You are on page 1of 22

Journal home page: https://sej-lagh.

com ‫مجلـة التمكين االجتماعي‬


ASJP: https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/644 120 - 121 ‫ ص ص‬/ 2021‫ ديسمبر‬/04 ‫ الع ــدد‬/ 03 ‫املجلد‬

- ‫ نظرياتها وخصائصها‬- ‫مرحلة املراهقة‬

Adolescence stage - its theories and characteristics

‫سعدية قندوس ي‬
Saadia Kandouci
s.kandouci@lagh-univ.dz :‫ البريد االلكتروني‬،)‫جامعة عمار ثليجي األغواط (الجزائر‬

2021/12/15 :‫تاريخ النشر‬ 2021/11/28 :‫تاريخ القبول‬ 2021/11/01 :‫تاريخ االستالم‬

:‫ملخص‬
‫ فيها يتعرض املراهق لكثير من املشكالت‬،‫ هي مرحلة املراهقة وهي مرحلة من أهم مراحل نمو اإلنسان‬،‫يتناول موضوع بحثنا مرحلة مهمة في حياة الفرد‬
‫ فهي مرحلة انتقال‬،‫ ألنها املرحلة الحاسمة التي تثمر فيها العواطف الجنسية واألخالقية فتصل إلى حالة النضج‬،‫ ويعاني الصراعات والتوترات‬،‫واألزمات‬
‫ ومن عالقة محدود في نطاق األسرة إلى حياة اجتماعية خارجية على‬،‫ من طور يعتمد فيه على غيره إلى طور يعتمد فيه على نفسه‬،‫بين الطفولة والرشد‬
.‫امتداد أوسع‬
‫ مع تحديد عمر هذه املرحلة والكشف عن خصائصها‬،‫نحاول من خالل هذا املقال العلمي التعرف على مختلف النظريات املفسرة ملرحلة املراهقة‬
.‫ العقلية واالنفعالية‬،‫النفسية واالجتماعية‬
.‫ مرحلة املراهقة‬،‫ خصائص املراهقة‬،‫ نظريات املراهقة‬،‫ املراهق‬،‫ املراهقة‬:‫كلمات مفتاحية‬
ABSTRACT:
The subject of our research deals with an important stage in the life of the individual, which is the
stage of adolescence, which is one of the most important stages of human development, in which
the adolescent is exposed to many problems and crises, and suffers conflicts and tensions, because
it is the decisive stage in which sexual and moral emotions bear fruit and reach a state of maturity.
A stage of transition between childhood and adulthood, from a phase in which he depends on
others to a phase in which he relies on himself, and from a limited relationship within the family
to an external social life on a larger scale.
Through this scientific article, we try to identify the various theories that explain the stage of
adolescence, while determining the age of this stage and revealing its psychological, social, mental
and emotional characteristics.
Keywords: adolescence, theories of adolescence, characteristics of adolescence, adolescence
stage.

s.kandouci@lagh-univ.dz :‫ البريد االلكتروني‬،‫ سعدية قندوس ي‬:‫ املؤلف املرسل‬-


ISSN: 2676-234X 2019 ‫ مارس‬:‫رقم اإليداع القانوني‬ EISSN: 2716-9006
‫سعدية قندوس ي‬

‫‪ -1‬مقدمة‪:‬‬
‫تؤكد األطر النظرية على أن املظاهر املصاحبة لفترة املراهقة هي مظاهر كونية ‪ ،‬وأن املراهق يمر طيلة هذه املرحلة بأزمات منها‪:‬‬
‫في عالقته مع الكبار‪ ،‬في تحقيق هويته وإثبات ذاته‪ ،‬في كبح غرائزه الجنسية وأخرى في مستوى الطموح‪ ...‬فبالرغم من أن التغيرات‬
‫الفيزيولوجية التي يعيشها أي مراهق هي تغيرات ملموسة إال أن املراهقين يختلفون من حيث املعاناة السيكولوجية واالجتماعية‬
‫باختالف الحضارات والثقافات التي يحيون فيها‪ ،‬لكن جذور هذه األزمة متأصلة في مكنونات هذا املراهق‪ ،‬كانت في حالة كمون‬
‫تنتظر فقد من يثيرها لتستجيب ‪ ،‬وهذا بالضبط ما دأب ويدأب إليه الباحثون السيكولوجيون‪ ،‬البحث في أغوار هذا اإلنسان منذ‬
‫كان جنينا في بطن أمه وما التصق في أناه من أزمات ليكبتها في الالشعوره ويستفرغها بعد أن تتأجج في شكل عصيان وتمرد هدام‬
‫وعاصفة هوجاء حسب رأي علماء نفس‪ -‬النمو‪ ،‬تتزامن حدوث هذه العاصفة مع مرحلة االنتقال من الطفولة إلى الشباب (الرشد)‬
‫هي مرحلة من العمر أطلق عليها مرحلة املراهقة فأصبح ما يشغل العلماء هو البحث في هذه املرحلة من الحياة‪ ،‬بعدما نسب إليها‬
‫من تأويل يرجعها البعض إلى جون جاك روسو وستانلي هول اللذان أعجبا بنظريات داروين حول االستعادة والنشوء العرقي‪،‬‬
‫فأصبحا يبحثان عن أي اختراع مقرون بهذه النظرية في مجال العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬فأبدعا في خلق أسطورة املراهق‬
‫ليفرضها الكبار على الصغار ثم ظهر سيغموند فرويد ليقيم الحجة واإلثبات القاطع ويجعل من الليبيدو" الغرائز الجنسية‬
‫"الطاقة املشحونة داخل هذا الخلوق لتنفجر في هذه املرحلة من الحياة‪ ،‬محاولة االنتقال من الطابع النرجس ي الذاتي إلى الطابع‬
‫الغيري‪ ،‬متمثال في العالقة مع اآلخرين ‪ ،‬ومن ثمة يشير إلى حتمية ثورة املراهقين ضد املعايير األخالقية التي يتبناها اآلباء ‪.‬‬
‫فأصبح لهذه املرحلة سمعة غير طيبة في األوساط االجتماعية والثقافية‪ ،‬حتى اآلباء الذين لم ينلهم نصيب من هذه املعرفة‬
‫العلمية يلتمسون حقيقة هذه األزمة التي تنتاب أبناءهم كلما بلغ بهم العمر‪ ،‬وأصبح املراهق سببا في معاناة الكبار ال ينفع معه‬
‫اللين وال القسوة فهل مشكلة املراهق التي تطال الوالدين بالدرجة األولى هو من يفتعلها‪ ،‬أم أن املشكلة بالنسبة إليه هي أزمة‬
‫يعيشها هو بالدرجة األولى‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحديد املفاهيم‪:‬‬
‫‪ -1-2‬املراهقة والبلوغ‪:‬‬
‫‪ -‬املراهقة لغويا‪ :‬مشتقة من الفعل رهق "ومنه قولهم‪ :‬غالم مراهق‪ ،‬أي مقارب للحلم‪ .‬راهق الحلم‪ :‬قاربه‪ ،‬وفي حديث موس ى‬
‫والخضر‪ :‬فلو أنه أدرك أبويه ألرهقهما طغيانا وكفرا أي أغشاهما وأعجلهما‪ ،‬وفي التنزيل‪ ،‬أن يرهقهما طغيانا وكفرا‪ .‬ويقال طلبت‬
‫فالنا حتى رهقته‪ ،‬أي‪ :‬حتى دنوت منه‪ ،‬فربما أخده وربما لم يأخذه‪ ،‬ورهق شخوص فالن أي‪ :‬دنا وأزف وأفد‪ .‬والرهق‪ :‬العظمة‪،‬‬
‫ً‬
‫والرهق‪ :‬العيب‪ ،‬والرهق‪ :‬الظلم‪ ،‬وفي التنزيل‪ :‬فال يخاف بخسا وال رهقا أي‪ :‬ظلما‪ ،‬وقال األزهري‪ :‬في هذه اآلية الرهق أسم من اإلرهاق‪،‬‬
‫وهو أن يحمل عليه ما ال يطيقه‪ ،‬ورجل مرهق إذا كان يظن به السوء (منظور‪.)2003 ،‬‬
‫‪ -‬أما اصطالحا‪ :‬فيعرفها أنجلش بأنها فترة أو مرحلة من مراحل نمو الكائن البشري‪ ،‬من بداية البلوغ الجنس ي أي نضوج األعضاء‬
‫التناسلية لدى الذكر واألنثى وقدرتها على أداء وظائفها‪ ،‬إلى الوصول إلى اكتساب النضج‪ ،‬وهي بذلك مرحلة انتقالية خاللها يصبح‬
‫املراهق رجال راشدا أو امرأة راشدة (العيسوي‪ ،2005 ،‬صفحة ‪)15‬‬
‫أما فورد وبيج فيحددان مرحلة املراهقة على الصورة التالية "املراهقة هي تلك الفترة التي تمتد ما بين البلوغ والوصول إلى‬
‫النضوج املؤدي إلى اإلخصاب الجنس ي‪ ،‬حيث تصل األقسام الختلفة للجهاز الجنس ي إلى أقصاها في الكفاءة وفي املراحل الختلفة‬
‫لدورة الحياة‪ ،‬وفي الحقيقة سوف ال تكتمل مرحلة املراهقة إال عندما تصبح جميع العمليات الضرورية لإلخصاب والحمل واإلفراز‬
‫ناجحة (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪)22‬‬

‫‪122‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫وهناك من عرف املراهقة على أنها مرحلة النمو الجسمي‪ ،‬والعقلي‪ ،‬والنفس ي‪ ،‬واالجتماعي التي تطرأ على األبناء في فترة معينة‬
‫من أعمارهم‪ ،‬وتكون غالبا ما بين (‪ 18-15‬سنة) وقد تسبب لهم بعض املضايقات أو حتى املشاكل‪ ،‬والسبب في ذلك يعود إلى قلة‬
‫الخبرة في التعامل مع الحياة (غريبة‪ ،2007 ،‬صفحة ‪)175‬‬
‫وفي موضع آخر تعرف املراهقة بأنها مرحلة انتقالية من مرحلة الطفولة (مرحلة اإلعداد ملرحلة (املراهقة) إلى مرحلة الرشد‬
‫والنضج‪ ،‬فاملراهقة مرحلة تأهب ملرحلة الرشد تمتد من العقد الثاني من حياة الفرد‪ ،‬من الثالثة عشر إلى التاسعة عشر تقريبا‪،‬‬
‫أو قبل ذلك بعام أو عامين أو بعد ذلك بعام أو عامين (أي من ‪ 21-11‬سنة)‪( .‬السالم‪ ،2001 ،‬صفحة ‪)323‬‬
‫أما العاملة هيرلوك تشير في كتابها عن نمو الطفل‪ ،‬إلى أن مرحلة املراهقة تقسم إلى ثالث مراحل‪:‬‬
‫‪ -‬املرحلة األولى‪ ،‬وتسمى مرحلة ما قبل الفتوة وتمتد من ‪ 12- 10‬سنة‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة الفتوة املبكرة (‪ 13‬إلى ‪ 16‬سنة)‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة الفتوة املتأخرة (‪ 21-18‬سنة)‪.‬‬
‫فترى أن بداية املراهقة تتحدد من الناحية الفسيولوجية‪ ،‬بينما يتحدد استمرارها وتوقفها من الناحية النفسية‪.‬‬
‫ويقسمها البعض إلى مرحلتين‪( :‬الزايد‪ ،2010 ،‬صفحة ‪)12‬‬
‫‪ -‬املراهقة املبكرة (‪ 16 - 13‬سنة)‪.‬‬
‫‪ -‬املراهقة املتأخرة (‪ 21-17‬سنة)‪.‬‬
‫والبعض اآلخر يقسمها إلى ثالث مراحل‪( :‬الزايد‪ ،2010 ،‬صفحة ‪)19‬‬
‫‪ -‬ما قبل املراهقة (‪ 12- 10‬سنة)‪.‬‬
‫‪ -‬املراهقة املبكرة (‪.)16-13‬‬
‫‪ -‬املراهقة املتأخرة (‪ 21-17‬سنة)‪.‬‬
‫فيما يقسمها البعض اآلخر إلى‪( :‬الزايد‪ ،2010 ،‬صفحة ‪)12‬‬
‫‪ -‬مراهقة مبكرة بين ‪ 14-11‬سنة‪.‬‬
‫‪ -‬مراهقة متوسطة ‪ 18-14‬سنة‪.‬‬
‫‪ -‬مراهقة متأخرة ‪ 21-18‬سنة‪.‬‬
‫يختلف الباحثون في تحديد بداية البلوغ ألن السن الذي يبدأ فيه ظهور النمو الجسمي والنضج الجنس ي يختلف من فرد‬
‫إلى فرد‪ ،‬فيتأثر ابتداء البلوغ بعدة عوامل في التركيب الجسدي العام وما يتصل به من صحة أو مرض ووفرة الغذاء أو ضعفه وإلى‬
‫عوامل مناخية إقليمية (الحسين‪ ،2006 ،‬صفحة ‪ )260‬ففي املناطق الباردة تبدأ في ‪ 16-15‬سنة وفي املناطق املعتدلة في حوالي ‪-12‬‬
‫‪ 13‬سنة‪ ،‬أما في املناطق الحارة واالستوائية فهي في ‪ 12-9‬سنة على العموم‪.‬‬
‫إذن يعتبر البلوغ بداية مرحلة املراهقة‪ ،‬وتؤكد هيرلوك على أهمية عدم الخلط بين املراهقة وفترة البلوغ التي يتم فيها النضج‬
‫الجنس ي‪ ،‬ألن املراهقة هي املرحلة التي تمن سن البلوغ أي السن التي تنضج فيها الوظائف الجنسية وتنتهي بين النضوج العقلي‬
‫واالنفعالي واالجتماعي (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪)22‬‬
‫معنى ذلك أن البلوغ يمثل ناحية واحدة من نواحي النمو‪ ،‬هي الناحية الجنسية أي "النمو الفسيولوجي والجنس ي لألعضاء‬
‫والغدد التناسلية‪ ،‬فهو أول القذف عند الذكر وأول الطمث بالنسبة لألنثى وما يصاحبها من عالمات لألنثى‪ ،‬بروز النهدين والشعر‬
‫وللذكر نمو الخصيتين والشعر أيضا (شعيرة‪ ،2009 ،‬صفحة ‪)21‬‬

‫‪123‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫فالبلوغ يعتبر فترة مشتركة‪ ،‬حيث أن النصف األول منه تقريبا يتداخل مع نهاية الطفولة والنصف اآلخر مع الجزء املبكر‬
‫من املراهقة‪ ،‬في املتوسط العام يأخذ جسد الطفل أربع سنوات لكي يتحول إلى جسد الراشد ‪،‬فسنتان من هذه الفترة تمضيان في‬
‫تحضير أو إعداد الجسد لإلنجاب ‪،‬بينما السنتان األخريان ستنقضيان في استكمال ذلك النمو (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ )22‬وبذلك‬
‫يعتبر البلوغ فترة من املراهقة وليس مرادفا لها‪ ،‬أما املراهقة فتتضمن شتى نواحي النضج وليس الناحية الجنسية فقط ألن النضج‬
‫العقلي و االنفعالي واالجتماعي يسير بسرعة أقل نسبيا في التطور من سرعة النضج الجنس ي (العزي‪ ،1985 ،‬صفحة ‪ .)86‬وبذلك‬
‫يصبح من السهل تحديد فترة املراهقة‪ ،‬ألن بدايتها تتحدد بالبلوغ الجنس ي‪ ،‬بينما تتحدد نهايتها بالوصول إلى النضج في مظاهر النمو‬
‫الختلفة تعني العقلي واالنفعالي واالجتماعي" رغم أن بعض العلماء يشيرون إلى املراهقة على أنها تبدأ مع نهاية النضج الجنس ي‬
‫وليس مع بدايته (العيسوي‪ ،2005 ،‬صفحة ‪)15‬‬
‫أما التحديد العمري‪ ،‬فمن الصعب بما كان تحديد السن الذي يبدأ منه البلوغ والسن الذي تنتهي عنده فترة املراهقة‪،‬‬
‫ويؤكد معظم الباحثين على بداية البلوغ في العقد الثاني من الحياة من الثالثة عشر إلى التاسعة عشر أو قبل ذلك بعام أو عامين‬
‫أو بعد ذلك بعام أو عامين‪.‬‬
‫ويرى العاملات ستون وتشرس في كتابيهما "عن الطفولة واملراهقة" بأن املراهقة تبدأ بمظاهر البلوغ‪ ،‬وأن بداية املراهقة غير‬
‫محددة تماما‪ ،‬كما أن نهايتها تأتي مع تمام النضج االجتماعي من دون تحديد لهذا النضج"‪.‬‬
‫أما التعريف الذي اتفق عليه الكثير من الباحثين يرمي إلى أن‪:‬‬
‫"املراهقة هي حالة من النمو تقع بين الطفولة وبين الرجولة واألنوثة ‪ ،‬وأن فترة العمر ال يمكن تحديدها بدقة ألنها تعتمد‬
‫على السرعة الضرورية في النمو الجسمي‪ ،‬وهي متفاوتة‪ ،‬بينما إن عملية النمو السيكولوجي ليست غير محددة فحسب‪ ،‬وإنما هي‬
‫غامضة أيضا ومن غير السهل أن نقرر هذه املرحلة من حياة اإلنسان حتى يصبح الفرد ناميا بصورة كلية‪ ،‬ومما ال ريب فيه أن‬
‫هذا ال يحدث بعد العشرينات‪ ،‬وعلى كل حال ولألغراض العملية فإن هذه الفترة من الناحية السيكولوجية تشمل أولئك األفراد‬
‫الذين هم في العقد الثاني من الحياة‪( .‬شعيرة‪ ،2009 ،‬صفحة ‪)225‬‬
‫من الناحية االقتصادية هناك من يعرف املراهق على أنه ذلك الفرد الذي يقع سنه بين سن البلوغ وسن االعتماد على‬
‫النفس اقتصاديا‪ ،‬هذا التعريف يشمل الذكر فقط‪ ،‬أما األنثى فإن فترة املراهقة هي تلك الفترة التي تقع بين سن البلوغ وسن الزواج‬
‫(الحسين‪ ،2006 ،‬صفحة ‪)259‬‬
‫علماء االجتماع يرون أن املراهقة هي مرحلة من العمر يتوقف عندها الجتمع عن النظر إلى الفرد نظرته إلى الطفل وال‬
‫يمنحه في الوقت نفسه املركز الكامل الذي يسمح به للرجل البالغ أو أدواره أو وظائفه االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬النظريات املفسرة ملرحلة املراهقة‪:‬‬
‫‪ -1 -3‬نظرية ستانلي هول (‪)Stanley Hall.1924-1844‬‬
‫يعتبر ستانلي هول أول من قدم نظرية حول املراهقة‪ ،‬في كتابه الذي نشره عام ‪ ، (Hall.g.s, 1904)1904‬استمد مبادئها من‬
‫نظرية داروين حول النشوء واالرتقاء‪ ،‬فطبق تلك اآلراء العلمية البيولوجية في دراسته حول املراهقة‪.‬‬
‫"وبصورة عامة نستطيع أن نقول بأن ستانلي هول" كان يقف في الواقع موقفا وسطا‪ ،‬فهو يقع بين أولئك الكتاب أصحاب‬
‫القصص الخيالية والتأمالت الفلسفية الذين قد برزوا في القرون املاضية‪ ،‬وبين أصحاب الدراسات العلمية واالختبارات‬
‫املوضوعية الحكمة الذين قد برزوا في مطلع هذا القرن ‪،‬فلقد تأثر بنظرية التطور التي برزت للعيان في القرن التاسع عشر كما قد‬
‫سعى جاهدا لكي ينتقل إلى الدراسات التربوية "الدقة العلمية التي تميزت بها العلوم الطبيعية (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪ ،)30‬اعتبر‬

‫‪124‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫هول أن املراهقة هي فترة ميالد جديدة تتسم بخصائص و صفات تختلف عن مرحلة الطفولة‪ ،‬بحيث يبدوا املراهق من خاللها‬
‫شخصا مختلفا‪ ،‬نتيجة ما يلحقه من تغيرات سريعة في نموه‪.‬‬
‫"يصف هول املراهقة على أنها " آخر موجة كبيرة للنمو اإلنساني تلقي بالطفل عاجزا على شواطئ عالم الرجال أو عالم‬
‫النساء‪ ،‬وكأنه مولود من جديد‪ ،‬واملراهقة بالنسبة لهول كما هي بالنسبة لروسو البد أن تكون هي هدف االنتقال إلى مرحلة إنسانية‬
‫أعلى‪ ،‬ومن الواضح أن هول في مؤلفه يعتبر أن املراهقة تستحق البحث أكثر مما يستحقه أي موضوع علمي‪ ،‬وأن نتائج بحث كهذا‬
‫يمكن تطبيقها شموليا على كافة دوائر الوجود االجتماعي" وهذا يدل على أن هول كان على دراية بأهمية مرحلة املراهقة في حياة‬
‫الفرد‪.‬‬
‫"ومثلما أعلن روسو من أن الوالدة الثانية للمراهقة تبلغ ذروتها في والدة الفضيلة بحيث يقول جان جاك روسو في كتابه‬
‫"‪ " (Rousseau, 1762) Emile ou de l’éducation‬إميل أو التربية "عام ‪1762‬م "يتجاوز البلوغ إطار الحدث الفيزيولوجي‪ ،‬ومن ثم‬
‫ليست املراهقة مجرد مرحلة انتقالية عابرة للوصول إلى الرشد‪ ،‬بل يتجاوز هذا املفهوم ما هو بيولوجي إلى ما هو اجتماعي‪ ،‬وأكثر‬
‫من هذا‪ ،‬فاملراهقة بمثابة والدة ثانية (حمداوي‪، )2015 ،‬فإن هول يقول" املراهقة والدة جديدة‪ .‬ألن خلال إنسانيا أعلى وأكثر‬
‫تعقيدا تولد اآلن وكما استنتج روسو أيضا يخلص هول أن تطور املراهقة هو الذي يمكنه ترقية الفرد إلى مستوى أعلى في العالقات‬
‫األخالقية‪" ،‬بحيث يذهب ستانلي هول إلى أن الطفل الصغير حتى سن الرابعة عشر تقريبا ‪،‬يعيش أو يختار طورا بدائيا يجعله‬
‫قريبا من الحيوان كنوع‪ ،‬وفي هذا الطور تتمتع املهارات حس حركية الضرورية لحفظ الذات بأهمية بالغة‪ ،‬ويصور هول فترة‬
‫املراهقة بنفس الطريقة ‪،‬حيث يرى فيها مرحلة انتقال بين الطفولة والرشد تتناظر وتتماثل مع فترة االضطرابات التي مر بها اإلنسان‬
‫قبل أن يعمل على أن يرتقي بنفسه من حياة الهمجية إلى صور وأشكال الجتمعات األكثر تحضيرا‪.‬‬
‫وكان من املعتقد لدى هول أن التناوبات أو التعاقبات املميز للمزاج والسلوك التي يعيشها الفرد في فترة املراهقة إنما هي‬
‫تعكس إعادة أو تكرار لألطوار األكثر بدائية وتلك األكثر تقدما التي مر بها الجنس البشري في نموه وتطوره كنوع (قشقوش‪،2007 ،‬‬
‫صفحة ‪ ،)41‬فهو يعتبر أن كل فرد في تطوره يعيد مراحل تطور اإلنسانية‪ ،‬فهو يعيش من جديد في أثناء نموه مراحل نمو الجنس‬
‫البشري ويميز هول املراهقة بخصائص أبرزها‪( :‬قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪.)34‬‬
‫‪ .1‬أنها مرحلة األزمات واالضطرابات وسن العواصف‪.‬‬
‫‪ .2‬أنها مرحلة اإلفراط في املثالية وانتشار عبادة األبطال والتعلق باألهداف‪.‬‬
‫‪ .3‬أنها مرحلة الثورة على القديم والتقاليد البالية‪.‬‬
‫‪ .4‬أنها مرحلة االنفعاالت الحادة والعواطف والحب وامليل إلى الجنس اآلخر والصداقة‪.‬‬
‫‪ .5‬أنها مرحلة الشك والنقد الذاتي واألحاسيس املفرطة‪.‬‬
‫‪ .6‬أنها مرحلة انحالل الروابط بين عوامل األنا الختلفة التي تشكل تماسكها‪.‬‬
‫يعتقد هول بأن املراهقة فترة عصيان وتمرد ومرحلة عواصف وتوتر‪ ،‬حيث تتميز هذه املرحلة بالتغير وعدم االستقرار وال‬
‫يصل الفرد إلى النضج إال في نهايتها‪ ،‬ويشير مفهوم العاصفة والتوتر إلى أن املراهقة هي مشاكل مشحونة بالصراع والتقلب املزاجي‪،‬‬
‫فهول يرى أن تفكير املراهق ومشاعره وأفعاله تتذبذب بين الغرور والتواضع وبين الفضيلة واإلغراء‪ ،‬والسعادة والحزن‪ ،‬وتمتد هذه‬
‫املرحلة بالنسبة إليه من سن ‪ 12‬سنة إلى ‪ 24‬من العمر (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)38‬‬
‫فاجتماع هذه التناقضات هو من خاصية هذه املرحلة التي يطلق عليها هول اسم الوالدة الثانية‪ ،‬وفي آخر هذه املرحلة يعيد‬
‫الفرد بداية الحضارة أي بداية النضج والتوازن والعقالنية‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫لكن وجهت لهذه النظرية انتقادات شديدة‪ ،‬رغم ما القت من رواج‪ ،‬فلقد أخطأ هول شأنه شأن معظم العلماء في مطلع‬
‫القرن العشرين‪ ،‬عندما وازن بين العقل البدائي بعقل الطفل‪ ،‬وهي معادلة كانت مألوفة لدى العقلية الغربية‪ ،‬فالقاسم املشترك‬
‫بين ممثلي هذا االتجاه يكمن في تأثرهم بالنظريات التطورية التي انتشرت كما هو معلوم في خالل النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر و محاوالتهم تطبيق قوانينها و مفاهيمها على سلوك اإلنسان و الحيوان‪ ،‬و لقد تجلى ذلك على نحو بارز فيما عرف في علم‬
‫النفس بالنظرية التلخيصية التي ترى أن اإلنسان من ميالده وحتى اكتمال نضجه يميل إلى املرور باملراحل التي مر بها تطور الحضارة‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫البشرية منذ ظهور اإلنسان حتى اآلن مرورا تلخيصيا عاما‪.‬‬
‫وانتقد هول كذلك حين "أغفل إبراز أثر العالقات االجتماعية بين األفراد‪ ،‬ولم يعطي أهمية للفروق الفردية‪ ،‬بل أرجع هذه‬
‫الظاهرة إلى عوامل النضج البيولوجي‪ ،‬واملراهقة بالنسبة لهول أصبحت مرحلة من مراحل النمو عند الكائن‪ ،‬وبالتالي فإنها حتمية‬
‫وعاملية‪ ،‬إذا أن النمو الطبيعي الحدد وراثيا هو الذي يعين مراحل التغير وظهور الوظائف والقدرات ‪،‬وبهذا املعنى يصبح النضج‬
‫عاما لدى جميع أفراد الجنس وهو محرك النمو الداخلي الذي تحدده الخاليا التناسلية (معالقي‪ ،2007 ،‬صفحة ‪)41‬فإغفاله‬
‫للعوامل االجتماعية وتركيزه على العامل البيولوجي الوراثي أنقص من قيمة النظرية‪ ،‬رغم أنها أولى الدراسات عن مرحلة املراهقة‬
‫والتي اقترحها هول أن تكون ميدانا للبحوث و الدراسات العلمية‪ ،‬و واضح أن جان جاك روسو الذي تناول املراهقة في كتاباته التي‬
‫هي عبارة عن تأمالت فلسفية و تربوية غير جامعة للمحك العلمي التجريبي‪ ،‬لم يغفل تلك الجوانب االجتماعية في عملية النضج‬
‫عند املراهقين‪ ،‬رغم أنه كان يرى أنه مرحلة مستقلة و منفصلة على باقي مراحل النمو األخرى عند اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -2-3‬نظرية أرنولد جيزل (‪:)Gesell-Arnolde 1961-1880‬‬
‫كان من أشد أتباع نظرية هول عالم النفس األمريكي جيزل الذي يظهر تأثره باتجاه هول في دراسة املراهقة من خالل كتبه‬
‫الثالث‪:‬‬
‫‪"-‬الحدث في ثقافة اليوم" ‪(Gessell.A, 1972) (Gessell.A, 1972)« Le JeuneEnFant Dans La CivilisationModerne‬‬
‫‪-‬الطفل من ‪ 10 -5‬سنوات"» ‪L’enfant De 5 A 10 Ans‬‬
‫‪-‬املراهق من ‪ 16 -10‬سنة" » ‪L’adolescent De 10 A 16 Ans‬‬
‫تتفق وجهة نظر جيزل فيما يتعلق بالوراثة النوعية أو امليراث العرقي عن طريق الجينات السلفية مع ما كان يذهب إليه‬
‫ستانلي هول في هذا الصدد‪ ،‬باستثناء نظرية التلخيص واالستعادة‪ ،‬فقد استبعدت لدى جيزل ولم تحض بموافقته (قشقوش‪،‬‬
‫‪ ،2007‬صفحة ‪ )34‬وفي الواقع إن الفكرة الرئيسية لدى جيزل تدور حول النضوج التي يعرفها بأنها "العمليات الفطرية الشاملة‬
‫لنمو الفرد وتكوينه تتعدل وتتكيف عن طريق الغدة الوراثية للفرد‪( .‬الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪)33‬‬
‫وربما كان هذا التأكيد على أهمية النضج البيولوجي‪ ،‬هو الذي أدى إلى توجيه النقد إليه باعتباره من أتباع النظرية‬
‫العضوية‪ ،‬صحيح أن جيزل يعتبر أن العوامل الداخلية في النمو لها الدور األساس ي‪ ،‬ولكنه من ناحية أخرى لم يهمل دور البيئة في‬
‫توجيه الخصوصية وتعيينها من طريق التأثير ألحصري وإن كانت ال تخلق التطورات نفسها‪ ،‬فالكائن يولد على سمات وميول‬
‫تكوينيه في أكثرها فطرية (استعدادات) تعين متى يمكنه أن يكتسب وإلى أي درجة‪ ،‬فهذه السمات هي سمات عرقية‪ ،‬عائلية أي‬
‫وراثية ومحددة وراثيا‪ ،‬يصل إليها الكائن عن طريق النضج الطبيعي‪ ،‬ويصل إلى اإلرث االجتماعي‪ ،‬الحضاري عن طريق عملية‬
‫االنتساب الحضاري‪ ،‬ومن هنا إذن كان عدم إمكانية فصل العوامل الداخلية عن العوامل الخارجية في عملية النمو والتطور‪،‬‬
‫وينفرد أرنولد جيزل من بين اآلخرين بوصفه ألصناف السلوك عاما بعد عام‪ ،‬والتي تدور حول تحليل مراحل السلوك إلى نتيجتها‬
‫النهائية وعلى هذا األساس فإن جيزل ال يقر اإلشارة إلى املراهقة بصفة عامة‪ ،‬ولم يلمس التناقضات الشاملة في السلوك بل يشير‬

‫‪126‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫إلى تذبذبات سنوية بين الصفات االيجابية والسلبية (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪ ،)33‬وفي كتابه عن الشباب من سن العاشرة وحتى‬
‫السادسة عشرة‪ ،‬ميز جيزل عدد من السمات تتمحور حول النظام الحركي والنمو العضوي واالهتمامات الجنسية‪ ،‬والصحة‬
‫الجسدية التي تشمل التغذية والنوم والنظافة ثم االنفعاالت‪ ،‬والغضب والخاوف ثم "األنا" النامي أو تقدير الذات وامليول‬
‫واملستقبل‪ ،‬ثم تأتي العالقات االجتماعية‪ ،‬العالقات بالوالدين و اإلخوة واألخوات واألتراب من الجنس الواحد‪ ،‬أو الجنس اآلخر‪،‬‬
‫ثم النشاطات واالهتمامات (الحفالت‪ ،‬القراءة‪ ،‬السينما‪ ،‬التلفزيون)‪ ،‬ويتبع ذلك الحس الخلقي‪ ،‬مفاهيم الشر والخير ومفهوم‬
‫العدل‪ ،‬وأخيرا الحس الفلسفي‪ ،‬أو مفاهيم الزمان‪ ،‬املكان‪ ،‬املوت‪ ،‬األلوهية‪( )...‬معالقي‪ ،2007 ،‬صفحة ‪.)44‬‬
‫"ومع ذلك فإن صالحية استخدام منحاه املعياري الوصفي وسالمته تبدو قاصرة فقط على مستويات األعمار الزمنية‬
‫املبكرة‪ ،‬وقد تعرض جيزل النتقادات عدة بخصوص عدم دقة استخدام هذا املنحنى فيما يتعلق بسنوات فترة املراهقة (قشقوش‪،‬‬
‫‪ ،2007‬صفحة ‪.)34‬‬
‫‪ -4-3‬النظريات النفسية والنفسية االجتماعية‪:‬‬
‫‪ -1 -3-4‬نظرية سيغموند فرويد )‪:Sigmund Freud (1939- 1856‬‬
‫سنلقي نظرة خاطفة على آراء سيغموند فرويد‪ ،‬فقط إلبراز أهم النظريات التي بحثت في مرحلة املراهقة‪ ،‬ولنا عودة في‬
‫الفصول القادمة لهذه النظرية بالتفصيل في الحديث عن أزمة الجنس عند املراهق‪ ،‬فقد كان فرويد طبيبا نمساويا ومن القدامى‬
‫الذين ساروا على خطى ستانلي هول‪ ،‬لقد ظهرت نظريات التحليل النفس ي في أملانيا منذ منتصف القرن التاسع عشر ميالدي‪ ،‬ويعد‬
‫فرويد من الباحثين السباقين إلى تناول موضوع املراهقة بالتحليل النفس ي من خالل كتابة "خمس مقاالت حول النظرية الجنسية‬
‫الذي نشره عام ‪1905‬م‪ ،‬وفي عام ‪ 1909‬وجه ستانلي هول رئيس جامعة كالرك ورستر بوالية ماساشوستس دعوة إلى فرويد إللقاء‬
‫سلسلة محاضرات هناك‪ .‬لقد كانت آراءه مقبولة إلى حد كبير وانتشرت سمعته في العشر سنوات األولى من القرن العشرين‪.‬‬
‫ففرويد في نظرته إلى املراهقة يتوقف عند البعد التاريخي لهذه الظاهرة‪ ،‬فهوال يرى أن املراهقة هي والدة جديدة كما يقول‬
‫"هول" بل هي إعادة تنشيط لبعض العمليات التي حدثت في الطفولة وخصوصا في املرحلة األوديبية (معالقي‪ ،2007 ،‬صفحة ‪)49‬‬
‫‪ ،‬كما ال نراه يتفق مع ستانلي هول الذي يقول بأن الغرائز الجنسية تظهر وتنكشف ألول مرة عندما يصل الطفل إلى سن البلوغ‪،‬‬
‫نرى أن فرويد يشجب هذا الرأي حين يقول" إن القول بأن األطفال يجب أن يحرروا من حياتهم الجنسية كاالستثارة الجنسية‬
‫والحاجة الجنسية وتطمينها‪ ،‬وبأنهم سوف ينتقلون إلى هذه املرحلة بصورة مفاجئة في السنوات التي تقع ما بين الثانية عشرة‬
‫والرابعة عشرة من أعمارهم‪ ،‬سيكون من الناحية البيولوجية أمر غير صحيح‪ ،‬بل هو في الواقع قول هراء‪ ،‬وهو شبيه بقولنا أن‬
‫األطفال يولدون من غير أعضاء تناسلية وأن هذه األعضاء ال تبدأ في الظهور والتبرعم ألول مرة إال في سن البلوغ‪ ،‬وأن الذي يتيقظ‬
‫فيهم في هذه الفترة _ أي فترة البلوغ _ هي وظيفة إنجاب األطفال (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪.)35‬‬
‫تحتل الغريزة مركزا أساسيا في نظرية فرويد‪ ،‬حيث يتخذ هذه النظرية من مفهوم الغريزة محورا لكل ما يذهب إليه أو تنادي‬
‫به بخصوص الطبيعة اإلنسانية أو السلوك اإلنساني‪ ،‬فاختط فرويد تصورا ثالثي األبعاد لشخصية اإلنسان استند فيه إلى الغريزة‬
‫بصفة أساسية‪ ،‬تحدث فيه عن "الهو" »‪ «id‬كمحدد أو مستودع للدوافع والحاجات البيولوجية املنشأ‪ ،‬واألنا ‪ Ego‬كممثل للواقع‬
‫ومقتضياته وما يحدث بينهما من مواجهة‪ ،‬يبعث إليها ما يتضمنه الهو من حاجات ومطالب ملحة لإلشباع‪ ،‬تتخذ صورا وأشكاال‬
‫مختلفة طبقا أو تبعا ملستوى العمر‪.‬‬
‫ونبه فرويد إلى أن الطفل الصغير في فترة السنوات الخمس أو الست األولى من حياته يمكن أن يمر عبر مراحل محددة هي‪:‬‬
‫املرحلة الفمة واملرحلة االستية أو الشرجية واملرحلة البولية ثم املرحلة القضيبية‪ ،‬وفي كل مرحلة من هذه املراحل األربع يبدو‬

‫‪127‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫سلوك الفرد ونشاطاته موجهة بتأثير حاجات غريزية أساسا‪ ،‬وقد رأى فرويد في بزوغ أو ظهور األنا األعلى »‪ «Super Ego‬بدء وجود‬
‫قوة منظمة ضابطة من خلق الجتمع وصنعه (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪.)35‬‬
‫فطبقا للتصور الفرويدي لسيكولوجية املراهقة‪ ،‬يواجه الفرد ألول مرة منذ الوالدة دافعا بيولوجيا قويا في مرحلة البلوغ‬
‫بسبب التغيرات النمائية‪ ،‬وهذا الدافع البد من أن يتكامل مع بنيات الشخصية لهذا املراهق الذي ما يزال في طور النمو‪ ،‬وهذا األمر‬
‫يصبح أكثر تعقيدا فيما بعد بسبب املعايير االجتماعية األخالقية والدينية‪ ،‬ذلك عن طريق التوحد مع الوالدين واملدرسين وآخرين‬
‫غيرهم بحيث يكون األنا األعلى قد حدد وظائفه خالل سنوات الكمون التي تمتد ما بين السن السادسة والحادية عشرة ‪،‬ملا تتصف‬
‫به من هدوء و سكون جنس ي (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪ )38‬والتي تتطلب تأجيل اإلشباع الجنس ي الغيري حتى فترة الزواج وتبلغ‬
‫فترة التأجيل هذه عادة من‪ 10‬إلى ‪ 15‬سنة بعد أن يكون الدافع قد اكتسب كامل قوته ‪،‬وبمفاهيم التحليل النفس ي فإن ذلك يعني‬
‫أن نزعات (الهو) تتطلب اإلشباع مع الصراع الذي يمكن أن يحدث مع األنا األعلى مما يؤدي إلى تطور اإلحساس بالذنب‪ ،‬ألن األنا‬
‫األعلى ال يجيز متطلبات الهو‪.‬‬
‫أما األنا الذي ال يستطيع أن يشبع كليهما فيشعر باإلنسحاق بين قوتين متعارضتين وهكذا فإن التوازن الجديد الذي ينشأ‬
‫بين الهو واألنا األعلى في مرحلة الكمون سيختل محدثا الفراغ والصدمة وعدم التوازن السيكولوجي وهذه الصراعات قد تكون‬
‫داخلية ‪،‬كالصراع بين األعداء والضمير أو خارجية كأن تكون بين الذات والوالدين‪ ،‬ويحاول األنا التوافق مع هذه الصراعات بإنكار‬
‫مطالب الهو من خالل ميكانيزمات الكبت أو اإلنكار من ناحية أو تهدئة األنا األعلى من خالل التعقل والتبرير والتقشف والشكوص‬
‫(قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪ ، )42‬فإذا انتصرت الهو وسيطرت الشحنات الغريزية حدث ازدياد في أحالم اليقظة ونكوصية إلشباع‬
‫جنس ي طفيلي (نشاط علمي‪ -‬ذاتي) إستياء وتصرفات عدوانية‪ ،‬بسبب ضعف اآلليات التي تؤدي إلى التكيف االجتماعي عند الكائن‪،‬‬
‫أما إذا انتصرت األنا كبتت الغرائز والرغبات وأدى ذلك إلى أشكال مختلفة من القلق وإلى أعراض عصابية ألن إشباعات املراهق‬
‫تنحصر في حدود الحاجات الغريزية الضيقة ملرحلة الطفولة‪ ،‬مما يستوجب توظيفا معاكسا وآليات دفاعية تدفع باملراهق إلى‬
‫مواقف متناقضة مثل األنانية يقابلها حب اآلخرين‪ ،‬وامليل إلى االنفتاح يقابله امليل إلى االنكماش الذاتي والتهالك على امللذات يقابله‬
‫العفة والتعفف (معالقي‪ ،2007 ،‬صفحة ‪.)55‬‬
‫فاألنا واألنا األعلى يواجهان اختبارات قاسية خالل مرحلة املراهقة واضطراب أحدهما أوكالهما يعتبر سببا في انتحار‬
‫املراهقين أو االنحراف واالضطرابات العقلية والعواصف والتوترات‪ ،‬وعندما تصل املرحلة التناسلية إلى نهايتها يكون بناء شخصية‬
‫الراشد قد تشكل (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)42‬‬
‫أما آنا فرويد بدأت حياتها املهنية متأثرة بنظريات والدها‪ .‬قدمت آنا فرويد مساهمات مهمة خاصة بها في علم النفس‪ .‬حيث‬
‫ولخصت آليات الدفاع عن األنا في كتابها "األنا وآليات الدفاع" في عام ‪ .1936‬فقد تميزت‬ ‫ّ‬ ‫أوجدت أسس التحليل النفس ي لألطفال‬
‫أعمالها في دراسة األوليات الدفاعية ضد نزوات الهو‪ ،‬فهي تعتبر أن األنا في مرحلة البلوغ يستخدم جميع الوسائل الدفاعية التي‬
‫يملكها السترجاع التوازن الذي ينهار نتيجة لطغيان النزوات املتأتية عن الهو وسيطرتها على األنا"‪ ،‬فمن هذه اآلليات‪:‬‬
‫‪ -‬التقشف أو الزهد (التعفف)‪ :‬ويظهر بسبب خوف املراهقين من فقدان السيطرة على نزواتهم وبالتالي يمارسون ضبطا على‬
‫أنفسهم من خالل التخلي على املتعة البسيطة مثل الطعام املفضل أو املالبس الجذابة (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ ،)45‬ومن مظاهر‬
‫التعفف املتطرف‪ ،‬الخاطرة بالصحة كارتداء املالبس التي ال تتالءم مع الطقس‪ ،‬أو إلزام النفس النهوض باكرا‪.. ،‬إذن الرفض هنا‬
‫هو رفض قاطع لجميع أنواع النزوات بما فيها تلك التي تحاول أو تظهر بشكل مقنع (معالقي‪ ،2007 ،‬صفحة ‪)61‬‬

‫‪128‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫أما أليات الدفاع األخرى فترى "أنا" أنه إذا كان التعفف هو الصد لنزوات "الهو" فإن هدف آلية العقلنة هو إعطاء هذه النزوات‬
‫محتوى فكريا أو عقالنيا‪ ،‬وإخضاعها لحكم العقل حيث يحول املراهق النزعات الجنسية إلى أفكار مجردة يمكن مالحظتها‪ ،‬بولعه‬
‫في الجدل في القضايا الحياتية الختلفة (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ ،)45‬فهذه املناقشات قد ال تعني أن املراهق قد أصبح قادرا على‬
‫اإلقناع‪ ،‬وإنما تستخدم للدفاع ضد النزوات والغرائز‪.‬‬
‫‪ -2-4 -3‬نظرية إريك إريكسون (‪: )Erikson. Erik. H1902-1994‬‬
‫إن إسهامات إريك اريكسون )‪(Erikson.e.h, 1972‬تعد من أهم اإلسهامات التي قدمت في مجال املراهقة "ففي الوقت‬
‫الذي التزم فيه اريكسون بالجوهر العام لإلطار الفرويدي‪ ،‬فقد تخلى عن املنحى البيولوجي الصرف الذي يتميز به هذا اإلطار واتخذ‬
‫منحى يعرف بالتخلق املتعاقب (باتريشيا‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪ )149‬ساهم اريكسون في ثالث طرق لدراسة النمو‪ :‬املالحظة املباشرة‪,‬‬
‫ومقارنة الثقافات‪ ،‬ومنهج اإلحياء النفس ي كانت كتابات اريكسون تتضمن مقارنات بين الثقافات الختلفة‪ ,‬فكان مهتما بأساليب‬
‫تغيير الحلول املرتبطة باملراحل العامة من ثقافة إلى أخرى‪ .‬وتوضح جهوده في مجال دراسة اإلنسان املعوقات الوراثية لنظرية فرويد‬
‫التي كانت ترتكز بصفة أساسية على مرض ى مضطربين نفسيا في فينا"‪.‬‬
‫عدل اريكسون من نظرية النمو السيكولوجنس ي لفرويد استنادا لنتائج البحوث النفسية االجتماعية واألنثربولوجية‬ ‫ّ‬
‫الحدثة‪ ،‬واقتنع من خالل عمله املتضمن لثقافات متعددة بالحاجة إلى إضافة بعد نفس ي اجتماعي إلى نظرية فرويد للنمو النفس ي‪-‬‬
‫الجنس ي ورغم أنه استبقى في نظريته الكثير من مفاهيم فرويد بما في ذلك مثلت مكونات الشخصية الهو" "األنا" و"األنا األعلى" "إال‬
‫أنه أعطى أهمية أقل للحاجات البيولوجية األساسية "للهو" باملقارنة مع فرويد‪ ،‬بل عوضا عن ذلك فإنه يعتقد أن "األنا" هو القوة‬
‫الحركة للسلوك‪.‬‬
‫يسير النمو النفس ي‪ -‬االجتماعي عند اريكسون وفقا للمبدأ الجيني‪" :‬يقر هذا املبدأ أن أي ش يء آخذ في النمو يتبع خطة‬
‫معينة‪ ،‬وتبعا لذلك تنشأ األجزاء‪ ،‬وكل جزء له وقته الخاص في السيطرة حتى تنشأ جميع األجزاء لتكون الشكل الكلي‪ .‬فبعد امليالد‬
‫يترك الطفل "التبادل الكيميائي" مع الرحم إلى نظام التبادل االجتماعي مع الجتمع‪ ،‬حيث تتوافر فرص إشباع قدراته ومحددات‬
‫ثقافته تدريجيا‪ ،‬ويتم تشكيلها عن طريق البيئة‪ ،‬ويتضمن هذا التتابع أبعادا مختلفة‪ .‬هناك انتقال تدريجي يتم من خالل مجموعة‬
‫من القضايا (املشكالت)‪ ،‬تستمر في محاذاة نضج الطفل حيث تتسع عالقاته الهامة‪.‬‬
‫إن كال من النضج وحاجات الجتمع يؤديان إلى خلق ثمان مشكالت أو محاور ينبغي للطفل أن يخضع لها‪ .‬وكل مشكلة‬
‫منها تسود في مرحلة معينة من العمر‪ ،‬ولكنها تتضح في صورة معينة من خالل النمو‪ ،‬وكل مرحلة تبنى على املراحل السابقة كما‬
‫تؤثر على املراحل الالحقة‪ ،‬ويعبر اريكسون عن ذلك بقوله "إن كل مرحلة تضيف شيئا محددا للمراحل التالية وتخلق صورة جديدة‬
‫للمراحل السابقة"‪ .‬فاملفهوم الرئيس ي في نظريته هو اكتساب "هوية األنا" (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)46‬وأن أزمة الهوية أو التقدير‬
‫الذاتي تتم في نهاية املراهقة‪ ،‬وبقدر ما يصبح املراهق واثقا من هويته الذاتية‪ ،‬بقدر ما يميل إلى التفتيش عن تحقيقها في الصداقة‬
‫والحب والخلق والقيادة‪ ،‬وتلعب صورة الذات الجسمية دورا أساسيا في تشكيل صورة الكائن عن ذاته" (معالقي‪ ،2007 ،‬صفحة‬
‫‪)63‬فاملالحظ أن إريكسون الذي درس فترة املراهقة في أبعادها النفسية و االجتماعية و البيولوجية يرى أنها فترة الكتساب هوية‬
‫األنا ‪،‬و إثبات لشخصيته املستقلة داخل الجتمع ‪.‬‬
‫‪ - 5-3‬نظرية التعلم االجتماعي‪:‬‬
‫اكتسب إسهام نظرية التعلم في مجال العالج النفس ي قوة دافعية في السنوات األخيرة ويمكن أن نقف على ما قدمته نظرية‬
‫التعلم بقدر أكبر من التفصيل من خالل ما قام به كل من دوالرد وميللر موري‪ ،‬بانديورا وولترز وآخرون‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫بصورة عامة تؤكد نظرية التعلم على أهمية التعلم املبكر‪ ،‬ولهذا نالحظ أن القسم األكبر من هذه الدراسات موجه نحو‬
‫األطفال منذ نعومة أظفارهم حتى طفولتهم املتأخرة وقد توجه االنتباه أخيرا وبصورة ملموسة إلى دراسة أحوال املراهقين في كثير‬
‫من األمور‪ ،‬كالعدوان‪ ،‬والدور الذي تلعبه مجموعة الرفاق واألنداد في تطوير وتنمية ظاهرتي احترام الذات وتكوين املواقف فيما‬
‫بينهم‪ ،‬كما تركزت دراسات أخرى حول تحليل ما قد يتعلمه األفراد في مراحل نموهم الختلفة‪ ،‬ومن األمور التي يجب أن يتعلمها‬
‫املراهق هي قبوله لبنيته الجسمية ودوره الجنس ي واستقالله االنفعالي عن أبويه وعن الراشدين اآلخرين‪ ،‬واختياره وتهيئة نفسه‬
‫ملهنة من املهن واالستعداد للحياة الزوجية وفي تمثل دور األمومة واألبوة وغيرها من الواجبات التي تعد املراهقين واملراهقات لحياة‬
‫الرجولة واألنوثة الكاملتين (الحافظ‪ ،1999 ،‬الصفحات ‪)41-40‬‬
‫نحاول فيما يلي التطرق ملا قدمه بانديورا ‪ Bandura. A‬ووالتر ‪(.A.WALTERS, 1959) Walters.R.H‬اللذان قاما بعدد من‬
‫الدراسات طبقا فيها نظرية التعلم االجتماعي املعرفي أو كما أطلقا عليها مصطلح االتجاه االجتماعي السلوكي في دراسة العدوان عند‬
‫املراهقين‪ ،‬فقد كان باندورا ووالترز من أشد املهتمين بمرحلة املراهقة‪ ،‬وإن إحدى مساهمات نظرية التعلم االجتماعي تبدوا في‬
‫النظر إلى مرحلة املراهقة على أنها مرحلة نمائية متمايزة لها خصائصها الفريدة‪ ،‬وفي هذا الجال يلتقي أنصار نظرية التعلم‬
‫االجتماعي مع فكرة البنية الثقافية التي طورها األنثروبولوجيون‪ ،‬كما اهتم منظري التعلم االجتماعي بمساهمات العالقة التفاعلية‬
‫بين األم‪ /‬الطفل‪ ،‬والطفل‪/‬األم في نمو الشخصية‪ ،‬وكذلك أهمية النماذج والعمليات العقلية‪ ،‬وتقليد النماذج في عملية التعليم‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أهمي ة عالقة الفرد بالجماعة االجتماعية والتأثير املتبادل الحاصل‪ ،‬فقد اهتم بانديورا بتطبيق نظرية التعلم‬
‫االجتماعي على املراهقين حيث أكد بأن األطفال يتعلمون من خالل مالحظة سلوك اآلخرين وتقليدها وتلك العملية تعرف بالنمذجة‬
‫(شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪)55‬‬
‫وتعتبر نظرية التعلم االجتماعي التي تقوم على املالحظة في تقليد السلوك اإلنساني من أهم النظريات املفسرة للسلوك‪،‬‬
‫خاصة في مجال نمذجة السلوكيات العدوانية التي ينش ئ عليها الطفل والتي يكتسبها بدوره ويمارسونها على اآلخرين‪ ،‬وفي العام ‪1980‬‬
‫وسع بانديورا من نظريته في التعلم االجتماعي ليضمنها البعد املعرفي‪ ،‬فبدال من وصف األفراد بأنهم متأثرون بشدة بالتأثيرات‬
‫البيئية‪ ،‬أكد بأن األفراد يحددون مصائرهم إلى حد بعيد من خالل اختيارهم لبيئاتهم املستقبلية‪ ،‬ولألهداف التي يرغبون في‬
‫تحقيقها (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ ،)56‬وهذا يعني أن جزء من املسؤولية سيلقى على األطفال في تحديد مصائرهم‪ ،‬فهم يسيطرون‬
‫على األحداث التي تؤثر في حياتهم‪.‬‬
‫‪ -6-3‬نظرية املجال ‪:Levin Kurt‬‬
‫إن تطبيق نظرية الجال على موضوع املراهقة‪ ،‬قد زودنا بصورة حية ونموذج ممتاز ألثر املعطيات واملدلوالت التي قد تبناها‬
‫علماء األنثروبولوجيا الذين يؤكدون على الجانب الثقافي لظاهرة املراهقة‪ ،‬وفي تفسيرهم ألثر التغيرات التي تحدث في البيئة على‬
‫تخيالت الفرد وتصوراته (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪ ،)42‬ألن شخصية املراهق ال تبنى بمعزل عن الحيط األسري واالجتماعي الذي‬
‫ينتمي إليه‪.‬‬
‫لكن تبقى نظرية الجال والتي يتزعمها العالم األملاني كارث لفي )‪" (kurt, 1951‬تحاول أن تفهم السلوك اإلنساني وتفسيره في‬
‫ضوء الجال الذي يوجد فيه الفرد وقت إتيان السلوك‪ ،‬ويقصد بالجال هنا ماهية الجال النفس ي‪ ،‬ويعتقد لفين أن عدم االتزان‬
‫في البيئة النفسية يرتبط بالتغير الذي يحدث على نحو سريع جدا في بنية أو تركيب حيز الحياة" (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪)81‬‬
‫ينظر كارث لفين إلى املراهق على أنه كائن إنساني في حالة انتقال ما بين عاملين من عالم الطفولة إلى عالم الرشد‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإن ما هو متوقع منه وما هو مسموحا له به‪ ،‬وما يستطيع هو أن يتحمله‪ ،‬كلها أمور غير واضحة أو محددة بالنسبة له تماما في‬

‫‪130‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫ذلك الوقت وقد تصبح مناطق حيز حياته التي تختص بأنشطة من قبيل قيادة السيارة أو االنخراط في عالقة جنسية مع شخص‬
‫ما ‪،‬مصحوبة بنوع من التوتر في مناطق حياته الخاصة‪ ،‬أو الشخصية وقد تكون طريقة تحقيق الهدف من خالل البيئة النفسية‬
‫معوقا على سبيل املثال بقيود والدية أو قانونية أو مبادئ الضمير ولتعليماته‪ ،‬ويتبين عندئذ أن الطرق الخاصة بخفض التوتر‬
‫واختزاله ليست جميعها مفتوحة أو متاحة أمامه بصورة فورية ومباشرة" (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪،)83‬وألن خبرة وتجربة املراهق‬
‫غير كافية ليتخذ قراراته بنفسه‪ ،‬يتدخل الوالدان واملعايير والضوابط االجتماعية وضميره وما يملي عليه من تعليمات لتوجيهه‬
‫وإرشاده للطريق الصحيح‪.‬‬
‫فانتقال املراهق من جماعة األطفال إلى جماعة الكبار هو انتقال إلى وضع غير معروف ويكون من الناحية البسيكولوجية‬
‫مساويا لدخول منطقة مجهولة‪ ،‬وهذا يعني عند كورث دخول منطقة لم يتم تكوينها بعد من الناحية املعرفية‪ ،‬فهي ليست متمايزة‬
‫ومفصلة إلى أجزاء واضحة الحدود‪ ،‬وبالتالي ال يتضح للفرد إلى أين سيؤدي عمل ما‪ ،‬وفي أي اتجاه يتحرك ليؤدي عمال معينا ونحو‬
‫أي هدف‪.‬‬
‫وإن هذا النقص في موضوع االتجاه في الجال هو أحد األسباب الرئيسية للتردد وعدم الثبات في السلوك لدى املراهق"‬
‫(الزايد‪ ،2010 ،‬صفحة ‪ ،)35‬بحيث يحتاج الفرد فترة من الوقت كي يعالج ما لديه من نقص أو قصور في التركيب املعرفي بالنسبة‬
‫للموقف الجديد" (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪ )83‬فاملواقف الجديدة بالنسبة للمراهق تحتاج إلى دراية ومعرفة وخبرة في الحياة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك قد يتفاقم هذا التوتر وتزداد حدته بتأثير التغيرات التي تطرأ على جسم املرهق فبعدما كان جسم املراهق‬
‫في فترة من العمر منطقة معروفة جدا ومعتمد عليها‪ ،‬أصبحت ال يمكن االعتماد عليها وهذا من شأنه أن يزعزع إيمان الفرد في ثبات‬
‫العالم من حوله‪ ،‬فهذا الشك يكون ذا دعامة قوية يؤدي من جهة إلى زيادة التردد في السلوك‪ ،‬وإلى الصراع والقلق النفس ي وظهور‬
‫النزعة العدوانية" (الزايد‪ ،2010 ،‬صفحة ‪ .)38‬فالتغيرات املفاجئة التي تطرأ على جسمه تشعره بالقلق والدونية واالحراج أمام‬
‫االسرة واألصدقاء‪ ،‬والتأقلم مع هذا الوضع يحتاج إلى وقت طويل تتخلله مشادات وصراعات مع األهل إذا لم يتفهموا الوضع‬
‫الصعب الذي يمر به املراهق‪.‬‬
‫كما ال يقتصر امتداد الجال الحيوي إلى مناطق غير معروفة بل يشمل هذا االمتداد كذلك البعد الزمني للمجال الحيوي‬
‫عند املراهق فبعد أن كان الشاب طفال يحسب أهدافه بحساب األيام واألسابيع والشهور أصبح يحسب بعض أهدافه بحساب‬
‫السنين املقبلة‪ ،‬فاألفراد في كل مستويات العمر يتأثرون بالطريقة التي يرون فيها املستقبل" (العزي‪ ،1985 ،‬صفحة ‪.)36‬‬
‫ويرى "لفين" أن تقلب املراهق وتوتره إنما يعكس حقيقة مؤداها أن املراهق في هذه الحالة سيمثل شخصا يعيش على‬
‫الهامش‪ ،‬وإن سلوكه هذا شبيه بسلوك شخص ينتمي إلى أقلية من األقليات ال يعرف له مكانا بارزا بين أكثرية متحكمة‪ ،‬حيث يتميز‬
‫ّ‬
‫سلوكه بالتوتر وعدم االستقرار وبالتناقض كأن يكون صخابا من جهة أو خجوال من جهة أخرى‪ ،‬أو شديد الحساسية من جهة‬
‫وعدوانيا من جهة أخرى وعديم التسامح حيث ال يغفر ألحد إساءة متعمدة أو غير متعمدة على حد سواء" (الحافظ‪،1999 ،‬‬
‫صفحة ‪.)43‬‬
‫إذن يعتبر املراهق في حاالت كثيرا مقيدا بما يطلق عليه لفين حيز الحركة الحرة ونعني بهذا املصطلح مدى أو نطاق في بنية‬
‫الفرد النفسية يستطيع هذا الفرد أن يتحرك في حدوده من وضعية املراهق ويعتمد ذلك الحيز إلى حد ما على قدرات الفرد الذاتية‬
‫كما أنه يعتمد كذلك على قيمه التي يستمدها في معظم األحيان من ثقافته وتمثل الثقافة عنصرا هاما في تحديد مدى اتساع‬
‫الفجوة التي تفصل ما بين عالم الطفولة وعالم الراشدين‪ ،‬وهي التي تحدد أمد الفترة التي يقضيها الفرد في طور املراهقة" (قشقوش‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫‪ ،2007‬صفحة ‪ )84‬هذا يعني أن املراهق ال يمكن أن يكون راشدا له مكانة اجتماعية كاملة بين جماعته إال إذا أقرت الجماعة‬
‫واعترفت بقدرتة على تحمل املسؤولية‪.‬‬
‫‪ -7-3‬وجهة النظراألنثربولوجية واالجتماعية (النظريات الثقافية واالجتماعية)‪:‬‬
‫ظهر في الفترة املبكرة من القرن العشرين توجه جدلي حول الطبيعة البشرية‪ ،‬له تطبيقاته الجوهرية في نظريات النمو‪،‬‬
‫يؤكد هذا التوجه على الحتمية الثقافية مقابل فكرة الحتمية البيولوجية" (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ ،)60‬وقد تحدى بعنف وشدة‬
‫الفرضيات السائدة آنذاك كنظرية االستعادة التي جاء بها "هول" والنظرية الجنسية (الليبيدو) التي نادى بها "فرويد" بحيث يؤكد‬
‫األنثروبولوجيون على أن الوسط االجتماعي الثقافي يحدد مسيرة املراهقة ويؤثر بشدة على درجة إحساس املراهق بمدى تقبل‬
‫مجتمع الكبار له" (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)60‬‬
‫وكانت الحاولة األولى قد أثبتت من جانب الباحثة (بندكت) حيث نظمت وصنفت هذه املعلومات‪ ،‬وفسرت هذه الباحثة‬
‫بأن عدم االستمرارية في تطور سلوك الفرد وتكوينه يعزى إلى عدم االستمرارية في الظروف واألحوال االجتماعية وتوقعاتها"‬
‫(الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪.)38‬‬
‫وقد أشارت في هذا الصدد‪ ،‬إلى ثالث أبعاد بالنسبة لألدوار التي يلعبها الجتمع من جهة‪ ،‬وإلى العالقات الشخصية من جهة‬
‫أخرى والتي ستؤدي بدورها إلى تمزق السلوك وتعطيله وهذه األبعاد الثالث تتلخص فيما يلي" (شريم‪ ،2009 ،‬الصفحات ‪.)63-62‬‬
‫أ‪ -‬املسؤولية مقابل عدم املسؤولية في األدوار‪ :‬يتعلم األطفال في الثقافات البدائية املسؤولية على نحو مبكر إلى حد بعيد‪ ،‬فاللعب‬
‫والعمل نشاطات غير منفصلة تماما ‪ ،‬أما في الثقافات املتحضرة فيتم الفصل بين مواقف اللعب والعمل‪ ،‬وال يسهم الطفل في‬
‫القوى العاملة أو في األسرة ويحميه القانون بهذا االتجاه‪ ،‬ويبدأ بالتنافس مع الراشدين للمرة األولى عندما يتخرج من املدرسة‬
‫والجامعة وبذلك فالتحول منعدم املسؤولية إلى املسؤولية في نهاية املراهقة املتأخرة يحدث عادة على نحو مفاجئ ‪،‬محدثا قلقا‬
‫وصراعا بالنسبة للمراهق عندما يدخل عاملا غير معروف بالنسبة إليه‪.‬‬
‫ب‪ -‬الخضوع مقابل السيطرة في األدوار‪ :‬في مرحلة املراهقة تحدث النقلة بين الخضوع والسيطرة في وقت ال يكون فيه املراهق‬
‫قد تلقى ما يكفي لهذا التحول ‪،‬بينما يحدث العكس في الجتمعات البدائية‪ ،‬فهناك استمرارية لهذا النمط من العالقة بين الخضوع‬
‫والسيطرة ‪،‬كما أشارت بندكت‪ ،‬فالطفلة ذات السبعة أعوام تقوم بضبط ورعاية من هم أصغر منها سنا‪ ،‬بينما هي مازالت تحت‬
‫سيطرة من هم أكبر منها ‪ ،‬وعندما تكبر تمارس العمل مع من هم أصغر منها وهكذا ‪...‬أما إذا واجه الصغار صراعا مع والديهم‬
‫فبإمكانهم االنتقال إلى منزل الخال‪ /‬العم بدون أي وصمة عار أو ضغط انفعالي‪ ،‬وللوالدين تأثيرات محددة على أطفالهم ألن مهمة‬
‫التأديب هي من شأن اإلخوة األكبر ‪،‬وبذلك فإن هذا النظام يحول بين الصراعات االنفعالية ذات الصلة بأدوار الخضوع والسيطرة‬
‫التي تعرفها الجتمعات املتحضرة‪.‬‬
‫ج‪ -‬التشابه وعدم التشابه في األدوار‪ :‬التشابه في األدوار الجنسية لدى األطفال والراشدين في الكثير من الثقافات غير‬
‫التكنولوجية يقابله عدم التشابه في هذه األدوار في الثقافات الغربية فقد أشارت ميد إلى أن فتاة الساموا ال تمر بخبرات فيها عدم‬
‫استمرارية حقيقية في األدوار الجنسية عندما تنتقل من الطفولة إلى الرشد فلديها الفرصة ألن تشكل ألفة بموضوعات الجنس‬
‫(باستثناء ماله صلة بالحارم)‪ ،‬باملقابل ففي الثقافات الغربية تم إنكار الجنسية الطفلية والكبت الجنس ي لدى املراهق‪ ،‬و يعتبر‬
‫الجنس إثما و خطرا فعندما ينضج املراهقون جنسيا عليهم نسيان هذه االتجاهات واملمنوعات التي خضعوا لها سابقا ‪ ،‬وأن‬
‫يصبحوا راشدين مستجيبين جنسيا‪.‬‬
‫‪ -1 -7-3‬مارجريت ميد (‪:Margret Mead )1901-1978‬‬

‫‪132‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫لقد تميزت مارجريت ميد بما أضافته من رؤى منهجية جديدة‪ ،‬كان لها تأثير كبير في املنهج االنثروبولوجي‪ ،‬وتفردت (ميد)‬
‫عن غيرها من االنثروبولوجيين باعتمادها موضوعات ثقافية للمجتمعات البدائية‪ ،‬حيث كانت تنتهج في دراستها منهجا تطبيقيا‬
‫تعتمد فيه على املالحظة باملشاركة‪ ،‬حيث أمضت وقتا طويال مع املراهقات في الساموا‪ ،‬وشاركتهن السكن واللعب وطريقة الحياة‬
‫‪ ،‬فلم يشعرن أنها غريبة عنهن‪ ،‬استغرقت الدراسة تسعة أشهر استطاعت فيها جمع العديد من التفاصيل والحقائق عن املراهقة‬
‫والحياة االجتماعية‪ ،‬فقامت بدراسة ل‪ 50‬حالة من املراهقات في ثالث قرى‪ ،‬يمكن تعميمها على سكان الساموا ‪.‬‬
‫"وانتهت إلى أن الفتيات املراهقات هناك يتحركن بسهولة من مرحلة الطفولة إلى املراهقة بال متاعب وأن فترة بلوغهن ومن‬
‫ثم غرائزهن الجنسية ال تمثل لهن أية مشكالت أو توتر" (ميلسون‪ ،2007 ،‬صفحة ‪)24‬‬
‫وتوصلت إلى أن أطفال جزيرة ساموا يتبعون نمطا نمائيا مستمرا نسبيا دون تغيرات مفاجئة من مرحلة ألخرى‪ ،‬وليس متوقعا منهم‬
‫أن يسلكوا أحيانا كأطفال‪ ،‬وفي وقت آخر كمراهقين‪ ،‬وكراشدين‪ ،‬في أوقات أخرى فأطفال ساموا لم يتعرضوا إلى تغيرات مفاجئة‬
‫في أساليب تفكيرهم أو سلوكهم وبالتالي فإن املراهقة ال تشكل تغيرا أو انتقاال حادا من نمط سلوكي آلخر‪.‬‬
‫واستنتجت ميد أن طبيعة املراهقة ليست محددة بيولوجيا كما تصور ستانلي هول‪ ،‬وإنما هي اجتماعية ثقافية‪ ،‬فعندما‬
‫تتيح الثقافة الجال لالنتقال السلس التدرجي من الطفولة إلى الرشد وهذا ما يحدث مع مراهقي الساموا‪ ،‬فالقليل من االضطراب‬
‫والتوتر يرافق هذه الفترة من النمو" (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ )61‬ألن مارجاريت ميد وفي إجابتها عن تساؤلها تقول أنها لم تلحظ‬
‫فوارق كبيرة تميز مجموعة الفتيات اللواتي يمررن في مرحلة املرهقة عن الجموعة األخرى من الفتيات اللواتي سيراهقن بعد فترة‬
‫سنتين تقريبا‪ ،‬أو عن مجموعة الفتيات اللواتي راهقن منذ سنتين غير الفوارق الجسمية بل توجد عند الفتاة األكبر تغيرات جسمية‬
‫ال توجد عند الفتاة األصغر" (الزايد‪ ،2010 ،‬صفحة ‪، )30‬وسبب هذا الهدوء في النمو من الطفولة إلى املراهقة إلى الرشد ترجعه‬
‫مارجريت ميد إلى أسباب هي كالتالي (الزايد‪ ،2010 ،‬صفحة ‪:)24‬‬
‫أ‪ .‬الحرية الجنسية للفتيات قبل الزواج ومن ثم عدم التنافس عليها‪.‬‬
‫ب‪ .‬نقص روح التنافس والقدرة على االنجاز‪.‬‬
‫ج‪ .‬سهولة عمليات التنشئة االجتماعية هناك‪ ،‬وسيادة روح التسامح وعدم العنف فيها‪ ،‬وعدم وجود عمليات الضبط الصارمة‪.‬‬
‫بالرغم مما قدمته ميد من نظرة جديدة حول املراهقة‪ ،‬إال أنها تعرضت النتقادات شديدة يشير موس في كتابه نظريات املراهقة‬
‫إلى أن دراسة مارجريت ميد تعرضت للنقد من قبل "كوتيه" وفريمان" « ‪ « Cote, Freeman‬على اعتبارات أن النتائج التي توصلت‬
‫إليها غير مناسبة وغير سليمة ‪،‬ألنها اعتمدت على عينة صغيرة في منطقة نائية بخصائص فريدة وعممتها على مجتمع الساموا كله‪،‬‬
‫حيث قام فريمان بنفسه بجمع بيانات في فترة الستينات ‪ 1960‬ومن منطقة تفوق منطقتها عددا بما يوازي ‪ 30‬ضعفا‪ ،‬ووجد أن في‬
‫هذه املنطقة عنفا وتنافسا‪ ،‬وشعورا بالذنب ‪،‬وكبتا جنسيا ‪،‬كما هو موجود في الثقافات الغربية‪ ،‬وأن الوالدين يضربان األبناء‪،‬‬
‫كما أن الحافظة على العذرية لدى البنات مطلب هام اجتماعيا" (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪)63‬‬
‫وفي الحقيقة فقد تغير موقف ميد في املراحل التالية من حياتها العلمية‪ ،‬بحيث أصبح هذا املوقف أقل تطرفا من ذي قبل‪،‬‬
‫ولعل ما يؤيد ذلك ما ورد لدى (موس) بخصوص أن مارجريت قد سلمت عام ‪ 1942‬برأي مؤداه أن نمو الشخصية يتأثر بالوراثة‬
‫وبكل من عاملي الثقافة وتاريخ حياة الفرد" (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪ )69‬وقد تضمنت الكتابات األخيرة لها آراء في املراهقة تتوافق‬
‫إلى حد ما مع ما ذهب إليه إريكسون ‪ ،‬فعلى الرغم من تسليمها بأن تناقضات البلوغ الجنس ي وتبايناته تلعب دورا في هذه الناحية‪،‬‬
‫فهي ترى أن ما يصادفه املراهق ويعيشه من مشكالت‪ ،‬إنما هو يرجع أساسا إلى العوامل االجتماعية‪ ،‬وخاصة ما يتصل منها بما‬

‫‪133‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫يواجهه إنسان اليوم من سبل وطرائق للسلوك ذات مدى واسع لالختيار خالل مواقف الحياة اليومية ‪ ،‬في عالم أبرز خصائصه‬
‫سرعة التغير" (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪.)31‬‬
‫وبذلك تعرضت الحتمية الثقافية في صورتها الصارمة إلى التالش ي أو التضاؤل‪ ،‬عندما ترتب على التزاوج بين األنثروبولوجيا‬
‫الثقافية والتحليل النفس ي في ثالثينيات القرن الحالي صور وأشكال متعددة للنظرية التفاعلية‪ ،‬وحدث في كتابات كاردنر ‪kardiner‬‬
‫ولينتون ‪ linton‬واريكسون ‪ ،Erikson‬بل وتحول علماء األنثروبولوجيا في الفترة األخيرة من موقفهم املتطرف الذي دعوا إليه في‬
‫البداية والذي كان يؤكد على أهمية العامل الثقافي في تقويم شخصية املراهق‪ ،‬فقد ظهرت اتجاهات جديدة تدعم مبدأ االنتقاء‬
‫واالصطفاء‪ ،‬وبصورة تبعث على الدهشة‪ ،‬فقد لوحظ أن املعطيات واملعلومات املنتزعة من العناصر الثقافية الختلفة التي كان‬
‫يستعان بها في نكران أثر العنصر الفطري في نضوج أنماط السلوك وفي التحليل النفس ي لعقدة أو ذنب‪ ،‬وفي االعتراف بالفروق‬
‫الكثيرة بين مختلف الجماعات بما يتصل بشخصياتهم‪ ،‬وقد دفعت هؤالء األنثربولوجيين إلى االستعانة بها لتأكيد نظريات كل من‬
‫جيزل وفرويد التي تؤكد وجود املراحل الختلفة في حياة الفرد‪ ،‬وهو في طريقه إلى النمو أو التكوين‪ ،‬ومهما يكن من أمر فقد انطلقت‬
‫حملة واسعة وسليمة تعارض اآلراء والنظريات االنثربولوجية في دعواها املسرفة في غلوها" (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪.)39‬‬
‫أما الباحثون ذووا االهتمامات الخاصة بعلم االجتماع فيسعون إلى تقديم تفسيرات للسلوك اإلنساني في ضوء العوامل‬
‫التي تكمن في بنية الجتمع وتركيبه" (قشقوش‪ ،2007 ،‬صفحة ‪ ،)77‬فيرى على سبيل املثال فرانك مسجروف ‪ Masgrove‬في كتابه‬
‫الذي يحمل عنوان "الشباب والنظام االجتماعي "أن املراهق باعتباره كائنا متميزا يعد نتاجا لالتجاهات والنظم واملؤسسات‬
‫االجتماعية الحديثة ويحاول أن يثبت أو يدافع عن قضية مؤداها أنه فيما قبل نهاية القرن الثامن عشر لم يكن هناك سوى تمايز‬
‫طفيف بين كبار األطفال وباملراهقين‪ ،‬ولكن في حالة الجتمعات األكثر تفتحا وتقبال آلراء روسو وأفكاره بخصوص إرجاء وتأجيل‬
‫سن النضج‪ ،‬كان ال بد من إقامة وتأسيس نظام املدرسة العامة الذي كان من نتيجته أن أصبح مراهقو الطبقتين املتوسطة‬
‫واملرتفعة يعانون على نحو متزايد من اهتمامات أو هموم عالم الراشدين‪ ،‬ويؤكد مسجروف أنه طول الفترة التالية على ذلك الوقت‬
‫كان يجري تبرير هذه املعاناة في صور وعبارات مرحلية بيولوجية ونشوئية وتطورية ونفسية واجتماعية واقتصادية‪ ،‬هذا‪ ،‬وفي الوقت‬
‫الذي ال يوجد فيه دليل كاف إلمكانية اعتبار املراهقة فترة منفصلة في حياة الفرد تتطلب أسلوبا مختلفا في التعامل‪.‬‬
‫فالخوف والعداء اتجاه الجيل األصغر سنا يمثل أهم عوامل الدافعية األساسية التي تدفع الراشدين إلطالة فترة وصايتهم‬
‫على أبنائهم ‪،‬ويذكر الباحث أنه في الوقت الذي يستبعد فيه املراهقون عن املشاركة في تحمل قسط من املسؤولية في شؤونهم‬
‫العامة‪ ،‬ويكافؤون على تبعيتهم‪ ،‬واعتمادهم ويعاقبون على إظهار مبادأتهم وانتهاج السبل غير املتفق عليها‪ ،‬فهم يوصفوا بأنهم‬
‫سيفتقدون القدر الكاف من القدرة على تحمل املسؤولية كي يتطابقوا مع النمط السائد للمراهق ويعزروا ذلك النمط‪ ،‬وأن غالبية‬
‫املراهقين يواصلون القيام بدورهم التابع الذي جرى تنميطهم أو تشكيلهم وفقا له في فترة إعدادهم للحياة أو في سنوات تعليمهم‬
‫املمتدة ‪،‬ليكون ذلك ثمنا يدفعونه مقابل إلشباع املتزايد فيما بعد"‪( .‬قشقوش‪ ،2007 ،‬الصفحات ‪.)73-72‬‬
‫أما فريدن برغ ‪ Frieden Berg‬فينبه إلى أنه‪ ،‬إذا ما تبنى الجتمع اتجاها يعتمد على احترام شخصية املراهقين احتراما‬
‫حقيقيا‪ ،‬فإن ذلك يمكن أن يكون أمرا مفيدا للغاية‪ ،‬وتعد املدرسة بالنسبة لفريد نبرغ املؤسسة االجتماعية الرئيسية‪ ،‬فهي ال تقوم‬
‫في الوقت الحاضر بدورها الحيوي في توضيح وتفسير مغزى ومعنى ما تقدمه ملراهقيها من خبرات‪ ،‬ولذا فهم في حاجة إلى من يشجعهم‬
‫على أن يفكروا وأن يتساءلوا‪ ،‬وفي حاجة لتنمية قدرتهم على استخدام مشاعرهم الحقيقية كموجهات لسلوكهم في العالم الخارجي‬
‫‪،‬فالبد من العمل على تعليمهم أن يحموا أنفسهم وأن يدافعوا عنها اتجاه ما يعيشون من ضروب القلق‪ ،‬و بأن يصبحوا معتدلين‬
‫أو غير مغالبين في مساعيهم وطموحاتهم‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫أما كوملان ‪ Colman‬فهو يتخذ موقفا مغايرا‪ ،‬إذ يرى أن املشكلة ال تتمثل في عدم وجود اختالف بين املراهقين والراشدين‬
‫بقدر ما هي تتمثل في وجود فجوة دائمة االتساع بين عالم الراشدين من ناحية وعالم املراهقين من ناحية أخرى ‪،‬وهو يرى أن اآلباء‬
‫يتخلون باضطراب في الوقت الحاضر عن الوظائف املنوط بهم بخصوص تعليم أوالدهم و تدريبهم وتنشئتهم‪ ،‬وهم يلقون بتبعية‬
‫القيام بهذه الوظائف إلى املدرسة حيث يقض ي التالميذ معظم وقتهم ليس فقط في التعليم بمعناه الشكلي‪ -‬بل في أنشطة مدرسية‬
‫تخرج عن نطاق املقرر أو املنهج الدراس ي‪ ،‬ويرجع ذلك إلى التعبير االجتماعي الذي يحدث اآلن بسرعة يبدوا معها أن ما تعلمه اآلباء‬
‫في مراهقتهم سرعان ما أصبح قديما وغير مناسب مع متطلبات العيش باإلضافة إلى أن األسرة ال تحتاج للقيام بجهد كبير كي تعد‬
‫أبنائها لجال العمل‪ ،‬وغدا األبناء بدورهم يسهمون بقسط أقل في اقتصاديات األسرة (قشقوش‪ ،2007 ،‬الصفحات ‪)76-75‬‬
‫‪.،‬وعليه فأصحاب االتجاه االجتماعي يرون أن ظاهرة املراهقة باملعنى السلبي الذي يفيد التوتر و الصراع و االضطراب في هذه‬
‫املرحلة هي نتاج للمجتمع الصناعي الحديث ‪،‬و تعقد الحياة املعاصرة وامتداد طول فترة التمدرس باإلضافة إلى فترات التعمق‬
‫العلمي و التخصص املنهي‪ ،‬و اتساع الفجوة بين الكبار واملراهقين‪.‬‬
‫‪ -4‬خصائص مرحلة املراهقة‪ :‬توجد أربع مالمح رئيسية تجعل املراهقة مرحلة متميزة‪ ،‬لها خصوصيتها وأهميتها تتمثل هذه‬
‫الخصائص في النمو الجسمي‪ ،‬النمو العقلي‪ ،‬والنمو االنفعالي‪ ،‬والنمو االجتماعي‪.‬‬
‫ونلفت انتباه القارئ أنه رغم ما ستكون عليه دراستنا من طابع اجتماعي ثقافي بحيث سنركز بالدرجة األولى على الناحية‬
‫الثقافية واالجتماعية ملوضوع املراهقة‪ -‬إال أن هذا ال يمنع من تخصيص مساحات واسعة للحديث عن التغيرات البيولوجية‬
‫الجسمية والنفسية التي ستطرأ على حياة املراهق وهذا لسببين‪:‬‬
‫أ‪ .‬نظرا للعالقة املتداخلة بين تلك األبعاد (أي البعد البيولوجي والنفس ي واالجتماعي)‪.‬‬
‫ب‪ .‬نظرا للعالقة املباشرة بين تلك األبعاد في تكوين شخصية املراهق‪.‬‬
‫‪ -1-4‬النمو الجسمي‪ :‬سبق وأشرنا إلى أن املراهق ينمو من أبعاد مختلفة‪ ،‬أبرزها البعد الجسمي أو الجسدي بحيث يشمل هذا‬
‫البعد مظهرين‪.‬‬
‫أ‪ .‬املظهرالفسيولوجي‪ :‬أي نمو في األجهزة الداخلية الخاصة بالغدد الجنسية‪ ،‬ويتصل بعملية البلوغ الجنس ي ناحيتان‪:‬‬
‫‪ -‬الخصائص الجنسية األولية‪.‬‬
‫‪ -‬الخصائص الجنسية الثانوية‪.‬‬
‫ب‪ .‬املظهرالعضوي‪ :‬يتمثل في النمو الخارجي للمراهق أي الطول والوزن والعرض واختالفات أخرى تمس أعضاء من الجسم‪.‬‬
‫"لقد أظهرت الكثير من الدراسات الروابط الوثيقة بين نمو الهيكل العظمي _ الذي يعتبر املؤشر األكبر للنمو الجسمي_‬
‫وبين مظاهر النمو األخرى‪ ،‬كالنمو الفسيولوجي الذي يحدث في مستهل البلوغ‪ ،‬فعند نضوج الطفل يطرأ تغيير في بنية عظامه‪،‬‬
‫فبعد أن كانت طرية وغضروفية ستتحول إلى عظام صلبة‪ ،‬قاسية‪ ،‬وهشة يسهل كسرها على مستوى الرسغ‪ ،‬اليد والقد‪ ،‬واملرفق‬
‫والركبة والورك والكتف (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪.)15‬‬
‫كما أثبتت دراسات أخرى أن املراهق يعلق أهمية كبيرة على جسمه النامي وتزداد أهمية مفهوم الجسم‪ ،‬أو الذات الجسمية‬
‫(وتعتبر عنصرا هاما في مفهوم الذات حيث ينظر املراهق إلى جسمه كمركز للذات ويالحظ شدة اهتمام املراهق بجسمه‪،‬‬
‫والحساسية الشديدة للنقد فيما يتعلق بالتغيرات الجسمية امللحوظة والسريعة (زهران‪ ،2001 ،‬صفحة ‪( )371‬سنتطرق لذلك‬
‫بالتفصيل عند الحديث عن التأثيرات النفسية للنضوج املبكر واملتأخر)‪.‬‬
‫‪ -1 -1-4‬مظاهر النمو العضوي‪ :‬عندما يقرب املراهق من البلوغ نالحظ‪:‬‬

‫‪135‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫نمو سريع مفاجئ في الهيكل العظمي‪ ،‬فيزداد الطول والوزن في كال الجنسين‪ ،‬وتبدوا هذه الفترة من النمو سريعة إذا ما‬
‫قورنت بفترة ما قبل املراهقة بحيث كشفت دراسات أمريكية " (فهمي‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪ )28‬على أن الزيادة في الطول بين الولد‬
‫والبنت يصل في سن ‪ 11‬إلى ‪ 4,5‬قدم تقريبا يتساوى فيها األوالد مع البنات‪.‬‬
‫في السن الثالث عشر يصبح الطول ‪ 5‬أقدام تقريبا تكون البنت أطول ¾ بوصة‪ ،‬أي هناك فترة في حياة الناشئين تكون فيها‬
‫الفتيات أطول من الفتيان الذين يساوونهم في العمر‪.‬‬
‫في السن الخامسة عشر من العمر يصبح الطول ‪ 5,5‬قدما تقريبا‪ ،‬يتساوى فيها معدل النمو بين الولد والبنت ألن النمو‬
‫يستقر في هذه املرحلة إلى حد كبير‪ ،‬وعند بلوغ الثامنة عشر يصبح الطول تقريبا ‪ 6‬أقدام‪ ،‬يكون الولد أطول من البنت بحوالي (‪2,5‬‬
‫_أو ‪ 3‬بوصة) ثم يستقر الطول‪.‬‬
‫أما عن الوزن فالزيادة فيه ترجع إلى نمو العضالت والعظام‪ ،‬بحيث تكون البنات أثقل وزنا من األوالد الذين يساوونهن‬
‫في العمر‪ ،‬إال أن هذا التفاوت سوف ال يستمر طويال وهم يسيرون في طريق النمو‪ ،‬وهذا ما جاء في دراسة لـ ورث شتل‪-Shutle‬‬
‫‪ Worth‬عام ‪( 1938‬فهمي‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪)173‬‬
‫بحيث أجرى بحثا على زيادة الوزن عند األطفال منذ امليالد حتى نهاية سن العشرين فكانت خالصة تلك األبحاث كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬زيادة سريعة في الوزن في الفترة ما بين امليالد حتى العام الرابع‪ ،‬تقابلها زيادة أخرى في الفترة التي تقع بين (‪ 16_14‬عاما ذاك في‬
‫حالة البنين‪.‬‬
‫ب‪ .‬أما في حالة البنات فإن الطفرة الثانية في زيادة الوزن تكون مبكرة عنها في البنين‪ ،‬فهي تبدأ من الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة‪،‬‬
‫ويرجع سبب التبكير في زيادة الوزن عند البنت إلى أن دورة البلوغ لديها تبدأ مبكرا عن الولد‪ ،‬ألنه يصاحب دورة البلوغ نشاط زائد‬
‫في إفرازات بعض الغدد تساعد على النمو‪.‬‬
‫أما عن النمو الحركي‪ ،‬فيتأثر بالنمو الجسمي السريع في الفترة األولى من مرحلة املراهقة فيميل املراهق إلى الخمول والكسل‬
‫والتراخي‪ ،‬بعد أن كان طفال نشطا كثير الحركة وذو صحة جيدة‪ ،‬فعندما يحل دور البلوغ نالحظ تغيرا في صحته (الفتى أو الفتاة)‪،‬‬
‫فتتميز هذه الدورة بأنها فترة أقرب إلى املرض منها إلى الصحة‪ ،‬ويرجع سبب ذلك إلى سرعة النمو وما يصاحبها من تغيرات داخلية‪،‬‬
‫فالبالغ كثيرا ما يتعرض لإلصابة باألنيميا التي تجعل الجسم غير مقاوم لألمراض‪ ،‬مع فقدان الشهية‪ ،‬كما يكون عصبيا قلقا دائم‬
‫الشكوى من الصداع واضطراب القلب (فهمي‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪.)175‬‬
‫أما الفترة بين (‪ 16-15‬حتى ‪ )17‬عاما‪ ،‬حيث تتباطأ سرعة النمو الجسمي نسبيا عن املرحلة السابقة ‪ ،‬يزداد الطول والوزن‬
‫عند كل من الجنسين‪ ،‬وتتحسن الحالة الصحية للمراهق بحيث الكثير من األمراض التي يشكي منها املراهقون واملراهقات في هذه‬
‫الفترة تكون وهمية فهم يلجئون إلى الشكوى من املرض كوسيلة دفاعية للهروب من املسؤوليات‪ ،‬وخاصة ما يتعلق باملدرسة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى القلق من النزاعات العائلية‪ ،‬والفشل في حياتهم الغرامية (فهمي‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪ )175‬وتزداد الشهية لإلقبال‬
‫على األكل ويرتفع ضغط الدم تدريجيا‪ ،‬فيزداد الدم من ‪ 80‬ملمترا للطفل في السادسة من عمره إلى ‪ 120‬ملمترا عند البنات في أوائل‬
‫املراهقة ‪ ،‬ثم تعود إلى ‪ 150‬ملمترا في التاسعة عشر أما عند البنين فيصل إلى ‪ 120‬ملمترا في أوائل املراهقة‪ ،‬ولكنه يعود إلى ‪115‬‬
‫ملمترا في منتصف التاسعة عشرة‪ ،‬ولهذا التغير الدموي أثره البعيد في انفعاله وحساسيته" (الحسين‪ ،2006 ،‬صفحة ‪،)262‬‬
‫تصبح حركة املراهق أكثر توافقا وانسجاما ‪ ،‬ويزداد نشاطه وقوته "لكن يكون نشاطه من النوع البنائي أي النوع الذي يرمي إلى‬
‫تحقيق هدف معين‪ ،‬على العكس من النشاط الزائد غير املوجه الذي يقوم به األطفال في املدرسة االبتدائية" (فهمي‪ ،‬بدون سنة‪،‬‬
‫صفحة ‪.)175‬‬

‫‪136‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫أما الفترة بين ‪ 21-18‬سنة هناك من يطلق عليها "مرحلة الشباب"‪ ،‬وهي مرحلة اتخاذ القرارات حيث يتخذ فيها أهم‬
‫قرارين في حياة الفرد وهما اختيار املهنة واختيار الزوج‪.‬‬
‫تعتبر هذه الفترة قمة الصحة والشباب‪ ،‬ويتم النضج الجسمي في نهايتها يتم النضج الهيكلي يزداد الطول زيادة طفيفة عند كل من‬
‫الجنسين بحيث يكون الذكور أطول من اإلناث‪ ،‬وتتعدل فيها مالمح الوجه‪ ،‬ويتم فيها الوصول إلى التوازن الغددي بحيث تتكامل‬
‫الوظائف الفسيولوجية والنفسية في شخصية متكاملة‪ ،‬يقرب النشاط الحركي إلى االستقرار والرزانة والتآزر التام " (زهران‪،2001 ،‬‬
‫صفحة ‪. )400‬‬
‫ومن التغيرات الجسمية األخرى املميزة لفترة املراهقة ظهور الشعر في أجزاء مختلفة من الجسم ‪،‬فينمو الشعر حول األعضاء‬
‫التناسلية‪ ،‬تحت اإلبطين عند الفتى والفتاة كما ينمو شعر الذقن والشارب عند الفتى‪ ،‬ونمو الثديين ونمو تجويف الحوض‬
‫وترسبات الشحم في أنحاء الجسم للفتاة أثناء البلوغ‪ ،‬أما التغيرات التي تطرأ على حجم الجسم باإلضافة إلى طوله ووزنه نالحظ‬
‫طول الذراعين والساقين واتساع الكتفين‪ ،‬وزيادة حجم اليدين والقدمين‪ ،‬وتغير في مالمح الوجه (ككبر األنف) وتغير على مستوى‬
‫الصوت بالنسبة للجنسين‪ ،‬ويبدأ هذا النمو في العادة قبل البلوغ ويستمر ملدة عامين أو ثالث أعوام‪.‬‬
‫من التغيرات أيضا ظهور حب الشباب على الوجه‪ ،‬وظهوره في هذا السن مرتبط بالتغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على جسم‬
‫الناش ئ‪ ،‬وتؤثر على جميع أجهزته‪ ،‬فتؤثر أيضا على نشاط الغدد الختلفة‪ ،‬كالغدد الذهنية والعرقية‪ ،‬فيزيد إفراز هذه الغدد‬
‫خاصة في منطقة الوجه‪ ،‬بحيث تؤدي زيادة إفرازها إلى سد املسام فال يستطيع التخلص من العرق بدرجة كافية وبالتالي ينتج عن‬
‫ذلك ظهور بثرات حب الشباب‪ ،‬ويؤدي اإلكثار من األغذية النشوية والذهنية إلى تضاعف من زيادة إفراز الغدد" (محمود‪،1981 ،‬‬
‫صفحة ‪ )122‬ألن املراهق في هذه الفترة تزيد شهيته على األكل كما سبق وأن ذكرنا‪.‬‬
‫‪ -2-4‬املظهرالفسيولوجي‪:‬‬
‫تعرف ظاهرة التغير الجنس ي الذي يطرأ على املراهق باسم عملية البلوغ بالنسبة للفتاة ‪ -‬األنثى‪ -‬يحدث لها أول حيض بعد‬
‫مرحلة النمو الجنس ي السريع والعالي‪ ،‬بالنسبة للولد ‪-‬الذكر‪ -‬تبدأ بالظهور عنده حيوانات منوية ناضجة تعد قمة النمو الجنس ي‬
‫بقليل‪ ،‬أو لعل أحد معالم املألوفة لتحديد النضوج الجنس ي عند البنات هو ظهور الطمث (الحيض) وعلى الرغم من ذلك فإن‬
‫مجرد ظهور الحيض عند الفتاة ال يعني أن الفتاة قد نضجت جنسيا‪ ،‬أما بالنسبة للذكر فليس هناك ظاهرة بارزة‪ ،‬لكن يؤكد أكثر‬
‫الباحثين على قاعدة تكون الحيوانات املنوية الكاملة الشكل املتميزة بالخصوبة والحركة‪.‬‬
‫وهناك بعض العلماء قاموا بتقسيم هذه املرحلة إلى مراحل فرعية وهي‪:‬‬
‫‪ -‬مرحلة ما قبل البلوغ الجنس ي‪ :‬طور قبل البلوغ يحدث مبكرا بنحو عامين قبل حدوث البلوغ والتغيرات التي تحدث فيه ليست‬
‫موحدة عند الجميع‪ ،‬وليست بارزة فقد يصاب املراهق بالسمنة لكن سرعان ما تختفي في منتصف مرحلة البلوغ‪ ،‬وقد يحدث بطء‬
‫قليل من نمو الطول" (العيسوي‪ ،2005 ،‬صفحة ‪)72‬‬
‫‪ -‬أما الناحية الجنسية فقد يرى الكثير من الباحثين أن الطمث عند البنات والنضوج الجنس ي عند األوالد هما نهاية املطاف لنمو‬
‫جهاز الغدد الصم غدد غير القنوية والتي تبدأ في الظهور عادة بنحو خمس سنوات قبل البلوغ‪ ،‬حيث يبرز التباين السريع بين‬
‫األوالد والبنات منذ السنة التاسعة‪ ،‬بحيث تظهر الزيادة في نسبة الهرمونات الجنسية للجنسين‪ ،‬هذا وقد لوحظ أن البنات يظهرن‬
‫إفرازات هرمونية أنثوية ملا تقرب من عام ونصف العام قبل ظهور الطمث ألول مرة أي أن انتظام الحيض يبرز في التركيب الكيميائي‬
‫للجسم قبل ظهور الحيض ألول مرة‪ ،‬وتثبت دورة الحيض املنتظمة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫إن الكثير من الباحثين يجمعون على أن معدل عمر الفتاة ال يتجاوز الثالثة عشر عاما ونصف عام قبل أن تحيض ألول‬
‫مرة‪ ،‬أما األوالد فقد يقربون عن السن الرابعة عشرة ونصف السنة‪ ،‬إذن فالبنت تسبق الولد في نضوجه الجنس ي بما يقرب من‬
‫العام ونصف العام عندما يدخل كل منهما العقد الثاني من عمره‪.‬‬
‫أما الرابطة بين حدوث الطمث والقابلية على الحمل لم يبث فيها بصورة دقيقة‪ ،‬لكن تؤكد أكثر الدراسات أن الحيض يبدأ‬
‫عند أكثر البنات قبل أن يصبح املبيض قادرا على تكوين بويضة ناضجة‪ ،‬كما تشير بعض الدراسات أن إنتاج البويضات يبدأ قبل‬
‫نضوج الرحم بصورة وافية تسمح له بحماية الجنين‪ ،‬والحافظة عليه قبل الوالدة‪ ،‬وتشير دراسات أخرى إلى أن القليل من البنات‬
‫– نسبيا– قادرات على اإلنجاب قبل بلوغهن السنة الخامسة عشرة من أعمارهن‪.‬‬
‫كقاعدة عامة‪ :‬ظهور الحيض ألول مرة ال يعني أن الفتاة قد نضجت جنسيا‪ ،‬فالحيض يمثل عالمة فارقة مهمة للنمو الجنس ي‪،‬‬
‫يستعان به كمؤشر للنضوج‪ ،‬وقد أكد بعض الباحثين بالنسبة للنضوج الجنس ي عند الذكور واإلناث إلى وجود فترة ليست بالقصيرة‬
‫تفصل بين بداية النضوج الجنس ي وتباشيره (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪)65‬‬
‫أما في طور البلوغ‪ :‬فإن معظم التغيرات الحاسمة تحدث فيه وهي تغيرات سريعة‪ ،‬يزيد الطول الوزن وتنضج األعضاء التناسلية‪،‬‬
‫تكون اإلناث أكثر تبكيرا في دخول هذه املرحلة وهناك فروق فردية بين اإلناث والذكور داخل كل طائفة بنحو خمس سنوات كما‬
‫أسلفنا الذكر‪ ،‬تختلف مدة هذا الطور بين الذكور واإلناث وزمالئهم لكنها تتراوح ما بين ‪ 3,5_2,5‬عاما (العيسوي‪ ،2005 ،‬صفحة‬
‫‪.)73‬‬
‫أما طور بعد البلوغ‪ :‬في هذه الفترة تقوم األعضاء التناسلية بوظيفتها كاملة‪ ،‬بحيث تكون التغيرات فيه أقل حدة‪ ،‬وتنتهي معظم‬
‫مظاهر النمو البلوغي مع استمرار قليل من مظاهره كنمو القوة العضلية‪ ،‬وانتشار بعض الشعر واألنسجة الواقعة تحت الجلد‪،‬‬
‫تستمر هذه املرحلة من عام واحد إلى عامين فبدايات ونهايات هذه الفترة تخضع لعوامل مختلفة تتصل بالجنس والبنية وطبيعة‬
‫الطفل نفسيا‪ ،‬فقد أثبتت أبحاث اكيوبتسيك‪ ،‬أن حوالي ‪ %50‬من اإلناث ينضجن من (‪ )15,5_12,5‬عاما وينضج الذكور جنسيا‬
‫فيما بين (‪( ") 15,5_14‬فهمي‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪.)162‬‬
‫‪ -3-4‬النمو العقلي‪ :‬تتميز مرحلة املراهقة بأنها تغير هام ونضج في القدرات وفي النمو العقلي‪ ،‬مما يؤدي إلى ظهور الفروق العقلية‬
‫املتمايزة بين املراهقين‪.‬‬
‫‪-1-3-4‬أهم مظاهر النمو العقلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬الذكاء والقدرات‪ :‬فقد بينت اختبارات الذكاء والقدرات العقلية لدى املراهقين أن النمو العقلي ال يسير بسرعة واحدة في جميع‬
‫األعمار‪ ،‬بل أن هذا النمو يكون بطيئا في الصغر ثم يلي ذلك فترة نمو عقلي سريع وذلك خالل فترة الطفولة املتأخرة حتى مرحلة‬
‫املراهقة املبكرة‪ ،‬ثم يأخذ النمو العقلي ابتدءا من العام السادس عشر في البطء‪ ،‬ألنه كان يعتقد فيما مض ى أن نمو الذكاء يتوقف‬
‫في الفترة ما بين ‪ 20 -16‬سنة‪ ،‬إال أن الدراسات الحديثة تؤكد أن هذا ما هو إال وصول إلى مستوى نضج الذكاء‪ ،‬وتدل البحوث‬
‫الحديثة أيضا على أن ذكاء األذكياء واملتفوقين والعباقرة يستمر في النمو ولكن في بطء شديد حتى العقد الخامس من العمر‬
‫(السالم‪ ،2001 ،‬صفحة ‪)404‬‬
‫فيكون الذكاء العام أكثر وضوحا من تمايز القدرات الخاصة‪ ،‬إذ تبدأ سرعته في املراهقة إلى أن يستقر استقرارا تاما عند‬
‫الرشد‪ ،‬وقد بينت أبحاث فرنون ‪ Vernnon‬التي أجراها على عينة من األفراد تتراوح أعمارهم بين ‪ 20-14‬سنة أن الذكاء العام‬
‫يتناقص في سرعته فيما بين ‪ 17-14‬سنة خاصة عند الفتيان الذين يتركون املدرسة في هذه الفترة من العمر‪ ،‬ذلك ألن هذا التناقص‬
‫يتأثر إلى حد كبير باملستوى التعليمي الذي يصل إليه الفرد في دراسته فيتأثر إلى حد كبير بالتحصيل املعرفي" (العزي‪،1985 ،‬‬

‫‪138‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫الصفحات ‪ ،)125-124‬غير أن القدرات العقلية األخرى تظل مستمرة في نموها‪ ،‬خاصة القدرات اللغوية وامليكانيكية والقدرة‬
‫املكانية‪ ،‬والعددية واإلدراكية فتنمو القدرة على التعلم واكتساب املهارات واملعلومات‪.‬‬
‫فقدرة املراهق على التفكير الجرد‪ ،‬تمكنه من استخدام التحليل والتركيب في العمليات املنطقية املتقدمة في املواضيع‬
‫االجتماعية و اإليديولوجية‪ ،‬ويتصف التفكير في هذه املرحلة بالصبغة الفلسفية أحيانا" (شريم‪ ،2009 ،‬الصفحات ‪ ،)94-90‬مما‬
‫يدفع باملراهق للبحث في أصول األشياء وأسرار الحياة والظواهر الطبيعية" (صابر‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪ ،)30‬كما انه يميل‬
‫لالستطالع واالستكشاف وإجراء التجارب‪ ،‬ودراسة األجهزة وفك أجزائها وتركيبها" (مخزنجي‪ ،1999 ،‬صفحة ‪ ،)103‬ومن خصائص‬
‫التفكير في هذه املرحلة أنه يميل إلى املثالية‪ ،‬إذ يعتقد أنه يستطيع إيجاد حل لكل مشاكل العالم‪ ،‬لكن عندما يتخطى هذه الفترة‬
‫(أي عند منتصف املرحلة يصبح أكثر واقعية في تفكيره)‪.‬‬

‫وينمو االنتباه‪ ،‬إذ يصبح املراهق قادرا على تركيز االنتباه في الحاضرات واألحاديث الطويلة خاصة إذا اتفقت مع ميوله‬
‫ورغباته" (مخزنجي‪ ،1999 ،‬صفحة ‪ ،)101‬ويصاحب القدرة على االنتباه‪ ،‬نمو في القدرة على التخيل والتذكر‪ ،‬ألن عملية التذكر‬
‫تنمو في املراهقة وتنمو معها قدرة الفرد على االستدعاء والتعرف (العزي‪ ،1985 ،‬صفحة ‪)162‬فقدرة املراهق على الحفظ تفوق‬
‫قدرة الطفل من حيث استيعاب أكبر كمية ممكنة من املعلومات وحفظ هذه املعلومات مدة أطول" (فهمي‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة‬
‫‪.)208‬‬
‫والتذكر عند املراهق يقوم على القدرة على استنتاج العالقات الجديدة بين املوضوعات املتذكرة‪ ،‬فهو ليس تذكرا آليا ولكنه‬
‫مبني على أسس منطقية (معوض‪ ،2004 ،‬صفحة ‪ ،)31‬ألن املراهق في هذه املرحلة ‪ -‬مرحلة املراهقة املتأخرة ‪ -‬يفضل التذكر املبني‬
‫على الفهم ويكره أسلوب الحفظ‪ ،‬فيستمر النمو للتذكر املباشر حتى يبلغ ذروته في السنة الخامسة عشرة ثم يضعف‪ ،‬لكن يظل‬
‫التذكر املعنوي في نموه طوال املراهقة والرشد‪.‬‬
‫أما التخيل فيصبح مبنيا على الواقع والصورة الجردة‪ ،‬بخالف مرحلة الطفولة التي تتسم وتهتم بالصورة الحسية‪ ،‬فهو‬
‫بهذا ينتقل من الحسوسات إلى املعنويات الجردة‪ ،‬فيصبح املراهق خصب الخيال" (معوض‪ ،2004 ،‬صفحة ‪ ،)32‬ويستطيع‬
‫املراهقين تدوير املشكلة في أذهانهم والتوصل إلى بدائل يمكن تبنيها‪ ،‬لذلك فإن دراسة الرياضيات (الجبر والهندسة وعلم املثلثات)‪،‬‬
‫في املرحلة الثانوية يتطلب قدرة على التفكير الجرد أو الصياغة النظرية‪ ،‬وهذا ليس مقصورا على الحاالت العلمية فقط‪ ،‬بل يمكن‬
‫مالحظته في أنماط مناقشتهم الختلفة التي تنضج فيها قدرتهم على التخيل" (معوض‪ ،2004 ،‬صفحة ‪)31‬‬
‫فالخيال يعتبر وسيلة لتصريف االنفعاالت‪ ،‬وأداة ترويحية‪ ،‬كما أنه مسرح للمطامح غير الحققة (أحالم اليقظة)" (العزي‪،‬‬
‫‪ ،1985‬صفحة ‪ )128‬التي تبدوا بوضوح في هذه املرحلة‪ ،‬فهو عن طريقها يستكمل كل نقص يستشعره في نفسه‪.‬‬
‫كما تنضج ميوالت املراهق وتختلف وتتمايز باختالف العمر الزمني والذكاء‪ ،‬والجنس والبيئة الثقافية‪ ،‬ونمط الشخصية‬
‫العامة للمراهق (زهران‪ ،2001 ،‬صفحة ‪ ،)377‬فيزداد ميل املراهق للقراءة واالستطالع واألسفار‪ ،‬وتظهر امليوالت العقلية والجنسية‬
‫واملهنية أكثر امليوالت تمايزا (العزي‪ ،1985 ،‬صفحة ‪ ،)125‬فيزداد تفكيره في تقدمه الدراس ي وفي املهن التي تناسبه أكثر من غيرها‪،‬‬
‫وكذا تتحدد نظرته للدين ورأيه في الزواج وتكوين األسرة‪ ،‬ففي هذه املرحلة يكون املراهق قد كون فكرة عامة عن قدراته العقلية‬
‫فإما يرفع مستوى تطلعاته بما ال يتناسب مع قدراته أحيانا‪ ،‬وهذا يصيبه باإلحباط والشعور بعدم الكفاءة أو ينقص من مستوى‬
‫تطلعه عن املستوى املناسب ‪ ،‬فيضيع على قدراته فرصة أحسن استغال لها‪ ،‬فهو بذلك ينقص من ذاتيته ويحيط نفسه بمفهوم‬
‫سالب للذات يقيده ويعوق حركته ألنه كلما قربت فكرة املراهق عن قدراته العقلية من الواقع كلما مكنه ذلك من تحقيق ذاته ومن‬

‫‪139‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫التنمية املتوازنة لكل جوانب شخصيته‪ ،‬وفي كل األحوال تلعب الدافعية دورا هاما في السعي لتحقيق مستوى التطلع" (السالم‪،‬‬
‫‪ ،2001‬صفحة ‪.)380‬‬
‫‪ -4-4‬النمو االنفعالي واالجتماعي‪:‬‬
‫تعتبر فترة املراهقة فترة تحوالت طارئة‪ ،‬بحيث تزداد فيها حدة االنفعاالت وخاصة خالل املرحلة األولى أي في فترة التغيرات‬
‫النمائية‪ ،‬والتي تقتصر على السنة أو السنتين األخيرتين من مرحلة الطفولة التي تتزامن مع التغيرات الجسدية‪ ،‬وسرعان ما تقل‬
‫حدة االنفعاالت مع هدوء سرعة النمو‪ ،‬أي عندما يبلغ املراهق السادسة عشر من العمر" (شريم‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ ،)129‬ويحاول‬
‫املراهق الصغير أن يخفي من انفعاالته ليظهر في أمزجة سلبية‪ ،‬كاالكتئاب والشعور بالخجل‪ ،‬واالرتباك والحرج‪ ....‬إلخ‪.‬‬
‫في الواقع يمكن أن تسهم التغيرات الهرمونية في تلك التقلبات واالنفعاالت لدى املراهقين ‪،‬كاألدرينالين الذي يفرزه الغدة‬
‫فوق الكلوية (الكضرية‪ ،‬عند الغضب أو الخوف)‪ ،‬وضمور الغدة التيموسية التي تعمل في فترة الطفولة‪ ،‬ونشاط الغدة الصنوبرية‬
‫والتناسلية" (صابر‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬صفحة ‪)134‬التي تعتبر العامل الرئيس ي في هذا التوتر‪ ،‬إال أن هذا ال يعني أن التغيرات البيولوجية‬
‫هي الوحيدة املسؤولة عن االنفعاالت لدى املراهقين‪ ،‬بل يعتمد هذا التفاعل مع عوامل أخرى‪ ،‬إذ يعد شعور املراهق نحو نفسه‬
‫من جهة ونحو اآلخرين من جهة ثانية من أبرز مالمح حياته االنفعالية‪ ،‬بحيث ال يستطيع التحكم في املظاهر الخارجية لحالته‬
‫االنفعالية ‪ ،‬يصبح ويرفس ويدفع األشياء‪ ،‬ويلقي بها‪ ،‬ونفس الظاهرة تبدوا عليه في حالة الفرح‪ ،‬فإنه يقوم بحركات ال تدل على‬
‫االتزان االنفعالي وقد تكون االنفعاالت املكشوفة غطاء النفعاالت مستورة‪ ،‬كما يحدث أحيانا أن الشخص املرتعب قد يظهر غضبا‬
‫وليس خوفا أو عندما يحاول الشخص الذي قد مست كرامته الضحك بدل من االمتعاض وكأن ما تعرض له من إساءة يدعوا إلى‬
‫السرور والبهجة" (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪)99‬‬
‫فالظروف التي تثير االنفعاالت في فترة املراهقة متنوعة كتنوع ظروف الحياة نفسها فاالنفعال موجود في كل األمور التي‬
‫تتصل بحياة املراهق اليومية‪.‬‬
‫يظهر االنفعال عندما تطمس رغباته أو تعزيز أو عرقلة أية حاجة أو دافع يتصل بمحاولته في إشباع حاجاته الجسمية‪ ،‬أو‬
‫في حفظ وصيانة ودعم أمر يتصل بحياته اليومية وقضاياه الشخصية‪ ،‬وقد يستثار االنفعال بسبب أي حدث يمس رأي املراهق‬
‫حول شخصيته أي حادث يتناقض هذا االنطباع الذي يحمله حول نفسه‪ ،‬أو تلك التي تثير الشكوك والريب حول ما يعلقه من‬
‫آمال‪ ،‬وأحالم ينشد تحقيقها" (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪)98‬من ناحية نجد أن نمو املراهق وما يطرأ على جسمه وطبيعة التغيرات‬
‫الفسيولوجية التي تتميز بها هذه املرحلة تسبب له قلقا بالغا‪ ،‬فهو يرى أن التغيرات التي تطرأ على جسمه وال يعرف حقيقة بعضها‬
‫ويشعر كما لو كان هو الشخص الوحيد الذي يحدث له هذه التغيرات‪ ،‬والدافع الجنس ي الذي يظهر بشدة في هذه املرحلة هو أحد‬
‫هذه التغيرات التي تسبب للمراهق قلقا شديدا‪ ،‬بسبب رغبته في تفهم األمور الجنسية ورغبته في إشباع هذا الدافع‪ ،‬وتزيد املشكلة‬
‫تعقيدا ما يحاط باملسائل الجنسية عموما من غموض وتكتم وشعور بالخطيئة واإلثم فهنا يقع الصدام بين الرغبة في تفهم‬
‫باملسائل الجنسية وإشباع الدافع الجنس ي‪ ،‬وبين املوانع ا لتي يضعها الجتمع مما يؤدي باملراهق إلى أقص ى أنواع الصراع النفس ي‪.‬‬
‫وهناك مظهر آخر من مظاهر الصراع ناتج عن اعتداد املراهق بذاته ومحاولة التحرر من التبعية الطفلية والخضوع ألوامر‬
‫األبوين‪ ،‬فكثيرا ما يستثار الغضب في فترة املراهقة بسبب مطالب الوالدين امللحة املفروضة على صغارهم التي تنسجم ورغبات‬
‫األبوين وتتناقض ورغبات أبنائهم وبناتهم‪ ،‬وهناك الكثير من القيود التي تمارس داخل املنزل تكون سببا لالحتكاك والصراع‪ ،‬وإن‬
‫هذه القيود وتلكم املطالب كثيرا ما تعكس األعراف والتقاليد املنتزعة من الوسط الثقافي‪ ،‬واالجتماعي الذي يعيشون فيه‪ ،‬وإن‬

‫‪140‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ -‬نظرياتها وخصائصها ‪-‬‬

‫الصغار بطبيعة الحال سيوجهون جام غضبهم نحو أبويهم عندما ال يقوون على توجيه هذا الغضب نحو تلك الثقافة السائدة‬
‫التي تكون سببا في الحد من نشاطهم ;واندفاعهم بحرية وانطالق" (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪.)49‬‬
‫وقد أظهرت الدراسات الختلفة أن املراهقون في أحيان كثيرة ال يدركون حقيقة مشاعرهم أو أنهم غير قادرين على تمييز‬
‫حدة هذه املشاعر" (الحافظ‪ ،1999 ،‬صفحة ‪ ،)118‬فيلجأون إلى الكتمان وإخفاء حقيقة مشاعرهم وتمويهها والتالعب بها‪ ،‬لذلك‬
‫الدارس للحياة االنفعالية للمراهق البد أن يخوض في أعماق تلك الحياة"‪ ،‬فقد ال يكون االنفعال البادئ على السطح منها سوى‬
‫ظل ضعف (الصخب انفعال خبئ ألن الناش ئ يتعلم منذ الطفولة أن يمنع عن البكاء وأن يخفي انفعاالته وقد يغالي بعض الناشئين‬
‫في كبح االنفعاالت وإخفائها ويزداد األمر سوءا عندما يمارس األهل فرض اإلخفاء والكبح‪.‬‬
‫ومع كل هذا فمن املميزات املهمة لحياة املراهقين االنفعالية‪ ،‬هي استعدادهم لحب اآلخرين من جهة وحاجاتهم إلى الحب‬
‫والحنان الذي يفيض به اآلخرون عليهم‪ ،‬خاصة حنان وعطف الوالدين‪ ،‬فمهما كبر اإلنسان تبقى الحاجة إلى الحنان والرعاية‬
‫مستمرة وإن الوالد الحب هو الذي يفسح الجال لطفله بأن يلتمس طريقه ويتحسسه حتى على غير هدى" (الحافظ‪،1999 ،‬‬
‫صفحة ‪ ،)104‬ألن الحنان والحب شيئان ضروريان وجانبان أساسيان يتصالن بنمو املراهق وتكوين شخصيته بصورة سليمة‪.‬‬
‫واملراهق كفرد بانتمائه إلى الجتمع‪ ،‬وتفاعله يؤكد رغبته في التعبير عن ذاته وشخصيته‪ ،‬وتحقيق استقالله وفردانيته‪،‬‬
‫لذلك نالحظ أن املراهق في بداية املراهقة يكون مياال لالندماج وسط جماعات من األصدقاء وربط الصداقات للخروج من العالقات‬
‫االجتماعية الضيقة التي تربطه بأسرته ألنه يجد في هذه الجماعات خير متنفس له للتخفيف من حدة القلق واالضطراب الذي‬
‫يعاني منه‪ ،‬فشعور املراهق باتفاقه مع الجماعة ووحدته معها تجعله يحس بأنه ليس وحيدا في أزمته التي يتجاوزها‪ ،‬وهو يختار‬
‫أصدقاءه بنفسه وال يرغب في تدخل األبوين في هذا األمر‪ ،‬ألن تدخلهما يعيق رغباته واستقالليته وحريته في التصرف وقد ال يرض ى‬
‫اآلباء في بعض األحيان عن اختيار أبنائهم ألصدقائهم وينتقدون تصرف بعض هؤالء األصدقاء مما يزيد من وطأة االنفعال لدى‬
‫األبناء وكثرة ال ضغوطات عليهم‪ ،‬مما يجعلهم أكثر انسياقا لتلك الجماعات‪ ،‬لعل خضوعهم للجماعة يقلل من إحساسه بالذنب‬
‫لثورته على والديه وكثيرا ما يدفع الوضع العائلي املشحون بالشجار املستمر بين الوالدين إلى قلق وخوف املراهق ورغبته في االبتعاد‬
‫عن جو األسرة إلى جو الرفقة واألصدقاء مهما كان سلوكهم‪ ،‬لكن سرعان ما تهدأ تلك العاصفة من االندفاع والتهور لدى املراهقين‬
‫إلى التخفيف من حدة الصراع مع اآلباء واالنصياع لهم‪.‬‬
‫‪ -5‬الخاتمة‪:‬‬
‫تدل الدراسات االنثروبولوجية التي قدمها مالينوفسكي‪ ،‬وروث بندكث‪ ،‬ومرغريت ميد أن املراهق في الجتمعات البدائية‪،‬‬
‫ما يلبث أن يصبح رجال عضوا في مجتمعه متحمال ملسؤولياته اتجاه نفسه وأسرته ومجتمعه‪ ،‬فالجتمع هو من يعطي لهذا الطفل‬
‫عندما يبلغ لواء العضوية دون أن يلجأ إلى التمرد والعنف النتزاعها‪ ،‬وهذه ميد تؤكد هنا على أن وجود األزمة أو عدم وجودها ش يء‬
‫يرتبط بالبنية االجتماعية والثقافية وأساليبها في التنشئة االجتماعية‪ ،‬وتؤكد على الفروق في شخصية املراهق في مختلف الثقافات‬
‫والجتمعات‪ ،‬وبذلك تفتح مجاال للبحث في فترة املراهقة‪ ،‬لكن علماء االنثروبولوجية حولوا في الفترة األخيرة موقفهم ليعتمدوا على‬
‫نظريات جيزل وفرويد على وجود املراحل الختلفة في حياة الفرد في طريقه إلى النمو والتكوين‪ ،‬ويؤكدوا في نفس الوقت على أثر‬
‫العوامل الثقافية املتفاعلة في عمليتي النمو و التكوين ‪ ،‬لكن هناك نظرية في التراث السيكولوجي الحديث تقول إن عاصفة املراهقة‬
‫وضغوطاتها ترجع أكثر ما ترجع إلى الصراعات الثقافية الناجمة من القيود الجنسية أكثر من كونها راجعة إلى النمو البيولوجي‪،‬‬
‫وتجد هذه النظرية ما يؤيدها من خالل الدراسات التي أجريت على أبناء الجتمعات البدائية التي يتم فيها اإلشباع الجنس ي لسهولة‬

‫‪141‬‬
‫سعدية قندوس ي‬

‫االنتقال من الطفولة إلى الرشد‪ ،‬في حين أثبتت دراسات أخرى أن املراهقة هي مرحلة نمو عادية‪ ،‬وما هي إال فترة أو طور من أطوار‬
‫مجرى النمو لدى اإلنسان‪ ،‬وأن املراهق ال يتعرض ألزمة من أزمات النمو مادام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي‪.‬‬

‫‪ -6‬قائمة املصادرواملراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬ابراهيم قشقوش‪ .)2007( .‬سيكولوجية املراهقة‪ .‬القاهرة‪ :‬املطبعة الفنية الحديثة‪.‬‬
‫‪ .2‬ابن منظور‪ .)2003( .‬لسان العرب‪ ،‬مادة رهق‪ ،‬حرف الراء‪ .‬بيروت‪ :‬دار صادر‪.‬‬
‫‪ .3‬أسماء بنت عبد العزيز الحسين‪ .)2006( .‬علم نفس الطفولة واملراهقة‪ .‬الرياض‪ :‬دار الزهراء‪.‬‬
‫‪ .4‬باتريشيا‪ ،‬م‪( .‬بدون سنة)‪ .‬نظريات النمو( ‪.‬س‪ .‬م‪ .‬آخرون )‪, Trad.‬عمان‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .5‬جميل حمداوي‪ .)2015 ,03 25( .‬املراهقة خصائصها ومشاكلها وحلولها‪ .‬تم االسترداد من‪www.alukah.net.‬‬
‫‪ .6‬جوزيف صابر‪( .‬بدون سنة)‪ .‬مراهقة ال مشاكل‪ .‬مطبوعات بيجلز‪.‬‬
‫‪ .7‬حامد عبد السالم‪ .)2001( .‬علم نفس النمو الطفولة واملراهقة‪ .‬القاهرة‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ .8‬حسين فيصل العزي‪ .)1985( .‬علم نفس الطفولة واملراهقة‪ .‬دمشق‪ :‬مطبعة خالد بن الوليد‪.‬‬
‫‪ .9‬خليل ميخائيل معوض‪ .)2004( .‬دراسة مقارنة في مشكالت املراهقين في املدن والريف‪ .‬القاهرة‪ :‬دار املعارف بمصر‪.‬‬
‫‪ .10‬رغد شريم‪ .)2009( .‬سيكولوجية املراهقة‪ .‬االردن‪ :‬دار امليسرة‪.‬‬
‫‪ .11‬السيد أحمد مخزنجي‪ .)1999( .‬التأصيل التربوي لألبناء في ضوء علم النفس املعاصر‪ .‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫‪ .12‬شعيرة‪ ،‬ث‪ .‬أ‪ .)2009( .‬سيكولوجية النمو االنسانيبين الطفولة واملراهقة‪ .‬االردن‪ :‬مكتبة الجتمع العربي‪.‬‬
‫‪ .13‬عبد السالم زهران‪ .)2001( .‬علم نفس النمو واملراهقة‪ .‬القاهرة‪ :‬دار حرير للنشر‪.‬‬
‫‪ .14‬عبد اللطيف معالقي‪ .)2007( .‬املراهقة أزمة هوية أم أزمة حضارة‪ .‬بيروت‪ :‬شركة املطبوعات للتوزيع والنشر‪.‬‬
‫‪ .15‬العيسوي‪ ،‬ع‪ .‬ا‪ .)2005( .‬املراهق واملراهقة‪ .‬بيروت‪-‬لبنان‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ .16‬غريبة‪ ،‬إ‪ .‬أ‪ .)2007( .‬التطور من الطفولة حتى املراهقة‪ .‬األردن‪ :‬دار جديد‪.‬‬
‫‪ .17‬فرد ميلسون‪ .)2007( .‬الشباب في مجتمع متغير‪( .‬يحي مرس ي عبد هللا‪ ،‬املترجمون) االسكندرية‪ :‬دار الوفاء دنيا‪.‬‬
‫‪ .18‬فهد خليل الزايد‪ .)2010( .‬فن التعامل مع املراهقين‪ .‬األردن‪ :‬دار النفائس‪.‬‬
‫‪ .19‬فهمي‪ ،‬م‪( .‬بدون سنة)‪ .‬سيكولوجية الطفولة واملراهقة‪ .‬مصر‪ :‬مكتبة الفجالة‪.‬‬
‫‪ .20‬محمود‪ ،‬ا‪ .‬و‪ .)1981( .‬املراهقة خصائصها ومشكالتها‪ .‬دار املعارف‪.‬‬
‫‪ .21‬نور الحافظ‪ .)1999( .‬املراهق‪ .‬بيروت‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪.‬‬
‫‪A. WALTERS, B. (1959). ADOLESCENT AGGRESSION. NEWYORK.‬‬
‫‪22. Bandura.A.Walters.r.h. (1959). ADOLESCENT AGGRESSION. NEWYORK: RONALD‬‬
‫‪PRESS.‬‬
‫‪23. Erikson.e.h. (1972). ADOLESCENCE ET CRISE. enqyete de l'identite flammarion. paris.‬‬
‫‪24. Gessell.A. (1972). le jeune enfant dans la civilisation modern. paris.‬‬
‫‪25. Hall.g.s. (1904). Adolescence its psychology and its relations to psychology anthropology,‬‬
‫‪sociology,sex,crim,religio and education. Newyork.‬‬
‫‪26. kurt, L. (1951). FIELD IN SOCIAL SCIENCE. NEWYORK.‬‬
‫‪27. Rousseau, J.-j. (1762). EMILEOU DE Léducation.‬‬

‫‪142‬‬

You might also like