You are on page 1of 20

‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .

‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬


‫‪The responsibility of the civil and penal plastic surgeon‬‬

‫تاريخ النشر‪2020/01/08 :‬‬ ‫تاريخ القبول ‪2019/12/25 :‬‬ ‫تاريخ االرسال‪2019/09/25 :‬‬

‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬ ‫*د‪ .‬صادقي أمبارك‬


‫جامعة عمار ثليجي ‪ -‬األغواط‬ ‫جامعة عمار ثليجي ‪ -‬األغواط‬
‫‪halim.ma@yahoo.fr‬‬ ‫‪sadkiembarek525@gmail.com‬‬

‫ملخص ‪:‬‬
‫في اآلونة األخير إزدهرت الجراحة التجميلية بشكل متزايد وأدى إقبال الناس عليها‬
‫إلى رواجها وخاصة بعض الفئات‪ ،‬مثل الفنانين وأصحاب املهن الخاصة التي تتطلب مظهرا‬
‫معينا ‪.‬‬
‫وأمام هذا اإلقبال عليها باتت تطرح عدة تساؤالت ‪ :‬فهل هي نوع من الجراحة‬
‫العامة وتنطبق عليها قواعد املسؤولية الطبية نفسها ؟ أم أن لها قواعد ومسؤولية‬
‫خاصة بها؟‬
‫إن تسليط الضوء على هذا النوع من الجراحة هو إفتقارها إلى مبرر التدخل‬
‫الجراحي وهذا األخير يفتقر إلى الهدف منه وهي "بقصد العالج" مما يجعلنا نسلط الضوء‬
‫على مسؤولية جراح التجميل القانونية‪ ،‬املدنية منها والجزائية‪ ،‬وخصوصا عندما يرتكب‬
‫خطئـا طبيا‪ ،‬وسنتطرق إلى النتائج املترتبة عن قيام كل نوع منهما‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية ‪ :‬املسؤولية املدنية ؛ الخطأ الطبي ؛ املسؤولية الجزائية ؛ اإلهمال‬


‫الطبي ؛ الفريق الطبي‪.‬‬

‫*املؤلف املرسل ‪ :‬صادقي أمبارك‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪917 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪Recently, cosmetic surgery has blossomed more and more and the people's‬‬
‫‪interest in it has led to its reverence, especially some categories like artists and‬‬
‫;‪private professions requiring some appearance‬‬
‫‪Faced with this interest, several questions have been raised like: what to‬‬
‫?‪which a kind of general surgery is which the rules of medical responsibility apply‬‬
‫?‪Or do they have their own rules and responsibilities‬‬
‫‪The focus of this type of surgery is that it lacks the justification for the surgical‬‬
‫‪procedure because it lacks the "treatment" goal, which makes us highlight‬‬
‫‪(highlight) the responsibility of the plastic surgeon and criminal, especially when‬‬
‫‪he commits a medical error and we will address the consequences of each type of‬‬
‫‪surgery.‬‬
‫‪Keywords: Civil responsibility; medical error; criminal responsibility; medical‬‬
‫‪negligence; Medical team.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يلعب الطب في حياة اإلنسان دورا مهما ألنه يتعلق بصحته‪ ،‬فجسمه يتعرض‬
‫مرات إلى عالت تتطلب العالج وأن صدور أخطاء عن األطباء أمر وارد وتترتب عليه أضرارا‬
‫تترتب عليها قيام املسؤولية املدنية املوجبة للتعويض‪ ،‬بل أن األمر قد يصل إلى حد‬
‫التسبب في الوفاة فيسأل جراح التجميل جنائيا؛‬
‫ونظرا لخطورة الجراحة الطبية بصفة عامة وأمام إنتشار جراحة التجميل وإقبال‬
‫الناس عليها في كل بقاع العالم والحوادث التي أضحت تتسبب فيها منذ ظهورها إلى‬
‫يومنا‪،‬أدت في كثير من األحيان إلى التسبب في أضرار خطيرة وقد أدت في كثير من األحيان‬
‫إلى التسبب في الوفيات‪،‬‬
‫لهذا بات لزاما على التشريعات التصدي للظاهرة وحماية األفراد من األضرار‬
‫الناجمة عن مثل هذه العمليات والتوفيق بين سالمة األفراد وكذا عدم الحيلولة دون‬
‫تطور مهنة الطب بصفة عامة والجراحة بصفة خاصة من أجل إسعاد البشرية جمعاء‪.‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪918 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫سنحاول ‪ ( -‬و أمام غموض موقف املشرع الجزائري رغم صدور قانون الصحة‬
‫الجديد رقم ‪ 11-18‬املؤرخ في‪ 02:‬يوليو ‪ 2019‬مؤخرا‪،‬وكذا غموض موقف القضاء‬
‫الجزائريين )‪ ،‬أن نتناول كيف ساهمت التشريعات املقارنة (الفرنسية واملصرية خصوصا)‬
‫في الحد من تقليص ظاهرة األخطاء الطبية الجراحية التجميلية الناجمة منذ ظهور جراحة‬
‫الجميل؟ وكيف أثر وتأثر بها القضاء املقارن؟‬
‫إن الهدف من دراستنا هذه هو أن نعرف مدى فعالية ومساهمة التشريعات‬
‫والقضاء املقارنين في القضاء على األخطاء الطبية أو الحد منها على األقل ‪ ،‬منذ ظهور‬
‫عملية التجميل مطلع القرن املاض ي‪ ،‬من خالل تناول شروط قيام املسؤولية املدنية‬
‫وإشكالية تكييفها وكذا ندرس إمكانية وشروط وصور املسؤولية الجزائية وسنتناول‬
‫الحدود الفاصلة بين املسؤولية الشخصية (الفردية) لجراح التجميل وكذلك مدى‬
‫مسؤولية الطاقم الذي يرافقه مثل املمرضين وكذا طبيب التخدير(املسؤولية الجماعية)‪.‬‬
‫من أجل معالجة موضوعنا هذا إخترنا املنهج الوصفي من جهة واملنهج التحليلي‬
‫من جهة أخرى واختيارنا لهذا األخير تحديدا القصد منه تحليل مواقف القضاء املقارن‬
‫الذي تطرق إلى معالجة ظاهرة األخطاء الطبية الجراحية التجميلية من خالل أحكامه منذ‬
‫بداية ظهور الجراحة التجميلية واستنتاج مواقفه منها وأيضا تحليلي املواد القانونية من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وهذا كله من أجل تسليط الضوء على مدى فعالية القوانين الحالية في‬
‫ضمان سالمة جسم اإلنسان وحفاظا على حياته ملا في الجراحة من أخطار قد تنتهي‬
‫باملوت‪.‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪919 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫مبحث أول ‪ :‬املسؤولية املدنية لجراح التجميل‬


‫إن إجراء عملية جراحية بصفة عامة ال يخلو من إمكانية إرتكاب أخطاء من قبل‬
‫الجراحين تتسبب في إحداث أضرارا تترتب عنها قيام املسؤولية املدنية املوجبة حتما‬
‫للتعويض‪،‬لكن هذه املسؤولية املدنية ليست نوعا واحدا وتختلف بحسب األسس واملعايير‬
‫التي إهتدى إليها الفقهاء في تصنيفها مما يقودنا – في مقالنا هذا‪ -‬إلى دراسة أنواع‬
‫املسؤولية املدنية من جهة في (مطلب أول) ثم نتطرق إلى أركانها في (مطلب ثان)‪.‬‬
‫مطلب أول ‪ :‬أنواع املسؤولية املدنية لجراح التجميل‬
‫لقد وقع جدال بين الفقهاء قديما حول نوع املسؤولية املترتبة على الطبيب بصفة‬
‫عامة ‪ ،‬فمن الفقهاء من يرى أن مسؤولية الجراح ‪ -‬على اعتباره أنه طبيب كغيره من‬
‫األطباء – مسؤولية تقصيرية (فرع أول) ومنهم من يرى أن هذا النوع من املسؤولية قوامها‬
‫العقد وبالتالي فهي مسؤولية عقدية (فرع ثاني)‪.‬‬
‫فرع أول ‪ :‬مسؤولية جراح التجميل التقصيرية‬
‫من املسلم به فقها أن املسؤولية التقصيرية تقوم في حالة ما إذا ارتكب الشخص‬
‫فعال سبب ضررا للغير ويتصف هذا الفعل أنه "خطأ"‪.‬‬
‫وقد يختلف الضرر الذي يسببه جراح التجميل بمناسبة ارتكابه لخطأ ما أثناء‬
‫إجرائه لعملية جراحية ملريضه أو طالب جراحة التجميل‪ ،1‬وسواء كان الخطأ قبليا أو‬
‫بعديا‪ ،‬و ال يختلف األمر إن كان أيضا الضرر ماديا أو معنويا ‪ ،‬وهذه األخيرة تخص‬
‫خصوصا فئة معينة يتطلب عملها (مهنتها) مظهرا معينا وقدرات جسمية محددة‪،‬مثل‬
‫الفنانين باختالف أنواع الفن الذي يمارسونه ومثاله من النساء عارضات األزياء ومن‬
‫الرجال وعارض ي السرك أو املمثلين او املمثالت وغيرهم‪ ،‬األمر الذي يجعل من جراحة‬
‫التجميل في مثل هذه الحاالت يزداد عليها الطلب ويؤدي إلى إنتشارها‪ ،‬مما يستدعي من‬
‫جهتنا – تناولها ودراستها دراسة قانونية ومحاولة تكييفها من الناحية القانونية‪.‬‬
‫وإذا ما أردنا تحديد نطاق املسؤولية التقصيرية أي معرفة حدودها فإنه يمكن أن‬
‫نحدد حدودها باملسؤولية العقدية (ألن املسؤولية املدنية إما أن تكون تقصيرية أو عقدية‬
‫ال محالة) ‪ ،‬فإذا ما وقع ضرر ولم يكن يربط بين املتسبب فيه واملضرور أي خطأ فإننا‬
‫نكون أمام املسؤولية التقصيرية‪ ،‬ألن الهدف واحد وهو التعويض الناتج عن املضرور بغض‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪920 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫النظر عن نوع املسؤولية وهذا ما تهدف إليه مختلف التشريعات عموما على أساس قاعدة‬
‫قانونية عريقة وهي أنه ال يوجد ضرر بدون تعويض‪.‬‬
‫ومثال عن املسؤولية التقصيرية للطبيب بصفة عامة ما يكون في حالة إغماء‬
‫أحدهم في الشارع أو يتعرض لحادث فيقوم الطبيب هنا بالتدخل سواء بدعوة من طرف‬
‫الجمهور أو بدعوة من طرف أي فرد أو حتى من تلقاء نفسه‪ ،2‬وقد يتطلب األمر هنا إصالح‬
‫تشوهات عن طريق تدخل جراحي عاجل‪ ،‬دون وجود عقد يربط الطرفين‪ ،‬فإذا ارتكب‬
‫الطبيب خطأ تقوم املسؤولية التقصيرية‪،‬ألن ظروف اإلستعجال وأحيانا حالة املريض مثل‬
‫املغمى عليه قد حالت دون إمكانية إنعقاد عقد باملعنى الكامل للعقد‪.‬‬
‫كما أنه يمكن أن نعدد حاالت قيام املسؤولية التقصيرية دون العقدية ومثاله‬
‫الطبيب الذي يعمل في مستشفى عمومي أو الطبيب الذي يقدم فيه عالجا مجانا‪.3‬‬
‫وعلى سبيل املثال في الجزائر ما أخذ به القضاء الجزائري في قرار املحكمة العليا (الغرفة‬
‫اإلدارية) والذي جاء في حيثياته «إن مسؤولية املستشفى املدنية ثابتة ‪،‬و ال مجال لقبول‬
‫الدفع املقدم من الطاعن من أن املريض هو املتسبب في ذلك مادام فاقدا لقواه‬
‫العقلية‪،‬إذ املطلوب عن عمال املستشفى تفقده باستمرار نظرا لحالته الصحية‬
‫املتميزة‪،‬حيث أن املسؤولية املترتبة على املستشفى هي تعويض ذوي الضحية طبقا للمادة‬
‫‪ 124‬من القانون املدني »‪ 4‬وبمفهوم املخالفة فإن هذا املوقف يرجح أن القضاء الجزائري‬
‫قد إتجه إلى إقرار أن املسؤولية الطبية هي مسؤولية عقدية في األساس وأنها (املسؤولية‬
‫الطبية)كاستثناء هي مسؤولية تقصيرية‪.5‬‬
‫وفي هذا الصياغ أيضا ما يحدث من كوارث طبيعية مثال الزالزل ملا لها من عنصر‬
‫املفاجأة والعمومية ألنها تعم منطقة أو بلد بكاملها أو مثل ثورة البراكين مثلها مثل نشوب‬
‫الحرائق والفيضانات فهي أحيانا ال تكون متوقعة وقد تكون كذلك ويصعب دفعها مما‬
‫يجعل التدخل الجماعي وارد بل وضروري‪ ،‬فعند حدوث ضرر للمريض من الطبيب املعالج‬
‫بسبب خطأ هذا األخير تقوم املسؤولية التقصيرية ويسأل الطبيب املخطأ تقصيريا كما‬
‫سبق شرحه‪ ،‬عن الضرر الذي تسبب فيه بخطئه‪ ،‬ففي كل هذه الحاالت املذكورة‬
‫والحاالت املماثلة ال يتوقع انعقاد عقد بين الطبيب (أو الطبيب الجراح) وبين الشخص‬
‫متلقي العالج أي عقد‪ ،‬ألن ظروف الحال ال تسمح بانعقاده ‪ ،‬للسرعة والخطورة ‪ ،‬وأحيانا‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪921 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫غياب وعي املريض‪ ،‬هذا من جهة وكذا واجب التدخل من الطبيب الذي تفرضه عليه‬
‫أخالقات املهنة و أصولها والقانون من جهة أخرى ‪.‬‬
‫فرع ثاني‪ :‬مسؤولية جراح التجميل العقدية‬
‫رغم التسليم بتقصيرية املسؤولية املدنية لألطباء والجراحين – إن صح التعبير‪-‬‬
‫إال أن هذا لم يمنع من أن يتجه الفقه حديثا والفقه الفرنس ي على وجه الخصوص إلى‬
‫اعتبار أن مسؤولية جراح التجميل هي مسؤولية عقدية وه ــذا منذ ص ــدور حكم عن‬
‫محكــمة النقض الفرنسي ـة الشهير في ‪ 20‬مارس ‪ 1936‬والذي ج ــاء في منطوقه ما يلي‪« :‬‬
‫يقوم بين الطبيب واملريض عقد حقيقي يتضمن أن على الطبيب اإللتزام إعطائه عالجا‬
‫أمينا يقظا ومتفقا مع األصول العلمية وأن اإلخالل به ولو بغير قصد جزاؤه مسؤولية ذات‬
‫طبيعة عقدية»‪.6‬‬
‫وتابعت ذات املحكمة في ذات القرار بقولها « وأن اإلخالل حتى غير املقصود بهذا‬
‫اإللتزام التعاقدي يترتب عليه مسؤولية من نفس النوع تعاقدية أيضا»‪.7‬‬
‫ومن أجل قيام املسؤولية العقدية بشكل عام يفترض وجود عقد طبي صحيح مكتمل‬
‫األركان بصورة متبادلة‪ ،‬فمتى يكون جراح التجميل مسؤوال مسؤولية عقدية ؟‬
‫في هذا اإلتجاه قضت محكمة النقض املصرية في حكم لها صادر في ‪ 26‬يونيو‬
‫‪ 1969‬وقررت بأن «مسؤولية الطبيب الذي إختاره املريض أو نائبه لعالجه هي مسؤولية‬
‫عقدية وذلك بمقتض ى الذي ينعقد بين الطبيب ومريضه»‪8‬‬

‫من املستقر عليه قانونا وقضاء أن ما يربط جراح التجميل بمريضه أو طالب‬
‫الجراحة هو عقد طبي تنجم عنه املسؤولية الطبية العقدية بغض النظر عن نوع‬
‫العقد‪،‬صريحا كان أو ضمنيا‪،‬مكتوبا أو شفويا‪،‬وكذا ال يهم إن كان بمقابل أتعاب أم على‬
‫سبيل املجاملة‪.‬‬
‫ومن الصور املشهورة على انعقاد العقد بين الجراح (أو غيره من األطباء)‬
‫واملريض‪ ،‬ذلك املثال التقليدي والذي مفاده أن يعلق الطبيب الفتة مكتوب عليها بياناته‬
‫املتعلقة بإسمه ونوع الخدمة أو الخدمات التي يقدمها‪ ،‬فهنا نكون إمام إيجاب وبمجرد‬
‫دخول املريض بالتوجه إليه ينعقد عقدا طبيا حقيقيا‪،‬إذا توافرت فيه كل متطلبات العقد‬
‫(أركانه) من رضا ومحل وسبب‪.9‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪922 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫و في نفس السياق ما استقر عليه الفقه العربي في أن للطبيب إلتزامان‪ ،‬اإللتزام‬


‫األول إلتزام عام مفاده التحلي بالعناية والحذر في عالقاته التي تربطه بهم بالجميع واللذين‬
‫ال تربطه معهم أي عالقة عقدية‪ ،‬واإللتزام الثاني والتي تنشأ بمجرد تطابق إرادة املريض‬
‫مع الطبيب فتقوم املسؤولية العقدية‪ ،‬وهو ما حكمت به محكمة النقض املصرية سنة‬
‫‪ 1969‬وأقرت املسؤولية العقدية للطبيب بقولها «‪...‬أن مسؤولية الطبيب الذي إختاره‬
‫املريض أو نائبه لعالجه هي مسؤولية عقدية وإن كان الطبيب املعالج ال يلتزم بموجب‬
‫العقد املبرم بينه وبين املريض بشفاء األخير أو بنجاح العملية التي يجريها له‪،‬ألن إلتزام‬
‫الطبيب ليس التزاما بتحقيق نتيجة وإنما هو االلتزام ببذل عناية»‪.10‬‬
‫أما املشرع الجزائري فإنه يمكن إستخالص موقفه من مدونة أخالق املهنة من‬
‫خالل املادة ‪ 45‬التي نصت على « يلتزم الطبيب أو جراح األسنان بمجرد موافقته على أي‬
‫طلب معالجة بضمان تقديم عالج ملرضاه يتسم باإلخالص والتفاني واملطابقة ملعطيات‬
‫العلم الحديثة‪،‬واإلستعانة‪،‬عند الضرو ة‪،‬بالزمالء املختصين واملؤهلين‪11».‬‬
‫ر‬
‫إن قيام املسؤولية الطبية بين املريض والطبيب هو نتاج عقد طبي رغم أنه ليس من‬
‫العقود املسماة ‪ ،‬واألمر متروك ألحكام الشريعة العامة (القانون املدني) ليتفق أطراف‬
‫العقد الطبي على ما تمليه عليه إرادتهما وفقا ملبدأ سلطان اإلرادة؛‬
‫غير أنه وفي كل األحوال فإنه في حالة ارتكاب خطأ من قبل جراح التجميل في ظل‬
‫غياب عقد بين الطرفين فإنه حتما يؤدي األمر إلى قيام املسؤولية لنتيجة منطقية وهي أنه‬
‫ال ضرر بدون تعويض‪.‬‬
‫مطلب ثاني ‪ :‬أركان املسؤولية املدنية لجراح التجميل‬
‫ال شك أن مسؤولية جراح التجميل املدنية تقوم على أركانها الثالث وهي الخطأ‬
‫الطبي والضرر والعالقة السببية بينهما‪.‬‬
‫فرع أول ‪ :‬خطأ جراح التجميل الطبي‬
‫يتميز خطأ األطباء الجراحين بنوع من الخصوصية وخاصة جراحي التجميل في‬
‫الجراحة الترفيهية‪ ،‬بل إن الجراحة العالجية قد ال تخرج عن هذا اإلستثناء‪.‬‬
‫إن العلة في التشديد على جراحي التجميل ومحاسبتهم يعود أنه – وعلى خالف‬
‫القاعدة العامة – في جراحة التجميل ال تهدف إلى عالج من علة في الجسم‪ ،‬بل الغاية منها‬
‫هي إزالة تشويه نتيجة تشوه خلقي أو إزالة عيوب طبيعية أو عيوب مكتسبة‪ ،‬وهذه‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪923 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫التشوهات قد تأثر على نفسية اإلنسان أو حياته االجتماعية ‪،‬إضافة إلى ما تتطلبه بعض‬
‫املهن من ضرورة إحداث تحسينات على الجسم أو الوجه أو غيرها كما في الجراحة‬
‫الترفيهية‪.‬‬
‫لقد اختلف الفقهاء بين مؤيد لهذا النوع من الجراحة في إجازتها وبين معارض‬
‫ومعتدل يطول الخوض فيها وهو ليس ذا محل دراستنا هذه ‪ ،‬وما يهمنا هنا هو "الخطأ‬
‫الطبي"‪ ،‬فما هو تعريف الخطأ الطبي ؟‬
‫يرى بعض الشراح إن الخطأ الطبي هو « هو عدم قيام الطبيب بالتزاماته الخاصة‬
‫التي تفرضها عليه مهنته» ومنهم من يرى أنه «إخالل الطبيب بالتزاماته الخاصة والعامة»‪12‬؛‬
‫ومنهم من أضاف بأنه « إخالل بالتزام سابق نشأ عن العقد أو عن القانون أو قواعد األخالق‬
‫ذلك العتبا ه ركنا من أركان املسؤولية املدنية»‪13‬‬
‫ر‬
‫وفي الحقيقة ومهما يكن فإن الخطأ الطبي يستمد تعريفه من الخطأ املنهي بصفة‬
‫عامة وهذا األخير يعرفه الفقهاء على أنه «الخطأ الذي يتصل ويتعلق باألصول املهنية»‪،14‬‬
‫وال شك أن معيار الخطأ هو معيار الرجل الحريص وهو ما قضت به محكمة‬
‫النقض الفرنسية في قرارها املعروف في ‪ 20‬ماي ‪ 1936‬املشار إليه سابقا‪.‬‬
‫كما أنه من الناحية الفقهية يذهب أغلب الفقهاء على تعريف الخطأ الطبي على‬
‫أنه‪« :‬إخالل من الطبيب بواجبه في بذل العناية الوجدانية اليقظة املوافقة للحقائق‬
‫العلمية املستقرة»‪.15‬‬
‫وفي الجزائر فقد نصت املادة ‪ 45‬من قانون أخالقيات املهنة على« يلتزم الطبيب أو‬
‫جراح األسنان بمجرد موافقته على أي معالجة بضمان تقديم عالج ملرضاه يتسم‬
‫باإلخالص والتفاني واملطابقة ملعطيات العلم الحديثة واإلستعانة عند الضرورة بالزمالء‬
‫املختصين واملؤهلين» ‪.16‬‬
‫فرع ثاني ‪ :‬الضرر الطبي‬
‫يعتبر الضرر الطبي الركن الثاني الذي يسأل عليه جراح التجميل بمناسبة إرتكابه‬
‫للخطأ على املريض وهو ما يصيب املريض في حق من حقوقه أو في مصلحة مشروعة له؛‬
‫فما هو تعريف الضرر إذن؟‬
‫يعرف الضرر الطبي فقها بأنه « األذى الذي يصيب الشخص من جراء املساس‬
‫بحق من حقوقه‪ ،‬أو مصلحة مشروعة له‪،‬سواء تعلق ذلك الحق أو تلك املصلحة بسالمة‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪924 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫جسمه أو عاطفته أو بماله أو حريته أو شرفه أو غير ذلك أو هو األذى الذي يصيب‬
‫الشخص من جراء املساس بحق من حقوقه أو مصلحة مشروعة»‪.17‬‬
‫والضرر إما أن يكون ماديا والذي يمس بسالمة املريض الجسدية أو حياته ‪،‬‬
‫ويتخذ أيضا أشكاال كثيرة مثل التأثير على نجاعة الشخص في العمل أو العجز ‪،‬مما يؤدي‬
‫إلى ضعفه أو عجزه تماما عن العمل؛‬
‫وقد يتخذ الضرر بعدا آخرا يتمثل في نفقات العالج التي ينفقها املريض أو عائلته‬
‫بسبب الضرر الناجم عن خطأ الجراح‪.‬‬
‫إن الضرر القابل للتعويض هو الضرر املحقق وليس اإلحتمالي‪ ،‬وقد ال يمس‬
‫جسم املريض ولكن قد يمس جوانبا من حياته النفسية واالجتماعية والعاطفية‪ ،‬وقد‬
‫يكون الخطأ ماديا وينتج عنه ضررا ماديا فالتشوهات التي يتسبب فيها جراح التجميل‬
‫بخطئه قد تسبب آالما نفسية‪.‬‬
‫غير أنه وفي كل األحوال فإنه ال يمكن إستبعاد أن يكون الضرران مترافقان معا‪،‬‬
‫املادي واملعنوي وما يتبادر إلى الذهن هنا‪ ،‬هل نتصور وجود ضرر تفويت الفرصة وتطبيقها‬
‫على الضرر الطبي ؟‬
‫جوابا‪ ،‬لقد طبقت محكمة التمييز الفرنسية هذه املبادئ وذلك بإقرارها بمسؤولية‬
‫األطباء الجراحين وهو أيضا ما أقرته محكمة التمييز الفرنسية بغرفتها الجزائية والتي‬
‫اعتبرت أن تفويت فرصة الشفاء أو الحياة كسبب للدعوة املدنية‪.‬‬
‫لقد طبقت محكمة التمييز الفرنسية مبدأ‪ ،‬وهو أنه يكفي من أجل أن يحكم على‬
‫الطبيب بالتعويض لصالح املريض إذا أثبت هذا األخير أنه قد ضيع عليه فرصة تفويت‬
‫فرصة الشفاء‪ ،‬واعتبرت املحكمة أن األطباء تسببوا في مخاطر غير مبررة‪.18‬‬
‫لكن وإن بدى ركن الضرر في املجال الطبي بسيطا إال أن له شروط يجب توافرها‪،‬‬
‫ونقصد هنا على األقل أن يكون الضرر الحاصل مرتبط بالعمل الطبي حتى يسأل الطبيب‬
‫عنه ‪ ،‬وفي هذا الخصوص ما ذهب إليه مفوض الدولة )‪ )DAEL‬فسيملس الدولة الفرنس ي‬
‫بمناسبة صدور الحكم عن مجلس الدولة الفرنس ي بتاريخ ‪ 1995/05/26‬بقوله «إذا كانت‬
‫عملية نقل الدم في حد ذاتها هي التي أدت إلى التلوث بفيروس اإليدز كان املستشفى‬
‫مسؤوال‪،‬أما إذا كان السبب يعود إلى تلوث الدم بفيروس املرض‪،‬إنتفت مسؤولية‬
‫املستشفى‪،‬وانعقدت مسؤولية بنك الدم»‪. 19‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪925 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫فرع ثالث ‪ :‬العالقة السببية بين الخطأ الطبي والضرر الطبي‬


‫في الحقيقة ال يكفي من أجل محاسبة جراح التجميل أن يرتكب خطأ وال حدوث‬
‫الضرر‪ ،‬بل يجب قيام عالقة سببية بينهما ومعيار ذلك أن يكون الخطأ هو الذي تسبب في‬
‫الضرر‪ ،20‬وبعبارة أخرى أنه ولقيام املسؤولية املدنية لجراح التجميل فيجب أن يكون‬
‫الخطأ الطبي هو الذي تسبب في الضرر وإن هذا األخير سببه خطأ جراح التجميل‪ ،‬أي أن‬
‫الخطأ هو علة الضرر‪.‬‬
‫قد يبدو للوهلة األولى أن إثبات العالقة السببية سهل وبسيط ‪ ،‬لكن في الواقع‬
‫العملي العكس تماما‪ ،‬والعلة في ذلك تعود إلى جسم اإلنسان وردات فعله واختالف‬
‫إستجابته من مريض إلى آخر‪ ،‬فالجسم اإلنسان مازال غامضا وال يمكن دائما التنبؤ‬
‫بردات فعله تجاه العالج أو تجاه الجراحة مهما كانت كفاءة األطباء عالية‪ ،‬وهذا ما يثبته‬
‫الواقع من حيرة األطباء أثناء ممارستهم امليدانية لعملهم من األمراض التي تصيب اإلنسان‬
‫وتشابه األعراض بينها‪.‬‬
‫إن العالقة السببية تتعقد أكثر في الجراحة لتعدد العوامل التي تتداخل أحيانا‪،‬‬
‫قبل وأثناء وبعد العملية الجراحية من آالت جراحية التي قد يقصر جراح التجميل أو أحد‬
‫معاونيه في تعقيمها‪ ،‬فيموت املريض بسبب أزمة قلبية فتنعدم العالقة بين عدم تعقيم‬
‫اآلالت الجراحية وسبب املوت‪.‬‬
‫يضاف إلى العوامل السابقة نظرية تعدد األسباب‪ ،‬فقد تتداخل كثير األسباب في‬
‫إحداث ضرر واحد‪ ،‬وفي حالة العكس أيضا إن كان الخطأ الواحد عن الطبيب الواحد‬
‫وتسبب في الضرر الواحد ‪ ،‬بل قد يتسبب املريض ذاته في إحداث الضرر بنفسه أو على‬
‫األقل يساهم في إحداثه مع عوامل أخرى‪.‬‬
‫لقد مرت العالقة السببية بمراحل كثيرة وظهرت نظريات تعالجها‪ ،‬منها نظرية‬
‫تعادل األسباب أو تكافؤ األسباب والتي مفادها أن األسباب املتتالية لحدوث ضرر ما لو‬
‫حذف أحدها ما كان حدث ما حدث‪.‬‬
‫و في تطبيق لهذه النظرية لو اجتمعت القوة القاهرة مع خطأ الجراح فال يسأل‬
‫هذا األخير إال بقدر ما ساهم في إحداث الضرر ألن املسؤولية هاهنا مشتركة بين الجراح‬
‫والقوة القاهرة‪ ،‬وبمفهوم املخالفة لو أن القوة القاهرة هي التي تسببت في الضرر فإن‬
‫املسؤولية تقوم عليها وال مسؤولية على الجراح هنا‪.‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪926 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫وفعال فقد أخذ القضاء الفرنس ي في البداية (والقضاء املصري فيما بعد) بهذه‬
‫النظرية رغم ما تعرضت له من نقد الحقا‪ ،‬و مثاله ما قضت به محكمة باريس بأنه « ال‬
‫يشترط لتوفر العالقة السببية من خطأ الطبيب والضرر املتحقق أن يكون الطبيب هو‬
‫السبب الوحيد في إحداث الضرر الذي وقع‪ ،‬بل يكفي أن يكون الخطأ من بين األسباب‬
‫التي تفاعلت في إحداثه لو كان بذاته غير كاف لذلك»‪.21‬‬
‫ومهما يكن فإن العالقة السببية يجب أن تكون قائمة بين الخطأ والضرر وهذا ما‬
‫قضت به محمكة النقض الفرنسية في قرارها‪ 22‬بأنه « سواء كانت مسؤولية الطبيب عقدية‬
‫أو تقصيرية فإن الطبيب ال يعتبر مسؤوال إال إذا توافرت عالقة السببية بين خطئه والضرر‬
‫وأن استعمال الطبيب الخاطئ لحقن املريض بأمبول ‪ thiod acain‬وأمبول ‪vitamine B‬‬
‫مما نجم عنه وفاته فإن هذا الحقن الخاطئ الذي كان سببا في املوت يعقد املسؤولية على‬
‫الطبيب»‪.23‬‬
‫كما أن العالقة السببية تنعدم إذا ما كان الضرر قد تسبب فيه املريض نفسه ‪،‬‬
‫و مثاله أن يمتنع املريض عن استعمال الدواء الذي أعطاه الطبيب له أو عدم استعماله‬
‫بالكيفية التي أمر بها الطبيب‪ ،‬بل إن اإلدالء بمعلومات وبيانات كاذبة قد تؤدي إلى تغليط‬
‫الجراح الذي تترتب عليه مسؤولية املريض ال الجراح‪.‬‬
‫و في األخير نذكر أن إثبات العالقة السببية أمره مردود لقضاة الحكم ألنه مسألة‬
‫تكييف وقائع وال يحق لقضاة القانون النظر فيه‪ ،‬وهذا ما قضت محكمة النقض املصرية‬
‫بأن « تقرير رابطة السببية بين الخطأ والسبب مسألة موضوعية ال يخضع فيها قاض ي‬
‫املوضوع لرقابة محكمة النقض»‪24‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬املسؤولية الجزائية لجراح التجميل‬


‫إذا كانت املسؤولية املدنية يترتب عليها التعويض فإن املسؤولية الجزائية مناطها‬
‫العقاب وبحسب نوع الجريمة‪ ،‬جناية كانت أم جنحة أم مخالفة‪ ،‬وهذا ال يمنع إجماعهما‬
‫في الفعل الواحد فتجتمع معهما العقوبة والتعويض في حالة ما إذا ارتكب جراح التجميل‬
‫خطأ جزائيا غير مقصود نتج عنه ضرر للضحية‪،‬‬
‫غير أنه يجدر التنويه على أن املشرع الجزائري في قانون العقوبات لم ينص صراحة‬
‫على جراحة التجميل وأن ممارسة جراحة التجميل ال يوجد ما يمنع إجرائها إذا ماخضعت‬
‫للشروط والكيفيات الخاصة بممارسة مهنة الطب وخاصة الجراحة العامة وأن تخلف‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪927 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫هذه الشروط يجعل من ممارسة الطبيب الجراح لها عمال غير مشروع ويعاقب عليه حتى‬
‫جزائيا‪ ،‬وبما أنه ال يوجد نص خاص بتجريم جراح التجميل عند ارتكابه جرما فإن املسألة‬
‫تخضع للقواعد العامة للمسؤولية الجنائية‪ ،25‬لهذا نتعرض لحاالت(صور) الخطأ الجزائي‬
‫غير املقصود(مطلب أول) ثم إلى املسؤولين عن الخطأ الجزائي غير املقصود إن تعددوا‬
‫(مطلب ثاني)‪.‬‬
‫مطلب أول ‪ :‬الخطأ الجزائي غير املقصود‬
‫سمي الخطأ الجزائي غير املقصود عندما يكون الفاعل فيه غير متعمد ملا تسبب‬
‫فيه تمييزا له عن الخطأ املقصود الذي يرتكبه الشخص وهو مدرك له وقاصد له فما هي‬
‫صور الخطأ الجزائي غير املقصود؟‬
‫فرع أول ‪ :‬الرعونة واإلهمال الطبي‬
‫ال شك أنه في الجراحة التجميلية تقع كثيرا األخطاء املهنية الطبية ترد كثيرة كون‬
‫الجراح يتوجب عليه أحيانا القيام بأفعال إيجابية وأحيانا أخرى يتطلب األمر منه اإلمتناع‬
‫عن عمل يتوجب عليه تركه‪.‬‬
‫تتمثل خطورة العملية الجراحية أكثر فيما بعد العملية لهذا يتطلب من الجراح‬
‫اإلشراف على لحظة االستيقاظ بمعية طبيب التخدير أو تكليف هذا األخير باإلشراف على‬
‫املريض لحظة اإلستيقاظ واستعادة أعضائه الحيوية لكامل نشاطاتها الحيوية وخاصة في‬
‫حالة التخدير الشامل وفي هذا الخصوص قضية "بالفريقرينا" التي قضت محكمة باريس‬
‫بإدانة الطبيب األخصائي في األنف والحنجرة وهذا عن جريمة ارتكبها في إهماله ملريضه بعد‬
‫إجراء العملية الستئصال اللوزتين التي نتج عنها نزيف أدى إلى موته‪.26‬‬
‫لقد حذت املحاكم اللبنانية نفس الحذو في أن مسؤولية الطبيب الجراح ال تقوم حتما‬
‫إذا أجرى الجراح العملية دون أي خطأ في استعمال األدوات وأنه راعى القواعد الطبية‬
‫املعتادة‪،‬ولكن الجريمة ستقوم فعال إذا ثبت نسيانه مادة أو أي أداة جراحية في أحد‬
‫جروح العملية‪.‬‬
‫وفي الجزائر فإنه بخصوص اإلهمال باعتباره عمل سلبي فإنه يؤدي إلى قيام‬
‫املسؤولية في قضية تتلخص وقائعها في أن طبيبا مناوبا في املستشفى بمسعد بينما كان هو‬
‫متواجد ويعمل بعيادته بالجلفة وبعد إحضار مريض مصاب في حادث مرور باملستشفى‬
‫املذكور توفي بسبب تأخر الطبيب في الحضور في الوقت املناسب مما ترتب عليه قيام‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪928 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫املسؤولية الجزائية الذي قضت املحكمة العليا‪ 27‬وهو نفس الش يء الذي قضت به ذات‬
‫املحكمة في قضية طبيبة إمتنعت عن إجراء عملية كانت ضرورية ملريض كان بحاجة الى‬
‫إجرائها فورا أدت إلى وفاته وقد تم فيه برفض الطاعنة وبالنتيجة إدانتها ‪.28‬‬
‫فرع ثاني ‪ :‬عدم مراعاة األنظمة وقلة اإلحتراز(عدم االحتياط)‬
‫قله االحتراز في العادة هي عمل سلبي يرتكبه الطبيب جراح التجميل رغم علمه‬
‫بالعواقب الوخيمة التي تترتب في حال عدم إقدامه على القيام بواجبه األخالقي ‪ ،‬واألمثلة‬
‫فيها مشهورة في هذا املجال مثل إجراء عملية جراحية دون تعقيم أدوات الجراحة‪.‬‬
‫إن االجتهادات القضائية كثيرة بهذا الخصوص سواء القضاء األجنبي أو العربي؛‬
‫فعلى صعيد القضاء األجنبي ما قضت به محكمة التمييز الفرنسية بإدانة طبيب األسنان‬
‫في جريمة التسبب في الوفاة وذلك بحقن الطبيب بمادة البنسلين دون التحقق من مدى‬
‫حساسية املريض للبنسلين الش يء الذي أدى إلى وفاة الضحية‪.‬‬
‫وليس ببعيد من هذا ما قضت به محكمة "بوردو" الفرنسية حينما قضت‬
‫بالحبس على طبيب بإدانته واعتباره مسؤوال جزائيا لعدم احترازه بحق طفل عمره ‪ 18‬شهر‬
‫واستعمال األشعة مما أدى إلى حروق على مستوى جلده ‪ ،‬ألن األطفال ال يتحملون هكذا‬
‫نوع من األشعة‪.29‬‬
‫وفي القضاء العربي ما قضت به محكمة صيدا بلبنان قضت في منطوقها والتي‬
‫قضت بما يلي‪" :‬حيث أن املدعي عليها املمرضة فريال كنعان وجوهر عملها أن تعتني‬
‫باملريض طيلة الفترة التي تمتد ما بين معاينة وأخرى من قبل الطبيب املعالج فكان لزاما‬
‫عليها على األقل إذا الحظت تفاقم حالة الطفل وتقوم بما يمليه عليها واجبها املنهي وخاصة‬
‫أنها ليست ممرضة عادية‪ ،‬إنها مسؤولة ومشرفة على القسم الذي كان فيه الطفل‬
‫الضحية‪ ،‬إال أنها لم تفعل فتكون قد أبدت إهماال وقلة احتراز معاقبا عليها‪.30‬‬
‫إن اإلهمال الطبي ليس العمل السلبي الوحيد الذي يعاقب عليه املمرض فعدم‬
‫مراعاة األنظمة أيضا يعتبر جرم يعاقب عليه الطبيب واملقصود باألنظمة هي كل القوانين‬
‫واللوائح واملناشير الصادرة عن الجهات الوصية ذات الصلة ومثاله ما تشير إليه املادة ‪14‬‬
‫من مدونة أخالق املهنة بالجزائر التي نصت على «يجب أن تتوفر للطبيب او جراح األسنان‬
‫في املكان الذي يمارس فيه مهنته‪ ،‬تجهيزات مالئمة ووسائل تقنية كافية ألداء هذه املهمة‪،‬و‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪929 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫ال ينبغي للطبيب أو جراح األسنان‪،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬أن يمارس مهنته في ظروف من‬
‫شأنها أن تضر بنوعية العالج أو األعمال الطبية»‪.31‬‬
‫وإذا رجعنا لقانون العقوبات الجزائري فإنه وباستقراء املواد ‪ 288‬و‪ 289‬من‬
‫قانون العقوبات فإننا نالحظ تجريم الخطأ الجزائي غير املقصود وإن كان على إطالقه وال‬
‫تنطبق على األطباء بصفة خاصة‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 288‬على « كل من قتل خطأ أو‬
‫تسبب في ذلك برعونته أو عدم إنتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته األنظمة‪ ،‬يعاقب بالحبس‬
‫من سنة إلى ستة أشهر إلى ثالث سنوات‪ »...‬واملادة ‪ 289‬من نفس القانون على أنه « إذا نتج‬
‫عن الرعونة أم عن عدم اإلحتياط إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل‬
‫ملدة تتجاوز ثالثة أشهر فيعاقب الجاني»‪.32‬‬
‫مطلب ثاني ‪ :‬املسؤولون عن الخطأ الجزائي غير املقصود‬
‫سبق وأن تعرضنا للمسؤولية املدنية لجراح التجميل على أساس املسؤولية‬
‫الفردية لكن الواقع العملي فإنه غالبا ما يتعامل مع فريق مساعد بل يتوجب عليه على‬
‫األقل أن يتعامل – إجباريا‪ -‬مع طبيب التخدير‪،‬كون العمليات الجراحية تستلزم أعماال‬
‫تحضيرية الذي يفرض عليه الدخول في عالقات مع غيره ممن لهم عالقة باالختصاص‬
‫فتكون العالقة مع الفريق املساعد من جهة وطبيب التخدير من جهة أخرى مما يعقد‬
‫األمور حول على من تقع املسؤولية في حال ارتكب أحدهم خطأ ما‪ ،‬لذا نتساءل على مدى‬
‫مسؤولية الجراح في الفريق الطبي (فرع أول) ثم مسؤولية طبيب التخدير من جهة أخرى‬
‫(فرع ثاني)‪.‬‬
‫فرع أول ‪ :‬مسؤولية جراح التجميل عن أفعال معاونيه‬
‫تتميز الجريمة بميزيتين وهما‪:‬الشرعية والشخصية‪ ،‬فال جريمة إال بنص‪،‬‬
‫والشخصية وهي أن كل شخص مسؤول عن فعله املجرم‪ ،‬لكن في العمليات الجراحية‬
‫التجميلية فإن العمل الطبي يتداخل لوجود فريق طبي متكامل ويتلقى األوامر مباشرة من‬
‫جراح التجميل باعتباره رئيس الفريق الطبي‪ ،‬فهو الذي يقسم املهام ويصدر األوامر‬
‫وبالنتيجة يتحمل ذلك‪،‬وهنا يثور التساؤل‪:‬متى يكون أحد أعضاء الفريق أو جميعهم‬
‫مسؤوال على األخطاء تأتي يرتكبونها؟‬
‫ال شك أن مبدأ شخصية العقوبة وكذا املساهمة في الجريمة يتداخلون في هكذا‬
‫حاالت‪ ،‬والحقيقة أن جراح التجميل غير مسؤول عن فريقه قبل العملية وبعد العملية‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪930 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫وإنما تتحدد مسؤوليته أثناء إجراء العملية الجراحية ومن أهم مساعدي جراح التجميل‬
‫هم املمرضون‪ ،‬وفي هذا السياق ما قضت به محكمة التمييز الفرنسية والتي اعتبرت أن‬
‫الجراح مسؤوال جزائيا عن التسبب في وفاة طفلة في الشهر الثامن عشر من عمرها كان قد‬
‫قرر أن يخيط لها جرحا في إبهامها وكان قد طلب من طبيب التخدير تخديرها إال أنه‬
‫عندما دخل إلى الغرفة وجد عندها املمرضة قد خدرتها وقد قام بالعملية خالل دقائق‬
‫فقط وعندما التفت إلى املمرضة وجدها قد غادرت الغرفة‪،‬إال أن الطفلة قد توفيت‬
‫نتيجة التخدير الذي تجاوز الجرعة املطلوبة‪ ،‬مما جعل املحكمة املذكورة تقر بمسؤولية‬
‫الطبيب لعدة أخطاء منها عدم أخذ االحتياطات الواجبة من التأكد من أخذ موافقة‬
‫طبيب التخدير وكذا أهلية املمرضة في إعطاء البنج وعدم وجود املمرضة‪.33‬‬
‫وفي قرار مماثل صادر عن محكمة التمييز الفرنسية ‪ 34‬اعتبرت فيه املحكمة أن‬
‫الطبيب إرتكب جرما وهو مسؤول عن حادثة مفادها أن إمرأة كانت مخدرة على طاولة‬
‫التوليد وأن املمرضة استعملت مادة األثير (‪ )ether‬بدال من ماء معقم لتبريد اآلالت‬
‫املعقمة وإذا باألدوات تلتهب فأربك األمر املمرضة فوقعت من يدها القنينة فخاف مساعدو‬
‫الطبيب فهربوا تاركين السيدة لوحدها التي توفيت بسبب ترك الطبيب ملساعديه ودون‬
‫مراقبتهم واعتبر هذا خطئا جنائيا يستوجب املسائلة واإلدانة‪.‬‬
‫فرع ثاني ‪ :‬مسؤولية جراح التجميل عن طبيب التخدير‬
‫تحتل مكانة طبيب التخدير مكانة كبيرة في الجراحة بصفة عامة فهو يتدخل قبل‬
‫العملية وأثنائها وبعدها وهو الذي يقرر نوع املخدر ونوعية التخدير من تخدير موضعي أو‬
‫تخدير شامل ويتابع العملية والتدخل لدى أي مضاعفات واألهم أنه يحضر لحظة‬
‫إستيقاظ املريض من العملية واستعادة أعضائه كامل نشاطاتها الحيوية‪.‬‬
‫إن جراح التجميل وطبيب التخدير تجمعهما مسؤولية تضامنية وجراح التجميل‬
‫قد يسال عن أفعال طبيب التخدير كما هو الحال عن املمرضين في إطار املسؤولية عن‬
‫قتل الغير ؛‬
‫وفي قرار شهير في القضاء الفرنس ي باعتباره أول مرة يعرض عليه هذا النوع من‬
‫القضايا وهذا سنة ‪ 1853‬الذي تتلخص حيثياته فيما يلي‪:‬‬
‫حيث إن كان الطبيب املتهم في القضية قد خدر مريضا من أجل إجراء عملية‬
‫جراحية إلزالة زائدة ‪ loupe‬في وجنته فمات‪ ،‬فلما رفعت دعوى قضائية أمام محكمة‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪931 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫جنح السين للتسبب في خطر أدى إلى الوفاة كون أن الخطأ ال يتناسب مع اإلصابة‬
‫البسيطة التي أجريت العملية للمريض بسببها غير أن املحكمة حكمت بإدانة الطبيب‬
‫الجراح الش يء الذي أدى إلى إثارة حفيظة األطباء آنذاك واستأنف الطبيب الحكم‬
‫واستدعي في مرحلة االستئناف الدكتور ‪ velpau‬ملناقشة الحكم املستأنف فصرح لهيئة‬
‫محكمة االستئناف قائال« إنكم تحملون بين أيديكم مستقبل الجراحة‪،‬فإذا حكمتم على‬
‫الطبيب الذي استخدم الكلوروفورم فإن أحد لن يجرؤ بعد اآلن على استعماله‪ ،‬واألمر‬
‫متروك لكم أن تعملوا على إزالة آالم اإلنسانية أو تعملوا على إعادتها»‪ ،‬فقضت املحكمة‬
‫ببراءة الطبيب‪35.‬‬

‫وبخصوص مسؤولية طبيب التخدير أيضا ما قضت به محكمة التمييز الفرنسية التي‬
‫تتلخص وقائعها فيما يلي‪:‬‬
‫"أن مريضا أجرى عملية جراحية مدتها ساعة واحدة وبعد صحوة املريض من‬
‫البنج مدة ست ساعات على ذلك قامت زوجته بإخبار طبيب التخدير أن زوجها ضغطه‬
‫مرتفع لكن طبيب التخدير لم يستجيب‪ ،‬ثم بمرور أربع ساعات دخل املريض في غيبوبة‬
‫تامة ‪ convulsion،coma‬وتم إعالم الطبيب مرة أخرى فحضر بعد نصف ساعة ومن‬
‫بعده الجراح وتبين أن املريض مصابا باضطرابات في التنفس والحديث أدى فيما بعد إلى‬
‫عجزه عن العمل فقام املريض وزوجته بمقاضاة الجراح وطبيب التخدير إال أن املحكمة‬
‫برئت الجراح وأدانت طبيب التخدير" ‪.36‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪932 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫في األخير ومن خالل دراستنا توصلنا إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن القضاء الفرنس ي‪ -‬في البداية‪ -‬اتخذ موقفا معاديا من جراحي التجميل وذهب إلى‬
‫التشديد على إجراء العملية الجراحية التجميلية إلى حد اعتبار أن اإلقدام عليها لوحده‬
‫كافيا إلقامة املسؤولية على جراح التجميل وتصل الى حد إدانته‪.‬‬
‫‪ -‬انه وبتطور القضاء تجاه املسؤولية الطبية في جراحة التجميل فقد أدى الى إعتماد‬
‫معيار جديد وهو بذل العناية املشددة بل وأحيانا االلتزام بتحقيق نتيجة‪.‬‬
‫‪ -‬أنعه وبتحقيق نتائج معتبرة من طرف الجراحين بعد الحرب العاملية األولى وكذا الثانية‬
‫فقد غير القضاء الفرنس ي من موقفه املتشدد وأجاز إجراء عمليات التجريح ولكن بنوع من‬
‫التشديد الفتقارها إلى املبرر الطبي وهو بقصد العالج‪.‬‬
‫‪ -‬أن موقف القضاء املصري تقريبا حذى حذو القضاء الفرنس ي‪.‬‬
‫‪ -‬أن القضاء الجزائري لم نجد فيه ما يعالج مثل هذه القضايا والسبب ‪ -‬في رأينا – هو قلة‬
‫لجوء املتضررين إلى التقاض ي وخاصة في املجال الطبي وكلما وجدناه في مجموعة القرارات‬
‫و‪/‬أو األحكام ذات الصلة قد تطرق إلى قضايا خالية من القضايا التي أحد أطرافها جراحي‬
‫التجميل‪.‬‬
‫‪ -‬أنه ورغم صدور قانون الصحة الجديد ‪ 11-18‬املؤرخ في ‪ 02‬يوليو ‪ 2018‬إال أن املشرع‬
‫ومن جديد يتجاهل كليا جراحي التجميل ال باإلقرار وال باملنع رغم إنتشار الظاهرة ولو‬
‫بنسبة قليلة في الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬أن جراح التجميل تقوم عليه كل أنواع املسؤوليات من تقصيرية وعقدية وحتى الجزائية‪،‬‬
‫شأنه شأن كل األطباء وهذا من خالل التطبيقات القضائية في القضائين الفرنس ي‬
‫واملصري وحتى القضاء اللبناني‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد رأينا أن نخرج ببعض التوصيات من خالل االقتراحات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬محاولة تخصيص املسؤولية الطبية بقانون خاص وإدراج الجراحة التجميلية –‬
‫التقويمية على األقل‪ -‬لتكون تحت رقابة وبسط الدولة من خالل القضاء‪ ،‬وهذا حماية‬
‫لطالبيها على األقل‪.‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪933 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫‪ -‬إدراج العقد الطبي ضمن العقود املسماة باعتبار الطب منتشر ومنذ مدة طويلة وإدراجه‬
‫ضمن القانون املدني أو إفراده بقانون خاص به يتضمن تنظيم مهنة الطبيب وجراح‬
‫األسنان والجراح العام والجراح التجميلي وتفصيل كل أنواع مسؤوليات هؤالء‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد املسؤوليات بنص خاص بين أعضاء الفريق الطبي من جراح وطبيب تخدير‬
‫ومساعدين‪.‬‬
‫‪ -‬تخصيص قانون خاص يعنى باملسؤولية الجزائية لألطباء والجراحين واملساعدين بدل‬
‫االكتفاء بالنص على ذلك في قانون العقوبات نظرا لخصوصية العمل الطبي‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ 1‬نقول طالب الجراحة عندما نكون أمام الجراحة التجميلية الترفيهية والتي ال يفترض فيها أن طالبها مريض أو يعاني من اي‬
‫مرض كان‪ ،‬بخالف الجراحة التقويمية التي تجرى لشخص يصنف بأنه كمريض‪.‬‬
‫‪ 2‬ألنه في هذه الحالة يتوجب على الطبيب التدخل ويعاقب على عدم التدخل جنائيا‪.‬‬
‫‪ 3‬رغم أن املسألة هنا فيها خالف فقهي‪ ،‬ينظر إلى داودي صحراء‪ ،‬مسؤولية الطبيب في الجراحة التجميلية‪،‬مذكرة مقدمة لنيل‬
‫شهادة ماجستير في القانون الخاص ‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم اإلقتصادية ‪،‬جامعة قاصدي مرباح بورقلة ‪،‬سنة املناقشة ‪-2005‬‬
‫‪،2006‬الجزائر‪،‬ص ‪. 64‬‬
‫‪ 4‬قرار املحكمة العليا‪،‬الغرفة اإلدارية‪ ،‬امللف رقم ‪ 75670‬بتاريخ‪،1991/01/13:‬مشار إليه لدى عبد القادر خضير‪،‬قرارات‬
‫قضائية في املسؤولية الطبية ‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪،2014،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -5‬ينظر إلى عامر نجيم‪،‬العقد الطبي في القانون الجزائري‪،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستير في القانون الخاص املعمق‪ ،‬كلية الحقوق‪،‬‬
‫جامعة ابي بكر بلقايد بتلمسان‪ ،‬سنة املناقشة ‪،2014-2013‬الجزائر‪،‬ص ‪ 135‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪ 6‬وقد إضطرت املحاكم الفرنسية بعد هذا الحكم إلى نهج نفس النهج وتكريس فكرة املسؤولية العقدية لألطباء‪ ،‬ينظر في هذا‬
‫املنحى إلى رياض احمد عبد الغفور‪،‬الجراحة التجميلية – ومسؤولية الطبيب املدنية الناشئة عنها‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪،‬منشورات زين الحقوقية‪،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،2016 ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪ 7‬داودي صحراء‪،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ 8‬وابتداء من هذا القرار يبدو أن القضاء املصري قد غير رأيه من نظرته القديمة التي كان يعتبر فيها أن مسؤولية الطبيب‬
‫مسؤولية تقصيرية معتبرا أن مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية‪.‬‬
‫‪ 9‬وبمفهوم املخالفة فإن إنشاء عقد فيه خلل في أركانه فإنه يعتبر باطال وعديم األثر ومثاله ان يتفق جراح التجميل مع‬
‫شخص ملساعدته على التهرب من الخدمة العسكرية او اإلفالت من العدالة بتغيير مالمحه يعتبر عقدا باطال بطالنا مطلقا‪،‬‬
‫رياض احمد عبد الغفور‪،‬املرجع السابق ص ‪.130‬‬
‫‪ 10‬وهذا التحول في طبيعة املسؤولية املدنية لألطباء من تقصيرية إلى عقدية‪ ،‬ينظر في هذا إلى رياض أحمد عبد الغفور‪ ،‬املرجع‬
‫السابق‪،‬ص ‪.129‬‬
‫‪ 11‬مرسوم تنفيذي رقم‪ 276-92:‬مؤرخ في‪ 06:‬يوليو سنة ‪،1992‬يتضمن مدونة أخالقيات الطب ‪،‬جريدة رسمية عدد ‪ 52‬مؤرخة‬
‫في ‪ 8‬يوليو‪،‬سنة ‪،1992،‬ص ‪.1421‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪934 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫‪ 12‬كما يعرفه البعض بأنه إحجام الطبيب عن القيام بواجباته الخاصة التي يفرضها علم الطب وقواعد املهنة وأصول الفن أو‬
‫مجاوزتها‪،‬ينظر هنا الى خالد دوادي‪،‬الخطأ الطبي‪ ،‬دار اإلعصار العلمي‪ ،‬الطبعة األولى‪،2017 ،‬عمان‪،‬األردن‪،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 13‬ينظر إلى صفية سنوس ي‪،‬الخطأ الطبي في التشريع واالجتهاد القضائي‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص‬
‫كلية الحقوق والعلوم اإلقتصادية‪،‬جامعة قاصدي مرباح بورقلة‪ ،‬تاريخ‪،2006/11/04:‬الجزائر‪،‬ص ‪.06‬‬
‫‪ 14‬فالخطأ املنهي هو ذلك الفعل الذي يرتكبه أصحاب املهن أثناء ممارستهم مهنهم ويخرجون في ذلك عن السلوك املنهي املألوف‬
‫وعن األصول املعمول بها واملستقر عليها لدى أصحاب املهن‪ ،‬خالد دوادي‪،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.‬‬
‫‪ 15‬ينظر في هذا املعنى وألكثر تفاصيل إلى منصوري جواد‪،‬توجهات املسؤولية املدنية الطبية‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫املاجستير في القانون الطبي ‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية ‪،‬جامعة ابي بكر بلقايد بتلمسان‪ ،‬سنة املناقشة ‪،2017/2016‬‬
‫الجزائر‪،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 16‬املرسوم رقم ‪ 276-92‬املذكور سابقا‪.‬‬
‫‪ 17‬مشار إليه لدى حادي شفيق‪ ،‬املسؤولية املدنية عن الخطأ في التشخيص الطبي ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬أطروحة مقدمة لنيل‬
‫شهادة الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة جياللي ليابس بسيدي بلعباس‪،‬سنة املناقشة‬
‫‪ ،2018/2017‬الجزائر‪،‬ص ‪.161‬‬
‫‪ 18‬و كذلك ان األطباء لم يدخلوا في تقديرهم مخاطر حدوث الوفاة وإهمالهم العمل على تفادي نتائجها‪.‬‬
‫‪ 19‬وعلى املعكس من ذلك فإن محكمة النقض الفرنسية تاخذ بنظرية تعدد األسباب‪ ،‬للمزيد يرجى اإلطالع على بحماوي‬
‫الشريف‪ ،‬التعويض عن األضرار الناجمة عن األخطار العالجية (دراسة مقارنة)‪ ،‬رسالة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان‪ ،‬سنة املناقشة ‪ ،2013/2012‬الجزائر‪،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ 20‬ولقد تعمق فقهاء الشريعة في بحث رابطة السببية وفرقوا بين السبب املباشر والسبب غير املباشر ينظر بهذا الخصوص الى‬
‫رياض احمد عبد الغفور‪،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ 21‬حكم محكمة باريس مؤرخ في ‪ 8‬مارس ‪ ،1938‬و ما أدى إلى نقد هذه النظرية هو أنها لم تفرق بين األسباب املتعددة في‬
‫إحداث الضرر مهما اختلفت‪ ،‬ملزيد أكثر يرجى النظر إلى رياض احمد عبد الغفور‪،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫‪ 22‬أنظر إلى ‪J.C.P 1966. 35./CASS/ 1966‬‬
‫‪ 23‬ومن ذلك أيضا يسال الطبيب في حالة ما إذا عن وضع املريض بصورة غير صحيحة على السرير مما أدى إلى سقوطه‬
‫وإصابته بالشلل‪ ،‬وأيضا يسأل الطبيب املعالج عن انزالق السرير لعدم تثبيته مما أدى إلى سقوط املريض من شباك‬
‫املستشفى‪،‬ينظر في هذا الخصوص إلى سامي هارون الزراع‪ ،‬فكرة الخطأ املنهي‪ -‬أساس املسؤولية املهنية ألرباب املهن الحرة‬
‫"الطبيب"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مركز الدراسات العربية للنشر واإلشهار‪ ،‬الجيزة‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪. 2016،‬‬
‫‪ 24‬قرار نقض مدني مؤرخ في ‪.1974/12/31‬‬
‫‪ 25‬مشار إلى هذه الفكرة باكثر تفصيل عند مكرلوف وهيبة‪ ،‬املسؤولية الجنائية لألطباء عن األساليب ملستحدثة في الطب‬
‫والجراحة‪ ،،‬مذكرة لنيل شهادة املاجتير في علم اإلجرام والعلوم الجنائية ‪،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أبو بكر‬
‫بلقايد بتلمسان‪ ،‬سنة املناقشة ‪ ،2005/2004‬الجزائر‪،‬ص ‪.177‬‬
‫‪ 26‬وهذا ألن األعراف الطبية وأصول مهنة الطب تقتض ي بان يخضع الشخص الذي أجريت له العملية لإلشراف الطبي على‬
‫األقل ملدة (‪ )24‬أربع وعشرون ساعة‪.‬‬
‫‪ 27‬قرار رقم ‪ 293077‬بتاريخ‪،2004/12/22:‬مشار إليه لدى عبد القادر خضير‪،‬املرجع السابق ص‪.85‬‬
‫‪ 28‬للمزيد يرجى اإلطالع على جدوي سيدي محمد أمين‪ ،‬املسؤولية الجنائية ألطباء التوليد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان‪ ،‬سنة املناقشة ‪ ،2016/2015‬الجزائر‪،‬ص‬
‫‪.98‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪935 2019‬‬
‫مسؤولية جراح التجميل املدنية والجزائية‬ ‫د‪ .‬صادقي أمبارك‬
‫ص ‪ - 917‬ص ‪936‬‬ ‫د‪ .‬بوقرين عبد الحليم‬

‫‪ 29‬ومن باب أولى إن ال يضاعف الطبيب الجرعات اإلشعاعية التي يسلطها على املريض الحد األقص ى املعترف به في األصول‬
‫العلمية الطبية الثابتة‪ ،‬ينظر إلى رائد كامل خير‪،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 30‬محمد رياض دغمان‪،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪ 31‬مرسوم تنفيذي رقم ‪ 276-92‬مؤرخ في‪ 06:‬جويلية ‪ 1992‬يتضمن مدونة أخالقيات الطب‪، ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 52‬مؤرخة‬
‫في‪ 08:‬جويلية‪ ،1992 ،‬ص ‪.1420‬‬
‫‪ 32‬أمر ‪ 156/66‬املؤرخ في ‪ 8‬يونيو ‪ 1966‬املعدل واملتمم واملتضمن قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬
‫‪ 33‬قرار صادر بتاريخ‪ 18:‬نوفمبر ‪.1976‬‬
‫‪ 34‬قرار صادر بتاريخ‪ 09:‬ماي ‪.1956‬‬
‫‪ 35‬والطريف في املوضوع أن القاض ي الذي نطق مباشرة بالبراءة ما كان لينتظر رأي محامي الدفاع القتناعه املباشر بتصريح‬
‫الدكتور‪ ، velpau‬رائد كامل خير‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 53‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 36‬وهذه نتيجة منطقية للحكم املذكور‪ ،‬فطبيب التخدير يجب عليه التواجد لحظة إستفاقة املريض من البنج واإلشراف عليه‬
‫وهو ما لم يحدث في قضية الحال‪.‬‬

‫مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية ‪ -‬املجلد ‪ - 04‬العدد ‪ - 02‬السنة ‪936 2019‬‬

You might also like