You are on page 1of 75

‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬تمهيد‪:‬‬

‫تعتبر مرحلة المراهقة من أدق و أهم المراحل التي يمر بها اإلنسان‪ ،‬ذلك ألنها المرحلة التي يتحول‬

‫خاللها الفرد من طفٍل غير كامل النمو إلى كائٍن بالٍغ ناضٍج ‪(.‬إبراهيم وجيه ‪1981‬ص ‪)18‬‬

‫و هي من الفترات الحساسة في حياة اإلنسان‪ ،‬فهي تمثل فترة نمو جسمي وعقلي ونفسي هامة‪ .‬وقد‬

‫أجمعت أك ثر الدراس ات الحديث ة على اعتب ار الم راهقين الفئ ة الحساس ة ال تي يجب العناي ة بهم ص حًيا‬

‫وعقلًيا ونفسًيا‪(.‬خولة بنت عبداهلل ‪2004‬ص‪)15‬‬

‫كما وتذهب كثيٌر من الدراسات إلى أن المراهقة منعط ٌف خطيٌر في حياة الفرد‪ ،‬وأنها تؤثر على كافة‬

‫حياته وسلوكه االجتماعي والنفسي‪ ،‬ويظهر هذا األثر في اضطراب سلوك المراهق فهو أحيان ًا منفع ٌل‬

‫غاض ٌب ‪ ،‬من دفٌع وع دواني خاص ة على مس توى األس رة والمدرس ة‪ ،‬وأحيان ًا أخ رى ه ادٌئ منع زٌل يمي ل‬

‫للوحدة أكثر‪ ،‬لش عوره باإلهمال والرفض من قبل الرفاق وأعضاء األسرة والكبار‪ ،‬فيغرق في أحالم‬

‫اليقظة؛ وقد يصل به الحال إلى محاولة االنتحار‪ (.‬بلمولود جمانة ‪ 2005‬ص ‪)9‬‬

‫واس تناًد ا ألهمي ة ه ذه المرحل ة باعتباره ا مرحل ة تت أثر بم ا قبله ا من مراح ل‪ ،‬وت ؤثر في المراح ل ال تي‬

‫تليه ا‪ ،‬س نتناول في ه ذا الفص ل موض وع المراهق ة حيث س نتطرق إلى تعري ف المراهق ة و أنماطه ا ثم‬

‫ع رض مختل ف االتجاه ات المفس رة لف ترة المراهق ة‪ ،‬ثم ذك ر الخص ائص النمائي ة له ذه المرحل ة‪ ،‬ثم‬

‫اإلش ارة ألث ر التنش ئة األس رية في ه ذه المرحل ة لم ا له ا من دور فّع ال و ب ارز في تحدي د شخص ية‬

‫المراهق‪.‬‬

‫وسوف نتناول بالتفصيل مشكلتين بارزتين و هما القلق النفسي و السلوك العدواني باعتبارهما من أكثر‬

‫المشكالت النفسية و السلوكية التي تظهر في هذه المرحلة من العمر‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ 1‬ـ تعريف المراهقة‪:‬‬

‫ي رى " دوروتي روج رز" ب أَّن للمراهق ة تع اريف متع ددة فهي ف ترة نم و جس دي‪ ،‬و ظ اهرة اجتماعي ة‬

‫ومرحلة زمنية‪ ،‬كما أنها فترة تحوالٍت نفسيٍة عميقٍة ‪ ( .‬ميخائيل إبراهيم أسعد‪ 1986‬ص‪)225‬‬

‫و كلم ة المراهق ة تع ني الترجم ة العربي ة لكلم ة (‪ )ADOLESCENCE‬و ه ذه الكلم ة مش تقة من الفع ل‬

‫الالث ني( ‪ )ADOLSCERE‬و معن اه الت درج نح و النض ج الجس مي و الجنس ي و العقلي و االنفع الي‬

‫واالجتماعي‪.‬‬

‫و يصبح بهذا المعنى التعريف العلمي للمراهقة بأنها مرحلة زمنية من العمر تقع ما بين الثانية عشرة‬

‫ح تى العش رين تنقص أو تزي د بع ام أو ع امين بين حال ٍة وأخ رى و ال تع ني أك ثر من قنط رة عب ور من‬

‫الطفول ة إلى الرش د و له ا مم يزات و مش اكل خاص ة‪ ،‬و إذا ك انت ال والدة ت اريخ بداي ة الطفول ة ف إَّن‬

‫المراهقة تاريخ بداية الرجولة عند الذكر و األنوثة عند المرأة ( الزين عمارة ‪ 1986‬ص ‪)396‬‬

‫و المراهق ة في علم النفس تع ني مرحل ة االنتق ال من مرحل ة الطفول ة إلى مرحل ة النض ج و الرش د‪ ،‬و‬

‫تترتب عليها سلوكيات جديدة لم يألفها الفرد في مرحلة الطفولة‪ ،‬و قد يكون سلوكه الجديد متوافق ًا و قد‬

‫يكون عكس ذلك‪ ( .‬بلمولود جمانة ‪ 2005‬ص ‪)130‬‬

‫و يقول "صالح مخيمر" إن المراهقة هي الميالد النفسي‪ ،‬و هي الميالد الوجودي للعالم الجنسي‪ ،‬و هي‬

‫الميالد الحقيقي للفرد كذات فردية ‪ (.‬حامد عبد السالم زهران ‪1995‬ص ‪)326‬‬

‫و تعرف المنظمة العالمية للصحة (‪ )O, M, S‬المراهقة بأنها الفترة التي من خاللها‪:‬‬

‫‪ ‬يمر الفرد من مرحلة ظهور أولى السمات الجنسية إلى النضج الجنسي‪.‬‬

‫‪ ‬يصبح الفرد ذو بناءات نفسية و أنماط معرفية تحول الطفل إلى راشد‪.‬‬

‫‪ ‬يتم االنتقال من مرحلة التبعية االجتماعية و االقتصادية إلى االستقاللية النسبية‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و تجدر اإلشارة إلى أنه كثيرًا ما يستخدم مصطلح البلوغ و المراهقة للداللة على نفس المعنى‪ ،‬إال أن‬

‫هناك فرقًا بين معنى كل منهما؛ فالبلوغ يعبر عن الجانب الجنسي‪ ،‬و هو بداية لمرحلة المراهقة‪ ،‬بينما‬

‫المراهق ة هي أش مل و أعم تمت د م ا بين البل وغ و حص ول النض ج‪ ،‬و هي تتض من سلس لة من التغ يرات‬

‫الجسمية و العقلية و االنفعالية‪ (.‬بلمولود جمانة ‪ 2005‬ص ‪)131‬‬

‫و يعتبر " ستانلي هول" المراهقة بأنها‪ :‬مرحلة عواصف و ضغوط تولد فيها الشخصية من جديد‪ ،‬و‬

‫ذهب إلى أن المراهق إنس ان تائه‪ ،‬سريع االنفع ال‪ ،‬غير متزن‪ ،‬ال نستطيع أن نتنبأ بم ا سيفعله‪ ،‬لكثرة‬

‫تقلباته االنفعالية‪ ،‬و عدم استقراره النفسي‪ ،‬مما يخلق لديه أزمة حتمية بسبب التغيرات الفسيولوجية و‬

‫البيولوجية التي يعيشها أثناء و بعد البلوغ ‪ ،‬وما يتبعها من معاناة و إحباط و صراع و قلق و مشكالت‬

‫و صعوبات توافقية‪.‬‬

‫و رغم م ا ي ذهب إلي ه " ه ول" إال أن بعض المحللين النفس يين يعتق دون أن ه ب الغ في حتمي ة اض طراب‬

‫الثورة و العصيان و في هذه المرحلة من الحياة‪ ( .‬أبو بكر مرسي ‪ 2002‬ص ‪)31‬‬

‫و يقسم علماء النفس فترة المراهقة إلى ثالثة مراحل و هي‪:‬‬

‫‪ ‬المراهق ة المبك رة‪ :‬و تش تمل على األعم ار ال تي ت تراوح بين ‪ 12‬ـ ‪ 14‬س نة‪ ،‬و يك ون المراه ق فيه ا‬

‫في مرحلة التعليم اإلعدادي‪.‬‬

‫‪‬المراهق ة الوس طى‪ :‬و تش تمل على األعم ار ال تي ت تراوح بين ‪ 15‬ـ ‪ 17‬س نة‪ ،‬و تقاب ل مرحل ة التعليم‬

‫الث انوي‪ .‬و تكون هذه المرحل ة من أص عب المراحل‪ ،‬بالنظر الندفاع المراه ق إلى تحقيق استقالليته و‬

‫شعوره بأنه ناضج و يعرف كل شيء‪.‬‬

‫‪ ‬المراهق ة المت أخرة‪ :‬و تش تمل على األعم ار التي ت تراوح بين ‪ 18‬ـ ‪ 21‬س نة و يك ون المراهق في‬

‫مرحلة التعليم الجامعي‪ ،‬و قد يختار المهنة و شريكة العمر أيضًا‪ ( .‬أمل مخزومي ‪ 2004‬ص ‪)115‬‬

‫‪106‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ 2‬ـ أنماط المراهقة‪:‬‬

‫يرى الدكتور " صموئيل مغاريوس" أن هناك أربعة أنماط للمراهقة يمكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬المراهقة المتكيفة‪:‬‬

‫وهي المراهق ة الهادئ ة نس بيًا و ال تي تمي ل إلى االس تقرار الع اطفي و تك اد تخل و من الت وترات االنفعالي ة‬

‫الحادة و غالبًا ما تكون عالقة المراهق بالمحيطين به عالقة طيبة‪ ،‬كما يشعر المراهق بتقدير المجتمع‬

‫له و توافقه معه و ال يسرف المراهق في هذا الشكل في أحالم اليقظة أو الخيال أو االتجاهات السلبية‬

‫أي المراهقة هنا أميل إلى االعتدال‪.‬‬

‫‪ ‬المراهقة االنسحابية المنطوية‪:‬‬

‫و هي ص ورة مكتئب ة تمي ل إلى االنط واء و العزل ة و الس لبية و ال تردد و الخج ل و الش عور ب النقص و‬

‫عدم التواف ق االجتماعي‪ ،‬و مج االت المراهق الخارجي ة االجتماعي ة ض يقة محدودة‪ ،‬و ينصرف جانب‬

‫كب ير من تفك ير المراه ق إلى نفس ه‪ ،‬و ح ل مش كالت حيات ه أو إلى التفك ير ال ديني و األم ل في القيم‬

‫الروحية و األخالقية‪ ،‬كما يسرف في أحالم اليقظة‪.‬‬

‫‪ ‬المراهقة العدوانية المتمردة‪:‬‬

‫و يكون فيها المراهق ثائرًا متمردًا على السلطة سواء سلطة الوالدين أو المدرسة أو المجتمع الخارجي‪،‬‬

‫كما يميل المراهق إلى تأكيد ذاته و التشبه لرجال و مجاراتهم في سلوكهم كالتدخين و إطالق الشارب‬

‫و اللحي ة‪ ،‬و الس لوك الع دواني عن د ه ذه المجموع ة ق د يك ون ص ريحًا مباش رًا يتمث ل في اإلي ذاء‪ ،‬أو ق د‬

‫يكون بصورة غير مباشرة يتخذ صورة العناد‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬المراهقة المنحرفة‪:‬‬

‫و ح االت ه ذا الن وع تمث ل الص ور المتطرف ة للش كلين المنس حب و الع دواني‪ ،‬ف إذا ك انت الص ورتان‬

‫السابقتين غير متوافقة أو غير متكيفة إال أن مدى االنحراف ال يصل إلى الصورة البادية في هذا‬

‫الش كل حيث نج د االنحالل الخلقي و االنهي ار النفس ي‪ ،‬و يق وم المراه ق بتص رفات ت روع المجتم ع و‬

‫يدخلها البعض أحيانًا في عداد الجريمة أو المرض النفسي أو العقلي‪ (.‬محمد زيدان ‪ 1982‬ص ‪)156‬‬

‫‪ 3‬ـ االتجاهات النظرية المختلفة في دراسة المراهقة‪:‬‬

‫‪ 3‬ـ ‪1‬االتجاه األول‪:‬االتجاه البيولوجي في تفسير المراهقة‪:‬‬

‫يرك ز ه ذا االتج اه على المح ددات الداخلي ة للس لوك "المح ددات البيولوجي ة" وظه ر ه ذا االتج اه على ي د‬

‫"ستانلي هول" ‪ 1904‬والذي اعتبر المراهقة مرحلة عواصف وضغوط تولد فيها شخصية اإلنسان من‬

‫جديد‪ ،‬وقد اعتبر التغيرات السلوكية التي تحدث خالل المراهقة تخضع لسلسلة من العوامل الفسيولوجية‬

‫التي تحدث نتيجة إفرازات الغدد‪.‬‬

‫كما اعتبر "هول" المراهقة ميالًد ا جدي ًد ا يحدث في شخصية الفرد‪ ،‬فالتغيرات السريعة التي تحدث في‬

‫هذه المرحلة تحول شخصية الطفل إلى شخصية جديدة مختلفة تماًم ا عما كانت عليه‪ ،‬ويعزو "هول" ه ذه‬

‫التغيرات للنضج الجنسي‪ ،‬والتغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على الغدد‪ ،‬والنتائج النفسية له ذه التغ يرات‬

‫تكون متش ابهة عن د جميع الم راهقين‪ .‬ولك ون هذه التغ يرات س ريعة ومفاجئ ة فقد وص فها "ه ول " بأنه ا‬

‫فترة عواصف وتوتر‪ ،‬فالمراهق يكون فيها شارد الذهن‪ ،‬سريع االنفعال ومن الصعب التنبؤ بسلوكه‪.‬‬

‫ومم ا س بق نالح ظ أن االتج اه ال بيولوجي رك ز على العوام ل الداخلي ة الفس يولوجية‪ ،‬ولم يع ط للعوام ل‬

‫البيئية أي اهتمام يذكر‪ (.‬خوله بنت عبد اهلل ‪ 2004‬ص ‪)28‬‬

‫‪108‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ 3‬ـ ‪ 2‬االتجاه الثاني‪ :‬االتجاه االجتماعي األنثروبولوجي‪:‬‬

‫يركز هذا االتجاه على المحددات الخارجية للسلوك أي المحددات االجتماعية والثقافية والقيم المكتسبة‬

‫وق د ت زعمت ه ذا االتج اه "مرج ريت مي د" ‪ Margaret Mead‬فاألنم اط الخاص ة بالس لوك تختل ف‬

‫باختالف البيئات االجتماعية والثقافات‪ ،‬حيث ظهرت أهمية البيئة والثقافة في تنويع دوافع السلوك التي‬

‫تم تحدي دها بيولوجًي ا في مي دان الدراس ات األنثربولوجي ة‪ ،‬فالدراس ات ال تي ق امت به ا "مرج ريت مي د"‬

‫‪1925‬على قبائ ل الس امو أوض حت أن المش كالت ال تي تواج ه الم راهقين تختل ف من ثقاف ة إلى أخ رى‪،‬‬

‫لذلك ال بد من التفكير بمشكالت المراهق على ضوء بيئته االجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫و االتجاه االجتماعي يرى أن المراهقة مرحلة نمو عادية وليست بالضرورة أزمة في كل المجتمعات‬

‫وأن المراهقين في سلوكهم وتصرفاتهم ومشكالتهم يعكسون أثر البيئة االجتماعية التي نشأوا فيها‪ ،‬كما‬

‫أن المراهقة ليست لها نمط عام‪ ،‬بل قد تتخذ أنماًطا متعددة تختلف باختالف البيئة المحيطة بالمراهق ‪.‬‬

‫ومم ا س بق نج د أن االتج اه االجتم اعي رك ز على المح ددات الخارجي ة للس لوك‪ ،‬وأهم ل بش كل واض ح‬

‫المحددات الداخلية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ‪3‬االتجاه الثالث‪ :‬التفاعل المتبادل بين العوامل البيولوجية واالجتماعية‪:‬‬

‫يركز هذه االتجاه على التفاعل بين المحددات الداخلية والخارجية للسلوك‪ ،‬وقد تزعم هذا االتجاه" ليفين"‬

‫‪ ،Leivin.K‬حيث أرج ع المش كالت ال تي يع اني منه ا المراه ق ب أن ف ترة المراهق ة تش كل تغ يًر ا في‬

‫االنتم اء االجتم اعي ل دى المراه ق‪ ،‬فبع د أن ك ان ينتمي إلى جماع ة األطف ال أص بح ينتمي إلى جماع ة‬

‫الراش دين من حيث الس لوك وأن ه ذا االنتق ال يش كل ص عوبة بالنس بة للمراه ق‪ ،‬ألن ه ينتق ل من ع الم‬

‫معروف إلى عالم جديد غير معروف لديه من الناحية النفسية لذلك يشعر المراهق بالحيرة‪ ،‬ال يستطيع‬

‫اللعب كما اعتاد أو التحرك‬

‫‪109‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫كما يشاء‪ ،‬بل إنه أصبح مرتبًط ا بقيم وعادات جماعة جديدة تمثل مستوى أرقى من المستوى الطفولي‬

‫الذي كان ينتمي إليه‪.‬‬

‫كم ا يش ير" ليفين" إلى أن جس م المراه ق وم ا يتناول ه من ث ورة في النم و والتغ يرات الكيماوي ة تجع ل‬

‫المراهق حائًر ا ال يدري كيف يستجيب لها خصوًص ا تلك التي تتصل بالنضج الجنسي‪.‬‬

‫ف المراهق يتع رض إلى موق ف مجه ول يجعل ه م تردًد ا وح ائًر ا مم ا يس بب ل ه المش كالت‪ ،‬كم ا يتع رض‬

‫المراهق إلى مجاٍل جديٍد مجهوٍل بالنسبة إليه حيث يبدأ مجاله الزمني باالتساع وينطلق في التفكير إلى‬

‫مستقبله البعيد ففي الطفولة ال يهتم إال بالحاضر ومطالبه‪.‬‬

‫فقد رأى أن مرحلة المراهقة تتميز بالنضج الجسمي والعقلي‪ ،‬كما‬ ‫أما "سولنبرجر"‪Sollenperger‬‬

‫أن العدي د من الخ برات والع ادات تكتس ب في ه ذه المرحل ة‪ ،‬وبق در م ا تك ون ه ذه الخ برات مفي دة في‬

‫تحقي ق التواف ق النفس ي واالجتم اعي‪ ،‬إال أنه ا تك ون أيًض ا مبعًث ا لبعض مش كالت المراه ق النفس ية‬

‫واالجتماعية‪.‬‬

‫ومعظم علم اء النفس ال ذين يدرس ون المراهق ة يفض لون االتج اه التف اعلي بين العوام ل البيولوجي ة‬

‫واالجتماعي ة‪ ،‬حيث يفس ر ه ذا االتج اه ماهي ة شخص ية المراه ق على ض وء التفاع ل بين الت أثيرات‬

‫البيولوجية واالجتماعية‪.‬‬

‫(المرجع السابق ‪ 2004‬ص‪)29‬‬

‫‪ 3‬ـ ‪ 4‬االتجاه الرابع‪ :‬االتجاه السيكودينامي في دراسة المراهقة‪:‬‬

‫يؤكد أنصار مدرسة التحليل النفسي بصفة عامة؛ أن بنية الشخصية تتعرض لتعديل في طور المراهقة‬

‫فقد كانت ( األنا) قبل حلول هذه الفترة تشغل مركزًا متوسطًا بين (الهو) و ( األنا األعلى) و تتوالى‬

‫مهمة التوفيق بينهما على نحو يكفل لكل منهما إشباعه المنشود‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و طبقًا للتصور الفرويدي لسيكولوجية المراهقة فإن وظيفة ( األنا) في هذا الصدد يطرأ عليها نوع من‬

‫التشويش و االضطراب نتيجة النخراط الفرد في طور البلوغ‪ ،‬و يبدو ( الهو) في هذا الوقت محكومًا‬

‫أو موجهًا بتأثير المحفزات الجنسية متخطيًا مجرد الحصول على اللذة إلى الرغبة في التناسل و التكاثر‬

‫أيضًا‪.‬‬

‫و ك انت ( األن ا األعلى) ح تى حل ول ه ذه الف ترة الحرج ة مباش رة ق د ش رعت في ممارس ة وظيفته ا‪ ،‬و‬

‫حددت مالمحها خالل سنوات الكمون و ذلك عن طريق التوحد ‪ Identification‬مع الوالدين و المثل‬

‫العلي ا الم وقرة في المجتم ع‪ .‬و لكن م ع حل ول المراهق ة ته تز دع ائم األن ا األعلى نتيج ة للتغ يرات ال تي‬

‫طرأت على عالقة المراهق بوالديه‪.‬‬

‫و يعت بر " فروي د" مرحل ة المراهق ة المرحل ة األخ يرة في تص وره لمراح ل النم و‪ ،‬و تتم يز ه ذه المرحل ة‬

‫بمالمح ارتقائي ة هام ة منه ا التحول إلى عش ق الذات و احترام الواق ع‪ ،‬و نمو الميول الجنسية الغيري ة‪،‬‬

‫كما أنها فترة قلق و بخاصة فيما يتعلق بالدوافع الجنسية‪.‬‬

‫و على ال رغم من أن نظري ة " فرويد" له ا مفاهيم عديدة بالنسبة لتط ور شخص ية المراهق إال أن كثيرًا‬

‫من االس تخدامات المفي دة لنظري ة التحلي ل النفسي ليس ت من فرويد لكنه ا من ب احثين آخ رين وس عوا من‬

‫نظرية فرويد و طبقوها على المراهقة بنوع خاص على نحو ما نجد لدى " آنا فرويد" ‪Anna Freud‬‬

‫‪ 1985‬حيث ت رى‪ :‬أن المراهق ة تع د بمثاب ة قط ع أو إنه اء للنم و اآلمن للف رد‪ ،‬فالطاق ة الجنس ية تش عل‬

‫الدافع الجنسي و تهدد التوازن بين الهو و األنا مما يؤدي إلى القلق و الخوف و األعراض العصابية‪.‬‬

‫و يش ير " س وليفان" ‪ Sullivan‬إلى أن الكث ير من ص راعات المراهق ة تنش أ نتيج ة الحاج ات المتعارض ة‬

‫لإلشباع الجنسي و الحاجة إلى األمن و إلى العالقات الحميمة‪ (.‬أبو بكر مرسي ‪ 2002‬ص ‪)36‬‬

‫‪111‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫مما سبق نجد أن هذا االتجاه ركز على الجانب النفسي ـ الجنسي من النمو و أهمل الجوانب األخرى‬

‫كالعوامل البيولوجية و البيئية و االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ‪ 5‬االتجاه الخامس‪ :‬االتجاه النفسي االجتماعي في دراسة المراهقة‪:‬‬

‫ي تزعم ه ذا االتج اه ع الم النفس " إريكس ون" ‪ Erikson, E 1963‬و في ض وء تص وره للص راع في‬

‫مرحل ة المراهق ة يظه ر "إيركس ون" بع د نفس ي اجتم اعي جدي د و ه و اإلحس اس بهوي ة ال ذات و طرف ه‬

‫السلبي هو ارتباك الدور‪ ،‬و مهمة المراهق في هذه المرحلة هي إدماج كل معرفة اتخذها عن نفسه في‬

‫تش كيل هوي ة ذاتي ة ت بين ال وعي بالماض ي‪ ،‬فالص راع النفس ي االجتم اعي في ه ذه المرحل ة ه و ص راع‬

‫داخل األنا نفسها بين تحديدها لهويتها مقابل عدم تحديد الهوية و ارتباكها‪.‬‬

‫و مرحلة المراهقة هي مرحلة تقنين الذات يحاول المراهق من خاللها القيام بأدوار متعددة يحقق ذاته و‬

‫يتخلص من شعوره بالتبعية المطلقة لآلخرين بحيث يكون له نهجه المستقل في القرار و االختيار‪ ،‬و‬

‫يحاول المراهق التوفيق بين أدواره المتعددة لكي يصل في النهاية لتحقيق هويته الذاتية‪.‬‬

‫و هنا تتضح لنا مشكلة المراهقة من الناحية النفسية و االجتماعية‪ ،‬ذلك أن الرشد ال يعني فقط اكتمال‬

‫النم و من الزاوي ة البدني ة‪ ،‬ب ل يع ني في المق ام األول اكتم ال دع ائم ه ذا النض ج من الناحي ة النفس ية و‬

‫االجتماعية و االقتصادية‪ ،‬و من ثم فالمراهقة من حيث هي أزمة ال ترجع في هذا الطور إلى النمو في‬

‫ذات ه و إنم ا ترج ع في المق ام األول إلى مش اكل الحي اة الراش دة ال تي يت أهب المراه ق لالنتق ال إليه ا‪ ،‬و‬

‫خالل ه ذا يتج ه المراه ق لتج ريب ع دد من الهِو ي ات قب ل أن يص ل إلى تحدي د نه ائي لهويت ه‪ ،‬و ي ذهب‬

‫"إريكس ون" إلى أن عملي ة تك وين الهوي ة ليس ت عملي ة بس يطة فهي تش ير إلى حاص ل جم ع ك ل خ برات‬

‫الطفول ة و النض ج ال بيولوجي‪ ،‬و نم و األن ا و إنم ا هي كي ان تتكام ل في ه ت دريجيًا المعطي ات التكويني ة و‬

‫‪112‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الحاج ات الليبيدي ة ‪ ،‬و الق درات المم يزة‪ ،‬و التوح دات ذات األهمي ة و ال دفاعات الفعال ة‪ ،‬و اإلعالء‬

‫الن اجح‪ ،‬و كله ا تظه ر فق ط نتيج ة التفاع ل المتب ادل بين اإلمكاني ات الفردي ة و الن واحي التكنولوجي ة في‬

‫المجتمع باإلضافة إلى اإليديولوجيات السياسة و الدينية في مجتمع ما‪.‬‬

‫نالح ظ أن ه ذا االتج اه يفس ر ماهي ة شخص ية المراه ق على ض وء التفاع ل بين العوام ل النفس ية و‬

‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪ ‬استخالص عام‪:‬‬

‫من خالل النظريات المفسرة لماهية المراهقة نالحظ أن هناك اختالف بين العلماء في تحديد طبيع ة ه ذه‬

‫المرحل ة حيث أن هن اك من يفس رها في ض وء الت أثيرات البيولوجي ة و هن اك من يفس رها في ض وء‬

‫التأثيرات األنتروبولوجية‪ ،‬و هناك من يفسرها في ضوء التفاعل بين العوامل البيولوجية و االجتماعية‬

‫و هناك من يفسرها في ضوء العوامل السيكودينامية‪ ،‬و هناك من يفسرها في ظل التفاعل بين العوامل‬

‫النفس ية و االجتماعي ة ‪ ،‬و ه ذا االختالف يعكس لن ا حقيق ة واقعي ة و هي أن ف ترة المراهق ة ف ترة غني ة‬

‫بالتغيرات و التفاعالت البيولوجية و االجتماعية و النفسية‪ ،‬و تفسيرها ال يكون إال في ضوء الجم ع بين‬

‫كل النظريات المفسرة لها‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ الخصائص النمائية لمرحلة المراهقة‪:‬‬

‫‪ 4‬ـ ‪ 1‬النمو الفسيولوجي‪:‬‬

‫تتم يز ه ذه الف ترة بتس ارع في النم و الجس مي ك الطول‪ ،‬و يط رأ تغي ير كب ير على وظ ائف جمي ع الجس م‬

‫أهمه ا نض ج الغ دد الجنس ية و األعض اء التناس لية‪ ،‬و يح دث أول تح ول و عالم ة انتق ال من مرحل ة‬

‫الطفولة إلى المراهقة‪ ،‬يتضمن مظهر البلوغ الجنسي لدى المراهق االستحالم الذي يعني قذف السائل‬

‫‪113‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المن وي لل ذكر و أول حيض أو الع ادة الش هرية لألن ثى‪ ،‬و تلعب الغ دد دورًا مهم ًا في النم و الجنس ي أو‬

‫التبكير به‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ‪ 2‬النمو الجسمي‪:‬‬

‫يمّر النمّو الجسمي لدى المراهق بمراحل عديدة يكون في بعضها سريعًا و في البعض اآلخر هادئ ًا‪ ،‬و‬

‫بعد أن يهدأ النم ّو الجسمي في مرحلة الطفولة المتأخرة يسرع هذا النم ّو في مرحلة المراهقة و يطلق‬

‫عليه البعض بطفرة النمو‪ (.‬أمل مخزومي ‪ 2004‬ص ‪)118‬‬

‫و تكون أقصى سرعة في النم ّو لدى البنات في سن ‪ 12‬سنة و يستمر إلى ‪ 18‬سنة‪ ،‬أما البنون فيبدأ‬

‫النمّو لديهم في سن ‪ 14‬سنة و يستمر إلى ‪ 20‬سنة‪ .‬و يتميز النم ّو الجسمي بالتغييرات التي تطرأ على‬

‫الوجه‪ ،‬و ذلك بكبر األنف و الشفتين‪ ،‬و تتالشى عالمات الطفولة‪ .‬كما يزداد طول الجذع و الساقين و‬

‫يؤدي إلى مظاهر الطول البارزة لدى المراهقين‪ ،‬و يكون نم ّو العضالت لدى الفتى سريعًا و واضحًا‬

‫جدًا خاصًة في عمر ‪ 14‬ـ ‪ 16‬سنة‪ ،‬و لدى البنات في عمر ‪ 12‬ـ ‪ 14‬سنة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ‪ 3‬النمو الحركي‪:‬‬

‫كثيرًا ما يصف البعض مرحلة المراهقة بمرحلة االرتباك في جميع المواقف‪ ،‬و منها الجانب الحركي‬

‫للمراه ق‪ ،‬ت ؤدي س رعة النم ّو و ع دم التناس ق في ه إلى االرتب اك في الحرك ة و نموه ا‪ ،‬و يمي ل بعض‬

‫المراهقين في هذه الفترة إلى الخمول و الكسل‪ ،‬بسبب عدم التناسق الذي يتصف به النم ّو الجسمي‪ ،‬من‬

‫ج انب آخ ر هن اك من الم راهقين من يقف ز و ي ركض و يك ون س ريعًا في ه اتين المه ارتين بس بب نم ّو‬

‫الطول و كلما تقدم المراهقون في هذه المرحلة أصبحت حركاتهم أكثر اتساقًا و توازنًا‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ‪ 4‬النمو العقلي‪:‬‬

‫تتمَّيز فترة المراهقة بنمّو القدرات العقلية و نضجها بشكل عام‪ ،‬و توصلت البحوث إلى أن نم ّو الذكاء‬

‫العام لدى المراهق يكون مطردًا‪ ،‬و يتحول اإلدراك الحسي إلى إدراك معنوي‪ ،‬أضف إلى ذلك أن قدرة‬

‫‪114‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المراهق على التفكير المجرد و االستدالل و االستنتاج و قدرته على حل المشاكل التي تواجهه تكون‬

‫في هذه المرحلة أفضل من ذي قبل‪ ،‬و تنمو لديه القدرة على التحليل و التركيب و التعميم‪.‬‬

‫يؤدي نمّو المراهق العقلي إلى تقديره للذات و االعتزاز بها ‪ ،‬كما تساعد معرفة المراهق لقدرات ه بش كل‬

‫حقيقي في تحقيق ذاته‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ‪ 5‬النمو االجتماعي‪:‬‬

‫يعيش المراهق بين أفراد المجتمع المختلفين بدءًا من العائلة و األصدقاء و المدرسين و زمالء العمل و‬

‫انته اًء بغ يرهم‪ ،‬و هم جميع ًا يتحّل ون ب القيم و الع ادات و األع راف و التقالي د االجتماعي ة المختلف ة ال تي‬

‫ي دين به ا المجتم ع‪ ،‬تلعب التنش ئة االجتماعي ة دورًا مهم ًا في نم ّو المراه ق االجتم اعي‪ ،‬و إن خ رج عن‬

‫القاعدة السائدة اعتبر شاذًا و غير مقبول من المجتمع‪.‬‬

‫و هن اك عوام ل عدي دة تلعب دورًا مهم اً في النم ّو االجتم اعي للمراه ق كاألس رة و المدرس ة و جماع ة‬

‫الرف اق و تع د األس رة أول وأهم ه ذه العوام ل؛ ف المراهق ال ذي يعيش وس ط أف راد يجم ع بينهم الحب‬

‫والتف اهم‪ ،‬ال ش ك أن نم وه االجتم اعي س يكون ص حيحًا وتفاعل ه م ع أف راد المجتم ع يك ون س ويًا‪ ،‬أم ا إذا‬

‫كان سوء التفاهم واضطراب العالقات هو الجو السائد داخل األسرة‪ ،‬فإن ذلك سيؤدي وال شك إلى نم ٍو‬

‫اجتماعي مضطرب‪.‬‬

‫فك ثرة الخالف وس وء التف اهم بين اآلب اء والمراه ق من الص ور الش ائعة في مرحل ة المراهق ة‪ ،‬وذل ك‬

‫ألس باب عدي دة منه ا طريق ة معامل ة اآلب اء البنهم المراه ق على أن ه ال ي زال طفال‪ ،‬وثورت ه ه و على‬

‫الظ روف ال تي يعيش ها ونق ده لوالدي ه؛ مم ا يجعل ه في ص راع مس تمر معهم‪ ،‬الش يء ال ذي ينعكس على‬

‫س لوكه م ع أف راد المجتم ع ال ذين يتعام ل معهم في المواق ف المختلف ة‪ ،‬وه ذا م ا ي ؤدي إلى ع دم توافق ه‬

‫‪115‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وتك وين عالق ات اجتماعي ة س وية ش أنه في ذل ك‪ ،‬ش أن المراه ق الم دلل ال ذي ال يس تطيع االعتم اد على‬

‫نفس ه أو حل مشاكله البسيطة دون مساعدة والديه أو أحد أفراد أسرته‪ ،‬وذلك ألنه تعود منهم الحماية‬

‫الزائدة والتدليل والمدح الدائم والتدخل في‬

‫كل صغيرة وكبيرة تخصه‪ .‬فأنى لمثل هذا المراهق أن يكون شخصية سوية قوية‪ ،‬بل وأنى لصاحبها‬

‫أن يكون متكيفًا مع مجتمعه‪ (.‬بلمولود جمانة ‪ 2004‬ص ‪)145‬‬

‫و تعتبر جماعة الرفاق أيضًا أحد العوامل المهمة في التأثير على النمو االجتماعي للمراهق حيث يؤكد‬

‫كث ير من الب احثين على أن ت أثير جماع ة الرف اق على نم و المراه ق االجتم اعي ق د يف وق ت أثير األس رة‬

‫والمدرسة‪.‬‬

‫ففي إط ار جماع ة الرف اق‪ ،‬يج د المراه ق ض الته في األف راد ال ذين يتفهم ون م ا يعاني ه من مش اكل‬

‫واض طرابات؛ فيتوح د معهم في قيمهم ومع اييرهم ويجمعهم فك را واح دا ونم ط س لوك واح د‪ ،‬وح تى‬

‫أسلوب واحد في طريقة اللباس واللهجة ولغة الحديث‪ ،‬كل هذا من أجل أن يحس المراهق بانتمائه إلى‬

‫فئ ة معين ة ويتخطى عذابات ه ال تي لم تتفهمه ا أس رته‪ ،‬ويس تطيع إثب ات وج وده وتحقي ق ذات ه ومن ثم‬

‫االس تمتاع بحياته‪ .‬فيشعر المراهق بتقبل اآلخرين له واستحسانهم لوجوده معهم‪ ،‬فيتعاون معهم ويتعلم‬

‫كيفية التوافق مع أفراد‬

‫المجتمع‪ ،‬فيتبادل معهم المحبة واألخذ والعطاء وأال يكون أنانيا محب ًا لنفسه على حساب غيره‪ ،‬فيتقبل‬

‫النقد منهم ليع دل س لوكياته وفق م ا ترتض يه الجماع ة والع ادات والتقالي د الس ائدة في المجتم ع‪ .‬لكن ه ذه‬

‫الجماعة التي يختارها المراهق لالنضمام إليها‪ ،‬ال يكون دائما تأثيرها عليه في االتجاه اإليجابي؛ حيث‬

‫أنها قد تكون جماعة منحرفة في سلوكياتها‪ ،‬فتكسبه عادات ومعايير مخالفة لمعايير المجتمع‪ ،‬وتجعل‬

‫س لوكه منحرف ا غ ير متواف ق م ع م ا ه و س ائد داخل ه‪ ،‬فق د تعت دي ه ذه الجماع ة على أم وال وممتلك ات‬

‫اآلخرين أسلوبًا في حصولها على حاجاتها‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و يوض ح " إريكس ون" ‪ Erikson‬أن جماع ة الرف اق ق د تلج أ إلى القس وة و العن ف والتعص ب لل دفاع‬

‫عن النفس ضد أي خطر يهدد هويتها ووحدة أعضائها‪ ،‬وذلك بإقصاء العناصر التي ال تتفق معها في‬

‫بعض األفكار أو السلوكيات‪.‬‬

‫و خالص ة الق ول‪ ،‬أن النم و االجتم اعي خالل مرحل ة المراهق ة ذو أهمي ة ك برى تتوق ف علي ه الحي اة‬

‫المستقبلية للمراهق والدور الذي سيلعبه في رشده داخل المجتمع‪ .‬فإن كان هذا النمو سائرا في االتجاه‬

‫الصحيح استمتع المراهق بحياته في مراهقته ورشده‪ ،‬وإ ن كان العكس قد ينسحب المراهق من الحياة‬

‫االجتماعية وقد يتوجه إلى الحياة المنحرفة باتخاذها أسلوبا للعيش داخل المجتمع‪ ،‬أي أن المجتمع بكل‬

‫مؤسس اته االجتماعي ة مط الب بتحلي ل ومعرف ة ه ذه المرحل ة الخاص ة‪ ،‬ح تى يس هل إدم اج المراه ق في‬

‫الحي اة االجتماعي ة بك ل مكوناته ا و الترك يز على العوام ل المتع ددة ال تي س بق ذكره ا‪(.‬المرج ع الس ابق‬

‫‪2004‬ص ‪)148‬‬

‫‪ 4‬ـ ‪ 6‬النمو االنفعالي‪:‬‬

‫إن أهم مظ اهر حي اة المراه ق االنفعالي ة الحب و الخ وف و الغض ب و الكآب ة و القل ق‪ ،‬فه و كث ير القل ق‬

‫بمستقبله‪ ،‬وتتصف انفعاالته بأنها حادة و قوية ‪ ،‬فتجدها عنيفة متهورة ال تناسب مثيراتها بحيث يندفع‬

‫المراه ق وراء رغبات ه و اهتمامات ه‪ ،‬كم ا أن ه ال يس تطيع التحكم في انفعاالت ه و يتذب ذب بين ح االت‬

‫انفعالي ة مختلف ة م ا بين الحب و الك ره‪ ،‬و الش جاعة و الخ وف‪ ،‬و الته ور و الجبن‪ ،‬و الت دين و اإللح اد‬

‫نتيجة للصراعات النفسية التي يتعرض لها‪.‬‬

‫و هو أكثر ميًال للخجل و االنطواء و الكآبة نتيجة للتغيرات الجسمية المفاجئة‪ ،‬كما يتميز بالرهافة و‬

‫الحساسية الزائدة نتيجة اختالل االتزان الغذذي‪.‬‬

‫و إن للتغيرات الجسمية التي تطرأ على المراهق األثر الكبير في نموه االنفعالي‪ ،‬كما تلعب العالقات‬

‫األس رية و المدرس ية ال دور اله ام في ذل ك‪ ،‬و يت أثر النم و االنفع الي بطبيع ة الض غوطات النفس ية ال تي‬

‫‪117‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫يتعرض لها المراهق و النماذج السلوكية التي يشاهدها و يتفاعل معها‪ ،‬بفعل اتساع دائرة اتصاله بالعالم‬

‫الخارجي بحكم مرحلته النمائية التي يمر بها‪ (.‬نايفه الشوبكي ‪ 2010‬ص ‪)120‬‬

‫‪5‬ـ التنشئة األسرية و أثرها على النمو النفسي للمراهقين‪:‬‬

‫يؤثر نمط تفاعل اآلباء مع أبنائهم المراهقين في قدرة المراهقين على التكيف‪ ،‬فقد يعزز هذه القدرة أو‬

‫يض عفها‪ ،‬فتفاع ل اآلب اء الس لبي المب ني على رفض المراه ق‪ ،‬وع دم احترام ه‪ ،‬وش تمه‪ ،‬والتهدي د‬

‫بمعاقبت ه‪،‬أو معاقبت ه‪ ،‬وتوقع ات اآلب اء ال تي ال تتناس ب وقدرات ه‪ ،‬واإلهم ال وع دم االنتب اه‪ ،‬وال رفض‪،‬‬

‫والحرمان يؤدي إلى ضعف قدرة المراهق على تحقيق التكيف السوي‪ ،‬أما تفاعل اآلباء اإليجابي المبني‬

‫على تقبل المراهق وتفهم حاجاته وإ ظهار الحب له والتعاون معه فيساعد في زيادة قدرته على تحقيق‬

‫التكيف السوي‪.‬‬

‫(سليمان ريحاني‪ ،‬مي الذويب‪،‬عز الرشدان‪ 2009 ،‬ص ‪)218‬‬

‫و ق د أشارت نتائج البحوث إلى وجود ثالث ة أس اليب رئيسية يستخدمها الوال دان في التنشئة األسرية و‬

‫هي‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬األســلوب التســلطي‪ :‬يس تخدم اآلب اء األس اليب العقابي ة و القس وة و ال رفض لرغب ات الم راهقين و‬

‫تحمليهم مهام و مسؤوليات فوق طاقاتهم و منعهم من القيام بما يرغبون و رفض أي طلب دون نقاش‪،‬‬

‫مما يطور لدى المراهقين السلوك الالجتماعي و يؤدي إلى اضطراب في النمو النفسي السليم لديهم‪.‬‬

‫‪ ‬األس ــلوب المتس ــاهل‪ :‬يهتم الوال دان بالعالق ة الدافئ ة دون الح زم أو الض بط‪ ،‬إال أنهم ا ال يض عان‬

‫حدودًا لما هو مقبول و ما هو غير مقبول‪ ،‬أو عدم وجود قواعد سلوكية تحكم المراهق حول ما هو‬

‫مقب ول و غ ير مقب ول‪ ،‬و ه ذا يتبع ه ع دم الثب ات في التعام ل م ع المراه ق و ع دم الثق ة في قدرات ه‪ ،‬مم ا‬

‫يخل ق ب دوره شخص ية اعتمادي ة ل دى المراه ق و انخف اض مس توى التحص يل الدراس ي و ض عف في‬

‫الضبط الذاتي و الثقة بالنفس‪.‬‬

‫‪ ‬األس ــلوب الق ــائم على التقب ــل و الح ــزم‪ :‬و يتم يز بال دفء و التقب ل و التواص ل و مكاف أة الس لوك‬

‫المقب ول اجتماعي ًا‪ ،‬إال أن هن اك ح دود واض حة للس لوك المقب ول و غ ير المقب ول‪ ،‬فالوال دان يعطي ان‬

‫تعليمات لتصحيح السلوك الخاطئ و يوضحان للمراهق لماذا يعتبر خاطئ ًا و ما هو السلوك لتصحيح‬

‫الب ديل‪ ،‬و ه ذا ي ؤدي إلى الض بط ال ذاتي و الرض ا و التع اون‪ ،‬و التق دير و االعتم اد على النفس و‬

‫التحصيل الدراسي الجّيد‪.‬‬

‫( نايفه الشوبكي ‪ 2010‬ص ‪)137‬‬

‫‪ 6‬ـ االضطرابات النفسية و السلوكية لدى المراهقين‪:‬‬

‫مم ا ال ش ك في ه أن المراهقة هي أكثر المراح ل العمري ة ص عوبة فهي الفترة الحاسمة التي تحدث فيها‬

‫التغ يرات المهم ة والك برى على الص عيدين الب دني والس لوكي‪ ،‬حيث ينش ط فيه ا عم ل المخ بمع دالت‬

‫مفاجئة‪ ،‬فتختلف عملياته المعتادة كمًا وكيفًا‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وقد كان"ستانلي هول"من أوائل الذين درسوا المراهقة في بدايات القرن العشرين‪ ،‬ويري أنها إحدى أهم‬

‫أزم ات النم و ال تي يم ر به ا اإلنس ان‪ ،‬وأن س ماتها الطبيعي ة هي الت أزم والض غوط النفس ية‪ ،‬واض طراب‬

‫إدراك الهوية الذاتية واضطراب العالقات الشخصية المتبادلة والفلتات المزاجية واالنفعالية المتكررة‪.‬‬

‫وي ري ك ل من ش ولنبرج و زاريت ( ( ‪Schulenberg and Zarrett, 2006‬أن االنتق ال من االعتم اد‬

‫التام على األسرة إلى تكوين الفرد المراهق لعالمه الخاص وعالقاته البينشخصية خارج نطاق األسرة‬

‫يتطلب قدرًة معينًة على المواجهة ومهارات للتكيف قد تفوق ما يملكه المراهق‪ ،‬حيث يجد نفسه مطالب ًا‬

‫بأداء دوٍر جديٍد تؤدي صعوبة أدائِه إلى ظهور صور االضطرابات السلوكية والعقلية‪.‬‬

‫وعلى ال رغم من أن أغلب الم راهقين والمراهق ات يس تطيعون الم رور بس الم من ه ذه المرحل ة الفارق ة‬

‫حيث ينتقلون من االعتماد على عائليهم إلى تحقيق االستقالل الذاتي والقدرة على اتخاذ القرار وتكوين‬

‫جماعات خارجية من األقران الذين يكونون من اختيار المراهق وليس عائلته‪ ،‬فإن ذلك ال ينفي كونها‬

‫المرحلة التي تبزغ فيها العديد من االضطرابات العقلية والنفسية‪ ،‬مثل‪ :‬القلق واالضطرابات المزاجية‬

‫وأشكال الذهان‪ ،‬واضطرابات األكل واضطرابات الشخصية وتناول المواد النفسية‪.‬‬

‫ويش ير آرش ر((‪ Archer, 2005‬إلى أن النم و اإلنس اني إنم ا ه و عملي ة متواص لة‪ ،‬ولكن هن اك بعض‬

‫المراحل التي يكون للنجاح أو الفشل في التوافق أثناءها تأثيرات قوية على استكمال دائرة النمو السليم‬

‫الحقًا‪ ،‬وأن المراهقة هي إحدى أهم هذه المراحل الحاسمة حيث تحمل في طياتها أهم سمات النمو على‬

‫األصعدة البيولوجية والنفسية واالجتماعية‪ ،‬وتمثل هذه التغيرات التي تحدث متزامنة م ع بعض ها البعض‬

‫وبقدٍر ملحوٍظ من التسارع والقوة‪ ،‬تحديًا كبيرًا أمام تطور استراتيجيات النضج والمواجهة الفعالة لدى‬

‫الفرد المراهق‪ ،‬والتي يؤدي الفشل فيها إلى ظهور عديد من المشكالت السلوكية أثناء المراهقة‪ ،‬كما‬

‫يك ون الفش ل في إتم ام النم و في المراهق ة ع امًًال مهم ًا في ظه ور أش كال االض طرابات في المراح ل‬

‫‪120‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫( راقي ة‬ ‫الالحق ة من العم ر‪.‬‬

‫جالل ‪ ،2013‬ص ‪)3‬‬

‫ويش ير هلس تيال وس اورندر ((‪ Helestela and Sourender, 2001‬إلى أن المراهق ة هي مرحل ة‬

‫المش كالت بش كل ع ام‪ ،‬وأن هن اك ع ددًا من االض طرابات الس لوكية ال تي غالب ًا م ا يالحظه ا الوال دان‬

‫والمدرسون على أبنائهم‪ ،‬كالسلوك المضاد للمجتمع‪ ،‬وحاالت النشاط الزائد‪ ،‬لكن هناك مشكالت داخلية‬

‫يواجهها كثيرًا من المراهقين والتي تكون أقل قابلية للمالحظة من قبل الوالدين والمدرسين‪ ،‬حيث يجد‬

‫المراهق صعوبة في مشاركة أفكاره ومشاعره مع والديه‪ ،‬مما يوِج ب ضرورة االعتماد على مقاييس‬

‫التقري ر ال ذاتي الكتش اف ه ذه االض طرابات‪ .‬وتتمث ل أهم ه ذه االض طرابات في القل ق واالكتئ اب‪،‬‬

‫والجنوح‪ ،‬واالنسحاب االجتماعي‪ ،‬والشكاوى البدنية‪ ،‬ومشكالت التفاعل االجتماعي‪ ،‬وصور اضطراب‬

‫التفكير‪ ،‬وصور اضطراب االنتباه‪ ،‬والعدوانية‪ .‬وأنه كلما زادت حدة هذه االضطرابات لدى المراهق أو‬

‫تعددت كلما كان ذلك منذرًا بسوء التوافق مستقبًال‪.‬‬

‫كم ا يش ير لون د وزمالؤه (( ‪ Lundh, Lundh and Bjarehed, 2008‬إلى أن المراهق ة مرحل ة تتس م‬

‫بشكٍل عاٍم بأنماٍط من االضطرابات السلوكية واالنفعالية واالجتماعية؛ فالمراهقون يظهرون درجات‬

‫من االندفاع والتقلب المزاجي وسرعة االنفعال والثورة والتمرد‪ ،‬حيث يعاني عدًد كبيرًا من المراهقين‬

‫من اض طرابات س لوكية وانفعالي ة؛ و أن ح والي ‪ % 18‬إلى ‪ % 22‬من الم راهقين يظه رون عالم ات‬

‫دال ة على وج ود مش كالت ل ديهم في الض بط االنفع الي والس لوكي وع ادًة م ا يص احب ظه ور مث ل ه ذه‬

‫االضطرابات صور أخرى من االضطرابات السلوكية واالجتماعية مثل تعاطي المواد النفسية والتسرب‬

‫الدراسي والسلوكات المضادة للمجتمع وصور العنف البدني واللفظي‪.‬‬

‫وتتمثل عالمات االضطراب التي يظهرها المراهقون عام ًة في الشعور باالكتئاب‪ ،‬حيث ُيصاب حوالي‬

‫‪ %15‬إلى ‪ % 20‬من المراهقين بنوبة اكتئاب عظمى واحدة على األقل خالل مرحلة المراهقة وتنتشر‬

‫‪121‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بين الم راهقين عموم ًا الس مات التشخيص ية لالكتئ اب ح تى وإ ن لم ت رَق لدرج ة التش خيص الفعلي‬

‫لالضطراب‪ ،‬ومنها الحزن والميل للعزلة وصور االنسحاب االجتماعي‪.‬‬

‫ويزيد التعرض لعوامل المشقة العائلية ( ‪ )Stress familiale‬من فرص ظهور األعراض االكتئابية‬

‫والتي يصاحبها غالبًا انخفاض تقدير الذات لدى المراهق‪.‬‬

‫وتتمث ل خط ورة اإلص ابة باالكتئ اب ل دى الم راهقين في أن تكراره ا ي ؤدي ب المراهق لتط وير األفك ار‬

‫االنتحارية‪ ،‬ووضع خطة لتنفيذ فكرة االنتحار بين حوالي ‪ % 15‬ممن يفكرون فيه‪ ،‬ويعد االنتحار ث الث‬

‫أسباب الوفاة بين المراهقين‪ ،‬والخامس بين األفراد حول عمر ‪25‬عامًا‪.‬‬

‫كما ينتشر بين المراهقين ظهور اضطراب القلق‪ ،‬والذي يشير إلى وجود مشاعر مفرطة وغير قابلة‬

‫للتحكم فيها من الخوف أو العصبية حول حدٍث مستقبلٍي ما أو موق ٍف حقيقِي ‪ .‬والذي يؤدي إلى ظهور‬

‫أشكال غير مالئمة من السلوك أو كف ظهور السلوك الالئق‪.‬‬

‫ويش ير ك ل من (‪ )Martin and Milton, 2007‬أن القل ق من أك ثر االض طرابات انتش ارًا بين‬

‫المراهقين حيث يصيب ‪ % 13‬منهم حول عمر السابع عشر عامًا‪.‬‬

‫ويشير ريمر وسيجال ((‪ Reamer and Siegel, 2009‬من واقع تجربتهم العملية الممتدة في التعامل‬

‫مع اضطرابات المراهقين إلى أن المراهقة هي المرحلة التي تنتشر فيها االضطرابات المتعلقة بصورة‬

‫الجسد‪ ،‬حيث يسبب التغير الجسماني المفاجئ الذي يخبره المراهقون في صورة الجسم مشاعر مختلطة‬

‫من القلق والخجل والخوف‪ ،‬حيث يقارن المراهق صورة جسده بالنماذج التي تبثها الوسائل اإلعالمية‬

‫عن المظهر الجسدي الجذاب والمقبول‪.‬‬

‫ونظ رًا لوج ود ف روق فردي ة هائل ة في النم و الجس دي بين الم راهقين‪ ،‬يط ور كث يرًا منهم‬

‫اض طراب ص ورة الجس د وال ذي يص يب ح والي ‪ %27‬من الم راهقين‪ ،‬حيث ي درك المراه ق‬

‫جسده بصورٍة سلبيٍة غير واقعيٍة ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و يشير كل ( ‪ )Kim, Cho, Cho and Lim, 2000; Budd, 2007‬أن اضطراب صورة الجسم هو‬

‫االضطراب المحوري في ظهور نوعان أساسيان من اضطرابات الطعام‪ ،‬وهما فرط الشهية العصبي‬

‫وفقدان الشهية العصبي‪ ( .‬المرجع السابق ‪ 2013‬ص‪)6‬‬

‫وق د رص د هيلجيالن د وتورجيس ون ( (‪Helgelandand Torgeson, 2005‬بعض أش كال االض طراب‬

‫االجتماعي والس لوكي التي ينتشر ظهوره ا بين المراهقين‪ ،‬والتي تع د في الوقت ذات ه إشارات منذرة‬

‫باحتم ال اإلص ابة بالفص ام‪ .‬وتمثلت تل ك االض طرابات في س مات عدي دة مث ل‪ :‬ض عف أش كال التواص ل‬

‫االجتماعي بشكٍل عام‪ ،‬وصعوبة خلق عالق ة اجتماعي ة خارج نط اق األسرة والحفاظ عليه ا‪ ،‬وتفضيل‬

‫اللعب الف ردي‪ ،‬والمي ل لالنس حاب االجتم اعي‪ ،‬والس لوك المض اد للمجتم ع‪ ،‬وع دم االس تقرار االنفع الي‪،‬‬

‫والمشكالت الدراسية سواًء في التحصيل األكاديمي أو التعامل في بيئة المدرسة‪.‬‬

‫كم ا يش ير لوينس ون وزمالؤه ( ( ‪Lewinsohn, Seeley and Klien, 2003‬إلى أن أول ظه ور‬

‫ألعراض اإلصابة باالضطراب ثنائي القطب‪ ،‬وهو أحد االضطرابات الذهانية التي تتسم بوجود نوبات‬

‫من الهوس واالكتئاب التي تصيب الفرد بشكٍل متناوٍب ‪ ،‬يحدث دومًا في مرحلة المراهقة‪ ،‬والذي يرتبط‬

‫ارتباطًا وثيقًا بإقدام المراهق على محاولة االنتحار‪.‬‬

‫ويوصي هؤالء الباحثون بضرورة أن يكون البحث عن أولى عالمات االض طرابات النفسية والعقلية‬

‫أحد األولويات على صعيد البحث العلمي وكذلك الممارسة العملية‪.‬‬

‫و فيما يلي سنقوم بعرض اضطراب القلق و اضطراب السلوك العدواني بشيٍء من التفصيل باعتبارهما‬

‫االضطرابان اللذان تناولتهما الباحثة كنموذجًا لدراستها‪:‬‬

‫‪ 7‬ـ القلق النفسي‪:‬‬

‫على ال رغم من أن المراهق ة تع د مرحل ة اآلم ال و الطم وح‪ ،‬و ف رص النم و الشخص ي‪ ،‬و تحقي ق هوي ة‬

‫ذاتي ة متم يزة عن س ائر الهوي ات األخ رى‪ ،‬إال أنه ا مرحل ة يق ل فيه ا اإلحس اس بالس عادة و الرض ا عن‬

‫‪123‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫النفس و يظه ر فيه ا القل ق و االكتئ اب و ي زداد مع دل المش اغبة و الجن وح و تظه ر فيه ا مح اوالت‬

‫االنتحار و تشهد بداية التدخين و إدمان العقاقير و غيرها‪(.‬أبو بكر مرسي ‪ 2002‬ص ‪)91‬‬

‫و قد يكون القلق من العوامل التي تدفع إلى مثل هذه السلوكيات‪ ،‬فهو أحد المشكالت الشائعة الظهور‬

‫لدى الكثير من المراهقين‪ .‬و إن دراسة هذا موضوع يزيد بالضرورة من فهم سلوك المراهقين‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ ‪ : 1‬المفاهيم المختلفة للقلق‪:‬‬

‫لقد كان " فرويد " أول من أشار إلى الدور الهام الذي يقوم به القلق في نشوء األمراض العصابية‬

‫و قد عرف " فرويد" القلق بأنه‪ :‬حالة من الخوف الغامض الشديد الذي يتملك اإلنسان‪ ،‬و يسبب له‬

‫الكثير من الكدر و الضيق و األلم‪ ،‬و القلق يعني االنزعاج‪ ،‬و الشخص القلق يتوقع الشر دائم ًا‪ ،‬و يبدو‬

‫متش ائمًا‪ ،‬و مت وتر األعص اب‪ ،‬و مض طربًا‪ .‬كم ا أن الش خص القل ق يفق د الثق ة بنفس ه‪ ،‬و يب دو م ترددًا‬

‫عاجزًا عن البت في األمور و يفقد القدرة على التركيز‪ (.‬فاروق السيد عثمان ‪ 2001‬ص ‪)26‬‬

‫و لقد صاغت الجمعية األمريكية للطب النفسي أكثر تعريفات القلق شيوعًا فعرفته بأنه خوف أو توتر و‬

‫ضيق ينبع من توقع خطر ما يكون مصدره مجهوًال إلى درجة كبيرة‪ ،‬و يعد مصدره غير واضح‪ ،‬و‬

‫يصاحب كًال من القلق و الخوف عدد من التغيرات الفيزويولوجية‪)APA 1994 p 435(.‬‬

‫أما " سبيلبرجر" ‪ Spielberger 1966‬فيعرف القلق بنوعيه‪ ،‬قلق حالة‪ ،‬و قلق سمة‪ ،‬على أن قلق‬

‫حالة هو وضع وقتي طارئ عند الفرد يحدث له إذا تعرض إلى أحد الموضوعات التي تثير هذا القلق‬

‫و باختفاء هذه الموضوعات المثيرة تنتهي حالة القلق‪.‬‬

‫أم ا القل ق س مة تش ير ألس اليب اس تجابية ثابت ة نس بيًا تم يز شخص ية الف رد حيث أن القل ق ه ذا أق رب أن‬

‫يكون مرتبط بشخصية الفرد منه لمثيرات الموقف نفسه‪( .‬محدب رزيقة ‪ 2011‬ص ‪)26‬‬

‫و تع رف " ه ورني" ‪ Horney‬القل ق على أن ه اس تجابة انفعالي ة لخط ر يك ون موج ه إلى المكون ات‬

‫األساس ية للشخص ية و من ه ذه المكون ات م ا ه و ع ام بين ك ل الن اس مث ل الحري ة‪ ،‬حب الحي اة‪ ،‬إنج اب‬

‫‪124‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫األطفال‪ ،‬و منها ما هو خاص تختلف قيمته حسب الشخص و ثقافته و بيئته و مرحلة نموه و جنسه‪ ،‬و‬

‫يتخ ذ القل ق مظ اهر س لوكية مختلف ة كالح ذر و الحيط ة و الخ وف‪ ،‬و ه ذا القل ق يس لب بالت دريج الس مات‬

‫األصلية للفرد و يرمي به بعيدًا عن ذاته الحقيقية‪ (.‬المرجع السابق ‪2011‬ص ‪)56‬‬

‫و ق د اختل ف علم اء النفس ح ول تحدي د مع نى القل ق حيث أن هن اك تعريف ات أش ارت إلى أن القل ق ه و‬

‫خوف ينتج عن توقع الفرد تهديدًا موجه ًا للذات و هناك تعريفات أخرى أوضحت أن القلق هو خوف‬

‫غامض غير معروف أسبابه و أن القلق ينتج عن عملية انفعالية معقدة لها جوانب شعورية مثل الخوف‬

‫و التهديد و العجز و جوانب ال شعورية و تتمثل في عدم معرفة الفرد لمصدر التهديد‪.‬‬

‫(طه عبد العظيم ‪ 2007‬ص‪)15‬‬

‫أم ا الطبع ة الرابع ة من ال دليل التشخيص ي و اإلحص ائي لألم راض النفس ية و العقلي ة فتق دم محك ات‬

‫تشخيص القلق المعمم وهي كالتالي‪:‬‬

‫أ ـ القل ق الزائ د و الخ وف و ال ترقب و الت وجس لع دد من األح داث و األنش طة (العم ل أو الدراس ة) و‬

‫يحدث ذلك لعدة أيام‪ ،‬و لمدة ال تقل عن ستة أشهر‪.‬‬

‫ب ـ يجد الفرد صعوبة في السيطرة على خوفه و قلقه‪.‬‬

‫ج ـ يصاحب الخوف و القلق ثالثة أعراض أو أكثر من األعراض الستة اآلتية‪ ،‬على أن تظهر بعض‬

‫األعراض في معظم األيام خالل األشهر الستة الماضية‪:‬‬

‫‪ ‬شعور بعدم الراحة أو التقييد‪.‬‬

‫‪ ‬سرعة التعب‪.‬‬

‫‪ ‬صعوبة التركيز‪.‬‬

‫‪ ‬االستثارة الوجدانية و الحساسية المفرطة‪.‬‬

‫‪ ‬مشكالت النوم ( صعوبة البدء في النوم‪ ،‬أو االستغراق فيه‪ ،‬أو النوم المتقطع)‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫د ـ إذا وجد اض طراب آخ ر على المح ور األول ف إن القل ق ليس مترتب ًا علي ه‪ ،‬مثًال ليس القلق خوف ًا من‬

‫حدوث نوبة هلع كما في اضطراب الهلع‪.‬‬

‫ه ـ القلق و الخوف و األعراض الجسمية كلها تسبب ضيقًا ملحوظًا أو خلًال وظيفيًا‪ ،‬أو خلًال اجتماعيًا‬

‫و ـ هذه األعراض ليست نتيجة تأثير مباشر لحالة نفسية‪ ،‬أو حالة مرضية جسمانية عامة‪ ،‬و ال تحدث‬

‫في اضطراب المزاج‪ ،‬أو اضطراب الذهان‪ ،‬أو اضطراب النمو‪)APA,1994 p 436 ( .‬‬

‫‪ 7‬ـ ‪ :2‬أنواع القلق‪:‬‬

‫للقلق أنواع و درجات تختلف حسب طبيعة الفرد و نوعه و سنه كما ترتبط طبيعة القلق بالظروف‬

‫البيئية و النمائية التي ينشأ فيها الفرد خالل فترة حياته‪ ،‬و يصنف العلماء القلق إلى عدة أنواع مختلفة‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬القلق عند " فرويد"‪:‬‬

‫لقد ميز " فرويد" بين ثالثة أنواع من القلق هي القلق الموضوعي و القلق العصابي و القلق الخلقي‪.‬‬

‫‪ ‬القلق الموضوعي‪ :‬هو الخوف من خطر خارجي معروف كالخوف حيوان مفترس‪ ،‬و يطلق عليه‬

‫أحيانًا القلق الواقعي فأسبابه معروفة بالنسبة للفرد و يعبر عن ضرورة حياتية تدفع اإلنسان إلى الس لوك‬

‫المطلوب و رغم معرفة الفرد لمصدر الخطر فإنه يجهل ما يمكن أن تكون عليه النتيجة خيرًا أو شرًا‬

‫نجاحًا أو فشًال و من هنا يكون التهديد بالخطر‪ (.‬طه عبد العظيم ‪ 2007‬ص ‪)16‬‬

‫‪ ‬القلــق العصــابي‪ :‬و ه و خ وف غ امض غ ير مفه وم و ال يس تطيع الش خص أن يع رف س ببه‪ ،‬ف القلق‬

‫العصابي هو رد فعل لخطر غريزي داخلي بمعنى أنه ينشأ عند تهديد الهو بالتغلب على دفاعات األنا‬

‫و إشباع الرغبات الغريزية التي ال يوافق المجتمع على إشباعها‪ ،‬و يميز " فرويد" بين ثالثة أنواع من‬

‫القلق العصابي و هي‪:‬‬

‫ـ القلق الهائم‪ :‬و هو الذي يرتبط باألفكار أو األشياء الخارجية و الشخص المصاب بهذا الن وع من القلق‬

‫يفسر كل ما يحدث له بالسوء و يتوقع دائمًا النتيجة السيئة‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ـ قلق المخاوف المرضية‪ :‬و يقصد به المخاوف الشاذة حيث يخاف الشخص من أشياء ليس من طبيعتها‬

‫أن تث ير الخ وف و من أمثل ة ذل ك الخ وف من الحيوان ات و األم اكن الفس يحة أو المغلق ة و هي مخ اوف‬

‫غير معقولة و ال يمكن تفسيرها و بالرغم من شعور المريض بغرابتها فإنه ال يستطيع التخلص منها‪.‬‬

‫ـ قلق الهيستريا‪ :‬و هذا النوع من القلق يبدو واضحًا في بعض األحيان و غير واضح في أحيان أخرى‬

‫و منها أعراض الهستيريا التحولية‪.‬‬

‫‪ ‬القلق الخلقي‪ :‬و هو الخوف من األنا األعلى حيث تكون هي مصدر التهديد بالنسبة لألنا إذا صدر‬

‫عنها سلوك معين يتعارض مع معايير الوالدين أو المجتمع‪ (.‬المرجع السابق ‪ 2007‬ص ‪)17‬‬

‫ثانيًا‪ :‬القلق كحالة و سمة‪:‬‬

‫لق د م يز ‪ Cattell & Spielberger‬بين ن وعين مختلفين من القل ق و هم ا القل ق كحال ة و القل ق كس مة‬

‫حيث يع رف القل ق كحال ة بأن ه حال ة انفعالي ة مؤقت ة تختل ف في ش دتها و تتذب ذب ع بر ال زمن و تتم يز‬

‫بالتوتر و الخوف و تكون مصحوبة بنشاط زائد في الجهاز العصبي بينما تشير سمة القلق إلى الفروق‬

‫الثابتة نسبيًا في الميل إلى القلق و هذه الفروق تنشأ عن اختالف ردود األفعال تجاه المواقف المدركة‬

‫بأنها مهددة و تؤدي إلى ارتفاع شدة حالة القلق فسمة القلق كما يشير " سبيلبرجر" ‪ 1972‬هي استعداد‬

‫طبيعي و اتجاه سلوكي يجعل الفرد قلقًا و يعتمد بصورة أساسية على الخبرة الماضية للفرد بينما حالة‬

‫القلق تكون موقفية و تعتمد أساسًا على الظروف الضاغطة‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬القلق الدافع‪:‬‬

‫في الخمس ينات من الق رن الماض ي ب دأت الدراس ات التجريبي ة على ظ اهرة القل ق على ي د مجموع ة من‬

‫العلماء‪ ،‬ونادوا من خالل هذه الدراسات إلى ما يعرف بالقلق الدافع‪ ،‬و تذهب هذه النظرية إلى أن الف رد‬

‫يشعر في مواقف العمل و التعلم بالقلق و هذا القلق في حد ذاته يعتبر دافع ًا يوجه الفرد و يثيره نحو‬

‫‪127‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫األداء أو التعلم حتى يقلل من شعوره بالقلق أو يتخلص منه و يعود لحالته الطبيعية و يشعر باالرتياح‬

‫أي أن هذا القلق يدفع الفرد إلى اإلنجاز و األداء و يقوي من احتمال ظهور االستجابات الص حيحة إزاء‬

‫مواقف التعلم‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ‪ 3‬النظريات المفسرة للقلق‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬النظرية البيولوجية‪:‬‬

‫تنش أ أع راض القل ق النفس ي من زي ادة في نش اط الجه از العص بي الالإرادي بنوعي ه الس مبثاوي و‬

‫الباراس مبثاوي و من ثم تزي د نس بة األدرين الين و النوـ أدرين الين في ال دم و من عالم ات تنبي ه الجه از‬

‫الس مبثاوي أن يرتف ع ض غط ال دم و تزي د ض ربات القلب و جح وظ العين يين أم ا ظ واهر الجه از‬

‫الباراسمبتاوي‬

‫فأهمها كثرة التبول و اإلسهال و زيادة الحركات المعوية مع اضطراب الهضم و الشهية و النوم‪.‬‬

‫كما تلعب الوراثة دورًا هام ًا في اضطراب القلق فكثيرًا ما نالحظ أن والدي المريض و أحيان ًا أقاربه‬

‫يعانون من نفس القلق‪( .‬طه عبد العظيم ‪ 2007‬ص ‪)25‬‬

‫ثانيًا‪ :‬القلق عند مدرسة التحليل النفسي‪:‬‬

‫‪ ‬القلق عند فرويد‪:‬‬

‫القل ق عن د " فروي د" ه و الظ اهرة األساس ية و المش كلة الرئيس ية في العص اب و ق د م يز " فروي د " بين‬

‫نوعين من القلق؛ القلق الموضوعي‪ ،‬و القلق العصابي و اعتبر كل منهما رد فعل لحالة خطر‪ .‬فالقلق‬

‫الموضوعي رد فعل لخطر خارجي معروف‪ ،‬أما القلق العصابي فهو رد فعل لخطر غريزي داخلي و‬

‫قد ميز " فرويد" بين ثالثة أنواع من القلق العصابي و هي‪ :‬القلق الهائم‪ ،‬قلق المخاوف المرضية و قلق‬

‫الهستيريا‪ .‬وقد ثم شرحها في أنواع القلق‪ (.‬أبو بكر مرسي ‪2002‬ص‪)97‬‬

‫‪128‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و قد وضع " فرويد" عدة نظريات في القلق‪ ،‬ففي نظريته األولى رأى أن القلق يتولد من كبت الخوف‬

‫فالذين يعانون من الكبت الجنسي يشكون من القلق‪ ،‬كما أكد " فرويد" أن الدوافع الجنسية عندما تتعرض‬

‫للحرمان تتحول الطاقة الجنسية الكامنة ورائها إلى قلق و هذا األخير ناتج عن تعرض الفرد لحالة‬

‫الخط ر و المك ون األساس ي له ذا الخط ر ه و زي ادة التنبي ه و اإلث ارة‪ ،‬دون أن يك ون للف رد الق درة على‬

‫السيطرة على دوافعه الغريزية‪ ،‬و قدرة الفرد على السيطرة تختلف باختالف مراحل النمو‪.‬‬

‫و يرى " فرويد" أن القلق عند الطفل يعود إلى غياب الشخص المرغوب‪ ،‬فالطفل الصغير الذي يرغب‬

‫في أمه فإنه يشعر بأن هذا خطأ‪ ،‬فينشأ القلق من خالل اإلحساس بالذنب و الخوف من أن يعاقب بسبب‬

‫أفكاره السيئة و يتعرض لبتر عضوه الذكري‪( .‬محدب رزيقة‪2011‬ص‪)63‬‬

‫أم ا في مرحل ة الكم ون الخ وف من األن ا األعلى ه و ال ذي يث ير القل ق و العص ابيون ه و ال ذين ل يزالون‬

‫يستجيبون لحاالت الخطر الحالية بأساليب االستجابة لحاالت الخطر السابقة‪.‬‬

‫و هكذا يرى " فرويد" أن القلق يؤدي للكبت بعد أن جعل الكبت يؤدي إلى القلق‪.‬‬

‫‪ ‬القلق عند هورني‪:‬‬

‫تعتقد " هورني" أن الطبيعة اإلنسانية قابلة للتغير نحو األفضل‪ ،‬فهي تعتبر من العلماء المتفائلين بقدرات‬

‫و إمكانيات اإلنسان نحو التقدم و االرتقاء‪ ،‬و تعتقد "هورني" أن الثقافة من شأنها أن تخلق قدرًا كبيرًا‬

‫من القلق لدى الفرد الذي يعيش في هذه الثقافة‪.‬‬

‫و النظري ة االجتماعي ة له ورني أظه رت مفهوم ا أولي ًا عن دها و نع ني ب ه مفه وم {القل ق األساس ي} و ق د‬

‫عرفت " هورني" القلق األساسي بقولها‪ :‬إنه اإلحساس الذي ينتاب الطفل لعزلته و قلة حيلته في عالم‬

‫يحفل بالتوتر و العدوانية‪ (.‬فاروق السيد عثمان ‪2001‬ص ‪)31‬‬

‫‪129‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و ترى "هورني " أن القلق استجابة انفعالية تكون موجهة إلى المكونات األساسية للشخصية‪ ،‬كما ترى‬

‫أن القلق يرجع إلى ثالثة عناصر هي‪ :‬الشعور بالعجز‪ ،‬و الشعور بالعداوة‪ ،‬و الشعور بالعزلة‪ ،‬و تعتقد‬

‫"هورني" أن القلق ينشأ من العناصر التالية‪:‬‬

‫‪ ‬انعدام الدفء العاطفي في األسرة و تفكهها و شعور الطفل بأنه شخص منبوذ في المنزل يعتبر أهم‬

‫مصدر من مصادر القلق‪ ،‬و هذا يتفق مع ما ذهب إليه " بورجان" من أن الطفل المنبوذ غالب ًا ما يعبر‬

‫عن مش اعر ال ذل بأش كال مختلف ة‪ ،‬كالمخ اوف و االنع زال و ق د تك ون ه ذه األس اليب إم ا تدميري ة‪ ،‬أو‬

‫عدوانية أو انسحابية أو انطوائية و هذا بدوره يؤثر على ذكاء الطفل و أدائه مما يسبب له الفشل في‬

‫دراسته‪.‬‬

‫‪ ‬المعاملة التي يتلقاها الطفل لها عالقة وطيدة بنشأة القلق‪ ،‬فنوع العالقة بين الوالدين عام َة و األم‬

‫خاص ًة له ا انعك اس على ظه ور ح االت القل ق عن ده‪ ،‬و ه ذا م ا ذهب إلي ه " بول بي" حين بين أن عالق ة‬

‫الطف ل بأم ه عالق ة مترابط ة‪ ،‬وهي هام ة لش عور الطف ل ب األمن و الطمأنين ة‪ ،‬و أن كث يرًا من المش كالت‬

‫التي يظهرها الطفل في مستقبل حياته ترجع إلى حٍد كبير إلى حرمانه من الدفء العاطفي بين الطفل و‬

‫أمه في طفولته المبكرة‪.‬‬

‫‪ ‬البيئ ة ال تي يعيش فيه ا الطف ل تس هم إس هامًا إيجابي ًا في نش أة القل ق عن ده لم ا به ا من تعقي دات و‬

‫متناقضات‪ ،‬و تؤكد أبحاث " فيلد" أن رفض اآلباء للطفل يمنعه من النمو السليم و يؤدي به غالب ًا إلى‬

‫أن واع من االض طرابات الس لوكية‪ ،‬ف القلق في نظ ر " ه ورني" يرج ع بص ورة أساس ية إلى عالق ة الف رد‬

‫ب اآلخرين و ي زداد ه ذا م ع ال زمن بس بب م ا يس ود المجتم ع من تعقي د في القيم الثقافي ة و من تن اقض‬

‫يبنهما‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬تفسير القلق عند أتورانك‪:‬‬

‫يفس ر " أتوران ك" القل ق على أس اس الص دمة األولى و هي ص دمة الميالد‪ ،‬فانفص ال الولي د عن األم ه و‬

‫الصدمة األولى التي تثير لديه القلق األولي‪ ،‬و الفطام يستثير لدى الطفل القلق ألنه يتضمن انفص اًال عن‬

‫ثدي األم‪ ،‬و الذهاب إلى المدرسة يثير القلق ألنه يتضمن االنفصال عن األم‪ ،‬و كذلك الزواج يثير القلق‬

‫ألنه يتضمن االنفصال عن األم‪ ،‬فالقلق في رأي " أتورانك" هو الخوف التي تتضمنه هذه اإلنفصاالت‬

‫المختلفة‪ ،‬و يذهب " أوتورانك" إلى أن القلق األولي يتخذ صورتين تستمران مع الفرد في جمي ع مراح ل‬

‫حياته هما؛ خوف الحياة و خوف الموت‪.‬‬

‫و خ وف الحي اة ه و قل ق من التق دم و االس تقالل الف ردي ال ذي يه دد الف رد باالنفص ال عن عالقات ه و‬

‫أوضاعه أما خوف الموت فهو قلق من التوتر و فقدان الفردية و ضياع الفرد في المجموع أو خوفه‬

‫من أن يفقد استقالله الفردي إلى حالة االعتماد على الغير‪ (.‬المرجع السابق ‪ 2001‬ص ‪)30‬‬

‫‪ ‬القلق عند كارل يونج‪:‬‬

‫يعتقد " يونج" أن القلق عبارة عن رد فعل يقوم به الفرد حينما تغزو عقله قوى و خياالت غير معقولة‬

‫صادرة عن الالشعور الجمعي‪ ،‬و الالشعور الجمعي من السمات المميزة لنظرية " يونج" ففي الالشعور‬

‫الجمعي تخ تزن الخ برات الماض ية المتراكم ة ع بر األجي ال و ال تي م رت باألس الف الق دامى و العنص ر‬

‫البشري عامًة‪ ،‬فالقلق هو خوف من سيطرة الالشعور الجمعي‪ ،‬كما يعتقد أن اإلنسان يهتم عادة بتنظيم‬

‫حيات ه على أس س معقول ة منظم ة و أن ظه ور الم ادة غ ير المعقول ة من الالش عور الجمعي يعت بر تهدي دًا‬

‫لوجوده‪.‬‬

‫‪‬القلق عند ألفريد آدلر‪:‬‬

‫كان " آدلر" يؤمن بالتفاعل الدينامي بين الفرد و المجتمع‪ ،‬و هذا التفاعل يؤدي إلى نشأة القلق‪ ،‬و يرى‬

‫أن الطفل يشعر عادة بضعف و عجز بالنسبة للكبار و البالغين بصفة عامة‪ ،‬و اإلنسان السوي يتغلب‬

‫‪131‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫على شعوره بالنقص و القلق عن طريق تقوية الروابط االجتماعية التي تربط الفرد ب اآلخرين المحيطين‬

‫به‪ ،‬و يستطيع الفرد أن يعيش بدون أن يشعر بالقلق إذا حقق هذا االنتماء إلى المجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫‪ ‬القلق عند هاري سوليفان‪:‬‬

‫يعتق د " س وليفان" أن شخص ية الطف ل تتك ون من خالل التفاع ل ال دينامي م ع البيئ ة المحيط ة ب ه‪ ،‬فتربي ة‬

‫الطفل و تعليمه تؤدي إلى إكسابه بعض العادات السلوكية التي يستحسنها الوالدان‪ ،‬و التي تستثير في‬

‫نفس الطفل الرضا و الطمأنينة‪ ،‬و يرى " سوليفان" أن القلق هو حالة مؤلمة للغاية تنشأ من معاناة عدم‬

‫االستحسان في العالقات البينشخصية‪.‬‬

‫و يعتقد أن القلق حين يكون موجودًا لدى األم تنعكس آثاره في الوليد ألنه يشعر به من خالل االرتباط‬

‫العاطفي بينهما‪.‬‬

‫و يذهب " سوليفان" إلى أن هدف اإلنسان هو خفض حدة التوتر الذي يهدد أمنه‪ ،‬و تنشأ التوترات من‬

‫مص درين؛ ت وترات ناش ئة عن حاج ات عض وية و ت وترات تنش أ عن مش اعر القل ق‪ ،‬و خفض الت وترات‬

‫الناشئة عن القلق يعتبر من العمليات الهامة في نظرية " سوليفان" و التي أطلق عليها { مبدأ القلق} و‬

‫القلق في نظر " سوليفان" هو أحد المحركات األولية في حياة الفرد‪.‬‬

‫و القل ق بن اٌء و ه داٌم في ال وقت نفس ه‪ ،‬ف القلق البس يط يمكن أن يغ ير اإلنس ان و يبع ده عن الخط ر‪ ،‬أم ا‬

‫القلق الشامل الكلي فإنه يؤدي إلى اضطراب كامل في الشخصية‪ ،‬و قدم " سوليفان" مصطلحًا هو{ نظ ام‬

‫ال ذات} و يعتقد أن نظ ام ال ذات يتش كل في ص ورة فردي ة بواس طة القل ق الن اجم عن عدم رض ا اآلب اء و‬

‫موافقتهم و عن مشاعر الطمأنينة الناجمة عن محبة اآلباء و رضاهم‪.‬‬

‫‪ ‬القلق عند إيريك فروم‪:‬‬

‫‪132‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ي رى " ف روم" أن الطف ل يقض ي ف ترة طويل ة من ال زمن معتم دًا على الكب ار و خاص ًة والدي ه‪ ،‬و ه ذا‬

‫االعتماد يقيده بقيود يلتزم بها حتى ال يفقد حنانهما‪ ،‬و بازدياد نمو الطفل يزداد تحرره و اعتماده على‬

‫نفسه‪ ،‬و الذي يولد شعورًا بالعجز و القلق نتيجة ما يود إنجازه من األعمال و عدم اكتمال قدراته‬

‫النجاز هذه األعمال‪ ،‬و هكذا يرى " فروم" أن القلق ينشأ عن الصراع بين الحاجة للتقرب من الوالدين‬

‫و الحاجة إلى االستقالل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬القلق لدى السلوكيين‪:‬‬

‫ق امت النظري ة الس لوكية على تحلي ل الس لوك إلى وح دات من المث ير و االس تجابة و القل ق في التص ور‬

‫السلوكي بأساس دافعي للتوافق‪ ،‬مادام أننا نخبره كخبرة غير سارة و أي خفض للقلق ينظر إليه كهدف‬

‫ل ه أهميت ه‪ ،‬كم ا ينظ ر إلى القل ق أيض ًا باعتب اره يم دنا بأدل ة تس تثير ميكانزم ات متع ددة للتواف ق‪ ،‬ف التعلم‬

‫الش رطي الكالس يكي عن د " ب افلوف" يم دنا بتص ور عن اكتس اب القل ق من خالل العص اب التجري بي و‬

‫يرى " سيد غنيم" (‪ )1973‬أن العصاب التجريبي يتميز بالصفات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬إن السلوك العصابي هو نتيجة ضغط و توتر و صراع‪ ،‬ففي جميع التجارب التي من هذا القبيل‪،‬‬

‫فإنه ليس ثمة شك أن صراعًا ما قد ظهر بوضوح بين نزعات الفعل المعززة‪ ،‬و نزعات الفعل غير‬

‫المعززة‪.‬‬

‫‪ ‬إن السلوك العصابي يتميز بالقلق و هذا يتضمن العقاب من أي نوع كان‪.‬‬

‫‪ ‬إن الس لوك العص ابي يتس م بمجموع ة من األع راض ال تي تعت بر غ ير عادي ة في نظ ر المع ايير‬

‫االجتماعية‪.‬‬

‫و يرى السلوكيون " بافلوف‪ ،‬واطسون" أن القلق يقوم بدور مزدوج فهو من ناحية يمثل حافزًا‪ ،‬ومن‬

‫ناحية أخرى يعد مصدر تعزيز‪ ،‬و ذلك عن طريق خفض القلق‪ ،‬و بالتالي فإن العقاب يؤدي إلى كف‬

‫السلوك غير المرغوب فيه و بالتالي يتولد القلق الذي يعد صفة تعزيزية تؤدي إلى تعديل السلوك‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬القلق من خالل تصور دوالر و ميلر‪:‬‬

‫ع رض " دوالرد " و " ميل ر" نظريتهم ا{ الشخص ية و العالج النفس ي} و لكنهم ا اس تخدما مف اهيم خاص ة‬

‫بهما‪ ،‬فقد اس تفادا من مفهوم الدافع و أك دا على الدور الذي يقوم ب ه خفض الدافع في عملي ة التعليم‪ ،‬و‬

‫القلق ما هو إال دافع عندما يزداد إلى حد معين يؤدي إلى تدهور في األداء و العكس صحيح‪.‬‬

‫و القلق عند " دوالرد" و " ميلر" حالة غير سارة يعمل الفرد على تجنبها و القلق يعتبر دافع ًا مكتسبًا أو‬

‫قاب ل لالكتس اب‪ ،‬و يح دث القل ق نتيج ة الص راع‪ ،‬و الص راع ق د يأخ ذ الكث ير من األش كال مث ل ص راع‬

‫اإلق دام‪ ،‬و اإلحج ام أو ص راع اإلق دام ـ اإلق دام‪ ،‬أو ص راع اإلحج ام ـ اإلحج ام‪،‬إال أن ه ذا الص راع يول د‬

‫حالة من عدم االتزان تؤدي إلى القلق و ال يكون هناك مفر من هذا الصراع حتى يعود االتزان مرة‬

‫أخرى‪.‬‬

‫‪ ‬القلق في تصور كاتل و شاير‪:‬‬

‫كش فت األبح اث التحليلي ة العاملي ة ل"كات ل" و " ش اير" عن وج ود ن وعين من مف اهيم القل ق أطلق ا عليهم ا‬

‫سمة القلق و حالة القلق و يعتبر النوعان األخيران أكثر أنواع القلق شيوعًا في التراث النفسي‪.‬‬

‫و تص ور حال ة القلق كظ رف أو حال ة انفعالي ة ذاتي ة موقفي ة و مؤقت ة أق رب م ا تك ون إلى حال ة الخوف‬

‫الطبيعي‪ ،‬و يشعر بها كل الناس في مواقف التهديد مما يؤدي إلى تنشيط جهازهم العصبي المستقل‪ ،‬و‬

‫يهيئهم لمواجهة مصدر التهديد‪ .‬و تختلف شدة الحالة تبعا لم ًا يستشعره كل فرد من درجة خطورة في‬

‫الموقف الذي يواجهه‪ ،‬كما تزول بزوال مصدر الخطورة أو التهديد‪ ،‬و تتغير حالة القلق في شدتها و‬

‫تتذبذب عبر الزمن تبعًا للموقف المهدد للفرد‪ (.‬المرجع السابق ‪2001‬ص‪)33‬‬

‫و يعتقد " سبيلبرجر" أن سمة القلق تشير إلى الفروق الثابتة نسبيًا في القابلية للقلق‪ ،‬و سمة القلق تشير‬

‫إلى االختالفات بين الناس في ميلهم إلى االستجابة تجاه المواقف التي يدركونها كمواقف مهددة‪ ،‬و ذلك‬

‫‪134‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بارتفاع شدة القلق‪ ،‬و سمة القلق تتأثر بالمواقف بدرجات متفاوتة‪ ،‬حيث إنها تنشط بواسطة الضغوط‬

‫الخارجية التي تكون مصحوبة بمواقف خطرة محدودة‪.‬‬

‫‪ ‬القلق في تصور ولبي‪:‬‬

‫يرى " جوزف ولبي" أّن القلق هو أهم االس تجابات الفطري ة لدى الكائن الحي‪ ،‬و الصادرة عن الجملة‬

‫العصبية الالإرادية بسبب منبه أو مثير يهدد الكائن‪ ،‬و يحتوي القلق على عناصر معرفية‪ ،‬و حركية‪ ،‬و‬

‫عص بية و س لوكية و ه و الس بب الرئيس ي أو حج ر األس اس في جمي ع األعص بة الح ادة‪ ،‬و وراء تعلم‬

‫االضطرابات السلوكية المكتسبة‪( .‬فيصل محمد‪2005‬ص‪)37‬‬

‫و القلق في نظر " ولبي" هو نوع من أنواع السلوك العصابي المتعلم و من ثم يمكن خفضه عن طريق‬

‫التش ريط المض اد في حين تظه ر المث يرات الش رطية ال تي ترتب ط ب القلق المض اد لالس تجابة ف إن ح دوث‬

‫االس تجابة الطبيعي ة ي ؤدي إلى ك ف القل ق و كلم ا زاد ع دد م رات االس تجابة الطبيعي ة م ع وج ود القل ق‬

‫المضاد ضعف القلق بالتدريج لدرجة أن المثيرات التي كانت تحدث القلق ينتهي مفعولها و تحل محلها‬

‫االس تجابة الطبيعي ة مقترن ة بك ف القل ق‪ ،‬و ب ذلك ص اغ " ول بي" مب دأه الع ام و ه و م ا يع رف ب الكف‬

‫ب النقيض أو الك ف المتب ادل و ال ذي يعتم د في ج وهره على فك رة مفاده ا أنن ا إذا اس تطعنا أن نح دث‬

‫اس تجابة مض ادة للقل ق في حض ور المث يرات الباعث ة على القل ق ف إن االس تجابات المض ادة تعم ل على‬

‫انطفاء القلق و منعه من الظهور‪ (.‬طه عبد العظيم ‪2007‬ص‪)35‬‬

‫رابعا‪ :‬نظرية القلق الدافع‪:‬‬

‫يمكن اعتب ار القل ق دافع ًا من ال دوافع الهام ة ال تي تس اعد على اإلنج از و النج اح و التف وق‪ ،‬و تؤك د‬

‫نظريات التعلم على أهمية الدافعية في التعلم‪ ،‬و يعرف الدافع بأنه حالة داخلية عند الفرد توجه سلوكه‬

‫و تؤثر عليه و الدافع عامل انفعالي يعمل على توجيه سلوك الفرد‪ ،‬و لذا فإنه يسلك و ينزع إلى عمل‬

‫معين‪ ،‬و تتمثل وظيفة القلق في اآلتي‪:‬‬

‫‪135‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬ينش ط القل ق س لوك الف رد و ينقل ه من حال ة الس كون إلى الحرك ة‪ ،‬حيث أن القل ق ينش أ من ع دم‬

‫االتزان‪.‬‬

‫‪ ‬القل ق عام ل ت وجيهي‪ ،‬أي يوج ه الس لوك نح و غ رض معين‪ ،‬فالط الب ال ذي لدي ه امتح ان تنش أ لدي ه‬

‫حالة من القلق تساعده على االستذكار‪.‬‬

‫‪ ‬القلق يعتبر صفة تعزيزية و ذلك بعد إنجاز العمل فإن االتزان يعود إلى ما كان عليه‪.‬‬

‫و يؤك د " يرك ز ـ ددس ن" أن ه توج د عالق ة بين ص عوبة العم ل و المس توى األمث ل للقل ق الالزم لألداء‬

‫الناجح و توصل إلى النتائج اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬القلق العالي يؤدي إلى تسهيل األداء في حالة اإلتقان التام للمهارة‪.‬‬

‫‪ ‬القلق العالي يؤدي إلى تعطيل األداء في حالة عدم إتقان المهارة‪.‬‬

‫‪ ‬يتدهور األداء لألفراد ذوي القلق العالي في حالة الضغوط المرتفعة و االستثارة العالية‪.‬‬

‫‪ ‬يتحسن األداء لألفراد ذوي القلق المنخفض في حالة الضغوط المرتفعة و االستثارة العالية‪.‬‬

‫‪ ‬يتدهور األداء لألفراد ذوي القلق المنخفض في حالة الضغوط المنخفضة و االستثارة المنخفضة‪.‬‬

‫‪ ‬إذا زادت صعوبة العمل فإن المستوى األمثل للقلق الالزم لألداء الناجح يجب أن يكون منخفضًا‪.‬‬

‫‪ ‬توج د عالق ة منخفض ة بين مس توى األداء و القل ق‪ ،‬ففي مس تويات القل ق المنخفض ة و العالي ة يح دث‬

‫تدهور في األداء‪ ،‬في حين أن القلق المتوسط يؤدي إلى تحسن في األداء‪ ،‬حيث إن درجات القلق العالية‬

‫ت ؤدي إلى تش تيت االنتب اه و قل ة الترك يز‪ ،‬بينم ا درج ات القل ق المنخفض ة ت ؤدي إلى ت دهور في األداء‬

‫بسبب التكاسل و فقدان الدافع لالنجاز‪.‬‬

‫و تؤكد الحقائق التجريبية على وجود عالق ة بين مستوى القلق و مستوى األداء‪ ،‬بحيث يصل مستوى‬

‫األداء إلى الذروة عندما يكون مستوى القلق في مستوى متوسط‪ ،‬و يتفق ذلك مع ما وصفه " بازوفيتر"‬

‫لمستويات القلق المنخفضة و المتوسطة و العالية‪ (.‬فاروق السيد عثمان ‪2001‬ص‪)35‬‬

‫‪136‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬المستوى المنخفض للقلق‪ :‬في هذا المستوى يحدث تنبيه عام للفرد مع ارتفاع درجة حساسيته نح و‬

‫األح داث الخارجي ة‪ ،‬كم ا ت زداد درج ة اس تعداده و تأهب ه لمواجه ة مص ادر الخط ر في البيئ ة ال تي يعيش‬

‫فيها‪.‬‬

‫و يعتبر هذا المستوى من القلق‪ ،‬قلق عادي عند الفرد ألن وظيفته تنبيه لخطر على وشك الوقوع‪.‬‬

‫‪ ‬المستوى المتوسط للقلق‪ :‬في هذا المستوى يصبح الفرد أقل قدرة على السيطرة على استجاباته في‬

‫مختلف المواقف التي يواجهها في الحياة حيث يفقد السلوك مرونته و يجب على الفرد أن يبذل أقصى‬

‫جهده للمحافظة على السلوك المناسب في مواجهة هذه المواقف‪.‬‬

‫‪ ‬المستوى المرتفع للقلق‪ :‬في هذا المستوى من القلق يتأثر التنظيم السلوكي للفرد بصورة سلبية و‬

‫يق وم الف رد و يق وم بأس اليب س لوكية غ ير مالئم ة للمواق ف المختلف ة و ال يس تطيع الف رد التمي يز بين‬

‫المثيرات الضارة و غير الضارة و يرتبط ذلك بعدم القدرة على التركيز و االنتباه و سرعة التهيج و‬

‫السلوك العشوائي‪.‬‬

‫من خالل م ا س بق نس تنتج أن ه كلم ا ازدادت درج ة القل ق و ارتفعت ازداد اض طراب س لوك الف رد‪ ،‬ففي‬

‫المستوى المنخفض للقلق‪ ،‬و الذي يعتبر قلق عادي‪ ،‬يقوم بإنذار الفرد إلى خطر على وشك الوقوع و‬

‫بالت الي مواجه ة مص ادر القل ق و تفاديه ا‪ ،‬و في المس توى المتوس ط للقل ق يص بح الف رد أق ل ق درة على‬

‫السيطرة على سلوكه و يفقد المرونة في ذلك‪ ،‬أما في المستوى المرتفع للقلق فهنا يفقد الفرد السيطرة‬

‫على س لوكه في المواق ف ال تي تس بب القل ق و يك ون غ ير ق ادٍر على الترك يز و االنتب اه و ال يم يز بين‬

‫المث يرات الض ارة و غ ير الض ارة‪ ،‬و يك ون رد فعل ه اتج اه المث ير س ريع و عش وائي مم ا ي ؤثر على‬

‫شخصية الفرد فيظهر حالة انفعالية غير سارة مصحوبة بالخوف و التوتر‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬القلق في التيار اإلنساني‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ي رى أص حاب ه ذا المنحى أن القل ق ه و الخ وف من المس تقبل و م ا ق د يحمل ه من أح داث ته دد إنس انية‬

‫الف رد ف القلق ينش أ مم ا يتوق ع اإلنس ان من أن ه ق د يح دث و ليس من ماض ي الف رد كم ا ي رى أص حاب‬

‫التحلي ل النفس ي و ي ذهب أص حاب ه ذا المنحى ك ذلك إلى الق ول ب أن الخ وف من الم وت ه و المث ير‬

‫األساس ي للقلق عند اإلنس ان و يض يفون أن اإلنس ان يعيش في هذه الحي اة و يواج ه الكث ير من المواقف‬

‫التي تثير قلقه فقد يكون خوف الفرد من الفشل في تحقيق حياة كاملة مثيرًا للقلق حيث يعتبر الفشل في‬

‫تحقيق مثل هذه الحياة مظهرًا من مظاهر الالوجود و في ضوء ذلك يعتبر فشل الفرد في تحقيق أهدافه‬

‫و فش له في إيج اد مع نى لحيات ه و خوف ه من احتم ال ح دوث الفش ل في الوص ول إلى الحي اة المرغوب ة‬

‫يعتبر كل ذلك مثيرًا للقلق لدى اإلنسان‪( .‬طه عبد العظيم ‪2007‬ص‪)36‬‬

‫و يرى " كارل روجرز" أن القلق لدى الفرد مرتبط بمقدار االتساق و التناقض بين مفهوم الذات لديه و‬

‫الخبرات التي يمر بها في حياته فكلما كانت الخبرات التي يواجهها الفرد في حياته تتسق مع مفهوم‬

‫ال ذات لدي ه كلم ا أدى ذل ك إلى التواف ق النفس ي‪ ،‬في حين أن ع دم االتس اق بين مفه وم ال ذات و الخ برات‬

‫التي يواجهها الفرد و التي ال تتسق مع مفهومه عن ذاته يدركها الفرد على أنها تمثل تهديدًا له و من ثم‬

‫يعمل على تحريفها أو تجاهلها و يشعر عندئذ بالقلق و التوتر‪ ،‬و لخفض ذلك القلق و التغلب عليه يلجأ‬

‫الف رد إلى ميكانزم ات دف اع و إذا فش لت ال دفاعات أص بح الف رد عرض ة للقل ق و ل ذلك يس عى اإلرش اد‬

‫المتمركز حول العميل إلى إحداث تغيير في مفهوم الذات لديه ليشمل كل الخبرات التي يدركها الفرد‪.‬‬

‫و تعت بر نظري ة " روج رز" من أك ثر النظري ات وض وحًا في ف ترة المراهق ة‪ ،‬و ذل ك ألن المراه ق كفتى‬

‫ناشئ محدود الخ برات معرض لإلحباط‪ ،‬و فقدان اتزان ه القديم بسبب ما يعتري ه من تغ يرات نفسية و‬

‫جسمية و من ثم يسعى جاهدًا للتعرف على ذاته من جديد و هو في بحثه عن ذاته ينتابه القلق و يدفعه‬

‫قلقه عليها للدخول في اختيارات ليكتشفها‪ (.‬أبو بكر مرسي ‪2002‬ص‪)105‬‬

‫‪138‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫سادسًا‪ :‬القلق من المنظور المعرفي‪:‬‬

‫‪ ‬النموذج المعرفي للقلق عند " أرو ن بيك"‬

‫يعت بر النم وذج المع رفي عن د " بي ك" أك ثر النم اذج المعرفي ة تفس يرًا للقل ق‪ ،‬إذ ي رى أن توق ع الخط ر أو‬

‫الش ر ه و المك ون األساس ي المم يز لمرض ى القل ق حيث يتوق ف القل ق بص فة أساس ية على كيفي ة إدراك‬

‫الفرد و تقديره للخطر الكامن في الموقف‪ ،‬فالتعرض للخطر هي الفكرة التي تهيمن على الشخص القلق‬

‫إذ يس يطر على تفك ير م ريض القل ق فك رة مفاده ا وج ود خط ر يته دده فه و يتوق ع أح داثًا مؤلم ة ل ه أو‬

‫ألسرته أو لممتلكاته أو لمركزه و مكانته و غيرها‪ ،‬و كثيرًا من مرضى القلق يتركز خوفهم على األذى‬

‫النفس ي فيك ون اله اجس الغ الب عليهم أن اآلخ رين س وف يرفض ونهم‪ ،‬فتوقع ات األذى الب دني و النفس ي‬

‫ترتبط بالقلق‪.‬‬

‫و تتجلى مظاهر اضطراب التفكير لدى مرضى القلق في عدة جوانب هي‪:‬‬

‫‪ ‬أفكار متكررة عن الخطر‪ ،‬فمريض القلق يكون موضوع الخطر هو المسيطر عليه‪.‬‬

‫‪ ‬نقص القدرة على تغيير األفكار المؤلمة و المخيفة‪.‬‬

‫‪ ‬تعميم المث يرات حيث يتس ع مج ال المث يرات الباعث ة على القل ق لدي ه بحيث يمكن ألي ص وت أو‬

‫حركة أو تغير بيئي أن يدرك بوصفه خطرًا عليه‪ ،‬و على هذا فإن تفكير مريض القلق يكون في اتجاه‬

‫التوق ع المس تمر للخط ر مم ا يجع ل الف رد في حال ة ت وجس مس تمر في ك ل م ا يواجه ه ومن ثم يكون في‬

‫حالة قلق مستمر‪ (.‬طه عبد العظيم ‪2007‬ص‪)38‬‬

‫‪139‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و على هذا األساس فإن القلق العصابي من المنظور المعرفي عند " بيك" ينتج عن أفكار تلقائية سلبية و‬

‫تفس يرات خاطئ ة يكونه ا الف رد القل ق عن ذات ه و عن الع الم و عن مس تقبله و غالب ًا م ا تك ون مرتبط ة‬

‫بالخطر و التهديد أيا كان نوع هذا الخطر مادي ًا أو معنوي ًا‪ ،‬و خاص ًة عندما يتعلق بالمجال الشخصي‬

‫للفرد‪ ،‬و إذا كان الشخص السوي يستطيع التوافق أو مواجهة المثيرات الباعثة على الخطر فإن مرضى‬

‫القل ق العص ابي ال يمكنهم ذل ك ب ل يتزاي د القل ق ل ديهم‪ ،‬و الف رق في االس تجابة بينهم ا هي أن الش خص‬

‫السوي لديه القدرة على أن يقرر أن هذا المثير أو الحدث المؤلم الذي يتعرض له ليس هو إنذار بخطر‬

‫فعلي و من ثم فسرعان ما ينخفض القلق لديه‪.‬‬

‫و لقد أوضحت الدراسات التي قام بها " جرينبرج" و بيك" أن التكوين المعرفي الذي يتسم بتوقع الفرد‬

‫للمخ اطر و الش عور بالتهدي د النفس ي و الجس مي و االجتم اعي يرتب ط ب القلق‪ ،‬بينم ا األفك ار ال تي تعكس‬

‫فق دان األم ل و الح زن و التش اؤم و ع دم القيم ة و ع دم الكف اءة و االتج اه الس لبي نح و ال ذات و الع الم و‬

‫المستقبل هذا التكوين المعرفي يرتبط باالكتئ اب‪ ،‬و أن خبرات الفشل المرتبط ة باالكتئاب ترتبط أكثر‬

‫بأحداث الماضي‪ ،‬بينما أفكار الفشل المرتبطة بالقلق ترتبط بالخوف من توقع الفشل في المستقبل‪.‬‬

‫و في تط بيق الثالثي المع رفي على القل ق ن اقش " بي ك" و " إم ري" ‪ 1985‬ذل ك موض حين أن مرض ى‬

‫القل ق ي رون أنفس هم عرض ة للخط ر و الهج وم و االنتق اد يميل ون للمبالغ ة في تق دير كم الخط ر في‬

‫الموقف‪ ،‬و يرون الع الم كتهديد و مكان غير آمن و ي رون أن المس تقبل ال يمكن التنبؤ ب ه و أن ه ح افز‬

‫بالخطر‪ ،‬و يمكن توضيح محتوى التفكير في القلق و أعراض القلق الناجمة عنه على النحو التالي‪:‬‬

‫‪‬رؤي ة ال ذات كعرض ة للخط ر و االنتق اد و تب دو في األع راض التالي ة‪ :‬قل ق‪ ،‬نقص ثق ة ب النفس‪،‬‬

‫التجنب‪.‬‬

‫‪ ‬رؤية العالم كتهديد له و تبدو في األعراض التالية‪ :‬زيادة االعتمادية‪ ،‬األعراض التلقائية‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬رؤي ة المس تقبل بوص فه ال يمكن التنب ؤ ب ه و تب دو في األع راض التالي ة‪ :‬اض طراب الن وم‪ ،‬فق دان‬

‫المبادأة ضعف التركيز‪ ،‬التيقظ أو الحذر المفرط‪.‬‬

‫و يمكن توضيح النموذج المعرفي للقلق على النحو التالي‪:‬‬

‫االستجابة‬ ‫التوسط‬ ‫المثير‬

‫خبرة القلق الذاتية‬ ‫مخططات‬ ‫(موقف يثير القلق)‬

‫االس تثارة و التيق ظ األوتوماتكي ة‬ ‫عملي ات معرفي ة‬

‫الكف السلوكي‬ ‫نواتج معرفية‬

‫(التقدير األولي و الثانوي)‬

‫و هكذا فإن مرضى القلق يظهرون تفكيرً و صوًر عقليًة مرتبطة بفكرة الخطر‪ ،‬و من ثم فهم يستجيبون‬

‫للمواقف كما لو كانت خطرة أو تهديدية‪ ،‬بينما في الواقع ال يوجد خطر حقيقي و فعلي أو يوجد خطر‬

‫قليل‪.‬‬

‫‪‬النموذج المعرفي للقلق عند " الزاروس"‬

‫‪Lazarus‬في نموذجه المعرفي للقلق بين عمليتين أساسيتين و هما التقييم‬ ‫لقد ميز " الزاروس"‪1966‬‬

‫األولي و الث انوي‪ ،‬و يش ير التق ييم األولي إلى تق دير الف رد للموق ف على أن ه تهدي دي‪ ،‬في حين يتك ون‬

‫التقييم الثانوي من تقدير الفرد لما لديه من مصادر و إمكانات داخلية أو خارجية تكون الزمة للتعامل‬

‫‪141‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫مع الموقف‪ ،‬و أن هذه التوليف ة من التقييمات بش أن التهديد المحتم ل و موارد و مص ادر التوافق تحدد‬

‫مدى قلق الفرد في موقف معين‪ ،‬و هذا يعني أنه كي يستطيع مريض القلق تحديد الموقف كخط ر يتعين‬

‫علي ه أن يتع رف على الموق ف كش يء مه دد و يق در م دى احتمالي ة الض رر و م دى اقتراب ه و ش دته‪ ،‬و‬

‫يأتي بعد ذلك التقييم الثانوي و فيه يزن الفرد قوته الدفاعية أي قدرته على إبطال الخطر و احتوائه و‬

‫بق در م ا تك ون الغلب ة للق وى المه ددة يك ون حجم الخط ر الم درك و بالت الي ش دة القل ق الن اجم عن ه ذه‬

‫التقييم ات‪ ،‬ف التقييم األولي يتم من خالل ه تفس ير الح دث على أن ه ايج ابي أو على أن ه س لبي‪ ،‬و ق د يك ون‬

‫التقييم األولي سلبيًا و يسبب ضررًا أو تهديدًا للفرد و عادة ما يصاحب التقييم السلبي انفعاالت سلبية‬

‫كالخوف و الغضب‪.‬‬

‫و يت أثر التق ييم األولي بن وعين من العوام ل هم ا العوام ل الشخص ية و العوام ل الموقفي ة‪ ،‬أم ا العوام ل‬

‫الشخص ية فتش مل االعتق ادات و االفتراض ات ل دى الف رد‪ ،‬في حين أن العوام ل الموقفي ة تش مل طبيع ة‬

‫الحدث أو التهديد و ما إذا كان الحدث أو الموقف الذي يتعرض له الفرد مألوف ًا أم غير مألوف‪ ،‬و ما‬

‫هي احتم االت حدوث ه و ال وقت المتوق ع في ه‪ ،‬أم ا التق ييم الث انوي يقص د ب ه تق ويم إمكان ات التعام ل أو‬

‫مواجه ة األح داث المؤلم ة‪ ،‬و يت أثر التق ييم الث انوي بق درات و إمكان ات الف رد الجس مية و االجتماعي ة و‬

‫النفسية‪ ،‬ومن أمثلة اإلمكانات أو الموارد البدنية صحة الفرد و طاقته و قدرته على التحمل‪ ،‬أما الموارد‬

‫االجتماعية فإنها تمثل شبكة العالقات االجتماعية للفرد و حجم المساندة و الدعم المقدم له سواء أكانت‬

‫مس اعدات مادي ة أو معنوي ة‪ ،‬و تش مل اإلمكان ات النفس ية اعتق ادات الف رد و مه ارات ح ل المش كالت و‬

‫تق دير ال ذات و ال روح المعنوي ة لدي ه‪ ،‬أم ا الم وارد و اإلمكان ات المالي ة فهي تش ير إلى األش ياء المادي ة‬

‫كالمال و األدوات و التجهيزات‪.‬‬

‫و لق د أض اف " الزاروس" إلى عملي ة التق ييم األولي و الث انوي عملي ة ثالث ة و هي إع ادة التق ييم و هي‬

‫العملية التي من خاللها يعيد الفرد تقييم الطريقة التي يدرك بها الموقف و مواجهته للموقف حيث يط ور‬

‫‪142‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و ينمي من أس اليب مواجهت ه للموق ف أو يس تمر في ه ذه األس اليب أو يغيره ا وفق ًا لم دى إدراك ه ه ذه‬

‫األساليب‪(.‬طه عبد العظيم ‪2007‬ص ‪)44‬‬

‫‪ 7‬ـ ‪ 4‬أسباب القلق‪:‬‬

‫لق د اختل ف علم اء النفس في قض ية القل ق ومس بباته‪ ،‬فمن العلم اء من يعتق د أن القل ق ينتج عن عوام ل‬

‫داخلية أي داخل الفرد‪ ،‬ومنهم من يعتقد أنها عوامل خارجية ومنهم من يرى غير ذلك‪.‬‬

‫ولكن نج د "الزع بي" ‪ 1997‬يعت بر أن القل ق من المش كالت الش ائعة ل دى الكث ير من الن اس ‪ ،‬وبص ور‬

‫متعددة ولكنه يظهر دون سبب واضح وينتهي إلى عجز بالغ يعوق الشخص ويعرض صحته النفسية‬

‫للخطر ‪.‬‬

‫ومن العلم اء الب احثين من ع ارض ذل ك ال رأي؛ فمثًال نج د أن كًال من "الس باعي وعب د ال رحيم"‪1995‬‬

‫يعتق دان أن للقل ق أس بابًا معين ة ومن أهمه ا ‪ :‬ال بيت ال ذي يس وده الش قاق أو س وء التف اهم ‪ ،‬أو إهم ال‬

‫األب وين ألطفالهم ا‪ ،‬وك ذلك المجتم ع ال ذي يرك ز قيم ه على التف وق الم ادي‪ ،‬والص راع من أج ل البق اء‪،‬‬

‫ومطامع اإلنسان وآماله عندما تتعدى قدراته ‪ ،‬ورغبات اإلنسان عندما تتعارض مع الفضيلة واألخالق‬

‫والضمير ‪.‬‬

‫ومن العلماء من اعتبر أن هناك أسبابًا للقلق من الناحية الدينية و ذكروا منها‪:‬‬

‫‪ ‬عدم االستيعاب لحقيقة الصلة بين اإلنسان وبين اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪ ‬عدم وضوح أهمية الهدف من رسالة اإلنسان‪.‬‬

‫‪ ‬التعرض للنقد والتشكيك وانخفاض معنويات اإلنسان‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬التفكير المستمر والمتأزم بالحياة المعيشية والمستقبل المعيشي‪( .‬صالح إسماعيل ‪2010‬ص‪)33‬‬

‫وهناك من كان واضحًا في قضية األسباب الدافعة للقلق وذكروا الكثير من تلك األسباب ‪ ،‬ونذكر منها‬

‫ما حدده كل من" زهران" ‪1982‬و "شارلز وميلمان" ‪1989‬حيث اعتبروا أن أسباب القلق تكمن في‬

‫اآلتي‪:‬‬

‫‪ ‬فقدان الشعور باألمن لدى الفرد‪.‬‬

‫‪ ‬اإلحباط المستمر والشعور بالذنب ‪.‬‬

‫‪ ‬االستعداد النفسي والضعف النفسي العام‪.‬‬

‫‪ ‬مواقف الحياة الضاغطة ‪.‬‬

‫‪ ‬التعرض للحوادث والخبرات الحادة ‪.‬‬

‫‪ ‬مشكالت الطفولة والمراهقة والشيخوخة‪.‬‬

‫‪ ‬االستعداد الوراثي في بعض الحاالت ‪.‬‬

‫ويتضح مما سبق اختالف وجهات النظر بين العلماء في تحديد وحصر األسباب المؤدية للقلق وربما‬

‫ينبع ذلك من تعقد مفهوم القلق وصعوبة تحديده الدقيق‪ ،‬ولكن أيًا كان منطلق العلماء في تحديد األسباب‬

‫المؤدي ة للقل ق؛ فإن ه يعت بر بمثاب ة اجته اد لمحاول ة التوص ل لألس باب الحقيقي ة الكامن ة وراء القل ق وذل ك‬

‫لمحاولة العمل على تجنبها قدر اإلمكان ‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ ‪ :5‬أعراض القلق‪:‬‬

‫يعاني الشخص القلق من مجموعة من األعراض الفسيولوجية و السيكوباثولوجية و من بين األعراض‬

‫الجسمية التي يصاب بها الشخص القلق ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬اضطراب نشاط القناة الهضمية‪.‬‬

‫‪ ‬زيادة سرعة ضربات القلب و ضخ الدم بشدة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬قلة إفراز اللعاب‪.‬‬

‫‪ ‬قلة الدم المندفع من الجلد مما يسبب الشحوب‪.‬‬

‫‪ ‬زيادة احتمال تجلط الدم‪.‬‬

‫‪ ‬اتساع حدقة العين‪.‬‬

‫‪ ‬زيادة نشاط الغدة األدرينالية‪.‬‬

‫‪ ‬زيادة نشاط الغدة العرقية‪ (.‬فهد بن حامد ‪2007‬ص‪)29‬‬

‫و هن اك ع دد آخ ر من االض طرابات الفس يولوجية و ال تي من بينه ا ب رودة األط راف و ارتجافه ا و‬

‫خصوص ًا األي دي‪ ،‬و اض طرابات الن وم‪ ،‬و اض طرابات التنفس‪ ،‬فق دان الش هية‪ ،‬و الص داع و الش عور‬

‫بال دوار و الدوخ ة‪ ،‬كم ا يش اع أيض ًا أالم الرقب ة و الظه ر‪ ،‬و ح دوث الرعش ة‪ ،‬و األلم عن د القي ام ب أي‬

‫حرك ة و في بعض األحي ان يظهر عدم االستقرار في اإلتي ان بالحرك ة الدقيقة‪ ،‬و حدوث أيض ًا الرجف ة‬

‫في الصوت‪ .‬يضاف إلى ذلك حدوث اضطرابات في الوظائف الجنسية عند الرجل و األنثى‪.‬‬

‫أم ا االض طرابات الس يكوباثولوجية فتظه ر في الش عور ب الخوف الش ديد‪ ،‬و توق ع األذى و المص ائب‪ ،‬و‬

‫عدم القدرة على التركيز و االنتباه‪ ،‬و اإلحساس الدائم بتوقع الهزيمة و العجز و عدم الثقة و الطمأنينة‬

‫و الرغبة في الهروب من الواقع عند مواجهة أي موقف من مواقف الحياة‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ ‪ :6‬طرق قياس القلق‪.‬‬

‫يع د القل ق س مة من س مات الشخص ية و ال ذي يمكن قياس ه كغ يره من الّس مات و هن اك طريقت ان لقي اس‬

‫القلق‪:‬‬

‫‪ ‬الطــرق اإلســقاطية‪ :‬يع رض الف احص على المفح وص في ه ذه الطريق ة مث ير غ امض و يطلب من ه‬

‫تفسيره و االستجابة له و من بين أشهر االختبارات اإلسقاطية نجد‪:‬‬

‫‪ ‬اختبار رورشاخ‪Rorchach :‬‬

‫‪145‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و هو عبارة عن بقع حبر مختلفة األشكال في عشرة ألواح تقدم للمفحوص الواحدة تلوى األخرى‪ ،‬مع‬

‫تق ديم تعليم ة االختب ار للفح وص لإلدالء بأحاسيس ه و مخاوف ه من خالل ه ذه األل واح‪ ،‬و ق د أنش أ ه ذا‬

‫االختبار من طرف السيكياتري السويسري " هيرمان رورشاخ" سنة ‪1920‬‬

‫‪ ‬اختبار تفهم الموضوع‪T.A.T :‬‬

‫يتك ون االختب ار أص ًال من ‪ 31‬لوح ة تش مل مش اهد في وض عيات مختلف ة‪ ،‬و على ظه ر ك ل لوح ة رقم‬

‫يشير إلى ترتيبها ضمن اللوحات األخرى للرائز‪ ،‬و أحرف باللغة اإلنجليزية تشير إلى الفئة التي تقدم‬

‫لها اللوحة‪ ،‬حيث تقدم للمفحوص الواحدة تلوى األخرى كذلك بعد إعطاء التعليمة الالزمة و المحددة‬

‫ومن خالل هذه اللوحات يروي المفحوص قصته التي من خاللها يسقط أحاسيسه و مخاوفه‪.‬‬

‫و قد أنشأ هذا االختبار سنة ‪ 1935‬من طرف الطبيب البيوكيميائي " هنري موراي‪.‬‬

‫‪ ‬الطرق الموضوعية‪:‬‬

‫يتبع مصّم م االختبار في هذه الطريقة أسلوب االستعانة بتقارير عن سلوك الفرد فيقوم بوضع أسئلة أو‬

‫عبارات تمثل الموضوع أو المظاهر المختلفة للسمة المراد قياسها و هي ما يعرف باالستبيان‪.‬‬

‫و اكتشفت هذه الطريقة خالل الحرب العالمية األولى من طرف العالم " وود ورث" ‪ Wood Warth‬و‬

‫ال ذي وض ع مجموع ة من األس ئلة تش به تل ك ال تي يض عها أو يس ألها األخص ائيون النفس انيون لفحص‬

‫الجنود من الناحية االنفعالية‪(.‬محدب رزيقة ‪2011‬ص‪)67‬‬

‫و من جملة هذه االختبارات ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬مقياس القلق العام‪ :‬وضع "كاتل" ‪ Cattle,R.B‬مقياس ًا للقلق العام و نقلته إلى اللغة العربية " سمية‬

‫أحمد فهمي" و هذا المقياس أداة لقياس مستوى القلق بطريقة سريعة و موضوعية و مقننة و يمكن‬

‫‪146‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تطبيقه على جميع المستويات التعليمية‪ ،‬و هو مالئم لألعمار من ‪ 14‬أو ‪ 15‬عام ًا فأكثر و على امتداد‬

‫مرحلة الرشد‪ ،‬و يمكن تطبيقه فردي ًا أو جماعي ًا‪ ،‬كما يصحح بسهولة من خالل مفتاح وضع خصيص ًا‬

‫حتى تكون عملية التصحيح موضوعية‪( .‬فاروق السيد عثمان ‪2001‬ص ‪)70‬‬

‫‪ ‬قائم ة حال ة وس مة القل ق‪ :‬ق ام بإع داد قائم ة حال ة و س مة القل ق ك ل من " س بيلبرجر و جورسش ن"‬

‫‪ Spielberger, Gorsuchusene1970‬و أطلقوا على هذه القائمة ‪,‬استفتاء تحليل الذات‪ ,‬و نقلتها إلى‬

‫العربي ة " أمين ة ك اظم" ‪ 1978‬و " أحم د عب د الخ الق" و " عب د ال رقيب البح يري" و يتك ون مقي اس س مة‬

‫القلق لهذه القائمة من عشرين عبارة يطلب لكل من مقياس حالة القلق و سمة القلق‪ ،‬و تتطلب التعليمات‬

‫فيها من األفراد أن يوضحوا كيف يشعرون في لحظة معينة من الزمن‪.‬‬

‫‪‬مقياس القلق االجتماعي‪:‬‬

‫القل ق االجتم اعي حال ة من الت وتر تنتج عن التوق ع أو الح دوث الفعلي للتق ييم في مواق ف التفاع ل‬

‫الشخصي التخلية أو الحقيقية‪ ،‬و يشتمل القلق االجتماعي على مكونيين أساسيين هما‪:‬‬

‫‪ ‬قلق التفاعل‪ :‬و هو عبارة عن القلق الناشئ عن التفاعل بين الفرد و اآلخرين و هو يحدث نتيجة‬

‫الخجل أو المواعدة‪ ،‬أو التفاعل مع أناس جدد او غرباء‪.‬‬

‫‪ ‬قلق المواجهة‪ :‬و هو عبارة عن القلق الناشئ عن المواجهة غير المتوقعة و يظهر ذلك من خالل‬

‫التحدث و االتصال‪.‬‬

‫و قد قدم " ليري" ‪ Leary 1983‬مقياس القلق االجتماعي‪ ،‬و يتكون المقياس من ‪ 27‬عبارة و أمام كل‬

‫عبارة سبعة بدائل و على المفحوص اختيار بديل واحد أمام كل عبارة‪ ،‬و يشتمل المقياس على جانبين‬

‫‪147‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و هم ا األول‪ :‬ال ذي يعكس تقري رًا ذاتي ًا ب القلق مث ل العص بية و الت وتر و ع دم اإلرتي اح و الخج ل و‬

‫االنزعاج‪ .‬أما الثاني‪ :‬فهو يتعامل مع خبرة القلق في المواقف ذات الطابع االجتماعي‪ ،‬و قدم المقياس‬

‫إلى العربية كل من الدكتور " محمد السيد عبد الرحمان" و الدكتورة " هانم علي عبد المقص ود " ‪1994‬‬

‫و الدكتور " هارون الرشيدي" ‪.1997‬‬

‫‪ ‬مقياس قلق التصور المعرفي‪:‬‬

‫وضع هذا المقي اس " فالين و آخرون" ‪ Vlaeywn et al 1990‬لقياس القلق من المنظور المعرفي و‬

‫بالتحدي د الع زو الس ببي و تق ييم إدراك ات األلم و التق ييم المع رفي و األخط اء المنطقي ة في األفك ار و‬

‫االس تنتاجات المنحرف ة و غ ير المنطقي ة‪ ،‬و ق دم ه ذا المقي اس إلى العربي ة ال دكتور " ه ارون توفي ق‬

‫الرش يدي"‪ .‬و يتك ون المقي اس من ‪ 30‬عب ارة‪ ،‬و تتطلب ه ذه العب ارات أن يخت ار المفح وص إجاب ة من‬

‫أربعة إجابات‪ (.‬المرجع السابق ‪ 2001‬ص ‪)97‬‬

‫‪ 7‬ـ ‪ :7‬عالج القلق‪.‬‬

‫يعتبر القلق من أكثر االضطرابات االنفعالية استجابة للعالج‪ ،‬و يختلف العالج حسب شخصية الفرد و‬

‫درجة شدة القلق‪ ،‬و كذا اإلطار النظري للمعالج‪ ،‬فيأخذ بذلك عدة أنواع‪:‬‬

‫‪ ‬التربيــة النفســية‪ Psychoeducation :‬التربي ة النفس ية هي ج انب مهم في عالج اض طراب القل ق‬

‫بك ل أنواع ه و درج ة حدت ه‪ ،‬و هي تتض من تزوي د المراه ق المص اب ب القلق و والدي ه بمعلوم ات عن‬

‫اض طراب القل ق كتحدي د ن وع القل ق و أس بابه‪ ،‬ه ل هي أس باب راجع ة للتغ يرات في المخ أم الجين ات أم‬

‫البيئة أم تفاعل هذه العوامل فيما بينها‪p 9) 2012 (Siegel and Dickstein.‬‬

‫و كذلك توضيح األعراض الجسمية للقلق مثًال تسارع نبضات القلب‪ ،‬آالم الرأس‪ ،‬آالم المعدة‪...‬الخ‬
‫إضافًة إلى التعرف على الوضعيات المثيرة و المرتبطة بالقلق و نوع االستجابة المصاحبة لتجنب القلق‬
‫و تكون هذه التقنية مصاحبة لعالجات أخرى و التي نذكر منها‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬العالج السلوكي‪ :‬يقوم العالج السلوكي على مسلمة بأن القلق يحدث نتيجة في اشتراط خ برة ماض ية‬

‫حدثت للمريض تثير لديه القلق‪ ،‬و جهد المعالج السلوكي ينصب على فك هذا االشراط من خالل‬

‫اس تخدام تقني ات العالج الس لوكي كالتحص ين الت دريجي أو الغم ر‪ ،‬وغيره ا ذل ك بت دريب م ريض القل ق‬

‫العصابي على استجابات االسترخاء العضلي في حضور مثيرات القلق حضورًا تخيليًا أو واقعيًا‪.‬‬

‫‪ ‬العالج المعــرفي الســلوكي‪ :‬ته دف العالج ات المعرفي ة الس لوكية إلى تغي ير الس لوك من خالل تغي ير‬
‫األفك ار المؤدي ة ل ه‪ ،‬و على ه ذا األس اس تق وم العالج ات المعرفي ة الس لوكية باإلض افة إلى التقني ات‬
‫السلوكية المذكورة آنفًا إلى إدخال تقنيات معرفية في عالج القلق منها تقنية إعادة البناء المعرفي و هي‬
‫تعليم المريض كيف يتبنى طرقًا أخرى في التفكير كإدراكه عدم إمكانية التحكم في سلوكات اآلخرين أو‬
‫أنه يستطيع قراءة أفكار اآلخرين‪.‬‬
‫‪ ‬العالج الكيميــائي‪ :‬ه و تق ديم العق اقير المهدئ ة للف رد و ال تي يطل ق عليه ا ‪ Tranquillisant‬و أهمه ا‬
‫مشتقات ‪ Benzodiazepine‬و منها الفاليوم ‪ Valium‬و تمستا ‪ Temesta‬و غيرها و الهدف منها هو‬
‫األثر المهدئ الذي تحدته على الجهاز العصبي حيث تخفف من القلق كما تتسبب في استرخاء عض الت‬
‫الجسم‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ السلوك العدواني‪:‬‬

‫يعتبر السلوك العدواني واحدًا من الخصائص التي يتصف بها الكثير من المراهقين المضطربين سلوكيًا‬

‫و يتجلى ه ذا الع دوان في الكث ير من المظ اهر الس لوكية منه ا الض رب و القت ال و الص راخ و الش تم و‬

‫رفض األوامر و التخريب المتعمد و التمرد على السلطة األبوية و الخروج عن المعايير األسرية‪...‬الخ‬

‫و من هذا المنطلق فقد انصب اهتمام الباحثين على دراسة السلوك العدواني و ذلك أن النتائج المترتبة‬

‫عليه تعد أكثر خطرًا على المجتمع من النتائج المترتبة على نتائج السلوكات األخرى التي يتصف بها‬

‫الكثير من المراهقين المضطربين سلوكيًا و انفعاليًا‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 1‬تعريف السلوك العدواني‪ :‬لق د اختلفت تعريف ات الس لوك الع دواني و تع ددت‪ ،‬فلم يتف ق الب احثون‬

‫على تعري ف مح دد ل ه‪ ،‬مم ا ي وحي ب أن الع دوان س لوك معق د‪ ،‬و أس بابه كث يرة و متش ابكة‪ ،‬و تص نيفاته‬

‫عديدة كذلك‪(.‬ياسين مسلم ‪ 2002‬ص‪)20‬‬

‫حيث عرف ه " دوالرد و زمالؤه" ‪ Dollard et al‬بأن ه الس لوك ال ذي يس تهدف إلح اق األذى بش خص‬

‫آخر‪.‬‬

‫و يعرف " بنتون" ‪ Benton 1984‬السلوك العدواني‪ :‬بأنه االعتداء المادي نحو اآلخرين المشتمل على‬

‫الهج وم أو الض رب‪ ،‬وم ا يعادل ه من اعت داء معن وي‪ ،‬كاإلهان ة و االزدراء‪ ،‬كم ا أن ه محاول ة لتخ ريب‬

‫ممتلك ات اآلخ رين‪ ،‬و ه و أيض ًا س لوك يحم ل ع واقب مخرب ة تتض من ت دمير ال ذات كاالنتح ار أو إي ذاء‬

‫الذات‪.‬‬

‫(الحميدي محمد ‪ 2003‬ص‪)35‬‬

‫و ق د ع رف " بي نينجر" ‪ Baenninger 1994‬الس لوك الع دواني بأن ه س لوك ب دني أو لفظي يقص د ب ه‬

‫إلحاق األذى أو الضرر‪.‬‬

‫كما يعرفه " هار كافري" ‪ Har Kvery 1994‬بأنه سلوك يتسم بالهجوم البدني أو اللفظي‪.‬‬

‫أم ا "س تيوارت س وثرالند" ‪ Sutherland 1991‬ق د ع رف الس لوك الع دواني على أن ه محاول ة متعم دة‬

‫للتغلب على اآلخرين‪ ،‬أو إيقاع األذى بالذات وهو إما أن يكون فطريًا أو رد فعل لإلحباط‪.‬‬

‫و يعرف ه " ف ؤاد البهي" ‪1980‬أن ه االس تجابة ال تي تعقب اإلحب اط و ي راد به ا إلح اق األذى بف رد آخ ر أو‬

‫حتى بالفرد نفسه‪.‬‬

‫و يعرف ه " زي دان محم د مص طفى" بأن ه يعت بر من النت ائج المباش رة الهام ة لإلحب اط‪ ،‬ف الفرد في س عيه‬

‫لتحقيق هدف من أهدافه ينزع عادة إلى االعتداء إذا ما قام عائق في سبيل تحقيقه لهذا الهدف‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و يعرفه "الفنجري "‪ 1987‬أنه ذلك السلوك الظاهر و المالحظ الذي يهدف إلى إلحاق األذى باآلخر أو‬

‫بالذات‪ ،‬و يعتبر هذا السلوك تعويضًا عن اإلحباط الذي يعانيه الشخص المعتدي‪.‬‬

‫(ياسين مسلم ‪2002‬ص ‪)21‬‬

‫و تعرف " صوان" ‪ 1987‬السلوك العدواني بأنه سلوك علني ظاهر يمكن مالحظته و تحديده و قياسه‬

‫و هو إما يكون سلوكًا بدنيًا أو سلوكًا لفظيًا‪ ،‬مباشر أو غير مباشر‪ ،‬تتوفر فيه االس تمرارية و التك رار و‬

‫يعبر عن انحراف الفرد عن معايير الجماعة مما يترتب عله إلحاق األذى البدني و النفسي و المادي‬

‫باآلخرين أو بالنفس‪ ،‬و يختلف في مسبباته و مظاهره و حدته من فرد آلخر و من مجتمع آلخر‪.‬‬

‫و ق د أش ار" ج ابر" إلى أن الس لوك الع دواني يك ون م دفوعًا بالغض ب و الكراهي ة أو المنافس ة الزائ دة و‬

‫يتجه إلى اإليذاء و التخريب أو هزيمة اآلخرين‪ ،‬و في بعض الحاالت يتجه إلى الذات‪.‬‬

‫و تعرفه " سالمة" ‪ 1984‬بأنه الشعور الداخلي بالغضب و االستياء و العداوة‪ ،‬و يعبر عنها ظاهري ًا في‬

‫صورة فعل أو سلوك يقصد به إيقاع األذى و إلحاق الضرر أو شيء من هذا القبيل‪ ،‬كما يوجه أحيان ًا‬

‫إلى الذات و يظهر في شكل عدوان لفظي أو بدني‪ ،‬كما يتخذ صورة التدمير أو إتالف األشياء‪.‬‬

‫(الحميدي محمد ‪2003‬ص‪)36‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 2‬الفرق بين السلوك العدواني و المصطلحات األخرى ذات الصلة‪:‬‬

‫* السلوك العدواني و العنف‪:‬‬

‫حسب " جون بياجيه" العنف ال يحمل أي معنى للسلوك العدواني و ليس مرادًف له‪ ،‬و اصطالحًا العنف‬

‫ال يعني الرغبة في إلحاق الضرر باآلخر‪ ،‬فالعنف طبيعي و ضروري لبقاء اإلنسان حيًا‪ ،‬و هو موجود‬

‫من ذ ال والدة في الطبيع ة اإلنس انية‪ ،‬حيث يعت بر ك ّر د فع ل تلق ائي و ب دائي لل دفاع ض د أي خط ر يه دد‬

‫العضوية بصفة حيوية‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫حيث يدافع الفرد عن نفسه و ال يلي أي اهتمام بالموضوع الذي يرمي عليه سلوكاته العنيفة فما يهمه‬

‫هو المحافظة على نفسه فهذه العملية ال تجلب للفرد أي إشباع أو لذة ( كروش نوال ‪ 2011‬ص ‪)108‬‬

‫و يفرق العيسوي (‪ )1998‬بين العنف والعدوان‪ ،‬و يرى أن العنف قد يكون في سبيل الدفاع الشرعي‬

‫أو لتحقيق أهداٍف مشروعة كالحروب الدفاعية‪ ،‬أو التخلص من عدواٍن واقع‪.‬‬

‫( ياسين مسلم ‪ 2002‬ص ‪)24‬‬

‫*السلوك العدواني و الغضب‪:‬‬

‫الغض ب اس تجابة انفعالي ة داخلي ة تتض من ش عورًا بالتهدي د‪ ،‬وردود فع ل أدرينالي ة‪ ،‬ته يئ الف رد لالعت داء‬

‫على مصادر تهديده‪.‬‬

‫ويرى" قرقز " أن الغضب هو الغيظ والسخط واالنفعال‪ ،‬وهو ضد الرضا وهو حالة من االضطراب‬

‫العصبي‪ ،‬وعدم التوازن الفكري تحل باإلنسان إذا اعتدى عليه أحد بالكالم أو غيره‪.‬‬

‫إّال أن هناك بعض العلماء أظهر الفرق بين العدوان والغضب منهم " كولز " ‪ Coles‬حيث يرى‪ :‬أنه‬

‫يمكن للش خص أن يك ون ع دوانيًا دون أن يش عر بالغض ب‪ ،‬كم ا أن ه يش عر بالغض ب دون أن يك ون‬

‫عدوانيًا‪.‬‬

‫*السلوك العدواني و العدائية‪:‬‬

‫اهتم العلماء بمفهومي العدوان و العدائية و التمييز بينهما و نتج عن ذلك رؤى متعددة‪ ،‬فيرى " بيك" (‬

‫‪ Beck )1979‬أن كال من العدائية و العدوانية تمثالن المشاعر و االتجاهات السالبة عن اآلخرين أو‬

‫العالم من حولهم و عن الذات‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و هن اك من الب احثين من يم يز بين المفه ومين على أس اس أن مفه وم الع دوان يش ير إلى تق ديم منبه ات‬

‫منف رة أو مؤدي ة إلى اآلخ رين بينم ا يش ير الع داء إلى االتجاه ات العدواني ة ذات الثب ات النس بي‪ ،‬و ال تي‬

‫تعبر عنها بعض االستجابات اللفظية التي تعكس مشاعر سلبية ( نية غير حسنة) أو تقويمات سلبية‪ ،‬و‬

‫على ذلك فالمشاعر العدائية تشير إلى االتجاه الذي يقف خلف السلوك‪ ،‬بينما يشير العدوان إلى السلوك‬

‫الذي يوجه إلى شخص آخر أو موضوع معين‪.‬‬

‫و يشير " ربرت" ‪ Reber‬إلى أن العدائية حالة انفعالية مزمنة نسبيًا تتميز بالمعاداة لآلخرين‪ ،‬و تكشف‬

‫عن نفسها في صورة رغبة في إيذائهم أو تسبب األلم لهم‪.‬‬

‫أم ا " آم ال باظ ة "( ‪ )2003‬فتعت بر العدائي ة عدواني ة كامن ة يتم التعب ير عنه ا بص ورة ض منية و غ ير‬

‫صريحة‪ ،‬دون مهاجمة أو تحطيم كما في السلوك العدواني المباشر و تعد جزًء من العقابية العامة لدى‬

‫الف رد و تأخ ذ في اتجاهه ا ص وًر منه ا‪ :‬نق ذ ال ذات‪ ،‬و نق ذ اآلخ رين‪ ،‬و العدائي ة الص ريحة‪ ،‬و مش اعر‬

‫الذنب‪ ،‬و العدائية الهذائية المسقطة‪.‬‬

‫و قد توصل " هافرن" (‪ ( 2009Havern‬في دراسته إلى أنه ال توجد فروق بين اإلناث و الذكور في‬

‫العدوان الصريح‪ ،‬بينما ترتفع درجات العدوان الكامن لدى اإلناث‪ (.‬ريما عبد الرحمان‪ 2009‬ص‪)25‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 3‬تصنيفات العدوان و أشكاله‪:‬‬

‫اختلفت تصنيفات العدوان حسب اختالف التعريفات المستخدمة لهذا السلوك و غالب ًا ما يتم التمييز بين‬

‫نوعين من العدوان هما‪:‬‬

‫‪153‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬العدوان المتعّم د‪ :‬و يشير إلى الفعل الذي يصدر عن الفرد و يهدف إلى تعريض اآلخرين لأللم أو‬

‫األذى‪ ،‬و يطل ق علي ه أيض ًا اس م الع دوان الن اتج عن الغض ب و يع ني أن ه ذا الع دوان يح دث نتيج ة‬

‫لتعرض الشخص لألذى من اآلخرين فيستجيب و هو في حالة انفعالية غاضبة‪.‬‬

‫‪ ‬العدوان الوسيلي‪ :‬و هنا يكون العدوان استخدام العدوان كوسيلة للحصول على ممتلكات اآلخرين‬

‫بعبارة أخرى هذا النوع من العدوان وسيلة و ليس غاية فمثًال أن نوبات الغضب لدى الطفل قد تسمح‬

‫له باسترجاع دراجته من أخيه األكبر سنًا‪ ،‬و بغض النظر عن مقدار الفرق بين نوعي العدوان‪ ،‬العدائي‬

‫و الوسيلي‪ ،‬فيجب معرفة أنه ليس من السهل دائمًا التمييز بينهما‪ ،‬فمثًال أن الطفل الذي يستخدم األلفاظ‬

‫السيئة قد يكون هدفه هو جذب انتباه الوالدين أو المعلم أو الرفاق باإلضافة إلى هدف آخر هو جرح‬

‫شعور الضحية‪ ،‬فالسلوك يمكن أن يخدم أكثر من غرض‪.‬‬

‫(مص طفى ن وري‪ ،‬خلي ل عب د الرحم ان‬

‫‪ 2007‬ص‪)204‬‬

‫و قد يأخذ العدوان شكليين آخرين‪:‬‬

‫‪ ‬الع دوان الإلجتم اعي‪ :‬و يك ون بس بب اآلخ رين و تص رفاتهم و يتض من أفع ال عدواني ة ته دف إلى‬

‫ردع األفعال العدوانية التي تصدر عن اآلخرين‪.‬‬

‫‪ ‬العدوان االجتماعي‪ :‬و يشتمل على األفعال التي يظلم بها اإلنسان اآلخرين مثل حاالت االغتصاب‬

‫أو الجريمة و ما إلى ذلك‪.‬‬

‫و العدوان قد يكون مباشرًا أو غير مباشر‪ ،‬ويقصد بهما‪:‬‬

‫‪ ‬العدوان المباشر‪ :‬و يعرف على أنه الفعل العدواني الموجه نحو الشخص الذي أغضب المعتدي‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬الع دوان غ ير المباش ر‪ :‬و يتض من االعت داء على ش خص ب ديل و ع دم توجيه ه نح و الش خص ال ذي‬

‫تسبب في غضب المعتدي و يطلق عليه اسم ( العدوان‪ ،‬المزاج)‬

‫وقد يكون العدوان جسديًا أو لفظيًا أو رمزيًا‪:‬‬

‫‪ ‬العدوان الجسدي‪ :‬و يكون السلوك الجسدي موجه نحو الذات أو اآلخرين و يهدف إلى اإليذاء بحد‬

‫ذاته‪ ،‬أو خلق الشعور بالخوف مثل الضرب‪ ،‬الدفع‪ ،‬الركل‪ ،‬شد الشعر‪...‬الخ‪.‬‬

‫و هذه السلوكات ترافق غالبًا نوبات الغضب الشديدة‪.‬‬

‫‪ ‬الع دوان اللفظي‪ :‬و يق ف عن د ح دود الكالم مث ل الش تم‪ ،‬الس خرية‪ ،‬و ذل ك من أج ل خل ق ج و من‬

‫الخوف و يمكن أن يكون موجهًا نحو الذات أو اآلخرين‪.‬‬

‫‪ ‬الع دوان الرم زي‪ :‬و يش مل على التعب ير بطريق ة غ ير لفظي ة من احتق ار اآلخ رين أو توجي ه اإلهان ة‬

‫لهم كاالمتناع عن النظر إلى الشخص الذي يكن له العداء‪ ،‬أو االمتناع عن تناول ما يقدم له‪ ،‬أو النظر‬

‫بازدراء‪.‬‬

‫و إذا أخذنا من يظهر عنده العدوان فإننا نجده على نوعين‪:‬‬

‫‪ ‬عدوان فردي‪ :‬و هنا يكون من فرد نحو غيره من أفراد أو جماعات أو أشياء‪.‬‬

‫‪ ‬عدوان جماعي‪ :‬و هنا يكون من جماعة نحو فرد أو جماعة أخرى‪.‬‬

‫و قد يكون العدوان‪:‬‬

‫‪ ‬موجهًا نحو الذات‪ ،‬مثل االنتحار‪.‬‬

‫‪ ‬موجهًا نحو الغير‪ ،‬مثل الضرب أو السرقة‪.‬‬

‫و يمكن التمييز بين نوعين من العدوان بناء على العامل األساسي المباشر الذي يدفع إليه‪:‬‬

‫فقد يكون العدوان ناتجًا عن ‪:‬‬

‫‪155‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬اإلحباط ‪ ‬القلق ‪ ‬وسيلة دفاعية‪.‬‬

‫و يمكن القول بأن العدوان قد يبلغ درجة يصبح معها مرضيًا و هنا يمكن التمييز بين‪:‬‬

‫‪‬العدوان المرضي أو الشاذ‪.‬‬

‫‪ ‬العدوان المألوف‬

‫كما يصف البعض العدوان إلى ثالثة أنواع تالحظ عند الطلبة و هي‪:‬‬

‫‪ ‬عدوان ناتج عن استفزاز‪ ،‬حيث يدافع الطالب هنا عن نفسه ضد اعتداء أقرانه‪.‬‬

‫‪ ‬ع دوان ن اتج من غ ير اس تفزاز‪ ،‬و هن ا يه دف الط الب من خالل ه إلى الس يطرة على أقران ه أو‬

‫إزعاجهم أو التسلط عليهم‪.‬‬

‫‪ ‬العدوان المتفجر المصحوب بنوبة من الغضب‪ ،‬و يلجأ الطالب فيه إلى تحطيم األشياء و يبدو هنا‬

‫كأنه ال يستطيع السيطرة على غضبه‪.‬‬

‫إن ه ذه األن واع ليس ت متمايزة ك ل التم ايز‪ ،‬و ال هي مس تقلة عن بعض ها‪ ،‬فقد يكون الع دوان جس ديًا و‬

‫كالميًا و رمزيًا في وقت واحد و قد يتجه في كل هذه الحاالت نحو الذات أو نحو اآلخرين و قد تظهر‬

‫األنواع الثالثة مألوفة‪ ،‬و قد تكون مرضية إال أن هذا ال يمنعنا من تصنيفها‪.‬‬

‫و أخيرًا البد من اإلشارة إلى العدوان السلبي و هو العدوان الناتج عن التمرد على السلطة من أهل و‬

‫معلمين‪ ،‬حيث يشعر الطالب بأنهم مستبدون‪ ،‬و أنه قد أسيئت معاملته من قبل هؤالء المتحكمين‪ ،‬و هنا‬

‫يخاف الطالب من االنتقام بشكل مباشر من مصادر السلطة فيلجأ إلى إظهار العدوان بشكل مبطن‪ ،‬كأن‬

‫يتعمد إحضار الكتاب الخاطئ‪ ،‬أو تجاهل األدوات المدرسية‪ ،‬أو مقاطعة المعلم بشكل متكرر‪.‬‬

‫أما " باترسون" و آخرون فقد صنفوا أشكال السلوك العدواني كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬الشتم و االستهزاء‪ ،‬كأن يذكر الشخص الوقائع أو المعلومات بلهجة سلبية‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬التحق ير‪ ،‬و ه و إطالق العب ارات و الش تائم على ط رف آخ ر بحيث تنتقص من قيمت ه و تجعل ه‬

‫موضعًا للسخرية‪.‬‬

‫‪ ‬االستفزاز بالحركات كالضرب على األرض بقوة‪.‬‬

‫‪ ‬السلبية الجسدية‪ ،‬كمهاجمة شخص آخر إللحاق األذى به‪.‬‬

‫‪ ‬التدمير ألشياء اآلخرين و تخريبها‪(. .‬المرجع السابق ‪ 2007‬ص‪)206‬‬

‫‪ ‬التزمت باآلراء و طلب اإلذعان الفوري من شخص آخر دون مناقشة‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 4‬العوامل المؤثرة في السلوك العدواني‪:‬‬

‫هناك العديد من العوامل التي ُتؤثر في السلوك العدواني وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬الوراثة والبيئة والعدوان‪:‬‬

‫يق ول" س كوت" أن الف رد ي رث من الجين ات م ا ق د ُت ؤثر على نم وه ‪ ،‬بحيث تم ده بجه از عض لي ق وي‬

‫يس اعده على المقاتل ة‪ ،‬كم ا أن ه ُتوج د عوام ل أخالقي ة واجتماعي ة وحض ارية تلعب دورًا في تحدي د‬

‫االس تجابة للع دوان‪ .‬ويؤك د "عب د العزي ز القوص ي" ‪ 1985‬على دور الوراث ة والبيئ ة ‪ ،‬حيث ي رى أن ه‬

‫علينا في دراستنا لألفراد أن نضع نصب أعيننا الفروق الوراثية من ذكاء ومزاج‪ ،‬وتكوين جسمي وما‬

‫شابه ذلك‪ ،‬وعلينا كذلك أن ندرس الظروف المختلفة المتعددة التي عاشوا فيها‪ ،‬هذه الدراسة ُتفيدنا في‬

‫التشخيص كما تفيدنا في التوجيه و العالج‪.‬‬

‫(ياسين مسلم ‪ 2002‬ص ‪)29‬‬

‫‪ ‬التقليد والمحاكاة والعدوان‪:‬‬

‫‪157‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ي رى" بان دورا " ‪ 1973‬أن الطف ل يتعلم اس تجابات جدي دة من النم وذج‪ ،‬وه و ي ؤدي إلى تقلي د أو محاك اة‬

‫هذا السلوك الجديد‪ ،‬وأن رؤية الطفل للسلوك العدواني للكبار يضعف من أثر الكف الذي يتعرض له‬

‫الدافع العدواني الكامن في نفسه‪ ،‬فينطلق سافرًا دون قيد أو عائق‪.‬‬

‫مم ا س بق يت بين أث ر التقلي د المباش ر والرئيس ي في الس لوك الع دواني‪ ،‬وهو وس يلة من وس ائل التعلم عن‬

‫طريق المالحظة التي تسبق التقليد‪ ،‬وقد قيل أنه من عاش شيئًا تعلمه‪.‬‬

‫‪ ‬الذكاء والتحصيل الدراسي والعدوان‪:‬‬

‫من خالل العدي د من نت ائج الدراس ات الس ابقة يت بين أن الطالب الع دوانيين أق ل ذك اء و أق ل تحص يًال‬

‫دراسيًا‬

‫من الطالب الع اديين ولكن ليس لح د الض عف العقلي أو الفش ل الدراس ي الكام ل‪ ،‬ولق د أك دت دراس ة‬

‫"حافظ وقاسم " (‪ )1993‬أنه ليس ثمة ارتباط بين التحصيل الدراسي وأي من أشكال السلوك العدواني‬

‫ولكنه ارتباط موجب بالسلوك السوي‪ ،‬فقلما يستقيم التحصيل الدراسي الجيد للمواد الدراسية مع السلوك‬

‫العدواني ولقد بينت العديد من الدراسات التي تناولت دور الذكاء الضعيف في ظهور السلوك العدواني‪،‬‬

‫ففي دراسة "لجودارد" على عائلة الكاليكال‪ ،‬كان يعزو االنحراف إلى الضعف العقلي‪ ،‬إال أن الدراسات‬

‫لم ترق إلى درجات اليقين في عالقة الذكاء السلبية مع السلوك العدواني‪ ،‬كما أثبتت دراسة" شارما" أن‬

‫العدواني الجانح عمومًا أقل من المستوى العادي في الذكاء‪ ،‬وأقل تكيفًا وأكثر معاناة من القلق‪.‬‬

‫‪ ‬القلق النفسي والعدوان‪:‬‬

‫لقد اقترن القلق بالعدوان ارتباطًا وثيق ًا‪ ،‬فالقلق هو حالة نفسية غير سارة من التوتر العصبي‪ ،‬ويعرف‬

‫أيض ًا على أن ه حال ة من الخ وف الغ امض الش ديد ال ذي يمتل ك اإلنس ان‪ ،‬يس بب ل ه كث يرًا من الك در‬

‫والضيق‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫واتف ق" ف وم وم اري" م ع" ه ورني" على وج ود عالق ة س ببية بين الع داوة والقل ق‪ ،‬ولكنهم ا ذهب ا إلى أن‬

‫العداوة ُتؤدي إلى القلق‪ ،‬والقلق ينمي العداوة‪ ،‬فالطفل يقمع عداوته لحاجته إلى الراشدين‪ ،‬ويظهر القلق‬

‫واالتكالي ة ويشعر ب العجز‪ ،‬ويس قط عداوت ه على اآلخ رين‪ ،‬ويعتقد أنهم يكرهون ه وينبذون ه ويس عون إلى‬

‫إيذائه فتنمو عنده العداوة‪.‬‬

‫ولق د اتف ق العدي د من العلم اء في آرائهم المبثوث ة في ثناي ا نظري اتهم ودراس اتهم على وج ود عالق ة بين‬

‫العدوان والقلق ومن هؤالء" فرويد"‪ "،‬أدلر"‪ "،‬كارن هورني"‪ "،‬لورنز"‪ "،‬دوالرد"‪ "،‬ميللر"‪ "،‬باندورا"‬

‫وقد أكد" أدلر" في صياغته للعدوان أن القلق مظهر من مظاهر العدوان الموجه ضد الذات‪ ،‬ويظهر في‬

‫األجه زة الحركي ة للجس م على ش كل ارتجاف ات ‪ ،‬ويظه ر أيض ًا في أجه زة الجس م األخ رى على ش كل‬

‫احمرار الوجه وخفقان القلب‪.‬‬

‫إال أن هناك دراسات وجدت عالقة إيجابية بين القلق والعدوان أمثال دراسة "هوكانسون "(‪ )1961‬و‬

‫دراسة "باربارا"( ‪ ) 1972‬و دراسة" هنري" (‪.)1981‬‬

‫كما وجدت دراسات ُتشير إلى العالقة السلبية بين القلق والعدوان كدراسة " سكوت"(‪ )1977‬و دراسة‬

‫"سايجا"(‪.)1984‬‬

‫ومن هذا العرض تبين أن الفرد القلق قد يعجز عن إشباع حاجاته؛ فيصاب بشعور اإلحباط والفشل‪،‬‬

‫ال ذي يس بب ل ه ذل ك الت وتر‪ ،‬فيواجه ه بحي ل دفاعي ة ال ش عورية‪ ،‬وال تي منه ا الع دوان‪ ،‬واإلس قاط‪،‬‬

‫والنكوص والتقمص‪ ،‬والتبرير‪ ،‬والكبت‪ ،‬والتكوين العكسي ‪ ،..‬وتشترك جميعها‪ ،‬أو بعضها في تخفيض‬

‫التوتر والقلق عند الفرد‪.‬‬

‫‪ ‬ضعف الوازع الديني والعدوان ‪:‬‬

‫لق د دلت الكث ير من الدراس ات أن ال وازع ال ديني الق وي يجنب اإلنس ان الكث ير من الش رور واألم راض‬

‫النفسية ‪ ،‬وقد أكدت دراسة كل من" كريمة محمود " (‪ )1987‬و"نادية عبده"(‪ )1982‬و "باكين از حبيب"‬

‫‪159‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫(‪ ) 1988‬أن التوج ه ال ديني ‪ ،‬ونم و ال وازع ال ديني ل ه دور كب ير في التواف ق النفس ي واالجتم اعي‪،‬‬

‫والتخلص من األعراض العص ابية والسيكوس وماتية‪ ،‬وأن الدين ل ه دور فع ال وإ يجابي في ص حة الفرد‬

‫النفسية والجسدية‪ ،‬كما أن التدين له دور إيجابي في خلو الفرد من الميول المضادة للمجتمع‪.‬‬

‫‪ ‬الوضع االقتصادي واالجتماعي والعدوان‪:‬‬

‫إن الوضع االقتصادي المتردي والظروف االجتماعية المزرية تساهمان إلى حد كبير في نشوء الع دوان‬

‫وبخاصة عند الشباب في سن المراهقة و هذا ما أكدته دراسة" آن كامبل" وآخرون(‪ )1985‬أن أفراد‬

‫الطبق ة االقتص ادية واالجتماعي ة الس يئة أك ثر عدواني ة من أف راد عين ة الطبق ة االقتص ادية واالجتماعي ة‬

‫المرتفع ة‪ ،‬يض اف إلى م ا س بق دراس ة "ق ريش و حس ين" (‪ )1981‬ال تي أك دت أن أف راد المس توى‬

‫االجتماعي واالقتصادي المرتفع أقل عدوانية من أفراد المستوى االجتماعي واالقتصادي المنخفض‪.‬‬

‫‪ ‬الشعور بالعجز والنقص واالنهزام النفسي‪:‬‬

‫إن اإلنسان يكره أن يظهر أمام اآلخرين عاجزًا ضعيفًا أو منهزم ًا نفسيًا‪ ،‬وتجده أحيان ًا يكابر ويتحمل‬

‫ويصبر على مر األمور‪ ،‬كي ال يشمت به اآلخرون‪ ،‬وإ ذا أحس الفرد بنقٍص أو عجٍز يصاب بخيبة أمل‬

‫مم ا يث ير لدي ه الرغب ة في الع دوان وبخاص ة الش عور ب النقص الجس مي أو العقلي عن اآلخ رين‪ ،‬حيث‬

‫يح اول الف رد تع ويض ه ذا النقص باالعت داء على اآلخ رين‪ ،‬أو الممتلك ات كي يثبت ذات ه‪ ،‬ففي دراس ة‬

‫"محم د ب دير" (‪ )1984‬ت بين أن فئ ة الع دوانيين الج انحين يوص فون بع دم تقب ل المع ايير الخلقي ة للجماع ة‬

‫واالعتم اد على الجماع ة والخج ل‪ ،‬والمي ل للش عور ب اإلثم‪ ،‬والمي ل للع دوان واالنط واء ومقاوم ة توجي ه‬

‫الكب ار‪ ،‬ويغلب عليهم المخ اوف والش عور بع دم الكفاي ة‪ ،‬والش عور باإلحب اط والقل ق وهم كث يرو الطلب ات‬

‫وكسولون ويميلون إلى الحزن والبكاء ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬التنشئة الوالدية والعدوان ‪:‬‬

‫أ ـ أساليب المعاملة األسرية‪:‬‬

‫تؤثر أنماط التنشئة االجتماعية على السلوك العدواني عند الطفل و تتعدد تلك األنماط حسب االتجاهات‬

‫الوالدية الممارسة أثناء عملية التنشئة االجتماعية و من هذه األنماط أو االتجاهات‪:‬‬

‫‪ ‬اتجاه التسلط و عالقته بالسلوك العدواني‪:‬‬

‫و يتمثل في فرض األم أو األب لرأيه على الطفل‪ ،‬و يتضمن ذلك الوقوف أمام رغبات الطفل التلقائية‬

‫أو منعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها حتى لو كانت مشروعة‪ ،‬و هذا األسلوب‬

‫يلغي رغبات الطفل و ميوله منذ الصغر كما يقف عقبة في سبيل تحقيق ذاته‪ ،‬و هذا األسلوب غالب ًا ما‬

‫يساعد على تكوين شخصية خائفة دائمًا من السلطة‪ ،‬خجولة و حساسة‪ ،‬و هذه الشخصية غالب ًا ما تتلف‬

‫و تعت دي على ممتلك ات الغ ير و ت رتكب أخطاءه ا في غيب ة الس لطة‪ ،‬أم ا في حض ور الس لطة فتك ون‬

‫شخصية خائفة مذعورة‪( .‬الحميدي محمد‪ 2003‬ص‪)48‬‬

‫كم ا أن اس تخدام أس لوب التنش ئة المتش دد أو المتس لط من ج انب األب يوج د اختالف ات بين األبن اء‬

‫المتعايشين لظروف هذا النوع من التنشئة‪ ،‬فقد يستجيب بعضهم بخوف مصحوب بالحزن‪ ،‬و البعض‬

‫اآلخر بخوف مصحوب باالستثارة و العدوان‪ ،‬و تتحدد هذه االختالفات بين األبناء بعوامل متعددة منها‬

‫طبيعة شخصية كل منهم‪ ،‬و طبيعة المواقف المتميزة‪.‬‬

‫‪ ‬أسلوب الحماية الزائدة‪:‬‬

‫يع رف أس لوب الحماي ة الزائ دة بالمي ل المف رط ل دى األب وين لحماي ة أطفالهم ا ب دنيًا و نفس يًا بحيث يفش ل‬

‫الطفل في االستقالل بنفسه‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و مثل هذا الطفل الذي يعيش و يتفاعل مع هذا األسلوب ينمو بشخصية ضعيفة خائفة تعتمد على الغير‬

‫في قيادته ا و توجيهه ا‪ ،‬والش ك أن للحماي ة الزائ دة نت ائج س لبية في تك وين شخص ية الطف ل حيث يتع ود‬

‫الطفل على أن تجاب طلباته فال يستطيع مقاومة اإلحباطات المستمرة في الحياة فيرتبك و يضطرب في‬

‫سلوكه و في عالقاته االجتماعية‪ ،‬أو ينطوي و ينسحب من المجتمع لشعوره بالعجز و الدونية‪.‬‬

‫‪ ‬اإلهمال أو النبذ‪:‬‬

‫إن الطفل الذي يتعرض لإلهمال و النبذ يظهر أنواعًا من السلوك المضطرب كأن يقوم بسلوك عدواني‬

‫كالتدمير و التخريب أو ينطوي على نفسه و ذلك بسبب ما يشعر به من أن والديه ال يبادالنه الحب و‬

‫االهتمام‪.‬‬

‫و يؤكد " سيد غنيم" (‪ )1983‬أن النبذ كأسلوب من أساليب المعاملة الوالدية من شأنه أن يخلف شخصية‬

‫عدوانية سيئة التوافق‪ ،‬لديها مشاعر عدم الطمأنينة و السادية‪(.‬ياسين مسلم ‪2002‬ص‪)33‬‬

‫‪ ‬التدليل‪:‬‬

‫و يتمث ل في تش جيع الطف ل على تحقي ق رغبات ه على النح و ال ذي يحل و ل ه‪ ،‬و ع دم توجيه ه لتحم ل أي ة‬

‫مسؤولية تتناسب مع مرحلة النمو التي يمر بها‪ ،‬و قد يتضمن هذا األسلوب تشجيع الطفل على القيام‬

‫بألوان من السلوك الذي يعتبر عادًة من غير المرغوب فيها اجتماعي ًا ‪ ،‬و قد يتضمن دفاع الوالدين عن‬

‫هذه األنماط السلوكية غير المرغوب فيها ضد أي توجيه أو نقد يصدر من الخارج‪.‬‬

‫و عالقة اإلفراط بالسلوك العدواني نجد أن اإلفراط في التسامح مع األبناء و التساهل يؤدي إلى عدم‬

‫النض ج االنفع الي ل دى األطف ال‪ ،‬ألن ه ؤالء األطف ال لم يتع ودوا اإلحب اط‪ ،‬وعن دما يتعرض ون لمواق ف‬

‫إحباطي ة ي ترتب على ذل ك تعرض هم لبعض االض طرابات النفس ية و العص بية منه ا الس لوك الع دواني‪،‬‬

‫قضم األظافر‪ ،‬التبول الالإرادي‪ ،‬و توارث الغضب‪(.‬الحميدي محمد ‪2003‬ص ‪)50‬‬

‫‪ ‬القسوة‪:‬‬

‫‪162‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و هي المعاملة القاسية كاستخدام العقاب النفسي و البدني من طرف اآلباء‪ ،‬و تؤدي هذه المعاملة إلى‬

‫نش وء شخص ية متم ردة ت نزع إلى الخ روج عن قواع د الس لوك المتع ارف علي ه كوس يلة للتنفيس و‬

‫التعويض عما تعرضت أو تتعرض له من ضروب القسوة‪ ،‬و على هذا فإن هذه الشخصية ينتج عنها‬

‫السلوك العدواني الذي يتجه نحو الغير مثل إتالف ممتلكات الغير دون اإلحساس بالذنب‪.‬‬

‫و ق د وج دت " ماري ان م اريون" ارتباط ًا عالي ًا بين العق اب الجس دي و ازدي اد مظ اهر الس لوك الع دواني‬

‫للطفل‪ ،‬فاألطفال الذين يتصفون بأعلى درجات العدوانية لديهم أمه ات يبحن العدوان‪ ،‬و لكنهن يعاقبن‬

‫أطفالهن بقسوة عندما يتصرفون بعدوانية‪ ،‬أما األطفال األقل عدوانية فإن آباءهم ال يتجاهلون السلوك‬

‫العدواني و لكنهم يعالجونه بأسلوب غير مؤٍذ أو مهين للطفل‪.‬‬

‫‪ ‬التذبذب‪:‬‬

‫هذا األسلوب من أشد األساليب خطورة على شخصية الطفل و على صحته النفسية‪ ،‬حيث أن التأرجح‬

‫بين الثواب و العقاب و المدح و الذم و اللين و القسوة‪ ،‬و عدم االستقرار في المعاملة يجعل الطفل في‬

‫ح يرة من أم ره‪ ،‬و دائم القل ق غ ير مس تقر‪ ،‬و من ثم ي ترتب على ه ذا شخص ية متقلب ة و متذبذب ة و‬

‫مزدوجة‪.‬‬

‫ب ـ التفرقة‪:‬‬

‫و يقصد بها عدم المساواة بين األبناء جميع ًا و التفضيل بينهم بناًء على المركز أو الجنس أو السن أو‬

‫أي سبب عرضي آخر‪ ،‬فتفرقة الوالدين في معاملة أبنائهما تسبب الشعور بالغيرة‪ ،‬و الشعور بالغيرة قد‬

‫يق ود الطف ل إلى التخ ريب أو االعت داء على أخي ه ال ذي يغ ار من ه‪ ،‬و يظه ر غض به و قلق ه بص ورة‬

‫واضحة‪.‬‬

‫ج ـ تفضيل بعض األطفال على البعض اآلخر‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫للتمييز بين األطفال أثاره السيئة على شخصية الطفل‪ ،‬و مثل هذه السلوكات تؤدي إلى مشاكل سلوكية‬

‫خطيرة من عدوانية و خوف و خجل و انطواء‪.‬‬

‫د ـ التنافس‪:‬‬

‫إن التنافس موجود في كل أسرة لديها أكثر من طفل واحد مثل تشاجرهم حول األلعاب أو تسابقهم على‬

‫الحصول على امتياز معين‪ ،‬كل هذه مواقف طبيعية يمكن السيطرة عليها و لكن هناك مواقف يمكن أن‬

‫يوجدها الكبار و يدفعوا الصغار إليها‪ ،‬و تؤدي إلى السلوك العدواني و هي‪:‬‬

‫‪ ‬إيجاد تنافس غير متكافئ مع أطفال آخرين‪.‬‬

‫‪ ‬مقارنة طفل بإخوانه بصفة أو أكثر يتفوقون فيها عليه‪.‬‬

‫‪ ‬المبالغة في تشجيع التنافس الفردي بين األطفال‪.‬‬

‫‪ ‬أثر المستوى التعليمي للوالدين وجماعة األقران‪:‬‬

‫مما ال شك فيه أن المستوى التعليمي الراقي للوالدين يساهم في رقي معاملة الوالدين مع األبناء وكذلك‬

‫حسن اختيار جماعة األقران يساعد في ظهور سلوك حسن ومقبول اجتماعيًا‪ ،‬وقد أكدت "عزة زكي" أن‬

‫المستوى التعليمي المرتفع للوالدين يرتبط بانخفاض العدوان لدى اإلناث في سن من الثامنة إلى الثامنة‬

‫عش ر‪ ،‬بينم ا وج د أن انخف اض تعليم الوال دين ق د يح رض على عدواني ة أبن ائهم‪ ،‬حيث أنهم ا لم ي دركا‬

‫تكنيك تربية أبنائهما؛ الذي يحد من عدوانهم‪ ،‬كما أنهما يساعدان على خلق البيئة المحبطة ألبنائهم أكثر‬

‫من الوال دين المتعلمين‪ ،‬كم ا وج د ارتب اط إيج ابي بين ارتف اع عدواني ة األطف ال ال ذكور واإلن اث في س ن‬

‫ثماني سنوات وبين ارتفاع مستوى مهنة األب ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أم ا جماع ة األق ران فتق ول "ع زة زكي" أن الت أثير المتب ادل بين األق ران يلعب دوره كمح دد رئيس في‬

‫ظهور‬

‫األفع ال الع دوان‪ ،‬ويتض ح ذلك أك ثر في جماع ة ال ذكور من ه باإلن اث وهذا م ا أوض حته دراس ة "هيش"(‬

‫‪ )1965‬أن األطف ال غ ير الع دوانيين ربم ا يص بحون ع دوانيين بتك رار الهج وم عليهم داخ ل جماع ة‬

‫األقران‪.‬‬

‫ويرى "المطيري" أن هناك عدة عوامل تؤثر في السلوك العدواني وهي ‪:‬‬

‫‪ ‬إذا أحس الف رد باإلحب اط والحرم ان‪ ،‬وإ ذا أحي ل بين الف رد وبين التعب ير عن مش اعره المحبط ة‬

‫وتصريف عدوانه بالطرق المشروعة أدى ذلك إلى صدور السلوك العدواني ‪(.‬ياسين مسلم‪2002‬ص‬

‫‪)33‬‬

‫‪ ‬إذا أحس اإلنس ان ب الظلم‪ ،‬وأن حق ه مهض وم‪ ،‬ظه ر الس لوك الع دواني متمثًال في الس لبية والالمب االة‬

‫والتخريب و الخروج على القانون‪ ،‬القهر‪ ،‬وكبت الحرية والظلم الذي يولد العدوان و السلبية ‪.‬‬

‫‪ ‬إذا افتقرت شخص ية الف رد إلى الض بط ال ذاتي المعق ول‪ ،‬واتس مت ذات ه بالتض خم الزائ د عن الح د أو‬

‫انعدم ضميره أو مات‪ ،‬فهذا من عالمات اضطراب الشخصية‪ ،‬وكان العدوان أحد مظاهرها سواء أكان‬

‫هذا العدوان موجهَا إلى ذات الفرد‪ ،‬أو موجهًا إلى الخارج ‪.‬‬

‫‪ ‬إذا وج د إنس ان في مجتم ع انع دمت في ه مص ادر التس لية واإلث ارة‪ ،‬وقض اء وقت الف راغ‪ ،‬واتس مت‬

‫الحي اة في ه بالكآب ة والرتاب ة‪ ،‬مجتم ع يب دد الطاق ات ويحب ط الطم وح والق درات اإلنس انية‪ ،‬من ش أن ه ذا‬

‫المجتم ع أن يتع رض أف راده لإلحب اط‪ ،‬ومن ش أنه أن يعرض هم ألش كال االنح راف المختلف ة بم ا فيه ا‬

‫العدوان‪.‬‬

‫كم ا أن االزدح ام الس كاني‪ ،‬ومش اهدة األفالم التلفزيوني ة؛ ذات الط ابع الع دواني‪ ،‬والش عور بالغض ب‪ ،‬و‬

‫تلوث البيئة من أهم العوامل المؤثرة في ظهور السلوك العدواني‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 5‬النظريات المفسرة للعدوان‪:‬‬

‫لق د تع ددت وجه ات النظ ر في تفس ير الس لوك الع دواني‪ ،‬و فيم ا يلي ع رض لك ل نظري ة من ه ذه‬

‫النظريات‪:‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 5‬ـ ‪ 1‬التفسيرات التحليلية للعدوان‪:‬‬

‫ينظر " مكدوجال" ‪ Macdogal‬و الذ يعد أول مؤيدي هذه النظرية للعدوان على أنه غريزة فطرية‪ ،‬و‬

‫يعرفه بغريزة المقاتلة حيث يكون الغضب هو االنفعال الذي يكمن وراءها‪.‬‬

‫أما " لورانز" ‪ Lorenz 1952‬فإنه يرى أن اإلنسان تسيطر عليه غريزة العدوان‪ ،‬و هي ذات أساس‬

‫تط وري يتش ابه في ه اإلنس ان م ع س ائر األجن اس األخ رى‪ ،‬و رب ط " ل ورانز" ه ذه الغري زة بالحاج ة إلى‬

‫البقاء و السيطرة و التملك‪ (.‬محمد عيسى ‪2007‬ص‪)55‬‬

‫و لقد افترض " فرويد" ‪ Freud‬أن اعتداءات اإلنسان على نفسه أو على غيره هي سلوك فطري غير‬

‫متعلم‪ ،‬تدفعه إليه عوامل في تكوينه الفسيولوجي لتصريف الطاقة العدائية التي تنشأ داخل اإلنسان أي‬

‫غريزة العدوان‪ ،‬و يعتبر " فرويد" من مؤسسي هذه النظرية‪ ،‬فالنموذج الذي يقدمه " فرويد" هو خفض‬

‫التوتر حيث ينشط سلوك الفرد بفعل المهيجات الداخلية و تجهز عندما يتخذ إجراءًا مناسبًا من شأنه أن‬

‫يزيد أو يخفض الدافع المهيج‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و ي رى " فروي د" أن البش ر كائن ات بيولوجي ة دافعهم الرئيس ي ه و إش باع حاج ات الجس د‪ ،‬و اإلنس ان‬

‫مخلوق مّو جه نحو اللذة تدفعه نفس الغرائز التي تدفع الحيوانات‪ ،‬و لقد اعتبر " فرويد" غرائز الحياة‬

‫أهمها الجنس‪ ،‬و غرائز الموت أهمها العدوان هي التي تسير الحياة‪.‬‬

‫و بالنس بة لغرائ ز الم وت نج د أن " فروي د" يؤك د على أنه ا وراء مظ اهر الق وة و الع دوان و االنتح ار و‬

‫القتال‪ ،‬لذا اعتبر غرائز الموت غرائز فطرية لها أهمية مساوية لغرائز الحياة‪ ،‬من حيث تحديد السلوك‬

‫الف ردي‪ ،‬حيث يعتق د " فروي د" أن لك ل ش خص رغب ة الش عورية في الم وت‪ ،‬ففي بداي ة األم ر أدرك‬

‫" فروي د" أن الع دوان يك ون موجه ًا إلى ح ٍد كب ير للخ ارج‪ ،‬ثم أدرك بع د ذل ك أن الع دوان يك ون موجه ًا‬

‫على نحو متزايد للداخل منتهيًا عند أقصى مدى إلى الموت‪.‬‬

‫و منذ أن قدم " فرويد" تفسيره للعدوان و القائم على أساس الدافعماء النفس الغريزي فقد تعددت اآلراء‬

‫المؤي دة أو الرافض ة لتل ك النظ رة‪ ،‬فعلم اء النفس اآلن مث ل " هارتم ان" ‪ Hartman‬و " ك ريس" ‪Kris‬‬

‫بالرغم من اتفاقهم مع " فرويد" في نظرته للعدوان كقوة دافعة منذ بداية الحياة‪ ،‬إَّال أنهم اختلفوا معه في‬

‫أن الع دوان يب دأ بك ون موجه ًا لل داخل في غري زة الم وت‪ ،‬حيث أنهم ينظ رون للع دوان باعتب اره موجه ًا‬

‫إلى الخارج نحو اآلخرين منذ البداية‪.‬‬

‫إَّال أن مختلف نقاد التحليل النفسي يرون أن " فرويد" أعطى الغريزة الفطرية وزن ًا أكثر مما يجب‪ ،‬لذا‬

‫يرى هؤالء العلماء ضرورة اإلقالل من الدافع الغريزي‪ ،‬و إبراز المتغيرات السيكولوجية و االجتماعية‬

‫التي يعتقد أنها تشكل الشخصية‪ (.‬الحميدي محمد ‪2003‬ص‪)39‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 5‬ـ ‪ 2‬نظرية اإلحباط‪:‬‬

‫يقدم " دوالرد" و "ميلر" تفسيرًا للسلوك العدواني من خالل نظريتهما التي قامت على فرض اإلحباط ـ‬

‫العدوان ‪ Frustration – Aggression Hypothesis‬و تفترض هذه النظرية أن السلوك العدواني‬

‫هو دائمًا نتيجة لإلحباط‪ ،‬و أن اإلحباط دائم ًا يؤدي إلى شكل من أشكال العدوان أي أن العدوان نتيجة‬

‫‪167‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫طبيعية و حتمية لإلحباط‪ ،‬كما تؤكد هذه النظرية على أن العدوان دافع غريزي داخلي لكن ال يتحرك‬

‫بواسطة الغريزة كما بينت نظرية الغرائز‪ ،‬بل نتيجة تأثير عوامل خارجية‪ ،‬و يؤكد " دوالرد" رائد هذه‬

‫النظرية أن السلوك العدواني نتيجة طبيعية لإلحباط‪.‬‬

‫و لق د بين " ميل ر" أن اإلنس ان يس تجيب لإلحب اط باس تجابات كث يرة منه ا الع دوان فاإلحب اط ق د يس بب‬

‫العدوان و قد ال يسببه بحسب الظروف التي يتم فيها اإلحباط‪ ،‬كما أن العدوان غالبًا يحدث بدون إحباط‬

‫مسبق‪ ،‬لذا فإن من الواضح أن اإلحباط قد ال يؤدي بالضرورة إلى العدوان و هذا يتوقف على طبيعة‬

‫اإلحب اط‪ ،‬فق د ي ؤدي إلى قم ع الس لوك الع دواني خاص ًة إذا نظ ر الطف ل إلى اإلحب اط على أن ه عق اب‬

‫للعدوان‪.‬‬

‫و قد حددت هذه النظرية أربعة عوامل تتحكم في العالقة بين اإلحباط و العدوان و هي‪:‬‬

‫‪ ‬قوة استثارة العدوان‪:‬‬

‫تتأثر قوة االستثارة العدوانية بعدد الخبرات الباعثة على اإلحباط‪ ،‬فالعالقة بين اإلحباط و هذه الخبرات‬

‫عالقة طردية‪ ،‬بمعنى أنه كلما زادت عدد الخبرات المحبطة زادت تبعًا لذلك قوة االستثارة العدوانية‪ ،‬و‬

‫تتأثر هذه العالقة بمتغيرات ثالثة متداخلة و هي‪:‬‬

‫‪ ‬قوة المثير الباعث على اإلحباط‪ :‬أي الحدث أو المثير المؤدي إلى اإلحباط‪ ،‬و هنا تكمن القيمة في‬

‫نوع المثير بالنسبة للدافع‪.‬‬

‫‪ ‬درجة إعاقة االستجابة‪ :‬يرتبط اإلحباط كمي ًا بدرجة اإلعاقة التي تحول دون تحقيق هذه االستجابة‬

‫(إشباع الدافع) أي إذا زادت درجة اإلعاقة التي تسبب اإلحباط زاد تبع ًا لذلك العدوان‪ ،‬فالعالقة بينهما‬

‫طردية مع اشتراط قوة الدافعية‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬تك رار االس تجابة المحبط ة‪ :‬إن تك رار الخ برات المحبط ة ت ؤدي في النهاي ة إلى الع دوان‪ ،‬فخ برة‬

‫اإلحباط األولى قد ال تبعث إلى العدوان‪ ،‬أما تراكم هذه النوعية من الخبرات ( تكرارها) لدى الشخص‬

‫فربما تسبب العدوان في النهاية‪.‬‬

‫‪ ‬كف األفعال العدوانية‪:‬‬

‫في بعض الظروف تتحول االستجابة العدوانية المعلنة إلى استجابة عدوانية غير معلنة‪ ،‬و وفق ًا لنظرية‬

‫" دوالرد" ف إن توق ع العق اب من المتغ يرات األك ثر فعالي ة في تحوي ل االس تجابة العدواني ة المعلن ة إلى‬

‫استجابة عدوانية غير معلنة‪ ،‬أي حالة من الشعور بالعداء و الكراهية‪ ،‬و بالتالي كلما زاد احتمال توقع‬

‫العقاب زاد تبعًا لذلك مقدار الكف لهذا الفعل‪.‬‬

‫‪ ‬إزاحة العدوان‪:‬‬

‫توضح نظرية أن المرء يلجأ إلى توجيه عدوانه إلى جهة أخرى غير الجهة المسؤولة عن اإلحباط‪ ،‬و‬

‫ذلك إذا ما توقع من الجهة األولى العقاب‪ ،‬فالطفل يعتدي على لعبته فيكسرها و يفككها‪ ،‬ألن والديه قاما‬

‫بعقاب ه و ه و غاض ب منهم ا و غ ير ق ادر على الع دوان عليهم ا‪ ،‬ل ذلك ك ان االعت داء على لعبت ه إزاح ة‬

‫للعدوان الموجه لوالديه أساسًا‪.‬‬

‫و قد تأخذ إزاحة العدوان أشكاًال أخرى‪ ،‬فقد يتجه العدوان نحو الذات و يكون ذلك في حالة إذا كانت‬

‫الذات هي مصدر اإلحباط‪ ،‬أو كانت الذات هي مصدر الكف العدواني‪ ،‬و كذلك إذا كان توقع العقاب‬

‫شديدًا بسبب خارجي إلى درجة قمع العدوان بقوة‪ ،‬لذلك يتجه نحو الذات‪.‬‬

‫‪ ‬التنفيس العدواني‪:‬‬

‫التنفيس يعني إفراغ الشحنة االنفعالية اآلتية من اإلحباط‪ ،‬لذلك و وفقًا لهذه النظرية فإن كف العدوان أو‬

‫منعه يؤدي إلى اإلحباط‪ ،‬و بما أن اإلحباط يؤدي إلى العدوان فإن كف العدوان يحدث استثارة عدوانية‬

‫‪169‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫من جديد‪ ،‬و تصبح النتيجة عكسية في حالة إفراغ العدوان‪ ،‬ذلك أن إفراغ العدوان يمنع اإلحباط‪ ،‬األمر‬

‫الذي يقود إلى خفض االستثارة العدوانية‪.‬‬

‫و ال ذي يتض ح أن التنفيس الع دواني و إزاح ة الع دوان يش كالن وح دة وظيفي ة‪ ،‬ف التنفيس عن الع دوان‬

‫يرتبط بعملية إزاحة العدوان‪ ،‬فلوال اإلزاحة العدوانية لما حدث التنفيس‪ ،‬كما أن التنفيس يستلزم عملية‬

‫اإلزاحة‪.‬‬

‫و مم ا يؤخ ذ على ه ذه النظري ة م ا قال ه " سبنس ر" في أن ه ذه النظري ة تتجاه ل اس تجابات عدواني ة ال‬

‫يصاحبها اإلحباط‪ ،‬و كذلك استجابة األطفال لإلحباط بالعدوان إنما تعتمد على نوع التعامل أو التجاوب‬

‫لإلحباط الذي تلقوه من قبل‪ ،‬أو قد يتعلمه الفرد من خالل مشاهدة بعض النماذج لهذا السلوك‪.‬‬

‫لذا ظهرت نظرية التعلم االجتماعي و السلوك العدواني‪ ،‬و الذي من أشهر أقطابها " باندورا"‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 5‬ـ ‪ 3‬نظرية التعلم االجتماعي في العدوان‪:‬‬

‫ي رى أص حاب ه ذا االتج اه أن مف اهيم مث ل الغرائ ز ال يمكن أن تك ون مس ؤولة عن الع دوان‪ ،‬فالع دوان‬

‫س لوك متعم د ينتج من خالل التعلم بالمالحظ ة و التقلي د‪ ،‬ل ذا ي رى أص حاب ه ذه النظري ة أن أس اليب‬

‫التربي ة و التنش ئة االجتماعي ة تلعب دورًا هام ًا في تعلم األف راد األس اليب الس لوكية ال تي يتمكن ون عن‬

‫طريقه ا من تحقي ق أه دافهم‪ ،‬و هك ذا يص بح مب دأ التعلم ه و المب دأ ال ذي يجع ل من الع دوان أداة لتحقي ق‬

‫األهداف أو عائقًا دون تحقيقها‪.‬و من أقطاب هذه النظرية " باندورا" و " سكينر" فالعدوان عند " باندورا"‬

‫يعتبر سلوكًا متعلمًا يتعلمه اإلنسان عن طريق مشاهدة غيره‪.‬‬

‫و حسب النظرية فإن السلوك العدواني سلوك متعلم عن طريق الخبرة المباشرة و عن طريق النمذجة‬

‫أي من خالل مشاهدة الشخص المالحظ لسلوك اآلخرين و ما يترتب عليه من مكافأة‪ ،‬فاألفراد يسلكون‬

‫سلوكًا عدوانيًا للحصول على المكافأة أو تجنب العقاب‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و على ض وء ذل ك نس تنتج أن نظري ة التعلم االجتم اعي تؤك د على أن الس لوك الع دواني س لوك مكتس ب‬

‫من البيئة االجتماعية المحيطة‪ ،‬و كذلك مالحظة النماذج العدوانية في البيئة االجتماعي ة من أهم مص ادر‬

‫العدوان المكتسب‪ ،‬لذا رأى " بومس" (‪(Bmss 1971‬أن للجماعة تأثير على اكتساب السلوك العدواني‬

‫و ذلك عن طريق تقليد النماذج العدوانية‪ ،‬أو عن طريق تعزيز السلوك العدواني لمجرد حدوثه‪.‬‬

‫و أهم م ا يؤخ ذ على ه ذه النظري ة ه و أن مفه وم النمذج ة ‪ Model‬ال ذي ن ادى ب ه " بان دورا" في تعلم‬

‫الع دوان لم يعالج ه بدق ة‪ ،‬و أن الع دوان ق د ينش أ دون وج ود إحب اط معين أو مكاف آت معين ة‪ ،‬و ه ذا م ا‬

‫أطلق عليه " فرازيك" (‪ Fraczek )1989‬مفهوم العدوان المعتاد الذي يصف تصرفات عدوانية ال تنشأ‬

‫من اإلحباط و غير متصلة بغرض بلوغ أهداف معينة‪ ،‬أو الحصول على مكافآت معينة‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 5‬ـ ‪ 4‬النظرية المعرفية‪:‬‬

‫يرى المعرفيون أن كل ظاهرة نفسية إنما هي ظاهرة معرفية‪ ،‬و أن المعرفة تدخل في جميع ما يمكن‬

‫لإلنس ان أن يفعل ه‪ ،‬و أنه ا عملي ة انعك اس للواق ع و إعادة تش كيل و معالج ة ذل ك الواق ع‪ ،‬يقوم به ا الفرد‬

‫بهدف تمكينه من السيطرة على هذا الواقع و تفسيره و أن العمليات المعرفية ُتعد عوامل متضمنة في‬

‫السلوك و مؤثرة فيه‪.‬‬

‫فالمكونات المعرفية للفرد هي المحور الرئيسي لشخصيته‪ ،‬و هي التي تؤثر على مشاعره و سلوكه فإذا‬

‫كان بمقدورنا أن نغير من معارف الفرد فإننا سنؤثر بالضرورة على مشاعره و سلوكه‪.‬‬

‫كما اعتقد " كيلي" بأن النظر إلى ماضي الفرد بوصفه محددًا لسلوكه في الحاضر و المستقبل ما هو إَّال‬

‫قوٌل مضلٌل ألن الماضي كما حدث فعًال ليس محددًا للسلوك فالذي يحدد السلوك هو كيفية تصوره له‪.‬‬

‫فالشخص ليس ضحية لتاريخ حياته و إنما يمكن أن يكون عبدًا لتفسيره له‪.‬‬

‫و يفترض " كيلي"‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬أن األفراد يقومون بتأويل و تفسير العالم من خالل رؤيتهم الخاصة‪.‬‬

‫‪ ‬أن األفراد يختلفون في طرائق التأويل التي يفسرون العالم بواسطتها‪.‬‬

‫‪ ‬أن تأويالت الناس تتغير حسب تغيير خبراتهم و نمّو ها‪.‬‬

‫و ل ذلك يرك ز أص حاب النظري ة المعرفي ة في دراس تهم للع دوان على الكيفي ة ال تي ي درك به ا الش خص‬

‫العدوان‪ ،‬و على الكيفية التي يفِس ر بها سلوك الشخص اآلخر‪ ،‬و الكيفية التي يفِس ر بها الموقف ككل‪.‬‬

‫كم ا أن أس باب الع دوان ال تكمن عادًة في الموق ف المباش ر ال ذي انفج رت في ه الممارس ات العدواني ة ب ل‬

‫إنها نتاج لتراكمات متنوعة تتم خارج هذا الموقف‪.‬‬

‫ل ذا ف إن الترش يد الص حيح له ذا الن وع من الع دوان ال يمكن أن يتحق ق من خالل نص ائح جزئي ة تنص ب‬

‫على تحسين أساليب معالجة الموقف المباشر فقط بل ينبغي أن يمتد إلى الجذور العميقة التي تقع حتم ًا‬

‫خارج حدود الموقف المباشر‪.‬‬

‫و ق د رك ز علم اء النفس المعرفي ون في معظم دراس اتهم و بح وثهم على الكيفي ة ال تي ي درك به ا العق ل‬

‫اإلنس اني وق ائع أح داث معين ة في المج ال اإلدراكي أو الح يز الحي وي لإلنس ان كم ا يتمث ل في مختل ف‬

‫المواقف االجتماعية المعاشة و انعكاسها على الحياة النفسية لإلنسان مما يؤدي به إلى تكوين مشاعر‬

‫الغضب و الكراهية‪ ،‬و كيف أن مثل هذه المشاعر تتحول إلى إدراك داخلي يقود صاحبه إلى ممارسة‬

‫السلوك العدواني‪ ،‬لذلك سعوا إلى تناول السلوك العدواني اإلنساني بالبحث و الدراسة بهدف عالجه‪،‬‬

‫ومن ثم ك انت ط ريقتهم العالجي ة للتحكم في ه ذا الن وع من الس لوك عن طري ق التع ديل اإلدراكي أي‬

‫التعديل المعرفي‪ (.‬ريما بنت عبد الرحمان ‪ 2009‬ص ‪)38‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 6‬عالقة السلوك العدواني بالمراهقة‪:‬‬

‫أش ارت العدي د من الدراس ات إلى أن ف ترة المراهق ة ترتب ط بالس لوك الع دواني‪ ،‬و ذل ك نظ رًا للتغ يرات‬

‫الهائلة التي تطرأ على المراهق في هذه الفترة من حياته‪ ،‬و من هذه الدراسات دراسة المركز القومي‬

‫‪172‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫للبح وث االجتماعي ة و الجنائي ة بجمهوري ة مص ر العربي ة ( ‪ )1976‬و دراس ة إيزل ر ( ‪Ezler )1978‬‬

‫عن إعادة التكيف االجتماعي للمراهقة‪ ،‬و كذلك آراء العلماء و المختصين التي تربط بين هذه الفترة و‬

‫بين الع دوان فيق ول يس ري عب د المحس ن ( ‪ {:)1987‬إن الع دوان موج ود في ك ل مراح ل التط ور‬

‫اإلنساني و لكن بصورة تختلف باختالف طبيعة المرحلة و قدرات اإلنسان فيها‪ ،‬و تعد مرحلة المراهق ة‬

‫إذا لم تكتنفها الرعاية البيئية و التنشئة الصالحة من أكثر المراحل التي يتوافر فيها كل مقومات إظهار‬

‫العدوان و ذلك الصطدام المراهق بالمجتمع من حوله لبحثه الدائم عن ذاته و كيانه‪ ،‬مما يجعل العدوان‬

‫وسيلًة للدفاع عن النفس}‪.‬‬

‫و ك ذلك فق د اعت برت النظري ة االجتماعي ة أن ف ترة المراهق ة من أخط ر الف ترات في حي اة اإلنس ان و‬

‫اعتبرتها ضمن الفروض األساسية لتفسير متكامل و شامل لظاهرة العدوان في المجتمعات النامية‪ ،‬و‬

‫عّللت ذلك ب أن فئ ة الم راهقين من أك ثر فئ ات المجتم ع من حيث إمكاني ة المش اركة في حوادث الع دوان‬

‫لما تتميز به شخصياتهم في هذه الفترة من تكثيف للتوترات و القلق و عدم االستقرار‪.‬‬

‫و ترج ع أس باب ش عور الم راهقين بالع دوان و إظه ار العن ف إلى االس تياء و الحرم ان و األلم ال ذي‬

‫يشعرون به حينما يحاولون الحصول على أكثر قدٍر من الحرية‪ ،‬حيث يصطدمون بسلطة الكبار سواًء‬

‫من اآلب اء أو من المعلمين‪ ،‬و ه و م ا يح رمهم من االس تمتاع باالمتي ازات النض ج‪ ،‬و به ذا تتول د ل ديهم‬

‫المش اعر العدائي ة نح و الكب ار ذوي الس لطة و ه ذه المش اعر تث ير ل ديهم الهي اج و االض طراب‪ ،‬و يع بر‬

‫المراهق ون عن مش اعرهم العدائي ة ه ذه نح و الكب ار داخ ل جماع ة األص دقاء بأش كاٍل عدواني ٍة كث يرٍة و‬

‫مختلفٍة ‪.‬‬

‫( سعد بن محمد ‪ 2006‬ص ‪)42‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 7‬الفرق الموجود بين الجنسين في السلوك العدواني‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫من خالل الرجوع إلى المالحظات اليومية لألوساط االجتماعية المختلفة يظهر لنا أن الذكور يتميزون‬

‫عن اإلناث بعدوانية أكبر و هذا راجع لعدة عواما منها البيئية و البيولوجية و الوراثية و منها نذكر‪:‬‬

‫‪ ‬عامل التكوين الفيزيولوجي‪ :‬فالذكور يميلون بحكم تكوينهم لحب الظهور و تأكيد الذات‪.‬‬

‫‪ ‬التمييز و التفريق الجنسي‪ :‬حيث نجد بعض المجتمعات تشجع الذكور على السلوك الع دواني و ذل ك‬

‫باعتباره حق طبيعي للذكر‪.‬‬

‫‪ ‬اختالف شكل السلوك العدواني‪ :‬فقد لوحظ أن عدوان اإلناث يكون لفظي ًا فقط‪ ،‬كالعتاب و الغيرة و‬

‫التف اخر و الث أر‪ ،‬بينم ا ع دوان ال ذكور يك ون فيزيقي ًا ي دور ح ول الملكي ة و انتزاعه ا و القي ادة و مخالف ة‬

‫تعاليمها أو خرقها‪.‬‬

‫‪ ‬كم ا أن الغري زة العدواني ة ليس ت أق وى عن د ال ذكور من ه عن د اإلن اث ب ل النم ط التعب يري ه و ال ذي‬

‫يتباين في إظهار السلوك العدواني‪ ( .‬كروش نوال ‪2011‬ص‪)127‬‬

‫‪ ‬عوام ل الس اللة و الع رق‪ :‬حيث ظه ر من خالل الدراس ات أن الس ود أك ثر عدواني ة من األطف ال‬

‫البيض و احتمالية إدخالهم إلى المؤسسات اإلصالحية تصل إلى أربعة أضعاف‪.‬‬

‫(مصطفى نوري‪ ،‬خليل عبد الرحمان‪2007‬ص‪)211‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 8‬قياس السلوك العدواني‪:‬‬

‫تعتبر عملية قياس السلوك العدواني من إحدى الصعوبات التي يواجهها المهتمون بدراسة هذا السلوك و‬

‫ذلك ألن هذا السلوك معقد إلى درجة كبيرة‪ ،‬و يزيد من صعوبة قياس السلوك العدواني تباين وجهات‬

‫النظر التي حاولت تفسيره‪ ،‬فما من شك في أن الطريقة التي يستخدمها الباحث لقياس السلوك العدواني‬

‫تعتم د بالض رورة على تفس يره ل ه و على األس باب ال تي يعتق د أنه ا تكمن وراءه‪ ،‬و ل ذلك تع ددت ط رق‬

‫قياس السلوك العدواني و فيما يلي عرض ألكثرها شيوعًا‪:‬‬

‫‪ ‬المالحظة المباشرة‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تعتبر وسيلة هامة و تحتاج إلى تدريب المالحظين‪ ،‬و قد تتم المالحظة في البيت أو الفصل الدراسي أو‬

‫في ساحة المدرسة‪.‬‬

‫‪ ‬قياس السلوك العدواني من خالل النتائج المترتبة عليه‪:‬‬

‫يتم تحديد السلوك العدواني عن طريق األشخاص المعتدى عليهم أو الممتلكات المستهدفة من ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬التقارير الذاتية‪:‬‬

‫في هذه الطريقة يقوم الطفل ذاته بتقييم مستوى السلوك العدواني الذي يصدر عنه‪.‬‬

‫‪ ‬المقابلة السلوكية‪:‬‬

‫تعت بر وس يلة هام ة للتع رف على خص ائص الع دوان و تحدي د الظ روف ال تي يح دث فيه ا و العملي ات‬

‫المعرفي ة و االنفعالي ة ال تي تص احبه‪ ،‬و أنواع ه‪ ،‬و ردود أفع ال األش خاص اآلخ رين‪ ،‬أو تتب ع نت ائج‬

‫السلوك‪.‬‬

‫‪ ‬المتابعة الذاتية‪:‬‬

‫و فيها يقوم الشخص بمالحظة سلوكه العدواني و تدوين البيانات فيما يتعلق بالمواقف التي تثير غضبه‬

‫و طريقة استجابته للموقف‪ ،‬و النتائج التي تمخضت عن السلوك العدواني ومن مميزات هذه الطريقة؛‬

‫مساعدة الشخص على الوعي بسلوكه و العوامل المرتبطة به‪ ،‬و هي ذات فائدة من الناحية العالجية‪.‬‬

‫‪ ‬اختبارات الشخصية‪:‬‬

‫منها اختبار منسوتا المتعدد األوجه‪ ،‬و اختبار الرورشاخ لبقع الحبر‪.‬‬

‫‪ ‬تقرير األقران‪:‬‬

‫‪175‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تتم عن طري ق توجي ه مجموع ة من األس ئلة إلى ع دد من األطف ال لإلجاب ة عنه ا به دف التع رف على‬

‫األطفال العدوانيين‪.‬‬

‫‪ ‬مقاييس التقدير‪:‬‬

‫حيث يقوم المعلمون أو المعالجون أو اآلباء بتقييم مستوى السلوك لدى الطفل من خالل قوائم سلوكية‬

‫محددة‪ (.‬محمد عيسى ‪2007‬ص ‪)52‬‬

‫و تعت بر مق اييس التق دير من أك ثر الط رق و أش هرها في قي اس الس لوك الع دواني ل دى األطف ال‪ ،‬و ق د‬

‫اكتسبت شهرة كبيرة وذلك لسهولة تطبيقها و إمكانية مالءمتها لمواقف متعددة مثل المنزل و المدرسة‪،‬‬

‫إض افًة إلى س هولة التعب ير عنه ا بص ورة كمي ة‪ ،‬و تمت از مق اييس تق دير الس لوك عن غيره ا من ط رق‬

‫القياس األخرى بموضوعيتها و اعتمادها على التجريب في قياس سلوك األطفال‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ 9‬الطرق المستخدمة لعالج العدوان و الوقاية منه‪:‬‬

‫الش ك في أن الطريق ة ال تي يس تخدمها المع الج إليق اف الس لوك الع دواني أو لخفض ه تعتم د على تفس يره‬

‫لهذا السلوك‪ ،‬و لما كانت التفسيرات المقدمة عديدة و متنوعة فإن طرق المعالجة هي أيضًا عديدة و‬

‫متنوعة‪ ،‬فإذا نظرنا إلى السلوك العدواني بوصفه سلوكًا غريزيًا فإن الطريقة التي نوظفها للتعامل معه‬

‫ستختلف عن الطريقة التي تعتبره سلوكًا اجتماعيًا متعلمًا‪.‬‬

‫ففي الحال ة األولى س يحاول المع الج على األغلب مس اعدة الطف ل على التعب ير عن الطاق ة العدواني ة‬

‫بطريقة مقبولة‪ ،‬أما في الطريقة الثانية فسيتم توظيف مبادئ التعلم لضبط السلوك العدواني‪.‬‬

‫و سنذكر فيما يلي بعض الطرق العالجية السلوكية و ذلك ألن الدراسات قد بينت أن هذه الطرق أكثر‬

‫فعالية من األساليب العالجية األخرى‪( .‬مصطفى نوري‪ ،‬خليل عبد الرحمان ‪2007‬ص‪)218‬‬

‫‪176‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬التعزيــز التفاضــلي‪ :‬و يش تمل ه ذا اإلج راء على تعزي ز الس لوكيات االجتماعي ة المرغ وب فيه ا‪ ،‬و‬

‫تجاه ل الس لوكات االجتماعي ة غ ير المرغ وب فيه ا‪ .‬وق د أوض حت الدراس ات إمكاني ة تع ديل الس لوك‬

‫العدواني من خالل هذا اإلجراء‪ ،‬قام بها " بروان" و" إليوت" ‪ Brown & Elliot‬استطاع الباحثان تقليل‬

‫السلوكات العدوانية اللفظية و الجسدية لدى مجموعة من األطفال في الحضانة خالل إتباع المعلمين لهذا‬

‫اإلجراء‪.‬‬

‫‪ ‬الحرمان المؤقت من اللعب‪ :‬و يستخدم هذا األسلوب عادًة في حالة وجود طفل عدواني مع زمالئه‬

‫بحيث يلحق األذى بهم‪ ،‬و قد استخدم " بريسكالد" و "جاردنور" ‪ Brisklad & Gardenor‬هذا اإلجراء‬

‫مع طفلة عمرها ثالث سنوات‪ ،‬و كانت النتيجة تقليل سلوك العدوان عند الطفلة من ‪ %45‬إلى ‪%41‬‬

‫بعد هذا اإلجراء‪(.‬خولة أحمد ‪2000‬ص‪)191‬‬

‫‪ ‬تقليل الحساسية التدريجي‪ :‬و يتضمن هذا األسلوب تعليم الطفل العدواني و تدريبه على استجابات‬

‫ال تتوافق مع السلوك العدواني كالمهارات االجتماعية الالزمة‪ ،‬مع تدريبه على االسترخاء‪ ،‬و ذلك ح تى‬

‫يتعلم الطفل كيفية استخدام االستجابات البديلة و بطريقة تدريجية‪ ،‬و ذلك لمواجهة المواقف التي تؤدي‬

‫إلى ظهور السلوك العدواني‪.‬‬

‫‪ ‬أسلوب العــزل و ثمن االسـتجابة‪ :‬و يتم هن ا التوض يح للطف ل ب أن قيام ه بالس لوك الع دواني ال ي ؤدي‬

‫فقط إلى عدم الحصول على مكافآت‪ ،‬بل إن نتائج سلوكه هذا تعني العقاب‪.‬‬

‫‪ ‬إجراء التصحيح الزائد‪ :‬و هو قيام األطفال بسلوكات بديلة للسلوكات العدوانية بشكل متكرر‪ ،‬مثال‬

‫ذلك عندما يقوم الطفل بأخذ األشياء بقوة من زمالئه‪ ،‬يطلب منه إعادتها و االعتذار للمعلمين و ال زمالء‬

‫على سلوكه الخاطئ‪ ،‬و يشتمل التصحيح على ثالثة عناصر أساسية هي‪:‬‬

‫‪177‬‬
‫المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ‬تحذير الطفل العدواني لفظيًا و ذلك بقول؛ ال‪ ..‬و يتوقف عن هذا في حالة اعتدائه على طفل آخر‪.‬‬
‫‪ ‬الممارس ة االيجابي ة‪ :‬و تش تمل على الطلب من الطف ل لفظي ًا أن يرف ع ي ده ال تي ض رب به ا الطف ل‬
‫اآلخر و أن ينزلها أربعين مرة مباشرة‪ ،‬بعد قيامه بالسلوك العدواني‪.‬‬
‫‪ ‬إعادة الوضع أفضل مما كان عليه قبل حدوث السلوك العدواني‪ ،‬و ذلك من خالل اعتذار الطفل‬
‫المعتدي إلى الطفل المعتدى عليه‪.‬‬
‫‪ ‬النمذجة‪ :‬تعتبر طريقة النمذجة من أكثر الطرق فعالية في تعديل السلوك العدواني‪ ،‬و يتم ذلك من‬

‫خالل تق ديم نم اذج الس تجابات غ ير عدواني ة للطف ل‪ ،‬و ذل ك في ظ روف اس تفزازية و مث يرة للع دوان و‬

‫يمكن القيام بمساعدة الطفل عن طريق لعب األدوار من أجل اكتساب سلوكات غير عدوانية‪ ،‬و يمكن‬

‫تقديم التعزيز عند حدوث ذلك من أجل منع الطفل من إظهار السلوك العدواني في الموقف‪.‬‬

‫‪ ‬توفير طرق لتفريغ العدوان‪ :‬و هنا يتم تقديم وسائل بديلة متنوعة من أجل التخلص من الغضب أو‬

‫تفريغ النزعات العدوانية مثل؛ اللعب‪ ،‬و التمرينات الرياضية‪...‬الخ(المرجع السابق ‪2000‬ص‪)192‬‬

‫‪ ‬ملخص الفصل‬

‫إن ف ترة المراهق ة ف ترة حياتي ة متم يزة بس ماتها و خصائص ها و انفعاالته ا و مش اكلها‪ ،‬و تعت بر ه ذه‬

‫المرحلة من أهم المراحل النمائية في حياة اإلنسان‪ ،‬إذ يتحدد فيها الطريق الذي يختاره الشباب فيما بعد‬

‫و المطل ع على م ا يح دث في الع الم الب د أن ي درك ب أن ف ترة المراهق ة هي الف ترة األك ثر اس تحواذًا على‬

‫اهتم ام الن اس في بعض المجتمع ات المعاص رة‪ ،‬و بأنه ا أك ثر ف ترات الحي اة ت أثيرًا في مج االت الحي اة‬

‫المختلف ة من اجتماعي ة و اقتص ادية و سياس ية‪ ،‬كم ا أنه ا أك ثر ف ترات الحي اة إرهاق ًا و عس رًا بالنس بة‬

‫للمراهق و أسرته و المجتمع على حد سواء‪.‬‬

‫و على ه ذا األس اس قمن ا من خالل ه ذا الفص ل باس تعراض بعض الج وانب األساس ية ال تي تم يز ه ذه‬

‫المرحلة وفقًا لما يخدم طبيعة الدراسة الحالية‪.‬‬

‫‪178‬‬

You might also like