You are on page 1of 50

‫‪-‬مقدمة‬

‫تعتبر الطفولة من اول مراحل حياة االنس ان ومس تقبل االم ة واالس رة ومج دها الزاه ر‪،‬‬
‫لذلك‬
‫كان البد من إيالء هذه المرحلة بأقصى درجات العناية‪ ،‬واحاطة الطفل خاللها باالهتمام‬
‫والرعاية وهكذا فان حماية حق الطفل وتمتيع ه بكاف ة الحق وق تع د من اهم القض ايا من ذ‬
‫القدم‬
‫فنجد ان اإلسالم قد أرسى قواعد شاملة لرعاية الطفل في جميع مراحل حياته من الحمل‬
‫إلى الحضانة وحفظ له حقوقه من النفقة والتربية المش بعة ب القيم الديني ة واألخالقي ة كم ا‬
‫أنه‬
‫قد خص الطفل المحروم برعاية خاصة فحث على كفالة اليتيم والتقاط الطفل المنبوذ‪،‬‬
‫وأصر على احتفاظ الطفل بنسبه وحرم التبني مصدقا لقوله تعالى ادعوهم ألباءهم هو‬
‫أقسط عند هللا فإن لم تعلموا اباءهم فإخوانكم في الدين‪ ،‬كذلك قد اهتم المجتمع الدولي‬
‫بقضايا الطفولة مند بداية تطورات العالقات الدولية وهكذا ظهرت اللبنة األولى لحماية‬
‫حقوق الطفل مند صدور المواثيق الدولية وخاصة اخيرها الذي كان في سنة ‪.1989‬‬
‫ان اهتمام المشرع المغربي بهذا الموضوع في اآلون ة االخ رة كب يرا ف المغرب باعتب اره‬
‫دولة‬
‫الحق والقانون قد اهتم ب هذه اإلشكالية التي تفرض نفس ها على الواق ع االجتم اعي ذل ك‬
‫ان‬
‫الظ اهرة منتش رة بش كل كب ير بمختل ف المجتمع ات‪ ،‬فتس عى التش ريعات إلى معالجته ا‬
‫بأدوات‬
‫مختلفة‪ ،‬في ضل تواجد الجهات الدينية المختلفة العاملة على التوعية بمخاطر الظاهرة‪،‬‬
‫سواء على الطفل بحد ذاته او على المجتمع‪ ،‬حيث تصدى قانون االسرة لهذه الظاهرة‪،‬‬
‫وكذلك قانون العقوبات غير أن المشرع لم يستطع ضمان حق الطفل مجهول الوالدين‬
‫وتحديدا ابن الزنا في النسب وكأنه يحمله وزر ذنب لم يقترفه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ومن هنا فحق النسب من حقوق هللا عز وج ل كم ا انه ا ليس ت محال لإلس قاط او التن ازل‬
‫ومن‬
‫بين اهم الحقوق المتبادلة بين الزوجين في مدونة االسرة وخو حق يكتسي طابعا امرا‬
‫متعلقا بالنظام العام‪ ،‬وهو ما أكده المجلس األعلى للسلطة القضائية بقوله‪ :‬النسب يتعلق‬
‫بالنظام العام يثار في جميع المراحل‪.‬‬
‫وهك ذا فق د نظم المش رع أحك ام البن وة والنس ب في القس م األول من الكت اب الث الث من‬
‫مدونة‬
‫االس رة من الم ادة ‪ 142‬إلى الم ادة ‪162‬وإلى ج انب اهتم ام المش رع المغ ربي به ذا‬
‫الموضوع‪،‬‬
‫ال ننسى دور االجتهاد القضائي بمختلف درجاته باعتباره مصدرا من مصادر القواعد‬
‫القانوني ة باعتب اره العنص ر األول والحقيقي لبل ورة القواع د من خالل الوق وف على‬
‫مختلف‬
‫اإلشكاليات الواقعية‪ ،‬فقد اثبت هذااألخير جدارته في حماية حق الطفل في البنوة والنسب‬
‫وهذا ما نراه على مستوى االحكام الصادرة عن المحاكم والتي تضمن الرعاية والحماية‬
‫في البنوة والنسب‪.‬‬
‫وقبل الخوض في نقاش حول هذا الموضوع البد من تحديد ما يقصد ب البنوة وما يقص د‬
‫بالنسب‪.‬‬
‫البنوة‪:‬‬
‫‪-1‬البنوة لغة‪ :‬كلم ة مش تقة من االبن واالبن الول د‪ ،‬واص له‪ ،‬ب ني‪ ،‬او بن و‬
‫ويجمع على أبناء‪.‬‬
‫‪-2‬البنوةاصطالحا‪ :‬ومن الناحية االصطالحية اعتبرت المادة ‪ 142‬من مدونة‬
‫االسرة ان بنوة تتحقق عادة بتناسل الولد من ابويه معا‪ ،‬وهي قد تكون شرعية وقد تكون‬
‫غير شرعية حسب األحوال‪.‬‬
‫والن البنين من زينة الحياة الدنيا وحفظهم هو حفظ للنسل فان المشرع قد نظر الى البنوة‬
‫والنسب باعتبارهما اثرا للرابطة الزوجية التي أسس لها عقد الزواج‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫النسـب‪:‬‬
‫النسب لغة‪ :‬هو القرابة والتعلق وااللتحاق واالرتباط بين شيئين‬
‫النسب اصطالحا‪ :‬ساللة الدم او رباط ساللة الدم الذي يربط االنسان بأصوله‬
‫وفروعه وحواشيه‪.‬‬
‫أهمية الموضوع‪:‬‬
‫يكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة في ابراز األسس الفقهية والقانونية التي تناولت حق‬
‫الطفل في البنوة والنسب وتقييم العالقة الرابطة بين االتفاقيات الدولية والقانون المغربي‬
‫مع رصد اإلشكاليات التي تواجه تطبيقها ودور القضاء في حماية حق الطفل في البنوة‬
‫والنسب‪.‬‬
‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫يطرح هذا الموضوع إشكالية جوهرية مفادها‪:‬‬
‫أحكام البنوة والنسب؟‬
‫وما هي أحكام البنوة؟‬
‫وما هي وسائل ثبوت ونفي البنوة والنسب؟‬
‫وما هي األساس القانوني لحق الطفل في البنوة والنسب؟‬
‫وما دور القضاء في حماية هذا الحق وكيف تعامل مع القواعد المنظمة للنسب؟‬
‫ـ منهجية البحث‪:‬‬
‫لمعالجة هذا الموضوع يقتضي منا ضرورة االعتماد على منهجية معينة لتحليل وبناء‬
‫بحث متكامل يخضع لضوابط البحوث ولكون هذا الموضوع يندرج ضمن ما هو‬
‫اجتماعي فال بد من اعتماد على منهجين اساسين‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أوال‪ :‬المنهج التحليلي‪ :‬وه و المنهج الرئيس ي له ذا الموض وع لكون ه‬
‫يتطلب‬
‫منا تحليل النصوص القانونية واراء الفقهاء‪.‬‬
‫ـدي‪ :‬ويتم الترك يز علي ه كمنهج داعم للمنهج‬
‫ـا‪ :‬المنهج النقـ‬
‫ثانيـ‬
‫التحليلي‪.‬‬
‫ـ خطة البحث‪:‬‬
‫سنحاول من خالل هذا البحث دراسة موضوع حق الطفل في البنوة والنسب من خالل‬
‫الوقوف على اإلطار المرجعي وتحديد أحكام البنوة ووسائل اتباث النسب في القفه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والقانون المغربي‪ ،‬ووسائل النفي‪ ،‬وكذلك رصد أبرز المستجدات التي جاءت‬
‫بها مدونة االسرة وإبراز دور القضاء في حماية حق الطفل في البنوة والنسب من خالل‬
‫االحك ام الص ادرة عن الجه ات القض ائية‪ ،‬من هن ا فدراس ة الموض وع تتطلب تقس يمه‬
‫كاالتي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أحكام البنوة ووسائل اتباث النسب‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬وسائل نفي النسب ودور القضاء والمجتمع الدولي في حماية حق الطفل‬
‫في البنوة والنسب‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫حق الطفل في البنوة والنسب‬


‫الفصل األول‪ :‬أحكام البنوة ووسائل االثبات النسب‬

‫من جملة الحقوق التي كفلها التشريع اإلسالمي للطفل منذ اليوم األول لوالدته حّقه في‬
‫االنتساب إلى والديه‪ ،‬وهذا الحق الطبيعي والبديهي يتفّر ع عليه جملة من الحقوق‪،‬‬
‫ويترّت ب عليه جملة من المسؤوليات المّت صلة بالتربية واإلنفاق والرعاية والحماية‪.‬‬
‫وغني عن البيان أّن انتساب اإلنسان لوالديه أمر قهري وليس فيه أّي خيار لهما‪ ،‬فهما‬
‫والداه وهو ابنهما شاءا أم أبيا‪ ،‬وقد حَّر م اإلسالم تبرؤ اإلنسان من نسبه‪ ،‬كما حَّر م عليه‬
‫أن ُيلحق بنسبه َم ن ليس ابنًا حقيقيًا له‪ ،‬ألّن قضية النسب هي من القضايا الحّساسة التي‬
‫ال يجوز التالعب فيها وال تغييرها‪.‬‬

‫األحوال الشخصية البن زهرة ‪454‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أحكام البنوة‪:‬‬
‫نصت المادة ‪ 54‬من مدونة االسرة على هذا الحق في الفقرة الثالثة‪:‬‬
‫النسب والحضانة والنفقة طبقا ألحكام الكتاب الثالث من هذه المدونة‪،‬‬
‫المادة‪ 142 :‬تتحقق البنوة بتنسل الولد من ابويه وهي شرعية وغير شرعية‪.‬‬
‫المادة‪ 143 :‬تعتبر البنوة بالنسبة لالب واالم شرعية إلى ان يثبت العكس‪.‬‬
‫المطلب االول‪ :‬البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬البنوة الشرعية‪:‬‬
‫البن‪GG‬وة الش‪GG‬رعية هي ال‪GG‬تي يع‪GG‬ترف به‪GG‬ا الش‪GG‬رع وبمختل‪GG‬ف اثاره‪GG‬ا خالف‪GG‬ا للبن‪GG‬وة غ‪GG‬ير‬
‫الشرعية‪،‬‬
‫وقد بين المشرع حالة البنوة بالنسبة لالب في الم‪GG‬ادة ‪ 144‬ال‪GG‬تي نص‪GG‬ت على ان‪GG‬ه تك‪GG‬ون‬
‫البنوة‬
‫شرعية بالنسبة لالب في حاالت قيام سبب من أسباب النسب وتنتج عنها جميع االثار‬
‫المترتبة على النسب شرعا‪.‬‬
‫ان المشرع المغربي قد بين حاالت البنوة الشرعية بالنسبة لالب من خالل احكام المادة‬
‫‪ 144‬من مدونة االسرة‪ ،‬وقد جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫تكون البنوة شرعية بالنسبة لالب في حالة قيام سبب من أسباب النسب وتنتج عنها جميع‬
‫االث ار المترتب ة على النس ب ش رعا وهك ذا‪ ،‬يك ون هن اك تالزم ج د واض ح بين البن وة‬
‫الشرعية واألسباب المثبتة للنسب الشرعي‪.‬‬
‫بالنسبة لالب وذلك أنه وحسب هذا النص التشريعي‪ ،‬تكون البنوة شرعية في حالة‬ ‫‪‬‬
‫قيام سبب من أسباب ثبوت النسب الشرعي الصحيح الذي تبنى عليه وهذه األخيرة حسب‬
‫مدونة االسرةـ هي الفراش واالقرار والشبهة‪.‬‬

‫‪ 2‬مدونة االسرة ‪70.03‬‬

‫‪ 3‬شرح مدونة االسرة‪ :‬فوزي أكريم ‪4‬‬

‫محمد الكشبور‪ :‬البنوة والنسب في مدونة االسرة ص ‪ 20‬وما بعدها‬

‫‪6‬‬
‫وبالنسبة لالم‪ ،‬فقد نصت الفقرة األخيرة من المادة ‪ 147‬من مدونة االسرة على‬ ‫‪‬‬
‫أنه‪:‬‬
‫"تعتبر بنوة االمومة الشرعية في حالة الزوجية والشبهة واالغتصاب‪".‬‬
‫اذن فاألمومة الشرعية تلتقي في سببها مع االبوة الشرعية في حالة الزوجية والشبهة‪،‬‬
‫اال أنها تختلف معها في حالة االغتصاب غير المتصور مطلقا بالنسبة لالب‪ .‬إال ان‬
‫المشرع هنا سكت عن اإلقرار الن له خصوصية‪ .‬ومن البديهي أن إثبات العكس فيه‬
‫نفي للبنوة‪ ،‬وهو إثبات من الصعوبة بمكان‪ ،‬حيث يحتاج إلى التمتع بالصفة كشرط‬
‫إلقامة الدعوى‪.‬‬
‫وهي غير متوفرة مبدئيا لغير األب‪ ،‬كما أن األمر يحتاج إلى صدور حكم قضائي بذلك‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد جاء في مطلع الفقرة الثانية من المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة أنه‪" :‬يعتبر‬
‫الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب ال يمكن الطعن فيه إال من الزوج‪."...‬‬
‫وتطبيقا لهذا المقتضى‪ ،‬جاء في قرار للمجلس األعلى‪" :‬الفراش حجة قاطعة على ثبوت‬
‫النسب‪."...‬‬
‫أما فيما يخص أثر البنوة الشرعية‪ ،‬فهي أثر النس ب الص حيح‪ ،‬أض ار المش رع المغ ربي‬
‫إلى‬
‫أهم هذه اآلثار‪ ،‬باختصار جد شديد ضمن مقتضيات المادة ‪ 157‬من مدون ة األس رة وق د‬
‫جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫"متى ثبت النسب ولو في زواج فاسد أو بشبهة أو باالستلحاق‪ ،‬تترتب عليه جميع نتائج‬
‫القرابة‪ ،‬فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع‪ ،‬وتستحق به نفقة القرابة واإلرث"‬
‫ولقد نظم المشرع تحريم الزواج بسبب القرابة ضمن مقتضيات المادة ‪ 36‬من مدونة‬
‫األسرة‪ ،‬ونظم تحريم الزواج بسبب المصاهرة ضمن مقتضيات المادة ‪ 37‬من نفس‬
‫المدون ة‪ ،‬ونظم تح ريم ال زواج بس بب الرض اع ض من مقتض يات الم ادة ‪ 38‬من نفس‬
‫المدونة‬

‫‪ 5‬أثر أحكام البنوة والنسب ‪-‬األستاذ أسامة ولد النعيمية ‪-‬مجلة الباحث ‪-‬العدد ‪- 40‬منشورات موقع الباحث‬

‫‪7‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬البنوة غير الشرعية‪.‬‬
‫عندما تنتج البنوة بالنسبة لألم عن عالقة غير شرعية‪ ،‬يكون الولد غير شرعي ويلحق‬
‫نسبه بنسبها‪ .‬وتثبت البنوة بالنسبة لألم إما عن طريق واقعة الوالدة‪ ،‬أو إقرار األم أو‬
‫صدور حكم قضائي بها‪.‬‬
‫من هنا يتضح لنا جليا أن مدونة األسرة كانت في صف نسب الطفل وحمايته حتى ولو‬
‫نتج عن عالقة غير شرعية‪ ،‬ومن هذا المنطلق ال يمكن لنا بتاتا أن نتصور سوء نية‬
‫الزوج فهنا ال يعتبر النسب قائما للطفل في حق أبيه‪ .‬وأن جاز لنا أن نتصور هنا بنوة‬
‫غير شرعية لألب فعلية أو طبيعية أو عملية‪ ،‬ومع ذلك ال يترتب عنها أي أثر من آثار‬
‫البنوة الشرعية طبقا للمادة ‪ 148‬من م أ س‪ ،‬هنا يحق لنا أن نتساءل‪ :‬ألم يكن حريا‬
‫بالمشرع المغربي أن يعترف بنسب الطفل لوالده في هذه الحالة؟ بل مع إنزال عقوبة‬
‫قاسية في حق من يتعمد سوء في النية في الزواج الباطل‪ ،‬ألن اإلبن أو الطفل ال ذنب له‬
‫إن كان أبوه حسن النية أو سيء النية‪.‬‬

‫‪ 6‬مرجع سابق‪:‬أثر أحكام البنوة والنسب ‪-‬األستاذ أسامة ولد النعيمية ‪-‬مجلة الباحث ‪ -‬العدد ‪ - 40‬منشورات موقع الباحث‬

‫‪8‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حماية حق الطفل في النسب خارج مؤسسة الزواج في إطار البنوة‬
‫الشرعية والبنوة غير الشرعية‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حماية حق الطفل في النسب خارج‬
‫مؤسسة الزواج في إطار البنوة الشرعية‬
‫قد ينتج الولد عن عالقة غير شرعية ومع ذلك‪ ،‬اعتبرت مدونة األسرة أن اإلبن الناتج‬
‫عن حالة الشبهة أو عن حالة االغتصاب ابنا شرعيا مرة يلحق بأبيه ومره يلحق بأمه‪.‬‬
‫‪ :-1‬حالة الشبهة‬
‫هي الحالة التي يقع فيها الوطء بشبهة كمن اتصل بامرأة‪ ،‬ظنها زوجته وظنته زوجها‪،‬‬
‫ففي مثل هذه الحالة يكون النسب شرعيا للمتصل‪ ،‬إذا ظهر بالمرأة المتصل بها حمل‬
‫أثناء مدة االستبراء‪ .‬فهنا وحتى خارج الزواج أثبتت مدونة األسرة في مادتها ‪155‬‬
‫النسب للطفل واعتبرته شرعيا‪ ،‬كما أتت المدونة بجديد في المادة ‪ ،156‬عندما أقرت‬
‫النسب حتى للخاطب للشبهة عندما تحول ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وكان‬
‫قد حصل اإليجاب والقبول بالشروط التالية‪:‬‬
‫"أ‪-‬إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند االقتضاء‪.‬‬
‫ب‪-‬إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة‪.‬‬
‫ج‪-‬إذا أقر الخاطبان أن الحمل منهما‪ ...‬إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه‪ ،‬أمكن‬
‫اللج‪GG‬وء إلى جمي‪GG‬ع الوس‪GG‬ائل الش‪GG‬رعية في إثب‪GG‬ات النس‪GG‬ب"‪ .‬وه‪GG‬ذه الم‪GG‬ادة لن تس‪GG‬تقر إال‬
‫بالتطبيق‬
‫القضائي الذي سيكشف عن عيوبها ومزاياها‪.‬‬
‫‪ :-2‬حالة االغتصاب‪.‬‬
‫عندما تتعرض المرأة لالغتصاب‪ ،‬فالمدونة اعتبرت في هذه الحالة أن االبن يكون نسبه‬
‫شرعيا لألم‪ ،‬فقد طبقا للفقرة األخيرة من المادة ‪ 147‬من م‪.‬أ‪.‬س‪ ،‬التي جاء فيها "تعتبر‬
‫بنوة األمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة واالغتصاب‪ ،‬وال ينسب لمرتكب فعل‬
‫‪9‬‬
‫االغتصاب‪ .‬فحتى عندما تتعرض المرأة لالغتصاب راعى المشرع المغربي وضعها‬
‫ووضعيتها النفسية واعتبر االبن شرعيا ‪.‬‬
‫*ب في‬
‫*ل في النس*‬
‫*ق الطف*‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حماية ح*‬
‫الزواج الباطل والزواج الفاسد‬

‫‪1‬ـ يك‪GG‬ون ال‪GG‬زواج ب‪GG‬اطال طبقا للم‪GG‬ادة ‪ 57‬من مدون‪GG‬ة االس‪GG‬رة‪ ،‬إذا اخت‪GG‬ل في‪GG‬ه اإليج‪GG‬اب‬
‫والقبول‪،‬‬
‫أو إذا اعتبره أحد الموانع المؤبدة أو المؤقتة المنصوص عليها في المادة ‪ 39‬من نفس‬
‫المدونة‪ .‬فالزواج الباطل هو الزواج المنعدم الذي يمكن للمحكمة أن تصرح ببطالنه إما‬
‫تلقائيا ألن البطالن في هذه الحال‪G‬ة ه‪G‬و من النظ‪G‬ام الع‪G‬ام أو إم‪G‬ا بطلب ممن يعين‪G‬ه األم‪G‬ر‬
‫طبقا‬
‫للمادة ‪ 58‬من مدونة االسرة‬
‫ويترتب عن هذا الزواج الباطل عند حسن النية ثبوت النسب‪ ،‬أما في حالة سوء النية فال‬
‫يمكن الحديث عن ثبوت النسب‪ ،‬وذلك حتى ال يفتح المجال تمثل فإنه العالقات غير‬
‫الشرعية وترتكب عن عمد‪.‬‬
‫‪2‬ـقسمت المدونة الزواج الفاسد إلى قسمين الفاسد لصداقه‪ ،‬والفاسد لعقده‪.‬‬
‫فالفاسد لصداقه يفسخ قبل البناء وال صداق فيه ويصح بع‪GG‬د البن‪GG‬اء بص‪GG‬داق المث‪GG‬ل الم‪GG‬ادة‬
‫‪ 60‬من مدونة االسرة‪.‬‬
‫وأما الفاسد لعقده فيفسخ قبل البناء وبعده حسب نص المادة ‪ 61‬من مدومة االسرة في‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬
‫"إذا ك‪GG‬ان ال‪GG‬زواج في الم‪GG‬رض المخ‪GG‬وف ألح‪GG‬د ال‪GG‬زوجين‪ ،‬إال أن يش‪GG‬فى الم‪GG‬ريض بع‪GG‬د‬
‫الزواج‪.‬‬
‫‪-‬إذا قصد الزواج تحليل المبثوتة لمن طلقها ثالثا‪.‬‬
‫‪-‬إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه"‪.‬‬

‫‪ 7‬مرجع سابق‪ :‬أثر أحكام البنوة والنسب ‪-‬األستاذ أسامة ولد النعيمية ‪-‬مجلة الباحث ‪-‬العدد ‪- 40‬منشورات موقع الباحث‬

‫‪10‬‬
‫وتترتب عن الزواج الفاسد سواء لصداقة أو لعقده‪ ،‬إذا وقع فيه البناء جميع آثار ال‪GG‬زواج‬
‫الصحيح بما في ذلك ثبوت نسب األطفال"‬
‫وهكذا يتضح لنا أن مدونة األسرة كانت صريحة أكثر من االتفاقيات الدولية ذات الصلة‬
‫بخصوص حماي‪G‬ة نس‪G‬ب األطف‪G‬ال‪ ،‬وذل‪G‬ك بتش‪G‬ريعها أحكام‪G‬ا مفص‪G‬لة ت‪G‬بين كيفي‪G‬ة ثب‪G‬وت‬
‫النسب‬
‫األطفال‪ ،‬وذلك بتشريعها أحكاما مفصلة تبين كيفية ثبوت النس‪GG‬ب وك‪GG‬ذا اآلث‪GG‬ار المترتب‪GG‬ة‬
‫عن ثبوته‪.‬‬
‫‪ 8‬مرجع سابق أثر أحكام البنوة والنسب ‪-‬األستاذ أسامة ولد النعيمية ‪-‬مجلة الباحث ‪-‬العدد ‪- 40‬منشورات موقع الباحث‪.‬‬

‫‪ 9‬الدكتور عبد الخالق احمدون‪ :‬مدونة االسرة على ضوء المذاهب الفقهية والقوانين العربية‬

‫‪11‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬وسائل إثبات النسب بين مدونة االسرة والشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫لقد حرص االسالم على صيانة أعراض الناس وحفظها من األلسنة‪ .‬فجاء حكم الشرع‬
‫أن من يقذف امرأة بزنى ولم تكن له بينة تصدقه من أربعة شهود‪ ،‬يحد جزاءا على‬
‫فعلته (قذفه) بثمانين جلدة لقوله تعالى في سورة النور‪":‬والذين يرمون المحصنات ثم لم‬
‫يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة وال تقبل لهم شهادة أبدا وأولئك هم‬
‫الفاسقون"‪.‬‬
‫إن إشكالية إثبات النسب ونفيه ليست قضية عصر إنما قضية فرع متجدر عن أصل‬
‫عنيت بها الشرائع السماوية ونظمها اإلسالم‪ .‬قال تعالى‪ " :‬وما جعل هللا أدعيائكم أبنائكم‬
‫ذلكم قولكم بأفواهكم وهللا يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم ألباهم هو أقسط عند هللا‬
‫فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به‪،‬‬
‫ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان هللا غفور رحيم"‪.‬‬

‫في الحديث النبوي‪ ":‬حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب"‪ .‬وقوله أيضا‪ :‬الولد‬
‫للفراش وللعاهر الحجر‪ ".‬فإذا كان اإلسالم سباقا إلى وضع لبنة الحياة االجتماعية فان‬
‫القانون الوضعي وإن كان كالزمة فرضتها المتغيرات في ظل عصرنا هذا فإنه في‬
‫نظرنا ال يعد بديال عن أحكام ظلت إلى عهدنا هذا تفرض وجودها في جميع المجاالت‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫المطلب األول‪ :‬وسائل اإلثبات التقليدية‬
‫تناول المشرع المغربي في إطار المادة ‪ 152‬من مدونة االسرة وسائل االثبات‪:‬‬
‫أسباب لحوق النسب‪:‬‬
‫‪ :1‬الفراش‬
‫‪ :2‬اإلقرار‬
‫‪ :3‬الشبهة‬
‫وتنص المادة ‪ 158‬من مدونة االسرة‪:‬‬
‫يثبت النسب بالفراشّ أو بإقرار االب او بشهادة عدلين او ببينة السماع او بكل الوسائل‬
‫األخرى‪ ،‬المقررة شرعا‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إثبات النسب عن طريق اإلقرار‬

‫اإلقرار في اللغة هو اإلذعان للحق واالعتراف به واإلقرار بالنسبة هو إدعاء المدعى‬


‫المقر أنه أب لغيره‪ ،‬وقد نظمه المشرع المغربي بمدونة األسرة وسماه كذلك باالستلحاق‬
‫من خالل المواد ‪ 160‬و‪ 161‬غير أنه يوجد إلى جانب هذا اإلقرار من نوع آخر غير‬
‫مباشر يجعل المقر له ينتسب إلى الغير ال إلى المقر مباشرة‪.‬‬
‫ولكي يرتب اإلقرار بالنسب آثاره القانونية‪ .‬البد من أن تتوفر فيه بعض الشروط‪،‬‬
‫وشروط اإلقرار بالنسب‪ ،‬أو اإلستلحاق ورد النص عليها ضمن مقتضيات المادة‬
‫‪ 160‬من مدونة األسرة بالكيفية اآلتية‪:‬‬

‫‪ 10‬بحث إجازة‪ :‬حق الطفل في البنوة والنسب‬

‫‪13‬‬
‫يثبت النسب بإقرار األب ببنوة المقربة ولو في مرض الموت‪ ،‬وفق الشروط اآلتي‪– :‬‬
‫أن يكون األب المقر عاقال‬
‫– أال يكون الولد المقربه معلوم النسب‬
‫– أال يكذب المستلحق عقل أوعادة‬
‫– أن يوافق المستلحق إذا كان راشدا حيث االستلحاق وإدا استلحق قبل أن يبلغ سن‬
‫الرشد‬
‫إذا عين المستلحق األم‪ ،‬أمكنها االعتراض بنفي النسب عنها‪ ،‬أو اإلدالء بما يثبت عدم‬
‫صحة االستلحاق‪ .‬لكل من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط االستلحاق‬
‫المذكورة‪ ،‬مادام المستلحق حيا” إلى جانب هذه الشروط فإن إثبات اإلقرار بالنسب‬
‫حددته المدونة في المادة ‪ 162‬من مدونة األسرة حيث يتم إثباته عبر وسيلتين فإما أن يتم‬
‫باإلشهاد الرسمي أو بخط المقر الذي ال بشك فيه‪.‬‬
‫اإلشهاد الرسمي‬
‫هنا يجب االشهاد على اإلقرار بالنسب من طرف عدلين منتصبين لإلشهاد وتوثيقه ثم بعد‬
‫ذلك المصادقة عليه من جانب قاضي التوثيق إلى حين اكتسابه الصفة الرسمية‪.‬‬
‫*خط يد المقر الذي ال يشك فيه‬
‫يمكن أن تحول ظروف قاهر بالمقر تمنعه من االلتجاء إلى العدول كإصابته بمرض‬
‫أقعده في المنزل هنا يصح له‪ ،‬استثناء أن يكتب اإلقرار بالنسب بخط يده‪.‬‬
‫هنا ال يصح اإلقرار إال من طرف المقر نفسه وبخط يده وتكون وثيقة عرفية‪ .‬ومن خالل‬
‫كل ما سبق يمكن القول أن اإلقرار يعتبر من الوسائل التي يتم بها إثبات النسب‪.‬‬
‫إثبات النسب بالفراش‬
‫يقصد بالفراش في اللغة‪ ،‬ما يبسط عادة للنوم أو اللجلوس عليه ويطلق عادة على المرأة‬
‫التي يستمتع بها زوجها وذلك من خالل قوله تعالى‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫“وفرش مرفوعة إنا أنشأنا هن إنشاء‬
‫فجعلناهن أبكارا عربا أترابا ألصحاب اليمين‪.‬‬
‫اآلية من ‪ 34‬إلى ‪ 38‬من سورة الواقعة‪ .‬واصطالحا يقصد بالفراش الزوجية القائمة بين‬
‫الرجل والمرأة أو كون المرأة معدة‬
‫للوالدة من رجل معين وال يكون ذلك عادة إال بالزواج أو ما لحقه به الشرع استثناء‬
‫كالزواج الفاسد واالتصال عن طريق الشبهة بخصوص النسب‪.‬‬
‫وانطالقا من هذا التعريف فمتى تم ازدياد الطفل خالل مرحلة الزواج ثبت نسبة من ذلك‬
‫الزواج دون اللجوء إلى بينة أو إقرار من الزوج وذلك استنادا إلى قوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم “الولد للفراش …” وإلثبات النسب بالفراش فال بد من توفر شروط البد من‬
‫احترامها وهي إبرام عقد زواج صحيح كقاعدة‬
‫– انصرام مدة الحمل‬
‫– إمكانية والدة الزوجة من زوجها‪.‬‬
‫ومن خالل هذه الشروط فإن إبرام عقد زواج صحيح يثبت الطفل حقه في النسب حيث‬
‫أن الزواج الصحيح باستجماعه لكافة أركانه وشروطه يرتب جميع أثاره الشرعية في‬
‫الحال وأهمها إثبات نسب األوالد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا‬
‫الفراش دون غيره‪ ،‬وهذه القاعدة بديهية في الشرع اإلسالمي وقد تم العمل بها في‬
‫مدونة األسرة من خالل نصوص قانونية وإذا كانت القاعدة هي أن الزوجية الصحيحة‬
‫بالفراش فاستثناء يثبت النكاح شبهة وفي النكاح الفاسد أحيانا‪ .‬وبالنسبة لشرط المدة‬
‫فحسب جمهور الفقهاء ال يكفي أن يكون هناك‬
‫عقد صحيح يربط بين الزوج وبين زوجته وإنما البد من أن تتحقق مدة الحمل‬
‫المفروضة شرعا‪ .‬ومدة الحمل من الناحية القانونية حدان أحدهما أدنى وثانيهما أقصى‬
‫فيما يخص المدة األدنى فقد أجمع فقهاء الشريعة اإلسالمية والفقهاء على أن أقل مدة‬
‫‪15‬‬
‫الحمل هي ستة أشهر وذلك انطالقا من قوله تعالى‪ ”:‬وحمله وفصاله ثالثون شهرا‬
‫” وقد أيدت هذا الطرح المدونة من خالل‬
‫المادة ‪ .154‬أما بالنسبة للمدة األقصى فقد تضاربت مواقف الفقه اإلسالمي بشأن أقصى‬
‫م دة الحم ل م ا بين تس عة أش هر وس نتان وأرب ع س نوات أم ا بالنس بة للمدون ة فلم ي بين‬
‫المشرع‬
‫المغربي هل المقصود بأقصى أمد الحمل السنة القمرية أم السنة الشمسية‬

‫‪ :11‬بحث إجازة حق الطفل في البنوة والنسب‬

‫‪ :12‬مرجع سابق‪ :‬محمد الكشبور البنوة والنسب في مدونة االسرة‬

‫‪16‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬إثبات النسب بشهادة عدلين أو‬
‫بينه السماع‬
‫إلى جانب إثبات النسب بالفراش واإلقرار فإنه يتم إثباته بشهادة عدلين أو بينه السماع‬
‫وذلك طبقا لمقتضيات المادة ‪ 158‬من مدونة األسرة إال أن هناك فرق واضح بين شهادة‬
‫العدلين وبينه السماع وهذا ما نود التطرق له من خالل تناول كل واحد منهما على حدة‪.‬‬
‫*إثبات النسب بواسطة شهادة عدلين‬
‫المشرع قام بتنظيم الشهادة في قواعد قانون االلتزامات والعقود إلى جانب تنظيمه‬
‫اإلجراءات المسطرية الخاصة بها في قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫وما يهمنا هنا إثبات النسب عن طريق الشهادة بالخصوص فيتمثل في فقه اإلمام مالك‬
‫وذلك انطالقا من المادة ‪ 400‬من مدونة األسرة‪ ،‬التي تحيل على الفقه المالكي‪ ،‬الذي‬
‫يعتبر شهادة الشهود كوسيلة إلثبات النسب حيث يتم اعتبارها أقوى من اإلقرار وهذا‬
‫أيضا ما تم تبنيه من طرف الفقه اإلسالمي بالرغم من نص المشرع المغربي على‬
‫الشهادة كوسيلة إلثبات النسب إال أنه لم ينظمها تاركا امر ذلك للفقه المالكي‪ ،‬حيث أن‬
‫القاعدة العامة في الشهادة في الفقه المالكي هي شهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين‬
‫ولكن متى تم تعليق الشهادة بالوالدة فيمكن إثباتها أحيانا بشهادة امرأتين فقط على أساس‬
‫أن الوالدة مما يطلع عليه إال النساء أحيانا دون الرجل‬

‫مرجع سابق‪ :‬محمد الكشبور البنوة والنسب في مدونة االسرة‬

‫‪17‬‬

‫*إثبات النسب شهادة السماع‬


‫يمكن إثبات النسب حسب مقتضيات المادة ‪ 158‬من مدونة األسرة بواسطة بينه السماع‬
‫ويقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية‪ ،‬إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا‬
‫فاشيا أو واقعة ما قد تحققت‪.‬‬
‫وتشترك شهادة السماع مع البينة أي شهادة العدلين في الكثير من األحيان ومن ذلك ما‬
‫يتصل بالخصوص بإثبات النسب‪ ،‬وقد اشترط الفقه المالكي لصحتها وبالتالي ترتيب‬
‫أثارها خمسة شروط أساسية أولها باالستفاضة وثانيها السالمة من الريبة وثالثها أداء‬
‫اليمين تزكية لها‪ ،‬رابعها طول الزمن وأخيرا أال يتعلق األمر بنقل شهادة‪.‬‬
‫وإلثبات النسب بشهادة أو بنية السماع ثم العمل باالستعانة باإلثبات عن طريق اللفيف في‬
‫هذا المجال‪ ،‬وصورة شهادة اللفيف هي اثني عشر رجال حيث يتم وضع أسماءهم عقب‬
‫تاريخ الشهادة وتقبل شهادة اللفيف في إثبات النسب عموما ألنها ما جرى به العمل في‬
‫مذهب اإلمام مالك‪.‬‬

‫‪ :13‬مرجع سابق حق الطفل في البنوة والنسب بحث إجازة‪.‬‬

‫‪ : 14‬محمد الكشبور ‪ :‬الوسيط في قانون األحوال الشخصية‪ .‬الفرع الثالث احكام النسب‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اتباث النسب بالطرق الحديثة‬

‫جاء في بيان ختام أعمال المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي في دورته‬
‫الخامسة عشرة‪ ،‬الذي انعقد بمكة المكرمة في ‪ 31‬أكتوبر‪ ,1998‬حول موضوع البصمة‬
‫الوراثية ومجال االستفادة منها على أنه لو تنازع رجالن على أبوة طفل فإنه يجوز‬
‫االستفادة من استخدام البصمة الوراثية‪ .‬ولعل هذا ما حذا بالمشرع المغربي إلى أن‬
‫يتبنى هذه الوسيلة – البصمة الوراثية‪-‬إلثبات ونفي النسب محققا بذلك قفزة نوعية في‬
‫النظام القانوني المغربي الذي يكون بذلك قد ساير أهم المستجدات العلمية‪ ،‬سابقا في ذلك‬
‫تشريعات أخرى وهو ما سنتعرض له في بيان مفهوم ومزايا البصمة الوراثية وما‬
‫موقعها من األدلة الشرعية في إثبات أو نفي النسب‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬البصمة الوراثية واثارها في اتباث النسب‬

‫‪ . 15‬زريويل محمد‬
‫أستاذ بكلية الحقوق بمكناس‬

‫إثبات أو نفي النسب بالوسائل العلمية الحديثة‬

‫‪19‬‬

‫عرفت المنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية نظام البصمة الوراثية على أنها " البينة الجينية‬
‫التفصيلية تدل على هوية كل فرد بعينه"‪ ،‬وهي وسيلة ال تكاد تخطئ في التحقق من‬
‫الوالدية البيولوجية‪ ،‬والتحققٕ ثباتها‪ ،‬والسيما في مجال الطب الشرعي‪ ،‬وهي ترقى إلى‬
‫مستوى القرائن القوية التي يأخذ من الشخصية‪ .‬وإثباتها وال سيما مجال الطب‬
‫الشرعي‪ ،‬وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير‬
‫قضايا الحدود الشرعية‪ ،‬وتمثل تطورا عصريا في مجال القيافة التي يذهب إليها‬
‫جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه‪.‬‬
‫البصمة الوراثية هي وسيلة علمية تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي والتحقق من‬
‫الشخصية‪ ،‬ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للش خص‪ ،‬ويمكن أخ ذها من أي ة خلي ة من‬
‫الدم‬
‫أو اللعاب أو المني أو البول وغيرها‪.‬‬

‫‪ 16‬تطبيقات البصمة الوراثية وأثرها في اإلثبات " اثبات ونفي النسب نموذجا‬

‫د مجاهدي خديجة جامعة البليدة ‪ 2‬علي لونيسي‬

‫‪20‬‬

‫فالبصمة الوراثية هي الصفات الوراثية التي تنتقل من األصول إلى الفروع‪ ،‬والتي من‬
‫شأنها تحديد كل فرد عن طري ق تحلي ل ج زء من حمض الن ووي‪ ،‬ال ذي تحت وي علي ه‬
‫خاليا‬
‫جسده تع رف البص مة الوراثي ة على أنه ا "العالم ة أو األث ر ال ذي يتنق ل من اآلب اء إلى‬
‫األبناء‬
‫أو من األصول إلى الف روع"‪ ،‬وق د انتهى في تحدي د مفهوم ه للبص مة الوراثي ة إلى إنه ا‬
‫"تعيين‬
‫هوية اإلنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من حمض النووي المتمركز في نواة أي‬
‫خلية من خاليا جسمه‪ ،‬ويظهر هذا التحليل في صورة شريط من سلسلتين‪ ،‬كل سلسلة‬
‫بها تدرج على شكل خطوط عرضية مسلسلة وفقا لتسلسل القواعد األمينية على الحمض‬
‫النووي‪ ،‬وهي خاصية تميز كل إنسان عن غيره في الترتيب‪ ،‬وفي المسافة ما بين‬
‫الخطوط العرضية‪ ،‬وتمثل إحدى السلسلتين الصفات الوراثية من األب (صاحب الماء)‪،‬‬
‫وتمثل السلسلة األخرى الصفات الوراثية من األم صاحبة البويضة‪.‬‬
‫وقد عرفت بأنها "المادة الحاملة للعوامل الوراثية والجينات في الكائنات الحية"‪،‬‬
‫وعرفت بأنها "تلك الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان بعينه والتي تحملها الجينات أو‬
‫الجينوم البشري والتي تعرف بالشفرة الوراثية"‪ .‬وقد أقر المجمع الفقهي اإلسالمي‬
‫لرابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة على أن البصمة الوراثية هي "البنية الجينية نسبة‬
‫إلى الجينات أي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه ويستخلص من التعاريف‬
‫السابقة بأن البصمة الوراثية هي عبارة عن صفات وراثية تنتقل من اآلباء إلى األبناء‪،‬‬
‫عن طريق دراسة التركيب الوراثي‪.‬‬

‫‪ :‬اعمال الندوة العلمية للمنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية حول الهندسة الوراثية والجينوم والعالج الجيني‪ ،‬رؤية إسالمية‪ ،‬المنعقدة في الفترة من ‪ 13‬إلى‬
‫‪15‬أكتوبر ‪ 1998،‬منشورات المنظمة االسالمية للعلوم الطبية‪ ،‬الجزء‪ 12 ،‬الكويت ‪ 2000،‬ص‪1049‬‬

‫‪ : 18‬أعمال الندوة العلمية للمنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية حول الهندسة الوراثية والجينوم والعالج الجيني‪ ،‬رؤية إسالمية‪ ،‬ص‪. 1050‬‬

‫‪21‬‬
‫تتصف البصمة الوراثية بمجموعة من الخصائص‪،‬‬
‫التي تميزها عن األدلة الجنائية األخرى وتتجسد هذه الخصائص في‬
‫أوال‪-‬عدم التوافق والتشابه بين كل فرد عند تحليل البصمة الوراثية‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫البصمة الوراثية تختلف من شخص آلخر‪ ،‬وال يوجد على وجه األرض شخصان‬
‫يتشابهان في هذه البصمة‪ ،‬ما عدا حاالت التوائم المتطابقة (الحقيقية)‪ ،‬أي التي أصلها‬
‫بويضة واحدة وحيوان منوي واحد‪ ،‬رغم أنهما توأمان متطابقان إال أنهما يختلفان في‬
‫بصمات األصابع‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬إنها وسيلة علمية دقيقة في تحديد هوية صاحبها‪ ،‬وأن نتائجها شبه قطعية‬
‫ثالثا‪-‬تتميز البصمة الوراثية بتعدد وتنوع مصادرها أي يمكن الحصول عليها من أي‬
‫مخلفات آدمية سائلة (دم‪ ،‬لعاب‪ ،‬مني)‪ ،‬وهذا عند عدم وجود آثار لبصمات األصابع‬
‫للمجرمين في مسرح الجريمة‬
‫رابعا‪-‬البصمة الوراثية موجودة في كل خاليا الجسم‪ ،‬كما أنها متطابقة مع جميع خاليا‬
‫جسم اإلنسان‪ ،‬وال تتغير أو تتبدل بمرور السن‪ ،‬وج زئ الحمض الن ووي ث ابت في ه ذه‬
‫الخاليا‪.‬‬
‫خامسا‪-‬تتميز البصمة الوراثية بمقاومتها عوامل التحلل والتعفن والعوامل المناخية‬
‫األخرى من حرارة وبرودة وجفاف لفترات طويلة‪ ،‬حتى أنه يمكن الحصول على‬
‫البصمة الوراثية من اآلثار القديمة والحديثة‪.‬‬

‫‪ 19:‬حسني محمود عبد الدايم‪ ،‬البصمة الوراثيـة ومـدى حجيتهـا في االثبـات‪-‬دراسـة مقارنـة بين الفقـه االسـالمي والقـانون الوضـعي‪ ،‬دار الكفـر الجـامعي‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ 2007،‬ص ‪95‬‬

‫‪ :20‬المجلة الجزائرية للعلوم القانونية‪ ،‬السياسية واالقتصادية ‪ ---‬المجلد‪ :57،‬العدد‪ :02،‬السنة‪ :2020،‬ال صفحة‪.325-345‬‬
‫تطبيقات البصمة الوراثية وأثرها في اإلثبات " اثبات ونفي النسب نموذج‬

‫‪22‬‬
‫سادسا‪-‬إن بصمة الحمض النووي تظهر على شكل خطوط عريضة يسهل قراءتها‪،‬‬
‫والتعرف عليها‪ ،‬وحفظها‪ ،‬وتخزينها في الحاسب اآللي لحين الحاجة إليها قيدت ضد‬
‫مجهول‪ ،‬وقد برأت البصمة‪ ّ.‬‬
‫سابعا‪-‬يتيح استخدام البصمة الوراثية اكتشاف آالف الجرائم التي الوراثية مئات‬
‫األشخاص من جرائم القتل واالغتصاب‪،‬‬
‫ثامنا‪-‬لتحديد البصمة الوراثية يكفي تحليل عينة ضئيلة من أعضاء الجسم أو سوائله‬
‫حتى بعد جفافها‪ ،‬ويتعرف على صاحبها ح تى بع د وفات ه بع دة س نوات بواس طة تحلي ل‬
‫شيء من هيكله‬
‫تاسعا ‪-‬البصمة الوراثية تتواجد في جميع خاليا اإلنسان منذ لحظة اإلخصاب األولى‪،‬‬
‫وتظل ثابتة من غير أن تتغير أو تتبدل طوال حياته وبعد مماته‪.‬‬

‫‪ : 21‬المجلة الجزائرية للعلوم القانونية‪ ،‬السياسية واالقتصادية ‪ ---‬المجلد‪ :57،‬العدد‪ :02،‬السنة‪ :2020،‬ال صفحة‪.325-345‬‬
‫تطبيقات البصمة الوراثية وأثرها في اإلثبات " اثبات ونفي النسب نموذج مرجع سابق‬

‫‪23‬‬
‫تعتبر البصمة الوراثية من بين المستجدات العلمية التي كرستها مدونة االسرة بخصوص‬
‫إثبات النسب‪ ،‬لكونها تضمنت مجموعة من الحقوؽ لفائدة الطفل معززة مكانته داخل‬
‫االسرة‪ ،‬كذلك بتثبيت حقه في االنتساب إلى أبيه‪ ،‬كقد اعتمدها المشرع المغربي كوسيلة‬
‫إلثبات النسب أو نفيه‪ ،‬كقد أشارت مدونة االسرة في المادة ‪ 158‬إلى أن البصمة كوسيلة‬
‫ال يلتجأ إليها في حالة النزاع‪ ،‬أو في حالة اختالل شروط الفراش‪ ،‬او إذا تعذر معرفة‬
‫من ينسب إليه الولد كما أشارت المادة ‪ 153‬من نفس المدونة إلى ان الفراش حجة‬
‫قاطعة على ثبوت النسب‪ ،‬ال يمكن الطعن فيه اال من طرف الزوج عن طريق اللعان‪.‬‬
‫أو خبرة تفيد القطع بشرطين؛ أكلهما إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه‪ ،‬ثم صدور‬
‫أمر قضائي بهذه الخبرة‪.‬‬
‫وقد جاء في حكم للمحكمة االبتدائية‪ :‬ان الفراش بشروطه يعتبر حجة قاطعة على ثبوت‬
‫النسب ال يمكن الطعن فيه اال من طرف الزوج عن طريق اللعان او بواسطة خبيرة‬
‫طبية تفيد القطع بشرطين‪ :‬ادالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه وصدور امر قضائي‬
‫بهذه الخبرة‪.‬‬
‫وجاء في حكم اخر للمحكمة االبتدائية‪ :‬ال يمكن للمحكمة ان تأمر بإجراء خبرة طبية اال‬
‫إذا عزز الزوج ادعائه بقرائن قوية ترجح صدقه فيه‪ ،‬وهو ما كان مسافرا او غائبا عن‬
‫زوجته منذ تاريخ اقترانه بها‪ ،‬فضال على انه في حالة ثبوت ذلك السفر داخل المغرب‬
‫ال يمنع اتصال الزوج بزوجته وال يفيد استحالة ذلك‪.‬‬

‫‪ :22‬وسائل اتباث النسب ونفيه بين الشريعة والقانون بحث إجازة ص ‪ 67‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪ :23‬حكمين صادرين عن المحكمة االبتدائية برشيد بتاريخ ‪ 28/09/2006‬من ملف عدد ‪ 245/06/03‬منشور في المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة‬
‫االسرة‪ .‬ص‪.255‬‬

‫‪24‬‬
‫كما جاء في قرار للمجلس األعلى‪ :‬اعتبرت المحكمة ادالء الزوج بشواهد طبية تثبت‬
‫عقمه قرائن قوية تثبت ادعائه فأمرت بإجراء خبرة جينية‪ ،‬وقضت بناء عليها بعدم‬
‫ثبوت نسب الطفلة اليه‪.‬‬
‫ففي ظل غياب هذه القرائن القوية التي تؤيد ادعاء الزوج‪ ،‬يمتنع القضاء عن اللجوء إلى‬
‫الخبرة الطبية لنفي النسب‪ .‬فاللجوء إلى الخبرة يقتضي توفر شرطين‪:‬‬
‫أــ أن يكون الولد الحق شرعا باألب؛ في هذه الحالة يقتضي اللجوء للخبرة أف يكون‬
‫الولد موضوع النفي الحقا شرعا بالزوج‪ ،‬أما إذا ثبت اختالل شروط الفراش المنصوص‬
‫عليها ضمن مقتضيات المادة ‪ 154‬من مدونة االسرة‪ ،‬فإن الولد في هذه الحالة يكون‬
‫غير الحق بالزوج بقوة الشرع‪ ،‬ومن تم ال نحتاج إلى اللعان أو الخبرة من أجل نفي‬
‫النسب عنه‪ ،‬ما لم يتعلق االمر بحاالت استثنائية ثبت فيها النسب خارج العالقة الزوجية‪،‬‬
‫كما هو األمر في حالة االتصال بشبهة‪ ،‬كحالة الزواج الباطل والفاسد‪ ،‬حيث جاء في‬
‫قرار للمجلس األعلى‪:‬‬
‫لما كانت مقتضيات ‪ 154‬من مدونة االسرة تنص على أن اقل مدة الحمل ستة أشهر‬
‫من تاريخ العقد وكان البين من أوراق الملف ان الطاعنة وضعت حملها بتاريخ‬
‫‪ 16/12/2000‬وألقل من ستة األشهر من تاريخ العقد المبرم ب ‪10/2000/ 20‬‬
‫فان المحكمة لما اعتبرت ان الولد غير الحق بنسب المطلوب في النقض تكون قد‬
‫طبقت الفصل المحتج به تطبيقا صحيحا‪ ،‬ولو تكن في حاجة الى اجراء خبرة طبية في‬
‫هذا الشأن‪.‬‬

‫‪ :24‬قرار صادر عن محكمة االبتدائية عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 16/07/2008‬في كتاب مدونة االسرة فب االجتهاد القضائي لمحمد الشافعي ص ‪.129‬‬

‫‪25‬‬
‫ب ــ ال نفي للنســب بــدون دعــوى‪ :‬يعت بر تقري ر الخ برة عنص ر من عناص ر اإلثب ات‬
‫ويخضع‬
‫لتقدير محكمة الموضوع التي لها االعتماد عليه إذا رأت فيه ما يقنعها‪ ،‬ونظرا لما للنسب‬
‫من أهمية قصوى فإن نفيه اال يتم اال بحكم ص ادر من المحكم ة‪ ،‬وه ذا م ا نص ت علي ه‬
‫مدونة‬
‫االسرة في المادتين ‪151‬و ‪ 153‬على أن النسب ال ينفى اال بحكم قضائي‪.‬‬
‫فإثبات النسب أو نفيه خالفا لباقي النزاعات التي تدور بين شخصين مدعي ومدعى عليه‪،‬‬
‫يقتضي إبراز شخص ثالث هو الطفل الذم يجب أن ينص منطوق الحكم الصادر من قسم‬
‫قضاء االسرة على هويته كاملة‪ ،‬دفعا ألي لبس قد يؤدي إلى صعوبة التنفيذ‪ ،‬والن‬
‫المشرع متشوف للحوق االنساب كان عليه أن يحدد مدة تقادم دعوى نفي النسب‬
‫بواسطة الخبرة الطبية‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬س ُنِريِهْم آَياِتَنا ِفي اآلَف اِق َو ِفي َأْنُفِس ِهْم َح َّتى َيَتَبَّيَن َلُهْم َأَّن ُه اْلَح ُّق َأَو َلْم َيْك ِف‬
‫ِبَرِّبَك‬
‫َأَّنُه َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِهيٌد‪ .‬وهكذا فإن م ا توص ل إلي ه العلم الح ديث ه و بتوفي ق من هللا‪،‬‬
‫يندرج‬
‫اكتش اف البص مة الوراثي ة في ه ذا اإلط ار‪ ،‬ك القرآن الك ريم حث على النظ ر والتفك ر‬
‫واعمال‬
‫العقل‪ ،‬فه و ب ذلك يش جع البحث العلمي‪ ،‬بمع نى أن ك ل اكتش اف علمي إيج ابي يحظى‬
‫بتأييد‬
‫اإلسالم شرط اال يتعارض مع نصوص الكتاب أو مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪ :25‬محمد الكشبور‪ :‬احكام البنوة والنسب مرجع سابق بتصرف ص‪217-216‬‬

‫سورة فصلت اآلية ‪53‬‬

‫‪26‬‬

‫مدى مشروعية البصمة الوراثية‪:‬‬


‫ويقول ابن القيم وهو يتحدث عن البينة‪:‬‬
‫فإذا ظهرت أمارات العدل‪ ،‬وأس فر وجه ه ب أي طري ق ك ان؛ فثم ش رع هللا ودين ه‪ ،‬وهللا‬
‫سبحانه‬
‫أعلم وأحكم وأع دل أن يخَّص ط رق الع دل وأمارات ه وأعالم ه بش يء‪ ،‬ثم ينفي م ا ه و‬
‫أظهر‬
‫منها وأقوى داللة وأبين أمارة فال يجعله منها‪ ،‬وال يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها‪،‬‬
‫بل قد بَّين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصودة إقامة العدل بين عباده‪ ،‬وقيام الناس‬
‫بالقسط‪ ،‬فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة له‪.‬‬
‫كمما يفتح الباب لقبول البصمة الوراثية في إثبات النسب‪ ،‬أن القيافة مقبولة عند جمهور‬
‫الفقهاء "مالك‪ ،‬الشافعي‪ ،‬ابن حنبل" كدليل إلثبات النسب‪ ،‬فكيف ال يتم قبول البصمة‬
‫الوراثية‪.‬‬
‫فقد ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية‪ ،‬كما روي عن ابن العباس‬
‫وأنس بن مالك وعطاء وزيد بن عبد الملك واالوزاعي والليث إلى ثبوت النسب بالقيافة‬
‫عند النزاع‪ ،‬وفي حالة عدم وجود الدليل الذي يستند إليه بحسب األصل في إثبات النسب‬
‫وهو الفراش‪ ،‬اإلقرار‪ ،‬البينة‪ ،‬وفي ظل التقدم العلمي الذي أبرز ط ابع اليقين ال ذي تتس م‬
‫به‬
‫البصمة الوراثية نظرا لكون نتائجها قطعية ومؤكدة بخالف القيافة التي تعتمد الظن‬
‫والتخمين‪.‬‬

‫‪ : 26‬محمد المختار سالمي‪ :‬التحليل البيولوجي للجينات البشرية وحجيته في االثبات‪ ،‬مؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون جامعة االمارات‬
‫العربية المتحدة كلية الشريعة والقانون المجلد الثاني ‪ 7-5‬ماي ‪ 2002‬ص ‪457‬‬

‫‪27‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف بعض التشريعات بخصوص‬
‫البصمة الوراثية‬
‫تباينت مواقف التشريعات بخصوص التقدم العلمي البيولوجي من خالل استعمال الخبرة الطبية‬
‫المعتمدة على البصمة الوراثية كوسيلة لنفي أو إثبات النسب‪.‬‬
‫لقد اتفقت بعض التشريعات حول اعتماد البصمة الوراثية كدليل للنفي واإلثبات فهي بذلك لم تبقى‬
‫بعيدة عن التقدم العلمي‪ ،‬وإنما حاولت ان تستفيد من ه على المس توى الق انوني وخاص ة فيم ا يتعل ق‬
‫بإثبات‬
‫النسب ونفيه‪ ،‬وفي ه ذا الص دد ن ورد كنم وذج المش رع الفرنس ي‪ ،‬والمش رع اإلم اراتي‪ .‬فبالنس بة‬
‫للمشرع‬
‫الفرنسي‪ ،‬فبواسطة القانون رقم‪ 633/94‬الصادر في ‪ 29‬يوليوز‪ 1994،‬أضاف ثالث مواد إلى‬
‫القانون المدني الفرنسي وتتمثل هذه المواد في‪:‬‬
‫المادة ‪ :10-16‬والتي نصت على أن البحث الجيني المحدد لخصائص الش خص ال يمكن ممارس ته‬
‫اال‬
‫ألسباب طبية أو علمية‪ ،‬ويجب الحصول على موافقة الشخص المعني قبل إجراء التحليالت الجينية‬
‫عليه‪.‬‬
‫المادة ‪ :11-16‬أقرت على أن تحديد هوية الشخص عن طريق بصمته الجينية ال يمكن أن يتم إال‬
‫في إطار إجراءات التحقيق التي دعوى قضائية أ خدمة أهداف طبية أو علمية‪.‬‬
‫المادة‪ :12-16:‬وقد جاء فيها أن التحليالت الجينية ال يمكن أن تتم إال من جانب أشخاص مقبولين‬
‫لذلك‪ ،‬ومسجلين بجدول الخبراء‪.‬‬
‫وقد أعاد المشرع الفرنسي التأكيد على نفس األحكام من خالل القانون رقم‪96-152‬ــ الصادر في‬
‫‪ 28‬ماي ‪ 1896‬المضمن حاليا بالفصل ‪ 15-145‬من التقنين المتعلق بالصحة العمومية‪.‬‬
‫كما يسمح المشرع االماراتي باعتماد الخبرة في مجال النسب إثباتا ونفيا‪ ،‬حيث نظم القانون رقم‬
‫‪ 28‬لسنة ‪ 2005‬بشأن قانون األح وال الشخص ية المنف ذ حالي ا في دول ة اإلم ارات العربي ة المتح دة‬
‫أحكام‬
‫النسب في المواد من ‪ 89‬إلى‪.97‬‬
‫‪ :27‬مرجع سابق محمد الكشبور‪ :‬البنوة والنسب ص ‪196-194-193‬‬

‫‪28‬‬

‫اما بخصوص اتباث النسب نصت المادة ‪ 29‬على أنه يثبت النسب بالفراش او باإلقرار‬
‫او البينة او بطرق العلمية إذا تبث الفراش‪.‬‬
‫أما بخصوص نفي النسب نصت الفقرة األخيرة من المادة ‪ 97‬على ما يلي‪:‬‬
‫للمحكمة االستعانة بالطرق العلمية لنفي النسب بشرط اال يكون قد ثم ثبوته قبل ذلك‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن هناك بعض التشريعات اعتمدت الخبرة الطبية المتعمدة على‬
‫البصمة الوراثية كوسيلة لنفي النسب دون إثباته‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للقانون الكويتي‪،‬‬
‫فقد أفتت إدارة الفتوى في وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالكويت بأن البصمة‬
‫الوراثية يجوز الحكم بها لنفي النسب دون إثباته من االب‪ ،‬وقد جاء استبعاد البصمة‬
‫كدليل لإلثبات إلى أن تطابق الجينات الوراثية بين االبن وأبيه قد ينتج عن عالقة غير‬
‫مشروعة‪ ،‬وولد الزنا ال يلحق شرعا‪.‬‬
‫كما أن هناك بعض القوانين لم تعر أي اهتمام للخبرة الطبية‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال‬
‫الق انون رقم ‪ 20‬ل س نة‪ 1992‬الخ اص ب األحوال الشخص ية الس ائد حالي ا بجمهوري ة‬
‫اليمن‪،‬‬
‫كقد نظم أحكام النسب في المواد من ‪ 121‬إلى ‪.131‬‬
‫القانون العماني رقم ‪ 34‬لسنة ‪ 1978‬بشأن األحوال الشخصية المطبق حاليا في سلطنة‬
‫عمان‪ ،‬وقد نظم أحكام النسب في المواد من ‪ 70‬إلى ‪.79‬‬
‫القانون رقم ‪ 22‬لسنة ‪ 2006‬بشأن قانون االسرة النافذ حاليا في دولة قطر فقد نظم أحكام‬
‫النسب في المواد من ‪ 68‬إلى ‪.100‬‬

‫‪ :28‬محمد الكشبور‪ :‬مرجع سابق ص ‪195/196‬‬

‫‪29‬‬

‫التشريعات المرجحة للبصمة الوراثية كدليل لإلثبات دون النفي‬


‫في هذا اإلطار سنكتفي بموقف قانون األسرة الجزائري من خالل‪:‬‬
‫الوضع قبل صدور ‪ 05-02:‬فقبل صدور هذا األمر كان التشريع الجزائري ينسجم كليا‬
‫مع مدونة األحوال الشخصية الملغاة بخصوص إثبات النسب ونفيه‪ .‬وهكذا فالنسب يثبت‬
‫في التشريع الجزائري بالفراش كاإلقرار والبينة وبكل زواج ثم فسخه بعد الدخول طبقا‬
‫للمواد ‪ 32‬و‪ 34‬من قانون األسرة‪ .‬وقد سكت هذا القانون عن الوسائل التي ينتفي بها‬
‫النسب‪ ،‬مما يستدعي تطبيق المادة ‪ 222‬منه‪ ،‬وقد جاء فيها‪ :‬كل ما لم يرد النص عليه في‬
‫ه ذا الق انون يرج ع في ه الى أحك ام الش ريعة اإلس المية‪ ،‬وتطبيق ا له ذه الم ادة رفض ت‬
‫المحكمة‬
‫العليا إعمال الخبرة إلثبات النسب ونفي ه‪ ،‬ج اء في أح د قرارته ا‪... :‬المطع ون ض ده لم‬
‫يبادر‬
‫بنفي الحمل من عمله وخالل المدة المحددة شرعا وتمسك بالشهادة الطبية التي ال تعتبر‬
‫دليال قاطعا‪...‬‬
‫الوضع بعد صدور االمر‪ 05-02:‬أدخل المشرع تعديالت كثيرة على قانون االسرة ال‬
‫يهمنا في هذا الصدد إال تلك الخاصة بالمادة ‪ 40،‬والتي أضيفت إليها فقرة أخيرة جاءت‬
‫كما يلي‪" :‬يجوز للقاضي اللجوء الى الطرق العلمية إلثبات النسب فمن المالحظ أن‬
‫المشرع الجزائري قد أخد بالتحليالت الطبية‪ ،‬إال أنه اقتصر على إثبات النسب دون نفيه‪،‬‬
‫الذي يظل خاضعا ألحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حيث ال يمكن التمسك إال بوسيلتين‬
‫وهما‪ :‬اختالل شروط الفراش ثم اللعان‪.‬‬
‫‪ :29‬محمد الكشبور‪ :‬مرجع سابق البنوة والنسب ص ‪195/196‬‬

‫‪ :30‬مؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون ص ‪ 474‬بتصرف‬

‫‪ :31‬بحث االجازة مرجع سابق بعنوان وسائل اثبات النسب ونفيه بين الشريعة والقانون‬

‫‪30‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬وسائل نفي النسب ودور القضاء والمجتمع الدولي في حماية حق الطفل‬
‫في البنوة والنسب‪.‬‬
‫قبل التطرق الى وسائل نفي النس ب ش رعا وقانون ا‪ ،‬ب البحث والتمحيص‪ ،‬الب د من اب داء‬
‫بعض‬
‫المالحظات لفهم مختلف المالبسات الفقهية والقضائية المتعلقة بهذا الموضوع‪ ،‬والتي‬
‫تقررت من خالل أحكام تبدو شاذة للغاية في بعض األحيان‪ ،‬بالنس بة للغ ير المتخص ص‬
‫في‬
‫علم الفقه‪.‬‬
‫ــ حدد المشرع وسائل اثبات النسب من خالل مقتضيات المادة ‪ 158‬من مدونة االسرة‪،‬‬
‫وهي الفراش وإقرار االب وشهادة عدلين وبينة السماع وبكل الوسائل األخرى المقررة‬
‫شرعا‪ ،‬باإلضافة الى الخبرة الطبية القضائية‪.‬‬
‫ــ وبالرجوع إلى أحكام الفقه اإلس المي وبالخص وص منه ا أحك ام الفق ه الم الكي يتض ح‬
‫جيدا‬
‫أن نفي النس ب المرتب ط بف راش ص حيح يتم باللع ان وح ده وق د أض اف إلي ه المش رع‬
‫المغربي‬
‫الخبرة الطبية ِم ؤخرا متى تحققت شروط معينة وهو إجراء يشترك فيه االثبات والنفي‬
‫على حد سواء‪.‬‬
‫من هذا يتضح أن وسائل اثبات النسب وع ددها خمس ة (س بق ذكره ا في الفص ل األول)‬
‫أكثر‬
‫عددا من وسائل النفي التي عددها اثنان فقط‪ ،‬باإلضافة الى ان الفق ه والقض اء ق د أح اط‬
‫هذه‬
‫األخ يرة بمجموع ة من الش روط وهي قي ود من ش أنها أن تض يق من نطاقه ا وان تش ل‬
‫إعمالها‬
‫وفي مقدمة هذه الشروط وجوب تدخل المحكمة بحكم قضائي في الموضوع‪.‬‬
‫ومن الب ديهي ان ه ذا التوس ع في اثب ات النس ب والتض يق فيم ا يتعل ق بنفي النس ب من‬
‫المبادئ‬
‫العامة في الفقه اإلسالمي والتي تجعل المجتمع متشوفا للحوق االنساب وبالتالي حفظ‬
‫أعراض النساء‪.‬‬
‫‪ :32‬مرجع سابق‪ :‬محمد الكشبور ص ‪141‬ــ‪142‬‬

‫‪31‬‬

‫ــ إذا كانت القاعدة العامة هي أن اثبات النسب ال يحتاج إلى تأكيده عادة إلى حكم يصدر‬
‫عن القضاء فاذا تنازع فيه أحد من ذوي المصلحة‪ ،‬فإن نفي النسب ال يمكن أن يتقرر في‬
‫التشريع المغربي اال بصدور حكم قضائي نهائي تصدره المحكمة المختصة‪ ،‬وقد أشار‬
‫المش رع الى ه ذه القاع دة بطريق ة مطلق ة من خالل مقتض يات الم ادة ‪ 159‬من مدون ة‬
‫االسرة‬
‫على أنه‪" :‬ال ينتفي الولد عن الرجل او حمل الزوجة منه إال بحكم قضائي"‬
‫ــ لعل ما يؤكد أن القضاء يتساهل في تعامله مع وسائل اثبات النسب ويتش دد في تعامل ه‬
‫مع وسائل نفي النسب وهو مبدا فقهي استقر عليه مفاده ان المثبت مقدم على النافي‬
‫ــ تأكيد للحماية التي يضفيها القضاء المغربي عادة على النسب وفي إطار دعوى تتعلق‬
‫بإنكار اخوة نسب أخت لهم من أبيهم فقد صدر قرار عن محكمة االستئناف بالقنيطرة‪:‬‬
‫حيث إن دعوى المدعين المستأنفين ت رمي إلى نفي نس ب المس تأنف عليه ا لنس بهم ألنه ا‬
‫ليست‬
‫أختا لهم ودون أي طلب حق أخر مترتب عليه‪.‬‬
‫وحيث إن دعوى نفي النسب او ثبوته المجردة عن أي طلب حق مترتب عنه ال يمكن‬
‫سماعها او قبولها اال من األصل المباشر المدعى االنتساب إليه طبقا لمقتضيات الفصل‬
‫‪ 93‬من ق‪.‬ح‪.‬ش واما الغير كاألخوة والعمومة وغيرهم ليس بهم حق اثارة دعوى نفي‬
‫النسب وثبوته إال ضمن دعوى حق آخر ال يثبت إال إذا أثبت النسب او العكس‪.‬‬
‫وحيث إن القضية تتصل بالنظام العام لذلك يكون للمحكمة حق إثارة العلة المشار إليها‬
‫أعاله تلقائيا وقد أخ د المش رع المغ ربي به ذه القاع دة من خالل الم ادة ‪ 153‬من مدون ة‬
‫االسرة‬
‫عندما قرر أن "النسب ال يمكن الطعن فيه اال من الزوج"‪.‬‬
‫‪:33‬مرجع سابق‪ :‬محمد الكشبور البنوة والنسب ص ‪143‬‬

‫‪32‬‬

‫ــ لعل من أبرز القواع د ال تي يأخ ذ به ا الفق ه الم الكي وال تي من ش انها ان تص عب تفي‬
‫النسب‬
‫من طرف األغيار‪ ،‬ان هذا األخير يحاز ومن حازه ال يكلف باإلثبات‪.‬‬
‫المبحث االول‪ :‬نفي النسب‬
‫إذا كان األصل في الشرع ثبوت النسب كقاعدة عامة فإن ذلك‬
‫يتوقف على ضرورة توفر عقد الزواج الصحيح كقرينة يثبت معها الحق الشرعي‬
‫والقانوني‪ ،‬من أجل إثبات العالق ة الش رعية بين رج ل وام رأة‪ .‬ف إذا ك انت قاع دة الول د‬
‫للفراش‬
‫بمثابة الشريعة العامة التي تبنى عليها الحقوق وترتب عليها االلتزامات المتبادلة بين‬
‫طرفي العالقة في الزوجية‪ ،‬ف إن ع دم ت وافر رابط ة ال زواج) الف راش (أثن اء الحم ل أو‬
‫الوالدة‪،‬‬
‫فإنه يعطي لكل من له مصلحة مش روعة في نفي النس ب‪ .‬ف إذا ك ان الش رع ج رم ال زنى‬
‫بنص‬
‫قطعي في القرآن الكريم‪ ﴿:‬والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾وقوله‬
‫أيضا‪ ﴿:‬الزاني ال ينكح إلى زانية أو مشركة والزانية ال ينكحها إال زان أو مشرك وحرم‬
‫ذلك على المؤمنين ﴾‪.‬‬

‫‪ : 34‬وسائل إثبات النسب ونفيه ما بين الشريعة والقانون المغربي دراسة للبصمة الوراثية كمستجد بيولوجي علمي ينازع اللعان مالزمــة شــرعية في مجــال‬
‫النسب ‪-‬بحث إجازة‬

‫‪33‬‬
‫فإنما لحرصه على النسب وهو ما يتوافق مع المادة ‪ 16‬من مدونة‬
‫األسرة‪ ،‬التي نصت على ما يلي‪« :‬تعتبر وثيقة الزواج الوسيلة الوحيدة إلثبات الزواج‬
‫"‪ .‬غير أن المالحظ بخصوص هذه المادة وما نصت عليه فقرتها الثانية التي جاء فيها‪:‬‬
‫"إذا حاالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته‪ ،‬تعتمد المحكمة في سماع دعوى‬
‫الزوجية سائر وسائل اإلثبات وكذا الخ برة "‪ .‬تجع ل المتأم ل يق ف عن د إش كال ق انوني‬
‫يطرح‬
‫نفسه هنا‪ ،‬بمعنى أنه إذا كانت المادة صريحة في فقرتها األولى بخصوص عقد الزواج‬
‫كعقد رضائي وشكلي فهل سيعتبر كافيا إلثبات عقد الزواج أم يتطلب شيئا آخر؟ ثم ما‬
‫نصت عليه الفقرة الثانية بخصوص وسائل االثبات هل يجع ل ع دم وج ود عق د ال زواج‬
‫عائقا‬
‫دون إثبات النسب إال بت وفر عق د ال زواج أم أن ه يجب ت وافر ش روط أخ رى؟ بص ياغة‬
‫أخرى‬
‫ما محل النس ب في حال ة ع دم وج ود وثيق ة ال زواج؟ فيم ا يتعل ق بالس ؤال األول‪ ،‬فإن ه‬
‫يتطلب‬
‫توثيق عقد الزواج أمام عدلين وخطاب القاضي حتى يعتبر عقد الزواج صحيح‪ .‬أما فيما‬
‫يخص الس ؤال الث اني‪ ،‬فإن ه الب د من ت وافر عق د ال زواج إال اس تثناء بت وافر الظ روف‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫هذا كله يجعلنا أمام االستيقافات التالية‪:‬‬

‫‪ :35‬مرجع سابق وسائل إثبات النسب ونفيه ما بين الشـريعة والقـانون المغـربي دراسـة للبصـمة الوراثيـة كمسـتجد بيولـوجي علمي ينـازع اللعـان مالزمـة‬
‫شرعية في مجال النسب ‪-‬بحث إجازة‬
‫‪34‬‬

‫ــ المطلب األول‪ :‬اختالل شروط الفراش ونفي بواسطة اللعان‬


‫الفقرة األولى‪:‬اختالل شروط الفراش‬
‫عدم وجود عقد زواج صحيح‪ :‬إن عقد ال زواج ه و من اط الف راش ي دور‬
‫معه وجودا‬
‫وعدما عقد حتى صار عقد الزواج مرادفا للفراش عند بعض الفقهاء‪ ،‬ومن هذه الناحية‬
‫يمكن للشخص أن ينفي النسب عنه كلما استطاع إثبات عدم وجود الرابطة الزوجية ُاثناء‬
‫الحمل والوالدة وهذا االثبات ليس في حقيقته حكرا على الرجل والمرأة المعنيان بأمر‬
‫الحمل او الوالدة مباشرة وإنما هو حق ثابت لكل ذي مصلحة في نفي الحمل والوالدة‬
‫فالزواج الصحيح هو الذي استجمع سائر أركانه وكل شروط صحته ونطلق عليه فراش‬
‫الزوجية فمتى وجد هذا العقد رتب كل اثاره القانونية ومنها نسب األبناء إلى ابيهم متى‬
‫ازدادوا في ظل هذه الزوجية‪.‬‬
‫وإلحاق النسب ال يتم فقط في حالة الزواج الصحيح بل حتى في الزواج الباطل والزواج‬
‫الفاسد‪ .‬االتصال الذي يقع بين رجل ومرأة خارج عالقة الزواج او ما يدخل في حكمهما‬
‫من النكاح الفاسد او وطء بشبهة ال يرتب أي اثار قانونية ومنها النسب وفي هذا اإلطار‬
‫جاء في أحد قرارات المجلس األعلى للس لطة القض ائية‪ ...(:‬لمــا تبث ان الــزواج كــان بعــد‬
‫الوضع‬
‫فان المولود ال يلحق بنسب المدعى عليه ولو أقر ببنوته ‪)...‬‬
‫ــ إن في حالة ازدياد الولد من عالقة خطبة‪ ،‬فإن بعض المحاكم المغربية حاولت إلحاقه‬
‫بالخاطب خصوصا إذا عقب الخطبة ابرام عقد الزواج وجاءت بالولد ألقل مدة الحمل‬
‫المعتبرة شرعا‪ ،‬لكن العمل القضائي استقر على نفي حمل الخطوبة وبالتالي نفي النسب‬
‫وتعامل القضاء المغربي مع شرط العالقة الزوجية كشرط لصحة الفراش‪.‬‬

‫‪ :36‬عمر بنعيش‪ :‬تطور قواعد النسب في القانون المغربي‪ .‬ص ‪90‬ــ‪91‬‬

‫‪35‬‬
‫وخالصة لهذا فإن الدفع بعدم وجود عالقة زواج لنفي النسب فإن القانون المغربي أصبح‬
‫يأخذ بالنظرية الفقهية القائلة بلحوق حمل الخطوبة بالخاطب وفق شروط المادة ‪ 156‬من‬
‫مدونة االسرة مما يعني أنه حتى في غياب عقد الزواج فإنه يمكن إثب ات النس ب لش بهته‬
‫في‬
‫حال الخطب ة ح تى م ع إنك ار الخ اطب له ذا الول د او الحم ل وذل ك ب اللجوء إلى الخ برة‬
‫الطبية‪.‬‬
‫اختالل المدة الشرعية للحمل‪:‬‬
‫اعت بر المش رع المغ ربي في ظ ل مدون ة األح وال الشخص ية الملغ اة ومدون ة االس رة‬
‫المعمول‬
‫بها حاليا‪ ،‬ان اقل مدة للحمل هي ستة أشهر من تاريخ العقد ولم يعتد بتاريخ دخول إال‬
‫بالنسبة لزواج المجمع على فساده وفي حالة الوطء بشبهة‪.‬‬
‫والمش رع المغ ربي لم يح دد ت اريخ احتس اب اق ل م دة الحم ل بالنس بة للعالق ات الغ ير‬
‫الشرعية‬
‫حيث يرى بعض الفق ه ان ه في حال ة تخل ف االش هاد يح دد ت اريخ العق د او الحكم ال ذي‬
‫يصدر‬
‫بثبوت الزوجية طبقا من المادة ‪ 16‬من مدونة االسرة‪ .‬لكن االشكال يثار عندما ال تثبت‬
‫الزوجية وبالتالي يكون السؤال المطروح حول مصير نسب األبناء في حالة الحكم بعدم‬
‫ثبوت الزوجي ة‪ ،‬خصوص ا وان القض اء المغ ربي ال يرب ط بين ثب وت الزوجي ة وثب وت‬
‫النسب‬
‫وهذا ما جاء في أحد القرارات الصادرة عن المجلس األعلى للسلطة القضائية‪:‬‬
‫(‪ ...‬حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه فيما يتعلق بثبوت الزواج وذلك أن المطلوبة لم تثبت‬
‫زواجهـا من الطـاعن بالوسـائل المنصـوص عليهـا سـواء في مدونـة األحـوال الشخصـية الملغـاة او في مدونـة‬
‫االسرة‬
‫الحالية‪ ،‬وإنما قدمت المحكمة شخصين لم تفد تصريحاتهما قيام زواج شرعي بينها وبين الطالب ولما اعتمدت‬
‫المحكمة على تصريحاتهما وقضت تبعا لذلك بسماع دعوى الزوجية بين الطرفين فقد جاء قرارها ناقص التعليل‬
‫وهو بمثابة انعدامه ومعرضا للنقض في هذا الجانب وأما ما يتعلق بثبوت نسب البنت فإنه سبق للطاعن أن اقر‬
‫بها والتزم بتسجيلها في الحالة المدنيــة وذلــك يلزمــه طبقــا للمــادة ‪ 158‬من م االســرة لــذلك فــإن اثــاره في هــذا‬
‫الجانب‬
‫غير مؤسس ‪)...‬‬
‫مرجع سابق تطور قواعد النسب في القانون المغربي‪37:‬‬

‫‪36‬‬

‫ان تأتي الزوجة بولد أقل من ‪ 6‬أشهر من تاريخ إبرام العقد" أجمع الفقهاء ان ٌأقصى مدة‬
‫للحمل هي س تة أش هر وه وا األم ر ال ذي ص ارت علي ه الم ادة ‪ 154‬من مدون ة االس رة‬
‫‪:‬بقولها‬
‫يثبت نسب الولد بالفراش الزوجية‪ :‬إذا ولد من ستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن االتصال‬
‫سواء اكان عقدا صحيحا او فاسدا‪.‬‬
‫إذا ولد من سنة من تاريخ الفراق والمالحظ ان المشرع قد إلى ستة أشهر من تاريخ ابرام‬
‫العقد وليس من تاريخ الدخول تأكيدا الى تشوف المشرع الى لحوق النسب‬
‫أن تأتي الزوجة بولد بعد سنة من تاريخ انتهاء الزواج"‬
‫أقصى مدة للحمل حسب المادة ‪ 154‬سنة واحدة وعليه فمتى فارق الزوج زوجته لكونه‬
‫طلقها او مات ثم أتت بعد مرور أك ثر من س نة تحس ب من وقت الف راق ف إن النس ب ال‬
‫يثبت‬
‫في جانب الزوج ومع ذلك وحسب مقضيات المادة ‪ 134‬فإذا انقضت مدة الحمل وبقيت‬
‫الريبة في الحمل وحصلت منازعة تستعين المحكم ة ب الخيرة الطبي ة من أج ل التوص ل‬
‫إلى‬
‫الحكم الذي يفضي الى القضاء بانقضاء العدة او تمديدها إلى أجل أخر يراه األطباء‬
‫ضروريا بعد الوقوف على ما في البطن وهل هو علة او حمل وعليه فالمادة ‪ 134‬تفرغ‬
‫المادة ‪ 154‬من محتواها‬
‫عدم إمكانية حمل الزوجة من الزوج"‬
‫عقد الزواج قرينة قاطعة على أن الولد لصاحب الفراش وال يمكن اثبات عكسها حسب‬
‫المادة ‪ 153‬من مدونة االسرة غير انه يمكن للزوج هدمها إذا استطاع اثبات ان شروط‬
‫الول د لص احب الف راش لم تت وفر كله ا وعلي ه يمكن نفي النس ب من ط رف ال زوج إذا‬
‫استطاع‬
‫اثبات انه غير مؤهل لإلنجاب لمرض او عيب او إذا كان بعيدا عن زوجته كالمسافر او‬
‫المسجون‪.‬‬

‫‪ :38‬فوزي اكريم شرح مدونة االسرة ص ‪86‬‬

‫‪37‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬نفي النسب بواسط اللعان‬
‫إضافة إلى ما سبق ذكره في الفقرة األولى‪ ،‬يعتبر اللعان وسيلة شرعية أخرى لنفي‬
‫النس ب عن ال زوج بالخص وص‪ ،‬وه و نظ ام إس المي خ الص ال نظ ير ل ه في ب اقي‬
‫التشريعات‬
‫الوضعية األخرى‪.‬‬
‫اللعان من حيث اللغة مصدر من اللعن‪ ،‬بمعنى الطرد واالبعاد من رحمة هللا تعالى‪،‬‬
‫والعن الزوج زوجته إذا قذفها بالفجور‪ ،‬أو اتهمها بالزنا‪.‬‬
‫أما من حيث االصطالح‪ ،‬فيقصد به حلف الزوج على زنى زوجته‪ ،‬أو نفيه حملها الالزم‬
‫له‪ ،‬وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض‪.‬‬
‫ومعنى هذا التعريف أن اللعان هو أن يحكم القاضي على كل من الزوج بأن يحلف أيمانا‬
‫معينة على ما يدعيه من زنا زوجته‪ ،‬أو نفي حملها أو ولدها الذي ينتسب إليه لوال اللعان‪،‬‬
‫وعلى الزوجة بأن تحلف أيمانا معينة لتك ذيب زوجه ا فيم ا اتهمه ا ب ه‪ ،‬لت درأ ب ذلك عن‬
‫نفسها‬
‫الحد الواجب عليها فيما إذا نكلت‪ .‬واللع ان ه و ش هادات أرب ع مؤك دات باإليم ان يؤديه ا‬
‫الزوج‬
‫مقرونة بالدعاء على نفسه باللعنة فتقوم مقام حد القذف في حقه‪ ،‬وتؤديها الزوجة بالدعاء‬
‫على نفسها بالغضب فتقوم مقام الزنا في حقها‪ ،‬وهذا ما أكد هللا سبحانه وتعالى في قوله‪:‬‬
‫«‪ .‬والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء إال أنفسهم فشاهدة أحدهم أربع شهادات باهلل‬
‫إنه لمن الصادقين‪ ،‬والخامسة أن لعنة هللا عليه إن كان من الكاذبين‪" .‬‬
‫وقد جعل المشرع المغربي من خالل مقتضيات المادة ‪ 158‬من مدونة االسرة اللعان من‬
‫بين األسباب التي يعتمد في نفي النسب‪ ،‬لكن دون أن يبين مفهومه او يحدد مسطرته‬
‫وأحكامه‪.‬‬
‫‪ :39‬محمد الكشبور الوسيط في قانون األحوال الشخصية مرجع سابق ص ‪444‬‬

‫‪ :40‬محمد ابن معجوز وسائل االثبات في الفقه اإلسالمي ص ‪413‬‬

‫‪38‬‬

‫ونظرا لما قد تخلفه هذه الوسيلة من ضرر‪ ،‬وجب على الزوج عدم اللجوء إليها إال عند‬
‫تيقن ه من أن الحم ل ليس من ه‪ ،‬ومن ناحي ة أخ رى‪ ،‬فاهلل حتم على المس لم س تر معص ية‬
‫أخيه‪،‬‬
‫لذلك كان من االولى الزوج الذي يثبت له أن زوجته قد زنت ولم تحمل من ذلك الزنا أن‬
‫يسترها وعدم التشهير بها بمالعنتها‪ ،‬إذ يمكنه أن يفارقها بالطالق‪ ،‬أما إذا كان يريد من‬
‫اللعان نفي الحمل أو الولد‪ ،‬فهو واجب عليه‪ ،‬الن تركه في هذه الحالة يؤدي إلى انتساب‬
‫الولد إلى الزوج‪ ،‬ويترتب على ذلك اختالط االنساب وحرمان الورثة مما كانوا سيرثونه‬
‫لوال هذا الولد‪.‬‬
‫السند الشرعي للعان‬
‫واقعة اللعان تحكمها اآليات ‪ 6‬و‪ 7‬و‪ 8‬و‪ 9‬المتضمنة في سورة النور‪:‬‬
‫"َو اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن َأْز َو اَج ُهْم َو َلْم َيُك ن َّلُهْم ُش َهَداُء ِإاَّل َأنُفُسُهْم َفَش َهاَد ُة َأَح ِدِهْم َأْر َبُع َش َهاَداٍت ِباِهَّللۙ ِإَّنُه َلِم َن‬
‫الَّص اِدِقيَن "‬
‫سورة النور اآلية(‪.)6‬‬
‫"َو اْلَخ اِمَس ُة َأَّن َلْع َنَت ِهَّللا َع َلْيِه ِإْن َك اَن ِم َن اْلَك اِذ ِبيَن " (‪)7‬‬
‫"َو َيْد َر ُأ َع ْنَها اْلَعَذ اَب َأْن َتْش َهَد َأْر َبَع َش َهاَداٍت ِباِهَّلل ۙ ِإَّنُه َلِم َن اْلَك اِذ ِبيَن " (‪)8‬‬
‫"َو اْلَخ اِمَس َة َأَّن َغ َضَب ِهَّللا َع َلْيَها ِإْن َك اَن ِم َن الَّص اِدِقيَن " (‪)9‬‬

‫‪ :41‬القران الكريم‪ :‬سورة النور اآليات ‪6/7/8/9‬‬

‫‪39‬‬

‫كما رواها العالمة‬


‫ابن رشد القرطبي‪-‬الحفيد‪ ،-‬وحكم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬نقال عن اإلمام مال ك‪،‬‬
‫أنه‪...":‬جاء إلى عاصم بن عدي العجالني رجل من قومه فقال له‪ :‬يا عاصم أرأيت رجال‬
‫وجد مع امرأته رجال أيقتله فتقتلونه؟ أم كي ف يفع ل؟ س ل ي ا عاص م في ذل ك رس ول هللا‬
‫صل‬
‫ى عليه وسلم‪ ،‬فسأل عاصم عن ذلك رسول هللا‪ ،‬فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر‬
‫فقال‪ :‬يا عاصم‪ ،‬ماذا ق ال رس ول هللا (ص)؟ فق ال‪ :‬لم ت أتني بخ ير‪ ،‬ق د ك ره رس ول هللا‬
‫(ص)‬
‫المسألة التي سألته عنها‪ .‬فق ال‪ :‬وهللا ألنتهي ح تى أس أله عنه ا‪ .‬فأقب ل ع ويمر ح تى أتى‬
‫رسول‬
‫هللا (ص) وس ط الن اس فق ال‪ :‬ي ا رس ول هللا أرأيت رجال وج د م ع امرأت ه رجال أيقتل ه‬
‫فتقتلونه‬
‫أم كيف يفعل؟ فقال رسول هللا‪ :‬قد نزل فيك وفي صاحبتك قرآن فاذهب فآت بها‪ .‬قال‪:‬‬
‫سهيل‪ :‬فتالعن ا‪ ،‬وأن ا مع ا الن اس عن د رس ول هللا (ص)‪ ،‬فلم ا ف رغ من تالعنهم ا‪ ،‬ق ال‬
‫عويمر‬
‫كذبت عليها رسول هللا إن أمسكتها فطلقها بثالث قبل أن يأمره بذلك رسول هللا‪.»...‬‬
‫والراجح في الفقه المالكي أن تطبيق مسطرة اللعان يقتضي أن تكون الزوجة في طهر‪.‬‬

‫‪: 42‬موطئ االمام مالك انس حققه وخرج احاديثه وعلق عليه الشيخ كامل محمد عويضة الطبعة األولى مكتبة التقوى ‪1421‬ــ‪ 2001‬ص ‪ 404‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪40‬‬

‫صور اللعان‪:‬‬
‫ــ ان يدعي الزوج أنه رأى زوجته تزني‪.‬‬
‫ــ أن ينفي حملها عنه‪ " .‬قال ابن عاصم‪ :‬وانما للزوجين ان يلتعنا‪ /‬لنفي الحمل او لرؤية‬
‫الزنا‪.‬‬
‫مسطرة اللعان‪ :‬يتم اللعان بواسطة دعوى قضائية ترفع امام قسم قضاء االسرة التابع‬
‫للمحكمة االبتدائية وتخضع هذه الدعوى لقواعد المسطرة المدنية وعلى المحكمة ان‬
‫تستدعي الزوجين وتطبق أحكام اية اللعان وصورتها أن يحلف الزوج أربع مرات بأنه‬
‫صادق والخامسة أن لعنة هللا عليه إن كان كاذبا وإذا أصرت الزوجة على تكذيبه تحلف‬
‫أربع مرات بانه كاذب والخامسة ان غضب هللا عليها ان كان من صادقا‪.‬‬
‫أثار اللعان‪ :‬التفريق بين الرجل وزوجته تفريقا مؤبدا‪ ،‬امتثاال للحديث الشريف المتالعنان‬
‫إذا تفرقا ال يجتمعان ابدا‪.‬‬
‫سقوط الحد‪ ،‬قال ابن رشد "اللعان انما شرع لدرء الحد"‬
‫سقوط النسب‪ ،‬من جهة االب مع عدم اعتبار الولد ابن زنا من جهة أخرى‪.‬‬
‫النكول عن اللعان‪" :‬قال ابن عاصم الغرناطي" ويسجن القاذف حتى يلتعن ‪ //‬وإن ابى‬
‫فالحد حكم يقترن‪.‬‬
‫فمتى رفض الزوج المتهم لزوجته بالزنا او للنسب تأدية االيمان الخمسة يحبس مدة فان‬
‫امتنع يطبق عليه حد القذف ثمانين جلدة وتبقى الزوجة في عصمته ويلحق به الولد اما إذا‬
‫نكلت الزوجة عن تأدية االيمان الخمسة يطبق عليها حد الزنا اما في حالة االغتصاب فال‬
‫لعان على الزوجة بل على الزوج وحده‬
‫‪ :43‬مرجع سابق شرح مدونة االسرة ذ فوزي اكريم ص ‪87‬‬
‫‪41‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نفي النسب بواسطة الخبرة الطبية‬


‫تعتبر الزوجية عالقة طاهرة تحكم النسب بمقتضاها ال يتوقف ذلك على حقائق األشياء‬
‫التي يتعذر الوقوف عليه ا أم ا إذا تبث بال دالئل القاطع ة نفي الظ اهر فان ه ينتفي فعن دما‬
‫تضع‬
‫المرأة حملها قبل ست أشهر من الزواج او لم يكن الزوج اهال لإلنجاب فإن نسب الحمل‬
‫ينتفي عن الزوج‪ ،‬واليوم وبعد التطور العلمي الكبير فقد أصبح من الممكن الوقوف على‬
‫حقائق مستجدة تتعلق باألنساب خاصة بعد ظهور الخبرة الطبية‪.‬‬
‫وكما سبق القول في الفصل األول أن الخبرة الطبية تعتبر وسيلة أساسية إلثبات النسب‬
‫فهي أيضا من الوسائل المعتمدة في نفيه‪ ،‬غير أن الخبرة الطبية تبقى من األمور الجديدة‬
‫والمس تحدثة مقارن ة بب اقي الوس ائل‪ ،‬وبالت الي وجب الح ديث عن ش روط نفي النس ب‬
‫بالخبرة‬
‫الطبية‪ ،‬ثم الحديث عن تنازع الخبرة الطبية مع الفراش واللعان ألن جميعهم وسائل لنفي‬
‫النسب‬
‫الفقرةاألولى‪ :‬شروط نفي النسب بالخبرة الطبية‪.‬‬
‫ان المشرع المغربي قد وضع شروط قص د نفي النس ب عموم ا ونفي ه ب الخبرة خاص ة‪،‬‬
‫وهذه‬
‫الض وابط نستش فها من خالل الم ادة ‪ 153‬من مدون ة األس رة وال تي تنص على ه ذه‬
‫الشروط‪،‬‬
‫ويمكن إجمالها في ثالث شروط أساسية وهي‪:‬‬
‫‪ :44‬مقال قانوني الخبرة الطبية كوسيلة إلثبات النسب ونفيه طالب باحث ابراهيم الدنفي‬

‫‪42‬‬
‫ــ أن يكون الولد الحقا شرعا باألب‬
‫وهذا األمر أكدته هذه المادة إذ ال يمكن نفي النسب إال إذا كان الولد ملحوق النسب لألب‬
‫بسبب الفراش أما في حالة عدم ثبوت لحوق نسب الولد فهنا ال يمكن الحديث عن نفي‬
‫النسب ألنه أصال غير ثابت وفي حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية‬
‫بمراكش طلبت فيه المدعية من المحكمة الحكم لها بإثبات نسب ابنها من شخص عينته‬
‫لك ون الحم ل أثن اء الخطوب ة‪ ،‬وطلبت المحكم ة االس تعانة ب الخبرة الطبي ة وق د تأك دت‬
‫المحكمة‬
‫أن الطرفين قد أدينا بجريمة الفساد مع اعتراف المدعية بأن الحمل وقع في ذلك اإلطار‬
‫أي الفساد‪ ،‬ومن ثم رفض دعواها لعدم تحقق الشروط المنصوص عليها في المادة‬
‫‪ 156‬من مدونة األسرة‬
‫ــ إدالء الزوج بدالئل قوية على ادعائه‬
‫بما أن الزوج هو من له الحق في طعن في الفراش فيجب عليه أن يقدم دالئل تبين وتبرر‬
‫ادعائه بكون الولد ال ينتسب له‪ ،‬وهذه الدالئل تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لقضاء‬
‫الموضوع مثل شهادة الشهود أو إثبات الزوج أنه مصاب بعقم أو مجبوب العينين أو‬
‫أسير‪ ،‬وكل الحجج التي تفيد عدم اتصال الزوج بزوجته‪.‬‬
‫وتأكيدا لما سبق جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى للسلطة القضائية بما أن الزوج‬
‫نفى نسب البنت إليه المطلوب تسجيلها بالحالة المدنية مدعيا أنها ازدادت بعد مرور‬
‫أكثر من سنة على مغادرة الزوجة بيت الزوجية‪ ،‬وأدلى بلفيف عدلي إلثبات ادعائه‬
‫والتمس إجراء خبرة جينية إلثبات نسب البنت غير أن المحكمة ردت طلبه مما تكون‬
‫معه قد خرقت مقتضيات المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة التي تتيح للزوج الطعن في‬
‫النسب بواسطة خبرة عند إدالئه بحجج قوية على ادعائه‪.‬‬
‫‪ :45‬مقال قانوني الخبرة الطبية كوسيلة إلثبات النسب ونفيه طالب باحث ابراهيم الدنفي مرجع سابق‬

‫‪43‬‬
‫ــ صدور أمر قضائي بهذه الخبرة‪.‬‬
‫وهذا الشرط يدل على دور القضاء في تقييم والرقابة على إجراءات الخبرة‪ ،‬فالقضاء هو من له‬
‫الفيصل في إجراء هذه الخبرة من عدمها وبالتالي ال يمكن لألطراف أن يلتجئوا لها من تلقاء أنفسهم‬
‫حتى يصدر حكم قضائي بإجرائها وهذا الشرط فهو من القواعد اآلمرة في هذه المادة مثله مثل باقي‬
‫الشروط‪ ،‬وبالتالي ال يجوز االتفاق على مخالفتها‪ ،‬وعند تحقق هذه الشروط يمكن اللجوء للخبرة‬
‫الطبية‪ ،‬وال يقف القيام بها فقط في حالة تحقيق شرط واحد من هذه الشروط بل بتحققها كلها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تنازع بين الخبرة الطبية وباقي‬
‫وسائل نفي األخرى‬

‫تنازع الخبرة الطبية واللعان‪ :‬يطرح إالشكال هنا في حالة تنازع بين الخبرة الطبية واللعان‬
‫وهنا يبرز رأيان فقهيان في الموضوع‪:‬‬
‫ــ موقف يرى على أن الخبرة الطبية تحل محل اللعان ألن نتائجها يقينية‪ ،‬واللعان مبني‬
‫على الشك ال اليقين‪.‬‬
‫ــ الموقف الثاني يرى على أن الخبرة الطبية ال تقدم على اللعان ألن ما من شأن ذلك‬
‫تعطيل نص قطعي ثابت الداللة في كتاب هللا‪.‬‬
‫‪ :46‬مقال قانوني الخبرة الطبية كوسيلة إلثبات النسب ونفيه طالب باحث ابراهيم الدنفي مرجع سابق‬

‫‪44‬‬

‫أما بنسبة للقضاء المغربي نستعرض من خالل قرار محكمة النقض ومجلس األعلى‬
‫سابقا أن المجلس األعلى لم يعترض على جمع اللعان والخبرة الطبية‪ ،‬بل أقر ذلك على‬
‫ما يتضح من القرار اآلتي‪ :‬والثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب االبن‬
‫وادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة‪ ،‬وأدى يمين اللعان على ذلك في حين رفضت المطلوبة‬
‫أدائها رغم توصلها كما رفضت الحضور أثناء أدائه اليمين‪ ،‬ورفضت كذلك الخبرة‪،‬‬
‫والتمس إجراء خبرة قضائية إلثبات عدم نسبة المولود إليه وتمسك بها‪ ،‬والمحكمة لما‬
‫عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا‪ ،‬في حين أن المادة‬
‫تنص على أن الخبرة الفضائية من وسائل الطعن في النسب إثباتا أو نفيا تكون قد أقامت‬
‫قضاء على غير أساس‪.‬‬

‫‪ :47‬مقال قانوني الخبرة الطبية كوسيلة إلثبات النسب ونفيه طالب باحث ابراهيم الدنفي مرجع سابق‬
‫‪ :48‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 39‬والصادر بتاريخ ‪2006/01/18‬‬

‫‪45‬‬

You might also like