Professional Documents
Culture Documents
الاعداد المائي بالواحات تودغي
الاعداد المائي بالواحات تودغي
ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ:
ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﺑﻦ ﺯﻫﺮ -ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻻﺩﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ:
ﻣﻬﺪﺍﻥ ،ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ:
ﻉ 14 ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ/ﺍﻟﻌﺪﺩ:
ﻧﻌﻢ ﻣﺤﻜﻤﺔ:
ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
ﻣﻬﺪﺍﻥ ،ﻣﺤﻤﺪ .(2011) .ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﺎﺋﻲ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻮﺍﺣﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻤﻐﺮﺏ :ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻭﺍﺣﺔ ﺗﻮﺩﻏﻲ.ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ،ﻉ
.42 - 29 ،14ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ 339735/Record/com.mandumah.search//:http
ﺇﺳﻠﻮﺏ MLA
ﻣﻬﺪﺍﻥ ،ﻣﺤﻤﺪ" .ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﺎﺋﻲ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻮﺍﺣﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻤﻐﺮﺏ :ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻭﺍﺣﺔ ﺗﻮﺩﻏﻲ".ﺩﺭﺍﺳﺎﺕﻉ 14
) .42 - 29 :(2011ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ 339735/Record/com.mandumah.search//:http
أحباث
مقدمة
يشكل املاء ابملناطق الواحية مند قرون أهم ركائز التنظيم االجتماعي واجملايل ،كما يشكل دائما اهلم األكرب
لساكنة هذه اجملاالت .فرغم أن واحة تودغى ،اليت تعترب من الواحات املتوسطة احلجم ابجلنوب الشرقي للمغرب ،تتميز
بندرة املياه بسبب قحولة املناخ وغياب التجهيزات الكربى املخصصة لتجميع مياه الفيضاانت ،فإن ساكنتها ،كباقي
ساكنة املناطق اجلنوبية للمغرب ،تبدل قصار جهدها لتدبري ما تتوفر علي من موارد مائية.
إال أن النظام املائي هبذه الواحة تعرض مند عقود قليلة لعدة أزمات ،األمر الذي يستوجبا دراست ملعرفة
التحوالت اليت عرفها اإلعداد املائي الذي يعترب اساس كل تنمية يف مثل هذه اجملاالت شب الصحراوية اجلافة ،فما هي
أهم مراحل هذا اإلعداد املائي ومن هم أهم املتدخلني في ؟
ذ .حممد مهدان 13
من املعلوم أن واحة تودغى عرفت االستقرار والزراعة مند قرون عديدة ،غري أن االختالف بني أمناط العيش
القدمية للقبائل املستقرة هبذه الواحة ،وكذا مناطق استقرارها بني العالية والسافلة ،أثر بشكل كبري على أشكال إعداد
وتوزيع املوارد املائية ،ف"أيت تدغتا" ( )1املستقرين القدامى بعالية الواحة يستغلون مياه العيون الدائمة اجلراين يف سقي
األراضي الضيقة احملاذية جملرى الوادي .أما "أيت عطا "الذين كانوا ميارسون الرتحال والرعي قدميا والذين استقروا قبل
االستعمار ابلعديد من القصور بسافلة واحة تودغى ،فإهنم يعتمدون على استغالل املياه اجلوفية اليت توفرها الفرشة الباطنية
بواسطة اخلطارات ( )2واآلابر ابستعمال الدلو أو" أغرور"(.)3
يبدو أن تعبئة املياه من أهم القضااي اليت كانت تشغل ابل سكان الواحة ،حبيث أن تعبئتها يتجاوز اإلمكانيات الفردية،
إذ تتطلب مشاركة واسعة وتظافرا للجهود ،كما قال ) (1927, p330) Celerier (J.Cإذ تعترب هذه األمور من أهم
مهام "امجاعة" ( )4داخل كل قصر ،حيث تصل أمهية ذلك إىل حدود تعيني "أمغار" ( )5خاص ابملاء يسمى "أمغار ن-
وامان "أي شيخ املاء أو "أمغار ن-تركا" أي شيخ الساقية والذي يساعده بعض أعضاء "امجاعة "يف القيام ابألشغال
املرتبطة بتعبئة مياه السقي وتصريفها حنو األراضي الزراعية كبناء السدود التحويلية وتنقية السواقي.
ختتلف طرق توفري اليد العاملة من أجل القيام ابألشغال املخصصة لصيانة وتنقية السواقي عند "أيت تدغت"
حسب نوعيتها ،فلما يتعلق األمر بصيانة السواقي الرئيسية املشرتكة بني العديد من القصور تعلن "امجاعات" هذه القصور
عن توقيت استصالحها وكنسها من األوحال واألعشاب ،حيث يتم اعتماد نظام "حد الصامي" كذلك كما هو الشأن
ابلنسبة للسد التحويل ،حبيث يعمل شباب كل قصر على تنقية الساقية من أقصى سافلة جماهلم الزراعي إىل عاليت ،
وهكذا حىت تصل األشغال إىل مأخذ املياه .أما إذ تعلق األمر ابستصالح وكنس شبكة سواقي التوزيع ،فإن "امجاعة"
كل قصر هي اليت حتدد توقيت ذلك ،حيث تفرض على كل مستفيد تنقية وإصالح اجلزء الذي يقابل أرض الزراعية من
الساقية.
( )4مؤسسة اجتماعية تعين بتسيري الشؤون الداخلية واخلارجية للقبائل ابملغرب.
( )5يعين الشيخ أو رئيس مؤسسة "امجاعية" التقليدية.
ذ .حممد مهدان 13
يشارك يف هذه األعمال اجلماعية ،اخلاصة بتشييد السدود التحويلية وكذا السواقي الرئيسية ،حىت شباب
العائالت اليت ال متلك سوى أراضي زراعية قليلة ،إمياان منهم أبن هذه السواقي يستفيد منها مجيع سكان القصر أو
القصور احملاذية هلا ،بغض النظر عن املساحة املسقية اليت متلكها كل عائلة ،وذلك ألن هذه السدود والسواقي توفر
كذلك املياه املخصصة لألغراض املنزلية وليس مياه السقي فقط.
على العكس من سكان قصور" ايت تدغت" ،فإن سكان قصور "ايت عطا" بسافلة واحة تودغى ال يستفيدون
من اجلراين العادي لواد تودغى إال اندرا ،إذ يعملون على سقي األراضي الزراعية التابعة لقصورهم ابستغالل مياه
اخلطارات ومياه اآلابر ،حبيث يتوفر سكان كل قصر على خطارة أو عدة خطارات.
رغم أن نظام اخلطارة ينم عن عبقرية كبرية ،إذ يساهم يف استغالل املياه اجلوفية بطريقة دقيقة ولينة ،فإن يتميز هبشاشت
وارتباط ابلتقلبات املناخية ،حبيث يتزايد صبيبها أحياان ،مت يرتاجع أحياان أخرى ،كما قد يتوقف هنائيا ،ليعود من جديد
بعد عدة سنوات من اجلفاف ،هذا األمر هو الذي جعل الباحث ) (1941, p 30) Robaux (Aيقول ،يف إطار
حديث عن املاء واحلياة ابجلنوب املغريب ،أبن املياه اجلوفية اليت يتم تعبئتها عن طريق اخلطارة مكلف جدا ،سواء يف البحث
عن أويف تعبئت ،كما أن أكثر كلفة يف صيانت ،وهو ما يعين أهنا حتتاج قوة عمل مستمرة وسواعد شابة قادرة على توفري
ماليني اايم العمل الضرورية لذلك ،الشيء الذي كانت "امجاعات" القصور اليت تستفيد من مياهها توفره من خالل
البحث بشكل مستمر عن حلول واسرتاتيجيات ملواجهة ذلك ،ومن بني هذه احللول نذكر ما يلي:
حينما يتوقف جراين اخلطارة بسبب هبوط مستوى الفرشة املائية الباطنية ،تستدعي "امجاعة" القصر املستفيدين
منها من أجل تعميق قناهتا التحتية وآابرها حىت تصل من جديد إىل مستوى هذه الفرشة ،أو حفر قناة جوفية اثنية حتت
القناة األصلية .لكن هذه العملية هلا بعض االنعكاسات ،إذ أن ذلك يؤدي إىل جتاوز مستوى بعض األراضي الزراعية،
خاصة اليت تتواجد بعالية القطاع الزراعي للقصر.
13 اإلعداد املائي والتنمية ابلواحات اجلنوبية للمغرب ،منوذج واحة تودغى
قام سكان بعض القصور ،يف سبيل دعم جراين اخلطارة الرئيسية حبفر خطارة اثنية واثلثة أحياان وموازاهتا ،هبدف
استغالل الفرشة الباطنية اجملاورة للخطارة األم ،إذ يتم بعد ذلك جتميع جراين هذه اخلطارات يف ساقية واحدة ،ليتم
توزيعها على ذوي احلقوق من سكات القصر .هذه الطريقة جلأ إليها سكان إغرم أقدمي بسافلة تودغى ،حيث عملوا يف
املرحلة األوىل على حفر اخلطارة املسماة "أيت رحو" قرب خطارة "ام تكار" القدمية لدعم جرايهنا ،وبعد ذلك حبفر
خطارة اثلثة تدعى "تعشات" هبدف مواجهة تراجع صبيب اخلطارتني واحلفاظ على نفس املساحة املزروعة أو متديدها.
اما سكان قصر اتبسباست فقد عصلوا على حفر اخلطارة املسماة "توجديدت" الستغالهلا يف سقي األراضي الزراعية اليت
مل تعد اخلطارة القدمية (ختتارت) متكن من سقيها بسبب نزول مستوى قناهتا على مستوى األراضي الزراعية.
ابإلضافة إىل هذه اإلجراءات كان سكان قصور سافلة واحة تودغى يقومون بعدة أشغال أخرى كتنقية القناة
التحتية والسواقي الرئيسية من حني آلخر .وتربط "امجاعة" هذه القصور أمر القيام جبميع هذه األعمال من حفر وكنس
اخلطارة وقنواهتا حبقوق املاء ،ألهنا هي اليت حتدد قدر مسامهة كل عائلة يف هذه األعمال ،فمن مهام شيخ الساقية عند
"أيت عطا" اإلعالن عن موعد بدء هذه األشغال اجلماعية والعمل على مراقبة حضور ممثلي مجيع ذوي احلقوق.
فبالنسبة للخطارات اليت يتم توزيع مياهها حسب نظام احلقوق الفردية ،كما هو الشأن ابلنسبة خلطارة قصر
اتبسباست وخطارة قصر إغرم أقدمي ،فإن توفري اليد العاملة يتم حسب عدد نوابت دورة السقي ،إذ تقدم العائالت
املالكة حلقوق املاء عامال أو عاملني عن كل نوبة وذلك ابلتناوب فيما بينها حسب نسبة ملكيتها داخل النوبة ،أما إذا
ذ .حممد مهدان 13
كان نظام توزيع مياه السقي يعتمد على احلقوق اجلماعية ،كما هو الشأن ابلنسبة خلطارة قصر بوتغاظ ،فإن توفري اليد
العاملة يتم حسب نظام "اتكورت ( ،")6ومعىن أن مالك حصة واحدة من املاء يشارك يف هذه األعمال مرة كل أربعة أايم.
أما إذا تعلق األمر بضرورة إجناز أشغال تتطلب أايدي عاملة كثرية ،كحفر اخلطارة أو الزايدة يف طوهلا ،فيتم استدعاء
عامل واحد عن كل "اتكورت".
أدى التدخل االستعماري ،كما قال عبد اللطيف بنشريفة يف إحدى مقاالت اليت نشرت ابملوسوعة الكربى للمغرب،
) (Bencherifa A, 1987, p 110إىل وقوع التقاء بني الثقافة التقليدية للعامل القروي املغريب والثقافة االستعمارية
األوروبية خاصة الفرنسية ،حيث حاولت السلطات االستعمارية تغيري االقتصاد الزراعي املعاشي الذي ينسجم مع التنظيم
القبلي للسكان ،مقابل نشر اقتصاد رأمسايل أورويب ،وقد جندت لذلك كل إمكانياهتا القانونية والتقنية وحىت العسكرية
أحياان .وقد برز هذا التأثري على ثالثة مستوايت هي:
إنشاء قطاع زراعي استعماري يعتمد ابألساس على نزع ملكية األراضي الزراعية.
التحديث الزراعي.
نفس هذه اإلجراءات قامت هبا السلطات االستعمارية بواحة تودغى رغم أتخر السيطرة عليها ورغم ضعف
إمكانياهتا الطبيعية.
عملت السلطات االستعمارية بعد إحكام سيطرهتا على أجود األراضي ابلواحة ،خاصة ومنطقة غليل بسافلة الواحة ،على
االهتمام بزراعة احلبوب خاصة القمح الطري وكذا بعض املزروعات الصناعية كالقطن والفول السوداين(Raclot ،
) 1936, p9حيث حصل العديد من املعمرين على قروض ومساعدات من طرف مديرية الشؤون األهلية ،اليت عملت
يف نفس الوقت على االحتفاظ هبذه األراضي للقبائل ،سعيا منها لتثبيتها على أرضها ،وحتديد حدودها اإلدارية ،وكذا
( )6نظام لتوزيع األراضي اجلماعية وحقوق املياه عند أيت عطا ،ويعين نصيب كل عائلة عند توزيع األراضي اجلماعية أو حقوق املياه.
13 اإلعداد املائي والتنمية ابلواحات اجلنوبية للمغرب ،منوذج واحة تودغى
اإلبقاء على سكاهنا داخل قصورهم ،وذلك من أجل تسهيل مراقبتهم ،وكدا احلد من اهلجرة القروية وخماطر التمدن ،كما
قال ) Bouderbala. N (1987, p14ابلنسبة للعديد من املناطق القروية ابملغرب.
وما أن هذه املزروعات حتتاج إىل سقي مكثف فالبد من البحث عن املاء ،غري أن السلطات االستعمارية بواحة تودغى مل
تلجأ مند البداية إىل استغالل املياه اجلوفية ،كما فعلت ابلعديد من الواحات اجلزائرية (Celerier(J.C)1927) (p
) 329والتونسية ) (Bedoucha (G) 1987, p325وكذا ومنطقة سوس ابملغرب ) (Popp 1986, p39و(احلسني
احملداد ،2003ص ،)181بل عمدت إىل استغالل املياه السطحية لواد تودغى ،حيث قال (p1941,27) Robaux
) (Aأن سلطات احلماية سعت إىل استغالل مياه الفيضاانت يف سقي بعض املزارع بسافلة الواحة عرب تشييد سد حتويلي
كبري هبذه املنطقة.
سعت سلطات احلماية إىل بناء سد حتويلي كبري ومنطقة غليل ابستعمال
االمسنت واجلري ،لتمكني املعمرين الذين حصلوا على األراضي الزراعية هلذه
املنطقة من استغالل مياه فيضاانت أودية الواحة وكذا مياه العيون
واخلطارات احملاذية جملرى وادي تودغى .حسب الدراسة اليت قام هبا مكتب
الدراسات ,(1995) ADI-فإن هذا السد التحويلي شيد بني سنوات
1446و ،1448حيث كان ارتفاع حوايل 2330م وعرض مرتين ،كما
قامت كذلك بتشييد قناة يبلغ طوهلا حوايل ثالثة كيلومرتات ونصف ،حلمل مياه السد حنو األراضي الزراعية هبذه املنطقة.
يع ترب هذا السد التحويلي إذن أول منشأة مائية أجنزهتا السلطات االستعمارية ابلواحة وذلك بتشغيل سكان
قصور أيت عيسى أبراهيم وأيت احلارث املالكني األصليني لألراضي الزراعية هبذه املنطقة ،بشكل جماين ( ،)7حيث حيكي
السيد "ل.ا" وهو من الذين شاركوا يف أعمال تشييد هذا السد" :كانت السلطات االستعمارية تفرض على مجيع شباب
قصور أيت عيسى أبراهيم وأيت حلارث املشاركة يف أعمال "السخرة" املخصصة لبناء سد غليل ،كما كانت تفرض على
كل عائلة تقدمي نصيبها من احلطب املخصص إلنتاج اجلري ،حسب عدد أشجار النخيل والزيتون اليت متلكها".
( )7وفق أعمال "السخرة" أو ما يسمى ابلفرنسية ) (les travaux couvresاليت كانت تفرضها السلطات االستعمارية على سكان الواحة لبناء السواقي
والقناطر والسدود التحويلية.
ذ .حممد مهدان 13
أعطت الدولة مند االستقالل أمهية كربى للقطاع الزراعي ،إذ عملت على تنمية هذا القطاع بناء على منهج
أساسي هو التجهيز اهليدرو -فالحي كبناء السدود وجتهيز اجملاالت املسقية .وهتدف أغلب هذه املشاريع أساسا إىل
تنمية املناطق السقوية اليت بدأ االستعمار يف استغالهلا واستصالحها ،ومعىن تزكية املناطق احملظوظة مسبقا وغض الطرف
عن املناطق اليت مل ميسها أي استصالح (رمحة بورقية ،1441ص .)153
أما ابلنسبة لواحة تودغى فإن العكس هو الذي حصل ،حيث ختلت الدولة عن االهتمام بسقي منطقة غليل
اليت جعلتها السلطات االستعمارية جماال إلدخال وتشجيع الزراعات احلديثة .ويرجع سبب هذا الرتاجع عن النظام الذي
أقرت السلطات االستعمارية لتوزيع مياه واد تودغى إىل الضغط الذي مارس سكان قصور عالية الواحة على السلطات
العمومية من أجل اسرتجاع مكاسبهم القدمية يف استغالل املوارد املائية للواحة.
يف سبيل مواجهة هذا االختالل يف توزيع املياه ابلواحة وكذا هتدئة األوضاع ،قامت الدولة بتقدمي بعض احللول
للمسامهة يف تدبري املياه ومساعدة سكان السافلة على تعبئة موارد مائية أخرى لتلبية حاجياهتم ،كبناء بعض السدود
التحويلية والتلية من أ جل استغالل مياه الفيضاانت وبناء العديد من السواقي واستصالح اخلطارات.
قامت الدولة مع بداية عقد السبعينات من القرن املاضي بتشييد سدين حتويليني على واد بوتغاط وكذا سد تلي
على واد أيت عيسى أبراهيم .ويف سنة 1482قامت الدولة كذلك ببناء سد حتويلي بقصر إعدوان وآخر بقصر أيت
13 اإلعداد املائي والتنمية ابلواحات اجلنوبية للمغرب ،منوذج واحة تودغى
احممد ،وآخر بقصر اتبيا سنة 2001وآخر بقصر أكدمي انيت إعزى على واد تودغى سنة ،2004كما شهدت نفس
السنة استصالح سد غليل الذي شيد مند عهد احلماية.
استفاد العديد من سكان قرى عالية ووسط الواحة من برانمج استصالح السواقي ،حيث مت إعداد وتلبيط
العديد من السواقي الرئيسية هبدف محايتها من الفيضاانت ولتخيف تسريباهتا كما هو الشأن ابلنسبة لساقية أيت احممد،
وساقية الطبيان ،مع وضع حاجز حلماية هذه الساقية من الفيضاانت.
تدخلت مصاحل الدولة كذلك ابلعديد من قرى سافلة الواحة من أجل احملافظة على نظام السقي ابخلطارة،
حيث قامت ببناء خطارة الزايد ابحلارث ن-إكرامن سنة ،1478إضافة إىل الزايدة يف طول القناة التحتية خلطارة بوتغاظ
بعد أن جفت متاما سنة ،1474األمر الذي جعل صبيبها مستمرا رغم سنوات اجلفاف الذي عرفت الواحة خالل
السنوات املاضية ،إذ قال أحد الذين شاركوا يف هذ ا املشروع كمراقب لألشغال (ل.أ) :استمرت أشغال متديد طول
خطارة بوتغاط وصيانة قناهتا سنة كاملة ،حيثا مت حفر ثالثني بئرا أخرى من سلسلة آابر اخلطارة ،وهذا ما مكن من الرفع
من صبيب اخلطارة " ،أما يف قصر أقدمي فقامت مصاحل الدولة بعدة أشغال مهت تلبيط ساقييت "تعشات" و"ام اتكار"
عدة مراحل ،كان آخرها سنة ،1444وذلك هبدف محايتها من االهنيارات ،وكذا التخفيف من نسبة تسرب أو تبخر
مياهها.
يتضح أن إجناز هذه البنيات التحتية السقوية تطلب جمهودات كبرية ،كما صرفت من أجلها أموال طائلة ،لكن
ذلك مل يعطي نتائج ملموسة يف جمال تدبري مياه السقي بواحة تودغى ،فرغم أن بناء بعض السدود التحويلية وبعض
السواقي ابإلمسنت خفف عن سكان بعض القرى متاعب إعادة بنائها كلما محلتها السيول ،فإن ذلك ل عدة سلبيات
تقنية واقتصادية واجتماعية ،فهذه السدود تؤدي أ حياان إىل حتويل جمرى مياه الفيضاانت حنو اجملال الزراعي ،وهو ما
يؤدي إىل اجنراف تربتها ،كما هو الشأن ابلنسبة لألراضي الزراعية التابعة لقصر اتبيا ،أو ختريب مساكن بعض القرى،
كما حدث سنة 2007بقصر "احلارث ن-إكرامن" بسافلة تودغى .إضافة إىل ذلك فإن بناء هذه السدود التحويلية
يعرقل وصول املياه الدائمة اجلراين لواد تودغى إىل مزارع بعض قصور السافلة ،ألهنا أوال متنع من تسرب مياه الواد حنوها
كما كان األمر ابلنسبة للسدود التحويلية التقليدية ،واثنيا ألهنا تكون أحواض كبرية يتطلب ملؤها وقتا طويال.
نفس الشيء ابلنسبة الستصالح اخلطارات ،إذ مل تقم مصاحل الدولة إبجناز دراسة معمقة عن اتريخ نظام
اخلطارات ابملنطقة وكيفية استغالهلا قبل القدوم على استصالحها ،حبيث أن استعمال اإلمسنت يف بناء اخلطارة جعل أمر
تعميق قناهتا من طرف السكان حبثا عن مياه الفرشة الباطنية عند هبوط مستواها أمرا صعبا ،األمر الذي جعل سكان
ذ .حممد مهدان 34
العديد من القصور كإغرم أقدمي واحلارث ن-إكرامن يضطرون إىل تكسري االمسنت اليت بنيت هبا قنوات خطاراهتم قصد
تعميقها ،وهو ما تطلب منهم جهدا كبريا ووقتا طويال.
أما من الناحية االجتماعية فقد أدى هذا التدخل يف جمال تدبري املياه ابلواحة إىل ظهور نظام مزدوج للسقي
ونظام مزدوج للتجهيزات ،األمر الذي أدى إىل ختلي السكان على بعض مهامهم كإصالح السواقي وتشييد السدود
التحويلية ،حيث ألقيت هذه املهام على عاتق مصاحل الدولة ،فتالشت بذلك العالقات اليت تربط الفرد ابجلماعة وبني
سكان القصور ااملستفيدين من نفس اجملرى املائي.
عرفت عالقة اإلنسان ابملوارد املائية بواحة تودغى عدة حتوالت ،سواء من حيث أشكال تعبئتها أو استهالكها،
فمند عقد السبعينات من القرن املاضي تغريت نظرة السكان للموارد املائية وكذا إسرتاتيجياهتم اخلاصة بتعبئتها
واستهالكها ،حبيث ظهرت وتطورت بشكل كبري ظاهرة الضخ العصري سواء املوج للسقي أو لتعبئة مياه الشرب ،خاصة
يف املناطق اليت تعاين من ندرة املياه السطحية الدائمة اجلراين ،وقد ساعدهم على ذلك حتسن أوضاعهم االقتصادية
بفضل عائدات اهلجرة اخلارجية ،حبيث عمل العديد من املهاجرين على إدخال تقنيات جديدة للضخ واستصالح
األراضي الرعوية هبدف استغالهلا يف الزراعية ،إما هبدف تلبية حاجيات السكان املتزايدة من املواد الغذائية أو إلبراز
التفوق والرف االجتماعي ،األمر الذي ساهم يف توسع اجملال الزراعي للواحة بشكل كبري.
جدول تطور عدد حمطات الضخ بواحة تودغى بني سنىت 3333و3443
يتضح من خالل اجلدول أعاله أن كلما اجتهنا حنو السافلة كلما تضاعف عدد حمطات الضخ ،حبيث نالحظ
أن استعمال الضخ يرتكز ابخلصوص يف مجاعيت تودغى السفلى واتغزوت انيت عطا ،فهذه املناطق تضم حوايل %45
من املساحات املسقية عن طريق ضخ مياه اآلابر.
هذا االستغالل املتزايد للمياه اجلوفية أدى إىل تراجع غري مسبوق ملستوى الفرشة الباطنية يف العشرين سنة
األخرية ،حيث نزل مستوى الفرشة وما بني مثانية واثنا عشر مرتا يف املتوسط ،األمر الذي أدى إىل توقف جراين العديد
من اخلطارات وكذا نضوب مياه اآلابر املخصصة للشرب وللسقي.
يعمد أصحاب هذه اآلابر ملواجهة تراجع مستوى الفرشة الباطنية إىل تعميقها من حني آلخر أو تغيري أماكنها
حبثا عن فرشة أخرى ،او حىت تغيري املناطق الزراعية اليت جفت فرشتها ومناطق أخرى مل تعرف الزراعة والسقي من قبل،
حبيث انتقل العديد من سكان الواحة من استغالل منطقة غليل اليت تراجع مستوى الفرشة الباطنية فيها بشكل كبري اىل
استغالل منطقة اتنكارفا اليت حتولت مند سنة 1998من منطقة رعوية جافة إىل منطقة زراعية ،حيث متت إقامة ضيعات
فالحية كربى تعتمد أحدث تقنيات الضخ والسقي.
ذ .حممد مهدان 33
خامتة
حاولنا من خالل رصد أهم مراحل اإلعداد املائي بواحة تودغى إبراز كون املاء هو احملور الرئيسي حلياة السكان
هبذه الواحة ،كما هو احلال ابجلنوب املغريب على العموم ،فحياة سكان هذه املناطق ال يعرتضها املناخ وال طبيعة األراضي
وال شروط العيش ،إذ املاء وحده هو الضروري ابلنسبة هلم .فمن أجل توفري مصادر العيش لساكنة اجلنوب ولتوفري اكتفاء
ذايت لساكنتها املتزايدة جيب االهتمام أوال وقبل كل شيء ابإلعداد املائي.
هذا الرهان هو الذي أصبح فعال حمط اهتمام مجيع الفاعلني كأجهزة الدولة واملنظمات غري احلكومية واجلمعيات
الفاعلة ابلواحات وحىت السكان وذلك من خالل اقرتاح العديد من احللول لتجاوز األزمة املائية اليت تعرفها هذه املناطق.
من هذه احللول بناء سدود كربى لتجيع مياه الفيضاانت املتكررة وبناء السدود التلية واستصالح املوجودة منها هبدف
املسامهة يف تغذية الفرشة الباطنية وأخريا الرفع من مردودية السواقي ومراقبة نظام الضخ العصري.
الئحة املراجع
-رمحة بورقية :1441 ،الدولة والسلطة واجملتمع ،دراسة يف الثابت واملتحول يف عالقة الدولة بقبائل زمور .دار
الطليعة بريوت.
-حممد أيت محزة " :1443التوازن اإليكولوجي الواحي بني التنافس والتكامل" اجملال واجملتمع ابلواحات املغربية
منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ومكناس ،سلسة الندوات رقم .6
- BENCHERIFA (A), 1987 : «Le monde rurale marocain: diversité spaciale et
)culturelle»: La Grande Encyclopédie du Maroc, (Géographie humaine.
- BERQUE (J) et PASCON (P), 1978: Structures Sociales du Haut-Atlas, suivi
de Retour au Seksawa, 2ème édition, PU .F, Paris.
- JELLOULI (D), 1987: «L’agriculture dans les zones arides» : La Grande
)Encyclopédie du Maroc, (Agriculture et pêche
31 منوذج واحة تودغى،اإلعداد املائي والتنمية ابلواحات اجلنوبية للمغرب
- LEVEAU (R), 1985: Le fellah marocain défenseur du trône. Presse de la
Fondation Nationale des Sciences Politiques, Paris.
- RACLOT (Lt) 1936: «La vallée du Toudgha.» RGM, n° 20. (pp 86-109).
- ROBAUX (A), 1941: «L'eau et la vie dans le sud marocain ». RGM, n° 1-2,
Rabat, (pp 23-32).