You are on page 1of 44

‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫القاضي‬

‫عبداجلبار ومذهبه االعتزايل‬


‫يف تفسريه‬

‫املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬


‫إعداد‪:‬‬

‫أ‪ .‬م‪ .‬د‪ .‬أمحد قاسم عبدالرمحن‬

‫التدريسي يف قسم التفسري وعلوم القرآن‪ /‬كلية العلوم اإلسالمية‬

‫يف الرمادي‪ /‬جامعة األنبار‬


‫‪isl.ahmedk@uoanbar.edu.iq‬‬
‫اخلبري اللّغوي‪ :‬د‪ .‬عصام عكلة عبد القهار‪.‬‬

‫‪issn : 2071- 6028‬‬

‫‪28‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫ملخص البحث‬
‫الحمد هلل الذي تنزه عن العيوب‪ ،‬ووجلت من خشيته القلوب‪ ،‬إيمانا ويقينا‪ ،‬وسلمت له‬
‫العقول بعد أن خصمتها لطائف حججه‪ ،‬واستولت على القلوب بدائع صنعه‪ ،‬وهتف‬
‫في أسماع العالمين ألسن أدلته‪ ،‬فشهدت أنه ال اله إال هو الذي ليس كمثله شئ وهو‬
‫السميع البصير‪.‬‬
‫وأشهد أن رسولنا وحبيبنا محمد صلوات اهلل وسالمه عليه قد أدى األمانة وبلغ‬
‫الرسالة‪ ،‬أما بعد‪ :‬فان القاضي عبد الجبار رحمه اهلل أجل من أن يعرف به‪ ،‬فهو إمام‬
‫المعتزلة وهي الفرقة التي ظهرت في اإلسالم في أوائل القرن الثاني‪ ،‬وسلكت منهجا‬
‫عقليا في بحث العقائد اإلسالمية‪ ،‬ولها أسماء عديدة منها القدرية والجهمية والمعطلة‬
‫وأهل العدل والتوحيد وغيرها ‪. ...‬‬
‫وأصولهم خمسة مشهورة‪ .‬والقاضي عبد الجبار رحمه اهلل صنف كثي ار من كتب‬
‫العقائد ينتصر فيها لمذهبه‪ ،‬واليوم ندرس تفسيره المسمى بـ‪" :‬الكبير" أو "المحيط"‬
‫الذي ذكر فيه قضايا اعتزاله من خالل تفسيره لآليات القرآنية‪ ،‬فتناول موضوع‬
‫التوحيد والوعيد‪ ،‬وحكم مرتكب الكبيرة‪ ،‬وأهم مسألة من مسائل المعتزلة وهي بطالن‬
‫الجبر وخلق القرآن‪ ،‬فذكرت رأي القاضي عبد الجبار رحمه اهلل في كل مسألة مع‬
‫الرد على بعض المسائل بمنهج ومذهب أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫كما ذكرت منهجه في تفسيره‪ ،‬وهو كما قلنا منهج اعتزالي بحت سيلحظه القارئ وهو‬
‫يقلب صفحات التفسير‪ ،‬ثم بينت أثر القاضي عبد الجبار رحمه اهلل على المفسرين‪،‬‬
‫وعرجت على بيان موقف السلف من تفسيرات المعتزلة‪.‬‬
‫وصلى اهلل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثي ار‪.‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪Praise be to God who is perfect. The hearts become afraid‬‬
‫‪of Him faithfully and assuredly. The minds surrender to Him‬‬
‫‪after debate. The hearts are fascinated by his wonderful making.‬‬
‫‪People believed in Him because of his evidences. I testify that‬‬
‫‪there is no God but Allah who is the All-hearing and knowing.‬‬
‫‪28‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫‪ISSN: 2071-6028‬‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
)‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط‬

I also testify that our messenger and dearest Mohammed


( Pease be upon Him) perform fidelity and convey the message.
However; the judge, Abdul-Jabbar (Allah has mercy upon
Him) is the Imam (leader) of mysticism. It is a sect which
appeared in pre-Islam around the first of second century. I adopt
a rational approach in researching of Islamic creed. They have
several names such as fatalism, Al-Jahmiya , the inoperative,
people of just and unity of God ... etc.
Their famous principles are five in number. The judge,
Abdul-Jabbar (Allah has mercy upon Him) classify many books
of doctrines according to his creed. Today, we study his
interpretation, called Al-Kabeer (bulky) or Al- Muheet
(comprehensive) who mentions mystical issues through his
interpretation of Quranic verses. He has dealt with unifying ,
threatening and the sentence of those who commit great sins.
The most important issues of mystics is the falsity of
predestination and the creation of Quran. I mention the opinion
of judge, Abdul-Jabbar (Allah has mercy upon Him) in each
issue. He also refutes some issues according to the creed of
Sunni and sect.
I also mention his creed in his interpretation. As we said,
it was the mystical creed. The reader will notice that when he
comes across to it through reading. I pointed out the influence of
the judge, Abdul-Jabbar (Allah has mercy upon Him) on
interpreters. I came across the situation of predecessor via
mystical interpretation.
Finally, God's blessing and peace be upon our prophet,
Mohammed. (peace be upon Him).
‫مقدّمة‬
Keyword : Judge , abduljabbar , interpretation

‫ ووجلت من خشيته القلوب إيمانا ويقينا بعد‬،‫الحمد هلل الذي تنزه عن العيوب‬
‫ وسلمت له العقول بعد أن خصمتها لطائف‬،‫أن حجت األلباب عجائب حكمه‬
،‫ وهتف في أسماع العالمين ألسن أدلته‬،‫ واستولت على القلوب بدائع صنعه‬،‫حججه‬

28

‫م‬2011 ‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول‬ Type


issn text here
: 2071-6028 ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫فشهدت أنه ال اله إال هو الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير الذي لم يلد ولم‬
‫يولد ولم يكن له كفوا أحد‪.‬‬
‫فان اهلل تعالى أنزل القرآن عربيا غير ذي عوج‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬إَِّنا أ َْن َزْلَناهُ قُ ْرآنا‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َع َربًِّيا لَ َعل ُك ْم تَ ْعقلُ َ‬
‫ون)(‪.)1‬‬
‫واللغة العربية لها مفرداتها التي تؤدي معانيها مفردة أو ضمن نص من‬
‫النصوص‪ ،‬ومن المعروف أن اللغة تتطور كما تتطور سائر المخلوقات‪ .‬ولذلك فان‬
‫الوضع األصلي ألي مفردة في اللغة قد يتطور مع الزمن لينتقل من أصل الوضع‬
‫على المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي يشترك نوع اشتراك مع المعنى األصلي‬
‫للكلمة‪.‬‬
‫كما أن للعقل دوره في فهم القواعد المنطقية لمعرفة القواطع العقلية والثوابت‬
‫(البديهيات) واستخدامات اللغة من أجل الوصول من خالل األلفاظ إلى ما يدرك من‬
‫الحقائق المتعلقة بذات اهلل تعالى مع المعرفة مسبقا بأن اهلل تعالى ليس كمثله شئ‬
‫وهو السميع البصير‪ .‬وأن العقول مهما أوتيت من قدرة وقوة محال عليها إدراك ذاته‬
‫وصفاته على ما هي عليه في الحقيقة (كنهه سبحانه وتعالى) ألنه متى استطاعت‬
‫العقول إدراكه صارت هذه العقول قادرة‪ ،‬وصار اهلل تعالى مقدو ار عليه‪ ،‬واذا صار‬
‫مقدو ار عليه لم يعد إلها فثبت استحالة ذلك‪ ،‬ولذلك نهينا عن التفكير في ذات اهلل‬
‫ألنه كل ما يخطر ببالك فاهلل خالف ذلك‪.‬‬
‫ولما كانت معرفة اهلل تبارك وتعالى أجل المعارف وأعظمها‪ ،‬ومن نالها فقد نال‬
‫الخير كله إذ بها تنال الرغائب‪ ،‬وتصل بالعبد إلى اهلل الركائب فيفوز صاحبها بخير‬
‫الدنيا ونعيم اآلخرة بعد أن يفوز برضا اهلل العظيم‪.‬‬
‫وعن صحابته حيث‬ ‫ولما ثبت في كتاب اهلل أنه قد رضي اهلل عن رسوله‬
‫‪‬‬
‫ضوا َع ْنهُ)(‪ .)2‬فانه لم يكن أعرف من الصحابة وتابعيهم‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ ( :‬رض َي اللهُ َع ْنهُ ْم َوَر ُ‬

‫‪ )1‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.2:‬‬


‫‪ )2‬سورة المجادلة‪ ،‬اآلية‪.22:‬‬
‫‪28‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫‪issn : 2071- 6028‬‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫ذاتا وصفات وأفعاال‪ ،‬لذلك فان السلف (رضوان اهلل عليهم) هم‬ ‫ومن تبعهم باهلل ‪‬‬
‫الطريق لمعرفة اهلل تعالى وصفاته لما ثبت من رضا اهلل تعالى عليهم‪.‬‬
‫ولقد اخترت في هذا البحث اإلمام القاضي عبد الجبار المعتزلي (رحمه اهلل)‬
‫بوصفه عالما كالميا معتزال‪ ،‬إذ كان االعتزال ديدنه وعلم الكالم حجته إلقناع‬
‫الخصوم فتناولته بالدراسة من خالل تفسيره لتوضيح آرائه االعتزالية التي كان دائما‬
‫منتص ار لها ومدافعا عنها‪.‬‬
‫والمعتزلة ويسمون أصحاب العدل والتوحيد‪ ،‬ويلقبون بالقدرية‪ ،‬وسيأتي بيان‬
‫أسماؤهم الحقا‪.‬‬
‫والذي يعم طائفة المعتزلة من االعتقاد‪ ،‬القول بأن اهلل تعالى قديم‪ ،‬والقدم أخص‬
‫وصف من صفاته‪ ،‬ونفوا الصفات القديمة أصال‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو عالم لذاته‪ ،‬قادر لذاته‪،‬‬
‫حي لذاته‪ ،‬ال بعلم وقدرة وحياة‪ .‬هي صفات قديمة ومعان قائمة به‪ ،‬ألنه لو شاركته‬
‫الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف‪ ،‬لشاركته في اإللهية‪.‬‬
‫واتفقوا على أن كالمه مخلوق في محل وهو حرف وصوت‪ ،‬كتبت أمثاله في‬
‫المصاحف حكايات عنه‪.‬‬
‫واتفقوا على عدم رؤية اهلل تعالى باألبصار في دار القرار‪ ،‬ونفي التشبيه عنه من‬
‫كل وجه‪ ،‬جهة ومكانا‪ ،‬وصورة وجسما وتحي از‪ ،‬وانتقاال وزواال‪ ،‬وتغي ار وتأث ار‪.‬‬
‫وأوجبوا تأويل اآليات التي يفهم منها خالف ذلك‪ ،‬وسموا هذا النمط توحيدا‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من العقائد التي عرفوا بها‪ ،‬وخالفوا غيرهم من أرباب المذاهب‬
‫األخرى‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫أما عن خطة البحث فلقد اقتضت طبيعة الموضوع تقسيمه على مقدمة وتمهيد‬
‫وثالثة مباحث وخاتمة وتوصيات‪:‬‬
‫أما المقدمة‪ :‬فبينت فيها سبب اختياري للموضوع‪.‬‬
‫تمهيد‪...‬‬

‫‪28‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫المبحث األول‪ :‬في تعريف المعتزلة وأصل تسميتهم وأسماؤهم وأصولهم‪ ،‬واشتمل‬
‫على ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف المعتزلة وأصل تسميتهم‪ ،‬واشتمل على فرعين‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف المعتزلة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أصل تسمية المعتزلة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسماء المعتزلة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أصول المعتزلة ومنهجهم في التأويل‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القاضي عبد الجبار وبعض مسائل مناصرة االعتزال في تفسيره‪،‬‬
‫واشتمل على تمهيد وأربعة مطالب‪:‬‬
‫التمهيد‪ :‬واشتمل على فرعين‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التوحيد‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الوعيد‪.‬‬
‫واشتمل على أربعة فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬القطع بوعيد الفساق من أهل الصالة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ال يغفر اهلل تعالى ألهل الكبائر في اآلخرة‪.‬‬
‫ألهل الكبائر‪.‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬ال يشفع النبي ‪‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الفاسق يدخل النار‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬خلق القرآن‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬بطالن الجبر‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬القاضي عبد الجبار منهجه وأثره على المفسرين‪ ،‬وموقف السلف من‬
‫تفسيرات المعتزلة‪ ،‬واشتمل على ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬منهج القاضي عبد الجبار المعتزلي في تفسيره‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أثر القاضي عبد الجبار المعتزلي على المفسرين‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫المطلب الثالث‪ :‬موقف السلف من تفسيرات المعتزلة‪.‬‬


‫وذكرت في الخاتمة أهم ما توصلت إليه في البحث من نتائج‪.‬‬
‫فالتوصيات ولخصت فيها أهم ما أوصيه للباحثين وطلبة العلم‪.‬‬
‫ثم قائمة المصادر والمراجع ورتبتها على الحروف الهجائية‪.‬‬
‫وبعد فان هذا جهد المقل فان أصبت فذلك من فضل اهلل وان أخطأت فمني‬
‫ومن الشيطان فكل ِ‬
‫ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون‪ .‬واني كذلك ال أدعي في‬
‫هذا البحث أنني بلغت فيه الكمال ولكنه محاوله إلبراز أثر االعتزال في تفسير‬
‫القاضي عبد الجبار ومدى تأثير علم الكالم على تفسير القرآن الكريم‪ ،‬واإلنسان‬
‫مهما حاول أن يوفي كتاب اهلل حقه فلن يبلغ من غرضه ما يريد‪ ،‬ولكن ذلك كما قلت‬
‫محاولة بتقديم هذا العمل المتواضع‪ ،‬واهلل يعلم أني بذلت فيه قصارى جهدي وتوخيت‬
‫الحق والصواب‪ ،‬ولكن سبحان من بيده هداية األفكار والقلوب وأستغفر اهلل‪ ،‬وأحمده‬
‫تعالى أوال وآخ ار وأصلي وأسلم على سيدنا محمد أفضل خلق اهلل وخاتم أنبيائه وعلى‬
‫آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫متهيد‬
‫((جرى التفسير منذ زمن النبوة إلى زمن أتباع التابعين‪ ،‬على طريقة تكاد تكون‬
‫واحدة‪ ،‬فخلف كل عصر يحمل التفسير عمن سلف بطريق الرواية والسماع‪ ،‬وفي كل‬
‫عصر من هذه العصور تتجدد نظرات تفسيرية‪ ،‬لم يكن لها وجود قبل ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫راجع إلى أن الناس كلما بعدوا عن عصر النبوة ازدادت نواحي الغموض في‬
‫التفسير‪ ،‬فكان البد للتفسير من أن يتضخم كلما مرت عليه السنون‪.‬‬
‫لم يكن هذا التضخم في الحقيقة إال محاوالت عقلية‪ ،‬ونظرات اجتهادية‪ ،‬قام بها‬
‫أفراد ممن لهم عناية بهذه الناحية‪ .‬غير أن هذه الناحية العقلية في التفسير لم تخرج‬
‫عن قانون اللغة‪ ،‬ولم تتخط حدود الشريعة‪ ،‬بل ظلت محتفظة بصبغتها العقلية‬
‫والدينية فلم تتجاوز دائرة الرأي المحمود إلى دائرة الرأي المذموم الذي ال يتفق وقواعد‬
‫الشرع‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫‪i‬‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫ظل األمر على ذلك إلى أن قامت الفرق المختلفة‪ ،‬وظهرت المذاهب الدينية‬
‫المتنوعة‪ ،‬ووجد من العلماء من يحاول نصرة مذهبه والدفاع عن عقيدته بكل وسيلة‬
‫وحيلة))(‪.)1‬‬
‫وال شك أن علم الكالم له أثر بالغ في تفسير القرآن الكريم وبحثنا هذا منصب‬
‫على أثر المعتزلة في تفسير القرآن الكريم‪ ،‬وسنأخذ القاضي عبد الجبار المعتزلي‬
‫انموذجا فالتزم المعتزلة جميعا بمنهجهم في تفسير القرآن الكريم على خالف بينهم‪،‬‬
‫ولكن ال تجد معتزليا تعرض للتفسير إال وظهر منهج المعتزلة وأسسهم في تفسيره‪،‬‬
‫وال يحيد عنها إلى غيرها أبدا‪ .‬في الوقت الذي نجد أغلب المفسرين إن لم نقل‬
‫جميعهم تأثروا بالنظرة العقلية للنصوص القرآنية وتأويلها‪.‬‬
‫((فقد تأثر التفسير بصورة عامة بمنهج مدرسة المعتزلة وخاصة عند تفسير اآليات‬
‫المتشابهات أو التي ظاهرها التناقض‪ ،‬وهذا التأثر لم يكن بأسس عقيدتهم‪ ،‬بل‬
‫ناقشوها وفق نفس المنهج‪ ،‬ونقضوا ما خالف روح اإلسالم وأسس اإليمان والتسليم‪،‬‬
‫بالمنهج العقلي لتفسير القرآن‪.‬‬
‫ومنهجهم عقلي بحت ال يعتمد على القرآن نفسه في إثبات مبادئه‪ ،‬وانما يعتمدون‬
‫ومبادئ اإلسالم‪ ،‬فاعتمادهم‬ ‫‪‬‬ ‫على العقل في إثبات وجود اهلل‪ ،‬وصدق الرسول‬
‫على األدلة المنطقية أكثر من اعتمادهم على النصوص القرآنية في الحجاج واثبات‬
‫المبادئ))(‪.)2‬‬
‫وسنجد أثر االعتزال واضحا في تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي في كل ما‬
‫يكتب وكل ما يفسر‪ ،‬فان النظرة العقلية البحتة لتفسير النص ديدنه‪ ،‬ومنهج االعتزال‬
‫سبيله‪ ،‬فيعلل ويؤول ما وسعه‪ ،‬وال يعجزه التأويل ألنه من أرباب البيان‪.‬‬
‫واني سوف أتعرض إلى ما يثبت تأثر التفسير بالنظرة االعتزالية واألسس التي‬
‫تقوم عليها عقيدة هذه الفرقة‪.‬‬

‫‪ )1‬التفسير والمفسرون‪ ،‬الدكتور محمد حسين الذهبي‪.232/1‬‬


‫‪ )2‬أثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬د‪ .‬مساعد مسلم آل جعفر‪.332:‬‬
‫‪28‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫ولقد اتجه المعتزلة نحو التأييد المذهبي بآيات القرآن‪ ،‬والتأصيل القرآني لألصول‬
‫الفكرية‪ ،‬كما اتجه غيرهم من المذاهب سواء الصحيحة أو الباطلة‪ ،‬وسلكوا في تفسير‬
‫القرآن الكريم مسلك المستفيد لمذهبه‪.‬‬
‫ومذهب المعتزلة يقوم على أصول وعقائد‪ ،‬أما األصول فهي خمسة‪ :‬التوحيد‬
‫والعدل والوعد والوعيد‪ ،‬والمنزلة بين المنزلتين‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫وأما العقائد فهي متفرقة ال يجمعون عليها كلهم‪ ،‬مثل عدم رؤية المؤمن هلل تعالى‬
‫في الجنة يوم القيامة‪ .‬ونفي صفات اهلل تعالى‪ ،‬وخلق األفعال‪ ،‬وفعل األصلح‪ ،‬وخلق‬
‫القرآن‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫أراد المعتزلة في تفاسيرهم للقرآن أن يجدوا مستندا من الشرع لهذه األصول‬
‫واألفكار والعقائد‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬يف تعريف املعتزلة وأصل تسميتهم وأمساؤهم وأصوهلم‪،‬‬

‫واشتمل على ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تعريف املعتزلة وأصل تسميتهم‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف املعتزلة‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫االعتزال في اللغة معناه‪ :‬االنفصال والتنحي‪ ،‬والمعتزلة هم المنفصلون‪.‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬هو اسم يطلق على فرقة ظهرت في اإلسالم في أوائل القرن‬
‫الثاني‪ ،‬وسلكت منهجا عقليا متطرفا في بحث العقائد اإلسالمية‪ ،‬وهم أصحاب واصل‬
‫بن عطاء الغزال‪ ،‬الذي ولد (سنة ‪08‬ه) وتتلمذ على الحسن البصري‪ ،‬ولم يفارقه إلى‬

‫‪ )1‬ينظر‪ :‬القاموس المحيط‪ ،‬الفيروز آبادي‪ 020:‬مادة (عزل)؛ ومختار الصحاح‪ ،‬محمد بن أبو‬
‫بكر بن عبد القادر الرازي‪ ،038:‬مادة (عزل)؛ ولسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ 008/11‬مادة (عزل)‪.‬‬
‫‪89‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫أن أظهر مقالته في المنزلة بين المنزلتين‪ ،‬وهو مؤسس فرقة االعتزال‪ ،‬توفي (سنة‬
‫‪131‬ه)(‪ .)1‬وقد اعتزل عن مجلس الحسن البصري(‪.)2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أصل تسمية املعتزلة‪:‬‬


‫اختلف الباحثون في أصل هذه التسمية‪ ،‬وأقرب األقوال للصواب يفيد بأن كلمة‬
‫(المعتزلة) لفظ أطلقه أهل السنة عليهم للتدليل على أنهم انفصلوا عنهم‪ ،‬وتركوا‬
‫مشايخهم القدامى‪ ،‬واعتزلوا قول األمة بأسرها في مرتكب الكبيرة فهو بهذا االعتبار‬
‫يتضمن نوعا من الذم‪ ،‬واتهاما واضحا بالخروج على السنة والجماعة‪ ،‬فالمعتزلي هو‬
‫المخالف المنفصل(‪.)3‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أمساء املعتزلة‪.‬‬


‫((وللمعتزلة أسماء كثيرة‪ ،‬منها ما أطلقه الغير عليهم‪ ،‬ومنها ما أطلقوه على‬
‫أنفسهم‪ ،‬فمما أطلقه الغير عليهم‪:‬‬
‫‪ )1‬المعتزلة‪ :‬بمعنى المنشقين والمخالفين‪.‬‬
‫‪ )2‬والجهمية‪ :‬ألخذهم ببعض أقوال الجهمية‪.‬‬
‫‪ )3‬والقدرية‪ :‬لقولهم أن العباد هم الخالقون ألفعالهم‪.‬‬
‫‪ )0‬الثنوية والمجوسية‪ :‬لقولهم أن الخير من اهلل‪ ،‬والشر من العبد‪.‬‬

‫‪ )1‬الفرق بين الفرق‪28:‬؛ والملل والنحل‪ .08/1‬وينظر‪ :‬تأريخ الفرق اإلسالمية ونشأة علم الكالم‬
‫عند المسلمين ‪ ،‬علي مصطفى الغرابي‪08 ،00:‬؛ والموسوعة الميسرة في األديان‪ ،‬الدكتور مانع‬
‫بن حمد الجهني‪40/1‬؛ والغلو والفرق الغالية في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬الدكتور عبد اهلل سلوم‬
‫السامرائي‪224 ،223:‬؛ والمعتزلة وأصول الحكم‪ ،‬الدكتور محمد عمارة‪ 2:‬ـ ‪.9‬‬
‫‪ )2‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪.223:‬‬
‫‪ )3‬دراسات في الفرق والعقائد اإلسالمية‪00 :‬؛ وتأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد‬
‫بديع موسى‪.220 ،223:‬‬
‫‪89‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫‪ )0‬ومخانيث الخوارج‪ :‬لموافقتهم الخوارج في تخليد صاحب الكبيرة في النار‪ ،‬مع‬


‫قولهم أنه ليس بكافر‪ ،‬فهم قد وافقوا الخوارج في التخليد‪ ،‬لكن لم يجرؤوا على‬
‫تكفيره‪ ،‬فلذا سموا بهذا االسم‪.‬‬
‫‪ )4‬والوعيدية‪ :‬لقولهم بالوعد والوعيد‪ ،‬وأن الوعيد المتوجه إلى العصاة حتمي‪.‬‬
‫‪ )2‬والمعطلة‪ :‬لتعطيلهم اهلل عن صفات الكمال‪.‬‬
‫ومما أطلقوه على أنفسهم من األسماء‪:‬‬
‫‪ )1‬المعتزلة‪ :‬الذين اعتزلوا األقوال المحدثة والمبتدعة‪.‬‬
‫‪ )2‬وأهل العدل والتوحيد‪ :‬لقولهم بهذين األصلين‪.‬‬
‫‪ )3‬وأهل الحق والفرقة الناجية‪ ،‬والمنزهون اهلل عن النقص‪ ،‬العتقادهم أنهم على‬
‫الحق‪ ،‬ومن سواهم على الباطل‪ ،‬وأنهم أهل الفرقة الناجية‪ ،‬وأنهم بنفيهم‬
‫الصفات عن اهلل قد نزهوه عن النقص))(‪.)1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أصول املعتزلة ومنهجهم يف التأويل‬


‫إذا علمنا أن الفكر االعتزالي قد بالغ في االعتماد على العقل‪ ،‬ولم يتقيد‬
‫بنصوص القرآن والسنة‪ ،‬وانغمس في الفلسفة اليونانية‪ ،‬ومزجها بعقيدة المسلمين‪،‬‬
‫فيسهل علينا أن نعرف أسباب الخالف الذي دب بين أتباع هذا الفكر‪ ،‬فقد تشعبت‬
‫آراؤهم‪ ،‬واشتد الجدال بينهم‪ ،‬وانقسموا إلى اثنتين وعشرين فرقة‪ ،‬تتبع كل فرقة أحد‬
‫رؤوس االعتزال الظاهرين‪ ،‬ولكل واحدة من هذه الفرق آراؤها وأقوالها الخاصة بها‪،‬‬
‫وال تعدو هذه األقوال أن تكون أقواال تفرعت عن أصول خمسة اشترك بالقول بها‬
‫المعتزلة‪.‬‬
‫قال األستاذ محمد إقبال رحمه اهلل‪(( :‬أما المعتزلة وقد قصروا إدراكهم للدين على‬
‫أنه مجموعة من العقائد‪ ،‬متجاهلين أنه حقيقة حيويةـ فلم يحفلوا بأساليب إدراك‬
‫الحقيقة إذا كانت ال تقبل التصور‪ ،‬وأرجعوا الدين إلى نسق من المعاني المنطقية‬

‫‪ )1‬المعتزلة وأصولهم الخمسة‪ ،‬عواد بن عبد اهلل المعتق‪20 ،22:‬؛ وتأويل القرآن الكريم ومذاهب‬
‫الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪.224 ،220:‬‬
‫‪88‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫انتهى إلى موقف سلبي بحت‪ ،‬وغاب عنهم أنه في ميدان المعرفةـ علمية كانت أو‬
‫دينيةـ ال يمكن للفكر أن يستقل تمام االستقالل عن الواقع المتحقق في عالم التجربة‪.‬‬
‫على أنه ال سبيل إلى إنكار أن الدعوة التي نهض لها الغزالي تكاد تكون دعوة‬
‫للتبشير بمبدأ جديد‪ ،‬مثلها في ذلك مثل الدعوة التي قام بها كنط في ألمانيا في القرن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬ففي ألمانيا ظهر المذهب العقلي ألول عهده حليفا للدين‪ ،‬ولكن سرعان‬
‫ما تبين أن جانب العقيدة (‪ )dogmatic‬من الدين ال يمكن البرهنة عليه حتما‪ ،‬فكان‬
‫الطريق الوحيد إذن أن تمحى العقيدة الدينية من سجل المقدسات‪ .‬وقد جاء مع محو‬
‫العقيدة مذهب المنفعة في فلسفة األخالق‪ ،‬وبذلك مكن المذهب العقلي من سيادة‬
‫اإللحاد‪ .‬تلك كانت الحال في ألمانيا عندما ظهر (كنط) وكشف كتابه (العقل‬
‫الخالص) عن قصور العقل اإلنساني‪ ،‬فهدم بذلك ما بناه أصحاب المذهب العقلي‬
‫من قبل‪ ،‬وصدق عليه القول بأنه كان أجل نعم اهلل على وطنه))(‪.)1‬‬
‫قال الدكتور عبد القهار داود عبد اهلل العاني (رحمه اهلل)‪(( :‬ولهذا نجد‬
‫المستشرقين يثنون عليهم ويؤيدون منهجهم ويشيعونه في بالد اإلسالم‪ ،‬حتى إنهم‬
‫اعتبروهم أناسا يتبعون العقل في الرأي وغيرهم جامد على الرأي مقلد له ال يستنير‬
‫بعقله فهم يسمونهم ( ‪.)2()))ratinalist‬‬
‫أما عن أصول المعتزلة الخمسة فنوضحها بما يأتي‪:‬‬
‫‪ )1‬التــوحيد‪ :‬يقول القاضي عبد الجبار رحمه اهلل عند تعريفه للتوحيد‪(( :‬واألصل‬
‫فيه أن التوحيد في أصل اللغة عبارة عما يصير الشئ واحدا‪ ،‬كما أن التحريك‬
‫عبارة عما يصير الشئ متحركا‪ ،‬والتسويد‪ ،‬عبارة عما يصير الشئ أسودا‪ ،‬ثم‬
‫يستعمل في الخبر عن كون الشئ واحدا لما لم يكن الخبر صادقا إال وهو‬
‫واحد فصار ذلك كاإلثبات فانه في أصل اللغة عبارة عن اإليجاب‪.)3())...‬‬

‫‪ )1‬تجديد التفكير الديني في اإلسالم‪ ،‬الشاعر الفيلسوف‪ :‬محمد إقبال‪.11 ،18:‬‬


‫‪ )2‬دراسات في التفسير والمفسرين‪ ،‬األستاذ الدكتور عبد القهار داود عبد اهلل العاني‪،133:‬‬
‫‪.130‬‬
‫‪ )3‬شرح األصول الخمسة‪ ،‬القاضي عبد الجبار‪.120:‬‬
‫‪88‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫‪iss text here‬‬
‫‪Type‬‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫(( لقد فهم المعتزلة التوحيد على أنه سلب لمعنى الكثرة والتعدد‬
‫والتركيب))(‪.)1‬‬
‫ويدور مفهوم التوحيد عند المعتزلة حول ما يثبت هلل وما ينفى عنه من‬
‫الصفات(‪.)2‬‬
‫ق ُك ِّل‬ ‫‪ )2‬الع ــدل‪ :‬إذا كانت المعتزلة قد تأولوا قول اهلل تعالى‪( :‬اللَّهُ َخالِ ُ‬
‫َش ْي ٍء‪ )3()...‬فأدخلوا القرآن الكريم‪ .‬وهو صفة من صفات اهلل‪ .‬في عموم ( ُك ِّل)‬
‫وجعلوه مخلوقا‪ ،‬إال أنهم أخرجوا أفعال العباد من عموم ( ُك ِّل)‪ ،‬فنفوا أن يكون‬
‫اهلل تعالى خالقا لها بدعوى تنزيه اهلل ‪ ‬عن كل قبيح‪ .‬وجعلوا هذه العقيدة‬
‫الفاسدة هي العدل الذي نسبوا أنفسهم إليه(‪.)0‬‬
‫وترتب على قول المعتزلة بأن العباد يخلقون أفعالهم‪ ،‬تأويلهم لجميع النصوص‬
‫المتواترة التي تثبت القضاء والقدر‪ ،‬وأن اهلل ال يكون في كونه إال ما يريد‪ ،‬وأنه ال‬
‫يرضى لعباده الكفر وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء‪.‬‬
‫((وأما عقيدة أهل السنة في أفعال العباد االختيارية‪ ،‬فيرى أهل السنة والجماعة‬
‫أن أفعال العباد من خلق اهلل‪ ،‬وأنها من كسبهم فاهلل هو الخالق في هذا الكون وحده‪،‬‬

‫‪ )1‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪.231:‬‬
‫‪ )2‬ينظر‪ :‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪238:‬؛ والتفسير‬
‫والمفسرون‪ ،‬الدكتور محمد حسين الذهبي‪201/1‬؛ وأثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬د‪ .‬مساعد‬
‫مسلم آل جعفر‪.319 ،310:‬‬
‫‪ )3‬سورة الرعد‪ ،‬من اآلية‪.14:‬‬
‫‪ )0‬ينظر‪ :‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪203:‬؛ والتفسير‬
‫والمفسرون‪ ،‬المرحوم الدكتور محمد حسين الذهبي‪201/1‬؛ وأثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬د‪.‬‬
‫مساعد مسلم آل جعفر‪.321 ،328:‬‬
‫‪88‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫‪isss‬‬


‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫(‪)1‬‬
‫والعباد لهم قدرة ومشيئة‬ ‫ق َو ْاأل َْم ُر)‬
‫ال خالق سواه‪ ،‬قال تعالى‪ ...( :‬أَ َال لَهُ ا ْل َخ ْل ُ‬
‫وارادة‪ ،‬لكنها داخلة تحت قدرة اهلل ومشيئته وارادته))(‪.)2‬‬
‫يقول اإلمام ابن تيمية (رحمه اهلل)‪(( :‬وتحقيق الكالم أن يقال‪ :‬فعل العبد خلق هلل‬
‫وكسب للعبد))(‪.)3‬‬ ‫‪‬‬
‫((وبالجملة فكل دليل في القرآن على التوحيد‪ ،‬فهو دليل على القدر وخلق أفعال‬
‫العباد‪ ،‬ولهذا كان إثبات القدر أساس التوحيد‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬اإليمان بالقدر نظام‬
‫التوحيد‪ ،‬فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه وتوحيده))(‪.)0‬‬
‫‪ )3‬الوعــد والوعيد‪:‬‬
‫مفهوم الوعد‪ :‬يرى المعتزلة أن اهلل يجب أن ينفذ وعده للمطيعين بالثواب‪ ،‬وأن‬
‫المكلف ينال ما وعد به عن طريق االستحقاق ال التفضل(‪.)0‬‬
‫ومفهوم الوعيد هو‪ :‬يرى المعتزلة أن الفاسق إذا مات من غير توبة من الكبائر التي‬
‫ارتكبها‪ ،‬فسوف يخلد في نار جهنم‪ ،‬ألن اهلل توعده بذلك‪ ،‬وال بد أن يفعل اهلل ما‬
‫توعده به‪ ،‬إذ ال يجوز عليه سبحانه الخلف والكذب‪ ،‬ولو أن عذابه يكون أخف من‬
‫عذاب الكافر(‪.)4‬‬
‫‪ )0‬المنزلة بين المنزلتين‪ :‬يرى المعتزلة أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا وال كاف ار‪ ،‬بل‬
‫هو في منزلة بين المنزلتين‪ ،‬فهو في الدنيا ال يسمى مؤمنا وال يأخذ حكم المؤمن‪ ،‬وال‬

‫‪ )1‬سورة األعراف‪ ،‬من اآلية‪.00:‬‬


‫‪ )2‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪.200 ،202:‬‬
‫‪ )3‬مجموع الفتاوى‪ ،‬اإلمام ابن تيمية‪.303/0‬‬
‫‪ )0‬شفاء العليل‪ ،‬اإلمام ابن القيم‪.40:‬‬
‫‪ )0‬ينظر‪ :‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪243:‬؛ والتفسير‬
‫والمفسرون‪ ،‬الدكتور محمد حسين الذهبي‪201/1‬؛ وأثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬د‪ .‬مساعد‬
‫مسلم آل جعفر‪.323:‬‬
‫‪ )4‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪.240:‬‬
‫‪88‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫يسمى كاف ار وال يأخذ حكم الكافر‪ ،‬أما في اآلخرة فانه يخلد في النار‪ ،‬ولكن عذابه‬
‫يكون أخف من عذاب الكافر(‪.)1‬‬
‫‪ )0‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬ال يختلف المعتزلة مع أهل السنة في حكم‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬إذ يقرون جميعا بأنه واجب كفائي‪ ،‬إذا قام به‬
‫ون ِإلَى ا ْل َخ ْي ِر‬ ‫البعض سقط عن اآلخرين ‪ .‬قال تعالى‪َ ( :‬وْلتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ُمةٌ َي ْد ُع َ‬
‫ون)(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫وف َوَي ْن َه ْو َن َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر َوأُولَئِ َ‬
‫ويأْمرون بِا ْلمعر ِ‬
‫ك ُه ُم ا ْل ُم ْفل ُح َ‬ ‫َ َ ُُ َ َ ُْ‬
‫((والكالم في هذا الموضوع يجرهم كما جر غيرهم إلى إبداء آرائهم في السياسة‬
‫واألمير وصفاته‪ .‬ورأيهم في أولياء أمور المسلمين وحسناتهم وسيئاتهم‪ ،‬ألنهم‬
‫القائمون على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬فتكلموا في خالفة أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان وعلي‪ ،‬ومن هو أفضل الصحابة‪ ،‬وما هي الشروط الواجب توفرها في‬
‫الخليفة))(‪.)0‬‬
‫هذه األصول ال يختلف بقية المسلمين معهم في ظاهرها‪ ،‬ولكنهم يفسرونها تفسي ار‬
‫يختلف عن عقائد أهل السنة والجماعة‪ .‬زد على ذلك أنهم فرق متعددة وال يتفقون‬
‫على نفس المعاني‪ .‬منهم البصريون والبغداديون‪ ،‬وكل من البصريين والبغداديين‬
‫ينقسمون إلى فرق‪ .‬وال خالف بين المسلمين أن روادهم األوائل كواصل بن عطاء‬
‫وعمرو بن عبيد وغيرهم كانوا مخلصين في عقيدتهم أتقياء في مقاصدهم‪ ،‬حتى جاء‬
‫من بعدهم ممن غالى في هذه العقائد كابن أبي دؤاد‪.‬‬
‫ظهرت نتائج خالفهم مع أهل السنة وجماعة المسلمين في هذه األصول بقضايا‬
‫عرفوا بها‪.‬‬

‫‪ )1‬المصدر نفسه‪ .221:‬وينظر‪ :‬أثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬د‪ .‬مساعد مسلم آل‬
‫جعفر‪.320:‬‬
‫‪ )2‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪ .220:‬وينظر‪ :‬التفسير‬
‫والمفسرون‪ ،‬المرحوم الدكتور محمد حسين الذهبي‪.202/1‬‬
‫‪ )3‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.180:‬‬
‫‪ )0‬أثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬الدكتور مساعد مسلم عبد اهلل آل جعفر‪.324:‬‬
‫‪88‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫فالغالة منهم أساءوا األدب‪ ،‬وضلوا الطريق السليم‪ ،‬وما اهتدوا إلى دين اهلل الحق‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن أغلب مدوناتهم التي بين أيدينا من تأليف هؤالء الغالة‪ ،‬وقليل‬
‫من تأليف مخلصي العقيدة حسني اإليمان‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬القاضي عبد اجلبار وبعض مسائل مناصرة االعتزال يف تفسريه‪،‬‬

‫واشتمل على متهيد وأربعة مطالب‪:‬‬

‫متهيد‬

‫الفرع األول‪ :‬القاضي عبد اجلبار املعتزيل‪.‬‬


‫هو القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن‬
‫الخليل الهمداني األسد آبادي‪ ،‬شيخ المعتزلة‪ ،‬ولد (سنة ‪320‬ه)‪ ،‬عاش ببغداد إلى‬
‫أن عينه الصاحب بن عباد قاضيا بالري (سنة ‪342‬ه)‪ ،‬ثم لقب بعد ذلك بـ‪( :‬قاضي‬
‫القضاة)(‪ ،)1‬وبقي مواظبا على التدريس إلى آخر حياته‪ ،‬وكان الصاحب يقول فيه‪:‬‬
‫هو أعلم أهل األرض‪.‬‬
‫كان القاضي عبد الجبار شافعي المذهب‪ ،‬ويعد ‪ -‬بوجه عام ‪ -‬آخر علماء‬
‫المعتزلة النابهين‪ ،‬وكان مؤلفا كثير التصانيف(‪ .)2‬توفى (رحمه اهلل) في ذي القعدة‬
‫بالري (سنة ‪010‬ه) ودفن في داره(‪.)3‬‬

‫‪ )1‬تلقبه المعتزلة بهذا‪ ،‬وال يطلقون هذا اللقب على سواه‪ ،‬وال يعنون به عند اإلطالق غيره‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬طبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام الداوودي‪.242/1‬‬
‫‪ )2‬راجع دراسة الدكتور عبد الكريم عثمان عن القاضي ومؤلفاته‪ ،‬في مقدمة كتاب (شرح األصول‬
‫الخمسة) للقاضي عبد الجبار‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1940( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )3‬تنظر ترجمته في‪ :‬تأريخ بغداد‪ ،‬الخطيب البغدادي‪110 ،113/11‬؛ وميزان االعتدال‪ ،‬اإلمام‬
‫البن‬ ‫المعتزلة‪،‬‬ ‫وطبقات‬ ‫السبكي‪228-219/3‬؛‬ ‫الشافعية‪،‬‬ ‫وطبقات‬ ‫الذهبي‪91/2‬؛‬
‫المرتضي‪113-112:‬؛ ولسان الميزان‪ ،‬البن حجر‪302-304/3‬؛ وشذرات الذهب‪ ،‬البن‬
‫العماد‪283/3‬؛ وطبقات المفسرين‪ ،‬لإلمام السيوطي‪09-00:‬؛ ومرآة الجنان‪ ،‬لليافعي‪29/3‬؛‬
‫‪88‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫قال اإلمام الداوودي (رحمه اهلل)‪(( :‬عاش ده ار طويال‪ ،‬حتى ظهرت له األصحاب‬
‫وبعد صيته‪ ،‬ورحلت إليه الطالب‪ ،‬وولي قضاء الري وأعمالها‪ .‬سمع الحديث من أبي‬
‫الحسن بن سلمة القطان‪ ،‬وعبد الرحمن بن حمدان الجالب‪ ،‬وعبد اهلل بن جعفر بن‬
‫فارس‪ ،‬والزبير بن عبد الواحد األسد آبادي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬روى عنه القاضي أبو يوسف‬
‫عبد السالم بن محمد بن يوسف القزويني المفسر‪ ،‬وأبو عبد اهلل الحسن بن علي‬
‫الصيمري‪ ،‬وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي))(‪.)1‬‬
‫وصنف كثي ار من كتب العقائد ينتصر فيها لالعتزال‪ ،‬مثل‪ :‬تنزيه القرآن عن‬
‫المطاعن‪ ،‬ومتشابه القرآن‪ ،‬وشرح األصول الخمسة‪ ،‬والمختصر في أصول الدين‪،‬‬
‫والمغني في أبواب التوحيد والعدل وهو من أعظمها حجما وعلما‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تفسري القاضي عبد اجلبار املعتزيل‪.‬‬


‫(( كتب القاضي عبد الجبار في التفسير والدراسات القرآنية عدة مؤلفات‪ ،‬وما‬
‫وصل إلينا منها‪ :‬كتاب المتشابه‪ ،‬وتنزيه القرآن عن المطاعن‪ ،‬واعجاز القرآن‪ ،‬وأما‬
‫تفسير القاضي فقد ورد في كثير من كتب التراجم‪ ،‬ذكر تفسير القاضي ولم يعتن‬
‫المؤرخون كثي ار في التحقيق باسمه بقدر ما كانوا معنيين في إضافة تفسير القاضي‬
‫إلى قائمة مؤلفي رجال االعتزال‪ ،‬كما فعل ابن تيمية (المتوفى ‪222‬ه)‪ ،‬فلذلك لم‬
‫يوضحوا لنا االسم الدقيق لتفسير القاضي‪.‬‬
‫غير أن الحاكم الجشمي (المتوفى ‪090‬ه)‪ ،‬والقاضي أبا بكر بن العربي‪ ،‬قد‬
‫صرحا بكالم ال لبس فيه‪ ،‬أن تفسير القاضي يقع في مائة مجلد‪ ،‬وأسماه "المحيط"‬
‫وأن ابن العربي قد قرأه في خزانة المدرسة النظامية بمدينة السالم (أي مدينة بغداد)‪.‬‬

‫وطبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام الداوودي‪243-242/1‬؛ والتفسير والمفسرون‪ ،‬الدكتور محمد حسين‬


‫الذهبي‪200/1‬؛ ومناهل العرفان في علوم القرآن‪ ،‬الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني‪40/2‬؛‬
‫ومعجم المؤلفين‪ ،‬األستاذ عمر رضا كحالة‪29-20/0‬؛ واألعالم‪ ،‬خير الدين الزركلي‪.02/0‬‬
‫‪ )1‬طبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام الداوودي‪ .243-242/1‬وينظر‪ :‬طبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام جالل‬
‫الدين السيوطي‪.09-00:‬‬
‫‪82‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫وطعن الدكتور عدنان زرزور بما ذهب إليه القاضي ابن العربي‪ ،‬بأن القاضي عبد‬
‫الجبار قد أخذ تفسيره "المحيط" من تفسير أبي الحسن األشعري (المتوفى ‪328‬ه)‪،‬‬
‫الذي وضعه في خمسمائة مجلد‪ ،‬وأسماه بـ‪" :‬المختزن"‪ ،‬وكان منه نسخة واحدة‪ ،‬ولم‬
‫يكن غيرها‪ ،‬ففقدت من أيدي الناس؛ ألن الصاحب بن عباد قد بذل عشرة اآلف‬
‫دينار لخازن دار الخليفة‪ ،‬فألقى النار في الخزانة فاحترقت الكتب ومن بينها تفسير‬
‫األشعري‪.‬‬
‫وال يعنينا هنا صحة هذا الكالم أم بطالنه‪ ،‬بقدر ما يهمنا هو أن تفسير القاضي‬
‫عبد الجبار هو في مائة مجلد‪ ،‬ومسمى بـ‪" :‬المحيط" بيد أن لدى القاضي تفسي ار آخر‬
‫للقرآن‪ ،‬ولم يشر إليه أحد ممن درس القاضي أو تناول إحصاء مؤلفاته واسم هذا‬
‫التفسير هو‪" :‬فرائد القرآن وأدلته"‪. ...‬‬
‫إذن يتلخص من كل هذا‪ ،‬أن لدى القاضي عبد الجبار كتابين في التفسير‪:‬‬
‫األول‪ :‬هو "المحيط"‪ ،‬أو "التفسير الكبير" الذي أشار إليه الحاكم الجشمي والقاضي‬
‫أبو بكر بن العربي‪.‬‬
‫والثاني‪" :‬فرائد القرآن وأدلته"))(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام السيوطي (رحمه اهلل)‪(( :‬شيخ المعتزلة‪ ،‬وصاحب التصانيف منها‬
‫"التفسير"))(‪ .)2‬وذكر نحو هذا‬
‫الكالم اإلمام الداوودي في طبقاته(‪ .)3‬إال أنهما لم يذك ار اسم هذا التفسير‪.‬‬

‫‪ )1‬مقدمة تحقيق‪ :‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪0-4:‬؛ والمقدمة بقلم المحقق الدكتور‬
‫خضر محمد نبها‪ ،‬والتفسير طبعته دار الكتب العلمية (لبنان‪ /‬بيروت)‪ ،‬ط‪2889( 1‬م)‪ ،‬ويقع في‬
‫نحو‪ 388 :‬صفحة من الحجم المتوسط‪ ،‬عدا الفهارس العامة التي جعلها المحقق للتفسير‪.‬‬
‫‪ )2‬طبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام جالل الدين السيوطي‪.00:‬‬
‫‪ )3‬ينظر‪ :‬طبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام الداوودي‪.242/1‬‬
‫‪88‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫املطلب األول‪ :‬التوحـــيد‬


‫((معرفة اهلل تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد اإلسالم‪ .‬هذه تتضمن‬
‫معرفة بصفاته الكاملة‪ .‬فهو الخالق القادر الجبار الرحيم‪ ...‬إلى آخر صفاته التي‬
‫ذكرها القرآن الكريم‪.‬‬
‫هذه المعرفة التي تحمل المؤمن على الخضوع المطلق هلل والمحبة الكاملة له‬
‫والتوجه إليه دون غيره‪ .‬وأن ينزه من النقص فهو المتفرد والذي ال يشبهه شئ ال في‬
‫صفاته وال في أفعاله‪. ...‬‬
‫ومم ا يدخل في معرفة اهلل تعالى اإليمان بصفاته التي اخبرنا بها في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬أو أخبرنا بها رسوله األمين محمد ‪ .‬نؤمن بها كما جاءت أي ال نشبه هذه‬
‫الصفات بصفات المخلوقين وال نعطل معانيها الحقة فكما أن ذاته ال تشبه الذوات‬
‫فكذلك صفاته ال تشبه الصفات وهذا معنى قول السلف الصالح نؤمن بآيات الصفات‬
‫وأصحابه‪:‬‬ ‫كما جاءت دون تشبيه وال تعطيل‪ .‬ويسعنا ما وسع رسول اهلل‬
‫‪‬‬
‫آمَّنا بِ ِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َربَِّنا)))(‪.)1‬‬
‫ون َ‬
‫اس ُخ ِ ِ ِ‬
‫ون في ا ْلع ْلم َيقُولُ َ‬
‫َ‬
‫الر ِ‬
‫(و َّ‬
‫َ‬
‫قال الدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي وهو يتحدث عن شروط اإليمان‬
‫باهلل‪ ...(( :‬اإليمان بأسمائه وصفاته‪ :‬وهو االعتقاد الجازم بأن اهلل تعالى له األسماء‬
‫الحسنى والصفات العلى‪ ،‬واثبات ما أثبت لنفسه في كتابه‪ ،‬أو أثبته له نبيه في سنته‪،‬‬
‫من صفات الكمال‪ ،‬ونعوت الجالل‪ ،‬من غير تمثيل وال تكييف‪ ،‬ونفي ما نفاه عن‬
‫نفسه في كتابه‪ ،‬أو نفاه عنه نبيه في سنته من صفات النقص والعيب‪ ،‬ومماثلة‬
‫المخلوقين من غير تحريف وال تعطيل‪...‬‬
‫وأسماؤه وصفاته سبحانه توقيفية ال يستقل العقل وحده بإثباتها‪ ،‬ال يوصف اهلل إال‬
‫بما وصف به نفسه‪ ،‬أو وصفه به رسوله‪ ،‬ال يتجاوز القرآن والحديث‪ .‬فما سكت اهلل‬
‫عنه ورسوله من األوصاف‪ ،‬فالواجب السكوت عنه‪ ،‬والتوقف فيه نفيا واثباتا‪،‬‬

‫‪ )1‬سورة آل عمران‪ ،‬من اآلية‪ .2:‬وانظر‪ :‬مبادئ فهم اإلسالم‪ ،‬أنور أحمد موسى‪.0-2:‬‬
‫‪999‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫واالستفصال عن مراد قائله فان أراد معنى صحيحا‪ ،‬قبل المعنى‪ ،‬ورد اللفظ‪ ،‬وان‬
‫ذكر معنى فاسدا‪ :‬رد اللفظ والمعنى))(‪.)1‬‬
‫والتوحيد سبق تعريفه في المبحث األول حيث انه األصل األول من أصول‬
‫المعتزلة الذين جعلوه من صميم عقيدتهم وأصول مذهبهم االعتزالي‪ ،‬وهو األصل‬
‫الذي تبنى عليه العقيدة اإلسالمية بالتأكيد‪.‬‬
‫بقوله تعالى‪( :‬قُ ِل ْاد ُعوا اللَّهَ أ َِو ْاد ُعوا َّ‬
‫الر ْح َم َن أًَّيا َما تَ ْد ُعوا‬ ‫واستدلوا على ذلك‬
‫ك َسبِيال)(‪.)2‬‬ ‫ت بِهَا َو ْابتَ ِغ َب ْي َن َذلِ َ‬
‫ص َالتِ َك َوَال تُ َخ ِاف ْ‬
‫اء ا ْل ُح ْسَنى َوَال‬
‫َس َم ُ‬ ‫تَ ْجهَ ْر بِ َ‬
‫َفلَهُ ْاأل ْ‬
‫قال القاضي عبد الجبار المعتزلي (رحمه اهلل)‪(( :‬فذكر ههنا من صفات التنزيه‬
‫والجالل‪ ،‬وهي السلوب ثالثة أنواع من الصفات‪ ...‬النوع الثالث‪ :‬من تكبير اهلل تكبيره‬
‫في أفعاله‪ ،‬وعند هذا تختلف أهل الجبر والقدر‪ ،‬فقال أهل السنة‪ :‬إنا نحمد اهلل ونكبره‬
‫ونعظمه على أن يجري في سلطانه شئ ال على وفق حكمه وارادته فالكل واقع‬
‫بقضاء اهلل وقدرته ومشيئته وارادته‪ ،‬وقالت المعتزلة‪ :‬إنا نكبر اهلل ونعظمه على أن‬
‫يكون فاعال لهذه القبائح والفواحش‪ ،‬بل نعتقد أن حكمته تقتضي التنزيه والتقديس‬
‫عنها وعن إ اردتها‪ ،‬وسمعت أن األستاذ أبا إسحاق االسفراييني كان جالسا في دار‬
‫الصاحب بن عباد‪ ،‬فدخل القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني فلما رآه قال‪:‬‬
‫سبحان من تنزه عن الفحشاء‪ ،‬فقال األستاذ أبو إسحاق‪ :‬سبحان من ال يجري في‬
‫ملكه إال ما يشاء))(‪.)3‬‬
‫فذكر هنا هذه المناظرة اللطيفة انتصا ار لمذهبه االعتزالي الذي رسمه وسار عليه‪.‬‬

‫‪ )1‬العقيدة الميسرة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة ـ الدكتور أحمد بن عبد الرحمن‬
‫القاضي‪ .32-34:‬وينظر‪ :‬التفسير الموضوعي آليات التوحيد في القرآن الكريم‪ ،‬الدكتور عبد‬
‫العزيز بن الدردير‪.10-13:‬‬
‫‪ )2‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.118:‬‬
‫‪ )3‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.244:‬‬
‫‪999‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الوعيد‬


‫وهو األصل الثالث من أصول المعتزلة الذين جعلوه من صلب مذهبهم‬
‫االعتزالي‪ ،‬وذادوا عنه ما ذادوا‪ ،‬ونافحوا وكافحوا في الدفاع عنه واالنتصار له‪ ،‬ونجد‬
‫هنا أن القاضي عبد الجبار رحمه اهلل يعرض لهذا األصل وينتصر له ويجعله من‬
‫س تُ َج ِاد ُل َع ْن َن ْف ِسهَا‬
‫أقوى حججهم بهذه اآلية الكريمة‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬ي ْوم تَأْتِي ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫َ‬
‫ون)(‪.)1‬‬
‫ظلَ ُم َ‬ ‫س َما َع ِملَ ْ‬
‫ت َو ُه ْم َال ُي ْ‬ ‫وتُوفَّى ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫َ َ‬
‫قال القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل)‪(( :‬هذه اآلية من أقوى ما يدل على ما نذهب‬
‫إليه في الوعيد ألنها تدل على أنه تعالى يوصل إلى كل أحد حقه من غير نقصان‪،‬‬
‫ولو أنه تعالى أزال عقاب المذنب بسبب الشفاعة لم يصح ذلك))(‪.)2‬‬
‫وسنتناول هذه األصول بعدة فروع‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬القطع بوعيد الفساق من أهل الصالة‪.‬‬


‫ٍِ‬ ‫قال تعالى‪( :‬وم ْن ُيولِّ ِهم َيومئِ ٍذ ُد ُبره إِ َّال متَ َحِّرفا لِ ِقتَ ٍ‬
‫ِّز إِلَى فَئة فَقَ ْد َب َ‬
‫اء‬ ‫ال أ َْو ُمتَ َحي ا‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ََ َ ْ َْ‬
‫(‪)3‬‬
‫ص ُير) ‪.‬‬ ‫بِ َغض ٍب ِمن اللَّ ِه ومأْواه جهَّنم وبِ ْئس ا ْلم ِ‬
‫ََ َ ُ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫احتج القاضي بهذه اآلية على القطع بوعيد الفساق من أهل الصالة‪ ،‬وذلك‬
‫ألن اآلية دلت على أن من انهزم إال في هاتين الحالتين استوجب غضب اهلل ونار‬
‫جهنم‪ .‬قال‪(( :‬وليس للمرجئة أن يحملوا هذه اآلية على الكفار دون أهل الصالة‪،‬‬
‫كصنعهم في سائر آيات الوعيد‪ ،‬ألن هذا الوعيد مختص بأهل الصالة))(‪.)0‬‬

‫‪ )1‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.111:‬‬


‫‪ )2‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.243-242:‬‬
‫‪ )3‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.14:‬‬
‫‪ )0‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪288:‬؛ وتفسير مفاتيح الغيب‪ ،‬اإلمام الرازي‪.111/10‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ال يغفر اهلل تعاىل ألهل الكبائر يف اآلخرة‬


‫نراها واضحة في تفسيرهم لهذه اآلية‬ ‫وهذه كذلك عقيدة من عقائد المعتزلة‬
‫يه َجهََّن َم َك َذلِ َ‬
‫ك َن ْج ِزي‬ ‫ك َن ْج ِز ِ‬
‫ِم ْن ُدونِ ِه فَ َذلِ َ‬ ‫الكريمة‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َم ْن َي ُق ْل ِم ْنهُ ْم إِِّني إِلَهٌ‬
‫ين)(‪.)1‬‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫الظالم َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫قال القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل)‪(( :‬قوله‪َ ( :‬ك َذلِ َ‬
‫ك َن ْج ِزي الظالم َ‬
‫ين ) يدل على أن‬
‫كل ظالم يجزيه اهلل جهنم كما توعد المالئكة به‪ ،‬وذلك يوجب القطع على أنه تعالى‬
‫ال يغفر ألهل الكبائر في اآلخرة))(‪.)2‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬ال يشفع النيب ‪ ‬ألهل الكبائر‬


‫وبما أن اهلل سبحانه وتعالى ال يغفر ألهل الكبائر في اآلخرة‪ ،‬فانه يبعد عنهم‬
‫شفاعة حبيبه محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬وهذا ما نجده واضحا ملموسا في هذه‬
‫ت تُْن ِق ُذ َم ْن ِفي َّ‬
‫الن ِار)(‪.)3‬‬ ‫ق َعلَ ْي ِه َكلِمةُ ا ْل َع َذ ِ‬
‫اب أَفَأ َْن َ‬ ‫َ‬ ‫اآلية الكريمة‪ .‬قال تعالى‪( :‬أَفَ َم ْن َح َّ‬
‫احتج القاضي بهذه اآلية على أن النبي ‪ ‬ال يشفع ألهل الكبائر‪ ،‬قال‪(( :‬ألنه حق‬
‫عليهم العذاب‪ ،‬فتلك الشفاعة تكون جارية مجرى إنقاذهم من النار‪ ،‬وأن اهلل تعالى‬
‫حكم عليهم باإلنكار واالستبعاد))(‪.)0‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬الفاسق يدخل النار‪.‬‬


‫(( يرى المعتزلة أن الفاسق إذا مات من غير توبة من الكبائر التي ارتكبها‪،‬‬
‫فسوف يخلد في نار جهنم‪ ،‬ألن اهلل توعده بذلك‪ ،‬وال بد أن يفعل اهلل ما توعده به‪ ،‬إذ‬

‫‪ )1‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.29:‬‬


‫‪ )2‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.204:‬‬
‫‪ )3‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.19:‬‬
‫‪ )0‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.314-310:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫ال يجوز عليه سبحانه الخلف والكذب‪ .‬ولو أن عذابه يكون أخف من عذاب‬
‫الكافر))(‪.)1‬‬
‫يقول اإلمام الشهرستاني (رحمه اهلل) حاكيا رأي المعتزلة في الوعيد‪:‬‬
‫(( واتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا من غير توبة من كبيرة ارتكبها‪:‬‬
‫استحق الخلود في النار‪ ،‬لكن عقابه أخف من عقاب الكافر))(‪.)2‬‬
‫وهنا عقيدة أخرى من عقائد المعتزلة التي انتصروا لها في تأويلهم لهذه اآلية‬
‫ور لَ َم ْن تَبِ َع َك ِم ْنهُ ْم َأل َْم َأل َّ‬
‫َن َج َهَّن َم‬ ‫اخ ُرْج ِم ْنهَا َم ْذ ُءوما َم ْد ُح ا‬
‫ال ْ‬
‫الكريمة‪ ،‬قال تعالى‪(:‬قَ َ‬
‫ين)(‪.)3‬‬ ‫ِم ْن ُكم أ ْ ِ‬
‫َج َمع َ‬ ‫ْ‬
‫قال القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل)‪(( :‬دلت هذه اآلية على أن التابع والمتبوع‬
‫معنيان في أن جهنم تمأل منهما ثم إن الكافر تبعه‪ ،‬فكذلك الفاسق تبعه فيجب القطع‬
‫بدخول الفاسق النار))(‪.)0‬‬
‫ون (‪َ )20‬ال ُي َفتَُّر َع ْنهُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي َع َذ ِ‬
‫اب َجهََّن َم َخال ُد َ‬ ‫وكذلك في قوله تعالى‪( :‬إِ َّن ا ْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ين)(‪.)0‬‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اه ْم َولَك ْن َك ُانوا ُه ُم الظالم َ‬
‫ظلَ ْمَن ُ‬ ‫ون (‪َ )20‬و َما َ‬ ‫َو ُه ْم فيه ُمْبل ُس َ‬
‫قال القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل)‪( :‬أـ وفيه مسائل‪ :‬المسألة األولى‪ :‬احتججنا على‬
‫ون (‪َ )20‬ال ُي َفتَُّر َع ْنهُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي َع َذ ِ‬
‫اب َج َهَّن َم َخال ُد َ‬ ‫القطع بوعيد الفسق بقوله‪ :‬إِ َّن ا ْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ون) ولفظ المجرم يتناول الكافر والفاسق‪ ،‬فوجب كون الكل في عذاب‬ ‫ِِ ِ‬
‫َو ُه ْم فيه ُمْبل ُس َ‬
‫ون) يدل على الخلود‪ ،‬وقوله أيضا ( َال ُيفَتَُّر َع ْنهُ ْم) يدل على‬ ‫ِ‬
‫جهنم‪ ،‬وقوله‪َ ( :‬خال ُد َ‬
‫الخلود والدوام أيضا‪.)4(...‬‬

‫‪ )1‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ .‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪.240:‬‬
‫‪ )2‬الملل والنحل‪ ،‬اإلمام الشهرستاني‪.44/1‬‬
‫‪ )3‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.10:‬‬
‫‪ )0‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪100:‬؛ وتفسير مفاتيح الغيب‪ ،‬اإلمام الرازي‪.32/10‬‬
‫‪ )0‬سورة الزخرف‪ ،‬اآليتان‪.24 ،20 :‬‬
‫‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير مفاتيح الغيب‪ ،‬اإلمام الرازي‪.190/22‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫ين)(‪.)1‬‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫اه ْم َولَك ْن َك ُانوا ُه ُم الظالم َ‬
‫المســألة الثالثة‪ :‬واحتججنا بقوله تعالى‪َ ( :‬و َما ظَلَ ْمَن ُ‬
‫اه ْم)‪،‬‬
‫ظلَ ْمَن ُ‬
‫(و َما َ‬‫فقلنا‪(( :‬إن كان خلق فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفاه بقوله‪َ :‬‬
‫وما الذي نسبه إليهم مما نفاه عن نفسه؟ أوليس لو أثبتناه ظلما لهم كان ال يزيد على‬
‫ما يقوله القوم‪ ،‬فان قالوا‪ :‬ذلك الفعل لم يقع بقدرة اهلل عز وجل فقط‪ ،‬بل إنما وقع‬
‫بقدرة اهلل مع قدرة العبد معا‪ ،‬فلم يكن ذلك ظلما من اهلل))(‪.)2‬‬
‫أعتقد أن الصورة هنا قد وضحت فيما ذهبوا إليه في أن الفاسق يدخل النار‪ ،‬بهذه‬
‫اآليات التي استدل بها المعتزلة في إثبات ما اعتقدوا وركنوا إليه‪.‬‬
‫قال اإلمام أبو حنيفة (رحمه اهلل)‪(( :‬وال نكفر أحدا بذنب من الذنوب وان كانت‬
‫كبيرة إذا لم يستحلها‪ ،‬وال نزيل عنه اسم اإليمان ونسميه مؤمنا حقيقة‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون مؤمنا فاسقا غير كافر))(‪.)3‬‬
‫هذا هو المنهج الذي ينبغي أن يتبع‪ ،‬هذا هو منهج وعقيدة أهل السنة والجماعة‬
‫حشرنا اهلل واياكم في زمرتهم يوم القيامة‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬خلـق القـرآن‬


‫وهذه من كبرى مسائل االعتزال التي قالوا فيها وجاهدوا من أجلها‪ ،‬وقد امتحن‬
‫كثي ار من أهل السنة في هذه المسألة‪ ،‬ومنهم اإلمام المبجل أحمد بن حنبل (رحمه‬
‫اهلل)‪ ،‬ومحنته المشهورة في مسألة خلق القرآن‪.‬‬
‫قال اإلمام أبو حنيفة (رحمه اهلل)‪(( :‬القرآن كالم اهلل تعالى في المصاحف مكتوب‪،‬‬
‫وفي القلوب محفوظ‪ ،‬وعلى األلسن مقروء‪ ،‬وعلى النبي صلى اهلل عليه وسلم منزل‪.‬‬
‫ولفظنا بالقرآن مخلوق وكتابتنا له مخلوقة وقراءتنا له مخلوقة‪ ،‬والقرآن غير مخلوق‪.‬‬
‫وما ذكر اهلل تعالى في القرآن حكاية عن موسى وغيره من األنبياء (الصالة عليهم‬

‫‪ )1‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.24:‬‬


‫‪ )2‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪320-323:‬؛ وتفسير مفاتيح الغيب‪ ،‬اإلمام‬
‫الرازي‪.190/22‬‬
‫‪ )3‬الفقه األكبر في التوحيد ـ اإلمام أبو حنيفة‪.28-19:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫والسالم)‪ ،‬وعن فرعون وابليس فان ذلك كله كالم اهلل تعالى إخبا ار عنهم‪ ،‬وكالم اهلل‬
‫تعالى غير مخلوق‪ ،‬وكالم موسى وغيره من المخلوقين مخلوق‪ ،‬والقرآن كالم اهلل‬
‫تعالى فهو قديم ال كالمهم))(‪.)1‬‬
‫وقال األستاذ عبد اهلل بن عبد الحميد األثري‪(( :‬وأهل السنة والجماعة‪ :‬يؤمنون بأن‬
‫القرآن كالم اهلل تعالى ‪ -‬حروفه ومعانيه ‪ -‬منه بدأ واليه يعود‪ ،‬منزل غير مخلوق‪،‬‬
‫على محمد (صلى اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫تكلم اهلل به حقا‪ ،‬وأوحاه إلى جبريل‪ ،‬فنزل به جبريل‬
‫عليه وعلى آله وسلم)‪ .‬أنزله الحكيم الخبير بلسان عربي مبين‪ ،‬ونقل إلينا بالتواتر‬
‫ين (‪)192‬‬ ‫ِ‬ ‫الذي ال يرقى إليه شك‪ ،‬وال ريب‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ ( :‬وِاَّنهُ لَتَْن ِزي ُل َر ِّ‬
‫ب ا ْل َعالَم َ‬
‫ين (‪ )190‬بِلِ َس ٍ‬
‫ان َع َربِ ٍّي‬ ‫ِ‬ ‫ك لِتَ ُك ِ‬
‫ون م َن ا ْل ُم ْنذ ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ين (‪َ )193‬علَى َق ْلبِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َن َز َل بِ ِه ُّ‬
‫الرو ُح ْاألَم ُ‬
‫ُمبِ ٍ‬
‫ين)(‪.)2‬‬
‫والقرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ‪ ،‬وتحفظه الصدور‪ ،‬وتتلوه األلسن‪،‬‬
‫ومكتوب في الصحف‪ . ...‬وأهل السنة والجماعة يكفرون من أنكر حرفا منه أو زاد‬
‫أو نقص‪ ،‬وعلى هذا فنحن نؤمن إيمانا جازما بأن كل آية من آيات القرآن منزلة من‬
‫عند اهلل‪ ،‬وقد نقلت إلينا بطريق التواتر القطعي‪.‬‬
‫والقرآن الكريم لم ينزل جملة واحدة على رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله‬
‫وسلم)‪ ،‬بل نزل منجما‪ ،‬أي مفرقا حسب الوقائع‪ ،‬أو جوابا عن أسئلة‪ ،‬أو حسب‬
‫مقتضيات األحوال في ٍ‬
‫ثالث وعشرين سنة))(‪.)3‬‬
‫((واذا كان المعتزلة قد اختلفوا في القرآن هل هو جسم أم عرض‪ ،‬فقد اتفقوا على‬
‫أنه مخلوق))(‪.)0‬‬

‫‪ )1‬الفقه األكبر في التوحيد‪ ،‬اإلمام أبو حنيفة‪.12-11:‬‬


‫‪ )2‬سورة الشعراء‪ ،‬اآليتان‪.194 ،192:‬‬
‫‪ )3‬الوجيز في عقيدة السلف الصالح ـ عبد اهلل بن عبد الحميد األثري‪.29-22:‬‬
‫‪ )0‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع موسى‪.203:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫يقول القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل)‪(( :‬وأما مذهبنا فهو أن القرآن كالم اهلل‬
‫تعالى ووحيه‪ ،‬وهو مخلوق محدث))(‪.)1‬‬
‫وقد استدل المعتزلة على ما ذهبوا إليه في مسألة خلق القرآن بهذه اآلية الكريمة‪:‬‬
‫قال تعالى‪( :‬فَبِأ ِّ ِ ٍ‬
‫َي َحديث َب ْع َدهُ ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون)(‪.)2‬‬
‫قال القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل)‪(( :‬هذه اآلية تدل على أن القرآن محدث‪ ،‬ألنه‬
‫تعالى وصفه بأنه حديث‪ ،‬والحديث ضد القديم‪ ،‬والضدان ال يجتمعان‪ ،‬فإذا كان‬
‫حديثا وجب أن ال يكون قديما))(‪.)3‬‬
‫اكثِين ِف ِ‬
‫يه أََبدا)(‪.)0‬‬ ‫ِ‬
‫وقوله تعالى‪َ ( :‬م َ‬
‫َج ار‪ :)0()...‬اآلية‬ ‫قال القاضي عبد الجبار المعتزلي (رحمه اهلل)‪(( :‬قوله‪ ( :‬أ َّ‬
‫َن لَهُ ْم أ ْ‬
‫دالة على صحة قولنا في مسائل‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن القرآن مخلوق وبيانه من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه تعالى وصفه باإلنزال والنزول‪ ،‬وذلك من صفات المحدثات‪ ،‬فان القديم ال‬
‫يجوز عليه التغيير‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وصفه بكونه كتابا‪ ،‬والكتب هو الجمع‪ ،‬وهو سمي كتابا لكونه مجموعا من‬
‫الحروف والكلمات‪ ،‬وما صح فيه التركيب والتأليف فهو محدث‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه تعالى أثبت الحمد لنفسه على إنزال الكتاب والحمد إنما يستحق على‬
‫النعمة‪ ،‬والنعمة محدثة مخلوقة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه وصف الكتاب‪ ،‬بأنه غير معوج‪ ،‬وبأنه مستقيم‪ ،‬والقديم ال يمكن وصفه‬
‫بذلك‪ ،‬فثبت أنه محدث مخلوق‪.‬‬

‫‪ )1‬شرح األصول الخمسة‪ ،‬القاضي عبد الجبار‪.203:‬‬


‫‪ )2‬سورة المرسالت‪ ،‬اآلية‪.08:‬‬
‫‪ )3‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.304:‬‬
‫‪ )0‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.3:‬‬
‫‪ )0‬سورة الكهف‪ ،‬من اآلية‪.2:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫وثانيها‪ :‬مسألة خلق األعمال فان هذه اآليات تدل على قولنا في هذه المسألة من‬
‫وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬نفس األمر بالحمد ألنه لو لم يكن للعبد فعل فلم ينتفع بالكتاب إذ االنتفاع به‬
‫إنما يحصل إذا قدر على أن يفعل ما دل الكتاب على أنه يجب فعله ويترك ما دل‬
‫الكتاب على أنه يجب تركه وهو إنما يفعل ذلك لو كان مستقال بنفسه‪ ،‬أما إذا لم يكن‬
‫مستقال بنفسه لم يكن لعوج الكتاب أثر في اعوجاج فعله‪ ،‬ولم يكن لكون الكتاب فيما‬
‫أثر في استقامة فعله‪ ،‬أما إذا كان العبد قاد ار على الفعل مختا ار فيه بقي لعوج الكتاب‬
‫واستقامته أثر في فعله‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه تعالى لو كان أنزل بعض الكتاب ليكون سبا لكفر البعض وأنزل الباقي‬
‫ليؤمن البعض اآلخر فمن أين أن الكتاب قيم ال عوج فيه؟ ألنه لو كان فيه عوج لما‬
‫زاد على ذلك‪.‬‬
‫إنذار الكل وتبشير‬ ‫‪‬‬ ‫والثالث‪ :‬قوله‪( :‬لينذر) وفيه داللة على أنه تعالى أراد منه‬
‫الكل وبتقدير أنه يكون خالق الكفر واإليمان هو اهلل تعالى لم يبق لإلنذار والتبشير‬
‫معنى ألنه تعالى إذا خلق اإليمان فيه حصل شاء أو لم يشأ‪ ،‬واذا خلق الكفر فيه‬
‫حصل شاء أو لم يشأ فبقي اإلنذار والتبشير على الكفر واإليمان جاريا مجرى اإلنذار‬
‫والتبشير على كونه طويال وقصي ار وأسود وأبيض مما ال قدرة له عليه‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬وصفه المؤمنين بأنهم يعملون الصالحات فان كان ما وقع خالق اهلل تعالى‬
‫فال عمل لهم البتة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬إيجابه لهم األجر الحسن على ما عملوا فان كان اهلل تعالى يخلق ذلك‬
‫فيهم فال إيجاب وال استحقاق))(‪.)1‬‬
‫وأما أهل السنة والجماعة فقد اتفقوا على أن القرآن كالم اهلل‪ ،‬أنزله على رسول‬
‫وهو صفة من صفاته غير مخلوق‪.‬‬ ‫اهلل ‪‬‬

‫‪ )1‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪240-242:‬؛ وتفسير مفاتيح الغيب‪ ،‬اإلمام‬


‫الرازي‪.40/21‬‬
‫‪992‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫يقول اإلمام الطحاوي (رحمه اهلل)‪(( :‬وأما القرآن كالم اهلل منه بدأ بال كيفية قوال‪،‬‬
‫وأنزله على رسوله وحيا‪ ،‬وصدقه المؤمنون على ذلك حقا‪ ،‬وأيقنوا أنه كالم اهلل تعالى‬
‫حقيقة‪ ،‬ليس بمخلوق ككالم البرية‪.)1())...‬‬
‫ويقول اإلمام القاضي أبو بكر الباقالني (رحمه اهلل)‪(( :‬وكذلك من يسمع القرآن‬
‫‪‬‬ ‫يعلم أنه كالم اهلل‪ ،‬وان اختلف الحال في ذلك من بعض الوجوه‪ ،‬ألن موسى‬
‫سمعه من اهلل ‪ ،‬وأسمعه نفسه متكلما‪ ،‬وليس كذلك الواحد منا‪ .‬وكذلك قد يختلفان‬
‫في غير هذا الوجه‪ ،‬وليس ذلك قصدنا بالكالم في هذا الفصل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫والذي نرومه اآلن ما بينا من اتفاقهما في المعنى الذي وصفنا‪ ،‬وهو أنه‬
‫يعلم أن ما يسمعه كالم اهلل من جهة االستدالل‪ .‬وكذلك نحن نعلم ما نقرؤه من هذا‬
‫على جهة االستدالل))(‪.)2‬‬
‫ويقول الشيخ محمد بن عثيمين (رحمه اهلل)‪(( :‬القول السليم هو ما عليه أهل‬
‫السنة والجماعة أن الكالم صفة من صفاته‪ ،‬ليس شيئا بائنا منه مخلوقا‪ ،‬وأن كالمه‬
‫متعلق بمشيئته‪ ،‬يتكلم متى شاء بما شاء‪ ،‬وكيف شاء‪ ،‬بحرف وصوت‪ ،‬ال يشبه‬
‫أصوات المخلوقين‪ .‬هذا هو الحق))(‪.)3‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬بطالن اجلرب‬


‫قال تعالى‪َ( :‬يتََو َارى ِم َن ا ْلقَ ْوِم ِم ْن ُسوِء َما ُب ِّش َر بِ ِه أ َُي ْم ِس ُكهُ َعلَى ُه ٍ‬
‫ون أ َْم َي ُدسُّهُ‬
‫ون)(‪.)0‬‬ ‫اء َما َي ْح ُك ُم َ‬ ‫ِفي التُّر ِ‬
‫اب أ ََال َس َ‬ ‫َ‬
‫قال القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل)‪(( :‬هذه اآلية تدل على بطالن الجبر‪.‬‬
‫ألنهم يضيفون إلى اهلل تعالى من الظلم والفواحش ما إذا أضيف إلى أحدهم أجهد‬
‫نفسه في البراءة منه والتباعد عنه‪ ،‬فحكمهم في ذلك مشابه لحكم هؤالء المشركين‪ ،‬ثم‬

‫‪ )1‬شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬يوسف بن موسى بن محمد الملطي‪.129:‬‬


‫‪ )2‬إعجاز القرآن‪ ،‬القاضي أبو بكر الباقالني‪.10:‬‬
‫‪ )3‬المحاضرات السنية في شرح العقيدة الواسطية‪ ،‬الشيخ محمد بن عثيمين‪.300/1‬‬
‫‪ )0‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.09:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫قال‪ :‬بل أعظم‪ ،‬ألن إضافة البنات إليه إضافة قبح واحد‪ ،‬وذلك أسهل من إضافة كل‬
‫القبائح والفواحش إلى اهلل تعالى))(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام أبو حنيفة (رحمه اهلل)‪(( :‬ولم يجبر أحدا من خلقه على الكفر وال‬
‫على اإليمان‪ ،‬وال خلقهم مؤمنا وكاف ار‪ .‬ولكن خلقهم أشخاصا واإليمان والكفر فعل‬
‫العباد‪ ،‬ويعلم اهلل تعالى من يكفر في حال كفره كاف ار فإذا آمن بعد ذلك علمه مؤمنا‬
‫في حال إيمانه وأحبه من غير أن يتغير علمه وصفته‪.‬‬
‫وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة‪ ،‬واهلل تعالى خالقها‬
‫وهي كلها بمشيئته وعلمه ومشيئته وقضاءه وتقديره‪ ،‬والمعاصي كلها بعلمه وقضاءه‬
‫وتقديره ومشيئته ال بمحبته وال برضاه وال بأمره))(‪.)2‬‬
‫هذا هو المنهج الصحيح السليم الذي ينبغي أن يسلكه كل مسلم‪ ،‬فما تشتتنا‬
‫وسيطرة بعض األفكار المنحرفة إضافة إلى االستعمار‪ ،‬كل ذلك حل بنا وأكثر ألننا‬
‫ابتعدنا عن المنهج القويم الذي يهدي إلى الصراط المستقيم‪ ،‬فالحق أحق أن يتبع‪.‬‬
‫ومن كل ما ذكرناه يتبين لنا أن التفسير االعتزالي تميز بعدة أمور‪:‬‬
‫((‪1‬ـ االعتماد على العقل في التفسير‪ ،‬وتقديم مؤداه على الشرع وبذل المجهود‬
‫لتعظيم أمره‪.‬‬
‫‪2‬ـ التركيز على اآليات التي تخدم مذهبهم أو تشير ولو من بعد على أصول فكرهم‪.‬‬
‫‪3‬ـ اللجوء إلى اللغة والتصريف إن لم يسعفهم المعنى‪.‬‬
‫‪0‬ـ اللجوء إلى صرف الظواهر إذا خالفت أصولهم‪.‬‬
‫‪0‬ـ اللجوء إلى التشبث بالظاهر وان أدى إلى باطل‪.‬‬
‫‪4‬ـ تقديم القراءة الشاذة على المتواترة لخدمة مذهبهم))(‪.)3‬‬

‫‪ )1‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪.204:‬‬


‫‪ )2‬الفقه األكبر في التوحيد‪ ،‬اإلمام أبو حنيفة‪.14:‬‬
‫‪ )3‬التفسير والمفسرون‪ ،‬د‪ .‬فاطمة محمد مارديني‪.113-112:‬‬
‫‪999‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫املبحث الثالث‪ :‬القاضي عبد اجلبار منهجه وأثره على املفسرين وموقف السلف‬

‫من تفسريات املعتزلة‪ ،‬واشتمل على ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬منهج القاضي عبد اجلبار املعتزيل يف تفسريه‪.‬‬


‫((صنف كثير من شيوخ المعتزلة تفاسير للقرآن الكريم على أصول مذهبهم‪ ،‬ولم‬
‫تكن هذه التفاسير أكثر حظا من غيرها من كتب التفسير المختلفة‪ ،‬حيث امتدت إلى‬
‫كثير منها يد الزمان‪ ،‬فضاعت بتقادم العهد عليها‪ ،‬وحرمت المكتبة اإلسالمية العامة‬
‫من معظم هذا التراث العلمي الذي لو بقي إلى يومنا هذا أللقى لنا ضوء واضحا‬
‫على مدى التفكير التفسيري‪ ،‬لشيوخ هذا المذهب االعتزالي‪ ،‬ولكشف لنا عن حقيقة ما‬
‫ينسب لبعض شيوخهم من تفسيرات واسعة النطاق‪ ،‬نسمع بها من علمائنا المتقدمين‪،‬‬
‫ونقف منها موقف الحائرين بين الشك واليقين‪ ،‬لما يذكر عنها من االستفاضة‬
‫والتضخم إلى حد يكاد يكون متخيال أو مبالغا فيه))(‪.)1‬‬
‫((التزم المعتزلة جميعا بمنهجهم في تفسير القرآن الكريم على خالف بينهم‪ ،‬ولكن‬
‫ال تجد معتزليا تعرض للتفسير إال وظهر منهج المعتزلة وأسسهم في تفسيره‪ ،‬وال يحيد‬
‫عنها إلى غيرها أبدا‪ ،‬في الوقت الذي نجد أغلب المفسرين إن لم نقل جميعهم تأثروا‬
‫بالنظرة العقلية للنصوص القرآنية وتأويلها‪.‬‬
‫فقد تأثر التفسير بصورة عامة بمنهج مدرسة المعتزلة وخاصة عند تفسير‬
‫اآليات المتشابهات أو التي ظاهرها التناقض‪ ،‬وهذا التأثر لم يكن بأسس عقيدتهم‪ ،‬بل‬
‫ناقشوها وفق نفس المنهج‪ ،‬ونقضوا ما خالف روح اإلسالم وأسس اإليمان والتسليم‪،‬‬
‫بل بالمنهج العقلي لتفسير القرآن‪.‬‬
‫ومنهجهم عقلي بحت ال يعتمد على القرآن نفسه في إثبات مبادئه‪ ،‬وانما يعتمدون‬
‫على العقل في إثبات وجود اهلل‪ ،‬وصدق الرسول صلى اهلل عليه وسلم ومبادئ‬

‫‪ )1‬التفسير والمفسرون‪ ،‬المرحوم الدكتور محمد حسين الذهبي‪.202/1‬‬


‫‪999‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫اإلسالم‪ ،‬فاعتمادهم على األدلة المنطقية أكثر من اعتمادهم على النصوص القرآنية‬
‫في الحجاج واثبات المبادئ))(‪ )1‬كما بينا سابقا‪.‬‬
‫ويمكن القول مم ا عرضناه من مذهب القاضي عبد الجبار المعتزلي (رحمه‬
‫اهلل) أن أعماله الكالمية وفي التفسير تتميز بعدة أمور‪:‬‬
‫‪ )1‬عرض آراء المذهب المعتزلي كما استقر أو تطور على يد الجبائيين‪.‬‬
‫‪ )2‬استعراض لبعض اآليات التي يثار حولها التساؤل‪ ،‬يفسرها على طريقته في‬
‫التفسير العقلي والبرهان المنطقي‪ ،‬ويتوخى اآليات التي فيها ينتصر به لمذهبه‬
‫في بعض وجوه التأويل‪.‬‬
‫‪ )3‬ال يورد آية فيها شبهة قد يفيد منها ظاه ار مخالفوا المعتزلة إال أولها تأويال يصل‬
‫فيه إلى تأييد مذهب االعتزال‪.‬‬
‫‪ )0‬الرد على اآلراء األخرى في المدرستين المعتزليتين‪ ،‬دونما اهتمام كبير بآراء‬
‫الخصوم‪ ،‬الذين ال يرى القاضي أنهم يستحقون االعتبار‪.‬‬
‫ويقتصر تجديده أو انجازه على توليد بعض الوجوه الجديدة واالحتماالت العقلية‪،‬‬
‫ولذلك فان الحاكم الجشمي والزمخشري ما أخذا كثي ار عنه‪ ،‬ألن المصادر المعتزلية‬
‫كانت بين يديهما‪ ،‬وألنهما مثل الرماني مهتمان باللغة القرآنية‪ ،‬وهو ماال يهتم له‬
‫القاضي عبد الجبار‪.‬‬
‫كما أنه لم يأت على جميع السور القرآنية في تفسيره "المحيط"‪ ،‬بل فسر منها ما‬
‫يتعلق ببيان مذهبه ومنهجه االعتزالي‪ ،‬فمثال ابتدأ بسورة البقرة ولم يبدأ بسورة الفاتحة‪،‬‬
‫ويمكن مراجعة الصفحة (‪ )42‬من تفسيره لبيان ذلك‪.‬‬
‫وتفسيره لسورة اإلخالص في صفحة (‪ ،)344‬حيث فسر بعدها سورة الفلق في‬
‫صفحة (‪ )340‬ولم يفسر سورة الناس‪.‬‬
‫كما أنه لم يفسر جميع آيات السورة الواحدة بل يختار نتفا منها‪ ،‬فمثال تفسيره‬
‫لسورة البينة في صفحة (‪ )340‬حيث فسر منها اآلية رقم (‪ )0‬فقط‪.‬‬

‫‪ )1‬أثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬الدكتور مساعد مسلم عبد اهلل آل جعفر‪.332-331:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫وتفسيره لسورة المسد في صفحة (‪ )340‬حيث فسر منها اآلية رقم (‪ )3‬فقط‪،‬‬
‫وهذا ديدنه في جميع تفسيره‪.‬‬
‫وعلى كل فهو متمكن من إيراد الحجج حاضر البديهة جيد األسلوب‪ ،‬في ردوده‬
‫تكلف وتأويل متعسف ال يحتمله اللفظ إال على طريقة المعتزلة‪ .‬وأثر االعتزال واضح‬
‫في كل ما يكتب وكل ما يفسر‪ ،‬فان النظرة العقلية البحتة لتفسير النص ديدنه‪،‬‬
‫ومنهج االعتزال سبيله‪ ،‬فيعلل ويؤول ما وسعه‪ ،‬وال يعجزه التأويل ألنه من أرباب‬
‫البيان‪.‬‬
‫ونحن إذا رأينا مشكل القرآن البن قتيبة وجدناه ال يصلح للحجاج مع غير‬
‫المسلمين‪ ،‬فانه يقنع المسلم‪ ،‬ولكنه ال يقنع الكافر الملحد أو على األقل ال يقطع‬
‫لسانه‬
‫ومع أني ال أوافق المعتزلة في كثير من آرائهم أو أغلبها‪ ،‬وأرى الدين ينمو عند‬
‫الشخص نموا وجدانيا‪ ،‬ولكني حاججت كثي ار من الملحدين‪ ،‬فال أجد أفتك من سالح‬
‫المعتزلة للرد عليهم‪.‬‬
‫ورحمه اهلل اإلمام األشعري حيث أخذ طريقتهم ليبرهن بها على عقائد أهل السنة‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أثر القاضي عبد اجلبار املعتزيل على املفسرين‬


‫((تأثر القاضي بالتفاسير السابقة عليه‪ ،‬ونقل عنها‪ ،‬وعلى رأسها تفاسير السلف‪،‬‬
‫وسلفه من المعتزلة‪ ،‬ومن الطبيعي أن يؤثر تفسير القاضي على المتأخرين‪ ،‬بيد أن‬
‫معاصره المفسر األمامي الكبير‪ ،‬المشهور بالشيخ الطوسي (المتوفى ‪048‬ه)‪ ،‬يظهر‬
‫أنه لم يستهويه تفسير القاضي‪ ،‬أو لم يعجب به‪ ،‬ألنه لم يتعرض إليه أبدا في‬
‫تفسيره‪" :‬التبيان"‪ .‬ال نقال‪ ،‬وال نقدا‪ ،‬وهو (أي الطوسي) ممن أكثر النقل عن قدامى‬
‫مفسري المعتزلة‪ ،‬كالجبائي (المتوفى ‪383‬ه)‪ ،‬وأبي القاسم الكعبي البلخي (المتوفى‬
‫‪319‬ه)‪ ،‬وأبي مسلم األصفهاني (المتوفى ‪322‬ه)‪ ،‬وأبي الحسن الرماني (المتوفى‬
‫‪300‬ه)‪ ،‬الذي أعجب الطوسي به‪ ،‬وصرح بذلك‪.‬‬

‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫وهذه مفارقة عجيبة وال أعلم المانع‪ ،‬أو السبب الذي جعل الطوسي يمتنع من‬
‫االستفادة والنقل من تفسير القاضي‪ ،‬إال إذا كان غير معجب به أصال‪ ،‬أو أن‬
‫المعاصرة مانعة من النقل لقرب عهد الناس بالكتاب‪ ،‬أو لسبب آخر‪ ،‬وهو مناهضة‬
‫ومزاحمة القاضي ألستاذ الطوسي‪ ،‬عنيت به الشريف المرتضي (المتوفى ‪034‬ه)‪،‬‬
‫الذي كان بينه وبين القاضي مناظرات وردود))(‪.)1‬‬
‫(( وتأثر الشيخ أطفيش مفسر المذهب األباضي بالمعتزلة واضح بين في بعض‬
‫العقائد بل حرص المؤلف على النص في مقدمته‪ ،‬كيف وهميان الزاد حرص على أن‬
‫ينص على أنه‪ :‬يوافق نظر جار اهلل والقاضي وهو الغالب والحمد هلل‪ ،‬وتارة يخالفهما‬
‫ويوافق وجها أحسن مما أثبتناه أو مثله‪.)2(...‬‬
‫لذا فقد وافق المعتزلة في صفات اهلل تعالى‪ ،‬وفي إنكار الرؤية‪ ،‬وفي القول بخلق‬
‫القرآن وفي خلود أهل الكبائر في النار‪ ،‬وانكار الشفاعة ألهل الكبائر‪ ،‬وفي التهجم‬
‫على بعض الصحابة ‪ ،‬وفي غير ذلك‪.‬‬
‫وهو مع هذا فيخالفهم في بعض األمور مثل أن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة‪،‬‬
‫ال كما قالت المعتزلة ال كافر وال مؤمن بل منزلة بين المنزلتين ويخالفهم أيضا في‬
‫نحو أن العبد يخلق فعله فهو يرى أن اهلل هو خالق األفعال من غير إنكار اختيار‬
‫العبد وغير ذلك))(‪.)3‬‬
‫قال األستاذ الدكتور صبري المتولي‪(( :‬إن المعتزلة من الفرق التي تفاعلت‬
‫وانفعلت لغيرها ـ بصورة قوية ـ وأثرت وتأثرت ولعل التأثير والتأثر بينهما وبين الشيعة‬
‫من األمور المقررة في كتب العلم‪ .‬وان المعتزلة من الفرق التي استوعبت ثقافات‬

‫‪ )1‬مقدمة تحقيق‪ :‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي‪ ،39:‬بقلم المحقق الدكتور خضر محمد‬
‫نبها‪.‬‬
‫‪ )2‬هميان الزاد إلى دار المعاد‪ ،‬محمد بن يوسف أطفيش‪.0/1‬‬
‫‪ )3‬اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر‪ ،‬األستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن بن سليمان‬
‫الرومي‪ ،328-349:‬أطروحة دكتوراه‪.‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫العصر وعلومه واستجابت لحضاراته‪ ،‬وأخذت من هذا كله ما يتفق مع اإلسالم وما‬
‫يختلف‪ ،‬ومن ثم نهض غيرهم لتمييز األصيل من الدخيل))(‪.)1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬موقف السلف من تفسريات املعتزلة‬


‫((منيت األمة بأن تفترق أكثر من سبعين فرقة‪ ،‬وأن يلبسها اهلل شيعا ويذيق‬
‫بعضها بأس بعض‪ ،‬وان كانت ال تزال طائفة من هذه األمة ظاهرين على الحق ال‬
‫يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اهلل‪ ،‬وقد تناولت كل طائفة كتاب اهلل تفسيره بما‬
‫ارتضته لنفسها من اعتدال أو تطرف‪ ،‬فظهرت مجموعة التفاسير كالمرايا المجلوة‬
‫تنطبع فيها صورة المفسرين لها على اختالف مشاربهم وتباين منازعهم وال غرو‪ ،‬فكل‬
‫إناء بما فيه ينضح‪ ،‬وكل يغني على لياله‪.‬‬
‫ومن هنا تجد تفاسير أهل السنة تظهر فيها عقيدة أهل السنة‪ ،‬وتفاسير‬
‫المعتزلة تظهر فيها عقيدة االعتزال‪ ،‬والشيعة تظهر في تفاسيرهم عقيدة التشيع‪ ،‬وهلم‬
‫وهلم))(‪.)2‬‬
‫((لقد عرف أئمة السلف أبعاد اآلراء التي حملها أهل االعتزال‪ ،‬فأخذوا منهم‬
‫مواقف قوية‪ ،‬وردوا عليهم ردودا علمية عظيمة تؤكد ثبات تلك المواقف بالرغم من‬
‫الضغوط التي مارسها المعتزلة أيام كانت لهم السلطة والدولة‪ .‬فهذا الحسن البصري‬
‫(رحمه اهلل) يطرد واصل بن عطاء من حلقته العلمية‪ .‬وهذا أحمد بن حنبل (رحمه‬
‫اهلل) الذي تعرض للسجن والتعذيب على أيدي المعتزلة في فتنة خلق القرآن‪ ،‬وبقي‬
‫ثابتا على قول أهل الحق‪ ،‬بل كان يفتي (رحمه اهلل) بأنه‪( :‬ال يصلى خلف القدرية‬
‫والمعتزلة)‪ .‬وهذا اإلمام مالك بن أنس (رحمه اهلل) وقد سئل عن تزويج القدري‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫( َولَ َع ْب ٌد ُم ْؤ ِم ٌن َخ ْيٌر ِم ْن ُم ْش ِر ٍك‪.)3())).....‬‬

‫‪ )1‬منهج أهل السنة في تفسير القرآن الكريم‪ ،‬األستاذ الدكتور صبري المتولي‪.230:‬‬
‫‪ )2‬مناهل العرفان في علوم القرآن‪ ،‬الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني‪.48/2‬‬
‫‪ )3‬سورة البقرة‪ ،‬من اآلية‪ .221:‬وانظر‪ :‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬د‪ .‬محمد بديع‬
‫موسى‪.203:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫لقد ناقش المسلمون عقائدهم جميعا‪ ،‬وفندوها‪ ،‬كما أن الذين يعرضون‬


‫عقائدهم من أهل السنة‪ ،‬وكتاب الفرق يذكرونهم بأهم ما يختلفون به مع أهل السنة‪.‬‬
‫وأول من أرخ لهم هو اإلمام األشعري وأكثر كالمه عنهم في اختالفهم في‬
‫الصفات التي تتبع أصل التوحيد‪ ،‬وتعرض لألصول األخرى بما يخالفون فيه أهل‬
‫السنة‪ ،‬وما اختلفوا فيه هم أنفسهم(‪.)1‬‬
‫وقد وصفهم اإلمام ابن القيم (رحمه اهلل) بقوله‪(( :‬استعملوا قياساتهم الفاسدة‬
‫وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة‪ ...‬فأنكروا‬
‫لذلك رؤية المؤمنين لربهم في اآلخرة‪ ،‬وأنكروا كالمه وتكليمه لعباده‪ ،‬وأنكروا مباينته‬
‫للعالم واستواءه على عرشه‪ ،‬وعلوه على المخلوقات‪ ،‬وعموم قدرته على كل شئ‪ ،‬بل‬
‫أخرجوا أفعال عباده من المالئكة واألنبياء والجن عن تعلق قدرته ومشيئته وتكوينه‬
‫من صفات كماله‬ ‫لها‪ ،‬ونفوا ألجلها حقائق ما أخبر به عن نفسه وأخبر به رسوله ‪‬‬
‫ونعوت جالله‪ ،‬وحرفوا ألجلها النصوص‪ ،‬وأخرجوها عن معانيها وحقائقها بالرأي‬
‫المجرد‪.‬‬
‫وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي‬
‫على الوحي‪ ،‬والهوى على العقل‪.)2())...‬‬
‫ومع أن المعتزلة أضلوا في كثير من عقائدهم‪ ،‬وأساء بعضهم األدب مع اهلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ولكن ال يمكن أن ينكر فضلهم مغالط‪.‬‬
‫فان المسلمين مدينون لهم في ردودهم على أهل البدع والضالل‪ ،‬وفي عرضهم‬
‫لإلسالم عرضا عقليا بحجج ال يقوى على مثلها غيرهم‪ .‬وفي دفاعهم عن النبوات‬
‫واعجاز القرآن‪.‬‬
‫فقد تزعموا الجانب العقلي في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وبرعوا في النضال دون عقائد‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫‪ )1‬ينظر‪ :‬أثر التطور الفكري في التفسير‪ ،‬الدكتور مساعد مسلم عبد اهلل آل جعفر‪.329:‬‬
‫‪ )2‬أعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬اإلمام ابن قيم الجوزية‪40/1‬؛ والتفسير والمفسرون‪ ،‬د‪.‬‬
‫فاطمة محمد مارديني‪.111:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫وال يزال المسلمون مدينين لهم في وقتنا الحاضر في الوقوف ضد الشكوك التي‬
‫خلقها الشيوعيون والعلمانيون وأعداء اإلسالم‪.‬‬
‫وال ننسى فضلهم في توجيه اآليات التي ظاهرها التعطيل أو التشابه أو التجسيم‬
‫أو التناقض واالختالف‪.‬‬
‫والمعتزلة خلفوا لنا تراثا تفسيريا ال يستهان به‪ ،‬على الرغم من الذي فقد‪ ،‬وعدت‬
‫عليه يد الزمان‪.‬‬

‫اخلامتة‬
‫بعد المطاف في البحث وصلت إلى الخاتمة التي أدون فيها أهم ما توصلت إليه‬
‫من نتائج وعلى النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ )1‬كان تضخم التفسير من خالل المحاوالت العقلية والنظرات االجتهادية التي‬
‫قام بها المفسرون‪.‬‬
‫‪ )2‬كان لعلم الكالم دور بارز وأثر بالغ في تفسير كالم اهلل سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫ويمكن الرجوع إلى تفاسير المتكلمين ألدراك ذلك بشكل واضح‪ ،‬وخصوصا‬
‫عند تفسير اآليات المتشابهات أو التي ظاهرها التناقض‪.‬‬
‫‪ )3‬إن لفظ المعتزلة من األلفاظ التي أطلقها أهل السنة عليهم للتدليل بأنهم قد‬
‫انفصلوا عنهم‪ ،‬وأن لهم أسماء كثيرة غير هذه التسمية وقد ذكرتها في صلب‬
‫البحث‪.‬‬
‫‪ )0‬يعد القاضي عبد الجبار المعتزلي (رحمه اهلل) آخر علماء المعتزلة النابهين‪،‬‬
‫كما أن له تفسيران لكتاب اهلل تعالى هما‪:‬‬
‫أ) المحيط‪.‬‬
‫ب) فرائد القرآن وأدلته‪.‬‬
‫‪ )0‬كان للقاضي عبد الجبار (رحمه اهلل) نظرات اعتزالية في تفسيره نجدها‬
‫واضحة عند االستدالل على عقيدته االعتزالية وبيان أسس مدرسته التي‬
‫انتمى لها وسار عليها‪ ،‬ونجد ذلك واضحا من تقريره لألصل األول من‬

‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫أصولهم (التوحيد)‪ ،‬واألصل الثالث (الوعيد)‪ ،‬وعدم مغفرة اهلل تعالى ألهل‬
‫الكبائر في اآلخرة‪ ،‬كما أن النبي صلى اهلل عليه وسلم ال يشفع لهم‪ ،‬ومن ذلك‬
‫يتبين لنا أن الفاسق يدخل النار‪ ،‬كما وجدت ظهور المذهب االعتزالي في‬
‫مسألة خلق القرآن وكيف استدل بها القاضي عبد الجبار المعتزلي وناصر بها‬
‫مدرسته‪.‬‬
‫‪ )4‬يمكن القول بأن أعمال القاضي عبد الجبار الكالمية تتميز بعدة أمور‪:‬‬
‫أ) عرض آراء المذهب االعتزالي كما استقر أو تطور على يد الجبائيين‪.‬‬
‫ب) الرد على اآلراء األخرى في المدرستين المعتزليتين‪.‬‬
‫ج) استعراض لبعض اآليات التي يثار حولها التساؤل‪ ،‬يفسرها على طريقته‬
‫في التفسير العقلي والبرهان المنطقي‪ ،‬ويتوخى اآليات التي فيها ينتصر به‬
‫لمذهبه في بعض وجوه التأويل‪.‬‬
‫د) ال يورد آية فيها شبهة قد يفيد منها ظاه ار مخالفو المعتزلة إال أولها تأويال‬
‫يصل فيه إلى تأييد مذهب االعتزال‪.‬‬
‫‪ )2‬كان للقاضي عبد الجبار المعتزلي (رحمه اهلل) أثر بارز على غيره من‬
‫المفسرين‪ ،‬إذ قد تأثر وأثر‪.‬‬
‫‪ )0‬كان للسلف موقف حازم من تفسيرات المعتزلة‪ ،‬وقد ردوا عليهم ردودا علمية‬
‫عظيمة وقوية تؤكد ثباتهم على مواقفهم رغم الضغوط التي مارسها المعتزلة أيام كان‬
‫زمام السلطة والدولة بأيديهم‪.‬‬
‫‪ )9‬لم يكن القاضي عبد الجبار المعتزلي (رحمه اهلل) من المبتدعة‪ ،‬ألن المبتدع‬
‫كما وصفه اإلمام جالل الدين السيوطي (رحمه اهلل) بأنه‪(( :‬ليس له قصد إال تحريف‬
‫اآليات وتسويتها على مذهبه الفاسد‪ ،‬بحيث انه متى الح له شاردة من بعيد اقتنصها‪،‬‬
‫أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع إليه‪ .‬قال البلقيني‪ :‬استخرجت من "الكشاف"‬
‫اعتزاال بالمناقيش))(‪.)1‬‬

‫‪ )1‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬اإلمام جالل الدين السيوطي‪.1234/2‬‬


‫‪992‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫‪ )18‬حاول القاضي عبد الجبار (رحمه اهلل) التوفيق بين مذهبه والقرآن بكل ما‬
‫يستطيع من وسائل التوفيق حتى يتمشى النص القرآني مع قواعد مذهبه‪ .‬والمعتزلة‬
‫يقدسون العقل‪ ،‬ويضعونه في المرتبة العليا في التوصل إلى معرفة األحكام الشرعية‪،‬‬
‫حتى إنهم ليقولون‪(( :‬إن العقل يدرك الحكم والشرع يؤيد العقل))(‪.)1‬‬
‫((إن الستخدام العقل في التفسير فضال كبي ار في إحياء الكثير من المفردات‬
‫اللغوية والشواهد الشعرية والقواعد النحوية‪ ،‬ألن المفسر بالعقل والرأي يعتمد أول ما‬
‫يعتمد على مفهوم اللفظ في اللغة))(‪.)2‬‬
‫بقيت كلمة أخيرة بالنسبة لهؤالء الذين تكلموا عن القاضي عبد الجبار‬
‫المعتزلي (رحمه اهلل) وأخذوا يوجهون إليه الطعون‪ ،‬ومنهم من قد أخرجه عن الملة‪.‬‬
‫فإننا نقول لهم‪ :‬إن ما وصل إليه هؤالء الرجال من مكانة علمية يشهد له القاصي‬
‫والداني‪ ،‬إذ إننا يجب أن نزن الرجال بالحق‪ ،‬ال أن نزن الحق بالرجال‪ ،‬فمهما بلغ‬
‫هؤالء الرجال من الوثوق في كالمهم‪ ،‬واإلمامة في آرائهم‪ ،‬والسداد في أفكارهم‪ ،‬فقد‬
‫يعثر الجواد وقد يزل العالم‪ ،‬وكما قيل‪ :‬لكل عالم هفوة‪ ،‬ولكل جواد كبوة‪ ،‬ولكل صارم‬
‫نبوة‪ ،‬وسبحان من له الكمال وحده‪.‬‬
‫علما أن القصد الذي وجد من أجله التفسير‪ ،‬هو إرشاد الناس إلى فهم ما تدعو‬
‫إليه آيات القرآن الحكيم مما يأخذ بأيديهم إلى السعادة األبدية في دينهم ودنياهم‪ ،‬وهم‬
‫على تعاليمه قائمون‪ ،‬وبه مؤمنون(‪.)3‬‬
‫وأخي ار فاني ال أملك إال أن أضرع إلى اهلل العلي القدير أن يرحم اإلمام‬
‫القاضي عبد الجبار‪ ،‬وسائر علماء المسلمين جزاء ما قدموا وكفاء ما أعطوا لدينهم‬
‫وأمتهم‪.‬‬

‫‪ )1‬مباحث في علم التفسير‪ ،‬األستاذ الدكتور عبد الستار حامد‪ .118:‬وينظر‪ :‬محاضرات في‬
‫أصول الفقه على مذاهب أهل السنة واالمامية‪ ،‬األستاذ بدر المتولي عبد الباسط‪.44/1‬‬
‫‪ )2‬مباحث في علم التفسير‪ ،‬األستاذ الدكتور عبد الستار حامد‪.111-118:‬‬
‫‪ )3‬ينظر‪ :‬رسالة قواعد التفسير‪ ،‬العالمة الشيخ شاكر البدري‪.32:‬‬
‫‪998‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫كما أسأله سبحانه أن يرزقنا اإلخالص في السر والعلن‪ ،‬وأن يجنبنا الخطأ‬
‫والزلل‪ ،‬وأن يطيل في أعمارنا ويحسن في أعمالنا‪ ،‬ليستعملنا في خدمة شرعه الحنيف‬
‫بكتابه العظيم وسنة نبيه الكريم عليه أفضل الصالة وأتم التسليم‪.‬‬
‫كما وأسأله سبحانه أن يوفقنا جميعا لمعرفة السنة والتمسك بها‪ ،‬والثبات على‬
‫منهج أهلها حتى الممات‪ ،‬وأن يجنبنا سبل االبتداع في دين اهلل‪ ،‬وتتبع المتشابه من‬
‫القرآن‪ ،‬ومسالك أهل الزيغ والضالل‪ ،‬انه سميع مجيب الدعوات‪.‬‬
‫اللهم اكتب عملنا خالصا لوجهك الكريم‪ ،‬واجعله وسائر أعمالنا في ميزان حسناتنا‬
‫يوم اللقاء‪ ،‬وامتن علينا يا موالنا بالقبول والرضاء‪.‬‬
‫واختم قولي بقوله تعالى‪َ ( :‬و َما تُقَ ِّد ُموا ِأل َْنفُ ِس ُك ْم ِم ْن َخ ْي ٍر تَ ِج ُدوهُ ِع ْن َد اللَّ ِه ُه َو‬
‫َج ار)(‪.)1‬‬
‫ظ َم أ ْ‬
‫َع َ‬
‫َخ ْي ار َوأ ْ‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسالم على المرسلين‪ ،‬والحمد هلل رب‬
‫العالمين في األولين واآلخرين‪.‬‬

‫التوصيات‬
‫وألخصها بما يأتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن تتبنى المؤسسات العلمية تشكيل لجنة من العلماء للنظر في مسائل العقيدة‬
‫خصوصا ما يدور حوله جدل وخالف بين المسلمين للخروج برأي واضح بين في‬
‫هذه المسائل يجمع المسلمين على منهج واحد يؤدي إلى وحدة الصف بينهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن توجه الكليات اإلسالمية في الجامعات طلبتها للبحث في مسائل العقيدة‬
‫ودراسة هذا األمر بتجرد وموضوعية ودون التعصب لمنهج أو لعالم بعينه من أجل‬
‫الوصول إلى الحق الذي يرضي اهلل تعالى ويعين المسلمين على اعتقاد الحق في‬
‫هذه المسائل‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يقوم كبار العلماء ببيان ما توصلوا إليه في هذه القضايا وطرح ذلك على طلبة‬
‫العلم من خالل عقد ندوات متخصصة في هذا الموضوع من أجل الوقوف في وجه‬

‫‪ )1‬سورة المزمل‪ ،‬من اآلية‪.28:‬‬


‫‪989‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫الضالل الذي تنشره بعض الجهات وتحشد له الدعم الكبير من خالل طرح الكتب‬
‫التي تمأل األسواق دون قيد أو شرط واستغالل أجهزة اإلعالم لهذه الغاية‪.‬‬
‫‪ 0‬ـ أن يقتصر طرح المسائل العقائدية والتي تشكل األساس في اختالف الرأي على‬
‫العلماء وطلبة العلم وعدم نشر ذلك على العامة لما يؤديه ذلك من الخالف والفتنة‬
‫وتفريق صف المسلمين‪.‬‬
‫‪ 0‬ـ إيقاف الجهلة ومدعي العلم الذين ال هم لهم إال إثارة المسائل التي تؤدي إلى‬
‫إثارة الجدل وكأنه ال هم لهم إال بذر الخالف وزرع الفرقة بين المسلمين ويكون ذلك‬
‫بتشكيل هيئة من العلماء المتخصصين تجيب على ما دق من القضايا العقائدية‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن يكون األساس في تصور المسلم االعتقادي هو تنزيه اهلل سبحانه وتعالى عن‬
‫المشابهة لخلقه‪ ،‬وعن الجسمية والتحيز والجهة كأساس تبنى عليها كافة الدراسات‬
‫العقائدية‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‬
‫‪ )1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ )2‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬اإلمام الحافظ جالل الدين عبد الرحمن الســيوطي‬
‫(‪009‬ه‪911/‬ه)‪ ،‬تقديم وتعليق‪ :‬الدكتور مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار ابن كثير‬
‫(سوريا‪ /‬دمشق) ط‪2888( 0‬م)‪.‬‬
‫‪ )3‬األعالم‪ ،‬خير الدين الزركلي‪ ،‬دار العلم للماليين (لبنان‪ /‬بيروت) ط‪1900( 4‬م)‪.‬‬
‫‪ )4‬اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر‪ ،‬األستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن بن‬
‫سليمان الرومي‪ ،‬أطروحة دكتوراه مجازة من المملكة العربية السعودية‪ ،‬طبع‪:‬‬
‫جامعة ميشيغان‪ ،‬ف‪1904( 08‬م)‪.‬‬
‫‪ )5‬أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي‪ ،‬الدكتور مساعد مسلم عبد‬
‫اهلل آل جعفر‪ ،‬مؤسسة الرسالة (لبنان‪ /‬بيروت) ط‪1900( 1‬م)‪.‬‬

‫‪989‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫‪ )6‬إعجاز القرآن‪ ،‬القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقالني (ت ‪083‬ه)‪ ،‬علق‬
‫عليه وخرج أحاديثه‪ :‬أبو عبد الرحمن صالح بن محمد عويضة‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية (لبنان‪ /‬بيروت) ط‪2881( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )7‬أعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬اإلمام ابن قيم الجوزية‪ ،‬طبعة دار الجليل‬
‫(لبنان‪ /‬بيروت) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )8‬تأريخ الفرق اإلسالمية ونشأة علم الكالم عند المسلمين‪ ،‬علي مصطفى الغرابي‪،‬‬
‫مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأوالده (مصر‪ /‬القاهرة) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )9‬تأريخ بغداد‪ ،‬الخطيب البغدادي (لبنان‪ /‬بيروت)‪ ،‬دار الكتاب العربي (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )11‬تأويل القرآن الكريم ومذاهب الفرق فيه‪ ،‬الدكتور محمد بديع موسى‪ ،‬دار‬
‫األعالم (األردن‪ /‬عمان) ط‪2880( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )11‬تجديد التفكير الديني في اإلسالم‪ ،‬الشاعر الفيلسوف‪ :‬محمد إقبال‪ ،‬نقله إلى‬
‫العربية عباس محمود‪ ،‬دار آسيا‪ ،‬ط‪1900( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )12‬تفسير القاضي عبد الجبار المعتزلي المسمى بـ (الكبير) أو (المحيط)‪ ،‬اإلمام‬
‫أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد األسد آبادي (المتوفى ‪010‬ه)‪ ،‬دراسة وتحقيق‪:‬‬
‫الدكتور خضر محمد نبها‪ ،‬دار الكتب العلمية (لبنان‪ /‬بيروت) ط‪2889( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )13‬التفسير الكبير أو المسمى بـ‪( :‬مفاتيح الغيب)‪ ،‬اإلمام فخر الدين محمد بن‬
‫عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التميمي البكري الرازي الشافعي (المتوفى‬
‫‪480‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية (لبنان‪ /‬بيروت) ط‪2889( 3‬م)‪.‬‬
‫‪ )14‬التفسير الموضوعي آليات التوحيد في القرآن الكريم‪ ،‬الدكتور عبد العزيز بن‬
‫الدردير‪ ،‬مكتبة القرآن (مصر‪ /‬القاهرة) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )15‬التفسير والمفسرون‪ ،‬الدكتورة فاطمة محمد مارديني‪ ،‬دار التقوى‪ ،‬بيت الحكمة‬
‫(سوريا‪ /‬دمشق) ط‪2889( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )16‬التفسير والمفسرون‪ ،‬المرحوم الدكتور محمد حسين الذهبي‪ ،‬مطبعة آوند‬
‫دانش للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪( 1‬د‪.‬ت)‪.‬‬

‫‪988‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫‪ )17‬دراسات في التفسير والمفسرين‪ ،‬األستاذ الدكتور عبد القهار داود عبد اهلل‬
‫العاني‪ ،‬مطبعة أسعد (بغداد)‪ ،‬ساعدت جامعة بغداد على طبعه (‪1902‬م)‪.‬‬
‫‪ )18‬دراسات في الفرق والعقائد اإلسالمية‪ ،‬الدكتور عرفان عبد الحميد‪ ،‬ساعدت‬
‫جامعة بغداد على طبعه (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )19‬رسالة قواعد التفسير‪ ،‬العالمة الشيخ شاكر البدري‪ ،‬الجمهورية العراقية‪ ،‬و ازرة‬
‫األوقاف والشؤون الدينية (‪1904‬م)‪.‬‬
‫‪ )21‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬البن العماد‪ ،‬نشر القدسي (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )21‬شرح األصول الخمسة‪ ،‬القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬‬
‫مطبعة االستقالل الكبرى‪ ،‬ط‪1300( 1‬ه)‪.‬‬
‫‪ )22‬شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬يوسف بن موسى بن محمد الملطي‪ ،‬ط‪ ،4‬المكتب‬
‫اإلسالمي (لبنان‪ /‬بيروت) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )23‬شفاء العليل في مسألة القضاء والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬اإلمام ابن القيم‪ ،‬دار‬
‫المعرفة (لبنان‪ /‬بيروت) (‪1390‬ه)‪.‬‬
‫‪ )24‬طبقات الشافعية‪ ،‬اإلمام السبكي‪ ،‬مطبعة الحلبي (مصر‪ /‬القاهرة) ط‪1‬‬
‫(‪1300‬ه)‪.‬‬
‫‪ )25‬طبقات المعتزلة‪ ،‬ابن المرتضي (لبنان‪ /‬بيروت) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )26‬طبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام الحافظ جالل الدين السيوطي (ت ‪911‬ه)‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية (لبنان‪ /‬بيروت) ط‪1903( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )27‬طبقات المفسرين‪ ،‬اإلمام الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي‬
‫(المتوفى ‪900‬ه)‪ ،‬دار الباز للنشر والتوزيع‪ ،‬عباس أحمد الباز‪ ،‬مكة المكرمة‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية (لبنان‪ /‬بيروت) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )28‬العقيدة الميسرة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة‪ ،‬الدكتور أحمد بن عبد الرحمن‬
‫القاضي‪ ،‬مطابع أضواء المنتدى‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪2884( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )29‬الغلو والفرق الغالية في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬الدكتور عبد اهلل سلوم السامرائي‪،‬‬
‫دار واسط للنشر‪ ،‬ط‪1900( 3‬م)‪.‬‬
‫‪988‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫‪ )31‬الفرق بين الفرق‪ ،‬عبد القاهر البغدادي (المتوفى ‪029‬ه)‪ ،‬منشورات دار اآلفاق‬
‫الجديدة (لبنان‪ /‬بيروت) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )31‬الفقه األكبر في التوحيد‪ ،‬اإلمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (‪08‬ه‪108/‬ه)‪،‬‬
‫تقديم وتعليق‪ :‬محمود عمران موسى‪ ،‬مطبعة أسعد (بغداد) (‪1998‬م)‪.‬‬
‫‪ )32‬القاموس المحيط‪ ،‬الفيروز آبادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الخالق السيد عبد الخالق‪ ،‬مكتبة‬
‫اإليمان‪ ،‬ط‪2889( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )33‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور (المتوفى ‪2811‬ه) (لبنان‪ /‬بيروت) دار صادر‬
‫(‪1998‬م)‪.‬‬
‫‪ )34‬لسان الميزان‪ ،‬أحمد بن علي العسقالني‪ ،‬مؤسسة األعلمي (لبنان‪ /‬بيروت)‬
‫ط‪1921( 2‬م)‪.‬‬
‫‪ )35‬مباحث في علم التفسير‪ ،‬األستاذ الدكتور عبد الستار حامد عبد الرحمن‬
‫الدباغ‪ ،‬طبع على نفقة جامعة بغداد‪ ،‬وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‪ ،‬جامعة‬
‫بغداد‪ ،‬كلية الشريعة‪ ،‬مطبعة دار الرسالة (بغداد) (‪1900‬م)‪.‬‬
‫‪ )36‬مبادئ فهم اإلسالم‪ ،‬أنور أحمد موسى‪ ،‬مطبعة الخلود (بغداد) (‪1904‬م)‪.‬‬
‫‪ )37‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪ ،‬اإلمام ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن قاسم‪،‬‬
‫ط‪1390( 2‬ه)‪.‬‬
‫‪ )38‬المحاضرات السنية في شرح العقيدة الواسطية‪ ،‬المرحوم الشيخ محمد بن‬
‫صالح العثيمين‪ ،‬مكتبة طبرية‪ ،‬المملكة العربية السعودية (الرياض) ط‪1‬‬
‫(‪1013‬ه)‪.‬‬
‫‪ )39‬محاضرات في أصول الفقه على مذاهب أهل السنة واالمامية‪ ،‬األستاذ بدر‬
‫المتولي عبد الباسط‪ ،‬دار المعرفة (العراق‪ /‬بغداد) ط‪( 1‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )41‬مختار الصحاح‪ ،‬محمد بن أبو بكر بن عبد القادر الرازي (المتوفى ‪444‬ه)‪،‬‬
‫دار الرسالة (الكويت) (‪1902‬م)‪.‬‬
‫‪ )41‬مرآة الجنان‪ ،‬اليافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية (لبنان‪ /‬بيروت) (د‪.‬ت)‪.‬‬

‫‪988‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬
‫القاضي عبداجلبار ومذهبه االعتزايل يف تفسريه املُسمّى بـ (الكبري أو احمليط)‬

‫‪ )42‬المعتزلة وأصول الحكم‪ ،‬الدكتور محمد عمارة‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‬


‫والنشر (العراق‪ /‬بغداد) ط‪1900( 2‬م)‪.‬‬
‫‪ )43‬المعتزلة وأصولهم الخمسة‪ ،‬عواد بن عبد اهلل المعتق‪ ،‬دار العاصمة‬
‫(السعودية‪ /‬الرياض) ط‪1089( 1‬ه)‪.‬‬
‫‪ )44‬معجم المؤلفين‪ ،‬األستاذ عمر رضا كحالة‪ ،‬دار إحياء التراث العربي (لبنان‪/‬‬
‫بيروت) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )45‬الملل والنحل‪ ،‬اإلمام الشهرستاني (المتوفى ‪000‬ه) مطبوع على هامش‬
‫الفصل البن حزم (مصر‪ /‬القاهرة) مطبعة محمد علي صبيح (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ )46‬مناهل العرفان في علوم القرآن‪ ،‬الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمد بن علي‪ ،‬دار الحديث (مصر‪ /‬القاهرة) (‪2881‬م)‪.‬‬
‫‪ )47‬منهج أهل السنة في تفسير القرآن الكريم (دراسة موضوعية لجهود ابن القيم‬
‫التفسيرية)‪ ،‬األستاذ الدكتور صبري المتولي‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع (مصر‪/‬‬
‫القاهرة) ط‪1904( 1‬م)‪.‬‬
‫‪ )48‬الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب واألحزاب المعاصرة‪ ،‬إشراف وتخطيط‬
‫ومتابعة الدكتور مانع بن حمد الجهني‪ ،‬دار الندوة العالمية للشباب اإلسالمي‬
‫(الرياض) ط‪1028( 0‬ه)‪.‬‬
‫‪ )49‬ميزان االعتدال‪ ،‬اإلمام الذهبي (لبنان‪ /‬بيروت)‪ ،‬دار المعرفة (‪1019‬ه)‪.‬‬
‫‪ )51‬هميان الزاد إلى دار المعاد‪ ،‬الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى بن صالح‬
‫أطفيش‪ ،‬طبعة و ازرة التراث القومي والثقافة (سلطنة عمان) (‪1081‬ه)‪.‬‬
‫‪ )51‬الوجيز في عقيدة السلف الصالح‪ ،‬عبد اهلل بن عبد الحميد األثري‪ ،‬دار‬
‫الغرباء للنشر والتوزيع (اسطنبول‪ /‬تركيا) ط‪1022( 2‬ه)‪.‬‬

‫‪988‬‬

‫اجمللد الثالث – العدد الثاني عشر– كانون األول ‪2011‬م‬ ‫جملة جامعة األنبار للعلوم اإلسالمية‬

You might also like