You are on page 1of 59

‫زرقاء اليمامة‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تذكر الروايات امرأة تسمى (اليمامة) وهي امرأة ّ‬


‫حادة البصر من قبيلة طسم‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬
‫تزوجها رجل من قبيلة َجديس‪ .‬وعندما هاجم ت َّبع ملك ِح ْم َير قبيلة َجديس رأت‬
‫الجيش من بعيد فأخبرتهم ولكن لم يصدقوها ففاجأهم الجيش من الغد‪ .‬وتتضمن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫هذه الروايات أن امللك فقأ عينها للتأكد من سبب ِحدة بصرها فوجدوا عروقا زرقاء‬
‫فسميت َ(ز ْرقاء اليمامة)‪.‬‬ ‫فلما سألوها قالت هو من ُك ْحل اإل ْثمد‪ُ ،‬‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫الزرقاء‪ .‬وهو َمث ٌل ُيطلق على ِح ّدة البصر‪ .‬وتتعلق هذه‬‫أبص ُر من َّ‬
‫ِ‬
‫ويقول املثل العربي‪َ :‬‬
‫َ‬
‫القصة بمصير مدينة هي اليمامة‪ ،‬وبانقراض قبيلتين من سكانها القدماء هما ط ْسم‬
‫َ‬
‫وج ِديس‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫بن ت ّبع خرج لنصرة طسم ضد أبناء‬ ‫وتفاصيل القصة األسطورية أن امللك حسان‬
‫عمومتهم َجديس ليثأر لهم في جيش قيل إنه بلغ ثالثمئة ألف راكب‪ ،‬فأبلغه ُ‬
‫بعض‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫أبناء ط ْسم الذين رافقوه أن في جديس امرأة يقال لها اليمامة تبصر الراكب من‬
‫ص ًنا من الشجر‬ ‫كل فارس ُغ ْ‬‫بأن يضع ُّ‬‫مسيرة ثالثة أيام‪ ،‬لذلك ال بد من التمويه عليها ْ‬
‫أحد حصون قبيلة َجديس‪ ،‬فانتبهت إلى‬ ‫فاعت َل ْت زرقاء اليمامة َ‬‫أمامه حتى ال تراه· َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حف ْت إليكم ِح ْم َير‪ .‬وأرى ً‬ ‫ْ َ‬
‫شجرا‪ ،‬وخلفها‬ ‫أي ق ْو ِم‪ ،‬ز‬ ‫حركة األشجار فصاحت في قومها‪:‬‬
‫ُ‬
‫صدق‬ ‫َ‬
‫فوضح لها‬ ‫جعت َ‬
‫بصرها‬ ‫بشرا‪ .‬فكذبوها‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما تزالين تأتيننا باإل ْفك‪ .‬ثم َر َ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ما رأت فقالت‪:‬‬
‫حت ُ‬
‫قر‬ ‫فليس ما قد أرى باألمر ُي َ‬ ‫كم يا قوم ينفعكم‬ ‫خذوا ح َ‬
‫ذار ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تجتمع األشج ُـار والبش ُـر‬ ‫وكيـف‬ ‫إني أرى ً‬
‫شجرا من خلفها بش ٌـر‬
‫ُ َ ُ َ‬
‫من األمور التي تخـش ى وتنتظ ُر‬ ‫داهية‬
‫ٍ‬ ‫خذوا طوائفكم من قبل‬
‫ُ ْ‬ ‫ً‬
‫القوم إذ بكروا‬ ‫لو كان يعلم ذاك‬ ‫جر ُت َس ِني َح القوم باكرة‬ ‫فقد ز ْ‬
‫خصفا ليس ُي ُ‬ ‫ً‬ ‫ف َّ‬‫ُ‬ ‫ّ َ ٌ‬ ‫ً‬
‫بتدر‬ ‫الن ْع َل‬ ‫يخص‬
‫أو ِ‬ ‫كفه ك ِتف‬ ‫إني أرى رجال في‬
‫َ َ‬
‫ص َد ُر‬ ‫فليس من بعده و ْر ٌد وال َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ثالثة‬
‫ٍ‬ ‫قبل‬ ‫ماء‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫كل‬ ‫وا‬ ‫ر‬‫و‬‫ف ِ‬
‫ّ‬ ‫غ‬
‫ُ‬ ‫وال تخافوا لهم ً‬ ‫القوم َ‬ ‫َ‬
‫حربا وإن كثروا‬ ‫بعض الليل إذ رقدوا‬ ‫وناهضوا‬ ‫ِ‬
‫اعتقدت قبيلة َجديس أن زرقاء اليمامة تكذب‪ ،‬والذين صدقوها لم يعتقدوا أن‬
‫ً‬ ‫هذه الحملة موجهة ضدهم وظنوا أن ُت ً‬
‫بعا يقصد جهة أخرى‪ ،‬لكن الجيش دهمهم‬
‫َ‬ ‫النساء‪ ،‬وفقأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عيني زرقاء اليمامة‪ ،‬وصل َبها على‬ ‫الرجال وسبى‬ ‫بعد أربعة أيام‪ ،‬فقتل‬
‫َ‬ ‫باب َج ّو‪ُ ،‬‬
‫فس ّميت بذلك‪ :‬اليمامة‪.‬‬
‫حجراليمامة‬
‫يعد موقع َح ْجر التاريخي في إقليم اليمامة هو موقع الرياض الحالية‪ .‬وتقع َح ْجر في‬
‫َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫بالبطحاء ‪ -‬ووادي َحنيفة‬ ‫الوتر شرقا ‪ -‬ويعرف اليوم‬ ‫ًّ‬
‫وسط الرياض حاليا بين وادي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫قد َم منهم من الحجاز‬ ‫غربا‪ .‬سكن املوقع بنو حنيفة قبيل اإلسالم‪ ،‬وكان أول من ِ‬
‫عددا من البيوت لنفسه‪ ،‬ثم‬ ‫ُع َبيد بن َث ْعلبة الذي وصل موقع َح ْجر واحتجر منها ً‬
‫للسكنى فيها؛ وذلك لخصوبة تربتها‬‫قدم بعده أخوه زيد وتقاطرت وفود بني حنيفة ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وجودة ثمارها‪ .‬ويقال إن هذا املوقع كان لقبيلة ط ْسم‪ ،‬ولكن بعد فنائها بسبب‬
‫ُ ُّ َ‬
‫ابن َبطوطة في‬ ‫الحروب ورث بنو حنيفة أر َ‬
‫اضيها واستمروا ساكنين بها‪ ،‬وقد مر بها‬
‫َ‬
‫القرن الثامن الهجري ووصفها بأنها "مدينة حسنة خصبة ذات أنهار وأشجار‪ ،‬يسكنها‬
‫َُ‬ ‫طوائف من العرب‪ ،‬وأكثرهم من بني حنيفة‪ ،‬وهي بلدهم ً‬
‫قديما‪ ،‬وأميرهم طفيل بن‬
‫غانم‪".‬‬
‫ارتبط اسم َح ْجر بالدرعية؛ ألن سبب نشأة الدرعية هو دعوة حاكم َح ْجر ‪ -‬وهو ابن‬
‫موقعي ُغ َ‬ ‫ُ‬
‫ص ْي َبة‬ ‫َ‬ ‫ِد ْرع ‪ -‬البن عمه مانع امل َرْيدي من شرق الجزيرة العربية وإعطاؤه إياه‬
‫َُ‬
‫واملل ْي ِب ْيد إلحيائهما والوقوف مع ابن درع ضد أعدائه من بني يزيد‪ .‬وتبعد َح ْجر عن‬
‫ً‬
‫كيلومترا‪.‬‬ ‫الدرعية نحو عشرين‬
‫ثمامة بن أثال الحنفي‬
‫ثمامة بن أثال هو أحد ملوك بني حنيفة‪ ،‬وقد كان يحكم اليمامة قبل اإلسالم‪،‬‬
‫وعرف بشخصيته القوية وشجاعته في املنطقة‪ .‬وكانت قبيلة بني حنيفة تسيطر على‬ ‫ُ‬
‫إقليم اليمامة وما حولها‪ ،‬ووصفهم هللا عز وجل في القرآن الكريم بأنهم قوم ذوو بأس‬
‫َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ ّ ْ ُ َ َّ َ َ ْ َ‬
‫اب َس ُت ْد َع ْون ِإل ٰى ق ْو ٍم أ ِولي َبأ ٍس ش ِد ٍيد‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫األ ْع َ‬ ‫شديد في قوله تعالى‪{ُّ :‬قل ِللمخل ِفين ِمن‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ َ ُ ُ ُ ْ ُ ُ َّ ُ َ ْ ً َ َ ً َ َ َ َ َّ ْ َ َ َ َ َّ‬
‫تقا ِتلونهم أو يس ِلمون ۖ ف ِإن ت ِطيعوا يؤ ِتكم َّللا أجرا حسنا ۖ و ِإن تتولوا كما توليتم ِمن‬
‫ّ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ق ْب ُل ُي َع ِذ ْبك ْم َعذ ًابا أ ِل ًيما ﱞﱟَّ} [الفتح‪.]16 :‬‬
‫وقد وصلته رسالة في السنة السادسة للهجرة من النبي محمد ﷺ لدعوته لإلسالم‬
‫بعد صلح الحديبية حينما بدأ الرسول ﷺ مراسلة ملوك الجزيرة العربية‪ ،‬وقد‬
‫تلقاها باالزدراء واإلعراض‪ .‬بعد مدة توجه ثمامة إلى مكة لزيارة الكعبة والذبح‬
‫َ ْ‬
‫لألصنام املحيطة بها‪ ،‬وفي طريقه واجهته سرية من سرايا النبي ﷺ وأ َس َرته وذهبت به‬
‫فربط بإحدى سواري املسجد النبوي‪ .‬وملا خرج النبي ﷺ إلى‬ ‫إلى املدينة املنورة ُ‬
‫ً‬ ‫املسجد‪َ ،‬‬
‫وه َّم بالدخول فيه رأى ثمامة مربوطا في السارية‪ ،‬فقال ألصحابه‪" :‬أتدرون‬
‫فأحسنوا‬
‫ِ‬ ‫من أخذتم؟ فقالوا‪ :‬ال يا رسول هللا‪ .‬فقال‪ :‬هذا ثمامة بن أثال الحنفي‪،‬‬
‫إسا َره"‪ ،‬ثم رجع النبي ﷺ إلى أهله وقال‪ :‬اجمعوا ما كان عندكم من طعام وابعثوا به‬
‫ُ‬
‫الغ ُد ّو َّ‬ ‫ُ َ‬
‫والرواح‪ ،‬وأن يقدم إليه لبنها‪،‬‬ ‫إلى ثمامة بن أثال‪ ،‬ثم أمر بناقته أن تحلب له في‬
‫وقد جرى ذلك كله قبل أن يلقاه الرسول ﷺ أو يكلمه‪ ،‬ثم إن النبي ﷺ أقبل على‬
‫ثمامة يريد أن يدعوه إلى اإلسالم وقال‪ :‬ما عندك يا ثمامة؟ فقال‪ :‬عندي يا محمد‬
‫خير‪ ...‬فإن تقتل تقتل ذا دم‪ ،‬وإن ُتنعم تنعم على شاكر‪ ،‬وإن َ‬
‫كنت تريد املال‪ ،‬فسل‬
‫ُ َ‬
‫ت ْعط منه ما شئت‪ .‬فتركه الرسول ﷺ يومين على حاله‪ ،‬يؤتى له بالطعام والشراب‪،‬‬
‫ُوي َ‬
‫حمل إليه لبن الناقة‪ ،‬ثم جاءه فقال‪ :‬ما عندك يا ثمامة؟ قال‪ :‬ليس عندي إال ما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قلت لك من قبل‪ ،‬فإن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم‪ ،‬وإن كنت تريد‬
‫املال فسل تعط منه ما تشاء‪ ،‬فالتفت رسول هللا ﷺ إلى أصحابه وقال‪ :‬أطلقوا‬
‫ثمامة‪ ،‬ففكوا وثاقه وأطلقوه‪ .‬غادر ثمامة مسجد الرسول ﷺ‪ ،‬ومض ى حتى إذا بلغ‬
‫ً‬
‫نخال من حواش ي املدينة فيه ماء أناخ راحلته عنده‪ ،‬وتطهر من مائه فأحسن طهوره‪،‬‬
‫ثم عاد أدراجه إلى املسجد‪ ،‬فما إن بلغ حتى وقف على مأل من املسلمين وقال‪ :‬أشهد‬
‫ً‬
‫محمدا عبده ورسوله‪ ،‬ثم اتجه إلى الرسول ﷺ وقال‪" :‬يا‬ ‫أن ال إله إال هللا وأشهد أن‬
‫إلي من وجهك‪ ،‬وقد أصبح وجهك‬ ‫محمد‪ ..‬وهللا ما كان على ظهر األرض وجه أبغض َّ‬
‫إلي من دينك‪ ،‬فأصبح دينك أحب‬ ‫َ‬
‫أبغض ّ‬ ‫أحب الوجوه كلها َّ‬
‫إلي‪ ،‬ووهللا ما كان دين‬
‫إلي‪ ،‬ووهللا ما كان بلد أبغض إلي من بلدك‪ ،‬فأصبح أحب البالد كلها إلي‪ .‬ثم‬ ‫الدين كله ّ‬
‫أصبت في أصحابك ً‬
‫دما فما الذي توجبه ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫قائال‪ :‬لقد ُ‬
‫علي؟ فقال ﷺ‪ :‬ال‬ ‫كنت‬ ‫أردف‬
‫تثريب عليك يا ثمامة فإن اإلسالم َي ُج ُّب ما قبله‪ ،‬وبشره بالخير الذي كتبه هللا له‬
‫َ‬
‫بإسالمه‪ ،‬فانبسطت أسارير ثمامة وقال‪ :‬وهللا ألصيبن من املشركين أضعاف ما‬
‫وألضع َّن نفس ي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك‪ ..‬ثم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أصبت من أصحابك‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا رسول هللا إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى أن أفعل؟ فقال ﷺ‪:‬‬
‫َّ‬
‫شرعة هللا ورسوله‪ ،‬وعل َمه ما يقوم به من املناسك‪".‬‬
‫ِ‬ ‫امض ألداء عمرتك ولكن على‬
‫ً‬
‫مض ى ثمامة إلى غايته حتى إذا بلغ بطن مكة وقف يجلجل بصوته العالي قائال‪ :‬لبيك‬
‫اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال شريك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد والنعمة لك وامللك‪ ،‬ال شريك لك‪.‬‬
‫ملبيا‪ ،‬وسمعت قريش صوت‬ ‫فكان ثمامة أول مسلم على ظهر األرض دخل مكة ً‬
‫التلبية فهبت مذعورة‪ ،‬واستلت السيوف من أغمادها‪ ،‬واتجهت نحو الصوت‬
‫لتبطش بهذا الذي اقتحم عليها َ‬
‫عرينها‪ .‬وملا أقبل القوم على ثمامة رفع صوته بالتلبية‪،‬‬
‫فهم فتى من فتيان قريش أن ُي ْر ِد َيه بسهم‪ ،‬فأخذوا على يديه‬
‫وهو ينظر إليهم بكبرياء‪َّ ،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ويحك أتعلم من هذا؟ إنه ثمامة بن أثال ملك اليمامة‪ ،‬وهللا إن أصبتموه‬
‫جوعا‪ ،‬ثم أقبل القوم على ثمامة بعد أن أعادوا‬ ‫بسوء قطع قومه عنا امليرة وأماتونا ً‬
‫ص َب ْو َت وتركت دينك ودين آبائك؟‬‫السيوف إلى أغمادها وقالوا‪ :‬ما بك يا ثمامة؟!! َأ َ‬
‫دين محمد‪ ..‬ثم أردف يقول‪ :‬أقسم‬ ‫اتبعت َ‬ ‫ُ‬ ‫تبعت َ‬
‫خير دين‪...‬‬ ‫صبوت ولكني ُ‬‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ما‬
‫برب هذا البيت‪ ،‬إنه ال يصل إليكم بعد عودتي إلى اليمامة حبة من قمحها أو ش يء‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫من خيراتها حتى يأذ َن فيها رسو ُل هللا‪ .‬اعتمر ثمامة بن أثال على مرأى من قريش كما‬
‫تقربا هلل‪ ..‬ال لألنصاب واألصنام‪ ،‬ومض ى إلى بالده‬‫أمره الرسول ﷺ أن يعتمر‪ ،‬وذبح ً‬
‫فأمر قومه أن يحبسوا امليرة عن قريش‪ ،‬فامتثلوا أمره واستجابوا له‪ ،‬وحبسوا‬
‫ً‬
‫خيراتهم عن أهل مكة‪ .‬أجهد الحصار الذي فرضه ثمامة قريشا‪ ،‬فأرسلوا إلى النبي‬
‫محمد ﷺ ليثني ثمامة عن هذا الحصار‪ ،‬فكتب ﷺ إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم‬
‫فأطلقها‪.‬‬
‫وفيا لدينه‪ ،‬حافظا لعهد نبيه‪ ،‬فلما التحق‬
‫ً‬ ‫ظل ثمامة بن ُأثال ‪ -‬ما امتدت به الحياة ‪ًّ -‬‬
‫ّ‬ ‫ُ َ َ‬
‫الرسول ﷺ بالرفيق األعلى‪ ،‬وظهر مس ِيلمة الكذاب من بني حنيفة ليقود حركة ِ‬
‫الردة‬
‫ُ‬
‫في اليمامة وقف ثمامة في وجهه‪ ،‬وقال لقومه‪ :‬يا بني حنيفة إياكم وهذا األمر املظلم‬
‫الذي ال نو َر فيه‪ ،‬إنه وهللا لشقاء كتبه هللا ‪ .‬على من أخذ به منكم‪ ،‬وبالء على من لم‬
‫محمدا رسو ُل‬ ‫ً‬ ‫يأخذ به‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا بني حنيفة إنه ال يجتمع نبيان في وقت واحد‪ ،‬وإن‬
‫َ َّ‬
‫َّللا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫اب‬ ‫يل ْالك َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ز‬
‫َْ‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫هللا ال نبي بعده‪ ،‬وال نبي يشرك معه‪ ..‬ثم قرأ عليهم‪ ( :‬حم (‪ )1‬ت ِ‬
‫ن‬
‫الط ْول َال إ َل َه إ َّال ُهوَ‬
‫َّ‬
‫اب ِذي‬
‫ْ َ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫َّ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫الع ِز ِيز الع ِل ِيم (‪ )٢‬غا ِف ِر الذن ِب وق ِاب ِل التو ِب ش ِد ِيد ال ِعق ِ‬
‫َ َْ‬
‫ِإل ْي ِه امل ِص ُير(‪[ ))٣‬غافر‪ .]٣-1 :‬ثم قال‪ :‬أين كالم هللا هذا من قول مسيلمة‪( :‬يا ضفدع‬
‫تكدرين) ثم انحاز بمن بقي على اإلسالم من‬ ‫نقي ما تنقين‪ ،‬ال الشراب تمنعين وال املاء ّ‬
‫وإعالء لكلمته في األرض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جهادا في سبيل هللا‬‫قومه ومض ى يقاتل املرتدين ً‬
‫العوجا‬
‫للنخوة في الجزيرة العربية ارتباط بحياة الناس وتأثير فيها؛ ذلك أنها من األمور التي‬
‫تنمي فيهم الفخر واالعتزاز‪ ،‬وتحفزهم للدفاع عن الناس أو الديار‪ ،‬أو للحث على‬ ‫ّ‬
‫ُ َ‬
‫االجتماع في مكان معين‪ .‬كانت النخوة في املاض ي تطلق لنداء الناس من أجل خوض‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الحروب الدفاعية والهجومية‪ ،‬ولتعزيز الروابط املجتمعية‪ .‬وأضحت النخوة أهزوجة‬
‫َ‬
‫وعنوانه‪ُ ،‬وي َع َّب ُر عنها بعدة إطالقات في القصائد َ‬
‫والص ْيحات‪.‬‬
‫والع ْرضات َّ‬ ‫النصر‬
‫أما لفظ َ‬
‫(الع ْوجا) اليوم فهي وصف مرتبط بالدولة السعودية منذ أن تأسست في‬
‫َّ‬
‫واستمرت‬ ‫دورها األول‪ ،‬ذلك أنها ا تبطت ّ‬
‫بالد ْرعية عاصمة الدولة السعودية األولى‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫إلى اليوم نخوة أساسية للسعوديين‪ .‬والعوجا وصف أطلق على الدرعية بسبب‬
‫اعوجاج مسار وادي حنيفة عند وصوله إلى الدرعية حيث تقع أحياؤها على ضفتيه‪.‬‬
‫كما أن (العوجا) صفة تثير الحماس في نفوس أبناء الوطن؛ لكونها ترمز إلى الوحدة‬
‫وحب الوطن؛ الرتباطها بمنطلق الدولة وأساسها وهي الدرعية‪ .‬كذلك كانت تطلق‬
‫عند طلب الناس لالجتماع والدفاع عن الدولة‪ ،‬فيأتون من كل مكان‪ .‬واليوم تطلق‬
‫للفخر واالعتزاز بهذا التاريخ العريق تاريخ االستقرار واألمن والدولة القوية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ويعبر عن هذه النخوة بعدد من العبارات‪ ،‬مثل‪( :‬خ ّيال العوجا)‪ ،‬و(أهل العوجا)‬
‫و(أهل التوحيد)‪ ،‬و(راعي العوجا) و (سور العوجا وأنا ابن مقرن)‪.‬‬
‫ومما قيل في التغني َ‬
‫بالع ْوجا‪:‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫تجفل إلى شاف ْت سمار ظاللها‬ ‫حمرا من العوجا َهميم‬
‫يا راكب ً‬
‫ٍ‬
‫وقول اآلخر‪:‬‬
‫ّْ‬ ‫ْ‬
‫ديـرة الشيــخ بلغــه السـالم‬ ‫ِسـ ْـر َوملفـاك العوجـا مسيــرة‬
‫مانع املريدي‬
‫ً‬ ‫املر َدة من ّ‬ ‫ُ‬
‫اسم‬‫مدينة لهم أطلقوا عليها َ‬ ‫الدروع من بني َحنيفة‬ ‫عشيرة َ‬ ‫أسست‬
‫للعشيرة‪ ،‬وذلك بعد أن هاجروا من وسط الجزيرة العربية إلى‬ ‫ّ‬
‫(الد ْرعية) نسبة َ‬
‫ِ‬
‫الج ْبرية في أوائل القرن التاسع الهجري بدأ ضغطهم‬ ‫شرقها‪ .‬ولكن بعد قيام الدولة َ‬
‫ً ُ‬ ‫ُ‬
‫مانعا امل َرْيدي‬ ‫كم الدرعية‬‫ونفوذهم يتعاظم‪.‬هذا األمر جعل حا َ‬ ‫يشتد على املنطقة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عمه حاكم‬ ‫يرغب في الهجرة من املنطقة إلى منطقة أخرى‪ ،‬وقد صادف دعوة من ابن ِ‬
‫َح ْجر في اليمامة وهو ابن ِد ْرع الذي طلب منه القدوم بالعشيرة لالستقرار مرة أخرى‬
‫ً‬
‫مناسبا لدى مانع املريدي‪.‬‬ ‫في وادي حنيفة‪ .‬وقد القت هذه الدعوة ً‬
‫صدى‬
‫الد ْرعية في املنطقة الشرقية إلى وسط الجزيرة‬
‫قرر مانع وأفراد عشيرته االنتقال من ِ‬
‫لتأسيس الدرعية الجديدة عام ‪850‬هـ (‪1446‬م)‪ ،‬وقد َع َب َر في رحلته من شرق‬
‫مؤمنا بشخصيته املستقلة الراغبة في البعد‬ ‫الد ْهناء القاحلة‪ً ،‬‬
‫مال َّ‬
‫الجزيرة العربية ر َ‬
‫أبناءه من بعده‪ .‬بعد ذلك وصلت القافلة إلى‬‫عن التبعية ألي قوة؛ وهذا ما أورثه َ‬
‫مناهل ِرماح الواقعة شرق وادي حنيفة ثم ساروا للقاء أبناء عمومتهم وزعيمهم ابن‬
‫أبناء عمه في وادي حنيفة واتفق الزعيمان على إعادة مجد‬‫درع‪ .‬استقبل ابن درع َ‬
‫مانعا‬ ‫وأمنوا طرق التجارة والحج‪ .‬أقطع ُ‬
‫ابن ِد ْرع ً‬ ‫اآلباء الذين استقروا في املنطقة ّ‬
‫ص ْي َبة واملُ َـل ْيب ْيد اللذين يقعان شمال غرب مدينة َح ْجر‪ ،‬فجعل ٌ‬
‫مانع‬ ‫موضعي َغ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫مقرا له ولحكمه وبنى لها ً‬ ‫َ‬
‫غصيبة ًّ‬
‫سورا‪ ،‬وجعل املليبيد أرضا للزراعة‪ .‬يعد هذا‬
‫َ‬
‫اللب َنة األولى لتأسيس‬
‫الحدث أبرز أحداث الجزيرة العربية‪ ،‬فقد كان قدوم مانع ِ‬
‫والخالفة الراشدة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أعظم دولة قامت في تاريخ الجزيرة العربية بعد دولة النبوة‬
‫أسس مانع املريدي الدرعية وأصبح أيقونة من أيقونات الحكم والسياسة في وسط‬
‫الجزيرة العربية خالل القرن التاسع الهجري ‪ /‬الخامس عشر امليالدي‪.‬‬
‫يقول الخالوي‬
‫الخالوي من أشهر شعراء الجزيرة العربية‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫اشتهرت قصائده بالجزالة والحكمة‬ ‫راشد‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وحك ًما يتداولها الناس في الجزيرة العربية‪ .‬تعبر‬
‫ِ‬ ‫أمثاال‬ ‫والنصح والتوجيه وأصبحت‬
‫قصائده عن أوضاع املجتمع املحلي ومشكالته‪ ،‬وتركز نصائحه في طريقة معالجة‬
‫تلك األوضاع باألبيات الشعرية التي تعد في ذلك الوقت أبرز وسيلة تواصل مع‬
‫املجتمع‪ .‬وتميزت قصائد الخالوي بأن معظم مطالعها تضمنت عبارة "يقول الخالوي‬
‫والخالوي راشد"‪ ،‬ثم يبدأ في سرد القصيدة‪ .‬ويعود نسب راشد الخالوي إلى قبيلة بني‬
‫هاجر‪ ،‬وكان على عالقة بالعديد من األمراء والشيوخ الذين مدحهم وذكر فضائلهم‬
‫في قصائده‪.‬‬
‫وتحدث كثيرون عن سبب تسمية الشاعر بالخالوي‪ ،‬ويبدو أنها تعني محبته للخالء‬
‫والتفكير والخروج بقصائده التي انتشرت بين الناس‪ ،‬كما يبدو أنها تعني الوحيد‬
‫الذي ليس معه أحد‪.‬‬
‫ً ً ََ‬
‫وعل ًما‪ ،‬ويعد من أقدم الشعراء النبط‪ ،‬فهو وحده يشكل‬ ‫كان الخالوي شاعرا كبيرا‬
‫مرحلة ما بعد مرحلة بني هالل‪ ،‬وتميزت مرحلته بأن الشعر النبطي أخذ وضعه‬
‫وإن لم يضف الخالوي لألوزان ً‬
‫شيئا‪ ،‬فقد انتهج نفس‬ ‫واتضحت الرؤية الخاصة به ْ‬
‫مطوالت تصل إلى‬
‫ٍ‬ ‫منهج بني هالل في نظم قصائده على البحر الهاللي‪ ،‬وكانت قصائده‬
‫ألف بيت للقصيدة الواحدة‪ ،‬فتأتي القصيدة شاملة كاملة جامعة في مختلف شؤون‬
‫الحياة‪.‬‬
‫يقول الخالوي عن الكرم‪:‬‬
‫ّ‬
‫ولوم الفتى عقب املشيب قب ْ‬
‫ـيح‬ ‫يلوموني َهلي وهذي طبايعي‬
‫من البعد ّ‬ ‫ّ‬
‫فجا املنكبين مشي ْـح‬ ‫يلوموني في طارش قد لفت به‬
‫كما يقول نصيحته التي وجهها البنه وقصده عموم الشباب‪:‬‬
‫مدى العمر ز ِاي ْد‬‫إلى عاد مالي من َ‬ ‫وصاة ّ‬
‫تضمها‬ ‫أوصيك يا ولدي‬
‫ٍ‬
‫ْ‬
‫بالوقايد‬ ‫س من نارها‬‫وال تقتب ْ‬ ‫اله ْزال على شان مالها‬
‫التأخذ َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫بالفوايد‬ ‫ولد منها يجي‬ ‫ْ‬
‫لعل ٍ‬ ‫حميده‬ ‫قوم‬
‫ال تأخذ اال بنت ٍ‬
‫وله ً‬
‫أيضا‪:‬‬
‫َ‬
‫اليب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بالقيل اغالي مثل غالي الج ِ‬
‫ِ‬ ‫يقول الخالوي والخالوي ر ِاش ْد‬
‫غاي ْب‬
‫حاضر منهم ومن كان ِ‬
‫ٍ‬ ‫من‬ ‫من مبلغ الصبيان عني نصيحة‬
‫ما ْ‬
‫عاد يدركها إلى ْ‬ ‫َ‬
‫شاي ْب‬
‫ِ‬ ‫صار‬ ‫من ال يحوش امل ْرجلة في شبابه‬
‫موض ي بنت سلطان أبو وهطان‬
‫زوجة اإلمام محمد بن سعود ووالدة اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود‪ ،‬ولها‬
‫طيئ‪ ،‬وهي‬‫األثر األكبر في تربيته وتنشئته‪ .‬ويعود نسبها إلى آل كثير من آل فضل من ّ‬
‫ِ‬
‫من أسرة معروفة من أسر الدرعيةاشتهرت بالحكمة ورجاحة العقل والذكاء‬
‫وباألعمال الخيرية واالنسانية‪.‬‬
‫ُعنيت األميرة موض ي بالعمل الخيري ومساعدة املحتاجين‪ ،‬ولعل أبرز أثر لتلك‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫العناية هو سبالة موض ي في حي الط َرْيف‪ ،‬وهو املبنى القريب من قصر َسلوى الذي‬
‫ً‬
‫بناه اإلمام عبدالعزيز بن محمد وقفا لوالدته موض ي للعناية باملحتاجين والفقراء‬
‫وطلبة العلم واملسافرين‪.‬‬
‫تعد األميرة موض ي من نماذج الشخصيات املؤثرة خالل ذلك العهد بأعمالها الخيرية‬
‫والعلمية واهتمامها باملجتمع وعابري السبيل‪.‬‬
‫اإلمام محمد بن سعود‬
‫محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موس ى بن ربيعة بن‬
‫ُ‬
‫مانع امل َرْيدي‪ .‬ولد عام ‪1090‬هـ (‪1679‬م)‪ ،‬وتولى إمارة الدرعية بعد ابن عمه زيد بن‬
‫ابن عمه ز ًيدا وعمل لدعمه‬
‫َم ْرخان‪ .‬وكان من صفاته التدين والوفاء‪ ،‬حيث ساند َ‬
‫ومساندته في مدة إمارته‪ .‬وقد كانت األوضاع في نجد َ‬
‫غير مستقرة؛ بسبب انتشار‬
‫األمراض واألوبئة‪ ،‬وبسبب الخالفات بين بلدات نجد‪ .‬بعد توليه اإلمارة عمل اإلمام‬
‫محمد على ترتيب األوضاع فيها والحفاظ على تأمين طرق التجارة والحج‪ ،‬وأصبحت‬
‫إمارة الدرعية في عهده أقوى إمارات نجد املستقلة التي لم تتأثر بسلطة القوى‬
‫اإلقليمية‪ .‬تأسست الدولة السعودية األولى على يديه عام ‪11٣9‬هـ ‪17٢7 /‬م‪.‬‬
‫َ‬
‫أصبح محمد بن سعود بعد تأسيس الدولة يعرف باإلمام‪ ،‬وقد حكم الدرعية بعد‬
‫تأسيس الدولة َ‬
‫نحو اربعين سنة‪ ،‬قضاها في توحيد أجزاء الدولة السعودية األولى في‬
‫نجد والوحدة والبناء ونشر األمن واالستقرار‪.‬‬
‫توفي اإلمام محمد عام ‪1179‬هـ (‪1765‬م) بعد أن استطاع توطيد األمور في نجد‪،‬‬
‫وأصبحت الدولة السعودية األولى مهيأة لالنطالق نحو توحيد كافة أجزاء الجزيرة‬
‫مز الوحدة السعودية فهو املؤسس األول للدولة‪ ،‬وله أثر‬ ‫اإلمام محمد ر َ‬
‫ُ‬ ‫العربية‪ .‬يعد‬
‫كبير في تدعيم نفوذها وترسيخه‪.‬‬
‫البيـرق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫العلم والراية‪ ،‬فقد كان َعلم الدولة السعودية األولى قطعة‬ ‫تطلق لفظة البيرق على‬
‫ّ ُ‬
‫مطرزة‪ ،‬كتب عليها عبارة (ال إله إال هللا محمد رسول هللا)‪،‬‬ ‫قماش خضراء اللون‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫واستمر حملها على هذا النحو لدى أئمة الدولة‬ ‫وكانت تعقد على سارية بسيطة‪،‬‬
‫السعودية األولى‪ .‬وكان اإلمام عبدالعزيز وابنه سعود يبعثان من يحمل الراية أو‬
‫ً‬
‫وإيذانا‬ ‫البيرق لعرضها في مكان معين حيث يعد هذا املكان ً‬
‫موقعا الجتماع القبائل‬
‫ببدء حمالت التوحيد‪ .‬وقد سار على هذه الطريقة أئمة الدولة السعودية الثانية‪،‬‬
‫ُ‬
‫مؤسس الدولة السعودية الثانية يكتب ألمراء‬ ‫فقد كان اإلمام تركي بن عبدهللا‬
‫ُ‬
‫البلدان يأمرهم بالخروج واالجتماع في مكان معين‪ ،‬وتخرج الراية من قصره فتنصب‬
‫ً‬
‫قريبة من باب قصر الحكم في الرياض قبل خروجه بيوم أو يومين‪.‬‬
‫َ‬
‫بيضاء‪،‬‬ ‫وفي عهد امللك عبدالعزيز كانت الراية في أول عهده في جزئها الذي يلي السارية‬
‫ً‬
‫وفي الجزء الباقي خضراء‪ ،‬وكانت مربعة تتوسطها كلمة التوحيد (ال إله إال هللا محمد‬
‫فجعل سيف واحد يعلو‬ ‫رسول هللا) ويعلوها سيفان متقاطعان‪،‬واستبدل شكلها ُ‬
‫َ‬ ‫كلمة التوحيد‪ ،‬ثم تغير شكلها ُ‬
‫فجعل السيف تحت كلمة الشهادتين‪ .‬أما اليوم فعلم‬
‫اململكة العربية السعودية مستطيل الشكل‪ ،‬وعرضه بمقدار ثلثي طوله‪ .‬أرضيته‬
‫ُُ‬
‫خضراء‪ ،‬وتتوسطه عبارة التوحيد (ال إله إال هللا محمد رسول هللا) بخط الثلث‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫قبضته متجهة نحو سارية العلم‪ ،‬وال يجوز‬ ‫وتحتها ُرسم سيف مسلول أبيض‪،‬‬
‫الحداد‪ ،‬وال مالمسته األرض احتر ًاما للشهادة املكتوبة‬
‫تنكيسه حتى في مناسبات ِ‬
‫عليه‪.‬‬
‫قصرسلوى‬
‫أسسه اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في عام ‪1179‬هـ (‪1765‬م)‪ ،‬ويقع في‬
‫ُّ‬
‫الجهة الشمالية الشرقية من حي الط َرْيف في الدرعية عاصمة الدولة السعودية‬
‫مقرا لحكامها‪ُ .‬بني القصر‬ ‫األولى‪ّ ،‬‬
‫ويعد من أهم املعالم التاريخية في عهدها‪ ،‬حيث كان ًّ‬
‫ملواكبة التطور الذي شهدته الدولة السعودية األولى‪ ،‬حيث امتد نفوذها إلى‬
‫ً‬
‫مساحات شاسعة من الجزيرة العربية‪ ،‬وهو ما جعلها وجهة للوفود والزوار‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫الساكن‬ ‫ُس ّمي قصر َسلوى بهذا االسم لنمطه املعماري وتعدد منافعه فكأنه ُي َسلي‬
‫ً‬
‫وجنوبا ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫الهم والحزن‪ُّ .‬‬
‫ائر له ُويذه ُب َّ‬
‫فيه والز َ‬
‫قصر‬ ‫القصر شماال وادي حنيفة‪،‬‬ ‫يحد‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫األمير فهد بن سعود و قصر االمام عبدهللا بن سعود وشرقا مسجد وسبالة موض ي‬
‫وتقدر مساحته‬ ‫قصر األمير إبراهيم بن سعود وجامع حي الطريف ّ‬ ‫وبيت املال‪ً ،‬‬
‫وغربا ُ‬ ‫ُ‬
‫أكبر قصور مدينة الدرعية‬ ‫التي ُبني عليها بعشرة آالف متر مربع‪ .‬ويعد هذا القصر َ‬
‫ً‬
‫عموما‪.‬‬ ‫ً‬
‫خصوصا‪ ،‬ومنطقة نجد وما جاورها‬
‫سبها بإتقان ومها ة‪ّ ،‬‬
‫وتعددت‬ ‫ُبني قصر سلوى من سبع وحدات معمارية شيدت ِن ُ‬
‫ر‬
‫ً‬
‫طوابقه مع أن ذلك لم يكن مألوفا في ذلك الوقت‪ .‬ففي عهد اإلمام سعود زادت‬
‫مساحة القصر وشموخه بسبب زيادة عدد وحداته املعمارية‪.‬‬
‫ويشكل قصر سلوى منظومة معمارية متكاملة بوحداته السكنية واإلدارية‬
‫والحضارية والدينية‪ ،‬فهو يتكون من عناصر سكنية ومسجد ومجلس لإلمام وغرف‬
‫خدمات وجسور تربط بين هذه العناصر املعمارية‪ ،‬وهي مرتبطة جميعها بممرات‬
‫جانبية وعلوية في تصميم معماري ّ‬
‫متميز يعكس أسلوب العمارة التقليدية املحلية‪.‬‬
‫سعود الكبير‬
‫سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود هو ثالث أئمة الدولة السعودية األولى‪،‬‬
‫وقائد جيوشها في عهد والده عبدالعزيز‪ ،‬ولد عام ‪1161‬هـ‪ ،‬وبويع بوالية العهد عام‬
‫‪1٢0٢‬هـ(‪1788‬م)‪ .‬كان له أثر كبير في تحقيق انتصارات كبيرة على أعداء الدولة‬
‫َ‬
‫األحساء والحجاز‪ .‬وبعد توليه الحكم عام‬ ‫والقضاء عليهم‪ ،‬فقد دخل بجيوشها‬
‫َ‬
‫‪1٢18‬هـ (‪180٣‬م)‪ ،‬أتم توحيد الحجاز ودخلت الجيوش السعودية مكة وأصبح‬
‫خادما للحرمين الشريفين بعد إنهاء نفوذ العثمانيين‪ .‬داوم سعود على الحج ًّ‬
‫سنويا‬ ‫ً‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫طوال حكمه‪ .‬وقد لقب بالكبير؛ دليال على ما وصلت إليه الدولة في عهده من عظمة‬
‫ً‬
‫واتساع‪ ،‬حيث كانت تمتد من أطراف الفرات والشام شماال حتى صنعاء ومسقط‬
‫ً‬
‫شرقا حتى البحر األحمر ً‬ ‫ً‬
‫غربا‪ ،‬ووصلت الدولة في‬ ‫جنوبا‪ ،‬ومن ساحل الخليج العربي‬
‫عهده إلى مستويات عالية من الثراء والعز والقوة‪.‬‬
‫َ‬ ‫كان اإلمام سعود عاملًا ً‬
‫كبيرا‪ ،‬ويدل على ذلك مراسالته مع والة الدولة العثمانية في‬
‫وكتابه إلى السلطان العثماني سليم الثالث‪ .‬كما كان ُيلقي الدروس‬
‫العراق والشام‪ُ ،‬‬
‫العلمية في الدرعية وفي مكة عند بقائه فيها ألداء الحج‪ .‬استطاع سعود الكبير دحر‬
‫حمالت والي بغداد ّإبان حكم والده‪ ،‬ولكن بعد بدء الحمالت العثمانية املعتدية التي‬
‫أرسلها محمد علي من مصـر‪ ،‬انسحب سعود من معظم الحواضر في الحجاز وواجه‬
‫تلك الحمالت وحقق انتصارات كبيرة‪ .‬توفي اإلمام سعود عام ‪1٢٢9‬هـ (‪1814‬م)‪.‬‬
‫برج فيصل‬
‫َ‬
‫هو َم ْعل ٌم بارز من َمعالم الدرعية التاريخية‪ ،‬وهو من األبراج التي أنشأتها الدولة‬
‫السعودية في الدرعية ُلتحيط بها لحمايتها وتحصينها من االعتداء الخارجي‪ ،‬ويقع‬
‫ُّ‬
‫اتيجيا في الجهة الشمالية للط َرْيف‪ ،‬فكان بمنزلة برج املراقبة‪ .‬يتمكن‬
‫موقعا إستر ًّ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫الناظر من نوافذه املثلثة الشكل من متابعة ما يحدث خارج البلدة ومن معرفة ق ْدر‬
‫ُعدة العدو وعتاده‪ ،‬كما يمكن من خاللها رمي األعداء بالبنادق ونحوها‪.‬‬
‫كان لبرج فيصل حضور في مواجهة قوات إبراهيم باشا الغازية في عهد الدولة‬
‫السعودية األولى‪ ،‬وذلك عندما تحصن فيه األمير فيصل بن سعود بن عبدالعزيز مع‬
‫رجاله للدفاع عن الدرعية أمام الهجمات الوحشية‪ ،‬حيث حصل بينهم وبين أعدائهم‬
‫قتال شديد أثبت فيه فيصل ومن معه من املدافعين شجاعة نادرة‪ ،‬ولكن بعد توالي‬
‫ضربات العدو اضطر فيصل بن سعود ملغادرة البرج والنزول أسفل وادي حنيفة‬
‫ً‬
‫شهيدا رحمه‬ ‫ملواصلة القتال ولكنه أصيب برصاصة من مكان بعيد مات على إثرها‬
‫هللا‪ .‬واليوم ما زالت بقايا برج فيصل شاهدة على الصمود امللحمي للدرعية أمام‬
‫الهجمة القوية والحملة الوحشية‪.‬‬
‫بخروش بن عالس‬
‫من أشهر رجاالت الدولة السعودية األولى بخروش بن عالس الذي عينه اإلمام‬
‫عبدالعزيز على بالد زهران‪ ،‬شارك مع الدولة السعودية في العديد من الحمالت التي‬
‫ثبتت حكم الدولة في العديد من املناطق‪ .‬من مواقفه املشهودة أنه عندما زحف‬
‫العثمانيين من الطائف إلى بالد زهران تولى بخروش مقاومتهم والتصدي لهم‪،‬‬
‫بمساعدة من رجال املنطقة‪ ،‬وقد تميز أسلوبه في القتال باملباغتة في أنصاف الليالي‪.‬‬
‫ضد العثمانيين معركة وادي قريش زهران عام ‪1٢٢9‬هـ‬ ‫ومن أهم املعا ك التي خاضها ّ‬
‫ر‬
‫ألفا‪ ،‬في حين كان جيشه يقارب‬ ‫(‪1814‬م) التي بلغ فيها قوام الجيش العثماني عشرين ً‬
‫عشرة آالف مقاتل‪ ،‬ومع هذا هزمهم شر هزيمة بعد أن قتل منهم في يوم واحد ألف‬
‫رجل؛ وهو ما جعل العثمانيين ينسحبون إلى الطائف‪ .‬حاول العثمانيون الذين في‬
‫جنوب الجزيرة العربية القبض على بخروش وبعد أن عجزوا لجؤوا إلى القبض على‬
‫اط تسليم بخروش في مقابل إطالق سراحهم‪ .‬وبعد أن‬ ‫ْ‬
‫أفراد من قومه وسج ِنهم واشتر ِ‬
‫وصلتهم األخبار أنه في بيته دخلوا عليه وهو أعزل ونائم وقبضوا عليه وأرسلوه إلى‬
‫القنفذة عام ‪1٢٣0‬هـ (‪1815‬م)‪ .‬وفي اليوم التالي قابل قائد الحامية هناك فسأله‪:‬‬
‫ملاذا فعلتم بجنودنا ما فعلتم؟‬
‫فرد بخروش في ثبات‪ :‬أنتم غزاة مجرمون ومن حقنا مقاومتكم‪.‬‬
‫فرد قائد الحامية‪ :‬وأنا سأعاملك بما أريد‪.‬‬
‫ً‬
‫مسجونا فيها طامي بن شعيب‪ ،‬وفي إحدى‬ ‫فأمر بسجنه في نفس الخيمة التي كان‬
‫الليالي والجنود نائمون تمكن من استدراج أحد الحراس حتى استطاع اإلمساك به‬
‫ثم خنقه حتى املوت‪ ،‬ثم الذ بالفرار‪ ،‬فعرف الجنود بذلك فطاردوه وألقوا القبض‬
‫عليه بعد أن قتل منهم ما قتل‪ .‬ثم أمر الجند بقتله عن طريق وخز جسمه بالحراب‬
‫حتى ينزف ويموت ً‬
‫بطيئا‪.‬وتذكر الروايات أنه وعلى الرغم من طريقة قتله الشنيعة إال‬
‫أنه لم يتوسل ولم يطلب الرحمة بل ظل ً‬
‫ثابتا حتى مات‪ ،‬ودفن جسده بالقرب من‬
‫القنفذة وأرسل رأسه إلى القاهرة حيث طيف به الشوارع مع عزف املوسيقى ورفع‬
‫األعالم‪.‬‬
‫ارحمه الجالهمة‬
‫شيخ الجالهمة من العتوب ا ْر َح َمه بن جابر الج ْله ّ‬
‫مي‬
‫َ‬
‫عين اإلمام سعود بن عبدالعزيز‬
‫ِ ِ‬
‫أميرا على قلعة الدمام؛ حتى يتولى تثبيت نفوذ الدولة السعودية في تلك املناطق‬ ‫ً‬
‫ً ُ‬
‫وأتباعا ك ًثرا‪ ،‬ذكر بروس‬ ‫املتاخمة للخليج العربي‪ .‬فقد كان ا ْر َح َمه يملك قوة بحرية‬
‫َ َ‬
‫املقيم اإلنجليزي في ُب ْو ِش ْهر أن عدد أتباعه الذين نزلوا معه الحل ْيلة الواقعة قرب‬
‫بوشهر عام ‪1٢٣1‬هـ (‪1816‬م) قرابة خمسمئة أسرة‪ .‬وقاد ا ْر َح َمه أسطول الدولة‬
‫السعودية األولى البحري‪ ،‬ودعمه اإلمام سعود بن عبدالعزيز وز ّوده املقاتلين‬
‫والسفن والذخيرة في سبيل دعم النفوذ البحري للدولة السعودية؛ وهو ما جعل‬
‫ا ْر َح َمه يعد ً‬
‫واحدا من أتباع الدولة السعودية األولى‪ ،‬فوجهت بريطانيا حمالتها‬
‫البحرية ضده وضد القواسم‪ ،‬حيث خشيت بريطانيا من سيطرة القوة البحرية‬
‫السعودية على الخليج العربي؛ وهذا سيؤثر على النفوذ البريطاني؛ لذلك عاملت‬
‫ا ْر َح َمه والقواسم على أساس أنهم قراصنة تجب محاربتهم‪ .‬لكن ا ْر َح َمه تمكن من صد‬
‫العديد من الحمالت البحرية البريطانية والفارسية في املنطقة‪.‬وبعد انتهاء الدولة‬
‫السعودية األولى نزل ا ْر َح َمه الدمام وحاول الدخول في مصالحة مع زعماء املنطقة‬
‫مثل بني خالد في األحساء والبحرين وغيرها‪ ،‬إال أنهم لم يرحبوا به‪ ،‬فوجهت له العديد‬
‫من الحمالت البرية والبحرية عام ‪1٢4٢‬هـ (‪18٢6‬م) لعل أشهرها حربه على ماجد بن‬
‫عريعر الذي انضم له عبدهللا بن خليفة وسفن من أهل البحرين مع أحمد بن‬
‫سلمان بن خليفة‪ ،‬حيث خرج ا ْر َح َمه ملالقاتهم على ظهر سفينته الغطروشة بعد أن‬
‫ترك ابنه بشر في قلعة الدمام ملواجهة الحملة البرية‪ .‬واجه ا ْر َح َمه الحملة البحرية‬
‫وحدث بينه وبين أحمد بن سلمان قتال شديد قتل فيه كثيرون‪ ،‬حتى صبت ميازيب‬
‫السفينتين بالدم‪ ،‬ثم ثار البارود في سفينة ا ْر َح َمه واحترقت‪ ،‬ومات في تلك الوقعة‪.‬‬
‫شديد اللوح‬
‫شديد بن ناصر ويعرف باللوح من أشهر من دافع عن الدرعية بعد وصول جيش‬
‫(ش َد ِّيد) من أهل‬
‫إبراهيم باشا إليها في جمادى اآلخرة عام ‪1٢٣٣‬هـ (‪1818‬م)‪ .‬كان ِ‬
‫َّ‬
‫الصف ّرات ومن املوالين للدولة السعودية الذين شاركوا في الدفاع عنها بكل بسالة‬
‫صن من حصون ناظرة قرب حي‬ ‫وشجاعة‪ .‬تولى قيادة إحدى الفرق املتمركزة في ح ْ‬
‫ِ‬
‫قص ْير (الروم) أصبح في مواجهة‬ ‫ّ‬ ‫َْ‬
‫غصيبة‪ .‬وحينما نقل إبراهيم باشا معسكره إلى ِق َري ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫(شديد) يعلم أن إبراهيم باشا ال‬ ‫ّ‬
‫(شديد)‪ ،‬وقد جرت معارك هائلة بين الطرفين‪ .‬كان‬
‫يراعي قواعد الفرسان في الحرب؛ لذلك رأى أن يضرب أروع أمثلة االستبسال‬
‫والدفاع عن الدرعية‪ .‬فحينما بدأت املعارك بين الطرفين للسيطرة على الحصن‪،‬‬
‫ّ‬
‫(شديد) ومن معه رد هجمات جيش إبراهيم باشا‪ ،‬وضرب أروع األمثلة في‬ ‫استطاع‬
‫الشجاعة والصبر على حرب الغزاة‪ ،‬وعاش بعد ذلك وصار له شهرة كبيرة‪.‬‬
‫العرضة‬
‫ضة السعودية َ‬
‫أحد أبرز الفنون الشعبية املنتشرة في معظم أرجاء الجزيرة‬ ‫ُتعد َ‬
‫الع ْر َ‬
‫ً‬
‫خصوصا في نجد والخليج العربي‪ ،‬والغرض األساس من العرضة هو‬ ‫العربية‪،‬‬
‫االستعراض أو العرض العسكري‪ ،‬ومن هنا جاء هذا االسم‪ .‬عرفت العرضة منذ‬
‫الق َدم‪ ،‬ويقال‪ :‬إن قبيلة بني حنيفة كانوا يضربون الطبول في معاركهم ضد أعدائهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫ّْ‬ ‫ُ‬
‫السلم‪ ،‬ولها أنواع متعددة‬ ‫فالعرضة رقصة الحرب ولكنها تلعب في الحرب وفي ِ‬
‫جميعها خاصة بالرجال؛ لكونها تثير َحماستهم للحرب‪ ،‬ولها أثر في إبراز شجاعتهم‪.‬‬
‫وامتدادها‬
‫ِ‬ ‫من املمكن ربط العرضة العسكرية بقيام الدولة السعودية ُّ‬
‫وتوس ِعها‬
‫واعتزاز أفرادها بانتمائهم لهذه الدولة‪ ،‬وارتبطت ً‬
‫أيضا بدفاع السعوديين أمام‬
‫جيوش الدولة العثمانية التي غزت الجزيرة العربية؛ فدافع أبناء الجزيرة عن أرضهم‬
‫والحماسة‪ .‬وقد استمرت العرضة‬ ‫بكل شجاعة وتكاتفوا وضربوا أروع أمثلة البسالة َ‬
‫في عهد الدولة السعودية الثانية وعهد اململكة العربية السعودية‪ ،‬وأصبحت ر ً‬
‫مزا‬
‫ً‬
‫كبيرا بامللك عبدالعزيز الذي ُعني‬
‫تباطا ً‬ ‫للشجاعة واإلباء والفخر‪ .‬ارتبطت العرضة ار‬
‫ً‬
‫بها عناية كبيرة؛ ألنها العرضة الرسمية للمملكة العربية السعودية وألنها تتميز بطابع‬
‫خاص في أدائها ولباسها‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد وصف عباس محمود العقاد العرضة في عهد امللك عبدالعزيز قائال‪" :‬إنها من‬
‫أحب الرياضات إلى امللك عبدالعزيز ‪ -‬رحمه هللا ‪ ،-‬وهي رقصة الحرب التي يرقصها‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫النجديون وهم مقبلون على امليدان‪ ،‬وهي رقصة َمهيبة ُمتزنة‪ ،‬تثير العزائم وت ْحيي في‬
‫َ‬
‫الفرسان‬ ‫أناشيدها ويرى‬ ‫َ‬
‫يستمع جاللته إلى‬ ‫النفوس حرا َة اإليمان‪ ،‬ويتفق ً‬
‫أحيانا أن‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويستعيد ذكرى الوقائع واملعارك؛ فينهض من مجلسه‬ ‫وهم يرقصونها فتهزه األريحية‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ويزحزح عقاله ويتناول السيف وينزل إلى امليدان مع الفرسان‪ ،‬فترتفع َحماستهم حين‬
‫ينظرون إلى جاللته بينهم‪" .‬‬
‫عمادا للرقصة‪ ،‬حيث ال يمكن إتمام العرضة دونه‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫ُوي َع ّد السيف ً‬
‫الحاضر يلبس الراقص في العرضة ِ(م ْح ًزما)‪ ،‬في حين يتطلب األمر ضرورة تسخين‬
‫الطبول إما بوضعها في الشمس أيام الصيف‪ ،‬وإما بتسخينها على نار هادئة إذا كانت‬
‫ً‬
‫ليال في غياب الشمس؛ حتى يكون وقع َق ْر ِعها ً‬
‫عاليا‬ ‫العرضة تقام شتاء‪ ،‬أو كانت‬
‫ً‬
‫وجميال‪ ،‬وباإليقاع الذي يوافق إنشاد الصفوف‪.‬‬
‫واش ُت ِهرت الدرعية بإتقان أهلها هذا الفن‪ ،‬وكانت فرقة الدرعية حاضرة في أغلب‬
‫َ‬
‫الخ ْرج َ‬
‫وض َرماء اشتهروا بعشقهم‬ ‫مناسبات الدولة‪ ،‬إضافة إلى أن أهالي محافظتي‬
‫العرضة وإجادتهم تأديتها‪.‬‬
‫وقد اشتهرت قصائد عدة مصاحبة لهذه الرقصة الشعبية‪ ،‬ومنها قصيدة للشاعر‬
‫محمد العوني‪:‬‬
‫واختص ابو تركي َع َمى عين َ‬
‫الحريب‬ ‫ِم ِ ّني عليكم ياهل العوجا سالم‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫الون َدات يا ِرْيف الغ ِرْيب‬ ‫حامي‬
‫يا ِ‬ ‫يا شيخ باح الصبر من طول املقام‬
‫والراي ّ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫الص ِل ْي ْب‬‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ات‬ ‫ط‬ ‫العز بالقل‬ ‫اضرب على الكايد وال تسمع كالم‬
‫معركة الصفراء‬
‫وقعت معركة الصفراء في عام ‪1٢٢6‬هـ (‪181٢‬م) وهي واحدة من أهم معارك الدولة‬
‫السعودية األولى ضد قوات العثمانيين املعتدين التي بدأت في الحجاز‪ ،‬وقد سماها‬
‫الخ ْيف‪ ،‬وقعت املعركة في وادي الصفراء على بعد ‪ 100‬كيلومتر من‬ ‫بعضهم بمعركة ِ‬
‫ْ‬
‫املدينة املنورة‪ .‬حيث وصلت قوات محمد علي الغازية بقيادة طوسون إلى َين ُبع‬
‫ً‬
‫وسيطرت عليها‪ ،‬فأرسل اإلمام سعود بن عبدالعزيز جيشا بقيادة ابنه األمير عبدهللا‬
‫مض ّيان الحربي‪ ،‬وعثمان‬‫مع عدد من جاالت الدولة السعودية مثل مسعود بن َ‬
‫ر‬
‫َ َ‬ ‫املُ َ‬
‫ض ِاي ِف ّي‪ ،‬وهادي بن ق ْر َملة وغيرهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫أعد عبدهللا بن سعود ُ‬
‫فجعل مسعود بن‬ ‫قائد الجيش خطة ملواجهة حملة طوسون‪،‬‬
‫مضيان مع أهل الوشم في أول الطريق للقادمين من ينبع ليكونوا أولى الطالئع‬
‫للمواجهة‪ ،‬ثم أمر بحفر خندق عند مضيق وادي الصفراء ووضع في أعلى الجبل‬
‫فرقة من أهالي الحجاز يقودها عثمان املضايفي‪ ،‬وأن يتمركز اإلمام عبدهللا في أسفل‬
‫الوادي مع قواته‪.‬‬
‫ً‬
‫وبدأت املواجهة فهاجموا أوال مسعود بن مضيان‪ ،‬وطالت الحرب بينهم وبينه‬
‫وانتصر طوسون وقواته‪ ،‬ألن القوتين غير متكافئتين‪ ،‬ظن بعدها طوسون أن‬
‫الطريق سالك ومفتوح فانطلق إلى وادي الصفراء لتبدأ املواجهة الثانية‪ ،‬وملا رأى‬
‫طوسون وقواته أنهم لن يستطيعوا الوصول إليهم‪ ،‬أخذوا يرمون ُ‬
‫بالق ُبوس دون‬
‫جدوى‪ .‬ثم انطلقوا إلى الجبل املتمركز فيه عثمان الذي تركهم حتى اقتربوا منه‬
‫فرماهم فقتل عساكر كثيرة‪ ،‬ثم مال األتراك إلى الجانب األيمن من الجبل‪ ،‬فانهزم‬
‫من كان على الجبل‪ ،‬واشتد األمر على السعوديين وطلبوا املساندة‪.‬‬
‫وفي اليوم الثاني من املعركة أبلى السعوديون وقاتلوا بشدة فقتلوا من األعداء ً‬
‫كثيرا‪،‬‬
‫ورميت القذائف من أعلى الجبل على الجنود‪ ،‬فقتلت كثيرين‪ ،‬وانتشر الذعر‬
‫واختلت صفوف جيش طوسون ثم اضطروا إلى االنسحاب إلى ينبع‪ ،‬وقد غنم‬
‫َ‬
‫السعوديون منهم املدافع والخيام والذخائر‪ ،‬وبلغ عدد ق ْتالهم أربعة آالف جندي‪،‬‬
‫َ‬
‫وق ْتلى الدولة السعودية ستمائة رجل‪ ،‬منهم هادي بن قرملة‪ ،‬ومانع القحطاني‪،‬‬
‫وراشد الهاجري‪.‬‬
‫أرسل طوسون خبر هزيمته إلى أبيه وذكر أن السبب هو خالف وقع بين قواده‬
‫ُ‬
‫وتقصيرهم‪ ،‬ثم طلب املدد من والده‪ ،‬فرد والده باستدعاء قادة الجيش املسؤولين‬
‫عما حصل‪.‬‬
‫غالية البقمية‬
‫بالء ً‬
‫حسنا في مواجهة القوات التي‬ ‫امرأة اشتهرت ببسالتها وشجاعتها بعد أن أبلت ً‬
‫أرسلها محمد علي باشا إلى الجزيرة العربية في أوائل القرن الثالث عشر الهجري‬
‫َ‬
‫البدارى‬ ‫(التاسع عشر امليالدي)‪ ،‬وهي غالية بنت عبدالرحمن البقمي‪ ،‬من قبيلة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫البق ْوم الساكنين قرب الطائف في بلدة ت َربة‪ ،‬وهي فيما ذكرت بعض الروايات زوجة‬
‫ابن عمها هندي بن محمد بن محيي‪ ،‬عامل الدولة السعودية األولى على مدينة تربة‬
‫ْ َ‬
‫البقوم في غرب الجزيرة العربية‪ ،‬ثم بعد وفاة زوجها ُيذكر أنها تزوجت بخيت بن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫الهملة‪ ،‬وكانت امرأة ذكية حكيمة قد ورثت من أبيها ثروة طائلة وأمواال‬ ‫جن ّيح شيخ‬
‫كثيرة دعمت بها البقوم للدفاع عن ديار قومها‪ ،‬ويشير بعض املؤرخين إلى أنها كانت‬
‫في متوسط العمر في أثناء حملة محمد علي الغازية على تربة‪ ،‬ويقال‪ :‬إن محمد علي‬
‫باشا قال بعد معاركه الطويلة هناك وعند مروره بتربة في طريق رنية وبيشة وأبها‪:‬‬
‫"أمست دار غالية خالية‪".‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ومضمونها مجمال هو انتصاراتها على‬ ‫وتعددت الروايات لقصة غالية وبطوالتها‪،‬‬
‫جيش الباشا‪ ،‬وهذا لم يختلف عليه أحد‪ ،‬وال شك ّأنها عاصرت في بعض مراحل‬
‫حياتها ً‬
‫توترا وفوض ى؛ ففي عام ‪1٢٢8‬هـ (‪181٣‬م) أغار طوسون ابن والي مصر‬
‫محمد علي باشا على مدينة تربة بين الحجاز ونجد ومعه عساكر كثيرون ًّ‬
‫جدا‪ ،‬وفي‬
‫ً‬
‫مريضا‪ ،‬وكانت غالية هي التي توصل خطط‬ ‫هذه األحداث كان الشيخ ابن م ْح ِيي‬
‫املعركة لقادة البقوم في بيت الشيخ‪ ،‬فكان النصر للبقوم وانهزم طوسون ومن معه‪،‬‬
‫ُ‬
‫وقتل أكثر جنده‪.‬وفي عام ‪1٢٢9‬هـ (‪1814‬م) عاد طوسون باشا وعابدين بك وغزوا‬
‫صلت غالية الخطط للقادة زعماء ومشايخ البقوم ودامت املعركة ثمانية‬ ‫تربة‪ ،‬وو ّ‬
‫أيام ُمني على إثرها طوسون وعابدين بك بالهزيمة ولم يظفروا بش يء‪ ،‬وكان زوج غالية‬
‫قد توفي في أول املعركة الثانية سنة ‪1٢٢9‬هـ (‪1814‬م)‪ ،‬فأخفت خبر وفاته‪ ،‬وبدأت‬
‫تصدر األوامر على لسانه حتى تحقق النصر للبقوم‪.‬‬
‫وعندما بلغ محمد علي باشا خبر هزيمة ابنه طوسون‪ ،‬وإخفاق قواد جيشه‪ ،‬قرر‬
‫كبيرا على مستوى عال من ُ‬ ‫جيشا ً‬‫ً‬
‫العدة والعتاد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قيادة املعركة بنفسه فجهز‬
‫ً‬
‫فأرسلت غالية رسالة إلى اإلمام عبدهللا بن سعود الكبير إمام الدولة آنذاك‪ ،‬مفادها‬
‫ً‬
‫جيشا ً‬
‫كبيرا ال طاقة لنا به‪ ،‬وهو في طريقه إلينا على رأس‬ ‫أن محمد علي باشا قد جهز‬
‫مئة ألف مقاتل‪ ،‬وعلى الفور أرسل اإلمام عبدهللا بن سعود أخيه فيصل بن سعود‬
‫على رأس جيش من عشرين ألف مقاتل من أهل تربة الفوارس الشجعان‪ ،‬ومن‬
‫عشرين ألف مقاتل من أهل الجنوب وتهامة البواسل الفرسان‪ ،‬ووقعت املعركة‪،‬‬
‫ولكن كانت النتيجة هي الهزيمة في معركة َ(ب ْسل) الشهيرة‪ ،‬وكان ذلك في عام ‪1٢٣0‬هـ‬
‫(‪1815‬م)‪.‬وبعد أن وضعت الحرب أوزارها اختلف املؤرخون في مصير غالية وما آل‬
‫إليه أمرها؛ فمنهم من قال‪ :‬إنها ذهبت إلى الدرعية وأقامت بها‪ ،‬وسارت قافلتها على‬
‫ً‬
‫ثمانية وعشرين جمال محملة بالزاد والذهب والفضة‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إنها عادت إلى‬
‫مسقط رأسها تربة وأقامت في قصرها الواقع على طريق تربة – الطائف‪ .‬وهكذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تنتهي األخبار املتواترة عن هذه املرأة التي مألت قلوب خصومها رهبة وخوفا بعد أن‬
‫جندلت الكتائب والجيوش الغازية ليخلد التاريخ كفاح غالية البقمية في الحفاظ‬
‫على وطنها وأبناء عشيرتها‪.‬‬
‫الخراب‬
‫يقول جون فيلبي حينما زار الدرعية عام ‪1٣٣5‬هـ (‪1917‬م) بعد نحو مئة سنة من‬
‫تدميرها على يد إبراهيم باشا وجيشه‪" :‬وصلنا حافة وادي حنيفة‪ ،‬ووقفنا أمام أنبل‬
‫أثر في األراض ي السعودية كلها‪ ،‬إنها مدينة األموات‪ ...‬املباني القديمة‪ ،‬التي تعرضت‬
‫للضرب ال تزال قائمة‪ ،‬دعامة هنا‪ ،‬جدار هناك‪ ،‬قوس متهالك‪ ،‬ممر غير مأهول‪ ،‬كل‬
‫ّ‬
‫ذلك يشكل صورة رائعة لخراب عظيم‪".‬‬
‫َ‬
‫أعظم مدينة نشأت في وسط الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ‪ ،‬وكانت‬ ‫كانت الدرعية‬
‫عاصمة ألعظم دولة قامت منذ نحو ألف عام من ظهور اإلسالم‪ ،‬وقد ازدهرت تلك‬
‫الدولة في جميع املجاالت السياسية واالقتصادية والعلمية والعسكرية‪ ،‬وأسست‬
‫دولة لم تعرفها الجزيرة العربية منذ زمن بعيد‪ .‬لكن كل تلك العظمة جرى إنهاؤها‬
‫وتدميرها بهجوم إبراهيم باشا الوحش ي على الدرعية‪ .‬كان الصمود األسطوري الذي‬
‫أبداه املدافعون عن الدرعية املخلصون بقيادة اإلمام عبدهللا بن سعود واألسرة‬
‫السعودية مما زاد حنق الباشا ومن معه؛ فقرروا االنتقام من املدينة وأهلها‪ .‬أتت‬
‫األوامر من إسطنبول والقاهرة باالنسحاب وتدمير الدرعية فأصدر الباشا أوامره إلى‬
‫الجيش بتدمير كل مناحي الحياة فيها؛ فجرى إحراق املزارع والنخيل وهدم البيوت‬
‫وإحراقها‪ .‬كان الباشا يقصد من هدم الدرعية هدم الوحدة السعودية‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يعلم أنها كانت أقوى بكثير من أفعاله‪.‬‬
‫بعد انسحاب الجيش العثماني‪ ،‬أصبحت لفظة (الخراب) مالزمة ملا تبقى من موقع‬
‫ُّ‬
‫خصوصا حي الط َرْيف‪ .‬ومن املعروف أن‬
‫ً‬ ‫الدرعية؛ بسبب الخراب الهائل الذي أصابها‬
‫َ‬
‫إبراهيم باشا سكن قصر اإلمام عبدهللا بن سعود بحي الطريف تسعة أشهر‪ ،‬ولكنه‬
‫حينما انسحب أمر بهدمه كله‪ .‬كما كان لتهجير أهالي الدرعية وخوف بعضهم من‬
‫فعرفت املنطقة باسم‬‫العودة إليها أثر كبير في هجر املنطقة وإهمال إعادة إعمارها؛ ُ‬
‫وجه خادم الحرمين الشريفين امللك سلمان بن عبدالعزيز (حينما كان‬ ‫(الخراب) حتى ّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أميرا على الرياض) بالعناية باملوقع وتغيير اسمه إلى الطريف؛ فنسيت اللفظة‬
‫السابقة ُ‬
‫وعرف املوقع بالطريف أو الدرعية التاريخية‪.‬‬
‫سوق املوسم‬
‫ُّ‬
‫يقع هذا السوق في الدرعية في وادي حنيفة بين حي الط َرْيف من الجهة الغربية وحي‬
‫وعرف باسم (سوق املوسم)؛ لكثرة الحوانيت التي‬ ‫الب َج ْيري من الجهة الشرقية‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫جذب مهم يجتمع فيه عدد كبير من الناس‪ .‬وقد‬ ‫يحويها هذا السوق‪ ،‬وألنه عامل ٍ‬
‫ذكره املؤرخ ابن بشر ووصفه بأنه "فإذا وقفت في مكان مرتفع ونظرت موسمها وكثرة‬
‫مافيها من الخالئق ونزالهم فيه ‪ ،‬وإقبالهم وإدبارهم ثم سمعت رنتهم ونجناجهم فيه‪،‬‬
‫فكأنه دوي السيل القوي إذا صب من عالي الجبل‪".‬‬
‫حي ْي ِن في الدرعية (الطريف‬
‫اتيجيا فهو قريب من أهم َّ‬ ‫يتخذ السوق ً‬
‫موقعا إستر ًّ‬
‫والبجيري) الواقعين في طرفي الوادي‪ ،‬وقد كانت الحوانيت فيه مبنية من القصب‬
‫وسعف النخل‪ .‬كان السوق ز ً‬
‫اخرا بالبضائع‪ ،‬ويتميز بنشاط الحركة التجارية‪ ،‬حيث‬
‫ً‬ ‫كانت تأتي إليه البضائع من مناطق شتى‪ ،‬مثل العراق والشام ُ‬
‫وعمان واليمن‪ ،‬ونتيجة‬
‫للحركة التجارية النشيطة ارتفع طلب الحوانيت حتى وصلت أسعار اإليجارات إلى‬
‫أربعة رياالت في اليوم الواحد في ذلك الوقت‪.‬‬
‫ايضا ً‬
‫مكانا للتعلم‪،‬‬ ‫لم يتوقف دور السوق على الحركة التجارية فقط‪ ،‬بل أصبح ً‬
‫فقد كان لإلمام سعود بن عبدالعزيز مجلس درس ّ‬
‫يومي يعقده في هذا السوق مع‬
‫شروق الشمس‪ ،‬فيجتمع له خلق كثير من أهل الدرعية‪ ،‬وال يتخلف منهم إال قليل‪،‬‬
‫وقد كانوا يجلسون في فصل الصيف عند الدكاكين الشرقية‪ ،‬وفي فصل الشتاء عند‬
‫الدكاكين الغربية‪.‬‬
‫البيعة‬
‫تعد البيعة من أسس نظام الحكم اإلسالمي حيث تقوم على املعاهدة بين الحاكم‬
‫والشعب‪ ،‬وعلى بذل السمع والطاعة للحكام‪ ،‬وهي ترمي إلى حفظ املجتمع وتأسيس‬
‫ً‬
‫دولة‪ .‬فقد ورد في الحديث النبوي قوله ﷺ‪" :‬من مات وليس في عنقه بيعة مات ِميتة‬
‫جاهلية"؛ وهو ما يبرز منزلة البيعة في الحياة العامة‪.‬‬
‫اعتمدت الدولة السعودية منذ تأسيسها على نظام البيعة للحاكم‪ ،‬وبعد وفاة اإلمام‬
‫محمد بن سعود بايع الناس اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود‪ .‬وتبدأ مبايعة‬
‫األمراء ثم العلماء وأهل الحل والعقد ثم عامة الناس‪ .‬استمرت البيعة ً‬
‫أساسا من‬
‫أسس الحكم في الدولة السعودية األولى والدولة السعودية الثانية‪ .‬ثم في اململكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬فبعد أن استرد امللك عبدالعزيز الرياض استقبل َ‬
‫والده اإلمام‬
‫عبدالرحمن من الكويت وجرت البيعة للملك عبدالعزيز في جامع اإلمام تركي بن‬
‫عبدهللا في الرياض‪ .‬واستمر نهج البيعة للملك وولي العهد بعد وفاة امللك عبدالعزيز‪.‬‬
‫وتكون البيعة في األغلب بعبارة‪" :‬نبايعك على كتاب هللا وسنة رسوله ﷺ وما عليه‬
‫الصحابة رضوان هللا عليهم والسلف الصالح رحمهم هللا"‪ .‬وتمثل البيعة كذلك صورة‬
‫مميزة لكونها تعبر عن الوالء والتالحم بين الحاكم والشعب‪.‬‬
‫طريق الحاج‬
‫يعد الحج من أعظم شعائر الحنيفية‪ ،‬وقد أمر هللا سبحانه به منذ أيام إبراهيم‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وقد كانت اليمامة ً‬
‫طريقا للمارين باتجاه مكة منذ سالف‬
‫األيام‪ .‬وبعد ظهور اإلسالم الذي جعل الحج أحد أركان اإلسالم الخمسة‪ ،‬وتوسع‬
‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬أصبحت اليمامة من أبرز طرق الحاج للقوافل اآلتية من شرق‬
‫العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫َ‬
‫بعد تأسيس الدرعية عام ‪850‬هـ (‪1446‬م)‪ ،‬أصبحت أبرز محطات التوقف لطريق‬
‫الحاج؛ وذلك ملوقعها اإلستراتيجي وتوافر املياه والغذاء فيها‪ ،‬ولوجود السلطة‬
‫السياسية القوية‪ ،‬حيث كان لها األثر األكبر في حماية القوافل وتأمين الطريق من‬
‫املفسدين وقطاع الطرق؛ وقد دلت على ذلك وثيقة عثمانية في عام ‪981‬هـ (‪157٣‬م)‬
‫تحدثت عن أثر شيخ الدرعية إبراهيم بن موس ى بن ربيعة بن مانع املريدي في تأمين‬
‫وصول الحجاج إلى مكة املكرمة بكل يسر وسهولة وطمأنينة‪.‬‬
‫بعد قيام الدولة السعودية األولى وتوسعها في نجد وقدرتها على ضبط األمن فيها‬
‫والقضاء على كل مظاهر االنفالت األمني‪ ،‬أصبح طريق الحاج للقادمين من شرق‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األفضل واألمثل‪ ،‬ومن القصص التي تروى عن ذلك موقف‬ ‫الطريق‬ ‫العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫ً‬
‫اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود حين علم أن أحد اللصوص سرق كيسا به‬
‫لحاج أعجمي فكتب إلى اإلمام عبدالعزيز يخبره بذلك‪ ،‬فأرسل اإلمام إلى زعماء‬ ‫مال ّ‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫السجن‪.‬‬ ‫سيود ُعهم‬ ‫القبائل وأمراء املدن وطلب منهم البحث عن السارق وإال فإنه‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫طلب هؤالء من اإلمام أن يمهلهم للبحث عن السارق‪ ،‬فلما أخبروه باسمه طلب ماله‬
‫وكان سبعين من اإلبل فباعها ووضع ثمنه في بيت مال املسلمين‪ ،‬ووجد الكيس كما‬
‫َ‬ ‫هو‪ ،‬فأرسله اإلمام عبدالعزيز إلى أمير ُّ‬
‫الزَبير‪ ،‬وطلب إيصاله إلى صاحبه في ديار‬
‫الع َجم‪.‬‬
‫َ‬
‫اإلمام تركي بن عبدهللا‬
‫ّ‬
‫الثانية‪،‬وجد امللك عبدالعزيز الثاني تمكن اإلمام تركي‬ ‫هو مؤسس الدولة السعودية‬
‫َ َ‬
‫ظهرة عل ّية‬ ‫من اإلفالت من قبضة إبراهيم باشا بعد سقوط الدرعية حيث اختبأ في‬
‫يبق بعد سقوط الدرعية‬ ‫جنوب مدينة الرياض‪ .‬كان لإلمام تركي نظرة ثاقبة حين لم َ‬
‫أثرا م ًّ‬
‫هما في إعادة بناء الدولة من‬ ‫ولم يثق في إبراهيم باشا؛ وهذا األمر جعل له ً‬
‫جديد‪ .‬كان اإلمام تركي يخطط إلعادة الدولة من جديد ّإبان غيابه‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
‫كانت صور الدمار والقتل والتهجير التي ارتكبتها قوات إبراهيم باشا ماثلة في ذهنه‪،‬‬
‫وكانت الدافع القوي له الستعادة مجد الدولة السعودية‪.‬‬
‫كانت املهمة صعبة على اإلمام تركي لكونه الوحيد الباقي من األسرة السعودية بعد‬
‫نقل كثير منهم إلى القاهرة‪.‬‬
‫بدأ اإلمام تركي بن عبدهللا مسيرة بناء الدولة من الدرعية‪ ،‬ولكن الحامية التركية‬
‫املعتدية في نجد وتسلطها ووحشيتها جعلته يرى أن الوقت غير مناسب لالستمرار في‬
‫َ‬
‫القتال فعاد مره أخرى لالختباء وكان ذلك في غاره املشهور في عل ّية‪ .‬بعد مدة‪ ،‬رأى‬
‫اإلمام أن الوقت موات للعمل من جديد فاستطاع جمع أتباعه َ‬
‫وطرد الحاميات‬ ‫ٍ‬
‫التركية في نجد‪ ،‬ودخل الرياض عام ‪1٢40‬هـ (‪18٢4‬م) ً‬
‫معلنا قيام الدولة السعودية‬
‫الثانية‪.‬عمل اإلمام الستعادة كل أراض ي الدولة السعودية وفرض النظام واألمن‬
‫واألمان‪ ،‬وبدأت الدولة ونظامها تعودان عودة تدريجية في معظم املناطق التي كانت‬
‫ضمن أمالك الدولة السعودية األولى‪.‬‬
‫تميز اإلمام تركي بعدد من الصفات التي أهلته لتولي الزعامة والقيادة‪ ،‬فقد أعاد‬
‫الدولة بعد سقوطها بجهود قيادية فذة‪ ،‬وكان يقود الحمالت واملعارك بنفسه‪ .‬وقد‬
‫عرف عنه الطموح والشجاعة والقوة واللين‪ .‬واشتهر اإلمام تركي بسيفه األجرب الذي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كان رفيقه في توحيد الدولة السعودية‪ .‬حك َم اإلمام تركي الدولة عشر سنوات‪،‬‬
‫استطاع فيها أن يفرض قوة الدولة والعدل في ربوعها‪ ،‬ولكن يد الغدر نالته من حيث‬
‫لم يحتسب حينما قام ابن عمه مشاري بن عبدالرحمن بن حسن بتدبير محاولة‬
‫ً‬
‫متوقعا أن األمور ستصفو له ولكن أموره لم تستمر سوى أيام حتى عاد اإلمام‬ ‫لقتله‬
‫فيصل بن تركي ليتولى حكم الدولة السعودية الثانية بعد والده‪.‬‬
‫خيل فيصل‬
‫َ‬ ‫يعد الحصان العربي َ‬
‫وليد صحراء الجزيرة العربية وعاشقها‪ .‬وقد ُعني به العرب منذ‬
‫ّْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السلم والحرب‪ .‬كما ُع ُنوا بسالالته وأنسابه فكتبوا في ذلك‬
‫القدم‪ ،‬فكان رفيقهم في ِ‬
‫ِ‬
‫الكتب واملؤلفات مثل (أنساب الخيل) البن الكلبي‪ ،‬و(أسماء خيل العرب وأنسابها‬
‫ُ‬
‫وذكر فرسانها) للغ ْن ِدجاني‪ ،‬و(كتاب الخيل) لألصمعي‪ ،‬و(أصول الخيل العربية)‬
‫لعباس باشا‪ ،‬وغيرها‪ُ .‬عني األوربيون بالخيل العربية األصلية وأرسلوا في ذلك البعثات‬
‫من أجل الحصول على الخيول لالستفادة منها في تطوير ساللتهم‪ .‬فقد أرسل ملوك‬
‫بريطانيا والدنمارك وبولندا عدة بعثات بغرض الحصول على هذه الخيول واقتنائها‪.‬‬
‫اشتهرت كثير من الخيول بنسبتها إلى الجد األكبر‪ ،‬وبقيت أنسابها متوارثة في مكان‬
‫ً‬
‫نشأتها في الجزيرة العربية‪ .‬فهذه املنطقة تعد من أخصب املناطق وأكثرها مالءمة‬
‫لتربية الجياد األصيلة‪ .‬ومن أبرز صفات هذه الخيل أنها سريعة‪ ،‬وتتحمل املتاعب في‬
‫أثناء الكر والفر‪ ،‬والشجاعة واإلقدام في أثناء الحرب‪ ،‬فال تتأخر حين تسيل الدماء‬
‫خصوصا تحت أشعة شمس نجد‬ ‫ً‬ ‫أو تتهاوى الرماح دونها‪ ،‬وهي قليلة شرب املاء‬
‫املحرقة‪ ،‬وتتميز بالصفات الجمالية كاتساع العيون‬
‫وقد اعتنى أئمة آل سعود باقتناء الخيول األصيلة وتربيتها‪ ،‬والحفاظ على سالالتها في‬
‫َ‬
‫بيئة تحفظ لها ذلك‪ ،‬فأنشؤوا من أجل ذلك املرابط العريقة التي حافظت على هذا‬
‫املبدأ وعلى هذا النوع الجمالي من االنقراض‪ .‬ويعد اإلمام فيصل بن تركي من أبرز‬
‫املعتنين بالخيل األصيلة في نجد وفي الجزيرة العربية‪ ،‬وكان له مربط في الخرج يضم‬
‫املئات من الخيول العربية األصيلة‪ ،‬وزاره العديد من الرحالة األجانب‪ .‬وعندما أراد‬
‫عباس باشا توثيق أصول الخيل العربية في الجزيرة العربية ركز على خيل اإلمام‬
‫فيصل بن تركي وأرسل َم ْن زار َمرابطها وكانت أساس كتابه‪.‬‬
‫ََ ُ‬
‫وحف َدته‪ ،‬ومن أبرزهم امللك عبدالعزيز‪ ،‬الذي اعتنى‬ ‫وقد سار على هذا النهج‪ ،‬أبناؤه‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وغيرها‬
‫ِ‬ ‫واألحساء‬ ‫الخرج‬ ‫في‬ ‫ابطه‬‫ر‬ ‫مل‬ ‫وضمها‬ ‫العديد‬ ‫منها‬ ‫ى‬ ‫واشتر‬ ‫األصيلة‪،‬‬ ‫بالخيل‬ ‫ا‬ ‫جيد‬
‫من املناطق‪ ،‬وقد حوت اآلالف من أجود أنواع الخيل‪.‬‬
‫وهناك أسماء شهيرة ألجداد سالالت خيل نجد األصيلة‪ ،‬من أبرزها للمثال ال‬
‫الحصر‪:‬‬
‫الو ّية‬ ‫الص ْ‬
‫ق‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫الع َب ّية‬
‫َ‬
‫الح ْم ّ‬
‫دانية‬
‫َ َ‬
‫الكح ْيلة‬
‫الص َو ْي ِت َّية‬
‫ُّ‬
‫أنا أخو نورة‬
‫من أشهر العبارات التي يرددها امللك عبدالعزيز في املواقف التي تتطلب منه‬
‫شجاعة‪ ،‬وحكمة‪ ،‬وسرعة اتخاذ قرار جملته املشهورة "أنا أخو نورة"‪ ،‬فنورة هنا هي‬
‫نورة بنت عبدالرحمن أخت امللك عبدالعزيز‪ ،‬ولدت في مدينة الرياض عام ‪1٢9٢‬هـ‬
‫(‪1875‬م)‪ ،‬وهي ُ‬
‫تكب ُر امللك عبدالعزيز بعام واحد‪ ،‬وكانت عالقتها بأخيها متينة بدأت‬
‫منذ طفولتهما املبكرة حيث كانا يتشاركان اللعب‪ ،‬كما كانت رفيقته عندما خرج‬
‫َ‬
‫والدها اإلمام عبدالرحمن الفيصل مع أسرته من الرياض بعد معركة ال ُـمل ْي َداء‪.‬‬
‫تميزت نورة بصفات عديدة‪ ،‬فهي ذات شخصية قوية‪ ،‬وكريمة‪ ،‬وراجحة العقل‪ ،‬كما‬
‫تميزت بحسها االجتماعي؛ وهذا جعل امللك عبدالعزيز يستمد منها الرأي واملشورة في‬
‫الشؤون االجتماعية‪ ،‬ولها العديد من املواقف الداعمة ألخيها امللك عبدالعزيز‪ ،‬لعل‬
‫أشهرها شحذ همة أخيها في السعي الستعادة الدولة السعودية‪ ،‬حيث حثته على‬
‫إعادة محاولة استعادة الرياض بعد ْأن لم يتحقق ذلك في املرة األولى‪ ،‬فأخذت‬
‫تشجعه وتقوي عزيمته وإرادته؛ وهذا ما أدى بتوفيق هللا إلى نجاح امللك عبدالعزيز‬
‫في استعادة الرياض عام ‪1٣19‬هـ (‪190٢‬م)‪ ،‬ثم توحيد اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫تميزت نورة بنت عبدالرحمن ً‬
‫أيضا بالحكمة وحسن التدبير‪ ،‬والعطف على املحتاجين‬
‫واأليتام‪ ،‬والعناية بتعليم األطفال وحثهم على ختم القرآن ومكافأتهم على ذلك‪ .‬كما‬
‫تميزت بقدرتها على حل املشكالت الداخلية لألسرة املالكة‪ ،‬فقد كانت عامل ترابط‬
‫بين األسرة‪ ،‬وذلك بعد أن وافقت على الزواج من سعود بن عبدالعزيز بن سعود بن‬
‫فيصل بن تركي امللقب بسعود الكبير حيث كان زواجها ر ً‬
‫مزا للمصالحة بين‬
‫عبدالعزيز وأبناء عمومته‪ ،‬فأصبح سعود الكبير من املقربين واملخلصين ألخيها امللك‬
‫عبدالعزيز‪ .‬كان امللك عبدالعزيز ً‬
‫دائما ما يلجأ الستشارتها في كثير من األمور‪ ،‬ويبحث‬
‫معها ً‬
‫أمورا تخصه ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك األسرار‪ ،‬كما كان يعتمد عليها‬
‫ً‬
‫خصوصا ما يتعلق بالنساء الالتي لهن ِصالت‬ ‫في الجوانب التي تخص شؤون القبائل‪،‬‬
‫بأفر ٍاد من شيوخ القبائل وذوي السلطة في املجتمع‪.‬‬
‫َع َّد املؤرخون األميرة نورة ذات شخصية مميزة ّأهلتها أن تقوم بواجبات السيدة‬
‫األولى‪ ،‬من استقبال زائرات الرياض من األجنبيات واإلذن لهن بزيارة معالم معينة‬
‫فيها ورؤيتها‪ ،‬من ذلك ما ذكرته ففيوليت ديكسون زوجة الكولونيل هارولد ديكسون‬
‫املعتمد السياس ي البريطاني في الكويت التي قابلتها عام ‪1٣56‬هـ (‪19٣7‬م) مع بعض‬
‫نساء امللك عبدالعزيز حيث وصفتها بأنها‪" :‬من أكثر النساء الالتي قابلتهن جاذبية‬
‫ً‬
‫ومرحا"‪ ،‬وأنها "من أهم الشخصيات في الجزيرة العربية"‪ ،‬أما جون فيلبي فقال عنها‪" :‬‬
‫كانت السيدة األولى في بلدها‪".‬‬
‫نتيجة لكل ما سبق حظيت األميرة نورة بمكانة خاصة عند امللك عبدالعزيز لم تحظ‬
‫بها أي امرأة أخرى في عصرها‪ ،‬وكان امللك عبدالعزيز يعتز بها حين يردد‪" :‬أنا أخو‬
‫نورة"‪ ،‬وفي حالة غضبه يكني بها حيث يقول‪" :‬أنا أخو األنور املعزي"‪ .‬توفيت األميرة‬
‫نورة بنت عبدالرحمن في عام‪1٣69‬هـ(‪1950‬م)‪.‬‬
‫سنة الرحمة‬
‫اجتاح العالم في عامي ‪ 1٣٣6‬ـ ـ ‪1٣٣7‬هـ (‪ 1918‬ـ ـ ‪1919‬م) وباء اإلنفلونزا اإلسبانية‪،‬‬
‫ً‬
‫الذي كان من أشد األوبئة فتكا في التاريخ بسبب انتشاره‪ ،‬وما تسبب فيه من وفيات‪،‬‬
‫حيث قتل ما بين ‪ 50‬إلى ‪ 100‬مليون نفس في أنحاء العالم‪ .‬وقد خلف هذا الوباء‬
‫صورا مر ّوعة‪ ،‬مثل ترك الجثث في املنازل أيا ًما قبل دفنها لكثرتها ولشدة انتشار‬
‫ً‬
‫الوباء‪ ،‬الذي لم تسلم منه اململكة العربية السعودية‪ ،‬حيث داهمها مثل بقية دول‬
‫العالم وحصد اآلالف من األرواح عام ‪1٣٣7‬هـ ‪1918 /‬م وأطلق األهالي على هذا‬
‫العام "سنة الرحمة" و "سنة الصخونة"‪ .‬وكان اسم الرحمة واإليمان برحمة هللا عز‬
‫وجل أكثر انتشا ًرا حيث يقصد به التفاؤل بالرحمة واإليمان برحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫بعد انتشار الوباء وموت اآلالف من السعوديين‪.‬‬
‫استمر هذا الوباء أربعين ً‬
‫يوما وقتل العديد من الناس في أنحاء متفرقة من اململكة‪،‬‬
‫فمنهم‪ :‬األمير تركي بن عبدالعزيز االبن األكبر للملك عبدالعزيز‪ ،‬واألميرة الجوهرة‬
‫بنت مساعد بن جلوي زوجة امللك عبدالعزيز‪ ،‬وعبدهللا بن محمد السبيعي وكيل‬
‫بيت املال في شقراء‬
‫عرف هذا الوباء بشدة فتكه حيث كانت الشوارع في املدن والقرى‪ ،‬وكذلك املنازل‬
‫ً‬
‫تمتلئ بالجثث‪ ،‬بل إنه بسبب كثرة املوتى ُجعلت األبواب والبسط نعوشا لنقل املوتى‪،‬‬
‫ُ َّ‬
‫صلون على مئة جنازة في اليوم وأكثر‪ .‬ولم يسلم من هذا الوباء إال‬ ‫وكان الناس ي‬
‫القليل الذين أوا آباءهم وأمهاتهم وأبناءهم وأفراد أسرتهم يموتون أمامهم ً‬
‫موتا‬ ‫ر‬
‫مريعا‪ .‬وبرغم صعوبة املوقف وصعوبة مكافحة الوباء في تلك الحقبة املبكرة فإن‬ ‫ً‬
‫امللك عبدالعزيز استدعى الطبيب األمريكي بول هاريسون من البحرين ليتولى معالجة‬
‫املصابين في أنحاء اململكة‪.‬‬
‫األجرب‬
‫السيف األجرب هو سيف اإلمام تركي بن عبدهللا املشهور الذي ارتبطت قصته به‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫حيث رافقه في ملحمة تأسيس الدولة السعودية الثانية‪ .‬وقد تسلم السيف بعد أن‬
‫اغتيل اإلمام تركي ُ‬
‫ابنه فيصل ثم أبناؤه‪ ،‬حتى تسليمه إلى شيخ البحرين في أواخر‬
‫القرن الثالث عشر الهجري‪ ،‬حتى أعيد إلى امللك عبدهللا بن عبدالعزيز ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬‬
‫ّ‬
‫ثم تسلمه خادم الحرمين الشريفين امللك سلمان بن عبدالعزيز ‪ -‬يحفظه هللا‪.‬‬
‫ً‬
‫متخفيا في النهار‪ ،‬وقد يظهر في الهضاب‬ ‫كان اإلمام تركي يتنقل بين البلدان والقبائل‬
‫والتالل املنعزلة‪ ،‬وفي الليل يحمل سيفه ويترصد الجواسيس والخونة ويقاتلهم‪ ،‬كما‬
‫يروى أنه كان يدخل مرا ًرا معسكر العثمانيين املعتدين ليعرف حركاتهم وخططهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متنكرا‪ ،‬فعرفه أحدهم‪ ،‬فسار‬ ‫ومن يعاونهم من أهل املنطقة‪ ،‬ودخل مرة املعسكر‬
‫مسرعا وصب طبق الطعام فوق رأسه فشغله بذلك عن اإلبالغ عنه‬‫ً‬ ‫اإلمام تركي إليه‬
‫واستطاع الهرب‪.‬‬
‫وكان اإلمام تركي يتباهى بسيفه (األجرب)‪ ،‬وقد جاء على ذكره عندما أرسل قصيدة‬
‫إلى ابن عمه مشاري وهو في مصر حيث قال‪:‬‬
‫أزكى سالم (ن) البن عمي مشاري‬ ‫ِس ْر يا قلم واكتب على ما ّ‬
‫تورا‬
‫قبقب شراع ّ‬
‫العز لو كنت داري‬ ‫إن سـايـلـوا عنـي فـحـالي ّ‬
‫تسرا‬
‫ميل مباري‬ ‫َ‬ ‫يوم إن كل (ن) من عميله ّ‬
‫حطيت (األجرب) لي ع ٍ‬ ‫تبرا‬
‫ّ‬
‫النشاما َحباري‬ ‫ّ‬
‫يودع َمناعير‬ ‫نعم الرفيق إليا سطا ثـم ّ‬
‫جرا‬
‫وقال في قصيدة أخرى في مناسبة مختلفة‪:‬‬
‫َ‬
‫نايف في عل ّيه‬
‫طريق ٍ‬
‫على ٍ‬ ‫غار على الطرق كشاف‬
‫جلست في ٍ‬
‫وخذيت به وقت وله قابليه‬ ‫وكاشف كل األطراف‬
‫ٍ‬ ‫وطويق غرب‬
‫في يد شجاع ما تبهي ّ‬ ‫َ‬
‫الخوي (األجرب) على كل ّ‬
‫ضويه‬ ‫ٍ‬ ‫حواف‬ ‫مع‬
‫ودبرة هللا ما نهاب ّ‬
‫املنيه‬ ‫قطاع بتاع والني ّ‬
‫بخواف‬
‫ونعايش الدنيا وبقعا صبيه‬ ‫وال من ضربت الدرب بالفعل ننشاف‬
‫أما سبب تسمية السيف باألجرب فكان بسبب صدأ بائن في نصله‪.‬‬
‫ومن القصص املرتبطة باألجرب‪ ،‬أنه عندما زار امللك عبدالعزيز الظهران بمناسبة‬
‫اكتشاف الزيت وتصديره بكميات تجارية في عام ‪1٣58‬هـ (‪19٣9‬م)‪ ،‬علم الشيخ‬
‫حمد بن عيس ى بقدومه فقرر الذهاب إلى الظهران للسالم عليه ودعوته لزيارة‬
‫البحرين‪ ،‬وكان في معيته إخوانه وأوالده وأبناء عمه وحشد كبير من رجاالته‪،‬‬
‫ً‬
‫واستقبل امللك عبدالعزيز الضيوف استقباال يليق بهم‪ ،‬وفي تلك الزيارة قدم الشيخ‬
‫حمد (األجرب) سيف اإلمام تركي بن عبدهللا مؤسس الدولة السعودية الثانية هدية‬
‫منا عندكم فأبقوه لديكم»‪،‬‬‫للملك عبدالعزيز ولكنه قال للشيخ حمد‪« :‬هذه ذكرى ّ‬
‫َ‬
‫وق ِب َل الشيخ حمد بهذا األمر من امللك عبدالعزيز‪.‬‬
‫الكتاتيب‬
‫مكانا لتعليم مبادئ القراءة والكتابة ودراسة القرآن‬‫تعد الكتاتيب ‪ -‬وهي جمع ُك ّتاب ‪ً -‬‬
‫ُ‬
‫الك ّ‬
‫بمكان‬
‫ٍ‬ ‫أو‬ ‫املسجد‬ ‫في‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫العربية‪ .‬وفي األغلب يكون‬
‫ِ‬ ‫واللغة‬
‫ِ‬ ‫وعلوم الشريعة‬
‫ِ‬ ‫الكريم‬
‫يعد ّ‬
‫الكتاب ً‬
‫نوعا ما بمنزلة املدرسة ًّ‬ ‫(املطوع)‪ .‬ولهذا ّ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫حاليا في‬ ‫املعلم‬
‫في جواره أو في بيت ِ‬
‫عصر الدولة السعودية األولى والثانية وأوائل الدولة السعودية الحديثة‪ .‬يتحلق‬
‫الطلبة حلقة نصف دائرية حول املطوع ومعهم ألواح الدراسة التي هي من خشب‬
‫األثل‪ ،‬ويكون طول اللوح ‪ 60‬سم وعرضه‪ ٢0‬سم‪ ،‬ويكون له مقبض في األعلى حتى‬
‫يسهل التنقل به‪ .‬يكتب املعلم الدرس الذي يسمى ً‬
‫قديما (الخطة) فيقرأ الطالب‬ ‫ُ‬
‫الخطة مرات عديدة‪ ،‬حتى إذا حفظها أمره املعلم بغسل اللوح وقال له‪( :‬حافظ‬
‫كتب عليه خطة‬‫نظيفا ُلت َ‬
‫حافظ قم اغسل لوحك)‪ ،‬وبعد الغسل يصبح اللوح ً‬
‫جديدة‪ .‬كان أول ما يجري تعليمه في ّ‬
‫الكتاب حروف الهجاء‪:‬‬
‫أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض‪ ...‬إلى آخر الحروف‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وبعد أن تنطق حسب مخارج الحروف ُيلزمهم املعلم بحفظها عن ظهر قلب‪َ ،‬وي ْسمع‬
‫الدرس منهم من الغد استظها ًرا ويتأكد من حفظهم‪ .‬ويكتب املعلم الحروف بالحركات‬
‫اإلعرابية ويعلمهم نطقها حسب اآلتي‪:‬‬
‫َ ُ َْ‬
‫أ ِإي أو أ أ‬
‫أب‬ ‫َب بـي ُبو ْ‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬
‫َت ِتـي تو أ ْت‬
‫َ ُ َ ْ‬
‫ث ِثـي ثو أث‬
‫َ‬
‫َجا ِجي ُجو أ ْج‬
‫َح حي ُحو َأحْ‬
‫ِ‬
‫َخ خي ُخو ْ‬
‫أخ‬ ‫ِ‬
‫وهكذا في بقية الحروف‬
‫بعد ذلك ينتقل إلى تعليمهم نطق الجمل‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫أبجد هوز حطي كلمن سعفص ضظغ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ُعنيت الكتاتيب بتعليم القرآن الكريم وتعليم علومه من تفسير وتجويد‪ ،‬والفقه‬
‫وأحكام الصالة والصوم وغيرهما من العبادات‪.‬‬
‫ً‬
‫انقطاعا ًّ‬ ‫ّ ّ‬
‫تاما للتعليم كان على آباء الطالب أن يدفعوا له‬ ‫معلم الكتاتيب ينقطع‬
‫وألن ِ‬
‫معينا؛ لكي يستطيع التفرغ لتعليم الطالب‪ ،‬ولكي تكون‬ ‫أجرا ً‬
‫مقابل تعليم أوالدهم ً‬
‫املطوع من بلد إلى آخر‪ .‬وقد ُعني كثير من األمراء‬ ‫ً‬
‫عونا له على حياته‪ ،‬وتختلف مكافأة َّ‬
‫ً‬
‫والحكام بالوقف على الكتاتيب سواء كانت أوقافهم أمواال أو أشياء عينية؛ حتى‬
‫تدعم هذا القطاع التعليمي العظيم‪.‬‬
‫سنة الهدام‬
‫تعد سنة ‪1٣76‬هـ (‪1957‬م) من السنوات التي ُحفرت في ذاكرة السعوديين حيث‬
‫عاشوا تلك السنة بمرارة؛ نتيجة الستمرار نزول األمطار وحدوث طوفان نجد الكبير‬
‫ً‬
‫ثمانية وخمسين ً‬
‫يوما‪ ،‬حيث حاصرتهم األودية فانهارت البيوت واملساجد واملتاجر‪،‬‬
‫فغادر الناس بيوتهم إلى األماكن املرتفعة‪ ،‬وقد عرفت هذه السنة بـ (سنة َ‬
‫الهدام) أو‬
‫َ َ‬
‫(الغ ْرقة)‪ ،‬شملت األمطار في تلك السنة بعض مناطق الجزيرة العربية إال أن تركيزها‬
‫كان في الرياض والقصيم وسدير‪ ،‬وكان من ضمن من عاصر الحدث إبراهيم بن‬
‫َ‬
‫عبيد العبداملحسن الذي ذكر ِعظم مصيبة تلك السنة وما جرى فيها ضمن كتابه‬
‫(تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام هللا الواحد الديان وذكر حوادث الزمان)‪ ،‬حيث‬
‫قال عن بعض تفاصيلها‪ " :‬ملا كان في ‪1٣76/ 1٢/5‬هـ (في أول املربعانية) من هذه‬
‫السنة هطلت أمطار على القصيم واستمرت طيلة ذلك اليوم ومن الغد وبعد الغد‬
‫وهكذا خمسة أيام لم يتوقف نزول املاء؛ حتى (انماعت) رؤوس الحيطان وجعلت‬
‫تنهار من كثرة نزول مياه األمطار‪ ،‬ومض ى على األمة خمسة أيام متوالية واألهالي في‬
‫القصيم ينتظرون بفارغ الصبر أن يمسك هللا السماء عنهم‪ ،‬وبما أن بريدة وضواحيها‬
‫ال تزال مهددة من خطر السيول؛ نتيجة (‪ )1٢0‬ساعة لم تتوقف الديمة عنها‪ ،‬وكانت‬
‫سائر القصيم كذلك‪ ،‬غير أن شدة وقعه كانت على بريدة وضواحيها‪ ،‬كان مما يعجب‬
‫له خوف أوقعه هللا في القلوب من ُسكنى البيوت‪ ،‬حيث كانوا يتوقعون أنها ستنطبق‬
‫عليهم‪ .‬وفي يوم األربعاء ‪ 17‬جمادى األولى هطلت أمطار وسيول زيادة عما هم فيه من‬
‫الديمة املتواصلة؛ فتعطلت الدراسة منذ ذلك اليوم ولم يستطع البشر الجلوس‬
‫ً‬
‫داخل املنازل؛ لشدة خرير السقوف‪ ،‬وملا كان في ‪ 18/5‬خرجت األمة إلى البراري خوفا‬
‫من سقوط البيوت‪ ،‬وأصبحوا مهددين باألخطار‪ ،‬هذا وال تزال السماء منطلقة‬
‫الوكاء تصب املياه ًّ‬
‫صبا‪ ،‬وكان قد انخاط الجو وأظلمت الدنيا لفقدهم ضياء‬
‫ً‬
‫الشمس‪ ،‬وكان القوي من يملك بساطا يرفعه بأعواد فيجلس وعائلته تحته‪ .‬وفي ليلة‬
‫‪ 19‬ليلة الجمعة أقبلت سحب متراكمة وجعل البرق يخرج من خاللها زيادة على ما‬
‫هم فيه وقعقعت الصواعق وملعت البروق وجعلت البيوت تتساقط ُيسمع لها دو ّي‬
‫ُ‬
‫عظيم كصوت املدافع‪ ،‬وملا أن اشتدت الضربة ووقعت الك ْربة وضاقت الحيلة فتح‬
‫وفروا هاربين إلى الصحراء ال َيلوي أحد على أحد‪ ،‬وتركوا‬
‫املسلمون أبواب البيوت ّ‬
‫وعجت الخليقة إلى ربها‬ ‫أموالهم ونسوا أوالدهم وهنالك ال ترى ً‬
‫أحدا يلتفت إلى أحد‪ّ ،‬‬
‫وفاطرها فال تسمع بأذن من الصراخ والبكاء والضجة‪ ،‬واختلط الحابل بالنابل‪ ،‬وقام‬
‫ضعفاء الناس متشوشين فصعدوا إلى رؤوس املنائر وجعلوا يكبرون وينادون باألذان‬
‫وسمعت ضجة عظيمة للخالئق هذا يؤذن وذاك يصرخ واآلخر‬ ‫في منتصف الليل‪ُ ،‬‬
‫يئن ويصيح من البلل وشدة البرد‪ ،‬ونزلوا في الفضاء والتجؤوا إلى شجر األثل الذي ال‬
‫شيئا‪ ،‬يهطل عليهم املاء من فوقهم ويفيض من تحتهم‪ ،‬والقليل منهم‬ ‫يغني عنهم ً‬

‫التجؤوا إلى ظل خيام صارت أشبه ش يء بزرائب الحيوانات من كثرة من ينطوي تحت‬
‫سقوفها‪ .‬وملا خرجت األمة إلى الصحاري افترشوا الغبراء فكان غالبهم األرض فراشهم‬
‫والسماء غطاؤهم بعد التقلب على األرائك األثيرة‪ ،‬وأصبحوا ً‬
‫جياعا بعد التلذذ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قصورا شامخة‪ ،‬وانقطعت‬ ‫بصنوف املأكوالت‪ ،‬وأصبحت منازلهم أطالال بعدما كانت‬
‫بهم السبل فال السيارات تصلهم وال الطائرات تهبط عليهم‪ ،‬هذا وقد تهدمت‬
‫ّ‬
‫مساكنهم على أموالهم وأثاثهم وأرزاقهم‪ ،‬وأصبحوا معدمين إال من رحمة هللا‪ ،‬ثم‬
‫عطف حكومتهم وبني جنسهم ممن لم ُيصابوا بمثل مصيبتهم"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغبـراء‬
‫عية من أعظم مدن الجزيرة العربية لكونها احتوت على عدة مميزات‪ ،‬فقد‬ ‫تعد ّ‬
‫الد ْر ّ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ومركز االقتصاد‪ ،‬وأهم محطات طريق القوافل‪،‬‬ ‫كانت مدينة السياسة واملكتبات‪،‬‬
‫كما كانت ً‬
‫مركزا من املراكز الزراعية‪ًّ ،‬‬
‫ومقرا من مقرات األعمال الخيرية واألوقاف‪.‬‬
‫َّ ً‬
‫مهيأ لقيام دولة قوية‪ ،‬حيث‬ ‫هذه املدينة التي تعد أبرز آللئ وادي حنيفة وكان موقعها‬
‫كانت تحتوي على عدد من املواقع القديمة التي نشأت في العصر اإلسالمي أو ما‬
‫َ‬
‫قبله‪ ،‬وأبرزها موقع الغ ْبراء التي تدل على الخضرة وانتشار الغطاء النباتي‪.‬ورد اسم‬
‫الغ ْبراء عند بعض الجغرافيين الذين حددوا موقعها على وادي َحنيفة بين َ‬ ‫َ‬
‫الع ّمارّية‬
‫وع ْرقة‪ .‬ومما يدل على ذلك أن أحد روافد وادي حنيفة الواقع وسط الدرعية اسمه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ش ِع ْيب غ َبيراء‪ .‬وعند حديثهم عن بني حنيفة ذكروا أهل َح ْجر اليمامة وذكروا منهم‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫أهل غ َبيراء املعروفة في الدرعية‪ .‬وقد ذكرها الشاعر الجاهلي ط َرفة بن‬ ‫بني غ ْبراء‬
‫الع ْبد في معلقته‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫عير امل َع َّب ِد‬ ‫ُوأ ْفر ْد ُت ْإفر َاد َ‬
‫الب‬
‫َ ُ ُّ‬
‫العشيرة كلها‬ ‫حام ْتني‬ ‫إلى أن َت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اف امل َم َّد ِد‬ ‫أهل هذاك ِ ِ‬
‫ر‬ ‫الط‬ ‫أيت بني غ ْبر َاء ال ُي ْن ِكرونني‬
‫وال ُ‬ ‫ر‬
‫الد ْرعية الحالي موقع َّ‬
‫مفضل لالستيطان‪ ،‬وقد نشأت فيه مستوطنات‬ ‫لهذا فموقع ّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قديمة‪ ،‬منها الغ ْبراء أو غ َبيراء التي على أنقاضها نشأت مدينة الدرعية‪.‬‬
‫سبالة موض ي‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ َ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫السبالة‪ :‬وقف خير للمجتمع‪ ،‬وسبالة موض ي مبنى أنش ئ من طابقين أرض ٍي وعلو ‪،‬‬
‫يقوم مقام املسكن ّ‬
‫املجاني‪ ،‬ينزل فيه التجار والزوار القادمون إلى مدينة الدرعية‪،‬‬
‫ً‬
‫واملحتاجون‪ ،‬وطالب العلم‪ .‬تضم السبالة غرفا للتدريس‪ ،‬وللنوم‪ ،‬ولإلطعام‪،‬‬
‫َ‬
‫وللتخزين‪ ،‬وإسطبالت إليواء دواب قوافل التجار‪.‬تقع سبالة موض ي شرق قصر‬
‫ُّ‬
‫سلوى‪ ،‬وعلى الضفة الجنوبية الشرقية لحي الط َرْيف‪ ،‬جنوب بيت املال حيث تطل‬
‫ُ‬
‫اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن‬ ‫على الطريق الرئيس ّ‬
‫املؤدي إليه‪ .‬أسس هذه السبالة‬
‫وقفا باسم والدته موض ي بنت سلطان أبو وهطان‪ ،‬التي ُعرفت‬ ‫سعود وجعلها ً‬
‫برجاحة عقلها ومتانة دينها‪ ،‬وبمساندتها لزوجها اإلمام محمد بن سعود مؤسس‬
‫مستو نتيجة لألجزاء املتهدمة‬
‫ٍ‬ ‫الدولة السعودية األولى‪.‬ومنسوب الطابق األرض ي غير‬
‫من جدران منطقة الفناء الداخلي‪ ،‬وواجهة اإليواء الشرقي‪ ،‬وأجزاء من جدران‬
‫ُ‬
‫الحافة الغربية للفناء وبعض الخ َرز واألعمدة‪.‬‬
‫وتتألف املنطقة الشرقية من السبالة من عدة غرف مستطيلة الشكل تختلف في‬
‫َّ‬
‫مساحتها‪ ،‬وتفصل بينها جدران من الل ِبن‪ ،‬ويمر في وسط هذا الجانب صف من‬
‫فتحات ُوك ّو ٌ‬
‫ات‬ ‫ٌ‬ ‫األعمدة الحجرية الدائرية بقطر ‪ 40‬سم‪ ،‬ويزين الجدر َان من الداخل‬
‫مثلثة‪.‬‬
‫داحس والغبراء‬
‫داحس والغبراء‪ :‬حرب من حروب الجاهلية املشهورة‪ ،‬وقد اندلعت بين َ‬
‫قبيلتي َع ْبس‬
‫بعين سنة‪ .‬وقعت هذه الحرب في نجد وبالتحديد بمنطقة‬‫وذ ْبيان‪ ،‬ويقال إنها دامت أ َ‬
‫ر‬ ‫ِ‬
‫رب ُبعاث من أطول‬ ‫وحرب الف َجار َ‬
‫وح ُ‬ ‫وحرب َ‬
‫ُ ِ‬ ‫البسوس‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحرب‬ ‫القصيم‪ ،‬وتعد هذه‬
‫الحروب التي عاشها وخاضها العرب قبل اإلسالم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫حصانا ال ُيشق له‬ ‫وداحس والغبراء هما اسمان لخيول عربية‪ ،‬وقد كان (داحس)‬
‫فرسا اليشق لها غبار‪ ،‬فاألول لقيس بن ُزهير َ‬
‫الع ْبس ي‬ ‫غبار وكانت (الغبراء) ً‬
‫َ َ‬
‫الغطفاني‪ ،‬والثاني لحذيفة بن بدر الذبياني الغطفاني‪.‬‬
‫ُ‬
‫للن ْعمان بن امل ْن ِذر ُسلبت وكانت تحت حماية‬ ‫كان سبب الحرب أن قافلة ُح ّجاج ُّ‬
‫َ‬
‫قبيلة بني ِذ ْبيان‪ .‬هذا األمر أدى إلى نقل النعمان الحماية من بني ِذ ْبيان إلى بني َع ْبس‪.‬‬
‫ُ ُ‬
‫وح َم ُل ابنا بدر الذبيانيان ملقابلة قيس بن‬ ‫ذيفة َ‬ ‫َح ِن َق الذبيانيون من ذلك وأتى ح‬
‫ُزهير العبس ي واتفقوا على إقامة سباق للخيول ومن يفوز بالسباق يحصل على ّ‬
‫حق‬
‫الحماية‪.‬‬
‫ً‬
‫بدأ السباق بين الفرسين‪ ،‬وجرى االتفاق على خط سير السباق وكان طويال‪ ،‬ولكن‬
‫بني ذبيان اتفقوا على الفوز بهذا السباق بالحيلة فأوعزوا إلى بعض األشخاص‬
‫ً‬
‫متقدما على‬ ‫ً‬
‫داحسا‬ ‫باالختباء بأحد الشعاب‪ ،‬وقال لهم َح َم ُل بن بدر‪ :‬إذا وجدتم‬
‫َ‬
‫الغ ْبراء في السباق فردوا وجهه كي تسبقه الغبراء‪.‬‬

‫فكان الذي قال؛ فقد تقدمت داحس فخرج لها القوم ووقعت في ٍ‬
‫واد وتأخرت عن‬
‫ً‬
‫داحسا وصلت قبله‪ ،‬فلما وصل الغالم قائد‬ ‫السباق وفاز فرس حذيفة بن بدر؛ ألن‬
‫ّ‬
‫داحس حكى ما حصل له في الطريق‪ ،‬فكذبه حذيفة‪ ،‬ثم مض ى قيس وأصحابه‪.‬‬
‫ً‬
‫داحسا اعترف بما جرى فبدأ الخالف‬ ‫لكن الذي جرى أن الرجل الذي أوقع الحصان‬
‫بين الرجلين؛ ألن حذيفة يطالب بحقه في السباق وأرسل ابنه للمطالبة بذلك‪ ،‬فقتله‬
‫زهير وارتحل بقومه‪.‬‬
‫علم حذيفة بمقتل ابنه فلحق بعبس ولكنهم فاتوه‪ .‬وبدأت االستعدادات للحرب بين‬
‫الطرفين وبدأ االحتشاد وقتل بنو ذبيان مالك بن زهير أخا قيس‪ ،‬مع أنه لم يتدخل‬
‫في ذلك الخالف‪ .‬جرى عدد من املعارك بين الطرفين مثل معركة العذق التي انهزمت‬
‫ً‬
‫قومه؛ فتجددت الحرب مرة‬ ‫حذيفة ثم ُأطلق سراحه‪ ،‬ولكن َذ َّم ُه ُ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيها ِذ ْبيان وأ ِس َر‬
‫أخرى‪ .‬واستمرت الحرب أربعين سنة‪ ،‬حتى قام رجالن هما الحارث بن َع ْوف َ‬
‫وه ِر ُم بن‬
‫فأد َ‬ ‫ّ‬
‫الذ ْبيانيان َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫يات القتلى الذين فضلوا بعد إحصاء قتلى‬ ‫د‬
‫ِ ِ ِ‬‫هما‬‫مال‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ان‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫ِسنان امل ِ‬
‫ْ‬
‫هير بن أبي ُسلمى في معلقته‪.‬‬
‫نار الحرب‪ ،‬وقد مدحهما ز ُ‬ ‫الحيين‪ ،‬وأطفآ بذلك َ‬
‫طسم وجديس‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫طسم وجديس‪ :‬قبيلتان عربيتان استوطنتا وسط الجزيرة العربية وسيطرتا عليها ثم‬
‫جد واحد هو سام بن نوح عليه السالم ‪.‬‬ ‫بادت حضا تاهما‪ .‬والقبيلتان ترجعان إلى ّ‬
‫ٍ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫سكنت قبيلة (طسم) في مدينة حجر املعر فة بحجر اليمامة‪ ،‬الواقعة بين وادي‬
‫حاليا بوادي البطحاء ويخترق مدينة الرياض‪ -‬ووادي حنيفة‪.‬‬ ‫الو ْتر‪ -‬وهو املعروف ًّ‬
‫ِ‬
‫(ج ّو‬‫اسمها َ‬ ‫ضرمة) ليصبح ُ‬ ‫أيضا (الخ ْ‬
‫سمى ً‬ ‫(ج ّو) ُوت ّ‬‫(جديس) منطقة َ‬ ‫وسكنت قبيلة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إقليم اليمامة‬‫وج ِديس َ‬ ‫وع ّمرت قبيلتا َط ْسم َ‬ ‫َ‬
‫بالخ ْرج‪َ .‬‬ ‫ض ِر َمة)‪ ،‬وهو ما يعرف اليوم‬ ‫الخ ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫وأفضلها في عمارته وزراعته‪.‬كانت ط ْسم أقوى‬ ‫ِ‬ ‫وأصبح هذا اإلقليم من أخصب البالد‬
‫لط ْسم على َجديس‪ ،‬وكان لطسم ٌ‬ ‫َ‬
‫ملك‬ ‫من َجديس فكانت القوة والسيطرة والغلبة‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫(ع ْم ِل ْيق)‪ ،‬وكان هذا امللك ظاملا‪.‬واستمر هذا الظلم إلى أن أ ِنف منه رجل من‬ ‫اسمه ِ‬
‫وأصحابه‬ ‫للملك‬ ‫يصنع‬ ‫أن‬ ‫له‬ ‫باطنة‬ ‫مع‬ ‫واتفق‬ ‫غفار‪،‬‬ ‫بن‬ ‫األسود‬ ‫له‪:‬‬ ‫يقال‬ ‫ديس‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫طعاما‪ ،‬ويدفنوا سيوفهم في الرمل‪ ،‬فإذا جلسوا لألكل ثاروا بهم ووضعوا فيهم‬
‫السيوف‪ ،‬فتم لهم ذلك‪ .‬وفي ذلك قيل‪:‬‬
‫َ‬
‫لياليك ف ِه ْي ِس ْي ِه ْي ِس ي‬ ‫إحدى‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫يا َط ْس ُم ما لقيت من َجد ْ‬
‫ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫بعد هذه املقتلة‪ ،‬هرب رجل من ط ْسم وهو ِرياح بن ُم ّرة الط ْسمي إلى حسان بن ت َّبع‬
‫ُ‬
‫ملك اليمن‪ ،‬واستنصر به‪ ،‬فانتصر ت ّبع لطسم وخرج في جيش إلى اليمامة‪.‬‬ ‫بن أسعد ِ‬
‫أختا مز َّوجة في َجديس‪،‬‬ ‫قريبا منها على ثالث مراحل‪ ،‬قال له ياح‪ :‬إن لي ً‬ ‫فلما كان ً‬
‫ر‬
‫َ‬
‫القوم‬ ‫اكب من مسيرة ثالث‪ ،‬وإني أخاف أن َ‬
‫تنذر‬ ‫يقال لها‪ :‬اليمامة‪ ،‬وإنها َل ُت ْبص ُر الر َ‬
‫ِ‬
‫أصحابك فليقطع كل رجل منهم شجرة فيجعلها أمامه؛ ففعلوا ذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بك‪ُ ،‬‬
‫فم ْر‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وأبصرْت ُه ْم وقالت َ‬
‫لجديس‪ :‬هللا أكبر! لقد سارت ِح ْم َير! فكذبوها‪ ،‬قالت‪ :‬إني أرى رجال‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َّ ُ‬
‫يتعرقها أو ن ْع ٌل َيخ ِص ُفها‪ .‬فقالوا‪ :‬خرف ِت! ولم يلتفتوا‬ ‫في شجرة‪ ،‬ومعه ك ِتف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫اإلث ِمد‪،‬‬
‫إليها‪.‬فصبحهم حسان فأبادهم‪ ،‬وفقأ عين زرقاء اليمامة املذكورة‪ ،‬فوجد فيها ِ‬
‫ُْ‬ ‫وهو الذي كان ُيعينها على ح ّدة النظر مع ما َّرك َب ُ‬
‫هللا فيها من قوة البصر‪ .‬وصار املل ُك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غل َب ْت عليها بنو حنيفة من العرب‪ ،‬ولم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يبق منهم باقية‪ .‬وانقرضت‬ ‫إلى ط ْسم‪ ،‬ثم‬
‫ن ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫قبيلتا طسم وج ِديس ولم يبق من آثارهم إال ما ذكره املؤرخو والر اة األوائل من‬
‫َّ‬ ‫َُ‬
‫والشموس َ‬
‫وح ْجر‬ ‫منازلهم وآثارهم‪ .‬اليمامة‪ :‬اسمها القديم َج ّو‪ ،‬واملش ّقر ُوم ْع ِنق‬
‫وج ْع َدة وخضراء َح ْجر وباب القريتين‪.‬‬ ‫والقرية َ‬
‫غصيبة‬
‫َ‬
‫تقع غ ِص ْي َبة في الطرف الشمالي لحدود الدرعية القديمة في زاوية التقاء ش ِع ْيب‬
‫َ‬
‫قل ْي ِقل بوادي حنيفة‪ ،‬وهي على قمة هضبة محاطة بالوادي من ثالث جهات‪،‬‬
‫عال يصل ُس ْمكه إلى أربعة أمتار‪ ،‬تتوسطه‬ ‫ُ ّ‬
‫وحصنت الجهة الشمالية بسور قوي ٍ‬
‫َ‬
‫الجمال‪ .‬تعد غ ِص ْيبة هي أساس الدرعية إلى أن‬ ‫بوابة كبيرة تسمح بدخول قوافل ِ‬
‫هرة َس ْمحان في عهد اإلمام محمد بن سعود ثم إلى‬ ‫انتقل مقر الحكم منها إلى َظ َ‬
‫ُّ‬
‫الط َرْيف في عهد اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود‪.‬وبعد انتقال مقر الحكم من‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫غصيبة لم ُ‬
‫واستمر‬ ‫تخل من السكان وما زالت أجزاء قليلة من معاملها باقية إلى اليوم‬
‫حضورها إلى جانب بقية أحياء الدرعية‪ ،‬بل ّإن اإلمام سعود بن عبدالعزيز بنى فيها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صامدا حتى اآلن برغم القصف املدفعي العنيف‬ ‫قصرا شامخا ما زال أحد أبراجه‬
‫الذي أصابه إبان معارك تدمير الدرعية‪.‬‬
‫ٌ ّ‬
‫مشرف في حماية البوابة الشمالية للدرعية ضد هجمات قوات‬
‫كان لغصيبة أثر ِ‬
‫إبراهيم باشا عليها عام ‪1٢٣٣‬هـ (‪1818‬م)‪ ،‬وتحصن بها األمير سعد بن عبدهللا بن‬
‫جده في معارك الحصار‪ ،‬وقاوم هو ومن معه مدافع القوات‬ ‫سعود في قصر ّ‬
‫ِ‬
‫العثمانية املعتدية التي أمطرت غصيبة والقصر بوابل من القذائف التي هدمت‬
‫رؤوس البروج والجدران‪ ،‬وانتهى األمر بجنوح األمير سعد والذين معه إلى املصالحة‬
‫بعد استسالم والده اإلمام عبدهللا بن سعود ً‬
‫حقنا للدماء‪.‬‬
‫مجلس اإلمام‬
‫يعد الجلوس الستقبال الناس وقضاء حاجاتهم من أبرز سمات الحكم في الدولة‬
‫السعودية‪ .‬وقد بدأت الدولة السعودية األولى تطبق هذا التقليد منذ عهد اإلمام‬
‫محمد بن سعود‪ .‬كان املجلس يتضمن عدة جلسات‪ ،‬فبعضها كانت جلسة علمية‬
‫ً‬
‫وأحيانا تكون اجتماعية لتداول الرأي في بعض القضايا‬ ‫لتدارس العلوم بأنواعها‪،‬‬
‫ً‬
‫وأخيرا تكون الجلسة الستقبال الشعب وقضاء حاجاتهم‪.‬‬ ‫االجتماعية‪،‬‬
‫جزءا ر ً‬
‫ئيسا في‬ ‫صغيرا‪ ،‬ولكن بعد ذلك خصصت الدولة له ً‬
‫ً‬ ‫في أول األمر كان املجلس‬
‫قصر سلوى‪ ،‬وفي عهد اإلمام سعود بن عبدالعزيز ُبنيت توسعة خاصة للمجلس‬
‫فبلغت مساحته خمسين سارية‪ ،‬وشغل ثالثة طوابق‪ ،‬وهذا األمر يعكس العناية التي‬
‫كانت توليها الدولة هذا الجانب‪.‬‬
‫ً‬
‫من تقاليد مجلس اإلمام أن يحضر إخوانه وأبناء عمومته وأقاربه وخاصته أوال‬
‫ويحض ُر ُ‬
‫أحد‬ ‫ُ‬ ‫فيأخذوا أماكنهم‪ ،‬ثم يأتي اإلمام فيجلس في مكانه املخصص له‪،‬‬
‫ّ‬
‫العلماء للقراءة في أحد التفاسير‪ ،‬حتى إذا انتهى من قراءته علق اإلمام عليها وشرح ما‬
‫يحتاج منها إلى تفسير‪ .‬وإذا انتهى من هذا الد س املختصر‪ّ ،‬‬
‫تقدم إليه أهل‬ ‫ر‬
‫ُ‬
‫اإلمام‬ ‫الحاجات‪ ،‬سواء كانوا من الحاضرة أو البادية‪ ،‬وجلس ُ‬
‫كاتبه عن يساره‪ ،‬فيبت‬
‫أمورهم ويقض ي حاجاتهم‪ ،‬ثم ينصرف إلى قصره فيصعد إليه ُ‬
‫كاتبه ليكتب الردود‬ ‫َ‬
‫على ما ُرفع إليه إلى أن يصلي العصر‪ .‬ثم بعد ذلك يعود بعد املغرب فيجلس الناس‬
‫عنده لالستماع إلى الدرس‪ ،‬بحضور إخوانه وأقاربه وأهل الدرعية واملناطق املجاورة‪.‬‬
‫خادم الحرمين الشريفين‬
‫أعلن امللك فهد بن عبدالعزيز في الثامن والعشرين من شهر صفر من عام ‪1407‬هـ‪،‬‬
‫األول من نوفمبر من عام ‪1986‬م قراره بتغيير لقب (صاحب الجاللة) إلى لقب‬
‫عما يتشرف به من خدمة الحرمين‬‫تعبيرا ّ‬
‫(خادم الحرمين الشريفين)‪ ،‬وذلك ً‬
‫َ‬
‫العمل لخدمة الحرمين الشريفين‪ ،‬حيث سخر امللك‬ ‫الشريفين‪ ،‬ويعكس هذا القرار‬
‫ً‬
‫فهد نفسه لخدمتهما؛ فاستحق هذا اللقب الذي أصبح متوارثا ألي ملك يتولى الحكم‬
‫في اململكة‪ .‬شهد عهد امللك فهد بن عبدالعزيز أكبر توسعة للحرمين‪ ،‬ففي إحدى‬
‫دائما ً‬ ‫ً‬
‫قائال‪" :‬إن من دواعي الشكر والحمد ً‬
‫وأبدا هلل وحده‬ ‫املناسبات أعلن امللك فهد‬
‫َ‬
‫ْأن وفقنا بفضله وأكرمنا بعونه؛ إذ مكننا من إنجاز هذه املشروعات العمالقة‬
‫العظيمة التي تجري اآلن في كل من مكة املكرمة واملدينة املنورة مواصلة الليل بالنهار‬
‫الستكمال جميع مراحلها في أقرب وقت ممكن إن شاء هللا‪ ،‬ولقد كانت هذه‬
‫ثت بها ظن البعض أنها‬ ‫حد ُ‬
‫حلما يراودني منذ سنوات عديدة‪ ،‬وعندما ّ‬
‫اإلنجازات ً‬
‫ض ْر ٌب من ضروب الخيال‪ ،‬ولكن هللا ‪ -‬جلت قدرته وسبقت إرادته ‪ -‬أراد لحكومة هذه‬ ‫َ‬
‫البالد وأهلها أن يحظوا بشرف هذا العمل العظيم‪ ،‬وإال فمن كان يصدق أن يتسع‬
‫قديما‪ ،‬لكي يستوعب مئات األلوف من زوار‬ ‫املسجد النبوي ليشمل مساحة املدينة ً‬
‫املدينة وبهذه الجودة وهذا اإلتقان املعماري الذي نراه ً‬
‫قائما في كل زاوية من زوايا‬
‫الحرم النبوي والحرم املكي‪" .‬‬
‫ومن جانب تاريخي للقب خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬نجد أن أول من اتخذ هذا اللقب‬
‫هو صالح الدين األيوبي عندما حرر بيت املقدس‪ ،‬حيث ُوجد نقش على قبة يوسف‬
‫ُ‬
‫قرب قبة الصخرة في القدس الشريف كتب عليها‪" :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫وصلواته على محمد النبي وآله‪ ،‬أمر بعمارته وحفر الخندق موالنا صالح الدنيا‬
‫والدين سلطان اإلسالم واملسلمين خادم الحرمين الشريفين"‪.‬‬
‫عثمان املضايفي‬
‫من أشهر قادة الدولة السعودية األولى عثمان بن عبدالرحمن املضايفي‪ ،‬الذي كان‬
‫يعمل لدى الشريف غالب بن مساعد أمير مكة املكرمة‪ ،‬وتعود تسميته باملضايفي‬
‫إلى أنه كان ً‬
‫وزيرا للشؤون الخاصة لغالب‪ .‬زار عثمان املضايفي الدرعية عام ‪1٢17‬هـ‬
‫ً‬
‫(‪180٢‬م) حامال رسالة من الشريف غالب إلى اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود‬
‫لتجديد الصلح والعهود‪ .‬وألن عثمان وجد الدولة السعودية دولة قوية يتمتع حاكمها‬
‫بالقوة عرض على اإلمام أن يكون أحد رجاله ً‬
‫وتابعا للدولة السعودية‪ ،‬فوجد‬
‫الترحيب من اإلمام كما أسند له اإلمام إمارة الطائف وما حولها حيث كتب إلى‬
‫مشايخ القبائل يخبرهم بأنه عين عثمان ً‬
‫أميرا عليهم ويطلب منهم طاعته ومساندته‪.‬‬
‫نزل بعدها عثمان في ُ‬
‫الع َب ْيالء وانضم له كثير من قبائل الحجاز‪ ،‬كما واجه قوات‬
‫الشريف غالب وتمكن من هزيمتها في معركة العبيالء‪ ،‬ثم توجه إلى الطائف وتمكن‬
‫من ضمها بعد هزيمة الشريف غالب‪ .‬كما كان لعثمان املضايفي أثر كبير في تثبيت‬
‫حكم الدولة السعودية األولى ومواجهة أعدائها‪ ،‬من ذلك مواجهته لحمالت محمد‬
‫علي وهزيمتها في مواقع كثيرة‪.‬‬
‫تميزت شخصية عثمان املضايفي بالشجاعة والبسالة والقدرة على استمالة اآلخرين‬
‫وإقناعهم؛ لذلك نجد أن حمالت محمد علي قد ركزت عليه بعد وصولها إلى الحجاز‬
‫حيث وضع الشريف غالب جائزة تقدر بخمسة آالف فرس ملن يقبض على عثمان‬
‫املضايفي‪ ،‬وهذا أدى إلى غدر بعض ضعاف النفوس به وتسليمه للشريف‪ .‬حاول‬
‫اإلمام سعود بن عبدالعزيز فك أسره حيث أرسل مبعوثين إلى جدة ملقابلة طوسون‬
‫باشا والشريف غالب للمطالبة باإلفراج عن عثمان مقابل فدية مقدارها مئة ألف‬
‫ُ‬
‫فرس إال أن طوسون رفض وأرسله إلى مصر‪ ،‬ومنها إلى إسطنبول حيث قتل بها عام‬
‫‪1٢٢8‬هـ (‪181٣‬م)‪.‬‬
‫الور اقة‬
‫هي مهنة َ‬
‫الو ّراقين‪ ،‬وهم أناس امتهنوا نسخ الكتب فجعلوا ذلك حرفتهم التي‬
‫ألن الناس ً‬
‫قديما قبل زمن الطباعة كانوا يكتبون الكتب املؤلفة‬ ‫يتكسبون منها؛ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعدادا من النسخ‪ ،‬إما رغبة في نشر العلم بين‬ ‫بأيديهم‪ ،‬فاحتاجوا إلى من ينسخ لهم‬
‫الناس‪ ،‬وإما للمحافظة على الكتب من االندثار والفقدان‪.‬‬
‫عدد من الوراقين اشتهروا‬ ‫وكان في الدرعية عاصمة الدولة السعودية وعموم نجد ٌ‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تطويرا وتحديثا‪ ،‬ومن أبرز‬ ‫بهذه الحرفة‪ ،‬وهو ما جعل للدرعية سمات مميزة في الخط‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وراقي الدرعية‪ :‬سليمان بن مش َّرف‪ ،‬وأحمد امل ْرشدي‪ ،‬وعبدهللا بن غانم‪،‬‬
‫الوراقة ثالثة أشياء‪ :‬األوراق‪،‬‬ ‫عة‬ ‫صْ‬
‫ن‬ ‫وعبدالرحمن بن عيس ى‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وعمدة َ‬
‫ِ‬
‫واألقالم‪ ،‬واألحبار‪ .‬فأما األوراق فكانت لها أنواع تتفاوت من حيث النقاء واملتانة‬
‫ّ‬
‫والليونة وحسن الصقل وتناسق أطرافها‪ .‬وكانت تلك األوراق تأتيهم غير مسطرة‪،‬‬
‫فيعمد الو ّراقون إلى تسطيرها بالضغط على شبكة من الخيوط املستقيمة التي تترك‬
‫والنقس‪،‬‬‫والزاج ّ‬ ‫بارزا على صفحات األوراق‪ .‬وأما األحبار فتسمى كذلك املداد َّ‬ ‫أثرا ً‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يصنعونه بأنفسهم من مواد مختلفة‪،‬‬ ‫عموما ّ‬ ‫ً‬ ‫وقد كان الوراقون في الدرعية ونجد‬
‫ِ‬
‫َ َ‬
‫صنع من ال ِع ْفص والصمغ والزاج واملاء‪ ،‬وأدنى أنواعه ما صنع من األ ْرطى‬ ‫وأجوده ما ُ‬
‫مع الصمغ والزاج واملاء‪ ،‬وله عدة ألوان أشهرها األسود القاتم‪ ،‬واألسود املائل إلى‬
‫الخضرة‪ ،‬واألحمر‪ ،‬واألصفر‪.‬‬
‫ُ‬
‫محل عناية من الوراقين والك ّتاب ونحوهم‪ ،‬وكانت‬
‫كما كانت الدواة التي تحفظ الحبر ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫تصنع في الدرعية ونجد عمو ًما من خشب األشجار ِ‬
‫املحلية وال سيما األثل الذي يكثر‬
‫َ‬
‫القصب املحلي الذي ينبت في‬ ‫في تلك األماكن‪.‬واعتمد ّ‬
‫الوراقون إلعداد األقالم على‬
‫املزارع والوديان وجداول املياه‪ .‬واألقالم أنواع من حيث الصالبة واللين فيختار‬
‫املناسب منها بحسب الورق الذي سيكتب عليه‪ ،‬فالورقة اللينة يكتب عليها بقلم‬
‫لين‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫ويتميز كل وراق عن غيره في طريقة َ‬
‫الب ْري‪ ،‬وربما أخفى بعضهم طريقة بريه كيال يقلده‬
‫فيها غيره‪ ،‬ولكي ينفرد بها عمن سواه‪ ،‬وال بد للقلم أال يطول عن الشبر‪ ،‬وأن يناسب‬
‫حجم اليد‪.‬‬
‫وتتعدد أنواع الخطوط التي يكتب بها الوراقون؛ فمنها النسخ والرقعة والرقاع‪ ،‬وهما‬
‫ً‬
‫أكثرها استعماال في نجد عن بقية الخطوط األخرى مثل الكوفي والثلث‪.‬‬
‫واعتنى الوراقون وتنافسوا إلظهار الكتاب في أبهى حلة‪ ،‬ومن ذلك غالف الكتاب الذي‬
‫ُ‬
‫يحوي عنوانه ومؤلفه‪ ،‬فكانوا يكتبونه في مثلث مقلوب قاعدته إلى األعلى وهو األكثر‪،‬‬
‫ّ‬
‫أو في دائرة في أعلى الغالف‪ ،‬وقد يحلى الغالف ببعض الرسوم أو الزخارف أو األشكال‬
‫الهندسية‪.‬‬
‫ً‬
‫كما اعتنوا كذلك بتجليد الكتاب حفاظا عليه من التلف‪ ،‬مع ضعف اإلمكانات‬
‫املتاحة لهم‪ ،‬فمنهم من كان يضعه في كيس مصنوع من الجلد‪ ،‬أو يلفه في الجلد دون‬
‫الكتب بذكر أسمائهم ومنطقتهم وقد يذكرون مذهبهم‬ ‫خياطة‪ .‬ويختم الوراقون ُ‬
‫ّ‬
‫ويؤرخون لختم كتابتهم‪ ،‬ويذكرون أشياء أخرى في عبارة معتادة‪ ،‬مثل‪" :‬بقلم العبد‬
‫ِ‬
‫الفقير ّ‬
‫املقر ملواله بالتقصير‪ ،‬راجي عفو ربه السميع البصير‪ ."..‬ويذكر الناسخ اسمه‬
‫ولقبه وقبيلته ومذهبه ومدينته‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وقد يدعو لنفسه وجماعته وللمسلمين‬
‫أجمعين‪.‬‬

You might also like