Professional Documents
Culture Documents
المدينة أو دولة المدينة
المدينة أو دولة المدينة
مقدمة:
يقول إزوقراط isocratesقبلأكثرمن 2000سنةعنأثينا“:لقدتقدمتأثينافيشوطهاوخلفت
بقية العالم وراءها بمراحل في الفكر والتعبير حتى أصبح تالميذها أساتذة الدنيا ،وجعلت اسم اليونان
مميزااللجنسمناألجناسبللقدرةعقلية،كماجعلتلقباليونانشارةللعلمالدليالعلىأصلجنسي
مشترك“
يجب التمييز بين المفهوم الحالي للمدينة الذي يعبر عن توفير مجموعة من العناصر التي تشكل هذا
التجمع السكاني من عمارات وبنايات وإدارات ومرافق ووسائل االتصاالت وغيرها من العناصر
المعروفة حاليا ،وبين المفهوم القديم " اإلغريقي " للمدينة) ، (Polisفما هي إذن مقومات وعناصر
مدينة اإلغريق هذه؟
المدينة اإلغريقية كناية عن دويلة نواتها المدينة بمفهومها الحالي وتتبعها المدن الصغيرة والقرى
المجاورة لها وعندما نقول مدينة أثينا أو مدينة إسبارطة نعني بذلك دولة أثينا أو دولة إسبارطة ،وقد جاء
اختيارنا لدراسة دولة المدينة "أثينا" لما امتازت به هذه الدولة من ممارسة سياسية ونموذج ديمقراطي
فريد جعلها تكون النواة األولى في مناقشة القضايا السياسية واتخاذ القرارات بطريقة حرة وديمقراطية،
أي أنها خلقت األجواء المناسبة للمشاركة السياسية ،وهذا بطبيعة الحال مع بعض التحفظات حول هذه
المشاركة والممارسة الديمقراطية ،أي هل شملت جميع طبقات المجتمع أم أنها اقتصرت على فئة دون
الفئات األخرى؟
إن اإلشكال الذي يمكننا طرحه في هذا المقام هو :إذا كانت أثينا تعتبر نموذجا ديمقراطيا ناجحا ،فما
هي الظروف التي ساعدتها في هذا النجاح؟ وما هي المؤسسات التي كرست هذه الممارسة الناجحة؟
نستعرض في هذه الدراسة جملة من الظروف التي ساهمت في بروز دولة المدينة وهي الظروف
االجتماعية واالقتصادية والثقافية والبيئية ،وبعدهاإبراز المؤسسات أو التنظيم السياسي السائد في دولة
المدينة من خالل دراسة الجمعية العمومية ووظيفتها ،والمجلس النيابي ودوره،وفي االخير المحاكم
ومهامها .
الظروف االجتماعية واالقتصادية والثقافية التي ساهمت في ظهور دولة المدينة:
الظروف االجتماعية:
لقد أشرنا في مقدمة البحث بأن الممارسة الديمقراطية أو السياسية لم تكن شاملة أي أنها لم تخص
جميع سكان المدينة ،وهذا ما يدفعنا لدراسة المجتمع األثيني ومعرفة تركيبة سكانه .
1ـطبقة المواطنون األحرار :هي الفئة التي تحكم وتسير البالد ،وهم من أصل أثيني ،حيث يقتسمون
إدارة شؤون المدينة حسب قدراتهم البدنية ومؤهالتهم العقلية والعلمية ،ألن المفكرين اليونانيين كانوا
يبحثون على الوظيفة التي تالءم كل فرد ويستطيع القيام بها على أحسن وجه ...
2ـطبقة األجانب :هم األجانب الذين يعيشون في أثينا بقصد تنشيط التجارة الخارجية ،وميزتهم أنهم
أحرار أي ال يخضعون ألية سلطة حاكمة في أية مدينة ،إال أن بقاءهم بدولة المدينة يتوقف على حسن
تصرفهم وعدم قيامهم بأعمال تتنافى والمصلحة العامة ،وإال فسيطردون في أية لحظة ...ال تتمتع بأية
حقوق سياسية.
3ـطبقة العبيد :مهمة هذه الطبقة هي العمل إلرضاء وإشباع حاجيات طبقتي األحرار واألجانب ،وهي مثل
الطبقة الثانية محرومة من جميع الحقوق السياسية ،بل هي بمثابة أدوات العمل وأداة طيعة في أيدي العائالت
1
واألسر الراقية .
الظروف االقتصادية:
حاول قادة دولة المدينة أن يضمنوا لدولتهم االكتفاء الذاتي من الناحية االقتصادية ويبتعدوا عن كل شئ
يحد من استقاللهم وذلك بإتباعهم العزلة التي سببت لهم بعض المشاكل اقتصادياكانتأثينا تبحث عن
تقوية اقتصادها من خالل الحروب لما تحصل عليه من غنائم مالية ،وكانت إسبارطة تنافسها في هذا
المجال بطبيعة الحال ،والبحث عن أراضي زراعية جديدة باإلضافة على تقوية التجارة الخارجية
وتفعيلها ،وما يمكن ذكره في الميدان االقتصادي هو تلك اإلصالحات التي أتى بها سولون 594ـ572
ق.م )حيث وفق بين الفقراء واألشراف دون ثورة وعرف قانونه باسم "سيسكثيا" أي رفع األعباء وألغى
شرائع داركون (621ق.م الذي وضع قانونه غاية في القسوة منحازا لألشراف حيث أغرق الفالحين
بالديون ومصادرة أراضيهم ...
الظروف الثقافية :
عرف الفكر اليوناني انطالقة ضخمة خالل القرن الخامس قبل الميالد نتيجة التحوالت االقتصادية
واالجتماعية التي حدثت في أثينا خاصة وأن المدينة كانت في أوج ازدهارها واعتمدت بنية اقتصادية
ديمقراطية وهذه البنية هي التي سيطرت على حركة األفكار إما بواسطة زعمائها ومفكريها أو بواسطة
األغراب الذين يأتون إليها .وقد عملت الظروف الثقافية في بروز أفكار وعلوم شملت جل مجاالت الحياة
حتى المجال الميتافيزيقي ...
التنظيم السياسي لدولة المدينة :
ما ميز النظام السياسي لدولة المدينة هي تلك الممارسة الديمقراطية المباشرة ،فكان األفراد
يحضرون االجتماعات العامة ويختارون بأنفسهم من يثقون فيهم ليقوموا باألدوار السياسية ،وقد
تطورت هذه الديمقراطية المباشرة في وقتنا الحالي إلى نظام التمثيل النيابي وهذا بعدما أصبح من
الصعب على الدول الحديثة استدعاء مواطنيها ليجتمعوا في مكان واحد والتباحث في قضايا تهم
مدينتهم ،وعموما فقد عرفت دولة المدينة ممارسة السلطة السياسية عن طريق الهيئات التالية :
الجمعية العمومية (اإلكليزيا)
سرى في أثينا حكم القوانين ال حكم الناس ،أي حكم المجالس التشريعية ال حكم األفراد ،وتعددت
المجالس وتفاوتت من حيث التمثيل الوطني والطبقي ومن حيث السلطات التي أنيطت لكل منها وكان
أبرزها طبعا الجمعية العمومية أو اإلكليزيا .
كانت هذه الجمعية تتكون من المواطنين األحرار الذين بلغوا سن العشرين وهي أعلى سلطة سياسية
في دولة المدينة أنشأها " كليستينس" ،وقد جرت العادة أن يجتمع أعضاؤها عشر مرات في السنة،
ويمكن لهذه الجمعية أن تعقد جلسات أخرى إذا اقتضت الضرورة وذلك بعدما تقوم الهيئة التنفيذية التي
تنبثق من هذه الجمعية بإخطارها .
مهمة هذه الجمعية التصويت على القوانين ومراسيم تنفيذها وانتخاب القادة العسكريين والقضاة
ومراقبة أعمالهم فتقترح القوانين وتحتدم المناقشات ألن من حق الجميع أن يدلوا بآرائهم ويجري
التصويت برفع األيدي وإذا دعت الضرورة عمدوا إلى االقتراع السري ،وإذا تبين فيما بعد أن أحد
التشريعات كان مضرا أو خطرا أقترح الحضور معاقبة صاحب الفكرة
المجلس النيابي :
يسمى المجلس النيابي أو مجلس األعيان أو مجلس الخمسمائة ،تشبه مهمة هذا المجلس مهمة مجلس
2
الوزراء في العصر الحالي ،فكانت الجمعية العمومية تنتخب أعضاؤه ليشرفوا على تنفيذ قراراتها ،وسمي
بمجلس الخمسمائة ألنه يضم 500عضو ينتمون إلى 10قبائل أثينية ،أي كل قبيلة تبعث 50مندوبا عنها
إلى المجلس النيابي( 50في 10يساوي .)500
وحتى تتمكن القبائل العشرة من تسيير المجلس بطريقة ديمقراطية يتولى ممثلو كل قبيلة الحكم
عشر )(1/10أيام السنة* ويضاف إليها ممثل عن كل قبيلة من القبائل التسعة البعيدة عن المجلس لمراقبة
أعمال المجلس ،أما رئيس المجلس فيختار باالقتراع من بين أعضائها لمدة يوم واحد ،بشرط أن ال ينال
أثيني هذا الشرف أكثر من يوم واحد في حياته
أما مهام ووظائف هذا المجلس فتتمثل فيما يلي :
ـتحضير أعمال الجمعية العمومية وصياغة المشاريع وإعداد نصوص القوانين التي تصوت عليها
الجمعية .
ـ مراقبة أعمال القضاة واإلشراف على الموظفين والحسابات واإلنفاق على المباني العامة والسياسة
الداخلية والخارجية.
ـتوجيه األسطول البحري.
المحاكم ودورها:
كانت محاكم أثينيا حجر الزاوية في النظام الديمقراطي ،وهي باإلضافة إلى دورها المعهود فكانت
وسيلة من وسائل الرقابة التي يمارسها الشعب على القضاة والقانون على السواء .
أعضاء هذه المحاكم أو المحلفون هم منتخبون من طرف الشعب ويقدر عددهم حوالي 6000شخص كل
عام ،ثم تعين بطريقة االقتراع جهة عملهم ونوع القضايا التي يفصلون فيها ويشترط فيمن ينتخب محلفا
من األثينيين بلوغ سن الثالثين ،وقد نجد في المحكمة الواحدة من 201إلى 501قاض وقد يزيد في بعض
األحيان ،وهم يباشرون وظيفة القاضي والمحلف على السواء ،وتعتبر قرارات هذه الهيئات نهائية إذ لم
يكن نظام االستئناف موجودا .
الخاتـمـة:
وخالصة القول ،ومن خالل نموذج أثينا الديمقراطي ،وكما يقال فإن الديمقراطية هي أفضل األنظمة
السيئة ،نقول أن ديمقراطية أثينا كانت طبقية بحيث فتحت األبواب أمام المواطن األثيني ليتبوأ أسمى
المراتب دونما تميز طبقي أو مالي ،فالكفاءة هي الشرط األساسي ،واالختيار عن طريق القرعة كان يعد
الجميع بدور ما ،ثم إن المناقشات المفتوحة أمام الجميع هي غاية ما يصبو إليه أي نظام ديمقراطي ،فغدا
كل أثيني يستمتع بما لسواه من حقوق أمام القانون ،ويمني النفس بالوصول يوما ما إلى مرتبة الحاكم أو
القاضي أو القائد ...ولكن كلمة مواطن تعني فقط من ولد من أبوين أثينيين ،وقد رأينا آنفا أن عدد
المواطنين البالغين من العمر 30سنة لم يتعدى الـ 40ألفا من أصل 315ألفا ،كما ذكرنا بأن الكثير من
المواطنين يجد صعوبة في الوصول إلى الجمعية ليشارك في المناقشات لفقرهم وحرمانهم ،وهذه
المناقشات يشارك فيها العاطلون طمعا في التعويض أكثر من الفالحين ..ومع هذا يعود الفضل إلى هذا
النموذج لما وصلت إليه الديمقراطية المعاصرة والتي بدورها لها عيوب وإن لم تكن على شاكلة المواطن
األثيني فهي على أشكال أخرى؟!
* ـعشر أيام السنة يعني 365على 10ويساوي 36.5يوما ،وبما أن القبيلة ممثلة بـ 50عضوا هذا يعني أنه من أصل 50فردا يتولى رئاسة
المجلس 36فردا ...وكل صباح ينصب الرئيس الجديد وهو في نفس الوقت رئيس اللجنة ورئيس المجلس النيابي ورئيس الجمعية العمومية
3