Professional Documents
Culture Documents
بحث نقد
لفظ " اﻻستطيقي" يدل عﻠﻰ أعم و أهم ﻣفهوم ﻣن ﻣفاهيم دراستنا ،فهو يشير إلﻰ ﻣوضوعات قد تﻜون
ً
أعماﻻ فنيﺔ وقد تﻜون ﻣوضوعات في الطبيعﺔ ،كما يدل عﻠﻰ أﺷياء جميﻠﺔ وأﺷياء تﻜون لها قيمﺔ بالنسبﺔ
إلﻰ اﻹدراك الحسي عﻠﻰ أنحاء أخرى ،كاﻷﺷياء الﻠطيفﺔ والجﻠيﻠﺔ والهزليﺔ ،وقد اقترح في هذا الفصﻞ أن
يقال عن الموضوع أنه استطيقي كﻠما أدركناه عﻠﻰ نحو ﻣعين ،أي كﻠما نظرنا إليه لمجرد النظر إليه
والتمتع به ،ﻻ ﻷي غرض آخر ،كما أن هناك عدة نظريات تقﻠيديﺔ في عﻠم الجمال تتخذ هذا الموقف ،فهي
ﻻ تبدأ بالتساؤل :ﻣا هي التجربﺔ اﻻستطيقيﺔ؟ وإنما تنظر إلﻰ لفظ " اﻻستطيقي " عﻠﻰ أنه يدل عﻠﻰ
سمات ﻣعينﺔ تتسم بها بعض اﻷﺷياء ،وتﻜون بفضﻠها جميﻠﺔ ،عﻠﻰ حين أن اﻷﺷياء اﻷخرى تفتقر إليها.
ويﻼحظ أن المحاوﻻت التقﻠيديﺔ لتفسير قيمﺔ الفن والجمال بواسطﺔ سمﺔ " استطيقيﺔ" قد اتضح أنها
ﻣحدودة أكثر ﻣما ينبغي ،فهي لم تعد تعمﻞ حسابًا لﻠتنوع الهائﻞ لﻸعمال الفنيﺔ ولﻜﻞ اﻷﺷياء اﻷخرى
المختﻠفﺔ كﻞ اﻻختﻼف ،والتي يهتم الناس بالتطﻠع إليها،
فالسمﺔ التي نظر إليها عﻠﻰ أنها أساس تعريف " اﻻستطيقي " وهي "اﻻنسجام" قد فسرت في نحو
ﻣختﻠف ،فقد اعتُ ِبر "اﻻنسجام = وصف استخدم في عصر تاريخي ﻣعين أو حضارة ﻣعينﺔ بﻜونه سمﺔ
جذاب أو تدعو لﻺعجاب" ،وبهذا التفسير يتضح أن هناك ﻣوضوعات لها قيمتها بالنسبﺔ إلﻰ اﻹدراك
ولﻜنها ﻻ تتسم بالسمات التي كانت تعد ﻣن قبﻞ " استطيقيﺔ " ويتبين أن التفسير اﻷصﻠي لﻠقيمﺔ
اﻻستطيقيﺔ كان ﻣحدودًا وضي َقا أكثر ﻣما ينبغي ،أو يتضح أنه يسيء تفسير الميدان اﻻستطيقي ،فسنعرف
اﻻستطيقي عﻠﻰ أنه إدراك لموضوع ﻣعين لمجرد إدراكه فحسب.
) وإذا أردنا أن نفهم ﻣا المقصود عادةً " بالفن " و " الجمال " وتجربتنا الخاصﺔ بهما ،فﻼبد لنا ﻣن
فهم الطريقﺔ التي يعمﻞ بها اﻹدراك اﻻستطيقي ،وﻻبد لتحقيق هذا الهدف ﻣن النظر إلﻰ العمﻞ دون أي
انشغال بأصﻠه ونتائج (
وعﻠﻰ ذلك فإن تحﻠيﻞ ﻣثﻞ هذا اﻹدراك ﺷرط ضروري لتفسير القيمﺔ اﻻستطيقيﺔ ) ﻻ التاريخيﺔ أو
اﻷخﻼقيﺔ إلخ ( لﻠفن ،والمعاني اﻻستطيقيﺔ لﻠفظ " الجمال ".
ظﻞ الفن يفسر ويقدر ،طوال التاريخ كﻠه ،وحتﻰ في عصرنا الحاضر عﻠﻰ أسس غير استطيقيﺔ :إذ
كان يبجﻞ ﻣن أجﻞ ﻣنفعته اﻻجتماعيﺔ ،أو ﻷنه يبث في النفوس ﻣعتقدات دينيﺔ ،أو ﻷنه يجعﻞ الناس أفضﻞ
ﻣن الوجهﺔ اﻷخﻼقيﺔ ،أو ﻷنه ﻣصدر لﻠمعرفﺔ ،ولعﻞ القارئ يدرك أن قيمﺔ الفن تقدر في كﻞ هذه الحاﻻت
بناء عﻠﻰ ﻣا يؤدي إليه ﻣن النتائج ،ﻻ ﻣن أجﻞ أهميته الباطنﺔ ،أﻣا الفن والموسيقﻰ الذي ﻻ يمﻠك غرضًا
سوى أن يسمع أو يستمتع به هو لذاته هو تطور حديث نسبيًا لﻠوجهﺔ التاريخيﺔ،
فعندﻣا يعبر الفنان عن فرديته دون قيود يؤدي ذلك إلﻰ تفاقم الموقف ،فهو يخﻠق أعمال جديدة وﻣختﻠفﺔ
ﻻ يوجد لها إﻻ جمهور قﻠيﻞ إن وجد ﻣما يجعﻞ الفن والنشاط الفني ﻣوضوعًا لﻼزدراء واﻻحتقار
أوالتجاهﻞ ،وﻣع التطور ازداد الفنانون عزلﺔ بسبب النفور ﻣن قبح المجتمع الصناعي في المدن.
ويرفض الفنان ضغوط "المجتمع الجماهيري" التي تفرض عﻠﻰ المرء أن يتماﺷﻰ ﻣع قيم الجماهير،
وطريقتها في الحياة ،وهﻜذا فإن التيار الرئيسي لﻠمجتمع قد لفظ الفن.
وﻣنها نتج فهم جديد لﻠفن :هو أن الفن يوجد لمجرد اﻻستمتاع به لذاته ،فﻠه قيمته في ذاته ﻻ ﻷنه
يخدم أهداف الدين أو اﻷخﻼق أو المجتمع بوجه عام.
وهﻜذا فإن اﻻهتمام الفﻠسفي باﻹدراك اﻻستطيقي ينشأ عن تطورات تاريخيﺔ في الفنون والمجتمع.
)الفرق بين الموقف اﻻستطيقي والموقف العﻠمي( ١ـ كيف ندرك العالم.
الموقف الذي نتخذه :هو الذي يتحﻜم في طريقﺔ إدراكنا لﻠعالم ،والموقف هو طريقﺔ في توجيه إدراكنا أو
التحﻜم فيه.
وﻣن الواضح أنه عندﻣا تﻜون لﻸفراد أغراض ﻣختﻠفﺔ فإنهم يدركون العالم عﻠﻰ أنحاء ﻣختﻠفﺔ.
وﻣجمﻞ القول إن الموقف أو اﻻتجاه ينظم وعينا بالعالم ويوجهه ،عﻠﻰ أن الموقف اﻻستطيقي ليس
هو الموقف الذي يتخذه الناس عادة ،بﻞ إن الموقف الذي نتخذه في العادة يمﻜن أن يسمﻰ بموقف
"اﻹدراك العﻠمي "
إذن فعندﻣا يﻜون ﻣوقفنا "عﻠم ًيا" ،ﻻ ندرك اﻷﺷياء إﻻ بوصفها وسيﻠﺔ لهدف يتجاوز تجربﺔ إدراكنا لها.
وﻣع ذلك فإن اﻹدراك ﻻ يقتصر عﻠﻰ الطابع " العمﻠي " وحده في أيﺔ حالﺔ ﻣن الحاﻻت ،ذلك ﻷننا نوجه
انتباهنا ﻣن آن ﻵخر ،نحو ﺷيء ﻣعين لمجرد اﻻستمتاع بمرآه أو بمسمعه أو ﻣﻠمسه ،وهذا هو الموقف
" اﻻستطيقي " في اﻹدراك ،وهو يظهر حيثما أصبح الناس ﻣهتمين بمسرحيﺔ أو روايﺔ ،وحيثما
استمعوا بانتباه إلﻰ قطعﺔ ﻣوسيقيﺔ.
)يشرح التعريف( ٢ـ الموقف اﻻستطيقي.
تعريف " الموقف اﻻستطيقي " بأنه :انتباه وتأﻣﻞ ﻣتعاطف ﻣنزه عن الغرض ﻷي ﻣوضوع لﻠوعي عﻠﻰ
اﻹطﻼق.
ﻣنزه عن الغرض :يعني أننا ﻻ ننظر إلﻰ الموضوع اهتماﻣا ﻣنا بأي غرض خارجي قد يفيد هذا الموضوع
في تحقيقه ،فنحن ﻻ نحاول اﻻنتفاع ﻣن الموضوع أو استخداﻣه أداة ،وليس هناك غرض يتحﻜم في
التجربﺔ سوى غرض ﻣمارسﺔ التجربﺔ فحسب.
و" اﻹدراك العﻠمي" :حيث يدرك الموضوع بطريقﺔ جزئيﺔ أو عابرة فيه.
فحين يﻜون غرض الشخص الذي يدرك الموضوع ) المدرك ( هو إصدار الحﻜم عﻠيه ،فإن ﻣوقفه ﻻ يﻜون
استطيقيا ،عﻠﻰ عﻜس الموقف اﻻستطيقي الذي يقوم " بعزل " الموضوع والتركيز عﻠيه.
بالنسبﺔ إلﻰ الموقف الجمالي ،ﻻ ينبغي تصنيف اﻷﺷياء أو دراستها أو الحﻜم عﻠيها ،وينبغي أن يﻜون
كون المرء ﻣنز ًها عن الغرض ﻣختﻠف تما ًﻣا عن كونه غير عابئ أو ﻣﻜترث.
ﻣتعاطف :عندﻣا ندرك ﻣوضوعًا بطريقﺔ استطيقيﺔ ،نفعﻞ ذلك لﻜي نتذوق طابعه الفردي ،وندرك إن كان
الموضوع جذابا ،أو ﻣﻠيئ ًا بالحيويﺔ ،وإذا ﺷئنا أن نتذوق الموضوع ،فﻼ بد لنا ﻣن أن نقبﻠه " عﻠﻰ ﻣا هو
عﻠيه" وأﻻ ندخﻞ حﻜم اﻷخﻼق واﻻعتقادات الشخصيﺔ في هذا اﻹدراك.
" فالتعاطف " في التجربﺔ اﻻستطيقيﺔ يعني أن نعطي الموضوع " فرصﺔ " لﻜي يبين لنا كيف يمﻜنه أن
يﻜون ذا أهميﺔ وطرافﺔ بالنسبﺔ إلﻰ اﻹدراك.
انتباه :التجربﺔ ﻻ تﻜون استطيقيﺔ إﻻ عندﻣا " يسيطر " الموضوع عﻠﻰ انتباهنا.
غير أن التركيز عﻠﻰ الموضوع و السﻠوك" ليس كﻞ المقصود " باﻻنتباه" اﻻستطيقي ،بﻞ ﻻبد لنا لﻜي
كثيرا ﻣا تﻜون ﻣعقدة وغاﻣضﺔ ،والوعي
نتذوق القيمﺔ الﻜاﻣﻠﺔ لﻠموضوع ،ﻣن أن ننتبه إلﻰ تفاصيﻠه التي ً
كبيرا في تجربﺔ الفن
قدرا ً
كثيرا ﻣا يفقدون ً
الواضح بهذه التفاصيﻞ هو " التمييز " والواقع أن الناس ً
)ليس ﻷن انتباههم يضعف بﻞ ﻷنهم يعجزون عن رؤيﺔ كﻞ ﻣا له أهميﺔ في العمﻞ(
التأﻣﻞ يعني أن اﻹدراك ﻣوجه إلﻰ الموضوع ذاته ،فهو يدل عﻠﻰ اﻻهتمام واﻻستغراق الﻜاﻣﻞ ،كما هي
الحال عندﻣا نقول إننا " غارقون في التأﻣﻞ " فعندئ ٍذ ﻻ نﻜاد نﻠحظ ﻣعظم اﻷﺷياء اﻷخرى ،عﻠﻰ حين أن
ﻣوضوع اﻹدراك اﻻستطيقي يبرز ﻣن الوسط المحيط به ويستحوذ عﻠﻰ اهتماﻣنا.
ﻷي ﻣوضوع لﻠوعي عﻠﻰ اﻹطﻼق :أهم صفات التجربﺔ اﻻستطيقيﺔ اتساع نطاقها إلﻰ حد هائﻞ ،بﻞ إلﻰ
غير حد.
إن التعريف يتيح لنا أن نقول إن أي ﻣوضوع عﻠﻰ اﻹطﻼق يمﻜن أن يدرك بطريقﺔ استطيقيﺔ ،أي أنه ليس
ثمﺔ ﺷيء غير استطيقي بحﻜم طبيعته الباطنﺔ.
"فاﻹدراك" هو أكثر اﻷنواع المألوفﺔ " لﻠوعي" ولﻜن إذا حدث اﻹحساس ،فمن الممﻜن أن يﻜون بدوره
استطيقيا.
٣ـ دﻻلﺔ الوعي اﻻستطيقي في التجربﺔ اﻹنسانيﺔ.
فمن الممﻜن أن يقال اﻵن إن الوعي اﻻستطيقي ﻣوجه دائ ًما " بطريقﺔ إيجابيﺔ" نحو ﻣوضوعه ،فنحن
نركز انتباهنا عﻠﻰ الموضوع الذي يستأثر باهتماﻣنا"
إن ﻣا يود أن يقوله الﻜاتب هو أن الجهد البشري " العمﻠي " ﻻ جدوى ﻣنه ﻣالم يؤد في نقطﺔ ﻣعينﺔ إلﻰ
تجربﺔ تﻜون طريفﺔ وﻣمتعﺔ في ذاتها ،وإن الﻜثيرين ﻣن اﻷﻣريﻜيين يستغرقون في اﻻهتمام بوسائﻞ
نادرا ﻣا يتذوقون القيمﺔ الﻜاﻣنﺔ لﻠتجربﺔ.
العيش إلﻰ حد أنهم ً
نادرا خارجا ً عن المألوف ،ﻣالم تﻜن طريقﺔ حياتنا ﻣؤديﺔ إلﻰ النظر إلﻰ
فاﻹدراك اﻻستطيقي ليس ﺷيئًا ً
هذا اﻹدراك عﻠﻰ أنه ﺷيء غير طبيعي ،فمن الممﻜن القول بمعنﻰ ﻣعين أنه ﻻ ﺷيء أكثر طبيعيﺔ ﻣن
الوعي اﻻستطيقي.
ﻣع ذلك فإن التجربﺔ اﻻستطيقيﺔ والتجربﺔ العمﻠيﺔ ليستا ﻣتعارضتان بالضرورة ،فهذا اعتقاد واسع
اﻻنتشار في المدن ،كان ﻣن نتيجته أننا استبعدنا الفن والتجربﺔ اﻻستطيقيﺔ في ركن قصي ﻣن حياتنا،
وكثيرا ﻣا يوجدان بالفعﻞ.
ً ولﻜن اﻻهتمام العمﻠي واﻻستطيقي يمﻜن أن يوجدا ﻣعاً،
ولﻜن بما أنهما ﻣوقفين ﻣتعارضين بمعنﻰ أن تركيز اﻻنتباه المميز ﻷحدهما يقﻠﻞ ﻣن نوع اﻻنتباه المميز
لﻶخر ،غير أن اﻻنتباه دائ ًما ﻣسألﺔ درجﺔ ،وﻣن الممﻜن أن تتحﻜم فيه أغراض ﻣتباينﺔ في آن واحد ،وهذا
ً
ضئيﻼ ﻣن العنصر اﻻستطيقي يجعﻠنا في كثير ﻣن اﻷحيان نتحمﻞ أعماﻻ كانت تغدو ﻣا يجعﻞ قد ًًرا ولو
بدونه ﻣمﻠﺔ ﻣنفرة إلﻰ أقصﻰ حد.
القيمﺔ الجماليﺔ تزداد عندﻣا يﻜون المظهر الﻜاﻣﻞ لﻠشيء ،ولونه ،وﺷﻜﻠه ،إلخ سب ًبا في ﻣنفعته ،ويتضح
ذلك في الطائرات وفي بعض المباني المشيدة حديثًا سواء ﻣنها السﻜنيﺔ والتجاريﺔ.
لو تعمدنا اكتساب التأثيرات المختﻠفﺔ ﻣن اﻷعمال الفنيﺔ ﻷضعفنا القيمﺔ الجماليﺔ أو قضينا عﻠيها،
فعنئ ٍذ تصبح التجربﺔ نفعيﺔ ﻣتطﻠعﺔ إلﻰ المستقبﻞ ،فنتائج التجربﺔ الجماليﺔ تأتي دون طﻠب ودون إلحاح.
لﻠعمﻞ الفني " إطار " أﻣا الطبيعﺔ فﻼ ،ﻷننا نستطيع أن نضع لﻠطبيعﺔ حدود إطار فتصبح أعظم
ﻣن الﻠوحﺔ الفنيﺔ.
أحد الرأيين أن اﻷعمال الفنيﺔ في عموﻣها ذات قيمﺔ أعظم ،بفضﻞ وحدتها ،ﻣن المناظر الطبيعيﺔ،
ﻻ أنها يبنغي أن تﻜون كذلك دائ ًما بالضرورة.
وأن الطبيعﺔ عﻠﻰ وجه العموم تفتقر إلﻰ اﻻهتمام النفسي والرﻣزي إذا ﻣا قيست بالفن ) .الفن
يوجد فيه ﺷعور ﻣشاركﺔ بشريﺔ عﻠﻰ عﻜس الطبيعﺔ(.
خﻼصﺔ القول إن اﻻنتباه والتفسير اﻻنتقائي يتمثﻼن في تجربﺔ الفنون كما يتمثﻼن في تذوق الطبيعﺔ،
غير أن الفارق بين اﻻثنين ،إنم ا هو فارق في الدرجﺔ وليس ﻣن الصواب أن نجعﻞ ﻣنه تقسي ًما ثنائيًا
قاطعًا.
٥ـ اﻻرتباط بالموضوع ﻣن الوجهﺔ الجماليﺔ.
يبدو أن التجربﺔ الجماليﺔ ،في أحسن حاﻻتها ،تعزلنا نحن والموضوع ﻣ ًعا عن التيار المعتاد لﻠتجربﺔ،
فحين نعجب بالموضوع في ذاته ،نفصﻠه عن عﻼقاته المتبادلﺔ باﻷﺷياء اﻷخرى ونشعر كأن الحياة قد
توقفت فجأة ،إذ أننا نستغرق تماﻣا في الموضوع الماثﻞ أﻣاﻣنا ونترك أيﺔ فﻜرة عن النشاط الغرضي
المتطﻠع إلﻰ المستقبﻞ.
ً
ضئيﻼ جدًا بالﻠون ،الذي يقتصر دوره عﻠﻰ إثارة تجربﺔ جماليﺔ عن الﻠون ،ﻻ يبدي المشاهد إﻻ انتباها
الترابط أو الذكرى ،ثم يغيب بعد ذلك عن اﻷعين ،أﻣا النوع الثاني ﻣن الترابط فهو النوع الذي ﻻ ينفصﻞ
فيه الترابط عن إدراك الﻠون ،بﻞ " يندﻣج أو يذوب " فيه.
ﻻ يمﻜن وضع قاعدة قاطعﺔ بشأن القيمﺔ الجماليﺔ لﻠترابط بوجه عام.
ويمﻜننا أن نميز بين المعرفﺔ بالموضوع والمعرفﺔ غير المرتبطﺔ به ،فهي تﻜون ﻣرتبطﺔ بالموضوع
إذا توافرت فيها ثﻼثﺔ ﺷروط:
إن القاعدة الرئيسيﺔ في تعﻠيم الفن هي القاعدة الرئيسيﺔ في التجربﺔ الجماليﺔ ،أﻻ وهي ،ركز اﻻنتباه عﻠﻰ
الموضوع ذاته فحسب ،وﻻبد أن يﻜون أي ﺷيء آخر تقوله أو تفعﻠه خاض ًعا لهذا الهدف اﻷساسي ،عﻠﻰ
عﻜس الخطأ الذي يقع فيه بعض المعﻠمين ﻣن تقديم حقائق عن الفن لﻠطالب.
) يتﻜﻠم عن نظريﺔ السطح لـ برول ( ٦ـ " السطح " و " المعنﻰ " الجمالي.
يرى برول أن " السطح " الﻜيفي وحده الذي يمﻜن أن يﻜون ﻣوضوعًا كما يدرك ﻣباﺷرة دون إﺷارة
تتجاوز هذا الشﻜﻞ أو المظهر المدرك" أﻣا أي ﺷيء له ﻣثﻞ هذه اﻹﺷارة فﻠيس ف حقيقته جماليًا:
فحين نترك السطح في انتباهنا لﻜي نزداد عم ًقا في المعاني ،ننفصﻞ عن الموقف الجمالي بمعناه المميز.
فهذه النظريﺔ تذهب إلﻰ أن اﻹدراك الجمالي ﻣنزه عن الغرض ،ويفتقر إلﻰ أي هدف خارج عنه وهذا
صحيح قط ًعا ولﻜنها تذهب أيضًا إلﻰ أن الصفات المحسوسﺔ هي وحدها التي يمﻜن أن تﻜون ﻣوضوعات
فنادرا ﻣا نمر ونحن بالغون بتجربﺔ
ً لهذا اﻹدراك ،وهذا ﻣا يجعﻞ هذه النظريﺔ ﻣحدودة أكثر ﻣما ينبغي
تﻜون حسيﺔ خالصﺔ ،أي ﻻ نفسر فيها المعطيات التي ندركها عﻠﻰ نحو ﻣا.
وهﻜذا فإن نظريﺔ " السطح" تمحو ﻣعالم الفارق الهام بين اﻹدراك والفﻜر حين يﻜونان ﻣنزهين عن
الغرض ،وبينهما حين ﻻ يﻜونان كذلك ،وهي تفعﻞ ذلك ﻷنها تضع التمييز بين الجمالي والﻼجمالي في
غير ﻣوضعه.
أي أن أي نوع وكﻞ نوع ﻣن الوعي الحسي ،واﻹدراكي ،والعقﻠي ،والتخيﻠي ،واﻻنفعالي ،يمﻜن أن يحدث
في التجربﺔ الجماليﺔ ،وﻻ يؤدي تعريف " الموقف الجمالي" الذي قدﻣناه في هذا الفصﻞ إلﻰ استبعاد أي
نوع ﻣن هذا اﻷنواع ،وإنما هو يحاول أن يعمﻞ حسا ًبا لوقائع ﻻ ﺷك فيها ،وهﻜذا فإننا نحاول أن نﻜون
ﻣخﻠصين لﻠشواهد القائمﺔ ،ونتجنب في الوقت ذاته تضييق نطاق بحثنا لﻠتجربﺔ الجماليﺔ في بدايته.