You are on page 1of 10

‫_الفكر السياسي هو كل ما يصدر عن العقل اإلنساني من أفكار وآراء ونظريات ووجهات نظر تتعلق‬

‫بعالم السياسة وظواهره وقضاياه‪.‬‬

‫_الفكر السياسي نوعان‪:‬‬

‫_‪1‬فكر سياسي عشوائي ‪ :‬أي ال يلتزم صاحبه بصدده أي منهج من مناهج المعرفة (فلسفي أو اختباري‬
‫أو علمي ‪...‬إلخ)‪ .‬مثال للفكر السياسي العشوائي مقوالت الفالح الفصيح في الفكر الفرعوني‬

‫_‪2‬فكر سياسي منهجي (أي منظم)‪ :‬وهو الذي يلتزم صاحبه بصدده منهجا من مناهج المعرفة‪ ،‬سواء‬
‫أكان منهجا علميا‪ ،‬أم فلسفيا‪ ،‬أم اختباريا أم قانونيا إلخ‪.‬‬

‫وسوف تقتصر دراستنا على الفكر السياسي المنهجي بدءا بالفكر السياسي اليوناني‪.‬‬

‫الفكر السياسي اليوناني‬

‫إن أي فكر إنساني بما في ذلك الفكر السياسي هو نتاج طبيعي لبيئته ‪ ،‬بمعنى أن بيئة المفكر (زمانا‬
‫ومكانا وثقافة ) لها تأثير حتمي على فكره ‪ ،‬لذلك البد لنا قبل التطرق إلي دراسة الفكر اليوناني أن‬
‫نعرف بإيجاز بالبيئة التي أفرزت ذلك الفكر‪.‬‬

‫بيئة الفكر اليوناني (اإلغريقي)‬

‫كانت بالد اليونان القديمة (أي بالد اإلغريق) مقسمة إلي مدن حرة تمثل كل منها دولة مستقلة ‪ ،‬حيث‬
‫كانت الوحدة السياسية القائمة وقتذاك تعرف بدولة‪-‬المدينة ومن أمثلة هذه الدول كل من أثينا ومقدونيا و‬
‫إستجيرو و أرجوس وغيرها‪ .‬كما كانت هذه الدول تتبادل البعثات الدبلوماسية كدول مستقلة تماما كما‬
‫كان أبناء كل مدينة يعاملون في المدن األخرى كأجانب ‪ .‬و كانت كل دولة عبارة عن مدينة رئيسية (هي‬

‫‪1‬‬
‫العاصمة والتي تستمد دولة المدينة اسمها منها فيقال دولة أثينا ودولة مقدونيا وهكذا) ‪ ،‬وميناء ‪ ،‬ومنطقة‬
‫زراعية‪.‬‬

‫أما البناء االجتماعي (أو الطبقي) للمدينة فكانت كل مدينة تتكون من ثالث طبقات هي‪:‬‬

‫)‪(1‬المواطنون ‪ :‬وكان يشترط في المواطن شرطان ‪ :‬األول أن يولد ألبوين ينتميان إلي المدينة (أي‬
‫يحمالن جنسية المدينة)‪ ،‬والثاني أن يبلغ سن الثامنة عشرة (أو العشرين في بعض المدن)‪ .‬وتتمتع طبقة‬
‫المواطنين دون غيرها بالحق في ممارسة كافة الحقوق المدنية والسياسية‪.‬‬

‫)‪(2‬األجانب ‪ :‬وهم كل من يعيش في المدينة بصفة دائمة أو مؤقتة من األحرار و ال يحمل جنسيتها‪( .‬أي‬
‫أبناء المدن األخرى الموجودين بالمدينة)‪ .‬ولم تكن لهذه الفئة أية حقوق سياسية بطبيعة الحال‪.‬‬

‫)‪(3‬األرقاء ‪ :‬أو العبيد وكانوا يمثلون الفئة األضخم عددا والقائمة على العملية اإلنتاجية فكان منهم‬
‫األطباء والمدرسون والموسيقيون وخدم المنازل والحرفيون إلخ ‪ ،‬وبرغم ذلك لم يكونوا من األحرار كما‬
‫لم تكن لهم أية حقوق سياسية وال مدنية ‪ .‬وهذا يشكك في مقولة أن اليونان القديمة كانت تطبق‬
‫الديمقراطية المباشرة (حكم الشعب) ‪ ،‬إذ أن الحقوق السياسية كانت قاصرة على فئة المواطنين دون‬
‫غيرهم‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلي أن كثيرا من اللفظات (المصطلحات) السياسية التي نستخدمها حتى يومنا هذا هي‬
‫لفظات ذات أصل يوناني مثل لفظة ديموقراطية التي تنقسم إلي ديمو أي الشعب و قراطي بمعنى حكم‬
‫وبالتالي فالديموقراطية تعني حكم الشعب‪ .‬أو كما يقولون حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه‪.‬‬

‫و أما عن البناء السياسي للمدينة فهذا موضوع المحاضرة القادمة إن شاء هللا‪.‬‬
‫بيئة الفكر السياسي اليوناني‪:‬‬

‫البناء السياسي لدولة المدينة اإلغريقية‪:‬‬

‫تألف البناء السياسي للمدينة اإلغريقية من ثالثة عناصر هي‪:‬‬

‫)‪(1‬الجمعية‪:‬‬
‫وكانت تضم جميع المواطنين ‪ ،‬تعقد جلساتها بالساحة الكبرى في المدينة ‪ ،‬وكان لها دور في كل ما‬
‫يتعلق بالوظائف التشريعية والتنفيذية ‪ ،‬كما كان لها دور رقابي على مجلس الخمسمائة‪.‬‬
‫)‪(2‬مجلس الخمسمائة‪:‬‬
‫وكان يضم خمسمائة عضو تنتخبهم الجمعية من بين مواطني القبائل المختلفة في المدينة البالغين ثالثين‬
‫عاما فما فوقها (على سبيل المثال كان مجلس الخمسمائة بأثينا يتكون من خالل انتخاب خمسين عضوا‬
‫من كل قبيلة من قبائل أثينا العشر) ‪ ،‬وكان هذا المجلس هو القائم فعليا على الوظيفتين التشريعية‬
‫والتنفيذية (أي كان الحاكم الفعلي للمدينة‪).‬‬
‫)‪(3‬المحاكم‪:‬‬
‫وهي بمثابة الجهاز القضائي للمدينة وكانت تتألف من قرابة الستة آالف عضو ينتخبون لمدة عام وكان‬
‫لهم دور رقابي على مجلس الخمسمائة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وهكذا نكون قد انتهينا من التعريف ببيئة الفكر السياسي اليوناني وفيما يلي من محاضرات نشرع في‬
‫التعريف بنماذج لهذا لفكر بدءا بأفالطون‪.‬‬

‫أفالوطون (‪ 347: 427‬ق‪.‬م)‬

‫بيئته ونشأته‬
‫هو فيلسوف يوناني ولد في ‪ 427‬ق ‪ .‬م بمدينة أثينا ألسرة أرستقراطية ‪ ،‬فكان بحكم مولده هذا شديد‬
‫التطلع إلي الحكم ‪ ،‬وقد مارس محاوالت عديدة في هذا الصدد باءت كلها بالفشل فصدم في الواقع ‪ ،‬ثم‬
‫كانت صدمته الثانية عندما قامت حكومة أثينا بإعدام سقراط الذي كان يمثل بالنسبة إلى أفالطون أستاذه‬
‫ومثله األعلى وأرجح الرجال عقال في زمنه ‪ ،‬ونظرا لهذه الصدمات وغيرها راح أفالطون ينصرف عن‬
‫الواقع ويتجه بفكره إلي عالم الروح ( عالم الميتافيزيقا أو عالم ما وراء الطبيعة) ‪ ،‬فيقول ‪ " :‬ال حقيقة في‬
‫العالم المادي المحسوس (عالم الواقع) وإنما الحقيقة هي من شأن عالم الروح السابق على عالم‬
‫المادة(الميتافيزيقا)" ‪ ،‬وقد زار أفالطون ما يعرف اآلن بمنطقة الشام حيث ازدهرت الحضارة الفينيقية‬
‫في زمنه ‪ ،‬وانتشرت ديانة التوحيد ( اليهودية وقتذاك)‪ ،‬حيث تأثر أفالطون بهذه السياسة لذلك ينقل عنه‬
‫أنه قال برغم أنه إبن لحضارة وثنية "إن ثمة إلها واحدا أبدع الكون وخلق البشر وألهمهم القيم ‪ .‬هكذا‬
‫كان لبيئته‪ ،‬ونشأته األثر البالغ في منهجه‪ ،‬وفكره السياسي ‪ ،‬كما سنوضح فيما يلي‪:‬‬

‫منهجه‬
‫يعتبر أفالطون رائد المنهج الفلسفي المثالي ‪ ،‬ويمثل فكره نموذجا لمنهج فلسفي مثالي (استنباطي) يبدأ‬
‫عملية المعرفة من مقدمات ميتافيزيقية ‪ ،‬ثم يدخل عليها سلسلة من عمليات االستنباط (أو التدليل العقلي)‬
‫‪ ،‬مستهدفا الكشف عما يجب أن يكون عليه المجتمع (الواقع) حتى يكون مثاليا فاضال‪.‬‬

‫فكره السياسي‬
‫قدم أفالطون ثالث محاورات (كتب) في مجال الفكر السياسي ومن خالل مدرسته المعروفة باألكاديمية ‪،‬‬
‫وتتمثل هذه المحاورات في ‪ :‬الجمهورية ‪،‬والسياسي‪ ،‬والقوانين‪.‬‬

‫محاورة الجمهورية‬
‫وقدم فيها صلب فكره السياسي المعروف بنظرية المثل ولعل أهم أفكاره في هذه المحاورة فكرة المدينة‬
‫الفاضلة والتي نعرض لها فيما يلي‪:‬‬

‫أسس أفالطون مدينته الفاضلة ارتباطا بمسلمتين (فرضيتين) هما‪:‬‬

‫(أ) الفضيلة هي المعرفة‪.‬‬


‫(ب) تقسيم العمل هو أنسب السبل لنجاح الحياة االجتماعية ( للرجل الواحد وظيفة واحدة‪).‬‬
‫وبنى المدينة هذه على منوال جسم اإلنسان معتبرا أن هذا الجسم هو خلق مثالي ألن هللا هو الذي خلقه ‪،‬‬
‫وبالتالي فقد خلقه على فضيلة ومثالية ‪ ،‬واإلنسان في تصور أفالطون هو ذكاء وطاقة وأعضاء ‪ ،‬وبناء‬
‫عليه فإن المدينة الفاضلة يجب في رأيه أن تتكون من ثالث طبقات هي‪:‬‬
‫الفالسفة ( وتقابل الذكاء في جسم اإلنسان)‬
‫المحاربون ( وتقابل الطاقة في جسم اإلنسان)‬
‫الحرفيون ( وتقابل األعضاء في جسم اإلنسان‪) .‬‬
‫‪3‬‬
‫ثم يقسم أفالطون العمل بين الطبقات الثالث كالتالي‪:‬‬
‫أما الحرفيون فوظيفتهم هي القيام بعملية اإلنتاج لمد أفراد المدينة بما يلزم من غذاء وملبس‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وأما المحاربون فتنحصر وظيفتهم في الدفاع عن أرض المدينة (أي الحرب) ‪ ،‬وال يحق لهم التدخل في‬
‫أمور السياسة والحكم ( ما نسميه اليوم االحتراف العسكري‪) .‬‬
‫أما الفالسفة (ونظرا ألن الفضيلة هي المعرفة) فوظيفتهم الحكم ‪ ،‬ألنهم هم الحكماء القادرون بعقولهم‬
‫الراجحة على الوصول بسفينة المدينة إلى بر األمان ‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫"على الفالسفة أن يكونوا ملوكا ‪ ،‬وعلى الملوك أن يكونوا فالسفة " ‪ ،‬ويقول كذلك ‪ " :‬لن ترى المدن‬
‫(أي الدول) خيرا ما لم يصبح الفالسفة ملوكا أو يتشبع ملوك هذه الدنيا بروح الفلسفة" ‪ ،‬وعلى ذلك فإن‬
‫أمثل أشكال الحكومات عند أفالطون هي "حكومة الفالسفة" ‪ ،‬وهي حكومة مطلقة ال تتقيد بأي قانون ‪،‬‬
‫ألن تقييد الفالسفة بقانون يعني وضع قيود على إبداعهم وعبقريتهم وعقولهم المستنيرة ‪ ،‬وبالتالي الحد‬
‫من قدراتهم الفذة على الحكم ‪ .‬فالقانون في رأي أفالطون هو" كالرجل األحمق الذي ال يغير رأيه مطلقا‬
‫مهما كان خاطئا‪" .‬‬
‫وبالنسبة للكيانين االقتصادي واالجتماعي للمدينة ظهر في محاورة الجمهورية ما يعرف بشيوعية‬
‫أفالطون حيث رفض أفالطون نظام الملكية الخاصة ألنها تصرف الناس عن االهتمام بالصالح العام فال‬
‫يهتمون إال بممتلكاتهم ‪ .‬كما رفض أفالطون نظام األسرة ألنه سيشغل الناس بأبنائهم وزوجاتهم عن‬
‫اآلخرين من أبناء المدينة‪.‬‬

‫وهكذا جاءت أفكار أفالطون في محاورة الجمهورية بعيدة عن الواقع محلقة في عالم الخيال‪.‬‬

‫محاورة السياسي‬
‫يعتبر أهم ما قدمه أفالطون في هذه المحاورة من فكر سياسي هو قوله بأن للسياسة علم وفن ‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلي تعريف للسياسي ‪ ،‬أما علم السياسة فيعرفه بأنه ‪ :‬القدرة على العودة إلى عالم الروح واستلهام حقائق‬
‫الحكم منه ‪(.‬الحظ أن كافة الحقائق في رأي أفالطون هي في عالم الروح‪) .‬‬
‫وبناء عليه فالسياسي هو القادر على العودة إلى عالم الروح واستلهام حقائق الحكم منه‪.‬‬
‫أما فن السياسة عند أفالطون فهو ‪ :‬حكم الناس عن غير طريق اإلكراه ‪ ،‬أي حكم الناس برضاهم ( الحظ‬
‫المثالية‪).‬‬

‫محاورة القوانين‬
‫قدم أفالطون محاورته هذه في أواخر حياته وبعد فشل محاوالت عديدة لتطبيق فكره في بعض المناطق ‪،‬‬
‫لذلك نجده قد تخلى عن بعض مثاليته في هذه المحاورة ‪ ،‬فمثال قال بأنه يمكن أن يحكم الفالسفة استنادا‬
‫إلى قوانين ولكنه اشترط أن تضع هذه القوانين جمهرة الفالسفة ‪ ،‬وبالنسبة للكيانين االقتصادي‬
‫واالجتماعي للمدينة تراجع عن الشيوعية وقال بأن الواقع يفرض ضرورة األخذ بنظام الملكية الخاصة ‪،‬‬
‫ونظام األسرة ‪ ،‬وهكذا جاءت أفكار أفالطون في محاورته األخيرة متصالحة إلى حد ما مع الواقع الذي‬
‫كان يرفضه تماما في محاورته األولى (الجمهورية‪).‬‬

‫‪4‬‬
‫الفكرالسياسي اليوناني‬

‫أرسوطو(أرسوطووطاليس) ‪ 322 : 384‬ق‪.‬م‬

‫بيئته ونشأته‬
‫ولد في إستاجيرا اليونانية عام ‪ 384‬ق‪.‬م وتوفي في عام ‪322‬ق‪.‬م ‪ ،‬وكان أبوه طبيبا في البالط المقدوني‬
‫‪ ،‬وبالتالي فقد اطلع أرسطو منذ نعومة أظفاره على كتب الطب وتأثر بمنهجها (األمر الذي انعكس‬
‫بالموضوعية على منهجه) ‪ ،‬كذلك فقد عاش حياته في أثينا كأجنبي وبالتالي فلم تكن له حقوق سياسية ‪،‬‬
‫ولم يطمح في الحكم (وهذا أمر آخر أكد للموضوعية في منهجه) ‪ ،‬ثم إنه تتلمذ على يد أفالطون وبالتالي‬
‫تأثر بنظرية المثل (أكد هذا العامل للمثالية في منهج أرسطو ‪ ،‬وهكذا كان لهذه العوامل الثالثة أثرها‬
‫البالغ في منهج أرسطو وفكره السياسي على نحو ما سنوضح فيما يلي‪:‬‬

‫إضافة ‪ :‬أرسطو هو أستاذ اإلسكندر األكبر ( المقدوني )‪ ،‬وكان يلقب بالمعلم األول‬

‫منهجه‪:‬‬
‫هو منهج فلسفي مثالي ولكن بمقدمات واقعية ‪ ،‬حيث إنه بدأ عملية المعرفة من الواقع مستهدفا الكشف‬
‫عما يجب أن يكون (أي األمثل) ولكن في ثنايا الواقع ‪ ،‬إذن فهو بدأ واقعيا وانتهى مثاليا ‪ ،‬بدأ علميا‬
‫وانتهى فيلسوفا ‪ ،‬انسلخ عن مقدما أستاذه أفالطون (الميتافيزيقية) ثم عاد وارتبط به في الهدف ( الكشف‬
‫عن األمثل‪).‬‬

‫تأثر بمناهج العلوم الطبيعية (الطب) في المقدمات ‪ ،‬وتأثر بأستاذه في الهدف (المثالية‪) .‬‬

‫وقد عبر أفالطون عن خروج أرسطو عن الميتافيزيقا بقوله ‪":‬لقد رفسنا أرسطو كما يرفس المهر أمه"‬

‫إضافة ‪ :‬افتتح أرسطو مدرسة علمية عرفت بالليسيوم‪.‬‬

‫•المجتمع وأصل الدولة‪:‬‬


‫قدم أرسطو فكرة الغائية في تفسيره ألصل المجتمع ‪ ،‬ومؤدى هذه الفكرة‪:‬‬

‫"إن لكل مخلوق غاية وغايته تحدد طبيعته" ‪ ،‬وغاية اإلنسان هي إشباع سائر حاجاته (مأكل ‪ ،‬وملبس‬
‫وخالفه) ‪ ،‬ولكنه مخلوق ناقص ال يستطيع أن يشبع كافة حاجاته بمفرده ‪ ،‬وبالتالي فالبد له من التعاون‬
‫مع بشر آخرين ‪ ،‬وبناء عليه فهو كائن اجتماعي بطبعه ال يعيش إال في مجتمع‪.‬‬
‫ولقد كانت األسرة هي الخلية األولى في بناء المجتمع وقد استهدف اإلنسان بها سائر الحاجات اإلنسانية ‪،‬‬
‫ثم إن رغبة اإلنسان في تحقيق حياة أسمى دفعته إلى التجمع أكثر فتجمعت األسر معا ً لتشكل القرية ‪ ،‬ثم‬
‫أراد اإلنسان األفضل ‪ ،‬فتجمعت عدة قرى ونشأت المدينة ‪-‬الدولة ‪ .‬فالدولة أسمى من الفرد والعائلة‬
‫والمدينة ألنها تمثل الكل والكل أسمى من الجزء‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الوضع االجتماعي واالقتصادي للمدينة‬
‫رفض أرسطو شيوعية أفالطون وقال بأن إلغاء الملكية الخاصة يقضي على الحافز لدى المتفوقين من‬
‫الناس فالناس عادة ال يهتمون إال بما يملكون ‪ ،‬كذلك فإن أرسطو (المتزوج واألب) رفض فكرة أفالطون‬
‫القائلة بإلغاء نظام األسرة‪.‬‬
‫كذلك فقد طالب أرسطو بتحقيق العدل االجتماعي بهدف تالفي المنازعات الداخلية‪.‬‬

‫وبالنسبة للطبقات قال بأن طبقة المواطنين هي التي تمتاز بالتشريف السياسي وهى القادرة على الحكم‪.‬‬
‫أما الطبقات العاملة والحرفية فهي غير مؤهلة لالشتراك في الحكم حيث إن الطبيعة قد أهلتها فقط لتلقي‬
‫األوامر‪.‬‬

‫وظائف الدولة‬
‫يتمثل هدف الدولة الرئيسي في ترقية مواطنيها وبالتالي فواجبها األساسي هو التعليم الذي من شأنه‬
‫تحويل األفراد إلى مواطنين صالحين من خالل رفع مستواهم الثقافي والخلقي وتعليمهم العادات الحسنة‪.‬‬

‫تصنيفه للحكومات‬
‫_ميز بين الدولة ( جموع المواطنين ) والحكومة ( من يتولون إصدار األوامر)‬
‫_الدستور هو المنظم لجميع الوظائف بالدولة وخصوصا السياسية‪.‬‬
‫_قسم السلطات إلى ثالث سلطات رئيسية ( تشريعية وتنفيذية وقضائية )‪،‬كما‬

‫نادى بفصل السلطات‬


‫أنواع الحكومات‬
‫(تصنيف الحكومات عند أرسطو)‬

‫استند أرسطو في تصنيفه للحكومات إلي معيارين أحدهما كمي واآلخر كيفي‪:‬‬
‫حسب المعيار الكمي قسم الحكومات إلي حكومات فرد وحكومات قلة وحكومات كثرة ‪،‬ثم وضع ثالثة‬
‫معايير كيفية للحكم على الحكومات من حيث صالحها وهي‪:‬‬

‫االلتزام بالقانون وتحقيق العدالة واستهداف الصالح العام ‪ ،‬وطبقا لهذه المعايير صنف الحكومات ‪،‬‬
‫فبالنسبة لحكومة الفرد إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ‪ ،‬واستهدفت الصالح العام تكون حكومة‬
‫صالحة وتعرف بالملكية ‪ ،‬أما إذا لم تلتزم بالقوانين ‪ ،‬وشاع الظلم في ظل حكمها ‪ ،‬واستهدفت مصالح‬
‫شخصية تكون حكومة فاسدة وتعرف بحكومة الطغيان (أو االستبداد‪).‬‬
‫وبالنسبة لحكومات القلة إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ‪ ،‬واستهدفت الصالح العام تكون حكومة‬
‫صالحة وتعرف باألرستقراطية ‪ ،‬أما إذا لم تلتزم بالقوانين ‪ ،‬وشاع الظلم في ظل حكمها ‪ ،‬واستهدفت‬
‫مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة وتعرف بحكومة األوليجارشية‪.‬‬
‫وأما حكومات الكثرة إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ‪ ،‬واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة‬
‫وتعرف بالديمقراطية (أو الجمهورية)‪ ،‬أما إذا لم تلتزم بالقوانين ‪ ،‬وشاع الظلم في ظل حكمها ‪،‬‬
‫واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة وتعرف بالديماجوجية (الغوغائية أو الفوضوية‪).‬‬

‫أمثل أشكال الحكومات‬


‫أمثل أشكال الحكومات عند أرسطو هي الحكومة الدستورية القائمة على سيادة القانون فهي أفضل من‬
‫الحكومة المطلقة حتى لو كانت مستنيرة يقوم عليها الفالسفة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫سلطة الحاكم الدستوري تخلق عالقة بين الحاكم و المحكوم أسمى من عالقة السيد والعبد‪.‬‬
‫نادى باشتراك جميع المواطنين في إصدار القوانين ألن الحكمة الجماعية للشعب أفضل من حكمة أعقل‬
‫وأفضل المشرعين‪.‬‬
‫يرى أن القانون يتسم بالموضوعية ألنه العقل المجرد عن الهوى‪.‬‬

‫مزايا الحكومة الدستورية‬


‫تتميز الحكومة الدستورية بالتالي‪:‬‬

‫أ) استهداف الصالح العام وليس صالحا ً فئويا ً‪.‬‬


‫ب) قامت لهدف أخالقي وهو االرتقاء بمواطنيها‪.‬‬
‫ج) تعبير عن شركاء يسعون معا ً إلى حياة أفضل‪.‬‬
‫د) تعتمد على القانون (المستمد من عادات وأعراف الجماعة) ال على أوامر تحكمية‪.‬‬
‫هـ) تحفظ كرامة األفراد وتستند إلى قناعتهم ال إجبارهم‪.‬‬

‫خصائص الفكر السياسي اليوناني‬


‫)‪1‬اعتمد على نظرية المعرفة والفضيلة و األخالقية في الحضارة اليونانية‪.‬‬
‫)‪2‬غاية هذا الفكر الوحيدة هي بناء المدينة الفاضلة التي تحقق السعادة للمواطنين‪.‬‬
‫)‪3‬مال الفكر اليوناني في معظم األحيان إلى الخيال وقيم عالم الروح واالبتعاد عن الواقع ودار حول ما‬
‫يجب أن يكون ال ما هو كائن وبالتالي كان بعيدا عن الواقع‪.‬‬

‫الفكر السياسي الروماني ‪.‬‬


‫تزعمت روما حركة السيطرة واإلمبراطورية‪ ،‬فاعتبرت وريثة لمقدونيا ومصر والممالك اآلسيوية‪ ،‬بما‬
‫أوجد عالما تتركز فيه الحضارة تحت حكم سياسي واحد‪ ،‬ولقد كان لألفكار اليونانية المختلفة التي انتقلت‬
‫إلى الرومان أثارا بعيدة المدى على الفكر الروماني‪ ،‬بالرغم من اصطباغ هذا الفكر بالطابع القانوني ‪.‬‬
‫مر الحكم الروماني بعدد من المراحل‪ ،‬كانت على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ -‬العصر الملكي ‪ 789-509‬ق‪.‬م ‪:‬‬
‫كان المجتمع الروماني في العصر الملكي مجتمعا محدود العدد‪ ،‬مغلقا في عالقاته الخارجية وبدائيا في‬
‫نشاطه االقتصادي‪ ،‬وكان الملك يتولى الحكم مدى الحياة‪ ،‬ويتمتع بالسلطة السياسية والدينية ‪.‬‬
‫‪ -‬العصر الجمهوري ‪ 27‬ق‪.‬م‪ 509-‬ق‪.‬م ‪:‬‬
‫تميزت هذه المرحلة بانتقال سلطة الملك ‪ -‬باستثناء الوظيفة الكهنوتية‪ -‬إلى اثنين من الحكام يسمون‬
‫القناصل لكل منهما حق االعتراض على قرارات اآلخر‪ ،‬وينتخبان سويا من طرف مجلس الكتائب‪،‬‬
‫وعندما زادت مهام القنصلين‪ ،‬تمت االستعانة بعدد من الموظفين في مباشرة شؤون الحكم واإلدارة‬
‫والقضاء ‪.‬‬
‫في بداية العصر الجمهوري أصبح مجلس الشيوخ‪ ،‬الجهاز الرئيسي للجمهورية الرومانية‪ ،‬ولقد شهد‬
‫هذا العصر اتساع الدولة الرومانية إقليميا نتيجة الغزو‪ ،‬لتشمل أغلب حوض البحر األبيض المتوسط‪،‬‬
‫وأول أثار هذا التوسع أن أجهزة الحكم الجمهوري لم تعد قادرة على استيعاب هذه اإلمبراطورية ‪.‬‬
‫‪ -‬العصر اإلمبراوطوري ‪ 27‬ق‪.‬م‪ 476-‬ق‪.‬م ‪:‬‬
‫يبدأ هذا العصر مع انفراد "أوكتافيوس" بالسلطة سنة ‪ 27‬ق‪.‬م‪ ،‬ويمثل القرن األول لهذا العصر مرحلة‬
‫نظام الحكم الفردي‪ ،‬والتي تشير إلى مضمون حقيقي من الحكم الفردي المطلق‪ ،‬رغم المظهر‬
‫‪7‬‬
‫الديمقراطي حول سلطة مجلس الشيوخ‪ ،‬حيث أن السلطة الفعلية كانت في يد اإلمبراطورية ‪.‬‬
‫تكمن مصادر الفكر السياسي لدى الرومان في تشريعاتهم‪ ،‬حيث اكتسب مقومات جديدة‪ ،‬حيث كان‬
‫هناك فصل بين الدولة والفرد‪ ،‬ولكل منهما حقوقه وواجباته‪ ،‬والدولة هي تطور طبيعي لحياة األفراد في‬
‫المجتمع‪ ،‬والفكرة السياسية الجديدة التي جاء بها الرومان‪ ،‬هي فكرة السيادة وهي العالقة المميزة‬
‫للمجتمع‪ ،‬وأطلقوا على فكرة السيادة المطلقة تسمية ‪Imperium.‬‬
‫لقد كون الرومان نظرية عقد حكومي‪ ،‬بموجبه أحال الشعب سلطته إلى الحاكم‪ ،‬دون أن يكون للشعب‬
‫حق انتزاع هذه السلطة منه‪ ،‬ويالحظ أن الحركة الفكرية الرومانية تمثلت في اتجاهين رئيسيين‪،‬نستطيع‬
‫أن نخلص منها إلى طبيعة الفكر الروماني ‪:‬‬
‫‪ -‬استمرار للفلسفة الرواقية‪،‬وأهم نتائجها بلورة فكرة القانون الطبيعي‪ ،‬الذي اتخذه الفكر الروماني‬
‫محورا له وصبغه بصبغة قانونية ‪.‬‬
‫‪ -‬السير في خط األفكار الدينية‪ ،‬حيث نظر الرومان إلى القانون والحكومة على أنهما مسألة مقدسة‪،‬‬
‫تبتغي الخير للناس ‪.‬‬
‫إن فكرة اعتبار الدولة نتيجة للقانون‪ ،‬والنظر إليها على أنها في إطار القانون والحقوق‪ ،‬دون النظر إلى‬
‫البيئة االجتماعية والحقائق الخلقية والسياسية هو منطق اتجاه القانون الذي هو طابع الفكر الروماني‬
‫السياسي‪ ،‬وهو طابع يعرف باالتجاه القانوني الديني ‪.‬‬
‫‪ 01-‬الفكر السياسي عند بوليبياس ‪ 254-122‬ق‪.‬م ‪:‬‬
‫يعتبر بوليبياس أول من استعمل منهج المؤسسات في دراسة السياسة‪ ،‬وأول من ربط بين السياسية‬
‫الخارجية للدولة وسياستها الداخلية وتطبيقاتها‪ ،‬وفي دراسته لإلمبراطورية الرومانية أرجع عظمتها إلى‬
‫مؤسساتها وخبرائها‪ ،‬وليس إلى جهد بعض قادتها‪ ،‬لهذا يعد بوليبياس أول مفكر يربط بين مؤسسات‬
‫الدولة وقوتها ‪.‬‬
‫صب بوليبياس أفكاره السياسية في نظريته عن الحكومة المختلطة‪ ،‬فعرض للدستور الروماني معتقدا‬
‫بأن الدولة قابلة للنمو والتخلف أو االضمحالل ‪ ،‬مقتبسا ما ذهب إليه أفالطون من قبل بشأن الحكومات‪،‬‬
‫والتي تعني أن الحكومة الملكية تنتمي إلى حكومة مستبدة‪ ،‬واألرستقراطية إلى أقلية أوليغارشية‪،‬‬
‫وهكذا ‪.‬‬
‫بنى بوليبياس نظريته في الحكومة المختلطة‪ ،‬على أساس استقراء الواقع السياسي من تاريخ الرومان‪،‬‬
‫فمرجع قوة روما عنده‪ ،‬هو قيام الحكومة المختلطة فيها على أساس دستورها المختلط‪ ،‬حيث تتوزع‬
‫السلطة فيه مع وجود رقابة من قبل المؤسسات على بعضها‪ ،‬وتتمثل هذه المؤسسات التي هي قوام‬
‫الحكومة المختلطة على ‪:‬‬
‫القنصل (المستشار)‪ :‬وهو العنصر الملكي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجلس الشيوخ‪ :‬العنصر األرستقراطي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الجمعيات الشعبية‪ :‬العنصر الديمقراطي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 02-‬الفكر السياسي لـ شيشرون ‪:‬‬
‫شيشرون ماركوس توليوس ‪Ciceron Marcus Tullius (43-106‬ق‪.‬م ‪).‬‬
‫خطيب ورجل دولة روماني‪ ،‬اختير سنة ‪ 63‬ق‪.‬م قنصال‪ ،‬وهو أرفع منصب سياسي في روما‪ ،‬ولقد‬
‫اهتم بدراسة الدستور والقانون الروماني‪ ،‬واحتك بالشخصيات السياسية الرومانية ‪ ،‬ومكنته وظيفته من‬
‫المعارضة الصريحة والدفاع عن الجمهورية ‪.‬‬
‫ترك شيشرون ثالث مؤلفات مهمة هي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬كتاب الجمهورية من ستة أجزاء وهي ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬البحث في األشكال المختلفة للحكومات – في النظم الرومانية – في الطبيعة اإلنسانية والعدالة في كل‬
‫حكومة – في التعليم وحياة األسرة – في األخالق السائدة في العصور القديمة –في العدالة بين الدين‬
‫وسعادة المجتمعات ‪.‬‬
‫ب‪ -‬كتاب القوانين‪ :‬من ثالث أجزاء ‪:‬‬
‫‪ -‬دراسة أصل القانون – القوانين الدينية – تنظيم السلطات والوظائف والقواعد األساسية العلمية ‪.‬‬
‫ج‪ -‬كتاب الخوطيب‪ :‬ويتضمن ثقافة وفلسفة الخوطيب أي رجل الدولة ‪.‬‬
‫يعتبر شيشرون أن الحق هو الوحيد الذي يمتن العالقات في المجتمع‪ ،‬والقانون هو الوحيد الذي ينشئه‪،‬‬
‫وهذا القانون ‪ -‬سواء كان مكتوبا أم ال ‪-‬الذي يرتبط بالصواب‪ ،‬دقيق االلتزامات والمحظورات هو‬
‫عادل ‪.‬‬
‫يرى شيشرون أن الحياة االجتماعية تفترض وجود التزامات وعقوبات‪ ،‬ال يمكن ألي أحد االلتفاف‬
‫عليها‪ ،‬فكون اإلنسان عضوا في المجتمع يعني خضوعه للقواعد‪ ،‬فالمجتمع بنفسه قانون‪ ،‬ويعرض‬
‫فكرته عن القانون الطبيعي القائمة على وجود قانون طبيعي عام‪ ،‬وهو دستور العالم أجمع‪ ،‬يتساوى في‬
‫ظله جميع األفراد‪ ،‬ويستدل على هذه الحقيقة‪ ،‬بأن الكون ليس له سوى خالق واحد هو اإلله ‪ ،‬وليس لهذا‬
‫اإلله سوى قانون واحد يسري على الجميع‪ ،‬وكل تشريع يخالفه ال يستحق تسميته قانون ‪.‬‬
‫يرى شيشرون أن الدولة مجتمع أخالقي حيث أن الرابط الحقيقي هو األخالق‪ ،‬ويطلق على الدولة‬
‫تسمية ثروة الشعب‪ ،‬والسلطة السياسية ال تتصف بالشرعية ‪ ،‬مالم تركز على إرادة الشعب في ثروة‬
‫الشعب‪ ،‬كما نادى بالدستور المختلط‪ ،‬الذي يدمج محاسن دساتير الملكية الفردية األرستقراطية‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وهو ما يعتبره الدستور الروماني ‪.‬‬
‫ركز شيشرون على الحاكم الذي وصفه بالرجل الفاضل ‪ ،‬والحكيم الذي يشبه الوصي أو األمين العام‬
‫الجمهوري‪ ،‬ولقد انبثق عن فكرة القانون الطبيعي االعتقاد بوجود قيود على السلطة الحكومية‪ ،‬األمر‬
‫الذي يلزم األفراد والسلطة بالخضوع لهذا القانون‪.‬‬

‫‪9‬‬
10

You might also like