Professional Documents
Culture Documents
أزمة التنظير في العلاقات الدولية
أزمة التنظير في العلاقات الدولية
كليــــــــة الحقـــــــــــوق
قسم العلوم السياسية
:الموضــوع
إعداد: :إشراف
الطالب ،سليم العايب الدكتور ،عبد الناصر
حندلي
2008/2007
الـمقدمــة
يرتبط موضوع أزمة التنظير بغياب نظرية عامة في تفسير العالقات
الدولية.حيث إن غياب هده األخيرة هو الذي أوقع التنظير للعالقات الدولية في
أزمة,وهي تنتج أساسا من غياب نظرية عامة شاملة لمختلف أبعاد ومتغيرات الظاهرة
الدولية زماكنية من جهة ,ومن جهة أخرى تفسير ووصف العالقة بين هده المتغيرات
واألبعاد (كيف كانت ,وكيف ستكون في المستقبل) ,وهذا ما أدى إلى ظهور نظريات
جزئية في العالقات الدولية حيث أن كل نظرية تشمل متغيرات محدودة من الظاهرة
الدولية ،إضافة عن عجزها عن التنبؤ بمستقبل الظاهرة.
ويستمد أهمية هدا الموضوع من أن العالقات الدولية جزء من اهتماماتنا اليومية,
إضافة انه يمثل مصير دول وأمم,ولهذا كان البد للباحثين االهتمام به ومحاولة تفسيره
بغية فهمه,وكذلك تزويد صناع القرار بما يمكنهم من ترشيد سياساتهم وتنوير الطريق
أمامهم بما يضمن مصير دولهم وأممهم,وإلي هنا يمكن أن نطرح اإلشكالية التالية:
ما هي العوامل التي أدت إلى حدوث أزمة التنظير؟ والى أي مدى يمكن التخفيف منها ؟
وتحت هده اإلشكالية ندرج الفرضيات التالية:
-تأثير البيئة االنجلوساكسونية كان احد أسباب أزمة التنظير في العالقات الدولية .
-تعقيد الظاهرة الدولية وصعوبة التكهن بمآالتها كان احد أسباب أزمة التنظير .
-يمكن أن تساهم نظرية كوسموبوليتانية أو نظرية مركبة في التخفيف من أزمة التنظير.
-قد تؤدي بيداغوجية جديدة لدراسة العالقات الدولية .إلى التخفيف من أزمة التنظير.
لإلجابة على هده الفرضيات ومعالجة الموضوع نضع الخطة التالية :
الفصل األول:أزمات التنظير في العالقات الدولية ودور المدرسة الواقعية في التخفيف
منها.
المبحث األول:أزمات التنظير في العالقات الدولية.
المبحث الثاني .دور المدرسة الواقعية في التخفيف من أزمات التنظير.
الفصل الثاني :من أجل بدائل منهجية وبيداعوجية لدراسة وفهم العالقات الدولية.
المبحث األول.من اجل لوحة مفاتيح تركيبية لفهم العالقات الدولية.
المبحث الثاني .من اجل نظرية كوسموبوليتانية للعالقات الدولية.
المبحث الثالث.من اجل بيداغوجية جديدة لدراسة العالقات الدولية.
وقد اعتمدت في هدا البحث علي المنهج التحليلي وأحيانا على المنهج
الوصفي ,كما واجهتني عدة صعوبات متمثلة في قلة األدبيات التي عالجت هدا
الموضوع,وأحيانا صعوبة الحصول عليها.
خطــة البحـــث
الـمقدمــة
الفصل األول :أزمات التنظير في العالقات الدولية ودور
المدرسة الواقعية في التخفيف منها
المبحث األول :أزمــات التنظيــر في العالقـــات الدوليــة
المبحث الثاني :دور المدرسة الواقعية في التخفيف من
أزمات التنظير
الـمبحث األول:
أزمــات التنظيــر في العالقـــات الدوليــة
يمكننا أن نعتمد على لوحة مفاتيح تركيبية لفهم العالقات الدولية ،فمن خالل هذه
اللوحة يمكن استعمال كل نظرية من نظريات العالقات الدولية في جانب من جوانب
الظاهرة الدولية ،وذلك حسب تفوق كل نظرية في المجال الذي كانت فيه رائدة في تفسير
بعد من أبعاد الظاهرة الدولية ،مثال فالنظرية الواقعية تعتبر نظرية رائدة في تفسير
ظاهرة الصراع الدولي ،أما الليبرالية فهي رائدة في تفسير ظاهرة التعاون الدولي ،أما
البنائية فقد فسرت تأثير األفكار إلى جانب القوة في العالقات الدولية ،فمن خالل هذه
النظريات يمكننا تشكيل لوحة مفاتيح حيث تمثل كل نظرية مفتاحا لفهم ظاهرة ما من
ظواهر العالقات الدولية يمكن من خاللها التخفيف من أزمة التنظير عن طريق فهم هذه
الظواهر مجزءة بحيث في النهاية يمكن أن نتحصل على صورة عن العالقات الدولية،
فإن استعمال النظرية الواقعية في فهم ظاهرة الصراع الدولي بالتركيز على دور القوة
بمختلف أبعادها وتأثيرها على الظاهرة ،مع العلم بأن القوة لها دورها المركزي في
ظاهرة الصراع قديما وسوف يكون كذلك مستقبال ،وإال فما الذي يفسر لنا اهتمام
اآلسيويين واألوروبيين بالحفاظ وتوسيع التواجد العسكري األمريكي في مناطقهم .كما
أصرت الواليات المتحدة األمريكية على أن تكون في المرتبة األولى عالميا وفي وضع
مهيمن .يقول األستاذ ستيفن والتز" :وبالنسبة للواليات المتحدة األمريكية فقد أظهر العقد
الماضي كم ترغب في البقاء القوة رقم واحد ،وكم هي مصرة على الحفاظ على مركزها
المهيمن ،وهكذا استفادت الواليات المتحدة من تفوقها الراهن في فرض أولوياتها كلما
كان ذلك ممكنا ،حتى لو كلفها ذلك المخاطرة بإغضاب العديد من حلفائها التقليديين .فقد
فرضت على روسيا سلسلة من اتفاقيات الحد من التسلح من جانب واحد (وهيمنت على
جهود السالم المحفوفة بالمشاكل في البوسنة) ،واتخذت خطوات لتوسيع حلف الناتو حتى
الحدود الروسية ،وأصبحت مهتمة على نحو متزايد بصعود قوة الصين".
إذن فاالهتمام بالقوة في الشؤون الدولية كان قديما وسيبقى مستقبال ،ولهذا
فاستعمال الواقعية في فهم دور القوة في العالقات الدولية وتأثيرها في ظاهرة الصراع
سيعطينا دوما صورة جزئية عن الشؤون الدولية القديمة والمستقبلية .كما يمكننا االعتماد
على النظريات الليبرالية لتفسير ظاهرة التعاون الدولي حيث تحدد لنا الوسائل التي يمكن
أن تستعملها الدول لتحقيق مصالح مشتركة ،حيث تجعلها هذه المصالح تتعاون فيما
بينها ،كذلك فهي تبين لنا الدواقع التي تجعل الدول تتعاون أو ال تتعاون فيما بينها من
خالل مسألة الفوائد النسبية والمطلقة .يقول األستاذ ستيفن وولتز" :فالنظريات الليبرالية
تحدد األدوات التي يمكن للدول أن تستخدمها لتحقيق مصالحها المشتركة ،وتسلط الضوء
على القوى االقتصادية الفعالة التي يتعين على الدول والمجتمعات أن تركز عليها
وتساعدنا في فهم األسباب التي تدفع الدول إلى االختالف إزاء أولوياتها األساسية.
والمفارقة أنه على الرغم من أن حماية الواليات المتحدة هي التي أدت إلى تخفيض
خطر النزاعات واإلقليمية وعززت السالم الديمقراطي ...فإن هذه العوامل قد تصبح
نسبيا أكثر أهمية".
يقول كذلك األستاذ هادلي بول عندما يتكلم عن المؤسساتية الليبرالية:
"فالمؤسساتيون يعنون بدراسة الطرق التي تجعل المؤسسات لها من األمور العقالنية أن
تتعاون الدول فيما بينها انطالقا من مصالحها الذاتية.
إذن فمن خالل النظريات الليبرالية يمكننا فهم وتفسير ظاهرة التعاون بكل أبعادها
وعن طريق دور المصالح وكذا الوسائل التي تجعل الدول تتعاون فيما بينها كذلك
الدوافع التي تجعل الدول تتعاون أو ل تتعاون فيما بينها.
كذلك يمكننا االعتماد على النظرية البنائية لفهم كيفية تأثير األفكار في العالقات
الدولية وكيفية تفاعل المصلحة والهوية اجتماعيا ،وكذا أهمية الخطاب السائد في
المجتمع وكيف تشكل وتعكس المعتقدات والمصالح .وهنا فالبنائية ترشدنا إلى مصادر
التغيير أو التحول .يقول األستاذ ستيفن والتز" :والواقع أن القضية المحورية في عالم ما
بعد الحرب الباردة من المنظور البنيوي هي كيف يمكن للجماعات المختلفة أن تحقق
هويتها ومصالحها ،ومع أن القوة ليست مستبعدة هنا ،إال أن البنيويين يؤكدون على كيفية
خلق األفكار والهوية ،وكيف تتطور ،وكيف تصيغ الطريقة التي تفهم بها الدول
أوضاعها وتتصرف إزاءها".
حقيقة فإنه بعد الحرب الباردة ازداد االهتمام بالهوية على الساحة الدولية إلى
درجة كبيرة ولهذا فاالعتماد على البنائية يمكن أن يفسر لنا العديد من الشؤون الدولية.
ويضيف األستاذ ستيفن والتز" :فإن النظريات البنيوية تناسب تماما الكيفية التي تتغير بها
الهويات والمصالح مع مرور الزمن لتحدث بالتالي تحوال دقيقا في سلوك الدول وتؤدي
من وقت آلخر إلى تحوالت واسعة النطاق لكنها غير متوقعة في الشؤون الدولية ،وهي
مالئمة تماما إذا ما استمرت الهوية السياسية في أوروبا في التحول من األمة – الدولة
إلى المنطقة اإلقليمية أو إلى إحساس أرحب بالهوية األوروبية".
إذن فالبنائية يمكنها أن تفسر لنا كيفية تأثير األفكار والهويات في مجريات
األحداث الدولية ،لهذا فسوف تبقى لها مكانتها بين المنظورات المتنافسة.
إذن فإذا اعتمدنا على لوحة مفاتيح تركيبية ،بحيث تتشكل هذه اللوحة من عدة
منظورات تمسك كل واحدة منها بجزء مهم في السياسة الدولية ،يمكننا من خاللها أن
نفهم جوانب الظاهرة الدولية كل على حدى ،وكما سبق فالمنظورات المتنافسة التي تفسر
كل منها جوانب مهمة في الشؤون الدولية ،تفيدنا في أخذ صورة مجزءة ومتكاملة في
نفس الوقت عن الشؤون الدولية .يقول األستاذ ستيفن والتز" :يمكننا القول إن كال
وجهات النظر المتنافسة تمسك بجوانب مهمة في السياسة العالمية ،سيصبح فهمنا فقيرا
إذا اقتصر تفكيرنا على مدرسة فكرية واحدة ،ويتعين على "الدبلوماسي" في المستقبل
أن يبقى مدركا لتأكيد الواقعية على دور القوة الذي ال غنى عنه ومستوعبا لوعي
الليبرالية بالقوة المحلية آخذا بعين االعتبار رؤية البنيوية لعملية التغيير" .وهكذا فهذه
المنظورات المتنافسة تزودنا كل منها في جانب من جوانب السياسة الدولية ،فالواقعية
تساعدنا في فهم ظاهرة الصراع والليبرالية في فهم ظاهرة التعاون ،أما البنائية فتساعد
على فهم كيفية تأثير األفكار في مجريات األحداث الدولية ،ومن خالل هذه المنظورات
المتنافسة التي تشكل لوحة مفاتيح تمكننا من استيعاب الظاهرة والتخفيف من أزمة
التنظير في العالقات الدولية.
المبحث الثاني:
من أجل نظرية كوسموبوليتانية للعالقات الدولية
إن التأسيس لنظرية كوسموبوليتانية للعالقات الدولية قد يؤدي على الحد من أزمة
التنظير أو على األقل التخفيف منها ،بحيث أن النظرية الكوسموبوليتانية تجمع كل
النظريات التقليدية (االتجاه األخالقي ،الواقعي ،السلوكي ،الماركسي ،ونظرية التكامل)
والحديثة (النقدية االجتماعية ،البنائية ،مابعد الحداثة ،النسوية) في العالقات في الدولية،
حيث تجمع كل المنطلقات االبستمولوجية والمنهجية واألنطولوجية للنظريات الوضعية
وما بعد الوضعية ،وهكذا يمكن أن تكون نظرية ذات أفق عالمي.
يقول الدكتور عبد الناصر جندلي" :إن عالمية النظرية تكمن في مدى إحاطتها
بمختلف األطر التحليلية واألنساق الفكرية على أصعدة االبستمولوجية والمنهجية
واألنطولوجية والنظرية من شتى بقاع العالم ،وال يقتصر األمر على العالم المتقدم بل أن
تشمل العالم المتخلف باعتباره جزءا ال يتجزأ من البيئة الدولية" .نعم ،فإن النظرية لكي
ترقى على مستوى عالمي البد أن تشمل كل األطر المنهجية واإلبستمولوجية
واألنطولوجية والنظرية من مختلف بيئات العالم .ثم يضيف الدكتور عبد الناصر جندلي
قوله" :إن النظرية الكوسموبوليتانية بهذا المعنى هي مزيج من تلك النظريات التفسيرية
الوضعية والنظريات التكوينية ما بعد الوضعية".
عندما تمزج النظرية الكوسموبوليتانية بين االتجاهات التفسيرية والتكوينية فإنها
قد تصل إلى النظرية العامة في العالقات الدولية ألنها تحيط بجميع جوانب وأبعاد
الشؤون الدولية ،فعند األخذ بمبادئ النظريات التقليدية الوضعية فإنها سوف تعطي
األخالق دورها في السياسة الدولية ،وللقوة والعوامل االقتصادية دورها ،وفي هذا
الخصوص يقول الدكتور جندلي عبد الناصر" :إن ما يزيد في تدعيم طرحنا لما يسمى
بالنظرية الكوسموبوليتانية هو ذلك التفاعل بين المثالية والواقعية الذي سيظل من السمات
البارزة في لعبة العالقات الدولية في القرن الحادي والعشرين ألن القوة هي التي تصنع
مثاليتها بنفسها .فالمجتمع الدولي هو بحاجة ماسة لضمان حد أدنى من االحترام لمبادئ
القانون الدولي بتعهداتها ومسؤولياتها بالمبادئ األخالقية والقانونية دون اللجوء إلى
استخدام القوة".ويقول كذلك ..." :وفي سعيها إلى تغيير النظام الدولي وتحقيق النظام
الدولي المرغوب القائم على أساس العدل والمساواة والسلم واألمن ،ناهيك عن تقاطعها
مع نظرية التبعية في محاولتها كشف القناع عن الهيمنة الشاملة للشمال المتقدم على
الجنوب المتخلف".
إذن فالنظريات التقليدية الوضعية تقريبا كلها تتفاعل مع بعضها البعض
ومتقاطعة أحيانا ،فالنظرية المثالية تتقاطع مع نظرية التبعية وذلك مع الليبرالية وما بعد
السلوكية في تقديم النظام المرغوب فيه ،كما أنها تتفاعل مع الواقعية كذلك ،ولهذا فعندما
تأخذ النظرية الكوسموبوليتانية بمبادئ النظريات التفسيرية الوضعية يمكنها أن تمس كل
جوانب وحيثيات أبعاد السياسة الدولية ،هذا من جهة ومن جهة أخرى ،فعندما أخذها
كذلك بالمنطلقات المنهجية واألنطولوجية واالبستمولوجية للنظريات الحديثة ،قد يؤدي
ذلك إلى جعلها نظرية عامة وعالمية في العالقات الدولية ،ألن النظريات الحديثة ما بعد
الوضعية كذلك قد ألقت الضوء على جوانب مهمة من الظاهرة الدولية ،إضافة إلى
تقاطعها مع بعض النظريات الوضعية .يقول الدكتور عبد الناصر جندلي" :فقد كانت
النظرية االجتماعية النقدية تطويرا للماركسية التقليدية في اعتمادها على المادية
التاريخية ،كما تلتقي مع المثالية في دعوتها إلى تحرير البشرية من البنى الجائرة
للسياسة الدولية التي تهيمن عليها القوى الكبرى".
ويضيف كذلك الدكتور عبد الناصر جندلي في تعليقه على البنائية" :أما البنائية
فتمثل دورا وسطيا توفيقيا بين االتجاهات النظرية الوضعية (التفسيرية) واالتجاهات
النظرية ما بعد الوضعية (التكوينية) معتمدة في تصورها على بعض المفاهيم المركزية
كتذاتانية البنى األساسية للنظام الدولي ،الوعي اإلنساني ،الهوية ،العالقة بين الفاعل
والبنية ...واعتبرت النسوية صرخة نسوية على تلك النظريات التفسيرية التي تجاهلت
إقحام العنصر النسوي الجنس النوع في دراستها للعالقات الدولية" .أضف على ذلك ما
جاءت به نظرية ما بعد الحداثة بأفعال اللغة ،إذن فالنظريات ما بعد الوضعية (التكوينية)
قد مست كذلك حيثيات وجوانب مهمة في الشؤون الدولية وباإلضافة إلى أنها كانت
متقاطعة في بعض األحيان مع النظريات التقليدية ،فالنظرية االجتماعية النقدية تتقاطع
مع المثالية في السعي إلى تغيير النظام القائم ،كما تتقاطع البنائية جزئيا مع الواقعية ،كما
أن البنائية كذلك اتخذت موقفا وسطا بين المنظورات التقليدية الوضعية والحديثة ما بعد
الوضعية.
إذن فالنظرية الكوسموبوليتانية عندما تقوم بمزيج بين مبادئ النظريات التفسيرية
والنظريات التكوينية تكون قد مست جميع جوانب وأبعاد وحيثيات السياسة الدولية،
باإلضافة إلى حصولها على كم هائل من األدوات التحليلية والمفهوماتية ،مع وضع
الثالوث الوظائفي للنظرية في الحسبان ،هكذا يمكن لهذه النظرية أن تصبح نظرية عامة
في العالقات الدولية وذات أفق عالمي حيث يمكن من خاللها الحد من أزمة التنظير أو
على األقل التخفيف منها.
المبحث الثالث:
من أجل بيداغوجيا جديدة لدراسة العالقات
الدولية
إن التغيرات الهيكلية والعميقة التي طرأت على السياسات الدولية في العقود
األخيرة كمرحلة تختلف بشكل جذري عن تلك المراحل التي تبلور فيها النظام الدولي
طوال مرحلة الحرب الباردة ،حيث أدى ذلك على عجز المنظرين عن تقديم أنساق
نظرية قادرة على استيعاب مختلف الظاهر الدولية ،ولذلك ال بد من إعادة النظر في
أدواتنا التحليلية بحيث تصبح منسجمة مع التغيرات الجذرية الحديثة" .ولهذا أصبح من
الضروري البحث عن منظورات وتصورات جديدة لتدريس مادة العالقات الدولية بشكل
يتجاوز تلك التقسيمات التقليدية والتعاريف الجامدة التي دأبنا عليها طوال مرحلة الحرب
الباردة ،ما سيفتح آفاقا جديدة للباحثين في العالقات الدولية".
وللبحث عن منظورات وتصورات جديدة لدارسي العالقات الدولية بصيغة تتعدى
تلك التعاريف الجامدة والتقسيمات التقليدية ،البد من خلق روح تداخلية وتوافقية بين
مختلف المجاالت المعرفية من اجل التوصل إلى فهم أعمق وأشمل للسياسة الدولية،
القيام بدراسات معمقة إلرساء بيداغوجية جديدة لمقاربة العالقات الدولية.
من خالل ما سبق نستنتج أن األسباب التي أدت إلى حدوث أزمة التنظير في
العالقات الدولية ترجع أحيانا للطبيعة المعقدة للظاهرة الدولية كونها تنتمي إلى الظاهرة
اإلنسانية حيث يصعب تحديدا لمتغيرات الرئيسية والثانوية المتحكمة في الظاهرة الدولية
وتفسير العالقة بين هذه المتغيرات (كيف كانت ,وكيف هي .وكيف ستكون) ,وأحيانا
أخرى تتعلق هذه األزمة بالبيئة التي نشأ فيها المنظرين لهذا الحقل المعرفي ,ومساهمتها
في تشكيل المنظار الذي ينظرون من خالله للقضايا الدولية.
كما نستنتج أن المدرسة الواقعية كمنظور مهيمن لفترة الثالثينيات واألربعينيات
للقرن العشرين ,جاءت بمفاهيم واسعة ومبهمة يمكنها استعاب بعض المتغيرات التي
قد تبرز على الساحة الدولية من حين إلى آخر إضافة إلى أنها أعطت تفسيرات لجزء
مهم من الظاهرة الدولية ساهمت في التخفيف من أزمة التنظير.
كما نستنتج أنه يمكن التخفيف من أزمة التنظير من خالل لوحة مفاتيح تركيبية
لفهم الظاهرة الدولية من خالل االعتماد على كل نظرية من النظريات لفهم جانب من
جوانب الظاهرة ,إذ أن كل نظرية تفسر جانب من جوانب الظاهرة الدولية ,وهكذا
نحصل على صورة عامة للظاهرة ,عن طريق جمع تلك الجوانب المجزئة.
كما يمكن التخفيف من أزمة التنظير من خالل مشروع نظرية كوسموبوليتانية
تجمع بين مختلف المنطلقات األنطولوجية واإلبستمولوجية والمنهجية للنظريات التقليدية
التفسيرية ( الوضعية) والمنطلقات األنطولوجية واإلبستومولوجية والمنهجية للنظريات
الحديثة التكوينية ( ما بعد الوضعية) إلدراك العجز المسجل عند كل نظرية.
أو يمكن أيضا التخفيف من أزمة التنظير عن طريق بداغوجية جديدة لدراسة
العالقات الدولية من خالل إدخال فلسفة التعقيد في دراسة العالقات الدولية وذلك ألنها
ظاهرة في غاية التعقيد.
قائمة الـمراجع
الكتب باللغة العربية: 1
-سعدي( ،محمد) ،مستقبل العالقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة
وثقافة السالم( ،بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،ط)2006 ،1
-شلبي( ،محمد) ،المنهجية في التحليل السياسي :المفاهيم ،المناهج ،االقترابات
واألدوات( ،الجزائر :ب .د .ن)1997 ،
-مقلد( ،إسماعيل صبري) ،نظريات السياسة الدولية :دراسة تحليلية مقارنة( ،الكويت:
مطابع مفهومي ،ط)1986 ،1
-هادلي( ،بول) ،المجتمع الفوضوي :دراسة النظام في السياسة العالمية( ،اإلمارات
العربية المتحدة :ترجمة ونشر مركز الخليج لألبحاث ،ط)2006 ،3
الـمقاالت: 3