شكل ضمانة دائمة لمقانوف والنظاـ واالطراد‬
‫في الكوف‪ .‬أما الكواكب أو السيارة (‪ ،)astres chemineaux‬فحركتيا تبدو لمعياف غير‬
‫خاضعة ألؼ نظاـ أو اطراد‪ .‬مف بيف ىذه الكواكب‪ ،‬كانت حركة الشمس والقمر أكثر‬
‫انتظاما؛ أما الكواكب الخمسة (عطارد‪ ،‬الزىرة‪ ،‬المريخ‪ ،‬المشترؼ‪ ،‬زحل)‪ ،‬ففي تنقميا وحركتيا‬
‫شذوذ وانحراؼ‪ .‬فالكوكب يتابع مساره في وقت ما في االتجاه العاـ لمدوراف‪ :‬أؼ مف الشرؽ‬
‫إلى الغرب؛ لكف سرعتو تصير بطيئة أحيانا‪ ،‬وأحيانا يتوقف كما لو أنو وصل إلى محطة في‬
‫السماء‪ ،‬فيتراجع إلى الوراء عكس مساره‪ ،‬ثـ يأخذ مساره مف جديد في االتجاه األوؿ‪ .‬وفضال‬
‫صاد مشكمة تغير المسافة‪ :‬إذ يبدو أحيانا أف‬
‫عف ىذا كمو‪ ،‬كانت ىذه الكواكب تطرح عمى الر ًّ‬
‫الكوكب يقترب مف األرض‪ ،‬وأحيانا يبتعد عنيا‪ .‬وىذا حاؿ كوكب الزىرة التي كانت تقمباتيا‬
‫ممحوظة‪ ،‬نظ ار لحجـ لمعانيا‪ .‬كما أف حركتيا وحركة عطارد بدتا غريبتيف‪ :‬فأحيانا يجرياف‬
‫أماـ الشمس ذات السرعة القارة‪ ،‬وأحيانا يتخمفاف وراءىا‪.‬‬

‫لقد كانت ميمة عمـ الفمؾ إذف ىي بناء نسق يفسر حركات القمر والشمس والكواكب الخمسة‬
‫األخرػ‪ ،‬طالما أف الكواكب الثابتة ال تطرح مشكمة‪.‬‬

‫كاف تأثير أفالطوف في تاريخ عمـ الفمؾ الرياضي كبي ار‪ ،‬رغـ أنو لـ يساىـ بشيء ىاـ في‬
‫ىذا العمـ‪ ،‬وأف ما كتبو بيذا الخصوص غامض وممتبس‪ .‬إف تأثيره عمى الفمكييف مف بعده‬
‫حتى كوبيرنيكوس راجع إلى تصوره لمعمـ (‪ :)l’épistémè‬فالعمـ عنده عمـ بما ىو ثابت‬
‫وخفي‪ ،‬العمـ الحقيقي عمـ بالوجود الحق والالمرئي (‪)l’être et l’invisible‬؛ أما‬
‫المحسوس‪ ،‬فميس بأؼ حاؿ مف األحواؿ موضوعا لمعمـ‪.‬‬

‫توصل مؤّلِف محاورة "طيماوس" مف خالؿ استدالالت ميتافيزيقية صرفة إلى نتائج أثرت في‬
‫عمماء الفمؾ مف بعده منذ العصر الكالسيكي إلى بداية العصر الحديث‪ .‬تتعمق ىذه النتائج‬
‫بشكل العالـ وحركات أفالكو وأجرامو‪ ،‬ومف أىميا‪:‬‬

‫‪ -‬ثنائية العالـ‪ :‬عالـ السماوات مختمف في بنيتو ومادتو عف عالـ ما تحت القمر؛‬

‫‪ -‬شكل العالـ‪ :‬ال بد أف يكوف العالـ بأكممو عبارة عف كرة تامة ( ‪sphère‬‬
‫‪)parfaite‬؛‬

‫‪ -‬حركات األجراـ السماوية ال بد أف تتـ في دوائر كاممة (‪ )cercles parfaits‬وأف‬


‫تكوف سرعتيا منتظمة‪.‬‬
‫يذىب أفالطوف في المقالة السابعة مف "الجميورية" إلى أف المحسوس ينبغي أف يكوف مجرد‬
‫ُسمـ لالرتقاء إلى الواقع الحقيقي‪ ،‬أؼ الواقع المعقوؿ (‪ .)la réalité intelligible‬إف ما‬
‫ينبغي أف يبحث عنو "العالِـ"‪ ،‬حسب أفالطوف‪ ،‬ىو الخصائص التي ال يصيبيا تغير أثناء‬
‫حدوث التغيرات‪ .‬إف العمـ إذف عمـ بما ىو ثابت‪ .‬وما ىو ثابت وخفي‪ ،‬إنما ىو العالقات‬
‫الرياضية‪ .‬وفيما يخص عمـ الفمؾ بالضبط‪ ،‬أكد أفالطوف أف وراء تجمعات الكواكب‬
‫وحركاتيا وأعدادىا المدركة بالحواس‪ ،‬وراء ذلؾ كمو نظاـ أبيى جماال‪ ،‬نظاـ ال ُيدرؾ إال‬
‫بالعقل وليس بالبصر‪ .‬ولذلؾ ينبغي أف ُينظر إلى زينة السماء عمى أنيا مجرد أمثمة ُيستعاف‬
‫بيا لمعرفة النظاـ الالمرئي‪ .‬وتبعا لذلؾ‪ ،‬فإف ميمة الرياضييف ىي إقامة الدليل عمى أف‬
‫االختالالت الظاىرة (‪ )les irrégularités apparentes‬لمكواكب ناتجة عف توليف بيف‬
‫حركات بسيطة كثيرة‪ ،‬حركات دائرية متشاكمة (‪ .)uniformes‬وبعبارة أخرػ‪ ،‬إف ميمة‬
‫الرياضييف ىي بناء نسق يرد االختالالت الظاىرة عمى حركات الكواكب المتحيرة إلى حركات‬
‫مستديرة منتظمة تماما‪.‬‬

‫يتمثل أمر أفالطوف لمرياضييف إذف فيما سمي بػ"إنقاذ المظاىر"‪ .‬والفمكي ُ"ينقذ" المظاىر إذا‬
‫نجح في ابتكار فرضية ترد حركات الكواكب غير المنتظمة عمى مدارات ذات شكل غير‬
‫منتظـ‪ ،‬إلى حركات منتظمة عمى مدارات دائرية‪ .‬وال أىمية ىنا لمسؤاؿ‪ :‬ىل الفرضية موافقة‬
‫لمواقع أـ ال‪ ،‬وىل ىي ممكنة فيزيائيا أـ ال؟‬

‫يمخص سمبميقيوس (‪ 1)Simplicius‬األمر األفالطوني في العبارة اآلتية‪:‬‬

‫« ما ىي الحركات الدائرية المتشاكمة والمنتظمة انتظاما تاما التي يجدر بنا افتراضيا كي‬
‫نتمكف مف إنقاذ المظاىر التي تبدييا الكواكب المتحيرة؟»‬

‫‪Quels sont les mouvements circulaires, uniformes et parfaitement réguliers‬‬


‫‪qu’il convient de prendre pour hypothèse, afin que l’on puisse sauver les‬‬

‫‪ .1‬فيمسوؼ أفالطوني محدث‪ ،‬ومف شراح أرسطي‪ ،‬عاش في القرف السادس بعد الميالد‪.‬‬
‫‪apparences présentées par les planètes‬‬

‫مضموف األمر األفالطوني ىو إذف‪ :‬البحث عف نظاـ معقوؿ وراء االختالالت‪ .‬خمف‬
‫االختالالت الظاىرة ينبغي افتراض نظاـ‪ .‬خمف الظواىر الممحوظة بالعيف‪ ،‬والمدموغة‬
‫باالختالؿ والفوضى (تحير الكواكب‪ :‬البطء والسرعة والتوقف والتقيقر والقرب والبعد‬
‫واختالؼ الممعاف)‪ ،‬ينبغي افتراض حركات دائرية متشاكمة ومنتظمة‪ .‬وراء االختالؿ الظاىر‬
‫ىناؾ دائما نظاـ معقوؿ خفي؛ وعمى العمـ أف يتجاوز الظواىر المرئية لمعرفة الحقيقة غير‬
‫المرئية‪ .‬ىذه ىي الميمة التي سوؼ تشغل الرياضييف مدة تضاىي ألفي سنة‪ .‬سوؼ يرىف‬
‫أفالطوف عمـ الفمؾ إلى بداية القرف ‪ ،94‬حينما برىف كبمر عمى أف الكواكب ليا مدارات‬
‫إىميميجية (‪.)orbites ovales‬‬

‫كاف مف ضمف المسممات‪ ،‬أو لربما المعتقدات‪ ،‬الفمكية التي تتـ المصادرة عمييا في النماذج‬
‫مثبت عمى فمؾ أو كرة‬ ‫القائمة بمركزية األرض‪ ،‬فكرة الفمؾ‪ :‬وفق ىذه الفكرة‪ ،‬كل كوكب ّ‬
‫شفافة تحممو‪ ،‬والفمؾ ىو مف يدور حوؿ األرض وليس الكوكب‪ .‬ولكي ُي َعّمِػل أودوكسوس‬
‫(‪ 2)Eudoxe‬اختالؿ حركات الكواكب المتحيرة‪ ،‬افترض أف الكوكب الواحد لو أفالؾ عديدة‬
‫تدور حوؿ مركز واحد‪ ،‬وليس فمكا واحدا‪ .‬وبما أف االختالؿ في حركتي الشمس والقمر قميل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لكل منيما؛ بينما احتاج إلى أربعة أفالؾ لتعميل‬
‫فقد احتاج أودوكسوس إلى ثالثة أفالؾ ّ‬
‫االختالالت الكثيرة الظاىرة في حركات باقي الكواكب المتحيرة‪ .‬وىكذا وصل عدد األفالؾ في‬
‫نظاـ أودوكسوس‪ ،‬فضال عف فمؾ النجوـ الثابتة‪ ،‬إلى ‪ 24‬فمكا‪ .‬ما يبدو لنا مف اختالالت‪،‬‬
‫وراءه إذف حركات منتظمة ألفالؾ كثيرة‪.‬‬

‫‪ .2‬مف تالمذة أفالطوف‪.‬‬


‫أكمل كاليب (‪ 3)Calippe‬نموذج أستاذه أودوكسوس بزيادة سبعة أفالؾ‪ ،‬فصار العدد ‪75‬‬
‫فمكا‪ .‬وىكذا أنقذ ىذا النموذج الظواىر المتعمقة بالسرعة واإلبطاء والتوقف والتراجع؛ لكنو فشل‬
‫في حل مشكمة اختالؼ الممعاف الراجعة إلى تغير المسافة (أؼ قرب الكوكب تارة مف‬
‫األرض وبعده عنيا تارة)‪.‬‬

‫تعزز اتجاه الفمؾ الرياضي كثي ار في العصر الييمينستي‪ .‬لقد كاف الفمكيوف اإلسكندرانيوف‬
‫صادا بارعيف‪ ،‬إذ امتمكوا آالت لمرصد بالغة الدقة؛ واىتموا بمواقع النجوـ وتصنيفيا وتحديد‬
‫ُر ّ‬
‫حركاتيا‪ .‬ولقد كاف ِس ِجل النجوـ المنسوب إلى هيبارخوس (‪ ،4)Hipparque‬وكانت أزياج‬
‫بطمميوس‪ 5‬الخاصة بحساب حركات الكواكب‪ ،‬دقيقيف بحيث إف كولومبوس وفاسكودؼ غاما‬
‫استخدماىا في رحالتيما البحرية مع تعديالت طفيفة‪ .‬وفضال عف ذلؾ كاف ىؤالء رياضييف‬
‫بارعيف‪ .‬لقد أصبح عمـ الفمؾ معيـ ىندسة سماوية (‪ )géométrie céleste‬مجردة‬
‫مفصولة عف الواقع الفيزيائي‪ .‬إنو مجرد منيج مفيد في حساب حركات ومواقع الكواكب‬
‫المتحيرة‪ ،‬ولكنو ال يقوؿ شيئا عف طبيعة الكوف‪ .‬ال ييتـ عمـ الفمؾ الرياضي إذف ال‬
‫باألسباب والعمل‪ ،‬وال بطبيعة األجراـ السماوية أو ماىيتيا‪ ،‬بل يسعى فقط إلى رد الظواىر‬
‫إلى نظاـ معقوؿ بأكثر مف طريقة‪.‬‬

‫يقوؿ بطمميوس‪ « :‬إننا نرػ أف ىدؼ عمـ الفمؾ ىو االجتياد في البرىنة عمى أف جميع‬
‫ظواىر السماء تحدث عف حركات دائرية ومتشاكمة»‪ .‬كما يقوؿ أيضا‪ ،‬إف ميمة عالـ الفمؾ‬
‫تتمثل في البرىنة عمى أف االختالالت الظاىرة الخاصة بالكواكب الخمسة والشمس والقمر‪،‬‬
‫« يمكف ردىا إلى حركات دائرية متشاكمة‪ ،‬ألف ىذه الحركات ىي الوحيدة التي تالئـ طبيعتيا‬

‫‪ .3‬فمكي يوناني تمميذ ألودوكسوس وأرسطو‪ ،‬وصديق ليذا األخير‪.‬‬


‫‪ .4‬فمكي ورياضي يوناني عاش في القرف الثاني قبل الميالد‪.‬‬
‫‪ .5‬كموديوس بطوليمايوس (‪ :)Claúdios Ptolemaîos‬فمكي ومنجـ ورياضي إسكندراني عاش في القرف الثاني بعد‬
‫الميالد‪ ،‬وىو مؤلف "المجسطي" الذؼ ظل أىـ كتاب فمكي حتى ظيور كتاب كوبيرنيكوس "في دورات األفالؾ السماوية"‪.‬‬
‫اإلليية‪ ...‬ونحف محقوف في القوؿ بأف إنجاز ىذه الميمة ىو اليدؼ األقصى لمعمـ الرياضي‬
‫القائـ عمى الفمسفة»‪.‬‬

‫إف أبرز أعالـ المدرسة اإلسكندرانية ىو بطمميوس‪ .‬عمـ بطمميوس‪ ،‬في سعيو لتعميل اختالؿ‬
‫حركات الكواكب‪ ،‬الفرضية التي قدميا أبولونيوس (‪ )Apollonius de Perga‬لتعميل تحير‬
‫كوكب كوكب واحد‪ ،‬وىي فرضية فمؾ التدوير‪ .‬تتميز فرضية حركة التدوير عف فرضية تعدد‬
‫األفالؾ بقدرتيا عمى تقديـ تعميل معقوؿ الختالؼ الممعاف والحجـ وتغير المسافة‪ ،‬فضال عف‬
‫قدرتيا عمى تعميل التحير‪ .‬استعاد بطمميوس كوصمولوجيا أرسطو مع تخميو عف فيزيائو‪.‬‬
‫فاألرض في نظامو الفمكي ذات شكل يكاد يكوف كرويا‪ ،‬ويقع في وسط السماء‪ ،‬أؼ قرب‬
‫مركز العالـ؛ والكواكب تدور حوليا محمولة عمى أفالؾ تدوير (‪ )épicycles‬ترسـ مراكزىا‬
‫دوائر خارجة المركز‪ ،‬أؼ أنيا ترسـ في دورانيا دوائر صغرػ مركزىا ىو األفالؾ الحاممة‬
‫(‪ .)les déférents‬انظر األشكاؿ اآلتية أسفمو‪.‬‬
‫وىكذا فإف األفالؾ المتعددة ذات المركز الواحد أو األفالؾ الخارجة المركز أو أفالؾ التدوير‬
‫ما ىي إال ِحَي ٌل ىندسية يتـ افتراضيا إلنقاذ الحركات الظاىرة لمكواكب‪ .‬إف اليدؼ منيا ليس‬
‫ىو وصف واقع حقيقي‪ ،‬أو تحديد ماىية األجراـ السماوية وتحديد حركاتيا الحقيية‪ ،‬وانما بناء‬
‫نموذج ىندسي يقدـ صورة تقريبية عنيا‪ ،‬صورة تتوافق مع األرصاد فقط‪.‬‬

‫ب‪ :‬الفيزياء المشائية‪ :‬معالمها ونواقصها‪.‬‬

‫كاف أرسطو يعرؼ جيدا نظرية أودوكسوس‪ ،‬كما كاف صديقا لكاليب الذؼ تمـ عمل أستاذه‬
‫أودوكسوس؛ األمر الذؼ يترتب عنو أنو كاف يعرؼ جيدا منيج عالـ الفمؾ كما حدده‬
‫أفالطوف‪ .‬غير أف المعمـ األوؿ طالب النظرية الفمكية بأف ال تقتصر عمى "إنقاذ المظاىر"‪،‬‬
‫بل عمييا أيضا أف تستند إلى فرضيات مطابقة لطبيعة األشياء‪ ،‬أؼ تطابق الواقع‪ .‬وىكذا‬
‫طالب الفمكييف بتقديـ فرضيات تستجيب لشروط فيزيائية ىي‪:‬‬

‫‪ ‬الكوف كروؼ؛‬

‫‪ ‬األفالؾ السماوية الحاممة لمكواكب والمحركة ليا ىي أجساـ صمبة؛‬

‫‪ ‬لألفالؾ حركة دائرية منتظمة حوؿ مركز العالـ؛‬

‫‪ ‬مركز العالـ تشغمو األرض التي ال تتحرؾ‪.‬‬

‫إف ىذه االعتبارات كميا ىي اعتبارات فيزيائية تتعمق بطبيعة األجساـ‪ :‬فاألرض ثقيمة‪،‬‬
‫ومكانيا الطبيعي ىو مركز العالـ؛ أما األجراـ السماوية‪ ،‬فيي كاممة وشريفة‪ ،‬وال يميق بيا إال‬
‫أكمل الحركات‪ ،‬وىي الحركة المستديرة‪ .‬عبر ابن رشد عف ىذا المطمب الفيزيائي عندما‬
‫طالب عمـ الفمؾ بأف يستمد مبادئو مف عمـ الطبيعة األرسطي الذؼ اعتبره عمما حقا‪ ،‬ورفض‬
‫فمؾ بطميموس‪ ،‬ألف «القوؿ بفمؾ التدوير والخارج المركز أمر خارج عف الطبع»‪ .‬ىكذا حكـ‬
‫ابف رشد عمى فمؾ عصره الذؼ كاف يستند إلى نظرية بطمميوس‪:‬‬

‫«إف عمـ الييئة [=عمـ الفمؾ] في وقتنا ىذا ليس منو شيء موجود‪ ،‬وانما الييئة الموجودة في‬
‫وقتنا ىذا ىي ىيئة موافقة لمحساب ال لموجود»‪.‬‬
‫وحتى نأخذ فكرة وافية عف ىذه الشروط ِّ‬
‫المقيدة لعمل عمماء الفمؾ‪ ،‬البد مف تقديـ تصور‬
‫مجمل عف طبيعيات (فيزياء) أرسطو‪.‬‬

‫تستند فيزياء المعمـ األوؿ إلى معطيات ووقائع بسيطة نقبميا جميعا‪ .‬فسقوط جسـ ثقيل أمر‬
‫يبدو لنا "طبيعيا"؛ أما صعوده إلى أعمى بحرية –إف حصل‪ -‬فيو الذؼ سيثير دىشتنا‬
‫ليب ش ٍ‬
‫عمة نحو "األعمى" يبدو لنا أم ار "طبيعيا"‪ ،‬ولذلؾ‬ ‫باعتباره أم ار مضاد لمطبيعة‪ .‬واتجاه ِ ُ‬
‫نضع الطناجر "فوؽ" النار؛ أما اتجاىو نحو "األسفل" –إف حصل‪ -‬فيو الذؼ سيثير دىشتنا‬
‫ويدعونا إلى البحث عف تفسير‪..‬‬

‫يبدأ العمـ حسب أرسطو عندما نسعى إلى تفسير األشياء التي تبدو طبيعية‪ .‬وتمييزه بيف‬
‫الحركات "الطبيعية" والحركات "القسرية" يقع داخل تصور شامل لمواقع الفيزيائي‪ .‬وأىـ مبادغ‬
‫ىذا التصور الشامل ىي‪:‬‬

‫‪ ‬االعتقاد في وجود "طبائع" محددة كيفيا؛‬

‫‪ ‬االعتقاد في وجود "كوصموص"‪ :‬أؼ االعتقاد في أف كل األشياء والكائنات خاضعة‬


‫لمبادغ تجعميا تشكل كال منظما تنظيما تراتبيا‪.‬‬

‫لقد كاف "الطبيعي"‪ ،‬في التصور األرسطي الذؼ ظل مييمنا حتى مشارؼ األزمنة الحديثة‪،‬‬
‫يدؿ عمى نمط وجود مقابل "لممصنوع"‪ .‬ليس لمشيء المصنوع طبيعة مخصوصة؛ فمبدأ‬
‫حركتو (أؼ انتقالو مف القوة إلى الفعل مثال) يوجد في الصانع‪ .‬أما الطبيعي‪ ،‬فمو طبيعة‬
‫تخصو‪ .‬وطبيعتو ىذه ىي مبدأ حركاتو (أؼ أف نموه أو نقصانو‪ ،‬وتغير حالو‪ ،‬وتنقمو في‬
‫ِ‬
‫محددا لحركة‬
‫المكاف‪ ،‬أمور تحدث لو وفيو مف تمقاء ذاتو)‪ .‬ولذلؾ اعتُبرت الطبيعة مبدأ ّ‬
‫األجساـ الطبيعية‪ ،‬أؼ مبدأ يفسر سكوف األجساـ الطبيعية وحركاتيا المختمفة (التغيرات التي‬
‫وموضع ُو َنْقم ًة)‪.‬‬
‫َ‬ ‫وكيف ُو استحال ًة‪،‬‬
‫يادة ونقصانا‪َ ،‬‬
‫تمس كـ الجسـ ز ً‬
‫يتألف مجموع الواقع الفيزيائي [=العالـ]‪ ،‬بحسب ىذا التصور‪ ،‬مف كائنات ليا "طبائع"‬
‫ِ‬
‫حركة ىذه الكائنات ومواضعيا التي تسكف فييا وتجد‬ ‫ع‬
‫مختمفة نوعيا‪ .‬وتمؾ الطبائع تحدد نو َ‬
‫فييا كماليا‪.‬‬

‫تحتل األرض‪ ،‬مركز العالـ؛ األمر الذؼ يجعميا تصمح نقطة مرجعية لتحديد حركات باقي‬
‫كائنات الطبيعة‪:‬‬

‫‪ -‬فيي مرجع لتقدير حركات األجسام األرضية المركبة مف العناصر األربعة (التراب‬
‫والماء واليواء والنار)‪ .‬وبما أف ىذه األجساـ بسيطة‪ ،‬فإف حركاتيا ال بد وأف تكوف‬
‫بسيطة‪ .‬إف حركاتيا جميعا تختمف باختالؼ ثقميا وخفتيا‪ .‬ولما كاف التراب هو‬
‫العنصر الثقيل بإطالق‪ ،‬فإف حركته الطبيعية تكون من أعمى إلى أسفل (=إلى‬
‫المركز)‪ .‬ولما كانت النار هي العنصر الخفيف بإطالق‪ ،‬فإف حركتها الطبيعية تكون‬
‫من أسفل إلى أعمى (=مف المركز)‪ .‬ولما كاف الماء أثقل من الهواء وأخف من‬
‫التراب‪ ،‬وكاف الهواء أخف من الماء وأثقل من الهواء‪ ،‬فإف موضعيما كائف بيف‬
‫فمكي التراب والنار‪ ،‬بحيث يكوف الهواء تحت النار وفوق الماء؛ وكل منيما يتحرؾ‬
‫إلى موضعو عمى نحو طبيعي‪ .‬وىكذا فإف جميع حركات ىذه األجراـ البسيطة ىي‬
‫حركات مستقيمة تتجو إما إلى فوؽ واما إلى تحت‪ ،‬أؼ إما مف المركز واما إلى‬
‫المركز‪.‬‬

‫‪ -‬وىي أيضا مرجع لتحديد حركات األجرام السماوية‪ .‬وبما أف ىذه أجساـ شريفة مكونة‬
‫مف مادة خامسة (=األثير) ال تتوارد عمييا األضداد‪ ،‬فإف أليق الحركات بيا ىي‬
‫الحركة المستديرة حوؿ المركز‪.‬‬

‫فػ"الطبيعة" إذف‪ ،‬مبدأ في الجسـ الطبيعي يحدد نوع حركتو‪ ،‬واتجاىيا‪ ،‬وغايتيا‪ ،‬وتسارعيا أو‬
‫تباطؤىا‪ ،‬وتوقفيا‪ .‬وىكذا‪ ،‬لألجراـ السماوية البسيطة طبيعة خاصة ىي السبب في حركاتيا‬
‫المستديرة الدائمة حوؿ المركز؛ ولألجساـ األرضية طبيعة مخصوصة ىي السبب في‬
‫حركاتيا المستقيمة المؤقتة مف المركز (إلى فوؽ) أو نحو المركز (إلى تحت)‪ ،‬وفي ما يط أر‬
‫عمييا مف تغيرات كمية وكيفية‪.‬‬

‫فمنالحع ىنا أف مفيوـ الحركة عند أرسطو ال يقتصر عمى الحركة الموضعية أو النقمة في‬
‫المكاف‪ ،‬بل يشمل أيضا التغيرات التي تط أر عمى األجساـ مف قبيل التغير في كـ الشيء‬
‫زيادة أو نقصانا‪ ،‬والتغير الكيفي الذؼ سماه قدماؤنا بػ"االستحالة"‪ .‬وىكذا فإف نمو الشجرة‪،‬‬
‫وتحوؿ لوف أوراقيا مف األخضر إلى البني مثال‪ُ ،‬يعتبر عند أرسطو حركة تحتاج إلى تفسير‬
‫فيزيائي‪ .‬والحركة‪ ،‬بيذا المعنى الواسع‪ ،‬محصورة دائما بيف َحديف‪َ :‬حد أولي وحد نيائي؛ فإذا‬
‫ما تحققت اإلمكانات التي ينطوؼ عمييا الحد األوؿ بالقوة‪ ،‬انتيت الحركة إلى السكوف الذؼ‬
‫إمكاف أف يصير راشدا؛ فإذا تحقق ىذا‬
‫ُ‬ ‫ىو الحد الثاني‪ :‬ينمو الطفل مثال مف جية أف فيو‬
‫اإلمكاف توقف النمو‪ .‬وبعبارة أخرػ إف كل حركة تحدث بيف ضديف (أبيض↔ أسود‪،‬‬
‫صغير↔ كبير‪ ،‬أسفل ↔ أعمى‪ .)...‬ثـ إف الحركة ىي تغير يصيب حاؿ الجسـ المتحرؾ‬
‫أو بنيتو الداخمية‪ ،‬أو لنقل إنيا سيرورة تغير تؤدؼ إلى التأثير في بنية ىذا الجسـ (كونا أو‬
‫فسادا‪ ،‬نموا أو نقصانا‪ ،‬استحالة‪ .)...‬وىذا التغير في حالة الجسـ المتحرؾ ال يمكف أف‬
‫يحدث مف دوف سبب داخمي أو محرؾ خارجي‪ .‬إذا كانت الحركة طبيعية‪ ،‬فإف المحرؾ‬
‫عندئذ ىو طبيعة الجسـ ذاتيا التي تعيده إلى موضعو الطبيعي‪ .‬أما إذا كانت حركة تخالف‬
‫طبيعة الجسـ المتحرؾ‪ ،‬أؼ حركة قسرية‪ ،‬فإف المحرؾ عندئذ يكوف خارجيا‪ ،‬وىو يؤثر في‬
‫ىذا الجسـ إما بالدفع واما بالجر‪.‬‬

‫إف مجموع الواقع الفيزيائي‪ ،‬الذؼ سماه اليونانيوف بالػ"كوصموص"‪ ،‬ليس مجرد نظاـ ىندسي‬
‫تتوزع فيو األجراـ وفقا لطبائعيا الكيفية‪ ،‬بل ىو كذلؾ نسق تتحدد فيو المكانة األنطولوجية‬
‫لمكائف بحسب طبيعتو التي تؤىمو ألف يحتل أحد المواضع المعمومة داخل ىذا المجموع‬
‫المحكـ الترتيب‪ .‬لمكوصموص شكل كروؼ‪ ،‬وىو يحوؼ أفالكا عديدة تدور كميا حوؿ‬
‫األرض؛ وكل فمؾ يفوؽ في الشرؼ الفمؾ الذؼ دونو‪ ،‬وصوال إلى أعالىا شرفا‪ ،‬وىو الفمؾ‬
‫المحيط أو فمؾ النجوـ الثوابت‪ .‬ينقسـ ىذا الكوصموص إلى عالميف متمايزيف من حيث‬
‫المكان (ما فوؽ القمر‪ ،‬وما تحت القمر)‪ ،‬ومن حيث المادة (األثير ألجراـ العالـ العموؼ‪،‬‬
‫والعناصر األربعة ألجساـ ما دوف فمؾ القمر)‪ ،‬ومن حيث الصورة (الحركة المستديرةلألجراـ‬
‫السماوية‪ ،‬والحركة المستقيمة لألجساـ األرضية)؛ وبيف العالميف فارؽ أنطولوجي وقيمي‬
‫راجح طبعا لصالح السماء‪.‬‬

‫تستطيع الرياضيات تحديد حركات األجراـ السماوية‪ ،‬وتبرير "تحيرِاتيا"‪ ،‬ولكف دوف ادعاء أؼ‬
‫شيء عف طبائعيا؛ ألف عالـ السماوات وحده ينطوؼ عمى انتظاـ وثبات ال نجد ليما نظي ار‬
‫تحت فمؾ القمر‪ .‬وبعبارة أخرػ‪ ،‬يمكف التعويل عمى الرياضيات لػ"إنقاذ المظاىر" السماوية‪،‬‬
‫مف خالؿ بناء نماذج رياضية (ىندسية) ُترد االختالالت الممحوظة في حركات األجراـ‬
‫السماوية (التوقف والتراجع واإلسراع واإلبطاء) إلى نظاـ وانتظاـ غير ممحوظيف‪ .‬وباختصار‪،‬‬
‫إف عمم الفمك الرياضي أمر ممكن‪ .‬أما عالـ ما دوف فمؾ القمر‪ ،‬فيو عالـ التقمب‪ :‬فأشياؤه‬
‫تتكوف‪ ،‬وتصير‪ ،‬وتفسد‪ .‬وحركة ىذه األشياء ذات طابع كيفي‪ ،‬إذ ىي ليست حالة‪ ،‬بل‬
‫سيرورة تغي ٍر ليا بداية‪ ،‬وليا غاية تقف عندىا‪ .‬كما أف ليا تأثي ار عمى الجسـ المتحرؾ‪ ،‬وال‬
‫يمكف أف تستمر تمقائيا وآليا في غياب الفعل المستمر لمحرؾ خارجي‪ .‬ال تستطيع‬
‫ِ‬
‫أشيائو‬ ‫طبائع‬ ‫الرياضيات المجردة أف تقوؿ شيئا عف ىذا العالـ الحسي الذؼ تتبايف‬
‫ُ‬
‫ف وال حركة في مممكة األشكاؿ واألعداد‪ ،‬التي ال‬
‫اضعيا وحركاتُيا تباينا كيفيا‪ ،‬إذ «ال َك ْي َ‬
‫ومو ُ‬
‫زماف»‪ .‬ليس ثمة تجانس بيف المكان الفيزيائي والفضاء الهندسي‪ ،‬إذ توجد في‬ ‫يجرؼ عمييا ٌ‬
‫األوؿ اتجاىات ومواضع متباينة كيفيا ومتراتبة قيميا‪ ،‬وىو اإلطار األنسب الذؼ فيو يمكف‬
‫لألجساـ المختمفة في الطبيعة أف تتوجو وتيتدؼ إلى مواطنيا حيث تسكف‪ .‬أما الثاني‪ ،‬فإطار‬
‫كيف فيو وال حركة وال مواضع مخصوصة وال اتجاىات معمومة‪ .‬وبالتالي فإف‬
‫مجرد ال َ‬
‫الجسـ‪ ،‬إذا ما ُوجد في ىذا الفضاء‪ ،‬لف يكوف لديو سبب يدفعو أف يذىب نحو اتجاه معيف‪،‬‬
‫ال بل ليس لديو سبب ألف يتحرؾ عمى اإلطالؽ؛ واذا تـ تحريكو‪ ،‬فمف يكوف ىناؾ سبب ألف‬
‫يتوقف ىنا وليس ىناؾ‪ ،‬ال بل ليس ىناؾ سبب ألف يتوقف عمى اإلطالؽ‪.‬‬

‫لقد أدرؾ المعمـ األوؿ أف الفراغ أو الخالء (‪ ،)le vide‬أؼ الفضاء اليندسي‪ ،‬يحطـ تماما‬
‫نظاـ الكوصموص‪ .‬ففي الفراغ ال توجد مواضع طبيعية‪ ،‬ال بل ال توجد مواضع بتاتا؛ ألف‬
‫الفضاء اليندسي متجانس تماما‪ .‬إف فكرة الفراغ تتعارض تماما مع مفيوـ الحركة باعتبارىا‬
‫سيرورة تغير‪ .‬إنو فضاء ال يصمح إال لألجساـ اليندسية المجردة مف الطبائع والخصائص‬
‫الكيفية‪ .‬ولذلؾ أكد أرسطو أف الخمط بيف اليندسة والفيزياء‪ ،‬وتطبيق المنيج واالستدالؿ‬
‫اليندسييف في دراسة الواقع الطبيعي‪ ،‬أمراف غير مقبوليف‪.‬‬

‫غير أف الديناميكا األرسطية‪ ،‬ورغـ قوتيا واتساقيا النظرييف‪ ،‬تضمنت نقطة ضعف انتبو‬
‫إلييا الكثيروف منذ أواخر العصر القديـ‪ .‬يتعمق األمر بتجربة يومية‪ ،‬ممحوظة مف َقبل‬
‫الجميع‪ ،‬عجزت ىذه الديناميكا عف تقديـ تفسير معقوؿ ليا‪ :‬إنيا تجربة الرمي ( ‪la‬‬
‫‪) projection‬؛ والرمي حسب مبادغ الديناميكا األرسطية حركة قسرية‪ .‬عندما نرمي أو‬
‫نقذؼ جسما يظل ىذا األخير يتحرؾ حتى بعد انفصالو عف محركو األصمي (حركة السيـ‬
‫بعد انفصالو عف القوس‪ ،‬حركة الحجر المقذوؼ‪ ،‬الدوراف المستمر لمعجمة‪ .)...‬تتعارض ىذه‬
‫الظاىرة مع المبدأ القائل إف استمرار الحركة القسرية يقتضي قوة خارجية مماسة لمجسـ‬
‫المتحرؾ ؛ ذلؾ أف الجسـ المتحرؾ ىنا ينفصل عف المحرؾ (الرامي)‪ ،‬ومع ذلؾ يواصل‬
‫حركتو في اتجاه مخالف التجاىو الطبيعي‪.‬‬

‫فسر المعمـ األوؿ ىذه الظاىرة برد فعل اليواء‪ .‬فاليواء ىو الوسط الذؼ يخترقو الجسـ‬
‫المرمي‪ ،‬وبما أف دفعو أسيل وأسرع‪ ،‬فإنو يجر معو المرمي‪ .‬ىكذا منح أرسطو لميواء ما‬
‫امتنع عف نسبتو إلى الرامي‪ .‬تعرض ىذا التفسير منذ يوحنا النحوي (القرف ‪ 6‬ـ) لنقد مفاده‬
‫أف اليواء ليس محركا بل مقاوما لمحركة‪ .‬فكيف يمكف لميواء أف يكوف في اآلف نفسو محركا‬
‫ومقاوما لمحركة؟ لِ َـ ال نفترض أف المحرؾ َي ُمد الجسـ المتحرؾ بقوة غير مادية (‪)dynamis‬‬
‫تجعمو يواصل حركتو إلى أف تضعف ىذه القوة المطبوعة‪ ،‬فيرتد إلى موضعو الطبيعي؟‬

‫قدـ يوحنا النحوؼ المالمح األولى ليذه النظرية التي سميت بفيزياء الدفع أو الميل ( ‪la‬‬
‫‪ ،)physique de l’impetus‬وقد تعرؼ عمييا الفالسفة والعمماء في العالـ اإلسالمي‪،‬‬
‫فناصرىا ابن سينا وابن باجة والبطروجي‪ ،‬وأدركت شكميا األكثر تنسيقا وتعميما مع جون‬
‫بوريدان (‪ )Jean Buridan‬في القرف ‪ .95‬إف ىذه النظرية محاولة لتطوير فيزياء أرسطو‬
‫وس ِّد إحدػ ثغراتيا‪ .‬ومبدأىا األساسي ىو أف «العمة المحركة المسؤولة عف تواصل حركة‬
‫َ‬
‫القذيفة‪[ ...‬عبارة] عف قوة منطبعة قائمة كخاصية بحتة في المتحرؾ‪ ،‬يتمقاىا مف القاذؼ‬
‫األوؿ ويحتفع بيا ويستعمميا لمحفاظ عمى حركتو حتى نفادىا»‪ .‬وبعبارة أخرػ‪ ،‬إف القاذؼ‬
‫ص ِّرفيا وىو يتحرؾ؛ وعندما تضعف ىذه القوة‬
‫يطبع في المقذوؼ قوة يختزنيا ىذا‪ ،‬ثـ ُي َ‬
‫وتصير مساوية لمصفر‪ ،‬يعود المقذوؼ إلى موضعو الطبيعي‪.‬‬

‫تتوافق ديناميكا الدفع أو الميل أكثر مف ديناميكا أرسطو مع الوقائع‪ ،‬وخصوصا مع تمؾ التي‬
‫مفادىا أف كل قذيفة تبدأ بتنامي سرعتيا‪ ،‬وتحصل عمى أقصى سرعة في زمف يسير بعد‬
‫انفصاليا عف المحرؾ‪ .‬إف الميـ في ديناميكا الميل ىو أنيا لـ تعد تعتبر الحركة سيرورة‬
‫تحقق (‪ ،)processus d’actualisation‬ولكنيا مع ذلؾ بقيت تغيرا؛ والتغير يحتاج إلى‬
‫تفسير‪ .‬والتفسير الذؼ قدمتو ىذه النظرية يقوؿ إف القوة المطبوعة في المتحرؾ ىي السبب‬
‫المحايث الذؼ ُيحدث الحركة (رغـ أنو ليس داخميا مثل "الطبيعة")‪ .‬ودورىا ال يقتصر عمى‬
‫التحريؾ‪ ،‬بل يشمل أيضا تخطي المقاومة التي يواجو بيا الوسط الحركة‪.‬‬

‫يقوؿ بوريدان بعد نقد التفسير األرسطي لتواصل حركة القذيفة‪« :‬يبدو لي أف ما يجب قولو‬
‫ىو أنو عندما يحرؾ المحرؾ جسما ما‪ ،‬فإنو يطبع فيو ميال أو قوة قادرة عمى تحريؾ‬
‫المتحرؾ في االتجاه نفسو الذؼ يدفعو إليو المحرؾ سواء أكان هذا نحو األعمى أو نحو‬
‫األسفل‪ ،‬إلى هذا الجانب أوذاك أو دائريا‪ ...‬فيذا الميل ىو الذؼ يجعل حركة المقذوفة‬
‫تتواصل بعد انفصاليا عف المحرؾ‪ .‬وبفعل مقاومة اليواء وتأثير الثقالة أيضا التي تدفع‬
‫بالحجر المتحرؾ في اتجاه مخالف التجاه المحرؾ‪ ،‬يتناقص تأثير المحرؾ ويضعف إلى‬
‫درجة تتغمب فييا عميو الثقالة‪ ،‬فيتجو المتحرؾ نحو مكانو الطبيعي»‪.‬‬

‫يبيف لنا نص بوريدان أف الميل أصبح مبدأ تفسيريا ال لمحركة القسرية فقط‪ ،‬بل حتى لمحركة‬
‫الطبيعية‪ ،‬مستقيمة كانت أو دائرية‪ .‬وليذا يخالف بوريداف أرسطو حتى في تفسير حركات‬
‫األفالؾ السماوية‪ .‬إف دواـ ىذه الحركات وانتظاميا ال يعود إلى كونيا ُمكونة مف عنصر‬
‫أزلي وبسيط (=األثير) ‪ ،‬بل إلى ميل طبعو هللا فييا عندما خمق العالـ‪ .‬وبما أف العالـ‬
‫السماوؼ خاؿ مف اليواء ومف أؼ وسط مقاوـ‪ ،‬فإف حركات األفالؾ فيو دائمة‪.‬‬

‫تكمف أىمية نظرية الميل في أنيا ىيأت األرضية الميتافيزيقية المالئمة لمقبوؿ بفكرة وحدة‬
‫العالـ مف جية قوانيف حركات أجسامو أرضية كانت أو سماوية‪.‬‬

You might also like