Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
تعتبر مرحلة المراهقة من أدق و أهم المراحل التي يمر بها اإلنسان ،ذلك ألنها المرحلة التي يتحول
خاللها الفرد من طفٍل غير كامل النمو إلى كائٍن بالٍغ ناضٍج (.إبراهيم وجيه 1981ص )18
و هي من الفترات الحساسة في حياة اإلنسان ،فهي تمثل فترة نمو جسمي وعقلي ونفسي هامة .وقد
أجمعت أك ثر الدراس ات الحديث ة على اعتب ار الم راهقين الفئ ة الحساس ة ال تي يجب العناي ة بهم ص حًيا
كما وتذهب كثيٌر من الدراسات إلى أن المراهقة منعط ٌف خطيٌر في حياة الفرد ،وأنها تؤثر على كافة
حياته وسلوكه االجتماعي والنفسي ،ويظهر هذا األثر في اضطراب سلوك المراهق فهو أحيان ًا منفع ٌل
غاض ٌب ،من دفٌع وع دواني خاص ة على مس توى األس رة والمدرس ة ،وأحيان ًا أخ رى ه ادٌئ منع زٌل يمي ل
للوحدة أكثر ،لش عوره باإلهمال والرفض من قبل الرفاق وأعضاء األسرة والكبار ،فيغرق في أحالم
اليقظة؛ وقد يصل به الحال إلى محاولة االنتحار (.بلمولود جمانة 2005ص )9
واس تناًد ا ألهمي ة ه ذه المرحل ة باعتباره ا مرحل ة تت أثر بم ا قبله ا من مراح ل ،وت ؤثر في المراح ل ال تي
تليه ا ،س نتناول في ه ذا الفص ل موض وع المراهق ة حيث س نتطرق إلى تعري ف المراهق ة و أنماطه ا ثم
ع رض مختل ف االتجاه ات المفس رة لف ترة المراهق ة ،ثم ذك ر الخص ائص النمائي ة له ذه المرحل ة ،ثم
اإلش ارة ألث ر التنش ئة األس رية في ه ذه المرحل ة لم ا له ا من دور فّع ال و ب ارز في تحدي د شخص ية
المراهق.
وسوف نتناول بالتفصيل مشكلتين بارزتين و هما القلق النفسي و السلوك العدواني باعتبارهما من أكثر
104
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ي رى " دوروتي روج رز" ب أَّن للمراهق ة تع اريف متع ددة فهي ف ترة نم و جس دي ،و ظ اهرة اجتماعي ة
ومرحلة زمنية ،كما أنها فترة تحوالٍت نفسيٍة عميقٍة ( .ميخائيل إبراهيم أسعد 1986ص)225
الالث ني( )ADOLSCEREو معن اه الت درج نح و النض ج الجس مي و الجنس ي و العقلي و االنفع الي
واالجتماعي.
و يصبح بهذا المعنى التعريف العلمي للمراهقة بأنها مرحلة زمنية من العمر تقع ما بين الثانية عشرة
ح تى العش رين تنقص أو تزي د بع ام أو ع امين بين حال ٍة وأخ رى و ال تع ني أك ثر من قنط رة عب ور من
الطفول ة إلى الرش د و له ا مم يزات و مش اكل خاص ة ،و إذا ك انت ال والدة ت اريخ بداي ة الطفول ة ف إَّن
المراهقة تاريخ بداية الرجولة عند الذكر و األنوثة عند المرأة ( الزين عمارة 1986ص )396
و المراهق ة في علم النفس تع ني مرحل ة االنتق ال من مرحل ة الطفول ة إلى مرحل ة النض ج و الرش د ،و
تترتب عليها سلوكيات جديدة لم يألفها الفرد في مرحلة الطفولة ،و قد يكون سلوكه الجديد متوافق ًا و قد
و يقول "صالح مخيمر" إن المراهقة هي الميالد النفسي ،و هي الميالد الوجودي للعالم الجنسي ،و هي
الميالد الحقيقي للفرد كذات فردية (.حامد عبد السالم زهران 1995ص )326
و تعرف المنظمة العالمية للصحة ( )O, M, Sالمراهقة بأنها الفترة التي من خاللها:
يمر الفرد من مرحلة ظهور أولى السمات الجنسية إلى النضج الجنسي.
يصبح الفرد ذو بناءات نفسية و أنماط معرفية تحول الطفل إلى راشد.
105
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و تجدر اإلشارة إلى أنه كثيرًا ما يستخدم مصطلح البلوغ و المراهقة للداللة على نفس المعنى ،إال أن
هناك فرقًا بين معنى كل منهما؛ فالبلوغ يعبر عن الجانب الجنسي ،و هو بداية لمرحلة المراهقة ،بينما
المراهق ة هي أش مل و أعم تمت د م ا بين البل وغ و حص ول النض ج ،و هي تتض من سلس لة من التغ يرات
و يعتبر " ستانلي هول" المراهقة بأنها :مرحلة عواصف و ضغوط تولد فيها الشخصية من جديد ،و
ذهب إلى أن المراهق إنس ان تائه ،سريع االنفع ال ،غير متزن ،ال نستطيع أن نتنبأ بم ا سيفعله ،لكثرة
تقلباته االنفعالية ،و عدم استقراره النفسي ،مما يخلق لديه أزمة حتمية بسبب التغيرات الفسيولوجية و
البيولوجية التي يعيشها أثناء و بعد البلوغ ،وما يتبعها من معاناة و إحباط و صراع و قلق و مشكالت
و صعوبات توافقية.
و رغم م ا ي ذهب إلي ه " ه ول" إال أن بعض المحللين النفس يين يعتق دون أن ه ب الغ في حتمي ة اض طراب
الثورة و العصيان و في هذه المرحلة من الحياة ( .أبو بكر مرسي 2002ص )31
المراهق ة المبك رة :و تش تمل على األعم ار ال تي ت تراوح بين 12ـ 14س نة ،و يك ون المراه ق فيه ا
المراهق ة الوس طى :و تش تمل على األعم ار ال تي ت تراوح بين 15ـ 17س نة ،و تقاب ل مرحل ة التعليم
الث انوي .و تكون هذه المرحل ة من أص عب المراحل ،بالنظر الندفاع المراه ق إلى تحقيق استقالليته و
المراهق ة المت أخرة :و تش تمل على األعم ار التي ت تراوح بين 18ـ 21س نة و يك ون المراهق في
مرحلة التعليم الجامعي ،و قد يختار المهنة و شريكة العمر أيضًا ( .أمل مخزومي 2004ص )115
106
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
يرى الدكتور " صموئيل مغاريوس" أن هناك أربعة أنماط للمراهقة يمكن تلخيصها فيما يلي:
المراهقة المتكيفة:
وهي المراهق ة الهادئ ة نس بيًا و ال تي تمي ل إلى االس تقرار الع اطفي و تك اد تخل و من الت وترات االنفعالي ة
الحادة و غالبًا ما تكون عالقة المراهق بالمحيطين به عالقة طيبة ،كما يشعر المراهق بتقدير المجتمع
له و توافقه معه و ال يسرف المراهق في هذا الشكل في أحالم اليقظة أو الخيال أو االتجاهات السلبية
و هي ص ورة مكتئب ة تمي ل إلى االنط واء و العزل ة و الس لبية و ال تردد و الخج ل و الش عور ب النقص و
عدم التواف ق االجتماعي ،و مج االت المراهق الخارجي ة االجتماعي ة ض يقة محدودة ،و ينصرف جانب
كب ير من تفك ير المراه ق إلى نفس ه ،و ح ل مش كالت حيات ه أو إلى التفك ير ال ديني و األم ل في القيم
و يكون فيها المراهق ثائرًا متمردًا على السلطة سواء سلطة الوالدين أو المدرسة أو المجتمع الخارجي،
كما يميل المراهق إلى تأكيد ذاته و التشبه لرجال و مجاراتهم في سلوكهم كالتدخين و إطالق الشارب
و اللحي ة ،و الس لوك الع دواني عن د ه ذه المجموع ة ق د يك ون ص ريحًا مباش رًا يتمث ل في اإلي ذاء ،أو ق د
107
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
المراهقة المنحرفة:
و ح االت ه ذا الن وع تمث ل الص ور المتطرف ة للش كلين المنس حب و الع دواني ،ف إذا ك انت الص ورتان
السابقتين غير متوافقة أو غير متكيفة إال أن مدى االنحراف ال يصل إلى الصورة البادية في هذا
الش كل حيث نج د االنحالل الخلقي و االنهي ار النفس ي ،و يق وم المراه ق بتص رفات ت روع المجتم ع و
يدخلها البعض أحيانًا في عداد الجريمة أو المرض النفسي أو العقلي (.محمد زيدان 1982ص )156
يرك ز ه ذا االتج اه على المح ددات الداخلي ة للس لوك "المح ددات البيولوجي ة" وظه ر ه ذا االتج اه على ي د
"ستانلي هول" 1904والذي اعتبر المراهقة مرحلة عواصف وضغوط تولد فيها شخصية اإلنسان من
جديد ،وقد اعتبر التغيرات السلوكية التي تحدث خالل المراهقة تخضع لسلسلة من العوامل الفسيولوجية
كما اعتبر "هول" المراهقة ميالًد ا جدي ًد ا يحدث في شخصية الفرد ،فالتغيرات السريعة التي تحدث في
هذه المرحلة تحول شخصية الطفل إلى شخصية جديدة مختلفة تماًم ا عما كانت عليه ،ويعزو "هول" ه ذه
التغيرات للنضج الجنسي ،والتغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على الغدد ،والنتائج النفسية له ذه التغ يرات
تكون متش ابهة عن د جميع الم راهقين .ولك ون هذه التغ يرات س ريعة ومفاجئ ة فقد وص فها "ه ول " بأنه ا
فترة عواصف وتوتر ،فالمراهق يكون فيها شارد الذهن ،سريع االنفعال ومن الصعب التنبؤ بسلوكه.
ومم ا س بق نالح ظ أن االتج اه ال بيولوجي رك ز على العوام ل الداخلي ة الفس يولوجية ،ولم يع ط للعوام ل
108
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
يركز هذا االتجاه على المحددات الخارجية للسلوك أي المحددات االجتماعية والثقافية والقيم المكتسبة
وق د ت زعمت ه ذا االتج اه "مرج ريت مي د" Margaret Meadفاألنم اط الخاص ة بالس لوك تختل ف
باختالف البيئات االجتماعية والثقافات ،حيث ظهرت أهمية البيئة والثقافة في تنويع دوافع السلوك التي
تم تحدي دها بيولوجًي ا في مي دان الدراس ات األنثربولوجي ة ،فالدراس ات ال تي ق امت به ا "مرج ريت مي د"
1925على قبائ ل الس امو أوض حت أن المش كالت ال تي تواج ه الم راهقين تختل ف من ثقاف ة إلى أخ رى،
و االتجاه االجتماعي يرى أن المراهقة مرحلة نمو عادية وليست بالضرورة أزمة في كل المجتمعات
وأن المراهقين في سلوكهم وتصرفاتهم ومشكالتهم يعكسون أثر البيئة االجتماعية التي نشأوا فيها ،كما
أن المراهقة ليست لها نمط عام ،بل قد تتخذ أنماًطا متعددة تختلف باختالف البيئة المحيطة بالمراهق .
ومم ا س بق نج د أن االتج اه االجتم اعي رك ز على المح ددات الخارجي ة للس لوك ،وأهم ل بش كل واض ح
المحددات الداخلية.
يركز هذه االتجاه على التفاعل بين المحددات الداخلية والخارجية للسلوك ،وقد تزعم هذا االتجاه" ليفين"
،Leivin.Kحيث أرج ع المش كالت ال تي يع اني منه ا المراه ق ب أن ف ترة المراهق ة تش كل تغ يًر ا في
االنتم اء االجتم اعي ل دى المراه ق ،فبع د أن ك ان ينتمي إلى جماع ة األطف ال أص بح ينتمي إلى جماع ة
الراش دين من حيث الس لوك وأن ه ذا االنتق ال يش كل ص عوبة بالنس بة للمراه ق ،ألن ه ينتق ل من ع الم
معروف إلى عالم جديد غير معروف لديه من الناحية النفسية لذلك يشعر المراهق بالحيرة ،ال يستطيع
109
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
كما يشاء ،بل إنه أصبح مرتبًط ا بقيم وعادات جماعة جديدة تمثل مستوى أرقى من المستوى الطفولي
كم ا يش ير" ليفين" إلى أن جس م المراه ق وم ا يتناول ه من ث ورة في النم و والتغ يرات الكيماوي ة تجع ل
المراهق حائًر ا ال يدري كيف يستجيب لها خصوًص ا تلك التي تتصل بالنضج الجنسي.
ف المراهق يتع رض إلى موق ف مجه ول يجعل ه م تردًد ا وح ائًر ا مم ا يس بب ل ه المش كالت ،كم ا يتع رض
المراهق إلى مجاٍل جديٍد مجهوٍل بالنسبة إليه حيث يبدأ مجاله الزمني باالتساع وينطلق في التفكير إلى
فقد رأى أن مرحلة المراهقة تتميز بالنضج الجسمي والعقلي ،كما أما "سولنبرجر"Sollenperger
أن العدي د من الخ برات والع ادات تكتس ب في ه ذه المرحل ة ،وبق در م ا تك ون ه ذه الخ برات مفي دة في
تحقي ق التواف ق النفس ي واالجتم اعي ،إال أنه ا تك ون أيًض ا مبعًث ا لبعض مش كالت المراه ق النفس ية
واالجتماعية.
ومعظم علم اء النفس ال ذين يدرس ون المراهق ة يفض لون االتج اه التف اعلي بين العوام ل البيولوجي ة
واالجتماعي ة ،حيث يفس ر ه ذا االتج اه ماهي ة شخص ية المراه ق على ض وء التفاع ل بين الت أثيرات
البيولوجية واالجتماعية.
يؤكد أنصار مدرسة التحليل النفسي بصفة عامة؛ أن بنية الشخصية تتعرض لتعديل في طور المراهقة
فقد كانت ( األنا) قبل حلول هذه الفترة تشغل مركزًا متوسطًا بين (الهو) و ( األنا األعلى) و تتوالى
مهمة التوفيق بينهما على نحو يكفل لكل منهما إشباعه المنشود.
110
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و طبقًا للتصور الفرويدي لسيكولوجية المراهقة فإن وظيفة ( األنا) في هذا الصدد يطرأ عليها نوع من
التشويش و االضطراب نتيجة النخراط الفرد في طور البلوغ ،و يبدو ( الهو) في هذا الوقت محكومًا
أو موجهًا بتأثير المحفزات الجنسية متخطيًا مجرد الحصول على اللذة إلى الرغبة في التناسل و التكاثر
أيضًا.
و ك انت ( األن ا األعلى) ح تى حل ول ه ذه الف ترة الحرج ة مباش رة ق د ش رعت في ممارس ة وظيفته ا ،و
حددت مالمحها خالل سنوات الكمون و ذلك عن طريق التوحد Identificationمع الوالدين و المثل
العلي ا الم وقرة في المجتم ع .و لكن م ع حل ول المراهق ة ته تز دع ائم األن ا األعلى نتيج ة للتغ يرات ال تي
و يعت بر " فروي د" مرحل ة المراهق ة المرحل ة األخ يرة في تص وره لمراح ل النم و ،و تتم يز ه ذه المرحل ة
بمالمح ارتقائي ة هام ة منه ا التحول إلى عش ق الذات و احترام الواق ع ،و نمو الميول الجنسية الغيري ة،
و على ال رغم من أن نظري ة " فرويد" له ا مفاهيم عديدة بالنسبة لتط ور شخص ية المراهق إال أن كثيرًا
من االس تخدامات المفي دة لنظري ة التحلي ل النفسي ليس ت من فرويد لكنه ا من ب احثين آخ رين وس عوا من
نظرية فرويد و طبقوها على المراهقة بنوع خاص على نحو ما نجد لدى " آنا فرويد" Anna Freud
1985حيث ت رى :أن المراهق ة تع د بمثاب ة قط ع أو إنه اء للنم و اآلمن للف رد ،فالطاق ة الجنس ية تش عل
الدافع الجنسي و تهدد التوازن بين الهو و األنا مما يؤدي إلى القلق و الخوف و األعراض العصابية.
و يش ير " س وليفان" Sullivanإلى أن الكث ير من ص راعات المراهق ة تنش أ نتيج ة الحاج ات المتعارض ة
لإلشباع الجنسي و الحاجة إلى األمن و إلى العالقات الحميمة (.أبو بكر مرسي 2002ص )36
111
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
مما سبق نجد أن هذا االتجاه ركز على الجانب النفسي ـ الجنسي من النمو و أهمل الجوانب األخرى
ي تزعم ه ذا االتج اه ع الم النفس " إريكس ون" Erikson, E 1963و في ض وء تص وره للص راع في
مرحل ة المراهق ة يظه ر "إيركس ون" بع د نفس ي اجتم اعي جدي د و ه و اإلحس اس بهوي ة ال ذات و طرف ه
السلبي هو ارتباك الدور ،و مهمة المراهق في هذه المرحلة هي إدماج كل معرفة اتخذها عن نفسه في
تش كيل هوي ة ذاتي ة ت بين ال وعي بالماض ي ،فالص راع النفس ي االجتم اعي في ه ذه المرحل ة ه و ص راع
داخل األنا نفسها بين تحديدها لهويتها مقابل عدم تحديد الهوية و ارتباكها.
و مرحلة المراهقة هي مرحلة تقنين الذات يحاول المراهق من خاللها القيام بأدوار متعددة يحقق ذاته و
يتخلص من شعوره بالتبعية المطلقة لآلخرين بحيث يكون له نهجه المستقل في القرار و االختيار ،و
يحاول المراهق التوفيق بين أدواره المتعددة لكي يصل في النهاية لتحقيق هويته الذاتية.
و هنا تتضح لنا مشكلة المراهقة من الناحية النفسية و االجتماعية ،ذلك أن الرشد ال يعني فقط اكتمال
النم و من الزاوي ة البدني ة ،ب ل يع ني في المق ام األول اكتم ال دع ائم ه ذا النض ج من الناحي ة النفس ية و
االجتماعية و االقتصادية ،و من ثم فالمراهقة من حيث هي أزمة ال ترجع في هذا الطور إلى النمو في
ذات ه و إنم ا ترج ع في المق ام األول إلى مش اكل الحي اة الراش دة ال تي يت أهب المراه ق لالنتق ال إليه ا ،و
خالل ه ذا يتج ه المراه ق لتج ريب ع دد من الهِو ي ات قب ل أن يص ل إلى تحدي د نه ائي لهويت ه ،و ي ذهب
"إريكس ون" إلى أن عملي ة تك وين الهوي ة ليس ت عملي ة بس يطة فهي تش ير إلى حاص ل جم ع ك ل خ برات
الطفول ة و النض ج ال بيولوجي ،و نم و األن ا و إنم ا هي كي ان تتكام ل في ه ت دريجيًا المعطي ات التكويني ة و
112
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
الحاج ات الليبيدي ة ،و الق درات المم يزة ،و التوح دات ذات األهمي ة و ال دفاعات الفعال ة ،و اإلعالء
الن اجح ،و كله ا تظه ر فق ط نتيج ة التفاع ل المتب ادل بين اإلمكاني ات الفردي ة و الن واحي التكنولوجي ة في
نالح ظ أن ه ذا االتج اه يفس ر ماهي ة شخص ية المراه ق على ض وء التفاع ل بين العوام ل النفس ية و
االجتماعية.
استخالص عام:
من خالل النظريات المفسرة لماهية المراهقة نالحظ أن هناك اختالف بين العلماء في تحديد طبيع ة ه ذه
المرحل ة حيث أن هن اك من يفس رها في ض وء الت أثيرات البيولوجي ة و هن اك من يفس رها في ض وء
التأثيرات األنتروبولوجية ،و هناك من يفسرها في ضوء التفاعل بين العوامل البيولوجية و االجتماعية
و هناك من يفسرها في ضوء العوامل السيكودينامية ،و هناك من يفسرها في ظل التفاعل بين العوامل
النفس ية و االجتماعي ة ،و ه ذا االختالف يعكس لن ا حقيق ة واقعي ة و هي أن ف ترة المراهق ة ف ترة غني ة
بالتغيرات و التفاعالت البيولوجية و االجتماعية و النفسية ،و تفسيرها ال يكون إال في ضوء الجم ع بين
تتم يز ه ذه الف ترة بتس ارع في النم و الجس مي ك الطول ،و يط رأ تغي ير كب ير على وظ ائف جمي ع الجس م
أهمه ا نض ج الغ دد الجنس ية و األعض اء التناس لية ،و يح دث أول تح ول و عالم ة انتق ال من مرحل ة
الطفولة إلى المراهقة ،يتضمن مظهر البلوغ الجنسي لدى المراهق االستحالم الذي يعني قذف السائل
113
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
المن وي لل ذكر و أول حيض أو الع ادة الش هرية لألن ثى ،و تلعب الغ دد دورًا مهم ًا في النم و الجنس ي أو
التبكير به.
يمّر النمّو الجسمي لدى المراهق بمراحل عديدة يكون في بعضها سريعًا و في البعض اآلخر هادئ ًا ،و
بعد أن يهدأ النم ّو الجسمي في مرحلة الطفولة المتأخرة يسرع هذا النم ّو في مرحلة المراهقة و يطلق
و تكون أقصى سرعة في النم ّو لدى البنات في سن 12سنة و يستمر إلى 18سنة ،أما البنون فيبدأ
النمّو لديهم في سن 14سنة و يستمر إلى 20سنة .و يتميز النم ّو الجسمي بالتغييرات التي تطرأ على
الوجه ،و ذلك بكبر األنف و الشفتين ،و تتالشى عالمات الطفولة .كما يزداد طول الجذع و الساقين و
يؤدي إلى مظاهر الطول البارزة لدى المراهقين ،و يكون نم ّو العضالت لدى الفتى سريعًا و واضحًا
جدًا خاصًة في عمر 14ـ 16سنة ،و لدى البنات في عمر 12ـ 14سنة.
كثيرًا ما يصف البعض مرحلة المراهقة بمرحلة االرتباك في جميع المواقف ،و منها الجانب الحركي
للمراه ق ،ت ؤدي س رعة النم ّو و ع دم التناس ق في ه إلى االرتب اك في الحرك ة و نموه ا ،و يمي ل بعض
المراهقين في هذه الفترة إلى الخمول و الكسل ،بسبب عدم التناسق الذي يتصف به النم ّو الجسمي ،من
ج انب آخ ر هن اك من الم راهقين من يقف ز و ي ركض و يك ون س ريعًا في ه اتين المه ارتين بس بب نم ّو
الطول و كلما تقدم المراهقون في هذه المرحلة أصبحت حركاتهم أكثر اتساقًا و توازنًا.
تتمَّيز فترة المراهقة بنمّو القدرات العقلية و نضجها بشكل عام ،و توصلت البحوث إلى أن نم ّو الذكاء
العام لدى المراهق يكون مطردًا ،و يتحول اإلدراك الحسي إلى إدراك معنوي ،أضف إلى ذلك أن قدرة
114
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
المراهق على التفكير المجرد و االستدالل و االستنتاج و قدرته على حل المشاكل التي تواجهه تكون
في هذه المرحلة أفضل من ذي قبل ،و تنمو لديه القدرة على التحليل و التركيب و التعميم.
يؤدي نمّو المراهق العقلي إلى تقديره للذات و االعتزاز بها ،كما تساعد معرفة المراهق لقدرات ه بش كل
يعيش المراهق بين أفراد المجتمع المختلفين بدءًا من العائلة و األصدقاء و المدرسين و زمالء العمل و
انته اًء بغ يرهم ،و هم جميع ًا يتحّل ون ب القيم و الع ادات و األع راف و التقالي د االجتماعي ة المختلف ة ال تي
ي دين به ا المجتم ع ،تلعب التنش ئة االجتماعي ة دورًا مهم ًا في نم ّو المراه ق االجتم اعي ،و إن خ رج عن
و هن اك عوام ل عدي دة تلعب دورًا مهم اً في النم ّو االجتم اعي للمراه ق كاألس رة و المدرس ة و جماع ة
الرف اق و تع د األس رة أول وأهم ه ذه العوام ل؛ ف المراهق ال ذي يعيش وس ط أف راد يجم ع بينهم الحب
والتف اهم ،ال ش ك أن نم وه االجتم اعي س يكون ص حيحًا وتفاعل ه م ع أف راد المجتم ع يك ون س ويًا ،أم ا إذا
كان سوء التفاهم واضطراب العالقات هو الجو السائد داخل األسرة ،فإن ذلك سيؤدي وال شك إلى نم ٍو
اجتماعي مضطرب.
فك ثرة الخالف وس وء التف اهم بين اآلب اء والمراه ق من الص ور الش ائعة في مرحل ة المراهق ة ،وذل ك
ألس باب عدي دة منه ا طريق ة معامل ة اآلب اء البنهم المراه ق على أن ه ال ي زال طفال ،وثورت ه ه و على
الظ روف ال تي يعيش ها ونق ده لوالدي ه؛ مم ا يجعل ه في ص راع مس تمر معهم ،الش يء ال ذي ينعكس على
س لوكه م ع أف راد المجتم ع ال ذين يتعام ل معهم في المواق ف المختلف ة ،وه ذا م ا ي ؤدي إلى ع دم توافق ه
115
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
وتك وين عالق ات اجتماعي ة س وية ش أنه في ذل ك ،ش أن المراه ق الم دلل ال ذي ال يس تطيع االعتم اد على
نفس ه أو حل مشاكله البسيطة دون مساعدة والديه أو أحد أفراد أسرته ،وذلك ألنه تعود منهم الحماية
كل صغيرة وكبيرة تخصه .فأنى لمثل هذا المراهق أن يكون شخصية سوية قوية ،بل وأنى لصاحبها
و تعتبر جماعة الرفاق أيضًا أحد العوامل المهمة في التأثير على النمو االجتماعي للمراهق حيث يؤكد
كث ير من الب احثين على أن ت أثير جماع ة الرف اق على نم و المراه ق االجتم اعي ق د يف وق ت أثير األس رة
والمدرسة.
ففي إط ار جماع ة الرف اق ،يج د المراه ق ض الته في األف راد ال ذين يتفهم ون م ا يعاني ه من مش اكل
واض طرابات؛ فيتوح د معهم في قيمهم ومع اييرهم ويجمعهم فك را واح دا ونم ط س لوك واح د ،وح تى
أسلوب واحد في طريقة اللباس واللهجة ولغة الحديث ،كل هذا من أجل أن يحس المراهق بانتمائه إلى
فئ ة معين ة ويتخطى عذابات ه ال تي لم تتفهمه ا أس رته ،ويس تطيع إثب ات وج وده وتحقي ق ذات ه ومن ثم
االس تمتاع بحياته .فيشعر المراهق بتقبل اآلخرين له واستحسانهم لوجوده معهم ،فيتعاون معهم ويتعلم
المجتمع ،فيتبادل معهم المحبة واألخذ والعطاء وأال يكون أنانيا محب ًا لنفسه على حساب غيره ،فيتقبل
النقد منهم ليع دل س لوكياته وفق م ا ترتض يه الجماع ة والع ادات والتقالي د الس ائدة في المجتم ع .لكن ه ذه
الجماعة التي يختارها المراهق لالنضمام إليها ،ال يكون دائما تأثيرها عليه في االتجاه اإليجابي؛ حيث
أنها قد تكون جماعة منحرفة في سلوكياتها ،فتكسبه عادات ومعايير مخالفة لمعايير المجتمع ،وتجعل
س لوكه منحرف ا غ ير متواف ق م ع م ا ه و س ائد داخل ه ،فق د تعت دي ه ذه الجماع ة على أم وال وممتلك ات
116
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و يوض ح " إريكس ون" Eriksonأن جماع ة الرف اق ق د تلج أ إلى القس وة و العن ف والتعص ب لل دفاع
عن النفس ضد أي خطر يهدد هويتها ووحدة أعضائها ،وذلك بإقصاء العناصر التي ال تتفق معها في
و خالص ة الق ول ،أن النم و االجتم اعي خالل مرحل ة المراهق ة ذو أهمي ة ك برى تتوق ف علي ه الحي اة
المستقبلية للمراهق والدور الذي سيلعبه في رشده داخل المجتمع .فإن كان هذا النمو سائرا في االتجاه
الصحيح استمتع المراهق بحياته في مراهقته ورشده ،وإ ن كان العكس قد ينسحب المراهق من الحياة
االجتماعية وقد يتوجه إلى الحياة المنحرفة باتخاذها أسلوبا للعيش داخل المجتمع ،أي أن المجتمع بكل
مؤسس اته االجتماعي ة مط الب بتحلي ل ومعرف ة ه ذه المرحل ة الخاص ة ،ح تى يس هل إدم اج المراه ق في
الحي اة االجتماعي ة بك ل مكوناته ا و الترك يز على العوام ل المتع ددة ال تي س بق ذكره ا(.المرج ع الس ابق
2004ص )148
إن أهم مظ اهر حي اة المراه ق االنفعالي ة الحب و الخ وف و الغض ب و الكآب ة و القل ق ،فه و كث ير القل ق
بمستقبله ،وتتصف انفعاالته بأنها حادة و قوية ،فتجدها عنيفة متهورة ال تناسب مثيراتها بحيث يندفع
المراه ق وراء رغبات ه و اهتمامات ه ،كم ا أن ه ال يس تطيع التحكم في انفعاالت ه و يتذب ذب بين ح االت
انفعالي ة مختلف ة م ا بين الحب و الك ره ،و الش جاعة و الخ وف ،و الته ور و الجبن ،و الت دين و اإللح اد
و هو أكثر ميًال للخجل و االنطواء و الكآبة نتيجة للتغيرات الجسمية المفاجئة ،كما يتميز بالرهافة و
و إن للتغيرات الجسمية التي تطرأ على المراهق األثر الكبير في نموه االنفعالي ،كما تلعب العالقات
األس رية و المدرس ية ال دور اله ام في ذل ك ،و يت أثر النم و االنفع الي بطبيع ة الض غوطات النفس ية ال تي
117
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
يتعرض لها المراهق و النماذج السلوكية التي يشاهدها و يتفاعل معها ،بفعل اتساع دائرة اتصاله بالعالم
الخارجي بحكم مرحلته النمائية التي يمر بها (.نايفه الشوبكي 2010ص )120
يؤثر نمط تفاعل اآلباء مع أبنائهم المراهقين في قدرة المراهقين على التكيف ،فقد يعزز هذه القدرة أو
يض عفها ،فتفاع ل اآلب اء الس لبي المب ني على رفض المراه ق ،وع دم احترام ه ،وش تمه ،والتهدي د
بمعاقبت ه،أو معاقبت ه ،وتوقع ات اآلب اء ال تي ال تتناس ب وقدرات ه ،واإلهم ال وع دم االنتب اه ،وال رفض،
والحرمان يؤدي إلى ضعف قدرة المراهق على تحقيق التكيف السوي ،أما تفاعل اآلباء اإليجابي المبني
على تقبل المراهق وتفهم حاجاته وإ ظهار الحب له والتعاون معه فيساعد في زيادة قدرته على تحقيق
التكيف السوي.
و ق د أشارت نتائج البحوث إلى وجود ثالث ة أس اليب رئيسية يستخدمها الوال دان في التنشئة األسرية و
هي:
118
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
األســلوب التســلطي :يس تخدم اآلب اء األس اليب العقابي ة و القس وة و ال رفض لرغب ات الم راهقين و
تحمليهم مهام و مسؤوليات فوق طاقاتهم و منعهم من القيام بما يرغبون و رفض أي طلب دون نقاش،
مما يطور لدى المراهقين السلوك الالجتماعي و يؤدي إلى اضطراب في النمو النفسي السليم لديهم.
األس ــلوب المتس ــاهل :يهتم الوال دان بالعالق ة الدافئ ة دون الح زم أو الض بط ،إال أنهم ا ال يض عان
حدودًا لما هو مقبول و ما هو غير مقبول ،أو عدم وجود قواعد سلوكية تحكم المراهق حول ما هو
مقب ول و غ ير مقب ول ،و ه ذا يتبع ه ع دم الثب ات في التعام ل م ع المراه ق و ع دم الثق ة في قدرات ه ،مم ا
يخل ق ب دوره شخص ية اعتمادي ة ل دى المراه ق و انخف اض مس توى التحص يل الدراس ي و ض عف في
األس ــلوب الق ــائم على التقب ــل و الح ــزم :و يتم يز بال دفء و التقب ل و التواص ل و مكاف أة الس لوك
المقب ول اجتماعي ًا ،إال أن هن اك ح دود واض حة للس لوك المقب ول و غ ير المقب ول ،فالوال دان يعطي ان
تعليمات لتصحيح السلوك الخاطئ و يوضحان للمراهق لماذا يعتبر خاطئ ًا و ما هو السلوك لتصحيح
الب ديل ،و ه ذا ي ؤدي إلى الض بط ال ذاتي و الرض ا و التع اون ،و التق دير و االعتم اد على النفس و
مم ا ال ش ك في ه أن المراهقة هي أكثر المراح ل العمري ة ص عوبة فهي الفترة الحاسمة التي تحدث فيها
التغ يرات المهم ة والك برى على الص عيدين الب دني والس لوكي ،حيث ينش ط فيه ا عم ل المخ بمع دالت
119
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
وقد كان"ستانلي هول"من أوائل الذين درسوا المراهقة في بدايات القرن العشرين ،ويري أنها إحدى أهم
أزم ات النم و ال تي يم ر به ا اإلنس ان ،وأن س ماتها الطبيعي ة هي الت أزم والض غوط النفس ية ،واض طراب
إدراك الهوية الذاتية واضطراب العالقات الشخصية المتبادلة والفلتات المزاجية واالنفعالية المتكررة.
وي ري ك ل من ش ولنبرج و زاريت ( ( Schulenberg and Zarrett, 2006أن االنتق ال من االعتم اد
التام على األسرة إلى تكوين الفرد المراهق لعالمه الخاص وعالقاته البينشخصية خارج نطاق األسرة
يتطلب قدرًة معينًة على المواجهة ومهارات للتكيف قد تفوق ما يملكه المراهق ،حيث يجد نفسه مطالب ًا
بأداء دوٍر جديٍد تؤدي صعوبة أدائِه إلى ظهور صور االضطرابات السلوكية والعقلية.
وعلى ال رغم من أن أغلب الم راهقين والمراهق ات يس تطيعون الم رور بس الم من ه ذه المرحل ة الفارق ة
حيث ينتقلون من االعتماد على عائليهم إلى تحقيق االستقالل الذاتي والقدرة على اتخاذ القرار وتكوين
جماعات خارجية من األقران الذين يكونون من اختيار المراهق وليس عائلته ،فإن ذلك ال ينفي كونها
المرحلة التي تبزغ فيها العديد من االضطرابات العقلية والنفسية ،مثل :القلق واالضطرابات المزاجية
ويش ير آرش ر(( Archer, 2005إلى أن النم و اإلنس اني إنم ا ه و عملي ة متواص لة ،ولكن هن اك بعض
المراحل التي يكون للنجاح أو الفشل في التوافق أثناءها تأثيرات قوية على استكمال دائرة النمو السليم
الحقًا ،وأن المراهقة هي إحدى أهم هذه المراحل الحاسمة حيث تحمل في طياتها أهم سمات النمو على
األصعدة البيولوجية والنفسية واالجتماعية ،وتمثل هذه التغيرات التي تحدث متزامنة م ع بعض ها البعض
وبقدٍر ملحوٍظ من التسارع والقوة ،تحديًا كبيرًا أمام تطور استراتيجيات النضج والمواجهة الفعالة لدى
الفرد المراهق ،والتي يؤدي الفشل فيها إلى ظهور عديد من المشكالت السلوكية أثناء المراهقة ،كما
يك ون الفش ل في إتم ام النم و في المراهق ة ع امًًال مهم ًا في ظه ور أش كال االض طرابات في المراح ل
120
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ويش ير هلس تيال وس اورندر (( Helestela and Sourender, 2001إلى أن المراهق ة هي مرحل ة
المش كالت بش كل ع ام ،وأن هن اك ع ددًا من االض طرابات الس لوكية ال تي غالب ًا م ا يالحظه ا الوال دان
والمدرسون على أبنائهم ،كالسلوك المضاد للمجتمع ،وحاالت النشاط الزائد ،لكن هناك مشكالت داخلية
يواجهها كثيرًا من المراهقين والتي تكون أقل قابلية للمالحظة من قبل الوالدين والمدرسين ،حيث يجد
المراهق صعوبة في مشاركة أفكاره ومشاعره مع والديه ،مما يوِج ب ضرورة االعتماد على مقاييس
التقري ر ال ذاتي الكتش اف ه ذه االض طرابات .وتتمث ل أهم ه ذه االض طرابات في القل ق واالكتئ اب،
والجنوح ،واالنسحاب االجتماعي ،والشكاوى البدنية ،ومشكالت التفاعل االجتماعي ،وصور اضطراب
التفكير ،وصور اضطراب االنتباه ،والعدوانية .وأنه كلما زادت حدة هذه االضطرابات لدى المراهق أو
كم ا يش ير لون د وزمالؤه (( Lundh, Lundh and Bjarehed, 2008إلى أن المراهق ة مرحل ة تتس م
بشكٍل عاٍم بأنماٍط من االضطرابات السلوكية واالنفعالية واالجتماعية؛ فالمراهقون يظهرون درجات
من االندفاع والتقلب المزاجي وسرعة االنفعال والثورة والتمرد ،حيث يعاني عدًد كبيرًا من المراهقين
من اض طرابات س لوكية وانفعالي ة؛ و أن ح والي % 18إلى % 22من الم راهقين يظه رون عالم ات
دال ة على وج ود مش كالت ل ديهم في الض بط االنفع الي والس لوكي وع ادًة م ا يص احب ظه ور مث ل ه ذه
االضطرابات صور أخرى من االضطرابات السلوكية واالجتماعية مثل تعاطي المواد النفسية والتسرب
وتتمثل عالمات االضطراب التي يظهرها المراهقون عام ًة في الشعور باالكتئاب ،حيث ُيصاب حوالي
%15إلى % 20من المراهقين بنوبة اكتئاب عظمى واحدة على األقل خالل مرحلة المراهقة وتنتشر
121
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
بين الم راهقين عموم ًا الس مات التشخيص ية لالكتئ اب ح تى وإ ن لم ت رَق لدرج ة التش خيص الفعلي
ويزيد التعرض لعوامل المشقة العائلية ( )Stress familialeمن فرص ظهور األعراض االكتئابية
وتتمث ل خط ورة اإلص ابة باالكتئ اب ل دى الم راهقين في أن تكراره ا ي ؤدي ب المراهق لتط وير األفك ار
االنتحارية ،ووضع خطة لتنفيذ فكرة االنتحار بين حوالي % 15ممن يفكرون فيه ،ويعد االنتحار ث الث
أسباب الوفاة بين المراهقين ،والخامس بين األفراد حول عمر 25عامًا.
كما ينتشر بين المراهقين ظهور اضطراب القلق ،والذي يشير إلى وجود مشاعر مفرطة وغير قابلة
للتحكم فيها من الخوف أو العصبية حول حدٍث مستقبلٍي ما أو موق ٍف حقيقِي .والذي يؤدي إلى ظهور
ويش ير ك ل من ( )Martin and Milton, 2007أن القل ق من أك ثر االض طرابات انتش ارًا بين
ويشير ريمر وسيجال (( Reamer and Siegel, 2009من واقع تجربتهم العملية الممتدة في التعامل
مع اضطرابات المراهقين إلى أن المراهقة هي المرحلة التي تنتشر فيها االضطرابات المتعلقة بصورة
الجسد ،حيث يسبب التغير الجسماني المفاجئ الذي يخبره المراهقون في صورة الجسم مشاعر مختلطة
من القلق والخجل والخوف ،حيث يقارن المراهق صورة جسده بالنماذج التي تبثها الوسائل اإلعالمية
ونظ رًا لوج ود ف روق فردي ة هائل ة في النم و الجس دي بين الم راهقين ،يط ور كث يرًا منهم
اض طراب ص ورة الجس د وال ذي يص يب ح والي %27من الم راهقين ،حيث ي درك المراه ق
122
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و يشير كل ( )Kim, Cho, Cho and Lim, 2000; Budd, 2007أن اضطراب صورة الجسم هو
االضطراب المحوري في ظهور نوعان أساسيان من اضطرابات الطعام ،وهما فرط الشهية العصبي
االجتماعي والس لوكي التي ينتشر ظهوره ا بين المراهقين ،والتي تع د في الوقت ذات ه إشارات منذرة
باحتم ال اإلص ابة بالفص ام .وتمثلت تل ك االض طرابات في س مات عدي دة مث ل :ض عف أش كال التواص ل
االجتماعي بشكٍل عام ،وصعوبة خلق عالق ة اجتماعي ة خارج نط اق األسرة والحفاظ عليه ا ،وتفضيل
اللعب الف ردي ،والمي ل لالنس حاب االجتم اعي ،والس لوك المض اد للمجتم ع ،وع دم االس تقرار االنفع الي،
كم ا يش ير لوينس ون وزمالؤه ( ( Lewinsohn, Seeley and Klien, 2003إلى أن أول ظه ور
ألعراض اإلصابة باالضطراب ثنائي القطب ،وهو أحد االضطرابات الذهانية التي تتسم بوجود نوبات
من الهوس واالكتئاب التي تصيب الفرد بشكٍل متناوٍب ،يحدث دومًا في مرحلة المراهقة ،والذي يرتبط
ويوصي هؤالء الباحثون بضرورة أن يكون البحث عن أولى عالمات االض طرابات النفسية والعقلية
و فيما يلي سنقوم بعرض اضطراب القلق و اضطراب السلوك العدواني بشيٍء من التفصيل باعتبارهما
على ال رغم من أن المراهق ة تع د مرحل ة اآلم ال و الطم وح ،و ف رص النم و الشخص ي ،و تحقي ق هوي ة
ذاتي ة متم يزة عن س ائر الهوي ات األخ رى ،إال أنه ا مرحل ة يق ل فيه ا اإلحس اس بالس عادة و الرض ا عن
123
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
النفس و يظه ر فيه ا القل ق و االكتئ اب و ي زداد مع دل المش اغبة و الجن وح و تظه ر فيه ا مح اوالت
االنتحار و تشهد بداية التدخين و إدمان العقاقير و غيرها(.أبو بكر مرسي 2002ص )91
و قد يكون القلق من العوامل التي تدفع إلى مثل هذه السلوكيات ،فهو أحد المشكالت الشائعة الظهور
لدى الكثير من المراهقين .و إن دراسة هذا موضوع يزيد بالضرورة من فهم سلوك المراهقين.
لقد كان " فرويد " أول من أشار إلى الدور الهام الذي يقوم به القلق في نشوء األمراض العصابية
و قد عرف " فرويد" القلق بأنه :حالة من الخوف الغامض الشديد الذي يتملك اإلنسان ،و يسبب له
الكثير من الكدر و الضيق و األلم ،و القلق يعني االنزعاج ،و الشخص القلق يتوقع الشر دائم ًا ،و يبدو
متش ائمًا ،و مت وتر األعص اب ،و مض طربًا .كم ا أن الش خص القل ق يفق د الثق ة بنفس ه ،و يب دو م ترددًا
عاجزًا عن البت في األمور و يفقد القدرة على التركيز (.فاروق السيد عثمان 2001ص )26
و لقد صاغت الجمعية األمريكية للطب النفسي أكثر تعريفات القلق شيوعًا فعرفته بأنه خوف أو توتر و
ضيق ينبع من توقع خطر ما يكون مصدره مجهوًال إلى درجة كبيرة ،و يعد مصدره غير واضح ،و
أما " سبيلبرجر" Spielberger 1966فيعرف القلق بنوعيه ،قلق حالة ،و قلق سمة ،على أن قلق
حالة هو وضع وقتي طارئ عند الفرد يحدث له إذا تعرض إلى أحد الموضوعات التي تثير هذا القلق
أم ا القل ق س مة تش ير ألس اليب اس تجابية ثابت ة نس بيًا تم يز شخص ية الف رد حيث أن القل ق ه ذا أق رب أن
يكون مرتبط بشخصية الفرد منه لمثيرات الموقف نفسه( .محدب رزيقة 2011ص )26
و تع رف " ه ورني" Horneyالقل ق على أن ه اس تجابة انفعالي ة لخط ر يك ون موج ه إلى المكون ات
األساس ية للشخص ية و من ه ذه المكون ات م ا ه و ع ام بين ك ل الن اس مث ل الحري ة ،حب الحي اة ،إنج اب
124
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
األطفال ،و منها ما هو خاص تختلف قيمته حسب الشخص و ثقافته و بيئته و مرحلة نموه و جنسه ،و
يتخ ذ القل ق مظ اهر س لوكية مختلف ة كالح ذر و الحيط ة و الخ وف ،و ه ذا القل ق يس لب بالت دريج الس مات
األصلية للفرد و يرمي به بعيدًا عن ذاته الحقيقية (.المرجع السابق 2011ص )56
و ق د اختل ف علم اء النفس ح ول تحدي د مع نى القل ق حيث أن هن اك تعريف ات أش ارت إلى أن القل ق ه و
خوف ينتج عن توقع الفرد تهديدًا موجه ًا للذات و هناك تعريفات أخرى أوضحت أن القلق هو خوف
غامض غير معروف أسبابه و أن القلق ينتج عن عملية انفعالية معقدة لها جوانب شعورية مثل الخوف
و التهديد و العجز و جوانب ال شعورية و تتمثل في عدم معرفة الفرد لمصدر التهديد.
أم ا الطبع ة الرابع ة من ال دليل التشخيص ي و اإلحص ائي لألم راض النفس ية و العقلي ة فتق دم محك ات
أ ـ القل ق الزائ د و الخ وف و ال ترقب و الت وجس لع دد من األح داث و األنش طة (العم ل أو الدراس ة) و
ج ـ يصاحب الخوف و القلق ثالثة أعراض أو أكثر من األعراض الستة اآلتية ،على أن تظهر بعض
سرعة التعب.
صعوبة التركيز.
مشكالت النوم ( صعوبة البدء في النوم ،أو االستغراق فيه ،أو النوم المتقطع).
125
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
د ـ إذا وجد اض طراب آخ ر على المح ور األول ف إن القل ق ليس مترتب ًا علي ه ،مثًال ليس القلق خوف ًا من
ه ـ القلق و الخوف و األعراض الجسمية كلها تسبب ضيقًا ملحوظًا أو خلًال وظيفيًا ،أو خلًال اجتماعيًا
و ـ هذه األعراض ليست نتيجة تأثير مباشر لحالة نفسية ،أو حالة مرضية جسمانية عامة ،و ال تحدث
في اضطراب المزاج ،أو اضطراب الذهان ،أو اضطراب النمو)APA,1994 p 436 ( .
للقلق أنواع و درجات تختلف حسب طبيعة الفرد و نوعه و سنه كما ترتبط طبيعة القلق بالظروف
البيئية و النمائية التي ينشأ فيها الفرد خالل فترة حياته ،و يصنف العلماء القلق إلى عدة أنواع مختلفة:
لقد ميز " فرويد" بين ثالثة أنواع من القلق هي القلق الموضوعي و القلق العصابي و القلق الخلقي.
القلق الموضوعي :هو الخوف من خطر خارجي معروف كالخوف حيوان مفترس ،و يطلق عليه
أحيانًا القلق الواقعي فأسبابه معروفة بالنسبة للفرد و يعبر عن ضرورة حياتية تدفع اإلنسان إلى الس لوك
المطلوب و رغم معرفة الفرد لمصدر الخطر فإنه يجهل ما يمكن أن تكون عليه النتيجة خيرًا أو شرًا
نجاحًا أو فشًال و من هنا يكون التهديد بالخطر (.طه عبد العظيم 2007ص )16
القلــق العصــابي :و ه و خ وف غ امض غ ير مفه وم و ال يس تطيع الش خص أن يع رف س ببه ،ف القلق
العصابي هو رد فعل لخطر غريزي داخلي بمعنى أنه ينشأ عند تهديد الهو بالتغلب على دفاعات األنا
و إشباع الرغبات الغريزية التي ال يوافق المجتمع على إشباعها ،و يميز " فرويد" بين ثالثة أنواع من
ـ القلق الهائم :و هو الذي يرتبط باألفكار أو األشياء الخارجية و الشخص المصاب بهذا الن وع من القلق
126
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ـ قلق المخاوف المرضية :و يقصد به المخاوف الشاذة حيث يخاف الشخص من أشياء ليس من طبيعتها
أن تث ير الخ وف و من أمثل ة ذل ك الخ وف من الحيوان ات و األم اكن الفس يحة أو المغلق ة و هي مخ اوف
غير معقولة و ال يمكن تفسيرها و بالرغم من شعور المريض بغرابتها فإنه ال يستطيع التخلص منها.
ـ قلق الهيستريا :و هذا النوع من القلق يبدو واضحًا في بعض األحيان و غير واضح في أحيان أخرى
القلق الخلقي :و هو الخوف من األنا األعلى حيث تكون هي مصدر التهديد بالنسبة لألنا إذا صدر
عنها سلوك معين يتعارض مع معايير الوالدين أو المجتمع (.المرجع السابق 2007ص )17
لق د م يز Cattell & Spielbergerبين ن وعين مختلفين من القل ق و هم ا القل ق كحال ة و القل ق كس مة
حيث يع رف القل ق كحال ة بأن ه حال ة انفعالي ة مؤقت ة تختل ف في ش دتها و تتذب ذب ع بر ال زمن و تتم يز
بالتوتر و الخوف و تكون مصحوبة بنشاط زائد في الجهاز العصبي بينما تشير سمة القلق إلى الفروق
الثابتة نسبيًا في الميل إلى القلق و هذه الفروق تنشأ عن اختالف ردود األفعال تجاه المواقف المدركة
بأنها مهددة و تؤدي إلى ارتفاع شدة حالة القلق فسمة القلق كما يشير " سبيلبرجر" 1972هي استعداد
طبيعي و اتجاه سلوكي يجعل الفرد قلقًا و يعتمد بصورة أساسية على الخبرة الماضية للفرد بينما حالة
في الخمس ينات من الق رن الماض ي ب دأت الدراس ات التجريبي ة على ظ اهرة القل ق على ي د مجموع ة من
العلماء ،ونادوا من خالل هذه الدراسات إلى ما يعرف بالقلق الدافع ،و تذهب هذه النظرية إلى أن الف رد
يشعر في مواقف العمل و التعلم بالقلق و هذا القلق في حد ذاته يعتبر دافع ًا يوجه الفرد و يثيره نحو
127
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
األداء أو التعلم حتى يقلل من شعوره بالقلق أو يتخلص منه و يعود لحالته الطبيعية و يشعر باالرتياح
أي أن هذا القلق يدفع الفرد إلى اإلنجاز و األداء و يقوي من احتمال ظهور االستجابات الص حيحة إزاء
مواقف التعلم.
تنش أ أع راض القل ق النفس ي من زي ادة في نش اط الجه از العص بي الالإرادي بنوعي ه الس مبثاوي و
الباراس مبثاوي و من ثم تزي د نس بة األدرين الين و النوـ أدرين الين في ال دم و من عالم ات تنبي ه الجه از
الس مبثاوي أن يرتف ع ض غط ال دم و تزي د ض ربات القلب و جح وظ العين يين أم ا ظ واهر الجه از
الباراسمبتاوي
فأهمها كثرة التبول و اإلسهال و زيادة الحركات المعوية مع اضطراب الهضم و الشهية و النوم.
كما تلعب الوراثة دورًا هام ًا في اضطراب القلق فكثيرًا ما نالحظ أن والدي المريض و أحيان ًا أقاربه
القل ق عن د " فروي د" ه و الظ اهرة األساس ية و المش كلة الرئيس ية في العص اب و ق د م يز " فروي د " بين
نوعين من القلق؛ القلق الموضوعي ،و القلق العصابي و اعتبر كل منهما رد فعل لحالة خطر .فالقلق
الموضوعي رد فعل لخطر خارجي معروف ،أما القلق العصابي فهو رد فعل لخطر غريزي داخلي و
قد ميز " فرويد" بين ثالثة أنواع من القلق العصابي و هي :القلق الهائم ،قلق المخاوف المرضية و قلق
128
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و قد وضع " فرويد" عدة نظريات في القلق ،ففي نظريته األولى رأى أن القلق يتولد من كبت الخوف
فالذين يعانون من الكبت الجنسي يشكون من القلق ،كما أكد " فرويد" أن الدوافع الجنسية عندما تتعرض
للحرمان تتحول الطاقة الجنسية الكامنة ورائها إلى قلق و هذا األخير ناتج عن تعرض الفرد لحالة
الخط ر و المك ون األساس ي له ذا الخط ر ه و زي ادة التنبي ه و اإلث ارة ،دون أن يك ون للف رد الق درة على
السيطرة على دوافعه الغريزية ،و قدرة الفرد على السيطرة تختلف باختالف مراحل النمو.
و يرى " فرويد" أن القلق عند الطفل يعود إلى غياب الشخص المرغوب ،فالطفل الصغير الذي يرغب
في أمه فإنه يشعر بأن هذا خطأ ،فينشأ القلق من خالل اإلحساس بالذنب و الخوف من أن يعاقب بسبب
أم ا في مرحل ة الكم ون الخ وف من األن ا األعلى ه و ال ذي يث ير القل ق و العص ابيون ه و ال ذين ل يزالون
و هكذا يرى " فرويد" أن القلق يؤدي للكبت بعد أن جعل الكبت يؤدي إلى القلق.
تعتقد " هورني" أن الطبيعة اإلنسانية قابلة للتغير نحو األفضل ،فهي تعتبر من العلماء المتفائلين بقدرات
و إمكانيات اإلنسان نحو التقدم و االرتقاء ،و تعتقد "هورني" أن الثقافة من شأنها أن تخلق قدرًا كبيرًا
و النظري ة االجتماعي ة له ورني أظه رت مفهوم ا أولي ًا عن دها و نع ني ب ه مفه وم {القل ق األساس ي} و ق د
عرفت " هورني" القلق األساسي بقولها :إنه اإلحساس الذي ينتاب الطفل لعزلته و قلة حيلته في عالم
129
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و ترى "هورني " أن القلق استجابة انفعالية تكون موجهة إلى المكونات األساسية للشخصية ،كما ترى
أن القلق يرجع إلى ثالثة عناصر هي :الشعور بالعجز ،و الشعور بالعداوة ،و الشعور بالعزلة ،و تعتقد
انعدام الدفء العاطفي في األسرة و تفكهها و شعور الطفل بأنه شخص منبوذ في المنزل يعتبر أهم
مصدر من مصادر القلق ،و هذا يتفق مع ما ذهب إليه " بورجان" من أن الطفل المنبوذ غالب ًا ما يعبر
عن مش اعر ال ذل بأش كال مختلف ة ،كالمخ اوف و االنع زال و ق د تك ون ه ذه األس اليب إم ا تدميري ة ،أو
عدوانية أو انسحابية أو انطوائية و هذا بدوره يؤثر على ذكاء الطفل و أدائه مما يسبب له الفشل في
دراسته.
المعاملة التي يتلقاها الطفل لها عالقة وطيدة بنشأة القلق ،فنوع العالقة بين الوالدين عام َة و األم
خاص ًة له ا انعك اس على ظه ور ح االت القل ق عن ده ،و ه ذا م ا ذهب إلي ه " بول بي" حين بين أن عالق ة
الطف ل بأم ه عالق ة مترابط ة ،وهي هام ة لش عور الطف ل ب األمن و الطمأنين ة ،و أن كث يرًا من المش كالت
التي يظهرها الطفل في مستقبل حياته ترجع إلى حٍد كبير إلى حرمانه من الدفء العاطفي بين الطفل و
متناقضات ،و تؤكد أبحاث " فيلد" أن رفض اآلباء للطفل يمنعه من النمو السليم و يؤدي به غالب ًا إلى
أن واع من االض طرابات الس لوكية ،ف القلق في نظ ر " ه ورني" يرج ع بص ورة أساس ية إلى عالق ة الف رد
يبنهما.
130
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
يفس ر " أتوران ك" القل ق على أس اس الص دمة األولى و هي ص دمة الميالد ،فانفص ال الولي د عن األم ه و
الصدمة األولى التي تثير لديه القلق األولي ،و الفطام يستثير لدى الطفل القلق ألنه يتضمن انفص اًال عن
ثدي األم ،و الذهاب إلى المدرسة يثير القلق ألنه يتضمن االنفصال عن األم ،و كذلك الزواج يثير القلق
ألنه يتضمن االنفصال عن األم ،فالقلق في رأي " أتورانك" هو الخوف التي تتضمنه هذه اإلنفصاالت
المختلفة ،و يذهب " أوتورانك" إلى أن القلق األولي يتخذ صورتين تستمران مع الفرد في جمي ع مراح ل
أوضاعه أما خوف الموت فهو قلق من التوتر و فقدان الفردية و ضياع الفرد في المجموع أو خوفه
من أن يفقد استقالله الفردي إلى حالة االعتماد على الغير (.المرجع السابق 2001ص )30
يعتقد " يونج" أن القلق عبارة عن رد فعل يقوم به الفرد حينما تغزو عقله قوى و خياالت غير معقولة
صادرة عن الالشعور الجمعي ،و الالشعور الجمعي من السمات المميزة لنظرية " يونج" ففي الالشعور
الجمعي تخ تزن الخ برات الماض ية المتراكم ة ع بر األجي ال و ال تي م رت باألس الف الق دامى و العنص ر
البشري عامًة ،فالقلق هو خوف من سيطرة الالشعور الجمعي ،كما يعتقد أن اإلنسان يهتم عادة بتنظيم
حيات ه على أس س معقول ة منظم ة و أن ظه ور الم ادة غ ير المعقول ة من الالش عور الجمعي يعت بر تهدي دًا
لوجوده.
كان " آدلر" يؤمن بالتفاعل الدينامي بين الفرد و المجتمع ،و هذا التفاعل يؤدي إلى نشأة القلق ،و يرى
أن الطفل يشعر عادة بضعف و عجز بالنسبة للكبار و البالغين بصفة عامة ،و اإلنسان السوي يتغلب
131
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
على شعوره بالنقص و القلق عن طريق تقوية الروابط االجتماعية التي تربط الفرد ب اآلخرين المحيطين
به ،و يستطيع الفرد أن يعيش بدون أن يشعر بالقلق إذا حقق هذا االنتماء إلى المجتمع الذي يعيش فيه.
يعتق د " س وليفان" أن شخص ية الطف ل تتك ون من خالل التفاع ل ال دينامي م ع البيئ ة المحيط ة ب ه ،فتربي ة
الطفل و تعليمه تؤدي إلى إكسابه بعض العادات السلوكية التي يستحسنها الوالدان ،و التي تستثير في
نفس الطفل الرضا و الطمأنينة ،و يرى " سوليفان" أن القلق هو حالة مؤلمة للغاية تنشأ من معاناة عدم
و يعتقد أن القلق حين يكون موجودًا لدى األم تنعكس آثاره في الوليد ألنه يشعر به من خالل االرتباط
العاطفي بينهما.
و يذهب " سوليفان" إلى أن هدف اإلنسان هو خفض حدة التوتر الذي يهدد أمنه ،و تنشأ التوترات من
مص درين؛ ت وترات ناش ئة عن حاج ات عض وية و ت وترات تنش أ عن مش اعر القل ق ،و خفض الت وترات
الناشئة عن القلق يعتبر من العمليات الهامة في نظرية " سوليفان" و التي أطلق عليها { مبدأ القلق} و
و القل ق بن اٌء و ه داٌم في ال وقت نفس ه ،ف القلق البس يط يمكن أن يغ ير اإلنس ان و يبع ده عن الخط ر ،أم ا
القلق الشامل الكلي فإنه يؤدي إلى اضطراب كامل في الشخصية ،و قدم " سوليفان" مصطلحًا هو{ نظ ام
ال ذات} و يعتقد أن نظ ام ال ذات يتش كل في ص ورة فردي ة بواس طة القل ق الن اجم عن عدم رض ا اآلب اء و
132
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ي رى " ف روم" أن الطف ل يقض ي ف ترة طويل ة من ال زمن معتم دًا على الكب ار و خاص ًة والدي ه ،و ه ذا
االعتماد يقيده بقيود يلتزم بها حتى ال يفقد حنانهما ،و بازدياد نمو الطفل يزداد تحرره و اعتماده على
نفسه ،و الذي يولد شعورًا بالعجز و القلق نتيجة ما يود إنجازه من األعمال و عدم اكتمال قدراته
النجاز هذه األعمال ،و هكذا يرى " فروم" أن القلق ينشأ عن الصراع بين الحاجة للتقرب من الوالدين
ق امت النظري ة الس لوكية على تحلي ل الس لوك إلى وح دات من المث ير و االس تجابة و القل ق في التص ور
السلوكي بأساس دافعي للتوافق ،مادام أننا نخبره كخبرة غير سارة و أي خفض للقلق ينظر إليه كهدف
ل ه أهميت ه ،كم ا ينظ ر إلى القل ق أيض ًا باعتب اره يم دنا بأدل ة تس تثير ميكانزم ات متع ددة للتواف ق ،ف التعلم
الش رطي الكالس يكي عن د " ب افلوف" يم دنا بتص ور عن اكتس اب القل ق من خالل العص اب التجري بي و
يرى " سيد غنيم" ( )1973أن العصاب التجريبي يتميز بالصفات التالية:
إن السلوك العصابي هو نتيجة ضغط و توتر و صراع ،ففي جميع التجارب التي من هذا القبيل،
فإنه ليس ثمة شك أن صراعًا ما قد ظهر بوضوح بين نزعات الفعل المعززة ،و نزعات الفعل غير
المعززة.
إن السلوك العصابي يتميز بالقلق و هذا يتضمن العقاب من أي نوع كان.
إن الس لوك العص ابي يتس م بمجموع ة من األع راض ال تي تعت بر غ ير عادي ة في نظ ر المع ايير
االجتماعية.
و يرى السلوكيون " بافلوف ،واطسون" أن القلق يقوم بدور مزدوج فهو من ناحية يمثل حافزًا ،ومن
ناحية أخرى يعد مصدر تعزيز ،و ذلك عن طريق خفض القلق ،و بالتالي فإن العقاب يؤدي إلى كف
السلوك غير المرغوب فيه و بالتالي يتولد القلق الذي يعد صفة تعزيزية تؤدي إلى تعديل السلوك.
133
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ع رض " دوالرد " و " ميل ر" نظريتهم ا{ الشخص ية و العالج النفس ي} و لكنهم ا اس تخدما مف اهيم خاص ة
بهما ،فقد اس تفادا من مفهوم الدافع و أك دا على الدور الذي يقوم ب ه خفض الدافع في عملي ة التعليم ،و
القلق ما هو إال دافع عندما يزداد إلى حد معين يؤدي إلى تدهور في األداء و العكس صحيح.
و القلق عند " دوالرد" و " ميلر" حالة غير سارة يعمل الفرد على تجنبها و القلق يعتبر دافع ًا مكتسبًا أو
قاب ل لالكتس اب ،و يح دث القل ق نتيج ة الص راع ،و الص راع ق د يأخ ذ الكث ير من األش كال مث ل ص راع
اإلق دام ،و اإلحج ام أو ص راع اإلق دام ـ اإلق دام ،أو ص راع اإلحج ام ـ اإلحج ام،إال أن ه ذا الص راع يول د
حالة من عدم االتزان تؤدي إلى القلق و ال يكون هناك مفر من هذا الصراع حتى يعود االتزان مرة
أخرى.
كش فت األبح اث التحليلي ة العاملي ة ل"كات ل" و " ش اير" عن وج ود ن وعين من مف اهيم القل ق أطلق ا عليهم ا
سمة القلق و حالة القلق و يعتبر النوعان األخيران أكثر أنواع القلق شيوعًا في التراث النفسي.
و تص ور حال ة القلق كظ رف أو حال ة انفعالي ة ذاتي ة موقفي ة و مؤقت ة أق رب م ا تك ون إلى حال ة الخوف
الطبيعي ،و يشعر بها كل الناس في مواقف التهديد مما يؤدي إلى تنشيط جهازهم العصبي المستقل ،و
يهيئهم لمواجهة مصدر التهديد .و تختلف شدة الحالة تبعا لم ًا يستشعره كل فرد من درجة خطورة في
الموقف الذي يواجهه ،كما تزول بزوال مصدر الخطورة أو التهديد ،و تتغير حالة القلق في شدتها و
تتذبذب عبر الزمن تبعًا للموقف المهدد للفرد (.المرجع السابق 2001ص)33
و يعتقد " سبيلبرجر" أن سمة القلق تشير إلى الفروق الثابتة نسبيًا في القابلية للقلق ،و سمة القلق تشير
إلى االختالفات بين الناس في ميلهم إلى االستجابة تجاه المواقف التي يدركونها كمواقف مهددة ،و ذلك
134
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
بارتفاع شدة القلق ،و سمة القلق تتأثر بالمواقف بدرجات متفاوتة ،حيث إنها تنشط بواسطة الضغوط
يرى " جوزف ولبي" أّن القلق هو أهم االس تجابات الفطري ة لدى الكائن الحي ،و الصادرة عن الجملة
العصبية الالإرادية بسبب منبه أو مثير يهدد الكائن ،و يحتوي القلق على عناصر معرفية ،و حركية ،و
عص بية و س لوكية و ه و الس بب الرئيس ي أو حج ر األس اس في جمي ع األعص بة الح ادة ،و وراء تعلم
و القلق في نظر " ولبي" هو نوع من أنواع السلوك العصابي المتعلم و من ثم يمكن خفضه عن طريق
التش ريط المض اد في حين تظه ر المث يرات الش رطية ال تي ترتب ط ب القلق المض اد لالس تجابة ف إن ح دوث
االس تجابة الطبيعي ة ي ؤدي إلى ك ف القل ق و كلم ا زاد ع دد م رات االس تجابة الطبيعي ة م ع وج ود القل ق
المضاد ضعف القلق بالتدريج لدرجة أن المثيرات التي كانت تحدث القلق ينتهي مفعولها و تحل محلها
االس تجابة الطبيعي ة مقترن ة بك ف القل ق ،و ب ذلك ص اغ " ول بي" مب دأه الع ام و ه و م ا يع رف ب الكف
ب النقيض أو الك ف المتب ادل و ال ذي يعتم د في ج وهره على فك رة مفاده ا أنن ا إذا اس تطعنا أن نح دث
اس تجابة مض ادة للقل ق في حض ور المث يرات الباعث ة على القل ق ف إن االس تجابات المض ادة تعم ل على
يمكن اعتب ار القل ق دافع ًا من ال دوافع الهام ة ال تي تس اعد على اإلنج از و النج اح و التف وق ،و تؤك د
نظريات التعلم على أهمية الدافعية في التعلم ،و يعرف الدافع بأنه حالة داخلية عند الفرد توجه سلوكه
و تؤثر عليه و الدافع عامل انفعالي يعمل على توجيه سلوك الفرد ،و لذا فإنه يسلك و ينزع إلى عمل
135
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ينش ط القل ق س لوك الف رد و ينقل ه من حال ة الس كون إلى الحرك ة ،حيث أن القل ق ينش أ من ع دم
االتزان.
القل ق عام ل ت وجيهي ،أي يوج ه الس لوك نح و غ رض معين ،فالط الب ال ذي لدي ه امتح ان تنش أ لدي ه
القلق يعتبر صفة تعزيزية و ذلك بعد إنجاز العمل فإن االتزان يعود إلى ما كان عليه.
و يؤك د " يرك ز ـ ددس ن" أن ه توج د عالق ة بين ص عوبة العم ل و المس توى األمث ل للقل ق الالزم لألداء
القلق العالي يؤدي إلى تسهيل األداء في حالة اإلتقان التام للمهارة.
القلق العالي يؤدي إلى تعطيل األداء في حالة عدم إتقان المهارة.
يتدهور األداء لألفراد ذوي القلق العالي في حالة الضغوط المرتفعة و االستثارة العالية.
يتحسن األداء لألفراد ذوي القلق المنخفض في حالة الضغوط المرتفعة و االستثارة العالية.
يتدهور األداء لألفراد ذوي القلق المنخفض في حالة الضغوط المنخفضة و االستثارة المنخفضة.
إذا زادت صعوبة العمل فإن المستوى األمثل للقلق الالزم لألداء الناجح يجب أن يكون منخفضًا.
توج د عالق ة منخفض ة بين مس توى األداء و القل ق ،ففي مس تويات القل ق المنخفض ة و العالي ة يح دث
تدهور في األداء ،في حين أن القلق المتوسط يؤدي إلى تحسن في األداء ،حيث إن درجات القلق العالية
ت ؤدي إلى تش تيت االنتب اه و قل ة الترك يز ،بينم ا درج ات القل ق المنخفض ة ت ؤدي إلى ت دهور في األداء
و تؤكد الحقائق التجريبية على وجود عالق ة بين مستوى القلق و مستوى األداء ،بحيث يصل مستوى
األداء إلى الذروة عندما يكون مستوى القلق في مستوى متوسط ،و يتفق ذلك مع ما وصفه " بازوفيتر"
136
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
المستوى المنخفض للقلق :في هذا المستوى يحدث تنبيه عام للفرد مع ارتفاع درجة حساسيته نح و
األح داث الخارجي ة ،كم ا ت زداد درج ة اس تعداده و تأهب ه لمواجه ة مص ادر الخط ر في البيئ ة ال تي يعيش
فيها.
و يعتبر هذا المستوى من القلق ،قلق عادي عند الفرد ألن وظيفته تنبيه لخطر على وشك الوقوع.
المستوى المتوسط للقلق :في هذا المستوى يصبح الفرد أقل قدرة على السيطرة على استجاباته في
مختلف المواقف التي يواجهها في الحياة حيث يفقد السلوك مرونته و يجب على الفرد أن يبذل أقصى
المستوى المرتفع للقلق :في هذا المستوى من القلق يتأثر التنظيم السلوكي للفرد بصورة سلبية و
يق وم الف رد و يق وم بأس اليب س لوكية غ ير مالئم ة للمواق ف المختلف ة و ال يس تطيع الف رد التمي يز بين
المثيرات الضارة و غير الضارة و يرتبط ذلك بعدم القدرة على التركيز و االنتباه و سرعة التهيج و
السلوك العشوائي.
من خالل م ا س بق نس تنتج أن ه كلم ا ازدادت درج ة القل ق و ارتفعت ازداد اض طراب س لوك الف رد ،ففي
المستوى المنخفض للقلق ،و الذي يعتبر قلق عادي ،يقوم بإنذار الفرد إلى خطر على وشك الوقوع و
بالت الي مواجه ة مص ادر القل ق و تفاديه ا ،و في المس توى المتوس ط للقل ق يص بح الف رد أق ل ق درة على
السيطرة على سلوكه و يفقد المرونة في ذلك ،أما في المستوى المرتفع للقلق فهنا يفقد الفرد السيطرة
المث يرات الض ارة و غ ير الض ارة ،و يك ون رد فعل ه اتج اه المث ير س ريع و عش وائي مم ا ي ؤثر على
شخصية الفرد فيظهر حالة انفعالية غير سارة مصحوبة بالخوف و التوتر.
137
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ي رى أص حاب ه ذا المنحى أن القل ق ه و الخ وف من المس تقبل و م ا ق د يحمل ه من أح داث ته دد إنس انية
التحلي ل النفس ي و ي ذهب أص حاب ه ذا المنحى ك ذلك إلى الق ول ب أن الخ وف من الم وت ه و المث ير
األساس ي للقلق عند اإلنس ان و يض يفون أن اإلنس ان يعيش في هذه الحي اة و يواج ه الكث ير من المواقف
التي تثير قلقه فقد يكون خوف الفرد من الفشل في تحقيق حياة كاملة مثيرًا للقلق حيث يعتبر الفشل في
تحقيق مثل هذه الحياة مظهرًا من مظاهر الالوجود و في ضوء ذلك يعتبر فشل الفرد في تحقيق أهدافه
و فش له في إيج اد مع نى لحيات ه و خوف ه من احتم ال ح دوث الفش ل في الوص ول إلى الحي اة المرغوب ة
يعتبر كل ذلك مثيرًا للقلق لدى اإلنسان( .طه عبد العظيم 2007ص)36
و يرى " كارل روجرز" أن القلق لدى الفرد مرتبط بمقدار االتساق و التناقض بين مفهوم الذات لديه و
الخبرات التي يمر بها في حياته فكلما كانت الخبرات التي يواجهها الفرد في حياته تتسق مع مفهوم
ال ذات لدي ه كلم ا أدى ذل ك إلى التواف ق النفس ي ،في حين أن ع دم االتس اق بين مفه وم ال ذات و الخ برات
التي يواجهها الفرد و التي ال تتسق مع مفهومه عن ذاته يدركها الفرد على أنها تمثل تهديدًا له و من ثم
يعمل على تحريفها أو تجاهلها و يشعر عندئذ بالقلق و التوتر ،و لخفض ذلك القلق و التغلب عليه يلجأ
الف رد إلى ميكانزم ات دف اع و إذا فش لت ال دفاعات أص بح الف رد عرض ة للقل ق و ل ذلك يس عى اإلرش اد
المتمركز حول العميل إلى إحداث تغيير في مفهوم الذات لديه ليشمل كل الخبرات التي يدركها الفرد.
و تعت بر نظري ة " روج رز" من أك ثر النظري ات وض وحًا في ف ترة المراهق ة ،و ذل ك ألن المراه ق كفتى
ناشئ محدود الخ برات معرض لإلحباط ،و فقدان اتزان ه القديم بسبب ما يعتري ه من تغ يرات نفسية و
جسمية و من ثم يسعى جاهدًا للتعرف على ذاته من جديد و هو في بحثه عن ذاته ينتابه القلق و يدفعه
138
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
يعت بر النم وذج المع رفي عن د " بي ك" أك ثر النم اذج المعرفي ة تفس يرًا للقل ق ،إذ ي رى أن توق ع الخط ر أو
الش ر ه و المك ون األساس ي المم يز لمرض ى القل ق حيث يتوق ف القل ق بص فة أساس ية على كيفي ة إدراك
الفرد و تقديره للخطر الكامن في الموقف ،فالتعرض للخطر هي الفكرة التي تهيمن على الشخص القلق
إذ يس يطر على تفك ير م ريض القل ق فك رة مفاده ا وج ود خط ر يته دده فه و يتوق ع أح داثًا مؤلم ة ل ه أو
ألسرته أو لممتلكاته أو لمركزه و مكانته و غيرها ،و كثيرًا من مرضى القلق يتركز خوفهم على األذى
النفس ي فيك ون اله اجس الغ الب عليهم أن اآلخ رين س وف يرفض ونهم ،فتوقع ات األذى الب دني و النفس ي
ترتبط بالقلق.
و تتجلى مظاهر اضطراب التفكير لدى مرضى القلق في عدة جوانب هي:
أفكار متكررة عن الخطر ،فمريض القلق يكون موضوع الخطر هو المسيطر عليه.
تعميم المث يرات حيث يتس ع مج ال المث يرات الباعث ة على القل ق لدي ه بحيث يمكن ألي ص وت أو
حركة أو تغير بيئي أن يدرك بوصفه خطرًا عليه ،و على هذا فإن تفكير مريض القلق يكون في اتجاه
التوق ع المس تمر للخط ر مم ا يجع ل الف رد في حال ة ت وجس مس تمر في ك ل م ا يواجه ه ومن ثم يكون في
139
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و على هذا األساس فإن القلق العصابي من المنظور المعرفي عند " بيك" ينتج عن أفكار تلقائية سلبية و
تفس يرات خاطئ ة يكونه ا الف رد القل ق عن ذات ه و عن الع الم و عن مس تقبله و غالب ًا م ا تك ون مرتبط ة
بالخطر و التهديد أيا كان نوع هذا الخطر مادي ًا أو معنوي ًا ،و خاص ًة عندما يتعلق بالمجال الشخصي
للفرد ،و إذا كان الشخص السوي يستطيع التوافق أو مواجهة المثيرات الباعثة على الخطر فإن مرضى
القل ق العص ابي ال يمكنهم ذل ك ب ل يتزاي د القل ق ل ديهم ،و الف رق في االس تجابة بينهم ا هي أن الش خص
السوي لديه القدرة على أن يقرر أن هذا المثير أو الحدث المؤلم الذي يتعرض له ليس هو إنذار بخطر
و لقد أوضحت الدراسات التي قام بها " جرينبرج" و بيك" أن التكوين المعرفي الذي يتسم بتوقع الفرد
للمخ اطر و الش عور بالتهدي د النفس ي و الجس مي و االجتم اعي يرتب ط ب القلق ،بينم ا األفك ار ال تي تعكس
فق دان األم ل و الح زن و التش اؤم و ع دم القيم ة و ع دم الكف اءة و االتج اه الس لبي نح و ال ذات و الع الم و
المستقبل هذا التكوين المعرفي يرتبط باالكتئ اب ،و أن خبرات الفشل المرتبط ة باالكتئاب ترتبط أكثر
بأحداث الماضي ،بينما أفكار الفشل المرتبطة بالقلق ترتبط بالخوف من توقع الفشل في المستقبل.
و في تط بيق الثالثي المع رفي على القل ق ن اقش " بي ك" و " إم ري" 1985ذل ك موض حين أن مرض ى
القل ق ي رون أنفس هم عرض ة للخط ر و الهج وم و االنتق اد يميل ون للمبالغ ة في تق دير كم الخط ر في
الموقف ،و يرون الع الم كتهديد و مكان غير آمن و ي رون أن المس تقبل ال يمكن التنبؤ ب ه و أن ه ح افز
بالخطر ،و يمكن توضيح محتوى التفكير في القلق و أعراض القلق الناجمة عنه على النحو التالي:
رؤي ة ال ذات كعرض ة للخط ر و االنتق اد و تب دو في األع راض التالي ة :قل ق ،نقص ثق ة ب النفس،
التجنب.
رؤية العالم كتهديد له و تبدو في األعراض التالية :زيادة االعتمادية ،األعراض التلقائية.
140
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
رؤي ة المس تقبل بوص فه ال يمكن التنب ؤ ب ه و تب دو في األع راض التالي ة :اض طراب الن وم ،فق دان
و هكذا فإن مرضى القلق يظهرون تفكيرً و صوًر عقليًة مرتبطة بفكرة الخطر ،و من ثم فهم يستجيبون
للمواقف كما لو كانت خطرة أو تهديدية ،بينما في الواقع ال يوجد خطر حقيقي و فعلي أو يوجد خطر
قليل.
Lazarusفي نموذجه المعرفي للقلق بين عمليتين أساسيتين و هما التقييم لقد ميز " الزاروس"1966
األولي و الث انوي ،و يش ير التق ييم األولي إلى تق دير الف رد للموق ف على أن ه تهدي دي ،في حين يتك ون
التقييم الثانوي من تقدير الفرد لما لديه من مصادر و إمكانات داخلية أو خارجية تكون الزمة للتعامل
141
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
مع الموقف ،و أن هذه التوليف ة من التقييمات بش أن التهديد المحتم ل و موارد و مص ادر التوافق تحدد
مدى قلق الفرد في موقف معين ،و هذا يعني أنه كي يستطيع مريض القلق تحديد الموقف كخط ر يتعين
يأتي بعد ذلك التقييم الثانوي و فيه يزن الفرد قوته الدفاعية أي قدرته على إبطال الخطر و احتوائه و
بق در م ا تك ون الغلب ة للق وى المه ددة يك ون حجم الخط ر الم درك و بالت الي ش دة القل ق الن اجم عن ه ذه
التقييم ات ،ف التقييم األولي يتم من خالل ه تفس ير الح دث على أن ه ايج ابي أو على أن ه س لبي ،و ق د يك ون
التقييم األولي سلبيًا و يسبب ضررًا أو تهديدًا للفرد و عادة ما يصاحب التقييم السلبي انفعاالت سلبية
كالخوف و الغضب.
و يت أثر التق ييم األولي بن وعين من العوام ل هم ا العوام ل الشخص ية و العوام ل الموقفي ة ،أم ا العوام ل
الشخص ية فتش مل االعتق ادات و االفتراض ات ل دى الف رد ،في حين أن العوام ل الموقفي ة تش مل طبيع ة
الحدث أو التهديد و ما إذا كان الحدث أو الموقف الذي يتعرض له الفرد مألوف ًا أم غير مألوف ،و ما
هي احتم االت حدوث ه و ال وقت المتوق ع في ه ،أم ا التق ييم الث انوي يقص د ب ه تق ويم إمكان ات التعام ل أو
مواجه ة األح داث المؤلم ة ،و يت أثر التق ييم الث انوي بق درات و إمكان ات الف رد الجس مية و االجتماعي ة و
النفسية ،ومن أمثلة اإلمكانات أو الموارد البدنية صحة الفرد و طاقته و قدرته على التحمل ،أما الموارد
االجتماعية فإنها تمثل شبكة العالقات االجتماعية للفرد و حجم المساندة و الدعم المقدم له سواء أكانت
مس اعدات مادي ة أو معنوي ة ،و تش مل اإلمكان ات النفس ية اعتق ادات الف رد و مه ارات ح ل المش كالت و
تق دير ال ذات و ال روح المعنوي ة لدي ه ،أم ا الم وارد و اإلمكان ات المالي ة فهي تش ير إلى األش ياء المادي ة
و لق د أض اف " الزاروس" إلى عملي ة التق ييم األولي و الث انوي عملي ة ثالث ة و هي إع ادة التق ييم و هي
العملية التي من خاللها يعيد الفرد تقييم الطريقة التي يدرك بها الموقف و مواجهته للموقف حيث يط ور
142
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و ينمي من أس اليب مواجهت ه للموق ف أو يس تمر في ه ذه األس اليب أو يغيره ا وفق ًا لم دى إدراك ه ه ذه
لق د اختل ف علم اء النفس في قض ية القل ق ومس بباته ،فمن العلم اء من يعتق د أن القل ق ينتج عن عوام ل
داخلية أي داخل الفرد ،ومنهم من يعتقد أنها عوامل خارجية ومنهم من يرى غير ذلك.
ولكن نج د "الزع بي" 1997يعت بر أن القل ق من المش كالت الش ائعة ل دى الكث ير من الن اس ،وبص ور
متعددة ولكنه يظهر دون سبب واضح وينتهي إلى عجز بالغ يعوق الشخص ويعرض صحته النفسية
للخطر .
ومن العلم اء الب احثين من ع ارض ذل ك ال رأي؛ فمثًال نج د أن كًال من "الس باعي وعب د ال رحيم"1995
يعتق دان أن للقل ق أس بابًا معين ة ومن أهمه ا :ال بيت ال ذي يس وده الش قاق أو س وء التف اهم ،أو إهم ال
األب وين ألطفالهم ا ،وك ذلك المجتم ع ال ذي يرك ز قيم ه على التف وق الم ادي ،والص راع من أج ل البق اء،
ومطامع اإلنسان وآماله عندما تتعدى قدراته ،ورغبات اإلنسان عندما تتعارض مع الفضيلة واألخالق
والضمير .
ومن العلماء من اعتبر أن هناك أسبابًا للقلق من الناحية الدينية و ذكروا منها:
143
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
التفكير المستمر والمتأزم بالحياة المعيشية والمستقبل المعيشي( .صالح إسماعيل 2010ص)33
وهناك من كان واضحًا في قضية األسباب الدافعة للقلق وذكروا الكثير من تلك األسباب ،ونذكر منها
ما حدده كل من" زهران" 1982و "شارلز وميلمان" 1989حيث اعتبروا أن أسباب القلق تكمن في
اآلتي:
ويتضح مما سبق اختالف وجهات النظر بين العلماء في تحديد وحصر األسباب المؤدية للقلق وربما
ينبع ذلك من تعقد مفهوم القلق وصعوبة تحديده الدقيق ،ولكن أيًا كان منطلق العلماء في تحديد األسباب
المؤدي ة للقل ق؛ فإن ه يعت بر بمثاب ة اجته اد لمحاول ة التوص ل لألس باب الحقيقي ة الكامن ة وراء القل ق وذل ك
144
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
خصوص ًا األي دي ،و اض طرابات الن وم ،و اض طرابات التنفس ،فق دان الش هية ،و الص داع و الش عور
بال دوار و الدوخ ة ،كم ا يش اع أيض ًا أالم الرقب ة و الظه ر ،و ح دوث الرعش ة ،و األلم عن د القي ام ب أي
حرك ة و في بعض األحي ان يظهر عدم االستقرار في اإلتي ان بالحرك ة الدقيقة ،و حدوث أيض ًا الرجف ة
في الصوت .يضاف إلى ذلك حدوث اضطرابات في الوظائف الجنسية عند الرجل و األنثى.
أم ا االض طرابات الس يكوباثولوجية فتظه ر في الش عور ب الخوف الش ديد ،و توق ع األذى و المص ائب ،و
عدم القدرة على التركيز و االنتباه ،و اإلحساس الدائم بتوقع الهزيمة و العجز و عدم الثقة و الطمأنينة
يع د القل ق س مة من س مات الشخص ية و ال ذي يمكن قياس ه كغ يره من الّس مات و هن اك طريقت ان لقي اس
القلق:
الطــرق اإلســقاطية :يع رض الف احص على المفح وص في ه ذه الطريق ة مث ير غ امض و يطلب من ه
145
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و هو عبارة عن بقع حبر مختلفة األشكال في عشرة ألواح تقدم للمفحوص الواحدة تلوى األخرى ،مع
تق ديم تعليم ة االختب ار للفح وص لإلدالء بأحاسيس ه و مخاوف ه من خالل ه ذه األل واح ،و ق د أنش أ ه ذا
يتك ون االختب ار أص ًال من 31لوح ة تش مل مش اهد في وض عيات مختلف ة ،و على ظه ر ك ل لوح ة رقم
يشير إلى ترتيبها ضمن اللوحات األخرى للرائز ،و أحرف باللغة اإلنجليزية تشير إلى الفئة التي تقدم
لها اللوحة ،حيث تقدم للمفحوص الواحدة تلوى األخرى كذلك بعد إعطاء التعليمة الالزمة و المحددة
ومن خالل هذه اللوحات يروي المفحوص قصته التي من خاللها يسقط أحاسيسه و مخاوفه.
و قد أنشأ هذا االختبار سنة 1935من طرف الطبيب البيوكيميائي " هنري موراي.
الطرق الموضوعية:
يتبع مصّم م االختبار في هذه الطريقة أسلوب االستعانة بتقارير عن سلوك الفرد فيقوم بوضع أسئلة أو
عبارات تمثل الموضوع أو المظاهر المختلفة للسمة المراد قياسها و هي ما يعرف باالستبيان.
و اكتشفت هذه الطريقة خالل الحرب العالمية األولى من طرف العالم " وود ورث" Wood Warthو
ال ذي وض ع مجموع ة من األس ئلة تش به تل ك ال تي يض عها أو يس ألها األخص ائيون النفس انيون لفحص
مقياس القلق العام :وضع "كاتل" Cattle,R.Bمقياس ًا للقلق العام و نقلته إلى اللغة العربية " سمية
أحمد فهمي" و هذا المقياس أداة لقياس مستوى القلق بطريقة سريعة و موضوعية و مقننة و يمكن
146
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
تطبيقه على جميع المستويات التعليمية ،و هو مالئم لألعمار من 14أو 15عام ًا فأكثر و على امتداد
مرحلة الرشد ،و يمكن تطبيقه فردي ًا أو جماعي ًا ،كما يصحح بسهولة من خالل مفتاح وضع خصيص ًا
حتى تكون عملية التصحيح موضوعية( .فاروق السيد عثمان 2001ص )70
قائم ة حال ة وس مة القل ق :ق ام بإع داد قائم ة حال ة و س مة القل ق ك ل من " س بيلبرجر و جورسش ن"
Spielberger, Gorsuchusene1970و أطلقوا على هذه القائمة ,استفتاء تحليل الذات ,و نقلتها إلى
العربي ة " أمين ة ك اظم" 1978و " أحم د عب د الخ الق" و " عب د ال رقيب البح يري" و يتك ون مقي اس س مة
القلق لهذه القائمة من عشرين عبارة يطلب لكل من مقياس حالة القلق و سمة القلق ،و تتطلب التعليمات
القل ق االجتم اعي حال ة من الت وتر تنتج عن التوق ع أو الح دوث الفعلي للتق ييم في مواق ف التفاع ل
الشخصي التخلية أو الحقيقية ،و يشتمل القلق االجتماعي على مكونيين أساسيين هما:
قلق التفاعل :و هو عبارة عن القلق الناشئ عن التفاعل بين الفرد و اآلخرين و هو يحدث نتيجة
قلق المواجهة :و هو عبارة عن القلق الناشئ عن المواجهة غير المتوقعة و يظهر ذلك من خالل
التحدث و االتصال.
و قد قدم " ليري" Leary 1983مقياس القلق االجتماعي ،و يتكون المقياس من 27عبارة و أمام كل
عبارة سبعة بدائل و على المفحوص اختيار بديل واحد أمام كل عبارة ،و يشتمل المقياس على جانبين
147
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و هم ا األول :ال ذي يعكس تقري رًا ذاتي ًا ب القلق مث ل العص بية و الت وتر و ع دم اإلرتي اح و الخج ل و
االنزعاج .أما الثاني :فهو يتعامل مع خبرة القلق في المواقف ذات الطابع االجتماعي ،و قدم المقياس
إلى العربية كل من الدكتور " محمد السيد عبد الرحمان" و الدكتورة " هانم علي عبد المقص ود " 1994
وضع هذا المقي اس " فالين و آخرون" Vlaeywn et al 1990لقياس القلق من المنظور المعرفي و
بالتحدي د الع زو الس ببي و تق ييم إدراك ات األلم و التق ييم المع رفي و األخط اء المنطقي ة في األفك ار و
االس تنتاجات المنحرف ة و غ ير المنطقي ة ،و ق دم ه ذا المقي اس إلى العربي ة ال دكتور " ه ارون توفي ق
الرش يدي" .و يتك ون المقي اس من 30عب ارة ،و تتطلب ه ذه العب ارات أن يخت ار المفح وص إجاب ة من
يعتبر القلق من أكثر االضطرابات االنفعالية استجابة للعالج ،و يختلف العالج حسب شخصية الفرد و
درجة شدة القلق ،و كذا اإلطار النظري للمعالج ،فيأخذ بذلك عدة أنواع:
التربيــة النفســية Psychoeducation :التربي ة النفس ية هي ج انب مهم في عالج اض طراب القل ق
بك ل أنواع ه و درج ة حدت ه ،و هي تتض من تزوي د المراه ق المص اب ب القلق و والدي ه بمعلوم ات عن
اض طراب القل ق كتحدي د ن وع القل ق و أس بابه ،ه ل هي أس باب راجع ة للتغ يرات في المخ أم الجين ات أم
البيئة أم تفاعل هذه العوامل فيما بينهاp 9) 2012 (Siegel and Dickstein.
و كذلك توضيح األعراض الجسمية للقلق مثًال تسارع نبضات القلب ،آالم الرأس ،آالم المعدة...الخ
إضافًة إلى التعرف على الوضعيات المثيرة و المرتبطة بالقلق و نوع االستجابة المصاحبة لتجنب القلق
و تكون هذه التقنية مصاحبة لعالجات أخرى و التي نذكر منها:
148
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
العالج السلوكي :يقوم العالج السلوكي على مسلمة بأن القلق يحدث نتيجة في اشتراط خ برة ماض ية
حدثت للمريض تثير لديه القلق ،و جهد المعالج السلوكي ينصب على فك هذا االشراط من خالل
اس تخدام تقني ات العالج الس لوكي كالتحص ين الت دريجي أو الغم ر ،وغيره ا ذل ك بت دريب م ريض القل ق
العصابي على استجابات االسترخاء العضلي في حضور مثيرات القلق حضورًا تخيليًا أو واقعيًا.
العالج المعــرفي الســلوكي :ته دف العالج ات المعرفي ة الس لوكية إلى تغي ير الس لوك من خالل تغي ير
األفك ار المؤدي ة ل ه ،و على ه ذا األس اس تق وم العالج ات المعرفي ة الس لوكية باإلض افة إلى التقني ات
السلوكية المذكورة آنفًا إلى إدخال تقنيات معرفية في عالج القلق منها تقنية إعادة البناء المعرفي و هي
تعليم المريض كيف يتبنى طرقًا أخرى في التفكير كإدراكه عدم إمكانية التحكم في سلوكات اآلخرين أو
أنه يستطيع قراءة أفكار اآلخرين.
العالج الكيميــائي :ه و تق ديم العق اقير المهدئ ة للف رد و ال تي يطل ق عليه ا Tranquillisantو أهمه ا
مشتقات Benzodiazepineو منها الفاليوم Valiumو تمستا Temestaو غيرها و الهدف منها هو
األثر المهدئ الذي تحدته على الجهاز العصبي حيث تخفف من القلق كما تتسبب في استرخاء عض الت
الجسم.
8ـ السلوك العدواني:
يعتبر السلوك العدواني واحدًا من الخصائص التي يتصف بها الكثير من المراهقين المضطربين سلوكيًا
و يتجلى ه ذا الع دوان في الكث ير من المظ اهر الس لوكية منه ا الض رب و القت ال و الص راخ و الش تم و
رفض األوامر و التخريب المتعمد و التمرد على السلطة األبوية و الخروج عن المعايير األسرية...الخ
و من هذا المنطلق فقد انصب اهتمام الباحثين على دراسة السلوك العدواني و ذلك أن النتائج المترتبة
عليه تعد أكثر خطرًا على المجتمع من النتائج المترتبة على نتائج السلوكات األخرى التي يتصف بها
149
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
8ـ 1تعريف السلوك العدواني :لق د اختلفت تعريف ات الس لوك الع دواني و تع ددت ،فلم يتف ق الب احثون
على تعري ف مح دد ل ه ،مم ا ي وحي ب أن الع دوان س لوك معق د ،و أس بابه كث يرة و متش ابكة ،و تص نيفاته
حيث عرف ه " دوالرد و زمالؤه" Dollard et alبأن ه الس لوك ال ذي يس تهدف إلح اق األذى بش خص
آخر.
و يعرف " بنتون" Benton 1984السلوك العدواني :بأنه االعتداء المادي نحو اآلخرين المشتمل على
الهج وم أو الض رب ،وم ا يعادل ه من اعت داء معن وي ،كاإلهان ة و االزدراء ،كم ا أن ه محاول ة لتخ ريب
ممتلك ات اآلخ رين ،و ه و أيض ًا س لوك يحم ل ع واقب مخرب ة تتض من ت دمير ال ذات كاالنتح ار أو إي ذاء
الذات.
و ق د ع رف " بي نينجر" Baenninger 1994الس لوك الع دواني بأن ه س لوك ب دني أو لفظي يقص د ب ه
كما يعرفه " هار كافري" Har Kvery 1994بأنه سلوك يتسم بالهجوم البدني أو اللفظي.
أم ا "س تيوارت س وثرالند" Sutherland 1991ق د ع رف الس لوك الع دواني على أن ه محاول ة متعم دة
للتغلب على اآلخرين ،أو إيقاع األذى بالذات وهو إما أن يكون فطريًا أو رد فعل لإلحباط.
و يعرف ه " ف ؤاد البهي" 1980أن ه االس تجابة ال تي تعقب اإلحب اط و ي راد به ا إلح اق األذى بف رد آخ ر أو
و يعرف ه " زي دان محم د مص طفى" بأن ه يعت بر من النت ائج المباش رة الهام ة لإلحب اط ،ف الفرد في س عيه
لتحقيق هدف من أهدافه ينزع عادة إلى االعتداء إذا ما قام عائق في سبيل تحقيقه لهذا الهدف.
150
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و يعرفه "الفنجري " 1987أنه ذلك السلوك الظاهر و المالحظ الذي يهدف إلى إلحاق األذى باآلخر أو
بالذات ،و يعتبر هذا السلوك تعويضًا عن اإلحباط الذي يعانيه الشخص المعتدي.
و تعرف " صوان" 1987السلوك العدواني بأنه سلوك علني ظاهر يمكن مالحظته و تحديده و قياسه
و هو إما يكون سلوكًا بدنيًا أو سلوكًا لفظيًا ،مباشر أو غير مباشر ،تتوفر فيه االس تمرارية و التك رار و
يعبر عن انحراف الفرد عن معايير الجماعة مما يترتب عله إلحاق األذى البدني و النفسي و المادي
باآلخرين أو بالنفس ،و يختلف في مسبباته و مظاهره و حدته من فرد آلخر و من مجتمع آلخر.
و ق د أش ار" ج ابر" إلى أن الس لوك الع دواني يك ون م دفوعًا بالغض ب و الكراهي ة أو المنافس ة الزائ دة و
يتجه إلى اإليذاء و التخريب أو هزيمة اآلخرين ،و في بعض الحاالت يتجه إلى الذات.
و تعرفه " سالمة" 1984بأنه الشعور الداخلي بالغضب و االستياء و العداوة ،و يعبر عنها ظاهري ًا في
صورة فعل أو سلوك يقصد به إيقاع األذى و إلحاق الضرر أو شيء من هذا القبيل ،كما يوجه أحيان ًا
إلى الذات و يظهر في شكل عدوان لفظي أو بدني ،كما يتخذ صورة التدمير أو إتالف األشياء.
حسب " جون بياجيه" العنف ال يحمل أي معنى للسلوك العدواني و ليس مرادًف له ،و اصطالحًا العنف
ال يعني الرغبة في إلحاق الضرر باآلخر ،فالعنف طبيعي و ضروري لبقاء اإلنسان حيًا ،و هو موجود
من ذ ال والدة في الطبيع ة اإلنس انية ،حيث يعت بر ك ّر د فع ل تلق ائي و ب دائي لل دفاع ض د أي خط ر يه دد
151
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
حيث يدافع الفرد عن نفسه و ال يلي أي اهتمام بالموضوع الذي يرمي عليه سلوكاته العنيفة فما يهمه
هو المحافظة على نفسه فهذه العملية ال تجلب للفرد أي إشباع أو لذة ( كروش نوال 2011ص )108
و يفرق العيسوي ( )1998بين العنف والعدوان ،و يرى أن العنف قد يكون في سبيل الدفاع الشرعي
أو لتحقيق أهداٍف مشروعة كالحروب الدفاعية ،أو التخلص من عدواٍن واقع.
الغض ب اس تجابة انفعالي ة داخلي ة تتض من ش عورًا بالتهدي د ،وردود فع ل أدرينالي ة ،ته يئ الف رد لالعت داء
ويرى" قرقز " أن الغضب هو الغيظ والسخط واالنفعال ،وهو ضد الرضا وهو حالة من االضطراب
العصبي ،وعدم التوازن الفكري تحل باإلنسان إذا اعتدى عليه أحد بالكالم أو غيره.
إّال أن هناك بعض العلماء أظهر الفرق بين العدوان والغضب منهم " كولز " Colesحيث يرى :أنه
عدوانيًا.
اهتم العلماء بمفهومي العدوان و العدائية و التمييز بينهما و نتج عن ذلك رؤى متعددة ،فيرى " بيك" (
Beck )1979أن كال من العدائية و العدوانية تمثالن المشاعر و االتجاهات السالبة عن اآلخرين أو
152
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و هن اك من الب احثين من يم يز بين المفه ومين على أس اس أن مفه وم الع دوان يش ير إلى تق ديم منبه ات
منف رة أو مؤدي ة إلى اآلخ رين بينم ا يش ير الع داء إلى االتجاه ات العدواني ة ذات الثب ات النس بي ،و ال تي
تعبر عنها بعض االستجابات اللفظية التي تعكس مشاعر سلبية ( نية غير حسنة) أو تقويمات سلبية ،و
على ذلك فالمشاعر العدائية تشير إلى االتجاه الذي يقف خلف السلوك ،بينما يشير العدوان إلى السلوك
و يشير " ربرت" Reberإلى أن العدائية حالة انفعالية مزمنة نسبيًا تتميز بالمعاداة لآلخرين ،و تكشف
أم ا " آم ال باظ ة "( )2003فتعت بر العدائي ة عدواني ة كامن ة يتم التعب ير عنه ا بص ورة ض منية و غ ير
صريحة ،دون مهاجمة أو تحطيم كما في السلوك العدواني المباشر و تعد جزًء من العقابية العامة لدى
الف رد و تأخ ذ في اتجاهه ا ص وًر منه ا :نق ذ ال ذات ،و نق ذ اآلخ رين ،و العدائي ة الص ريحة ،و مش اعر
و قد توصل " هافرن" ( ( 2009Havernفي دراسته إلى أنه ال توجد فروق بين اإلناث و الذكور في
العدوان الصريح ،بينما ترتفع درجات العدوان الكامن لدى اإلناث (.ريما عبد الرحمان 2009ص)25
اختلفت تصنيفات العدوان حسب اختالف التعريفات المستخدمة لهذا السلوك و غالب ًا ما يتم التمييز بين
153
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
العدوان المتعّم د :و يشير إلى الفعل الذي يصدر عن الفرد و يهدف إلى تعريض اآلخرين لأللم أو
األذى ،و يطل ق علي ه أيض ًا اس م الع دوان الن اتج عن الغض ب و يع ني أن ه ذا الع دوان يح دث نتيج ة
العدوان الوسيلي :و هنا يكون العدوان استخدام العدوان كوسيلة للحصول على ممتلكات اآلخرين
بعبارة أخرى هذا النوع من العدوان وسيلة و ليس غاية فمثًال أن نوبات الغضب لدى الطفل قد تسمح
له باسترجاع دراجته من أخيه األكبر سنًا ،و بغض النظر عن مقدار الفرق بين نوعي العدوان ،العدائي
و الوسيلي ،فيجب معرفة أنه ليس من السهل دائمًا التمييز بينهما ،فمثًال أن الطفل الذي يستخدم األلفاظ
السيئة قد يكون هدفه هو جذب انتباه الوالدين أو المعلم أو الرفاق باإلضافة إلى هدف آخر هو جرح
2007ص)204
الع دوان الإلجتم اعي :و يك ون بس بب اآلخ رين و تص رفاتهم و يتض من أفع ال عدواني ة ته دف إلى
العدوان االجتماعي :و يشتمل على األفعال التي يظلم بها اإلنسان اآلخرين مثل حاالت االغتصاب
العدوان المباشر :و يعرف على أنه الفعل العدواني الموجه نحو الشخص الذي أغضب المعتدي.
154
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
الع دوان غ ير المباش ر :و يتض من االعت داء على ش خص ب ديل و ع دم توجيه ه نح و الش خص ال ذي
العدوان الجسدي :و يكون السلوك الجسدي موجه نحو الذات أو اآلخرين و يهدف إلى اإليذاء بحد
ذاته ،أو خلق الشعور بالخوف مثل الضرب ،الدفع ،الركل ،شد الشعر...الخ.
الع دوان اللفظي :و يق ف عن د ح دود الكالم مث ل الش تم ،الس خرية ،و ذل ك من أج ل خل ق ج و من
الع دوان الرم زي :و يش مل على التعب ير بطريق ة غ ير لفظي ة من احتق ار اآلخ رين أو توجي ه اإلهان ة
لهم كاالمتناع عن النظر إلى الشخص الذي يكن له العداء ،أو االمتناع عن تناول ما يقدم له ،أو النظر
بازدراء.
عدوان فردي :و هنا يكون من فرد نحو غيره من أفراد أو جماعات أو أشياء.
عدوان جماعي :و هنا يكون من جماعة نحو فرد أو جماعة أخرى.
و قد يكون العدوان:
و يمكن التمييز بين نوعين من العدوان بناء على العامل األساسي المباشر الذي يدفع إليه:
155
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و يمكن القول بأن العدوان قد يبلغ درجة يصبح معها مرضيًا و هنا يمكن التمييز بين:
العدوان المألوف
كما يصف البعض العدوان إلى ثالثة أنواع تالحظ عند الطلبة و هي:
عدوان ناتج عن استفزاز ،حيث يدافع الطالب هنا عن نفسه ضد اعتداء أقرانه.
ع دوان ن اتج من غ ير اس تفزاز ،و هن ا يه دف الط الب من خالل ه إلى الس يطرة على أقران ه أو
العدوان المتفجر المصحوب بنوبة من الغضب ،و يلجأ الطالب فيه إلى تحطيم األشياء و يبدو هنا
إن ه ذه األن واع ليس ت متمايزة ك ل التم ايز ،و ال هي مس تقلة عن بعض ها ،فقد يكون الع دوان جس ديًا و
كالميًا و رمزيًا في وقت واحد و قد يتجه في كل هذه الحاالت نحو الذات أو نحو اآلخرين و قد تظهر
األنواع الثالثة مألوفة ،و قد تكون مرضية إال أن هذا ال يمنعنا من تصنيفها.
و أخيرًا البد من اإلشارة إلى العدوان السلبي و هو العدوان الناتج عن التمرد على السلطة من أهل و
معلمين ،حيث يشعر الطالب بأنهم مستبدون ،و أنه قد أسيئت معاملته من قبل هؤالء المتحكمين ،و هنا
يخاف الطالب من االنتقام بشكل مباشر من مصادر السلطة فيلجأ إلى إظهار العدوان بشكل مبطن ،كأن
يتعمد إحضار الكتاب الخاطئ ،أو تجاهل األدوات المدرسية ،أو مقاطعة المعلم بشكل متكرر.
أما " باترسون" و آخرون فقد صنفوا أشكال السلوك العدواني كالتالي:
156
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
التحق ير ،و ه و إطالق العب ارات و الش تائم على ط رف آخ ر بحيث تنتقص من قيمت ه و تجعل ه
موضعًا للسخرية.
يق ول" س كوت" أن الف رد ي رث من الجين ات م ا ق د ُت ؤثر على نم وه ،بحيث تم ده بجه از عض لي ق وي
يس اعده على المقاتل ة ،كم ا أن ه ُتوج د عوام ل أخالقي ة واجتماعي ة وحض ارية تلعب دورًا في تحدي د
االس تجابة للع دوان .ويؤك د "عب د العزي ز القوص ي" 1985على دور الوراث ة والبيئ ة ،حيث ي رى أن ه
علينا في دراستنا لألفراد أن نضع نصب أعيننا الفروق الوراثية من ذكاء ومزاج ،وتكوين جسمي وما
شابه ذلك ،وعلينا كذلك أن ندرس الظروف المختلفة المتعددة التي عاشوا فيها ،هذه الدراسة ُتفيدنا في
157
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
ي رى" بان دورا " 1973أن الطف ل يتعلم اس تجابات جدي دة من النم وذج ،وه و ي ؤدي إلى تقلي د أو محاك اة
هذا السلوك الجديد ،وأن رؤية الطفل للسلوك العدواني للكبار يضعف من أثر الكف الذي يتعرض له
مم ا س بق يت بين أث ر التقلي د المباش ر والرئيس ي في الس لوك الع دواني ،وهو وس يلة من وس ائل التعلم عن
طريق المالحظة التي تسبق التقليد ،وقد قيل أنه من عاش شيئًا تعلمه.
من خالل العدي د من نت ائج الدراس ات الس ابقة يت بين أن الطالب الع دوانيين أق ل ذك اء و أق ل تحص يًال
دراسيًا
من الطالب الع اديين ولكن ليس لح د الض عف العقلي أو الفش ل الدراس ي الكام ل ،ولق د أك دت دراس ة
"حافظ وقاسم " ( )1993أنه ليس ثمة ارتباط بين التحصيل الدراسي وأي من أشكال السلوك العدواني
ولكنه ارتباط موجب بالسلوك السوي ،فقلما يستقيم التحصيل الدراسي الجيد للمواد الدراسية مع السلوك
العدواني ولقد بينت العديد من الدراسات التي تناولت دور الذكاء الضعيف في ظهور السلوك العدواني،
ففي دراسة "لجودارد" على عائلة الكاليكال ،كان يعزو االنحراف إلى الضعف العقلي ،إال أن الدراسات
لم ترق إلى درجات اليقين في عالقة الذكاء السلبية مع السلوك العدواني ،كما أثبتت دراسة" شارما" أن
العدواني الجانح عمومًا أقل من المستوى العادي في الذكاء ،وأقل تكيفًا وأكثر معاناة من القلق.
لقد اقترن القلق بالعدوان ارتباطًا وثيق ًا ،فالقلق هو حالة نفسية غير سارة من التوتر العصبي ،ويعرف
أيض ًا على أن ه حال ة من الخ وف الغ امض الش ديد ال ذي يمتل ك اإلنس ان ،يس بب ل ه كث يرًا من الك در
والضيق.
158
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
واتف ق" ف وم وم اري" م ع" ه ورني" على وج ود عالق ة س ببية بين الع داوة والقل ق ،ولكنهم ا ذهب ا إلى أن
العداوة ُتؤدي إلى القلق ،والقلق ينمي العداوة ،فالطفل يقمع عداوته لحاجته إلى الراشدين ،ويظهر القلق
واالتكالي ة ويشعر ب العجز ،ويس قط عداوت ه على اآلخ رين ،ويعتقد أنهم يكرهون ه وينبذون ه ويس عون إلى
ولق د اتف ق العدي د من العلم اء في آرائهم المبثوث ة في ثناي ا نظري اتهم ودراس اتهم على وج ود عالق ة بين
العدوان والقلق ومن هؤالء" فرويد" "،أدلر" "،كارن هورني" "،لورنز" "،دوالرد" "،ميللر" "،باندورا"
وقد أكد" أدلر" في صياغته للعدوان أن القلق مظهر من مظاهر العدوان الموجه ضد الذات ،ويظهر في
األجه زة الحركي ة للجس م على ش كل ارتجاف ات ،ويظه ر أيض ًا في أجه زة الجس م األخ رى على ش كل
إال أن هناك دراسات وجدت عالقة إيجابية بين القلق والعدوان أمثال دراسة "هوكانسون "( )1961و
كما وجدت دراسات ُتشير إلى العالقة السلبية بين القلق والعدوان كدراسة " سكوت"( )1977و دراسة
"سايجا"(.)1984
ومن هذا العرض تبين أن الفرد القلق قد يعجز عن إشباع حاجاته؛ فيصاب بشعور اإلحباط والفشل،
ال ذي يس بب ل ه ذل ك الت وتر ،فيواجه ه بحي ل دفاعي ة ال ش عورية ،وال تي منه ا الع دوان ،واإلس قاط،
والنكوص والتقمص ،والتبرير ،والكبت ،والتكوين العكسي ،..وتشترك جميعها ،أو بعضها في تخفيض
لق د دلت الكث ير من الدراس ات أن ال وازع ال ديني الق وي يجنب اإلنس ان الكث ير من الش رور واألم راض
النفسية ،وقد أكدت دراسة كل من" كريمة محمود " ( )1987و"نادية عبده"( )1982و "باكين از حبيب"
159
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
( ) 1988أن التوج ه ال ديني ،ونم و ال وازع ال ديني ل ه دور كب ير في التواف ق النفس ي واالجتم اعي،
والتخلص من األعراض العص ابية والسيكوس وماتية ،وأن الدين ل ه دور فع ال وإ يجابي في ص حة الفرد
النفسية والجسدية ،كما أن التدين له دور إيجابي في خلو الفرد من الميول المضادة للمجتمع.
إن الوضع االقتصادي المتردي والظروف االجتماعية المزرية تساهمان إلى حد كبير في نشوء الع دوان
وبخاصة عند الشباب في سن المراهقة و هذا ما أكدته دراسة" آن كامبل" وآخرون( )1985أن أفراد
الطبق ة االقتص ادية واالجتماعي ة الس يئة أك ثر عدواني ة من أف راد عين ة الطبق ة االقتص ادية واالجتماعي ة
المرتفع ة ،يض اف إلى م ا س بق دراس ة "ق ريش و حس ين" ( )1981ال تي أك دت أن أف راد المس توى
االجتماعي واالقتصادي المرتفع أقل عدوانية من أفراد المستوى االجتماعي واالقتصادي المنخفض.
إن اإلنسان يكره أن يظهر أمام اآلخرين عاجزًا ضعيفًا أو منهزم ًا نفسيًا ،وتجده أحيان ًا يكابر ويتحمل
ويصبر على مر األمور ،كي ال يشمت به اآلخرون ،وإ ذا أحس الفرد بنقٍص أو عجٍز يصاب بخيبة أمل
مم ا يث ير لدي ه الرغب ة في الع دوان وبخاص ة الش عور ب النقص الجس مي أو العقلي عن اآلخ رين ،حيث
يح اول الف رد تع ويض ه ذا النقص باالعت داء على اآلخ رين ،أو الممتلك ات كي يثبت ذات ه ،ففي دراس ة
"محم د ب دير" ( )1984ت بين أن فئ ة الع دوانيين الج انحين يوص فون بع دم تقب ل المع ايير الخلقي ة للجماع ة
واالعتم اد على الجماع ة والخج ل ،والمي ل للش عور ب اإلثم ،والمي ل للع دوان واالنط واء ومقاوم ة توجي ه
الكب ار ،ويغلب عليهم المخ اوف والش عور بع دم الكفاي ة ،والش عور باإلحب اط والقل ق وهم كث يرو الطلب ات
160
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
تؤثر أنماط التنشئة االجتماعية على السلوك العدواني عند الطفل و تتعدد تلك األنماط حسب االتجاهات
و يتمثل في فرض األم أو األب لرأيه على الطفل ،و يتضمن ذلك الوقوف أمام رغبات الطفل التلقائية
أو منعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها حتى لو كانت مشروعة ،و هذا األسلوب
يلغي رغبات الطفل و ميوله منذ الصغر كما يقف عقبة في سبيل تحقيق ذاته ،و هذا األسلوب غالب ًا ما
يساعد على تكوين شخصية خائفة دائمًا من السلطة ،خجولة و حساسة ،و هذه الشخصية غالب ًا ما تتلف
و تعت دي على ممتلك ات الغ ير و ت رتكب أخطاءه ا في غيب ة الس لطة ،أم ا في حض ور الس لطة فتك ون
كم ا أن اس تخدام أس لوب التنش ئة المتش دد أو المتس لط من ج انب األب يوج د اختالف ات بين األبن اء
المتعايشين لظروف هذا النوع من التنشئة ،فقد يستجيب بعضهم بخوف مصحوب بالحزن ،و البعض
اآلخر بخوف مصحوب باالستثارة و العدوان ،و تتحدد هذه االختالفات بين األبناء بعوامل متعددة منها
يع رف أس لوب الحماي ة الزائ دة بالمي ل المف رط ل دى األب وين لحماي ة أطفالهم ا ب دنيًا و نفس يًا بحيث يفش ل
161
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و مثل هذا الطفل الذي يعيش و يتفاعل مع هذا األسلوب ينمو بشخصية ضعيفة خائفة تعتمد على الغير
في قيادته ا و توجيهه ا ،والش ك أن للحماي ة الزائ دة نت ائج س لبية في تك وين شخص ية الطف ل حيث يتع ود
الطفل على أن تجاب طلباته فال يستطيع مقاومة اإلحباطات المستمرة في الحياة فيرتبك و يضطرب في
سلوكه و في عالقاته االجتماعية ،أو ينطوي و ينسحب من المجتمع لشعوره بالعجز و الدونية.
اإلهمال أو النبذ:
إن الطفل الذي يتعرض لإلهمال و النبذ يظهر أنواعًا من السلوك المضطرب كأن يقوم بسلوك عدواني
كالتدمير و التخريب أو ينطوي على نفسه و ذلك بسبب ما يشعر به من أن والديه ال يبادالنه الحب و
االهتمام.
و يؤكد " سيد غنيم" ( )1983أن النبذ كأسلوب من أساليب المعاملة الوالدية من شأنه أن يخلف شخصية
عدوانية سيئة التوافق ،لديها مشاعر عدم الطمأنينة و السادية(.ياسين مسلم 2002ص)33
التدليل:
و يتمث ل في تش جيع الطف ل على تحقي ق رغبات ه على النح و ال ذي يحل و ل ه ،و ع دم توجيه ه لتحم ل أي ة
مسؤولية تتناسب مع مرحلة النمو التي يمر بها ،و قد يتضمن هذا األسلوب تشجيع الطفل على القيام
بألوان من السلوك الذي يعتبر عادًة من غير المرغوب فيها اجتماعي ًا ،و قد يتضمن دفاع الوالدين عن
هذه األنماط السلوكية غير المرغوب فيها ضد أي توجيه أو نقد يصدر من الخارج.
و عالقة اإلفراط بالسلوك العدواني نجد أن اإلفراط في التسامح مع األبناء و التساهل يؤدي إلى عدم
النض ج االنفع الي ل دى األطف ال ،ألن ه ؤالء األطف ال لم يتع ودوا اإلحب اط ،وعن دما يتعرض ون لمواق ف
إحباطي ة ي ترتب على ذل ك تعرض هم لبعض االض طرابات النفس ية و العص بية منه ا الس لوك الع دواني،
قضم األظافر ،التبول الالإرادي ،و توارث الغضب(.الحميدي محمد 2003ص )50
القسوة:
162
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و هي المعاملة القاسية كاستخدام العقاب النفسي و البدني من طرف اآلباء ،و تؤدي هذه المعاملة إلى
نش وء شخص ية متم ردة ت نزع إلى الخ روج عن قواع د الس لوك المتع ارف علي ه كوس يلة للتنفيس و
التعويض عما تعرضت أو تتعرض له من ضروب القسوة ،و على هذا فإن هذه الشخصية ينتج عنها
السلوك العدواني الذي يتجه نحو الغير مثل إتالف ممتلكات الغير دون اإلحساس بالذنب.
و ق د وج دت " ماري ان م اريون" ارتباط ًا عالي ًا بين العق اب الجس دي و ازدي اد مظ اهر الس لوك الع دواني
للطفل ،فاألطفال الذين يتصفون بأعلى درجات العدوانية لديهم أمه ات يبحن العدوان ،و لكنهن يعاقبن
أطفالهن بقسوة عندما يتصرفون بعدوانية ،أما األطفال األقل عدوانية فإن آباءهم ال يتجاهلون السلوك
التذبذب:
هذا األسلوب من أشد األساليب خطورة على شخصية الطفل و على صحته النفسية ،حيث أن التأرجح
بين الثواب و العقاب و المدح و الذم و اللين و القسوة ،و عدم االستقرار في المعاملة يجعل الطفل في
ح يرة من أم ره ،و دائم القل ق غ ير مس تقر ،و من ثم ي ترتب على ه ذا شخص ية متقلب ة و متذبذب ة و
مزدوجة.
ب ـ التفرقة:
و يقصد بها عدم المساواة بين األبناء جميع ًا و التفضيل بينهم بناًء على المركز أو الجنس أو السن أو
أي سبب عرضي آخر ،فتفرقة الوالدين في معاملة أبنائهما تسبب الشعور بالغيرة ،و الشعور بالغيرة قد
يق ود الطف ل إلى التخ ريب أو االعت داء على أخي ه ال ذي يغ ار من ه ،و يظه ر غض به و قلق ه بص ورة
واضحة.
163
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
للتمييز بين األطفال أثاره السيئة على شخصية الطفل ،و مثل هذه السلوكات تؤدي إلى مشاكل سلوكية
د ـ التنافس:
إن التنافس موجود في كل أسرة لديها أكثر من طفل واحد مثل تشاجرهم حول األلعاب أو تسابقهم على
الحصول على امتياز معين ،كل هذه مواقف طبيعية يمكن السيطرة عليها و لكن هناك مواقف يمكن أن
يوجدها الكبار و يدفعوا الصغار إليها ،و تؤدي إلى السلوك العدواني و هي:
مما ال شك فيه أن المستوى التعليمي الراقي للوالدين يساهم في رقي معاملة الوالدين مع األبناء وكذلك
حسن اختيار جماعة األقران يساعد في ظهور سلوك حسن ومقبول اجتماعيًا ،وقد أكدت "عزة زكي" أن
المستوى التعليمي المرتفع للوالدين يرتبط بانخفاض العدوان لدى اإلناث في سن من الثامنة إلى الثامنة
عش ر ،بينم ا وج د أن انخف اض تعليم الوال دين ق د يح رض على عدواني ة أبن ائهم ،حيث أنهم ا لم ي دركا
تكنيك تربية أبنائهما؛ الذي يحد من عدوانهم ،كما أنهما يساعدان على خلق البيئة المحبطة ألبنائهم أكثر
من الوال دين المتعلمين ،كم ا وج د ارتب اط إيج ابي بين ارتف اع عدواني ة األطف ال ال ذكور واإلن اث في س ن
164
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
أم ا جماع ة األق ران فتق ول "ع زة زكي" أن الت أثير المتب ادل بين األق ران يلعب دوره كمح دد رئيس في
ظهور
األفع ال الع دوان ،ويتض ح ذلك أك ثر في جماع ة ال ذكور من ه باإلن اث وهذا م ا أوض حته دراس ة "هيش"(
)1965أن األطف ال غ ير الع دوانيين ربم ا يص بحون ع دوانيين بتك رار الهج وم عليهم داخ ل جماع ة
األقران.
ويرى "المطيري" أن هناك عدة عوامل تؤثر في السلوك العدواني وهي :
إذا أحس الف رد باإلحب اط والحرم ان ،وإ ذا أحي ل بين الف رد وبين التعب ير عن مش اعره المحبط ة
وتصريف عدوانه بالطرق المشروعة أدى ذلك إلى صدور السلوك العدواني (.ياسين مسلم2002ص
)33
إذا أحس اإلنس ان ب الظلم ،وأن حق ه مهض وم ،ظه ر الس لوك الع دواني متمثًال في الس لبية والالمب االة
والتخريب و الخروج على القانون ،القهر ،وكبت الحرية والظلم الذي يولد العدوان و السلبية .
إذا افتقرت شخص ية الف رد إلى الض بط ال ذاتي المعق ول ،واتس مت ذات ه بالتض خم الزائ د عن الح د أو
انعدم ضميره أو مات ،فهذا من عالمات اضطراب الشخصية ،وكان العدوان أحد مظاهرها سواء أكان
هذا العدوان موجهَا إلى ذات الفرد ،أو موجهًا إلى الخارج .
إذا وج د إنس ان في مجتم ع انع دمت في ه مص ادر التس لية واإلث ارة ،وقض اء وقت الف راغ ،واتس مت
الحي اة في ه بالكآب ة والرتاب ة ،مجتم ع يب دد الطاق ات ويحب ط الطم وح والق درات اإلنس انية ،من ش أن ه ذا
المجتم ع أن يتع رض أف راده لإلحب اط ،ومن ش أنه أن يعرض هم ألش كال االنح راف المختلف ة بم ا فيه ا
العدوان.
كم ا أن االزدح ام الس كاني ،ومش اهدة األفالم التلفزيوني ة؛ ذات الط ابع الع دواني ،والش عور بالغض ب ،و
165
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
لق د تع ددت وجه ات النظ ر في تفس ير الس لوك الع دواني ،و فيم ا يلي ع رض لك ل نظري ة من ه ذه
النظريات:
ينظر " مكدوجال" Macdogalو الذ يعد أول مؤيدي هذه النظرية للعدوان على أنه غريزة فطرية ،و
يعرفه بغريزة المقاتلة حيث يكون الغضب هو االنفعال الذي يكمن وراءها.
أما " لورانز" Lorenz 1952فإنه يرى أن اإلنسان تسيطر عليه غريزة العدوان ،و هي ذات أساس
تط وري يتش ابه في ه اإلنس ان م ع س ائر األجن اس األخ رى ،و رب ط " ل ورانز" ه ذه الغري زة بالحاج ة إلى
و لقد افترض " فرويد" Freudأن اعتداءات اإلنسان على نفسه أو على غيره هي سلوك فطري غير
متعلم ،تدفعه إليه عوامل في تكوينه الفسيولوجي لتصريف الطاقة العدائية التي تنشأ داخل اإلنسان أي
غريزة العدوان ،و يعتبر " فرويد" من مؤسسي هذه النظرية ،فالنموذج الذي يقدمه " فرويد" هو خفض
التوتر حيث ينشط سلوك الفرد بفعل المهيجات الداخلية و تجهز عندما يتخذ إجراءًا مناسبًا من شأنه أن
166
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و ي رى " فروي د" أن البش ر كائن ات بيولوجي ة دافعهم الرئيس ي ه و إش باع حاج ات الجس د ،و اإلنس ان
مخلوق مّو جه نحو اللذة تدفعه نفس الغرائز التي تدفع الحيوانات ،و لقد اعتبر " فرويد" غرائز الحياة
أهمها الجنس ،و غرائز الموت أهمها العدوان هي التي تسير الحياة.
و بالنس بة لغرائ ز الم وت نج د أن " فروي د" يؤك د على أنه ا وراء مظ اهر الق وة و الع دوان و االنتح ار و
القتال ،لذا اعتبر غرائز الموت غرائز فطرية لها أهمية مساوية لغرائز الحياة ،من حيث تحديد السلوك
الف ردي ،حيث يعتق د " فروي د" أن لك ل ش خص رغب ة الش عورية في الم وت ،ففي بداي ة األم ر أدرك
" فروي د" أن الع دوان يك ون موجه ًا إلى ح ٍد كب ير للخ ارج ،ثم أدرك بع د ذل ك أن الع دوان يك ون موجه ًا
على نحو متزايد للداخل منتهيًا عند أقصى مدى إلى الموت.
و منذ أن قدم " فرويد" تفسيره للعدوان و القائم على أساس الدافعماء النفس الغريزي فقد تعددت اآلراء
المؤي دة أو الرافض ة لتل ك النظ رة ،فعلم اء النفس اآلن مث ل " هارتم ان" Hartmanو " ك ريس" Kris
بالرغم من اتفاقهم مع " فرويد" في نظرته للعدوان كقوة دافعة منذ بداية الحياة ،إَّال أنهم اختلفوا معه في
أن الع دوان يب دأ بك ون موجه ًا لل داخل في غري زة الم وت ،حيث أنهم ينظ رون للع دوان باعتب اره موجه ًا
إَّال أن مختلف نقاد التحليل النفسي يرون أن " فرويد" أعطى الغريزة الفطرية وزن ًا أكثر مما يجب ،لذا
يرى هؤالء العلماء ضرورة اإلقالل من الدافع الغريزي ،و إبراز المتغيرات السيكولوجية و االجتماعية
يقدم " دوالرد" و "ميلر" تفسيرًا للسلوك العدواني من خالل نظريتهما التي قامت على فرض اإلحباط ـ
هو دائمًا نتيجة لإلحباط ،و أن اإلحباط دائم ًا يؤدي إلى شكل من أشكال العدوان أي أن العدوان نتيجة
167
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
طبيعية و حتمية لإلحباط ،كما تؤكد هذه النظرية على أن العدوان دافع غريزي داخلي لكن ال يتحرك
بواسطة الغريزة كما بينت نظرية الغرائز ،بل نتيجة تأثير عوامل خارجية ،و يؤكد " دوالرد" رائد هذه
و لق د بين " ميل ر" أن اإلنس ان يس تجيب لإلحب اط باس تجابات كث يرة منه ا الع دوان فاإلحب اط ق د يس بب
العدوان و قد ال يسببه بحسب الظروف التي يتم فيها اإلحباط ،كما أن العدوان غالبًا يحدث بدون إحباط
مسبق ،لذا فإن من الواضح أن اإلحباط قد ال يؤدي بالضرورة إلى العدوان و هذا يتوقف على طبيعة
اإلحب اط ،فق د ي ؤدي إلى قم ع الس لوك الع دواني خاص ًة إذا نظ ر الطف ل إلى اإلحب اط على أن ه عق اب
للعدوان.
و قد حددت هذه النظرية أربعة عوامل تتحكم في العالقة بين اإلحباط و العدوان و هي:
تتأثر قوة االستثارة العدوانية بعدد الخبرات الباعثة على اإلحباط ،فالعالقة بين اإلحباط و هذه الخبرات
عالقة طردية ،بمعنى أنه كلما زادت عدد الخبرات المحبطة زادت تبعًا لذلك قوة االستثارة العدوانية ،و
قوة المثير الباعث على اإلحباط :أي الحدث أو المثير المؤدي إلى اإلحباط ،و هنا تكمن القيمة في
درجة إعاقة االستجابة :يرتبط اإلحباط كمي ًا بدرجة اإلعاقة التي تحول دون تحقيق هذه االستجابة
(إشباع الدافع) أي إذا زادت درجة اإلعاقة التي تسبب اإلحباط زاد تبع ًا لذلك العدوان ،فالعالقة بينهما
168
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
تك رار االس تجابة المحبط ة :إن تك رار الخ برات المحبط ة ت ؤدي في النهاي ة إلى الع دوان ،فخ برة
اإلحباط األولى قد ال تبعث إلى العدوان ،أما تراكم هذه النوعية من الخبرات ( تكرارها) لدى الشخص
في بعض الظروف تتحول االستجابة العدوانية المعلنة إلى استجابة عدوانية غير معلنة ،و وفق ًا لنظرية
" دوالرد" ف إن توق ع العق اب من المتغ يرات األك ثر فعالي ة في تحوي ل االس تجابة العدواني ة المعلن ة إلى
استجابة عدوانية غير معلنة ،أي حالة من الشعور بالعداء و الكراهية ،و بالتالي كلما زاد احتمال توقع
إزاحة العدوان:
توضح نظرية أن المرء يلجأ إلى توجيه عدوانه إلى جهة أخرى غير الجهة المسؤولة عن اإلحباط ،و
ذلك إذا ما توقع من الجهة األولى العقاب ،فالطفل يعتدي على لعبته فيكسرها و يفككها ،ألن والديه قاما
بعقاب ه و ه و غاض ب منهم ا و غ ير ق ادر على الع دوان عليهم ا ،ل ذلك ك ان االعت داء على لعبت ه إزاح ة
و قد تأخذ إزاحة العدوان أشكاًال أخرى ،فقد يتجه العدوان نحو الذات و يكون ذلك في حالة إذا كانت
الذات هي مصدر اإلحباط ،أو كانت الذات هي مصدر الكف العدواني ،و كذلك إذا كان توقع العقاب
شديدًا بسبب خارجي إلى درجة قمع العدوان بقوة ،لذلك يتجه نحو الذات.
التنفيس العدواني:
التنفيس يعني إفراغ الشحنة االنفعالية اآلتية من اإلحباط ،لذلك و وفقًا لهذه النظرية فإن كف العدوان أو
منعه يؤدي إلى اإلحباط ،و بما أن اإلحباط يؤدي إلى العدوان فإن كف العدوان يحدث استثارة عدوانية
169
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
من جديد ،و تصبح النتيجة عكسية في حالة إفراغ العدوان ،ذلك أن إفراغ العدوان يمنع اإلحباط ،األمر
و ال ذي يتض ح أن التنفيس الع دواني و إزاح ة الع دوان يش كالن وح دة وظيفي ة ،ف التنفيس عن الع دوان
يرتبط بعملية إزاحة العدوان ،فلوال اإلزاحة العدوانية لما حدث التنفيس ،كما أن التنفيس يستلزم عملية
اإلزاحة.
و مم ا يؤخ ذ على ه ذه النظري ة م ا قال ه " سبنس ر" في أن ه ذه النظري ة تتجاه ل اس تجابات عدواني ة ال
يصاحبها اإلحباط ،و كذلك استجابة األطفال لإلحباط بالعدوان إنما تعتمد على نوع التعامل أو التجاوب
لإلحباط الذي تلقوه من قبل ،أو قد يتعلمه الفرد من خالل مشاهدة بعض النماذج لهذا السلوك.
لذا ظهرت نظرية التعلم االجتماعي و السلوك العدواني ،و الذي من أشهر أقطابها " باندورا"
ي رى أص حاب ه ذا االتج اه أن مف اهيم مث ل الغرائ ز ال يمكن أن تك ون مس ؤولة عن الع دوان ،فالع دوان
س لوك متعم د ينتج من خالل التعلم بالمالحظ ة و التقلي د ،ل ذا ي رى أص حاب ه ذه النظري ة أن أس اليب
التربي ة و التنش ئة االجتماعي ة تلعب دورًا هام ًا في تعلم األف راد األس اليب الس لوكية ال تي يتمكن ون عن
طريقه ا من تحقي ق أه دافهم ،و هك ذا يص بح مب دأ التعلم ه و المب دأ ال ذي يجع ل من الع دوان أداة لتحقي ق
األهداف أو عائقًا دون تحقيقها.و من أقطاب هذه النظرية " باندورا" و " سكينر" فالعدوان عند " باندورا"
و حسب النظرية فإن السلوك العدواني سلوك متعلم عن طريق الخبرة المباشرة و عن طريق النمذجة
أي من خالل مشاهدة الشخص المالحظ لسلوك اآلخرين و ما يترتب عليه من مكافأة ،فاألفراد يسلكون
170
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و على ض وء ذل ك نس تنتج أن نظري ة التعلم االجتم اعي تؤك د على أن الس لوك الع دواني س لوك مكتس ب
من البيئة االجتماعية المحيطة ،و كذلك مالحظة النماذج العدوانية في البيئة االجتماعي ة من أهم مص ادر
العدوان المكتسب ،لذا رأى " بومس" ((Bmss 1971أن للجماعة تأثير على اكتساب السلوك العدواني
و ذلك عن طريق تقليد النماذج العدوانية ،أو عن طريق تعزيز السلوك العدواني لمجرد حدوثه.
و أهم م ا يؤخ ذ على ه ذه النظري ة ه و أن مفه وم النمذج ة Modelال ذي ن ادى ب ه " بان دورا" في تعلم
الع دوان لم يعالج ه بدق ة ،و أن الع دوان ق د ينش أ دون وج ود إحب اط معين أو مكاف آت معين ة ،و ه ذا م ا
أطلق عليه " فرازيك" ( Fraczek )1989مفهوم العدوان المعتاد الذي يصف تصرفات عدوانية ال تنشأ
من اإلحباط و غير متصلة بغرض بلوغ أهداف معينة ،أو الحصول على مكافآت معينة.
يرى المعرفيون أن كل ظاهرة نفسية إنما هي ظاهرة معرفية ،و أن المعرفة تدخل في جميع ما يمكن
لإلنس ان أن يفعل ه ،و أنه ا عملي ة انعك اس للواق ع و إعادة تش كيل و معالج ة ذل ك الواق ع ،يقوم به ا الفرد
بهدف تمكينه من السيطرة على هذا الواقع و تفسيره و أن العمليات المعرفية ُتعد عوامل متضمنة في
فالمكونات المعرفية للفرد هي المحور الرئيسي لشخصيته ،و هي التي تؤثر على مشاعره و سلوكه فإذا
كان بمقدورنا أن نغير من معارف الفرد فإننا سنؤثر بالضرورة على مشاعره و سلوكه.
كما اعتقد " كيلي" بأن النظر إلى ماضي الفرد بوصفه محددًا لسلوكه في الحاضر و المستقبل ما هو إَّال
قوٌل مضلٌل ألن الماضي كما حدث فعًال ليس محددًا للسلوك فالذي يحدد السلوك هو كيفية تصوره له.
فالشخص ليس ضحية لتاريخ حياته و إنما يمكن أن يكون عبدًا لتفسيره له.
171
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
و ل ذلك يرك ز أص حاب النظري ة المعرفي ة في دراس تهم للع دوان على الكيفي ة ال تي ي درك به ا الش خص
العدوان ،و على الكيفية التي يفِس ر بها سلوك الشخص اآلخر ،و الكيفية التي يفِس ر بها الموقف ككل.
كم ا أن أس باب الع دوان ال تكمن عادًة في الموق ف المباش ر ال ذي انفج رت في ه الممارس ات العدواني ة ب ل
ل ذا ف إن الترش يد الص حيح له ذا الن وع من الع دوان ال يمكن أن يتحق ق من خالل نص ائح جزئي ة تنص ب
على تحسين أساليب معالجة الموقف المباشر فقط بل ينبغي أن يمتد إلى الجذور العميقة التي تقع حتم ًا
و ق د رك ز علم اء النفس المعرفي ون في معظم دراس اتهم و بح وثهم على الكيفي ة ال تي ي درك به ا العق ل
اإلنس اني وق ائع أح داث معين ة في المج ال اإلدراكي أو الح يز الحي وي لإلنس ان كم ا يتمث ل في مختل ف
المواقف االجتماعية المعاشة و انعكاسها على الحياة النفسية لإلنسان مما يؤدي به إلى تكوين مشاعر
الغضب و الكراهية ،و كيف أن مثل هذه المشاعر تتحول إلى إدراك داخلي يقود صاحبه إلى ممارسة
السلوك العدواني ،لذلك سعوا إلى تناول السلوك العدواني اإلنساني بالبحث و الدراسة بهدف عالجه،
ومن ثم ك انت ط ريقتهم العالجي ة للتحكم في ه ذا الن وع من الس لوك عن طري ق التع ديل اإلدراكي أي
أش ارت العدي د من الدراس ات إلى أن ف ترة المراهق ة ترتب ط بالس لوك الع دواني ،و ذل ك نظ رًا للتغ يرات
الهائلة التي تطرأ على المراهق في هذه الفترة من حياته ،و من هذه الدراسات دراسة المركز القومي
172
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
للبح وث االجتماعي ة و الجنائي ة بجمهوري ة مص ر العربي ة ( )1976و دراس ة إيزل ر ( Ezler )1978
عن إعادة التكيف االجتماعي للمراهقة ،و كذلك آراء العلماء و المختصين التي تربط بين هذه الفترة و
بين الع دوان فيق ول يس ري عب د المحس ن ( {:)1987إن الع دوان موج ود في ك ل مراح ل التط ور
اإلنساني و لكن بصورة تختلف باختالف طبيعة المرحلة و قدرات اإلنسان فيها ،و تعد مرحلة المراهق ة
إذا لم تكتنفها الرعاية البيئية و التنشئة الصالحة من أكثر المراحل التي يتوافر فيها كل مقومات إظهار
العدوان و ذلك الصطدام المراهق بالمجتمع من حوله لبحثه الدائم عن ذاته و كيانه ،مما يجعل العدوان
و ك ذلك فق د اعت برت النظري ة االجتماعي ة أن ف ترة المراهق ة من أخط ر الف ترات في حي اة اإلنس ان و
اعتبرتها ضمن الفروض األساسية لتفسير متكامل و شامل لظاهرة العدوان في المجتمعات النامية ،و
عّللت ذلك ب أن فئ ة الم راهقين من أك ثر فئ ات المجتم ع من حيث إمكاني ة المش اركة في حوادث الع دوان
لما تتميز به شخصياتهم في هذه الفترة من تكثيف للتوترات و القلق و عدم االستقرار.
و ترج ع أس باب ش عور الم راهقين بالع دوان و إظه ار العن ف إلى االس تياء و الحرم ان و األلم ال ذي
يشعرون به حينما يحاولون الحصول على أكثر قدٍر من الحرية ،حيث يصطدمون بسلطة الكبار سواًء
من اآلب اء أو من المعلمين ،و ه و م ا يح رمهم من االس تمتاع باالمتي ازات النض ج ،و به ذا تتول د ل ديهم
المش اعر العدائي ة نح و الكب ار ذوي الس لطة و ه ذه المش اعر تث ير ل ديهم الهي اج و االض طراب ،و يع بر
المراهق ون عن مش اعرهم العدائي ة ه ذه نح و الكب ار داخ ل جماع ة األص دقاء بأش كاٍل عدواني ٍة كث يرٍة و
مختلفٍة .
173
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
من خالل الرجوع إلى المالحظات اليومية لألوساط االجتماعية المختلفة يظهر لنا أن الذكور يتميزون
عن اإلناث بعدوانية أكبر و هذا راجع لعدة عواما منها البيئية و البيولوجية و الوراثية و منها نذكر:
عامل التكوين الفيزيولوجي :فالذكور يميلون بحكم تكوينهم لحب الظهور و تأكيد الذات.
التمييز و التفريق الجنسي :حيث نجد بعض المجتمعات تشجع الذكور على السلوك الع دواني و ذل ك
اختالف شكل السلوك العدواني :فقد لوحظ أن عدوان اإلناث يكون لفظي ًا فقط ،كالعتاب و الغيرة و
التف اخر و الث أر ،بينم ا ع دوان ال ذكور يك ون فيزيقي ًا ي دور ح ول الملكي ة و انتزاعه ا و القي ادة و مخالف ة
تعاليمها أو خرقها.
كم ا أن الغري زة العدواني ة ليس ت أق وى عن د ال ذكور من ه عن د اإلن اث ب ل النم ط التعب يري ه و ال ذي
عوام ل الس اللة و الع رق :حيث ظه ر من خالل الدراس ات أن الس ود أك ثر عدواني ة من األطف ال
البيض و احتمالية إدخالهم إلى المؤسسات اإلصالحية تصل إلى أربعة أضعاف.
تعتبر عملية قياس السلوك العدواني من إحدى الصعوبات التي يواجهها المهتمون بدراسة هذا السلوك و
ذلك ألن هذا السلوك معقد إلى درجة كبيرة ،و يزيد من صعوبة قياس السلوك العدواني تباين وجهات
النظر التي حاولت تفسيره ،فما من شك في أن الطريقة التي يستخدمها الباحث لقياس السلوك العدواني
تعتم د بالض رورة على تفس يره ل ه و على األس باب ال تي يعتق د أنه ا تكمن وراءه ،و ل ذلك تع ددت ط رق
المالحظة المباشرة:
174
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
تعتبر وسيلة هامة و تحتاج إلى تدريب المالحظين ،و قد تتم المالحظة في البيت أو الفصل الدراسي أو
يتم تحديد السلوك العدواني عن طريق األشخاص المعتدى عليهم أو الممتلكات المستهدفة من ذلك.
التقارير الذاتية:
في هذه الطريقة يقوم الطفل ذاته بتقييم مستوى السلوك العدواني الذي يصدر عنه.
المقابلة السلوكية:
تعت بر وس يلة هام ة للتع رف على خص ائص الع دوان و تحدي د الظ روف ال تي يح دث فيه ا و العملي ات
المعرفي ة و االنفعالي ة ال تي تص احبه ،و أنواع ه ،و ردود أفع ال األش خاص اآلخ رين ،أو تتب ع نت ائج
السلوك.
المتابعة الذاتية:
و فيها يقوم الشخص بمالحظة سلوكه العدواني و تدوين البيانات فيما يتعلق بالمواقف التي تثير غضبه
و طريقة استجابته للموقف ،و النتائج التي تمخضت عن السلوك العدواني ومن مميزات هذه الطريقة؛
مساعدة الشخص على الوعي بسلوكه و العوامل المرتبطة به ،و هي ذات فائدة من الناحية العالجية.
اختبارات الشخصية:
منها اختبار منسوتا المتعدد األوجه ،و اختبار الرورشاخ لبقع الحبر.
تقرير األقران:
175
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
تتم عن طري ق توجي ه مجموع ة من األس ئلة إلى ع دد من األطف ال لإلجاب ة عنه ا به دف التع رف على
األطفال العدوانيين.
مقاييس التقدير:
حيث يقوم المعلمون أو المعالجون أو اآلباء بتقييم مستوى السلوك لدى الطفل من خالل قوائم سلوكية
و تعت بر مق اييس التق دير من أك ثر الط رق و أش هرها في قي اس الس لوك الع دواني ل دى األطف ال ،و ق د
اكتسبت شهرة كبيرة وذلك لسهولة تطبيقها و إمكانية مالءمتها لمواقف متعددة مثل المنزل و المدرسة،
إض افًة إلى س هولة التعب ير عنه ا بص ورة كمي ة ،و تمت از مق اييس تق دير الس لوك عن غيره ا من ط رق
الش ك في أن الطريق ة ال تي يس تخدمها المع الج إليق اف الس لوك الع دواني أو لخفض ه تعتم د على تفس يره
لهذا السلوك ،و لما كانت التفسيرات المقدمة عديدة و متنوعة فإن طرق المعالجة هي أيضًا عديدة و
متنوعة ،فإذا نظرنا إلى السلوك العدواني بوصفه سلوكًا غريزيًا فإن الطريقة التي نوظفها للتعامل معه
ففي الحال ة األولى س يحاول المع الج على األغلب مس اعدة الطف ل على التعب ير عن الطاق ة العدواني ة
بطريقة مقبولة ،أما في الطريقة الثانية فسيتم توظيف مبادئ التعلم لضبط السلوك العدواني.
و سنذكر فيما يلي بعض الطرق العالجية السلوكية و ذلك ألن الدراسات قد بينت أن هذه الطرق أكثر
فعالية من األساليب العالجية األخرى( .مصطفى نوري ،خليل عبد الرحمان 2007ص)218
176
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
التعزيــز التفاضــلي :و يش تمل ه ذا اإلج راء على تعزي ز الس لوكيات االجتماعي ة المرغ وب فيه ا ،و
تجاه ل الس لوكات االجتماعي ة غ ير المرغ وب فيه ا .وق د أوض حت الدراس ات إمكاني ة تع ديل الس لوك
العدواني من خالل هذا اإلجراء ،قام بها " بروان" و" إليوت" Brown & Elliotاستطاع الباحثان تقليل
السلوكات العدوانية اللفظية و الجسدية لدى مجموعة من األطفال في الحضانة خالل إتباع المعلمين لهذا
اإلجراء.
الحرمان المؤقت من اللعب :و يستخدم هذا األسلوب عادًة في حالة وجود طفل عدواني مع زمالئه
بحيث يلحق األذى بهم ،و قد استخدم " بريسكالد" و "جاردنور" Brisklad & Gardenorهذا اإلجراء
مع طفلة عمرها ثالث سنوات ،و كانت النتيجة تقليل سلوك العدوان عند الطفلة من %45إلى %41
تقليل الحساسية التدريجي :و يتضمن هذا األسلوب تعليم الطفل العدواني و تدريبه على استجابات
ال تتوافق مع السلوك العدواني كالمهارات االجتماعية الالزمة ،مع تدريبه على االسترخاء ،و ذلك ح تى
يتعلم الطفل كيفية استخدام االستجابات البديلة و بطريقة تدريجية ،و ذلك لمواجهة المواقف التي تؤدي
أسلوب العــزل و ثمن االسـتجابة :و يتم هن ا التوض يح للطف ل ب أن قيام ه بالس لوك الع دواني ال ي ؤدي
فقط إلى عدم الحصول على مكافآت ،بل إن نتائج سلوكه هذا تعني العقاب.
إجراء التصحيح الزائد :و هو قيام األطفال بسلوكات بديلة للسلوكات العدوانية بشكل متكرر ،مثال
ذلك عندما يقوم الطفل بأخذ األشياء بقوة من زمالئه ،يطلب منه إعادتها و االعتذار للمعلمين و ال زمالء
على سلوكه الخاطئ ،و يشتمل التصحيح على ثالثة عناصر أساسية هي:
177
المراهقة و االضطرابات السلوكية و النفسية الفصل الثالث
تحذير الطفل العدواني لفظيًا و ذلك بقول؛ ال ..و يتوقف عن هذا في حالة اعتدائه على طفل آخر.
الممارس ة االيجابي ة :و تش تمل على الطلب من الطف ل لفظي ًا أن يرف ع ي ده ال تي ض رب به ا الطف ل
اآلخر و أن ينزلها أربعين مرة مباشرة ،بعد قيامه بالسلوك العدواني.
إعادة الوضع أفضل مما كان عليه قبل حدوث السلوك العدواني ،و ذلك من خالل اعتذار الطفل
المعتدي إلى الطفل المعتدى عليه.
النمذجة :تعتبر طريقة النمذجة من أكثر الطرق فعالية في تعديل السلوك العدواني ،و يتم ذلك من
خالل تق ديم نم اذج الس تجابات غ ير عدواني ة للطف ل ،و ذل ك في ظ روف اس تفزازية و مث يرة للع دوان و
يمكن القيام بمساعدة الطفل عن طريق لعب األدوار من أجل اكتساب سلوكات غير عدوانية ،و يمكن
تقديم التعزيز عند حدوث ذلك من أجل منع الطفل من إظهار السلوك العدواني في الموقف.
توفير طرق لتفريغ العدوان :و هنا يتم تقديم وسائل بديلة متنوعة من أجل التخلص من الغضب أو
تفريغ النزعات العدوانية مثل؛ اللعب ،و التمرينات الرياضية...الخ(المرجع السابق 2000ص)192
ملخص الفصل
إن ف ترة المراهق ة ف ترة حياتي ة متم يزة بس ماتها و خصائص ها و انفعاالته ا و مش اكلها ،و تعت بر ه ذه
المرحلة من أهم المراحل النمائية في حياة اإلنسان ،إذ يتحدد فيها الطريق الذي يختاره الشباب فيما بعد
و المطل ع على م ا يح دث في الع الم الب د أن ي درك ب أن ف ترة المراهق ة هي الف ترة األك ثر اس تحواذًا على
اهتم ام الن اس في بعض المجتمع ات المعاص رة ،و بأنه ا أك ثر ف ترات الحي اة ت أثيرًا في مج االت الحي اة
المختلف ة من اجتماعي ة و اقتص ادية و سياس ية ،كم ا أنه ا أك ثر ف ترات الحي اة إرهاق ًا و عس رًا بالنس بة
و على ه ذا األس اس قمن ا من خالل ه ذا الفص ل باس تعراض بعض الج وانب األساس ية ال تي تم يز ه ذه
178