You are on page 1of 11

‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬

‫االستدامة يف العمارة الصحراوية‬


‫لعمودي التجاين‬
‫جامعة اجلزائر ‪ ( 2‬اجلزائر )‬
‫ﺍﻻﺳﺘﺪﺍﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﻭﻳﺔ‬ ‫ملخص‪:‬‬
‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أرضية مالئمة الستيعاب التوسع العمراين‪ ،‬فإن هذا ال يتم‬
‫األراضي العربية‬ ‫تشكل غالبية‬
‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬ ‫اليتﺍﻟﻌﻠﻮﻡ‬‫ﻣﺠﻠﺔ‬‫عندما نفكر يف جعل الصحراء‬‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬

‫ﻭﺭﻗﻠﺔيئة من أمناط عمرانية تناسب احليـاة يف املناطق الصحراوية‪ ،‬لذلك‬


‫ﻣﺮﺑﺎﺡ ‪-‬تلك الب‬
‫ﻗﺎﺻﺪﻱ يالءم‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔدراسة ما‬
‫مسات البيئة الصحراوية وكذلك‬ ‫إال بدراسة‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬

‫ﻟﻌﻤﻮﺩﻱ التعـرف علـى إجيابياهتـا وسلبياهتا لنتمكن من وضع أسس ختطيطية للتعامل مع‬‫ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﻲ‪،‬من خـالل‬
‫ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬راسة األمناط العمرانية‬
‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒالبحث إىل د‬
‫يسعى هذا‬
‫ﻉ‪22‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫البيئة الصحراوية‪ ،‬وكذلك الوصول إىل تشكيل عمراين يالئـم املدن الصحراوية‪ ،‬وأيضا نتعرف على بعض املعاجلات البيئية املستخدمة يف‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫‪2016‬التنمية الشاملة للمدن العربية الصحراوية‪.‬‬ ‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬نتمكن مـن حتقيق‬
‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦراوية عندها‬
‫املباين الصح‬
‫عليه االستدامة وهو ال يعترب مصطلحا جديدا أو مبتكرا‪ ،‬بل هو مفهوم جسدته العمارة‬ ‫ﻣﺎﺭﺱ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬الشك فيه‪ ،‬أنه ما يصطلح‬ ‫مما‬
‫‪241‬وافق العفوي التجرييب املرتابط مع البيئة واالستغالل الكفء ملصادر البيئة الطبيعية وفق‬
‫‪- 250‬عرب الت‬
‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬لف أرجاء العامل منذ القدم‬
‫التقليدية يف خمت‬
‫السنني‪ .‬لقد كانت العمارة الوسيلة األساسية اليت ابتكرها اإلنسان حلمايته من ظروف البيئة‬ ‫‪755022‬‬ ‫من التجربة واخلطأ على مر‬ ‫‪:MD‬‬ ‫تطور ﺭﻗﻢ‬
‫حثيث‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫اخلارجية القاسية وذلك ابستغالل مصادر الطاقة الطبيعية كالشمس والرايح وإمكانيات الرتبة‪.‬‬
‫‪Arabic‬‬ ‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪:‬‬
‫‪Résumé:‬‬
‫‪nous pensons à faire le désert qui composent la majorité‬‬ ‫‪HumanIndex‬‬ ‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫‪des terres arabes‬‬ ‫‪étage‬‬‫ﻗﻮﺍﻋﺪ‬
‫‪apte à‬‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﺪﻭﻝ‬ ‫‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺪﻥ‬ ‫ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻧﻲ‬ ‫ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ‬ ‫‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺴﺘﺪﻳﻤﺔ‬ ‫ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ‬
‫‪accueillir l'expansion urbaine, cela est non seulement étudie les caractéristiques‬‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫‪environnementales du déserthttp://search.mandumah.com/Record/755022‬‬
‫‪ainsi que l'étude de ce qui convient à cet environnement‬‬ ‫‪ de‬ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫‪schémas urbains vie ajustement dans les zones désertiques, cette recherche vise à étudier les‬‬
‫‪styles architecturaux à travers d'identifier les avantages et les inconvénients d'être en mesure de‬‬
‫‪jeter les bases de la planification pour faire face à l'environnement du désert, ainsi que l'accès à‬‬
‫‪la formation des urbains villes crises du désert, et aussi apprendre de certains des processeurs‬‬
‫‪environnementaux utilisés dans les bâtiments du désert alors nous pouvons parvenir à un‬‬
‫‪développement global des villes arabes sahraouis. Il ne fait aucun doute, que ce que l'on appelle‬‬
‫‪la durabilité et est pas considérée comme une nouvelle ou novatrice terme, il est un concept‬‬
‫‪incarné dans l'architecture traditionnelle dans différentes parties du monde depuis les temps‬‬
‫‪anciens à travers démo de compatibilité spontanée interconnecté avec l'environnement et‬‬
‫‪l'exploitation efficace des sources de l'environnement naturel en conformité avec le‬‬
‫‪développement vigoureux des essais et erreurs au cours des années. L'architecture a été le‬‬
‫‪principal moyen par Humann inventés pour le protéger de Les conditions difficiles de‬‬
‫‪l'environnement extérieur et que l'exploitation des sources d'énergie naturelles comme le soleil‬‬
‫‪et le vent et les possibilités du sol.‬‬
‫‪Mots clés: le désert - les zones désertiques - villes crises du désert - l'architecture‬‬
‫‪traditionnelle‬‬
‫مقدمة البحث‪:‬‬
‫ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡتوفري‬
‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓرار بغية‬
‫متغريةﻫﺬﻩابستم‬ ‫إحدى احلاجات األساسية لإلنسان‪ ،‬مثلت له املأوى‪ ،‬كانت عفوية‬ ‫بدأت العمارة منذ القدم لتلبية‬
‫© ‪ 2021‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫ليمارس نشاطه فيها بعيدا عما ميكن أن يكون مزعجا أو مضرا مما حييطه من البيئـة؛ لـذا تالزم تطوير اإلنسان للفراغ الذي‬ ‫احليز املالئم‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫يكيفه ليمارس فيه نشاطه مع تعامله مع الظروف البيئية احمليطة به للوصول إلـى الفراغ األكثر راحة‪ .‬من هنا بدأت العمارة‪ ،‬واليت كانت‬

‫‪241‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
2016 ‫ مارس‬/22 ‫ العدد‬- ‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية‬

‫االستدامة يف العمارة الصحراوية‬


‫لعمودي التجاين‬
) ‫ ( اجلزائر‬2 ‫جامعة اجلزائر‬
:‫ملخص‬
‫ فإن هذا ال يتم‬،‫عندما نفكر يف جعل الصحراء اليت تشكل غالبية األراضي العربية أرضية مالئمة الستيعاب التوسع العمراين‬
‫ لذلك‬،‫إال بدراسة مسات البيئة الصحراوية وكذلك دراسة ما يالءم تلك البيئة من أمناط عمرانية تناسب احليـاة يف املناطق الصحراوية‬
‫يسعى هذا البحث إىل دراسة األمناط العمرانية من خـالل التعـرف علـى إجيابياهتـا وسلبياهتا لنتمكن من وضع أسس ختطيطية للتعامل مع‬
‫ وأيضا نتعرف على بعض املعاجلات البيئية املستخدمة يف‬،‫ وكذلك الوصول إىل تشكيل عمراين يالئـم املدن الصحراوية‬،‫البيئة الصحراوية‬
.‫املباين الصحراوية عندها نتمكن مـن حتقيق التنمية الشاملة للمدن العربية الصحراوية‬
‫ بل هو مفهوم جسدته العمارة‬،‫ أنه ما يصطلح عليه االستدامة وهو ال يعترب مصطلحا جديدا أو مبتكرا‬،‫مما الشك فيه‬
‫التقليدية يف خمتلف أرجاء العامل منذ القدم عرب التوافق العفوي التجرييب املرتابط مع البيئة واالستغالل الكفء ملصادر البيئة الطبيعية وفق‬
‫ لقد كانت العمارة الوسيلة األساسية اليت ابتكرها اإلنسان حلمايته من ظروف البيئة‬.‫تطور حثيث من التجربة واخلطأ على مر السنني‬
.‫اخلارجية القاسية وذلك ابستغالل مصادر الطاقة الطبيعية كالشمس والرايح وإمكانيات الرتبة‬
Résumé:
nous pensons à faire le désert qui composent la majorité des terres arabes étage apte à
accueillir l'expansion urbaine, cela est non seulement étudie les caractéristiques
environnementales du désert ainsi que l'étude de ce qui convient à cet environnement de
schémas urbains vie ajustement dans les zones désertiques, cette recherche vise à étudier les
styles architecturaux à travers d'identifier les avantages et les inconvénients d'être en mesure de
jeter les bases de la planification pour faire face à l'environnement du désert, ainsi que l'accès à
la formation des urbains villes crises du désert, et aussi apprendre de certains des processeurs
environnementaux utilisés dans les bâtiments du désert alors nous pouvons parvenir à un
développement global des villes arabes sahraouis. Il ne fait aucun doute, que ce que l'on appelle
la durabilité et est pas considérée comme une nouvelle ou novatrice terme, il est un concept
incarné dans l'architecture traditionnelle dans différentes parties du monde depuis les temps
anciens à travers démo de compatibilité spontanée interconnecté avec l'environnement et
l'exploitation efficace des sources de l'environnement naturel en conformité avec le
développement vigoureux des essais et erreurs au cours des années. L'architecture a été le
principal moyen par Humann inventés pour le protéger de Les conditions difficiles de
l'environnement extérieur et que l'exploitation des sources d'énergie naturelles comme le soleil
et le vent et les possibilités du sol.
Mots clés: le désert - les zones désertiques - villes crises du désert - l'architecture
traditionnelle
:‫مقدمة البحث‬
‫ كانت عفوية متغرية ابستمرار بغية توفري‬،‫ مثلت له املأوى‬،‫بدأت العمارة منذ القدم لتلبية إحدى احلاجات األساسية لإلنسان‬
‫احليز املالئم ليمارس نشاطه فيها بعيدا عما ميكن أن يكون مزعجا أو مضرا مما حييطه من البيئـة؛ لـذا تالزم تطوير اإلنسان للفراغ الذي‬
‫ واليت كانت‬،‫ من هنا بدأت العمارة‬.‫يكيفه ليمارس فيه نشاطه مع تعامله مع الظروف البيئية احمليطة به للوصول إلـى الفراغ األكثر راحة‬

241
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫حتمل أساليب متيزها وفق املنطقة اليت تظهـر فيهـا تبعـا للخصوصية البيئية للمنطقة بدأت بعدها الظروف واحلاجات االجتماعية واألفكار‬
‫واحلاجات العقدية والثقافيـة لإلنسـان ابلتأثري على ما ينشئه من فراغ‪ .‬وبعد تطور العمارة وأساليبها وحركاهتا؛ أصبح ما حياكي طبيعة‬
‫اإلنسـان وحيتـرم ظروفه وأفكاره ومعتقداته وينسجم مع ما حييطه من ظروف بيئية توفر فراغا أكثر راحة‪.‬‬
‫ملا كانت معظم األراضي العربية ذات طابع صحراوي يتنوع مناخها وخيتلف تكوينها فقد استطاع اإلنسـان أن يبدع يف إجياد‬
‫أمناط عمرانية للبيئة الصحراوية تناسب حياته يف تلك البيئة على خمتلف األصعدة النفسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والدينية‪...‬‬
‫مناخ املناطق الصحراوية‪:‬‬
‫يتسم مناخ املناطق الصحراوية ابالرتفاع الكبري يف درجات احلرارة يف فصل الصيف حيـث ترتفـع النهايـة العظمى للحرارة يف‬
‫الظل إىل ‪ 45‬م‪ ،‬وقد تصل إىل ‪ 50‬م‪ .‬أما النهاية الصغرى يف الليل فال تـنخفض عـن ‪ 20‬م‪.‬‬
‫ويساعد على تطرف املناخ يف جهات الصحاري قلة السحب وانعدام الغطاء النبايت تقريبا‪ ،‬ومن ثـم ارتفـاع كثافـة اإلشعاع‬
‫املباشر الساقط على هذه اجلهات وارتفاع كثافة اإلشعاع األرضي أثناء الليل هذا ابإلضافة إىل اخنفاض كميـة ونسبة الرطوبة يف اهلواء‬
‫حيث ترتاوح الرطوبة النسبية ما بني ‪ 20 %‬يف فرتة الظهرية إىل أكثر من ‪ 40 %‬يف الليل‪ ،‬أما األمطار فتتميز إىل جانب ندرهتا أبهنا‬
‫طارئة وغري اثبتة حيث أن معظمها يسقط على شكل سيول طارئة تنحدر إىل بطون األودية واملنخفضات‪ ،‬أما الرايح احمللية فمعظمها‬
‫رايح ساخنة حمملة ابلغبار واألتربة وغالبا ما تؤدي إىل هبوب العواصف الرملية أو الرتابية اليت تعد من أهم املالمح اخلاصة ملناخ‬
‫الصحاري احلارة‪ .‬وكما نعلم فان البيئـة تؤثر على عمارة اإلنسان فنتيجة للظروف املناخية املتنوعة يف الصحراء فقد أوجد اإلنسان‬
‫املعماري األمناط العمرانية اليت تالئم البيئة الصحراوية‪.‬‬
‫ختطيط العمارة الصحراوية‪:‬‬
‫إن العمارة على مر العصور كانت دائما انعكاسا صادقا للبيئة احلضارية اليت كانت تسود كـل مرحلـة مـن املراحل التارخيية‬
‫املتالحقة‪ ،‬ومن قدمي الزمان أقيمت مدن على أطراف الصحراء حيث ساعدت البيئة احلارة بظروفها الطبيعية واالجتماعية على خلق‬
‫منط معني متالئم معها‪ ،‬فقد ساعدت البيئة احلارة على توجيه اإلنسان إىل الداخل سواء كان للحي أو املسكن أو يف املدينة ككل حىت‬
‫يتوفر عامل احلماية من الظروف املناخية‪.‬‬
‫ولقد ظهرت التشكيالت املعمارية على مستوى التخطيط بصوره عفوية وتلقائية دون االرتباط املسبق ابعتبارات تشكيلية أو‬
‫معمارية معينة‪ ،‬وبذلك أصبحت العمارة التقليدية تعرب بصدق عن الوظيفـة والبيئـة الطبيعيـة والثقافيـة واالجتماعية السائدة‪ ،‬وقد‬
‫استطاعت هذه العمارة التوصل إىل حلول معمارية سليمة كفيلة بتحقيق احلماية من العوامـل اجلوية شديدة القسوة‪ ،‬فظهرت املباين‬
‫امللتحمة أو شبه امللتحمة يف نسيج عشوائي وتلتف حـول الفراغـات الداخليـة ألفنيتها مما يوفر أكرب مساحة مظللة ويعترب تكامل‬
‫الفراغات وتداخلها من أهم القيم التخطيطية والتصـميمية للعمـارة التقليدية وخاصة يف املباين السكنية‪ ،‬ويعمل هذا التخطيط العضوي‬
‫على احلد من تعرض مكوانته املختلفة كاملسـكن والشوارع واملمرات إىل قدر كبري من املؤثرات البيئية اخلارجية كأشعة الشمس املباشرة أو‬
‫احلرارة املنقولة ابإلشعاع أو األتربة احملمولة يف اهلواء‪ ،‬ولذلك يكون األنسب يف البيئة ذات املناخ احلار اجلاف أو الصحراوي بشكل عام‬
‫وذلك هبدف التقليل ملا سلف ذكره للجوء إىل األمناط التخطيطية املدجمة أو النسيج املتضام بقدر اإلمكان مـن التعـرض للظروف‬
‫املناخية اخلارجية‪ .‬فما هو التخطيط املدمج أو املتضام ؟‬

‫‪242‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫التخطيط املدمج أو املتضام‪:‬‬
‫يقصد به إتباع احلل املتضام يف جتميع املدينة هو تقارب مباين بعضها من بعض حيث تتكتل وتتـراص يف صفوف متالصقة‪ ،‬يف‬
‫البيئة الصحراوية اجلافة يكون التفاوت كبري بني درجة احلرارة صيفا وشتاء وكذلك بني الليـل والنهار‪ ،‬مما يوجب معه استخدام التخطيط‬
‫املتضام املتالحم‪ ،‬لتوفري أكرب قدر من الظالل اليت تسقطها املباين علـى بعضها البعض والناجتة عن اختالف االرتفاعات والربوزات يف‬
‫احلوائط اخلارجية‪ ،‬حبيث ال يتعرض ألشعة الشمس سوى أقل مساحة من الواجهات واألسطح‪ ،‬ومن مث تكون الطاقة النافذة أو املتسربة‬
‫إىل املباين يف أضيق احلدود‪.‬‬
‫خصائص التخطيط املدمج‪:‬‬
‫ومن مسات هذا التخطيط أن عروض الشوارع ضيقة وملتوية‪ ،‬لتقليل املساحات املعرضة للشمس مما يعمل على االستقرار‬
‫احلراري واحلفاظ على ركود اهلواء البارد أسفل الشوارع‪ ،‬مع مراعاة أن تكون متعامدة على اجتاه الريـاح السائدة بسبب احتمال هبوب‬
‫الرايح احململة ابلرمال واألتربة‪ ،‬اليت تؤدي إىل رفع درجة احلرارة داخل املباين‪ ،‬أمـا الشوارع الضيقة (املمرات) داخل التجمعات السكنية‬
‫ذات التخطيط الغري متضام فإهنا تظل قاصـرة يف االسـتقرار احلراري حيث ترتفع درجة حرارة اهلواء يف هذه الشوارع‪ ،‬وهذا راجع إىل‬
‫سقوط أشعة الشـمس املباشـرة عليهـا وسخونة األرض وانعكاس اإلشعاع الشمسي من احلوائط اجملاورة هلا وعدم هتويتها ابلشكل اجليد‬
‫أو توجيهها يف اجتاه اهلواء السائد‪ ،‬وهذه األسباب جمتمعة جتعل من هذه الشوارع الضيقة خمزان للحرارة‪ ،‬مما ينقل هذه احلـرارة للقشـرة‬
‫اخلارجية للمبىن عن طريق خاصية التوصيل احلراري‪ ،‬أما يف الشوارع املتسعة واليت تعد من العناصر السلبية كوهنا تزيد من الكسب‬
‫احلراري جند أن اتساع هذه الشوارع وحترك اهلواء فيها بشكل سريع مع تشجريها ميكن من خاللـه التقليل من الكسب احلراري‪ .‬وكان‬
‫هلذا التخطيط انعكاسا إجيابيا على اجلوانـب العالئقيـة داخـل جمتمعـات املـدن الصحراوية‪ ،‬وهو ما نفتقده اليوم بشكل عام داخل مدن‬
‫يف الصحراء‪ .‬كان سائدا سلفا يف املعمار الصـحراوي ومـا أؤكد على تسميتها ابملدن الصحراوية‪ .‬وهتدف هذه الورقة البحثية إىل دراسة‬
‫منط البناء األفقي‪ ،‬والتعرف على مـدى مالئمته للمناخ وحماولة استعادته ابعتباره احلل األمثل لعمارة صحراوية مستدامة وذلك للوصول‬
‫إىل النمط األمثـل املالئم لعمارة الصحراء‪ .‬ويعين هذا انتشار املباين على املستوى األفقي ابرتفاعات قليلة ال تتعدى الدوريني أو الثالثة‬
‫على أقصى تقدير موجهة إىل الداخل على أفنية تفتح عليها عناصر املسكن‪ ،‬وهذا النوع يوفر جوا اجتماعيـا أفضـل ويعطي كثافات‬
‫أعلى من النمط املفتوح‪.‬‬
‫قبل أن نعرج على خصائص العمارة الصحراوية التقليدية‪ ،‬وجب أن نسلط الضوء على مـا تعيشـه العمـارة الصحراوية يف وقتنا‬
‫احلايل فال تكاد متر حبي إال وحتيط بك العمارات ذات الطوابق العديدة‪ ،‬وحىت من كانـت هلـم القدرة على بناء مساكن فردية جتده‬
‫بدورها متعددة الطوابق من جهة وال تتناسب يف أي جانـب مـن اجلوانـب مـع مقومات العمارة الصحراوية‪ .‬ويف واقع احلال يعد ذلك‬
‫طمسا لرتاث مادي عريق مع سبق اإلصـرار والرتصـد وخنلص إىل‪:‬‬
‫من حيث التوافق والتالؤم مع بيئة ومناخ الصحراء‪:‬‬
‫ال حتقق مدننا التوافق والتالؤم مع بيئة الصحراء وذلك ملا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تتعرض املساكن فيه للعواصف الرتابية واإلهبار اخلارجي وزايدة املسطحات املعرضة لإلشعاع الشمسي‪.‬‬
‫‪ -2‬الفراغات والشوارع مكشوفة وغري مظللة مما حيد من احلركة والتنقل وخصوصا يف ساعات النهار‪.‬‬
‫‪ -3‬تعرض معظم واجهات ومسطحات األرض ألشعة الشمس وللعوامل اخلارجية‪ ،‬وعدم توفر الظالل الكافية أثنـاء السري ألن‬
‫الشوارع تغطي نسبة كبرية من األرض‬
‫‪243‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫من حيث توفري اخلصوصية‪:‬‬
‫ال حتقق اخلصوصية املطلوبة للسكان نظرا لعدم وجود اشـرتاطات منظمـة ألمـاكن الفتحـات اخلارجيـة والربوزات‪ ،‬فيؤدي ذلك‬
‫إىل جرح خصوصيتها‪ ،‬ولتحقيق ذلك يلجأ السكان إىل عمل سواتر أمام الفتحات أو عدم فـتح النوافذ واالعتماد على اإلضاءة والتهوية‬
‫الصناعية لتحقيق العزل البصري املطلوب‪ ،‬كما أن املسافة بـني املبـاين ال حتقق اخلصوصية‪.‬‬
‫ختطيط الشوارع‪:‬‬
‫شبكة الشوارع متوازية انفذة غري مغلقة النهاايت ويتم حتديد نسبة البناء من إمجايل املوقع يف حدود ‪ 60 %‬من إمجايل مساحة‬
‫األرض‪ ،‬كما يتم تنفيذ أماكن األبواب والشبابيك اخلارجية بدون قيود وتنظيمات بني اجلريان كما تشرتك مجيع الوحدات يف عناصر‬
‫االنتقال الرأسية واألفقية واخلدمات العامة للمبىن‪.‬‬
‫وقد أدى هذا النمط إىل امتداد الشوارع وابلتايل إىل زايدة املرور العابر الذي أدى بدوره إىل حركة مرور آيل عالية تعترب من‬
‫أكثر مصادر الضوضاء إزعاجا‪.‬‬
‫العزل ضد الضوضاء‪:‬‬
‫مباين املدن حاليا ال تتمتع ابهلدوء نتيجة لتوجيه املباين للخارج ولعدم وجود تدرج هرمي للشوارع يف معظـم األحيان‪.‬‬
‫من حيث األمان‪:‬‬
‫ال يتحقق يف هذه األخرية األمان نتيجة لعدم وجود فراغات شبه خاصة يستطيع األطفال اللعب فيهـا‪ ،‬وعـدم وجود ممرات‬
‫مشاة آمنة نتيجة لتداخل حركة املشاة مع حركة السيارات‪ .‬كما تعاين املساكن املفتوحة على اخلارج من مشكالت أمنية أمهها السطو‬
‫على املساكن بغرض السرقة‪ ،‬كما ساعد التخطيط يف هذا النمط على انفتاح األحياء السكنية لكل عابر سبيل مما قلل من حرمتها‬
‫وجعلها منتهكة من اجلميع‪.‬‬
‫االستعمال والتوزيع‪:‬‬
‫عدم توفر ممرات للمشاة آمنة وحممية من أشعة الشمس نتيجة لكون التخطيط موجه حلركة السيارة فقط‪ ،‬لذلك فإنه يتماشى‬
‫مع متطلبات السيارة‪.‬‬
‫اجلوانب االقتصادية‪:‬‬
‫يؤدي هذا النمط إىل زايدة الطلب على الطاقة نتيجة لتعرض معظم واجهات ومسطحات املباين ألشعة الشـمس طوال اليوم مما‬
‫يزيد من استهالك أجهزة التكييف وابلتايل الكهرابء‪ ،‬إضافة إىل استعمال السيارة لقضاء كافة اللوازم مهما كانت بسيطة‪ .‬كذلك‬
‫اإلسراف الشديد يف استهالك املياه لري الساحات الكبرية املكشوفة واحلـدائق اخلارجيـة املعرضة ألشعة الشمس احملرقة‪ .‬كما أدى هذا‬
‫النمط إىل وجود مساكن متباعدة على شكل فيالت‪ ،‬أنشئت على نظام تقسيم األراضي الشبكي األمر الذي أدى إىل زايدة تكاليف‬
‫املرافق والشوارع واألرصفة وكذلك تكاليف الصيانة هلـذه املرافق والطرقات‪ .‬تربز السيارة يف هذا النمط ابعتبارها العامل الرئيسي الذي‬
‫يؤثر على ختطيط هذا النمط‪ ،‬حيـث تعطي السيارة األولوية‪ ،‬ولذلك أصبحت الطرقات ومواقف السيارات ومداخل البيوت مرتبطة‬
‫وقائمة خلدمة السـيارة وتسهيل حركتها‪ .‬وبذلك فقد هذا النمط مظهره اإلنساين يف توفري سبل احلركة لسكاهنا مـن املشـاة‪ ،‬ألن املسـاكن‬
‫تباعدت عن بعضها البعض لتفسح اجملال للسيارة‪ ،‬واختلت النسب بني ارتفاعات البناء وعروض الطرقات فاحنسـرت الظالل اليت كانت‬
‫حتمي املشاة‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫التوافق مع العوامل االجتماعية‪:‬‬
‫ال يساعد هذا النمط على العالقات اإلنسانية املتأصلة للمجتمع بل ساعد على تفكك العالقات االجتماعية‪ ،‬وبذلك فقدت‬
‫الصالت االجتماعية القائمة على مبدأ التكامل االجتماعي‪ ،‬كما مل توفر املباين يف هذا النمط احلد األدنـى مـن العالقات االجتماعية‬
‫بني األفراد وابلتايل ظهرت مظاهر العزلة االجتماعية مما أدى إىل ضياع املفهوم اإلنساين بـأن يكون اإلنسان جزءا من منظومة اجتماعية‬
‫متكاملة يف إطار احلي أو املدينة ومرتبط معهم بعالقة إنسانية يف إطار قيم ومبادئ حتكم اجملتمع‪.‬‬
‫االستدامة وختطيط املدن الصحراوية‬
‫اعتمد يف بناء القصور واملدن الصحراوية التقليدية املنهج التحليلي للمعاجلات املناخية واألسس التصـميمية الختيار مواد البناء‬
‫وأساليب اإلنشاء للوحدات السكنية التقليدية اعتمادا على املؤثرات البيئية احمليطة وأثرها علـى تصميم الوحدات السكنية‪ .‬كما اعتمد‬
‫على املنهج اإلجرائي بتحويل القياسات امليدانية اليت مت أخذها لعينات من الوحدات السكنية التقليدية واحلديثة إىل رسوم بيانية‪ ،‬وصوال‬
‫لتقييم كفاءة أدائها البيئي اعتمادا على اخلواص احلرارية ملـواد البناء املستخدمة واملالئمة للمناخ احلار اجلاف كالسعة احلرارية والتخلف‬
‫الزمين واملقاومة احلرارية‪.‬‬
‫لقد كان مفهوم االستدامة متواجدا يف طريقة معيشة اجملتمعات التقليدية ويف منط حياهتم ألن البيئة احمليطـة كانت هي مصدر‬
‫حياهتم‪ ،‬وابلتايل فأهنم مل يستخدموا مصطلح االستدامة كتعبري عن طريقة معيشتهم وكيفية تـوفري مصادر العيش واألسلوب الذي يبنون‬
‫به‪ ،‬بل عاشوا املفهوم وطبقوه بشكل عفوي وتلقائي‪ .‬لقد كان تفاعلهم مع البيئة احمليطة واالستغالل األمثل للموارد الطبيعية جزءا من‬
‫ضمان بقائهم على هذه األرض ابلتوافق معها واستغالل ما جتود به من خيـرات والتكيف مع الظروف الصعبة كاملناخ القاسي وشح‬
‫بعض املوارد‪ .‬االستدامة ابلنسبة هلم كانت عفوية وتلقائية‪ .‬مما ال شك فيه‪ ،‬فأن عفوية تعامل األجداد مع البيئة مل تكن عشوائية أو‬
‫فطرية بل استندت على إرث عميق من التجـارب والتعلم عرب مبدأ "التجربة واخلطأ "يدعمه فكر مبدع وبصرية انفذة أثبتت الدراسات‬
‫احلديثة مدى عمقها وجدواها على مـدى مئات السنني‪.‬‬
‫تتكامل عناصر التصميم املستدام مع الفكر التصميمي للعمارة التقليدية‪ ،‬ابستخدام مواد بناء حمليـة وبتقنيـات بسيطة مدروسة‬
‫لكنها انبعة من بيئتها احمللية حيث احللول فعالة ومتفاعلة مع البيئة واملوارد املتوفرة دون احلاجة لتحويلها أو السيطرة عليها‪ .‬يف هذا‬
‫السياق فأن ‪ " Paul Oliver‬بول أوليفر" يف كتابه" موسوعة العمارة التقليدية "يعزو جناحها إىل كوهنا نتاجا للتجاوب املنطقي مع‬
‫‪1‬‬
‫املوارد املتوفرة يف البيئة والعوامل املناخية وحاجات اجملتمع‬
‫أما " براين ادواردز‪ " Brian Edwards ،‬وهو أحد رواد املختصني يف االستدامة والعمارة اخلضراء‪ ،‬فيؤكد على أسس‬
‫االستدامة يف العمارة التقليدية بقوله "‪:‬لقد متكنت العمارة التقليدية من مزج أبعاد االستدامة االجتماعية مـع املتطلبات البيئية لتشكيل‬
‫عمارة مستدامة متوافقة مع البيئة‪.2‬‬
‫هناك العديد من الداعني لالستدامة أبدوا اهتماما كبري ابلعمارة التقليدية يف الوطن العريب‪ ،‬وذلك من خالل تزايد البحوث‬
‫الدراسات حول العمارة التقليدية وعناصرها كالفناء الوسطي وأبراج الرايح وإعادة استخدامها يف املنـاطق ذات املناخ املشابه ملناخ املنطقة‬

‫‪1‬‬
‫‪Oliver, Paul, Encyclopedia of Vernacular Architecture, Phaidon Press Ltd, London, 1997,P. 2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Edwards, Brian & Turrent, David, Sustainable Housing: Principles & Practice , London, , 2001, P. 26‬‬
‫‪245‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫الصحراوية كما أن املواد الطبيعية كالطني والقـش أضـحت مـواد يقبـل علـى استخدامها املعماريون واألفراد مما يقلل احلاجة ملصادر الطاقة‬
‫التقليدية القابلة لالنداثر‪ ،‬واليت تسبب تلـوث البيئـة‪.3‬‬
‫حنن إذ ننظر للعمارة التقليدية فنحن"‪ :‬إمنا نبحث عن الفكر الذي يكمن وراء بنائها لنتعلم كيف نبين يف املستقبل‪.4‬‬
‫إن معظم مبادئ العمارة التقليدية الصحراوية ميكن إدراجها ضمن مفهوم االستدامة‪ ،‬مما ال شك فيه ومن أهم ما تدعو إليه‬
‫االستدامة هو توفري احتياجاتنا يف الوقت احلاضر دون التقليل من فرص األجيال القادمة لتحقيق ما تتطلع إليه بدورها‪ ،‬إال أن الباحث‬
‫بعمق جيد أن القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬ومنذ أكثر من ‪ 1400‬سنة‪ ،‬يتضـمنان من املبادئ املرادفة ملا تدعو إليه االستدامة يف‬
‫الوقت الراهن أال وهو الدعوة لتحقيق التوازن بني استهالك املوارد على هذه األرض بشكل يسمح لآلخرين من االستفادة منها‬
‫مستقبال‪ .‬كما تدعو االستدامة إىل تقليل التـأثريات السـلبية الستهالك املوارد على صحة اإلنسان والبيئة‪.‬‬
‫فيما تنعكس مبادئ االستدامة يف ختطيط املدينة التقليدية الصحراوية؟‬
‫تعترب املدينة بنسيجها املتضام التقليدي أفضل مثال على تطبيق مفهوم االستدامة على مستوى املدينـة ككـل‪ ،‬فتخطيط املدينة‬
‫ومعاجلة مسارات احلركة من حيث العرض‪ ،‬الشكل‪ ،‬الطول‪ ،‬التوجيه وتغيري االجتاه ميثل املرحلـة األساسية للتكيف مع البيئة‪ .‬يؤدي‬
‫النسيج املتضام إىل تلطيف مؤثرات املناخ القاسية والتخفيف من أاثرهـا خاصـة درجات احلرارة العالية واإلشعاع الشمسي والرايح املرتبة‬
‫واحلارة وابلتايل التخفيف من إمجايل احلمل احلراري املؤثر على واجهات األبنية خاصة الوحدات السكنية‪ ،‬حيث تشكل الوحدات‬
‫السكنية الكم األعظم يف جممـل اإلنتـاج البنائي يف املدينة العربية‪ ،‬وهى بذلك تعد من املؤثرات القوية يف املعطيات البيئية‪.‬‬
‫من الناحية التخطيطية‪ ،‬كانت احملالت السكنية تتكون من جمموعة وحدات سكنية ذات فناء وسـطي متجمعـة بشكل نسيج‬
‫عضوي متشابك وحتصر بينها األزقة ومسارات احلركة اليت كانت ضيقة ومتعرجة وحماطة جبدران شبه مصمتة ومظللة واليت كانت‪ ،‬مع‬
‫األفنية الوسطية للمساكن‪ ،‬تعمل كمنظم حراري للوحدة السكنية وللمدينة ككل‪.‬‬
‫إن األزقة املقنطرة مظللة مع وجود فتحات لإلانرة والتهوية على مسافات ترتاوح ما بـني ‪12‬م ‪15 -‬م (ممـا يعمل على خلق‬
‫مناطق ذات ضغط عال وأخرى ذات ضغط منخفض وابلتايل يساعد على إحداث حتـرك هـوائي طبيعي يلطف من حدة املناخ احلار‬
‫اجلاف اليت متتاز به املناطق الصحراوية يف مشال أفريقيا‪.5‬‬
‫كان املسكن التقليدي جزءا ال يتجزأ من نسيج القصر‪ ،‬ومل يكن منفردا أو متميزا شاخما لوحده‪ ،‬بل جتاورت مساكن األغنياء‬
‫والفقراء ضمن وحدة اجلرية دون متايز طبقي أو اجتماعي سواء يف تسـقيط الوحـدة السـكنية أو معاجلاهتا اخلارجية‪ ،‬أما الفرق فكان‬
‫يكمن يف الداخل مما حيقق أهم ميزات العمارة التقليدية وهي وحـدة املظهـر واختالف اجلوهر‪.‬‬
‫التميز بني مساكن األغنياء والفقراء حتقق عرب اختالف أحجام املساكن ومساحاهتا وعدد أفنيتها مما أثر على تنوع التنظيم‬
‫الفراغي مما أضاف بعض اإلجيابيات يف األداء البيئي ضمن التصميم العام للنسيج احلضري من خـالل تكوين أماكن خمتلفة يف الضغط‬

‫‪3‬‬
‫‪Mortada, Hisham, Traditional Islamic Principles of Built Environment, Rout ledge Curzon, USA, 2003, P.‬‬
‫‪156‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Gissen, David Big & Green: toward Sustainable Architecture in the 21st Century, Princeton Architectural, ,‬‬
‫‪USA, 2003, P. 81‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Al-Zubaidi, Maha S. (September 2002) Mass-effect Passive Cooling: an Environmental Friend Technology,‬‬
‫‪Towards Better Built Environment: Innovation, Sustainability and Technology, Monash Univ., Australia. 2002‬‬
‫‪، P. 12.‬‬
‫‪246‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫والتخلخل اهلوائي مما ساعد على حدوث حترك هوائي طبيعي ما بني أجزاء النسيج احلضري ويف داخل املسكن ما بني فضاءات املسكن‬
‫املتعددة‪.‬‬
‫وميكن أن حندد فيما أييت أهم مبادئ االستدامة املستخلصة من خالل دراسة مستفيضـة فـي إطـار األحبـاث األكادميية املنجزة‬
‫يف عدد من القصور الصحراوية يف جهات خمتلفة مثل قصور وادي ميـزاب‪ ،‬وادي ميـة‪ ،‬وادي ريغ‪ ،‬منطقة توات‪ ،‬قورارة‪..،‬‬
‫التخطيط والتعامل مع املوقع‪:‬‬
‫تعاملت العمارة التقليدية مع املوقع بكونه جزءا من النسيج احلضري للمدينة ككل‪ .‬يكون النسيج احلضري للمدينة بشكل‬
‫عضوي متضام من الكتل البنائية واحملالت السكنية اليت ترتابط فيما بينها ابلشوارع ومسارات احلركة املتدرجة يف الطول والعرض تبعا‬
‫ألمهيتها واملنطقة اليت تؤدي إليها ودرجة خصوصيتها سواء كانت أماكن عامة أو وحدات سكنية التكيف مع البيئة احمليطة يبدأ على‬
‫مستوى ختطيط املدينة وتعتمد درجة التكيف تبعا لدرجـة اخلصوصـية واملوقع وطبيعة البناء‪.‬‬
‫اعتمدت عمارة املسكن التقليدي على توفري الظل ذاتيا وذلك من خالل جتاور الوحدات السكنية‪ ،‬تقليل عـرض مسارات‬
‫احلركة خاصة يف احملالت السكنية وتظليلها أبسقف مقببة أو حىت بناء فضاء أو غرفة متتد فوق الزقاق أو مسار احلركة من الطابق األول‬
‫إما الفناء الوسطي فقد كان يوفر ظالال على أجزاء منه سواء جبدرانه املرتفعـة أو النبااتت وأشجار النخيل‪.‬‬
‫الفكر التصميمي للمسكن التقليدي‪:‬‬
‫استند الفكر التصميم للمسكن التقليدي على استخدام الفناء الوسطي كنقطة مركزية لتحقيق مبـدأ التوجـه حنـو الداخل‪ .‬إن‬
‫استخدام الفناء الوسطي أحد أهم املبادئ التصميمية يف عمارة خمتلف احلضارات يف العامل رغم التباين يف البيئات احلضارية والطبيعية‪،‬‬
‫وهذا انبع من قدرة البناء ذي الفناء الوسطي على التكيف مع خمتلف الظروف من حيث حتقيق الكثري من املتطلبات البيئية واحلضارية‬
‫واجلمالية واالجتماعية مثل اخلصوصية والتوجه حنـو الـداخل واحلماية سواء من األخطار اخلارجية أو البيئة القاسية خاصة يف مناطق‬
‫املنـاخ احلار‪.‬‬
‫التصميم البيئي واحلفاظ على الطاقة‪:‬‬
‫ارتبط مفهوم التصميم البيئي ابستغالل الطاقة الذاتية أو السلبية وتقليل االعتماد على مصادر الطاقة املعروفـة ألسباب اقتصادية‬
‫وبيئية وصحية واللجوء إىل مصادر طاقة جديدة ومتجددة‪.‬‬
‫يتم حتقيق ذلك من خالل استغالل مكوانت البيئة الطبيعية واجلغرافية للحصول على الطاقة الالزمة وتوفري بيئة مرحية للساكنني‬
‫مع محاية البيئة واحلفاظ على خصائصها الطبيعية‪ .‬يعترب املسكن التقليدي مثاال جيدا على التصـميم البيئي من حيث املبدأ التصميمي‬
‫ومواد البناء واملعاجلات البيئية اليت اعتمدت أساسا على استغالل مصادر الطاقـة الطبيعية وصوال لتوفري بيئة داخلية مرحية‪ .‬لقد جتاوب‬
‫املسكن التقليدي مع البيئة احمليطة‪ ،‬وفق مفهوم االستدامة‪ ،‬حتقق عرب التفاعـل املتوازن مع املوارد الطبيعية كالشمس‪ ،‬الرايح‪ ،‬طبوغرافية‬
‫املوقع ومواد البناء ومواءمتها مع القيم االجتماعيـة وعادات وتقاليد اجملتمع‪.‬‬
‫التهوية الطبيعية يف النظم التقليدية‪:‬‬
‫متثل التهوية الطبيعية أهم اسرتاتيجيات املسكن التقليدي لتقليل العبء احلراري والتخلص من احلرارة املختزنة يف قشرة املبىن‬
‫لتوفري بيئة مرحية للساكنني‪ .‬فعلى الرغم من صغر النوافذ أو انعدامها يف الطابق األرضي يف واجهة املسكن املطلة على الشارع أو الزقاق‪،‬‬
‫فلقد طورت العمارة التقليدية أساليب مبتكرة للحصول على التهوية الطبيعيـة‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫الفناء الوسطي يعترب الرئة واملتنفس الرئيسي للمسكن والذي يعمل كمنظم حراري مستفيدا من التذبذب الكبري بني درجات‬
‫احلرارة ما بني الليل والنهار‪ .‬كما أن مالقف اهلواء هي الوسيلة األهم الصطياد الرايح وإدخاهلا إىل فضاءات املسكن وذلك بتكوين‬
‫مناطق ضغط متباينة ما بني الداخل واخلارج فيدخل اهلواء بعد تنقيته وترطيبه ومن مث إخراجه عرب فتحـات أخرى‪ ،‬تكون عادة أكثر‬
‫ارتفاعا أو من خالل مالقف هوائية ساحبة يف وسط الفناءات‪ .‬حيث تكون يف أوقات أخرى العملية عكسية وخاصة يف ساعات الليل‬
‫حيث يتحرك اهلواء عرب هذه الفتحات وخالل فضاءات املسكن‪.‬‬
‫مواد البناء واألداء احلراري لقشرة املبىن‪:‬‬
‫ميثل غالف املبىن للوحدة السكنية يف العمارة التقليدية احلاجز األساسي بني الداخل واخلارج‪ ،‬حيـث ميكـن اعتباره الوسط‬
‫الذي يتم عربه وبواسطته التخفيف من أتثري وتلطيف مؤثرات البيئة اخلارجية القاسية جلعل الفضاءات الداخلية مرحية للساكنني‪ .‬يتكون‬
‫غالف املبىن من مواد بناء متعددة لكل منها خصائص فيزايئية وحراريـة خمتلفـة‪ ،‬اعتمادا على أسلوب تركيبها مع بعض‪ ،‬ميكن حتديد‬
‫أدائية هذا اجلزء من غالف املبىن لالنتقـال احلـراري خاللـه والتخفيف من أتثري الظروف البيئية اخلارجية على البيئة الداخلية يعتمد األداء‬
‫احلراري لغالف املبىن يف املسـكن التقليدي على مبدأ مقاومة انتقال احلرارة وتقليل الكسب احلراري‪.6‬‬
‫ميتاز املسكن التقليدي ابستخدام املواد املتوفرة يف البيئة ذات الدميومة العالية كالطوابق واحلجر الذي ميكن أن يعمر مئات‬
‫السنني وكذلك اجلبس وجذوع وسعف النخيل وذلك يف بناء الوحدات السكنية ومعظم األبنية والعناصر املعمارية‪ .‬مواد البناء هذه كتلية‬
‫كالطوابق للجدران واحلجر لألسس‪ ،‬وهي مواد ذات سعة عالية تبعا لسمكها وهلا قدرة حرارية على خـزن الطاقة احلرارية الساقطة عليها‬
‫لساعات طويلة خالل النهار مث إعادة بثها إىل الفضاءات اخلارجية اثنية يف سـاعة املساء بعد الغروب ( أي بعد غياب مصدر)‬
‫الطاقة بذلك يتم حتقيق املوازنة احلرارية بني احلرارة املكتسبة واملفقودة عرب قشرة املبىن مما يؤدي إىل توزيع داخلي منتظم للحرارة‬
‫داخل املبىن من خالل تقليل أتثري األعباء احلرارية اخلارجية عرب خزهنا داخل قشـرة املبنـى الكتلية ‪.7‬‬
‫نستنتج من التحليل السابق أن األداء احلراري للمسكن التقليدي كان أقرب حلدود الراحة احلرارية لإلنسان حمققا استقراريه‬
‫حرارية أكثر مما ال يتطلب معه استخدام وسائل تكييف ميكانيكية؛ هذا يعين‪ :‬التقليل من استهالك الطاقـة وتوفري يف الكلفة وعدم‬
‫التسبب يف أتثري سليب على البيئة‪ ،‬ذلك ابالستخدام الكفء ملواد البناء املتوافقة مع البيئة احمللية والقابلة إلعادة االستخدام والتصنيع‬
‫وهو من أسس العمارة املستدامة‪.‬‬
‫حتقيق اخلصوصية‪:‬‬
‫املسكن يف هذا النمط وإبطاللته على الفناء الداخلي حيقق مزااي منها اخلصوصية لساكنيه والبيئة احمللية األلطف جوا وإمكانية‬
‫التوسع حبسب حجم العائلة‪ ،‬هذا التوجيه إىل الداخل يسمح بتقليل الفتحات اخلارجية وابلتايل يؤدي إلـى حتقيق اخلصوصية البصرية‬
‫والسمعية‪.‬‬
‫العزل من الضوضاء‪:‬‬
‫يؤدي الفناء الداخلي يف هذا النمط إىل عزل الضوضاء وذلك حبكم وضعه يف املسكن والتفاف عناصره حوله فيشكل بذلك‬
‫حاجزا طبيعيا وقواي ضد نفاذ الضوضاء‪ .‬ولذلك يعترب استخدام الفناء حال مثاليا لتوفري فراغ هادئ داخل املسكن ميكن ممارسة‬

‫‪6‬‬
‫‪Hyde, Richard, Climate Responsive Design: A Study of Buildings in Moderate & Hot , 2001, P. 115.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Giovani, Baruch, Climate Considerations in Buildings & Urban Design, John Wiley & Sons, Inc, USA. 1998,‬‬
‫‪P. 120.‬‬
‫‪248‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬
‫األنشطة املختلفة به يف هدوء وبعيدا عن الضوضاء اخلارجية‪ .‬وتشري دراسة إىل أن املبـاين ذات األفنية تتميز بقدرهتا على محاية شاغليها‬
‫من الضوضاء اخلارجية حيث يكون أحد أضالع املبىن حاجزا صـوتيا طبيعيا يؤدي إىل ختفيض الضوضاء وهو مستوى مقبول حيقق‬
‫الراحة السمعية للسكان‪ ،‬إضافة إىل أن دور األفنيـة الداخلية ال يقتصر على منع أو تقليل الضوضاء الصادرة إىل الفناء ولكنها أيضا‬
‫وبنفس القيمة ميكنها ختفيض الضوضاء الصادرة من الفناء إىل اخلارج حيث يسهل التحكم فيها ومنعها من االنتشار للمساكن اجملاورة‪،‬‬
‫ويف مقارنة بني مقدار التخفيض يف الضوضاء يف كل من األفنية اخلارجية والداخلية أظهرت النتائج أن املباين ذات األفنية الداخلية هي‬
‫أكثر هـذه الوسائل فاعلية حيث ميكنها ختفيض الضوضاء وبذلك ميكن الوصول مبستوايت الضوضاء إىل احلد املقبول للراحـة السمعية‪.‬‬
‫اجلانب االجتماعي‪:‬‬
‫حيقق األمان االجتماعي للسكان والذي ميكن توضيحه يف اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬يساعد هذا النمط على توفري فراغات آمنة‪.‬‬
‫‪ -2‬حيقق هذا النمط إمكانية فصل حركة املشاة وابلتايل يوفر مكاان آمنا ملزاولة األنشطة االجتماعيـة مـن مقـابالت ولقاءات وتعارف‬
‫كما يسهل حتسني عالقات اجلريان وابلتايل يعترب مكان معيشة خارجي للسكان‪.‬‬
‫‪ -3‬إمكانية حتقيق ربط مناطق املشاة ابألحياء السكنية مبناطق املشاة يف مركز احلي السكين الذي حيتوي على اخلدمات العامة‬
‫للسكان‪ .‬احلي السكين أو يف املدينة وذلك أبن تكون أداة خدمة للساكنني وليس مظهرا طاغيا على املدينة‪ ،‬وذلك أبن يتيح‬
‫إعطاء أولوية حلركة املشاة ومبا حتتاجه هذه احلركة من عوامل تساهم يف تشجيعها‪ ،‬وقد أشارت دراسة إىل أن هذا النمط يؤدي‬
‫إىل خلق فراغات إجيابية يشعر السكان فيها ابلراحة ويستعملوهنا يف أنشطتهم اليومية‪ ،‬ألنه يوفر هلم األمن واإلحساس ابألمان‪،‬‬
‫ويف نفس الوقت يصعب انتشار اجلرمية داخـل تلـك الفراغات لصعوبة دخول غرابء أو متطفلني إليها‪ .‬كما أهنا تتوفر على‬
‫فراغات شبه خاصة تعطي فرصة للتعارف بني السكان ويقوي الروابط االجتماعية‪ .‬كما يوفر فراغات داخل املسكن تتحقق‬
‫فيها اخلصوصية التامة أي أن هذا الـنم ط يساعد على توفري سلسلة من الفراغات تبدأ من توفر أماكن للعب األطفال أمام‬
‫املساكن‪ ،‬مث فراغـات لتقابـل ولقـاء السكان يف اخلدمات املركزية مث فراغات على مستوى املدينة‪ .‬أي أن الفراغات تساعد على‬
‫تنميـة روح اجلماعـة‪ ،‬وكان ذلك واضحا يف معظم التخطيطات يف القصور الصحراوية ألهنا كانت تشمل على ممرات أغلبها‬
‫مسدود مـن هنايتها‪ .‬و هو ما يصطلح عليه ابملمرات احملدودة‪ .‬كما أن املساواة بني أفراد اجملتمع هـي أحـد أهـداف االسـتدامة‬
‫االجتماعية اليت تسعى لتحقيق العدالة والتمكني والتواصل االجتماعي بني أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫يعترب مفهوم وحدة اجلرية من أهم املفاهيم اليت استند عليها ختطيط املدينة الصحراوية وذلك تيمنا أبمهية اجلار يف اإلسالم‬
‫س ًاًن وبِ ِذي ال ُق ْرََب والْيَ تَ َامى‬ ‫اَّلل وال تُ ْش ِرُكوا بِ ِه َشي ئًا ِ ِ‬
‫وابل َْوال َديْ ِن ْ‬
‫إح َ‬ ‫ْ‬ ‫وضرورة اإلحسان إليه حيث يقول هللا سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬وا ْعبُ ُدوا هَ‬
‫ب ‪( ﴾..‬سورة النساء‪-‬اآلية‪( ) 36 8‬كما أن هناك العديد من‬ ‫ب ِاب ْجلَْن ِ‬ ‫صِ‬
‫اح ِ‬ ‫ب وال ه‬ ‫وال َْمساكِ ِ‬
‫ني وا ْجلَا ِر ِذي ال ُق ْرََب وا ْجلَا ِر اجلُنُ ِ‬ ‫َ‬
‫األحاديث النبوية الشريفة اليت حتض على احرتام خصوصية اجلار كما أرسى الرسول صلى اله عليه وسلم محاية حقوق اجلار البيئية وهي‬
‫حقه ابحلصول على التحرك اهلوائي الطبيعي فيقول‪" :‬ال تستطيل عليه ابلبنيان فتحجب عنه الريح إال إبذنه‪" .9‬‬

‫‪8‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪9‬النووي‪ ،‬اإلمام أبو زكراي حيىي‪ ،) 2002( ،‬رايض الصاحلني من كالم سيد املرسلني ‪ ،‬مؤسسة املعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪249‬‬
‫جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫عدد خاص بلملتقى الدويل حتوالت املدينة الصحراوية– تقاطع مقارابت حول التحول االجتماعي واملمارسات احلضرية ‪ -‬العدد ‪ /22‬مارس ‪2016‬‬

‫اجلانب االقتصادي‪:‬‬
‫وتتمثل يف قلة الطلب على الطاقة لوجود الفناء الداخلي الذي يعترب كمنظم حراري داخل املسكن األمر الـذي يؤدي إىل‬
‫حتسني البيئة احمللية عن طريق زراعتها واستخدام املياه فيها‪ .‬وتكثيف املدينة يف شكل متضام حبيث يتسىن وقاية املباين من التأثري الكامل‬
‫للرايح والشمس املستمرة‪ ،‬وحبيث تكون املسافات قصرية بدرجة كافية ومظللة ومن مث يتمكن السكان من قضاء حاجاهتم اليومية مشيا‬
‫على األقدام‪ .‬كما أن الواحات احمليطة‪ ،‬توفر املسـتلزمات واحلاجـات املعيشية لساكين القصور‪.‬‬
‫خالصة‬
‫التحليل السابق للمبادئ التصميمية والتخطيطية للعمارة التقليدية‪ ،‬يتجسد مدى التجاوب مع البيئـة احملليـة واستغالل املوارد‬
‫املتاحة يف البيئة احمليطة إلقامة عمارة توفر الراحة للساكنني وحتافظ على املوارد الطبيعية‪ .‬العمارة التقليدية تعطينا أمثلة عن مدى بساطة‬
‫املبادئ اليت استندت عليها‪ ،‬واليت ما تزال حتمل يف طياهتا مكامن الصـالحية يف الوقت احلاضر كما كانت منذ مئات السنني حيث‬
‫تقف هذه املبادئ مبواجهة طرق البناء احلديثة اليت مل تثبت أهنـا أكثر صالحية من احللول التقليدية‪.‬‬
‫تواجه العمارة املعاصرة حتدايت كثرية لتثبت أهنا قادرة على استيعاب متطلبات التنمية املستدامة واحلفاظ على البيئة‪ ،‬لذا على‬
‫العمارة املعاصرة إعادة استكشاف مبادئ العمارة التقليدية واختيار ما هو مالئم منها للبيئـة احملليـة واملؤثرات البيئية لتطوير ومزج هذه‬
‫املبادئ مع التقنيات احلديثة واستخدامها يف عمارتنا املعاصرة ومساكننا فـي الوقت احلاضر واملستقبل‪ ،‬حيث ميكن للتقنيات احلديثة أن‬
‫جتعل استخدام مبادئ العمارة التقليدية أكثر يسرا وكفـاءة لتحقيق مبادئ العمارة املستدامة‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like