You are on page 1of 16

‫الفلسفة النيوتنية‬

‫وأساسيات ترتيب العامل‬

‫مقـاالت‬
‫أسامة العبيدي بكار‬
‫فلسفية‬

‫جميع الحقوق محفوظة ‪2023‬‬ ‫‪ 20‬ديسمرب ‪2023‬‬


‫الفلسفة النيوتنية وأساسيات ترتيب العالم‬

‫أسامة العبيدي بكار‬

‫‪3‬‬
‫ملخص‬

‫لــن حــاول الفالســفة واإلبســتمولوجيون تهميــش املامرســة الفلســفية النيوتنيــة‬


‫بحجــة أن هــذا العا ِلــم أصبــح فيلســوفًا فقــط يف املرحلــة األخرية مــن حياتــه العلمية‪،‬‬
‫فــإن هــذا ال يعكــس بتاتًــا مــدى تأثــر اإلنجــازات الفيزيائيــة التــي متيــز بهــا نيوتــن‬
‫يف توســيع دائــرة البحــث الفلســفي عــن النظــام يف الطبيعــة‪ ،‬نظــام متيــز بــه الكــون‬
‫منــذ الفلســفة الفيثاغوريــة وحتــى اكتشــاف الجاذبيــة الكونيــة‪ ،‬فكيــف لعا ِلـ ٍ‬
‫ـم حــاول‬
‫التنبــؤ مبوعــد نهايــة الكــون‪ ،‬وأراد البحــث عــن العــوامل األخــرى التــي قــد تُشــكل‬
‫ـس‬
‫هــذا الكــون أن ال يُنعــت بالفيلســوف‪ ،‬فيلســوف حــاول إقامــة العلــم عــى أسـ ٍ‬
‫رياضيــة‪ ،‬حيــث إنــه ومــع كل انتصــا ٍر جدي ـ ٍد يف العلــم نعــود لعــامل نيوتــن‪ ،‬ومــع‬
‫كل انكســار نُراجــع أخطــاء نيوتــن‪ ،‬هــذا الفيزيــايئ الــذي أعطــى الضــوء األخــر‬
‫للتفكــر يف مســائل ومشــاكل مهمــة تجمــع الفيزيــاء بالفلســفة‪ ،‬هــذه الفلســفة التــي‬
‫تؤمــن بامليكانيــكا والتــي مــن خاللهــا أصبحنــا نتحــدث عــن اإلنســان امليكانيــي‬
‫نظــام محكــم بقوانــن صارمــة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫وأفعــااًل ميكانيكيــة داخــل‬ ‫ٍ‬
‫قــدرات‬ ‫الــذي ميتلــك‬
‫ولعــل هــذه الرؤيــة النيوتنيــة للعــامل ومــدى تعارضهــا مــع رؤيــة وفلســفة رواد الفيزياء‬
‫الكوانطيــة ‪-‬باعتبارهــا أعظــم نظريــات علــم الفيزيــاء‪ -‬هــي التــي تجعلنــا نُســارع مــن‬
‫أجــل فهــم ذلــك الجانــب املهمــش يف حيــاة نيوتــن‪ ،‬وهــو الجانــب الفلســفي الــذي‬
‫مــن خاللــه فكــر نيوتــن يف مســائل وظواهــر هــذا الكــون‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫‪1 .‬الفكر النيوتني‪ :‬من اإلنجازات العلمية إىل اآلراء الفلسفية‪:‬‬

‫‪ -‬لــن أصبحــت الجاذبيــة مــن القوانــن األساســية للطبيعــة‪ ،‬فإنهــا مهــدت‬


‫مل جديــد‪ ،‬ال ميكــن تفســره إال مــن خــال التعمــق يف أهــم أفــكار‬
‫الكتشــاف عــا ٍ‬
‫فلســفة القــرن الســابع عــر‪ ،‬فمــن خــال فلســفة ديــكارت‪ ،‬اكتشــافات غاليــي‪،‬‬
‫أفــكار كبلــر‪ ،‬اليبنتــز وباســكال‪ ،‬أصبــح نيوتــن قــاد ًرا عــى ترتيــب العــامل وفــق مــا‬
‫متليــه عليــه امليكانيــكا‪ ،‬وبحلــول ســنة ‪« 1666‬كان العمــل الــذي نــدر نيوتــن عمــره‬
‫لــه أكــر وضو ًحــا وتحديــدً ا‪ ،‬وكان قــد انضــم إىل مجموعــة مــن املفكريــن الذيــن‬
‫يعتقــدون أن الكــون شــأن الســاعات الكبــرة التــي تُزيــن األبــراج يف القــرون الوســطى‬
‫محكــو ٌم بقوانــن عقليــة»(‪ ،)1‬هــذه القوانــن حــاول صياغتهــا أفالطــون منــذ القــرن‬
‫الرابــع قبــل امليــاد‪ ،‬بوصفــه أول مــن نــادى برتييــض الطبيعــة‪ ،‬أي اعتبــار الظواهــر‬
‫الطبيعيــة مســائل رياضيــة‪.‬‬

‫تبرز األسئلة الفلسفية التي طرحها نيوتن على الكون‪ ،‬تعمقه في فلسفات كل من‬
‫توماس هوبس‪ ،‬بيير جاسندي‪ ،‬وهنري مور‪ ،‬هذا الفيلسوف الذي أكد أن الفكر النيوتني‬
‫قريبا للفلسفة األفالطونية في بداية حياته الجامعية في كمبريدج‪ ،‬وقد أسهم مور‬
‫كان ً‬
‫بنفسه في نشر أهم األفكار األفالطونية المتعلقة بالدين والعالم في تلك الفترة‪ ،‬وتجدر‬
‫اإلشارة هنا إلى أن مساحة استغالل نيوتن في المسائل الفلسفية والالهوتية كانت تغطي‬
‫مرحلة متأخرة من حياته العلمية‪ ،‬حيث إن العديد من المؤرخين أكدوا أن هذا العالم‬
‫حاول اإلجابة عن بعض األسئلة المحرجة المتعلقة بالرؤية الفلسفية التي ولدت من‬
‫خالل نظرته الميكانيكية عندما تجاوز الخمسين من عمره‪.‬‬

‫((( جيــل كريستيانســن‪ ،‬إســحاق نيوتــن والثــورة العلميــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬مــروان البــواب‪ ،‬مكتبــة العبيــكان‪،‬‬
‫اململكــة العربيــة الســعودية‪( ،‬ط‪ ،2005 ،)1‬ص‪.36‬‬

‫‪5‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫أكد ألكسندر كوريه أن نيوتن «كان يعجز عن التفكير دون قلم»(‪ )1‬وهذه الصورة‬
‫الميكانيكية التي سيطرت على كتاباته‪ ،‬تعكس لنا صورة النظام الذي أراد هذا الفيزيائي‬
‫تقديمه للعالم‪ ،‬خاصة عندما تعمق في فلسفة فيثاغور‪ ،‬هذا األخير الذي دافع عن الكون‬
‫المنظم في جميع أرجائه‪ ،‬وما أثار إعجاب نيوتن بهذه الفلسفة هو أن فيثاغور «كان‬
‫عكسيا مع مربع المسافة الفاصلة‬
‫ًّ‬ ‫علم تام بأن تجاذب جسمين سماويين يتناسب‬ ‫على ٍ‬
‫بينهما»(‪ )2‬فال عجب إ ًذا أن الميكانيكا النيوتنية تجعل من هذا الكون يتميز برابطة وثيقة‪،‬‬
‫تتحكم في قوانين الطبيعة‪ ،‬ولعل هذه الرابطة تختزل في اإلله الذي يتحكم في العالقات‬
‫المتبادلة بين جميع روابط الكون‪ ،‬وهنا نالحظ مدى تأثير الفلسفة الديكارتية في الفكر‬
‫النيوتني الذي كلما أراد أن يناقض ديكارت‪ ،‬وجد نفسه في عمق فلسفته‪.‬‬
‫أكد ديكارت في كتابه «مبادئ الفلسفة» ‪ Principia philosophiae‬الذي نشر‬
‫سنة ‪ 1644‬أن «الله هو السبب األول للحركة»(‪ ،)3‬وهذا ما جعل نيوتن يؤكد فكرة إله‬
‫النظام لديكارت من خالل نصوصه الالهوتية والفلسفية‪ ،‬حيث بإمكاننا أن نقف على‬
‫االنطالقة الحقيقة للممارسة العلمية النيوتنية‪ ،‬من خالل رفض هذا الفيزيائي للمناهج‬
‫التقليدية‪ ،‬المتمثلة في الفلسفة األرسطية لصالح الفلسفة الميكانيكية‪ ،‬هذه الفلسفة‬
‫التي تأسست من خالل أفكار بيير جاسندي‪ ،‬عندما أنكر فكرة خلود الذرات وتحركها‬
‫من تلقاء نفسها‪ ،‬فالخلود للرب وحده‪ ،‬والرب هو الذي يحركها [الذرات] وتؤكد هذه‬
‫الفلسفة على وجود مادة واحدة فقط في العالم تنحدر منها جميع األشياء‪ ،‬وكان روبرت‬
‫بويل بوصفه من العلماء الذين تأثروا بالفلسفة الميكانيكية يؤكد على قدرة الكيمياء في‬
‫فهم الخطة التي من خاللها يسير العالم‪ ،‬ولعل هذا ما يجعل من نيوتن يدقق عن قرب‬
‫طمعا منه في فهم العالم‪.‬‬
‫ً‬ ‫في المسائل الكيميائية‬

‫‪(1) Alexandre koyré, Etudes Newtoniennes, Ed Gallimard, Paris 1968, p317.‬‬


‫‪(2) Pierre Thuillier, Isaac Newton: un alchimiste pas comme les autres, la recherche, n° 212,‬‬
‫‪Juillet/Aout 1889, Vol 20, p880-881.‬‬
‫‪(3) Œuvres de Descartes, seconde partie des princes, publiées par C. ADAM et P. TAM-‬‬
‫‪MERY, Paris, vrin 1996, p83.‬‬

‫‪6‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫‪ -‬إذا أردنا أن ننظر إىل كون نيوتن بكل جدية‪ ،‬فام الذي سرناه بالضبط؟‬

‫إننا ننظر إلى ساعة ميكانيكية تشبه ساعة «بيغ بن» ‪ Big Ben‬التي تزين العاصمة‬
‫لندن منذ سنة ‪ 1859‬حيث إن حركتها تختزل في مبادئ رياضية دقيقة‪ ،‬تجري وفق نظا ٍم‬
‫محكم يعكس لنا قوانين صارمة ترتب هذا الكون‪ ،‬الذي ال نجد فيه مساحة للفوضى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫فرغم أن نيوتن «كان غير قادر على اكتشاف السبب الحقيقي لوجود الثقالة نفسها وهي‬
‫ٍ‬
‫كون‬ ‫مقنعا بأننا نعيش في‬
‫ً‬ ‫كبيرا‪ ،‬فإن القوانين التي صاغها تعطي برهانًا‬
‫لغزا ً‬
‫ال تزال ً‬
‫يخضع لنظا ٍم محدد يمكن معرفة قوانينه»(‪ ،)1‬وقد سعى الميكانيكيون في تلك الفترة‬
‫‪-‬مثل الفيزيائيين وعلماء التشريح‪ -‬على التركيز في دراسة جسم اإلنسان‪ ،‬بوصفه العالم‬
‫عالم كبير‪ ،‬وقد أكدوا في هذا السياق أن بنيته الخفية قد ترتبط‬
‫ٍ‬ ‫الصغير الذي يقع داخل‬
‫بقوانين ميكانيكية‪.‬‬
‫حاول الفالسفة الميكانيكين تطبيق أفكارهم على جميع الظواهر الطبيعية‪ ،‬لدرجة‬
‫أنهم دافعوا على فكرة أن الحيوانات أصبحت تمتلك حركة ذاتية غرسها الله فيها‪،‬‬
‫فصياح الديكة على نور الشمس‪ ،‬شروق الشمس وغروبها‪ ،‬تجمد جسم اإلنسان‬ ‫ّ‬
‫في البرد الشديد‪ ،‬وحركة رمش العين الالإرادية‪ ،‬كل هذه األحداث تؤكد لنا سيطرة‬
‫الميكانيكا النيوتنية على جميع أرجاء هذا الكون‪ ،‬هذه الميكانيكا تجعلنا نعيد «وضع‬
‫مفهوم للرب نفسه‪ً ،‬‬
‫فبداًل من وصفه بأنه مهندس أو كيميائي أو معماري‪ ،‬أصبح ينظر‬
‫فني صمم آلة العالم وجمعها»(‪.)2‬‬
‫إليه على أنه ميكانيكي أو صانع ساعات‪ ،‬أي ٌ‬
‫لم يكن نيوتن موم ًنا بعقيدة الثلوث‪ :‬الرب‪ ،‬المسيح‪ ،‬وروح القدس‪ ،‬الذي رأى فيها‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬قادر على تسيير الكون في‬ ‫زعزع ًة لنظام العالم وأسسه‪ ،‬التي تنص على وجود ٍ‬
‫إله‬
‫واعيا بكل شيء حدث في الكون بنفس الطريقة التي يعي بها‬
‫جميع أرجائه‪ ،‬أي أن الله «كان ً‬

‫((( جيل كريستيانسن‪ ،‬إسحاق نيوتن والثورة العلمية‪ ،‬ص‪.123‬‬


‫((( لورنــس إم برنســيبيه‪ ،‬الثــورة العلميــة‪ :‬مقدمــة قصــرة جــدًّ ا‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد عبــد الرحمــن إســاعيل‪،‬‬
‫مراجعــة‪ :‬شــيامء عبــد الحكيــم طــه‪ ،‬مؤسســة هنــداوي للتعليــم والثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص‪88.‬‬

‫‪7‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫البشر الصور التي قد تدخل عقولهم»(‪ ،)1‬فاألفكار الفلسفية النيوتنية كانت تميل منذ البداية‬
‫ٍ‬
‫خالق أبدع في ترتيب أحداث هذا الكون‪ ،‬من األجرام السماوية‬ ‫إلى التأكيد على وجود‬
‫حتى الظواهر األرضية‪ ،‬وقد نشر نيوتن أفكاره الفلسفية المتعلقة بطبيعة الكون في مجلة‬
‫«محاضر الجلسات الفلسفية» ‪ Philosophical transanctions‬هذه األفكار التي جعلت‬
‫عقالنيا يميل إلى التجربة‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫فكرا‬
‫رواد التأويلية يتعاملون مع الفكر النيوتني‪ ،‬باعتباره ً‬
‫على الرغم من أن العديد من الباحثين يؤكدون بأن الكتابات الفلسفية الشحيحة‬
‫لنيوتن كان سببها األول‪ ،‬هو حرص هذا العالم على االبتعاد عن الحوارات الساخنة‪،‬‬
‫إال أن هذا السبب بإمكاننا أن ندحضه‪ ،‬عندما نؤكد بأن الكتابات النيوتنية التي واجه من‬
‫خاللها نيوتن هوك واليبنتز‪ ،‬فالمستيد وديكارت‪ ،‬تبرز روح هذا الفيزيائي الذي تعلق‬
‫بمسائل الكون على المستويين‪ :‬الديني والعلمي‪ ،‬وتبرز مدى اطالع هذا العالم على‬
‫كتابات الفالسفة‪ ،‬فهو عاصر جون لوك ‪ )1704-1632( John Locke‬زعيم التجريبية‬
‫الذي علمه كيف يميز بين الميكانيكا القديمة‪ ،‬التي تعتمد على المهارات اليدوية‪،‬‬
‫وبين الميكانيكا التي مهد لها [نيوتن] من خالل اكتشافه قانون الجاذبية الكونية‪ ،‬وتؤكد‬
‫لنا التجارب التي يذكرها نيوتن في متن كتابه «المبادئ» على ميل هذا العالم إلى‬
‫المنهج التجريبي‪ ،‬لدرجة أن فولتير ‪ )1778-1694( Voltaire‬أكد في عدة مناسبات بأن‬
‫تجريبيا‪ ،‬وهذا ما تبرزه صراعاته المتكررة مع الديكارتية‪ ،‬كذلك‬
‫ًّ‬ ‫فكرا‬
‫فكر نيوتن كان ً‬
‫أكد ليون بلوك ‪ Léon Bloch‬في كتابه «فلسفة نيوتن» ‪La philosophie de Newton‬‬
‫أن هذا الفيزيائي استخدم المنهج التجريبي‪ ،‬في محاولة فهمه للظواهر الطبيعية‪ ،‬حيث‬
‫كان يجري عدة تجارب لمزج بعض األدوية في صيدلية كالرك في مدينة غرانثام‪،‬‬
‫وأجرى تجارب على الزئبق‪ ،‬وفي هذا السياق أكد ويليام ستكيلي مؤرخ حياة نيوتن‬
‫ألعاب يدوية منذ أن كان في الرابعة عشر من عمره‪،‬‬‫ٍ‬ ‫على قدرة هذا العالم في اختراع‬
‫ً‬
‫بسيطا‪ ،‬ولم تكن طفولته بال غاية‪ ،‬بل‬ ‫فحسب جيل كريستانسن «لم يكن إسحاق نيوتن‬
‫كانت قائمة على اللعب باألفكار واآلالت»(‪.)2‬‬

‫((( روب أيلــف‪ ،‬نيوتــن‪ :‬مقدمــة قصــرة جــدً ا‪ ،‬ترجمــة‪ :‬شــيامء طــه الريــدي‪ ،‬مراجعــة‪ :‬إميــان عبــد الغنــي‬
‫نجــم‪ ،‬مؤسســة هنــداوي للتعليــم والثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص‪.118‬‬
‫((( جيل كريستيانسن‪ ،‬إسحاق نيوتن والثورة العلمية‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪8‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫لئن رأى فولتير الجانب التجريبي فقط في فلسفة نيوتن‪ ،‬ألنه وضع الفلسفة النيوتنية‬
‫في مقابل الفلسفة الديكارتية‪ ،‬فكيف يمكننا أن نفهم قول هذا العالِم [نيوتن]‪« :‬يجب‬
‫أن نتجرد من الحواس في المواضيع الفلسفية»؟(‪.)1‬‬
‫يتضح لنا من خالل هذا القول أن الفلسفة النيوتنية هي فلسفة عقالنية تعتمد على‬
‫التجربة‪ ،‬فنيوتن كان يؤمن بقدرة العقل في القيام بالفلسفة الطبيعية‪ ،‬وهنا يرسم هذا‬
‫العالم خط االلتقاء بالفلسفة الديكارتية‪ ،‬التي كانت فلسفة العقل في القرن السابع‬
‫ٍ‬
‫أسس رياضية‪ ،‬وهذا‬ ‫عشر‪ ،‬باإلضافة إلى أن هذا الفيلسوف حاول إقامة العلم على‬
‫ما جعل من ألكسندر كوريه يؤكد بأن نيوتن يلتقي مع ديكارت في ما يعرف بالجانب‬
‫الرياضي العقالني «وخالصة القول أن االتجاه الرياضي واضح وجلي عند نيوتن‪ ،‬ومن‬
‫نظرا الرتباط الرياضيات بجوهر العقل»(‪ ،)2‬فمن المعلوم‬
‫جدا أن يعني العقالنية ً‬
‫البديهي ًّ‬
‫أن أي محاولة للبحث عن كيفية عمل الظواهر الكونية‪ ،‬هي بمثابة تأكيد على النزعة‬
‫ٍ‬
‫بصفة مباشرة في الفلسفة النيوتنية‪ ،‬هذه الفلسفة التي ساهمت‬ ‫العقالنية التي نالحظها‬
‫ٍ‬
‫صورة ميكانيكية‪.‬‬ ‫في ترتيب العالم واختزاله في‬

‫‪2 .‬الفلسفة الطبيعية‪ :‬من امليكانيكا إىل امليتافيزيقا‪:‬‬

‫‪ -‬أثــر التصــور امليكانيــي للكــون عــى فكــر نيوتــن‪ ،‬لدرجــة أنــه أصبــح يفكــر‬
‫يف الجســد مــن خــال الــروح واألثــر م ًعــا‪ ،‬هــذا األثــر الــذي ينقــل الــروح إىل‬
‫الجســد‪ ،‬مثلــا ينقــل ضــوء الشــمس إىل األرض‪ ،‬وقــد طــرح نيوتــن العديــد مــن‬
‫األســئلة امليتافيزيقيــة‪ ،‬وهــو يحــاول تأســيس فلســفته امليكانيكيــة‪ ،‬هــذه الفلســفة‬
‫التــي أرادت البحــث عــن حقيقــة العــامل وطبيعــة األشــياء الســاوية‪ ،‬آليــة اشــتغال‬

‫‪(1) Isaac Newton, The Mathematical Principles of Natural philosophy, translated by An-‬‬
‫‪drew Motte, first American Edition, New York, published by Daniel Adee, 1846, P87.‬‬
‫((( عبــد القــادر بشــته‪ ،‬اإلبســتيمولوجيا‪ :‬مثــال الفيزيــاء النيوتنيــة‪ ،‬دار الطليعــة للطباعــة والنــر‪ ،‬بــروت‪-‬‬
‫لبنــان‪ ،‬ط‪ ،1995 ,1‬ص‪.101‬‬

‫‪9‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫الكــون واشــتغال الظواهــر الطبيعيــة‪ ،‬فمــن أجــل دفاعــه عــن أفــكاره الجديــدة‪ ،‬التقــى‬
‫هــذا الفيزيــايئ بالعديــد مــن األفــكار املهمــة‪ ،‬التــي نجدهــا تقبــع داخــل املــروع‬
‫الفلســفي الديــكاريت‪ ،‬حيــث تــرز مالحظــات نيوتــن ســنة ‪ 1662‬أي بعــد دخولــه‬
‫كليــة ترينتــي بوقـ ٍ‬
‫ـت قصــر عــى تعمقــه يف أهــم أعــال ديــكارت الفلســفية‪ ،‬مثــل‬
‫كتــاب «مقــال يف املنهــج»(‪ Discours de la méthode )1‬الــذي نــر ألول مــرة ســنة‬
‫‪ 1637‬وكتــاب «تأمــات ميتافيزيقيــة» ‪Meditatationes de prima philosophia‬‬
‫الــذي نــر ســنة ‪.1641‬‬

‫تقريبا‪ -‬في قدرة العقل على فهم‬


‫ً‬ ‫الحظ نيوتن مدى ثقة ديكارت ‪-‬العمياء‬
‫الطبيعة والوصول إلى الحقيقة‪ ،‬من أجل تأسيس معرفة شافية عن اإلله‪ ،‬ولعل هذا‬
‫ما أثار حماس نيوتن لمحاولة التأكيد على وجود إله يحكم هذا الكون‪ ،‬ويرتب‬
‫الظواهر الطبيعية من خالل حكمته اإللهية‪ ،‬التي يعتبرها حكمة مطلقة في القوانين‬
‫الميكانيكية «وكتب أن الكون ال يمكن أن يعمل دون وجود إله‪ ،‬وأنه لوال الرعاية‬
‫بسبب من اندفاع الكواكب‬ ‫ٍ‬ ‫وتفجر‬
‫ّ‬ ‫الربانية المستمرة لتوقف الكون ثم النهار‬
‫ّ‬
‫معا»(‪ ،)2‬وقد ربط ديكارت المبادئ األساسية ألفكاره الفيزيائية‬
‫والمذنبات والنجوم ً‬
‫بمبدأ الثبات اإللهي‪ ،‬فالمعرفة تتلخص في معرفة الله‪ ،‬أي أن العلم ال يمكن له‬
‫أن يكتسب قوته‪ ،‬إال من خالل العودة إلى الله‪ ،‬ولعل فكرة قيام العلم وتأسيسه‬
‫على علم الالهوت‪ ،‬تعتبر الفكرة األساسية التي حاول تحليلها نيوتن‪ ،‬باالبتعاد عن‬
‫فلسفة كل من اليبنتز ومالبرانش‪.‬‬
‫كان نيوتن واثقًا تما ًما من أن أفكاره العلمية والالهوتية‪ ،‬لن تواجه الصعوبات التي‬
‫واجهها قبله غاليلي‪ ،‬على الرغم من أن انجلترا عرفت تقلبات سياسية ودينية عديدة في‬

‫((( ترجــم أيضً ــا «حديــث الطريقــة» حيــث صــدر ســنة ‪ 2008‬عــن املنظمــة العربيــة للرتجمــة‪ ،‬وقــد نقلــه‬
‫د‪ .‬عمــر الشــارين‪.‬‬
‫((( جيل كريستيانسن‪ ،‬إسحاق نيوتن والثورة العلمية‪ ،‬ص‪.101‬‬

‫‪10‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫تلك الفترة(‪ ،)1‬حيث لم تمنع السياسة المستبدة للملك تشارلز الثاني‪ ،‬نيوتن من التفكير‬
‫في مصير هذا العالم «فكان يطمح إلى حياة يكرسها للبحث عن الله‪ ،‬ولكنه مقتنع ً‬
‫أيضا‬
‫أن الرياضيات وعلم الفلك يتيحان التقرب من الله والتغني بعظمته»(‪ ،)2‬حيث نظر نيوتن‬
‫إلى الظواهر الطبيعية‪ً ،‬‬
‫أواًل‪ :‬بأعين فيزيائي متمرس في الرياضيات‪ ،‬ثم بعد ذلك حاول‬
‫ٍ‬
‫عاشق الميتافيزيقا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فيلسوف‬ ‫إعادة النظر في تلك الظواهر بأعين‬

‫اقترب نيوتن من الممارسة الفلسفية الديكارتية‪ ،‬عندما الحظ التأثير الواضح‬


‫للفيزياء الغاليلية فيها‪ ،‬حيث تحولت نظرة اإلنسان لهذا العالم من النظرة األنطولوجية‬
‫إلى النظرة الرياضية‪ ،‬في هذا السياق «يمكن قراءة الفلسفة الديكارتية الطبيعية‬
‫على أنها محاولة جريئة الستبدال تصور عن الطبيعة كحضور انطولوجي بتصور‬
‫رياضي تقني استحالت فيه الطبيعة إلى امتداد هندسي جامد يخضع لقوانين المعرفة‬
‫العلمية»(‪ ،)3‬وقد فسر ديكارت في كتابه «مقال في المنهج» كل الوجود ما عدا الله‬
‫والنفس البشرية بالقوانين الرياضية والميكانيكية‪ ،‬وقد كان رواد التأويلية في أواخر‬
‫القرن السابع عشر‪ ،‬ينظرون إلى اإلنسان مثلما ينظرون إلى اآللة‪ ،‬فعملية الهضم‬
‫وحدها كفيلة إلبراز التصرفات الميكانيكية للكائن البشري‪ ،‬لهذا يقول إميل برهييه‬
‫وهو يكتب تاريخ فلسفة القرن السابع عشر «الحياة لم تسحب من الطبيعة وحدها‪،‬‬

‫((( ‪ -‬حكــم باإلعــدام عــى امللــك تشــارلز األول ســنة ‪ 1649‬بعــد هزميتــه يف الحــرب األهليــة‪،‬‬
‫التــي دامــت ســبع ســنوات ضــد قــوات أوليفــر كرومويــل‪ ،‬وقــد خلفــت هــذه الحادثــة العديــد مــن‬
‫االضطرابــات النفســية عــى علــاء تلــك الفــرة‪ ،‬ويف ســنة ‪ 1660‬انتــر وبــا ٌء قاتــل يف جميــع أرجــاء‬
‫انجلــرا‪ ،‬وقــد عــرف باســم «املــوت األســود‪ »Black Death‬الــذي يخلــف آالم يف الــرأس واملفاصــل‪،‬‬
‫تجعــل مــن الفالســفة والعلــاء غــر قادريــن عــى التفكــر‪.‬‬
‫((( فرنســوا روتــن‪ ،‬جاذبيــة مدهشــة‪ :‬مــن التفاحــة إىل القمــر‪ ،‬ترجمــة‪ :‬ميشــيل نشــأت شــفيق حنــا‪ ،‬مؤسســة‬
‫هنــداوي للتعليــم والثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪ ،2016 ،1‬ص‪.174‬‬
‫((( محمــد هشــام‪ ،‬يف النظريــة الفلســفية للمعرفــة‪ :‬أفالطــون‪ ،‬ديــكارت‪ ،‬كانــط‪ ،‬إفريقيــا للــرق‪ ،‬بــروت‪-‬‬
‫لبنــان‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،2001‬ص‪.47‬‬

‫‪11‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫بل ومن الكائن الحي عندما جعل منه مجرد آلة»(‪ ،)1‬وفي هذا إشارة واضحة بتأثير‬
‫الفلسفة الميكانيكية في األفكار النيوتنية‪.‬‬

‫في دفتر مالحظاته الذي يوجد في كلية ترينتي‪ ،‬يظهر نيوتن واثقًا في قدرة‬
‫الفالسفة القدماء على تقديم معرفة شاملة حول الله‪ ،‬فمن خالل كتاباته الفلسفية‪،‬‬
‫التي استخلصها من محاضراته الجامعية وجمعها في كتاب ُبني كتب عليه «إسحاق‬
‫نيوتن‪ ،‬كلية ترينتي‪ ،‬كامبريدج‪ »1661،‬طرح نيوتن العديد من األسئلة الميتافيزيقية‬
‫على الكون‪ ،‬هذه األسئلة تعبر عن مدى تأثير الفلسفة األفالطونية واألرسطية في فكر‬
‫هذا العالم‪ ،‬وقد أكد البرفيسور بنيامين بولين‪ ،‬بأن نيوتن كان في غاية السعادة وهو‬
‫يدقق في أهم األفكار التي سيطرت على الفلسفة اإلغريقية القديمة‪ ،‬حيث كان يعتقد‬
‫أن الذرة قد تكون هي المادة األولية التي شكلت هذا الكون‪ ،‬وفي سبيل بحثه المتكرر‬
‫في مسألة المعرفة‪ ،‬تصفح نيوتن كتابات أرسطو حول هذه المسألة‪ ،‬حيث أكد هذا‬
‫الفيلسوف بأن المعرفة السليمة تتطلب معرفة العلل األربعة للظواهر‪ ،‬العلة الفاعلة‪،‬‬
‫العلة المادية‪ ،‬العلة الصورية‪ ،‬والعلة الغائية‪ ،‬طالما أن األشياء الموجودة في الطبيعة‬
‫ال بد أن يكون لها غاية تتعلق بأسباب‪.‬‬

‫عشوائيا‪ ،‬بل كان نتيجة بحثه الدائم [نيوتن]‬


‫ًّ‬ ‫إن التقاء نيوتن مع فكر أرسطو لم يكن‬
‫عن «العلة الفاعلة في الطبيعة» ‪ Cause efficient in nature‬هذه الطبيعة الرياضية‬
‫ال يمكن لظواهرها أن تنفصل عن اإلله الذي ُيعرف بالالنهاية‪ ،‬ففي كتابه «رسالة في‬
‫البصريات» ‪ Opticks‬الذي نشر سنة ‪ 1704‬طرح نيوتن عدة أسئلة ميتافيزيقية‪ ،‬فهو‬
‫يتساءل في السؤال الثامن والعشرين عن إمكانية وجود «كائن غير ماديٍ وحي‪ ،‬عاقل‬
‫ٍ‬
‫لحظة تأملية بأن هذا الكائن يدرك األشياء‪،‬‬ ‫وحاضر في كل مكان»(‪ ،)2‬وقد أكد بعد‬

‫((( إميــل برهيــه‪ ،‬تاريــخ الفلســفة‪ ،‬الجــزء الرابــع‪ :‬فلســفة القــرن الســابع عــر‪ ،‬ترجمــة‪ :‬جــورج طرابييش‪،‬‬
‫دار الطليعــة للطباعة والنــر‪ ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪ ،‬ط‪ ،1993 ،2‬ص‪.18‬‬
‫‪(2) Isaac Newton, Traité d’optique, trad: R. Costes, Reproduction fac-similé de l’édition‬‬
‫‪1722, Gauthier, Villard, paris 1955, p445.‬‬

‫‪12‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫طالما أنه محايث لها‪ ،‬حيث إن فهمنا للطبيعة قد يسهم في فهم هذا الكائن الذي يجعل‬
‫من نظام هذا الكون ذا ٍ‬
‫دقة ال متناهية‪.‬‬

‫على الرغم من أن كتاباته الفلسفية والالهوتية كانت شحيحة لم تتجاوز األربعين‬


‫صفحة إال أن الفكر النيوتني كان محور انتقاد كبير‪ ،‬حيث أكد بعض الالهوتيين أن‬
‫فلسفة نيوتن تحاول نفي األفكار الدينية‪ ،‬التي ارتبطت بالمسيحية‪ ،‬ولعل هذه التهمة‬
‫أساسا لتأثره بفلسفة جون لوك التي لم تكن أفكارها‬
‫ً‬ ‫الموجهة لهذا الفيزيائي تعود‬
‫الدينية مستوعب ًة في تلك الفترة‪ ،‬لكن في أواخر حياته العلمية‪ ،‬سيؤكد نيوتن بأن‬
‫معرفة أسرار الطبيعة من الممكن أن نجدها في الكتاب المقدس‪ ،‬هذا الكتاب الذي‬
‫يحمل في أعماقه رسالة حكمة لكل من يطلع عليه‪ ،‬وهنا نقف على مدى التوافق‬
‫الحاصل بين العلم والدين في فلسفة نيوتن‪ ،‬وفي هذا السياق كتب ديفيد بروستر‬
‫«مذكرات عن حياة ومؤلفات واكتشافات سير إسحاق نيوتن» ‪Memoirs of the‬‬
‫‪ life, writings, and discoveries of sir isaac Newton‬من أجل تقديم صورة‬
‫نيوتن العالم‪ ،‬الفيلسوف والالهوتي‪.‬‬
‫—مــا يثــر دهشــة القــارئ هــو تأكيــد ســنوبوليس ‪ S. Snopolis‬بوصفــه أحــد‬
‫الباحثــن يف تطــور الفكــر النيوتنــي يف أواخــر حياتــه العلميــة عــى أن نيوتــن‬
‫حــاول تحديــد موعــد نهايــة العــامل يف مــد ٍة زمنيــة تتجــاوز أربعــة عقــود‪ ،‬ففــي‬
‫مســود ٍة «يعــود تاريخهــا إىل عرشينــات القــرن الثامــن عــر‪ ،‬حــدد [نيوتــن]‬
‫عــام ‪ 2060‬تاريخًــا ليــوم القيامــة يف البدايــة»(‪ ،)1‬ويف روايــة أخــرى أكــد جيــل‬
‫كريستيانســن أن نيوتــن تنبــأ لنهايــة الكــون ســنة ‪ 1867‬وهــذا التنبــؤ يجعــل منــه‬
‫فيلســوفًا ميتافيزيق ًيــا‪ ،‬يحــاول التفكــر يف املاورائيــات‪ ،‬خاصــة أنــه بحــث عــن‬
‫إمكانيــة وجــود عــوامل متعــددة أخــرى‪ ،‬ففــي خطابــه لريتشــارد بنتــي بتاريــخ‬
‫جانفــي ‪ 1693‬أكــد نيوتــن بــأن مســألة وجــود هــذه العــوامل قــد تدهــش املــرء‪،‬‬
‫لكنهــا تبقــى يف األخــر مجــرد فرضيــة ضبابيــة حتــى يتــم التأكــد منهــا‪.‬‬

‫((( روب أيلف‪ ،‬نيوتن‪ :‬مقدمة قصرية جدًّ ا‪ ،‬ص‪.127‬‬

‫‪13‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫رغم هذه الممارسة الميتافيزيقية‪ ،‬كتب جون مينارد كينز ‪« J. M. Keynes‬لم يكن‬
‫نيوتن األول في قرن العقل‪ ،‬ولكنه كان األخير في قرن السحرة»(‪ ،)1‬وقد استحوذ كينز‬
‫على كتابات نيوتن في الكيمياء والالهوت والفلسفة‪ ،‬من خالل حضوره مزاد سوذبي‬
‫الذي ُخصص لبيع أهم أوراق نيوتن العلمية‪ ،‬هذه األوراق التي تؤكد على وجود الفكرة‬
‫الميتافيزيقية في قلب نظرية المعرفة النيوتنية‪ ،‬وتؤكد أن الطبيعة والعالم الرياضي‬
‫يتوافق مع فكرة وجود الله‪ ،‬ولعل أبرز السمات التي تميزت بها الفلسفة النيوتنية‪،‬‬
‫كانت السبب األول في تمهيدها لعدة افكا ٍر مهمة كانت أساس عدة فلسفات في القرن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬مثل‪ :‬فلسفة دنيس ديدرو ‪ Denis Diderot‬وفلسفة دالمبير ‪Jean Le‬‬
‫‪ Rond d’Alembert‬دون أن ننسى محاولة إيمانويل كانط اتباع منهج نيوتن في علم‬
‫الفلك‪ ،‬عندما أراد بناء نظريته حول السماء‪ ،‬وفي هذا السياق يقول نيوتن‪« :‬ال أدري‬
‫كيف سأظهر إلى العالم‪ ،‬ولكني أجدني لم أكن إال كطفل صغير يلعب على شاطئ‬
‫سليا نفسي من حينٍ إلى أخر بالعثور على بلورة صخرية ملساء أو صدفة أكبر‬
‫البحر‪ُ ،‬م ً‬
‫من المعتاد‪ ،‬على حين يمتد أمام عيني البحر المحيط من الحقيقة‪ ،‬كأنما لم يكتشف‬
‫منه شيء بعد»(‪ )2‬ولعلنا بإجابتنا على هذا السؤال‪ ،‬نكون قد مهدنا لبناء معرفة‪ ،‬ستسهم‬
‫في ترتيب كل ما يقع في الكون‪ ،‬هذه المعرفة مهدت لها الفلسفة النيوتنية من خالل‬
‫أفكارها الميكانيكية وأسئلتها الميتافيزيقية‪.‬‬

‫)‪(1) J. M. Keynes, Newton the man, in Royal society trecentenary celebrations (july 1946‬‬
‫‪the University press, Cambridge, 1947, p27.‬‬
‫‪ -‬تــويف جــون مينــارد كينــز يف أفريــل ‪ 1946‬أي تقريبًــا قبــل أربعــة أشــهر مــن إقامــة النــدوة املخصصــة‬
‫لالشــتغال حــول الفكــر النيوتنــي‪ ،‬لهــذا تكفــل غوفــراي كينــز ‪ Geoffrey Keynes‬بتقديــم هــذا البحــث‬
‫عوضً ــا عــن أخيــه املتــوىف‪.‬‬
‫((( جيل كريستيانسن‪ ،‬إسحاق نيوتن والثورة العلمية‪ ،‬ص‪.199‬‬

‫‪14‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


‫الببليوغرافيا‬

‫العربية‪:‬‬

‫‪ -‬جيــل كريستيانســن‪ ،‬إســحاق نيوتــن والثــورة العلميــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬مــروان البــواب‪،‬‬


‫مكتبــة العبيــكان‪ ،‬اململكــة العربيــة الســعودية‪( ،‬ط‪.2005 ،)1‬‬
‫‪ -‬لورنــس إم برنســيبيه‪ ،‬الثــورة العلميــة‪ :‬مقدمــة قصــرة جــدً ا‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد عبــد‬
‫الرحمــن إســاعيل‪ ،‬مراجعــة‪ :‬شــيامء عبــد الحكيــم طــه‪ ،‬مؤسســة هنــداوي للتعليــم‬
‫والثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪( ،‬ط‪.2014 )1‬‬
‫‪ -‬روب أيلــف‪ ،‬نيوتــن‪ :‬مقدمــة قصــرة جــدً ا‪ ،‬ترجمــة‪ :‬شــيامء طــه الريــدي‪ ،‬مراجعــة‪:‬‬
‫إميــان عبــد الغنــي نجــم‪ ،‬مؤسســة هنــداوي للتعليــم والثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪( ،‬ط‪.2013 )1‬‬
‫‪ -‬عبــد القــادر بشــته‪ ،‬اإلبســتيمولوجيا‪ :‬مثــال الفيزيــاء النيوتنيــة‪ ،‬دار الطليعــة للطباعــة‬
‫والنرش‪ ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪( ،‬ط‪.1995 )1‬‬
‫‪ -‬فرنســوا روتــن‪ ،‬جاذبيــة مدهشــة‪ :‬مــن التفاحــة إىل القمــر‪ ،‬ترجمــة‪ :‬ميشــيل نشــأت‬
‫شــفيق حنــا‪ ،‬مؤسســة هنــداوي للتعليــم والثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪( ،‬ط‪.2016 ،)1‬‬
‫‪ -‬محمــد هشــام‪ ،‬يف النظريــة الفلســفية للمعرفــة‪ :‬أفالطــون‪ ،‬ديــكارت‪ ،‬كانــط‪،‬‬
‫إفريقيــا للــرق‪ ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪( ،‬د‪.‬ط) ‪.2001‬‬
‫‪ -‬إميــل برهيــه‪ ،‬تاريــخ الفلســفة‪ ،‬الجــزء الرابــع‪ :‬فلســفة القــرن الســابع عــر‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫جــورج طرابيــي‪ ،‬دار الطليعــة للطباعــة والنــر‪ ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪( ،‬ط‪.1993 ،)2‬‬

‫‪15‬‬ ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬


:‫األجنبية‬

- Isaac Newto The Mathematical Principles of Natural philosophy,


translated by Andrew Motte, first American Edition, New York, published
by Daniel Adee, 1846.
- Isaac Newton, Traité d’optique, trad: R. Costes, Reproduction fac-similé
de l’édition 1722, Gauthier, Villard, paris 1955.
- Alexandre koyré, Etudes Newtoniennes, Ed Gallimard, Paris 1968.
- Pierre Thuillier, Isaac Newton: un alchimiste pas comme les autres, la
recherche, n° 212, Juillet/Aout 1889, Vol 20.
- Œuvres de Descartes, seconde partie des princes, publiées par C. ADAM
et P. TAMMERY, Paris, vrin 1996.
- J. M. Keynes, Newton the man, in Royal society trecentenary celebrations
(july 1946) the University press, Cambridge, 1947.

16 ‫ملاعلا بيترت تايساسأو ةينتوينلا ةفسلفلا‬

You might also like