You are on page 1of 17

‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬

‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪1‬‬

‫أكادميية زاد العلمية‬

‫الدفعة الثامنة‬

‫املستوى الثانى‬

‫الدورة الثانية‬

‫مَثَلِي ومَثَلُكُمْ‬
‫‪3‬‬
‫احملاضرة‬

‫من الصفحة ‪ 20‬اىل الصفحة ‪23‬‬

‫الشيخ ‪ :‬د‪.‬عيسى املسلمى‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪2‬‬ ‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ‪ ،‬احلمد هلل رب العاملني ‪،‬‬

‫محدا كثريا طيبا مباركا فيه ‪ ،‬ملء السماوات وملء األرض‬

‫‪ ،‬وملء مابينهما وملء ماشاء من شئ ربنا بعد ‪ ،‬أهل‬

‫الثناء واجملد أحق ماقال العبد وكلنا له عبد ‪ ،‬ال مانع ملا‬

‫أعطى وال معطى ملا منع ‪ ،‬وال ينفع ذا اجلد منه اجلد ‪ ،‬وصل‬

‫اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا وإمامنا‬

‫وقدوتنا حممد بن عبد اهلل وعلى آله وأزواجه أمهات‬

‫املؤمنني ‪ ،،‬ورضى اهلل عن الصحابة والتابعني وعنا معهم‬

‫بعفوه وكرمه ‪ ،‬إنه مسيع قريب ‪ ،‬أما بعد ؛‬

‫فمرحبا بكم واهال ‪ ،‬هذا هو اجمللس الثالث من هذه اجملالس احلديثية‬


‫ُ‬
‫الطيبة ‪ ،‬الىت نسأل اهلل تبارك وتعاىل أن جيعلها مباركة نافعة متقبلة ‪.‬‬

‫هذا اجمللس حبسب املقرر ذكر فيه املؤلف حديث جابر رضى اهلل تعاىل عنه‬

‫وأرضاه ‪ ،‬وأصله فى الصحيحني أيضا من حديث أبى هريرة رضى اهلل عنه‬

‫وأرضاه ‪.‬‬
‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪3‬‬

‫عن أبى هريرة رضى اهلل تعاىل عنه وأرضاه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬

‫عليه وسلم‬

‫" إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نارًا‪ ،‬فَلَمَّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ‬

‫الفَراشُ وهذِه الدَّوابُّ الَّيت تَقَعُ يف النَّارِ يَقَعْنَ فيها‪ ،‬فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ‬

‫فَيَقْتَحِمْنَ فيها‪ ،‬فأنا آخُذُ حبُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ‪ ،‬وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فيها "‪ .‬أخرجه مسلم‬

‫او قال (فأَنا آخِذٌ بِـحُجَزِكُم عَنِ النَّارِ‪ ،‬وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فيها)‬

‫(أخذ االوىل بضم اخلاء ‪ ،‬والثانيه بكسر اخلاء)‬

‫عن جابر رضى اهلل تعاىل عنه وأرضاه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫" مَثَلِي ومَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوْقَدَ نارًا‪ ،‬فَجَعَلَ اجلَنادِبُ والْفَراشُ يَقَعْنَ فيها‪ ،‬وهو‬

‫يَذُبُّهُنَّ عَنْها‪ ،‬وأنا آخِذٌ حبُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ‪ ،‬وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِن يَدِي"‪ .‬أخرجه مسلم‬
‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪4‬‬ ‫الفراش ‪ ‬هى مجع فراشة هذه الطيور الىت تطري ‪ ،‬فراشات الطوائر‬

‫الصغرية كالبعوض وغريه‬

‫‪ ‬وفى رواية فى حديث أبى هريرة رضى اهلل عنه‪ -‬قال (مثلي كمثلِ رجلٍ‬

‫استوقدَ نارًا ‪ ،‬فلما أضاءَتْ ما حولَها ‪ ،‬جعلَ الفَراشُ وهذِهِ الدوابُّ اليت‬

‫يقَعْنَ يف النارِ ‪ ،‬يقعْنَ فيها ‪ ،‬وجعلَ يَحْجُزُهُنَّ ‪ ،‬ويغلِبْنَهُ ‪ ،‬فيقْتَحِمْنَ فيها‬

‫‪ ،‬فذلِكَ مثَلِي ومثلُكم ‪ ،‬أنا آخُذُ حبُجْزِكُم عنِ النارِ ‪:‬هلُمَّ عنِ النارِ ‪ ،‬هلُمَّ‬

‫عنِ النارِ ‪ ،‬فتغلِبونِي ‪ ،‬فتَقْتَحِمونَ فيها) هذه الرواية فى صحيح البخارى وهو‬

‫كذلك فى صحيح مسلم ‪.‬‬

‫احلديث إذن خمرج فى الصحيحني من حديث ابى هريرة ‪ ،‬وخمرج فى‬

‫صحيح مسلم من حديث جابر ‪.‬‬

‫‪ ‬الفائدة األوىل الىت ميكن ان نقف معها فى هذا احلديث العظيم ‪،‬‬

‫اسلوب فى التعليم والتوجيه والرتبية ‪ ،‬أال وهو ضرب األمثال‬

‫استخدم النبى صلى اهلل عليه وسلم أسلوبا راقيا‬

‫يف التعليم وتقريب الصورة إىل األذهان أال وهو‬

‫ضرب األمثال‬
‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪5‬‬ ‫ضرب األمثال أسلوب قرآنى ‪ ،‬وكذا هو أسلوب نبوى ‪ ،‬كثريا جدا ما تقرب‬

‫الصور املعنويه بصور حمسوسة ‪ ،‬حىت يكون ذلك أدعى للفهم وللتصور‬

‫واألستيعاب ‪،‬‬

‫االسلوب القرآنى {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ َّالذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ‬

‫اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ ‪‬صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ‬
‫ذَهَبَ َّ‬

‫لَا يَرْجِعُونَ } [البقرة ‪]18-17 :‬‬

‫{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ‬ ‫‪ ‬واألمثال فى القرأن كثرية جدا‬

‫َكرُونَ} [احلشر ‪]21 :‬‬


‫يَتَف َّ‬

‫‪ ‬وكذلك فى السنه النبوية كثريا ما تضرب األمثال ‪ ،‬فهو اسلوب فى‬

‫التعليم والتفهيم والتأثري والرتبيه والوعظ ‪ ،‬اال وهو ضرب املثل ‪ ،‬تقريب‬

‫الصورة املعنويه بذكر صورة حمسوسة مشاهدة يعرفها الناس ‪ ،‬وهذا‬

‫اسلوب من اساليب التوجيه والتعليم ‪ ،‬وهذا االسلوب هو الذى استعمله‬

‫النىب الكريم عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫فضرب هلم مثال عليه الصالة والسالم ‪ ،‬هلم ولنا ولألمة أمجعني ‪ ،‬رجل‬

‫أوقد نارا‪ ، ،‬فلما أضاءت ما حوله ‪ ،‬يعىن اختذت النار وصار هلا ضوء ما الذى‬

‫حصل ؟ هذه الفراش ‪-‬الفراشات‪ -‬وهذه اجلنادب جعلت تتقحم فيها ‪ ،‬أذا‬

‫تقحموا فيها ما الذى حيصل ؟ حترتق ‪ ،‬حترقها النار وتهلكها ‪ ،‬وتنهى‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪6‬‬ ‫حياتها ‪ ،‬قال (وهو يذبهن عن النار) ‪ ،‬يعىن هو حياول أن مينع هذه‬

‫الفراشات أن تقع فى النار ‪ ،‬فهذا مثله عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ومثل أمته‬

‫‪ ،‬كثري يتقحمون –‬

‫التقحم االقدام والوقوع فى االمور الشاقة ‪ ،‬التقحم اقتحم كذا ‪ ،‬تقحم كذا‬

‫إذا أقدم على أمر شاق من غري تثبت وال رويه هذا هو التقحم ‪ ،‬كثري من‬

‫الناس يتقحمون النار بفعل االسباب املؤدية إليها ‪،‬‬

‫التفريط فى الفرائض والواجبات ‪ ،‬التهاون والوقوع فى احملرمات ‪ ،‬الغفلة‬

‫عن ذكر اهلل ‪ ،‬البعد عن الصراط املستقيم ‪ ،‬الغفلة عن التعلق باهلل وحتقيق‬

‫التوحيد ‪ ،‬والتعبد هلل وحده ال شريك له ‪ ،‬التعلق باالموات التعلق‬

‫بالتمائم ‪ ،‬التعلق باألولياء ‪،‬‬

‫كل هذا سبب من أسباب الوقوع واهلالك فى النار والعياذ باهلل ‪ ،‬كثري من‬

‫الناس يتقحمون ‪-‬من غري روية‪ -‬إقدام على تلك املهالك ‪.‬‬
‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪7‬‬ ‫هذا مثل جليل ضربه النىب الكريم عليه الصالة والسالم لنا وله ‪ ،‬قال‬

‫(مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا ‪ ..‬اىل اخر هذا املثل العظيم)‬

‫‪ ‬حرصه عليه الصالة والسالم على أمته وعلى جناتهم وعلى سالمتهم‬

‫وعلى بعدهم عما فيه مشقتهم ومعانتهم ‪ ،‬هذا أمر بلغ فيه النىب صلى‬

‫اهلل عليه وسلم مبلغا عظيما ‪ ،‬بأبى هو وأمى عليه الصالة والسالم ‪،‬‬

‫لقد كان املصطفى صلى اهلل عليه وسلم حريصا غاية احلرص على جناة أمته‬

‫‪ ،‬وعلى سالمتهم ‪ ،‬وبعدهم عن طريق النار ‪ ،‬وطريق اهلالك ‪ ،‬والطرق الىت‬

‫فيها سخط اجلبار جل جالله ‪ ،‬حىت خاطبه ربه سبحانه وتعاىل فقال له‬

‫{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ َّنفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ‬ ‫سبحانه‬

‫أَسَفًا} [الكهف ‪]6 :‬‬

‫‪‬يعىن لعلك تهلك نفسك أسفا عليهم ‪ ،‬من حرصه الشديد‬ ‫بَاخِعٌ َّنفْسَكَ‬

‫صلى اهلل عليه وآله وسلم على أمته ‪.‬‬

‫‪ ‬وهكذا قال اهلل تبارك وتعاىل له {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} كما جاء‬

‫{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ‬ ‫فى احلديث يتقحمها ‪ ،‬يتقحم فى النار‬

‫اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ‬
‫حَسَنًا ۖ فَإِنَّ َّ‬

‫حَسَرَاتٍ} [فاطر ‪]8 :‬‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪8‬‬

‫بلغ من حرص النبى صلى اهلل عليه وسلم على أمته أن قال له‬

‫ربه عز وجل {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ َّنفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا‬

‫بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف ‪]6 :‬‬

‫‪ ‬واهلل تبارك وتعاىل قد قال فى هذه األمة املصطفاه {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ‬

‫مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِنيَ رَءُوفٌ‬

‫أى يعز عليه عنتكم عليه الصالة والسالم‬ ‫رَّحِيمٌ} [التوبة ‪]128 :‬‬

‫‪ ‬هكذا كان املصطفى صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪ ،‬حريصا أشد احلرص على‬

‫سالمتنا ‪ ،‬على جناتنا ‪ ،‬على أن نسلك السبيل الذى فيه حياتنا ‪ ،‬والذى‬

‫{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لَِّلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا‬ ‫فيه جناتنا‬

‫فهو عليه الصالة و السالم إمنا يدعونا ملا فيه‬ ‫يُحْيِيكُمْ} [األنفال ‪]24 :‬‬

‫حياتنا ‪ ،‬ملا فيه جناتنا ‪ ،‬ملا فيه سالمتنا ‪ ،‬صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪ ‬نعود إىل هذا املثل ‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم ( فلما أضاءَتْ ما حولَها‬

‫‪ ،‬جعلَ الفَراشُ وهذِهِ الدوابُّ اليت يقَعْنَ يف النارِ ‪ ،‬يقعْنَ فيها ‪ ،‬وجعلَ‬

‫يَحْجُزُهُنَّ ‪ ،‬ويغلِبْنَهُ ‪ ،‬فيقْتَحِمْنَ فيها)‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪9‬‬ ‫هذا الذى أوقد النار حيرص على تلك الفراشات أال تقع فى النار فتهلكها ‪،‬‬

‫حيرص على تلك اجلنادب ‪ ،‬وهى مجع جندب أو جندب وهى طيور صغرية‬

‫حيرص عليها أال تقع فى النار ‪ ،‬ولكن هى تغلبه وتطري من هنا وهنا ‪،‬‬

‫وتتقحم فى النار حىت تهلكها ‪ ،‬نعم ويغلبنه ‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم‬

‫ويغلبنه فيتقحمن فيها ‪ ،‬يقدمن ويقبلن عليها بال روية ‪ ،‬حىت حترقهم ‪،‬‬

‫قال (فذلِكَ مثَلِي ومثلُكم ‪ ،‬أنا آخُذُ حبُجْزِكُم عنِ النارِ )‬

‫احلجز مجع حجزة وهى وسط الرجل ‪ ،‬وسط اإلنسان ‪ ،‬معقد اإلزار ‪ ،‬احملل‬

‫الذى يعقد فيه اإلزار ‪ ،‬عادة إذا أراد رجل أن ميسك رجال حىت ال يقدم على‬

‫مايهلكه ‪ ،‬ميكن أن ميسكه من ذلك املوضع الذى فيه معقد اإلزار ‪ ،‬فى‬

‫الوسط ‪،‬‬
‫ُ‬
‫فيقول أنا أمسك بكم ‪ ،‬أنأ آخذ حبجزكم ‪ ،‬أو أخِذ حبجزكم روى هكذا وروى‬

‫هكذا ‪.‬‬

‫(أخذ حبجزكم االوىل بضم اخلاء والثانيه بكسر اخلاء)‬

‫حُجْزِكُم مجع حُجْزة‬

‫وهى معقل اإلزار والسراويل من الوسط‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪10‬‬ ‫صورة تقرب فى الذهن حرصه عليه الصالة والسالم على‬ ‫آخُذُ حبُجْزِكُم‬

‫جناة أمته وسالمتها ‪.‬‬

‫َُ‬ ‫َُ‬ ‫ى‬


‫) هلم أقبلوا إىل وابتعدوا عن النار ‪ ،‬هلم إىل اهلل ‪ ،‬هلم‬ ‫(هلُمَّ عنِ النارِ‬

‫إىل الطاعة ‪ ،‬هلم إىل القرآن ‪ ،‬هلم إىل السنة ‪ ،‬هلم عن النار وليس إىل‬

‫النار ‪ ،‬يعىن هلم إىل مافيه جناتكم ‪ ،‬إىل ما فيه سالمتكم ‪ ،‬وابتعدوا عن‬

‫النار ‪،‬‬

‫قال (فتغلِبونِي) (كل أمىت يدخلون اجلنة إال من أبى ‪ ،‬قيل من يآبى يا‬

‫رسول اهلل ‪ ،‬قال من أطاعىن دخل اجلنة ومن عصانى فقد آبى) نسأل اهلل‬

‫العفو والعافية ‪.‬‬

‫‪ ‬وهناك دعاة على أبواب جهنم ‪ ،‬سبل على كل سبيل داع يدعو إليها‬
‫ُ ُ‬
‫‪ ،‬سبل شهوات ‪ ،‬وسبل شبهات ‪ ،‬سبل فساد ‪ ،‬وسبل بدع وحمدثات ‪ ،‬وسبل‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫شركيات ‪ ،‬وسبل ضالالت وخرافات ‪ ،‬وسبل شهوات وإغراق فيها وابتعاد‬
‫ُ ُ‬
‫عن مرضاة اهلل ‪ ،‬وسبل تعبدات ال أصل هلا وال أساس ‪ ،‬سبل ال تكاد تنحصر‬

‫‪ ،‬على كل سبيل داع يدعو إىل الناس ليقبلوا إليه ‪.‬‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪11‬‬ ‫وسبيل اهلل واحد ‪ ،‬هو الذى يدعو إليه اهلل تعاىل ورسوله عليه الصالة‬

‫والسالم ‪ ،‬وهلذا قال سبحانه وتعاىل {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ‬

‫ۖ وَلَا تََّتبِعُوا السُّبُلَ} [األنعام ‪]153 :‬‬

‫‪ ‬قال بعض العلماء عند هذه اآلية ‪ ،‬ألن صراط اهلل واحد ‪ ،‬وهو ما جاء‬

‫فى كتابه ‪ ،‬وما جاء فى سنة رسوله عليه الصالة والسالم ‪ ،‬هو الطريق‬

‫الواضح ‪ ،‬الصراط املستقيم املوصل إىل املقصود بيسر وسهولة ‪ ،‬صراط‬


‫ى‬
‫الذين أنعم اهلل عليهم من النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني ‪،‬‬

‫كلهم على هذا على عبادة اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬التعبد له مبا أنزل اهلل‬

‫تبارك وتعاىل ‪ ،‬سلوك سبيل املنعم عليهم ‪ ،‬أما السبل ‪ ،‬قال {{وَأَنَّ هَٰذَا‬

‫صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [األنعام ‪]153 :‬‬

‫‪ ‬أما سبل الغواية وسبل الضاللة وسبل االحنراف فال تكاد تنحصر ‪ ،‬منها‬

‫سبل فى الشبهات ‪ ،‬شبهات ميليها الشيطان وأعوان الشيطان ‪ ،‬وشهوات‬

‫يروج هلا الشيطان وأعوان الشيطان ‪ ،‬شهوات فى األموال ‪ ،‬وشهوات فى‬

‫الدنيا ‪ ،‬وشهوات فى أمور كثرية ال تكاد تنحصر ‪ ،‬وهلذا فسبل الغواية ‪،‬‬

‫وسبل الضاللة ‪ ،‬وسبل االحنراف ال تكاد تنحصر‪.‬‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪12‬‬ ‫فااااااانظر إىل حرصااااااه عليااااااه الصااااااالة والسااااااالم ‪ ،‬يقااااااول‬

‫‪:‬هلُ ـمَّ ع ـنِ النــارِ ‪ ،‬هلُ ـمَّ ع ـنِ النــارِ ) قااال‬ ‫(أنــا آخُ ـذُ حبُجْ ـزِكُم ع ـنِ النــارِ‬

‫(وأنتم تفَلَتَون من يدى) أو (تُفْلِتون) روى هذا وهذا‪.‬‬

‫(تفلتون بفتح التاء الفاء والالم وتفلتون بضم التاء وتسكني الفاء وكسر‬

‫الالم)‬

‫من يعصاه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ويصر على‬ ‫(وأنتم تفَلَتَون من يدى)‬

‫االستجابة لغريه ‪ ،‬إما داعى الشبهات فيضل فى أودية الشكوك واالحنرافات‬

‫‪ ،‬االحنرافات الفكرية ‪ ،‬واالحنرافات البدعية ‪ ،‬واالحنرافات فى الضالالت ‪،‬‬

‫التعبد بطرق فيها الضالل واالحنراف ‪ ،‬أو االغرتار بالفكر املخالف لدين اهلل‬

‫تبارك وتعاىل ‪ ،‬كمن يزين للناس مثال الغلو فى احلرية حىت خترجه عن‬

‫احلد الذى شرعه اهلل عز وجل ‪ ،‬الذى فيه سعادته فى الدنيا واآلخره ‪ ،‬فيظن‬

‫أن الولوغ فى أنواع من الشهوات احملرمة هو من احلرية‪ ،‬وهو فى احلقيقة‬

‫من العبودية ‪ ،‬ولكن لشهوته ‪ ،‬من العبودية ولكن لشيطانه ‪.‬‬

‫مَثَلِي ومَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوْقَدَ نارًا‪ ،‬فَجَعَلَ اجلَنادِبُ والْفَراشُ يَقَعْنَ‬

‫فيها‪ ،‬وهو يَذُبُّهُنَّ عَنْها‪ ،‬وأنا آخِذٌ حبُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ‪ ،‬وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِن يَدِي‬
‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪13‬‬ ‫مقصود احلديث أنه صلى اهلل عليه وآله وسلم شبه تساقط اجلاهلني‬

‫واملخالفني واملعرضني والغافلني ‪ ،‬تساقطهم بسبب الوقوع فى املعاصى ‪،‬‬

‫والوقوع والغلو فى الشهوات احملرمة ‪ ،‬تساقطهم فى نار اآلخرة ‪ ،‬وإقدامهم‬

‫على ذلك وجرأتهم فى ذلك ‪ ،‬شبههم فى وقوعهم فى هذا اهلالك بالشئ‬

‫الذى نراه أمام أعيننا حينما توقد نار أمام أعيننا ويتسابق ويتساقط فيها‬

‫الفراش واحلشرات فتحرقها فتهلك ‪ ،‬ورمبا يكون الذى على النار الدنيوية‬

‫هذه رمبا حياول أن يذب هذه الفراشات وهذه اجلنادب وهذه الطيور ‪،‬‬

‫حياول أن يبعدها ولكن هى تتقحم هذه النار حىت تهلكها والعياذ باهلل ‪.‬‬

‫فوائد احلديث‬

‫‪ ‬أيها األخوة الكرام مما نستفيده من هذا احلديث العظيم ‪-‬كما تقدمت‬

‫اإلشارة‪ -‬احلرص العظيم من النىب الكريم صلى اهلل عليه وسلم على‬

‫سالمة أمته وجناتها ‪ ،‬وذلك بأن بني هلا الطريق احلق ‪ ،‬وأرشدها إليه ‪ ،‬وبين‬

‫الذكْرَ لِتُبَيِّنَ‬
‫لنا ما أنزل اهلل عليه ‪ ،‬فقال اهلل تبارك وتعاىل {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ِّ‬

‫لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل ‪]44 :‬‬

‫‪ ‬فبين املصطفى صلى اهلل عليه وآله وسلم لنا ما أنزل اهلل عليه ‪ ،‬بينه‬

‫بقوله ‪ ،‬وبينه بفعله ‪ ،‬وهديه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬نعم ‪ ،‬وبينه‬

‫لنا عليه الصالة والسالم بالتحذير من الوقوع فى ضده ‪،‬‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪14‬‬ ‫إما من التعبد باهلوى واجلهل واخلرافات والبدع ‪ .‬فحذرنا حتذيرا بينا‬

‫صرحيا ‪ ،‬حيث قال عليه الصالة والسالم مثال (من أحدث فى أمرنا هذا‬

‫ماليس منه فهو رد) فى أمرنا هذا يعىن فى الدين ‪ ،‬وفى رواية فى الصحيح‬

‫أى مردود عليه ‪ ،‬فحذرنا عليه‬ ‫(من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد)‬

‫الصالة والسالم من التعبد والتقرب بطريقة ختالف هديه ‪ ،‬وختالف أمره ‪،‬‬

‫وختالف طريقته صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ ‬وأيضا حذر عليه الصالة والسالم من الوقوع فيما خيالف ما أنزل اهلل‬

‫عليه ‪ ،‬من الولوغ فى احملرمات ‪ ،‬والشبهات ‪ ،‬والشهوات الىت تهلك اإلنسان‬

‫‪ ،‬نعم ألنه عليه الصالة والسالم كما قال (وانا آخُذ او آخِذ حبجزكم عن‬

‫فكل توجيه نبوى كريم التباع طاعة‬ ‫النار هلم عن النار هلم عن النار)‬

‫اهلل ‪ ،‬للعمل مبا يرضى اهلل ‪ ،‬وترك ما يسخط اهلل ‪ ،‬هو ألجل هذا ‪-‬كما قال‪-‬‬

‫هلم عن النار هلم عن النار ‪.‬‬

‫وهلذا فاحلذر احلذر من األسباب الىت جتعل اإلنسان يتقحم فى النار ‪ ،‬من‬

‫أسباب ذلك اجلهل ‪ ،‬اجلهل مبا فرض اهلل علينا فإن اجلهل جيعل اإلنسان‬

‫إما فى عماية عما فرض اهلل عليه ‪ ،‬مايدرى ‪ ،‬وإما يرتتب على اجلهل أن‬

‫يتقرب ولكن على غري هدى‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪15‬‬ ‫قال تعاىل {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا‪ ‬الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي‬

‫الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف ‪]104-103 :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هم حيسبون أنهم يحسنون صنعا ‪ ،‬لكنهم كما قال اهلل ضل سعيهم فى‬

‫احلياة الدنيا ‪ ،‬نعم فالتعبد باجلهل هذا من أسباب اهلالك والعياذ باهلل ‪،‬‬

‫ما هو الربهان ؟ الربهان ما أنزل اهلل ‪ ،‬احلجة ما أنزل اهلل على رسوله عليه‬

‫الصالة والسالم من هذا الكتاب العظيم ‪ ،‬القرآن ‪ ،‬ومن هذه السنة احملفوظة‬

‫املطهرة ‪ ،‬الىت حفظها اهلل تبارك وتعاىل بهذه اجلهود العظيمة ‪ ،‬الىت سخر‬

‫حلفظها من الصحابة ومن جاء بعدهم ‪ ،‬نعم هديه حمفوظ عليه الصالة‬

‫والسالم ‪.‬‬

‫‪ ‬وكذلكم أيضا عدم االغرتار بالغرور الشيطان أو االغرتار بالدنيا ‪ ،‬فيكون‬

‫ذلك سببا للبعد عن اهلل ‪ ،‬والوقوع فى عذاب اهلل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‬

‫حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر ‪ ]5 :‬اإلغراق‬

‫فى الشهوات ‪ ،‬واإلغراق فى احملرمات ‪ ،‬أو الوقوع فى احملرمات ‪ ،‬واإلغراق‬

‫فى أمور الدنيا ‪ ،‬حىت يكون اإلنسان عبدا للدرهم أو الدينار ‪ ،‬أو عبدا‬

‫للخميصة أو اخلميلة كما أشار املصطفى صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪ ‬قال تعاىل {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۖ إَِّنمَا يَدْعُو‬

‫حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِريِ} [فاطر ‪]6 :‬‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪16‬‬ ‫فانظر كيف الشيطان يدعو حزبه ‪ ،‬ومن يطيعه ‪ ،‬ومن يستجيب لوسوسته‬

‫‪ ،‬ولتزيينه للمعاصى والشهوات ‪ ،‬يدعوهم ألن يكونوا من أصحاب السعري‬

‫من األسباب اليت جتعل اإلنسان يتقحم يف نار‬

‫جهنم عبادة اهلل تعاىل على جهل واالغرتار‬

‫بالغرور ( الشيطان )‬

‫ُ‬
‫وانظر فى املقابل إىل نبينا صلى اهلل عليه وسلم وهو يقول وأنا آخذ‬

‫حبجزكم هلم عن النار هلم عن النار ‪.‬‬

‫نعم هذا مثل عظيم ضربه لنا النىب الكريم عليه الصالة والسالم حىت‬

‫نتصور حقيقة األمر ‪ ،‬فكل ما أمرنا به عليه الصالة والسالم ‪-‬مما جاء به فى‬
‫ُ‬
‫كتاب اهلل ‪ ،‬أو فى سنته عليه الصالة والسالم ‪ -‬فهو هلذا ‪ ،‬هذا خالصته ‪،‬‬

‫وهذا ختامه ‪ ،‬هلم عن النار هلم عن النار ‪ ،‬ولكن مثة من يغلبه هواه نسأل‬

‫اهلل العفو والعافية ‪ ،‬من يغلبه شيطانه ‪ ،‬من يغلبه اجلهل ‪ ،‬فيقع والعياذ‬

‫باهلل ويتقحم فيما يهلكه ‪ ،‬إما وقوعا فى الشرك ‪ ،‬أو وقوعا فى الكبائر ‪ ،‬أو‬

‫ولوغا فى الشهوات حىت خيرج عن طاعة اهلل والعياذ باهلل ‪ ،‬كل ذلك يؤدى‬

‫به إىل النار األخروية ‪ ،‬كما أن تلك الفراشات واجلنادب تتقحم النار الدنيوية‬

‫فتهلكها وحترقها ‪.‬‬


‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫[حماضرة ‪ | 3‬مثلِي ومثلكم]‬ ‫الحديث‬

‫‪17‬‬ ‫أسأل اهلل تبارك وتعاىل أن جيعلنى وإياكم من عباده الصاحلني ‪ ،‬وأن جيعلنى‬

‫وإياكم من عباده املتقني ‪ ،‬اللهم إنا نسألك اهلدى والتقى والعفاف والغنى ‪ ،‬اللهم‬

‫إنا نسألك رضاك واجلنة ونعوذ بك من سخطك والنار ‪ ،‬اللهم رب جربائيل و‬

‫إسرافيل وميكائيل عامل الغيب والشهادة ‪ ،‬أنت حتكم بني عبادك فيما كانوا‬

‫فيه خيتلفون ‪ ،‬اهدنا ملا اختلف فيه من احلق بإذنك ‪ ،‬إنك هتدى من تشاء إىل صراط‬

‫مستقيم ‪ ،‬ربنا آتنا فى الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار‬

‫إىل أن ألقاكم فى اجمللس القادم ‪ ،‬أستودعكم اهلل الذى ال تضيع ودائعه ‪،‬‬

‫والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬

You might also like