You are on page 1of 134

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬

‫ابن زمانه‬
‫«التربية من أجل المستقبل»‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عبدالكريم بكار‬

‫عام ‪ 1435‬هـ ‪ 2014‬م‬


‫مقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا حممد وعىل آله‬
‫وصحبه أمجعني وبعد‪:‬‬
‫فإن من الواضح أننا نعيش يف زمان خمتلف عن كل األزمنة‬
‫املاضية‪ ،‬كام أن من الواضح أن املستقبل املنظور سيكون بمشيئة‬
‫اهلل وإذنه امتداد ًا ملا نعيشه اليوم‪ ،‬بل إن التغريات الرسيعة التي‬
‫جتتاح جمتمعاتنا وأرسنا مرشحة للمزيد من الرسعة واملزيد من‬
‫االنتشار‪ .‬إن من الوصايا الرتبوية املتوارثة حث اآلباء عىل أن‬
‫يربوا أبناءهم غري تربيتهم ألهنم ُخلقوا لزمان غري زماهنم‪ ،‬هذه‬
‫احلكمة الرتبوية العظيمة مل تكن احلاجة إليها يف أي يوم أكثرمن‬
‫رسع من التغريات‬
‫هذه األيام‪ ،‬حيث إن التطور التقني الرسيع َّ‬
‫االجتامعية يف كل نواحي احلياة‪ ،‬وصارت الفوارق بني جيل‬
‫وجيل كبرية للغاية‪ ،‬وهذا أوجد ارتباك ًا شديد ًا لدى كثري من‬
‫األرس املسلمة خاصة واملحاضن الرتبوية عامة‪ ،‬بل إننا نعاين‬
‫من رصاع خفي بني أصول وتقاليد تربوية راسخة وبني رغبات‬
‫وتطلعات األجيال اجلديدة‪ ،‬كام أن التغريات يف (سوق العمل)‬
‫‪3‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫مقدمة‬ ‫الرتبية الرشيدة تستهدف ختريج جيل‬
‫صالح وناجح ومشارك يف اإلصالح‬ ‫إضاءة‬

‫هي األخرى تتطلب الكثري من التجديد بغية تأهيل أبناء الغد‬


‫للعمل فيها‪.‬‬
‫ال بد من القول‪ :‬إن كثري ًا مما هو مطلوب تنشئة أطفالنا عليه من‬
‫أجل املستقبل مطلوب من فتيان وشباب اليوم‪ ،‬والذي سيختلف‬
‫كثري ًا ما يتمثل يف الرتكيز عىل أمور قديمة وليس يف إضافة أشياء‬
‫جديدة‪ ،‬فثبات الطبيعة البرشية أدى إىل ثبات كثريمن اجتاهات‬
‫اإلنسان وحاجاته مهام اختلف الزمان واملكان‪ .‬إن البيئات التي‬
‫يعيش فيها بنو البرش تشبه يف ثباهتا وتطورها رحلتهم يف هذه‬
‫احلياة‪ ،‬فهناك مالمح ثابتة وموحدة يف أجسامنا‪ ،‬وهناك مالمح‬
‫تتغري‪ ،‬وتتنوع يف كل مرحلة من مراحل العمر‪ ،‬عىل ما هو واضح‬
‫ومشاهد‪.‬‬
‫الرتبية الرشيدة هي تلك الرتبية التي توفراألفكار واألساليب‬
‫واألدوات التي تساعد الصغارعىل االستعداد للعيش وفق مرادات‬
‫اخلالق العظيم ومنهجه القويم‪ ،‬وعىل االستعداد خلوض معارك‬
‫احلياة بكفاءة واقتدار‪ ،‬وهذا ما أسعى إليه يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫أنا أحدس باملستقبل ومتطلباته وفق ما أراه اليوم من تطورات‬
‫يف جماالت احلياة كافة‪ ،‬ووفق ما أعرفه من سنن اهلل تعاىل يف ردود‬
‫أفعال بني اإلنسان عىل التحديات املختلفة‪ ،‬وإن التحدي الذي‬
‫يواجهني هنا هو إيصال كل ما أريده إىل اآلباء الكرام واألمهات‬
‫الكريامت بأسلوب سلس وممتع‪ ،‬وهذا ليس باليشء السهل‪ ،‬لكن‬
‫ما عودين ريب إياه من معونته ولطفه يشجعني عىل هذا الطموح‪،‬‬
‫فله احلمد يف األوىل واآلخرة‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪4‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪1‬‬
‫حول المستقبل‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪6‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -1‬حول المستقبل ‪:‬‬

‫فطر اهلل تعاىل اإلنسان عىل النظر إىل األمام‪ ،‬ألن الواحد منا ال‬
‫يستطيع أن يعيش أيامه احلارضة من غري تقدير النتائج التي يمكن‬
‫أن ترتتب عىل سلوكه‪ ،‬كام أننا حني نقع يف أزمة خانقة نجد يف األمل‬
‫وانتظار الفرج من اهلل تعاىل خمرج ًا لتخفيف وطأهتا عن نفوسنا‪.‬‬
‫دعونا نقول يف البداية‪ :‬إن املستقبل بتفاصيله ودقائقه غيب استأثر‬
‫البارئ جل وعز بعلمه‪ ،‬لكن معرفتنا بالواقع الذي نعيشه باإلضافة‬
‫إىل معرفتنا بسنن اهلل تعاىل يف اخللق‪ ..‬متكننا من فهم اخلطوط العريضة‬
‫التي يمكن أن متيض فيها األحداث‪ ،‬وهذا متاح لإلنسان إىل حد بعيد‪،‬‬
‫إذ إن من الواضح أن املستقبل هو يف الغالب امتداد للحارض مع‬
‫بعض التغيري‪ ،‬فام نزرعه اليوم نحصده غد ًا‪ ،‬كيف ال نعتقد أن هناك‬
‫تقدم ًا منتظر ًا يف جماالت مثل الطاقة الشمسية وحتلية املياه واأللعاب‬
‫االلكرتونية ووسائل االتصال ولدينا مئات ألوف الباحثني الذين‬
‫يعملون عىل حتقيق اخرتاقات يف هذه املجاالت؟ وكيف ال والعامل‬
‫يتلقى كل يوم أكثر من خرب جديد يبرش بأن املستقبل سيكون أفضل‬
‫بكل ما يتعلق بام أرشنا إليه؟‬
‫‪7‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -1‬حول اللمستقبل‬ ‫الرتبية هي العمل الصامت‬
‫إضاءة‬

‫نحن نعرف أن منطق التطور احلضاري يقوم عىل تقليد من‬


‫ال يعرف وال يملك ملن يعرف ويملك‪ ،‬ومن هنا فإننا إذا أردنا أن‬
‫نعرف مستقبل قرية من القرى‪ ،‬وما يمكن أن تؤول إليه أوضاعها‬
‫االجتامعية والعمرانية‪ ،‬فلننظر إىل واقع مدينة اليوم‪ ،‬وإذا أردنا أن‬
‫نعرف مستقبل مدينة من مدننا‪،‬فعلينا أن ننظر إىل واقع العاصمة‪ .‬أما‬
‫إذا أردت ان تعرف مستقبل عاصمة من عواصمنا فانظر إىل واقع‬
‫العاصمة يف دولة متقدمة‪ .‬هذا ال يعني التشابه التام أو الغالب‪ ،‬لكنه‬
‫يعني السري يف خطوط متشاهبة‪ ،‬واالقرتاب يف العديد من التفاصيل‪.‬‬
‫أود اآلن أن أذكرعىل سبيل اإلمجال واإلجياز مالمح املستقبل‬
‫الذي نستشفه من الواقع‪ ،‬وذلك يف العديد من املجاالت عىل النحو‬
‫اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬املستوى اإليامين ‪:‬‬
‫من الواضح جد ًا أن افتتان املسلمني بالعقائد اإلحلادية واملادية‬
‫قد تراجع إىل حد بعيد‪ ،‬لكن االفتتان بأسلوب احلياة الغربية وطرق‬
‫املتعة واللهو يف تصاعد مستمر‪ ،‬وأعتقد أن األوضاع بعد عرشين‬
‫سنة من اآلن قد ال تكون أفضل‪ ،‬فالتقدم احلضاري احلادث اآلن‬
‫هو تقدم مادي أكثر من أن يكون أخالقي ًا أوروحي ًا‪ ،‬وقد تعلمنا من‬
‫التاريخ أن املزيد من التحرض كثري ًا ما يعني املزيد من اللهو كام يعني‬
‫املزيد من االنفتاح عىل املتعة والرفاهية‪ ،‬ومن البدهي القول‪ :‬إننا ال‬
‫نتحدث هنا عن حتميات‪ ،‬وإنام نتحدث عن عموميات هلا الكثري من‬
‫االستثناءات‪ ،‬كام أننا غري متأكدين من نوعية ردود الفعل الرتبوية‬
‫والتعليمية عىل ذلك‪ ،‬ولكن تظل األرس املسلمة مطالبة قبل غريها‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪8‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫يصبح الصدق سيد الفضائل‬ ‫‪ -1‬حول المستقبل‬
‫إضاءة‬ ‫يف عامل ينترش فيه الزيف ‪.‬‬

‫بوضع األسس ملقاومة كل أشكال االنحراف عن املنهج الرباين‬


‫األقوم‪ ،‬وأسس املواجهة لكل التحديات القادمة‪ ،‬وعىل الرغم من‬
‫حتسن الوعي العام‪ ،‬إال أن من املتوقع أن ترتاجع معرفة الناشئة‬
‫باألحكام واآلداب الرشعية‪ ،‬وربام تصبح األهداف الكربى من‬
‫وراء عيشنا عىل هذه األرض غائبة أو بعيدة عن سطح وعي كثري من‬
‫الشباب‪.‬‬
‫‪ -2‬املستوى االجتامعي‪:‬‬
‫لألرسة واملجتمع بصمة قوية جد ًا يف حياة أي إنسان‪ ،‬بل إن‬
‫اإلنسان حني يولد يكون عبارة عن مادة خام شديدة السيولة‪ ،‬وإن‬
‫تشكيلها وقولبتها‪ ،‬وإعادة صياغتها عمل أرسي واجتامعي بامتياز‪.‬‬
‫لدينا عىل الصعيد االجتامعي عدد من التوقعات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ m‬تراجع احرتام الصغري للكبري‪ ،‬والطالب للمعلم‪ ..‬وتراجع‬
‫احرتام العادات والتقاليد االجتامعية عىل نحو عام‪.‬‬
‫‪ m‬زيادة مساحات احلرية الشخصية‪ ،‬ووالدة منطق جديد‪ ،‬جيعل‬
‫سلطة املجتمع عىل أفراده أقل سطوة‪.‬‬
‫‪ m‬سيكون االهتامم بعالقات القرابة والنسب أقل‪ ،‬وقد يصل إىل‬
‫حد التاليش يف بعض البيئات‪.‬‬
‫‪ m‬دوائر األصدقاء ستكون أضيق‪ ،‬ولكن عالقة الصداقة ستكون‬
‫أعمق‪.‬‬
‫‪ m‬يف املايض كان الناس يميلون إىل أن تكون أفراحهم مجاعية‪ ،‬كام‬
‫أهنم كانوا يقفون إىل جانب بعضهم بقوة يف أيام شدة‪ ،‬وهذا سيتغري‬
‫يف املستقبل إىل حد بعيد‪ ،‬حيث سيصنع الناس أفراحهم عىل نحو‬

‫‪9‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -1‬حول اللمستقبل‬ ‫مهمة الرتبية حتويل األفكار إىل‬
‫مشاعر وميول واجتاهات‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫فردي داخل األسوار العالية‪ ،‬وسيكون االكرتاث باملصائب وبمن‬


‫حتل هبم أقل بقليل مما هو موجود اليوم‪.‬‬
‫‪ m‬سيكون مطلوب ًا من كل واحد من الناس أن يكون أكثر لطف ًا يف‬
‫خطابه وتعامله‪ ،‬وستكون مراعاة مشاعر اآلخرين أحد أهم متطلبات‬
‫العيش يف جمتمع‪.‬‬
‫‪ - 3‬أسلوب العيش‪:‬‬
‫احلياة بعد عرشين سنة ستكون خمتلفة عام عهدناه يف أسلوب‬
‫عيشنا يف املايض‪ ،‬وعام نعايشه اليوم يف العديد من األمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ m‬سيتعرض املسلم إىل الكثري من املغريات عىل مستوى العفة‬
‫واالستقامة السلوكية وعىل مستوى كسب الرزق‪ ،‬فوسائل البث‬
‫واالتصال والتصوير يف تطور مستمر إىل درجة أن كل يشء يمكن‬
‫أن يكون مكشوف ًا وأساليب الغش والتدليس والرشوة ستكون أكثر‬
‫خبث ًا وأعظم انتشار ًا‪.‬‬
‫تكاليف العيش الكريم ستكون أكرب بسبب غالء املواد‬ ‫‪m‬‬

‫األساسية‪ ،‬وبسبب حتول عدد كبري من الكامليات إىل حاجات الغنى‬


‫عنها‪ ،‬وستكون األشياء املجانية شبه معدومة‪.‬‬
‫‪ m‬سيسود التقنني يف إنفاق املال بسبب كثرة املرصوفات‪،‬‬
‫وسيكون ختطيط احلياة الشخصيته بدقة أمر ًا رضوري ًا جد ًا‪.‬‬
‫‪ m‬تكاليف التعليم والتدريب ستكون عالية جد ًا‪ ،‬كام أن ما ين َفق‬
‫عىل صحة الفرد واألرسة سيكون أيض ًا عالي ًا‪.‬‬
‫‪ m‬سرتتفع وترية األمراض اخلطرة‪،‬وسيكون اإلمهال مكلف ًا جد ًا‬
‫عىل أي صعيد من األصعدة‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪10‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫االهتامم باملستقبل مفتاح‬ ‫‪ -1‬حول المستقبل‬
‫إضاءة‬ ‫التطوير للحارض ‪.‬‬

‫‪ m‬العمل والرياضة وأخذ قسط جيد من الراحة ستشكل عامد‬


‫احلياة اليومية لكثري من الناس‪.‬‬
‫‪ - 4‬سوق العمل‪:‬‬
‫التقدم احلضاري والتقني واملنافسة الشديدة يف كل يشء‪ ،‬كل‬
‫هذه األمور ستصبغ سوق العمل بصبغة‪ ،‬لن تكون جديدة‪ ،‬ولكن‬
‫ستكون مالحمها أكثر رصامة وحدَّ ة‪.‬‬
‫‪ m‬سوق العمل ستكون مفتوحة إىل حد بعيد‪ ،‬حيث إن املواطن‬
‫سيجد من قدم من أقىص األرض لينافسه عىل فرص العمل يف عقر‬
‫داره‪ ،‬كام أن عىل كل شاب أن يكون مستعد ًا للرحيل إىل أي مكان من‬
‫األرض حتى يكسب رزقه‪.‬‬
‫‪ m‬أداء األعامل من املنازل سيتسع إىل حد بعيد بسبب تقدم وسائل‬
‫االتصال‪ ،‬ونجاح أسلوب اإلدارة باألهداف‪.‬‬
‫‪ m‬سيكون عىل كل إنسان أن يتمتع بقدر وافر من اجلدية وااللتزام‬
‫بأداء الواجبات الوظيفية‪ ،‬وإال فليكن مستعد ًا لفقد عمله واملكوث‬
‫سنوات من غري عمل‪.‬‬
‫‪ m‬سيكون التدريب املستمر شيئ ًا مطلوب ًا لكل من يريد احلفاظ‬
‫عىل موقعه الوظيفي‪ ،‬وستكون هناك فرص كبرية لتطويرالذات‬
‫واكتساب معارف جديدة‪.‬‬
‫سيرتاجع اجلهد العضيل املطلوب لإلنجاز يف كل جماالت‬ ‫‪m‬‬

‫احلياة‪ ،‬وذلك يسبب (األمتتة) وتوسع النشاط العقيل والتقني يف‬


‫حتقيق األهداف املختلفة‪ ،‬وهذا يعني أن العمل يف مكان جيد‬
‫سيتطلب مستوى متقدم ًا من التحصيل العلمي‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -1‬حول اللمستقبل‬ ‫لوال الرتبية والتثقيف لصارت معايشة‬
‫الناس لبعضهم مستحيلة ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫‪ m‬احلاجة إىل الروح العملية واألفكار القابلة للتطبيق واالستثامر‬


‫يف يشء ملموس ستكون أكرب‪ ،‬ألن اإلنتاج الفعيل سيكون من‬
‫حماوراحلياة الكربى‪.‬‬
‫‪ m‬الرتكيز والتخصص واخلربة الدقيقة يف جمال حمدد أمور هلا‬
‫أمهية يف كل زمان‪ ،‬لكن أمهيتها يف املستقبل ستكون استثنائية بسبب‬
‫التقدم التقني وتقسيم جماالت العمل إىل أجزاء صغرية جد ًا‪.‬‬
‫ما أرشت إليه عبارة عن ظنون وختمينات راجحة‪ ،‬ويظل املستقبل‬
‫غيب ًا من الغيب‪ ،‬لكن من مسؤولياتنا حتسس ذلك واالستعداد له‬
‫مستعينني باهلل عز وجل ومعولني عىل توفيقه وهدايته‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪12‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪2‬‬
‫كلمة البد منها‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪14‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -2‬كلمة البد منها ‪:‬‬

‫ال يعيش زمانه بكفاءة واستقامة‪ ،‬فعليهام أو ًال أن‬


‫حتى يريب األبوان طف ً‬
‫يعيشا زماهنام‪ ،‬ويستفيدا من معارفه وخرباته‪ .‬نحن متفقون عىل أن لكل‬
‫زمان رجاله وأبطاله وصاحليه‪ ،‬ومسؤولية الذين يعدون اجليل للمستقبل‬
‫أن يستخدموا أفضل ما هو متاح يف زماهنم من تقاليد تربوية وأفكار‬
‫ملهمة‪ ،‬وما ينتج عن البحوث والدراسات املوثوقة من مالحظات ذكية‪،‬‬
‫وهذا يتطلب يف احلقيقة من اآلباء واألمهات أن ال يقعوا أرسى لألساليب‬
‫الرتبوية املوروثة‪ ،‬وال للتجارب الرتبوية الناجحة ذات الطابع الفردي‪،‬‬
‫وإنام عليهم تثقيف أنفسهم باالعتامد عىل مصادر معرفية موثوقة‪ ،‬زاخرة‬
‫باألرقام واإلحصاءات واملعطيات العامة‪.‬‬
‫أود هنا أن أركز عىل مسألتني‪ ،‬مها‪ :‬الثقافة الرتبوية‪ ،‬والبيئة اجليدة‪،‬‬
‫ملا هلام من أمهية استثنائية فيام نحن بصدده‪.‬‬
‫الثقافة الرتبوية‪ :‬هي تلك املضامني املشتملة عىل األفكار واملفاهيم‬
‫واخلربات واملعطيات التي تساعد املربني عىل بناء شخصيات من‬
‫يربوهنم عىل مستوى املعتقدات والتصورات والقيم وعىل مستوى‬
‫السلوكيات أيض ًا‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -2‬كلمة البد منها‬ ‫تنبع عظمة األم من جعلها‬
‫مصالح أوالدها فوق رغباهتا ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫نحن يف حاجة إىل الثقافة الرتبوية من أجل بناء الروح اجلامعية‬


‫لدى األبناء ومن أجل فهم جوهر العمليات الرتبوية وفهم األساليب‬
‫واألدوات التي تساعد عىل نجاحها‪ ،‬ونحن يف حاجة إىل الثقافة‬
‫الرتبوية من أجل جتنب الوقوع يف األخطاء التي وقع فيها كثري من‬
‫أسالفنا وكثري من املعارصين لنا‪ ،‬هذه القضية تثري بعض اجلدال يف‬
‫أوساط اآلباء واألمهات‪ ،‬متوسطي الثقافة‪ ،‬فهذه أم لثالثة أطفال‪،‬‬
‫تعمل مدرسة يف إحدى املدارس الثانوية وهي باستمرار تتحدث‬
‫مع صديقاهتا عن آخر الكتب الرتبوية التي شاهدهتا يف املكتبات‬
‫الكربى‪ ،‬ولدهيا اعتقاد جازم بأن تربية األبناء من غري مطالعة وتثقيف‬
‫متخصص أقرب إىل أن تكون عقيمة أو قارصة‪ ،‬لكن جارهتا أم أمحد‬
‫ال ترى ذلك‪ ،‬ولدهيا أمثلة حية عىل ما تقوله‪ :‬فالن الطالب يف الثانوية‬
‫مستقيم ومتفوق‪ ،‬مع أن أباه مزارع‪ ،‬ال يكاد يراه يف اليوم أكثر من‬
‫ساعة‪ ،‬وأما أمه فأمية‪ ،‬ال تعرف أي يشء عام يسمى (أدبيات تربوية)‬
‫وعىل العكس من هذا سعد املدمن للمخدرات واملقلق ألهل احلي‬
‫مدرسة يف املرحلة‬
‫تربى يف بيت متعلم‪ ،‬فأبوه مهندس مدين وأمه ِّ‬
‫االبتدائية‪ ،‬وهذا يدل عىل أن صالح األبناء هو هداية ربانية ال أكثر‪،‬‬
‫وال أقل! طبع ًا املعلمة ترد عليها بأننا ال نختلف يف أن اهلداية والتوفيق‬
‫من اهلل تعاىل ولكننا نتحدث عن األخذ باألسباب‪ ،‬ثم تقول‪ :‬خماطبة‬
‫أم أمحد‪ :‬إن األعم األغلب من الشباب والفتيان اجليدين تربوا يف‬
‫أرس متعلمة وصاحلة‪ ،‬كام أن معظم الفتيان املنحرفني وغري اجليدين‬
‫تلقوا كثري ًا من السوء من أرسهم‪ ،‬وإذا كان لديك مثاالن يدعامن‬
‫وجهة نظرك‪ ،‬فلدي عرشون مثا ً‬
‫ال لدعم وجهة نظري‪ ،‬املهم الغالب‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪16‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الوجاهة احلقيقية عبارة عن‬ ‫‪ -2‬كلمة البد منها‬
‫إضاءة‬ ‫اتساع للشعور باملسؤولية ‪.‬‬

‫واألكثر وليس النادر والشاذ‪ .‬إن املربني يف هذا الزمان حمظوظون جد ًا‬
‫إذا نظرنا إىل حجم املتوفر من مصادر التثقيف املعريف‪ ،‬فبلمسة زر‬
‫يمكن لألم واألب أن جيدا كل ما يريدانه يف تربية صغارمها‪ ،‬وهذا‬
‫كان مستعصي ًا حتى عىل التخيل قبل أربعني سنة!‬
‫املوارد التي يمكن استقاء املعرفة الرتبوية منها كثرية‪ ،‬منها الكتب‬
‫وأرشطة الكاسيت واملجالت الرتبوية والدورات التدريبية‪ ،‬إىل جانب‬
‫احلوارات التي يمكن أن تتم مع املتخصصني واآلباء الناجحني‪ ،‬وال‬
‫ننسى مطالعة السري الذاتية للمبدعني والعظامء حيث إهنم كثري ًا ما‬
‫يتحدثون عن األساليب التي اتبعها آباؤهم وأمهاهتم يف تربيتهم‪ ،‬وعن‬
‫البيئات التي ترعر عوا فيها‪ .‬اجلوهري يف كل ما ذكرناه هو اهتامم املريب‬
‫هبذا األمر‪ ،‬وحني يتوفراالهتامم فإن كل السبل ستكون مفتوحة‪.‬‬
‫البيئة الرتبوية اجليدة‪:‬‬
‫زودنا اخلالق عزوجل بالقدرة عىل اإلبداع واملخاطرة والتجديد‪..‬‬
‫لكن مع هذا فإن من الواضح أن النزعة إىل التقليد والتأثر بالظروف‬
‫والوضعيات السائدة من األمور الغالبة عىل مجيع البرش بقدر معني‪،‬‬
‫ويكفي للربهنة عىل هيمنة البيئة أن أقول‪ :‬إن أكثر من ‪ %99‬ممن‬
‫ينشؤون يف بيئة إسالمية يكونون مسلمني وأكثر من ‪ %99‬ممن ينشؤون‬
‫يف بيئات نرصانية أو بوذية يكونون نصارى وبوذيني‪ ،‬ومن هنا فإنني‬
‫أعتقد أن توفري بيئة جيدة وصاحلة لرتبية جيل متميز ومستقبيل هو‬
‫أعظم ٍ‬
‫حتد يواجه األرس‪ ،‬والنجاح فيه نجاح ال يقدَّ ربثمن‪.‬‬
‫لوتساءلنا عن مكونات البيئة التي علينا العمل عىل هتيئتها‬
‫ألمكنني أن أشري يف اجلواب إىل اآليت‪:‬‬

‫‪17‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -2‬كلمة البد منها‬ ‫األم وطن من ال وطن له ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫‪ -1‬العناية املتواصلة‪:‬‬
‫يدل عدد من الدراسات التي أجريت عىل أرس املشهورين والنوابغ‬
‫والقادة يف خمتلف املجاالت عىل أن األرس التي ينتمون إليها هي أرس‬
‫صغرية نسبي ًا‪ ،‬وكثري ًا ما يكون عدد أبنائها من اثنني إىل ثالثة‪ ،‬وتفسري‬
‫هذا أن قلة عدد األبناء أتاحت الوقت للوالدين أن جيلسا مع الطفل‬
‫أكثر‪ ،‬مما يساهم يف إظهار موهبته‪ ،‬كام أن الطفل يف هذه احلالة يتلقى‬
‫دع ًام معنوي ًا ومادي ًا أكرب‪ ،‬ومن هنا فإن البيئة الرتبوية اجليدة يكون فيها‬
‫التواصل والتفاعل بني أفرادها عىل أشده‪.‬‬
‫أمهية العناية يف الرتبية متت مالحظتها يف دراسات أخرى حيث‬
‫تبني أن الطفل األول والطفل الوحيد‪ ،‬والطفل األصغر الذي ولد‬
‫بعد سنوات عدة من التوقف عن اإلنجاب يكونون أقدر من باقي‬
‫اإلخوة عىل اكتساب اللغة بشكل مبكر مما يسهم يف تنمية ذكائهم‬
‫وإظهار قدراهتم الكامنة‪ ،‬كام أن الواحد منهم كثري ًا ما يلعب دور ًا‬
‫قيادي ًا يف األرسة منذ الصغر‪ ،‬ويكون أميل إىل االستقالل بسبب‬
‫املعاملة املميزة التي يتلقاها‪.‬‬
‫‪ -2‬بيئة غنية ‪:‬‬
‫املقصود بالغنى يف املجال الرتبوي هو الغنى الثقايف فقط‪ ،‬حيث‬
‫دل معظم الدراسات عىل أن املستوى التعليمي آلباء األطفال‬
‫املوهوبني أفضل من املستوى التعليمي آلباء األطفال العاديني‬
‫وتشريالدراسات إىل أن األطفال الذين يعيشون يف بيئة ثرية ثقافي ًا‬
‫(توافر الكتب‪ ،‬املجالت‪ ،‬القصص‪ ،‬احلكايات‪ ،‬األلعاب‪ ،‬التواصل‬
‫اللفظي بني األبوين‪ )..‬وإن كانت إمكاناهتا املادية متواضعة أميل إىل‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪18‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫االهتامم بالشكل جزء من‬ ‫‪ -2‬كلمة البد منها‬
‫إضاءة‬ ‫الرتاث اجليني لكل نساء العامل ‪.‬‬

‫امتالك القدرة عىل حل املشكالت وامتالك املهارات العقلية العالية‪،‬‬


‫وأكثر قدرة عىل االستفادة من اخلربات واإلمكانات التعليمية اجليدة‬
‫من األطفال الذين ينتمون إىل بيئة ليس فيها ما أرشنا إليه‪ .‬إذا مل‬
‫يكن األب واألم قد حظيا بتعليم جيد‪ ،‬فإن يف إمكاهنام إغناء منزهلام‬
‫باملنتجات الثقافية املختلفة من أجل رفع سوية اهتاممات الطفل‬
‫وإطالق قدراته اإلبداعية‪ .‬اجلهل بكل أشكاله كان‪ ،‬واليزال علة‬
‫العلل وداء األدواء‪ ،‬وإن بداية التخلص منه ستكون يف البيوت‪.‬‬
‫‪ -3‬زوجان متحابان ‪:‬‬
‫تدل احلال املشاهدة واخلربات املرتاكمة عىل أن عامد األرسة‬
‫اجليدة أبوان متحابان متفامهان‪ ،‬ألن من الصعب أن يشعر األطفال‬
‫باألمان والسكينة واالستقرار يف منزل هو عبارة عن ساحة حرب‬
‫باردة بني األبوين حيث الشتم والرضب والتهديد واملكر‪ ..‬ويشري‬
‫كثري من الدراسات إىل أن أرس املوهوبني حتظى بتوافق أرسي جيد‪،‬‬
‫وتسود العالقة بني األبوين فيها السعادة واحلب واالحرتام املتبادل‬
‫واإلنصاف‪ ،‬أما أرس األطفال الفاشلني‪ ،‬فإن العالقات بني األبوين‬
‫متيل فيها إىل التوتر والنزاع واملالحاة واخلالف عىل كل يشء وألدنى‬
‫يشء‪ :‬يوسف فتى أملعي متفوق يدرس يف املرحلة املتوسطة وينتمي‬
‫إىل أرسة مستقرة‪ ،‬وله أبوان حياوالن حل اخلالفات بينهام بالصرب‬
‫والتغايض والتحمل‪ ،‬وذات يوم حدث خالف بني جده ألبيه وجده‬
‫ألمه حول قطعة أرض‪ ،‬إذ يدعي أحدمها أنه اشرتاها من اآلخر من‬
‫مدة بثمن مؤجل‪ ،‬عىل حني أن اآلخر ينكرذلك‪ ،‬واشتدت اخلصومة‬
‫بينهام إىل درجة أن جده ألمه طلب من ابنته مغادرة منزل األرسة إىل‬

‫‪19‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -2‬كلمة البد منها‬ ‫الطفل بعدٌ عاملي قادر عىل إثارة‬
‫عواطف اجلميع ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫منزله‪ ،‬من باب الضغط عىل الطرف اآلخر‪ ،‬وتم ذلك‪ ،‬وصار يوسف‬
‫يشعر أن حياته قد صارت يف مهب الريح‪ ،‬وحني عادت أمه إىل املنزل‬
‫بعد ثالثة أشهر تصاعدت خصومتها مع أبيه إىل درجة غري حمتملة‪،‬‬
‫وأخذ يوسف يكثر اخلروج من املنزل مرتدد ًا عىل منزل أحد زمالئه‬
‫وهناك تعرف عىل ابن عم ذلك الزميل ومن خالل املخالطة تعود‬
‫تناول املخدرات‪ ،‬ومن أجل تأمني ثمنها صار يرسق من جيب أبيه‬
‫بعض املال‪ ،‬ثم رسق بعض حيل والدته‪ ،‬وأخذ أداؤه يف املدرسة‬
‫يرتاجع‪ ،‬وصار ميا ً‬
‫ال إىل العزلة‪ ،‬وبعد مدة صارت لديه قناعة بأن‬
‫توفري املال من أجل رشاء املخدرات يتطلب ترك الدراسة‪ ،‬فرتكها‪،‬‬
‫وصار يعمل يف إحدى ورش إصالح السيارات‪ ،‬وقد تم كل ذلك يف‬
‫غفلة األبوين واهنامكهام يف حرب بالوكالة عن غريمها!‬
‫قصة يوسف تتكرر يف آالف املنازل مع التباين يف بعض التفاصيل‪،‬‬
‫لكن اجلوهر يظل واحد ًا‪ ،‬وهو فقدان األبوين للحد األدنى من‬
‫التفاهم والتحابب والتعاون‪ ،‬وقد خرست األمة الكثري الكثري من‬
‫أبنائها بسبب جهل األبوين أوعدم رغبتهام يف توفري جو أرسي ينعم‬
‫به اجلميع !‪.‬‬
‫‪ -4‬أسلوب راشد يف الرتبية‪:‬‬
‫ال يكفي لفالح األوالد ونجاحهم أن يعيشوا يف أرسة هادئة‬
‫ومنزل رحب‪ ..‬بل ال بد مع ذلك من وجود أبوين بصريين باألساليب‬
‫الرتبوية الناجحة‪ ،‬وهذا ما يفتقده كثري من األرس املسلمة مع األسف‪،‬‬
‫مع أن الكتب الرتبوية متأل أرفف املكتبات‪ ،‬كام أن الشبكة العنكبوتية‬
‫تعج بألوف املقاالت املفيدة‪ ،‬ولكن عدم االهتامم وعدم معرفة كثري‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪20‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫جيب أن يظل ما نريده أوضح مما ال نريده‬ ‫‪ -2‬كلمة البد منها‬
‫إضاءة‬

‫من اآلباء واألمهات برضورة امتالك قدرجيد من املعرفة الرتبوية قد‬


‫أديا إىل ما نحن فيه!‬
‫إن من حسن احلظ أن األساليب والوسائل الرتبوية موحدة أو‬
‫شبه موحدة عىل مستوى العامل‪ ،‬وهذا يسهل التوافق عليها‪ ،‬كام أنه‬
‫يتيح الكثري من الوسائل لنرشها وتعميمها‪ ،‬ولعل من أهم املبادئ‬
‫واألساليب الرتبوية التي تساعد عىل تنشئة (ابن زمانه) اآليت‪:‬‬
‫أ‪ -‬العامل كله يسري نحو تشجيع االستقاللية واملبادرة وتوسيع‬
‫مساحات احلرية الشخصية‪ ،‬ونحن نعرف أن األحكام واآلداب‬
‫الرشعية ترشدنا يف هذا األمر وغريه إىل ما هوأفضل وأقوم‪ ،‬وإن مهمة‬
‫اآلباء واألمهات تنشئة جيل حيتفظ بخصوصيته اإلسالمية ولكنه‬
‫يتالءم أيض ًا مع عرصه‪ ،‬ويؤثر يف أهل زمانه‪ ،‬فنحن مسلمون أو ً‬
‫ال‬
‫وقبل كل يشء‪ .‬تشجيع االستقاللية واملبادرة واحلرية يعني أن نعتمد‬
‫يف تربيتنا القاعدة الفقهية العظيمة‪« :‬األصل يف األشياء اإلباحة» وإىل‬
‫جانب هذا فإن علينا جعل اجلو األرسي بعيد ًا عن التهديد والوعيد‬
‫وجعل الثناء والتحفيز واملكافأة أساس ًا يف تقويم السلوك والدفع يف‬
‫اجتاه اإلنجاز‪ .‬القاعدة العامة يف هذا‪« :‬كلام كان استخدام العقاب أقل‬
‫كانت الرتبية أقرب إىل السواء‪ ،‬والعكس صحيح»‪.‬‬
‫ب‪ -‬التوسط يف األمور قاعدة ذهبية يمكن االعتامد عليها يف‬
‫كل جماالت احلياة‪ ،‬وهنا علينا أن نلحظ أن من اآلباء من ُيف ِرط يف‬
‫التدخل يف حياة أبنائه‪ ،‬ويريد أن يعرف كل صغرية وكبرية عنهم‪،‬‬
‫وهذا يضايقهم‪ ،‬ويضطرهم إىل الكذب واملراوغة يف بعض األحيان‪،‬‬
‫كام أن من اآلباء واألمهات من يدلل طفله‪ ،‬ويعطيه كل ما يريد دون‬

‫‪21‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -2‬كلمة البد منها‬ ‫قفزة نوعية يف التعليم تظل رشط ًا لقفزة‬
‫نوعية يف احلياة العامة ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫قيد أو رشط عىل مبدأ‪« :‬أحالمك أوامر» وهذا يفسد الطفل إذ يلقي‬
‫يف روعه اإلحساس بسهولة احلياة وعدم وجود أي تكاليف فيها‪،‬‬
‫كام جيعله يترصف وكأنه املستغني عن كل من حوله‪ ..‬بعض اآلباء‬
‫واألمهات يبالغون يف محاية األبناء واخلوف عليهم من كل يشء‪ ،‬فال‬
‫يرسلوهنم يف رحلة علمية أو ثقافية أو ترفيهية‪ ،‬وال يبعثون هبم إىل‬
‫خميم‪ ،‬وخيافون من اختالطهم باآلخرين‪ ..‬عىل نحو يؤدي إىل عزلة‬
‫الطفل وحرمانه من اكتساب العديد من املهارات املهمة‪ ،‬وهناك‬
‫إىل جانب هؤالء آباء وأمهات ألقوا احلبل عىل الغارب‪ ،‬وأغمضوا‬
‫أعينهم عن مجيع ترصفات أبنائهم مما أدى إىل ضياعهم يف وقت مبكر‪.‬‬
‫التوسط والتوازن فضيلتان من أعظم الفضائل اإلنسانية وعلينا‬
‫التزامهام يف شأننا كله‪.‬‬
‫ج‪ -‬تشجيع االختالف البناء‪ ،‬فاإلبداع والنجاح والتفوق أمورال‬
‫تقوم عىل التشابه والتقليد‪ ،‬وإنام عىل التباين والتجديد وأحيان ًا‬
‫االبتعاد عن التيار السائد‪ .‬من املهم لألبوين أال يعمال عىل تكوين‬
‫نسخ مكررة عنهام أوعن األجداد والشيوخ‪ ...‬من الطبيعي أن يكون‬
‫لكل واحد من األبناء هواياته ورغباته وإبداعاته‪ ،‬ومادام كل ذلك‬
‫يف دائرة املباح‪ ،‬وال يشكل أي خطورة عليه‪ ،‬فإن غض الطرف عنه‬
‫وتشجيعه يف بعض األحيان يكون هو املطلوب‪.‬‬
‫د‪ -‬تشجيع الطفل عىل أن يكون له صحبة صاحلة من خالل‬
‫الرتدد عىل حلقة حلفظ القرآن الكريم أو حضور بعض الدروس‬
‫العلمية أو االنتساب إىل ٍ‬
‫ناد‪ ...‬الصحبة الصاحلة هي سفينة النجاة‬
‫يف بحر تتالطم فيه أمواج الفساد من كل شكل ولون‪ .‬الطفل ال بد له‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪22‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫العدو األكرب لنا وللبرشية مجعاء هو اجلهل ‪.‬‬ ‫‪ -2‬كلمة البد منها‬
‫إضاءة‬

‫من أصدقاء‪ ،‬واملهم مساعدتنا له يف اختيارهم وترشيد ذلك‪ ،‬وليس‬


‫فرضهم عليه‪.‬‬
‫هـ‪ -‬أبناؤنا يف املستقبل سيواجهون حتديات أكرب من التحديات‬
‫التي نواجهها اليوم‪ ،‬كام أن الفرص أمامهم ستكون أكثر من الفرص‬
‫نعود الطفل تقبل القصور يف ذاته‬
‫املتاحة لنا‪ ،‬ومن املهم يف هذا أن ِّ‬
‫عىل أي مستوى ويف أي جانب كان‪ ،‬فالكامل هلل تعاىل وحده وعلينا‬
‫أن نساعده عىل تقبل اإلخفاق واهلزيمة‪ ،‬وتقبل اإلحباط‪ ،‬فالفشل يف‬
‫حماولة أو اختبار أو جتربة ليس هناية العامل‪ .‬بعض اآلباء واألمهات‬
‫يشمتون بالطفل حني يفشل‪ ،‬ويظهرون كل ما لدهيم من مهارات‬
‫املوعظة والنصح‪ ،‬وهذا ال يساعد عىل إعداد األبناء للمستقبل‪ ،‬بل‬
‫خيذهلم‪ ،‬ويوهن من عزائمهم‪.‬‬
‫وـ تشجيع التفكري الالنمطي وكرس بعض القولبات القديمة يشء‬
‫مهم يف إعداد (ابن زمانه) وعىل سبيل املثال فإن من املألوف يف بعض‬
‫البيئات إعداد األبناء لالنخراط يف املهن واألعامل املتوارثة عن اآلباء‬
‫واألجداد بقطع النظر عن حجم الطلب املعارص عىل تلك املهن‪...‬‬
‫وبقطع النظر عن استعداد الطفل لذلك‪ ،‬وهذا غريمقبول اليوم ويف‬
‫املستقبل املنظور‪ .‬لدينا أيض ًا كثريون ممن يعتقد أن البنت هلا وظيفة‬
‫واحدة يف احلياة هي خدمة أرسهتا عندما تتزوج وتربية أطفاهلا‪ ،‬هذه‬
‫هي وظيفتها األساسية‪ ،‬واإلعداد ملا سوى ذلك ليس أكثر من تزيني‬
‫وتكميل‪ ،‬وهذا أيض ًا حيتاج إىل إعادة نظر‪ .‬نحن نس ِّلم بأن تربية األبناء‬
‫والقيام بشؤون األرسة هو الدوراألهم الذي تؤديه املرأة‪ ،‬لكنه ليس‬
‫الوحيد‪ ،‬وما اخلدمة التي يمكن أن تؤدهيا البنت لألمة إذا مل تتزوج‪،‬‬

‫‪23‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -2‬كلمة البد منها‬ ‫طريق اجلهل دائ ًام مظلم ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫وإذا تزوجت‪ ،‬ومل تنجب؟ أضف إىل هذا أن املرأة مضطرة للعمل يف‬
‫كثري من البالد اإلسالمية من أجل مساعدة زوجها عىل اإلنفاق عىل‬
‫األرسة‪ ،‬كام أن األمة يف حاجة إىل املرأة الداعية والطبيبة والناشطة يف‬
‫العمل اخلريي والباحثة يف الشأن االجتامعي‪ ..‬وهذا كله حيتاج إىل إعداد‬
‫وتأهيل‪ .‬كرس القولبات وأنامط التفكري القديمة يتطلب تعويد الطفل‬
‫(التفكري التباعدي) أي التفكري بطرق غري مألوفة ويف أمورالعهد للبيئة‬
‫هبا‪ ،‬وهذا موصول باإلبداع والتجديد وتطوير احلياة العامة‪.‬‬
‫زـ من أهم ما يميز التنشئة االجتامعية الرشيدة امتالك األبوين‬
‫والسيام األم توقعات عالية ملا يمكن أن يكون عليه الطفل يف‬
‫املستقبل‪ .‬إن األم التي تعتقد أنه سيكون البنها مستقبل باهر تكون‬
‫أقدرعىل توفري بيئة غنية تساعد عىل تنمية مواهبه‪ ،‬كام أن رغبتها يف‬
‫التواصل معه والعناية الفائقة به تكون أشد وأكرب‪ ،‬ومما يذكر يف هذا‬
‫وهو‬ ‫السياق أن امرأة مرت هبند بنت عتبة ومعها ابنها معاوية‬
‫صغري فقالت هلا املرأة‪ :‬إن ابنك هذا سيسود قومه‪ ،‬فقالت هلا هند‪:‬‬
‫عدمته إن كان لن يسود إال قومه !‪ .‬وقد كان من شأن معاوية ما كان‪،‬‬
‫فقد مكث عرشين سنة والي ًا عىل الشام وعرشين سنة أمري ًا للمؤمنني!‬
‫ح‪ -‬يف البيئة الرتبوية اجليدة يكون ألفراد األرسة عدد من التقاليد‬
‫والعادات اجليدة‪ ،‬ومن أمهها أهنم‪:‬‬
‫‪ m‬يعلمون الفرق عىل نحو واضح بني اخلطأ والصواب والالئق‬
‫وغري الالئق‪.‬‬
‫يشجعون بعضهم بعض ًا‪ ،‬ويعتقدون أن مصريهم واحد‬ ‫‪m‬‬

‫ومشرتك‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪24‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الوقاحة ذكاء ال يصحبه هتذيب ‪.‬‬ ‫‪ -2‬كلمة البد منها‬
‫إضاءة‬

‫‪ m‬حيرتمون بعضهم بعض ًا‪ ،‬كام أهنم يتبادلون الثقة فيام بينهم‪.‬‬
‫‪ m‬جيهرون باحتياجاهتم للمساعدة‪ ،‬ويطلبوهنا من بعضهم‪.‬‬
‫‪ m‬قادرون عىل اللعب مع ًا ويتمتعون بروح الدعابة والفكاهة‪.‬‬
‫‪ m‬لدهيم انتامء ديني وحياة روحية وأخالقية مشرتكة‪.‬‬
‫‪ m‬حيرتمون اخلصوصية‪.‬‬
‫‪ m‬يامرسون النقد البناء ألوضاع أرسهتم‪.‬‬
‫‪ m‬قادرون عىل االستامع والتحاور مع بعضهم دون توتر‪.‬‬
‫‪ m‬يقدرون قيمة اإلحسان وخدمة اآلخرين‪.‬‬
‫‪ m‬يتحملون عىل نحو مشرتك مسؤولية صالح أرسهتم ومتاسكها‪.‬‬
‫‪ m‬يساندون بعضهم بعض ًا‪ ،‬ويراعون الضعيف منهم‪.‬‬
‫إن كثري ًا من هذه األفكار واملعاين التي أرشت إليها يف فلك‬
‫احلديث عن الثقافة الرتبوية وعن البيئة اجليدة ربام يتكرر يف عدد من‬
‫السياقات‪ ،‬وإنام أحببت الرتكيز عليها هنا من أجل تسهيل استيعاهبا‬
‫ومن أجل اختاذها إطار ًا توجيهي ًا ملا سأذكره بعدها‪ ،‬ومن اهلل تعاىل‬
‫احلول والطول‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪3‬‬
‫اإليمان العميق‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪26‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -3‬اإليمان العميق‪:‬‬

‫نفرق دائ ًام بني الغايات والوسائل واملركزي‬


‫يشء مهم يف حياتنا أن ِّ‬
‫واهلاميش‪ ،‬وستشتد احلاجة إىل هذا التفريق يف املستقبل حيث انشغال‬
‫الوعي بام ال حيىص من األشياء!‬
‫الغاية األساسية من وجودنا عىل هذه األرض هي عبادة اهلل تعاىل‬
‫والقيام بأمره‪ ،‬وكسب رضوانه‪ ،‬وهذا واضح جد ًا يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ﱫﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﱪ [الذاريات‪]58-56 :‬‬
‫كل ما يساعد عىل العبودية هلل تعاىل يشء جيد وكل ما حيرف املسلم‬
‫عن هذه الغاية العظيمة هو يشء سيئ ويثريالقلق‬
‫ما سأحتدث عنه هنا هيدف إىل شيئني أساسيني‪:‬‬
‫األول هو تشبع الطفل باملعاين اإليامنية والروحية التي جتعل التزامه‬
‫الرشعي متين ًا‪ ،‬وحياته اإليامنية والروحية آمنة ومستقرة وسعيدة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬حتصني الذات يف وجه التحديات التي سيواجهها يف حياته‬
‫اخلاصة ويف العمل وعىل الصعيد االجتامعي‪ ،‬وأهم تلك التحديات‬
‫يف سياق ما نحن فيه أربعة‪:‬‬
‫‪27‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -3‬اإليمان العميق‬ ‫ال خيارات جيدة يف ظروف غري جيدة ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫أ‪ -‬تيار شهواين جارف وكم هائل من املغريات التي جترح عفة‬
‫الشاب‪ ،‬وتؤذي طهارته السلوكية‪.‬‬
‫ب‪ -‬كثرة امللهيات مما هو مباح وحمظور‪.‬‬
‫ج‪ -‬تعدد طرق الكسب املحرم وإحاطة الشبهات بكثري من‬
‫مصادر الرزق‪.‬‬
‫د‪ -‬عدم اكرتاث الوعي بعامل الغيب وانرصاف االهتامم عن‬
‫اآلخرة ومتطلبات الفوز فيها‪ ،‬عىل نحو ما نجده لدى شعوب مثل‬
‫الشعبني الياباين والكوري‪.‬‬
‫جوهرالتدين‪:‬‬
‫ليست مهمة العقيدة اإلسالمية توفري التصورات الصحيحة عن‬
‫اخلالق جل وعال وعن رسله وكتبه واليوم اآلخر فحسب‪ ،‬وإنام حتفيز‬
‫املسلم عىل االستقامة عىل أمراهلل تعاىل وكف اجلوارح عن املعايص‬
‫واالستخدامات اخلاطئة‪ ،‬وعىل هذا األساس نستطيع القول‪:‬‬
‫إن جوهر التدين يتمثل يف اإلخبات هلل تعاىل والثقة به والتوكل‬
‫عليه واحلياء منه وحبه ورجائه واخلوف منه واالستئناس به‪ ،‬وحتمل‬
‫األذى يف سبيله‪ ..‬ومن الطبيعي أن تنعكس هذه القيم واملعاين‬
‫العظيمة عىل سلوك املسلم وعالقاته ومواقفه واهتدائه هبدي أحكام‬
‫الرشيعة الغراء وآداهبا‪.‬‬
‫إن العبادة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى هي املورد العذب الذي‬
‫يسقي شجرة اإليامن‪ ،‬وإن املزيد من التعبد جيب أن يعني املزيد من‬
‫القرب من اهلل تعاىل واملزيد من الشعور بمعيته‪ ،‬وإن كل عبادة ال‬
‫تؤدي إىل ذلك هي عبادة جموفة أو منقوصة أوعليلة‪ ،‬وقد رؤي أحدهم‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪28‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫كلام نضج املرء أكثر صارت ثقته بأفكاره أقل ‪.‬‬ ‫‪ -3‬اإليمان العميق‬
‫إضاءة‬

‫خارج ًا من املسجد وعيناه تذرفان‪ ،‬فسئل‪ :‬ما يبكيك؟ فقال‪ :‬صليت‬


‫ركعتني مل أشعر هلام بأي طعم‪ ،‬وما ذلك إال لذنب وقعت فيه!‪.‬‬
‫أساليب ووسائل‪:‬‬
‫يف البداية أود أن أقول‪ :‬إن غرس اإليامن العميق يف نفوس األطفال‬
‫عمل عظيم لكنه حمفوف باملخاطر‪ ،‬فقد رأيت الكثري من حاالت‬
‫اإلخفاق يف هذا الشأن‪ ،‬والسبب بسيط‪ ،‬إذ إن محل الطفل عىل بعض‬
‫العبادات كثري ًا ما يتم عن طريق الضغط وبنوع من اإلكراه‪ ،‬وهذا‬
‫يؤدي إىل نفوره بشكل واضح‪ ،‬وكثري ًا ما سمعنا عن أطفال يصلون‬
‫من غري وضوء‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬إنه ذهب إىل حلقة حلفظ القرآن‬
‫الكريم يف املسجد‪ ،‬واحلقيقة أنه كان مع أحد أصدقائه‪..‬‬
‫بعض اآلباء واألمهات ال يستخدمون الضغط واإلكراه لكنهم‬
‫قرصت‬
‫َ‬ ‫يكثرون من األوامر املبارشة‪ :‬أحسن وضوءك‪ ،‬أدرك اجلامعة‪،‬‬
‫اليوم يف مراجعة حفظك‪ ،‬ملاذا تأخرت عن احللقة؟ ما تقوم به ال يدل‬
‫عىل أنك تنتمي إىل أرسة متدينة‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫هذا األسلوب ال يساعد عىل ترسيخ اإليامن يف النفوس‪ ،‬وإنام‬
‫يؤدي إىل نمو التدين الشكيل مع جفاء شديد جلوهر اإليامن والذي‬
‫يقوم عىل القناعة واالختيار‪.‬‬
‫‪ -1‬القدوة احلسنة‪:‬‬
‫الرتبية باألفعال والسلوكيات هي الرتبية األنيقة واجلذابة‪ ،‬وهي‬
‫األصل واألساس‪ ،‬وأكرب مشكلة نعاين منها عىل صعيد بناء األجيال‬
‫عدم وجود ما يكفي من املربني الذين ينجذب إليهم الصغار ويعجبون‬
‫بأوضاعهم وأحواهلم!‬

‫‪29‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -3‬اإليمان العميق‬ ‫املبادرة هي انتفاضة الروح املتوثبة‬
‫إضاءة‬

‫احلل الوحيد هو أن يسعى كل واحد منا إىل أن جياهد نفسه يف‬


‫ذات اهلل ليفعل ما حيب من أبنائه أن يفعلوه‪ ،‬تقول إحدى األمهات‪:‬‬
‫تزوجت رجال ميسور ًا وعىل خلق ودين‪ ،‬وكان يسكن يف حي شعبي‬
‫حلرصه عىل البقاء قريب ًا من منزل والدته التي رفضت مغادرة احلي‪،‬‬
‫وكان الفقراء واملحتاجون حييطون بنا من كل مكان‪ ،‬وكنت بني الفينة‬
‫والفينة أطبخ طبخة كبرية‪ ،‬وأسكب لثالث أرس من جرياننا‪ ،‬وكان‬
‫أبنائي وبنايت حيملون الطعام‪ ،‬ويوزعونه‪ ،‬واستمر األمر عىل هذه‬
‫احلال أكثر من عرشين عام ًا وكنا نفعل ذلك بعفوية تامة‪ ،‬وعىل أنه من‬
‫حقوق اجلار عىل جاره‪ ،‬وبعد ذلك تزوج األبناء والبنات‪ ،‬واكتشفت‬
‫أهنم التقطوا فكرة اإلحسان دون أي توجيه مني‪ ،‬فهذا ابني أمحد‬
‫متطوع يف مؤسسة إغاثية‪ ،‬وابني خالد يقوم بكفالة أيتام من أقربائنا‪،‬‬
‫وأما بنايت‪ ،‬فواحدة منهن تسكب الطعام جلرياهنا املحتاجني عىل نحو‬
‫شبه دائم‪ ،‬وبنت أخرى تدرب الفقريات من بنات احلي عىل اخلياطة‪،‬‬
‫فاللهم لك احلمد!‬
‫‪ -2‬استغالل األحداث‪:‬‬
‫حني يقع أحد األبناء أواألقرباء يف خطأ‪ ،‬أو حيدث حدث مهم‬
‫يف حياة األرسة‪ ،‬فإن عىل األبوين استغالل ذلك احلدث أواخلطأ يف‬
‫تنبيه األبناء إىل املغزى منه واحلذر من تكرار اخلطأ‪ ،‬وعىل سبيل املثال‬
‫فلو ُسجن ابن أحد املعارف أواجلريان بسبب رشب اخلمر أواستدانة‬
‫مبلغ مل يستطيع قضاءه‪ ،‬أووقوعه يف مشاجرة مع أحد زمالئه‪ ..‬فإن‬
‫من املهم عدم إظهار الشامتة به أو ً‬
‫ال‪ ،‬ثم رشح ما يتوقع أنه من أسباب‬
‫ذلك اخلطأ مثل التهور يف إقامة مشاريع مل تنل حظها من الدراسة‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪30‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫اجلهل أبو الرش وأم االنحطاط ‪.‬‬ ‫‪ -3‬اإليمان العميق‬
‫إضاءة‬

‫أوصحبة بعض األرشار‪ ،‬أوضعف السيطرة عىل االنفعال‪ ..‬هذا‬


‫االستغالل لألحداث ينبغي أن يكون باقتصاد ومن غري إشعار‬
‫الصغار بتزكية النفس أوعصمة األرسة‪ ،‬وإذا كان هناك معلومات‬
‫خاطئة أو مبالغ فيها حول ما جرى فإن عىل األبوين توضيح ذلك‪.‬‬
‫قد يقع يف اخلطأ أحد األبناء‪ ،‬وهنا يستحسن أن خيلو به أحد األبوين‪،‬‬
‫ويسأله عن العربة التي خرج هبا من وراء اخلطأ الذي ارتكبه‪.‬‬
‫‪ -3‬التعليق العفوي‪:‬‬
‫أقصد بالتعليق العفوي قيام املريب بالدفع بموقف أوعمل إىل‬
‫سطح الوعي وبؤرة االهتامم بغية إرسال رسالة رسيعة وخفية ملن يقوم‬
‫عىل تربيتهم‪ ،‬وهذا فن من الفنون األنيقة واملرهفة‪ ،‬إحدى األمهات‬
‫كانت حتفز عىل اخلري من خالل هذا‪ ،‬كام أهنا كانت تستخدمه إلرسال‬
‫رسائل عتاب رقيق إىل أبنائها وبناهتا‪ :‬فالنة ما شاء اهلل ما رأتني إال‬
‫قب َّلت رأيس‪ ،‬وقالت يل خالتي هل أستطيع أن أخدمك بيشء؟ فالن‬
‫ال يكاد يمر أسبوع حتى يتصل بعمته للسالم عليها والسؤال‬
‫عنها‪ .‬فالنة أمتت حفظ عرشة أجزاء من القرآن الكريم مع أهنا‬
‫مازالت يف الثانية عرشة من عمرها‪ .‬فالن عرضوا عليه مرتب ًا ضخ ًام يف‬
‫الرشكة الفالنية لكنه رفض ألنه يرى أن أمواهلم مشبوهة‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫املهم عدم اإلرساف يف هذا حتى ال يظن األبناء أن هذه التعليقات‬
‫تعريض واضح هبم‪.‬‬
‫‪ -4‬االعرتاف بالتقصري‪:‬‬
‫نحن نعرف أن جمرد وجود تباين يف الوظائف يعني وجود فجوة‪،‬‬
‫وهكذا فموقف املريب يوجد فجوة بينه وبني املرتيب‪ ،‬وإن كثري ًا من‬

‫‪31‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -3‬اإليمان العميق‬ ‫القدوة قيادة ناعمة ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫األطفال واملراهقني يعتقدون أن معظم من يربوهنم ُيظهرون مثالية‬


‫أكثرمما ينبغي‪ ،‬وربام طالبوا الصغار بأمو ٍر‪،‬هم مل يقوموا هبا ملا كانوا‬
‫صغار ًا‪ ،‬هلذا فإن بعض اآلباء واألمهات وجدوا يف االعرتاف‬
‫بالتقصريعالج ًا هلذه التصورات واالنطباعات‪ ،‬هذا أب يقول‪ :‬واهلل‬
‫يا أبنائي كان جدكم أفضل مني‪ ،‬فمنذ أن تفتح وعيي عىل الدنيا وأنا‬
‫أراه يستيقظ قبل الفجر‪ ،‬ليصيل ويقرأ القرآن‪ ،‬ثم يوقظنا للذهاب إىل‬
‫املسجد أما أنا فمن النادرأن أفعل ذلك‪ ،‬لكن ال بد هلذا أن يتغري‪.‬‬
‫أم فاضلة تقول لبناهتا‪ :‬ع ّ‬
‫يل أن أعرتف أنني مرسفة يف رشاء الثياب‬
‫ومرسفة يف جتديد أثاث البيت مع أن يف احلي الكثري من املحتاجني‪ .‬أم‬
‫أخرى تقول البنتها‪ :‬يف أرستنا تساهل جتاه رذيلة الغيبة‪ ،‬وهذا التساهل‬
‫سببه املشكالت املستمرة بيني وبني أبيك‪ ،‬فأنا أغتاب أهله‪ ،‬وهو يغتاب‬
‫أهيل‪ ،‬أنا أشعر يا ابنتي أن مراقبتنا هلل تعاىل فيام نقول ضعيفة‪.‬‬
‫‪ -5‬التعبري عن املخاوف‪:‬‬
‫هذا أسلوب من أساليب التوجيه الناعم‪ ،‬ويستخدمه املربون‬
‫غالب ًا حني يرصالفتى أو املراهق عىل اإلقدام عىل عمل يشك املريب‬
‫يف سالمة عواقبه‪ ،‬ونحن نعرف أن معظم املراهقني يتسمون بنوع من‬
‫العناد واإلرصار عىل الرأي الشخيص‪ ،‬ولكن قراراهتم ال تكون يف‬
‫كثري من األحيان صائبة‪ ،‬أحد املراهقني أرص عىل دراسة اجلامعة يف‬
‫إحدى الدول الغربية‪ ،‬وذلك بعد نيل الثانوية‪ ،‬وهو ما زال يف السابعة‬
‫عرشة‪ .‬األب يعمل مدرس ًا يف إحدى الثانويات‪ ،‬ويعرف متام ًا كيف‬
‫يفكر الطالب‪ ،‬وكيف ينجذبون إىل بعض األمور‪ .‬االبن له ابن خالة‬
‫يدرس يف الدولة التي يريد السفر إليها‪ ،‬وابن خالته هذا هو الذي‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪32‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫احرتامي لك جزء من احرتامي لنفيس ‪.‬‬ ‫‪ -3‬اإليمان العميق‬
‫إضاءة‬

‫يغريه بذلك ويزينه له عىل نحو مستمر‪ .‬األب مقتنع برضورة دراسة‬
‫ابنه يف جامعة جيدة‪ ،‬لكنه يعتقد أن ذلك جيب أن يكون يف مرحلة‬
‫التخصص بعد االنتهاء من املرحلة اجلامعية‪ ،‬لكنه ال يستطيع أن يقف‬
‫موقف ًا صلب ًا خشية اإلساءة إىل عالقته بابنه‪ ،‬فأخذ يعرب عن خماوفه‪:‬‬
‫الدراسة يف كندا ممتازة‪ ،‬وفيها جامعات مرموقة‪ ،‬ولكن البيئة هناك‬
‫ختتلف كثري ًا عن بيئتنا‪ ،‬واإلنسان حني يبتعد عن بلده تضعف مناعته‬
‫الثقافية‪ ،‬ويصبح تأثره باألمور السيئة سه ً‬
‫ال‪ .‬أيض ًا من ميزات السفر‬
‫بعد التخرج من اجلامعة هو أن املرء يكون يف سن مالئم للزواج‪،‬‬
‫فيتزوج ويأخذ زوجته معه‪ ،‬ويف هذا عصمة وأية عصمة يف بالد متوج‬
‫بالتحلل واملغريات‪ .‬األب يدعم وجهة نظره هذه بذكر العديد من‬
‫املقارنات بني أبناء أقرباء ومعارف ذهبوا إىل بالد الغربة وهم يف سن‬
‫املراهقة وآخرين ذهبوا وهم يف الثالثة والعرشين والرابعة والعرشين‬
‫وكيف كانت نتائج الناضجني أفضل‪ ،‬ومن أمهها سالمة ديانتهم‬
‫ومتسكهم بأخالقهم اإلسالمية‪.‬‬
‫أحد اآلباء مل يكتف بالتعبري عن خماوفه‪ ،‬وإنام حث أحد أخوال‬
‫ابنه عىل القيام بذلك‪ .‬النتائج هلذا األسلوب واعدة‪ ،‬فالتجربة تدل‬
‫عىل أن كثري ًا من األبناء قد غريوا رأهيم ونزلوا عند رغبات أهليهم‪.‬‬
‫أود أن أقول يف ختام هذه املعاجلة ملسألة الرتبية اإليامنية‪ :‬إن‬
‫العامل يتعرض الجتياح مادي حيس دنيوي كبري‪ ،‬وإن ترسيخ املعاين‬
‫اإليامنية يف هذه الظروف يشبه السباحة ضد التيار‪ ،‬وهلذا فال بد من‬
‫الصرب واملثابرة وحسن الترصف؛فنحن ال نملك أي خيار آخر‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪4‬‬
‫تربية فكرية خاصة‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪34‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‪:‬‬

‫عاملنا مزدحم بكل يشء‪ ،‬وعامل الغد سيكون أكثر ازدحام ًا‪،‬‬
‫وسوف تشتعل فيه املنافسة إىل مستويات جديدة‪ .‬يف عامل الغد‬
‫سرتتفع وترية االستهالك لألفكار واألشياء‪ ،‬وسيكون هناك الكثري‬
‫من اخليارات والبدائل والكثري من املشكالت والتحديات أيض ًا‪،‬‬
‫زمان كثرية فرصه‪ ،‬وكثرية مطالبه‪ .‬يكمن مفتاح التعامل مع كل هذا‬
‫يف تربية فكرية جديدة ومبرصة‪ .‬األرس لدينا تستطيع ذلك عىل نحو‬
‫أفضل بكثري مما كان عليه الوضع قبل عرشين سنة‪ ،‬إذ إن معظم اآلباء‬
‫واألمهات يف املدن قد تلقوا تعلي ًام عالي ًا أومتوسط ًا‪ ،‬لكن تبقى احلاجة‬
‫ماسة إىل يشء من اإلدراك ملا هو مطلوب للرتبية املستقبلية‪ ،‬وتبقى‬
‫احلاجة ماسة أكثر إىل درجة حسنة من (االهتامم) بام عىل األبوين‬
‫القيام به‪ .‬أنا ال أريد هنا استعراض كل ما يتعلق بالرتبية الفكرية‬
‫للطفل(‪ )1‬فهذا موضوع طويل وكبري جد ًا‪ ،‬لكن أريد رشح ما يتعلق‬
‫باألمور التي أرشت إليها قبل قليل وكيفية التعامل معها‪ ،‬وذلك‬
‫باختصار وإجياز‪:‬‬

‫‪ -1‬للمؤلف كتاب بعنوان‪ :‬تأسيس عقلية الطفل يمكن الرجوع إليه‪.‬‬


‫‪35‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫االختالف يف املفاهيم مفرتق طرق ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫‪ m‬الرتبية هي السبيل الوحيد للتغلب عىل املنافسني وملواجهة‬


‫مشكالت احلياة شديدة التعقيد‪ ،‬يف املايض كان الناس يظنون أن‬
‫اإلبداع يف أي يشء حيتاج إىل نوع من العبقرية‪ ،‬وبام أن معظم األطفال‬
‫ليسوا عباقرة‪ ،‬إذن فإن معظمهم لن يكونوا مبدعني‪ ،‬وقد تبني أن هذا‬
‫خطأ‪ ،‬وأن اإلبداع يتطلب فع ً‬
‫ال شيئ ًا من الذكاء (فوق املتوسط) مع‬
‫بيئة حاضنة جيدة‪ .‬إن احلاسم يف مسألة اإلبداع ليس معدل الذكاء‪،‬‬
‫وإنام العادات الذهنية والنفسية التي يكتسبها الطفل يف منزله‪ .‬إن‬
‫نظرية (الذكاءات املتعددة) تبرشنا بأن معظم األطفال يملكون من‬
‫املوهبة ما يؤهلهم لإلبداع يف جمال من املجاالت‪ ،‬وإذا وجدنا أن‬
‫معظم أبنائنا عاديون‪ ،‬فهذا يدل عىل خطأ ما يف أسلوب الرتبية يف‬
‫البيوت أوأسلوب التعليم يف املدارس‪.‬‬
‫كتب رجل يف اخلمسني من عمره يف مذكراته ما ييل‪ :‬عشت سعيد ًا‬
‫يف أرسيت‪ ،‬لكن كنت أالحظ وجود رصاع واضح بني أيب وأمي‪:‬‬
‫أيب كان معل ًام ناجح ًا‪ ،‬وكان من املعروف عنه احلزم يف التعامل مع‬
‫الطالب والتشدد يف منح الدرجات‪ ،‬أما أمي فلم تدرس أكثر من‬
‫املرحلة املتوسطة‪ ،‬ثم توقفت عن الدراسة بسبب زواجها املبكر من‬
‫أيب‪ .‬كانت أمي قد نشأت يف أرسة ثرية جد ًا إىل درجة أنه كان هلا مربية‬
‫خاصة تقوم عىل توجهها‪ ،‬وكان جدي رمحه اهلل تاجر ًا كبري ًا ومنفتح ًا‬
‫جد ًا‪ ،‬وقد كان يعامل ابنته بالكثري من التحفيز واملديح والدالل مع‬
‫تلبية كل ما تطلبه منه‪ ...‬أيب كان يرغب يف نقل أسلوبه يف التعامل‬
‫مع الطالب إىل األرسة‪ ،‬أي الترصف عىل أنه اآلمر الناهي مع اعتامد‬
‫أسلوب التلقني وفرض وجهة النظر الواحدة يف كل يشء‪ .‬والديت‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪36‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫يقوم اجلامل يف كل يشء عىل‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬ ‫التناسب والتناغم ‪.‬‬

‫أرادت أن تربينا عىل العكس من ذلك‪ ،‬أي وفق أسلوب الرتبية التي‬
‫تلقتها يف أرسهتا‪ .‬بعد رصاع مكشوف استمر سنوات ليست بالكثرية‬
‫اتفق أيب وأمي عىل يشء الفت‪ ،‬وهو أن ترتك أمي أليب مسألة توجيه‬
‫الذكور‪ ،‬ويرتك هلا توجيه البنات‪،‬وقد كان ذلك‪ .‬أنا وأخي مقداد‬
‫كنا نالحظ قسوة أيب‪ ،‬وكنا نجد صعوبة يف النقاش معه‪ ،‬وقد فرض‬
‫علينا عند دخول اجلامعة دراسة ختصصني مل يكونا أفضل ما نرغب‬
‫يف دراسته‪ ،‬وكانت النتيجة أننا خترجنا من اجلامعة وتوظفنا مثل‬
‫كل الناس‪ ،‬لكن كنا نشعر بأننا شخصان عاديان‪ ،‬وأننا ُحرمنا من‬
‫اختيار دراسة ما نحب دراسته‪ ،‬أما أمي فقد اتبعت يف تربية أخوايت‬
‫الثالث أسلوب ًا خمتلف ًا جد ًا عن أسلوب أيب‪ ،‬كانت حفظها اهلل تكثر‬
‫من مناقشة أخوايت يف كل يشء‪ ،‬وكانت مستمعة جيدة جد ًا‪ ،‬وإذا‬
‫ُغلبت يف النقاش كانت تعرتف بأهنا كانت عىل خطأ‪ ،‬وترتاجع عن‬
‫رأهيا‪ .‬رسبت إحدى أخوايت يف السنة األوىل من املرحلة املتوسطة‬
‫ألسباب ال أحب التحدث عنها‪ ،‬فام كانت من والديت إال أن واستها‬
‫ووقفت إىل جانبها وحفزهتا عىل االستمرار يف الدراسة‪ ،‬وكانت‬
‫النتيجة أن أختي نجحت يف السنة التالية بتفوق واضح‪ ،‬وافتتحت‬
‫بذلك عهد ًا جديد ًا من النجاح والتألق‪ ،‬باإلضافة إىل هذا فإن والديت‬
‫تركت ألخوايت حرية اختيار التخصص اجلامعي الذي ترغب فيه كل‬
‫واحدة منهن‪ ،‬فاختارت إحداهن دراسة الكيمياء‪ ،‬واختارت الثانية‬
‫دراسة الطب‪ ،‬واختارت الثالثة دراسة الرياضيات‪ ،‬وأرصت عليهن‬
‫بإكامل دراساهتن العليا‪ ،‬وقد كان ذلك‪ ،‬وقد بذلت يف سبيل ذلك‬
‫الكثري من املال الذي ورثته من أبيها‪ ...‬اليوم أختي الطبيبة تعمل يف‬

‫‪37‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫كثريمن العظامء يكونون عاديني يف‬
‫معظم شؤوهنم ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫مركز طبي مرموق جد ًا‪ ،‬وينظر إليها عىل أهنا أفضل طبيبة يف ذلك‬
‫املركز‪ ،‬وأختي التي درست الكيمياء نالت جائزة عاملية قبل ثالث‬
‫سنوات عىل دراسة مهمة قامت هبا‪ ،‬وأختي التي درست الرياضيات‬
‫تدرس يف اجلامعة وحتظى باحرتام كبري!‬
‫ِّ‬
‫نعم إن الطفل حتى يكون مبدع ًا حيتاج إىل من يشجعه عىل إبداء‬
‫رأيه والتعبريعن أفكاره اإلبداعية مهام تكن بعيدة عن الواقع‪ ،‬كام‬
‫حيتاج إىل من حيفزه عىل االكتشاف والتفكري بطريقة خمتلفة‪ .‬اترك له‬
‫فرصة التخطيط حلياته الشخصية‪ ،‬وأتح له الفرصة ليقوم بدور قيادي‬
‫يف بعض شؤون األرسة‪ ،‬وشجعه عىل جتاوز خربات الفشل الذي قد‬
‫يتعرض له‪ ،‬ذكره بأفضل إنجازاته‪ ،‬ودعه ينسى نقاط ضعفه‪ ،‬وسرتى‬
‫أنك قد وضعته عىل بداية طريق اإلبداع‪.‬‬
‫النظرة اإلجيابية‪:‬‬ ‫‪m‬‬

‫من طبيعة التقدم احلضاري أنه يزيد يف الطموحات‪ ،‬أي يزيد يف‬
‫حجم ونوعية ما يطلبه اإلنسان من نفسه ومن اآلخرين‪ ،‬فإذا مل يتحقق‬
‫له ذلك‪ ،‬فإن ازدراء الذات والشعورباخلذالن يظالن يف متناول اليد‪،‬‬
‫أضف إىل هذا أن معظم األشياء قابلة ألن ُترى بطريقتني‪ :‬طريقة‬
‫إجيابية حيث نرى ما فيها من خري ونفع ومجال‪ ،‬وطريقة سلبية حيث‬
‫نلمس ما فيها من قبح ورشور وأذى‪ ..‬هنا يأيت دور األرسة والبيئة عىل‬
‫نحوعام‪ ،‬إذ إهنا تقوم بدور املرجح إلحدى النظرتني عىل األخرى‪ ،‬يف‬
‫أيام الربيع والصيف قد نشاهد قطعة من األرض وقد غطتها نباتات‬
‫متنوعة‪ ،‬فيها الورود واألشواك‪ ..‬صاحب النظرة املتفائلة والتفكري‬
‫اإلجيايب يقول‪ :‬هذا حقل ورد فيه يشء من الشوك‪ ،‬وصاحب التفكري‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪38‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ما ُأكره إنسان عىل يشء إال كرهه ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫السلبي والنظرة املتشائمة يقول‪ :‬هذا حقل شوك‪ ،‬فيه يشء من الورد‪،‬‬
‫فكل يرى بحسب النظارة التي وضعها عىل عينيه‪ .‬معروف‬ ‫وهكذا ٌ‬
‫أنه كان متفائ ً‬
‫ال‪ ،‬وكان يرى اجلانب اجلميل من األشياء‪،‬‬ ‫عن نبينا‬
‫دخل عىل أعرايب يعوده‪ ،‬فقال‪« :‬ال بأس طهور إن‬ ‫وقد صح أنه‬
‫قلت طهور؟ كال بل هي محى تفورعىل شيخ‬
‫شاء اهلل»‪ .‬قال األعرايب‪َ :‬‬
‫كبري‪ُ ،‬تزيره القبور‪ ،‬فقال النبي ‪« :‬نعم إذن» [رواه البخاري] وحذر‬
‫عليه الصالة والسالم من رؤية اجلانب السلبي من احلياة االجتامعية‬
‫أهلكهم» [رواه مسلم‬‫حني قال‪« :‬إذا قال الرجل هلك الناس فهو ُ‬
‫ُ‬
‫(أهلكهم‪ :‬أشهدهم هالك ًا)]‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أهلكهم بالضم وهو أشهر من الفتح‬
‫تقول إحدى األمهات الفاضالت‪ :‬نشأت يف أرسة كبرية حيث‬
‫كان يل أربعة إخوة ومخس أخوات‪ ،‬وكانت والديت تعاين من‬
‫(اكتئاب) متوسط الشدة‪ ،‬وكانت ترفض الذهاب إىل الطبيب أو‬
‫تناول أي دواء‪ ،‬وقد أدى هذا إىل شعورها بالتوتر وتعكر املزاج عىل‬
‫نحو شبه دائم‪ ،‬إىل جانب التحدث املستمر إلينا بأهنا تشعر بالذنب‬
‫جتاهنا‪ ،‬كام أن جزء ًا من حديثها كان للتعبريعن شعورها بالنقص‬
‫وعدم الصالحية ألن تكون زوجة ناجحة‪ ...‬قد كنت أكرب إخويت‬
‫وأخوايت وقد الحظت أن بعض إخويت الصغار صاروا يقلدون أمي‬
‫يف أسلوب نظرهتا للحياة ويف تعبريها عن ذاهتا‪ ،‬وقد كان أيب رج ً‬
‫ال‬
‫ال بإعالة أرسته الكبرية‪ ،‬لكن اهلل تعاىل أسعفنا‬ ‫بسيط ًا فقري ًا ومشغو ً‬
‫بخايل‪ ،‬فقد كان متعل ًام وحكي ًام‪ ،‬وناجح ًا يف تربية أبنائه‪ ،‬فام كان منه‬
‫إال أنه صار يكثر من زيارتنا واجللوس معنا الساعات الطوال‪ ،‬وكنت‬
‫أالحظ أنه يركزعىل عدد من األمور‪:‬‬

‫‪39‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫املشكلة ليست يف توافر املوارد‪،‬‬
‫ولكن يف إدارهتا ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫‪ -1‬كان دائ ًام يسأل كل واحد منا‪ :‬إذا انتهيت من الثانوية فام‬
‫هوالتخصص الذي ستدرسه يف اجلامعة؟ وإذا الحظ أن هناك من ال‬
‫يرغب يف إكامل دراسته اجلامعية فإنه كان يغضب‪ ،‬ويسوق كل األدلة‬
‫عىل خطأ التفكري يف عدم االستمرار يف الدراسة حتى النهاية‪ .‬كان خايل‬
‫يريد من كان واحد منا أن يكون له حلم يسعى إىل حتقيقه‪ ،‬وكان يقص‬
‫علينا باستمرار أخبارالعظامء الذين حققوا أحالمهم مع قلة إمكاناهتم‪.‬‬
‫‪ -2‬حني كان أحدنا يتحدث عن مشكلة يعاين منها‪ ،‬أوكان يكرر‬
‫احلديث عن خطأ وقع فيه‪ ،‬فإنه كان يبدي عدم ارتياحه لذلك‪ ،‬وكان‬
‫يقول لصاحب املشكلة‪ :‬اآلن دعنا مما حدث‪ ،‬وتعال لنفكر يف احلل‪،‬‬
‫وكان ال يرتكه حتى يتفق معه عىل عمل معني للتخلص من تلك‬
‫املشكلة‪ ،‬وكان يقول ملن يتحدث عن أخطائه‪ :‬نحن أبناء اليوم‪ ،‬وما‬
‫فات مات‪ ،‬وال تنس أن أباك حيبك حب ًا مج ًا‪ ،‬كام أن مدرسك فالن ًا‬
‫قال‪ :‬إنك أفضل طالب عنده‪.‬‬
‫‪ -3‬كان خايل يعاين من آالم شديدة يف الظهر‪ ،‬ومع هذا فقد كان‬
‫يتمتع بروح شبابية‪ ،‬وقد كان يغمرنا بالطرف اجلميلة واملهذبة‪ ،‬وهلذا‬
‫فإننا كنا ننتظر قدومه إلينا بشوق شديد‪ ،‬كان حياول دائ ًام أن يقول لنا‪:‬‬
‫يف احلياة مرسات وخريات تستحق منا الشكر واإلحساس بالرفاهية‪.‬‬
‫تقول تلك األم‪ :‬احلمد هلل فقد نحج خايل جزاه اهلل خري اجلزاء يف‬
‫جعلنا نتفوق يف دراستنا ويف أعاملنا وحياتنا العامة‪ ،‬واليوم ُينظر إلينا‬
‫من قبل جرياننا وأقربائنا عىل أننا أرسة متميزة جد ًا‪.‬‬
‫اليشء الذي أريد أن أختم به هذه الفقرة هوأن النظرة اإلجيابية‬
‫هي عملية إجرائية‪ ،‬وليست غاية يف حد ذاهتا‪ ،‬فنحن نريد منها جعل‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪40‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫من اهتامماهتم تعرفوهنم ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫عقولنا تتفتح عىل اإلمكانات الكامنة ورؤية الوجه املرشق من احلياة‬


‫حتى ال نقع يف فخ اليأس واإلحباط‪ ،‬ومن املهم هنا أن أؤكد أن عىل‬
‫األبوين إشعار الصغار بأن النظرة املتفائلة واإلجيابية للحياة ال جتعلها‬
‫أفضل‪ ،‬بل ال بد من وضع بعض اخلطط والقيام ببعض األعامل‬
‫املنتجة‪ ،‬حيث إنه ال يشء يغني عن احلركة والعمل وتنظيم الشأن‬
‫الشخيص‪.‬‬
‫‪ -4‬احلكم عىل األشياء‪ :‬هذه قضية مهمة يف بناء عقلية الطفل‬
‫وستكون أكثر أمهية يف املستقبل حيث يزداد توافد األخبارعلينا من‬
‫كل حدب وصوب‪ ،‬وحيث الشائعات املنترشة يف كل جمال‪ ،‬وسيكون‬
‫األمر شديد التعقيد حني ندرك أن جهات معينة صارت تبث األخبار‬
‫املكذوبة لغايات وأهداف متعددة‪.‬‬
‫احلكم عىل شخص أو موقف أوحدث يتطلب الوعي بأمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الواقع احلقيقي لليشء الذي نريد إصدار حكم عليه‪ ،‬أي‬
‫أن نتصوره عىل ما هو عليه بالضبط‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬املوقف الرشعي والعقيل والشخيص من ذلك اليشء‪ ،‬وإن‬
‫ك ً‬
‫ال من األمرين حيتاج إىل متعن وفهم عميق‪ ،‬يقول أحد الشباب حني‬
‫كنت أدرس يف املرحلة الثانوية كان يدرسنا (التاريخ) أستاذ أملعي‬
‫من طراز رفيع‪ ،‬وقد استفدت منه الكثري والكثري يف فهم احلدث‬
‫التارخيي‪ ،‬لكن الكسب احلقيقي مل يكن يف التاريخ ولكن يف منهجية‬
‫التفكري حيث إن أستاذ التاريخ كان يرتك يف آخر كل حصة سبع‬
‫دقائق للنقاش احلر‪ ،‬وكثري ًا ما كان يستغلها لتحسني مستوى املحاكمة‬
‫العقلية لدينا‪ ،‬وقد بنى فع ً‬
‫ال لدى املهتمني من الزمالء عقلية تفكر‬

‫‪41‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫كرس الرش ليس بعسري‪ ،‬العسري هو‬
‫تشييد رصوح اخلري ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫بطريقة رائعة‪ ،‬وقد توثقت صلتي باألستاذ‪ ،‬ورصت أزوره يف منزله‬


‫مع بعض الزمالء‪ ،‬وقد أطلعنا عىل بعض بحوثه يف قضايا التفكري‬
‫املنهجي‪ ،‬ولعل أهم ما استفدته منه هو التعامل مع الواقع وكيفية‬
‫احلكم عليه‪ ،‬وقد كان يؤكد عىل بعض املعاين قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫‪ -1‬حاولوا أن تكونوا رفيقني يف أحكامكم‪ ،‬فلدى كثري من‬
‫الناس ظروف صعبة ومهوم مرتاكمة‪ ،‬والتامس العذر هلم جيعلكم‬
‫أكثر إنسانية‪ ،‬وإن حسن الظن يبقيكم يف منطقة األمان‪.‬‬
‫‪ -2‬ال تصدقوا كل ما يقال‪ ،‬وال كل األخبار التي تسمعوهنا‪،‬‬
‫فهناك من يروج ألخبار معينة ويعتم عىل أخبار أخرى‪ ،‬وقد كان‬
‫أستاذنا كثري ًا ما يستشهد بقوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦﱪ‪.‬‬
‫‪ -3‬الشورى مبدأ إسالمي عظيم وإن عليكم أن تستشريوا أكثر‬
‫ال التخصص‬ ‫وأكثر كلام كان األمر الذي تقدمون عليه كبري ًا‪ ،‬مث ً‬
‫اجلامعي‪ ،‬الزواج‪ ،‬مشاركة شخص‪ ،‬تأسيس عمل جديد‪ ،‬اهلجرة خارج‬
‫الوطن‪ ،‬وكان يقول‪ :‬احذروا من االكتفاء بمشورة شخص واحد‪.‬‬
‫‪ -4‬حني يتحدث إليكم شخص‪ ،‬سلوه هل ما تقوله هو حتليل‬
‫من عندك‪ ،‬أي هل هو رأيك الشخيص‪ ،‬أوهو معلومات تنقلها عن‬
‫غريك‪ .‬يقول أستاذنا إذا كانت املعلومات منقولة‪ ،‬فعليكم قبل اختاذ‬
‫أي موقف من التأكد من أن من تنسب إليه املعلومة قد قاهلا فع ً‬
‫ال‪ ،‬ألن‬
‫التحريف يف نقل األخبار الشفوية كبري جد ًا‪.‬‬
‫‪ -5‬يشء آخرعليكم أن تتأملوا فيه وهواحلكم عىل ما تسمعونه هل‬
‫هو من قبيل احلقائق الثابتة واملتفق عليها‪ ،‬أو هو عبارة عن وجهة نظر‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪42‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ردات األفعال التبني أي يشء عظيم ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫لواحد من الناس‪ ،‬والفرق بينهام كبري جد ًا‪ .‬احلقائق تستحق منا التسليم‪،‬‬
‫أما وجهات النظر فإننا نستطيع مناقشتها‪ ،‬وقد نقبلها‪ ،‬وقد نرفضها‪.‬‬
‫‪ -6‬احذروا التعميم عند إصدار األحكام‪ ،‬فإنه من األخطاء‬
‫الشائعة جد ًا‪ .‬ال يوجد هناك قبيلة كل أبنائها من األجواد أو األرشار‪،‬‬
‫كام أنه ليس هناك شعب يتمتع بالصدق أو النشاط أو الذكاء‪ ،‬وكان‬
‫يقول‪ :‬افعلوا كام فعل القرآن الكريم‪ ،‬وأكثروا من كلمة كل‪ ،‬وبعض‪،‬‬
‫وقليل وكثري وأكثر وغالب‪..‬‬
‫‪ -7‬النصيحة األخرية واملهمة ألستاذنا يف هذه األمور هي جتنب‬
‫التحيز واتباع اهلوى والبناء عىل الظن يف إطالق األحكام‪ ،‬وكان كثري ًا‬
‫ما يقول‪ :‬معظم الناس يتبعون أهواءهم ومصاحلهم وال خيشون اهلل‬
‫تعاىل يف ظلمهم لغريهم‪ .‬يقول الشاب‪ :‬حني كنت يف الثانوية كان‬
‫أخي (ربيع) يف املرحلة االبتدائية‪ ،‬وكنت قد عزمت عىل تربيته عىل‬
‫هذه القيم واملعاين‪ ،‬وقد كانت استجابته مذهلة إىل درجة أن أساتذته‬
‫كانوا يعجبون من مناقشاته هلم وإدراكه للحالة االجتامعية‪.‬‬
‫‪ m‬الرؤية الواقعية‪:‬‬
‫الرتبية اجليدة هي التي توجد لدى الطفل نوع ًا من التوازن بني‬
‫املثالية والواقعية‪ ،‬اإلنسان املثايل يرتبط بالقيم التي يؤمن هبا‪ ،‬ويتطلع‬
‫إىل املستقبل مع غض الطرف عن كثري من معطيات الواقع‪.‬اإلنسان‬
‫الواقعي يعرتف بالواقع‪ ،‬ويتكيف معه إىل حد اخلضوع له‪ ،‬مع إمكانية‬
‫التخيل عن بعض املبادئ والقيم التي يؤمن هبا‪.‬‬
‫يف املستقبل سيجد الشباب أنفسهم يف ظروف حرجة حتتاج إىل‬
‫توازنات دقيقة‪ ،‬واألرسة املسلمة املهتمة يف حاجة إىل غرس معاين‬

‫‪43‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫حني تصارع وحوش ًا فعليك محاية‬
‫نفسك من التوحش ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫التوازن واالنفتاح عىل الواقع وأخذ معطياته بعني االعتبارمع التمتع‬


‫بروح املقاومة للمغريات والتمتع بروح احلرص عىل االستقامة‪ ،‬ولو‬
‫كان الثمن باهظ ًا‪ ،‬فالتدين احلق يتطلب من صاحبه أن يضحي ببعض‬
‫مصاحله ابتغاء مرضاة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وهذه بعض املالحظات يف هذا الشأن‪:‬‬
‫‪ -1‬تربية الطفل عىل السلوك الواقعي‪ ،‬ومتليكه الرؤية الواقعية‬
‫من األمور املهمة‪ ،‬وهو يتطلب أن يتحىل األبوان بالواقعية أثناء‬
‫تربيته‪ ،‬من ذلك مث ً‬
‫ال عدم معاملة األبناء بمعيار واحد‪ ،‬فالعدالة‬
‫تتطلب أحيان ًا عدم املساواة‪ .‬هناك طفل ذكي جد ًا‪ ،‬وهلذا فهو يتفوق‬
‫عىل زمالئه بأدنى جمهود يبذله يف الدراسة‪ ،‬وقد يكون له أخ متوسط‬
‫الذكاء أوأقل‪ ،‬فهذا ال ُيعامل كام يعامل الذكي‪ ،‬حيث إنه قد يبذل‬
‫الكثري من اجلهد دون أن يتمكن من التفوق‪ ،‬وهلذا فال بد من مراعاته‬
‫وهذا ما يسميه علامء الرتبية مراعاة الفروق الفردية‪.‬‬
‫مثال آخر عىل الرتبية الواقعية يتجسد يف إطالع الزوجة واألبناء‬
‫عىل ظروف األرسة وإمكاناهتا املادية‪ ،‬هناك آباء غارقون يف الديون‪،‬‬
‫ويديرون جتارة خارسة‪ ،‬وال يعرف زوجاهتم وأبناؤهم أي يشء‬
‫عن ذلك‪ ،‬وبعد مدة يسمعون عن ذلك من األصدقاء واألقرباء‪،‬‬
‫فيشعرون باخليبة واإلحباط والسخط‪ ،‬فأمر كهذا ال جيوزإخفاؤه عن‬
‫األرسة‪ .‬يف حاالت كثرية يقيس األبناء أحواهلم عىل أحوال بعض‬
‫جرياهنم‪ ،‬ويظنون أن والدهم يقرت عليهم يف اإلنفاق‪ ،‬مع أن إمكانات‬
‫والدهم أقل من إمكانات جرياهنم‪ ،‬ويف هذه احلالة فإن من املهم‬
‫رشح ذلك لألرسة‪ ،‬حتى يكون كل يشء واضح ًا‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪44‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الظروف السيئة أكرب حمرض‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬ ‫عىل االنحراف والتدهور ‪.‬‬

‫‪ -2‬يتطلب متليك الرؤية الواقعية للطفل والفتى والشاب أن‬


‫ندربه عىل التعامل مع الواقع بروح إجيابية وعملية‪ ،‬ويف هذا السياق‬
‫وجه أحد اآلباء البنه السؤال التايل‪ :‬إذا خترجت من املعهد الذي‬
‫تدرس فيه بعد ثالثة أشهر‪ ،‬فام خطتك مللء فراغك؟‬
‫قال االبن‪ :‬سأقدم أوراقي ألكرب عدد ممكن من الرشكات‪ ،‬وأنتظر‬
‫موافقة إحداها عىل التعاقد معها‪.‬‬
‫قال األب‪ :‬أنت يا بني ال متلك أي خربة عملية‪ ،‬ومل تتلق أي‬
‫تدريب عىل املعلومات النظرية التي تلقيتها يف املعهد‪ ،‬فكيف ستعثر‬
‫عىل وظيفة؟‬
‫قال االبن‪ :‬لن يمر شهر حتى أعثر عىل الوظيفة املناسبة‪ ،‬فتخصيص‬
‫نادر‪ ،‬وأصحاب األعامل يف حاجة له‪.‬‬
‫قال األب‪ :‬يشء جيد أعط نفسك شهر ًا لالسرتاحة والتمتع‬
‫بوقت الفراغ بعد رحلة دراسية طويلة وشاقة‪ ،‬وإذا مىض الشهر‪ ،‬ومل‬
‫حتصل عىل الوظيفة فكيف ستترصف؟‬
‫قال االبن‪ :‬أنتظر شهر ًا آخر‪ ،‬ويأيت الفرج‪.‬‬
‫قال األب‪ :‬أنا ال أوافقك عىل هذا‪ ،‬وأنت بعد ميض شهر بني خيارين‪:‬‬
‫حتسن من سريتك الذاتية‪ ،‬أو تعمل‬
‫األول‪ :‬أن تلتحق بدورة تدريبية ِّ‬
‫يف أي عمل‪ ،‬ولو كان بعيد ًا عن اختصاصك حتى حتصل عىل العمل‬
‫الذي حتبه‪.‬‬
‫فع ً‬
‫ال بعد مدة قام الشاب بالعمل يف إحدى الرشكات من غري أي‬
‫أجر من أجل اكتساب اخلربة العملية‪ ،‬وبعد مدة حصل عىل وظيفة‬
‫الئقة وحمرتمة‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫نقيض اجلامل ليس القبح‪،‬‬
‫وإنام النفاق ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫‪ -3‬من الواضح أن الطابع (املديني) يتغلب عىل احلياة العامة‬


‫شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬وهكذا تتحول القرى إىل مدن صغرى‪ ،‬واملدن الصغرى‪،‬‬
‫إىل مدن عمالقة‪ ،‬ويتضاءل الذين يشتغلون بالرعي لصالح تأسيس‬
‫املزيد من القرى واملراكز احلرضية‪ ،‬هذا يعني باختصارانتقال األبناء‬
‫من العيش يف بيئة تتسم بالنمطية والتمسك بالعادات والتقاليد إىل‬
‫بيئة تتسم بالتنوع وانشغال الناس فيها بشؤوهنم الشخصية مع‬
‫قدر كبري من االنكفاء عىل الذات‪ .‬يف جلسة أرسية رائعة قالت‬
‫إحدى األمهات املثقفات‪ :‬غد ًا يا أبنائي ستنالون أعىل الشهادات‪،‬‬
‫وستغادرون قريتنا إىل املدينة املجاورة ألن الوظائف التي تستحقوهنا‬
‫ليست متوفرة هنا‪ .‬يف املدينة ستختلف عليكم األمور كثري ًا‪ .‬قالت‬
‫إحدى البنات‪ :‬ما الذي تقصدينه بالضبط؟ قالت األم‪ :‬مث ً‬
‫ال يف‬
‫املدينة ستجدون شباب ًا وشابات قد كشفوا جزء ًا من عوراهتم‪ ،‬كام‬
‫ستجدون من يتكلم ببعض الكالم البذيء‪ ،‬بل ستجدون من يطرح‬
‫أفكار ًا خمالفة لعقيدة اإلسالم ومبادئه السامية‪ .‬يف املدينة يا أوالدي‬
‫يلتقي أناس كثريون هلم خلفيات متباينة جد ًا وال بد من الترصف‬
‫احلكيم جتاه كل ذلك‪ .‬تتابع األم نصائحها ألبنائها بالقول‪ :‬البد‬
‫يا أوالدي من أن يكون اخلطأ واضح ًا يف أذهانكم‪ ،‬فاختالط‬
‫الصواب باخلطأ يشكل أزمة خطرية لدى كل األمم‪ .‬حني يتضح‬
‫اخلطأ ويتضح الرش‪ ،‬فال بد من محاية أنفسكم منه‪ ،‬وذلك بالتقليل‬
‫من خمالطة أهله وأصحابه‪ ،‬لكن يا أبنائي كام أكرردائ ًام أنا وأبوكم‪:‬‬
‫املسلم ال يستسلم للرش‪ ،‬وإنام حياول التقليل منه عىل قدراإلمكان‪،‬‬
‫وذلك من خالل تنبيه الناس إليه‪ ،‬ومن خالل نرش اخلري وتعميمه‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪46‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ما يستخدمك اهلل فيه مؤرش‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬ ‫ملا ادخره لك عنده ‪.‬‬

‫وحض الناس عىل القيام بمثل ذلك‪ .‬يا أبنائي أفضل طريقة يمكن‬
‫اتباعها هنا هي أن تقوموا بتشكيل فرق تطوعية لذلك‪ ،‬متام ًا كام‬
‫فعل ابن خالكم أمحد حني أسس مجعية ملكافحة التدخني والتوعية‬
‫بأرضاره‪..‬‬
‫إذن يمكن أن نقول‪ :‬إن اإلنسان الواقعي هو شخص يعرف‬
‫الواقع عىل نحو جيد‪ ،‬ويعرف كيف حيصن نفسه من رشوره‬
‫وسلبياته‪،‬كمعرفته بفرصه وخياراته‪ ،‬ثم بعد ذلك حياول إصالح‬
‫ذلك الواقع باحلكمة والعمل املتواصل‪.‬‬
‫‪ m‬النقد الب ّناء‪:‬‬
‫لو رجعنا إىل املايض لوجدنا أن الرتبية يف البيوت واملدارس وحتى‬
‫احللقات العلمية كانت متيل إىل التشجيع عىل السامع‪ ،‬وليس النقاش‪،‬‬
‫وإىل اخلضوع والتوافق‪ ،‬وليس إبداء الرأي واملنافحة عنه‪ ،‬وهذا‬
‫يعود يف ظني إىل أن كثريين من السابقني كانوا جيعلون طواعية املرتيب‬
‫وموافقته ملربيه مساوي ًا لتقديره واحرتامه‪ ،‬كام أن طبيعة التعليم القائم‬
‫عىل احلفظ والتلقني‪ ،‬وليس عىل التفكري واالجتهاد حتبذ الصمت‬
‫واالتباع‪( ..‬ابن زمانه) سيجد أن االستمرارعىل ذلك النحو ال يصلح‬
‫لزمان ميلء باآلراء واخليارات واملعطيات التي حتتاج إىل نقد وتقويم‬
‫وتطوير وهتذيب‪ ،‬ومن هنا فإن الرتبية اجلديدة تقوم عىل تشجيع‬
‫األطفال عىل أن ُيعملوا أذهاهنم فيام يرون‪ ،‬ويسمعون‪ ،‬وأن حياولوا‬
‫طرح اجلديد من املبادرات واألفكار واملرشوعات‪.‬‬
‫‪ m‬النقد رضورة‪:‬‬
‫ليس تعويد الطفل النقدَ شيئ ًا ترفيهي ًا‪ ،‬بل هو حاجة أو رضورة‪،‬‬

‫‪47‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫التألق هو انتفاضة احلسن الكامن ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫وذلك ألن بني ما نقوله‪ ،‬ونفعله وبني الكامل والتامم هوة ال يستطيع‬
‫بنو البرش ردمها‪ ،‬ونحن نستطيع من خالل النقد تضييقها إىل ٍ‬
‫حد ما‪،‬‬
‫أضف إىل هذا شيئ ًا مه ًام‪ ،‬هو أن العقل البرشي ال يكتشف أفضل‬
‫اآلراء واألفكار دفعة واحدة‪ ،‬وإنام عىل سبيل التدرج‪ ،‬وهلذا فإن‬
‫ما أقوله أنا وأنت يف قضية من القضايا ليس هنائي ًا‪ ،‬فإذا تم عرضه‬
‫عىل اآلخرين‪ ،‬وأبدوا رأهيم فيه‪ ،‬فإنه يقرتب من النضج من خالل‬
‫التعديالت والتحويرات التي يقرتحوهنا‪ .‬احلقيقة املؤكدة هي أن كثري ًا‬
‫من الترصفات قابل ألن ُيقرأ بعيون خمتلفة فحني يقوم ثري كبري بدعوة‬
‫عدد كبري من الناس إىل طعام الغداء يف منزله أو يف أحد املطاعم‪ ،‬فإن‬
‫بعض الناس سينظر إىل هذا العمل بإعجاب شديد عىل أنه واحد من‬
‫مظاهر الكرام والسخاء‪ ،‬وبعضهم سينظر إليه عىل أنه تبذير وإرساف‬
‫ألن لبعض املوظفني عند ذلك الثري حقوق ًا‪ ،‬يامطل يف أدائها هلم‪،‬‬
‫وهناك من سيقول‪ :‬إن الرجل متهم بالبخل‪ ،‬ويريد من خالل تلك‬
‫الدعوة الفخمة تغيري تلك الصورة الذهنية عنه‪ ،‬ومنهم من سيقول‪:‬‬
‫إن تلك الدعوة ليست دلي ً‬
‫ال عىل الكرم‪ ،‬وهي يشء عادي جد ًا من‬
‫رجل يملك مئات املاليني‪ ..‬هكذا خيتلف الناس يف تفسري ما يرونه‪،‬‬
‫وهم أشد اختالف ًا جتاه األفكار النظرية املجردة‪ ،‬وهذا كله يتطلب من‬
‫رجاالت الغد أن يكونوا مستعدين ملامرسة النقد بطريقة صحيحة‪.‬‬
‫تقول إحدى الفتيات‪ :‬إنني أنتمي إىل أرسة معروف عنها أنه ال‬
‫يعجبها العجب وال الصيام يف رجب‪ ،‬كام يقولون فمعظم جلساتنا‬
‫العائلية عبارة عن جدال ونقاش ونقد واعرتاض عىل قول فالن وعمل‬
‫عالن‪ ،‬وكان هذا يشكل مصدر قلق روحي لنا مجيع ًا‪ ،‬لكننا مل نكن‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪48‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫املجاهدة‪ :‬فن كبت الرغبات ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫قادرين عىل التخفيف من حدته‪ ،‬تقول الفتاة‪ :‬كنت أتردد عىل منزل‬
‫معلمة من معلاميت‪ ،‬وكنت أعدَّ ها مرشدة يل‪ ،‬تنصحني‪ ،‬وأستشريها‬
‫يف أخص خصوصيايت‪ ،‬وذات يوم قالت يل‪ :‬أود أن أفاحتك بأمر من‬
‫مدة‪ ،‬وقد أحجمت عن ذلك حرص ًا عىل مشاعرك‪ .‬قلت هلا‪ :‬أنت‬
‫بمثابة الوالدة‪ ،‬بل إن بعض ما أستشريك فيه ال تعرف والديت عنه‬
‫شيئ ًا‪ ،‬وسأكون سعيدة بكل ما تقولينه‪ .‬قالت مرشديت‪ :‬أنت يا (هند)‬
‫ومـجدَّ ة ومن أرسة مثقفة‪ ،‬لكن لديك مشكلة‪ ،‬هي أنك‬ ‫فتاة ذكية ُ‬
‫متليكن لسان ًا حاد ًا‪ ،‬وحني تبدين وجهة نظرك يف رأي من اآلراء ال‬
‫تفكرين يف مشاعر األشخاص الذين هتامجني آراءهم‪ ،‬ويلمس من‬
‫جيالسك بأن لديك نوع ًا من العجرفة وشيئ ًا من االعتداد املبالغ فيه‬
‫بالذات‪ ...‬وأخذت معلمتي تعدَّ د يل معائب أسلويب يف نقاش آراء‬
‫اآلخرين واالعرتاض عليها‪ ،‬واحلقيقة أنني شعرت بالكثري من الضيق‬
‫من كالمها‪ ،‬لكن ال بد من اإلصغاء إليها حيث ال خيار آخر‪ ،‬وحني‬
‫خرجت من عندها فكرت يف كالمها‪ ،‬واكتشفت عىل نحو رسيع أن‬
‫كل ما قالته معلمتي صحيح‪ ،‬وأن ما أشارت إليه من أساليب النقد‬
‫البناء ليس باليشء املستحيل أو الصعب‪ ،‬فأخي (باسم) يامرس‬
‫النقد مثيل أو أكثر ولكنه يكاد يلتزم عىل نحو مطلق بكل األدبيات‬
‫التي أشارت إليها معلمتي سعاد‪ ،‬وكأنه يطبق شيئ ًا قرأه يف كتاب‬
‫من تأليفها‪ ...‬قد كانت حلظة وضوح شديد بالنسبة إ ّيل‪ ،‬وبعد متعن‬
‫متمهل فيام قالته معلمتي‪ ،‬وبعد استحضار أسلويب وأسلوب أخي‬
‫باسم يف النقد أخذت قل ًام وورقة وكتبت املقارنة التالية لعيل أقتدي‬
‫به‪ ،‬وأختلص من بعض عادايت السيئة‪:‬‬

‫‪49‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫السمو‪ :‬ترفع عن كثري مما يراه‬
‫اآلخرون الئق ًا ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫أخي‪ :‬يتأنق يف أسلوبه حني يريد إبداء رأيه يف فكرة من األفكار‬


‫ال يقول‪ :‬الفكرة التي طرحتَها مهمة ومبتكرة‪ ،‬لكن قد‬‫املطروحة‪ ،‬مث ً‬
‫حتتاج إىل تعديل طفيف‪ ،‬ثم يبدي رأيه‪ ،‬وبعد فراغه من إبداء وجهة‬
‫نظره يقول‪ :‬ستظل فكرتك رائعة حتى لو مل ُتدخل عليها أي تعديل‪.‬‬
‫أنا‪ :‬ال أهتم أبد ًا بأسلويب‪ ،‬وأعتقد أن من الواجب عىل صاحب‬
‫أي رأي أن يصغي ملن ينتقده مهام كان أسلوب نقده خشن ًا‪ ،‬فاملهم هو‬
‫املضمون‪ ،‬وال أنسى يوم قلت إلحدى زمياليت يف اجلامعة‪ :‬الفكرة التي‬
‫تطرحينها خاطئة وبعيدة عن الواقع‪ ،‬وأنا أستغرب كيف يمكن لفتاة‬
‫جامعية أن تقول هذا الكالم مع أن طالبة يف االبتدائي تتحرج من طرحه‪.‬‬
‫طبع ًا كانت النتيجة ابتعاد زميلتي عني ومقاطعتها يل إىل غري رجعة!‬
‫أخي‪ :‬حني ينقد ال ينقد صاحب الفكرة من قريب أو بعيدة‪ ،‬وإنام‬
‫يركز نقده عىل الفكرة فقط‪ ،‬بل إنه يفعل أكثر من ذلك حني يعمل‬
‫عىل فصل الفكرة عن صاحبها‪ ،‬وأذكر يف إحدى املرات أنه كان ينتقد‬
‫فكرة طرحها أحد أصدقائه‪ ،‬فام كان منه إال أن قال‪ :‬أظن يا فالن‬
‫أنك الحظت مثل ما الحظته أنا من عدم منطقية الرأي الذي نناقشه‪،‬‬
‫ولكن مل جتد الوقت الكايف لرشحه وتفصيله‪.‬‬
‫أنا‪ :‬أنتقد الفكرة غالب ًا عىل نحو جمرد‪ ،‬لكن يف أحيان عديدة‪ ،‬يشعر‬
‫الذين أنقد أفكارهم أن يل مشكلة شخصية معهم‪ ،‬وأذكر أن قطيعة‬
‫حدثت مع أختي الكبرية ملا كنت يف املرحلة املتوسطة حني قلت هلا‪:‬‬
‫األسلوب الذي تتحدثني فيه يوحي ملن يسمعك بأنك مثقفة كبرية‬
‫وفائقة الذكاء‪ ،‬مع أنك تعرفني أنك لست من أهل الثقافة وال من أهل‬
‫الذكاء !‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪50‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫يفرق ‪.‬‬
‫التسامح جيمع واالنتقام ِّ‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫أخي‪ :‬خيتار الزمان واملكان املناسبني ملناصحتنا‪ ،‬وحني ينتقد‬


‫ترصف ًا ما حياول تقديم البديل والداللة عىل ما هو أرشد وأصوب‪.‬‬
‫أنا‪ :‬طاملا أعرضت زمياليت وصديقايت عن مالحظايت عليهن‬
‫بسبب أين قلتها وهن مشغوالت بأمور هي يف نظرهن أهم‪ ،‬كام هو‬
‫الشأن يف وقت االستعداد لدخول قاعة االمتحان‪ ،‬وأنا أيض ًا أنتقد‬
‫كثري ًا مما أراه وحني ُأسأل عن البديل يف نظري أقول‪ :‬ال أعرف‪ ،‬املهم‬
‫أن ما تقولونه فيه ليس بصواب‪ ،‬وهو ضعيف لكذا وكذا‪...‬‬
‫اليشء الذي أود أن أختم به هذا املوضوع املهم هوأن من املطلوب‬
‫بشدة أن يكون األبوان واإلخوة الكبار قدوة لباقي أفراد األرسة يف‬
‫مسألة النقد‪ ،‬فغيبة الناس أمام األطفال يشء سيئ من أكثر من وجه‪،‬‬
‫وتسفيه أحد األبوين لصاحبه أمام الصغار جيرؤهم عىل تسفيه آراء‬
‫القريب والبعيد‪ .‬إن لدينا مقولة مهمة يف موضوع النقد‪« :‬ليس املهم‬
‫ما قيل‪ ،‬ولكن كيف قيل»‪ .‬نعم الناس يتقبلون املحتوى الذي خيالف‬
‫آراءهم إذا تم تقديمه بأسلوب رفيق ومهذب وأنيق‪ ،‬ويرفضون‬
‫املحتوى املؤيد ألفكارهم إذا تم تقديمه بأسلوب جارح أو بصيغة‬
‫استهزاء أو بن َفس تكرب واستعالء‪.‬‬
‫امتالك حاسة النقد والتقويم مهم للغاية بالنسبة إىل (ابن زمانه)‪،‬‬
‫لكن ال بد من الوعي بآداب ذلك ورشوطه حتى ال يكون النقد عامل‬
‫هدم وختريب عوض ًا عن أن يكون عامل نمو وبناء‪.‬‬
‫‪ m‬اإلنسان العميل‪:‬‬
‫أمة العرب أمة بالغة وبيان‪ ،‬ويظل للكلمة اجلميلة سموها‬
‫ومقامها الرفيع‪ ،‬لكن من الواضح جد ًا أن تكاليف العيش تتصاعد‬

‫‪51‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫احلضارة ‪ :‬اهتامم بالتفاصيل ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫باستمرار‪ ،‬كام أن من الواضح أن العامل كله يلح عىل اإلنجاز وما‬


‫يسمى بـ (املخرجات) التي نحصل عليها من وراء تنظرينا وحركتنا‪.‬‬
‫رجال املستقبل سيحتاجون إىل الروح العملية والتفكري العميل‬
‫أكثر من حاجتنا اليوم‪ ،‬فالناس يف طريقها إليامن أقوى باملحسوس‬
‫وامللموس‪ ،‬فام املعاين التي عىل األبوين ترسيخها يف عقول األبناء‬
‫ونفوسهم حتى يصبحوا فع ً‬
‫ال أشخاص ًا عمليني‪ ،‬بام تعنيه الكلمة؟‬
‫‪ -1‬العيش يف الواقع ومواجهة مشكالته بحلول عملية‪ ،‬فالواقع‬
‫والوقت احلارضهواليشء الذي نملكه‪ ،‬أما املايض فقد صار خارج‬
‫اليد‪ ،‬واملستقبل غيب‪ ،‬فقد ندركه‪ ،‬وقد ال ندركه‪ .‬كثري من الناس‬
‫صغار ًا وكبار ًا ال يعريون الواقع ما يستحقه من اهتامم وانكباب عليه‪،‬‬
‫فرتاهم يف حالة من العتب عىل ترصفات بدرت منهم يف املايض‪ ،‬أوأهنم‬
‫حيلمون يف أشياء حتدث هلم يف املستقبل‪ .‬يف أرسة من األرس أخوان‪،‬‬
‫أحدمها درس اهلندسة‪ ،‬واآلخر درس اجلغرافيا‪ ،‬وبعد خترجهام‬
‫حصل املهندس منهام عىل وظيفة جيدة‪ ،‬ثم أنشأ مؤسسة خاصة به‪،‬‬
‫وسجل نجاح ًا مرموق ًا يف عمله‪ .‬أما الذي درس اجلغرافيا‪ ،‬فقد مكث‬
‫بعد التخرج يف بيت أهله مخس سنوات حتى وجد وظيفة بمرتب‬
‫متواضع‪ ،‬وهوال يفتأ يقول‪ :‬لو درست اهلندسة أوالطب لكنت مثل‬
‫أخي أو أفضل‪ ،‬وكان كثري ًا ما يعتب عىل أبيه الذي مل يساعده يف‬
‫السفر إىل أحد البلدان األوربية لدراسة التخصص الذي يرغب فيه‪.‬‬
‫األب كان مثقف ًا‪ ،‬وقد خال بابنه هذا‪ ،‬وقال له‪ :‬يا بني ال أسمع منك‬
‫إال (لو ولو) وأنت تعرف أن اسرتجاع املايض مستحيل‪ ،‬أما سمعت‬
‫قول نبيك ‪« :‬استعن باهلل وال تعجز‪ ،‬وإن أصابك يشء‪ ،‬فال تقل‪:‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪52‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫كل مؤقت صغري‪ ،‬لذلك كانت الدنيا صغرية ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫لو أين فعلت كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قدَّ ر اهلل وما شاء فعل‪ ،‬فإن (لو)‬
‫تفتح عمل الشيطان»‪ .‬نحن يا بني نأخذ العربة من املايض‪ ،‬ثم نطوي‬
‫صفحته‪ ،‬وقد هنى النبي عن اإلكثار من (لو) ألن فيها انشغا ً‬
‫ال باملايض‬
‫عن احلارض‪ ،‬كام أن فيها نوع ًا من االعرتاض عىل القدر‪ .‬قال االبن‪:‬‬
‫اآلن كيف يمكنني االستدراك عىل املايض؟ قال األب‪ :‬تستطيع اآلن‬
‫أن تنال (املاجستري) يف ختصص حتبه عن طريق الدراسة عىل النت‪،‬‬
‫وستجد أنه ستفتح أمامك فرص جديدة‪ ،‬وتستطيع خالل سنوات‬
‫قليلة تعلم لغة جديدة‪ ،‬وتصبح مدرس ًا هلا‪ ،‬أو مرتمج ًا منها وإليها‪،‬‬
‫وتستطيع وتستطيع‪ ..‬املهم أن تكف عن التأسف عىل ما فات‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلنسان العميل إنسان منطقي‪ ،‬فهو ال يطلب من نفسه وال من‬
‫غريه ما ال يطيقه‪ ،‬ألن ذلك سيؤدي إىل القعود والكف عن املحاولة‬
‫والشعور بالعجز‪ .‬عىل األبوين أن يكونا منطقيني من خالل تقدير‬
‫الفروق الفردية بني أبنائهام‪ ،‬مما يرتتب عليه أال يطلبا من األبناء أدا ًء‬
‫واحد ًا‪ ،‬أوإتقان يشء واحد بدرجة واحدة‪ .‬أحد الطالب يف املرحلة‬
‫الثانوية كان ذكاؤه قريب ًا من املتوسط‪ ،‬وكان عبث ًا حياول احلصول عىل‬
‫درجات متكنه من دخول كلية الطب‪ ،‬وقد الحظ والده أنه صار‬
‫منهمك ًا يف الدراسة إىل حد التفريط يف أداء الصالة‪ ،‬وإىل حد رفض‬
‫مساعدة والدته يف بعض شؤون املنزل‪ ،‬ومع هذا فالدرجات التي كان‬
‫حيصل عليها يف االختبارات املدرسية كانت قليلة‪ .‬هنا حاول األب‬
‫إقناع ولده بأن يدرس بعد الثانوية يف معهد مهني‪ ،‬ونجح يف املحاولة‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلنسان العميل يفكر يف نتائج عمله‪ ،‬ويفكر يف اخلطوة التالية‪،‬‬
‫وذلك ألن عدم التفكري يف اخلطوة التالية يعني إمكانية الدخول يف‬

‫‪53‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫الطفل مرشوع حتت اإلنجاز ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫ارتباك طويل عريض‪ ،‬وقد حدث أللوف الفتيان ويف كل مكان من‬
‫األرض أن تركوا املدرسة بسبب إغراء بعض األقرباء واألصدقاء‪:‬‬
‫ما املال الذي ستحصل عليه لو أمتمت دراسة الثانوية بل لو أمتمت‬
‫دراسة‪ ،‬اجلامعة؟ تعال واشتغل معنا‪ ،‬وسيكون لك دخل أكرب بكثري‬
‫من أي دخل ستحصل عليه بعد سنوات من الرتدد عىل املدرسة‬
‫للحصول عىل معلومات عقيمة‪ ...‬يرتك الشاب املدرسة‪ ،‬ويذهب‬
‫إىل مهنة‪ ،‬ثم يكتشف أن املهنة شاقة‪ ،‬أو يكتشف أن بيئة تلك املهنة‬
‫منحطة‪ ،‬أو يكتشف أن األجر الذي حدثوه عنه غري متوافر‪ ..‬مهمة‬
‫األبوين تكمن يف حتذير األبناء من االنزالق يف طرق غري آمنة‪،‬‬
‫وغري واضحة‪ ،‬وهلام االستعانة بتجارب أبناء اجلريان واألصدقاء‬
‫واألقرباء‪.‬‬
‫‪ -4‬هناك فارق مهم بني اإلنسان العميل واإلنسان غري العميل‪،‬‬
‫وهذا الفارق يتجسد يف أن اإلنسان العميل يعامل الناس عىل ما‬
‫هم عليه‪ ،‬كام أنه يلتزم باألخالق والتقاليد والرشوط املوجودة يف‬
‫املجال الذي يعمل فيه‪ .‬اإلنسان غري العميل يكثر من الشكوى من‬
‫كل يشء‪ ،‬ويريد لكل األشياء أن تساير مزاجه وهواه‪ .‬إحدى البنات‬
‫كانت تدرس يف اجلامعة‪ ،‬وكانت ال تكف عن انتقاد كل ما يف اجلامعة‬
‫من النظم إىل أساليب التدريس إىل املباين والتجهيزات‪ ،...‬فقالت‬
‫هلا إحدى زميالهتا‪ :‬إذا كانت اجلامعة سيئة إىل هذا احلد‪ ،‬فام الذي‬
‫يبقيك فيها؟! قالت‪ :‬ال أجد أفضل منها‪ .‬قالت هلا زميلتها‪ :‬إذن كوين‬
‫عملية‪ ،‬وتكيفي مع الواقع وحاويل االستفادة من املوجود هنا إىل احلد‬
‫األقىص‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪54‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الرتبية عروج بالطفل إىل مرتبة إنسان ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫‪ -5‬النظر إىل املخرجات والنتائج من دأب الناس العمليني‪ ،‬أما‬


‫األشخاص غريالعمليني‪ ،‬فدأهبم النظرإىل الوسائل واألساليب‬
‫والنظم‪ .‬حني نسمع عن جراح عظيم‪ ،‬فإن مقياس عظمته يكمن يف‬
‫نسبة نجاح العمليات التي جيرهيا‪ ،‬ومدى اقرتاهبا من املقياس العاملي‪،‬‬
‫وحني نسمع عن جامعة‪ ،‬فليس املهم التجهيزات وال حجم امليزانية‬
‫املقررة هلا‪ ،‬وإنام املهم هو مستويات الطالب املتخرجني فيها وسمعة‬
‫اجلامعة وخرجييها يف سوق العمل‪ ،‬وما سوى ذلك قشور وهوامش‪.‬‬
‫أحد طالب الثانوي كان حيدث أباه باستمرارعن فائدة الدراسة مع‬
‫الزمالء وعن املساعدة التي يتلقاها منهم‪ ،‬وعن‪ ..‬قال له األب‪ :‬قد‬
‫يكون ما تذكره صحيح ًا‪ ،‬وقد يكون غري صحيح‪ ،‬املهم لدي هو‬
‫الدرجات التي ستحصل عليها يف االختبار‪ ،‬وقد وقع املحذور فع ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ورسب الفتى يف أكثرمن نصف املواد!‬
‫أمتنا التي عانت من التخلف طوي ً‬
‫ال‪ ،‬يف حاجة ماسة إىل أن هتتم‬
‫باملخرجات اهتامم ًا شديد ًا‪ ،‬ألهنا هي املؤرش العميل عىل نجاح أعاملنا‬
‫وجهودنا‪.‬‬
‫‪ -6‬النظرة اإلجيابية‪ :‬رؤية الواقع بإجيابية هي من سامت اإلنسان‬
‫العميل‪ ،‬حيث إن من احلقائق الثابتة أنه ما من مشكلة إال وهلا ٌ‬
‫حل‬
‫ما‪ ،‬قد يكون ذلك احلل ممتاز ًا وقد يكون ُمرضي ًا‪ ،‬وقد يكون نصف‬
‫ُمرض‪ ،‬وقد قال رسول اهلل ‪« :‬ما أنزل اهلل داء إال أنزل له شفاء»‬
‫[أخرجه البخاري] نعم ال تضيع فرصة حتى تتاح فرصة أخرى‪،‬‬
‫ولكننا يف العادة ننشغل بالفرصة التي ضاعت عن الفرصة التي‬
‫جاءت‪ .‬اإلنسان العميل حني يواجه مشكلة ال يستسلم هلا‪ ،‬بل‬

‫‪55‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬ ‫ال اتفاق يف الفرعيات ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫يدور حوهلا إىل أن جيد مدخ ً‬


‫ال حللها والتعامل معها‪ ،‬وقد يفتتها‬
‫إىل أجزاء صغرية‪ ،‬ثم يعالج كل جزء عىل حدة‪ ،‬وهو قبل كل هذا‬
‫حياول توصيف املشكلة توصيف ًا دقيق ًا ألن كل مشكلة َّ‬
‫توصف عىل‬
‫نحو جيد هي مشكلة حملولة جزئي ًا‪ .‬إحدى الفتيات انفجرت بالبكاء‬
‫أمام والدهتا‪ ،‬وحني هدأ روعها سألتها أمها عن سبب بكائها قالت‪:‬‬
‫اجتمعت لدى كل مشكالت األرض‪ ،‬فأنا أحفظ بصعوبة‪ ،‬وال‬
‫أستطيع اجللوس عىل الكريس فرتة طويلة بسبب األمل الذي أشعر به‬
‫يف ظهري‪ ،‬كام أن اثنتني من معلاميت ليس هلام من عمل سوى توبيخي‪،‬‬
‫واحلديث عني عىل أنني مثال للضعف والفشل‪ .‬قالت هلا والدهتا‬
‫وماذا بعد؟ قالت زمياليت ال يرغبن يف الوقوف معي والتحدث إيل‪،‬‬
‫بل كثري ًا ما أشعر أهنن يتهامسن بكالم غري جيد عني‪..‬‬
‫هنا قالت األم اخلبرية واملجربة‪ :‬تعايل نستعرض مشكالتك‬
‫واحدة واحدة‪ ،‬ونحاول العثور هلا عىل ما يوفقنا اهلل تعاىل إليه من‬
‫حلول‪ ،‬وأخذت الوالدة يف ذلك‪ ،‬ووضعت خطة عملية من أجل‬
‫خالص البنت مما تعاين منه‪.‬‬
‫وحتسن الكثري من‬
‫َّ‬ ‫بعد أربعة أشهر صارت البنت شخص ًا آخر‪،‬‬
‫أحواهلا‪ ،‬وصارت تشعر بأهنا طبيعية‪ ،‬بل تشعرأهنا أفضل من العديد‬
‫من زميالهتا!‬
‫‪ -7‬جيب‪ ،‬وينبغي‪ ،‬وال بد‪ ،‬ومن املهم‪ ...‬عبارات عديدة تعود‬
‫كثري من الناس التلفظ هبا يومي ًا عرشات املرات‪ ،‬واحلقيقة أننا حتى‬
‫نكون عمليني بشكل جيد‪ ،‬فإن علينا أن نفكر دائ ًام يف األساليب‬
‫والوسائل والظروف املطلوبة للوصول إىل ما نعتقد بأمهية الوصول‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪56‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫النجاح يف املنزل أو ً‬
‫ال‬ ‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة‬
‫إضاءة‬

‫إليه‪ .‬كان من عادة أحد اآلباء‪ ،‬حني جيلس مع أبنائه أن يستمع لكل ما‬
‫يقولونه باهتامم بالغ‪ ،‬وحني يطرح أحدهم فكرة لعمل أو مرشوع‪ ،‬أو‬
‫كان يتحدث عن تغيري وضعية من الوضعيات‪ ،‬فإن األب كان يثني‬
‫عىل الفكرة‪ ،‬لكن كان ال يمل من القول‪ :‬وكيف يمكن تنفيذ ذلك؟‬
‫ثم يتبع السؤال بسؤال آخر عن املال والوقت واإلمكانات البرشية‬
‫املطلوبة لتنفيذ الفكرة وكيفية توفريها‪ ..‬وكانت النتيجة يف الغالب‬
‫رتح أن ما يطرحه ليس عملي ًا‪ ،‬ويف‬
‫اكتشاف صاحب الفكرة أواملق َ‬
‫أحيان قليلة كانت األرسة تبني الفكرة وتتكاتف عىل تنفيذها بعد‬
‫اإلجابة اإلجيابية عىل تساؤالت األب‪.‬‬
‫التنظري والتخطيط وطرح األفكار اجلديدة أمور مهمة للغاية‪ ،‬ولكن‬
‫علينا دائ ًام أن نتساءل‪ :‬ما قيمة أفكار ومرشوعات ال تتوافراإلمكانات‬
‫لتحقيقها؟‬

‫‪57‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪5‬‬
‫سمات أخالقية وسلوكية‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪58‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‪:‬‬

‫ال نبالغ حني نقول‪ :‬إن األزمة األساسية التي يعاين منها العامل‬
‫احلس اإلنساين‪ ،‬ويكثر‬
‫ّ‬ ‫اليوم هي أزمة أخالقية حيث يرتاجع‬
‫الزيف‪ ،‬والتناقض بني ما يفعله الناس يف خلواهتم‪ ،‬وما يفعلونه أمام‬
‫اآلخرين‪ .‬هذه األزمة مرشحة للتصاعد بسبب زيادة درجة التحرض‪،‬‬
‫مع أن من املفرتض أن يصحب زيادة الوعي لدى الناس زيادة يف‬
‫االلتزام األخالقي‪ ،‬لكن يبدو أن من شأن املزيد من الرفاهية فتح‬
‫شهية الناس عىل املزيد من تلبية الرغبات والعمل عىل حتقيق املزيد‬
‫من املصالح الشخصية‪ ،‬وهذان األمران كثري ًا ما يكون التجاوب‬
‫معهام عىل حساب حسن اخللق واستقامة السلوك!‬
‫يمكن لنا أن نقول‪ :‬إن الرتبية األخالقية تقوم عىل ركيزتني أساسيتني‪:‬‬
‫األوىل هي‪ :‬الركيزة العاطفية حيث يتم الرتكيز عىل هتذيب اجلانب‬
‫الروحي والنفيس‪ ،‬وذلك عند بناء قيم مثل التسامح واالحرتام‬
‫واملحبة والثقة بالنفس‪...‬‬
‫الركيزة الثانية هي‪ :‬الركيزة الفكرية إذ يتم اعتامد املنطق واملحاكمة‬
‫العقلية عند ترسيخ بعض القيم من مثل قيم‪ :‬التعاون والتفاوض‬
‫‪59‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫القراءة طريق املجد ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫واحلفاظ عىل البيئة والتواصل مع الناس‪ ،‬ومراعاة مشاعرهم ومراعاة‬


‫الذوق العام‪ ...‬لكن علينا أن نقول‪ :‬إن خماطبة العقل من أجل األخالق‬
‫ال تعني تكديس املعارف والنصائح يف عقل الطفل‪ ،‬فهذا أسلوب‬
‫يرض أكثر مما ينفع‪ ،‬والسيام إذا أخذ شكل الوعظ الكثيف واملتتابع‪ .‬إن‬
‫من الواضح أن معظم األطفال وال يبتعد عن هذا الكبار يظنون أنك‬
‫تتهمهم بالكذب حني حتدثهم عن فضيلة الصدق‪ ،‬وتتهمهم بالكسل‬
‫حني حتدثهم عن النشاط واحليوية‪ ...‬وهذا يعني أن نحرص عىل أن‬
‫نكون عفويني يف هذا األمر مع أي تواصل خاصة مع الصغار‪.‬‬
‫توصيات عامة‪:‬‬
‫مع أن لكل سمة من السامت األخالقية آلية معينة لرتسيخها يف‬
‫عقول األطفال ونفوسهم‪ ،‬إال أن هناك قواسم مشرتكة وخطوط ًا‬
‫عريضة علينا االلتزام هبا يف الشأن الرتبوي عامة‪ ،‬ويف الرتبية‬
‫األخالقية خاصة‪ ،‬ومن تلك اخلطوط ‪:‬‬
‫‪ -1‬فهم موقف الطفل من األسلوب الرتبوي الذي نتبعه معه‬
‫إىل جانب فهم رغباته وتطلعاته‪ ،‬وطريقة تفكريه‪ ،‬إن الوعي هبذه‬
‫األموريساعدنا عىل تلمس الكيفية األمثل للتواصل معه وتربيته‪.‬‬
‫إحدى األمهات كانت كثري ًا ما تقول لكل واحد من أوالدها‪ :‬هل أنا‬
‫قاسية يف تعاميل معكم؟‬
‫كان الصمت يف الغالب هو جواب البنات‪ ،‬أما الذكور‪ ،‬فبعضهم‬
‫يقول‪ :‬نعم‪ ،‬وبعضهم جيامل‪ .‬األم فهمت معنى الصمت من البنات‪،‬‬
‫ومعنى الكالم من الذكور‪ ،‬وصارت تضغط عىل نفسها لتكون‬
‫أكثرلطف ًا وصرب ًا يف تعاملها مع أوالدها‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪60‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫التشجيع حاجة لكل إنسان ‪.‬‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬

‫‪ -2‬من األمور املطلوبة يف الرتبية األخالقية فهم موقف الطفل‬


‫مما جيري داخل األرسة وخارجها من ترصفات وأحداث حتى يتم‬
‫التعامل معه يف إطار ذلك املوقف أو حتى يتم تعديله إذا كان خاطئ ًا‪.‬‬
‫أحد اآلباء أدمن االقرتاض من البنوك من أجل جتديد سيارته وأثاث‬
‫بيته كل سنتني أوثالث سنوات‪ ،‬وهذا جعله يشعر دائ ًام بأنه مضغوط‬
‫حيث ال يتبقى له من مرتبه بعد سداد األقساط الشهرية إال القليل‬
‫من املال‪ ،‬مما جيعله يامطل يف تلبية بعض طلبات األطفال‪ ،‬بل وصل‬
‫به األمر إىل العجز عن تأمني بعض احلاجات األساسية لألرسة‪ .‬األم‬
‫كانت أكرب املنزعجني من سلوك األب‪ ،‬فام كان منها إال أن مجعت‬
‫كل أفراد العائلة‪ ،‬وفتحت النقاش يف املوضوع‪ .‬نارص أكرب الذكور‪،‬‬
‫قال‪ :‬احلقيقة أنني كنت معرتض ًا عىل جتديد أثاث البيت كل سنتني ملا‬
‫يف ذلك من اإلرساف‪ ،‬وألننا ال نستطيع بسبب ذلك احلصول عىل‬
‫الكثري من األشياء التي حيصل عليها أبناء عمي بسهولة‪ .‬هنا انتفض‬
‫األب‪ ،‬وقال‪ :‬ما هي؟ قال نارص‪ :‬طلبت دخول دورة تقوية يف اللغة‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬فقلت‪ :‬ليس لدينا مال‪ ،‬أختى فالنة طلبت‪...‬‬
‫هنا سكت األب‪ ،‬وقام كل واحد إىل غرفته‪ ،‬واجلميع يشعر بالتوتر‪.‬‬
‫بعد ثالثة أيام أخربت األم أبناءها أن أباهم أخربها بأنه لن يقرتض أي‬
‫مال يف املستقبل إال ملرشوع استثامري تتم دراسته مع األرسة بعناية‪،‬‬
‫وبذلك تم حل مشكلة صامتة كان اجلميع يعاين منها‪.‬‬
‫‪ -3‬يتطلب بناء البيئة الرتبوية اجليدة وجود درجة جيدة من انفتاح‬
‫أفراد األرسة عىل بعضهم‪ ،‬وذلك من أجل تسليط الضوء عىل األمور‬
‫اإلجيابية‪ ،‬وبالتايل يتم تعزيزها وترسيخها‪ ،‬ومن أجل تسليط الضوء‬

‫‪61‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫االنحطاط حتويل الغايات‬
‫إىل وسائل ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫عىل األمور السلبية‪ ،‬فيجري العمل عىل تقليصها والتخلص منها‪،‬‬


‫إحدى األرس كانت تتمتع بالبساطة الشديدة يف عالقاهتا الداخلية مع‬
‫وافر احلب واملودة‪ ،‬وكان أصغر األبناء ماهر ًا للغاية يف التقليد‪ ،‬يقلد‬
‫األصوات وأساليب الكالم وطرق اخلطاب‪ ،‬وكان أبوه يطلب منه‬
‫بني الفينة والفينة أن يقلد كل أفراد األرسة واحد ًا واحد ًا وبحضور‬
‫اجلميع‪ ،‬والعجيب يف احلقيقة مل يكن ما يملكه من براعة يف التقليد‪،‬‬
‫ولكن يف فهم ما وراء الكلامت والترصفات من دوافع وغايات‪ ،‬وذات‬
‫يوم قالت له أخته الكربى‪ :‬أريد منك أن تقلدين بكل رصاحة‪ .‬قال هلا‪:‬‬
‫برشط أال تغضبي مني‪ .‬قالت‪ :‬لك ذلك‪ ،‬وأخذ الطفل يف تقليدها‪:‬‬
‫األم توقظها ملساعدهتا يف جتهيز الفطور يوم اجلمعة‪ ،‬فتتظاهر أهنا غارقة‬
‫يف النوم مع أهنا مستيقظة من مدة! أختها هناء تطلب منها املساعدة‬
‫يف رشح درس من الدروس الصعبة يف الكيمياء‪ ،‬فتقول‪ :‬لدي غد ًا‬
‫اختبار‪ ،‬ثم تقول دون أن يسمعها أحد‪( :‬نفدت)‪ ..‬قد تبني أن الصغري‬
‫مدرك لكل يشء وعىل وجه مدهش جد ًا‪ .‬األخت الكربى ضحكت‬
‫مع باقي أفراد األرسة‪ ،‬لكن بعد ساعة دخلت عليها أمها‪ ،‬ووجدت‬
‫أهنا تبكي بكاء شديد ًا‪ ،‬وقبل أن تسأهلا أمها عن السبب قالت‪ :‬ما قاله‬
‫أخي صحيح‪ ،‬وأعاهدك عىل سلوك خمتلف متام ًا عن السابق‪...‬‬
‫‪ -4‬نحن نريد من وراء الرتبية األخالقية تكوين شخصية‬
‫فذة تتمتع باحلس األخالقي والسلوك املستقيم‪ ،‬وهذا فيام أعتقد‬
‫واضح لدينا مجيع ًا‪ .‬السؤال الذي يطرح نفسه هو‪ :‬كيف يتم ذلك؟‬
‫اجلواب هو‪ :‬أنه صار من املس َّلم به يف األدبيات الرتبوية أن احلاسة‬
‫األخالقية ال تنمو يف أجواء القهر والكبت واملالحقة والتعنيف‪،‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪62‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الدين ينفع أصحابه يف‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫األوقات الصعبة‬

‫وإنام يف أجواء احلرية‪ ،‬حيث يتاح للصغري أن يترصف يف حدود‬


‫معينة بحسب قناعاته ورغباته‪ ،‬أي يكون لديه أكثر من خيار يف‬
‫َّ‬
‫معظم األمور‪ ،‬وهو يقوم برتجيح خيار عىل خيارآخر‪ .‬هذا ال يعني‬
‫أن نلقي احلبل عىل الغارب‪ ،‬كام ال يعني عدم املراقبة واملتابعة‪ ،‬لكنه‬
‫يعني أال نلح يف األمر والنهي‪ ،‬فيصبح سلوك الطفل شغلنا الشاغل‪.‬‬
‫لدينا أبوان ملتزمان‪ ،‬ومها حريصان كل احلرص عىل التزام أبنائهام‬
‫بالصالة منذ سن السابعة‪ ،‬أحد هذين األبوين كان قبل الصالة بربع‬
‫ساعة يقول البنه الذي أكمل السابعة‪ :‬جهز نفسك لصالة العشاء‪،‬‬
‫والطفل مستغرق يف رؤية فلم من أفالم الكرتون‪ ،‬فيقوم عىل خوف‬
‫واستحياء من أبيه‪ ،‬ويذهب مع أبيه للمسجد القريب من املنزل‪،‬‬
‫وما يكاد ينتهي اإلمام من التسليمة الثانية حتى يرسع إىل املنزل‪،‬‬
‫ليسأل أخته األكرب منه عام فاته من الفيلم‪ ،‬وحني صار الطفل يف‬
‫الثانية عرشة صار يصيل بعيد ًا عن أبيه يف صالة الفجر وينتظر حتى‬
‫يبدأ اإلمام‪ ،‬وخيرج من املسجد إىل الفراش‪ ،‬ليضطر إىل الكذب‬
‫بعد ذلك واالدعاء بأنه صىل مع اإلمام‪ .‬الرجل كثري األسفار‪ ،‬ويف‬
‫غيابه ال يصيل ولده ال يف املسجد وال يف البيت‪ ،‬وأمه كانت متضايقة‬
‫من أسلوبه يف التعامل مع ابنه‪ ،‬وهلذا فلم تكن تأمره بالصالة‪ ،‬بل‬
‫كانت تساعده عىل الكذب‪ .‬كرب الطفل وصار شاب ًا‪ ،‬ولديه عقدة من‬
‫الصالة ومن املسجد‪ ،‬وصار لديه أرسة‪ ،‬وهو يصيل وقت ًا‪ ،‬ويفوته‬
‫وقتان!‪.‬‬
‫األب الثاين مل يكن كذلك‪ ،‬فقد كان مدرس ًا يف املرحلة االبتدائية‬
‫وكان حمبوب ًا من طالبه‪ ،‬فكيف كان أسلوبه يف دعوة ابنه للصالة؟‬

‫‪63‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫اإلرادة الصلبة هي أقوى‬
‫األسلحة الشخصية ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫قبل بلوغ ابنه السابعة بثالثة أيام قال لزوجته‪ :‬ولدنا سامر سيبلغ‬
‫السابعة بعد ثالثة أيام‪ ،‬ونريد أن نجعل هذا اليوم مميز ًا لنخربه بأنه‬
‫حان وقت ابتدائه بالصالة‪ ،‬وسرُ َّ ت األم من الفكرة‪ ،‬واتفقا عىل‬
‫هدية يقدماهنا له‪ ،‬وقالت األم‪ :‬أنا سأمهد له من اليوم‪ ،‬ويف مساء‬
‫بلوغه السابعة قدما له اهلدية مع سيل من القبالت احلارة والتعبري‬
‫عن حبهام له‪ ،‬وحني سأله أبوه ما اليشء الذي سيتغري يف حياتك بعد‬
‫هذا اليوم؟ قال‪ :‬الصالة يا أيب سأحافظ عىل الصالة‪ ،‬فقبله األب‪،‬‬
‫وتأكدت األم من معرفته بكيفية التطهر والوضوء ومن مدى معرفته‬
‫بكيفية الصالة‪ ،‬وما يقوله الطفل يف كل وضعية من وضعياهتا‪ .‬األب‬
‫واألم مل يلحا عىل الطفل‪ ،‬وإنام كانا يذكرانه بالصالة كل مدة‪ ،‬عم ً‬
‫ال‬
‫بقول اهلل جل شأنه‪ :‬ﱫ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﱪ‪ .‬اتفق‬
‫األب مع إمام املسجد عىل تقديم هدية له كل مدة من مال تركه معه‬
‫األب‪ ،‬فأحب الطفل املسجد واإلمام‪ ،‬وصار له أصدقاء يف املسجد‬
‫يزورونه ويزورهم‪ ،‬وخيرج معهم يف بعض الرحالت‪ ،‬وحني بلغ‬
‫السابعة عرشة صار هو الذي يتابع إخوته الصغار عىل الصالة‬
‫وبنفس أسلوب أبيه!‬
‫‪ -5‬حتتاج األرسة املهتمة برتبية أبنائها تربي ًة أخالقية رشيدة‪ ،‬إىل‬
‫أن يكون موقفها األخالقي واضح ًا جتاه ما جيري يف احلياة االجتامعية‬
‫العامة‪ ،‬ألن الوضوح يف هذه األمور يولد نوع ًا من املناعة األخالقية‬
‫لدى الصغار‪ ،‬كام أنه يصبح مصدراعتزاز هلم‪ .‬أحد األبناء سأل أمه‪:‬‬
‫أمي ملاذا نرى فالن ًا وفالن ًا من زمالء أيب يف العمل قد اشرتوا منازل يف‬
‫مصايف بالدنا وأيب مل يشرتمنز ً‬
‫ال مثلهم؟!‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪64‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫كل يشء إذا زاد عىل حده‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫انقلب إىل ضده ‪.‬‬

‫قالت األم‪ :‬نحن يا بني لسنا فقراء بحمد اهلل‪ ،‬ونحن نستأجر منز ً‬
‫ال‬
‫لالصطياف كل سنة‪ ،‬ونستمتع مع بعضنا‪ .‬قال االبن‪ :‬مل جتيبيني عىل‬
‫سؤايل؟‬
‫قالت األم‪ :‬يا بني ال أريد أن أملز أحد ًا أو ِّ‬
‫أعرض به‪ ،‬لكن أود أن‬
‫أقول لك‪ :‬إن والدك ال يرسق من عمله وال يرتيش‪ ،‬وما نوفره من‬
‫مرتبه قليل‪ ،‬وال يساعد عىل رشاء منزل‪.‬‬
‫قال االبن‪ :‬احلمد هلل أب كريم أفخر باالنتساب إليه‪.‬‬
‫يف أرسة أخرى حدث أن قام أحد األبناء املراهقني بكرس مصباح‬
‫الشارع عمد ًا بسبب طيشه‪ ،‬وقد جاءت الرشطة إىل املنزل تسأل‬
‫عنه‪ ،‬فقال ألمه‪ :‬قويل هلم‪ :‬إين غري موجود‪ .‬قالت األم‪ :‬ال يمكن أن‬
‫أكذب من أجل الدفاع عن ولد ارتكب خطأ شنيع ًا‪ ،‬وقالت للرشطة‬
‫هو موجود‪ ،‬وسيخرج إليكم اآلن‪ ،‬وهو الذي كرس املصباح‪ ،‬ونحن‬
‫مستعدون لدفع الغرامة املرتتبة عىل ذلك‪ .‬هذا الوضوح والثبات عىل‬
‫احلق رضوري يف تربية فتيان سيعيشون يف زمان‪ ،‬قد يكون خفوت‬
‫الصوت األخالقي فيه هو أبرز ما متكن مالحظته‪.‬‬
‫أهم السامت األخالقية املطلوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬الصدق‪:‬‬
‫هو الفضيلة العظمى يف كل األزمنة‪ ،‬وهو مفتاح للكثري من أبواب‬
‫اخلري عىل ما نلمسه من قوله ‪« :‬عليكم بالصدق فإن الصدق هيدي‬
‫إىل الرب‪ ،‬وإن الرب هيدي إىل اجلنة‪ ،‬وما يزال الرجل يصدق‪ ،‬ويتحرى‬
‫الصدق حتى يكتب عند اهلل صديق ًا‪ ،‬وإياكم والكذب فإن الكذب‬
‫هيدي إىل الفجور‪ ،‬وإن الفجور هيدي إىل النار‪ ،‬وما يزال الرجل‬

‫‪65‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫السطحية تعامل مع األشياء‬
‫املعقدة بأفكار بسيطة ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫يكذب‪ ،‬ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اهلل كذاب ًا» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫أنواع الغش والتزوير وإخفاء احلقيقة تتطور برسعة مذهلة‪،‬‬
‫و(ابن زمانه) سيواجه أنواع ًا من الكذب بسبب التطور التقني ال‬
‫نتخيلها نحن اآلن‪ ،‬وهلذا فإن بناء سمة الصدق لدى أطفال اليوم‬
‫جيب أن يكون متين ًا وعميق ًا للغاية‪ .‬يف املستقبل سيكون لألفراد‬
‫واهليئات والرشكات وكل من يلتزم بالصدق والشفافية مكانة كبرية‪،‬‬
‫وستجلب هلم تلك املكانة‪ ،‬الكثري من اخلري والنفع‪ ،‬ونحن نعرف يف‬
‫عامل التجارة أنه حتى تربح أرباح ًا منتظمة‪ ،‬فإنه ينبغي أن يكون لديك‬
‫زبائن دائمون‪ ،‬ولن يكون لديك زبائن دائمون إال إذا كنت صادق ًا‬
‫معهم‪ ،‬وناصح ًا هلم‪.‬‬
‫ملاذا يكذب الطفل ؟‬
‫علينا أن نقول ابتداء‪ :‬إن الطفل حني يولد ال تكون لديه مناعة‬
‫أو حصانة من الكذب‪ ،‬بل يمكن القول‪ :‬إنه يتعلم الصدق واألمانة‬
‫بالتدرج من أرسته واملجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وقد تبني أن كذب‬
‫األطفال أنواع عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ m‬الكذب اخلياىل أوكذب االلتباس حيث إن الطفل ابن الثالثة‬
‫ختتلط لديه احلقيقة باخليال‪ ،‬فهو ال يفرق بني اليشء الذي حيلم به‬
‫أو يتخيله وبني اليشء املاثل يف الواقع‪ ،‬وال خطورة يف هذا النوع من‬
‫الكذب ألنه يزول يف سن السادسة أوالسابعة‪.‬‬
‫‪ m‬الكذب بغرض االستحواذ واحلصول عىل املزيد من املنفعة‪،‬‬
‫كام يفعل الطفل حني ُيسأل‪ :‬هل أخذت نصيبك من احللوى‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ال‪ ،‬ويكون فع ً‬
‫ال قد أخذ نصيبه‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪66‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫العواطف هي مكمن‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫الذات اإلنسانية ‪.‬‬

‫‪ m‬الكذب االدعائي والذين يكون بسبب شعور الطفل بالنقص‪،‬‬


‫فيعوض عنه بادعاء يشء يملكه أو مهارة خيتص هبا‪ ،‬كام لو ادعى‬
‫الطفل أنه أكثر طفل حيبه املدرسون يف الفصل‪.‬‬
‫الكذب لالنتقام والكراهية كام لو حدث أن انكرس يشء‬ ‫‪m‬‬

‫نفيس يف املنزل‪ ،‬فيتهم الطفل أحد إخوانه أوأقربائه بأنه فعل ذلك‬
‫مع أن الطفل ال يعرف فع ً‬
‫ال من قام بالكرس‪.‬‬
‫‪ m‬الكذب بسبب اخلوف من العقاب‪ ،‬وهذا يكون كثري ًا يف العادة‬
‫لدى األطفال الذين يعيشون يف أرسة تسود فيها القسوة والعقاب‬
‫الصارم‪.‬‬
‫الكذب بسبب تقليد الكبار‪ ،‬ألن الطفل يعتقد أن الكبار‬ ‫‪m‬‬

‫دائ ًام عىل صواب‪ ،‬ومن ثم فإنه يقلدهم يف كذهبم دون أن يعرف أنه‬
‫يرتكب أي خطأ‪.‬‬
‫كيف نرسخ فضيلة الصدق لدى الطفل؟‬
‫‪ -1‬عىل األبوين لزوم الصدق املطلق يف كل كالمهم‪ ،‬والسيام‬
‫الوعود التي يطلقوهنا ألبنائهم‪ .‬احذرأن تقدم وعد ًا بيشء تشك يف‬
‫قدرتك عىل تنفيذه‪.‬‬
‫‪ -2‬احذراإلكثاريف الكالم عن أمهية الصدق أمام الطفل‪ ،‬ألن‬
‫هذا قد يولد لديه رد فعل عكسي ًا‪.‬‬
‫‪ -3‬جيب أن يشعر الطفل من خالل تعامل أبويه معه أن الصدق‬
‫منجاة‪ ،‬وأن عقوبة الكذب عند اخلطأ ستكون مضاعفة‪.‬‬
‫‪ -4‬االنفتاح عىل األطفال والسامع هلمومهم ومشكالهتم خيفف‬
‫من حاجتهم إىل الكذب‪.‬‬

‫‪67‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫عرصنا هو عرص الذكاء‬
‫والقيادة والتواصل ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫‪ -5‬صارح الطفل وشجعه عىل أن يكون رصحي ًا يف التعبريعن‬


‫تطلعاته ومشكالته‪.‬‬
‫‪ -6‬ارسد للطفل بعض القصص واحلكايات اجلميلة عن حسن‬
‫عاقبة الصدق وسوء عاقبة الكذب‪.‬‬
‫‪ -7‬خذ من الطفل بعض العهود اخلاصة عىل أال يكذب يف املستقبل‪.‬‬
‫‪ -2‬ضمري يقظ‪:‬‬
‫مع االتساع املستمر للحياة احلرضية وتعاظم املدن الكربى‬
‫واتساع مساحة احلرية الشخصية تربز أمهية أن يكون للمرء آمر من‬
‫داخله يدفعه يف اجتاه الطاعة وعمل اخلري‪ ،‬ووازع من نفسه يردعه‬
‫عن فعل املنكرات والقبائح‪ .‬أمم األرض تعاين اليوم من أزمة ضمري‬
‫طبع ًا بنسب متفاوتة ورس هذه األزمة هو عدم توفر القدر املطلوب‬
‫من القدوات لبناء الضمري لدى الصغار‪.‬‬
‫الضمريهوالوجدان‪ ،‬وهوالقدرة عىل متييزاخلريمن الرش واخلطأ‬
‫من الصواب عربجمموعة متامسكة من املبادئ اخللقية‪ .‬إن صاحب‬
‫الضمري يشعر بالرسور واألمان والطمأنينة حني ينسجم سلوكه‬
‫ومواقفه مع عقيدته وأخالقه‪ ،‬ويشعربالضيق والضعف واحلرج‬
‫حني يترصف ترصفات ختالف ما يعتقد أنه خري وحق وصواب‪ ،‬وإن‬
‫حاجة (ابن زمانه) يف املستقبل إىل ضمري حي ويقظ ستكون كبرية‪،‬‬
‫ومن ثم كان عىل األبوين االهتامم بذلك من خالل عدد من األساليب‬
‫واإلجراءات األساسية‪ .‬سأل أحد اآلباء أحد أصدقائه القدامى‪ :‬ما‬
‫شاء اهلل أبناؤك يدرسون يف عدد من الدول األوربية‪ ،‬ومل نسمع عنهم‬
‫إال اخلري واالستقامة‪ ،‬عىل حني أين أالحظ أن عدد ًا من أبناء بعض‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪68‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫بناء الثقة املتبادلة من‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫مسؤولية اجلميع ‪.‬‬

‫أصدقائنا كانوا قبل أن يسافروا ممتازين يف أخالقهم وسلوكياهتم‬


‫ثم انحرفوا كثري ًا حيث تزوج بعض منهم بنساء أجنبيات‪ ،‬ومنهم‬
‫من استقر هناك‪ ،‬وترك والديه هنا ومها بأمس احلاجة إليه‪ ،‬ومنهم‬
‫ومنهم‪ ...‬فام هو الرس يف متيز أبنائك وحمافظتهم عىل ما كانوا عليه‬
‫حني كانوا يف بيتك؟‬
‫قال الرجل‪ :‬الفضل أو ً‬
‫ال وآخر ًا يعود هلل تعاىل فهو الذي هيدي‬
‫وحيفظ عباده من الرشور‪ ،‬وأنا قد اتبعت مع أبنائي عني األسلوب‬
‫الذي رباين أيب به‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما األسلوب الذي رباك به أبوك؟‬
‫قال الرجل‪ :‬أيب رمحه اهلل ربانا عىل بصرية‪ ،‬فقد كان كثري القراءة يف‬
‫كتب الرتبية‪ ،‬وكان حيرص عىل تطبيق ما يقرؤه‪ ،‬وإن تربيته لنا كانت‬
‫تقوم عىل رشح بعض املبادئ والقوانني الرتبوية يف قليل من األحيان‪،‬‬
‫ولكن يف معظم األحيان كنا نتأثر بأسلوبه يف العيش وأسلوبه يف‬
‫التعامل معنا‪ ،‬وكنت أنا من أكثر من تأثره بني إخويت‪ .‬كنت أقول‬
‫ألوالدي كام تعلمت من أيب إن احلياء أنواع‪ ،‬فهناك حياء من اهلل تعاىل‬
‫وحياء من النفس وحياء من الناس‪ ،‬وقد ناقشت أبنائي طوي ً‬
‫ال يف‬
‫هذه القضية‪ ،‬واتفقنا عىل أن أعىل درجات احلياء هو احلياء من اهلل‬
‫تعاىل واحلياء من النفس‪ ،‬أما احلياء من الناس فإنه رضوري‪ ،‬لكنه‬
‫بمفرده قد يصنع من اإلنسان شخص ًا منافق ًا‪ ،‬يظهر بمظهر حسن أمام‬
‫اآلخرين‪ ،‬ويف خلواته يفعل املوبقات‪ ،‬وقد كان أبنائي قبل سفرهم‬
‫حياولون باستمرار أن يثبتوا يل أهنم يراقبون سلوكهم بأنفسهم‪،‬‬
‫ويستحرضون عظمة اخلالق سبحانه يف كل أمورهم‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫االهتامم بالبيئة شكل من‬
‫أشكال النبل األخالقي ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫املستوى العميل يف تربيتي ألبنائي كان هو األهم‪ ،‬وذلك‬


‫العتقادي أن الرتبية هي عمل صامت أكثر من أن تكون تعليامت‬
‫وتوجيهات‪ ،‬ويف هذا اإلطار فإين كنت أحاول أال ألح عىل أي‬
‫أمر أطلبه من الصغار‪ ،‬وكنت دائ ًام أترك هلم الفرصة ليستوعبوا‬
‫ما قلته هلم قبل أسبوع أو شهر‪ ،‬وحني كان الواحد منهم يقع يف‬
‫خطأ واضح‪ ،‬فإين كنت أقول له‪ :‬اخرت نوع العقوبة التي تعاقب هبا‬
‫نفسك‪ ،‬وكان فع ً‬
‫ال خيتار العقوبة‪ ،‬ويقوم بتنفيذها دون متابعة مني أو‬
‫من والدته‪ .‬يف يوم من األيام قام ابني خالد برضب قطة رضب ًا مربح ًا‪،‬‬
‫ومن غريأي سبب‪ ،‬وملا سمعت بذلك شعرت بغضب شديد‪ ،‬وبعد‬
‫أن نبهته إىل شناعة ما قام به‪ ،‬وأظهر ندمه‪ ،‬قلت له‪ :‬واآلن كيف‬
‫تكفر عن خطيئتك؟ قال‪ :‬سأضع عند باب منزلنا باستمرار صحن ًا‬
‫فيه ماء لترشب منه الطيور والقطط‪ ،‬وسأمأل ذلك الصحن كلام‬
‫فرغ‪ ،‬كام أنني سأتصدق بمبلغ من املال عىل حمتاج التامس ًا لعفو اهلل‬
‫ال التزم ابني بذلك التزام ًا كام ً‬
‫ال‪ .‬يشء آخرربيت أوالدي‬ ‫عني‪ ،‬وفع ً‬
‫عليه هو شعورهم بآالم الناس وحاجاهتم ولومهم ألنفسهم حني‬
‫يقرصون يف واجب‪ ،‬أو يقعون يف خطأ‪ ،‬وقد أفهمتهم أن االعرتاف‬
‫باخلطأ هوالبداية‪ ،‬وهلذا فإين كنت دائ ًام أعرتف بتقصريي وأخطائي‬
‫أمامهم‪ ،‬وكانوا يقومون بمثل ذلك‪ ،‬وهذا كان حافز ًا هلم أال يقعوا‬
‫يف أخطاء فاحشة أو كبرية حتى ال يقفوا موقف ًا صعب ًا أمامي وأمام‬
‫أمهم‪ ،‬كنت دائ ًام أستعيض عن الكلامت بالنظرات‪ ،‬وال أكاد أحيص‬
‫املرات التي كان الواحد منهم يبكي بمجرد أن أنظر إليه نظرة عتب‬
‫ونقد‪ ،‬إهنم بحمد اهلل يفهمون متام ًا ما الذي أعنيه من وراء نظري يف‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪70‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫يف حاالت االختالف والنزاع‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫تصبح أخالقنا عىل املحك ‪.‬‬

‫وجوههم‪ .‬اليشء األخري الذي أحب أن أقوله لك هوأين كنت أقوم‬


‫بنقد ترصفايت‪ ،‬وكانت والدهتم تفعل مثل ذلك‪ ،‬وهذا شجعني عىل‬
‫نقدهم‪ ،‬ولكن األهم من هذا هو أن كل واحد منهم صار يشعر بأنه‬
‫يملك مبادئ وقي ًام يعتز هبا‪ ،‬ومستعد لاللتزام هبا يف كل األحوال‪ ،‬بل‬
‫الدفاع عنها بجرأة وقوة‪.‬‬
‫قال الصديق‪ :‬ما فعلته يا صديقي نادر جد ًا‪ ،‬لدى أبناء جيلك‪،‬‬
‫فنحن كنا نعتمد القسوة والتوبيخ يف تربية األبناء‪ ،‬ولذلك فإهنم حني‬
‫كربوا صاروا ينتقمون منا بفعل كل األشياء التي هنيناهم عنها‪ ،‬وال‬
‫حول وال قوة إال باهلل!‬
‫‪ -3‬مراعاة الذوق العام‪:‬‬
‫لوال التهذيب والرتبية واالهتامم برأي اآلخرين ملا أطاق الناس‬
‫العيش مع بعضهم بعض ًا‪ ،‬فمع أن اإلنسان يأنس باإلنسان‪ ،‬إال أن‬
‫أكرب أذى يتعرض إليه أي واحد من البرشهواألذى الذي يتعرض‬
‫إليه من واحد مثله! احلضارة اهتامم بالتفاصيل وتدقيق يف كل يشء‪،‬‬
‫ويف املستقبل ستكون حساسية الناس نحو اخلطأ أكرب بكثريمما هي‬
‫عليه اآلن‪ ،‬وسينتظر الناس من بعضهم بعض ًا املزيد من االهتامم‬
‫والعناية والتفهم واللطف‪ ،‬ومن هنا فإن من مسؤوليات كل األرس‬
‫تأسيس الذوق الرفيع لدى الصغار‪ ،‬ومع أن لكل شخص ذوقه‬
‫وخصوصياته‪ ،‬لكن ما يتعلق باحلياة االجتامعية يؤسسه املجتمع‪،‬‬
‫و ُيلزم أبناءه به‪ ،‬وعىل اجلميع عدم جتاهل أي يشء من ذلك‪ .‬قائمة‬
‫ما جتب مراعاته من مفردات الذوق العام متحركة‪ ،‬يضاف إليها‬
‫لدى كل جيل أشياء‪ ،‬ويحُ ذف منها أشياء لكنها تطول باستمرار‪ .‬لعيل‬

‫‪71‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫ليس هناك أوطان جيدة‪ ،‬لكن‬
‫هناك مواطنون جيدون ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫هنا أحتدث باختصار شديد عن أهم اآلداب املتعلقة بمراعاة الذوق‬


‫العام‪ ،‬وذلك عرب املفردات اآلتية‪:‬‬
‫‪ m‬االغتسال كل يوم أو يومني عىل األكثر‪ ،‬ألن بعض الناس‬
‫شديدواحلساسية جتاه رائحة األبدان‪ .‬بعض الناس يرسف يف وضع‬
‫العطور دون تنظيف جسده‪ ،‬واحلقيقة أن بعض الناس يتضايقون من‬
‫روائح بعض العطور‪ ،‬وبعضهم يتحسس منها‪ ،‬وما أمجل ما روي عن‬
‫من قوله‪« :‬أطيب الطيب املاء»‪.‬‬ ‫أيب هريرة‬
‫التجشؤ بسبب امتالء املعدة يشء مقزز‪ ،‬وينبغي إخفاؤه‬ ‫‪m‬‬

‫قدراإلمكان‪ ،‬ومثل ذلك العطاس والتثاؤب‪.‬‬


‫‪ m‬بصاق املرء من نافذة السيارة أو وهو يسري يف الشارع يشء‬
‫غريمقبول اجتامعي ًا‪.‬‬
‫‪ m‬حني تكون يف حديقة‪ ،‬فاحذرأن ترتك املخلفات متناثرة يف‬
‫األرض‪.‬‬
‫‪ m‬عدم أكل البصل أو الثوم عند إرادة الذهاب إىل املسجد أوإىل‬
‫أي اجتامع‪.‬‬
‫‪ m‬ضبط األلفاظ واالنتباه لكل كلمة إذا كان املرء يف جملس فيه نساء‪.‬‬
‫‪ m‬إذا كنت جتلس مع شخص عىل انفراد‪ ،‬فال جتر اتصا ً‬
‫ال هاتفي ًا‬
‫وال ترد عىل اتصال إال بعد استئذانه‪.‬‬
‫‪ m‬يف بلداننا ليس من املقبول لدى معظم الناس مناداة الشخص‬
‫باسمه املجرد‪ ،‬والسيام إذا كان أكرب منك سن ًا‪.‬‬
‫‪ m‬رفع الصوت يف املسجد أو يف اجتامع عام‪ ،‬ومناداة شخص من‬
‫بعيد‪ ،‬كل هذا غري مقبول لدى الذوق العام‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪72‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ال نستطيع بناء جمتمع ملتزم‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫من أشخاص غري ملتزمني ‪.‬‬

‫‪ m‬تكلم أي شخص بأحب األلقاب لديه‪.‬‬


‫احلذر من النكات التي ختدش احلياء‪ ،‬والسيام إذا كان يف‬ ‫‪m‬‬

‫املجلس أطفال ومراهقون‪.‬‬


‫‪ m‬ال تقاطع املتحدث‪ ،‬وال تتشاغل عنه بأي يشء‪ ،‬وأصغ إليه باهتامم‪.‬‬
‫‪ m‬انتبه وأنت تتحدث إىل من يف جوارك حتى ال تقرتب يدك من‬
‫وجهه وأنت تتكلم وتشريبحامسة‪ ،‬كام يفعل بعض الناس‪.‬‬
‫‪ m‬وزع نظرك وأنت تتحدث عىل مجيع من يف املجلس‪.‬‬
‫‪ m‬احذر إذا كنت مدعو ًا عند أحد من أن تكون سبب ًا يف تأخري‬
‫وضع الطعام‪ ،‬واجعل االلتزام باملواعيد مطلق ًا أحد اهتامماتك‪.‬‬
‫‪ m‬اجللوس حيث يشري صاحب البيت‪ ،‬فهو أدرى بعورات بيته‪.‬‬
‫‪ m‬يف املواصالت العامة وأماكن التسوق ساعد األطفال وكبار‬
‫السن‪ ،‬وأعط األولوية يف اجللوس يف احلافالت للنساء‪.‬‬
‫‪ m‬إذا دخلت املسجد فأمسك الباب بيدك ثواين قليلة حتى يدخل‬
‫من خلفك‪.‬‬
‫‪ m‬عدم الذهاب إىل أي أحد بدون موعد‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬إنك تريد‬
‫زيارة فالن مدة نصف ساعة‪ ،‬فال جتلس أكثر من ذلك‪.‬‬
‫ال تتصل عىل أحد باهلاتف يف وقت يغلب عىل ظنك أنه‬ ‫‪m‬‬

‫غريمستعد للرد عليك وذلك مثل أوقات الصالة والطعام والنوم‪.‬‬


‫حني تتحدث يف جملس فراع مناسبة االجتامع إن كان هناك‬ ‫‪m‬‬

‫مناسبة‪.‬‬
‫‪ m‬ال تسأل شخص ًا عن نسبه أو عمره أو مرتبه أو أسباب قدومه‬
‫إىل البلد‪ ،‬الذي أنت فيه‪ ،‬فهذا من التدخل يف اخلصوصيات‪ ،‬وإذا‬

‫‪73‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫تقاس فضائلنا بام نعطي‪،‬‬
‫وليس بام نملك ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫سمعت عن مرض صديق أو زميل‪ ،‬فال تدخل يف تفاصيل مرضه‪.‬‬


‫‪ m‬إذا ذهبت إىل بيت صديق أوغريه‪ ،‬فال تحُ رض أحد ًا معك إال‬
‫إذا استأذنته‪ ،‬فبعضهم يصطحب معه صديقه أوابنه أو حفيده دون‬
‫استئذان صاحب الدعوة‪.‬‬
‫‪ m‬ال تتحدث عن خصوصياتك يف جملس عام‪.‬‬
‫‪ m‬ال تتحدث عن أسعار الفاكهة واخلضار وعن اجلامرك‪ ..‬أمام‬
‫غري األشخاص القريبني جد ًا منك‪.‬‬
‫‪ m‬احلذر كل احلذر من اللمز واهلمز لشخص أو قبيلة أو شعب أو‬
‫أهل بلد حتى عىل سبيل املزاح‪.‬‬
‫ال تكثر من الشكوى من سوء الظروف ومن مشكالتك‬ ‫‪m‬‬

‫اخلاصة‪ ،‬فهذا مما ال يستسيغه الناس‪.‬‬


‫هذه اآلداب واملالحظات حتتاج إىل نوع من االلتزام األرسي هبا‬
‫مع رشح ما يمكن رشحه منها للصغار‪ .‬هناك طبع ًا ذوقيات أرقى من‬
‫بعض ما ذكرناه لكن قد يكون استيعاهبا صعب ًا من قبل األطفال‪.‬‬
‫‪ -4‬اخللق اجلميل‪:‬‬
‫يف عرصنا ويف املستقبل حتتاج استقامة احلياة االجتامعية إىل‬
‫أولئك الذين تتسع صدورهم وأخالقهم لغريهم من الناس‪ ،‬وهذه‬
‫الفئة النبيلة هي التي تضفي عىل احلياة ألقها‪ ،‬وتبعث يف العالقات‬
‫االجتامعية الدفء‪ ،‬وتسهم يف ختفيف كثريمن الشغب االجتامعي‪،‬‬
‫هؤالء هم أصحاب األخالق اجلميلة احللوة‪ ،‬وهلم يف احلقيقة الكثري‬
‫من الصفات الرائعة‪ ،‬أقترصهنا عىل بعضها‪:‬‬
‫‪ m‬لني اجلانب ونعومة التعامل‪ ،‬يألفون الناس ويألفهم الناس‪ ،‬ملا‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪74‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫املنفقون يف سبيل اهلل‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫تعاىل هم أثرياء الناس ‪.‬‬

‫فيهم من السامحة والرقي‪ ،‬وقد ذكر يف وصفهم ما يشري إىل أهنم‬


‫املؤمنون احلقيقيون‪ ،‬كام يف قوله‪« :‬املؤمن هني لني‪ ،‬كاجلمل ُ‬
‫األنف إن‬
‫قيد انقاد‪ ،‬وإذا أنيخ عىل صخرة استناخ» هكذا املؤمن مثل اجلمل الذي‬
‫يف أنفه جرح أوأمل‪ ،‬فإنه ينقاد بسهولة إىل من يقوده حتى ال يزيد يف أمله‪.‬‬
‫الذي يتصف هبذه الصفة يضغط عىل نفسه من أجل راحة غريه‪ ،‬ويغيرّ‬
‫يف جدول مواعيده حتى يتالءم مع جداول مواعيد اآلخرين‪.‬‬
‫‪ m‬يفاوض ويؤمن باحللول الوسطى‪ ،‬وهذه الصفة العظيمة‬
‫مهمة جد ًا لـ (ابن زمانه) وذلك ألن كل الناس يعتدّ ون بآرائهم‪،‬‬
‫وحيرصون عىل حتقيق مصاحلهم‪ ،‬وعليهم حتى يلتقوا ويعملوا مع‬
‫بعضهم أن يؤمنوا بأن آراء املرء ليست دائ ًام عىل صواب‪ ،‬كام أن رؤيته‬
‫لألمور ليست هي األفضل‪ ،‬كام أن عليهم أن يؤمنوا بأنه من غري‬
‫املمكن ألي شخص أن حيصل عىل كل امليزات وكل اخليارات‪ ،‬وهلذا‬
‫فإن عليه أن يتعلم كيف يتوصل مع غريه إىل صيغة يربح فيها اجلميع‪.‬‬
‫‪ m‬من السهل عليه أن يعرتف بأخطائه‪ :‬نحن نحتاج إىل الكثري من‬
‫االجتهاد يف ظروف بالغة التعقيد‪ ،‬واملزيد من االجتهاد يعني الكثري‬
‫من األخطاء‪ .‬سوف يكون االعتذار عن اخلطأ سه ً‬
‫ال عىل األبناء إذا‬
‫سمعوا اآلباء واألمهات يعتذرون عن أخطائهم‪ .‬االعتذار يكون‬
‫مجي ً‬
‫ال إذا كان مشفوع ًا باإلعراض عن تعليل اخلطأ والتخفيف من‬
‫حدته‪ ،‬لنعلم الطفل أن يقول‪ :‬أخطأت‪ ،‬وأعتذر عن إساءيت إليك‪.‬‬
‫يقول هذا فقط ودون أي إضافة‪.‬‬
‫‪ m‬حني يغضب فإن إرضاءه ال يكون صعب ًا بسبب سامحته ووفائه‬
‫ألحبائه وأصدقائه‪ ،‬عىل خالف بعض الناس الذين يستمر انزعاجهم‬

‫‪75‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫أخطر أعدائنا يتمثل يف األنانية‬
‫واجلهل وضيق األفق ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫ممن أغضبهم شهور ًا وشهور ًا بل سنوات وسنوات‪ .‬األم العظيمة‬


‫حني تغضب ترىض برسعة‪ ،‬وبذلك يترشب أطفاهلا منها هذه الفضيلة‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫‪ m‬يتنازل عن بعض حقوقه املرشوعة من باب إيثار اآلخرين‬
‫والسعي إىل إرضائهم‪ ،‬هذا التنازل رضوري ألنه يكون يف العديد‬
‫من املواقف خالف فيام إذا كان هذا اليشء هو حق فالن أو من حق‬
‫فالن‪ ،‬إحدى األمهات كانت تقسم احللوى بني صغارها‪ ،‬وتأخذ‬
‫حصتها‪ ،‬وبعد ذلك كانت تأكل منها شيئ ًا قلي ً‬
‫ال‪ ،‬ثم توزع الباقي عىل‬
‫الصغار‪ ،‬فيرسون رسور ًا عظي ًام‪ ،‬وحني يكون لدهيم شح يف أي يشء‪،‬‬
‫فقد كانت هي وزوجها يمتنعان عن األخذ منه ليرتكاه للصغار!‬
‫معظم أطفال األرسة اشتهروا بني زمالئهم يف املدرسة بأهنم ُيرشكون‬
‫زمالءهم يف القليل الذي بني أيدهيم‪ ،‬كام اشتهروا بالصفح وسهولة‬
‫تسوية املشكالت معهم‪ .‬يف املستقبل ستشتد املنافسة عىل كل يشء‪،‬‬
‫وسيكون للبذل والتسامح واإلعراض عن املحاصصة شأن كبري‪.‬‬
‫‪ m‬غض الطرف عن العثرات والتجاهل وعدم تتبع أحوال‬
‫اآلخرين من شيم الكرام يف كل زمان ومكان‪ ،‬ع ِّلم الطفل أن اخلطأ‬
‫وارد من كل واحد منا‪ ،‬وعلمه أن معظم األخطاء يقع من غري نية‬
‫رشيرة‪ ،‬فنحن ال نترصف يف معظم األحيان ونحن يف كامل وعينا‪،‬‬
‫وسوء التقدير دائ ًام وارد‪ .‬العاقل واحلكيم ليس هو الغافل وال‬
‫اجلاهل بام جيري حوله‪ ،‬لكنه هو املتغافل واملتجاهل‪ .‬أحد اآلباء سمع‬
‫مشاجرة بني اثنني من أبنائه‪ ،‬وقد استخدم أحدمها كلامت غري مهذبة‬
‫يف مالحاته مع أخيه‪ ،‬فلم يفاتح االبن هبا‪ ،‬وقال‪ :‬هي زلة عابرة‪،‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪76‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ال يشء يأرس اإلنسان مثل‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫اللطف والتواضع ‪.‬‬

‫وبعد مدة كررنفس الكلامت‪ ،‬فام كان من األب إال أن أ َّنبه‪ ،‬ومل يرتكه‬
‫حتى أعطاه العهد عىل عدم العودة إىل ذلك‪ .‬النبالء كذلك ينسون‬
‫اإلساءات القديمة التي صدرت من فالن وعالن‪ ،‬إهنم قد عودوا‬
‫أنفسهم جتاوز املايض‪ ،‬واالنفتاح عىل املستقبل مع الظن بأن الناس‬
‫يتعلمون من أخطائهم‪ ،‬وهلذا فإن تعاملهم مع بعضهم يف املستقبل‬
‫سيكون أفضل‪.‬‬
‫‪ m‬يف املستقبل سيواجه الناس املزيد من الضغوط بسبب ارتفاع‬
‫مستوى األداء يف األعامل وبسبب كثرة متطلبات احلياة‪ ،‬وهلذا فإن (ابن‬
‫زمانه) يف حاجة إىل التمتع بروح مرحة وحفظ عدد جيد من النكات‬
‫والطرف الذكية واملهذبة كي خيفف عن نفسه وعن جلسائه من الكرب‬
‫النفيس الذي سيجد نفسه فيه‪ .‬إن من األفكار اخلاطئة التي تلقفها‬
‫بعض الناس من اجليل السابق االعتقا َد بأن التدين احلق مقرون باجلدية‬
‫الزائدة ورصامة تعابري الوجه واللسان‪ ،‬واالعتقاد بأن املزاج والضحك‬
‫واحلديث اهلازل أمور تقرتن برقة الدين واالستخفاف بتعاليم الرشيعة‪.‬‬
‫نعم إن اإلرساف يف أي يشء مما ذكرناه هو يشء سيئ لكن قدر ًا معتد ًال‬
‫منه يظل شيئ ًا حمبوب ًا ومطلوب ًا‪ .‬دعوين أقول إن رصامة كثري من اآلباء‬
‫وجديتهم الزائدة قد جعلت أبناءهم ينفرون منهم‪ ،‬ويندفعون إىل‬
‫األقران والزمالء ليجدوا لدهيم ما فقدوه يف بيوهتم‪ .‬إذا كانت املعرفة‬
‫هي خبز الدماغ‪ ،‬فإن املرح هو قوت الروح فعلموا األطفال من خالل‬
‫السلوك العميل كيف تظل أرواحهم يف انتعاش ورسور‪.‬‬
‫‪ m‬لدى الناس ما يكفيهم من اهلموم واملشكالت‪ ،‬وهم ليسوا‬
‫يف حاجة إىل املزيد من ذلك‪ ،‬وإن من الطبيعي أن ينفث املصدور‪،‬‬

‫‪77‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫التسليم هلل ـ تعاىل ـ فيام يريد‬
‫هو القراراألكثر صواب ًا ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫ويشكو املأزوم‪ ،‬لكن من املهم أن نريب أطفالنا عىل عدد من املفاهيم‬


‫يف هذا الشأن‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬حني يقع املسلم يف كرب‪ ،‬فإنه ال يشكو ما يعاين منه للناس‪،‬‬
‫وال يزعجهم به‪ ،‬نعم يمكن أن يطلب املساعدة من بعض أهله‬
‫ودب عادة من عاداته‬
‫هب ّ‬‫وأصدقائه‪ ،‬لكن ال جيعل الشكوى ملن ّ‬
‫ألهنا عادة قبيحة‪.‬‬
‫ب‪ -‬املسلم العارف بربه يشكو مهومه إليه‪ ،‬فهو وحده جل شأنه‬
‫الذي يكشف اهلم والغم‪ ،‬و ُيفرح القلوب املتعبة‪ .‬املسلم يشكو مهه‬
‫لربه ويشكو إليه أيض ًا نفسه وتقصريه‪ ،‬ويسأله املعونة والسداد‪.‬‬
‫ج‪ -‬مهام اشتد الكرب والبالء عىل الواحد منا‪ ،‬فإنه يظل لديه من‬
‫النعامء والرخاء ما يستحق احلمد والشكر‪ ،‬ومن نظر إىل مصيبة غريه‬
‫هانت عليه مصيبته‪.‬‬
‫القول دائ ًام‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬أنا يف نعمة كربى‪ ،‬فهذا ّ‬
‫حيسن وضعيته‬
‫النفسية‪ ،‬ويشيع البرش يف أرجاء نفسه‪.‬‬
‫‪ -5‬احلفاظ عىل البيئة‪:‬‬
‫يشهد العامل تدهور ًا مستمر ًا للبيئة الطبيعية حيث يزداد تلوث‬
‫الرتبة واملاء واهلواء وحيث تزداد مساحات التصحر‪ ،‬وهيلك الكثري‬
‫من أنواع النباتات والكائنات احلية باإلضافة إىل نضوب املياه العذبة‬
‫والعديد من املعادن واملواد األولية‪ ،‬وكل ذلك له سبب واحد‬
‫هو السلوك الطائش والالمسؤول إلنسان العرص احلديث الذي‬
‫بسط سلطانه عىل األرض‪ ،‬وأخذ يستهلك بشهية كبرية‪ ،‬غريآبه‬
‫باألرضارالتي ترتتب عىل ما يقوم به !‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪78‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الطفل ليس قطعة صلصال‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫ِّ‬
‫نشكلها كيف نشاء ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫احلفاظ عىل البيئة يكون يف اجتاهني‪ :‬احلفاظ عىل املوارد واالقتصاد‬


‫يف استهالكها واستخدامها وتقليل تلويث البيئة إىل احلد األدنى‪ ،‬وإن‬
‫مسؤولية تنمية ثقافة تراعي البيئة تقع كام هو الشأن يف معظم األمور‬
‫الرتبوية عىل ثالث جهات‪ :‬األرسة واملدرسة ووسائل اإلعالم‪ ،‬يقول‬
‫أحد علامء البيئة‪ :‬عىل الواحد منا أن يتعامل مع البيئة املحيطة كام‬
‫يتعامل عامل عظيم مع مكتبته‪ :‬إنه يثرهيا باجلديد‪ ،‬وحيافظ عيل مقتنياهتا‬
‫من التلف‪ ،‬وينتفع هبا‪ ،‬ثم يرتكها حني يرتكها وهي أشد اكتام ً‬
‫ال‪.‬‬
‫أحد مديري املدارس الشباب كان له سلوك فريد بني زمالئه حيث‬
‫إنه كان هيتم بزارعة مساحات واسعة من أرايض املدرسة بمشاركة بعض‬
‫الطالب‪ ،‬كام أنه كان حياسب حارس املدرسة وغريه من املسؤولني عن‬
‫إطفاء أنوار املدرسة عقب انرصاف الطالب مبارشة‪ ،‬باإلضافة إىل حث‬
‫الطالب عىل احلفاظ عىل أثاث املدرسة وإنزال العقوبة بكل من ال يطبق‬
‫التعليامت يف هذا الشأن‪ ..‬وملا سئل الرجل عن أسباب اهتاممه البالغ‬
‫هبذه األمور دون غريه من املدرسني كان جوابه الفت ًا إذ قال‪ :‬إين نشأت‬
‫يف بيت خري ونعمة‪ ،‬أما أيب فقد كانت األحوال املادية ألبيه صعبة للغاية‪،‬‬
‫وقد تعلم من أيام نشأته األوىل التقنني يف اإلنفاق واحلرص عىل القليل‬
‫الذي بني يديه إىل درجة اهتام أهل احلي له بالبخل الشديد مع أين كنت‬
‫أالحظ أنه ينفق الكثري من املال عىل أقربائه ويف بناء املساجد لكن دون‬
‫أن يعلم أحد شيئ ًا من ذلك‪ .‬أيب كان مثقف ًا ومهندس ًا زراعي ًا‪ ،‬وقد عمل‬
‫مستشار ًا إلحدى هيئات األمم املتحدة للحفاظ عىل املوارد املائية‪ ،‬ثم‬
‫تبني يل أن كل أشكال تقتريه وتقنينه كان بسبب إيامنه املطلق والشديد‬
‫برضورة حتمل اجليل احلارض ملسؤولياته جتاه املوارد املوجودة بأوسع ما‬

‫‪79‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫السنة الثانية بالنسبة إىل‬
‫الطفل هي والدة ثانية ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫تعنيه هذه الكلمة من معنى‪ ،‬وسوف تضحكون وتعجبون من رصامة‬


‫أيب يف هذا الشأن‪ ،‬كام كنت أعجب‪ ،‬وعىل سبيل املثال فقد كان أيب‬
‫يعتقد أننا نعيش عىل أرض ونتنعم بخريات ال ننفرد بملكيتها‪ ،‬ولنا فيها‬
‫رشكاء كثر‪ ،‬هم كل األجيال القادمة‪ ،‬وهلذا فإنه كان يقتصد‪ ،‬وحيثنا عىل‬
‫االقتصاد يف كل يشء‪ :‬أضواء املنزل دائ ًام خافتة إال يف بعض املناسبات‬
‫املهمة‪ ،‬واالستحامم هو ملدة أربع دقائق ليس أكثر من أجل استخدام‬
‫أقل قدر ممكن من املاء‪ ،‬وكل يشء يمكن إصالحه وجتديده‪ ،‬فال جيوز‬
‫استبدال غريه به إال إذا صار االنتفاع به صعب ًا‪ ،‬وأيب إىل جانب هذا هو‬
‫سن يف بلدتنا سنة الزراعة عىل أسطح املنازل حيث كنا نزرع‬
‫أول من َّ‬
‫يف أرض دارنا وعىل سطحها ما يسد نصف احتياجاتنا من اخلضار‪،‬‬
‫وكانت تعليامته لنا‪ :‬كل مسافة يمكن لنا أن نقطعها مشي ًا عىل األقدام أو‬
‫عىل الدراجة اهلوائية‪ ،‬فإنه ال جيوز لنا أن نستخدم السيارة لقطعها‪ ،‬وإن‬
‫حرص أيب عىل ديمومة املوارد ونظافة البيئة جتاوزت كل هذا إىل التدخل‬
‫يف بعض ما هو من اختصاص والديت‪ ،‬حيث إنه كان حيثها عىل استخدام‬
‫احلد األدنى من مسحوق الغسيل ألنه عبارة عن مواد كيميائية ملوثة‪،‬‬
‫وقد كان هذا يثري غضب والديت احلريصة عىل النظافة إىل حد الوسوسة‪.‬‬
‫والدي بعد هذا كان عند رشاء حاجات املنزل من سوق كبري (السوبر‬
‫ماركت)‪ ،‬حيث العامل عىل وضع مشرتياته يف كيسني أو ثالثة عوض ًا عن‬
‫عرشة أكياس كام هو شأنه مع باقي الزبائن‪ ،‬وذلك بسبب اعتقاده صعوبة‬
‫حتلل مادة البالستك يف البيئة ولكوهنا مادة كيميائية سامة‪ .‬اليشء الذي‬
‫كان يثري حساسية كل أفراد األرسة هو إرصار والدي عىل أن تكون‬
‫سيارة األرسة صغرية (نصف حجم سيارة جرياننا) وذلك أيض ًا من‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪80‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الرتبية خدمة ال‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫تنتظرأي مقابل مادي ‪.‬‬

‫أجل عدم استهالك الكثري من الوقود ومن أجل احلفاظ عىل البيئة‪ ..‬مع‬
‫األيام اكتسبنا كثري ًا مما أراد لنا أيب أن نكتسبه حيث صار حسنا نحو البيئة‬
‫مرهف ًا جد ًا‪ ،‬وأدراكنا كم كان أيب عىل صواب‪ ،‬وقبل سنوات تم تكريم‬
‫والدي من قبل البلدية عىل أنه الرجل النموذجي يف محاية البيئة!‬
‫األرسة يف حاجة إىل قراءة كتيب عن محاية البيئة واحلفاظ عىل‬
‫املوارد قراءة مجاعية ثم التأمل فيام يمكن تطبيقه داخل املنزل ويف‬
‫السلوك العام جلميع أفراد األرسة من تلك التعليامت والتنبيهات‬
‫التي تشتمل عليها كتب محاية البيئة عادة؛ فاألمر خطري للغاية‪ ،‬ألنه‬
‫يتعلق بوجودنا وصحتنا وبوجود وصحة األجيال القادمة‪ .‬نحن هنا‬
‫ضيوف عىل هذه األرض وجيب أن نترصف كام يترصف الضيف يف‬
‫بيت كريم استضافه لديه‪.‬‬
‫‪ -6‬تأجيل الرغبات‪:‬‬
‫يف املستقبل سيجد (ابن زمانه) الكثري من املغريات التي جتذبه‬
‫نحو املزيد من اللهو واملتعة‪ ،‬وسيكون هذا عىل حساب استقامته‬
‫يف بعض األحيان‪ ،‬كام أنه سيكون عىل حساب إنتاجيته وإنجازه يف‬
‫أحيان أخرى‪ .‬من اجلدير بالذكر أن نقول هنا‪ :‬إن طبيعة التمسك‬
‫بأهداب الدين احلنيف تدرب الصغار والكبار عىل املزيد من التحكم‬
‫بأنفسهم ومقاومة رغباهتم‪ ،‬وكثري منا مر بتجارب عديدة‪ ،‬محله فيها‬
‫التزامه بصالة اجلامعة مث ً‬
‫ال عىل ترك متابعة القراءة يف رواية عظيمة‬
‫أو متابعة فلم وثائقي أو مسلسل أو االستمرار يف التحدث إىل بعض‬
‫األصدقاء‪ ،‬الصيام نفسه هو عبارة عن كبح الرغبة يف تناول الطعام‬
‫والرشاب وغريها من املشتهيات‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫العقوبات التنشئ‬
‫جمتمع ًا لكنها حتميه ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫حني يسمع الطفل والدته تقول لوالده‪ :‬يف إمكاننا اليوم األكل‬
‫من حارض الرزق يف البيت دون أن حترض أي يشء من السوق‪،‬بسبب‬
‫انشغالك يدرك الطفل فضيلة تأخري نيل يشء مهم من أجل إنجاز أو‬
‫مبارشة يشء أهم‪ ،‬وحني يقول الرجل البنه سأؤجل زياريت لصديقي‬
‫فالن إىل الغد كي أساعدك يف االستعداد المتحان العلوم‪ ،‬فإنه يدرك‬
‫أيض ًا أن من املمكن لكثري من األعامل أن يؤدى يف أوقات خمتلفة‬
‫الصغارالكبار وهم يؤجلون رغباهتم‬
‫َ‬ ‫وهكذا‪ ..‬إىل جانب مشاهدة‬
‫هناك أيض ًا أمور أخرى بسيطة تساعدهم عىل هذا‪ ،‬فقد كانت إحدى‬
‫األمهات تقول ألطفاهلا لكم عندي مبلغ من النقود‪،‬ومن حق كل‬
‫واحد منكم أن يأخذه اآلن‪ ،‬وسيكون هذا املبلغ أكرب إذا انتظر حتى‬
‫يأخذه آخر الشهر‪ ،‬وقد كان معظم األبناء يوافقون عىل االنتظار‪.‬‬
‫أم أخرى كانت ترتك اخليارألطفاهلا يف ترتيب مذاكرة دروسهم‬
‫ويف الذهاب إىل بيوت بعض األصدقاء ومشاهدة بعض الربامج‪،‬‬
‫وقد الحظت أن الطفل الذي اختار كتابة واجباته ومذاكرة دروسه‬
‫بنفسه‪ ،‬كان يقاوم التشتت ويذاكر بحامسة أكرب!‬
‫إن تدريب الطفل عىل توظيف (حديث النفس) يف التحكم برغباته‬
‫يشء مفيد جد ًا‪ ،‬ويف هذا‪ ،‬يقول أحد الشباب‪ :‬حني كنت أدرس يف‬
‫املرحلة االبتدائية كان من الواضح ع َّ‬
‫يل البدانة الشديدة‪ ،‬وكان ذلك‬
‫يسبب يل وألرسيت بعض احلرج‪ ،‬وكان أخي الكبري موك ً‬
‫ال من قبل‬
‫أيب بمتابعتي يف هذا األمر‪ ،‬وكان دائ ًام ينبهني إىل أمور تساعدين عىل‬
‫ختفيف وزين‪ ،‬وقد كان من إرشاداته يل أن أقول كلام مهمت بمد يدي‬
‫لفتح باب الثالجة‪ :‬أنا ال آكل بني الوجبات‪ ،‬ال للمزيد من الطعام‪ ،‬وال‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪82‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ال تربية جيدة من غري حتطيم‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫احلواجز بني املريب واملرتيب ‪.‬‬

‫للمزيد من السمنة‪ ،‬وكنت أقول مثل هذه التعبريات بحامسة وبضغط‬


‫كبري عىل املخارج‪ ،‬وكان ذلك كافي ًا لرصيف عن تناول الطعام‪.‬‬
‫‪ -7‬االستعداد لالرحتال‪:‬‬
‫لورجعنا مئة سنة إىل الوراء لوجدنا أن العامل كان مفكك ًا ومنعز ًال‬
‫بعضه عن بعض إىل حد بعيد بسبب ضعف أدوات االتصال وصعوبة‬
‫االنتقال من بلد إىل آخر‪ ،‬وبسبب كون معظم فرص العمل حملية بامتياز‪.‬‬
‫اليوم اختلف كل يشء‪ ،‬وسوف تتعمق يف املستقبل الظروف واملعطيات‬
‫ال يعيشون وكأهنم قد ِ‬
‫وضعوا فيام يشبه اخلالطة‬ ‫التي جتعل الناس فع ً‬
‫الكبرية‪ .‬إن عىل األبوين أن يتخليا عن األفكار القديمة التي جتعلهام‬
‫حيرصان كل احلرص عىل بقاء أبنائهام قريبني منهام‪ ،‬والواقع أن بعض‬
‫األمهات يردن من أبنائهن أن يعيشوا معهن يف نفس املنزل أو نفس احلي‬
‫بعد أن تزوجوا‪ ،‬وصار هلم ارتباطات وعالقات جديدة وواسعة‪ .‬إن‬
‫احلكمة واملصلحة تقضيان مع ًا بأن نريب صغارنا عىل االستعداد لالرحتال‬
‫إىل تلقي العلم يف أي مكان يف األرض‪ ،‬وعىل االستعداد للعمل يف أي‬
‫بلد‪ .‬الشك يف أن عىل األبوين حساب خماطر ابتعاث ابن الثامنة عرشة‬
‫إىل دولة غري مسلمة‪ ،‬والشك كذلك يف أن كل واحد منا حيب أن جيتمع‬
‫شمل أرسته‪ ،‬وأن يظل أفرادها قريبني من بعضهم‪ ،‬لكن علينا إىل جانب‬
‫هذا أن نتذكر أن بعض األبناء قد يضطرون إىل مغادرة بلدهم اضطرار ًا‪،‬‬
‫فبعض اجلامعات املرموقة اليوم تطلب من طالهبا أن يدرسوا يف جامعة‬
‫يف بلد بعيد مدة فصل أو فصلني‪ ،‬من أجل إثراء التنوع الثقايف لدهيم‪ ،‬كام‬
‫أن ثقافة العمل واملعارف املتعلقة باإلنتاج تتوحد تدرجيي ًا عىل مستوى‬
‫العامل‪ ،‬مما يعني يف هناية املطاف أن جيد الواحد من شبابنا املنافسني له يف‬

‫‪83‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫حني يكون لدينا إرادة‬
‫يكون أمامنا طريق ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫اختصاصه وقد وفدوا إىل بلده من أنحاء األرض‪ ،‬مما يوجب عليه أن‬
‫يكون مستعد ًا للعمل أيض ًا يف أي مكان من األرض‪.‬‬
‫ما الذي تتطلبه الرتبية عىل االستعداد لالرحتال؟‬
‫‪ -1‬تعويد الطفل اخلروج يف رحالت مع بعض أساتذته ومرشديه‬
‫خارج مدينته‪ ،‬وذلك منذ سن الثانية عرشة‪.‬‬
‫‪ -2‬توعية الطفل وحتذيره من مكائد املحتالني وأساليب اإلجرام‬
‫التي يتبعها بعض األرشار يف إيذاء األطفال‪.‬‬
‫‪ -3‬تعويد الطفل والفتى قراءة كتاب أو أكثر عن األوضاع املادية‬
‫واالجتامعية والثقافية للبلد الذي سيقوم برحلة إليه‪ ،‬والبلد الذي‬
‫سيدرس‪ ،‬أو يعمل فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬يسبق كل ذلك االستعداد النفيس لدى األرسة البتعاد بعض‬
‫أبنائها عنها من أجل حتقيق مصلحتهم الشخصية‪.‬‬
‫إن الطري حني تنبت قوادمه وخوافيه ويقوى جناحاه‪ ،‬يصبح‬
‫مؤه ً‬
‫ال ملغادرة العش واهلجرة إىل بالد بعيدة‪ ،‬وهكذا أبناؤنا وفلذات‬
‫أكبادنا‪.‬‬
‫‪ -8‬التوازن الشخيص‪:‬‬
‫لو تأملنا يف حياة معظم الناس لوجدنا أهنم عىل نحو عام ميالون‬
‫إىل التطرف واالنحياز نحو يشء مهم‪ ،‬مما جيعلنا نعتقد أن االتزان‬
‫ليس هو األصل يف شخصياتنا‪ ،‬وأن االعتدال ليس هو األكثر يف‬
‫مواقفنا‪ ،‬بل إهنام شيئان نتعلمهام ونتدرب عليهام‪ ،‬ونجاهد أنفسنا‬
‫من أجل لزومهام‪ .‬التوازن مطلوب يف كل وقت‪ ،‬لكن ربام يكون‬
‫الطلب عليه يف املستقبل أشد بسبب كثرة املغريات وكثرة الضغوط‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪84‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫اإلنسان كائن مرتبك ‪.‬‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬

‫أيض ًا حيث جيد املرء نفسه منجذب ًا نحو يشء معني‪ ،‬أو مدفوع ًا يف‬
‫ٍ‬
‫اجتاه ما‪ ،‬واحلقيقة أن احلديث عن التوازن الشخصيي ذو ذيول كثرية‪،‬‬
‫وجماالت التوازن عديدة‪ ،‬ومنها الكبري ومنها الصغري‪ ،‬وأنا سأشريهنا‬
‫إىل أمهها عىل نحو رسيع‪:‬‬
‫أ‪ -‬التوازن بني الدنيوي واألخروي‪:‬‬
‫اهلل جل وعال أوصانا بالعناية بمصرينا األخروي‪ ،‬وأوصانا كذلك‬
‫بالعناية بشأننا الدنيوي ألن أمورنا ال تستقيم من غري هذا‪ ،‬يقول‬
‫سبحانه‪ :‬ﱫ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﱪ [سورة القصص‪]77 :‬‬
‫من مهام األهل تعويد الطفل املحافظة عىل أداء الصالة بوقتها‬
‫ولو كان عنده اختبارات‪ ،‬أو كان مستغرق ًا يف قراءة رواية أو مشاهدة‬
‫فيلم‪ ...‬كل يشء يف وقته مجيل ومريح‪.‬‬
‫ب‪ -‬التوازن بني الشخيص واالجتامعي‪:‬‬
‫اجليل اجلديد مع أنه يتواصل مع أنحاء العامل إال أنه يميل إىل االنطواء‬
‫عىل نحو عام‪ ،‬وتعرف هذا من تضاؤل عدد األصدقاء ووهن الصالت‬
‫بني األرحام واألقرباء‪ .‬التوازن يف هذا يعني رعاية الشأن الشخيص‬
‫ونيل حظ النفس من العزلة واهلدوء وممارسة اهلوايات اخلاصة إىل‬
‫جانب اجللوس مع العائلة وزيارة األرحام واالنخراط يف بعض األعامل‬
‫التطوعية‪ ،‬واخلروج يف بعض الرحالت‪ ،‬واالشرتاك يف النقاشات التي‬
‫جتري داخل املنزل وخارجه‪ ،‬املهم يف هذا أال يضغط األهل عىل األبناء‬
‫يف هذا ضغط ًا ينفرهم من االجتامع والتواصل مع غريهم‪ ،‬إذ إن لكل‬
‫طفل طبيعته اخلاصة‪ ،‬وينبغي أن نراعيها ونحن نحملهم عىل ما نحب‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫ال تربية من غري عقوبة ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫ج‪ -‬التوازن االنفعايل والعقيل‪:‬‬


‫املقصود بالتوازن هنا عدم طغيان مشاعر عىل حساب مشاعر‬
‫أخرى‪ ،‬مما يسبب نوع ًا من االنحراف يف السلوك واخللل يف املواقف‪،‬‬
‫بعض األطفال وأيض ًا الكبار جتده خائف ًا من اختبارات املدرسة‪،‬‬
‫وآخر ال يبايل هبا‪ ،‬وال يستعد هلا‪ ،‬وبعضهم لديه نوع من التبلد يف‬
‫املشاعر‪ ،‬وآخرون يغضبون ألتفه األسباب‪ ،‬أيض ًا من األطفال من‬
‫ليس هلم أي رأي يف أي يشء‪ ،‬ويسيطر عليهم اخلوف من اختاذ أي‬
‫قرار‪ ،‬يف املقابل هناك من األطفال من يسارع إىل االستجابة ألي‬
‫مثري واالستجابة ألي خاطر خيطر له‪ ،‬يقول أحد األطباء الشباب‪:‬‬
‫نشأت بني أبوين بينهام الكثري من التباين‪ ،‬وكنت أنا وأخوايت يف حرية‬
‫تامة من أمرنا يف املراحل األوىل من حياتنا‪ ،‬أما أمي فقد كانت كثرية‬
‫التدقيق يف كل يشء‪ ،‬وكثرة التدقيق جعلتها شديدة الرتدد يف اختاذ أي‬
‫موقف هنائي‪ ،‬حتى إهنا كانت ننزل إىل السوق مخس أو ست مرات إذا‬
‫أرادت أن تشرتي قامش ًا لثوب فاخر هلا‪ ،‬وتنتقل بني اثنتني أو ثالث‬
‫من اخلياطات من أجل خياطته بحسب رغبتها‪ ...‬أما أيب فقد كان‬
‫عىل النقيض من ذلك‪ ،‬ولطاملا اختذ قرارات جتارية أحلقت باملصلحة‬
‫االقتصادية لألرسة رضر ًا فادح ًا‪ ،‬وحني رصت يف املرحلة اجلامعية‬
‫اختلف األمر حيث رصنا نعقد جلسة عائلية كل أسبوع للتذاكر‬
‫يف شؤون األرسة واختاذ القرار املناسب‪ ،‬مما أدى إىل تاليف األخطاء‬
‫السابقة‪.‬‬
‫تعويد الطفل التوازن املناسب جيب أن يتم بطريقة غري مبارشة‬
‫وعرب حثه عىل املوازنة بني حاجاته وواجباته ورغباته‪ ،‬وال شك أن‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪86‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫التسامح هو القوة الناعمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬

‫أي توازن سنحصل عليه سيكون منقوص ًا‪ ،‬ولكن املحاولة تأيت دائ ًام‬
‫بيشء من اخلري‪.‬‬
‫‪ -9‬النزعة اإلنسانية‪:‬‬
‫ال نتجاوز احلقيقة إذا قلنا‪ :‬إن اإلنسان أناين بطبعه‪ ،‬وإن نفسه‬
‫ومصاحله تأيت أو ً‬
‫ال وثاني ًا وثالث ًا‪ ..‬كام أنه ال يفكر كثري ًا فيمن حوله‪،‬‬
‫وال ينظر إىل األشياء إال من خالل ذاته وقيمه ومصاحله وخرباته‪ ،‬مع‬
‫أن كثري ًا مما لديه يمكن أن يكون مشوب ًا باخلطأ والنقص‪.‬‬
‫اخلالق العظيم يعلمنا أنه قد كرم اإلنسان لذاته بقطع النظرعن‬
‫أي يشء آخر‪ ،‬كام يف قوله سبحانه‪ :‬ﱫ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝ‬
‫ﮞ ﮟﱪ [سورة اإلرساء‪ ]70 :‬وحذرجل شأنه من إزهاق‬
‫الروح البرشية‪ ،‬وجعل قتل نفس واحدة مثل قتل الناس مجيع ًا‪،‬‬
‫فقال سبحانه‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﱪ [سورة‬
‫املائدة‪.]32 :‬‬
‫األرسة هي التي تبذريف عقل الطفل ونفسه معاين احرتام اإلنسان‬
‫وإكرامه ومراعاته‪ ،‬وأعتقد أن مما يساعدها عىل هذه املهمة العظيمة‬
‫الوعي باألمور التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬التقليل من لوم اآلخرين قدر اإلمكان‪ ،‬فاخلطأ والغفلة والنسيان‬
‫أمور موجودة يف حياة كل إنسان‪ ،‬وكلام صفحنا عن الناس وتغافلنا عن‬
‫هفواهتم‪ ،‬وقللنا من معاتبتهم كنا أقرب إىل قلوهبم‪ .‬إن إدخال الرسور‬

‫‪87‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬ ‫هناك أرضية أخالقية يقف‬
‫عليها أصحاب املبادئ مجيع ًا ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫عىل املسلم ومراعاة مشاعره يشء‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‬


‫يشء آخر كام ال خيفى‪.‬‬
‫‪ -2‬الرتيث يف إصدار األحكام السلبية عىل اآلخرين هو جزء من‬
‫النزعة اإلنسانية التي ترمي إىل تعزيزها لدى الصغار‪ ،‬حيث إنك جتد‬
‫أن كثري ًا من اآلباء واألمهات يقضون جزء ًا مه ًام من مسامراهتم يف‬
‫جتريح فالن والعتب عىل فالن‪ ،‬وتسفيه فالنة‪ ..‬وهذا يعزز النزعة‬
‫األنانية لدى الطفل مع ما فيه من رذيلة الغيبة‪ .‬أحدهم يقول‪ :‬كان أيب‬
‫ال متدين ًا‪ ،‬وكان يوقف أي حديث فيه إساءة لشخص غريموجود‬ ‫رج ً‬
‫يف املجلس‪ ،‬وكانت عبارته املفضلة «ما لنا وما للناس‪ ،‬عيوبنا تكفينا»‬
‫وقد ترشب مجيع أفراد األرسة منه هذا املعنى النبيل‪ ،‬وصارت جمالسنا‬
‫من أقل جمالس من نعرف غيبة وإساءة للغائبني!‪.‬‬
‫‪ -3‬تقتيض النزعة اإلنسانية معاملة الناس عىل أساس قيم واحدة‬
‫بقطع النظرعن أنساهبم وأمواهلم ووظائفهم‪ ،‬وهذا من صميم‬
‫احرتامهم بل من صميم التدين احلق الذي علينا متثله يف حياتنا‪:‬‬
‫تقول إحدى الفتيات‪ :‬نشأت يف بيت نعمة‪ ،‬وكان عندنا أكثر من امرأة‬
‫تساعد والديت يف شؤون املنزل وشؤون أرستنا الكبرية‪ ،‬وقد تعلمنا من‬
‫أمي اللطف والذوق والتواضع يف معاملة الفقراء والضعفاء وعامة‬
‫الناس‪ :‬كانت إذا طلبت من إحدى الشغاالت شيئ ًا ترصعىل أن تقول‪:‬‬
‫لو سمحت افعيل كذا‪ ،‬حبيبتي ال ترتكي هذا هنا‪ ...‬كام كانت ترصعىل‬
‫إظهارعواطفها نحو أي شغالة عندنا‪ :‬شكر ًا‪ ،‬اهلل جيزيك اخلري‪ ،‬آسفة‬
‫أتعبتك اليوم‪ ...‬عىل حني أن عمتي كانت تعامل الشغالة التي عندها‬
‫بازدراء‪ ،‬وهلذا كل شهرين أو ثالثة تذهب شغالة‪ ،‬وتأيت أخرى !‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪88‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫النرص عىل النفوس أهم‬ ‫‪ -5‬سمات أخالقية وسلوكية‬
‫إضاءة‬ ‫من النرص عىل األعداء ‪.‬‬

‫‪ -4‬ما يتأذى منه اآلخرون كثري‪ ،‬ومنه أن نحدثهم عن إنجازاتنا‬


‫وإنجازات أبنائنا‪ ،‬ومنه أن تتحدث املرأة عن حسن أخالق زوجها‬
‫أمام امرأة مط َّلقة‪ ،‬وأن يتحدث شخص عن العقارات التي امتلكها‬
‫أمام شخص معدم ال يملك أي يشء‪ .‬أحد اآلباء له اسرتاتيجية ال‬
‫حييد عنها يف هذه القضايا‪ ،‬فإذا سئل عن جتارته وأعامله مل يزد عىل‬
‫القول‪ :‬احلمد هلل نحن يف نعمة‪ ،‬والقول‪ :‬مستورة واحلمد هلل‪ ،‬وإذا‬
‫سئل عن ولد من أوالده مل يزد عىل القول‪ :‬هو بخري وأموره جيدة‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم قبول اإلهانة من أي أحد‪ ،‬وعدم الرضا بإهانة أي إنسان‬
‫أمامنا أمران متالزمان‪ ،‬وقد كان أحد الزعامء األحرار يقول‪« :‬ليس‬
‫إنسان ًا من هيان أمامه إنسان ثم ال يشعر باإلهانة»‪ .‬نحن حني نرفض إهانة‬
‫إنسان إلنسان نكون قد بنينا بيئة أخالقية ال هنان فيها يف يوم من األيام‪.‬‬
‫‪ -6‬االعتذار ملن نقع يف خطأ معه يشء مهم وهو جزء من تكريمنا‬
‫له وجزء من اعرتافنا بإنسانيته وحرمته‪ ،‬يشء مجيل أن نعود الطفل أن‬
‫ينطق كلامت من نحو‪ :‬آسف‪ ،‬أعتذر‪ ،‬حقك ع َّ‬
‫يل‪ ،‬مل أقصد اإلساءة‪،‬‬
‫مل أنتبه‪ ،‬مل أكن لطيف ًا‪...‬‬
‫وجيب أن تكون هذه التعبريات وأشباهها جزء ًا من عالقته مع‬
‫اآلخرين وجزء ًا من جماملتهم وتطييب نفوسهم‪.‬‬
‫إن ما هو مطلوب من أخالقيات وسلوكيات محيدة ونبيلة لـ (ابن‬
‫زمانه) كثري يف احلقيقة‪ ،‬لكني أعتقد أنني قدمت أمهها‪ ،‬واملرجو من‬
‫كل أرسة أن تعمق ثقافتها يف املفردات األخالقية اجلميلة التي حتب‬
‫أن تراها يف سلوك أبنائها‪ ،‬وبناهتا مع التأكيد الشديد عىل أن يكون‬
‫الكبار قدوة للصغار يف كل ما أرشت إليه‪.‬‬

‫‪89‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪6‬‬
‫التفوق والنجاح‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪90‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‪:‬‬

‫التميز والتفوق مطلوبان يف كل زمان وكل مكان‪ ،‬وهلذا كان من‬


‫دعاء عباد الرمحن كام أخربنا اهلل عز وجل‪ :‬ﱫﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﱪ [سورة‬
‫الفرقان‪ ]74 :‬وكام أقول دائ ًام زمان األشياء العادية قد انتهى‪ ،‬وجاء زمان‬
‫األشياء املتفوقة واألشخاص املميزين واملميزين جد ًا‪ ،‬التفوق املقصود‬
‫هنا هو التفوق عىل األقران والزمالء يف الدراسة والعمل ُ‬
‫واخللق‬
‫والصالح وفعل اخلري‪ ،‬وليس التفوق الدرايس فحسب‪ ،‬كام يظن بعض‬
‫اآلباء واألمهات‪ .‬من الواضح جد ًا أن اهلوة احلضارية التي تفصل أمة‬
‫اإلسالم عىل نحو عام عن األمم املتقدمة هي هوة واسعة‪ ،‬وهذا ليس‬
‫عىل الصعيد الصناعي فحسب‪ ،‬وإنام عىل صعيد التعليم والقيم والنظم‬
‫وعىل الصعيد السيايس عىل نحو جيل؛ ولعل من الظاهر للعيان افتقار‬
‫سوق العمل يف مجيع الدول العربية إىل الكفاءات واملهارات العالية‪،‬‬
‫مما جعل األداء يف تنفيذ املرشوعات وإدارة األعامل متدني ًا جد ًا‪ ،‬ولعل‬
‫التامسك األرسي واالجتامعي هو امليزة الكربى لنا بعد أن نذكر امتنان‬
‫اهلل تعاىل علينا باإليامن واملنهج الرباين األقوم‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫حياة من غري أهداف‬
‫هي حياة من غري معنى ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫إليكم اآلن بعض املبادئ واخلطوات واملالحظات التي تساعد‬


‫بعد توفيق اهلل تعاىل عىل تربية الطفل املتميز‪:‬‬
‫‪ -1‬معرفة خاصة‪:‬‬
‫نحن نحتاج من كل أرسة أن تنظر إىل تربية كل طفل من أطفاهلا‬
‫عىل أهنا مرشوع مهم يستحق كل العناية وتوفريكل املوارد واألدوات‬
‫املطلوبة‪ ،‬والبداية دائ ًام يف الثقافة الرتبوية التي عىل األبوين امتالكها من‬
‫أجل نجاح املرشوع‪ ،‬وإن الكتب واملقاالت املتوفرة يف املكتبات وعىل‬
‫الشبكة العنكبوتية (اإلنرتنت) كثرية جد ًا وكافية ملعرفة ما عىل األبوين‬
‫القيام به يف هذا األمر‪ ،‬مع التنويه بأن األمر ليس سه ً‬
‫ال‪ ،‬فنحن نريب يف‬
‫بيئة مفتوحة‪ ،‬ونتعامل مع روح حرة وكائن ناقص الطواعية واملرونة‪.‬‬
‫‪ -2‬مالمح التفوق‪:‬‬
‫الطفل املتفوق هوالذي ُيظهرأداء أوسلوك ًا متميز ًا مقارنة بالفئة‬
‫العمرية التي ينتمي إليها يف جانب أوأكثر يف حاصل الذكاء أوالقدرة‬
‫اإلبداعية العالية أوالقدرة عىل التحصيل الدرايس املرتفع‪ ،‬أوالقدرة‬
‫عىل املثابرة وااللتزام واملرونة واالستقاللية يف التفكري‪ .‬الشك يف أن‬
‫كثري ًا مما ذكرته هبة من اخلالق اجلليل وهباته تتفاوت من طفل إىل‬
‫آخر‪ ،‬املهم عندي أال يمنعنا ما نالحظه لدى الطفل من ذكاء متوسط‬
‫أو تواضع يف القدرات‪ ..‬من االهتامم به والعمل عىل أن يكون شخص ًا‬
‫متميز ًا يف حياته‪ ،‬فالذكاء ليس متطابق ًا مع التفوق والنجاح‪ ،‬وإنام هو‬
‫عنرص مساعد‪ ،‬ويف إمكان الرتبية املمتازة بمشيئة اهلل تكوين طفل‬
‫متفوق وناجح يف حياته‪ ،‬ولو كان ذكاؤه عادي ًا‪ ،‬هذه احلقيقة جيب أن‬
‫نستحرضها يف كل مراحل تربية األبناء‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪92‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫للطفل طاقة حمدودة عىل حتمل املوعظة‪،‬‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫فال حتمله ما ال يطيق فتخرسه ‪.‬‬

‫‪ -3‬الصورة الذهنية‪:‬‬
‫نعرفهم عىل‬
‫كام أننا نحن الذين نسمي صغارنا‪ ،‬كذلك نحن الذين ِّ‬
‫ذواهتم من خالل التشجيع والنقد واألحاديث العادية‪ ،‬وهنا أود أن‬
‫أقول‪ :‬إن الناس يف املايض كانوا كثري ًا ما جيعلون الطفل يرسم صورة‬
‫ِّ‬
‫ويذكرونه بعيوبه‬ ‫ذهنية سلبية عن ذاته إذ ُيعرضون عن تشجيعه‪،‬‬
‫وأخطائه! املطلوب اليوم عكس هذا متام ًا‪ ،‬إذ إن عىل األبوين واإلخوة‬
‫الكبار أن يوضحوا للصغري أهم امليزات التي لديه من نحو سعة اخليال‬
‫وقوة الذاكرة وحسن اخللق واملثابرة ونعومة التعامل مع اآلخرين‬
‫وطاعة الوالدين والصرب عىل متابعة العمل‪ ..‬وإذا كان لدى الطفل‬
‫بعض نقاط الضعف مثل قرصالقامة أو دمامة الوجه أوانخفاض‬
‫مستوى الذكاء أو ضعف القدرة عىل الرتكيز أوبعض عيوب النطق‬
‫فإن من املهم عدم حتدث األهل عن ذلك عىل نحو مبارش ال عىل سبيل‬
‫اجلد وال عىل سبيل املزاح ولكن يتحدثون بطرق شتى عن أشخاص‬
‫ناجحني وصاحلني وحمرتمني عندهم نفس نقاط الضعف التي عند‬
‫ابنهم حتى ال يفكر الطفل فيها ويركزون يف حديثهم عىل نقاط القوة‬
‫بوصفها تعويض ًا عن نقاط الضعف؛ وما يمكن معاجلته عىل نحو‬
‫مبارش مثل ضعف الرتكيز أو فرط احلركة‪ ..‬فإن األرسة تعاجله‪.‬‬
‫عىل األرسة أال تسمح ملدرس غري عارف بمسؤولياته ولقريب أو‬
‫صديق ال يعرف أصول الرتبية أن يشوه الصورة الذهنية التي يقومون‬
‫برسمها وترسيخها لدى الطفل عن ذاته‪.‬‬
‫‪ -4‬املدرسة اجليدة‪:‬‬
‫مهام كان اهتامم األرسة بصغارها‪ ،‬فإهنا ال تستطيع أن تقدم‬

‫‪93‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫أنت ال تستطيع احلصول عىل‬
‫كل اخليارات فركز عىل األهم ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫هلم كل يشء‪ ،‬والطريق األمثل لتفوقهم العلمي هو تدريسهم يف‬


‫مدارس جيدة عىل مستوى التوجيه األخالقي وعىل مستوى التعليم‬
‫والتدريب‪ .‬التعليم اجليد عايل التكلفة هذه األيام وفوق طاقة كثري من‬
‫األرس‪ ،‬لكن من املهم أن يدرك األبوان أن التعليم الرديء أعظم كلفة‬
‫بكثري من التعليم اجليد‪ ،‬ولكن عىل املدى البعيد باإلضافة إىل أنه كثري ًا‬
‫ما يشوه نفسية الطفل‪ ،‬وجيعل طموحاته منخفضة‪ .‬كثري من اآلباء‬
‫يشكون مر الشكوى من قلة املدارس التي جتمع بني البيئة اإلسالمية‬
‫اجليدة والتعليم املتفوق‪ ،‬وهم يف حرية من أمرهم!‬
‫يف ظني أن األفضل هلم هو اختيار املدرسة التي توفر البيئة‬
‫األخالقية‪ ،‬وتقدم املفاهيم الدينية الصحيحة‪ ،‬ثم من خالل جهودهم‬
‫أو جهود مدرس خاص يتم تقوية اجلانب العلمي‪ ،‬وينبغي أن يكون‬
‫هذا ح ً‬
‫ال مؤقت ًا حيث جيب أن يقوم حتالف خيرِّ وقوي بني الرتبويني‬
‫ورجال األعامل من أجل إنشاء مدارس توفر البيئة اجليدة والتعليم‬
‫املمتاز‪.‬‬
‫‪ -5‬تفوق نقي‪:‬‬
‫حني نريب الطفل عىل التفوق والتميز‪ ،‬فإن لنا أن نتوقع بعض‬
‫األعراض اجلانبية السلبية كام هو الشأن يف معظم األشياء وتلك‬
‫األعراض يف احلقيقة عديدة‪ ،‬أمهها شعور الطفل بالكرب والغرور‬
‫ويشء من العناد باإلضافة إىل يشء خطريهواشتعال املنافسة بينه‬
‫وبني أقرانه‪ ،‬وهذه املنافسة قد تؤدي إىل التحاسد والتباغض وحياكة‬
‫املكائد‪ ...‬ومن هنا فإن عىل األبوين مالحظة هذا األمر بعناية‪ .‬إحدى‬
‫األمهات الفاضالت كانت متخصصة يف علم النفس إىل جانب أهنا أم‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪94‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫األعراف الصاحلة هي التي‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫توفر قاعدة للعيش املشرتك ‪.‬‬

‫مثالية بام تعنيه الكلمة قال هلا ولدها والذي كان يف املرحلة اإلعدادية‬
‫(املتوسطة)‪ :‬إين أبذل كل جهدي حتى أكون األول عىل زمالئي‪،‬‬
‫وأعتقد أنني سأفوز بذلك‪ ،‬فأساتذيت حيبونني‪ ،‬وأحيان ًا أذهب إىل‬
‫بعضهم يف مكاتبهم‪ ،‬فيرشحون يل بعض املسائل واملوضوعات التي‬
‫وأحست األم من كالم آخرالبنها‬
‫َّ‬ ‫مل يرشحوها لنا يف قاعات الدراسة‪،‬‬
‫أنه يعمل ضد تفوق اثنني من زمالئه عليه بأساليب شتى‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫يابني ال هيمني أن تكون األول أوالثاين‪ ،‬أوالثالث‪ ،‬فهذا حني تدخل‬
‫اجلامعة لن يكون له أي قيمة‪ ،‬ثم إن ُأ َّ‬
‫خوة اإلسالم تتطلب من املرء‬
‫أن حيب إلخوانه من اخلري مثل ما حيبه لنفسه‪ ،‬وهلذا فأنا أريد منك‬
‫أن تدرس مع بعض زمالئك‪ ،‬وإذا كان بعضهم متعثرين يف بعض‬
‫املواد‪ ،‬فأرجو أن تساعدهم‪ ،‬يابني نجاحك ونجاح زمالئك يصب يف‬
‫النهاية يف مصلحة واحدة‪ ،‬هي مصلحة بلدنا‪ ،‬وأظن أنك تعي ذلك‬
‫عىل نحو جيد!‬
‫‪ -6‬املساعدة عىل الرتكيز‪:‬‬
‫زماننا هو زمان االختصاص واالهتامم بالتفاصيل الصغرية‪،‬‬
‫وسوف يرتسخ هذا يف املستقبل أكثر فأكثر بسبب التقدم التقني‬
‫واملعريف املطرد‪ .‬إن املراقب يالحظ أن كثري ًا من األطفال ال يلقون أي‬
‫عناية ومعونة يف اكتشاف ميوهلم أو يف العثورعىل الفرع املعريف املالئم‬
‫هلم‪ ،‬وذلك بسبب غياب هذه الثقافة عن معظم أرسنا ومدارسنا !‪.‬‬
‫إن من املهم أن نتذكر أن كل طفل هوعبارة عن خمطوطة فريدة يف‬
‫تكوينه اجلسمي والعقيل والنفيس‪ ،‬وسيكون من اخلطأ البالغ معاملة‬
‫كل األطفال معاملة واحدة‪ ،‬كام أن من املهم أن نتذكرأن البارئ جل‬

‫‪95‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫كثرة زجر الطفل تؤسس‬
‫لديه عدم الثقة بالنفس ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫وعز قد منح كل إنسان ميزة معينة‪ ،‬أو نقطة تفوق عىل كثري من أقرانه‪،‬‬
‫ومهمتنا تتمثل يف اكتشاف نقطة التفوق ورعايتها وتنميتها حتى متنح‬
‫الطفل نوع ًا من الفرادة يف بلده وحميطه األوسع‪ .‬الذكاء املوجود لدى‬
‫اإلنسان متنوع‪ ،‬ورغباته أيض ًا متنوعة‪ ،‬واليشء األمجل هو إجياد درجة‬
‫عالية من التوافق بني مواهب الطفل ورغباته‪ ،‬والفرع املعريف الذي‬
‫يتخصص فيه‪ .‬معرفة ميول الطفل وإمكاناته العقلية يمكن اكتشاف‬
‫كثري منها من خالل بعض اختبارات الذكاء‪ ،‬ومن خالل درجات‬
‫الطفل يف املدرسة‪ ،‬ومن خالل مالحظات والديه‪ ،‬وأساتذته‪ ،‬وقد‬
‫يكون األهم من كل ذلك اليشء الذي يرغب الطفل يف قضاء وقت‬
‫فراغه فيه‪ ،‬فاإلنسان يشعر أن معظم األنشطة التي يامرسها يف أوقات‬
‫الفراغ هي أنشطة للمتعة والرتفيه‪ ،‬فإذا رأينا الطفل يميل يف أوقات‬
‫فراغه إىل قرض الشعر أو اخلطابة أو تفكيك وتركيب بعض األجهزة‬
‫واآلالت أو إجراء بعض التجارب الكيميائية والفيزيائية‪ ..‬أدركنا‬
‫بوضوح أن ميوله متجهة نحو ما يشغل به فراغه‪ .‬حني يظهر ميل الطفل‬
‫إىل يشء معني‪ ،‬فإن تشجيعه والثناء عىل إنجازه يرسخ ذلك امليل لديه‪،‬‬
‫كام أن األطفال حيبون أن يكونوا مثل آبائهم يف اختصاصاهتم ومهنهم‬
‫ووظائفهم ومثل أساتذهتم الذين حيبوهنم وحيرتموهنم‪ ،‬لكن هذا قد‬
‫يتوافق مع قدراهتم ومواهبهم‪ ،‬وقد اليتوافق‪ ،‬وال بد من االنتباه إىل‬
‫هذا عىل نحو جيد‪ .‬نحن يف الرتبية كثري ًا ما نقف حائرين أمام معضلة‬
‫كربى‪ ،‬هي‪ :‬كيفية التوفيق بني طبيعة الطفل وميوله وبني أعراف‬
‫املجتمع وتقاليده ومتطلبات العيش فيه‪ ،‬وكثري ًا ما نلجأ إىل احللول‬
‫الوسطى يف هذا‪ ،‬وعىل سبيل املثال‪ :‬إذا كانت هواية الطفل هي‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪96‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫من مهام األبوين تعليم‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫األطفال احلفاظ عىل النعمة ‪.‬‬

‫املطالعة يف كتب التاريخ‪ ،‬فقد ال يكون من املالئم دفعه إىل الرتكيز عىل‬
‫دراسة التاريخ يف اجلامعة‪ ،‬ألن سوق العمل ليس يف حاجة إىل مؤرخ‪،‬‬
‫وإذا كان الطفل حيب دراسة الزراعة‪ ،‬و ُيبدي اهتامم ًا كبري ًا هبا‪ ،‬ولكن‬
‫البلد مملوء باملهندسني الزراعيني‪ ،‬أوأنه ليس فيه نشاط زراعي متقدم‬
‫ومكثف‪ ،‬فإنه يمكن أن نشجع الطفل عىل أن تكون الزراعة هواي ًة‬
‫يامرسها يف أوقات فراغه‪ ،‬ويقدم من خالهلا خدمة ألهله وجمتمعه‪،‬‬
‫وحني يصبح الطفل يف املرحلة املتوسطة أواإلعدادية‪ ،‬فإن من املهم‬
‫أن نساعده عىل الرتكيز عىل ختصص يناسب مواهبه‪ ،‬وحيتاجه البلد‪،‬‬
‫إىل جانب توافر اإلمكانات املادية ملتابعة الطفل أوالفتى لدراسته يف‬
‫املستقبل‪ ،‬وحني يستقر الرأي عىل يشء معني‪ ،‬فإن من املهم التواصل‬
‫مع مدريس الطالب حتى يساعدوه عىل التفوق يف ذلك التخصص‪.‬‬
‫األرسة تلقبه بلقب واحد من أعالم ذلك التخصص‪ ،‬وتتيح له‬
‫الفرصة لزيارة املعارض واملتاحف واملؤسسات واملصانع التي تثري‬
‫وتوسع آفاق تفكريه‪ ،‬وإذا أمكن أن يصل ذلك االبن‬‫ِّ‬ ‫خربات الطفل‪،‬‬
‫إىل آخر مرحلة يف دراسة ما حيبه ويرغب فيه‪ ،‬كان ذلك شيئ ًا عظي ًام‬
‫جد ًا‪.‬‬
‫‪ -7‬التعلق بالكتاب‪:‬‬
‫حضارة اإلسالم بدأت بالقراءة (اقرأ) واستمرت فرتة حيويتها‬
‫بالقراءة‪ ،‬وإن أي هنضة جديدة نؤمل انطالقها البد أن تقوم عىل‬
‫القراءة واصطحاب الكتاب‪ .‬نحن نعرف أن املعرفة هي خبز الدماغ‪،‬‬
‫وأن العقل من غري معرفة يكاد يكون أشبه بحاسوب بدون برامج‪،‬‬
‫ومن هنا كانت تنشئة األجيال اجلديدة عىل حب الكتاب وتعشق‬

‫‪97‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫الدالل الزائد يو ِّلد‬
‫األنانية لدى الطفل ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫املعرفة شيئ ًا ذا أولوية مطلقة إذا ما أردنا ملستقبل األمة أن يكون‬


‫خري ًا من حارضها‪ .‬أحد اآلباء كان يعمل مدير ًا إلحدى الرشكات‬
‫الكربى‪ ،‬ورغم كثرة املحاوالت إال أنه مل يرزق إال ببنت واحدة‪،‬‬
‫وقد حكى الرجل يف مذكراته عن أسلوبه يف تربية ابنته‪ ،‬وكان مما‬
‫قاله‪ :‬مل أنجب سوى بنت واحدة‪ ،‬وقد بذلت أنا ووالدهتا كل جهد‬
‫ممكن يف أن تكون فتاة صاحلة وناجحة يف دراستها وحياهتا العملية‪،‬‬
‫واحلمد هلل هي اآلن أستاذة جامعية يف قسم الفيزياء‪ ،‬وقد حصلت‬
‫عىل عدد من براءات االخرتاع يف جمال ختصصها‪ .‬قد حرصت أن‬
‫أجعل من بيتي بيئة حتفز عىل القراءة والتعليم‪ ،‬فمن جهتي كنت أقرأ‬
‫يومي ًا ساعة عىل األقل‪ ،‬وكانت زوجتي تفعل قريب ًا من ذلك‪ ،‬وكان‬
‫لدينا مكتبة جيدة نمدها باجلديد عىل نحو مستمر‪ ،‬وحني كانت‬
‫ابنتي يف الثالثة كانت زوجتي جتلس مع الصغرية‪ ،‬وتقرأ هلا قصة‬
‫بسيطة مزودة بالكثريمن الصور والرسوم‪ ،‬وحني صارت الصغرية‬
‫يف الصف الثاين االبتدائي كانت تذهب مع والدهتا إىل املكتبة كل‬
‫أسبوعني‪ ،‬وختتار كل القصص واحلكايات التي حتبها‪ ،‬وكنت أنا‬
‫وزوجتي قد تعودنا عادة مجيلة‪ ،‬هي أننا نجلس خالل إجازة هناية‬
‫األسبوع ساعة ليعرض كل منا عىل اآلخر ما قرأه خالل األسبوع‬
‫املنرصم‪ ،‬وحني بلغت ابنتي الثانية عرشة ضممناها إىل جلستنا‪،‬‬
‫وكنا نرص عىل أن تكتب لنا ملخص ًا من صفحة عن أهم ما استفادته‬
‫من مطالعاهتا احلرة خالل األسبوع الفائت‪ ،‬وكانت ملتزمة بذلك‪،‬‬
‫وكان هذا من أكثر املشوقات لنا لالستمرار يف تلك اجللسة‪ .‬طبيعي‬
‫أننا قد صححنا هلا الكثري من التصورات اخلاطئة‪ ،‬والفهم غري‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪98‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ضعف إراداتنا هو السبب‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫الرئيس يف ضعفنا العام ‪.‬‬

‫الصحيح لبعض ما قرأته‪ ،‬لكن كنت أنا ووالدهتا نشعر بتميزها‬


‫ورسعة نضجها العقيل والشعوري‪ ،‬ويتابع الرجل القول‪ :‬فاتني‬
‫أن أقول‪ :‬إننا نعيش بحمد اهلل يف يرس ورخاء‪ ،‬وقد كنت خصصت‬
‫‪ %3‬من دخل األرسة لرشاء الكتب والسفر حلضور بعض املؤمترات‬
‫العلمية املهمة‪ ،‬وكان هذا من أفضل القرارات التي اختذناها حيث‬
‫كان دائ ًام لدينا مال ينتظر الرصف يف املجال املعريف‪ .‬أعتقد أن هذا‬
‫األب قد فعل ما علينا مجيع ًا أن نفعله‪ ،‬فرتك الطفل بدون توجيه‬
‫جيعله ينرصف عن قراءة الكتب‪ ،‬ألن القراءة يف األصل ليست‬
‫باليشء املمتع واجلذاب‪ ،‬والسيام اليوم حيث صارت أفئدة كثري من‬
‫األطفال معلقة باآليباد والتلفاز واأللعاب اإللكرتونية‪ ،‬وال بد من‬
‫سياسة حتول دون إدماهنم عليها‪.‬‬
‫‪ -8‬إبعاد الطفل عن الكساىل‪:‬‬
‫البنية العقلية لدى الطفل بطبيعة احلال هشة‪ ،‬وخرباته يف احلياة شبه‬
‫معدومة‪ ،‬ولذلك فإن من السهل التأثري فيه‪ ،‬وإن الذي ينظر يف حياة‬
‫املراهقني عىل وجه اخلصوص جيد أن كثريين منهم كانوا يف املرحلة‬
‫االبتدائية جمدين ومتفوقني‪ ،‬ولكن يف املرحلة املتوسطة والثانوية تغري‬
‫حاهلم وصاروا يرسبون‪ ،‬أوينجحون بصعوبة‪،‬وحني تبحث عن‬
‫األسباب جتد بعض ًا منها يعود إىل الرفاق والزمالء‪ ،‬حيث إن املراهق‬
‫يتأثركثري ًا بأقرانه يف هذه املرحلة من العمر‪ ،‬ومن خالل التدقيق يف‬
‫بعض احلاالت تبني أن بعض املراهقني صاروا غري مقتنعني بتكميل‬
‫تعليمهم واالعتامد عىل نتائج االختبارات يف رسم مستقبلهم بسبب‬
‫إقناع بعض زمالئهم بأن آباءهم أثرياء‪ ،‬وأن الواحد منهم ليس يف‬

‫‪99‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫روح املرح مرتبطة بالرتبية‬
‫أكثر من ارتباطها بالوراثة ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫حاجة إىل أن يتعب نفسه يف الدراسة‪ ،‬حيث إنه لن حيتاج إىل الوظيفة‪،‬‬
‫وثروة أبيه حتتاج إىل إدارة‪ ،‬ويمكن أن يعمل عندما يكرب يف إدارهتا‪.‬‬
‫بعض وسوسات الطالب الكساىل كانت نابعة من احلسد‪ ،‬فالكسول‬
‫يريد لكل الناس أن يكونوا مثله كساىل‪ ،‬وبعض وسوساهتم كانت‬
‫ترتكز يف تزيني العمل املهني يف عيون زمالئهم املجتهدين‪ ،‬وكم من‬
‫فتى جمتهد قيل له‪ :‬إن استمرارك يف الدراسة حتى تتخرج من اجلامعة‬
‫سوف يستهلك عرشسنوات من عمرك‪ ،‬وبعد ذلك ستناضل من أجل‬
‫احلصول عىل وظيفة ال يسد مرتبها الرمق‪ ،‬ولو أنك تركت املدرسة‬
‫وأنت يف املتوسطة‪ ،‬والتحقت بمهنة من املهن‪ ،‬فإنه خالل ثالث‬
‫سنوات سيصبح لك دخل أفضل من دخل اجلامعي‪ ..‬أضف إىل هذا‬
‫أن الطفل حني يصاحب الكساىل فإنه يشعر بالتفوق ومل يكن بالفعل‬
‫متفوق ًا‪ ،‬هلذا كله وجب عىل األبوين محاية أطفاهلم من صحبة الكساىل‬
‫وذوي الطموحات املتدنية‪ ،‬والذين يدرسون يف مدارس منخفضة‬
‫اجلودة ألهنا يف الغالب تعمل عىل خفض طموحات وتطلعات طالهبا‪.‬‬
‫‪ -9‬تقبل األفكار اجلديدة‪:‬‬
‫(ابن زمانه) سيجد نفسه مغمور ًا باألفكار واألشياء اجلديدة‬
‫بسبب كثرة املخرتعني وكثرة الباحثني يف امليادين كافة‪ ،‬وإن كثرة‬
‫اجلديد ستعني كثرة األشياء واألفكار القديمة واملتقادمة (تقدم‬
‫أجهزة اجلوال نموذج ًا عىل ما نقوله)‪ .‬املوقف من اجلديد سيحدد‬
‫املوقف من القديم‪ ،‬واملوقف من القديم سيحدد املوقف من اجلديد‪.‬‬
‫ال أحد يقول‪ :‬إن كل األفكار واملنتجات القديمة هي أفضل من‬
‫اجلديدة‪ ،‬وال أحد يقول‪ :‬إن كل جديد هو أفضل من القديم ألن‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪100‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫القاعدة التي تقوم عليها العالقات‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫الزوجية هي التخالف وليس التطابق ‪.‬‬

‫الواقع يكذب هذا القول وذاك‪ .‬إذن املوضوع حيتاج إىل بصرية وإىل‬
‫توازن ووعي‪ ،‬وإال فإن االنفتاح املطلق عىل كل جديد وتقبله دون‬
‫تفكري قد يؤدي باملرء إىل الضالل والغواية وأحيان ًا الدمار‪ ،‬كام أن‬
‫جمرب قد يؤدي إىل الضعف‬ ‫التمسك بالقديم ألنه قديم أوألنه َّ‬
‫والعزلة والتهميش وبالتايل التخلف‪ ،‬يقول أحد الشباب النابه‬
‫جد ًا‪ :‬نشأت يف أرسة قروية بسيطة‪ ،‬وقد كان تعليم أيب متواضع ًا‬
‫جد ًا حيث إنه ترك املدرسة حني كان يف الصف اخلامس االبتدائي‬
‫حتى يساعد جدي يف مزرعته‪ ،‬لكن الذين جيلسون مع أيب يظنون‬
‫أنه قد أهنى املرحلة الثانوية أو أكثر ملا يرون يف كالمه من حكمة‬
‫وروية ومعرفة بالواقع وانفتاح عىل األشياء اجلديدة‪ ،‬كان أيب كثري ًا‬
‫ما جيلس مع مثقفي القرية‪ ،‬ويتناقش معهم يف العديد من األمور‪،‬‬
‫وكانوا يسعدون باحلديث معه‪ ،‬وكنت أالحظ أنه يركز عىل العديد‬
‫من املعاين واملفاهيم بطرق وأساليب خمتلفة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ m‬االعرتاف بأننا نخطئ أحيان ًا‪ ،‬ونصيب أحيان ًا أخرى‪.‬‬
‫‪ m‬كل جديد له هبجته ولذته‪ ،‬وكل قديم كان يوم ًا ما جديد ًا وكل‬
‫جديد سيصبح يف يوم من األيام قدي ًام‪ ،‬والعاقل من يستفيد من اجلديد‬
‫قبل أن يصبح قدي ًام‪.‬‬
‫‪ m‬مادام الكامل هلل وحده‪ ،‬ومادام اإلنسان ناقص ًا‪ ،‬فإنه قد ينجح‬
‫يف بعض أعامله‪ ،‬وقد يفشل‪ ،‬املهم أال جيلس الواحد منا يف بيته خوف ًا‬
‫من الفشل‪ ،‬ليحاول ولعل اهلل ييرس له األمور‪.‬‬
‫‪ m‬علينا أال نصغي لليائسني ألهنم مهزومون‪ ،‬ومن اخلطأ االقتداء‬
‫هبم‪ .‬أيب كان صادق ًا مع نفسه وكان فع ً‬
‫ال يتعامل مع والديت ومع إخويت‬

‫‪101‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫توفري بيئة تربوية جيدة هو‬
‫التحدي الذي ينتظر األبوين ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫وفق هذه املفاهيم‪ ،‬بل إن أسلوبه يف (الزراعة) كان وفق املبادئ التي‬
‫ذكرهتا وقد حدث يف أحد األيام أن أرسلت مديرية الزراعة يف املدينة‬
‫مرشد ًا زراعي ًا‪ ،‬وهوشاب متخرج يف كلية الزراعة‪ ،‬وعىل درجة عالية‬
‫من التهذيب واهلدوء‪ ،‬لكن كان فهمه لطريقة تفكري املزارعني حمدود ًا‪،‬‬
‫فقد كان يظن أن دراسته اجلامعية املتخصصة جتعلهم يتقبلون كالمه‬
‫دون نقاش‪ ،‬وهلذا فإنه أرشدهم إىل أمهية (الري بالتنقيط) والتخلص‬
‫من زراعة بعض أنواع اخلضار ألن أرايض القرية ال تناسبها‪ ..‬لكن‬
‫القوم وقفوا منه موقف ًا عدائي ًا وذلك لتوجسهم من العمل بأفكار مل‬
‫جيربوها من قبل‪ ،‬وألن إنتاج أراضيهم وفري ومناسب‪ ،‬أي أهنم مل‬
‫يكونوا يعانون من مشكالت تدفعهم إىل قبول كالم املرشد الزراعي‪.‬‬
‫والدي رمحه اهلل هو الوحيد الذي وقف إىل جانب املهندس‪ ،‬ودافع‬
‫عن أفكاره‪ ،‬بل إنه أول من عمل هبا‪ ،‬وحني تضاعف إنتاج مزرعتنا‬
‫أخذ أهل القرية يقلدونه‪ ،‬وبذلك حتسن وضع قريتنا عىل نحو الفت‪.‬‬
‫عىل الواحد منا أن يناقش مع الصغار باستمرار ميزات األشياء‪،‬‬
‫فحني تطرح فكرة أو خيرج منتج جديد‪ ،‬أو نسمع عن أسلوب جديد‬
‫يف التعامل مع أمر من األمور‪ ،‬فإن من املفيد جد ًا أن تنقسم األرسة‬
‫إىل فريقني‪ :‬فريق يتحدث عن إجيابيات اجلديد وسلبيات القديم‪،‬‬
‫وفريق يتحدث عن سلبيات اجلديد وإجيابيات القديم‪ ،‬ومهام تكن‬
‫قوة حجج كل فريق فإن من املؤكد أننا هبذا احلوار سوف نتخلص من‬
‫االنحيازاملطلق للجديد أوالقديم‪ ،‬وقد قام بذلك كثري من الرشكات‬
‫واملؤسسات الكربى‪ ،‬وتبني أنه أسلوب ناجع لرتشيد العالقة بني‬
‫اإلنسان وبني املتغريات املختلفة يف حميطه‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪102‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫حيتاج الطفل إىل حكاية ما قبل‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫النوم كحاجته إىل حليب أمه ‪.‬‬

‫‪ -10‬ساعده عىل رسم أهدافه‪:‬‬


‫رسم األهداف هو نوع من الرتكيز يف احلياة عىل أمور نعتقد أهنا‬
‫عظيمة ومهمة‪ ،‬أوأهنا توصلنا إىل يشء عظيم وعزيز‪ .‬إن النجاح ال‬
‫يأيت بطريقة اعتباطية‪ ،‬وإنام نتيجة ختطيط واهتامم وعمل عىل املدى‬
‫البعيد‪ ،‬ولوأننا تأملنا يف الناس حولنا لوجدنا أن هلم مجيع ًا رغبات‬
‫وطموحات وأحالم ًا‪ ،‬ألنه من غري هذا تصبح احلياة مستحيلة‪ ،‬لكن‬
‫يتبني لنا أيض ًا أن األحالم يشء واألهداف يشء آخر‪ ،‬وإن نحو ًا من‬
‫‪ 98‬يف املئة من الناس هم أشخاص عاديون‪ ،‬واملتفوقون يف حدود‬
‫‪2‬يف املئة‪ ،‬أما املتفوقون جد ًا فقد ال يصلون إىل ‪ 2‬يف األلف‪ ،‬وهذه‬
‫الظاهرة هلا العديد من األسباب‪ ،‬وهناك من الدراسات ما يفيد أن‬
‫عدم وجود أهداف واضحة ومكتوبة هو السبب األسايس وراء‬
‫ذلك‪ .‬لو تأملنا فيام يقوله صغارنا عن تطلعاهتم يف احلياة لوجدنا‬
‫أهنا بسيطة للغاية وغري عقالنية‪ ،‬فمنهم من يريد أن يكون رشطي ًا‪،‬‬
‫ومنهم من حيب أن تكون لديه يف املستقبل بقالة يبيع فيها‪ ،‬ومنهم‬
‫من ال يعرف ما يريد‪ .‬حني يصبح الطفل يف الثانية عرشة يتعرف‬
‫أكثر عىل ذاته وعىل حميطه‪ ،‬ويسمع عبارات اإلعجاب عىل بعض‬
‫األشخاص واملهن واألعامل‪ ،‬ويبدأ يف حرص تطلعاته يف إطار يشء‬
‫منها‪ ،‬لكن هذا يظل غري كاف‪ ،‬حيث إننا نرى كثري ًا من طالب‬
‫الثانوية حائرين يف التخصص اجلامعي الذي سيدرسون فيه بعد‬
‫نيلهم شهادة الثانوية العامة‪ ،‬وبعضهم قد عزم عىل دخول ختصص‬
‫حمدد‪ ،‬لكنه مل يفعل من أجله أي يشء‪ ،‬فهو من الناحية العملية مثل‬
‫الذي ليس له أي هدف‪.‬‬

‫‪103‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫ابن العارشة يبدأ بالبحث‬
‫عن قدوة‪ ،‬فساعده يف ذلك‬ ‫إضاءة‬

‫لدى خرباء التنمية البرشية يف هذا السياق ثالث مصطلحات‪،‬‬


‫هي‪ :‬الرؤية والرسالة واألهداف‪ ،‬ولألرسة دور جوهري يف مساعدة‬
‫الطفل عىل الوعي هبا مجيع ًا‪.‬‬
‫‪ -1‬الرؤية‪:‬‬
‫هي الصورة املتخيلة للوضعية النهائية التي يسعى إليها اإلنسان‬
‫يف هذه احلياة‪ ،‬الرؤية ال بد أن تكون واقعية أي ممكنة التحقيق‪ ،‬لكن‬
‫إمكانية حتقيقها تظل يف حاجة إىل الطموح واملثابرة والتعب وإجهاد‬
‫النفس‪ .‬نحن املسلمني لنا مذهبيتنا اخلاصة‪ ،‬يف هذا‪ ،‬ومن ثم فإننا‬
‫نقول دائ ًام‪ :‬إن اليشء النهائي الذي نسعى إليه هو وضعية ترىض‬
‫خالقنا عنا‪ ،‬ونحن إذ نرضيه‪ ،‬فإنام نفعل ذلك من خالل نجاح‬
‫وتفوق باهر يف ختصص من التخصصات أوعمل من األعامل‪،‬‬
‫أي إن رؤيتنا دائ ًام مركبة‪ :‬هذا مسلم رؤيته يف احلياة أن ينشئ دار ًا‬
‫لأليتام خالل عرش سنوات‪ ،‬ويعمل عىل إدارهتا بكفاءة إىل أن يلقى‬
‫ربه‪ ،‬وهذا رؤيته أن يكون أفضل داعية إسالمي يف بلده‪ ،‬وهذا‬
‫رؤيته أن يكون بني أفضل عرشة جراحني يف املنطقة‪ ،‬وذلك حتى‬
‫يدرب الكثري من األطباء املبتدئني‪ ،‬وجيري الكثري من العمليات‬
‫اجلراحية املجانية للفقراء‪ .‬األرسة مسؤولة من خالل التشاورمع‬
‫األبناء عىل بناء رؤية كل واحد منهم لنفسه ومستقبله‪ ،‬وحني يصبح‬
‫الطفل يف الثالثة عرشة يمكن للعمل عىل حتقيق الرؤية أن يبدأ من‬
‫خالل املطالعة احلرة ودخول بعض الدورات التدريبية وبعض‬
‫الندوات وورش العمل‪ ،‬والتطوع للعمل يف بعض املؤسسات بام‬
‫خيدم رؤيته الشخصية‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪104‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫من املهم إحاطة العالقة اخلاصة بني‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫الزوجني بالكثري من احلذر والكتامن ‪.‬‬

‫‪ -2‬الرسالة‪:‬‬
‫هي تلك املهام الكربى‪ ،‬وذلك املسار العريض الذي سنسلكه‬
‫إىل حتقيق رؤيتنا ألنفسنا‪ .‬إذا كانت رؤيتي هي أن أكون داعية ناجح ًا‬
‫ومؤثر ًا ومن اخلمسة األوائل يف بلدي مث ً‬
‫ال‪ ،‬فإن رسالتي هي تكوين‬
‫شخصيتي ومعاريف ومهارايت الدعوية عىل نحو يمكنني من ذلك‪،‬‬
‫وهذا يشكل نصف املهمة‪ ،‬أما النصف الثاين فهو القيام بأعامل‬
‫وتكون لدهيم‬
‫ِّ‬ ‫وأنشطة دعوية قوية ومؤثرة‪ ،‬تغري يف حياة الناس‪،‬‬
‫صورة إجيابية جد ًا عني‪ ،‬فام دور األبوين يف هذا؟‬
‫أ‪ -‬حتفيز الطفل عىل مطالعة سري الدعاة الناجحني‪ ،‬وحثه عىل‬
‫اختاذ واحد من أعالمهم قدوة له‪.‬‬
‫ب‪ -‬احلرص عىل أن حيفظ الطفل أوالفتى أكرب قدرممكن من‬
‫اآليات واألحاديث النبوية ألهنا تشكل ذخرية أساسية للداعية‪.‬‬
‫ج‪ -‬االطالع عىل السرية النبوية عىل نحو عميق‪.‬‬
‫د‪ -‬هتيئة الظروف للطفل حتى يتمكن من حضور أكرب قدر ممكن‬
‫من جمالس وحمارضات ولقاءات كبار الدعاة‪.‬‬
‫هـ‪ -‬جعل الولد يعتقد أن اخليار الوحيد الذي ال يفكريف غريه هو‬
‫نيل درجة الدكتوراه يف الدعوة من جامعة جيدة‪.‬‬
‫و‪ -‬تدريبه عىل اخلطابة حتى يربع فيها يف وقت مبكر‪ ،‬وإحلاقه‬
‫بإحدى املجموعات التي تتيح له الفرصة ملامرسة اخلطابة عملي ًا‪.‬‬
‫ز‪ -‬تذكريه دائ ًام باألخالقيات واآلداب التي يتحىل هبا كبار الدعاة‪،‬‬
‫وعىل رأسها اإلخالص هلل تعاىل ثم التواضع‪.‬‬
‫ح‪ -‬العمل عىل تذليل العقبات التي تواجهه خالل امليض يف‬

‫‪105‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫أسوأ يشء يف تربية األبناء ‪:‬‬
‫القسوة واإلمهال ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫طريقه‪ ،‬وكام ذكرت فإن هذه اجلهود تبدأ والطفل يف الثانية عرشة من‬
‫عمره‪ ،‬وبعضها يبدأ قبل ذلك‪ ،‬كام هو الشأن يف حفظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫واألحاديث الرشيفة‪.‬‬
‫‪ -3‬األهداف‪:‬‬
‫هي جمموعة اخلطوات واألعامل املربجمة التي تساعد املرء عىل‬
‫الوصول إىل الرؤية التي رسمها يف خميلته لنفسه‪ ،‬وحني ننظر إىل طبيعة‬
‫االرتباط بني األهداف نجد أن ما هو هدف صغري ليس سوى وسيلة‬
‫هلدف كبري‪ ،‬وما هو هدف كبري ليس سوى غاية لألهداف الصغرية‪،‬‬
‫وهذا يعني أننا ال نستطيع بلوغ أهدافنا النهائية من غريحتديد عدد‬
‫تقربنا منها‪ ،‬وهذه مشكلة معظم الناس‪،‬‬
‫من األهداف الصغرية التي ِّ‬
‫حيث إن يف أذهاهنم أمور ًا يرغبون يف الوصول إليها دون أن حيددوا‬
‫كيفية ذلك الوصول ومتطلباته‪ ،‬فظلت أمنياهتم أحالم ًا هائمة‪ ،‬وماتوا‬
‫دون أن حيققوا شيئ ًا منها!‬
‫يقول أحد األطباء املشهورين‪ :‬حني كنت يف احلادية عرشة من‬
‫عمري سافر أيب والذي كان يتاجر باحلبوب إىل مدينة قريبة من مدينتنا‪،‬‬
‫وأرص عىل اصطحايب معه‪ ،‬ومل أكن أعرف سبب ذلك‪ ،‬ويف الطريق‬
‫َّ‬
‫قال يل‪ :‬كنت وأنا صغري مثلك أحلم بأن أكون طبيب ًا‪ ،‬لكن ظروف‬
‫جدك املادية كانت صعبة جد ًا‪ ،‬فاضطررت لرتك املدرسة بعد إهناء‬
‫املرحلة االبتدائية من أجل مساعدة جدك يف أعامل الزراعة‪ ،‬ومازلت‬
‫أشعر بالكثري من األسى لعدم متكني من ذلك! يقول الطبيب‪ :‬أيب‬
‫أنا أشعر بمثل ما كنت تشعر به‪ ،‬ولكن ال أعرف إن كان حتقيق ذلك‬
‫ممكن ًا‪ .‬قال األب‪ :‬إذا كنت راغب ًا فع ً‬
‫ال فاترك الباقي عيل‪ .‬بعد أيام أنشأ‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪106‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫نقد أفعال الطفل وليس شخصيته ‪.‬‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬

‫أيب وكان مستور احلال من الناحية املادية باالتفاق مع والديت صندوق ًا‬
‫لتوفرياملال من أجل دراستي للطب حني أكرب‪ ،‬وكان كل مخسة أو ستة‬
‫أشهر يذكر يل الرقم الذي بلغته أموال الصندوق من أجل تذكريي‬
‫بإرصاره عىل دراستي للطب‪ ،‬وحني أهنيت دراسة املرحلة املتوسطة‬
‫قال أيب‪ :‬قريتنا بعيدة عن العاصمة حيث كلية الطب كام أن مستوى‬
‫الدراسة لدينا ضعيف‪ ،‬وأنت تعرف أن دراسة الطب حتتاج إىل شهادة‬
‫الثانوية بدرجات عالية‪ ،‬وهلذا فقد قررت أنا ووالدتك االنتقال إىل‬
‫العاصمة‪ ،‬ونظر ًا ألن صندوق دراستك ليس فيه الكثري من املال‪ ،‬فقد‬
‫بعت قطعة من أريض من أجل ذلك‪ ،‬وانتقلنا إىل العاصمة‪ ،‬ودرست‬
‫املرحلة الثانوية يف أحسن مدرسة أهلية يف العاصمة‪ ،‬وحصلت عىل‬
‫درجات مرتفعة‪ ..‬أرسيت منذ انتقالنا إىل العاصمة كانت مرصة عىل‬
‫منادايت بالدكتور خالد‪ ،‬إىل جانب أنني ومن أجل التهيؤ لدخول كلية‬
‫الطب كنت قد تطوعت للعمل مع اهلالل األمحر أربع ساعات يف‬
‫األسبوع‪ ،‬وخالل ذلك حصلت عىل عدد من الدورات يف اإلسعاف‪،‬‬
‫وكنت أتردد عىل املستشفى املركزي للمساعدة يف ترتيب ملفات‬
‫املرىض‪ ..‬دخلت بحمد اهلل كلية الطب وحتقق النصف األول من‬
‫احللم‪ ،‬أما النصف الثاين‪ ،‬فقد كان توفري املال املطلوب للذهاب بعد‬
‫التخرج إىل بلد مرموق للحصول عىل شهادة (البورد) يف أمراض‬
‫الصدر حيث كان ذلك ما أمتناه‪ ..‬مل أكن أعرف حني مهمت بالسفر‬
‫إلكامل دراستي أن أيب قد باع ما تبقى لديه من أرض من أجل ذلك‪،‬‬
‫وسافرت ودرست‪ ،‬وخترجت‪ ،‬وحني عدت بكى أيب بكاء حار ًا من‬
‫شدة الفرح‪ ،‬وقال يل‪ :‬يا بني ال أريدك أن تكون طبيب ًا عادي ًا مثل معظم‬

‫‪107‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫الصمت املستمر للزوج‬
‫يثري غضب الزوجة ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫األطباء‪ ،‬وإنام أريدك إنسان ًا أو ً‬


‫ال وطبيب ًا ثاني ًا‪ .‬قلت ما الذي تقصده؟‬
‫قال‪ :‬ختصص يوم ًا يف األسبوع ملعاجلة الفقراء جمان ًا يف عيادتك‪ .‬قلت‪:‬‬
‫أيب هذا ما أنا عازم عليه‪ ،‬وقد كان ذلك!‪ .‬إن الرؤية التي نملكها‬
‫للصغري‪ ،‬أويمتلكها هو بنفسه أشبه بنبته عزيزة‪ ،‬حتتاج حتى تستمر‬
‫يف النمو إىل سقاية وعناية مستمرة حيث يكون بقاؤها حية هو اهلدف‬
‫النهائي‪.‬‬
‫‪ -11‬املثابرة‪:‬‬
‫املثابرة هي البطل الدائم يف حياة كل الناجحني‪ ،‬وهي الرس‬
‫العميق وراء حتقيق متوسطي الذكاء لنتائج عظيمة مل حيققها بعض‬
‫العباقرة‪ .‬املثابرة تعني القدرة عىل االستمرار يف العمل عىل الرغم من‬
‫الصعوبات واملعوقات والظروف غري املالئمة‪ ،‬وهلذا فإن املثابرة تعرب‬
‫دائ ًام عن روح اإلرصار والصمود وصالبة اإلرادة‪ ،‬وإن من يتمتع‬
‫هبذه الصفات شخص تصعب هزيمته‪.‬‬
‫السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يمكن أن تفعله األرسة‬
‫حتى ترسخ هذه الصفة العظيمة يف سلوك أبنائها؟‬
‫أعتقد أن يف إمكاهنا القيام بالكثري‪ ،‬ومن ذلك الكثرياآليت‪:‬‬
‫نم لدى الطفل بعض األمورالتي تتطلب املثابرة‪ ،‬أو تقوم‬ ‫‪ِّ m‬‬
‫عليها املثابرة‪ ،‬ومنها خلق (الصرب) الصرب عىل االستمرار يف العمل‬
‫والصربعىل قهر الصعاب‪ ،‬والصرب عىل حرمان النفس من بعض‬
‫امللذات‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪ :‬ﱫﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄﱪ [سورة السجدة‪ ]24 :‬ويقول‪:‬‬
‫ﱫ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘﱪ [سورة الزمر‪ ]10 :‬إذا قام‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪108‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫البيئة اجليدة ال توجد املوهبة‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫لكنها تسمح هلا يف الظهور‪.‬‬

‫الطفل بعمل‪ ،‬فطالبه باالستمرار فيه حتى ينتهي‪ ،‬ولو أدى ذلك‬
‫إىل تأخري وضع الطعام مث ً‬
‫ال مدة عرش دقائق‪ ،‬وإذا وجد صعوبة يف‬
‫الذهاب إىل املسجد بسبب برد ومطر‪ ،‬فشجعه عىل ذلك‪ ،‬وهيئ له ما‬
‫يعينه عليه من مظلة ومعطف سميك‪.‬‬
‫‪ m‬إتقان العمل ينمي خ ُلق املثابرة ألنه حيتاج إىل وقت ودقة وأناة‪،‬‬
‫ويف هذا السياق فإن إحدى األمهات كانت تطلب من ابنتها إعادة‬
‫كتابة الواجب املدريس أكثر من مرة بغية إتقانه‪ ،‬وأم أخرى كانت‬
‫تطلب من ابنتها إعادة غسيل بعض الصحون ومسح زجاج النافذة‬
‫إذا مل تقم بام تعتقد أنه املطلوب‪.‬‬
‫‪ m‬يطرأ علينا الكثري من امللل وتصبح املثابرة من غريمعنى‪ ،‬إذا‬
‫مل يكن لدينا حلم نسعى إليه‪ ،‬إن وجود احللم لدى الصغار والكبار‬
‫يعني أن لبذل اجلهد هناية‪ ،‬ويعني أن هناك منطقة للراحة واملتعة‬
‫سنصل إليها‪ ،‬قل له‪ :‬إذا كنت ضمن اخلمسة األوائل يف مسابقة‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فسيكون لزام ًا عيل أن أحقق لك طلبك الفالين‪ ،‬وقل‬
‫له‪ :‬إذا ساعدت إخوتك الصغار يف أداء واجباهتم‪ ،‬فسأشرتي لك‬
‫الدراجة التي حتبها‪ .‬حاول دائ ًام أن تشعره أن مثابرته عىل أي يشء‬
‫ستجلب له الرسور وستجعله حيصل عىل بعض ما يتطلع إليه‪..‬طبع ًا‬
‫من املهم عدم االلتزام الدائم بذلك‪ ،‬إذ عىل الطفل أن يفعل الصواب‬
‫ولو مل تكن هناك مكافأة عليه‪.‬‬
‫‪ m‬اجلهد الذي يبذله الصغري قد يأيت بنتيجة إجيابية‪ ،‬وقد ال يأيت‪،‬‬
‫ومن ثم فإن علينا من أجل تشجيعه عىل االستمرار يف بذل اجلهد‬
‫أن نثني عىل حماوالته وجهوده وليس عىل النجاحات والنتائج التي‬

‫‪109‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬ ‫أخطر ما يواجهه املكروب‬
‫هو اليأس والسلبية ‪.‬‬ ‫إضاءة‬

‫حيصل عليها‪ ،‬فالطفل متوسط أو منخفض الذكاء مهام بذل من‬


‫جهد قد ال يستطيع أن يكون ضمن الثالثة األوائل بني زمالئه يف‬
‫الدراسة‪ ،‬ومن ثم فإنه إذا جدَّ واجتهد فقد قام بام عليه القيام به‪،‬‬
‫واستحق الثناء واإلشادة مهام تكن النتيجة‪.‬‬
‫‪ m‬تنمية اليقني لديه بأن كل عمل إجيايب ال يضيع مردوده أبد ًا‪،‬‬
‫فاهلل عزوجل ال يضيع أجر العاملني والباذلني والناصحني‪ ،‬لكن‬
‫اإلنسان قد يرى آثار عمله الصالح يف القريب العاجل‪ ،‬وقد يراه بعد‬
‫مدة‪ ،‬وقد ال يراه ألن اهلل تعاىل دفع بذلك العمل عن صاحبه رش ًا‬
‫وبالء كان مقدر ًا عليه‪ ،‬أوادخر له ثوابه إىل اآلخرة‪.‬‬
‫‪ m‬مما يساعد عىل املثابرة اجلو اإلجيايب الذي يعيش فيه الطفل‪،‬‬
‫حيث إن سامعه للعبارات املتفائلة ترسخ يف وجدانه أن للعمل واجلهد‬
‫عاقبة حسنة وثامر ًا حلوة‪ ،‬كام ترسخ يف نفسه إمكانية التغيري والتقدم‪.‬‬
‫بعض اآلباء واألمهات ال يدركون هذا املعنى‪ ،‬فرتاهم يتحدثون عن‬
‫سلبيات العمل واألقرباء والزمالء ومشكالت البيئة وسوء التعامل‬
‫من بعض األطراف واجلهات‪ ،‬وهذا كله يرتك ظال ً‬
‫ال قامتة يف نفسية‬
‫الطفل وعىل طريقة تفكريه‪ .‬الطفل يف حاجة إىل جانب اجلواإلجيايب‬
‫إىل العبارات التي حتفزه عىل العمل والعطاء‪ ،‬من نحو‪ :‬يمكنك‪،‬‬
‫وتستطيع‪ ،‬وهل حاولت يف هذا من قبل‪ ،‬وأنت قوي اإلرادة‪ ،‬وقد‬
‫أصبحت قريب ًا من خط النهاية‪ ،‬وكلام مضيت يف الطريق يصبح‬
‫أسهل‪ ،‬وسوف تنسى التعب‪ ،‬وتبقى الثمرة‪...‬‬
‫‪ m‬إذا وجد األهل عم ً‬
‫ال مجاعي ًا مناسب ًا ينخرط فيهم ابنهم‪،‬‬
‫فليشجعوه عىل ذلك‪ ،‬فالعمل مع جمموعة حمبب إىل النفوس‪،‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪110‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫حني نفقد الرغبة‬ ‫‪ -6‬التفوق والنجاح‬
‫إضاءة‬ ‫تفقد املغريات سطوهتا‪.‬‬

‫ويقاوم امللل والسأم‪ ،‬وهو مصدر لتعلم الكثري من األشياء اجلميلة‪.‬‬


‫‪ m‬دعه يتخيل النتائج العظيمة التي يمكن أن حيصل عليها بسبب‬
‫اجتهاده ومثابرته‪ .‬إن للخيال تأثري ًا كبري ًا يف حتريك املشاعر وتثبيطها‪،‬‬
‫وإن صورالفوز وهتنئة األصحاب بالنجاح وبحث الرشكات ودوائر‬
‫األعامل عن اخلبري املاهر‪ ،‬وتبوء املكانة االجتامعية املرموقة‪ ،‬إن كل‬
‫هذه املعاين والصور حتفز األطفال والفتيان والشباب عىل املزيد من‬
‫العمل والعطاء‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪7‬‬
‫القيادة والتأثير‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪112‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير ‪:‬‬

‫عرصنا خيتلف عن العصور السابقة يف كونه قد استطاع أن يمنح‬


‫اإلنسان مركزية أكثر يف كل شؤون احلياة‪ ،‬ونعتقد أن هذه املركزية‬
‫سوف تتزايد مع األيام‪ ،‬ويف هذا عودة إىل (الرؤية القرآنية) حيث‬
‫نجد أن أكثر من ‪ %95‬من اآليات القرآنية (ومثل هذا يف السنة النبوية)‬
‫يتحدث عن اإلنسان‪ :‬عقيدته‪ ،‬تارخيه‪ ،‬واجباته‪ ،‬عالقاته‪ ،‬مصريه‪..‬‬
‫عرصنا هذا هوعرصالقيادة واإلبداع والتعلم الرفيع واملرشوعات‬
‫الذكية واملؤسسات املتعلمة‪ ،‬وإن األرسة احلريصة عىل أن يكون ابنها‬
‫شخص ًا مؤثر ًا يف أهل زمانه مطالبة بإعداده لذلك من خالل توفري‬
‫البيئة التي تدفع به دفع ًا يف اجتاه التميز وتقدم الصفوف‪ .‬لدينا أعداد‬
‫كبرية من الناس حيتاجون إىل من يميض أمامهم يف مرشوع تطوعي‪،‬‬
‫ومؤسسات كثرية‪ ،‬متلك إمكانات كبرية‪ ،‬لكنها مل تظفر بالقيادة‬
‫واإلدارة التي توظف تلك اإلمكانات‪ ،‬ولدينا فرص كثرية حتتاج إىل‬
‫املبادرين ذوي الرؤية الثاقبة كي يستفيدوا وتستفيد منهم األمة‪ ،‬وهلذا‬
‫فإن ختريج جيل من الشباب املزودين بفكر ُ‬
‫وخلق ومهارات القادة‬
‫يشكل أمر ًا ملح ًا للغاية‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬ ‫االرتباك يف تربية األبناء هو األصل ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫يف املايض كانت كلمة (القيادة) توحي باستخدام السلطة‪ ،‬والسيطرة‬


‫عىل اآلخرين وربام القرسواإلكراه‪ ،‬وقد تغري هذا املفهوم اليوم‪ ،‬فالقائد‬
‫ليس هوالذي يتسلط عىل من حتت إمرته‪ ،‬وإنام هو الذي هيتم هبم‬
‫ويرعاهم‪ ،‬وجيذهبم إىل رؤيته وخططه‪ ،‬إنه الذي يثري فيهم احلامسة‬
‫للعمل ومشاعر االنتامء للمؤسسة بام يملكه من بصرية نافذة وعميقة‬
‫وخلق كريم وأداء متفوق‪ ،‬إنه إنسان قبل أن يكون أي يشء آخر‪.‬‬
‫اآلن ما السامت وما املهارات التي ينبغي تنشئة الطفل عليها‬
‫ومتليكه إياها حتى يكون قائد ًا لغريه ومؤثر ًا يف حميطه؟ هي يف احلقيقة‬
‫كثرية‪ ،‬وسوف أقترص عىل ست منها عرب احلروف الصغرية اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬املبادرة ‪:‬‬
‫احلياة االجتامعية ليست منظمة بام يكفي‪ ،‬وهلذا فإهنا متوج بالثغرات‬
‫التي حتتاج إىل من يقوم عىل سدها‪ ،‬ومتوج باملشكالت والقضايا التي‬
‫ال نعرف من هم املسؤولون عن حلها والتعامل معها‪ ،‬وهذا كله‬
‫يتطلب أن يكون لدينا ما ال حيىص من املبادرات واملبادرين من أجل‬
‫ملء الفراغ املوجود يف كل جانب من جوانب احلياة‪ .‬إذا تأملنا قلي ً‬
‫ال‬
‫يف واقع احلياة‪ ،‬فإننا سنجد أن (املبادرة) هي التي تلفت نظر الناس‬
‫إىل أصحاهبا بوصفهم قادة يتقدمون‪ ،‬وهيتمون بام ال هيتم به غريهم‪،‬‬
‫ويرعون من الشؤون ما ال رعاة له‪ ،‬نكون يف جملس‪ ،‬فيعطس أحد‬
‫احلارضين‪ ،‬فإذا بواحد من أهل املجلس يقوم إىل علبة املناديل‪ ،‬ويناوله‬
‫ال‪ ،‬نخرج يف رحلة‪ ،‬فإذا بواحد منا (قد يكون كبري ًا وقد يكون‬ ‫مندي ً‬
‫صغري ًا) قد صار قائد ًا فعلي ًا للرحلة من خالل اخلدمة التي يقدمها‪:‬‬
‫ينصب اخليام‪ ،‬حيرض الطعام‪ ،‬حيرض املاء‪ ،‬جيهز مكان ًا للعب وهكذا‪...‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪114‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫التوازن عزيز وصعب‪.‬‬ ‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬
‫إضاءة‬

‫ال أكون مبالغ ًا لذا قلت‪ :‬إن املبادرة لدى شخص من الناس هي أقوى‬
‫دليل عىل متتعه بالسامت والقدرات القيادية يف احلياة العامة عىل األقل‪،‬‬
‫ومن ثم كان لزام ًا عىل األرس أن تنمي روح املبادرة لدى صغارها بكل‬
‫الوسائل املمكنة ‪:‬‬
‫كيف ننمي لدى الطفل فضيلة املبادرة؟‬
‫أ‪ -‬القدوة احلسنة‪ :‬وجود أب مبادر يظل شيئ ًا أساسي ًا يف تكوين‬
‫فضيلة املبادرة لدى الصغار‪ ،‬ومن هنا تنبع األمهية القصوى النخراط‬
‫األبوين يف عمل تطوعي ينتفع به الناس مهام يكن ذلك العمل‬
‫بسيط ًا وصغري ًا‪ .‬إن الطفل حني ينظر إىل والده‪ ،‬وهو يساعد أيتام ًا‬
‫يف بناء مسكن هلم‪ ...‬يدرك أمهية عدم التمحور حول الذات‪ ،‬وأمهية‬
‫اإلسهام يف مساعدة اآلخرين‪.‬‬
‫ب‪ -‬التشجيع عىل املحاولة‪ :‬يشعر كثري من الناس بأمهية تقديم‬
‫خدمة ما‪ ،‬لكن الذي يمنعهم من تقديمها هو اخلوف من الفشل‬
‫حيملوا أنفسهم ما ال يطيقون‪ ،‬ويف هذه احلالة فإن‬
‫واخلوف من أن ِّ‬
‫عىل الكبار يف األرسة أن يرشحوا للصغار أمهية االنطالق إىل فعل‬
‫يشء يعود عليهم أوعىل جمتمعهم باخلريوالنفع مع التهوين من شأن‬
‫اإلخفاق‪ ،‬فالذي حياول ويفشل أفضل بكثري من الذي ال يقوم بأي‬
‫أن من اجتهد‬ ‫حماولة‪ ،‬وإن الذي حياول جيتهد‪ ،‬وقد أخربنا نبينا‬
‫فأصاب‪ ،‬فله أجران‪ ،‬ومن اجتهد فأخطأ‪ ،‬فله أجر واحد‪.‬‬
‫ج‪ -‬كثرة الفرص‪ :‬من املهم أن نرشح للطفل أن لدينا دائ ًام ما‬
‫يكفي من الفرص لتقديم خدمة متميزة واإلسهام يف ختفيف معاناة‬
‫شخص أوأرسة‪ ،‬ومساعدة شخص عىل أن حييا حياة أفضل‪ ،‬واألجر‬

‫‪115‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬ ‫التوسط فضيلة الفضائل ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫عظيم عند اهلل تعاىل‪ ،‬ويكفي يف هذا قوله ‪« :‬من كان يف حاجة أخيه‬
‫فرج عن مسلم كربة‪ ،‬فرج اهلل عنه هبا كربة‬
‫كان اهلل يف حاجته‪ ،‬ومن َّ‬
‫من كرب يوم القيامة‪[ »...‬أخرجه الشيخان] نعم ما ُيغلق باب أمام‬
‫مبادرة أو عمل من األعامل حتى يفتح باب آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬الثقة بالنفس‪:‬‬
‫عملية القيادة والتأثري يف اآلخرين حتتاج إىل أن يكون من يريد قيادة‬
‫الناس موضع ثقة لدهيم‪ ،‬وال يكون الشخص موثوق ًا لدى غريه إال إذا‬
‫كان يثق بنفسه وقدراته‪ ،‬والشك يف أن بعض الناس يولدون ولدهيم‬
‫استعداد قوي ألن تكون ثقتهم بأنفسهم عالية‪ ،‬ولكن يظل للتعامل مع‬
‫الطفل وتدريبه تأثري ال يستهان به يف إكسابه تلك الثقة‪ .‬عدم تعريض‬
‫الطفل لإلهانة إىل جانب الثناء عليه وإشعاره بأمهيته من األموراملهمة‬
‫يف جعله يثق بنفسه‪ ،‬أضف إىل هذا تدريبه عىل اكتساب كثري من‬
‫ال وصعب ًا يصبح ممكن ًا وسه ً‬
‫ال بعد‬ ‫اخلربات واملهارات‪ ،‬فام يبدو مستحي ً‬
‫التدريب عليه‪ ،‬يقول أحد املدراء الناجحني‪ :‬كان أيب رمحه اهلل شيخ ًا‬
‫لقبيلة كبرية‪ ،‬وقد ورث الوجاهة يف قبيلته من أبيه‪ ،‬وقد كان حتصيله‬
‫العلمي دون املتوسط‪ ،‬لكنه كان حكي ًام تلجأ إليه القبيلة يف امللامت‪ ،‬كام‬
‫أنه بسبب صمته وهدوئه وبعد نظره كانت له مهابة عظيمة يف نفوسنا‬
‫ونفوس الناس من حوله‪ .‬بوصفى أكرب أوالده كان من غري أن خيربين‬
‫يعدُّ ين ألن أكون خليفته‪ ،‬مع أنه مل يتحدث أمامي يف يوم من األيام عن‬
‫ذلك‪ ،‬لكن اكتشفت ذلك بعد أن دخلت كلية إدارة األعامل‪ ،‬فقد تبني‬
‫ال إعداد ابن عزيز عليه ليكون‬ ‫يل أن أيب يترصف معي كمن يريد فع ً‬
‫زعي ًام لقومه يف املستقبل‪ ،‬ويصعب عيل تعداد كل الطرق واألساليب‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪116‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫التخلص من األفكار البالية‬ ‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬
‫إضاءة‬ ‫هو التحدي الذي يواجهنا‬

‫التي اتبعها من أجل بلوغ ذلك‪ ،‬لكن أذكر منها اآليت‪:‬‬


‫‪ m‬كان يستشرياألرسة يف كل القرارات التي يريد اختاذها‪ ،‬وحني‬
‫أصبحت يف املرحلة اجلامعية صار يستشريين يف بعض شؤون القبيلة‪،‬‬
‫والسيام حل املشكالت العويصة‪.‬‬
‫‪ m‬ال أذكر أبد ًا أنه يف أي يوم وأي ظرف رصخ يف وجهي أو‬
‫وجه إىل أي هتديد‪ ،‬وكان إذا رأى شيئ ًا ال يعجبه ينظر إ َّيل نظرة حادة‬‫َّ‬
‫وخاطفة‪ ،‬فأفهم فور ًا ماذا يريد‪.‬‬
‫‪ m‬كان أيب شجاع ًا يف االعتذار عن اخلطأ‪ ،‬وطلب الصفح‪ ،‬وقد‬
‫استطاع من خالل ذلك أن جيعل االعتذار سه ً‬
‫ال جد ًا عند كل من يف‬
‫البيت‪.‬‬
‫‪ m‬كان والدى يثني ع َّ‬
‫يل يف بعض األحيان أمام ضيوفه‪ ،‬وأذكر‬
‫يف إحدى املرات وأنا يف الثانية عرشة كيف مدح قيامي إىل صالة‬
‫الفجر هبمة ونشاط‪ ،‬ومل أكن هكذا دائ ًام‪ ،‬لكن بعد ثناء أيب رصت‬
‫فع ً‬
‫ال أستيقظ إىل الصالة‪ ،‬وأوقظ إخواين‪.‬‬
‫كان أيب يشجعني عىل أن أطرح ما لدي من أفكار‪ ،‬وكان‬ ‫‪m‬‬

‫يستمع بإنصات وصرب‪ ،‬كام أنه كان يشجعني عىل أن أسأل عن‬
‫األشياء التي ال أعرفها‪ ،‬وكان يف الوقت نفسه يقول يل وإلخويت‪ :‬إن‬
‫اإلنسان الشهم يأبى الضيم‪ ،‬وإذا حاول أحد إذالله أوإجباره عىل‬
‫يشء ال يريده‪ ،‬فإنه يقول (ال) بملء فيه‪.‬‬
‫‪ m‬كان كثري ًا ما يقول يل‪ :‬يا بني أنت أكرب أوالدي‪ ،‬وأرى فيك الكثري‬
‫من اخلري‪ ،‬فحاول أن تكون حمبوب ًا من إخوتك‪ :‬آثرهم عىل نفسك‪،‬‬
‫وقدم هلم املساعدة املمكنة‪ ،‬وإذا غلط أحد منهم‪ ،‬فساحمه بعد أن تعرفه‬

‫‪117‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬ ‫الفرص املتوارية تنتظر خطواتك األوىل ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫عىل غلطه‪ ،‬وقد أخذت بنصائحه‪ ،‬ورصت أنا وإخويت مرضب املثل‬
‫يف التحابب والتفاهم بني مجيع أقربائنا‪ .‬أنا اليوم أدير رشكة كبرية‪ ،‬ويل‬
‫مكانة مرموقة لدى مجاعتي‪ ،‬وإين أشعر بحق أن ما تعلمته من أيب ويف‬
‫بيتي أهم مما درسته يف كلية إدارة األعامل يف اجلامعة!‬
‫‪ -3‬حتمل املسؤولية‪:‬‬
‫لعل من أهم صفات القادة القدرة عىل حتمل املسؤولية‪ ،‬وذلك ألن‬
‫معظم األشخاص العاديني يفرون من حتمل أي مسؤولية يف الوظائف‬
‫ويف األعامل التطوعية ويف احلياة اليومية أيض ًا إهنم حيبون املكوث يف‬
‫الظل والبقاء يف الصفوف اخللفية‪ ،‬ومع أن بعض الناس خلقوا هكذا‬
‫إال أن من الصحيح أيض ًا أن بعض األرس ال تساعد أبناءها عىل امتالك‬
‫الشعور باملسؤولية وال تدرهبم عىل حتملها‪ ،‬وذلك بسبب الدالل‬
‫الزائد حين ًا وبسبب الشك يف قدراهتم يف أحيان أخرى‪ .‬إن مما يساعد‬
‫عىل تنمية القدرة عىل حتمل املسؤولية لدى الطفل اآليت‪:‬‬
‫‪ m‬تكليف الطفل بالقيام ببعض املهام مثل الذهاب إىل البقالة‬
‫وترتيب غرفته اخلاصة‪ ،‬ورعاية أخيه الصغري والرد عىل اهلاتف‪...‬‬
‫‪ m‬عدم استخدام أسلوب املكافأة عىل أداء األعامل بشكل مستمر‬
‫أوغالب‪ ،‬إذ ينبغي عىل الطفل أن يفهم أن عيشه داخل أرسة يتطلب‬
‫منه املسامهة يف خدمتها والنهوض ببعض أعباء املنزل‪ .‬إن مكافأة‬
‫الطفل عىل نحو مستمر يشعره بأنه متربع بام يقوم به‪ ،‬وهلذا فله أن‬
‫يكف عن ذلك متى ما شاء‪.‬‬
‫‪ m‬عىل الطفل أن يتحمل عواقب إمهاله وتقصريه‪ ،‬فهذا جيعله‬
‫يشعر باملسؤولية جتاه ترصفاته وممتلكاته‪ ،‬فإذا كان الطفل مث ً‬
‫ال يفقد‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪118‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫أخطاؤنا هي التي متنح العدو‬ ‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬
‫إضاءة‬ ‫فرصة التفوق علينا ‪.‬‬

‫أدواته املدرسية بكثرة‪ ،‬فإن عىل األم أن ختصم من مرصوفه ثمن ما‬
‫يفقده من أدوات‪ ،‬وإذا كانت ثياب الطفل تتسخ بكثرة نتيجة عدم‬
‫انتباهه فلها أن تكلفه بغسلها وهكذا‪...‬‬
‫‪ m‬منح الطفل مرصوف ًا حمدد ًا منذ الصغر جيعله يعرف قيمة املال‪،‬‬
‫ويعلمه رضورة تقنني رصفه حتى ال جيد جيبه فارغ ًا وهو يف أمس‬
‫احلاجة إليه‪.‬‬
‫الثناء عىل الطفل كلام نجح يف حتمل بعض املسؤوليات‪،‬‬ ‫‪m‬‬

‫فالثناء من أكرب املحفزات عىل االستمرار يف القيام باألعامل اجليدة‪،‬‬


‫والصغاروالكبار يتشوقون إىل التحفيز والتشجيع يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل ضمن فريق ‪:‬‬
‫كلام تعقدت احلياة أكثر كثرت األعامل التي حتتاج إىل أداء مجاعي‪،‬‬
‫و(ابن زمانه) سيجد أن عليه أن يوطن نفسه لذلك عىل نحو جيد‪،‬‬
‫وإال فإن الفشل سيكون حليفه‪.‬‬
‫العمل ضمن فريق يتطلب تنمية الروح اجلامعية وتنمية القدرة‬
‫عىل التكيف وتعلم حسن التعامل مع الناس‪ ...‬يقول أحد الشباب‪:‬‬
‫كان أيب مدرب ًا لفريق كرة القدم يف مدينتنا‪ ،‬وكان هيتم برتبيتنا بطريقة‬
‫مدهشة‪ ،‬وكان يؤكد باستمرار عىل أمهية (اإلنجاز اجلامعي) ويبدو‬
‫أن طبيعة عمله جعلته هكذا‪ ،‬وكان يف احلقيقة قدوة حسنة لنا يف هذا‬
‫األمر ويف غريه‪ ،‬وكان كثري ًا ما يؤكد عىل املعاين التالية‪:‬‬
‫حسن االستامع لوجهات نظر اآلخرين‪ ،‬ويتأكد ذلك بني‬ ‫‪m‬‬

‫العاملني يف جمال واحد‪ .‬حني كنت أحدث أيب يف موضوع كان يضع‬
‫كل يشء يف يده جانب ًا‪ ،‬ويصغي إ ّيل باهتامم بالغ‪ ،‬وكان من عادته إذا‬

‫‪119‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬ ‫هناك اهتامم‪ ،‬هناك خمرج ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫رشد أثناء رشحي ملشكلة أو قضية من القضايا أن يطلب منى اإلعادة‪.‬‬


‫‪ m‬فهم طبيعة العمل الذي يشرتك فيه أعضاء الفريق‪ ،‬حتى ال‬
‫ينشب النزاع بينهم يف أي مرحلة من مراحله‪ ،‬يقول الشاب‪ :‬حني‬
‫كنت يف السنة األخرية من كلية اهلندسة‪ ،‬كلفت أنا وأحد زمالئي بام‬
‫يسمى (مرشوع التخرج) وقد جلس أيب نصف ساعة ليتعرف عىل‬
‫حيثيات املرشوع وليوجه يل النصائح يف شأنه‪.‬‬
‫فهم اخللفية النفسية والفكرية ألعضاء الفريق‪ ،‬وهذا مهم‬ ‫‪m‬‬

‫للغاية‪ ،‬وذلك ألن بعض الناس يميلون إىل التشاؤم أوالتفاؤل املفرط‪،‬‬
‫وبعضهم شديد احلساسية للتدخل يف خصوصيته‪ ،‬وبعضهم يشمئز‬
‫من بعض الترصفات‪ ..‬وهذا كله يؤدي إىل تنازع الفريق وتشتيت‬
‫الروح اجلامعية لديه‪.‬‬
‫‪ m‬احلفاظ عىل أرسار العمل‪ ،‬وهذا يف احلقيقة مطلوب يف كل‬
‫وقت؛ ويف زماننا هذا صار إفشاء أرسار العمل عبارة عن جريمة‬
‫كربى ألنه قد يؤدي إىل إفالس رشكة عمالقة وناجحة‪ .‬العمل ضمن‬
‫فريق يقوم عىل الثقة‪ ،‬وال يمكن بناء الثقة بني أعضاء فريق ال هيتمون‬
‫بمصلحة العمل‪ ،‬أو يبدون استعداد ًا لبيعها بأي ثمن!‬
‫‪ m‬استشارة أفراد املجموعة يف كل جزئية من جزئيات العمل‬
‫املشرتك والسيام إذا كانت تتطلب ترصف ًا أو قرار ًا غري عادي‪ ،‬يقول‬
‫الشاب‪ :‬كان أيب يناقش مع والديت ومعنا كل صغرية وكبرية من‬
‫شؤون أرستنا‪ ،‬وكان يرضخ لرأي األكثرية‪ ،‬ويقول‪ :‬يف الشورى‬
‫بركة وخري وإن كانت نتيجتها مغايرة ملا نحب أو نرى أنه الصواب‪.‬‬
‫‪ m‬االعرتاف باخلطأ واملبادرة إىل تصحيحه من أهم اآلداب التي‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪120‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫املستقبل مرهتن لقرارات اليوم ‪.‬‬ ‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬
‫إضاءة‬

‫ينبغي عىل املنخرطني يف عمل مجاعي التحيل هبا ورئيس الفريق مطالب‬
‫أكثر من غريه هبذا‪ ،‬وذلك ألن كل جو العمل سيصبح سيئ ًا يف حال‬
‫التامدي يف ارتكاب األخطاء وعدم وضعها عىل طاولة البحث واملناقشة‪.‬‬
‫‪ m‬إن تنمية الروح اجلامعية مطلب إصالحي وحضاري ومهني‪،‬‬
‫وإن من املهم املسامهة فيها من لدن كل األطراف ويف مجيع املجاالت‪.‬‬
‫‪ -5‬متحدث لبق ومقنع‪:‬‬
‫مل خيطئ العرب يف اجلاهلية حني كانوا ُيظهرون الفرح‪ ،‬ويقيمون‬
‫الوالئم إذا نبغ فيهم شاعر فذ أو خطيب المع‪ ،‬ففصاحة املتكلم وقدراته‬
‫عىل التأثري يف سامعيه من األمور املطلوبة للزعامة والوجاهة والتقدم‬
‫عىل األقران‪ ،‬ويف املايض كان وجود خطيب مفوه مه ًام جد ًا بالنسبة‬
‫إىل قبيلته‪ ،‬إذ كان بمثابة إذاعة أو فضائية تنرش فضائل القبيلة‪ ،‬وتدافع‬
‫عن أحساهبا ومواقفها‪ ...‬يف العرص احلديث أدرك كثري من املسؤولني‬
‫عن الرتبية والتعليم يف العديد من الدول أمهية امتالك األطفال ملهارة‬
‫التحدث‪ ،‬فقرروا مادة اخلطابة بدء ًا من املرحلة االبتدائية‪ ،‬وكان لذلك‬
‫آثار عظيمة يف شخصيات األطفال وثقافتهم‪ ،‬إن يف إمكان األرسة‬
‫جعل القدرة عىل التحدث املؤثرواملقنع رافعة لشخصية الطفل عىل‬
‫املستوى املعريف واللغوي ومستوى اللباقة والتهذيب وفهم حاجات‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫األب يستطيع وبمعاونة األرسة تأسيس الرباعة يف الكالم لدى‬
‫الطفل من خالل التوجيه والتدريب عىل اإللقاء أمام أفراد األرسة‬
‫أو ً‬
‫ال ثم أمام األقرباء واألصدقاء‪ ،‬وهذه بعض النصائح املوجزة يف‬
‫هذا الشأن‪:‬‬

‫‪121‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬ ‫حني تبلغ املأساة هنايتها ينفتح للناس طريق ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫أ‪ -‬إعداد الطفل ليكون متحدث ًا لبق ًا وخطيب ًا مؤثر ًا ال يتم بالرسعة‬
‫التي نتمناها‪ ،‬وإنام حيتاج إىل وقت وصرب وإعداد‪.‬‬
‫ب‪ -‬البد من أن حيفظ الطفل الكثري من النصوص حتى يصقل‬
‫هبا خطابه‪ ،‬ويدعم هبا طرحه‪ ،‬ويأيت يف الذروة منها كالم اهلل تعاىل‬
‫ثم الشعر وبعض األمثال واألقوال املأثورة‪.‬‬ ‫وكالم رسوله‬
‫ج‪ -‬ندرب الطفل عىل الكلامت القصرية التي ال تتجاوز مدة‬
‫إلقائها مخس دقائق‪.‬‬
‫د‪ -‬نعرض أمام الطفل رشيط (فيديو) لطفل يتحدث بطالقة‬
‫وفصاحة مؤثرة‪ ،‬وندله عىل النقاط التي جعلته متميز ًا‪.‬‬
‫هـ‪ -‬نطلب من الطفل قبل أسبوع من موعد إلقاء كلمته أن‬
‫حيضرِّ ها بشكل‪ ،‬جيد وتكون جلسات االستامع يف البداية خالية من‬
‫أي نقد‪ ،‬وإنام التشجيع والثناء واإلعجاب‪.‬‬
‫و‪ -‬حني يصبح الطفل يف املتوسط نبدأ بتسجيل املالحظات‬
‫وإظهارها له‪.‬‬
‫ز‪ -‬املالحظات تدور حول الفكرة األساسية للكلمة ومدى‬
‫صواهبا وأمهيتها ثم حول أسلوب اإللقاء واستخدام طبقات الصوت‬
‫وحركات الوجه واليدين‪ ،‬وال بد من أن نويل لسالمة اللغة أمهية‬
‫خاصة‪ ،‬والسيام يف هذه األيام حيث صارت اللغة الفصيحة بني فكي‬
‫كامشة‪ :‬اللغات األجنبية واللهجات العامية !‬
‫ح‪ -‬إذا مل تكن األرسة قادرة عىل تدريب أطفاهلا عىل اخلطابة‪،‬‬
‫فلتلتمس هلم من يدرهبم عليها‪ ،‬وإن مسجد احلي مكان مناسب لذلك‪،‬‬
‫كام أن بعض املراكز التدريبية تقدم دورات متخصصة يف هذا الشأن‪.‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪122‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫التقليل من الرش يف املجتمع‬ ‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬
‫إضاءة‬ ‫هم كل مسلم غيور ‪.‬‬

‫مهارات اإلقناع‪:‬‬
‫لعل من أهم سامت القائد الناجح امتالك القدرة عىل التأثري يف‬
‫اآلخرين من خالل جعلهم يتبنون أفكاره‪ ،‬ومن خالل جعلهم‬
‫ينظرون إىل أولوياته عىل أهنا أولويات هلم‪ .‬نحن حني نتحدث هنا‬
‫عن اإلقناع نتحدث عن اإلقناع النزيه والقائم عىل أسس صحيحة‬
‫ومقبولة‪ ،‬وذلك ألن اإلقناع قد يتم عن طريق اخلداع واإلغراء‪،‬‬
‫وأحيان ًا يكون اإلقناع عن طريق الوصول إىل حل وسط بني شخصني‬
‫أوفريقني متخاصمني أو خمتلفني‪.‬‬
‫يف اعتقادي أن األرسة اجليدة قد ال متتلك مهارات اإلقناع املطلوبة‪،‬‬
‫لكنها تستطيع تقديم األساس األخالقي والفكري من خالل التأكيد‬
‫عىل بعض املعاين من نحو ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تعليم الطفل اختيار الوقت واملكان املناسبني لطرح أفكاره‪،‬‬
‫فا لفكرة مهام كانت ممتازة إذا طرحت يف وقت غري مناسب مل يلتفت‬
‫إليها الناس‪ ،‬ومل هيتموا هبا‪ .‬أحد اآلباء كان يدرب أطفاله عىل هذا‬
‫من خالل حتديد وقت يف األسبوع لسامع مقرتحات كل أفراد األرسة‬
‫ومناقشتها وأيض ًا كان ينبه األطفال عىل أمهية عدم التحدث أمام‬
‫الضيوف بأي يشء يتعلق باألرسة‪.‬‬
‫ب‪ -‬من املهم ملن يريد إقناع اآلخرين بفكرة أن تكون قناعته هبا‬
‫شديدة وإال فسيخفق‪ ،‬وقد يقنعه اآلخرون برتكها واعتناق فكرة‬
‫مضادة هلا‪ .‬يف هذا السياق قد يكون من املناسب تعليم الطفل األناة‬
‫قبل طرح أي فكرة أو املجادلة عنها‪ ،‬وذلك من خالل النظر إليها‬
‫عىل أهنا خيار من اخليارات‪ ،‬وبعد التأمل يف مجيع اخليارات ووجهات‬

‫‪123‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬ ‫التطوع مصدر رفاهية الروح ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫النظر األخرى يتم تبني الفكرة‪ ،‬أو العدول عنها‪ ،‬وقد رأينا كثري ًا من‬
‫الشباب وهم يظهرون محاسة شديدة ألمور ليست من الصواب يف‬
‫يشء‪ ،‬ولو أهنم بذلوا جهد ًا يف دراستها ملا حتمسوا هلا‪.‬‬
‫ج‪ -‬نحن نريد تنشئة أطفالنا عىل احلوار‪ ،‬وليس عىل اجلدال‪ ،‬احلوار‬
‫يعني توضيح وجهة النظر من غري إحلاح عىل الطرف اآلخر بقبوهلا‪،‬‬
‫وذلك ألن احلوار هو عملية إضاءة متبادلة للنقاط املظلمة‪ :‬أيضء‬
‫لك نقطة ال تراها‪ ،‬وتيضء يل نقطة ال أراها‪ ،‬وبعد ذلك لكلٍ منا احلق‬
‫يف اختيار ما يراه صواب ًا‪ ،‬أما اجلدال فإنه هيدف إىل التغلب عىل اآلخر‬
‫من خالل تغيري قناعته‪ ،‬وكثري ًا ما يشعر من هندف إىل إقناعه بيشء من‬
‫األشياء بأنه مقهور ومضغوط عليه وهذا يؤدي إىل أن يقف موقف‬
‫املعاند املتكرب‪ ،‬وما أمجل قول البارئ عز وجل‪ :‬ﱫﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﱪ [سورة سبأ‪]24 :‬‬
‫د‪ -‬املهم دائ ًام هو االهتداء ألفضل األفكار وأفضل األساليب التي‬
‫تساعدنا عىل الرقي والتقدم بقطع النظر عن صاحبها ومصدرها‪ ،‬هذا‬
‫ما يقتضيه اإلخالص واحلرص عىل اخلري‪ ،‬ورحم اهلل اإلمام الشافعي‬
‫إذ يقول‪« :‬ما جادلت أحد ًا إال متنيت أن ُيظهر اهلل احلق عىل لسانه‬
‫دوين»! هذا قمة التجرد واإلخالص‪ ،‬إذن علينا تربية الطفل عىل الفرح‬
‫بالوصول إىل احلق واحلقيقة بقطع النظر عن أي يشء آخر‪ ،‬وهذا يمد‬
‫جسورالتواصل والثقة واملحبة بني القائد وبني من حتت قيادته‪.‬‬
‫هـ‪ -‬يف عملية اإلقناع جيب البدء بام هو متفق عليه‪ ،‬ثم يصار إىل إقناع‬
‫السامعني باليشء املختلف فيه‪ ،‬مث ً‬
‫ال أم تريد إقناع ابنتها بأمهية عدم النوم‬
‫بعد الفجر وأمهية استغالل ذلك الوقت يف القراءة‪ ،‬فامذا تقول؟‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪124‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ليس املهم ما قيل ولكن كيف قيل‪.‬‬ ‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬
‫إضاءة‬

‫تقول‪ :‬نحن متفقون عىل أن علينا أن ننام بالقدر الكايف ومتفقون‬


‫عىل أن نوم أول الليل أنفع للبدن‪ ،‬ومتفقون عىل أمهية التفوق‬
‫والنجاح يف دراستك‪ ،‬ومتفقون عىل أن الطريق إىل ذلك هو املزيد‬
‫من القراءة والبحث‪ ،‬كام أننا متفقون كذلك عىل أن للنوم سلطانه‬
‫الكبريعلينا‪ ،‬ولكن ال بد من أن نقاومه‪ ،‬ونبحث عن وقت يكون‬
‫الذهن فيه صافي ًا‪ ،‬الدماغ مرتاح ًا‪ ،‬وأنا أعتقد أن وقت ما بعد صالة‬
‫الفجرهوالوقت األكثر مناسبة لذلك‪ ،‬وأنا سأعد لك القهوة‪،‬‬
‫وأجلس يف الغرفة األخرى ألقرأ أيض ًا يف كتاب‪ ،‬وبعد ساعة نقوم‬
‫مع ًا لنفطر‪ ،‬وتستعدي للذهاب إىل املدرسة‪.‬‬
‫و‪ -‬يف عملية اإلقناع علينا تبسيط األفكار التي نود إقناع اآلخرين‬
‫هبا‪ ،‬ويفضل دائ ًام أن يكون ما نحاول إقناع الناس به عبارة عن فكرة‬
‫واحدة واضحة‪ .‬أحد اآلباء كان يلزم نفسه بأال يناقش أي ًا من أبنائه‬
‫بأكثر من قضية أو مشكلة واحدة حتى لو كان يشعر أن ابنه حيتاج‬
‫إىل املناصحة يف أربع أو مخس مسائل‪ ،‬أو يشعر بأن لديه ثالث أفكار‬
‫ذهبية يستفيد منها كل أفراد األرسة‪.‬‬
‫إن عملية اإلقناع حتتاج باإلضافة إىل ما ذكرناه إىل الرفق‬
‫والصرب‪.‬‬
‫‪ -6‬القدرة عىل املتابعة‪:‬‬
‫إذا كنت ستتخذ قرار ًا وال تنوي متابعته‪ ،‬فاألوىل لك عدم اختاذه‪،‬‬
‫هذا ما يقوله بعض اإلداريني‪ ،‬ألن التجربة دلت عىل أن معظم‬
‫القرارات التي ال حتطى باملتابعة من ٍ‬
‫جهة ما ال تنفذ أو تنفذ بطريقة‬
‫مشوهة أو جزئية‪ .‬إذا كانت اإلدارة عل ًام وفن ًا‪ ،‬فإين أعتقد أن الرغبة‬

‫‪125‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬ ‫لكل مشكلة ٌ‬
‫حل ما‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫يف املتابعة والصرب عليها ينبعان من عمق الشخصية وليس من علم‬


‫مكتسب‪ .‬القائد واملدير (مع يشء من االختالف) مسؤوالن عن‬
‫نجاح العمل سواء أكان ربحي ًا أم تطوعي ًا‪ ،‬ونجاحه مرهتن لتحقيق‬
‫أهدافه مع القدرة عىل املنافسة من خالل حتقيق مستوى مقبول من‬
‫اجلودة وانخفاض التكلفة‪ ،‬تقول إحدى النساء‪ :‬أنا وحيدة أبوي‪،‬‬
‫وقد تزوج أيب يف األربعني من عمره‪ ،‬وتأخر يف اإلنجاب‪ ،‬وقد كان‬
‫أيب رمحه اهلل تاجر ًا‪ ،‬وكان لديه العديد من األنشطة‪ ،‬مما جعله ميسور‬
‫احلال طول حياته‪ ،‬املشكل أنه نقل أدبيات إدارته لتجارته إىل منزلنا‬
‫وبوصفي الشخص الوحيد القابل للتعليم يف املنزل‪ ،‬فقد كان عيل‬
‫أن أستمع لكل دروسه وجتاربه وتوجيهاته يف التعامل مع املوظفني‬
‫والناس أيض ًا‪ ،‬وال ُأخفي أن هذا كان يضايقني كثري ًا‪ ،‬لكن تبني فيام‬
‫بعد أن يف ذلك حكمة عظيمة‪ ،‬فقد رصت مديرة لتجارة أيب مع‬
‫مساعدة أحد أقربائنا‪ ،‬وأنا يف الثالثة والعرشين حيث تويف أيب وهو‬
‫يف الثامنة والستني‪ ،‬ونجحت يف ذلك نجاح ًا ظاهر ًا بسبب سريي‬
‫عىل خطى والدي‪ ،‬إىل درجة أن أحد املوظفني قال‪ :‬فع ً‬
‫ال (فرخ البط‬
‫عوام) إدارة ابنة احلاج حممود مثل إدارته وبروح واحدة‪ .‬تعلمت من‬
‫أيب ومما قرأته يف الكتب بعد ذلك أمور ًا مهمة يف اإلدارة‪ ،‬منها أمهية‬
‫بقاء العني مفتوحة عىل ما جيري داخل املؤسسة أوالرشكة‪ ،‬فالرتاخي‬
‫يف العمل وسوء الترصف حارضان دائ ًام يف كل األعامل‪ .‬كان النشاط‬
‫األسايس أليب هو االسترياد من اخلارج وكانت لدينا خطط للتوسع‬
‫يف جتارتنا‪ ،‬لكن بقينا مدة دون أي تقدم أونجاح يذكر‪،‬ثم قلت‬
‫سأعود إىل نصائح أيب والتي منها متابعة أداء املوظفني‪ ،‬وأخذت‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪126‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫التسامح هو القوة اللينة‪.‬‬ ‫‪ -7‬القيادة والتأثير‬
‫إضاءة‬

‫أستقيص عن سلوك الباعة لدينا‪ ،‬فوجدت أن بعضهم ال خيدم الزبائن‬


‫كام ينبغي‪ ،‬فهوالهيتم هبم‪ ،‬وال يعرض عليهم كل األصناف املتوفرة‬
‫لدينا‪ ،‬وقد متت معاجلة ذلك‪ ،‬وحتسنت وضعيتنا قلي ً‬
‫ال‪ ،‬ثم تبني يل‬
‫بعد ذلك أن خطط التوسع مل ُيسترش فيها مجيع املوظفني‪ ،‬بل إن‬
‫بعضهم مل يطلع عليها مما دعاين إىل معاجلة هذا األمر‪ ،‬حيث صار‬
‫كل موظف لدينا واعي ًا متام ًا بام خططنا لبلوغه عرب مخس سنوات‪.‬‬
‫األمراألخري الذي تابعته هو االقتصاد يف التكاليف‪ ،‬وهو ما كان‬
‫أيب يلح عليه كثري ًا‪ ،‬إذ طاملا سمعته يقول‪ :‬يأيت الربح من تكاليف‬
‫منخفضة وبيع أكثر‪ ،‬وحني دققت يف األمر وجدت أن لدينا عاملة‬
‫زائدة‪ ،‬ومستودعات ندفع أجرهتا‪ ،‬وال نستخدمها كام وجدت أن‬
‫بعض املوظفني يتأخرون يف تسلم البضائع من املوانئ مما يرتب علينا‬
‫(أجور أرضيات) إضافية وكبرية بسبب إمهال ثالثة من املوظفني‪.‬‬
‫بعد مدة من تطبيق اإلصالحات صارت مؤسستنا يف املرتبة اخلامسة‬
‫بني املؤسسات املناظرة‪ ،‬وكانت قبل أربع سنوات يف املرتبة السابعة!‬
‫اللطيف يف األمر أن ما تعلمته من أيب علمته ألوالدي الذين يتولون‬
‫اليوم اإلدارة عوض ًا عني!‬

‫‪127‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الخاتمة‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪128‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪ ،‬وبعد‪:‬‬


‫فإن احلديث عن املستقبل يكتسب دائ ًام أمهية خاصة‪ ،‬ألنه يدفع‬
‫بنا نحو التحرر من أرس أساليب تربوية مل تعد موائمة حلاجات‬
‫عرصنا وأوضاع أبنائنا‪ ،‬كام أن احلديث عن املستقبل يبعث األمل يف‬
‫النفوس للتحسني واالرتقاء مع أن من الواضح أن معاناة اآلباء يف‬
‫تربية أبنائهم صارت أكرب‪ ،‬وذلك بسبب أهنم اليوم يربون يف بيئات‬
‫مفتوحة‪ ،‬يرى فيها الطفل كثري ًا مما خيالف ما يقوله أبواه له‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل مشكلة العثورعىل مدارس لألبناء جتمع بني البيئة امللتزمة والتوجيه‬
‫األخالقي وبني التعليم اجليد‪ ،‬أما أنا فقد كنت أعاين خالل تأليف‬
‫هذا الكتاب من اختيار األسلوب الذي أمتكن من خالله من توصيل‬
‫ٍ‬
‫معان ال ختلو من الصعوبة إىل أوسع نطاق ممكن من األرس املسلمة‪،‬‬
‫وهذه معادلة صعبة للغاية‪ ،‬وقد حاولت وسددت وقاربت‪ ،‬ومن اهلل‬
‫احلول والطول‪ .‬أمرآخركنت أعاين منه هو أن موضوع إعداد األبناء‬
‫للمستقبل موضوع كبري وكثري الذيول‪ ،‬وقد كان عيل أن أتناول منه‬
‫ما هو أكثر أمهية حتى ال يتضخم الكتاب‪ ،‬ويتجاوز احلجم املعهود‬
‫‪129‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬
‫[ ابن زمانه ]‬
‫الخاتمة‬ ‫الرتبية هي فن التأثري العميق ‪.‬‬
‫إضاءة‬

‫يف هذه السلسة‪ :‬سلسة الرتبية الرشيدة‪ .‬وإين إذ أمحد اهلل تعاىل عىل‬
‫ما أعان وهدى ألسأله سبحانه أن ينفع هبذا الكتاب إخواين القراء‬
‫وأخوايت القارئات‪ ،‬كام أسأله أن جيعله ذخر ًا يل يوم ال ينفع مال وال‬
‫بنون‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫املؤلف‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪130‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫فهرس الموضوعات ‪:‬‬

‫مقدمة ‪..................................................‬‬
‫‪ -1‬حول املستقبل‪......................... :‬‬
‫‪ -1‬املستوى اإليامين ‪................................. .‬‬
‫‪ -2‬املستوى االجتامعي ‪...............................‬‬
‫‪ -3‬أسلوب العيش ‪...................................‬‬
‫‪ -4‬سوق العمل ‪......................................‬‬
‫‪ -2‬كلمة ال بد منها ‪....................... :‬‬
‫الثقافة الرتبوية ‪....................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫البيئة الرتبوية اجليدة ‪..............................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬بيئة غنية ‪.........................................‬‬
‫‪ -2‬العناية املتواصلة ‪.................................‬‬
‫‪ -3‬زوجان متحابان ‪.................................‬‬
‫‪ -4‬أسلوب راشد يف الرتبية ‪........................ :‬‬
‫أ ـ تشجيع االستقاللية ‪................................‬‬
‫ب ـ التوسط يف األمور ‪................................‬‬

‫‪131‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫ج ـ تشجيع التباين ‪......................................‬‬
‫د ـ الصحبة الصاحلة ‪....................................‬‬
‫هـ ـ تقبل القصور ‪......................................‬‬
‫و ـ التفكري الالنمطي ‪...................................‬‬
‫ز ـ التوقعات العالية ‪....................................‬‬
‫ح ـ تقاليد جيدة ‪........................................‬‬
‫‪ -3‬اإليامن العميق ‪........................ :‬‬
‫جوهر التدين ‪..........................................‬‬
‫أساليب ووسائل ‪..................................... :‬‬
‫‪ -1‬القدوة احلسنة ‪....................................‬‬
‫‪ -2‬استغالل األحداث ‪...............................‬‬
‫‪ -3‬التعليق العفوي ‪..................................‬‬
‫‪ -4‬االعرتاف بالتقصري ‪..............................‬‬
‫‪ -5‬التعبريعن املخاوف ‪.............................‬‬
‫‪ -4‬تربية فكرية خاصة ‪................... :‬‬
‫‪1‬ـ الرتبية عىل اإلبداع ‪..................................‬‬
‫‪2‬ـ النظرة اإلجيابية ‪.....................................‬‬
‫‪ -3‬احلكم عىل األشياء ‪.................................‬‬
‫‪4‬ـ الرؤية الواقعية ‪.....................................‬‬
‫‪5‬ـ النقد البناء ‪....................................... :‬‬
‫‪ -6‬النقد رضورة ‪........................................‬‬
‫‪7‬ـ اإلنسان العميل ‪.....................................‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪132‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -5‬سامت أخالقية وسلوكية ‪........... :‬‬
‫‪ -1‬الصدق ‪....................................... :‬‬
‫ملاذا يكذب الطفل ؟ ‪...................................‬‬
‫كيف نرسخ فضيلة الصدق لدى الطفل ؟ ‪..............‬‬
‫‪ -2‬ضمري يقظ ‪......................................‬‬
‫‪ -3‬مراعاة الذوق العام ‪..............................‬‬
‫‪ -4‬اخللق اجلميل ‪....................................‬‬
‫‪ -5‬احلفاظ عىل البيئة ‪................................‬‬
‫‪ -6‬تأجيل الرغبات ‪.................................‬‬
‫‪ -7‬االستعداد للرتحال ‪.............................‬‬
‫‪ -8‬التوازن الشخيص ‪...............................‬‬
‫‪ -9‬النزعة اإلنسانية ‪................................‬‬
‫‪ -6‬التفوق والنجاح‪.................. :‬‬
‫‪ -1‬معرفة خاصة ‪..................................‬‬
‫‪ -2‬مالمح التفوق ‪.................................‬‬
‫‪ -3‬الصورة الذهنية ‪...............................‬‬
‫‪ -4‬املدرسة اجليدة ‪.................................‬‬
‫‪ -5‬تفوق نقي ‪.....................................‬‬
‫‪ -6‬املساعدة عىل الرتكيز ‪...........................‬‬
‫‪ -7‬التعلق بالكتاب ‪................................‬‬
‫‪ -8‬إبعاد الطفل عن الكساىل ‪.......................‬‬
‫‪ -9‬تقبل األفكار اجلديدة ‪..........................‬‬

‫‪133‬‬ ‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬
‫‪ -10‬ساعده عىل رسم أهدافه ‪...........................‬‬
‫‪ -11‬املثابرة ‪............................................‬‬
‫‪ -7‬القيادة والتأثري ‪.........................‬‬
‫‪ 1‬ـ املبادرة ‪............................................‬‬
‫كيف تنمي لدى الطفل فضيلة املبادرة ؟ ‪...............‬‬
‫‪ 2‬ـ الثقة بالنفس ‪......................................‬‬
‫‪ 3‬ـ حتمل املسؤولية ‪...................................‬‬
‫‪ 4‬ـ العمل ضمن فريق ‪................................‬‬
‫‪ 5‬ـ متحدث لبق ومقنع ‪............................. :‬‬
‫مهارات اإلقناع ‪......................................‬‬
‫‪ 6‬ـ القدرة عىل املتابعة ‪................................‬‬
‫اخلامتة ‪...............................................‬‬

‫التربية الرشيدة (‪)7‬‬ ‫‪134‬‬


‫[ ابن زمانه ]‬

You might also like