Professional Documents
Culture Documents
المقام الرئيسي
النسب
1
جعفر بن أبي طالب
أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي الُقرشي ( 13رجب 23ق هـ 17/مارس 599م 21 -رمضان 40هـ27 /
يناير 661م) ابن عم الرسول محمد بن عبد هللا وصهره ،من آل بيته ،وأحد أصحابه ،هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة
وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأّو ل األئّمة عند الشيعة.
ولد في مكة وتشير مصادر التاريخ بأن والدته كانت في جوف الكعبة ]4[،وُأّمه فاطمة بنت أسد الهاشمّية .أسلم قبل الهجرة النبوّية،
وهو ثاني أو ثالث الناس دخوال في اإلسالم ،وأّو ل من أسلم من الصبيان .هاجر إلى المدينة المنورة بعد هجرة الرسول بثالثة أّيام
وآخاه النبي محمد مع نفسه حين آخى بين المسلمين ،وزوجه ابنته فاطمة في السنة الثانية من الهجرة.
2
شارك علي في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خّلفه فيها النبي محمد على المدينة ]5[.وُعرف بشّدته وبراعته في القتال
فكان عامًال مهمًا في نصر المسلمين في مختلف المعارك وابرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر .لقد كان علي موضع ثقة الرسول
محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهمسفرائه ووزرائه.
تعد مكانة علي بن أبي طالب وعالقته بأصحاب الرسول موضع خالف تاريخي وعقائدي بين الفرق اإلسالمية المختلفة ،فيرى
بعضهم أن هللا اختاره وصّيًا وإمامًا وخليفًة للمسلمين ،وأّن محمدًا قد أعلن ذلك في خطبة الغدير ،لذا اعتبروا أّن اختيار أبي
بكر لخالفة المسلمين كان مخالفًا لتعاليم النبي محمد ،كما يرون أّن عالقة بعض الصحابة به كانت متوّت رة .وعلى العكس من ذلك
ينكر بعضهم حدوث مثل هذا التنصيب ،ويرون أّن عالقة أصحاب الرسول به كانت جيدة ومستقّر ة .وُيعّد اختالف االعتقاد حول
علي هو السبب األصلي للنزاع بين السنة والشيعة على مدى العصور.
بويع بالخالفة سنة 35هـ ( 656م) بالمدينة المنورة ،وحكم خمس سنوات وثالث أشهر وصفت بعدم االستقرار السياسي ،لكنها
تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخالفة الجديدة الكوفة .وقعت الكثير من المعارك بسبب الفتن التي تعد
امتدادا لفتنة مقتل عثمان ،مما أدى لتشتت صف المسلمين وانقسامهم لشيعة علي الخليفة الشرعي ،وشيعة عثمان المطالبين بدمه
على رأسهم معاوية بن أبي سفيان الذي قاتله في صفين ،وعائشة بنت أبي بكر ومعها طلحة بن عبيد هللا والزبير بن العوام الذين
قاتلوه في يوم الجمل بفعل فتنة أحدثها البعض حتى يتحاربوا؛ كما خرج على علي جماعة عرفوا بالخوارج وهزمهم في النهروان،
وظهرت جماعات تعاديه وتتبرأ من حكمه وسياسيته سموا بالنواصب ولعل أبرزهم الخوارج .واستشهد على يد عبد الرحمن بن
ملجم في رمضان سنة 40هـ 661م.
اشتهر علي عند المسلمين بالفصاحة والحكمة ،فينسب له الكثير من األشعار واألقوال المأثورة .كما ُيعّد رمزًا للشجاعة والقّو ة
ويّتصف بالعدل والُز هد حسب الروايات الواردة في كتب الحديث والتاريخ .كما ُيعتبر من أكبر علماء في عصره علمًا وفقهًا إْن لم
يكن أكبرهم على اإلطالق كما يعتقد الشيعة وبعض السنة ،بما فيه عدد من الفرق الصوفّية.
ميالده ونشأته
3
وأمه فاطمة بنت أسد بنهاشم بن عبد مناف ،التي قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي ]8[،وكان والدا علي قد كفال محمًد ا حين توفي
والداه وجده وهو صغير فتربى ونشأ في بيتهما.
تضاربت الروايات بأن عليا بن أبي طالب ولد داخل الكعبة ،حيث يؤكد الشيعة أنه المولود الوحيد داخل الكعبة وفًقا لروايات تقول
أن موضًع ا بأحد جدران الكعبة يسمى المستجار قبل الركن اليماني قد انشق لفاطمة بنت أسد حين ضربها الطلق
فدخلت الكعبة وولدت علي .وُذ كر ذلك في المصادر السنية ومنها المستدرك للحاكم النيسابوري فجاء فيه:
في جوف الكعبة[»]13 «تواترت األخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وتضيف كتب الشيعة أنه عندما وصل خبر دخول فاطمة بنت أسد []14
وورد هذا الخبر في مواضع أخرى من كتب السنة والشيعة
الكعبة ،إلى أبي طالب أقبل هو وجماعة وحاولوا فتح باب الكعبة ،حتى تصل النساء إلى فاطمة ليساعدنها على أمر الوالدة ،ولكنهم
لم يستطيعوا فتح الباب ]15[،بينما ينكر بعض علماء الدين والمؤرخين السنة هذه الروايات الشيعية ،حيث ضعف السيوطي سند رواية
الحاكم ]16[،وضعفها صاحب تهذيب األسماء ]17[،والثابت عند بعض أهل السنة هو أن حكيًما بن حزام هو الذي ُو لد في
جوف الكعبة كما أورد ذلك الحاكم والذهبي وابن حجر وغيرهم ]18[.تذكر بعض المصادر أن فاطمة أرادت أن تسميه أسدا أو حيدرة
تيمنا بأبيها ،بينما أراد أبو طالب أن يسميه زيدا ،لكن محمدا سماه عليا ]19[،وفي مصادر أخرى أن أمه جاءها هاتف يأمرها بتسميته
[]21
وروي أيضا أن والده وجد لوحا مكتوب عليه أبياتا من الشعر في مدح ابنه وتسميه علي. []20
علي.
حين كان علي ما بين الخامسة والسادسة من عمره مرت بمكة سنين عسرة وضيق أّث رت على األحوال االقتصادية في مكة وما
حولها ،وكان ألبي طالب ثالثة أبناء :علي وعقيل وجعفر ،فذهب إليه الرسول محمد وعمه العباس بن عبد المطلبوعرضا عليه أن
يأخذ كل منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء الذي عليه ،فأخذ العباس جعفر وأخذ محمد عليا ،فتربى في بيته وكان
مالزما له أينما ذهب ]23[]22[]6[،وتذكر بعض المصادر أنه كان يذهب معه إلى غار حراء للتعبدوالصالة ]25[]24[]22[،كما ُيذكر أنه كان
قبل اإلسالم حنفيا ولم يسجد لصنم قط طيلة حياته ،ولهذا يقول المسلمون "كرم هللا وجهه" بعد ذكر اسمه ،وقيل ألنه لم ينظر لعورة
[]26
أحد قط.
إسالمه
أسلم علي وهو صغير ،بعد أن عرض النبي محمد ،اإلسالم على أقاربه من بني هاشم ،تنفيذا لما جاء في القرآن .وقد ورد في بعض
المصادر أن محمدا قد جمع أهله وأقاربه على وليمة ،وعرض عليهم اإلسالم ،وقال أن من يؤمن به سيكون وليه ووصيه وخليفته
من بعده ،فلم يجبه أحد إال عليا .سمي هذا الحديث "حديث يوم الدار " أو "إنذار يوم الدار" أو "حديث دعوة العشيرة" ]27[،وقد ذكر في
العديد من الكتب بروايات مختلفة منها ما أورده الطبري في تاريخه:
َ﴿ :و َأنِذ ْر َع ِش يَر َتَك اَأْلْقَر ِبيَن ﴾ ،دعاني رسول لما نزلت هذه اآلية على رسول هللا
4
فقال لي« :يا علُّي ،إَّن هللا أَم َر ِني أْن ُأْنِذ ْر َع ِش يَر ِتي األْقَر ِب » ،فضقت بذلك هللا
ذرعا ،وعرفت أنى متى أباديهم بهذا األمر أرى منهم ما أكره ،فصمُّت حتى جاء جبرئيل
فقال« :يا محمد ،إنك إال تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ،فاصنع لنا صاعا من طعام،
واجعل عليه رجل شاة ،وامأل لنا عسا من لبن؛ ثم اجمع لي بنى عبد المطلب حتى
أكلمهم ،وأبلغهم ما أمرت به» ،ففعلت ما أمرني به .ثم دعوتهم له؛ وهم يومئذ أربعون
رجال ،يزيدون رجال أو ينقصونه؛ فيهم أعمامه:أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلما
اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ،فجئت به ،فلما وضعته تناول رسول هللا
حذية من اللحم ،فشقها بأسنانه ،ثم ألقاها في نواحي الصفحة .ثم قال« :خذوا بسم هللا» ،فأكل
القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إال موضع أيديهم ،وايم هللا الذي نفس علي بيده؛ وإن
كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم .ثم قال« :اسق القوم» ،فجئتهم بذلك العس،
فشربوا منه حتى رووا منه جميعا ،وايم هللا إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ،فلما أراد
أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكالم ،فقال« :لهد ما سحركم صاحبكم!» رسول هللا
فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول هللا ،فقال« :الغد يا علي؛ إن هذا الرجل سبقني إلى
ما قد سمعت من القول ،فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ،فعد لنا من الطعام بمثل ما
صنعت ،ثم اجمعهم لي » .قال :ففعلت ،ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ،ففعل كما
فعل باألمس ،فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة .ثم قال« :اسقهم» ،فجئتهم بذلك العس ،فشربوا
حتى رووا منه جميعا ،ثم تكلم رسول هللا ،فقال« :يا بني عبد المطلب؛ إنى وهللا ما
أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به؛ إنى قد جئتكم بخير الدنيا
واآلخرة ،وقد أمرني هللا تعالى أن أدعوكم إليه ،فأيكم يؤازرني على هذا األمر على
أن يكون أخي ووصيتي وخلفتي فيكم؟» قال :فأحجم القوم عنها جميعا ،وقلت« :وإني
ألحدثهم سنا ،وأرمصهم عينا ،وأعظمهم بطنا ،وأحمشهم ساقا؛ أنا يا نبي هللا ،أكون
وزيرك عليه .فأخذ برقبتي» ،ثم قال« :إن هذا أخي ووصي ووخليفتي فيكم ،فاسمعوا
له وأطيعوا» .قال« :فقام القوم يضحكون ،ويقولون ألبي طالب :قد أمرك أن تسمع
البنك وتطيع».
[ ]29 []28
يوم االثنين ،وأسلم علي يوم الثالثاء».]30[]24[. وفي رواية عن أنس بن مالك« :بعث النبي
وبهذا أصبح علي أول من أسلم من الصبيان ،وذهب البعض مثل ابن اسحاق إلى أنه أول الذكور إسالما ،وإن اعتبر آخرون من
أهل السنة مثل الطبري أن أبا بكر هو أول الذكور إسالما مستندين إلى روايات تقول أن عليا لم يكن راشدا حين أسلم ]31[،فالروايات
وفي رواية أوردها الذهبي في تاريخه« :أول رجلين []32[]8
تشير إلى أن عمره حين أسلم يتراوح بين تسعة أعوام وثمانية عشر عام؛
أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر اإلسالم وكان علي يكتم اإلسالم فرقا من أبيه» ]33[.كما كان علي أول من
[]32
صلى مع محمد وزوجته خديجة بعد اإلسالم ]34[،في حين نقل ابن سعد رواية يقول فيها علي أنه أول من أسلم.
لم يهاجر علي إلى الحبشة في الهجرة األولى حين سمح الرسول لبعض من آمن به بالهجرة إلى هناك هربًا من اضطهاد قريش.
وقاسى معه مقاطعة قريش لبني هاشم وحصارهم في شعب أبي طالب ]35[.كما رافق محمدا في ذهابه للطائف لنشر دعوته هناك بعد
أن اشتد ايذاء قريش له ]36[.مكث علي مع محمد في مكة حتى هاجر إلى المدينة.
ليلة الهجرة النبوية
في اليوم الذي عزم فيه الرسول على الهجرة إلى يثرب ،اجتمع سادات قريش في دار الندوة واتفقوا على قتله ،فجمعوا من كل قبيلة
شاب قوي وأمروهم بانتظاره أمام باب بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل .حسب اعتقاد كافة المسلمين
جاء الَم َلك جبريل إلى محمد وحذره من تآمر القريشيين لقتله ،فطلب النبي محمد من علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه بدال منه
5
ويتغطى ببرده األخضر ليظن الناس أن النائم هو محمد وبهذا غطي على هجرة النبي وأحبط مؤامرة أهل قريش ]37[.وفي بعض
الروايات أنه سأل أصحابه من يبيت على فراشه فلم يجبه إال عليا ثالثًا ]38[،ويعتبر علي أول فدائي في اإلسالم بموقفه في تلك الليلة
َو ِمَن الَّن اِس َم ن َي ْش ِر ي َن ْف َس ُه اْبِتَغ اء التي عرفت فيما بعد "بليلة المبيت"؛ ويروى المفسرين الشيعة في تفسير اآلية القرآنية:
سورة البقرة أنها نزلت في علي بن أبي طالب حين نام في فراش الرسول ]40[]39[.كان َم ْر َض اِت ِهّللا َو ُهّللا َر ُؤ وٌف ِباْلِعَباِد
محمدا قد أمره أن يؤدي األمانات إلى أهلها ففعل ،حيث كان أهل قريش يضعون أماناتهم عند محمد .وكانوا في مكة يعلمون أن عليا
يتبع محمدا أينما ذهب ،لذا فإن بقاءه في مكة بمثابة تمويه لجعل الناس يشكون في هجرة النبي العتقادهم بأنه لو هاجر ألخذ عليا
[]42[]41
معه .بقي علي فيمكة ثالثة أيام حتى وصلته رسالة محمد عبر رسوله أبي واقد الليثي يأمره فيها بالهجرة للمدينة.
حياته في المدينة
هجرته
خرج علي للهجرة إلى المدينة وهو في الثانية والعشرين من عمره ،وحسب رواية ابن األثير في أسد الغابة فقد خرج علي وحيدا
يمشي الليل ويكمن النهار ]43[]24[.بينما تذكر مصادر أخرى أنه اصطحب ركبا من النساء هن :أمه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت
محمد وفاطمة بنت الزبير وزاد البعض فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب أو ما سمي بـركب الفواطم .ولم تمض غير أيام قليلة حتى
وصل علي إلى قباء حيث انتظره الرسول بها ورفض الرحيل قبل أن يصل علي الذي كان قد أنهكه السفر وتورمت قدماه حتى
نزف منهما الدم .وبعد وصوله بيومين نزل علي مع الرسول إلى المدينة ]42[]41[.حين وصل الرسول إلى المدينة قام بما عرف بمؤاخاة
[]45[]44
المهاجرين واألنصار وآخى بين علي وبين نفسه وقال له« :أنت أخي في الدنيا واآلخرة».
زواجه
رسم ُت ركي ُعثماني للرسول ُمحَّمد وهو ُيزّو ج ابنته فاطمة بابن عّمه علّي ،وقد ُغ طي وجه فاطمة وُمحَّمد باللون األبيض احتراًما لهما.
في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة زوجه محمد ابنته فاطمة ولم يتزوج بأخرى في حياتها ،وقد روي أن تزويج فاطمة من
[
علي كان بأمر من هللا ،حيث توالى الصحابة على محمد لخطبتها إال أنه ردهم جميعا حتى أتى األمر بتزويج فاطمة من علي،
]46فأصدقها علي درعه الحطمية ويقال أنه باع بعيرا له وأصدقها ثمنه الذي بلغ 480درهما على أغلب األقوال ]47[.وأنجب منها
الحسن والحسين في السنتين الثالثة والرابعة من الهجرة على التوالي ]48[،كما أنجب زينب وأم كلثوم والمحسن ،واألخير حوله خالف
تاريخي حيث يروى أنه قتل وهو جنين يوم حرق الدار ،وفي روايات أخرى أنه ولد ومات في حياة النبي ،في حين ينكر بعض
السنة وجوده من األساس .في أكثر من مناسبة صرح محمد أن علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيته مثلما في حديث
[]51[]50
ويروى أنه كان يمر بدار علي إليقاظهم آلداء صالة الفجر ويتلو آية التطهير. []49
المباهلة وحديث الكساء،
6
أعماله في عهد النبي
كان عليا موضع ثقة الرسول محمد ،فكان أحد كتاب القرآن أو كتاب الوحي الذين يدونون القرآن في حياة النبي محمد .وكان أحد
سفرائه الذين يحملون الرسائل ويدعون القبائل لإلسالم ،واستشاره محمد في الكثير من األمور مثلما استشاره في ما يعرف بحادثة
اإلفك ]48[.شهد بيعة الرضوان وأمره محمد حينها بتدوين وثيقة صلح الحديبية وأشهده عليه ]53[]52[.يروى في االستيعاب أن محمد
بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم فبقي هناك ستة أشهر فلم يجبه أحد فبعث محمد بعلي إلى اليمن فأسلمت على يديه
قبيلة همدان كلها ،وتتابع بعدها أهل اليمن في الدخول إلى اإلسالم؛[ ]8ولم تكن هذة المرة األخيرة التي يذهب فيها علي إلى اليمن
حيث واله محمد قضاء اليمن لما عرف عنه من عدل وحكمة في القضاء ،فنصحه ودعا له ،ثم أرسله إلى هناك سنة 8هـ ومكث به
عام واحد ]55[]54[.كما ساهم في فض النزاعات وتسوية الصراعات بين بعض القبائل ]6[.ورد في الكامل أنه عند فتح مكة أراد سعد بن
عبادة دخول مكة مقاتًال عكس ما أمر به محمد حيث أنه أراد دخول مكة بال قتال ،فحين سمع محمد ذلك أرسل علي خلف سعد
[]56
فلحقه وأخذ الراية منه ودخل بها مكة ،بعدها أمره محمد بكسر األصنام التي كانت حول الكعبة.
غزواته مع النبي محمد
مخطوطة لمقولة "ال فتى إاَّل علي ،ال سيف إاَّل ذو الفقار" ،التي قيل بأَّن الرسول ُمحَّمد قالها لعلّي .
شهد علي جميع المعارك مع الرسول محمد إال غزوة تبوك ،التي خلفه فيها على المدينة وعلى عياله بعده وقال له:
عرف علي بن أبي طالب ببراعته وقوته في القتال ،وقد تجلى هذا في غزوات []24[]8
،وسلم له الراية في الكثير من المعارك.
الرسول؛ ففي غزوة بدر ،هزم علي الوليد بن عتبة ،وقتل ما يزيد عن 20من المشركين .وفي غزوة أحد قتل طلحة بن عبد
[]57
العزى حامل لواء قريش في المعركة ،وأرسله محمد إلى فدك فأخذها في سنة 6هـ ]58[،وفي غزوة األحزاب قتل عمرو بن ود
العامري أحد فرسان العرب ،وفي غزوة خيبر ،هزم فارس اليهود مرحب ،وبعد أن عجز جيش المسلمين مرتين عن اقتحام
حصن اليهود ،قال محمد « :ألدفعن الراية إلى رجل يحب هللا ورسوله ويحبه هللا ورسوله ويفتح عليه» فأعطاها لعلي ليقود
الجيش ،وفتح الحصن وتحقق النصر للمسلمين ]60[]59[.وقيل إنه اقتحم حصن خيبر متخذّا الباب درعا له لشدة قوته في القتال .وكان
7
ممن ثبت مع محمد في غزوة حنين ]61[.وكان لعلي سيف شهير أعطاه له محمد في غزوة أحد عرف باسم ذو الفقار ]48[،كما أهداه
محمد درعا عرفت بالحطمية ويقال أنها سميت بهذا االسم لكثرة السيوف التي تحطمت عليها.
غدير خم
في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عام العاشر هجريًا بعد أن أتم النبي محمد مناسك حجة الوداع وخرج المسلمون عائدين
لديارهم ،توقف عند مكان يقال له غدير خم وخطب في المسلمين خطبة اختلفت الروايات حولها ولكن يجمع المؤرخون أنه جاء
فيها«من كنت مواله فعلي مواله» .تقول المصادر الشيعية أن في هذا اليوم نزلت اآلية ﴿اْلَي ْو َم َأْك َم ْلُت َلُك ْم ِد يَن ُك ْم َو َأْت َم ْم ُت َع َلْي ُك ْم
ِنْع َم ِتي َو َر ِض يُت َلُك ُم اِإْلْس َالَم ِدينًا﴾ ويفسرونها بأن إتمام الدين هو اإليمان باإلمام والولي علي بن أبي طالب من بعد الرسول
وتقول مصادرهم أن جميع المسلمين والمسلمات قد بايعوه في هذا اليوم على السمع والطاعة ]64[.من وجهة النظر السنية []63[]62
محمد.
وصية النبي محمد في علي ال تدل على استخالفه من بعده وإنما تدل على مكانته ،كما ينكر السنة حدوث المبايعة أو نزول اآلية في
[]65
هذا اليوم.
خالفته
المسلمون يبايعون علًيا بالخالفة.
الدولة اإلسالمية خالل عهد الخليفة علي بن أبي طالب ،اللون األخضر الباهت يظهر المناطق التي لم تكن خاضعة لسيطرة الخليفة بالكامل.
[
لما قتل عثمان ،بويع علي بن أبي طالب للخالفة بالمدينة المنورة في اليوم التالي من الحادثة (الجمعة 25ذي الحجة سنة 35هـ
)]123فبايعه جميع من كان في المدينة من الصحابة والتابعين والثوار .يروى إنه كان كارها للخالفة في البداية واقترح أن يكون
وزيرا أو مستشارا إال أن بعض الصحابة حاولوا إقناعه فضال عن تأييد الثوار له ]125[]124[،ويروي ابن خلدون والطبري أنه ارتضى
تولي الخالفة خشية حدوث شقاق بين المسلمين ]126[]123[.يروى أن أول من بايع كان طلحة والزبير وفي تاريخ الطبري أول من بايع
مالك األشتر النخعي ،وتقول بعض المصادر أن أقارب عثمان واألمويين لم يبايعوا عليا ،وتوجهوا إلى الشام ،كما تقول أن بعض
الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وعبد هللا بن عمر وغيرهم لم يبايعوا بالوالء ولكن تعهدوا بعدم االنقالب ضده ]129[]128[]127[.وحول
صالته على عثمان يختلف المؤرخون أيضا فتذكر بعض المصادر التاريخية أن جماعة من الصحابة استأذنوا عليا لدفنه ولكن من
المؤرخين من ذكره ضمن من شاركوا في تشييعه والصالة عليه ومراسم دفنه ولكن البعض اآلخر لم يذكره ضمنهم بل حتى أن
[]130
بعض الروايات ال تذكر استئذان علي في دفنه.
وهكذا استلم علي الحكم خلفا لعثمان ،في وقت كانت الدولة اإلسالمية حين إذ تمتد من المرتفعات اإليرانية شرقا إلى مصر غربا
باإلضافة لشبه الجزيرة العربية بالكامل وبعض المناطق غير المستقرة على األطراف .ومنذ اللحظة األولى في خالفته أعلن علي
أنه سيطبق مبادئ اإلسالم وترسيخ العدل والمساواة بين الجميع بال تفضيل أو تمييز ،كما صرح بأنه سيسترجع كل األموال التي
اقتطعها عثمان ألقاربه والمقربين له من بيت المال ]129[.في سنة 36هـ أمر علي بعزل الوالة الذين عينهم عثمان وتعيين والة
آخرين يثق بهم ،مخالفا بذلك نصيحة بعض الصحابة مثل ابن عباس والمغيرة بن شعبة الذين نصحوه بالتروي في اتخاذ القرار.
[
]126أرسل علي عثمان بن حنيف األنصاري بدًال عن عبد هللا بن عامر إلى البصرة بحسب الطبري وابن األثير ،وفي البداية والنهاية
8
أنه أرسل سمرة بن جندب ،وعلى الكوفة أرسل عمارة بن شهاب بدًال عن أبي موسى األشعري ،وعلى اليمن عبيد هللا بن
عباس بدًال عن يعلى بن منبه ،وعلى مصر قيس بن سعد بن عبادة بدًال عن عبد هللا بن سعد ،وعلى الشام سهل بن حنيف بدًال عن
[]131[]129
معاوية بن أبي سفيان.
معركة الجمل
رسم ُتركي ُعثماني لموقعة الجمل ،وقد ُغ طي وجه كاًل من عائشة وعلّي باللون األبيض.
بعد استالمه الحكم ببضعة أشهر ،وقعت معركة الجمل ( 36هـ) التي كان خصومه فيها طلحة والزبير ومعهما عائشة بنت أبي
بكر زوجة محمد الذين طالبوا بالقصاص من قتلة عثمان ،رغم تشكيك البعض في مصداقية هذا االدعاء حيث تقول روايات أنهما
حرضا على قتله ،لذلك يعتقد البعض أن أغراضهما من وراء مقاتلة علي هو تحقيق أطماع سياسية ،خاصة مع ادعائهما المبايعة
مكرهين وهروبهما إلى مكة ،باإلضافة إلى تصريح أسامة بن زيد بأنهما بايعا كارهين ،ويقال كذلك ألن عليا رفض توليتهما
البصرة والكوفة ،حيث طلبا منه الوالية لكنه أبقاهما معه كمستشارين .بعدها طلبوا السماح لهم بالذهاب إلى مكة ألداء العمرة فسمح
لهما وحين ذهبا التقيا عائشة وقرروا المسير إلى البصرة رافعين شعار االنتقام لعثمان ]132[]126[،فسارو من مكة إلى البصرة بعشرة
آالف مقاتل وتحرك إليهم علي ولقيهم على مشارف البصرة ،ويذكر ابن كثير[ ]133أنهم انطلقوا إلى البصرة وكان علي بالمدينة عازما
على الذهاب إلى الشام لقتال معاوية ،فغير وجهته إلى البصرة واستخلف على المدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن العباس،
وحين وصل أرسل عمار بن ياسر إلى أهل الكوفة يستنفرهم للقتال فانضم منهم الكثير إلى جيش علي وفقا للطبري .تختلف
الروايات حول وقائع المعركة لكنها انتهت بمقتل طلحة والزبير وانتصار علي ،وعودة عائشة إلى المدينة .وحول سبب عدم قيام
علي باالقتصاص من قتلة عثمان ،فالبعض يرى أنه كان صعبا الختالط القتلة بجيش ومؤيدي علي الذي لم يكن لديه ما يكفي من
القوة والسيطرة الكافية لتطبيق الحد فانتظر حتى تهدأ الفتنة وهذا ما قاله علي لطلحة والزبير في بعض الروايات .قام علي بعد
معركة الجمل بنقل عاصمة الخالفة من المدينة إلى الكوفة نظرا لموقعها االستراتيجي الذي يتوسط أراضي الدولة اإلسالمية أنذاك،
[]134
ولكثرة مؤيديه هناك.
9
دولة الِخالفة الراشدة بعد التحكيم بين علّي وُمعاوية:
األقاليم الخاضعة لعلّي
األقاليم الخاضعة لُمعاوية
األقاليم الخاضعة لعمرو بن العاص
كان معاوية بن أبي سفيان -والي الشام في عهد عثمان -قد أعلن رفضه تنفيذ قرار العزل ]56[،كما امتنع عن تقديم البيعة لعلي،
[
وطالب بالثأر البن عمه عثمان ]129[،ويشكك أيضا الكثيرين في أهداف معاوية المعلنة حيث يرون معارضته كانت ألطماع سياسية.
]135حين انتهى علي من معركة الجمل توجه إلى الكوفة فدخلها في الثاني عشر من رجب 36هـ ثم أرسل جرير بن عبد هللا إلى
معاوية يدعوه للمبايعة والطاعة لكن معاوية رفض المبايعة إال بعد االقتصاص من قتلة عثمان]136[.عاد الرسول إلى علي برفض
معاوية ،فتوجه علي بجيشه إلى الشام وعسكر الجيشان حين التقيا بموقع يسمى صفين ،ثم بدأت مفاوضات بين الطرفين عبر
الرسائل ،واستمرت لمدة مائة يوم لكنها لم تأت بنتيجة ،فبدأت مناوشات بين الجيشين أسفرت عن قتال استمر لمدة أسبوع فيما
يعرف بمعركة صفين ( 37 - 36هـ 657 /م) .بدا جيش علي على مشارف االنتصار وجيش معاوية على وشك الهزيمة،
فاقترح عمرو بن العاص -وكان في جيش معاوية -عمل حيلة وهي أن يقوم الجنود برفع المصاحف على أسنة الرماح ،مطالبين
بالتحكيم وفقا للشريعة اإلسالمية .يقول ابن خلدون أن عليا حذر المسلمين من الخديعة إال أن جماعة ممن صاروا فيما بعد من
الخوارج أصروا على القبول بالتحكيم وهددوه بالقتل ووافق بعد إلحاح منهم ،وعندما أرادوا حكما اختاروا أبي موسى األشعري لكن
علي رفضه لعدم ثقته به وتخليه عنه فيما سبق ورشح األشتر النخعي إال أنهم رفضوه واستقر األمر على األشعري ،رفض جنود
علي من الخوارج التحكيم معتبرين أن معاوية كافر بخروجه عن طاعة الخليفة الشرعي وبهذا يجب قتله ،واعتبروا التحكيم خروج
عن حكم هللا واالحتكام بحكم البشر -رغم أن تأكيد بعض المؤرخين على أنهم من رشحوه -فذهبوا لعلي يستتيبوه ويحثوه على قتال
معاوية ونقض اتفاق التحكيم لكنه رفض ،مما أدى إلى انسحاب الخوارج من جيش علي .وأورد ابن كثير في[ ]137رواية تقول أن
علي وافق على التحكيم وعارضه بعض الناس .في هذه األثناء اختار معاوية عمرو بن العاص حكما من طرفه وكان الحكم من
طرف علي هو أبو موسى األشعري ،واجتمع الحكمان إليجاد حل للنزاع ،فدار بينهما جدال طويل ،واتفقا في النهاية على خلع
معاوية وعلي وترك األمر للمسلمين الختيار خليفة غيرهما ،فخرج الحكمان للناس إلعالن النتيجة التي توصال إليها ،فأعلن أبو
موسى األشعري خلع علي ومعاوية ،فقام عمرو بن العاص وقال" :إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه ،وأنا أخلع صاحبه كما
خلعه .وأثبت صاحبي معاوية" فقال له أبو موسى األشعري" :غدرت وفجرت" ودار ِع راك بينهم ]139[]138[]126[.بعد حادثة التحكيم عاد
القتال من جديد واستطاع معاوية أن يحقق بعض االنتصارات وضم عمرو بن العاص مصر باإلضافة إلى الشام وقتل واليها محمد
بن أبي بكر.
معركة النهروان
وأخيرا قاتل علي الخوارج وهزمهم في معركة النهروان ( 39هـ 659 /م) ،حيث انسحبوا من جيشه ثم قاموا يقطعون الطرق
[]141[]140
ويسألون الناس حول ارائهم في الخلفاء األربعة فيقتلون من يخالفهم في الرأي بشكل بشع.
حكمه
مقالة مفصلة :خالفة علي بن أبي طالب
10
مسجد الكوفة حيث كان مقر خالفة اإلمام علي وتظهر في الصورة (إلى اليسار) مرقد ابن أخيه مسلم بن عقيل.
ورغم أن علي لم يقم بأي فتوحات طوال فترة حكمه إال أنها اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم
الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون ]143[]142[ ،وكان يدير حكمه انطالقا
من دار اإلمارة ،كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر اإلمام علي بن أبي طالب أبا األسود
الدؤلي بتشكيل حروف القرآن ألول مرة ]145[]144[،ويعتقد بعض الباحثين أنه أول من سك الدرهم اإلسالمي الخالص]146[،مخالفين بهذا
[]147
المصادر التاريخية األخرى التي تقول أن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدراهم اإلسالمية الخالصة.
في عهده أيضا نشط عبد هللا بن سبأ وأتباعه الذين عرفوا بالسبئية والتي يعتقد البعض أنهم أصل حركة التشيع ،والبعض اآلخر يقول
أنهم أول من قال بتأليه أئمة الشيعة ،وآخرون يشككون في وجود السبئية من األساس .يروى أن علي بن أبي طالب جمعهم وأمر
[]148
بحفر األخاديد وأضرم فيها النيران وأعدمهم بالحرق ولم يبق منهم إال القليل.
يعتبر العديد من الكتاب الباحثين أن عليا لم يكن رجال سياسيا ناجحا أو لم يتمتع بالمرونة السياسية المناسبة ]56[.قال عنه ويلفرد
[]149
مادلونغ أنه كان متمسكا بتعاليم دينه بشدة وغير مستعد للتنازل عن مبادئه من أجل المنفعة السياسية.
اغتياله
قبر اإلمام علي بالنجف حيث دفن علي بن أبي طالب حسب الرواية الشيعية.
11
رسم ُعثماني لتابوت اإلمام علّي وهو ُينقل سرًا على دابته.
كان علي يؤم المسلمين في صالة الفجر في مسجد الكوفة ،و في أثناء الصالة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على
رأسه ،فقال علي جملته الشهيرة" :فزت ورب الكعبة" ]152[]151[]150[،وتقول بعض الروايات أن علي بن أبي طالب كان في الطريق إلى
المسجد حين ضربه ابن ملجم؛[ ]154[]153ثم حمل على األكتاف إلى بيته وقال« :أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي ،واسقوه من
شرابي ،النفس بالنفس ،إن هلكت ،فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله باألصفاد وتعذيبه .وجيء له
باألطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين .ظل السم يسري بجسده
إلى أن توفي بعدها بثالثة أيام ،تحديدا ليلة 21رمضان سنة 40هـ عن عمر يناهز 64حسب بعض األقوال ]153[.وبعد مماته
تولى عبد هللا بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه ودفنه ،ثم اقتصوا من ابن ملجم بقتله ]155[.ولقب الشيعة علي بن أبي
[]150
طالب بعدها بشهيد المحراب.
12
وعبدالرحمن بن ملجم أحد الخوارج كان قد نقع سيفه بسم زعاف لتلك المهمة .وُيروى أن ابن ملجم كان اتفق مع اثنين من الخوارج
على قتل كل من معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب يوم 17رمضان ،فنجح بن ملجم في قتل علي وفشل
[]154[]153
اآلخران.
تذكر العديد من كتب الحديث النبوي وكتب التاريخ أن محمد قد تنبأ بمقتل علي ،وتعددت رواياتهم حول ذلك ومنها« :يا علي أبكي
لما ُيْس َت َح ُّل منك في هذا الشهر ،كأني بك وأنت تريد أن ُتصِّلي وقد انبعث أشقى األولين واآلخرين ،شقيق عاقر ناقة
[]157[]156
صالح ،يضربك ضربة على رأسك فيخضب بها لحيتك»
وفقا للشيخ المفيد فإن علي بن أبي طالب طلب من ابنه الحسن أن يدفنه سرا وأن ال يعرف أحد مكان دفنه ،لكي ال يتعرض قبره
للتدنيس من قبل أعدائه .وظل مدفن علي مجهوال إلى أن أفصح عن مكانه جعفر الصادق في وقت الحق خالل الخالفة العباسية.
وبحسب الرواية األكثر قبوال عند الشيعة فإن علي بن أبي طالب دفن في النجف حيث بني مشهد ومسجد اإلمام علي الموجود حتى
اآلن ]158[.ويعتقد بعض من المسلمين خاصة في أفغانستان أن جسد علي بن أبي طالب مدفون في المسجد األزرق في مدينة مزار
شريف األفغانية؛ مستندين إلى روايات تقول أن أبا مسلم الخراساني قام بنقل جثمان علي سرا بمساعدة بعض فرسانه إلى تل
حمران بقرية بلخ شمال أفغانستان ،حتى جاء السلطان حسين بيقرة فبنى المرقد الحالي في ذلك المكان سنة 1480م حسب الروايات
األفغانية ]160[]159[.وبالُمقابل ،فإَّن بعض علماء أهل السنة قال ببطالن نسب القبر الكائن في النجف إلى علي بن أبي طالب وقالوا أَّن
جثمانه ُح مل على ناقته وأطلقت في الصحراء فال يعلم أحد أين قبره تحديدًا ،وقال آخرون أنه دفن بمقر اإلمارة بالكوفة ،وقيل بحائِط
جامِع الكوفِة .وقد حكى الخطيُب البغدادي عن أبي نعيم الفضِل بِن دكين أن الحسَن والحسيَن حواله فنقالُه إلى المدينِة فدفناه بالبقيِع
[]162[]161
عند قبِر زوجتِه فاطمَة أمهما.
بعد مماته
رحل علي بن أبي طالب تاركا خلفه الفتنة مشتعلة بين المسلمين ،واستلم الخالفة من بعده ابنه الحسن بن علي وبايعه الناس
في الكوفة ،واستمرت خالفته ستة أشهر ،وقيل ثمانية ،وانتهت خالفته فيما عرف بعام الجماعة بصلح الحسن مع معاوية وتنازله
عن الحكم حقنا لدماء المسلمين ]163[،ويقال أن قبوله للصلح يرجع لضعف موقفه حيث استطاع معاوية بسط نفوذه
على الشام ومصر وكانت جيوش الحسن ضعفت بعد قتال الخوارج .كما تذكر بعض المصادر أن أحد بنود الصلح كانت أن يكون
األمر بعد موت معاوية للحسن ثم ألخيه الحسين .يذكر ابن كثير وابن األثير أن الحسين بن علي كان رافضا صلح أخيه مع معاوية،
وأنه كان يريد السير على نهج أبيه والقتال حتى النهاية ،ومع إصرار أخيه الحسن الشديد سلم الحسين باألمر ]165[]164[،بعد وفاة الحسن
ثم معاوية أعلن الحسين ثورته ضد يزيد بن معاوية ،وقتل في معركة كربالء في مواجهة جيش يزيد .تقول بعض المصادر أن في
[]166
الفترة األموية استحدثت سنة سب علي على المنابر حتى ابطلها عمر بن عبد العزيز.
مكانته
اختلف المسلمون عبر التاريخ اإلسالمي في مكانة علي بن أبي طالب ،وقد ترواحت اعتقادات الطوائف اإلسالمية ،فالسّنة يعدونه
أحد العشرة المبشرين بالجنة والخليفة الراشد الرابع للمسلمين ومن آل بيت الرسول .وبعض الفرق يعتقدون بألوهيته واالعتقاد
بعصمته .والشيعه يعتقدون بأنه أول إمام وبعصمته .ولكن غالبية المسلمين أجمعوا على فضله ومكانته.
بعض ما ورد في فضله
مما أجمع المسلمون على وروده ما يلي:
13
" :ألعطين الراية غدا رجال يحب هللا أنه أرسل لفتح خيبر مرتين أبو بكر وعمر فما استطاعا فتحها ،فقال عن النبي
ورسوله ويحبه هللا ورسوله ،يفتح هللا على يديه " ،فلما كان الغد ،دعا عليا فأعطاه الراية ففتح خيبر.
أنه قال لعلي حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك " :أما ترضى أن تكون مني عن النبي
بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي".
عن علي أنه قال " :والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ،إنه لعهد النبي األمي إلي أن ال يحبني إال مؤمن وال يبغضني إال منافق ".
ِ " :إَّنُه َلْم َي ُك ْن َقْب ِلي َن ِبٌّي ِإاَّل َقْد ُأْع ِط َي َس ْبَع َة ُر َفَقاَء ُنَج َب اَء ُو َز َر اَء َ ،و ِإِّن ي ُأْع ِط يُت َأْر َبَع َة َقاَل َر ُسوُل ِهَّللا
َع َش َر َ :ح ْم َز ُةَ ،و َج ْع َف ٌر َ ،و َع ِلٌّي َ ،و َح َس ٌن َ ،و ُحَس ْي ٌن َ ،و َأُبو َب ْك ٍر َ ،و ُعَمُر َ ،و اْلِم ْق َد اُد َ ،و َع ْب ُد ِهَّللا ْب ُن َمْس ُع وٍد َ ،و َأُبو
[]167
َذ ٍّر َ ،و ُح َذ ْي َفُة َ ،و َس ْلَم اُن َ ،و َع َّم اٌر َ ،و ِباَل ٌل ".
علمه
ُع رف علي بن أبي طالب بعلمه الغزير سواء كانت علوم دينية أو دنيوية ]189[.فقد عرف ببراعته في الرياضيات وسرعته في حل
[
المسائل الحسابية ]190[،كما ُذ كر له وصف الذرة ]191[.وكان متمكنا من علوم اللغة كالنحو والبالغة ]192[،فكان معلم أبي األسود الدؤلي،
[[]196
]193ويقال أنه أول من صنف كتابا بالفقه ]194[.وكان معلم ابن عباس ]195[.وكان يحث الناس على سؤاله حرصا منه على نشر العلم.
[]198
]197بل تروى بعض المصادر الشيعية ان حتى خادمته فضة كانت تعلم علم الكيمياء.
تراثه
كتاب نهج البالغة :يعد كتاب نهج البالغة من أهم الكتب الشيعية التي تحتوي على حكم وأقوال علي بن أبي طالب ،وقد
جمعه الشريف الرضي بينما يرى بعض أهل السنة عدم صحة نسب هذا الكتاب لعلي بن أبي طالب ]200[]199[.وهو من الكتب
المعتبرة لدى الشيعة والكثير من الصوفية حيث يعدونه من أحد أهم األعمال الفقهية والدينية والسياسية في اإلسالم ]201[]6[.وقد تم
تأليف شروح وتعليقات على الكتاب من محتلف الكّت اب السنة والشيعة مثل شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ]202[.وشرح
األستاذ اإلمام الشيخ محمد عبدة مفتي الديار المصرية سابقًا.
14
كتاب أنوار العقول من أشعار وصي الرسول :كذلك منسوب لعلي بن أبي طالب ديوان شعر يعرف باسم "أنوار العقول من
أشعار وصي الرسول " وهو ديوان فيه أشعار بقوافي جميع أحرف الهجاء ،وجدير بالذكر أن مؤلفه هو قطب الدين
[]203
الكيدري وهو عالم شيعي إثنا عشري توفي عام 610هـ.
كتاب غرر الحكم ودرر الكلم :فيه حكم وأقوال قصيرة لعلي جمعه عبد الواحد اآلمدي التميمي المتوفى سنة 550هـ.
كتاب نهج البردة :وهناك مخطوط لكتاب "نهج البردة " ينسب لعلي بن أبي طالب محفوظ في مكتبة الروضة الحيدرية الشيعية
[]204
في النجف.
ثالثة مصاحف بخط يده :علي من كتاب الوحي ويقال أنه أول من جمع القرآن ،فينسب له ثالثة مصاحف مكتوبة بخط يده أولها
محفوظ بمتحف صنعاء ]205[،والثاني محفوظ بمكتبة رضا رامبور بالهند ]206[،أما المصحف الثالث فيمتلك المركز الوطني
[]207
للمخطوطات بالعراق إثنتي عشرة صفحة منه وباقي المصحف محفوظ في مكتبة أمير المؤمنين في النجف.
أحاديث :ينسب له العديد من األحاديث المروية عن محمد ووردت في مختلف كتب الحديث لكافة الفرق اإلسالمية.
من أقواله
من أقواله« :أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ،أال وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب
المال ،إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه ،والعلم مخزون عند أهله قد أمرتم بطلبه من
[]208
أهله فاطلبوه».
ومن الشعر المنسوب له:
[]209
وال تجـزع من الموت إذا حـل بواديك أشدد حيازيمك للموت فأن الموت القيك
كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيك فأن الدرع والبيضة يوم الروع تكفيك
[
وحسب مصادر الشيعة اإلثنا عشرية فإن له أدعية مأثورة منها دعاء كميل ودعاء الصباح ودعاء يستشير.
ويوجد الكثير من أخبار ومواقف وسيرة علي بن أبي طالب مقيدة في أحد أهم كتب الطائفة اإلثناعشرية ]210
[]211
وهو كتاب كتاب سليم بن قيس لمؤلفه سليم بن قيس الهاللي الذي صحب علي وأخذ األخبار عنه.
وقد قال األمين العام السابق لألمم المتحدة كوفي عنان« :قول علي بن أبي طالب" :يا مالك ،إن الناس إما
أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" ،هذه العبارة يجب أن تعَّلق على كّل المنظمات ،وهي عبارة
يجب أن تنشدها البشرية » وبعد أشهر اقترح عنان أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب علي إلى مالك
األشتر .اللجنة القانونية في األمم المتحدة ،بعد مدارسات طويلة ،طرحت هل هذا يرشح للتصويت؟ وقد مّر ت
[]213[]212
عليه مراحل ثم ُر ِّش ح للتصويت ،وصوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي.
شخصه
ُذ كر في االستيعاب عن شكله نقال عن ابن إسحاق« :كان رجًال آدم شديد األدمة مقبل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع ربعة
إلى القصر ال يخضب» ]8[،في حين ذكر ابن سعد مجموعة من الروايات تفيد بأنه كان أبيض الرأس عريض اللحية والمنكبين
[]32
ضخم البطن والعضالت.
15
مخطوطة ترجع إلى زمن الخالفة العثمانيةفي القرن الثامن عشر .مكتوب فيها "علي ولي هللا" بطريقة المرآة في كال االتجاهين.
يعد المسلمون علي بن أبي طالب أحد النماذج التي يحتذى بها في دينه وأخالقه وتعامالته فهو أحد أفضل الصحابة العدول عند
السنة وهو الشخص المعصوم المتكامل لدى الشيعة ،ويتميز بالشجاعة والبالغة بشكل أساسي كما يوجد الكثير من األحاديث عن
كرمه وزهده وعدله وغيرها من الصفات في المصادر اإلسالمية.
شخصيته في الفن واألدب
اهتمت الكثير من األعمال الفنية واألدبية بعلي بن أبي طالب ،وتناولت العديد من الكتب حياة علي بن أبي طالب لمؤلفين وكتاب من
المسلمين؛ منها مناقب األسد الغالب للجزري ،وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ،وفي العصر الحديث هناك كتاب عبقرية اإلمام
علي لعباس محمود العقاد ضمن سلسلةالعبقريات اإلسالمية ،وتناول في الكتاب نشأته وثقافته ونبوغه األدبي
في الشعر والفصاحة والبالغة ،كما يتحدث عن حياته كخليفة ورجل سياسة ،وسماه الشهيد أبا الشهداء ]214[.كما ألف الدكتور طه
حسين كتاب الفتنة الكبرى بجزأين ،وكان الجزء الثاني منه بعنوان "علي وبنوه" جاء فيه« :كان الفرق بين علي ومعاوية عظيمًا
في السيرة والسياسة ،فقد كان علي مؤمنًا بالخالفة ويرى أن من الحق عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس ،أما
معاوية فإنه ال يجد في ذلك بأسًا وال جناحًا ،فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون ،وكان الزاهدون يجدون عند علي ما
يحبون» ]215[]170[.وعبدالرسول زين الدين في كتابه "المنتخب من كالم اإلمام علي في مصادر التاريخ و األدب" جمع منتخب كلمات
[]216
علي بن أبي طالب و احاديثه المتناثرة في كتب التاريخ واألدب والفلسفة والنوادر اإلسالمية فيما دون سنة 900للهجرة.
ولعلي الكثير من التصاوير منها رسم يفترض أنه تم رسمه على جلد غزال من قبل شخص معاصر له ،وهناك نسختان منها،
أحداها محفوظة في المتحف اإليطالي بروما ،واألخرى باللوفر ]217[،أما باقي التصاوير فتعتمد على صفاته المروية ،وفي كثير من
الصور يظهر علي وبقربه أسد رابض كناية عن إحدى كراماته.
ألقابه
من ألقابه:
ولي هللا :حيث يقول بعض المفسرين مثل الطوسي أنه نزلت فيه آيةِ﴿ :إَّن َم ا َو ِلُّي ُك ُم ُهَّللا َو َر ُسوُلُه َو اَّلِذيَن آَم ُنوا اَّلِذيَن ُيِقيُموَن
[]219[]218
الَّصالَة َو ُيْؤ ُتوَن الَّز َك اَة َو ُه ْم َر اِكُعوَن ﴾ (المائدة.)55:
[]221[]220
حيدرة :وتعني األسد.
[]221
المرتضى.
أمير المؤمنين :تعده بعض الروايات الشيعية أول من لقب بأمير المؤمنين ]223[]222[،بينما تشير الروايات السنية أن عمر بن
الخطاب أول من تسمى بأمير المؤمنين.
[]224[]220
يعسوب المؤمنين ويعسوب الدين.
[]224
الصديق األكبر.
16
[]224
الفاروق االعظم.
باب مدينة العلم :وهي تسمية مستندة لحديث الرسول محمد بن عبد هللا يقول فيه« :أنا مدينة العلم وعلي بابها» وهو حديث
يقبله كل الشيعة وبعض أهل السنة كالسيوطي الذي ذكر في كتابه تاريخ الخلفاء أنه حسن ]225[،أما السلفية يرفضون هذا الحديث.
[]228[]227[]226
[]221
وُيكَّن ى:
عائلته
[]230
نسبه
أبوه أبو طالب -واسمه عبد مناف -بن عبد المطلب -واسمه شيبة -بن هاشم -واسمه عمرو -بن عبد مناف -واسمه
المغيرة -بنقصي -واسمه زيد -بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر -واسمه قيس -
ولقبه قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة -واسمه عامر -بن إلياس بن مضر بن نزار بنمعد بن عدنان.
أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم -واسمه عمرو -بن عبد مناف -واسمه المغيرة -بن قصي -واسمه زيد -
بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر -واسمه قيس -
ولقبه قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة -واسمه عامر -بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
لدى علي ثالثة أشقاء وأختين ،وهم
تزوج نساء اخريات غير فاطمة ،أشهرهن خولة من بني حنيفة .وقد بلغ عدد أوالده من الذكور أحد وعشرين ،ومن اإلناث ثماني
عشرة.
17