Professional Documents
Culture Documents
1
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
عكوف املستشرقني على دراسة األدب العربي ،وصاحبت اإلنكار لقيمة الرتاث العربي حماولة لالنتصار هلذا
األدب ،حيث بعد مرحلة إحياء الرتاث جاءت مرحلة اهلجوم عليه والدفاع عنه يف آن واحد ،ولقد استطاعت
حماولة االنتصار للشعر القديم عل أساس من املبادئ احلديثة أن حتقق لنفسها نوعاً ما من البعد عن هذا الشعر
يُمكن ها من رؤيته رؤية جديدة ،ويف املرحلة األخرية من قضية الشعر والرتاث وهي انفصال شعراء التجربة
احلديثة عن الرتاث ألن إطار شعرهم خيتلف اختالفاً كلياً عن القديم ،مع وجود الصالت املعنوية اليت تربطهم
به ،وميكننا أن نتمثل موقف شعراء التجربة اجلدية يف عدة اعتبارات:
أ -ضرورة تقدير الرتاث يف إطاره اخلاص فال حنمله وال حنمل عليه
ب -إعادة النظر إليه يف ضوء املعرفة العصرية لتقدير ما فيه من قيم.
ت -توطيد ما بني احلاضر واملاضي عن طريق استلهام مواقفه الروحية واإلنسانية يف إبداعنا العصري.
ث -ضرورة خلق نوع من التوازن بي املاضي واحلاضر ،وهنا يتحدد الفرق بني أن نعيش يف الرتاث وأن نعيش
بالرتاث ،فعالقة الشاعر املعاصر بالرتاث عالقة استيعاب وتفهم وادراك واعٍ للمعنى اإلنساني والتارخيي
للرتاث ،فاملأثور بشخوصه ووقائعه اخلاصة مادة حية يف ضمري الشاعر املعاصر ،يتمثلها أبعاداً روحية
وفكرية تعكس لنا وجوده بأزماته وتطلعاته اخلاصة ،فشعراء التجربة املعاصرة مل ينسلخوا عن الرتاث
بل تفهموه واستلهموه وابرزوا ما ينطوي عليه من قيم صاحلة للبقاء ،كما استغلوا ما وجدوه من مادة
شعرية يف ال رتاث اإلنساني ،فكان تعاملهم مع الرتاث اإلنساني بنفس تعاملهم مع الرتاث العربي ،إال
أن هناك من أنكر عليهم ادخال الرموز األجنبية يف الشعر العربي.
التشكيل املوسيقي لتجربة الشعر اجلديد:
شهد القرن العشرون حماوالت شتى يف سبيل تطوير الشعر العربي ليس هلا نظري ،إال أن هناك فرق بني التطوير
واالبتعاث ،فمحاولة كمحاولة أبي نواس كوجاهتها مل تكن دعوة إىل تطوير جوهري للشعر أو لقصيدة وإمنا
هي استبدال تقليد بتقليد آخر ،كما أن ثورة املتنيب انتهت وظلت القصيدة العربية هي القصيدة العربية ،إال
أنه يف العصر احلديث وعلى يد مدرسة العقاد أُدخل على مفهوم الشعر السائد تعديالً جوهرياً حيث صار الشعر
على أيدي أفراد هذه ال مدرسة ــ شكري والعقاد واملازني ــ عمالً يتسم بطابع اجلدية وحيرص على احرتام
متلقيه ،حيث حترت هذه املدرسة أن تقدم حصيلة شعورية تربز معاناة اإلنسان للحياة ،أما اإلطار الشعري
للقصيدة فلم ينل من هذه املدرسة تغيرياً جوهرياً ،حيث ظلت روح القصيدة القدمية بتقاليدها الفنية هي
املسيطرة ،وشبيه بهذه احملاولة حماولة أخرى قامت بها مدرسة الشعراء املهجريني ،ومدرسة أبولو ،ومنذ أكثر
من أربعني عاماً ظهر منحى جديد لدى الشعراء املعاصرين تناول الشعر يف جوهره ،والقصيدة يف صورتها بتغيري
شامل ملموس.
معنى التشكيل املوسيقي للشعر:
إن اللغة أداة زمانية وهي جمموعة من األصوات املقطعة اصطلح الناس على أن جيعلوا هلا دالالت بذاتها ،لذلك
تكون اللغة الدالة تشكيالً معيناً جملموعة املقاطع أو احلركات و السكنات خالل الزمن ،غري انه وإن كانت
زمانية فهي حتمل يف طبيعتها ويف لوقت نفسة دالالت مكانية ،والشاعر حينما يستخدم اللغة أداة للتعبري فإنه
يقوم بعملية تشكيل مزدوجة يف وقت واحد ...إذ يشكل من الزمان واملكان بنية ذات داللة ،فاذا كانت مهمة
2
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املوسيقي ترتكز يف التأليف بني األصوات ( يف الزمان) ومهمة الرسام ترتكز يف املساحات (يف املكان) فإن
الشاعر جيمع بني املهمتني مندجمتني.
والواقع أن تشكيل مفردات اللغة ليس هي العملية الفنية التشكيلية اليت يقوم بها الشاعر ،وإمنا تأتي عملية
التشكيل تالية للمفردات ذاتها ،فالقصيدة من حيث هي عمل فين ليست إال تشكيالً خاصاً جملموعة من
ألفاظ اللغة ،لكن خصوصية التشكيل هي اليت جتعل للتعبري الشعري طابعه املميز ،فالتشكيل يف الفنون
التشكيلية حسي يف حني أنه يف الفنون التعبريية وراء حسي ،فالشاعر يبعث التأثري يف احلوس من خالل الرمز
الدال على املادة املؤثرة يف احلواس ،فاملادة املؤثرة تتلقاها األذن كلمة ذات مقاطع معينة وتتلقاها العني شكالً
منقوشاً ذا حروف معينة ،إال أن النفس ال تنفعل بذلك حتى تعود به من صورته اجملردة إىل صورته احلسية
املباشرة ،فالفنان التعبريي يقوم يف عمله الفين بعملية تشكيل وراء احملسوسات..
إن التشكيل يف اللغة يشمل نوعني من التشكيل الزماني واملكاني ،فالزماني يف الشعر هو ما يتصل باإلطار
املوسيقي للقصيدة ،وحني نتحدث عن هذا اإلطار البد أن نتناول الوزن واإليقاع والصورة املوسيقية ،فاملعول يف
البناء املوسيقي للكلمة على املقاطع ،ومن هنا كان التشكيل املوسيقي اخلاص يف الشعر العربي هو ذلك
التشكيل الوزني املعروف بالبحور اليت ال تعدو أن تكون قوالب مفرغة ال خترج عنها األوزان ،األمر الذي جعل
الشاعر القديم مقيد احلرية ،فهو حني ينظم قصيدة مل يكن يقوم بعملية تشكيل زماني حرة ،إذ عليه أن
يطوع الكلمات لنسق سابق مل يصنعه ومل يشارك يف صنعه ،فالشاعر حني يعرب عن نفسه من خالل الوزن
املعني إمنا خيتار لنفسه أكثر األشكال الطبيعية تناسباً مع حالته الشعرية ،والواقع أن هذه الفكرة ال تصلح
إال بالنسبة للشاعر األول لذي استخدم الوزن ألول مرة ،حيث نسق الطبيعة تنسيقاً خاصاً مع حالته الشعورية،
لذا ينبغي أن ي كون تشكيل الشاعر للطبيعة من خالل نفسه ال من خالل منوذج يُفرض عليه ،وقد حاول
الشعراء على مر العصور أن يتحللوا من ذلك اإلطار امللزم غري أن هذه احملاوالت رغم كثرتها وتنوعها مل تكن
جوهرية بل كانت جزئية وسطحية ،وقد وقف احملدثون عند احملاوالت التشكيلية القدمية فقلدوها وأضافوا
إليها مزيداً من األشكال اهلندسية اجلديدة اليت وقفوا إليها ،فلم يكن هم مدرسة العقاد الشعرية تطوير ذلك
اإلطار التقليدي ،وإمنا حرصت على إبراز التجربة اإلنسانية اجلادة يف نفس اإلطار القديم ،ومن أبرز احملاوالت
"بعد عام" للعقاد ،وقد كان عبدالرمحن شكري أول من ثار على هلذه املدرس ة قصيدة
القافية ،والواقع أن كل حماوالت التجديد اليت متت يف اإلطار املوسيقي للقصيدة على أيدي شعراء مدرسة
العقاد والشعراء املهجريني إمنا كانت تستلهم تلك احملاوالت اليت قام بها حشد من الشعراء القدامى أنفسهم.
ويف كل تلك احملاوالت ال نستطيع أن نقول أن الشاعر كان يقوم حبق بعملية تشكيل موسيقية لقصيدته،
وقصارى ما ميكن أن نسلم به هو أن الشعراء أحسوا بوطئة املوسيقى الشعرية القدمية على أنفسهم ،وأحسوا
أن مشاعرهم ووجداناتهم الميكن حصرها يف تلك البحور العروضية ،وأنهم يف حاجة إىل شيء من التعديل يف
الفلسفة اجلمالية اليت تسند تلك القوالب املوسيقية القدمية غري أن استقرار تلك الفلسفة اجلمالية يف ضمائر
الشعراء لكثرة ما قرأوا من الشعر التقليدي وما نظمو ا على نسقه ،حالت دون اخلروج احلقيقي على تلك
القوالب ،فتلك احملاوالت التجديدية لإلطار املوسيقي يف الشعر العربي ال ختتلف يف كثري عن تلك احملاوالت
الشكلية اليت حاوهلا أمثال أبي نواس واملتنيب.
3
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مرحلة اجلملة الشعرية وهي مرحلة تطورت من املرحلة السابق. . 3
مجاليات موسيقى البيت:
ويُعنى بها "النظام" ،وقد كان من أهم ما وجه إىل التجربة الشعرية اجلديدة أنها كسرت صورة ذلك النظام،
وأن القصيدة اجلديدة قد متزق إطارها فوقعت يف الفوضى حني كسرت ذلك النظام العتيد ،إال أنه ال أحد
يستطيع أن يغامر بالقوال أن النظام هو اجلمال ،وأن الفن يكون مجيالً ألنه منظم ،فالنظام ليس قيمه مجالية
ميكن أن يكتسبها الشيء بإضفاء النظام عليه ،وإمنا يكون النظام عامالً من عوامل التأثري اجلمالي عندما
يكون خفياً ونابعاً من طبيعة الشيء نفسه ،واإلطار التقليدي للقصيدة العربية إطار منظم ،ونظامه دقيق
وصارم يكتنفه الثبات واجلمود ،أما القصيدة اجلديدة أو ما يسمى بالشعر املعاصر فلها نظام كذلك ،إال أن
ذلك النظام داخلي ينتمي إىل القصيدة وينبع من داخلها ،ففي اإلطار اجلديد للقصيدة مل يعد للبيت التقليدي
وجود ،بل أصبح مفتوحاً الحتماالت كثرية ،ومن هنا مل نعد نسمي البيت بيتاً بل صرنا نسميه "سطراً" من
الشعر.
مجاليات موسيقى السطر الشعري:
السطر الشعري تركيبة موسيقية للكالم ،ال ترتبط بالشكل احملدد للبيت الشعري ،وإمنا تتخذ هذه
الرتكيبة دائماً الشكل الذي يرتاح له الشاعر أوالً ،والذي يتصور أن اآلخرين كذلك من املمكن أن يرتاحوا
له.
والتفعيلة من غري شك هي أساس النظام الصوتي الذي يقوم بتكراره الشعر ،وقد كسر السطر الشعري نظام
البيت التقليدي ،ولكنه ظل ملتزماً بنظام آخر هو األساس ،وهو نظام التفعيلة ،حيث أن نظام التفعيلة هو
النظام الذي تفرضه طبيعة هذه اللغة ،ومن ثم كان اخلروج على نظام البيت مشروعاً ،مادام النظام األساسي
والضروري قائماً ،فتأسيس السطر الشعري على نظام التفعيلة حيد من عدد األوزان العروضية ومشتقاتها اليت
تبلغ ما يقرب من الثمانني ،وقد أتاح نظام السطر للشاعر فرصة التحرك يف إطار عدد غري حمدود من
األشكال ،حيث أتاح عدد التفعيالت املستخدمة يف السطر الواحد لإلطار اجلديد تنوع موسيقي ،مع عدم
التنويع للتفعيالت يف السطر الشعري الواحد ألن ذلك يردنا إىل الشيء الذي ختلص منه الشعر املعاصر ،إال أن
تنويع التفعيالت ممكنة من سطر لسطر ،وخاصة بني التفعيالت اليت بينها "عالقة تداخل" ،مع مراعاة هذا
التداخل وحتقيقه ،ومن هذا خنلص إىل مايلي:
الميكن تنويع التفعيالت يف السطر الواحد إال داخل الوزن التقليدي. . 1
أننا نأخذ باستقالل التكوين املوسيقي للبيت ،مع استخدام تركيبة بعينها من التفعيالت . 2
املتنوعة يف السطر ،فإننا عندئذ جند أنفسنا مضطرين يف األسطر األخرى اللتزام هذا النسق .وحنن
بذلك نكون قد استبدلنا باإلطار القديم للبيت إطاراً مماثالً ،من حيث أنه قائم على نفس األساس.
أننا مهما اجتزأنا من النظام الذي سرنا عليه يف بعض السطور جبزء منه يف سطر يقوم مبفرده . 3
فإننا مضطرون اللتزام نسق التفعيالت املستخدمة حتى يف هذا اجلزء.
أن االنتقال من سطرٍ مؤسس على تفعيلة إىل سطر آخر مؤسسٍ على تفعيلة أخرى ال ميكن . 4
حتققه وقبوله إال يف احلاالت التالية:
5
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
إىل خلق حالة التوافق بني احلركة اليت متوج بها النفس واحلركة اليت متوج بها األشياء فإن الصورة املوسيقية
عندئذ ختفق يف حتقيق غايتها الفنية وتبقى تشكيالً صوتياً من طرف واحد ،غري أن الشاعر كما يتخذ
الصورة املوسيقية وسيلة إىل ذلك التوافق فإنه كذلك يستغل الصورة املكانية خللق هذا التوافق ،ففلسفة
الشاعر يف الزمان واحساسه به ال ينفصل عن فلسفته للمكان وإحساسه به ،لذلك فإن تشكيل الصورة يف
الشعر اجلديد يقوم على أن التشكيل املكاني يف القصيدة كالتشكيل الزماني ،ومعناه إخضاع الطبيعة
حلركة النفس وحاجتها ،فعامل األفكار ــ وهو غري واقعي ــ حياول أن يصبح واقعياً مبعانقته لألشياء والربوز
من خالهلا ،ومن هنا كانت الصورة دائماً غري واقعية وإن كانت منتزعة من الواقع ألن الصورة تنتمي إىل عامل
الوجدان أكثر من انتمائها إىل عامل الواقع ،فإذا مل يقبل الشاعر صور الطبيعة الناحزة ،وجعل للفكرة
األهمية األوىل كانت األشياء الواقعة بالنسبة إليه وسائل لتصوير الفكرة ال لتصوير الطبيعة ،وعندئذ نستطيع
أن نقول أن الصورة كالفكرة شيء غري واقعي ،فإذا كانت حقيقة املكان كحقيقة الزمان نفسية وليست
واقعية ،كان تشكيل الصورة من حيث هي نسق للفكرة وليس للطبيعة متفقاً متاماً مع حقيقة املكان
النفسية ،وعلى هذا ينبغي أن ننظر إىل الصورة ال على أنها متثل املكان املقيس بل املكان النفسي ،وكل ما
ترتبط به الصورة من املكان املقيس له دور خطري يف تشكيل الصورة ،ومن هنا قد ترتبط املرئيات يف الصورة
الشعرية بصفات أخرى هي يف أصلها صفات ملسموعات أو مشمومات أو ملموسات ،وال يكون لذلك معنى إال
أن الفكرة الكامنة ال ميكن أن تظهر إال من خالل تركيبة بذاتها هلا طبيعتها اخلاصة ،وهي اليت نسميها
"الصورة".
إن ألوان األشياء وأشكاهلا وملمسها ورائحتها وطعمها هي املظاهر احلسية اليت حتدث توتراً يف األعصاب
وحركة يف املشاعر ،فالشعر ينبت ويرتعرع يف أحضان األشكال واأللوان ،فهو تصورات تستمتع احلواس
باستحضارها ،لذلك ينبغي حني التحدث عن تشكيل الصورة الشعرية أن نفرق بني التفكري احلسي والرؤية
البصرية للشيء املكاني ،والكلمات ــ خباصة يف االستعمال الشعري ــ ليست إال جمرد أدوات متثل األشياء،
وليست الصورة اليت تتكون من هذه الكلمات إال صورة تعبريية وليست صورة مشابهة ،لذلك ينبغي أال خنلط
بني التعبري والتشابه ،فالصورة املطابق ة ــ اليت نسخة من الشيء ــ ال تستطيع أن متثل إال األشياء اليت يشبه
بعضها بعضاً ،أما الكلمة فتستطيع أن متثل بدرجة متساوية ويف وقت واحد أشياء بني بعضها وبعضها بون
شاسع ،فالشاعر حني يستخدم الكلمات احلسية بشتى أنواعها يقصد بها متثيل تصور ذهين معني له داللته،
فالشعور يظل مبهماً يف نفس الشاعر فال يتضح له إال بعد أن يتشكل يف صورة ،فالشاعر يساعدنا على تنسيق
مشاعرنا من خالل اإلثارات املتنوعة اليت تثريها فينا صوره ،على أن الناس كما خيتلفون إزاء املفردات احلسية
اليت تشكل منها الصورة فإنهم خيتلفون إزاء الصورة نفسها ،فإدراك الصورة يعتمد إىل حد بعيد على طبيعتنا
النمطية ،فنحن نشكلها وفق تلك الطبيعة.
إن الصورة الشعرية تركيبة غريبة معقدة ،وحتديد طبيعتها حمفوف بكثري من الصعوبات ،وميكننا أن
نصطلح على تسميتها بكلمة "توقيعة" ،لذلك فالتوقيعة هي الوحدة احليوية يف الشعر اليت ال تقبل االختصار،
وعلى ذلك ترتبط الصورة بكل ما ميكن استحضاره يف الذهن من مرئيات ،أي ما ميكن متثله قائماً يف
املكان.
7
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فالصورة تستكشف شيئاً مبساعدة شيء آخر ،وقد كانت وسيلة الشاعر إىل االستكشاف تتمثل يف أعلى
صورها التعبريية "التشبيه" و "االستعارة" ،وميزة الصورة اخلصبة أنها تستطيع أن تشع يف كل اجتاه ،وأن تسمح
لك باستكناه املزيد من املعاني كلما اوغلت معها حبسك ،ويتبع هذه الفكرة يف طبيعة الصورة الشعرية
اجلديدة أن تكون حبيث تتجاوب أصداؤها يف كل مكان من القصيدة .فإذا انفصلت الصورة اجلزئية عن
جمموعة الصور األخرى املكونة للقصيدة فقدت دورها احليوي يف الصورة العامة .أما إذا تساندت مع جمموعة
الصور األخرى أكسبها هذا التفاعل احليوية واخلصب.
ومن احلقائق املقررة بشأن الصورة الشعرية ،أن الشاعر كثرياً ما يفتت األشياء الواقعة يف املكان لكي
يفقدها كل متاسكها البنائي وال يبقي منها إال على صفاتها أو بعض صفاتها ،سواء األصلية فيها أو املضافة
إليها .فليس املهم أن تكون الصورة املكانية مكتملة التكوين أمام العني املبصرة ،ومن احلقائق بشأن ذلك
كذلك أنه ينبغي التفريق بني التفكري احلسي والرؤية البصرية للشيء ،على أن الشعر احلديث يغلب عليه
طابع التفكري احلسي ،فاحملسوسات يف ذاتها مثرية لألعصاب ،إال أنها ال تؤدي وظيفتها يف النص الشعري
على الوجه الصحيح إال أذا أحسن الشاعر توجيهها ،يلي ذلك من احلقائق األساسية اخلاصة بالصورة يف الشعر
اجلديد ظاهرة التكثيف الزماني واملكاني يف انتخاب مفردات الصورة وتشكيلها ،ففي الصورة الشعرية
تتجمع عناصر متباعدة يف املكان ويف الزمان غاية التباعد ،لكنها سرعان ما تأتلف يف إطار شعوري واحد،
فينبغي للصورة الشعرية أال تنفصل عن التفكري الكلي الشامل.
بقيت القضية األخرية يف شأن الصورة الشعرية ،وهي قضية التوقيعات .فالقصيدة اجلديدة يف تصور بعض
النقاد احملدثني جمموعة من التوقيعات النفسية اليت تأتلف يف صورة كلية متثلها القصيدة يف جمموعها ،أما
فكرة التوقيعات فشيء يرتبط بعملية التصوير أكثر من ارتباطه بعملية البناء؛ إذ أننا نصادف يف القصيدة
جمموعة من املشاهد املنفصل بعضها عن بعض كل االنفصال ،يكاد كل مشهد فيها أن يقوم بذاته ،لكننا
ما نلبث أن ندرك إدراكاً مبهماً أن شيئاً ما يصادفنا يف كل مشهد ،كأنه يتخذ يف كل مرة قناعاً جديداً.
حتى إذا ما انتهت هذه القصيدة أدركنا أن هذه املشاهد مل تكن أقنعة بل مظاهر خمتلفة حلقيقة واحدة.
فالفكرة وقد مألت نفس الشاعر تبدأ ترتاءى له من خالل كل ما تقع عليه عينه ،وما يقع عليه حسه ،وما
هو مستخفٍ يف نفسه من تراث إنساني وروحي ،فحيثما توجه متثلها هناك ،فإذا هو أغلق نفسه دون األشياء
اصطدم بها كذلك يف أعماق نفسه ،وهذه الصياغة ــ التوقيعات ــ جديدة يف الشعر بعامة ويف شعرنا العربي
خباصة ،وليس يقدر على إجنازها كل شاعر .ويعد الشاعر "ت..اس.اليوت" أعظم الشعراء املعاصرين يف امتالك
ناصية هذه الصياغة ،ويف شعرنا العربي تُعد قصيدة "رحلة يف الليل" للشاعر صالح عبدالصبور من أنضج ما
ظهر مبكراً من الشعر يف هذا االجتاه.
قضايا وظوهر فنية ومعنوية
املصطلح اجلديد وظاهرة الغموض:
املصطلح اجلديد:
تعترب اللغة الظاهرة األوىل يف كل عمل فين يستخدم الكلمة أداةً للتعبري ،فهي النافذة اليت منها نطل ،ولقد
عرف اإلنسان العامل يوم عرف اللغة ،وعرف السحر يوم عرف قوة الكلمة ،فاللغة والسحر ظواهر مرتادفة
8
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ومت ساندة يف حياة اإلنسان ،والشعر هو االستكشاف الدائم لعامل الكلمة ،وهو الوسيلة الوحيدة لغنى اللغة
وغنى احلياة على السواء ،والشعر الذي ال حيقق هذه الغاية ال ميكن أن يسمى شعراً ،ولو تدبرنا موقف التجربة
الشعرية اجلديدة لوجدنا أن شعر هذه التجربة يتعامل مع اللغة تعامالً خاصاً وجديداً ،وكذلك مع ظواهر
احلياة ،ولقد صار الشعراء املعاصرون على وعي تام بتلك الوظيفة ،فرأوا أن الكشف عن اجلوانب اجلديدة
يف احلياة يستتبع بالضرورة الكشف عن لغة جديدة ،إذ ليس من املعقول أن تعرب اللغة القدمية عن جتربة
جديدة ،لذلك ليس غريب أن تتميز لغة الشعر املعاصر عن لغة الشعر القديم ،بل الغريب أال تتميز عنها ،فلكل
عصرٍ همومه ومشاكله وقضاياه ،واإلنسان مطالب يف كل عصر بأن يواجه احلياة مبا يالئمها من سلوك،
ومن خالل هذه املواجهة ترتسب قيم العصر وتتبلور مثله ،فإذا أردت التعرف على اإلطار احلضاري لشعب من
الشعوب يف زمن من األزمان فادرس لغته ففي عروقها جتد نبض العصر.
لقد كانت قضية لغة الشعر تثار دائماً عند كل مرحلة من مراحل التجديد والتطور ،واحلقيقة أن الشعر
العربي كان حيمل يف كل عصر صورة للغة الناس واحلياة يف هذا العصر ،وذلك مشاهد وموجود يف الشعر
يف العصر اجلاهلي وما بعده من العصور إذا ما قورنت الصياغة الشعرية بغريها من الصياغات كالنثر الفين
من خطب وتوقيعات وغريها .وإذا كانت الدراسات قد أكدت لنا عالقة لغة الشعر باحلياة يف العصرين
اجلاهلي واألموي فإن الدعوة العصرية لضرورة املالئمة بني لغة الشعر ونبض احلياة لوجيهة وهلا ما يربرها .إال
أنه ال ميكن للشاعر املبدع أن يستخدم يف شعره اللغة كما يستخدمها الناس يف حياتهم املعاشية العادية ،إذ
املفروض يف لغة الشعر أن تكون ذات طاقة تعبريية مصفاة ومكثفة ،والشعراء املعاصرون على وعي كافٍ
خبطورة هذه القضية ،فلم تعد قضية الشا عر مع اللغة تُحل ببساطة عن طريق حتصيل ثروة كافية من ألفاظ
املعجم الشعري القديم ،وإمنا صار احلل هو خلق معجم شعري جديد يناسب جتارب العصر اجلديدة ،كما مل
يعد الشاعر املعاصر حيس بالكلمة على أنها جمرد لفظ صوتي له داللة أو معنى ،وإمنا صارت الكلمات
جتسيماً حياً ل لوجود ،ومن ثم احتدت اللغة والوجود يف منظور الشاعر ،وقد نتج عن هذا أن متيزت لغة الشعر
املعاصر يف جممله ،حبيث جتد كل كلمة يف النص قطعة من الوجود أو وجه من وجوه التجربة اإلنسانية،
ومن ثم فإن لكل كلمة طعماً ومذاقاً خاصا ليس لكلمة أخرى ألن التالحم بني اللغة والتجربة جيعل لكل
كلمة كياناً متفرداً عن كل ما عداه ،فهذا التالحم بني لغة الشعر والوجود هو ما يستنفد جهد الشاعر
املعاصر ويشكل القدر األكرب من معاناته للغة ،فلغة الشعر املعاصر لغة تتجسم يف الوجود وتتحد به ،ومن ثم
تلوح أمامنا ميزة هلذه اللغة تُضم إىل ميزاتها ،وهي أنها لغة مصفاة ومركزة ،فال تسمح للشاعر باستخدام
اللفظ إال أن يكون هو اللفظ األوحد الذي حيمل أكرب طاقة من الفعالية يف السياق ،والشعر املعاصر عدو
النثرية وعدو القوالب اجلاهزة ،وأنه يتوخى اللغة املركزة املصفاة.
لقد استطاع الشعراء املعاصرون خالل جتربة الشعر اجلديدة ،وعرب ما يقرب من عقدين من الزمان ،أن يصنعوا
للشعر العربي مصطلحاً جديداً ينبض بروح العصر وإن كانت اللغة املركبة منه جديدة وغريبة على األمساع.
ظاهرة الغموض:
ميثل الشعر اجلديد اجتاهاً مجالياً خيتلف عن اجتاه الشعر القديم بل رمبا وقف منه موقف النقيض ،ورمبا
حاول اجلادون أن يتكيفوا وهذا االجتاه اجلديد ،ولكن كثرياً ما يقف حائالً دون ذلك غموض هذا الشعر
9
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
والذي يعترب مقوم من مقومات وجوده ،فالشعر اجلديد يتسم يف معظمه بالغموض ،وإذا كان الوضوح ممكن ًا
فإن الغموض الذي حيوج القاري إىل كد الذهن ورشح اجلبني عجز ،والغموض ليس خاصية ينفرد بها الشعر
اجلديد ،وإمنا يشاركه فيها القديم ،إال أن الغموض أصبح ظاهرة غالبة على الشعر اجلديد ،إال أن هناك
فرق بني الغموض واإلبهام ،فاإلبهام يرتبط بالنحو وتركيب اجلملة يف حني أن الغموض صفة خيالية تنشا قبل
مرحلة الصياغة ،على أنه ال ينبغي ال نظر إىل الغموض يف الشعر بأنه صفة سلبية على كل حال ،بل هو صفة
إجيابية يف أغلبه ألن الشعر مبين على اخليال ،فهو خاصية يف طبيعة "التفكري الشعري" وليس خاصية يف طبيعة
"التعبري الشعري" ،وهي لذلك أشد ارتباطاً جبوهر الشعر وبأصوله اليت نبت منها ،ولذلك كانت اخلاصية
ا ألوىل للشعر هي أن جيعل غري املمكن قابل التصديق ،وعلى هذا فالشعر ال يستخدم اللفظ املعتاد بداللته
احملدودة اليت نتعلمها ،وال يستخدم اللفظ بداللته اليت نقصدها حني نستخدمه يف حياتنا اليومية ،ثم إنه
كذلك ال يفسر لنا األشياء تفسرياً منطقياً يقبله العقل ،إن الشاعر ينطلق من وحدة عاطفية ومن املمكن أن
تكتسي هذه الوحدة مبا يُسمى الصورة اللغوية الداخلية ،ولكن ليس هناك اتصال بينها وبني الصورة اللغوية
اخلارجية اليت نعرب عنها يف أفكارنا اليومية املنطقية ،والبد للشاعر من أن خيرتع الكلمات ويبدع الصور وأن
يتالعب مبعاني اللفاظ ويوسع من نطاقها ،من هذا وغريه يتضح لنا أن الغموض يف الشعر ليس نقيضاً للبساطة
وأن الشعر البسيط الذي يهزنا هو يف الوقت نفسه عميق ،ألن البساطة الساذجة يف الشعر الميكن أن تهزنا
من أعماقنا ،فإذا كان الشعر اجلديد يغلب عليه طابع الغموض فألن الشاعر قد عاد يُدرك بوعي كافٍ طبيعة
عمله ،وهي أن يقول الشعر أوالً وأن خيرتع يف سبيل ذلك كل صورة وكل لفظة تقضي بها ضرورة أن يقول
الشعر.
الرمز واألسطورة:
إن من أبرز الظواهر الفنية اليت تلفت النظر يف جتربة الشعر اجلديد اإلكثار من استخدام الرمز واالسطورة
أداة للتعبري ،وليس الرمز إال وجهاً مقنعاً من وجوه التعبري بالصورة.
إن الرغبة امللحة لإلنسان هي رغبة الوجود وما يتعلق بها من حبث وما يتفرع عنها من عالقة كعالقة اإلنسان
بالكون وعالقته باهلل وما يتفرع عن هذه العالقة من مواقف ثانوية ،وكل هذه املعاني مستقرة يف الضمري
اإلنساني ،وقد ارتب ط الرمز بهذه املواقف منذ البداية ،إال أن الشاعر املعاصر يف استخدامه للرمز ال يفكر
بالعقلية الدينية ،فهو يعرب مبجرد أن يرى ،فالرؤية وسيلته للتعبري ،وعندما يستخدم الشاعر كلمات مثل:
"البحر ،الريح ،القمر ،النجم ..اخل" فإنه يستخدم عندئذ كلمات ذات داللة رمزية ،ولكن استخدامه هلا لن
يكون له قوة التأثري الشعري مامل يُحسن الشاعر استغالل العالقات أو األبعاد القدمية هلذا الرمز ،ومامل
يُضف إىل ذلك أبعاداً جديدة هي من كشفه اخلاص ،فالرمز الشعري مرتبط كل االرتباط بالتجربة الشعورية
اليت يعانيها الشاعر واليت متنح األشياء مغزىً خاصاً ،ومن هنا تربز أمام الشاعر إمكانية عظيمة الداللة ،هي
أنه من حقه دائماً أن يستخدم أي موضوع أو موقف أو حادثة استخدام ًا رمزياً وإن مل تكن استخدمت من قبل
هذا االستخدام ،ويف تدبرنا للرمز الشعري ينبغي أن يدخل يف تقديرنا بعدان أساسيان هما التجربة الشعرية
اخلاصة والسياق اخلاص ،ومهما تكن الرموز اليت يستخدمها الشاعر ضاربة جبذورها يف التاريخ ،فإنها البد
أن تكون مرتبطة باحلاضر؛ بالتجربة احلالية وأن تكون قوتها التعبريية نابعة منها ،فمن الواجب على الشاعر
10
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املعاصر ــ حني يستخدم رمزاً جديداً ــ أن خيلق السياق اخلاص الذي يناسب الرمز ،وينبغي أن ندرك أن استخدام
الرمز يف السياق الشعري يضفي عليه طابعاً شعرياً ،مبعنى أنه يكون أداة لنقل املشاعر املصاحبة للموقف
وحتديد أبعاده النفسية ،ويف هذا الضوء ينبغي تفهم الرمز يف السياق الشعري.
كذلك األمر بالنسبة لألسطورة وللشخوص األسطوريني؛ فتعامل الشاعر املعاصر مع األسطورة القدمية أو مع
شخوصها خيضع لنفس املبادئ اليت حتكم استخدام الرمز الشعري ،ومن متابعة الرموز القدمية اليت
يستخدمها الشعراء املعاصرون يتبني لنا أن معظم العناصر الرمزية إمنا يرتبط بالقديم بشخوص اسطوريني،
وإىل جانب ظهور هؤالء الشخوص االسطوريني جند الشعراء أحياناً يستلهمون األسطورة القدمية يف جمملها من
حيث هي تعبري قديم ذو مغزى معني ،فالعناصر الرمزية اليت يستخدمها الشاعر املعاصر ،معظمها مرتبط
باألسطورة أو القصة القدمية بالشخوص أو باملواقف ،وهذه الشخوص أو املواقف إمنا تستدعيها التجربة
الشعورية الراهنة لكي تضفي عليها أهمية خاصة ،فالشخصيات احملدودة العدد اليت طفرت على سطح التاريخ
اإلنساني ،ليست إال أدوات عرب بها اإلنسان على مر الزمن عن جتربته منذ بدايتها ،فرمز السندباد يف قصيدة
"رحل النها" للسياب ،مجع بني مغزاه الشعوري العام واملغزى الشعوري اخلاص الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتجربة
الشاعر اخلاصة .والتجربة اخلاصة قد أفادت من ذلك املغزى العام مبقدار ما أضافت إليه ويف هذا يتمثل التعانق
الصادق بني احلقيقي وغري احلقيقي ،وهو من أهم ما مييز الرمز الشعري .وكثري من الشعراء قد استخدم هذا
الرمز مع تفاوت بينهم يف النجاح واإلخفاق ،وغالباً ما يرجع عدم التوفيق إىل أحد سببني أو إليهما معاً :فإما أن
يستخدم الشاعر الرمز القديم بوصفه مقابالً عقلياً فيفقده طبيعة الرمز؛ وإما أن يكدس هذه الرموز تكديساً
يصعب معه متثل دور كل رمز منها يف السياق الشعوري للقصيدة ،فإذا كان املتلقي ملماً بالرمز واالسطورة
واستطاع أن يتمثلها بوصفها خلفية هلذه العبارة فإن إحساسه بشاعرية العبارة أو بقوة التعبري الشعري فيها يكون
أقوى وأعمق ،لذلك فإن من اإلميان بضرورة توصيل التجربة الشعرية إىل املتلقي يفرض على الشاعر أن يكون
تعامله مع الرمز القديم استيحائياً ،وكما يتعامل الشاعر مع الرموز القدمية فإنه خيلق الرمز اجلديد ويُنشيء
األسطورة اجلديدة ،وقد استطاع الشاعر املعاصر أن جيعل من شخصية "مجيلة بو حريد" شخصية اسطورية،
وواضح أن ابتكار الشخصية األسطورية العصرية مرتبط بنماذج الكفاح الوطين؛ وهو جمال من جماالت
األسطورة العصرية ،كما أن الشاعر املعاصر يف تعامله الشعري مع عناصر الطبيعة إمنا يرتفع باللفظة الدالة
على العنصر الطبيعي ،من مدلوهلا املعروف إىل مستوى الرمز ،وهو بذلك يثري املصطلح الشعري.
املنهج األسطوري يف الشعر املعاصر:
إن العالقة بني الفن واالسطورة عالقة قدمية ،فكم كانت األساطري مصدر إهلام للشاعر والفنان ،فالشعر مل
يكن يف يوم من األيام أقرب إىل روح األسطورة منه يف الوقت احلاضر ،فاملنهج األسطوري هو الذي جيعل
للشعر طابعاً مميزاً يف باب املعارف اإلنسانية ،وهو تقديم التجربة يف صورة رمزية ،وقد كانت هذه الصورة
من التعبري أقدم صورة عرفها اإلنسان ،وما تزال حتى اليوم أصدق وأقرب صورة من صور التعبري ،فاألسطورة
هي األساس الذي تقوم عليه األفكار ،وهي العنصر الذي تنشط األفكار عن طريقه ،واألساطري هي األدوات
اليت نناضل بها على الدوام من أجل أن نفهم جتربتنا ،وهي صورة عريضة تضفي على الوقائع العادية يف احلياة
معنىً فلسفياً ،واالسطورة يف عصر العقل متثل النسيج األساسي احلي لكل فكرة ،وهي يف ذاتها تركيبة
11
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
درامية ،ودراما األسطورة القدمية هي احملاولة الدائمة للربط بني العاملني اخلارجي والداخلي ،بني املرئي
احملسوس وغري احملسوس يف سبيل خلق توازن بني العاملني يف ضمري اإلنسان .وقد استطاع اإلنسان عن طريق
األسطورة أن يرضي حاجته الروحية من جهة وحاجته إىل التوازن مع اجملتمع حوله من جهة أخرى ،ومن هنا
فقد استطاعت األسطورة مبا اصطنعته من رمز أن ختضع غري املدرك وتدخله يف نطاق املدرك ،وباألسطورة
استطاع االنسان القديم خلق صور من التعبري تفي حباجته إىل توطيد كيانه الروحي واستقراره االجتماعي،
ورمبا كان "إليوت" يف العصر احلديث هو أوضح شاعر التفت إىل قيمة املنهج األسطوري يف الشعر نظرياً
وعملياً ،على ان تبين هذا املنهج يف العصر احلاضر ليس جمرد طريقة حلل موقف إنساني ،وإمنا هو كذلك
أسلوب شعري وفين من الطراز األول ،وقد صحبة حركة التجديد األخري يف شعرنا ميل للتأثر بهذا املنهج
اجلديد ،حيث صار الشعراء يف شعرهم يصدرون عن إميان باملنهج األسطوري ،وكل من يتأمل أعمال شعرائنا
احملدثني يتضح له أن مادته م تغطي كل مساحة الطبيعة اخلارجية ،وكل هذا جيعلنا ندرك أن الشعر إمنا
يتحرك دائماً يف نفس اإلطار من العامل احلسي الذي كانت األسطورة تتحرك فيه ،ويف قصيدة "حلن" لصالح
عبد الصبور اليت جتسم لنا شعور الرغبة يف احلياة واخلوف من اجملهول ،حيث حاول الشاعر أن خيلق األسطورة
اليت تفسر له هذا التقابل وجتمع بني هذين املتقابلني يف إطار حيوي يصنع منهما شكالً واحداً منظماً ووجوداً
متسقاً.
وهكذا تستحيل التجربة أو الشعور وفقاً ملنهج األسطورة إىل بنية وجودية حسية سرعان ما نستكشف هلا
أبعاداً فكرية ودالالت عقلية .وبهذا املعنى ،ووفقاً هلذا املنهج ،يكون الشعر صورة حية للفلسفة ،وإن ظل أبعد
ما يكون عن الفلسفة ومنهج الفلسفة.
معمارية الشعر املعاصر:
عند التحدث عن اإلطار العام للقصيدة اجلديدة جنده خيتلف عن اإلطار القديم ،فالروح املهيمن على معمارية
القصيدة اجلديدة روح واحد ،وهو يظهر يف الشعر اجلديد على تفاوت بني الشعراء ،ولو قارنا أول القصائد يف
الشعر اجلديد بآخرها لتبني لنا االختالف ،وهذا يعين أن معمارية القصيدة اجلديدة قد تطورت على أيدي
الشعراء أنفسهم ،حتى وجدنا أن بعض الشعراء قد صار ال يكتب إال يف إطار القصيدة الطويلة ،ويستمر خط
التطور بها حتى تظهر القصيدة الدرامية ،فعلى الرغم من التطور الواضح يف القصيدة اجلديدة من إطار
القصيدة القصرية إىل إطار القصيدة الطويلة ،وبرغم وفرة اإلنتاج ،فما زالت القصيدة تُكتب وتشغل حيز
البأس به من الدواوين ،وال يزال شعراء اجليل يُفيدون كثرياً من الرواد ،ولقد بدأ الشعراء يركزون عملهم يف
القصيدة حول غرض واحد .وظهر أثر ذلك يف أن الشعراء راحوا يضعون العناوين املختلفة لقصائدهم ليدللوا
على موضوعها بعد أن كانوا يسمون القصيدة حبسب حرف الروي ،كما أن الفرق بني القصيدة الطويلة
والقصيدة القصرية فرق يف اجلوهر أكثر منه يف الطول ،وهذا الفرق يثري مشكلة الغنائية ،وميكن تعريف
القصيدة الغنائية من وجهة نظر الشاعر بأنها قصيدة جتسم موقفاً عاطفياً ،وهي تعرب مباشرة عن حالة أو
إهلام غري منقطع ،أما القصيدة الطويلة فهي قصيدة تربط مبهارة بني كثري من تلك احلاالت العاطفية،
فالعاطفة والفكرة هم ا اللذان يؤديان إىل التمييز اجلوهري بني القصيدة الطويلة والقصيدة الغنائية ،وبعض
األنواع األدبية يكون الطول فيها ملزماً حبكم موضوعها كالشعر امللحمي ،فعندما تسيطر الصورة على
12
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املفهوم فإن القصيدة ميكن أن تعرف بأنها قصرية ،أما عندما يكون املفهوم غاية يف التعقيد فإن القصيدة
تعرف بأنها طويلة ،وقليل من النقاد من التفت إىل العالقة بني الطول يف األعمال الفنية والتعقيد والعظمة،
وميكن االنتهاء إىل قاعدة عامة وهي أن السطر الواحد من الشعر أو القطعة الواحدة تتهيأ هلا فرصة أوسع ألن
تكون عظيمة إذا هي جاءت يف عمل شعري طويل ،ومعنى هذا أن التعقيد يصعب حتديده يف احليز احملدود،
فالقصيدة الطويلة حشد كبري من تلك األشياء "اجلاهزة" اليت تعيش يف واقع الشاعر النفسي وتتجمع وتتضام
ويؤلف بينهما ذلك اخللق الفين اجلديد ليخرج منها عمالً شعرياً ضخماً .فنحن جند فيها اخلرافة واألسطورة
والرمز ،ك ما جند احلقيقة العلمية ،وإىل جانب ذلك جند القصة التارخيية أو املشهد الدرامي أو الواقعة،
وبعبارة أخرى جند فيها اخلرافة واحلقيقة والقصة والرمز واخلربة اإلنسانية واملعرفة ،أي جتد فيها آفاقاً فسيحة
متعددة من احلياة ،وال تتجمع هذه اآلفاق بصورة اعتباطية ،ولكنها تتجمع يف خلقها اجلديد لريبط بينها برباط
الفكرة ،وهذه االعتبارات اخلاصة بالقصيدة الطويلة قد اخذت تعمل يف خفاء لتدخل نوعاً شعرياً جديداً يف
الشعر العربي هو شعر الفكرة ،فلم يعد مفهوم الشعر أنه جمرد مشاعر بل أصبح خربات إنسانية وجتارب
عميقة ،اما القصيدة القصرية ــ الغنائية ــ ختتلف عن القصيدة التقليدية من حيث التعامل مع اللغة والصورة
والرموز ونوعية التجربة ،أما الفارق احلاسم بينهما فيتمثل يف معمارية القصيد املعاصرة ،والقصر ليس يف عدد
األسطر وإمنا يف تصوير املواقف فرمبا جند قصيدة طويلة يف عدد األسطر إال أنها تظل قصيدة غنائية قصرية
مادامت تصور موقفاً عاطفياً يف اجتاه واحد ،فالقصيدة الغنائية املعاصرة ينتظمها خيط شعوري واحد ،فوحدة
العاطفة وتطور هذه العاطفة يف اجتاه واحد هما السمتان املميزتان للبنية الداخلية للقصيدة القصرية املعاصرة،
أو لنقل أنها متثل رؤية ممتدة يف اجتاه واحد ،يوجهها شعور موحد ،ومن األشكال املعمارية للقصيدة الشكل
الدائري املغلق الذي تنتهي فيه القصيدة حيثما ابتدأت ،وهناك الشكل املفتوح الذي ميتد يف خط مستقيم
ورمبا كان كذلك إلحساس الشاعر بال نهائية التجربة ،ومعمارية هذا الشكل ابسط كثرياً من معمارية
الشكل السابق ،إذ أن الشاعر فيه يتحرك يف اجتاه شعوري ممتد يف خط مستقيم ،وقد يتعرج هذا اخلط يف
شكل موجات متالحقة ،ولكن هذا التعرج يأخذ طابع االمتداد الالنهائي ،ومن اشكال القصية القصرية
املعاصرة شكل آخر تأخذ معماريته شكالً حلزونياً ،ويف هذا الشكل يظل اهليكل املعماري للقصيدة شعوراً
موحداً أو جمموعة من املشاعر اجلزئية املتجانسة املتكاملة ،وتكون فيه الرؤية الشعورية األوىل مركزاً لكل
انطالق على الدوام ومن هنا تتحدد الطبيعة احللزونية ملعمارية هذا الشكل ،فكل دفقة من دفقات القصيدة
تبدأ من نقطة االنطالق األوىل ،ويدور الشاعر يف دورة كاملة يستوعب خالهلا األفق الشعوري الذي يرتاءى له،
لكن هذه الدورة وإن صنعت دائرة شعورية كاملة تظل مع ذلك دائرة غري مغلقة على ذاتها ،إذ ما تكاد دائرة
تنتهي حتى يعود الشاعر مرة أخرى إىل نقطة االنطالق األوىل ،ثم يعود ويدور دورة أخرى ثم أخرى وهكذا،
وقص يدة "أغنية الشتاء لصالح عبدالصبور خري مثال على ذلك ،فكل هذه األشكال يف معمارية القصيدة
القصرية املعاصرة تؤكد معنى التالحم العضوي بني التجربة الشعورية والتعبري.
أما القصيدة الطويلة فهي الكشف احلقيقي يف ميدان الشعر العربي احلديث ،واإلضافة اجلديدة اجلديرة
مب زيد من االهتمام ،لكن القصيدة الطويلة يف السنوات األخرية وإن ظلت معماريتها درامية قد ازدادت تركيباً
وتعقيداً ،وعلى ذلك فإنه بعد إن كانت تسيطر على القصيدة فكرة واحدة مفردة وبسيطة إذا بنا جند هذه
13
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الفكرة يف القصيدة احلالية قد حتللت بدورها إىل عناصر فكرية متجاذبة ومتصارعة ومتكاملة يف الوقت
نفسه ،والبنية البسيطة للقصيدة الطويلة أقرب ما تكون يف معماريتها من املعمارية احللزونية يف القصيدة
القصرية مع فارق جوهري بينهما ،وقصيدة "الظل والصليب" لصالح عبدالصبور خري مثال على القصيدة الطويلة
ومعماريتها.
والواقع أن القصيد الطويلة تتطور اآلن تطوراً ملحوظاً فتزداد بنيتها تعقيداً حتى صارت القصيدة موقفاً فكرياً
غاية يف التعميم والشمول ،وغاية يف الدقة والرهافة يف الوقت نفسه ،ولكنها مهما اختلفت أشكاهلا أو أطرها
اخلارجية فإن معماريتها تظل هي معمارية القصيدة الطويلة.
النزعة الدرامية:
التفكري الدرامي هو ذلك اللون من التفكري الذي ال يسري يف اجتاه واحد ،وإمنا يأخذ يف االعتبار أن كل
فكرة تقابلها فكرة ،وأن كل ظاهر يستخفي وراءه باطن ،فإذا كانت الدراما تعين الصراع فإنها يف الوقت
نفسه تعين احلركة من موقف إىل موقف ومن شعور إىل شعور ،ومن أبرز مسات التفكري الدرامي أنه تفكري
موضوعي إىل حد بعيد ،وإىل جانب ذلك ميتاز التفكري الدرامي خباصية التجسيد ،وكما تطورت القصة حنو
القصة الدرامية فكذلك تطور الشعر من الغنائية الصرف إىل الغنائية الفكرية وصارت أروع القصائد العاملية
احلديثة هي ذات طابع درامي من الطراز األول ،وقد تطور الشعر العربي يف القرن العشرين تطوراً ملحوظاً حنو
املنهج الدرامي ،والشك أن جتربة الشعر اجلديد كان من أهم بواعثها وعي الشعراء بهذه احلقائق ،فصار
الشاعر يستغل كل وسائل التعبري الدرامي ،من حوار وحوار داخلي وسرد ،وتطور القصيدة نتج عن تطور
ال شاعر نفسه فلم تعد القصيدة اليت يكتبها جمرد أداة إلزجاء وقت الفراغ أو تصدير للمشاعر واألحاسيس بل
أصبحت وحدة يف بنية متكاملة متثل حياته ومغامراته اإلنسانية ،والواقع أنه ال يكفي الشاعر أن يكون
منهجه موضوعياً وأن يعين بالتفصيالت حتى يكون شعره ذا طابع درامي ،وإمنا تتوقف اخلاصية الدرامية يف
الشعر على مقدرة الشاعر على اختيار ما هو جوهري واالستغناء عن التفصيالت غري اجلوهرية ،فبني الذات
واملوضوع تقع الدرامى ،وليس من السهل أن يتحقق الطابع الدرامي يف عمل شعري مامل تتمثل وراءه أو يف
العناصر األساسية اليت ال تتحقق الدراما بدونا ،أي اإلنسان والصراع وتناقضات احلياة ،واإلنسان يف احلالتني
،حاليت الصراع ورصد املتناقضات يستطيع أن يقدم إلينا إنتاجاً درامياً من الطراز األول ،وهكذا يتضح لنا
أن العمل الشعري ذا الطابع الدرامي إمنا هو بناء على مستويني؛ مستوى الفن ومستوى احلياة ذاتها ،فنحن ال
نستبصر يف القصيدة ذات الطابع الدرامي مبقدرة الشاعر على بناء عمله الشعري بناءً فنياً فحسب بل نعاين
كذلك مدى قدرته على املشاركة يف بناء احلياة وتشكيلها ،ولعل قصيدة "أسري القراصنة" لبدر شاكر
السياب متثل الطابع الدرامي يف القصيدة املعاصرة ،وينبغي التنويه على أن الشاعر ال يعمد عمداً ألن يكون
شعره ذا نزعة درامية ،فالعمد يف هذه احلالة خليق أن يقتل الشعر والتعبري معاً ،وإمنا تكون للشعر هذه
اخلاصية الدرامية ألن الدافع األول للكتابة حيمل يف ثناياه بذوراً درامية وألن منطق الشاعر النفسي بعامة
مركب تركيباً در امياً بل تصور الشاعر للغة كما هي يف ذهنه تصوراً درامياً ،ذلك أن التقابل يف العبارة
الشعرية الدرامية ليس جمرد تقابل ألفاظ وإمنا هو تقابل أبعاد نفسية ،فاأللفاظ ذات التأثري الدرامي هي جمرد
ثغرات أو منافذ يطل منها اإلنسان على أجزاء من عامل الشاعر النفسي ،وإمنا يصبح استخدام هذه األلفاظ
14
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
استخداماً درامياً عندما تدل على أبعاد نفسية حقيقية؛ أي عندما ترتبط ارتباطاً كلياً باملوقف الشعوري الذي
يعرب عنه الشاعر ،فتجلية أحد الوجهني املتقابلني يف الرتكيبة الدرامية هي يف الوقت نفسه جتلية للوقت اآلخر،
ولعلنا خنتصر عناصر التعبري الدرامي يف الشعر املعاصر يف شكلني:
الشكل األول يتمثل فيما نسميه أسلوب احلوار (الديلوج) . 1
الشكل الثاني يتمثل فيما يسمى باحلوار الداخلي (املونولوج) . 2
ويف احلوار الداخلي يكون الصوتان لشخصٍ واحد ،أحدهما هو صوته اخلارجي العام الذي يتوجه به لآلخرين،
واآلخر صوته الداخلي اخلاص الذي ال يسمعه غريه ،وعند تأمل القاريء فيما يشده إىل كثري من قصائد الشعر
اجلديد فإنه سيجد أن أسلوب احلوار الداخلي من أهم هذه العوامل ،وحني التفت الشاعر املعاصر إىل استخدام
أسلوب احلوار يف القصيدة الغنائية ،مل ينتقل فجأة إىل الشكل الدرامي الصرف للحوار ،أي مل يستغن متاماً
عن أسلوب رواية احلوار ،والواقع أن شغف الشاعر بالتفكري والنظر الدرامي ثم رغبته يف اإلخالص للتجربة،
وحرصه على جتسيمها ،رمبا كانت أهم العوامل اليت دفعت الشاعر املعاصر إىل استخدام هذا األسلوب،
وطبيعي أن القصيدة لن تكون من أوهلا إىل آخرها حوار ،وإمنا يستغل الشاعر أسلوب احلوار يف جزء أو أجزاء
منها.
ومن األساليب الدرامية اليت شاع استخدامها يف جتربة الشعر اجلديد األسلوب القصصي ،واملقصود بالقصة
يف الشعر هو استخدام الشاعر الغنائي لبعض أدوات التعبري اليت يستعريها من فنٍ آخر هو فن القصص ،فالقصة
حني تستخدم يف القصيدة إمنا تستخدم على أنها وسيلة تعبريية درامية ال على أنها قصة هلا طرافتها وأهميتها
يف ذاتها ،والبد أن يوازن الشاعر وجيمع يف الوقت نفسه بني املقدرة الشعرية واملقدرة القصصية ،فيجعل القاري
يف كل حلظة ويف كل كلمة حيس بالشعر والقصة يف وقت واحد ،وقد اكتسبت القصائد اليت تستخدم
القصة بوصفها جمرد أداة تعبريية مزيداً من اخلصب والثراء ارتفع بها عن القصائد اليت خلت من التفصيالت،
وقد يُستخدَم األسلوب القصصي يف بعض أجزاء القصيدة ليؤدي نفس املهمة الفنية اليت يؤديها احلوار بنوعيه،
وهي جتسيم الرؤى وامل شاهد من أجل إحداث التأثري الدرامي ،مستغالً الشاعر يف ذلك العناصر الدرامية ــ
اللفظ ،العبارة ،ظاهرة التجسيم ،استخدام احلوار بنوعيه ،خاصية السرد ــ ،والدرامية املوضوعية ظاهرة
تغلب على منهج التفكري الشعري العام لدى الشاعر املعاصر ،وتشخص منطقة الشعوري إزاء احلياة واألشياء،
والواقع أن كل حلقات املاضي تعيش وتؤثر يف احلاضر ،واحلاضر يؤثر يف املستقبل ،فالتاريخ الفكري
والروحي لإلنسان يتمثل يف شكل دوائر تتسع كل دائرة منها عن سابقتها ،حتى إنه ليمكن متثل الدوائر
السابقة يف إطار الدائرة األخرية ،فالشاعر املعاصر ميثل الدائرة اليت تضم يف إطارها دوائر الرتاث الروحي
والفكر لإلنسان يف املاضي ،وهو حني يضمن شعره كالماً لآلخرين فإنه يدل بذلك على التفاعل األكيد بني
أجزاء التاريخ الروحي والفكري لإلنسان.
قضايا وظواهر معنوية
الشاعر واملدينة:
إن املتصفح لدواوين شعرنا املعاصر يالحظ أن كثرياً من الشعراء قد تطرقوا يف شعرهم إىل موضوع املدينة،
ويرجع اهتمام الشعراء وتطرقهم هلذا املوضوع إىل دافع خارجي وهو تأثر الشعراء بنماذج من الشعر الغربي،
15
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وقد ظهر هذا التأثر مبكراً ،إال أن استجابة الشعراء املعاصرين هلذا املوضوع تتجاوز حدود التأثر ،وذلك أن
ظ روف احلياة اليت ميارسون ،واإلطار احلضاري الذي يعيشون ،وواقع التجربة اليت يعانون ،هي اليت ارتفعت
بهذا املوضوع إىل مستوى االهتمام ،فلكل عصر مساته اخلاصة اليت تفرض على الناس نوعاً بعينه من
االهتمام ،على أن حتول الشعراء من القرية إىل املدينة مل يُحدث طفرة؛ إذ ظل احلنني إىل القرية ينازع التجربة
احلية يف املدينة ،وقد شهدت املدينة يف إبان فرتة التجربة الشعرية اجلديدة أحداثاً ومواقف سياسية شدت
الشاعر إليها ،ومن التتبع لكثري من القصائد املعاصرة اليت اتصلت مبوضوع املدينة ميكننا أن نتمثل هلذه
العالقة أربع صور رئيسية .يف األوىل نرى وجه املدينة ذاتها ،ويف الثانية نباشر طبيعة التجربة يف إطار احلياة
بها ،ويف الثالثة نواجه املوقف اجلدلي الذي خلقته هذه التجربة يف نفس الشاعر ،ويف الرابعة نلمس العامل
السياسي يف حتديد تلك العالقة.
وجه املدينة:
للمدينة وجهها املادي الذي يكشف عن روحها وجوهرها ،وقد أبرز شعرنا املعاصر هذه السمات وغريها حني
أراد الشعراء أن يتفهموا كنه احلياه يف املدينة وكنه وجودهم فيها ،فصوروا تلك السمات يف شعرهم تصويراً
تشوبه نربات األسى هلا والنقم عليها ،كما يف قصيدة "الوحدة" ليوسف اخلال ،وقصيدة "رسالة إىل مدينة
جم هولة" حلجازي ،ومن أبرز ما مييز املدينة اإلحساس فيها بعامل الزمن ،وانعكاس هذا العامل على احلياة
نفسها وعلى عالقات الناس ببعضهم ،فالزمن هو العامل الذي يتحكم يف أهل املدينة ،فكل فرد له زمنه
اخلاص ،ينظم يف حدوده مشاغله اخلاصة ،وعالقاته باآلخرين ،إضافة إىل ذلك فقد صور الشاعر البهرج
والزينة الزائفة يف املدينة ،وكأنها امرأة لعوب مفتونة بنفسها ،وفتنتها هذه تنعكس على أهلها ،وهذا التسجيل
الذي سجله الشاعر املعاصر لسمات املدينة مل يسجله الشاعر متغنياً ،وإمنا سجله بنربة حزن هلا ونقمة عليها،
ورمبا يستشف القاري من خالل ذلك التسجيل أسى الشاعر لنفسه.
جتربة احلياة يف املدينة:
احلديث عن هذه التجربة يقتضي منا أن نفحص هذه التجربة على املستويني الفردي واجلماعي ،فأول مظهر
من مظاهر معاناة الشاعر حلياة املدينة يتمثل يف شعوره بالوحدة فيها ،فما مل تربط بني اإلنسان واآلخر عاطفة
حب تصب ح املدينة وكأن ليس بها إنسان ،فوجود الشعور بالوحدة والضياع يف الشعر املعاصر ،هو انعكاس
لوجه احلياة يف املدينة ،ولعلنا جند ذلك يف قصيدة "كان لي قلب" حلجازي" ،لقد أحس الشاعر املعاصر أن
الوشائج اإلنسانية واالجتماعية السليمة اليت تربط بني الناس مقطعة األوصال يف املدينة فصورها يف شعره ،فلم
يكن الشاعر متميزاً عن اآلخرين فيما كان يفتقده من مسات الوجه اإلنساني للمدينة بل صار كاآلخرين،
فاشتغال كل واحد بنفسه جعله حريصاً على أن يكون هو وحده ،حني يكون األمر مسألة نفوذ وسلطان،
فالسبق ملن يدمر اآلخرين ،إنها أمناط من اإلنسان حتمل أخالق احليوان ومبادئ الغابة وإن كانت تعيش يف
قلب املدينة ،وكما تقتل املدينة العالقات اإلنسانية بني الناس ،فإنها كذلك تقتل يف احلياة نفسها وجه الرباءة
ومصدر النعمة واخلصب ،ومن ذلك كله يتكشف لنا كيف أن جتربة احلياة كشفت للشاعر عن مضمونها
احلقيقي ،وك يف أن الشاعر قد ترسبت يف نفسه خالل هذه التجربة مشاعر احلنق والنقمة على وجهها
احلضاري.
16
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املوقف اجلدلي:
مل جيد الشعراء للفرار من املدينة إىل القرية مغزى ،لذلك أدركوا مع مرور الزمن أنهم صاروا جزءاً من حياة
املدينة ،وأنه من واجبهم أن يعيدوا النظر يف انفعاالتهم ،فليس طبيعياً أن يكون وجه املدينة مشوهاً كله كما
بدا هلم ،ومن هنا بدأ املوقف اجلدلي بني الشاعر واملدينة يتكشف للشاعر نفسه ويتكشف للمتلقي من خالل
التعبري عنه ،واملقصود باملوقف اجلدلي؛ ذلك الصراع الذي تولد يف هذا املوقف اجلديد بني النقمة على املدينة
والتعاطف معها ،فإن ما يلقاه فيها من عذاب نفسي هو يف الوقت نفسه ينبوع إهلامه وإبداعه ،وبذلك تصبح
املدينة مصدر سرور مبقدار ما هي مصدر عذاب ،فليس يعد هذا العذاب النفسي سوى ذلك السرور الذي يلقاه
الشاعر حني يبدع وينتج ،واملدينة ليست مسئولة عن ذاتها ،بل حنن املسئولون ،فكل مساتها الكريهة هي من
صنعنا ،فنحن الذين شوهوا وجهها ،فاملدينة مل تكن على ما هي عليه إال بنا ،وحنن مل َنصِرْ إىل ماحنن عليه
إال ألننا نعيش فيها.
العامل السياسي:
هناك وجه آخر من وجوه العالقة بني الشاعر واملدينة ،جيسم فيه املوقف السياسي ،وقد تالحقت األحداث
واملواقف اليت اهتز هلا وجدان الشاعر يف هذه احلقبة ،وكانت املدينة ميدانها ،فقرب ذلك بني الشاعر وبينها،
ومن ذلك تصبح املدينة مرآة أو رمزاً لألوضاع السياسية اليت تعم الدولة كلها ،وليس ذلك غريباً على املدينة
ففيها تقع األحداث وعلى صفحتها تنعكس ،ففي قصيدة "فرباير احلزين" يتذكر حجازي الوحدة بني مصر
وسوريا ،ولكنه يف قصيدة "أغنية أكتوبر" يتذكر عدوان 1956على بور سعيد.
هكذا كانت املدينة موضوعاً طريفاً متعدد اجلوانب وغنياً باإلمكانات التعبريية ،وقد استكشفه الشاعر
املعاصر ومازال حتى اليوم يكتب فيه دون أن يؤدي ذلك إىل اجلمود الذي خيشاه البعض.
ظاهرة احلزن يف الشعر املعاصر:
لقد استفاضت يف شعرنا املعاصر نغمة احلزن حتى صارت ظاهرة تلفت النظر ،بل ميكن أن يقال أن احلزن
صار حموراً أساسياً يف معظم ما يكتب الشعراء املعاصرون من قصائد ،وقد استفاضت هذه النغمة حتى
أفاضت كثرياً من امل ناقشات واجلدل ،حتى أن الشعراء صاروا يربزون جانب القتامة ويغفلون جانب البهجة،
والتساع رؤية الشاعر املعاصر واكتسابه نوعاً من الشمول امتزجت عنده األلوان فصنعت الصورة العامة ،فلم
يعد يرى جانباً دون جانب وإمنا يراهما ممتزجني ،فيغلب على الصورة أيهما طغى على نفسه ،وقد يقال أن هذه
النزعة احلزينة عند الشاعر املعاصر ليست إال نوعاً من التأثر بأحزان الشاعر األوربي احلديث الذي عايش
طغيان احلضارة املادية على الروح الغربي خباصة يف القرن العشرين ،وال ميكننا أن نسلم بأن ظاهرة احلزن
يف شعرنا املعاصر أثر من آثار اليأس من احلضارة املادية والنقمة عليها ،وإمنا هي تعلو على املادي والروحي معاً
وتصدر عن النظرة الرحبة إىل األشياء يف شتى جوانبها ،ورمبا كانت بعض اصول حماور النغمة احلزينة يف
شعرنا ملعاصر وافدة ،كاإلحساس بالغربة ،والضياع ،والتمزق ،واستجابة شاعرنا املعاصر هلذه احملاور
ولغ ريها أمر طبيعي تدفعه إليه طبيعة املوقف العام ،وطبيعة جتربة احلزن ،وحني يستجيب شاعرنا هلذه احملاور
الوافدة فإنه يصدر يف استجابته هلا عن موقف ذاتي ال ميليه عليه إال الذات نفسها ،وقد حاول شعراؤنا
املعاصرون أن يكونوا خملصني لذواتهم ،وعند ذاك اهتز أمامهم النظام اخلارجي واهتزت القيم واملعايري
17
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
التقليدية ،ومن ثم تولدت مشاعر الغربة والضياع ،ورمبا كان الشاعر صالح عبدالصبور أكثر الشعراء
املعاصرين حديثاً عن احلزن ،فاإلطار املأساوي العام للموقف احلزين ،هو الذي ميثل يف الوقت نفسه اإلدراك
الشعري ملأساوية احلياة ،إنه نوع م ن مواجهة الذات للوجود والتمرد عليه ،ويظل الشعور بغربة الذات وضياع
اإلنسان يف خضم هذا الكون أقوى دليل على حيوية الذات وقوة نبضها ،فالغربة والضياع ميثالن بعداً آخر من
أبعاد جتربة شاعرنا املعاصر احلزينة ،فاملنطلق اآللي الذي حيرك اجملاميع جيعل الذات املفردة تضل طريقها،
ألنها عندئذ تتحرك وتسري وحدها ،تلوك أحالمها وآالمها ،فإذا هي انتصرت أو انسحقت ففي إطار وجودها،
إن حمور الشعور بالغربة والضياع هو يف احلقيقة تفريع على احملور األساسي العام؛ حمور الذات والوجود.
هذه هي أبعاد ظاهرة احلزن يف شعرنا املعاصر ،وهي تدور حو ل موقف الذات الواعية النامية من الكون ومن
اجملتمع ومن نفسها.
االلتزام والثورية:
شعر االلتزام يف الشعر العربي احلديث متنوع يف انتمائه إىل االجتاهات الشعرية املختلفة فهو شعر خيدم التجربة
احلية ويبحث يف شعاب القضايا العر بية متنقال يف كل قطر عربي ،متسربا إىل عمق اجملتمع ليعكس
مشكالته وحيمل قضاياه ،ويعمل على حل معضالته غري آبه باملآسي اليت تعرتضه واملواجهة اليت تصادفه.
تعد فكرة االلتزام يف األدب فكرة حديثة وهي وليدة عصرنا ،ولقد نشأت هذه الفكرة نتيجة احتكاك
األديب مبشكالت احلياة اليت يعيشها وإدراكه خلطورة الدور الذي يقوم به إزاء هذه املشكالت ،ومن ثم
حتدد مفهوم األدب منذ وقت مبكر يف العصر احلديث بأنه "نقد للحياة" أو "تفسري هلا" ،فاملفرتض يف األديب
عامة والشاعر خاصة ارتباطه بقضايا عصره .ويتحقق االلتزام عندما يقدم األديب لآلخرين أعمال إجيابية يف
تأثريها متس حياتهم ومشكالتهم مساً مباشراً ،وذلك إمنا يتحقق عنما ينظر األديب إىل هذه القضايا من
منظور عصره وجمتمعه ،ومن هنا يتحدد االلتزام يف األدب مبدى ارتباط األديب بقضايا الناس يف جمتمعه ،وما
يتقدم به من حلول هلذه القضايا ،ولو أمعنا النظر يف حقيقة الفن من حيث هو تعبري إنساني لوجدناه منذ البداية
شديد االرتباط بالعقيدة ،فتارخيه حيدثنا كيف أنه نشأ يف أحضان العقيدة الدينية ،وظل آماداً طويلة شديد
االرتباط بها ،فليس هناك فنان معروف مل يصدر يف فنه عن عقيدة ،أو ما يسمى اليوم باأليدلوجية ،وملا كانت
عقيدة اإلنسان قد انهارت فقد فرضت ظروف احلياة اجلديدة املتطورة عقيدة جديدة تتمثل باإلميان باجملتمع،
وصارت هذه العقيدة هي عقيدة الفنان نفسه ،واحلقيقة أن الفن سيضل عمل الفرد املبدع الذي
ال يتعارض مع العقيدة اجلماعية ،فاجملتمع قد أودع الفنان كل الثقة والفنان قد استقر يف نفسه الشعور بضرورة
اإلخالص للمجتمع ،وقد يرسب ارتباط الفن بالعقيدة أحياناً يف بعض األذهان تصوراً خاطئاً ،وهو أن األهم يف
أي عمل فين هو العقيدة أو املوقف الفكري ،أو األيدلوجية اليت يريد اإلنسان أن يعرب عنها ،واحلقيقة أن
املعايري اليت يوزن بها الفن إمنا تشتق من واقع املرحلة احلضارية اليت يعايشها الفنان يف جمتمعه ،فالفنان ال
يتبنى فكرة جمتمعه أو عقيدته إال بعد التحام محيم به وجتاذب عنيف معه ،وهو يوم يتبنى عقيدة جمتمعه
فإنها قد صارت عقيدته اخلاصة اليت يربط بينه وبينها ما يربط بني األب وابنه ،ومن ثم يفرق بعض الكتاب
بني االلتزام واإللزام؛ ففي االلتزام يتخذ الفنان موقفه من خالل ممارسته حلرية االختيار ،يف حني أن اإللزام
يفر ض عليه املوقف من اخلارج فرضا ،ومبا أن الشعر شكل من أشكال التعبري الفين ،فإن ما ينطبق على
18
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الفن بعامة ينطبق على أشكال ه التعبريية املختلفة ،وكل ما يقال عن العالقة بني الفنان واإلطار احلضاري
والتارخيي الذي يعيش فيه ،وعن التزامه مبوقف أو بفكرة أو بعقيدة ميكن إذاً أن يُقال عن الشاعر ،إال أن
هناك من يعادي ذلك وخيرج الشاعر من دائرته كسارتر الذي يؤمن بااللتزام إال أنه خيرج الشعر من دائرته،
وترتكن فكرته يف ذلك إىل فهمه لطبيعة التعبري الشعري وعملية اإلبداع فيه ،وإىل نوعية تعامل الشاعر مع
الكلمة واألشياء ،فاإل نسان يستطيع أن يعرب عن أفكاره نثراً ،حيث ميكن إخضاع األلفاظ يف العبارة لنوع
من العالقة البيانية اليت يتمثلها العقل ويقررها .أما يف الشعر فالقوة املتسلطة قوة "سحرية" تتغلغل فيما ينشأ
بني األلفاظ اليت تدل عليها من عالقة ،فاالنفعال واهلوى هما مصدر كل قصيدة ،لكنهما ال يعربان عن
نفسيهما فيها ،ومبا أن النثر موقفاً فكرياً ،فإن االلتزام يكون ميدانه إذا كان االلتزام يعين اختاذ موقف
فكري ،أما الشعر فإنه ال ميثل موقفاً وبذلك ال يكون لاللتزام معنىً فيه ،وهمهما كان القول يف ذلك وإن
كان من كاتب فرنسي كبري ،فإنه الميكن استبعاد معنى االلتزام يف حدود فكرة التفاعل بني الشاعر
واإلطار احلضاري الذي يعيش فيه ،فالشاعر فيما يبدع من شعر إمنا ينتمي إىل عاملنا مبا لديه من أفكار أو
مشاعر أو انفعال ألنه البد أن تتسرب إليه األفكار ،والبد أن يشعر أو ينفعل ،وهو عندما يدخل عامل الشعر
ال يطرح من نفسه كل أفكاره ومشاعره بل يدخل إليه حممالً بها ،فالشاعر يصب عامل "الال تآلف" اخلارجي
يف أكثر أطر التعبري حتقيقاً للتآلف ،فالقصيد إذاً هي اإلطار الذي نلتقي مجيعاً عنده لكي يوحد من اهتمامنا
ولكي خيلق بيننا وبني الشاعر تآلفاً أولياً ،وإذا كان هدف الشاعر البعيد هو حتقيق التآلف بينه وبني احلياة،
فإنه إمنا يعرب بذلك عن اهلدف الذي تسعى اجلماعة نفسها إليه ،وال يتحقق التآلف بني اجلماعة واحلياة إال من
خالل املوقف أو العقيدة املشرتكة ،وال يتحقق التآلف بني الشاعر واجلماعة إال من خالل استيعابه هلذه
العقيدة ،فالتزام الشاعر مبوقف فكري ال يضري الشعر ذاته يف شيء ،أو يناقض طبيعته ،بل يضمن له الفعالية
واألهمية ،ومما سبق يتضح لنا موقف الشعر إمجاال من فكرة االلتزام ،ويبدو أن موقف الشعر العربي املعاصر
هو نفس املوقف العام إال أن هناك مسألة البد من تذكرها وهي مسألة اإلطار احلضاري الذي تتشكل خالله
األفكار والعقائد ،واإلطار احلضاري املعنى جيمع ثالثة أطر متوازية ومتفاعله هي :اإلطار الفكري واإلطار
االجتماعي واإلطار السياسي ،ويف هذا اإلطار تظهر لنا بعض املواقف وهي:
موقف املواجهة الذاتية:
هو موقف يدل على تنبه الوعي لدى الشاعر بأن له رسالة يف احلياة يؤديها وأن عمله جزء فعال يف بنية هذه
احلياة وليس جمرد زينة تضاف إليها ،ومن ثم كانت رحالت الشعراء يف أغوار الذات بغية التعرف عليها
وكشف طاقاتها احليوية ،وقد برز يف الشعر من خالل هذا املوقف منوذج السندباد.
موقف الغربة:
وهو موقف ينطوي حتته كثري من املفاهيم ،ولكننا ومن خالل التجارب الذاتية اليت عرب عنها الشعراء
املعاصرون يف قصائدهم نستطيع أن نتفهم الدالالت الفكرية اليت حددت أبعاد هذا املوقف ،وقد عثر الشعر
على منوذج هذه املعاناة جمسماً يف شخصية "سيزيف" ،لكن هذه الغربة أو تلك املعاناة تبدو أحياناً مشوبة بنوع
من التمرد على الواقع ،وال تزال للغربة وجوه تعيش بها.
19
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
موقف الفروسية:
الفروسية يف جوهرها موقف أخالقي ،وليس السالح الذي يُحمل إال وسيلة لتحقيق الوجه العملي هلذا املوقف،
فالشاعر يدرك ذلك ويدرك أن جمتمعه يواجه معركة مصريية ،وأن بيده سالحاً من أخطر األسلحة أال وهو
الكلمة (الشعر) ،لذلك ساهم الشاعر بهذا السالح يف املعركة املصريية جملتمعه ،فهو يكافح بالكلمة،
خارجياً وداخلي ًا يف سعيه لتأصيل بناء من القيم ال ميكن أن ينهض البناء املادي إال على أساس منها.
موقف التمرد:
للمتمرد ثالثة وجوه عرفها الشعر العربي املعاصر هي :التمرد امليتافيزيق ،التمرد الرافض ،التمرد الثوري.
فالتمرد امليتافيزيقي من شأنه أن يباعد بني اإلنسان وأي فكرة جمتمعية ألنه يتوجه بصفة أساسية إىل الكليات
املنفصلة عن كل واقع تارخيي ،والتمرد على الواقع يتضمن رفضه.
موقف الصوفية امللتزمة:
إنه املوقف الذي يزاوج فيه الشاعر بني الفن وااللتزام ،هو موقف الصوفية امللتزمة إذ أنه حماولة لوضع الشعر
يف موضعه احلقيقي بالنسبة لقضاي ا اجملتمع ،حيث يتعانق الفن والعقيدة ويلتحمان يف بنية موحدة ،إن الصوفية
امللتزمة متثل وضع الشعر بوصفه فناً يف موضعه الصحيح من احلياة ،وتكفل له أن حيقق رسالته فيها مبنطقه
اخلاص ،ال مبنطق اخلطابة ولغة الشعار ،اليت رمبا كان النثر أنسب هلا.
اشتدت نزعة التجديد يف اخلمسينات من منتصف القرن املاضي نتيجة االنفتاح ،فظهرت نتيجة ذلك تيارات
متثلت بتيارين هما التيار الرومانسي والتيار الرمزي ،واملقصود بالتجديد هو التحديث "احلداثة" ،وقد أثار
التحديث جدالً واسعاً.
وقد أسف ر التجديد عن نفسه يف املواقف املعلنة ،ويف بعض األحيان كان الشعراء هم النقاد يف تعبريهم على
املستويني النقدي والشعري ،وما من شك أن التجديد يف بيئة حمافظة كان أشد صعوبة مما هو يف بيئات عربية
أخرى ،لذلك نشأت معركة بني التجديد واحملافظة يف اململكة العربية السعودية ،ومن الشواهد على ذلك ما
نشر يف الثمانينات امليالدية من هجوم على احلداثة تاله ردود على ما نُشر.
القسم األول :إضاءات أولية:
أوالً :معامل املشهد الشعري:
لقد كان املشهد الشعري يف اململكة العربي السعودية جزء من املشهد الشعري يف الوطن العربي
معامل تارخيية:
لقد تأثرت جوانب احلياة كافة يف مجيع املناطق بوضع اللبنات األوىل للكيان اجلديد اململكة العربية
السعودية ،فاحلديث عن جوانب ثقافية أو اجتماعية أو غريها يف هذا الكيان إمنا هو حديث عن األجزاء
20
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
األخرى من اجلزيرة ،فليس مثة فصل بني تلك األجزاء خاصة على املستوى الثقايف الذي منه اجلانب األدبي،
فاحلركة األدبية يف اململكة هي حركة متداخلة يؤثر بعضها يف بعض ،فهناك قدر من التجانس بني أجزاء
اململكة العربية السعودية على مجيع األصعدة ،دون إغفال التفاوت الذي تفرضه أحياناً مسات احلياة
االجتماعية أو الظروف التارخيية أو غريها من العوامل ،فقد تقاربت احلجاز وجند وعسري واملنطقة الشرقية من
بعضها حني توحدت الراية السعودية على ما بينها من التفاوت ،فاالتصال بني جند واحلجاز وصل حداً مل يُعهد
يف تارخيهما ،مما ترك أثره الواضح على احلياه جبوانبها املختلفة ،واإلشارة إىل جند واحلجاز إمنا هو على
سبيل املثال ،فاألجزاء األخر من اململكة تأثرت هي أيضاً مبؤثرات مشابهة ،إال أن عناصر هذه اإلملاحة
التارخيية تالشت اليوم وتضاءل تأثريها تضاؤالً بيناً يف تشكيل احلياة الثقافية املعاصر بعد تقارب املسافات
وتداخل العناصر وانتشار التطور احلضاري.
معامل ثقافية:
يف بواكري النهضة األدبية يف اململكة العربية السعودية كانت هناك التفاتتان بارزتان ،التفاتة حنو الرتاث
ما ميكن استعادته ،والتفاته حنو اآلخر مبا ميثله من تطور واختالف ،ومل تكن الستعادة
أي من تلك اإللتفاتتني اختيارية وإمنا كانتا حتميتني إما لضرورات احلفاظ أو لضرورات االتصال بالعامل القادم
ال حمال ة ،ومع أن املوروث هنا هو موروث العربية الفصحى ،فإن موروثاً آخر هو موروث العامية مل يكن غائباً
رغم ضآلة دوره ،فاملوروث الشعيب حاضر ومؤثر يف ثقافة املنطقة ،ويف نهضة الشعر كان البد أن حيضر هذا
املوروث ألن لغة التخاطب به.
أما بالنسبة للعالقة باآلخر ،واملقصود به الغربي بالدرجة األوىل ،فإنه كان طبيعياً أيضاً أن ختتلف تلك العالقة
عن اليت جند يف البيئات العربية األخرى ،وذلك لسببني :األول :أنها عالقة ظلت حتفها مشاعر احلذر والرتدد،
والثاني :أنها عالقة ثانوية غالباً إذ مل يكن مبقدور الشعراء يف اململكة االتصال مباشرة لالطالع على ثقافة
اآلخر وقراءة منتجه الشعري ،وقد كان اجلو الثقايف يف النصف األول من القرن العشرين ال يُشجع كثرياً على
االنفتاح على اآلخر حتى البيئة احلجازية األكثر انفتاحاً مل تكن ترى من العامل كما كانت ترا مصر
والشام ،إضافة إىل أن شبه اجلزيرة كانت شبه مغلقة فهي مل تتعرض لالستعمار ،كما أن األقليات الدينية
كانت غائبة فيها ،كل ذلك كان البد أن يرتك أثره على النتاج الثقايف اإلبداعي من أدب وشعر وغريه ،فكان
أن جاءت النهضة متأخرة إمجاالً ،وأنها حني جاءت كانت يف الغالب أصداء ملا كان حيدث يف البيئات العربية
األسبق إىل التغري والتجديد ،ومع ذلك فإن تلك العالقة املتأخرة نسبياً مل حتل دون متيز الصوت الشعري لدى
املتميزين من الشعراء.
معامل منهجية:
يتأسس منهج التحليل على الوعي بأهمية البعد الثقايف "اجلمالي" ،والبعد التارخيي يف اكتناه الظواهر األدبية،
حيث يتضمن البعد األول النظر إىل األدب بوصفه منتجاً ثقافياً باملستويني الرئيسيني للثقافة الفكري والشعيب،
ويتضمن هذا البعد أيضاً اجلوانب اجلمالية املتوزعة على الثقافة مبستوياتها املختلفة.
21
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يصعب التخلي عنه ،ولقد ظل البقاء يف ظل املوروث اإليقاعي إىل جانب االتكاء على املوروث الشعيب ،مسة
لكثري من التجارب الشعرية حتى ما كان منها موغالً يف احلداثة والثورة على القديم ،ويف مرحلة الحقة وهي
مرحلة الثمانينيات ،ال نلبث أن نالحظ أنه حتى هذا النمط من التعامل مع املوروث ما يلبث أن خيتفي حتت
وطأة جتربة مغايرة هي جتربة قصيدة النثر ،اليت تؤدي إىل التخلي متاماً عن اإليقاع التفعيلي دون أية مهادنة
احنيازاً إىل إيقاع خمتلف ورؤية شعرية تتطلب لغة واسرتاتيجيات تعبريية أكثر تناسباً مع مرحلة جديدة ،.واألدب
األكثر مباشرة لقصيدة النثر مل يكن السياق احمللي وإمنا كان السياق العربي بروافده العاملية الغربية حتديداً
الذي تفاعل معه الشعراء.
القسم الثاني :آفاق التجديد
الفصل األول :رومانسيون ورمزيون( :القرشي ،أبو حيمد ،املسلم)
التجديد كما يقال هو الوجه اآلخر للتقليد ،فال وجود ألحدهما دون اآلخر ،غري أنه من املفارقة العجيبة إصرار
العناصر التقليدية ،اليت كانت جتديداً ذات يوم على البقاء ومقاومة التجديد ،فاملشهد الثقايف الذي شهدته
اململكة يف عقد اخلمسينات والستينات وصوالً إل أواسط السبعينات ميثل تلك االشتباكات ،فبقدر ما كانت
هناك مساعٍ لإلطاحة بالتقليدي القديم ،كانت هناك مساعٍ أخرى إلجياد املساحات املشرتكة ،فقد شعر عدد
من الشعرا ء يف تلك املرحلة باحلاجة املاسة الستيعاب متغريات احلياة الثقافية من حوهلم ،يف البالد العربية ويف
األفق العاملي ،فبدلوا األشكال واألساليب وغريوا من املوضوعات والتطلعات ،لتدخل احلياة الثقافية تيارات
جديدة مل تكن معروفة ،فجاء شعراء مثل :حسن القرشي ،وناصر أبو حيمد ،ومحد سعيد املسلم ،وحممد
العامر الرميح ،وحممد الفهد العيسى ،وطاهر زخمشري ،وحممد حسن فقي ،وعدنان السيد العوامي ،وحممد
علي السنوسي ،وغريهم بعناصر مل يكن يعرفها الشعراء واملتلقون يف العقود اليت سبقت ،انتظم معظمها تيارا
الرومنسية والرمزية ،ومع هذين التيارين مبا محاله من تغيري عميق جاء تغيري آخر يف العالقة بالثقافات األخرى
خارج العامل العربي ،حيث كان الغرب حتديداً هو احملرك الرئيس حلركات التجديد اإلبداعية يف الثقافة
العربية عموماً يف العصر احلديث.
فالقصيدة قد تضيف جوانب حقيقية يف اآلخر أو ثقافته ،لكن ذلك ليس هو املهم ،إمنا املهم هو كيف تتصل
تلك اجلوانب برؤية الشاعر وبالبيئة اليت يتحدث منها وإليها ،فاالتصال باآلخر والتعبري عن موقف إزاءه البد له
أن يرتك اثراً على املتصل أو الكاتب حبيث ينشأ من ذلك تداخل قد يعده البعض "تلوثاً" بينما يراه البعض
"امتزاجا إبداعياً" لكنه يف كل احلاالت تغري مهم يكسر حدة الثنائية الظاهرة.
. 1حسن القرشي:
لقد دافع حسن القرشي يف بداية ديوانه "سوزان" عن الشعر ،غري أن مسألة ال تقل أهمية يف الدفاع عن الشعر
تبدت يف عنصر التجدد ومسايرة العصر .فقد أكد القرشي أن الشعر العربي احلديث يتجدد ويساير روح
العصر ،وأنه قادر على تلبية احتياجات اإلنسان املتجددة ،فموقفه واضح من ذلك ،مع أن القرشي مل يفصح
عن أي جتديد فهو يتحدث يف أوائل الستينات ،فاألرجح أن قصده ظهور شعر التفعيلة يف العراق ومصر ،إن
القرشي يعد من الرعيل الثاني من الشعراء السعوديني الذين استمدوا من أقرانهم العرب أمناطاً من اخلطاب
مل تكن مألوفة لدى معظم أبناء اجليل الذي سبقهم ،وقد متثلت تلك األمناط يف املقام األول باجتاهني رئيسيني
23
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يف الشعر العربي احلديث هما الرومانسية والرمزية .ومن املعلوم أن الرومانسية اجتاه أو تيار أوروبي نشأ يف
أواخر القرن الثامن ع شر وتعرفت عليه الثقافة العربية عرب عدد من الكتاب واملرتمجني إبان النهضة العربية
احلديثة السيما من خالل مدرسيت الديوان وأبوللو ،ومن خالل عدد من الكتاب واملرتمجني اللبنانيني وبشكل
خاص شعراء املهجر وكتابه ،وكان أهم ما اهتم به الكتاب العرب يف االجتاه الرومانسي إعالءه من شأن
النفس اإلنسانية ،من ناحية أخرى كان االجتاه الرمزي الذي عرفته أوروبا يف فرتة تالية لتطور الرومانسية
ينطلق من ذات االجتاه النفسي لكن يفرتق عن ذلك االجتاه يف أنه حيول الطبيعة أو املشاهد اليت تتلقاها
احلواس إىل رموز ،ومن هنا كان التعرف على املذه ب الرمزي يف العامل العربي وتبنيه ،والشعراء السعوديون
مل خيرجوا عن تلك األطر اليت ارتسمت من خالهلا عالقة الشعر العربي املعاصر باملذاهب أو االجتاهات األدبية
األوروبية سواء كانت الرومانسية أم الرمزية أم غريها.
ويف شعر حسن القرشي جند مزجياً من االجتاهني ،مع أن القرشي ممن عرفوا حبفظ الكثري من الشعر العربي
القديم واحلديث على النحو الذي أكد أوالً انتماءه للموروث العربي ومل حيل يف الوقت نفسه عن تفاعله مع
التطورات اليت حتيطه ،غري أنه يضل يف املقام األول شاعراً وجدانياً ،فبعض دواوينه تشري من عناوينها إىل
امتزاج الوجد اني "الرومانسي" بالرمزي ،فهو وإن استقى معامل الرومانسية من مدرسيت أبوللو والديوان وتقنيات
الرمز من شعر اللبنانيني ،فإن نظرته إىل التجديد كانت غالب ًا ما تقف به عند احلياد أو التحفظ على بعض
التطورات اليت تصل الساحة الشعرية ،فهو إىل التسامح أقرب منه إىل التحمس ،وهو وإن كان ال يرى بأساً يف
تنوع أساليب التعبري الفين ،فإنه يضع يف الوقت نفسه شروطاً لذلك التنوع ،فتلك اللغة اليت تلقى بها مؤشرات
عهد شعري جديد تشري بنفسها إىل أنه ما يزال من مواطين العهد السابق ،فالشعر لديه يظل مسكوناً بقيم
املراحل السابقة ،فالتفاصيل ا ملتعلقة بالشكل الشعري اجلديد ،واليت اتضحت للقرشي جاءت لتؤكد متابعة
الشاعر السعودي حلركة الشعر العربي واهتمامه مبا حيدث حوله وتفاعله معه ،ولقد كان القرشي بال شك
شاعراً خارجاً عن املألوف فعباراته مثل" :النغم األزرق" و "حبرية العطش" مل تكن من مألوف التعبري السائد يف
الشعر السعودي ،ويرى الناقد السعودي عبداهلل املعيقل أن حسن القرشي ال جيد نفسه يف التعبري عن القلق
واليأس ،فهو شاعر متفائل وحمب للحياة.
. 2ناصر أبو حيمد:
يعترب ناصر أبو حيمد شاعراً ارتبط امسه بالقلق مثلما ارتبط بالتجديد يف املشهد الشعري السعودي إبان
ال ستينات ،ويعترب من أكثر الشعراء السعوديني محاسة للتجديد ،فهو من أوائل الشعراء الذي تبنوا الشكل
النثري يف الكتابة الشعرية ،فالقصيدة لديه ال تعتمد التكثيف من حيث اللغة والصور وال تنحو باجتاه اليومي
واملهمش ،وهاتان مستان رئيسيتان يف قصيدة النثر نلمس ذلك يف قصيدة "قلق" ،فالعزلة والقلق اللذان
تؤكدهما القصيدة مثلما أكدتهما قصيدة القرشي "جمايلة" ،يُستمدان فيما يبدو من عزلة املثقف حني يكون
فناناً مفرط احلساسية ،ويف قصيدة "يارب" نرى احتجاجاً ومترد مصدره اخللل االجتماعي واالقتصادي
احمليط ،ويف قصائد أخرى ألبي حيمد يتحو ل االجتماعي إىل احتجاج وجودي ،ففي قصيدة "اللي" يتكرر
الوضع األساسي يف قصيدة "قلق" ،إنسان ضائع أو عابر يبحث عن مأوى يف مكان خيلو مما يبحث عنه ذلك
اإلنسان ،كما نقف يف القصيدة عند جانب آخر وهو أن اسم الفتاه أجنيب ،وداللته تتصل بتجربة الشاعر
24
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
واتصاله املبكر با لثقافات األخرى ،وهناك قصيدة أخرى ألبي محيد حتمل البعد األجنيب وهي "مونيك"،
وقصائد أبي حيمد ليست على وجهة واحدة سواء أكان ذلك على املستوى الشعوري أو الفكري أم على املستوى
الشكلي.
. 3حممد سعيد املسلم:
تظهر يف شعر حممد سعيد املسلم نزعة تأملية رومانسية يف احلياة واملوت ودالالت اآلثام والرباءة وما إليها ،وقد
صدر للمسلم من األعمال الشعرية "شفق األحالم" و "عندما تشرق الشمس" ،ومع أن املسلم مل يسر باجتاه
الشكل التفعيلي املعروف بالشعر احلر إال يف قصائد حمدودة ،فإنه يف جممل أعماله خرج عن النظام التقليدي
لبناء القصيدة حني نوع يف القوايف ويف ترتيب األبيات حبيث يرتاوح عددها وإيقاعها ،وكأنه يف ذلك يؤكد
تفاعله مع وجوه أخرى من وجوه التطور اليت اعرتت الشعر العربي يف اخلمسينات والستينات ،ال سيما لدى
الشعراء الرومانسيني ،وقد شكل املوت هاجساً أساسياً يف كثري من قصائد املسلم كما يف قصيدة "بعد
املوت" ،من ناحية أخرى يبدي املسلم اهتماماً باألسطورة كما يف قصيدة "األنسان األول" اليت تعكس رؤية
الشاعر للوجود اإلنساني مقتدياً فيها بأبي العالء املعري وإيليا أبو ماضي ،وعلى رغم شطحات املسلم الفلسفية
واألسطورية ،إال أنه يعود يف نصوص أخرى ليلتقي مع غريه من الشعراء السعوديني وغريهم يف اهلموم القومية
كما يف قصيدته "احلروف اخلضراء".
الفصل الثاني :جدلية الذات واآلخر:
أ -الرميح ،العيسى:
يف أعمال حممد العامر الرميح وحممد فهد العيسى جند حضوراً بارزاً للغربي
حممد الرميح يف متحف التجديد: . 1
الشاعر الرميح من مواليد املدينة لعائلة تنتمي ملنطقة القصيم ،وقد كان لنشأته يف املدينة اليت متوج بأجناس
خمتلفة تأثرياً على انفتاحه الذهين املبكر على تيارات ثقافية مل يكن من السهل أن يعرفها ،وقد تبلورت
شخصية الرميح الثقافية الشعرية يف لبنان ،حيث تعرف يف بريوت على الكتاب اللبنانيني وغريهم ،أما معرفة
الرميح بالشعر األوروبي فقد جاءت من تفاعله مع رمزية "بودلري ورامبو" ،إن الرميح مل يكن شاعراً فحسب،
وإمنا ذا موهبة نقدية فاحصة ،فاملقدمة اليت تتصدر جمموعة الرميح أُستلت من كتاب نقدي له بعنوان "قراءات
معاصرة" ،فهو يؤكد أن الشعر العربي القديم شعر مغلق ،وما نسميه بالشعر احلر هو الشعر املنفتح الصاعد،
ففي ديوان جدران الصمت ،جند أنفسنا إزاء جتربة شعرية يسندها موقف نقدي يدل على وعي الشاعر وقصده
على حنو بات شائعاً يف التجارب الشعرية العربية ،ويف أراء الرميح يتبني أن اهلم الرئيس هو الدفاع عن التجديد
الشعري بوصفه موازياً للتجديد يف احلياة اليومية ،أما معيار التجديد فهو معيار رومانسي يعطي املشاعر
الداخلية أو األحاسيس الكامنة يف النص القيمة العليا ،ومن التجديد كما يرى الرميح أن يطرق الشاعر
موضوعات غري مألوفة يف الشعر العربي ،موضوعات تتسق مع اجلدة اليت تبنتها احلياة العربية ،من هنا كتب
الرميح قصيدة "يف متحف موريس أوتريللو" ،اليت حرص فيها على إبراز بعده الثقايف ،وكأن الرميح من هذه
القصيدة ومن غريها يقول :إن ما نصفه باآلخر قريب مين يف تعبريه عن مشاعري ومواقفي ،وبهذا يكون
الرميح مؤصالً لقيم ثقافية ،وليس جمرد شاعر يعرب عن رؤية ذاتية أو مشكلة شخصية.
25
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
والستينات ،فاآلخر يظل موجوداً لكنه أكثر خفوتاً ،حيث ابتداءً من السبعينات يزداد االنشغال بالذات
وبإشكالية النمو والتغري الثقايف.
. 2سعد احلميدين:
يف إحدى قصائد سعد احلميدين "ضحاها الذي" جند السياق السياسي الذي يساعد على فهم التحول الذي
شهده الشعر السعودي يف املوقف جتاه اآلخر ،ويف قصيدة أخرى من نفس الديوان جند إشارة مزدوجة أسطورة
سيزيف والرئيس األمريكي لنكولن.
لقد كان احلميدين من رواد احلداثة إال أن مدخله إليها جاء يف املقام األول من خالل تبين أشكال ولغة شعرية
جديدة وظفها ودافع عنها ،فما حدث لدى احلميدين هو ما حدث جليل السبعينات والثمانينيات أي االجتاه إىل
الثقافة احمللية واستكشاف أبعاد الذات وخصوصيتها الثقافية واالجتماعية مع الوقوف عند بعض املشكالت
أو التحديات اليت تواجهها .ففي شعر احلميدين كما يف شعر الصيخان والثبييت وعلي الدميين وغريهم ،تتخذ
البيئة احمللية أبعاداً غري مسبوقة وترتكز الرؤية ،بل يتطور املعجم الشعري اتكاءً على جغرافية املكان والثقافة
معاً.
. 3حممد الدميين:
لقد رسم الدميين غربة الشاعر يف املدينة العمالقة واملوحشة يف قصيدته "كتابة نهارية عن ليل نيويورك"،
وهذا املوقف إزاء نيويورك وامريكا بشكل عام هو ما جند لدى شعراء عرب مثل أدونيس وسعدي يوسف بل
إنه ما عرب عنه غري شاعر غربي من غري األمريكيني ،وما جنده لدى حممد الدميين ال يستعيد بريوت أو البصرة
لكنه يستعيد اجلزيرة العربية من خالل صحرائها ،ومن خالل مفردات وعبارات مثل" :اإلبل" و "اخلزامى" و
"حر الو غى ،والواضح أن جتربة الدميين هو أن مثة أمريكيتني يواجههما إحداهما القوة السياسية واالقتصادية
املهيمنة والعدائية اليت تلمح إليها القصيدة.
. 4حسن السبع:
إن جتربة حسن السبع ال خترج يف جوهرها عن هذه الثنائية أو االزدواجية يف النظر إىل اآلخر الغربي ،ففي
جمموعة قص ائد نشرت بعنوان "حمطة الفالمنكو األخرية" جند تواصل من الشاعر مع جانب آخر مغاير من
الغرب ،هو اجلانب األندلسي أو أسبانيا العربية ،فاحلنني إىل األندلس يصدر هنا مثلما يصدر غريه يف الشعر
العربي نتيجة بعد الشاعر عن تلك البالد وحنينه إىل ما متثله من ماض متألق لكنه يكتسب بعداً آخر
باستحضار الغرب املعاصر ،لقد أراد إبراز املأساة األندلسية بتصويب التهمة ملن يعترب املسؤول عن غياب األندلس
واندثار وجهها العربي .ويف هذا توظيف للغرب بوصفه عدواً ،أو إبراز للجانب العدائي من الغرب ،فنحن إذاً
إزاء لون من ألوان التمثيل لآلخر يتسم ببعد املسافة بني الذات املخاطبة وموضوع التمثيل وهو الغرب .وواضح أن
هذا التمثيل بعيد عن التمثيل املعجب الذي وج دناه عند الرميح أو أبو حيمد ،فهو متثيل يلبس شخصية الغرب
ثياب الضدية ،مبا يتضمنه ذلك من إبعاد للتهمة عن الذات.
إن االزدواجية اليت حتكم رؤية الشعراء الثالثة ،القصييب والدميين والسبع ،تؤكد أن اآلخر مل يتحول إىل
جمرد عدو يف الرؤية الشعرية والثقافية لدى أولئك الشعراء ،أي مل يفقد متاماً صورته اإلجيابية اليت تربز لدى
الرميح ومن قبله أبوحيمد ،لكنها تصبح صورة أكثر تركيبية وادهاشاً مبقدار ما تعس الوضع األكثر تعقيداً
27
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الذي واجهته الثقافة العربية إزاء حضارة حتمل مسات الصداقة والعداء معاً ،وهي من ثم حماولة للتواؤم مع
ذلك الوضع الصعب والذي يزداد صعوبة نتيجة التأثري اهلائل الذي ميارسه الغرب على ثقافات العامل ومنها
الثقافة العربية.
القسم الثالث
استكشاف الذات :السبعينات والثمانينات:
الفصل أألول :حداثة التفعيلة (أ):
حممد العلي ،سعد احلميدين ،أمحد الصاحل:
مع نهاية الستينات وبداية السبعينات امليالدية كان املشهد الشعري يف اململكة يتحول باجتاهات بعيدة عن
بعض القضايا اليت شغلت شعراء اخلمسينات والستينات ومنها قضية اآلخر ،فالتحول هذه املرة كان إىل
الداخل ،إىل الذات بكل محولتها الرمزية ،اإلنسان ،الفرد ،الوطن ،احمليط االجتماعي ،التاريخ العربي
واإلسالمي ،اإلشكاليات السياسية واالقتصادية والثقافية وما إليها .لقد اكتسب البعد احمللي األهمية
والرتكيز لدى شعراء املرحلة اجلديدة من مثل :حممد العلي ،سعد احلميدين ،فوزية أبو خالد ،عبداهلل
الصيخان ،حممد الثبييت ،عبداهلل الزيد ،حممد جرب احلربي،خدجية العمري ،حسن السبع ،ثريا العريض
و أشجان اهلندي ،جاسم الصحيح ،وغريهم ،فالعلي وهو األكرب سناً كان منذ مرحلة مبكرة نسبياً متبنياً
حلركة احلداثة الشعرية املتصلة مبا يعرف بالشكل التفعيلي ،أو "الشعر احلر" ،ففي شعره جند اهتماماً يفوق
ما جند لدى القصييب بالقيم الفنية اليت اتصلت باحلداثة الشعرية مثل الصورة املكثفة واإلحياء والرمز،
واملتغريات التارخيية ال تؤثر على مستوى اإلبداع لكنها تؤثر على القيم الفنية وعلى القضايا اليت تشكل هموم
املبدعني وطموحاتهم ،وهناك ثالثة من األحداث الكبرية تركت دون شك أثرها الفاعل على كل مناحي
احلياة ،ومنها رؤية حرب 73 ،67على املستوى السياسي ،والطفرة االقتصادية الناجتة عن ارتفاع سعر النفط
يف أواسط السبعينات على املستوى االقتصادي ،وما يعنينا هنا هو األثر الثقايف اإلبداعي لتلك التطورات أو
املتغريات ،ويف هذا السياق ميكن اإلشارة إىل نوعني من األثر :أوالً األثر املباشر املتمثل باستيعاب الشعراء
لألحداث وتفاعلهم معها ،أي حتول األحداث إىل موضوعات شعرية ومؤثرات وجدانية ونفسية ،ثانياً :األثر غري
املباشر واملقصود به األثر الثقايف التفاعلي الذي جاء نتيجة ارتفاع معدل االتصال بعدد من املثقفني واملبدعني
العرب بشكل عام والفلسطينيني بشكل خاص ،من الذين وفدوا إىل اململكة جراء التطورات السياسية
واالقتصادية ،حيث أسهموا بأعماهلم اإلبداعية من ناحية ،وبرؤاهم النقدية من ناحية أخرى ،األمر الذي أسهم
يف تقويم احلركة الشعرية املتنامية يف عدد من مدن اململكة ،وهذان األثران سنتوقف عندهما بشيء من
التفصيل:
أوالً :التفاعل العربي:
إن العالقة باملثقفني العرب مل تكن أمراً طارئاً على احلياة الثقافية يف اململكة ،حيث كانت االتصاالت مع
خمتلف األقطار العربية عل املستوى الثقايف قائمة مل تنقطع ،ولكن ما طرأ هو ارتفاع معدل التفاعل كماً
وكيفاً مع كتاب ومثقفني جاءوا للملكة ليصبحوا جزءاً من احلركة الثقافية أخذاً وعطاءً ،وكان من أولئك
28
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
من ترك بصمة عميقة يف التجربة الشعرية والنقدية السعودية ،مثل :حممد الشنطي ،وشاكر النابلسي،
والشاعر الفلسطيين فواز عيد ،وبكري الشيخ أمني ،حسن ظاظا ،ونذير العظمة وغريهم.
ثانياً :استكشاف الذات:
. 1حممد اعلي:
يعترب العلي شاعر خليجي بامتياز ،فعلى مستوى التقنية الشعرية كان العلي سباقاً إىل تبين األشكال
الشعرية اجلديدة ،فعلى الرغم من بدايته بداية تقليدية يف أوائل الستينات ،فإن ذلك العقد ما يكاد ينتصف
حتى جنده يسارع إىل الشكل التفعيلي وجيعله الشكل الرئيس والوحيد لنتاجه الشعري ،فقصيدته "العيد
واخلليج" متثل تلك االنعطافة الفنية وحتمل يف طياتها انشغال العلي املتواصل بقضايا املنطقة وهموم أهلها،
وفيما يتعلق بالتكثيف الداللي يالحظ على قصائد العلي احلضور املتواتر للخليج وشحنه بدالالت تلتقي
مع بعض ما ورثه العلي من الشعر العريب القريب والبعيد مكاناً وزماناً ،ويف قصيدة لعلها األشهر يف
قصائده وهي" :ال ماء يف املاء" يعلن العلي أنه غري معين بالثروة اليت تتدفق من اخلليج واليت يرمز إليها
بالآللئ ،فهو يريد اخلليج مباءه حلم مثقل باملاضي اجلميل وباحتماالت حاضر مجيل أيضاً ،إن القصيدة
احلديثة عند شاعر كالعلي ظهرت يف مرحلة سابقة على ظهور كثري من القصائد املنتسبة إىل حركة
التجديد يف الستينات.
. 2سعد احلميدين:
إىل جانب جتربة العلي يف كتابة شعر التفعيلة يف النصف الثاني من عقد الستينات ،تقف جتربة أخرى
هلا أهميتها التارخيية والفنية .تلك هي جتربة سعد احلميدين ،فقد كان له فضل السبق يف نشر أول
جمموعة ــ رسوم على احلائط ــ ينتظمها هذا الشكل اجلديد آنذاك ،وقد محلت جمموعة احلميدين بني
النفس الرومانسي للخمسينات والستينات ونفس جديد يتسم بالواقعية املمزوجة بالرموز واإلحاالت
األسطورية التارخيية ،وجند قصائد أخرى من رسوم على احلائط تأخذ احلداثة الشعرية مسلكاً مغايراً
من حيث الرؤية والشكل معاً ،فنجد الشكل القصصي يف بعض القصائد ،مثلما جند النقد لبعض
املعتقدات ضمن إطار اجتماعي وواقعية نقدية ،ومن القصائد اليت توجه اجملموعة بوضوح قصيدة بعنوان
املدينة املرتهلة.
. 3أمحد الصاحل "مسافر":
التصور الذي جنده لدى الشاعر امحد الصاحل ال يتفق متاماً مع اإلحياءات البعيدة لصورة
الشاعر/االسفنجي ة الذي يراه زميله احلميدين .إن الصاحل ال جيعل املأساة مأساة شعراء بل هي مأساة جيل
منهم الشعراء وغري الشعراء ،يظل الصاحل عاشقاً رومانسياً للمرأة اجلميلة والوطن اجلميل ،فقدرة الشاعر
على امتصاص قضايا الوطن تقف عند حدود ما هو مجيل ومهم باملعنى املتعارف عليه .إن هناك عالقة
محيمة بني الشاعر الصاحل ووطنه ،غري أن الصاحل استطاع ضمن املعجم والشكل الرومانسي أن يغين
للوطن واملرأة قصائد غري قليل من مجاليات الرومانسية على ما أصابها من إنهاك ،وقصيدة "الشنفرى يدخل
القرية ليالً" خري مثالٍ على ذلك ،فالصاحل يطرح إشكالية املثقف من خالل شخصية الشنفرى ،فالشنفرى
29
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
لدى الصاحل شاعر يعيش هموم أمته وحيزنه ما آلت إليه ،ولقد كان الصاحل حريص على عدم اخلروج
عن البحور اخلليلية على الرغم من تبنيه للشكل التفعيلي.
من هنا نتبني أن الشعراء الذين توقفنا عندهم يف هذا الفصل ،حممد العلي ،وسعد احلميدين ،وأمحد
الصاحل ،استطاعوا على ما بينهم من تفاوت ،أن يؤصلوا يف املشهد الشعري السعودي هاجس التجديد،
وأن يتقنوا توظيف الشكل التفعيلي املستجد على املشهد عندئذٍ ،غري أن التجديد الذي تبنوه جاء يف سياق
غنائي رومانسي غالباً ،إذا استثنينا بعض اللفتات الواقعية لدى احلميدين .ويف كل احلاالت كانت
السبعينات والثمانينات اليت شاركوا يف صياغة خطابها الشعري مرحلة بالغة احليوية بقدر ما كانت مثرية
للجدل وممهدة ملا سيتلوها.
الفصل الثاني :حداثة التفعيلة (ب):
الصيخان ،الثبييت ،الدميين ،أشجان اهلندي:
القراءة يف الفصل السابق تعطي انطباعاً أن الشعراء كانوا مشغولني بالشعوب والثقافات األخرى واختاذ
املواقف إزاءها ،وهذا غري صحيح ،ونرى يف شعرهم ثنائية الصحراء واملدينة ،إال أن ثقافة الصحراء ليست
نتاج أناس كانوا يسكنون الصحراء ،وإمنا هي نتاج إبداعي لدى كُتاب ينتظمهم التطور احلضاري
بوصفهم أبناء مدن وق رى لكنهم يف كثري من أعماهلم يستمدون هويتهم مما يعدونه املخزون احلقيقي
واألكثر ثراءً لتلك اهلوية .فاجلزيرة اليت كان البد أن تنفتح على العامل وعلى حنو منظم ومتطور منذ
تأسيس الدولة السعودية الثالثة جعلت مثقفيها وجهاً لوجه أمام السؤال املركزي؛ سؤال اهلوية ،وعلى الرغم
من تعدد اإلجابات كما رأينا سابقاً ،فإن اإلجابة ظلت أكثر بروز إن مل تكن األكثر هيمنة ،تلك كانت
إجابة الصحراء ،فمنذ السبعينات والقصيدة تلو القصيدة تدعو إىل العودة إىل العشرية والقبيلة ،من خالل
الصور اليت تستعيد الرباري والرمال واجلبال ،إضافة إىل اإلشارة إىل البدوي والقافلة والبعري والعطش
والسرى ،وبالطبع فإن الذين رمسوا الفضاء الشعري لتلك الصحراء مل يكونوا جيهلون أنهم إمنا يرمسون
صوراً ال ختلو من التخيل واحللم ،فهم يستعيدون صورة حتمل كثري من الرومانسية يف هروبها مما حييط
بهم.
عبداهلل الصيخان :تقاسيم الوطن: . 1
لقد رسم الصيخان مأساة طفل يف إحدى قصائده يف الشارع بني الصحف لينتهي به املطاف بني عجالت
سيارة أحد املارة ،وهو هنا يصور مأساة وط ن بأكمله ،وذلك كثري يف قصائده ،وهي مقابلة لقصيدة
حجازي "مقتل صيب" اليت تربز احلياة املدنية وقسوتها ،أما قصيدة الصيخان فتربز فيها رموز الريف والرباري
أكثر من غريها رغم السياق املدني للموت فيها ،فاملدينة عند الصيخان شرسة لكنها هشة من حيث
ميكن استدعاء فضاء القرية.
حممد الثبييت :معامل الصحراء: . 2
إن اللجوء إىل الصحراء جزء من السعي املتأجج بتلك اهلوية العربية ،ففي شعر املرحلة اليت نتأملها ــ
السبعينات والثمانينات ــ تشيع هذه القضية للتحول إىل قضية مركزية .ففي شعر حممد الثبييت تتمحور
الرؤية الشعرية حول هموم الذات الوطنية والقومية ،ويف قصيدة "صفحة من أوراق بدوي" يعلن الثبييت انتماءً
30
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مدهشاً على املستوى احلضاري ،انتماء الميكن وصفه بغري أنه انسحاب بل رفض ملكونات احلضارة
املعاصرة وأبرز مظاهرها ،ويف فرتة الحقة حتل لدى الثبييت لغة وصور أكثر تركيبية وغموض يهيمن
عليها الشكل التفعيلي ،إال أن مسألة االنتماء تظل حاضرة وبقوة ،ومن القصائد املهمة للثبييت قصيدة
"التضاريس" وفيها جند ال توظيف املكثف لألسطورة ،كما تعترب قصيدته "تغريبة القوافل واملطر" إحدى
القصائد املميزة يف شعر الثمانينات ،ويكمن ذلك يف مستوى التصوير الشعري ومدى تالحم النص ،ويف
القصيدة إعادة توظيف حلكاية الرحلة القبلية حبثاً عن املاء والكأل.
لقد كان حممد الثبييت شاعراً مسكو ن بالصحراء وحتى عندما حتضر املدينة فإنها حتضر على حنو
صحراوي.
علي الدميين :أزمة التمدن: . 3
تكتسب املدينة يف قصائد علي الدميين حضوراً ال ميكن جتاهله ولكن حضورها يتضاءل إذا ما قيس
حبضور الرباري واألرياف؛ الوطن مبفهومه الالمدني ،وقد كانت اجملموعة األوىل للدميين "رياح املواقع"
تفيض حبضور الفضاءات املفتوحة للوطن ،ففي قصيدته األوىل يطالعنا الوطن أرضاً سهلة منبسطة،
تشكل التجربة الشخصية ،أو السرية الذاتية لدى الدميين كما هي عند الصيخان والثبييت حموراً رئيساً
من حماور الرؤية الشعرية وصياغاتها املختلفة ،إال أن الشاعر وهو يواجه واقعه مبا يتضمنه من ضياع للهوية
وتنكر لآلخرين جيد ملجأه باستعادة الرموز اليت تؤكد اهلوية ،واملدينة متثل لدى الدميين حضوراً مهماً
ففي قصيدة موغلة يف التمدن مثل" :تدوينات" أو "يف أسبوع املرور" يكشف الشاعر عن قدرته على ختفيف
لغة الصحراء وحنينها الرومانسي انشغاالً بهموم املدن ،ومع تكريس عامل املدينة يف شعر الدميين إال أن
ذلك ال يؤدي إىل غياب األجواء املقابلة متاماً ،بل إنها تظل حاضرة وبقوة ،فإن عدد من القصائد من جمموعة
"بأجنحتها تدق أجراس النافذة" اليت صدرت بعد جمموعة "رياح املواقع" بعشرة أعوام تؤصل لتجربة شعرية
خمتلفة لدى الدميين.
أشجان اهلندي: . 4
إن اجلمع بني شعرية التفعيلة وشعرية النثر هو ما جنده لدى أشجان اهلندي ،ففي جمموعتيها "حروب األهلة"
و "وللحلم رائحة املطر" تقدم أشجان رؤية شعرية ذات طابع غنائي ميتزج فيها البعد اإلنساني العام بالبعد
العاطفي اخلا ص ،رؤية تتجمع يف بؤرة اإلشكالية األنثوية؛ إشكالية املرأة عل املستويني العاطفي
واالجتماعي ،ولكنها يف جمموعة ثالثة "مطر بنكهة الليمون" تنحاز إىل النثرية يف جمموعة من القصائد
اليت حتكي جتربة مغايرة ملا كانت تتناوله يف قصائدها األوىل .ففي قصائد التفعيلة نكتشف قدرة فريدة
لدى الشاعرة على إقامة جسور نصية مدهشة مع الشعر العربي القديم ،من خالل اسرتجاعات تراثية تبني
عن لون من التناص املقصود وغري املقصود أحياناً ،ومن القصائد اليت تسرتعي االنتباه يف هذا اجملال
القصيدة اليت حتمل عنوان اجملموعة األوىل "للحلم رائحة املطر" ،فمثل هذه القصيدة وغريها جندها مزجياً
من احلزن والغضب ملا تلقاه األنثى أمام قسوة جمتمع أبوي حيرمها من مشاعر بسيطة وأساسية ،حتقق
تفردها وحرية قرارها ،أما يف قصيدة "الفصل" فتدخل أشجان هندي أفقاً شعرياً مغايراً لألفق املكتنز
بالرتاث وباملعاناة األنثوية .فهنا تنتقل الرؤية الشعرية إىل فضاء اليومي والعام وتفاصيل احلياة اليت ظلت يف
31
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
تاريخ الشعر أقرب إىل اهلامشي .وهي بقصيدة كهذه تذكر بقدرتها على الدخول يف املعرتك املختلف من
خالل قصيدة قريبة من النثر محلتها جمموعتها األخرية "مطر بنكهة الليمون" .إنها قصائد قريبة من النثر
تشاطر قصيدة النثر احتفاءها باليومي واملهمش ،لكنها ال تشاطرها األوزان عن اإليقاع التفعيلي.
الفصل الثالث :قصيدة النثر الطريق اآلخر إىل الشعر:
فوزية أبو خالد ،حممد الدميين ،إبراهيم احلسني ،أمحد املال:
إبان التسعينات من القرن املاضي تطور املشهد الشعري احمللي باجتاه الكتابة النثرية ،على أساس تبلور
حني ظهر ما عرف بقصيدة النثر ،حيث انتشر ذلك الشكل وكاد يصبح الشكل الرئيس لدى النخبة من
الشعراء والقراء ،فقصيدة النثر اليت كُتبت يف اخلمسينات ما لبثت أن توارت لتعود من جديد بشروط
خمتلفة وحبضور أكثر انتشاراً ،هذا على الرغم من املعارضة اليت لقيتها ،غري أن االعرتاض على الشكل
اجلديد مل حيل دون انتشاره ،فالشعراء يف اململكة ويف اخلليج كانوا على اتصال بالشعراء العرب الذين
تبنوا ذلك الشكل على مدى أربعة عقود ،حيث تربطهم قواسم تتجاوز السمات الشكلية إىل اهلموم
املوضوعية أو القض ايا املتناولة ،فما حدث يف الثمانينات أحدث طفرة شعرية بكل املعايري محلت اللغة
والرؤية إىل آفاق غري مسبوقة حملياً سواء كان ذلك من حيث جدة القضايا املتناولة ويف طليعتها هيمنة
احلياة املدنية ،أو من حيث السمات الشكلية اليت كان منها :االعتماد على التكثيف اجملازي والرتاكيب
اللغوية غري املألوفة ،ولعل من نافلة القول أن نضيف أن تطور قصيدة النثر كان ايذاناً واضحاً بانفتاح احلياة
الثقافية واألدبية بشكل عام على احلياة الثقافية يف العامل عموماً ويف الوطن العربي بشكل خاص ،فمع
شعراء قصيدة النثر بات من املألوف أن جيد القاريء إشارات إىل بودلري ورامبو ولوركا ،مثلما جيد صالت
واضحة ومعلنة بأدونيس ودرويش وانسي احلاج ،على أن هذا االنفتاح مل يؤدي إىل تواري الصوت اخلاص
بالشاعر وباالنتماء البيئي.
فوزية أبو خالد: . 1
أصدرت فوزية أبو خالد أربعاً من اجملموعات الشعرية اليت تتسم مجيعاً باالحنياز للنثرية ،وقد استمرت
تكتب الشعر بعيداً عن اإليقاع اخلليلي املعروف ،على تفاوت يف الناحية التقنية والقضايا املطروحة ،فهي
من الناحية التقنية تبتعد عن اخلطاب املباشر ،أما على مستوى القضايا فمن املالحظ تغليب اهلم اإلنساني
الفردي على اهلم العام ،فاجملموعتني األوليني هلا تقرتبان من بعضهما يف توجهاتهما املوضوعية ،وقد كان
الشكل النثري يف تلك املرحلة املبكرة من جتربة الشاعرة كسر لألعراف والتقاليد الثقافية وكأن
الشكل جزء من حركة التمرد ،غري أنه ومن املالحظ أن الشاعرة وهي تتبنى النثرية حتاول أال تبتعد
كثرياً يف جماه لها يف تلك املرحلة ،فهي مثالً تسعى إىل احلفاظ على القافية يف بعض أجزاء النص ،وإن
كانت القافية يف نهاية املطاف غري قادرة على االحتفاظ باإليقاع الشعري النظمي ،ويف عام 1995جند
الشاعرة خترج بتجربة مغايرة يف جمموعتها "ماء السراب" فهي ال تتخلى فيها متاماً عن همها الوطين لكنها
تضع إىل جانبه هموماً إنسانية وفردية أخرى ،لكن الالفت على مستوى التجربة الفنية هو تطور قصيدة
النثر لدى فوزية أبو خالد باجتاه التكثيف اجملازي وإرهاف التصوير عرب لغة تعتمد اإلجياز واإلملاح ،غري
انه من الالفت حرص الشاعرة على الربط بني جتاربها يف هذه املرحلة وجتربتها األوىل ،كما أن الصحراء
32
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
تشكل بؤرة شعرية كربى يف قصائد فوزية أبو خالد كما يف "قصيدة املاء" ،فالقصيدة مسكونة بهم
الصحراء واالنتماء إىل ذلك الكيان البيئي الضخم ،الذي يعد مصدر إهلام للشاعرة .عن مسؤولية الكتابة
واهلم الثقايف مرتكز رئيس يف شعر فوزية أبو خالد ،ويف جمموعتها "شجن اجلماد" يتضح تطور التجربة
عندها على خمتلف املستويات ،لكنه أظهر على املستوى اإلنساني حني متد الشاعرة همها الشعري ألشياء
البسيطة لتستنطق ما يف اجلمادات من حياة ،لتتعداه إىل ما يف اجلماد من شجن ليجد القاريء الكثري من
الشجن الشعري املتناثر على شيئة األشياء.
حممد الدميين: . 2
يعترب الدميين من املقلني يف اإلنتاج الشعري مقارنة مع غريه ،إال أن قلة اإلنتاج ال عالقة هلا باجلودة ،فالدميين
من شعراء قصيدة النثر املعدودين يف اململكة ،فمجموعتاه حتمالن رؤية شعرية متميزة وإتقاناً يف األداء
يوازي الرؤية ،ففي جمموعته األوىل جند نصوصاً مفعلة وعمودية منها قصيدة "كتابة نهارية عن ليل
نيويورك" ،غري أن أهمية اجملموعة تأتي يف قصائدها النثرية ،فالدميين أحد الذين رسخوا قصيدة النثر يف
بعدها احلديث ،ومن هنا ميكن القول بأن اجملموعة األوىل متثل مرحلة انتقالية متتزج فيها بدايات تقليدية
ومساعي اخلروج إىل حداثة نثرية أكثر انضباطاً ،فمن القصائد اليت حتمل مسات قصيدة النثر احلديثة
يف تلك اجملموعة األوىل قصيدة "حتت هذا الغبار" ،حيث تتناغم هذه القصيدة مع عنوان اجملموعة يف
صورها الكئيبة ونظرتها القانطة إىل العامل ،ويف القصيدة يوظف الشاعر عالمات الرتقيم على حنو يؤكد
شخصية النثر وانتظام اجلملة ضمن إيقاع الكالم اليومي ،إىل جانب ذلك السمات املتصلة باخلطاب
الشعري واملتعلقة باملسائل اليت ينشغل بها الشاعر وهي تظهر من خالل نوعني من القضايا :األوىل املتصلة
باإلنسان العادي وواقعه اليومي ،والثانية تتصل بواقع الشاعر والشعر نفسه وما يتعلق بهما ،أم يف جمموعته
الثانية "سنابل يف منحدر" فتتضح املسافة اليت اجتازها الشاعر للوصول إىل قدر أكثر نضجاً يف الرؤية
الشعرية واتقان توصيلها .ففي جممل القصائد مستوى رفيع من األداء الشعري الذي ينقل قراءات مرهفة
للواقع اإلنساني وإلشكالية التعبري الشعري نفسها كما يعرب عنوان القصيد األوىل يف اجملموعة واليت
بعنوان "مالك احلسرة" ،واليت فيها كما يف قصائد أخرى للمجموعة عامل يبابي مرتع باآلثام ويسكنه
أحياء كأنهم موتى.
إبراهيم احلسني: . 3
يف قصيدة بعنوان "رغاء" ي رسم إبراهيم احلسن صورة للصبح الطالع يتضح فيما بعد أنها صورة حيوان لن
ينهض على قوائمه وحيداً ألنه صبح متهالك ممل ،إنها صورة مستلة من عمق احلياة املدنية ،حيث الرتابة
اليت جتعل ظاهرة مجيلة كالصبح عاجزاً عن إدخال البهجة إىل النفس اإلنسانية دون مقويات ،غري أن
جم موعة إبراهيم احلسني ليست كلها طافحة باخليبة والكآبة ،فثمة قصائد أخرى كثرية حتمل رؤى
مغايرة ،كما يف قصيدة "املياه" اليت فيها تأمل فلسفي وشعري مؤثر لعالقة اإلنسان باملاء ،ويف قصيدة
"انتباه" حيكي الشاعر عالقته مع تفاصيل احلياه اليت متأل الشارع ،تلك التفاصيل املهمة توازي األحالم
العتيقة اليت حتتفي بها قصيدة أخرى .إن هم اإلبداع أحد اهلموم الرئيسية يف قصيدة النثر ،ولدى احلسني
الكثري من القصائد اليت تتمحور حول القصائد نفسها :كيف جتيء؟ ومن أين جتيء؟ وماذا تفعل حني
33
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
جتيء؟ قصيدة بعنوان "البد" هي إحدى تلك اللفتات املدهشة إزاء هذه املسألة املؤرقة ،إنها قصيدة مكونة
من أربعة أسطر ترسم الرحلة الطويلة والصعبة للوصول للقصيدة.
أمحد املال: . 4
يعترب املال من األصوات الشعرية اليت أثرت التجربة وهو ممن كتبوا كافة األشكال اإليقاعية املعروفة
األمر الذي جيعل اختياره للنثر اختيارا صادراً عن خربة وجتربة واضحة ،صدر له جمموعات ثالث ،له
قصيدة بعنوان "يف أقصى حلمه" اليت تنتصب النخلة يف مقدمتها إنها الصورة اليت يرمسها املال للنخلة
والفالح ،لكن هذا االنتصاب وتلك االستقامة ما تلبث أن تنكشف عن انكسار كامن ،عن مأساة
متوقعة ،ألن الشاعر مشغول بالكشف عن مأساة النخلة ثم عن مأساة الفالح الذي توحده بالنخلة دماؤه
اليت روتها ،وحني نتتبع جمموعة املال جند للشجرة حضور متواتر فيها ،ولعل لبيئة الشاعر اليت انتما إليها
دور يف ذلك ،كما أن للشاعر نصوص أخرى تتقاطع مع العناء العاطفي دون أن تتصل به مباشرة من تلك
النصوص قصيدة "تغط يف العناق"
لقد كانت هناك اعتقادات تذهب إىل أن املوهبة الشعرية تستأثر بها ومتنحها قوة خارجية غري إنسانية ،فذكر
اليونان يف أساطريهم أن هناك تسع «ربات» يلهمن الشعر وسائر الفنون ،وقد اعتقدوا أن الربات التسع هن مثرة
زواج زيوس كبري األرباب بربة الذاكرة ،وقد تناول افالطون قضية اإلهلام يف بعض حواراته ،وخصص هلا
حوار إيود ( ) tooوهو حوار قصر ،يتجلى فيه االعتقاد بأن الشاعر ،ملحميا كان أو غنائيا ،متصل بقوة
مساوية (إهلية) تلهمه ما يقول ،وقد اعتقد العرب قبل اإلسالم بأن الشاعر متصل بشيطان خاص يلهمه الشعر،
وقد عرفنا الشعراء الذين يصاحب كل شاعر منهم شيطان أو تابعه ،ومنهم األعشى ميمون بن قيس ،وصاحبه
جهام جذع للهجني املذمم امسه « مسحل» وقد ذكره يف قوله :دعوت خليلي مسحالً ودعوا له
والشاعر الذي كان يقاوم األعشى ويقاوله هو عمرو بن قطن من بين سعد بن قيس بن ثعلبة ،ويقال إن جهنم
تابعته (ويقال بل هو لقب لعمرو) ،وقد حافظ هذا املعتقد على وجوده يف العصر األموي ،ولعل الفرزدق أن
يكون من أكثر الشعراء ترديداً له ،ويقال إن اسم شيطانه «عمرو» .وجرير ينافس الفرزدق يف اعتقاده أن الذي
يلهمه هو ابليس فيقول:
من الشياطني إبليس األباليس إني ليلقي علي الشعر مكتهلٌ
وكان الفرزدق يقول :شيطان جرير هو شيطاني إال أنه من فمي أخبث ،ويشري شاعر يسميه اجلاحظ أعشي
سليم إىل أن شيطان املخبل كان من اقوى الشياطني.
ويذهب اجلاحظ ويردد الثعاليب أن الشعراء كانوا يعون أن الكل فحل شيطانا .وقد ذكرنا أربعة من الشعراء
الذين اقرتنوا بشياطني ،وهم األعشى الكبري وحسان بن ثابت واملخبل والفرزدق ،وكلهم كانوا حسب ترتيب
34
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ابن سالم فحوال ،على أن اجلاحظ نفسه مل يتمسك بقوله السابق وهو الربط بني الشيطان والفحولة إذ جنده
يقول بعد قليل :إن مع كل شاعر شيطانا ،وهذا يعين أن كل شاعر حباجة إىل شيطان سواء أكان فحال أو
غري فحل .ويبدو امليل إىل متييز شيطان ،كل شاعر باسم معني يف فصل عقده صاحب مجهرة أشعار العرب،
وحني كان الشاعر األندلسي ابن شهيد يستذكر هذا املعتقد وحياول أن يستغله إلبراز تفوقه الشعري والنثري
بشهادة شياطني الفحول من الشعراء اجلاهليني واإلسالميني ومشاهري كتاب اإلسالم فكتب رسالة (التوابع
والزوابع) واحتفظ من دراسات ذلك املعتقد بأن شيطان كل شاعر حيمل امسا على النحو اآلتي:
شيطانه الشاعر
عتيبة بن نوفل امرؤ القيس
عنرت بن العجالن طرفة بن العبد
أبو اخلطار قيس بن اخلطيم
عتاب بن حبناء أبو متام
طوق بن مالك البحرتي
حسني الدنان أبو نواس
حارثة بن املغلس املتنيب
كذلك جعل ابن شهيد اجلن قبائل ،كل قبيلة حتمل اسم قبيلة من األنس ،وجعل لكل شيطان بيئة خاصة
متاثل البيئة اليت كان حيبها صاحبه يف ديار اآلدميني ،ويبدو أن فكرة الشيطان امللهم قد احنسرت أوائل
القرن الرابع ومل تعد معتقداً ،ولعلنا نقف هنا لتتساءل ملاذا اختار العرب لإلهلام شياطني بينما أختار اخليال
اليون اني عامل ربات عذارى خفرات؟ لنتذكر يف هذا الصدد أن اآلهلة الكبرية الشعر كانوا بنات أشهرهن
الالت والعزى ومناة وقد عرف العرب الكاهنات يف جمتمعهم اجلاهلي ،ولكن يبدو أن لذلك أسباباً أخرى
تتعلق مبفهوم الشعر نفسه؛ فالشعر عند العرب ذو مفهوم دفاعي هجومي بالدرجة األوىل ،إذ هو دفاع عن القبيلة
أو هجوم على أعدائها ،فالشياطني إذن أقدر على رعاية فنون احلماسة من العذارى.
هل يتعارض معتقد االهلام وممارسات أخرى كان يؤمن بها العرب اجلاهليون (واإلسالميون) فيما يتصل بإبداع
الشعر بها ومن أمثلة هذه املمارسات:
( )۱نظرية وراثة الشعر ،وهي تتلخص يف أن الشعر يدور يف بيوت أو أسر بأعيانها كعائلة زهري بن أبي سلمى،
فكان أبوه شاعراً وكذلك ابناه كعب وجبري ومجاعة من أبنائهم؛ وكان خاله بشامة بن الغدير شاعراً،
ونظرية وراثة الشعر جتمع بني ثالثة أمور :أثر العرق أو النسب وأثر البيئة وتلقي هبات الشعراء املاضني كما
يقول الفرزدق:
وأبو اليزيد وذو القروح وجرول وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا
35
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
( )۲اإلميان بضرورة الرواية ،والرواية نوعان أحدهما تدرب شاعر ناشئ ،على يد شاعر مشهور ،فاألول يروي
شعر الثاني ،كان احلطيئة راوية لزهري ،وزهري راوية ألوس بن حجر وطفيل الغنوي ،واستمرت الرواية يف
اإلسالم فكان كثري راوية جلميل .والنوع الثاني أن يطلب الشاعر العلوم اليت حيتاج إليها يف قول الشعر.
( )۳ما معنى االهلام إذا كان هنالك حتليل وتنقيح حتى أن أبرز اجلاهليني وبعض املخضرمني مثل أوس بن حجر
وزهري والنابغة وغريهم كانوا يعرفون لدى النقاد باسم "عبيد الشعر"؟ ويقول احلطيئة :خري الشعر احلولي
احملكك.
يبدو وأنا إزاء موقفني متعارضني :القول باإلهلام والقول بالتجويد .ولكن بعد التأمل رمبا خف التعارض وتراجع
إذا حنن قصرنا االهلام على حلظة االبداع دون غريها .ولكن مما قد يقلل من هذا التكامل حُجة كثري من
الشعراء إىل القيام بأمور تساعد على استدعاء تلك اللحظة أو استثارتها .ومهما يكن من شيء فال بد من أن
نلحظ أن القول بالتعمل والكد يف صنع الشعر قد طغى منذ البداية على فكرة االهلام؛ وعلى الرغم من جتاور
القولني معا كان ظهور مدرسة ذات حدود واضحة قد نسميها «مدرسة عبيد الشعر يف العصر اجلاهلي،
واستمرار هذه املدرسة خالل العصور التالية قد أضعف لدى العرب منذ البدايات إبراز دور االهلام ،ومن ثم
أضعف لديهم احلاجة إىل االتكاء على قوة «اخليال» ،فتوارت هذه اللفظة نفسها يف تاريخ الشعر العربي مفسحة
اجملال ملواصفات عقلية صرفة ،ومل يعد احلديث عن الظهور ،ولو اقرتن باخليال ،إال عند ظهور املدرسة
الرومنطيقية احلديثة ،وقد احناز الشعراء أنفسهم إىل جانب املعاناة وبذل اجلهد يف نظمهم الشعر ،والشعراء
يف تصوير ما يبذلون من جهد يستعملون صورة متقاربة وخباصة صورة تثقيف الرمح ،إن هذه التجارب الشعرية
اليت تنتمي إىل اجلاهلية وما بعدها كلها تؤكد أن وراء إخراج القصيدة إىل اجلمهور جهدا غري قليل.
النقد األدبي يف أواخر القرن الثاني
نظرة عامة يف قواعد النقد حتى أواخر هذا القرن
قضى النقد العربي مدة طويلة من الزمن ،وهو يدور يف جمال االنطباعية اخلالصة ،واألحكام اجلزئية اليت
تعتمد املفاضلة بني بيت وبيت أو متييز البيت املفرد أو إرسال حكم عام يف الرتجيح بني شاعر وشاعر ،ويف
طليعة تلك القواعد اعتماد النقد مبدأ اللياقة؛ فالشماخ معيب حني يقول خماطبة ناقته:
إذا بلغتِنِي ومحلتِ رحلي عرابةَ فاشرقي بدمِ الوتني
ألن قوله واشرقي بدم الوتني ،أسوأ مكافأة هلا على ما قدمته له من معروف .وقريب من هذه القاعدة قاعدة
أخرى نشأت عن مالحظة اجلودة املثالية يف الشيء املوصوف ،فاخلضوع للعرف العام يف احللق الفردي
واالجتماعي ويف حماسن األشياء وعيوبها هو احلكم الذي كان يفيء إليه أولئك النقاد العلماء يف دراستهم
للشعر ،وقد جرت القواعد السابقة وأشباهها إىل عمل خطري يف نطاق الرواية األدبية حني استباح الرواة أن
يغريوا ما ميكن تغيريه إذا هو مل يتفق وتلك القواعد.
وكان اخلليل بن أمحد -حني وضع العروض -قد وضع يف أيدي هؤالء العلماء مصطلحاً للعيوب الشكلية،
من اقواء وإسناد وإبطاء ،ظل هو مفزعهم كلما أرادوا نقد الشعر من تلك الناحية والشيء الالفت للنظر يف
36
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مصطلح اخلليل أنه مستمد من « بيت الشعر » وقد كان عمله هذه الناحية ميثل وعياً دقيقة وتكامال يف النظرة
العامة ،ويف مقدمة تلك القواعد ما ميكن أن نسميه « قانون االستواء النفسي ،أي أن يظل الشاعر ملتزماً
مبستوى واحد من النظرة إىل احلياة وقيمها ،ومن الطبيعي أن يتفاوت العلماء يف طبيعة إسهامهم النقدي ،ويقف
األصمعي بينهم مثال" متميزاً ،فهو وإن شاركهم يف كثري من النظرات الساذجة من مثل االلتفات حنو متيز
األصمعي بني الرواة أغزل بيت وأهجى بيت وما أشبه ذلك من أحكام ،فقد هداه بصره إىل مواقف نقدية
واضحة ،ونكتفي هنا بثالثة مواقف منها:
الفصل بني الشعر واألخالق :من العجيب أن األصمعي الذي كان يتحرج تدينا من رواية أي شعر . 1
فيه ذكر لألنواء ،يقيم حد ا فاصالً بني الشعر والدين ويراهما عاملني منفصلني ال يتصل
أحدهما باآلخر ،ويف اتصاهلما حيف على الشعر نفسه ،وهو القائل" :طريق الشعر إذا أدخلته
يف باب اخلري الن"
الفحولة :سأل أبو حامت األصمعي عن معنى الفحل فقال له « :له مزية على غريه كمزية الفحل . 2
على احلقاق» .هلذا انقسم الشعراء لدى األصمعي إىل فئتني :فحول وغري فحول ،والفحولة
تعين:
• غلبة صفة الشعر على كل صفات أخرى يف املرء
• أن غلبة صفة الشعر تستدعي عدداً معيناً من القصائد اليت تكفل لصاحبه التفرد
العناية بالتشبيه :حيث ميز تشبيهات أمرئ القيس ،وتشبيه عنرتة يف الذباب وغري ذلك ،فله . 3
الفضل يف توسيع نطاق هذا املوضوع
وأياً كانت الفروق القائمة بني تصور األصمعي وغريه للفحولة فإن صفة القوة هي املقياس املشرتك بني اجلميع.
ثم ميكننا أن نقول إن النقد يف مطلع القرن الثالث كان قاصرا عن الوفاء حباجة األدب ،فقد ظل النقد حيث
هو ،بينما كان الشعر يشهد تغرياً ،وزاد األمر حدة اختالف طبقة الرواة أنفسهم يف تصورهم املهمة اليت يروي
الشعر من أجلها ،فكل فريق منهم يريده أن خيدم غاية حمددة:
( )1فالنحويون من هؤالء الرواة ال يروون إال كل شعر فيه اعراب
( )۲والذين جيمعون األشعار ال يهتمون إال بكل شعر فيه غريب أو معنى صعب حيتاج إىل االستخراج
( )۳ورواة األخبار ال يقبلون إال على كل شعر فيه الشاهد واملثل
( ) 4وعامة الرواة ال يقفون إال على األلفاظ املتخرية واملعاني املنتخبة وعلى األلفاظ العذبة واملخارج السهلة
والديباجة الكرمية وعلى الطبع املتمكن وعلى السبك اجليد.
احملاوالت النقدية يف القرن الثالث
يف طليعة ذلك جهد الناشئ األكرب والناشئ األكرب أبو العباس عبد اهلل بن حممد املشهور بابن شرشري كان
شاعراً متكلماً حنوياً عروضياً ،نقض علل النحويني وأدخل على قواعد العروض شبهاً ومثلها بغري أمثلة اخلليل،
ونظم قصيدة طويلة يف فنون العلم تبلغ أربعة آالف بيت وصفه أبو حيان التوحيدي يف كتاب «البصائر والذخائر»
37
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بالتفوق يف هذا املضمار فقال " :وما أصبت أحداً تكلم يف نقد الشعر وتر صيفه أحسن ما ( أتى ) به الناشئ
املتكلم وإن كالمه ليزيد على كالم قدامة و غريه وله مذهب حلو وشعر بديع واحتفال عجيب".
فالناشئ يقول يف تعريف الشعر ووصفه" :الشعر قيد الكالم وعقال األدب وسور البالغة وحمل الرباعة وجمال
اجلنان ومسرح البيان وذريعة املتوسل ووسيلة املرتسل وذمام الغريب وحرمة األديب وعصمة اهلارب وعذر الراهب
وفرحة املتمثل وحاكم االعراب وشاهد الصواب" ،و مهما تكن طبيعة هذه احملاولة ،فإن نسبتها إىل الناشئ
األكرب أمر هام ألنها تؤكد أن الدوائر االعتزالية كانت من أكثر اجملاالت اهتماماً بالنقد ،وقد اندفع
املعتزلة حنو استبانة املقاييس البالغية والنقدية لعاملني كبريين:
أوهلما :أن البالغة عنصر هام يف االقناع ،واالقناع غاية اجلدل الكالمي ،وقد قررت صحيفة بشر أشياء
ستصبح مشرتكة بني نقد اخلطابة ونقد الشعر.
ثانيهما :إميان املعتزلة أن الشعر العربي مصدر من مصادر املعرفة الكربى ووعاء هلا.
وأيا كان األمر فقد تعددت احملاوالت النقدية يف القرن الثالث ،على أنها تقع حتت فئات متباينة ،متيز فيها
مخساً:
. 1االهتمام بإبراز املعاني املشرتكة بني الشعراء:
وهو اهتمام أدى إىل تتبع السرقات ،ثم آل بهم األمر إىل تصنيف السرقات يف أنواع وضروب ،ومن صور االهتمام
بها يف القرن الثالث :كتاب سرقات الشعراء وما اتفقوا عليه البن السكيت ،وكتاب إغارة كثري على الشعراء
للزبري بن بكار ،وكتاب سرقات البحرتي من أبي متام وكتاب سرقات الشعراء أمحد بن أبي طاهر طيفور.
. 2النقد الضمين:
كادت الشكوى أن تكون عامة من أن شعر احملدثني ال جيد الناقد الذي يربزه للناس ويقربه إليهم ،لذلك
رأى بعض املشتغلني بالشعر مما ال يقفون موقف العداء من الشعر احملدث أن يربزوه للناس بعمل خمتارات منه،
فكانت من ذلك كتب االختيارات اليت ظهرت يف ذلك القرن ،وهي كتب ال تقوم على أسس صحيحة ،وإمنا
تعتمد على ذوق صاحبها ،ومن تلك الكتب "كتاب البارع" وكتاب "اختيار الشعراء الكبري" ألبي عبداهلل
هارون بن علي ،وللمربد كتاب "الروضة" اختار فيه شعر احملدثني" ،محاسة أبي متام" وقد خالف أبو متام يف
تأليفه هذه الروح املتوجهة حنو الشعر احملدث ،ألن ما أورده يف كتابه من شعر احملدثني قليل ،وقد أتيح له أن
يهتدي إىل ابتكار جزئي حني مج ع ضروباً من الفنون الشعرية حتت فن جديد مساه "احلماسة" وبه مسى
الكتاب كله ،وقد كان البون حقاً بعيداً بني اختيار أبي متام وبني طريقته الشعرية ،ولقد حاول البحرتي
حماكاته فأكثر من األبواب ،وغلبت عليه النزعة األخالقية ،بينما كان احململ الضمين عند أبي متام
مجالياً ،أما ابن طيفور وهو معاصر هلما ،فهو مل يقصر مُؤلفه على الشعر دون النثر ،ثم إن القاعدة يف اختياره
هي متييز الشعر والنثر على درجتني 1 :ــ املفرد يف اإلحسان 2ــ املشارك بعضه بعضاً يف اإلحسان .وقد
وافق صاحب احلماسة يف وقوفه عند الشجاعة كما وافق البحرتي يف إيراد ماقي يف األخالق ،وقد احتذى
38
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
حذو القصائد الطوال عند الرواة ،مما دفعه أن يقف عند حقيقة هذه القصائد ،وقد حاول ابن طيفور أن يبني
األسس النقدية يف اختيار تلك القصائد وأن يورد تعليالت لذلك هي:
أ -اشتمال القصيدة على معاني كثرية ال مثل هلا.
ب -انفرادها مبحاسن مل جتيء يف غريها
ت -انفرادها يف الوزن والعروض
وقد مضى ابن طيفور يف اختيار ما يعز نظريه أو ينعدم دون أن يكون لديه معيار واضح إال ذوقه اخلاص.
. 3إعادة صياغة النظريات القدمية:
قد رأينا كيف أن جهد العلماء والرواة وقف أحياناً عند حدود البيت املفرد ،أو استبانة صفة عامة يف الشعر،
وما من ريب أن تلك األحكام كانت قاصرة أن تفي حباجة النقد ،غري أن بعض نقاد القرن الثالث كانوا
خملصني للموروث ،وكانوا يرون أن احلل للمشكالت األدبية هو تطور النظريات اليت أخذوها عن أساتذتهم،
وإعادة صياغتها.
حممد بن سالم اجلمحي:
كان ابن سالم من أول من نص على استقالل النقد األدبي فأفرد الناقد بدور خاص حني جعل للشعر صناعة
يتقنها أهل العلم بها ،ويف هذا نقل ابن سالم ميدان اخلصومة بني الشعر القديم واحملدث ،وجعلها حول الناقد
البصري وغري البصري ،على أنه مينح الناقد البصري سلطاناً مطلقاً ،ولذلك تصدى يف مقدمته إىل ضروب االنتحال
وأسبابه ،وقد بنى ابن سالم كتابه على فكرة الطبقات ،فذكر من شعراء اجلاهلية عشر طبقات يف كل
طبقة أربعة شعراء ،ثم اتبعهم بثالث طبقات أخرى هي طبقات أصحاب املراثي ،ثم جعل شعراء اإلسالم يف
عشر طبقات أخرى منتهياً بذلك إىل أواخر العصر األموي ،ويبدو أن الفحولة هي األساس األول عند ابن سالم،
وقد وسع ابن سالم من حدود فكرة األصمعي وأعاد صياغتها ،حيث جعل الفحولة تتفاوت ،أما األساس الثاني
عند ابن سالم فهو تقارب كل أصحاب طبقة يف أشعارهم ،وهناك مبدأ اعتمده األصمعي من قبل جعله ابن
سالم أحد األسس وهو "الكم" ،وبقي من مقاييس األصمعي اللني وقد كان حاضراً يف ذهن ابن سالم إال أنه
مل يقرنه باخلري ،فجعل اللني أداة للتوقف يف أخذ الشعر واالسرتابة فيه ،من هنا نرى أن ابن سالم عاد إىل
املبادئ القدمية فمنحها شكالً جديداً ووسع منها ،وحاول أن خيلق نظاماً جديداً لدراسة الشعراء.
ثعلب وكتابه قواعد الشعر:
لقد عاشر ثعلب طبقات واتسعت الثقافات يف أيامه وكثر اجلدل حول الشعر احملدث ،فكان كتابه "قواعد
الشعر" الذي ال يعدو أن يكون عودة إىل األحكام اليت سبقت ابن سالم واألصمعي ،وقد كانت غاية جهده
يف رواية الشعر أن يفسر ما فيه من غريب ،فليس له يف جمالسه تعليق نقدي واحد ،وإذا حتدث عن الشعراء
أورد تعليقات جمملة سريعة ،ويتسم كتاب قواعد الشعر بغرابة املنحى وسذاجته معاً وبالفرد يف كثري من
املصطلح النقدي ،فهو جيعل قواعد الشعر هي" :األمر والنهي واخلرب واالستخبار" ،وقد عاد إىل اخلليل فتحدث
عما خيل باتساق النظم من سناد وإقواء وإكفاء وإجازة وإيطاء ،ورمبا استوحى قول ابن األعرابي من قبل يف
39
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وصف القا فية" :استجيدوا القوايف فإنها حوافر الشعر" ،وهنا توسع صاحب قواعد الشعر يف هذه اللمحة وأوجد
مصطلحاً مستمداً من الفرس يدور حول وصف البيت املفرد؛ فالبيت إما معدل أو أغر أو حمجل أو مرجّل.
. 4املفاضلة بني شاعرين:
كانت املفاضلة بني شاعرين حموراً يدور حوله كثري من النقد القديم ولكن أصوهلا كانت بسيطة ساذجة
تلخص اإلعجاب العام لدى أحد املتذوقني بشاعر دون آخر ،أما يف هذا العصر فقد اتسع باب القول يف املفاضلة
وألفت فيه رسائل ،وكانت خطوة يف االجتاه الذي اعتمده اآلمدي يف كتابه املوازنة ،ومن تلك الرسائل رسالة
كتبها أبو أمحد حييى بن علي املنجم يفاضل فيها بني العباس بن األحنف والعتابي.
. 5النظرة التوفيقية:
لقد كانت هذه النظرة مثرة الصراع الذي نشأ بني القديم واحملدث من الشعر ،وقد التقى حول هذه النظرة
أناس ذو مشارب متباينة ،فمنهم اللغوي ،ومنهم املتكلم ،ومنهم ذو الثقافة اإلسالمية اخلاصة.
أبو العباس املربد:
مل يدرج املربد يف النقاد غري أن هذه الصلة بينه وبني الشعر احملدث ال تتجاوز جمال العطف ،حيث حيس من
يقرأ للمربد أنه كان مغلوباً بروح العصر مساقاً بقوته ،وقد كان املربد يف اختياره ألشعار احملدثني يليب حاجة
العصر ايضاً ،فهو يهدف إىل أن خي دم طبقة املتعلمني وخاصة من يهيئون أنفسهم ملستوى بالغي من فئة
الكتاب ،وقد شارك املربد يف جوانب من االجتاهات النقدية يف عصره ،إال أنه يبدو أن املربد قد متثل قواعد
اخلطابة أكثر من متثله ملبادئ نقد الشعر فمزج بني الفنني يف نقده ،ولعله من أسبق من أوىل التشبيه هذه
العناية التفصيلية وبني أقسامه وجعلها أربعة :املفرط واملصيب واملقارب والبعيد ،وقد يلحق مبفهوماته البالغية
حديثه عن اإلمياء ،وقد أحل املربد أثناء اختياره لألشعار إىل موقفه من قضية اللفظ واملعنى ،غري أنه مل يتناول
تلك القضية بشيء من التفسري.
عمرو بن حبر اجلاحظ:
يتميز اجلاحظ عن مجيع الرواة وعن من أملوا بالنقد يف القرن الثالث ،ومرد ذلك إىل طبيعته الذاتية وملكاته
وسعة ثقافته ،ويأسف الدارس أن اجلاحظ مل يفرد للنقد كثاباً ،وإمنا كانت نظراته النقدية عرضاً يف
تضاعيف كتبه كاحليوان والبيان والتبيني ،فلقد كان اجلاحظ مبا أوتي من علم وذكاء شخصية متفردة
من خري من يُحسنون تأسيس النقد على أصول نظرية وتطبيقية ،إال أنه شُغل عنه بشؤون أخرى كثرية ،وقد
كان اجلاحظ توفيقي النظرة ال يعتقد بتفضيل قديم على حديث ،فعند دراسة آراء اجلاحظ النقدية جند أن
أكثر ما لديه أصول نظريات مل مينحها ما تستحقه من شرح وتفسري ومتثيل ،فأول ذلك أن الشعر يف اجلماعات
إمنا يعتمد على ثالثة عناصر :الغريزة والبلد والعرق ،وكأنه يرد يف هذه النظرية على ابن سالم الذي ذهب
إىل أن الشعر كان يكثر باحلروب ،غري ان اجلاحظ تناول نظرية العرق بشيء من التطوير والتفسري ومل يتقيد
بالبيئة كثرياً ،حني ذهب إىل أن العرق العربي أشعر من العرق املولد ،وقد بدأ اجلاحظ نظرية أخرى كان من
املمكن أن تفتح أمامه آفاقاً واسعة حني قال" :إمنا الشعر صناعة وضرب من الصبغ وجنس من التصوير" ،حيث
40
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
لو ختطى حدود التعريف لوجد نفسه يف جمال املقارنة بني الشعر والرسم ،وكل ما أراده اجلاحظ من هذا
القول تأكيد نظريته يف الشكل ،وأن املعول يف الشعر إمنا يقع على "إقامة الوزن وختري اللفظ وسهولة املخرج
وكثرة املاء وصحة الطبع وجودة السبك ،وقد اجته اجلاحظ هذا االجتاه مع أنه مل يكن من الشكليني يف
التطبيق وذلك ألنه مل يتابع أستاذه النظام يف قوله بالصرفة ،والن عصر اجلاحظ كان يشهد بوادر محلة عنيفة
يقوم بها النقاد لتبيان السرقة يف املعاني بني الشعراء ،إضافة إىل أن اجلاحظ خصب القرحية ال يعييه املوضوع
وال يثقل عليه احملتوى أياً كان لونه ،ولذا فإنه كان حيس أن املعنى موجود يف كل مكان وما على األديب
إال أن يتناوله ويصوغه صياغة متفردة .ثم وقف اجلاحظ من نظريته يف الشكل موقفني آخرين أحدهما يؤيدها
والثاني ينقضها ،فأما األول فهو إصراره على أن الشعر ال يرتجم ،وأما الثاني فقوله إن هناك معاني ال ميكن
أن تسرق كوصف عنرتة للذباب ،ويكمل اجلاحظ منهج بن سالم بني التمييز بني الصحيح واملنحول يف الشعر
فيستخدم شهادة الرواة ،وتدل التعليقات اليت يؤيدها اجلاحظ حول بعض ما يرويه من األشعار على أنه كان
حاداً أحياناً يف نقده ،وتدفعه محاسته أحياناً إىل إرسال أحكام كبرية ال نستطيع اليوم أن نستوثق من صحتها
كقوله يف شعر الفرزدق" :وإن أحببت أن تروي من قصار القصائد شعراً مل يسمع مبثله ،فالتمس ذلك يف قصار
قصائد الفرزدق ،فإنك مل تر شاعرًا قط جيمع التجويد يف القصار والطوال غريه".
أبو حممد عبداهلل بن مسلم بن قتيبة:
تدل مؤلفات ابن قتيبة على تعدد مناحي اهتمامه ،وهو يكمل دور اجلاحظ يف الدفاع عن العرب والرد على
الشعوبية ،وملا كان أكثر الشعوبيني أثراً من طبقة الكتاب فقد حاول ابن قتيبة أن يؤلف هلم كتاباً ،فكان
من ذلك "أدب الكاتب" و "عيون األخبار" و "املعارف" و "الشعر والشعراء" ،وقد مزج ابن قتيبة باملقتطفات
واملختارات العربي ة شيئاً من مآثر الفرس وحكمتهم ،وقد تأثر باجلاحظ فروى كتبه ونقل منها وتبنى بعض
أرائه ،على الرغم أنه حيمل بشدة على اجلاحظ ألنه ينتصر للشيء وضده ،فإذا استثنينا هذه الناحية وجدنا أن
التوفيق والتسوية صفتان متثالن جهد ابن قتيبة يف خمتلف امليادين وخاصة النقد األدبي ،وكانت فكرة التسوية
أبعد تسلطاً على مفهومات ابن قتيبة مما هي لدى اجلاحظ ،فالناقدان يشرتكان يف املذهب التوفيقي الذي
يريد أن جيعل اجلودة مقياساً للشعر دون اعتبار للقدم واحلداثة ،إال أن ابن قتيبة أبني يف التعبري من اجلاحظ
وأكثر إسهاباً ،ثم هما يفرتقان يف مواقف أخرى ،ألن االعتدال عند ابن قتيبة قد بسط ظله على نظرته العامة،
ومن أبني الفروق بينهما اختالفهما يف النظرة إىل مشكلة اللفظ واملعنى ،فبينما احناز اجلاحظ إىل جانب
اللفظ ،ذهب ابن قتيبة مذهب السوية ،وقد قسم ابن قتيبة الشعر إىل أربعة أضرب :لفظ جيد ومعن جيد لفظ
جيد وم عنى رديء لفظ رديء ومعنى جيد لفظ رديء وعنى رديء ،فاملسألة عنده مسألة صلة بني املعنى
واللفظ ،وعالقة اجلودة يف كليهما هي املفضلة ،وإىل جانب معادلة اللفظ واملعنى وقف ابن قتيبة عند قسمة
ثنائية يف النظرية الشعرية ،فقد كثر احلديث يف عصره عن الطبع والتكلف فتناوهلما ابن قتيبة بالتفسري
والتمثيل فهو يقوا" :واملطبوع من الشعراء من مسح بالشعر واقتدر على القوايف ،وأراك يف صدر بيته عجزه ،ويف
فاحتته قافيته ،وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة واذا امتحن مل يتلعثم ومل يتزحر" وتقابل لفظة
41
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الطبع عند ابن قتيبة ما مساه اجلاحظ "الغريزة" ،وقد التفت ابن قتيبة إىل احلاالت النفسية عند حتدثه عن
الطبع حيث تناوهلا من ثالثة جوانب:
جانب احلوافز النفسية الدافعة كالطمع واسوق والطرب والغضب . 1
جانب العالقة بني الشاعر والزمن ألن بعض األوقات ذو تأثري خاص يف املزاج الشعري . 2
مراعات احل االت النفسية لدى السامعني ،ومن هذه علل ابن قتيبة بناء القصيدة العربة :من . 3
استهالل البكا على األطالل ثم االنتقال إىل وصف الرحلة والنسيب ،وذلك ليميل حنوه القلوب ويصرف
إليه الوجوه وليستدعي إصغاء األمساع ألن التشبيب قريب من النفوس الئط بالقلوب ،فابن قتيبة يؤمن
أن بناء القصيدة على هذه املقدمات إمنا كانت تستدعيه الرغبة يف لفت االنتباه ،وإشراك السامعني
يف عاطفة الشاعر.
مما تقدم نرى اهتمام ابن قتيبة متجه يف أكثره حنو الشاعر ــ دون إغفال للشعر واجلمهور ــ فهو اما متكلف
أو مطبوع ،وحلالته النفسية أثر بني يف الشعر ،وللغرائز عند الشعراء أثر يف تباينهم يف الفنون الشعرية املختلفة،
وهلذا جند ابن قتيبة خيص الثقافة السماعية باالهتمام ،ويورد ابن قتيبة مالحظة جزئية فيعود لالستثناء على
قاعدة "جودة اللفظ وصحة املعنى" فيقول :إن بعض الشعر يروى خلصائص أخرى كاإلصابة يف التصوير أو
مجا ل النغمة أو طرافة املعنى املستغرب ،أو ألسباب خارجية أخرى كأن يكون صاحبه مقالً أو عظيماً يف
املوقع االجتماعي ،وهذه أشياء ال حتدد الشعر وإمنا حتدد أسباب الرواية أو االستحسان لبعض ضروبه ،وعلى
الرغم من فقر املصطلح النقدي لدى ابن قتيبة فقد مترس يف مقدمته بأكرب املشكالت النقدية اليت سيكثر
حوهلا احلديث من بعده ،فتحدث عن الشعر من خالل قضية اللفظ واملعنى ،والتكلف و جودة الصنعة ،و
عن ضرورة التناسب بني املوضوعات يف القصيدة الواحدة وتالحقها يف سياق ،واعتمادها على وحدة معنوية
تقيم التالحم و«القران» بني أسباب خارجة عن الشعر أحيانا متنحه يف نفوس الناس منزلة وقيمة ،وعن العيوب
الشكلية اليت تعرتي العالقات اإلعرابية والنغمات املوسيقية والقوايف .وأملح إىل أهمية التأثري يف نفسيات
اجلماهري بالتناسب واملشاركة العاطفية ،وحتدث عن الشاعر متكلفاً و مطبوعاً ،وعن املؤثرات واحلوافز
اليت تفعل فعلها يف نفسه ،وعن عالقة الشاعرية باألزمنة واألمكنة وعن ثقافة الشاعر ،و تفاوت الشعراء يف
الطاقة الشعرية.
أبو العباس عبداهلل بن املعتز:
لعل ابن املعتز خري مثل للناقد الذي يؤمن بقول القائل" :أشعر الناس من أنت يف شعره حتى تفرغ منه" وحسبنا
أن نقرأ البن املعتز هذه األقوال:
بشار :ومما يستحسن من شعره وإن كان كله حسن.
أبو اهلندي :ومما يستحسن من شعره وإن كان كله حسن جيداً.
ربيعة الرقي :ومما يستحسن له ،وإن كان شعره كله مليحاً عذباً مطبوعاً جيداً هنيئاً.
مسلم بن الوليد :ومما يستحسن له ،على أن شعره كله ديباج حسن ال يدفعه عن ذلك أحد.
42
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
43
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بن فارس ،أما ما أورده ابن فارس يف كتاب الصاحيب عن الشعر فإنه كرر فيه تعريف قدامة بن جعفر للشعر،
ثم ذكر األسباب اليت جعلت النيب منزهاً عن الشعر ،ويف مجلتها أن الشعر يقوم على الكذب .وحتدث كذلك
عن ركوب الشعراء للضرورات واجلوازات ،وهو يرى أن االختيار الذي يزاوله الناس إمنا هو شهوات ،فكل
يستحسن شيئاً حسب شهوته.
وقد ذهبت بعض اجلهود النقدية يف اجتاه عملي ،ميثل النقد فيه ناحية ضمنية أو شبه ضمنية وخاصة يف كتب
االختيار ،ومن أهم االختيارات العامة محاسة اخلالديني اليت تسمى األشباه والنظائر ،وهي ختتلف عن غريها
من املختارات بوضوح األسس النقدية فيها من خالل املفاضلة واملقارنة وإرسال األحكام والتعليقات ،هذا إىل
أنها حا ملة بتوضيح اجلو العام يف كثري من القصائد وذلك بإيراد املناسبة اليت استدعتها ،وهناك اختيارات
اعتمدت قاعدة صورية ال موضوعية أو مجعت بينهما جاعلة األوىل هي األساس ،وهي كتب التشبيهات ،ويف
طليعتها كتاب ابن أبي عون وهو يرى أن الشعر قائماً على ثالثة أحناء :املثل السائر واالستعارة الغريبة والتشبيه
الواقع النادر ،وقد كثرت العناية بالتشبيه يف القرن الرابع وأفردت فيه مؤلفات ،كما شغل النقد يف القرن
الرابع بالكشف عن السرقات
أهم املظاهر النقدية يف القرن الرابع:
اعتماد الذوق الفين يف إنشاء نظرية شعرية
(عيار الشعر البن طباطبا)
ُي عد ابن طباطبا يف تاريخ النقد حلقة متممة ملا جاء به ابن قتيبة ،وقد عرف ابن طباطبا الشعر بأنه كالم منظوم
وأن الفرق بينه وبني النثر إمنا يكمن يف النظم ،وقد تناول ثقافة الشاعر فنص على ضرورة التوسع يف علم
اللغة والرباعة يف فهم اإلعراب والرواية لفنون اآلداب واملعرفة بأيام الناس وأنسابهم ومناقبهم ومثالبهم والوقوف
على مذاهب العرب يف تأسيس الشعر والتصرف يف معانيه ،واتباع السنة أو املوروث هو املعتمد عند ابن طباطبا
يف النقد ،وهو ال يرى الشعر شيئاً منفصالً عن البيئة واملثل األخالقية ،فللعرب مثل عليا هي متكأهم يف املدح
واهلجاء ،وهلم طريق خاصة يف التشبيه من وحي بيئتهم ،وهلم مقاييس يعتمدونها يف املدح والذم ،غري أن هذا
االلتزام بالسنه عنده ال يعدو مرحلة االستعداد والتثقيف والدرس والتحصيل ،فتعد نظرته هذه ابتعاداً صارخاً
عن مفهوم الغريزة إذ يصبح الشعر لديه جيشان فكر فهو ال يعرتف بطاقة تنظم السياق أو انفعال يبعث تدافع
القول ،وإمنا القصيدة لديه كالرسالة تقوم على معنى يف الفكر ،فإذا أراد الشاعر نظماً وضع املعنى يف
فكرة نثراً ثم أخذ يف صياغته بألفاظ مطابقة ،وقد تأتيه أبيات غري متناسقة فيأخذ يف تنسيقها حتى تطرد
وتنتظم.
وقد حما ابن طباطبا الفروق بني القصيدة والرسالة النثرية يف البناء والتدرج واتصال األفكار فهو يقول" :الشعر
رسائل معقودة والرسائل شعر حملول" ،من هذا يتضح أن القصيدة قد تتعدد موضوعاتها ،وأن الوحدة فيها قد
تكون وحدة بناء وحسب ،فتلك هي الغاية الكربى من هذا التدقيق يف التوالي والتدرج وإقامة العالقات بني
األجزاء والصورة الصناعية ال تفارق خيال ابن طباطبا يف عمل الشعر ،ومن آمن بأن جمال املعاني قد ضاق على
44
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الشاعر احملدث فال بد له من قانون ل ألخذ والسرقة ،وقانون ابن طباطبا شبيه مبا ذكرنا عن غريه من النقاد
يف القرن الثالث .فمن علم الشاعر كيف يصنع قصيدته بيتا بيتا بل كلمة كلمة ال بد له من أن يعلمه طريقة
من السرقة ال يناله فيها احلد :على الشاعر أن يستعمل "املعاني املأخوذة يف غري اجلنس الذي تناوهلا منه فإذا
وجد معنى لطيفاً يف تشبيب أو غزل استعمله يف املديح ،وإن وجده يف املديح استعمله يف اهلجاء ،وإن وجده يف
وصف ناقة أو فرس استعمله يف وصف اإلنسان ،وإن وجده يف وصف اإلنسان استعمله يف وصف غريه" ،وهو
يشبه هذا األخذ بعمل الصائغ الذي يذيب احلجر الكريم ويعيد صياغته بأحسن مما كان عليه ،وهو يرى أن
عالقة اللفظ باملعنى كعالقة الروح باجلسد ،وملا كان عمل الشعر عند ابن طباطبا عقلياً خاصاً ،كان تأثري
الشعر عقلياً كذلك ،ألنه مقصود مبخاطبة الفهم ،وهو يرى أن الفهم هو منبع الشعر ومصبه ،لذلك جيعل
عنصر الصدق أهم عناصر الشعر وأكرب مزاياه ،ولفظة الصدق متفاوتة الداللة عند ابن طباطبا:
فهناك الصدق عن ذات النفس بكشف املعاني املختلجة فيها . 1
وهناك صدق التجربة اإلنسانية . 2
وهناك الصدق التارخيي ،وهنا جييز ابن طباطبا للشاعر إذا اضطر أن يزيد أو ينقص على . 3
شرط أن تكون الزيادة والنقصان يسريين غري خمدجني ملا يستعان بهما وتكون األلفاظ غري خارجة
من جنس ما يقتضيه.
ونوع رابع م ن الصدق قد ندعوه الصدق األخالقي وهو ماال مدخل فيه للكذب بنسبة الكرم . 4
للبخيل أو نسبة اجلنب إىل الشجاع.
أما النوع اخلامس من الصدق فهو الصدق التصويري أو ما يسميه ابن طباطبا "صدق التشبيه"، . 5
وهو ينص عليه يف غري موطن من كتابه.
ال معتدالً مؤثراً.
فإذا توفرت للشعر أنواع الصدق ،وتوفر للشاعر صدق التجربة جاء الشعر مجي ً
هكذا هو ابن طباطبا يرى اتباع السنة وينفي الفرق بني القصيدة والرسالة إال يف النظم ،ويتصور الوحدة يف
القصيدة وحدة مبنى قائم على تسلسل املعاني واملوضوعات ،حبيث تكون العلية الشعرية عمالً عقلياً واعياً
متام الو عي ،ويعترب التأثري اآلتي من قبل اجلمال تأثرياً يف الفهم على الشكل لذة كاللذة اليت جتدها احلواس
املختلفة يف مدركاتها ،وإذا كان االعتدال ميزة للجمال يف الكيان الكلي ،فإن الصدق هو الذي يهيئ الفهم
لقبول احملتوى والتجربة.
الصراع النقدي حول أبي متام:
لقد شغلت ال ظاهرة اليت ميثلها أبو متام النقاد واملتذوقني يف القرن الثالث ،ثم ورثها نقاد القرن الرابع وأمعنوا
فيها ،أما اخلصومة الشفوية حوله فقد كانت واسعة النطاق ،ومل تسكن ثائرتها يف القرن الرابع بل لعلها
ازدادت ،كما أن حركة التأليف فيه قد اتسعت؛ وكان اجلانب من جهد نقاد القرن الثالث يف جمالسهم ويف
ما كتبوه مييل إىل إبراز عيوبه ،وقد حتددت تلك العيوب يف سرقته لبعض املعاني ،ويف تعسفه لالستعارة
وبعض وجوه البديع األخرى ويف االبتداءات البشعة ويف استعماله أللفاظ وحشية غريبة ،ويف استغالل بعض
45
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
معانيه ،فكتب أمحد بن عبيداهلل بن عمار القطربلي رسالة بني فيها أخطاءه يف األلفاظ واملعاني ،وانفرد
اآلمدي بذكر مؤلفه يف أبي متام ،وكتب الصولي أخبار أبي متام رداً على ابن عمار وأمثاله ممن حاولوا أن
يغمطوا أبا متام حسناته ،وجممل رأي الصولي أن النقد ال يكون بإبراز بعض العيوب والتشهري بالشاعر من
أجلها وإغفال ما له من حسنات كثرية إزاءها ،فكيف إذا كانت تلك العيوب جمتلبة ،ونسبة التقصري إىل
الشاعر مفتعله ،وقد نبه الصولي إىل ناحية مل يشر هلا أحد قبله ،وهي ناحية كان بعض النقاد يتخذ منها
منفذاً للطعن يف أبي متام ،وهي املعتقد الديين فقد اتهم أبو متام بأنه كان خيل بفروضه ،وقد دافع الصولي
من هذه الناحية من زاوية صحة اخلرب ،واحلق أن كتاب الصولي يعد يف كتب السرية أكثر منه يف كتب
النقد ،غري أن كل من تعرض ألبي متام كان يف الغالب مضطراً للوقوف عند البحرتي ،ألن الذين كانوا
يغضون من شأن األول كانوا يف األكثر يكربون من شأن الثاني ،وقد كتب أبو الضياء يف سرقات البحرتي
ووطأ لبحث السرقات بقوله" :وإمنا املسروق يف الشعر ما نقل معناه دون لفظه ،وأبعد آخذه يف أخذه" ثم قسم
اآلمدي بعد ذلك ما أورده أبو الضياء من سرقات البحرتي يف ثالثة أنواع:
معان جارية يف عادات الناس معروفة لديهم يهتدي إليها البحرتي مثلما يهتدي إليها أبو متام وال . 1
يقال فيها أن شاعراً سرقها من اآلخر.
معان قال عنها أبو الضياء أنه مسروقة إال أنه أخطأ ألنه ليس بني كل معنيني منها أي تناسب . 2
معان زعم أبو الضياء أنها مسروقة ،ولكن االتفاق فيها يف األلفاظ وهذا غري حمظور على . 3
الشاعر.
فإذا بلغنا أبا القاسم احلسن بن بشر اآلمدي وصلنا إىل أول ناقد متخصص جعل النقد أهم ميدان جلهوده وفيه
كتب أكثر مؤلفاته ،فاآلمدي سيطر على الرتاث النقدي حتى عصره وتصدى بالتعقب ألهم أثرين نقديني
ظهرا يف أوائل القرن الرابع وهما عيار الشعر ،ونقد الشعر ،ومل يعتمد طريقة املناقشة ألخطاء من سبقوه
وحسب ،بل كان ناقداً بناءً ،وقد كان اآلمدي صورة ذلك اإلحساس الذي عرب عنه ابن سالم حني ميز دور
الناقد وعرب عنه اجلاحظ ،وكأن اآلمدي حيس أنه الناقد الذي اجتمعت له اآلالت الضرورية للنقد ،ولذلك
يشكو اآلمدي من كثرة املدعني لل معرفة بعلم الشعر ،فكتاب املوازنة وثبة يف تاريخ النقد العربي مبا اجتمع
له من خصائص ،ذلك أنه ارتفع عن سذاجة النقد القائم على املفاضلة ،فكانت موازنة اآلمدي موازنة مدروسة
مؤيدة بالتفصيالت اليت تلم باملعاني واأللفاظ واملوضوعات الشعرية بفروعها املختلفة ،فاآلمدي يصرح بأنه لن
يطلق القول يف أيهما أشعر ،وإذا مل يكن التفضيل بينهما ممكناً فإن اآلمدي يرى كذلك أن التسوية كذلك
غري ممكنة ،ألنهما يف رأيه خمتلفان ألن البحرتي أعرابي الشعر مطبوع وأبا متام صاحب صنعة متكلف،
فأكرب الظن أن املوازنة كانت يف حينها تلبية علمية املظهر واملنهج حلاجة ذلك الصراع الدائر بني املتطرفني
يف الفريقني ،وهي أيضاً نقطة التقاء بني املنصفني من كال الفريقني ،وليس هناك شك أن اآلمدي كان يفضل
طريقة البحرتي ويؤيدها ومييل إليها ومن أجل ذلك جعلها عمود الشعر ونسبها إىل األوائل ،وصرح أنه من هذا
الفريق من دون مواربة ،وقد اتهم بأنه حتامل على أبي متام حيث جد واجتهد يف طمس حماسن أبي متام وتزيني
46
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مرذول البحرتي ،واآلمدي يأوي يف نقده إىل ركن شديد جيعله أساساً لنظرته النقدية وهو الرجوع يف كل أمر
خيتلف فيه املتذوقون والنقاد إىل ما تعارفته العرب وأقرته وأثر عنها ،فكما أن على الشاعر أن يلتزم عمود
الشعر فعلى الناقد كذلك أن يلتزم عمود الذوق ،وإذا كان اآلمدي قد تناول القواعد القدمية من اعتماد على
أصول اللياقة وعلى قانون منتهى اجلودة وعلى ما أشبه هذين من أصول نقدية قدمية وجعلها مقياساً كبرياً
يكثر اللجوء إليه عندما جيد الناس خمالفني له يف ذوقه ،فإنه قد جتاوز حدود تلك القواعد اليت كانت تقف
عند املواصفات الشكلية إىل صميم العملية الشعرية ،وأخطر ما يف هذا االحتكام إىل طريق العرب هو ما
يصيب االستعارة ،ألن تعقب االستعارة يعين التدخل يف التشخيص والقدرة اخليالية لدى الشاعر .لذلك عد
اآلمدي بعض استعارات أبي متام وعلق عليها ،وأكثر استعارات أبي متام اليت تعرض هلا اآلمدي إمنا تتعلق
بالدهر والزمان مما يوحي أن وراء بعض أحكام اآلمدي أثراً دينياً استناداً إىل حديث" :ال تسبوا الدهر ،"...
والذي ذهب إليه اآلمدي من االحتكام إىل طريقة العرب يذكرنا باملنهج الذي اختاره ابن طباطبا يف "عيار
الشعر" حني حدد طريقة العرب يف التشبيه ،إال أن اآلمدي أربى عليه وكمل عمله حني اهتم باالستعارة ،ومن
غريب أمر اآلمدي أنه يستأنس أحياناً بثقافة فلسفية يف احلديث عن صناعة الشعر رغم أنه يبين أكثر نقده
على االحتكام إىل طريقة العرب ،وهو أمنا يعتمد ذلك ليسند مذهبه يف إيثار حسن التأليف ،وال يُستبعد أن
يكون اآلمدي قد درس علم الكالم غري أنه مل يتأثر به إال تأثراً شكلياً ،وقد ينال أبو متام إعجابه فيقول:
"وهذا ال مدفع جلودته وحسنه ،وكأنه صفوة خاط أبي متام" ،ومرد هذا إىل النشأة التأثرية حيث بدأ اآلمدي
منذ 317حياول االختيار اجليد من شعر الطائيني ،وقد عاشت هذه التأثرية مع اآلمدي حني شاء أن يكون
ناقداً موضوعياً وظلت تالحقه بآثارها القدمية.
وميكن أن نقول أن كتاب املوازنة يعتمد على ثالثة أركان نقدية كربى هي:
الكشف عن السرقات :وقد كان الكشف عن السرقة يف القرن الثالث غاية كبرية من غايات . 1
النقد وأنه ظل كذلك فيما تال من العصور.
القراءة الدقيقة :والغاية منها الكشف عن اخلطأ يف استعمال األلفاظ واملعاني ،على أن اآلمدي . 2
ال خيلو يف تدقيقه من التحكم.
املوازنة :وهي أهم األركان وأكربها ومن أجلها يف املقام األول أُلف الكتاب ،وقد وضح اآلمدي . 3
منهجه يف هذه الناحية بقوله " :وأنا أذكر بإذن اهلل اآلن يف هذا اجلزء أنواع املعاني اليت يتفق فيها
الطائيان وأوازن بني معنى ومعنى :وأقول أيهما أشعر يف ذلك املعنى بعينه ،فال تطلبين أن أتعدى هذا
إىل أن أفصح لك بأيهما أشعر عن دي على اإلطالق فإني غري فاعل ذلك "....فاملوازنة عند اآلمدي تتم
على هذا النحو:
• أخذ معنيني يف موضعني متشابهني
• تبيان اجليد والرديء مع إيراد العلة
• تبيان اجليد والرديء دون إيراد علة
47
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
48
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
والصعوبة تأتي من املعنى ،وهلذا حيدد قدامة املعاني بستة أنواع -كل منها ذو حدين :جيد ورديء ،وهلا سبع
صفات :كل صفة موجبة ونقيضتها ،وأنواع املعاني تقع يف األغراض اآلتية :املديح اهلجاء -املرائي -التشبيه
-النسيب ،ولكل غرض حسنات يف املعاني وعيوب ،ويكفي أن يقال إن العيوب نقض للحسنات .وتتوفر يف
املعاني اجليدة الصفات اآلتية :صحة التقسيم ــ صحة املقابالت ــ صحة التفسري ــ التتميم -املبالغة -التكافؤ
ــ االلتفات ،وأضدادها املعيبة هي :فساد التقسيم ــ فساد املقابالت -فساد التفسري ــ االستحالة والتناقض -
ايقاع املمتنع -خمالفة العرف -نسبة الشيء إىل ما ليس له.
من هذه الصورة اخلارجية للكتاب يتضح أن الكتاب رُسم حسب خطة دقيقة ال ختتل ،ألن فكرة املؤلف
واضحة متام الوضوح يف ذهنه ،فهو ال خيرج عن حدود موضوعه ،وقد رأى قدامه أن أغراض الشعر إما أن
يكون مضوعها اإلنسان ( املمدوح ــ املهجو ــ املرثي ــ املتغزل فيه ــ املوصوف) ،وإما أن يكون موضوعها الشيء
املوصوف ،وقد جييء موضوع سادس يربط بني هذين بالرابطة الصورية (التشبيه) ،وقد جلأ قدامة إىل الثقافة
الفلسفية ،فوجد أن أفالطون جيعل الفضائل الكربى أربعاً( :العقل والشجاعة والعدل والعفة) ،وألن الرتمجة
لكتاب الشعر قد مست الرتاجيديا والكوميديا باسم املديح واهلجاء ،فقد رسخت هذه التسمية اخلاطئة يف
ذهن قدامة أن العرب واليونان يشرتكون يف هذين الفنني ،ويرى قدامة أنه جيوز للشاعر اإلفراط يف الفضائل
والغلو يف الشعر ولو أفرط فيه الشاعر وجاء مبا خيرج عن املوجود ،ألن ذلك من باب الغلو يف الشعر وليس يراد
ما ذهب إليه منه إال املبالغة والتمثيل ال حقيقة الشيء ،ويقول" :إن الغلو عندي أجود املذهبني وهو
أهل الفهم بالشعر والشعراء قدمياً" ،ويف هذا يقف قدامة مناقضاً ملبدأ الصدق الذي دافع عنه ابن طباطبا
واآلمدي ،وقد كان قدامة يف ذلك يستو حي فكرة وردت عن ارسططاليس وهي يف قوله" :أما ما يتصل
با لصدق الشعري فإن املستحيل احملتمل مفضل على شيء غري حمتمل إال أنه ممكن ،أما عن إقرار قدامة
جبواز الفحش والرفث يف الشعر فإنه يرى أن املعاني كلها معروضة للشاعر يتكلم منها فيما أحب دون أن
حيظر عليه معنى من املعاني ،إذ األساس األخالقي إمنا يتناول تصوير اجلوانب املوجبة ،وليس هناك من يستطيع
أن حيظر عليه تصوير اجلوانب السالبة ،وإال مل يكن اهلجاء فناً من فنون الشعر ،وما دامت هذه احلرية
مكفولة للشاعر ،فليس ينتظر منه أن يظل على مستوى نفسي واحد ،وهلذا يرد قدامة على من عاب امرأ
القيس ألنه صور نفسه "ساعياً جملد مؤثل" وقانعاً "بالشبع والري" مرة أخرى ،وهنا يتابع قدامة أرسططاليس يف
التناقض يف موقفني حيث يقول ارسططاليس ويتابعه قدامة أن األشياء تتقابل على أربع جهات:
جهة اإلضافة :كاألب واإلبن والعبد واملوىل . 1
جهة التضاد :كاخلري والشر واحلار والبارد . 2
جهة العدم والفنية :كالعمى والبصر . 3
جهة النفي واإلثبات :مثل زيد جالس زيد غري جالس . 4
ومع أن أمثلة قدامة معظمها إمنا هي مما عاجله نقاد العرب من قبل ،إال أن تفسريه متصالً باألصول النظرية
اليت وضعها ،غري أنك جتده حني يتحدث عن شئون الغلو والفضيلة وأخالقية املنبع الشعري ،وال أخالقية بعض
49
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
النماذج الشعرية ،إمنا همه أن يوفق بني ما حشده من روافد خمتلفة تأدت إليه من ثقافته اليونانية وسواء أكان
فهمه لآلراء دقيقاً أو خاطئاً ،وسواء أكانت أجوبته على املشكالت موفقة أو غري موفقة فإن هذا املوقف يصور
ما كان يشغل باله من شئون املزاوجة بني الشعر والفكر ،وابتداع (علم) نقدي .وهلذا ميكن أن نقول أن
الصفات اإلجيابية اليت وضعها قدامة للمعاني ال متيز الشعر بشيء ،وبقي هذا الشعر إىل استنباط خصائص
أخرى ،وقد تناول قدامة يف نقده الواقع الشعري دون غريه من املستويات ،ومثل هذا النقد يستطيع أن يتمرس
باحلقائق اليت يقبلها العقل يف الشعر ويُؤثر التقرير والوضوح واحلسم الفاصل والصحة املتميزة .والفرق بني
قدامة وابن طباطبا أن األول يُريد أن يضع للشعر خمططاً منطقياً بقطع النظر عن السعة والشمول وحكم
الذوق ،والثاني حياول أن حيد من طغيان الذوق بشيء من القواعد واألسس .ولكن بينهما من الشركة ما
يتضح يف موقف كل منهما يف التشبيه .وقد هون قدامة من االستعارة ألنها حتطم كثرياً مما بناه ،فهو حيتكم
للعادة والذوق العام يف قبول االستعارة ،ثم إن االهتمام باالستعارة يعين االهتمام بقوة اخللق عند الشاعر ،ولن
جتد ناقد ًا مثل قدامة قصر حديثه كله على الشعر نفسه دون أن يلتفت للشاعر وللمتلقي .فليس يدخل يف نقد
قدامة أي حديث عن احلاالت النفسية باملعنى الدقيق وال عن الطبع ،كما أنه ال يهتم بالسامعني وحالتهم
النفسية عند تلقيهم الشعر .ورغم احتفال قدامة باملعنى فقد أهمل موضوع السرقات الذي استأثر باهتمام غريه
من النقاد ،وكأنه بإهماله هلذا املوضوع الكبري يومئ من طرف خفي إىل أن املعاني شركة للجميع ،وقد
حتفظ قدامه يف حال النسيب وما أشبهه ،فالنسيب من حيث وجوده قد ميثل مشكلة بالنسبة لقدامة ،ألنه
ليس كاملدح أو اهلجاء أو الرثاء وليد قاعدة أخالقية.
ومما سبق يتبني لنا أن قدامة ال ميلك مقياساً يف النقد إال اجلودة ويقابلها الرداءة ،ويف الطرف األعلى منتهى
اجلودة ،ويف الطرف األدنى منتهى الرداءة ،وبني املرحلتني مواقف هي وسائط بني املدح والذم ،فما كان فيه
من النعوت أكثر كان إىل اجلودة أميل ،وما كان فيه من العيوب أكثر كان إىل الرداءة أقرب ،وما تكافأت
فيه النعوت والعيوب كان وسطاً بني املدح والذم ،فذلك هو قدامة يف النقد ،يقف موقف العامل يصنف كل
شيء مبنتهى الوضوح ،ويسيء الظن بالقارئ فيضع له االمنوذج ليقيس عليه ،وال ريب أنه بنى أسساً نقدية
متكاملة وأن النقد يقوم على نظرية حمددة.
أبو نصر الفارابي:
كان اهتمام الفارابي باخلطابة والشعر جزءاً من منهجه الفلسفي العام ،ولذا فإنه فسر ريطو ريقا (كتاب
اخلطابة) ،ويبدو أن رسالته يف قوانني صناعة الشعراء تلخيص جلزئيات من كتاب الشعر ،والرسالة مل تتناول
كتاب أرسطو يف الشعر إال ملاماً ،ومهما تكن الصلة بني رسالة الفارابي وكتاب أرسطو خفيفة فإن الفارابي
كان على معرفة بكتاب أرسطو ،ولكنه مل يُفد منه اإلفادة املستوفاة ،إال أن حديث الفارابي عن احملاكاة
يف مواضع خمتلفة يشري إىل أنه استطاع استيعاب هذه النظرية على وجه مقبول ،ويرى الفارابي أن العلوم اليت
تتناول الشعر تنقسم يف أقسام فبعضها إلحصاء األوزان واألسباب واألوتاد ،وبعضها يتناول نهاية األبيات،
وبعضها للفحص عما يصلح أن يستعمل يف الشعر من ألفاظ ،وهناك علم امسه "علم األقاويل الشعرية" وهو الذي
50
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
حيدد طبيعة األقاويل وغايتها على النحو الذي أورده ارسططاليس يف كتاب الشعر ،وليست األقاويل الشعرية
إال ضرباً واحداً من ضروب األقاويل :فهناك األقاويل الربهانية واجلدلية واخلطابية والسوفسطائية والشعرية،
وتتفاوت هذه يف حظوظها من اجلزم والقياس ومن ثم تتفاوت يف حظوظها من الصدق والكذب ،فاالقاويل
الشعرية كاذبة ألنها قائمة على اخليال ،وهلذا كان للتخييل يف الشعر قيمة العلم يف الربهان ،وهذا التخييل
هو الذي يُسمى احملاكاة "فاألقاويل الشعرية هي اليت شأنها أن تؤلف من أشياء حماكية لألمر الذي فيه
القول؛ فإن حماكاة األمور قد تكون بفعل ،وقد تكون بقول ،إذن فالقول الشعري يقوم على احملاكاة وهو
يف ذلك يشبه الرسم وليس من اختالف بينهما إال مادة الصناعة ،فما دام أنه يقوم على احملاكاة فإن احملاكاة
واألشياء اليت تتم بها تعد ألهم عنصر يف الشعر ،ولو طلبنا الشعر عند القدماء لكان كما يلي" :أن يكون
قوالً مؤلفاً مما حياكي األمر وأن يكون مقسوماً بأجزاء ينطق بها يف أزمنة متساوية ،غري أن الشعر إذا خال
من الوزن بطل أن يكون شعراً وعلى أساس الوزن ينقسم الشعر يف أنواع ،مثلما ينقسم على أساس املعاني،
وقد اختار العرب السمة املوضوعية حني ميزوا األهاجي واملدائح واملفاخرات واأللغاز واملضحكات والغزليات
والوصفيات ،ومل جيعلوا لكل موضوع وزناً خاصاً به ،وكذلك فعلت أكثر األمم ما عدا اليونانيني فإنهم
جعلوا لكل نوع من أنواع الشعر نوعاً من الوزن ،وقد نشأت عند بعض األمم عالقة وثيقة بني اللحن والوزن فإذا
نطقوا الشعر دون حلن بطل وزنه ،وليس كذلك العرب ،أما احملاكاة فإن من شأنها أن ختيل األمر على حالٍ
أفضل أو أحسن ،ورمبا أن أفعال اإلنسان كثرياً ما تتبع ختيالته ،فصارت األقاويل الشعرية تستعمل يف خماطبة
إنسان يُستنهض لفعل شيء باستفزازه إليه واستدراجه حنوه ،والسبب يف قوة احملاكاة على التأثري أن ما يعرض
لنا لدى التخييل شبيه مبا يعرض لنا عند النظر إىل الشيء نفسه ،وقد تنتقل احملاكاة خطوة أخرى فتصبح
حماكاة احملاكاة كالذي يضع متثاالً لزيد ثم يضع مرآة يرى فيها التمثال ،وكذلك الشعر فإنه قد حياكي
األشياء اليت حتاكي األمر نفسه ،فاحملاكاة قوام الشعر إال أنها ليست عنصراً يف اخلطابة.
ويتفاوت الشعراء يف قدرته على احملاكاة وهم بذل ينقسمون يف ثالث طبقات:
طبقة تسعفهم حيلتهم وطبيعتهم املهيأة للمحاكاة والتمثيل.
طبقة يعرفون الصناعة حق املعرفة حتى ال يند عنهم شيء من خواصها وقوانينها.
طبقة تقلد هاتني الطبقتني وحتتذي حذوهما.
وقد تعرتض الشاعر عوائق عن قول الشعر :يرجع بعضها إىل الكيفيات النفسية وترددها بني القوة والفتور،
كما أن بعض العوائق تكون يف الشيء احملكي أي األمر نفسه ،كما تتفاوت جودة التشبيه ،وقد تكون يف
أمرين قريبني ،ورمبا أوجد احلاذق املشابهة بني شيئني متباينني ،ويف حديث الفارابي عن احملاكاة وأهميتها
طرف غري قليل من آراء أرسطو غري أن بعضه خاطئ أو مُحرف ،وكذلك تباين الشعراء يف قدرتهم على
احملاكاة قد أخذه عن أرسطو ،ومن الغريب أن الفارابي مل يالبس الشعر العربي كثرياً وال ألف فيه كما
ألف يف صنعة الكتابة واكتفى بالنظر دون التطبيق ،إال أن تكون رسالته يف الشعر والقوايف ذات صلة بالشعر
العربي.
51
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
52
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
كانت أحلى ،فكان اجلواب يدور على مفهوم التبدد والتوحد ،فاحلس من صفاته التبدد وهو تابع
للطبيعة ،فاختالف األلفاظ يوافق خاصية التكثر يف احلس ،والنفس متقبله للعقل ،فكلما ائتلفت
حقائق املعاني عند ورودها على العقل وافقت نزعة التوحد وكانت أنصع وأبهر ،وقد سأل أبو حيان أبا
سليمان عن ماهية البالغة فكان اجلواب" :هي الصدق يف املعاني مع ائتالف األمساء واالفعال واحلروف
وإصابة اللغة وحتري املالحة واملشاكلة ،برفض االستكراه وجمانبة التعسف" ،ويندفع التوحيدي بقوة
حبه للغة العربية إىل أن يسأل" :هل بالغة أحسن من بالغة العرب" فيجيبه شيخه "هذا ال يتبني لنا إال
أن نتكلم جبميع اللغات على مهارة وحذق" ،وقد كان يسأل التوحيدي أحياناً بعض النقاد عن رأيهم
يف بالغة هذا الكتاب أو ذاك.
وقد كان أبو حيان مشغول اخلاطر بأمور مستمدة من التجربة العميقة تتصل بالشعر ،فمن ذاك ما
الحظه من أن العروضي يكون شعره يف الغالب رديئاً ،فيتوجه بالسؤال عن ذلك إىل مسكويه،
وخالصة رد مسكويه :أن العروض صناعة وصاحب الصناعة ال جيري جمرى ذي الطبع اجليد الفائق،
وهلؤالء املفكرين الذي اتصل بهم التوحيدي حدود وآراء يف بعض ما يتصب بالنقد كتعريف أبي احلسن
العامري للشعر" :بأنه كالم مركب من حروف ساكنة ومتحركة ،بقواف متواترة ،ومعاني معادة،
ومقاطع موزونه ،ومتون معروفة" ،وألبي سليمان املنطقي حتديد ألنواع البالغة حيث جيعلها سبعة
أضرب :بالغة الشعر وبالغة اخلطابة وبالغة النثر وبالغة املثل وبالغة العقل وبالغة البديهة وبالغة
التأويل ،وواضح أن هذا القول غري منطقي ألن صاحبه ينظر من زوايا خمتلفة ،وكان أبو إسحاق
الصابي من أبرز كتاب القرن الرابع وقد عرفه أبو حيان واطلع على رسائله وعلى كتابه "التاجي"
وعرف طريقته الكتابية ،وقد كان الصابي أحد من استطاع أن جيمع بني الشعر والنثر يف نطاق.
وهنا نقف مع بعض األسئلة:
. 1ملاذا كان الوضوح يف معاني النثر أحسن والغموض يف معاني الشعر أحسن؟
فيكون اجلواب :الشعر مبين على نظام معني وحدته البيت القائم بنفسه ،والرابط بني أبياته الوزن
واملضوع الكلي فللبيت طول معني ال يتعداه ،وهلذا لزم أن حيتقب من املعاني ما هو لطيف دقيق ،أما
يف النثر فاألمر على عكس ذلك إذ كان النثر مبين على االسرتسال والتوالي وال يوقف فيه إال بعد
اكتمال فصل وهو لذلك يقرأ متصالً ثم إن مجهوره متفاوت يف الفهم ،والبد له من أن خياطب اجلميع
ويكون مستساغاً لديهم.
. 2إذا كانت القرائح منقسمة بني الطرفني :الشعر والنثر فلم زادت القرائح اليت تُحسن عمل الشعر
على القرائح اليت حتسن عمل النثر؟
فيكون اجلواب من الصابي :إن اعتماد الشاعر إخراج بيت يف إثر بيت على نسق يقوم فيه الوزن والقافية
مقام السائق والقائد يعين أن يلجأ إىل احلذو على مثال أو اإلفراغ يف قالب .لكن الكاتب يصوغ رسالته
متحدة متجمعة ،ويضمها من أقطار مرتاخية متسعة ورمبا أسهب حتى تكون رسالته يف طول عدة
53
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
قصائد مع تعمد األلفاظ الفخمة ،وألن الرسائل صادرة عن السلطان يف الغالب ،فهذا كله جيعل
القادرين على إجادة الرتسل قلة.
. 3مل ارتفعت طبقة املرتسلني على طبقة الشعراء؟
فيكون اجلواب :ألن مهمة املرتسلني هي تنظيم الدولة من مجيع جوانبها ،فأهميتهم نابعة من أهمية ما
يزاولون.
وعلى الرغم من أن املشكلة الكربى اليت شغلت مفكري القرن الرابع التمييز بني الشعر والنثر أو
املفاضلة بينهما ،فإن أبا حيان غري متأثر بآراء الصابي يف العالقة بني الفنني خيلص إىل القول بأن خري
الكالم "ماقامت صورته بني نظم كأنه نثر ونثر كأنه نظم ،يطمع مشهوده بالسمع ،وميتنع مقصوده
على الطبع" ،إن انشغال هؤالء املفكرين مبا يتعلق مبستوى البالغة وبالعالقة والفروق بني النظم والنثر
أبعده عن التساؤل عن صلة الشعر باألخالق ،وقد كانت الناحية التطبيقية لديهم ضعيفة باستثناء
قدامة ،وقد كان أبو حيان هو األصلح ليؤدي دوراً يف الربط بني الثقافتني ،ولكن نظرته للشعر كانت
تركيبية؛ أي كان يدرس ثم جيمل دراسته يف كلمات يسرية ،وقد حاول احلامتي أن يقيم صلة بني
الشعر والفلسفة فدل بذلك على نوع جديد من ثقافة الناقد األدبي يف عصره ،وله رسالة فيما وافق فيه
املتنيب كالم أرسطو ،وهناك قول يف نسبتها إليه ،وهي على وجه اإلمجال تضع القاريء يف جو حكمي
فلسفي ،إذ أنها تتناول شؤون الطباع والنفس والشهوة والعقل والزمان واألخالق ،وهي باب النقد تقع
يف نطاق السرقات ،ثم هي تشري إىل املعاني اليت ترد يف النثر ويستطيع أن جيعلها الشاعر منظومة ،وقد
بلغت األقوال اليت أوردها احلامتي مائة وهي على تفاوتها وتكرار بعضها تفيد شيئاً واحداً ،أن أبا
الطيب كان يعيش يف جو الفكر الفلسفي .وقد شارك احلامتي يف قضية املفاضلة بني النظم والنثر
فكان من القائلني بتفضيل األول على الثاني حيث يقول" :وأوىل هذه املزية والقدم املتقدمة ،املنظوم،
فإنه أبدع مطالع وأنصع مقاطع وأطول عناناً وأفصح لساناً وأنور أجنماً وأنفذ أسهماً وأشرد مثالً وأسري
لفظاً ومعنى" ،ومل يكن للحامتي موقف حاسم من قضية "أعذب الشعر أكذبه" ،فاحلامتي ال يرى
بأساً من إيراد مناذج من الغلو يف كتابه يسمى كل بيت منها "أبدع بيت قيل يف اإلغراق".
املعركة النقدية حول املتنيب:
لقد ركدت ريح اخلصومة حول أبي متام أو كادت ،وذلك حوالي منتصف القرن الرابع ،وكاد الذوق العام
يصبح أشد ميالً إىل الشعر احملدث ،ويتقبل أبا متام مثلما يتقبل البحرتي ،ولكن الظاهرة اجلديدة وهي ظهور
املتنيب كانت مصدر حرية كبرية للذوق والنقد معاً ،فها هو شاعر جيمع بني القديم واحلديث ،جييء باجلزالة
والقوة والبيان على خري ما كان جييء به القدماء ،ويغوص على معاني احلياة اإلنسانية غوصاً بعيداً ،ويضمن
شعره فلسفة حياة وثقافة ،وقد صدم املتنيب الذوق مرتني :مرة بشخصه املتعالي املتعاظم ومرة جبرأته يف الشعر،
ومن هنا نشبت املعركة بني أنصاره وخصومه ،غري أنهم مجيعاً متفقني على أنه شاعر كبري ،وقد كان النقد
54
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الذي دار حوله يف غالبه هجوماً على املتنيب اإلنسان من خالل الشعر ،ولوال إحساس النقاد بكرب الظاهرة ملا
وجدت يف نفوسهم ذلك الصدى البعيد.
55
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
لصاحبه ،وأن ينتصف من احلامتي ،ثم كان اجمللس الرابع باقرتاح املهليب نفسه ليتم التفاوض بني احلامتي
وأبي الطيب يف شعر الطائيني ،ومع أن الكشف عن السرقات هو الظاهرة املشرتكة بني مجيع اجملالس ،فإن
هناك تفاوتاً واضح ًا فيما بينها.
ويتميز اجمللس األول بوضع القواعد النقدية وشرحها وإيراد األمثلة عليها ومدى مباينة أبي الطيب يف بعض شعره
هلا .هنالك يضع احلامتي حد الشعر « :حدود الشعر أربعة وهي اللفظ واملعنى والوزن والتقفية ،وجيب أن تكون
ألفاظه عذبة مصطحبة ومعانيه لطيفة و استعاراته واقعة و تشبيهاته سليمة وأن يكون سهل العروض رشيق
الوزن متخري القافية ،رائع االبتداء بديع االنتهاء » .ويوضح احلامتي أن التفاوت بني األبيات عيب كبري يشبه
ما عابه النقاد القدامى من انعدام القران ؛ فهو يقر ألبي الطيب بأنه حيسن يف الصياغة و املعاني إحسانا ال
جيهله نقاد الكالم وأرباب البيان « إجيازاً يف عبارته وإبداعا يف نظمه و صوابا يف معناه وسالمة يف لفظه ،
ولكنه يشفع ذلك بأبيات يسرق معانيها فتأتي القصيدة على غري شاكلة وال اتساق وال اقرتان.
أما اجمللس الثاني وهو قصري نسبياً فقد تضمن إىل جانب احلديث يف السرقة حديثاً عن اخلطأ يف املعاني
أما اجمللس الثالث فيثبت قدرة احلامتي على تزييف ما يعده أصحاب املتنيب من أبكار معانيه وعلى رده إىل
املصادر اليت سرق منها ،وهنا يبلغ احلذق يف تبيان السرقة ذروته ،ولذا اقتضى املقام شرح نظرية احلامتي يف
السرقات.
ومع أن املتنيب حسب ما زعم احلامتي أنكر أن تكون له معرفة بأبي متام والبحرتي ،نراه يف اجمللس اخلامس
يورد مناذج من استعارات أبي متام وينحي عليها بالذم ويتهمه باإلحالة.
تلك هي املوضحة :وضحت موقف احلامتي من قضايا النقد األدبي ،فأظهرت رأيه يف حدود الشعر ،ويف
االستعارة ويف عيوب املتنيب الشعرية ويف السرقة ويف املفاضلة ،غري أنها رسالة موسومة باالنفعال يف أكثر
مراحلها ،ودواعي التحامل فيها مفضوحة.
أبو العباس النامي والصاحب بن عباد:
كان النامي شاعر سيف الدولة املقدم فلما قدم املتنيب واستأثر بذلك اغتاظ النامي وأخذ يتعقب أخطاء املتنيب
فكتب فيه رسالة بذلك ،أما ما بني املتنيب والصاحب فهو مشكلة من نوع آخر إذ كان الصاحب يتمنى أن
يزوره املتنيب بأصفهان إال أن املتنيب أعرض عن ذلك فصريه الصاحب غرضاً يتتبع عليه السقطات وينعي عليه
السيئات ،وقد أثنا يف مقدمة رسالته على ابن العميد ومقدرته يف النقد مستدراً بذلك إقراره على ما سيقوله يف
املتنيب ،ومن املساوئ اليت عدها الصاحب على املتنيب:
استعمال األلفاظ احلوشية النابية. . 1
اإلبهام على طريقة الصوفية يف كالم كأنه رقية العقرب . 2
رداءة املطالع . 3
املبالغة املسرفة . 4
قلة الذوق يف عدم مراعاة املناسبة . 5
56
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
57
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الغضب كثرياً ما خير جه عن طوره ،فاملنطلق النقدي لديه يف رده على ابن جين أو يف حماكمته لشعر املتنيب
مل يكن سليماً من اهلوى والعصبية ،ويرى ألوحيد ان أبن جين تصدى لشيء ال حيسنه ،وأما املبادئ النقدية
العامة اليت حيتكم إليها الوحيد فيمكن أن جنملها فيما يلي:
أن الشعر ليس هو الغلو يف املعاني ولو كان األمر كذلك لكان احملدثون أشعر من األوائل.
أخطاء ابن جين يف الثناء على املبالغة املفرطة عند املتنيب
إيراد ألفاظ الصوفية وألفاظ الطب والفلسفة والكالم يشني الشعر ويعيبه يف رأي نقاد الشعر
فرض مواد البادية على عامل حضري غري مستساغ
ال جيوز لشاع ر يعرف أقدار الناس أن ميدح امللوك مبدح السوقة والسوقة مبدح امللوك ،وحييل يف املعاني وخيطئ
يف اللغة ويستبيح لنفسه سرقة معاني اآلخرين.
جممل القول أن الشعر ثالثة أقسام :مطرب وهو قليل يف شعر املتنيب معجب وله فيه كثري مضحك ،وعند
املتنيب قسم خيرج عن هذه مجيع اً .والوحيد مل يأتي يف هذه األحكام جبديد وإمنا هو منساق مع املقاييس
النقدية احلضرية.
أبو حممد احلسن بن علي بن وكيع التنيسي:
شاعر مصري صاحب كتاب "املنصف للسارق واملسروق يف إظهار سرقات أبي الطيب املتنيب" ،ويذهب بالشري
إىل أنه ألف هذا الكتاب انتصاراً البن حنزابة الذي كان مستاءً من املتنيب لرتفعه عن مدحه ،إن إقامة أبي
الطيب يف مصر أوجدت حوله عدداً من األنصار واملعجبني وتنقسم القضية اليت خلقها املعجبون حول أبي الطيب
إىل شقني :أوهلما أنه أفضل من كل من تقدمه ،والثاني أن معانيه خمرتعة ،وقبل أن يأخذ ابن وكيع يف
الكشف عن سرقات املتنيب ،يوطئ لذلك مبقدمتني :أوالهما تتناول البحث يف السرقات الشعرية عامة ،والثانية
تتناول فنون البديع ،وهو يقسم السرقات يف عشرة أنواع:
استيفاء اللفظ الطويل يف املوجز القليل . 1
نقل اللفظ الرذل إىل الرصني اجلزل . 2
نقل ما قبح مبناه دون معناه إىل ما حسن مبناه و معناه . 3
عكس ما يصري بالعكس ثناء بعد أن كان هجاء . 4
استخراج معنى من معنى احتذى عليه وان فارق ما قصد به إليه . . 5
توليد معان مستحسنات يف ألفاظ خمتلفات. . 6
مساواة اآلخذ من املأخوذ منه يف الكالم ،حتى ال يزيد نظام على نظام ،وإن كان األول أحق . 7
به ألنه ابتدع والثاني اتبع.
مماثلة السارق املسروق منه يف كالمه. . 8
رجحان السارق على املسروق منه بزيادة لفظه على لفظ من أخذ عنه. . 9
58
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وأما املقدمة الثانية اليت تناول فيها فنون البديع ،فهي إقرار صحيح بأن الناقد األدبي حمتاج إىل أن يعرف هذه
الفنون ،وقد كانت كثرياً من تعريفاته للفنون البديعية منقولة عن احلامتي ويف كشفه عن املعاني املسروقة
يف شعر ابي الطيب يلتقي فيه يف كثري من األمثلة مع أنه مل يصرح يف ذلك بذكره ،وما احلديث عن السرقات
عامة وعن البديع إال توطئة لكشف وإبراز سرقات املتنيب ،وهي الغاية اليت يسعى ابن وكيع إىل حتقيقها،
وقد رسم لنفسه منهجاً يف الكشف عن السرقات وهو:
ال يقف عند األبيات الفارغات واملعاني املكررات.
ال يذكر املعاني اليت أكثرت الشعراء استعماهلا.
حيكم عن كل سرقة إن كان املتنيب قصر يف األخذ أو ساوى فيها املأخوذ عنه أو استحق املعنى املسروق،
وقد تناول ديوان أبي الطيب قصيدة إثر قصيدة حسب الرتتيب التارخيي لنسخة الديوان ،وقد قام ابن وكيع
جبهد مضين يف ذلك ،ولكن بعد هذا اجلهد يصل القاريء إىل نتيجة حمزنة :وهي أن شعر املتنيب نوعان :شعر
فارغ ال يوقف عنده ،وشعر غري فارغ وهو ميثل املعاني املشرتكة بينه وبني غريه من الشعراء وأن هذا االشرتاك
هو الذي يسمى سرقة ،فانتحاء هذا املنهج عند ابن وكيع وغريه كان ضالالً بعيداً عن تاريخ النقد األدبي
واستهالكاً جلهود كان من املمكن أن تثمر فيما هو أجدى وأجدر .وحني تناول ابن وكيع شعر املتنيب بالنقد
كان النقد األدبي قد نقل نقلة على يد احلامتي بعد أن كان قبله قائماً حول املفاضلة بني أبي متام والبحرتي،
غري أن ابن وكيع رضي بأن يقع يف أسر احلامتي ،ويف سبيل أن يثبت تدني منزلة املتنيب عن الطائيني ركز
على املعاني اليت سرقها منهما خاصة ،ويتجاوز ابن وكيع احلامتي حني أور سرقات للمتنيب من شعراء
مغمورين ،ويقع ابن وكيع يف جمال احلامتي حني حياول أن يقتفي خطواته يف إثبات ضعف املتنيب يف اللغة
فيعلق على قول املتنيب "أذهب للغيظ" ،غري أنه خيالف احلامتي يف أنه أقل منه اندفاعاً وانفعاالً ،حيث يتناول
األمور يف هدوء فيوهم باملوضوعية وحياول أن يقصر حديثه على السرقة ،ثم هو يتشدد أكثر من احلامتي يف
التضييق من حدود الفهم للمعنى ،وهذا الضيق يتملكه إزاء األبيات اليت يلمح فيها شيئاً من املغاالة ميس
الناحية الدينية ،كاحتقار املتنيب ملا خلق اهلل إال أنه يف موضع آخر يناقض نفسه بانتقاده للمتنيب ألنه عاب
اخلمر.
ذلك هو ابن وكيع يف مذهبه النقدي ،يقول عنه ابن رشيق يف املنصف "ما أبعده عن اإلنصاف" ،ويؤلف ابن
جين "النقض على ابن وكيع يف شعر املتنيب وختطئته" ،ويصفه ابن القارح بأنه "حاف على املتنيب ،وقد كان
حمكوماً يف نقده مبماحكات املعجبني واألنصار مغيضاً لعدم التساوي يف الشهرة ولذلك كانت مقاييسه
متفاوتة.
القاضي علي بن عبدالعزيز اجلرجاني:
مل تهدأ العاصفة النقدية حول املتنيب ،فقد رأينا ما أثاره شرح ابن جين من ردود ،وكذلك ما أثاره املنصف
البن وكيع وغريهما من مؤلفات األنصار واخلصوم ،مما توحيه تلك املؤلفات أن الوقت حان للوساطة بن
األنصار واخلصوم ،واجلرجاني يقول أنه منذ خالط أهل األدب وجد الناس يف املتنيب فريقني يكاد التوفيق
59
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بينهما يكون صيحة يف واد ،وكال الفريقني كان حيمل للمتنيب اتهاماً ،فاملنتصرون له يرفعونه إىل منصة
العصمة ،وأهل االستحقار ينفونه من نطاق األديب الذي جيوز له الفضل فاملوقف يتطلب فريقاً ثالثاً يسمى أهل
االعتذار ،وقد كان التوفيق بني الطرفني عودة إىل ظالل اهلدوء ،فقد كان املتنيب نفسه هو الذي فتح الباب
ليدخل منه القاضي اجلرجاني ،إذ أن الشعراء املربزون ليس منهم إال من قد طعن على شعره ومن قد أخل
باإلحسان ،واجلرجاني يف اآلراء والنظرات النقدية مل يأتي جبديد ،وامنا استغل اآلراء والنظرات السابقة
فأحسن استغالهلا يف التطبيق والعرض ،ومثلما كانت املوازنة هي مهمة الناقد الكربى عند اآلمدي ،كانت
"املقايسة" هي املبدأ الكبري يف نقد اجلرجاني ،واجلرجاني يرى أن ال يعاب الشاعر بسبب العقيدة الدينية إذ
ليس هناك عالقة يف نقد جودة الشعر بني الدين والشعر ولو كانت رقة الدين تقدح يف الشعر وتنقصه حملي
شعر ابي نواس واندثر ،كما أنه يرى عدم عيب إقدام احملدثني على اإلفراط ،فذلك موجود يف كل العصور
وعند كل الشعراء ،وقد تكون املقايسة ذات غناء يف الوصول إىل احلق وانصاف شاعر مظلوم ،ولكنها
تنطوي على مزالق وأخطار منها التعميم ،ومن أخطار القياس أيضاً اإليهام املنطقي :كقياس حال العقيدة
وعالقتها بالشعر ،وقد تنتهي املقايسة كما انتهت املوازنة عند احلاجز الذي يفصل بني الواقع والغيب او بني
ما يعلل وما ال يعلل ،فالناقد عند اجلرجاني هو الناقد نفسه عند اآلمدي ،ومنطقة ما ال يعلل ويتحاكم فيه
إىل الطبع النقدي مشرتكة عند كليهما إال أنه أوسع لدى اجلرجاني ،وسبب ذلك هو الفرق بني املقايسة
واملوازنة ،فاملقايس ة متهيد للحكم ،أما املوازنة فإنها تدخل يف طبيعة احلكم نفسه ،ألن املوازنة هي قسمة
النظر بالتساوي بني شاعرين ،أما الوساطة فال تتطلب ذلك دائماً ألن خصوم املتنيب ليسوا دائماً شعراء ،وقد
متثل اجلرجاني آراء اآلمدي حبذق وذكاء دون أن يشري إىل ذلك ،فاعتمد عمود الشعر عند اآلمدي بصياغة
أخرى ،كذلك اعتمد آراء اآلمدي يف مشكلة السرقات ولكن طورها وأمعن يف التدقيق والتحليل ،ومييل
اجلرجاني إىل االعتذار عن املتأخرين ألن املتقدمني استغرقوا املعاني ،وهو يرى أن التشبيهات املتداولة املبتذلة
من املعاني املشرتكة اليت ال جيوز نسبة السرقة إىل صاحبها وعلى هذا فاملشرتك نوعان:
نوع عام يعرفه كل إنسان معرفة بديهية . 1
نوع عم بعد ختصيص . 2
وق د تكون السرقة باجتماع اللفظ واملعنى ونقل البيت أو املصراع ،وقد اعتمد اجلرجاني على بعض اآلراء اليت
وضعت قبل زمنه وحاول ترسيخها بالتوضيح والشرح والتوسعة والتدقيق يف التفصيالت ،فاستمد من اآلمدي
موقفه من الناقد ومن عمود الشعر ومن السرقات ،ومن الصولي وغريه املوقف من قضية الفصل بني الدين
والشعر ،ومن األقدمني يف قضية القديم واحملدث ،ومن ابن قتيبة يف مشكلة املطبع والتكلف ،وقد استعار
اجلرجاني من ثالثية اجلاحظ (البيئة ــ العرق ــ الغريزة) وحدة البيئة وجيعلها مسئولة أيضاً عن التفاوت يف
الشاعر ،ولكنه ينكر أن تكون الغري زة "الطبع" سبباً يف الفصل بني قديم وحمدث وجاهلي وخمضرم وأعرابي
ومولد ،ولوال شدة حترزه وتوقيه لظن القاريء "للوساطة" أنها حتمل راية الدفاع عن الشعر احملدث بل تتضمن
شيئاً من امليل إليه وإيثاره على الشعر القديم ،وخالصة قول اجلرجاني أن الشعر احملدث أقرب إىل طباع أهل
60
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
العصر ،والشاعر احملدث مظلوم إذ ضاق عليه جمال اللفظ كما ضاق عليه جمال املعاني بعد أن سبقه
املتقدمون إليها ،فهو يتهم بالسرقة واإلنصاف يقتضي أن نعذره يف ذلك ،فال يتهم القاضي يف عدالته ،ولكن
هذا الذي يبدو وكأنه دفاع عن الشعر احملدث والشعراء احملدثني إمنا هو متهيد إلنصاف املتنيب ،وموقف
القاضي اجلرجاني يستحق بعض بيان فهو يرى أن الشعراء كانت مقتصدة فيها حتى جاء أبو متام فخرج إىل
التجاوز ومث له أكثر احملدثني ،ومع أن املوازنة استطاعت أن ختتم الصراع حول أبي متام والبحرتي ،فإن
الوساطة عجزت عن أن تكون اجلواب الشايف يف موقف اخلصوم واألنصار من املتنيب ،والسر يف ذلك يف
الظروف ،حيث ظهر املتنيب فشغل الناس عن قضية أبي متام والبحرتي ،ومل يظهر بعده ما يشغل الناس عنه،
وأكرب الظن أن وساطة اجلرجاني نالت احرتام النقاد إال أنها مل تقنعهم كثرياً.
النقد وفكرة اإلعجاز:
إن عدم انفصال النقد عن البالغة كان من الطبيعي أن يقف به عند فكرة اإلعجاز يوماً ما ،لقد سبق اجلاحظ
النقاد إىل اعتبار النظم سر اإلعجاز ،ولقد كانت أقرب النظريات النقدية اليت ميكن أن ختدم البحث يف
اإلعجاز هي نظرية اآلمدي ،ذلك أنه ملا احتكم إىل ما مساه طريقة العرب ،كان يهتدي بذوقه إىل أن حسن
التأليف يف شعر البحرتي هو التزامه بهذه الطريق ،وقد كانت نظرية اآلمدي النقدية تعتمد على ركنني
كبريين ،أوهلما امكان املوازنة بني أثرين أدبيني متفقني يف املوضوع وإبراز دور الناقد الكفؤ الذي جيب أن
يصغي اآلخرون إىل حكمه سواء استطاع التعليل أو مل يستطع.
وقد عرف الرماني الذي كان شديد التأثر باملنطق اليوناني شيئ ًا من قسمة بعض الباحثني اليونانيني لألسلوب
يف ثالثة أنواع :رفيع ومتوسط وعادي فنقل هذه القسمة إىل البالغة حيث قال" :فأما البالغة فهي يف ثالث
طبقات منها ما هو يف أعلى طبقة ومنها ما هو يف أدنى طبقة ،ومنها ما هو يف الوسائط بني أعلى طبقة وأدنى
طبقة" ثم قسم البالغة إىل عشرة أقسام ،ويتفاوت شرحه هلا كما تتفاوت قدرته يف تطبيقها على القرآن،
وجنده يف كتاب النكت يقف عند األثر النفسي للكالم البليغ ،غري أن له آراء خيالف بها املفهومات العامة
من إسقا ط اإلطناب من أنواع البالغة ،وال ينكر الرماني أن بعض العبارات ــ من غري القرآن ــ تبلغ حداً بعيداً
من البالغة ،وقد اختلف تقبل الناس لكتاب النكت ،فاعرتض كثريون على احلدود فيه ،وتأثر بعض
البالغيني به ونقلوا آراءه وأمثلته ،ووقف الباقالني من تعليله إلعجاز القرآن عن طريق أنواع البديع موقف
احلذر ،ورفض ابن سنان اخلفاجي أن يقبل حكمه يف السجع.
وقد ذهب أبو سليمان اخلطابي يف "بيان إعجاز القرآن" مذهب الرماني يف قسمة أجناس الكالم ،غري أنه مل
يقل كما قال الرماني أن بالغة القرآن تقتصر على النوع األول وحده ،وهو يرى أن الكالم يقو بثالثة أشياء:
لفظ حامل ومعنى به قائم ورباط له ناظم ،واعتمد اخلطابي على تفاوت الشاعرين إذا هما تنازعا معنى واحداً،
وجلأ اخلطابي كما جلأ الرماني من قبله إىل األثر النفسي.
وتعد جهود الرماني واخلطابي على هامش النقد األدبي إذا ما قيست جبهد الباقالني ،ألنه الوحيد الذي استطاع
أن يفيد إفادة تفصيلية من جهود النقاد السابقني وأن يطور أثنا حبثه لقضية اإلعجاز بعض النواحي النقدية،
61
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وبعد ان اطلع على جهود من سبقوه من نقاد األدب اتضح لديه أن فكرة اإلعجاز عند من سبقوه أخذت طريقني:
األول هو الذي سار فيه قدامة وابن املعتز ،والثاني مذهب القائلني بالنظم والتأليف وهم اجلاحظ واآلمدي ومن
سار على طريقهم ،وهذه الطريقة يرى الباقالني أن اجلاحظ قصر يف استغالهلا ،ومن فكرة التفاوت بني
القصائد عند ابن قتيبة دخل الباقالني إىل القول يأن عدم التفاوت يف نظم القرآن يرتفع به عن مستوى أي شعر
أو نثر ،ألنه البد أن خيضع هذان عند البشر للتفاوت ،وهذا التفاوت حمك الناقد البارع ألنه ال خيفى عليه شيء
من أمره ،وقد اختار الباقالني النظم طريقاً إلثبات إعجاز القرآن ،وهناك عنصران آخران :أحدهما الطول
الذي استوعبه ذلك النظم ،واآلخر أن هذا النظم ورد على غري املعهود من نظم الكالم عند العرب ،فكالم
العرب يقع حتت النماذج اآلتية:
أعاريض الشعر على اختالف أنواعه. . 1
أنواع الكالم املوزون غري املقفى. . 2
أصناف الكالم املعد املسجع. . 3
أصناف الكالم املعدل املوزون غري املسجع. . 4
أنواع الكالم املرسل. . 5
فإذا تدبرنا القرآن وجدناه ال يسري على واحد من هذه النماذج ،ولذلك ذهب الباقالني ينفي أن يكون فيه شعر
أو سجع .وإلثبات متيز نظم القرآن عرض الباقالني مناذج من النثر من خطب النيب صلى اهلل عليه وسلم
والصحابة غريهم وعرض مناذج من الشعر وقد وقع اختياره يف هذا على معلقة أمرئ القيس وعلى قصيدة
للبحرتي ،وهذا املنهج الذي سار فيه الباقالني غري سليم النتائج ألنه يوحي باملوازنة بني شيئني متباعدين،
وهناك أمر مل يتنبه له الباقالني حني عاب مجيع أنواع التفاوت ،وذلك أن بعض التفاوت يف طبيعة النظم نفسه
مما يقتضيه اختالف األحوال النفسية ،وقد كان الباقالني على وعي دقيق بقضايا النقد األدبي حسبما بلغت
يف تطورها حتى عصره ،وقد مس كثرياً من القضايا عابراً دون توقف.
أما كتاب الصناعتني فمع أنه مل يؤلف إلثبات اإلعجاز فإن هذه الفكرة كانت من العوامل اليت وجهت املؤلف
إىل ذلك ،فهو يف نهاية املطاف بالغي الطابع وإن مل يفصل كثرياً بني البالغة والنقد ،وكتاب الصناعتني
حسن التبويب حافل باألمثلة ،سهل املأخذ للدارس ،حيتل البديع فيه أكثر من ثلثه ،إال أنه صورة عجيبة لعدم
االستقالل بأي رأي ذاتي ،فليس ألبي هالل فيه إال تنسيق املادة وترتيبها.
النقد األدبي يف القرن اخلامس:
لقد كان الذوق األدبي يف نهاية القرن الرابع يعاني من أزمة حتول ،وأن هذه األزمة ستشتد يف القرن اخلامس،
وقد كان املتنيب هو سر تلك األزمة ،وقد ظل املتنيب مسيطراً على تصور النقاد ،وقد كان أبو العالء ميثل
القطب األدبي يف النصف األول من هذا القرن ،وميثل احلريري القطب يف النصف الثاني منه ،وحينما نقول أن
املتنيب هو صانع تلك األزمة فإن ذلك لسببني :األول أنه مل يأت بعده من خيلفه ،والثاني ما حققه املتنيب من
خطري النتائج فقد حقق ثالثة أمور:
62
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
63
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ال يعد الثعاليب من النقاد ،وحن ن نتحدث عنه هنا ألنه عقد يف كتابه فصالً عن املتنيب ،وهو خمتلف عن بقية
فصول الكتاب مبا حوى من مادة نقدية ،ومتتاز دراسة الثعاليب بأشياء جديدة مل جندها فيم أُلف عن املتنيب
من قبل ،منها:
معانيه اليت حلها الكتاب يف رسائلهم ،مثل الصاحب والصابي والضيب واخلوارزمي. . 1
مناذج من املعاني اليت سرقها من الشعراء. . 2
املعاني اليت كررها يف شعره. . 3
التوسع يف ضروب حماسنه. . 4
أما حديث الثعاليب عن عيوب املتنيب فأكثر االعتماد يف ذلك على رسالة الصاحب ،حيث عد من عيوبه قبح
املطالع ،واتباع الفقرة الغراء بالكلمة العوراء ،وملا عد من عيوبه أن يف شعره ما يفصح عن ضعف العقيدة ورقة
الدين ،كرر قول القاضي" :على أن الديانة ليست عياراً على الشعراء ،وال سوء االعتقاد سبباً لتأخر الشاعر"،
كما أن هناك عيوب أخرى عدها الثعاليب مثل :الغلط بوضع الكالم يف غري موضعه ،وامتثال ألفاظ املتصوفة،
واخلروج عن طريق الشعر إىل الفلسفة ،واستكراه التخلص وقبح املقاطع.
أبو سعد حممد ابن أمحد العميدي:
اشتهر العميدي بالنحو واللغة ،فمن كتبه كتاب "تنقيح البالغة :وكتاب "اإلرشاد إىل حل املنظوم واهلداية إىل
نظم املنثور ،كذلك اهتم بالعروض والقوايف وله فيهما مؤلفان ،وله رسالة يف "سرقات املتنيب" وهو مكتوب
حسن يدل فيه على اطالع كثري ،وهي جتري جمرى املنصف يف دواعيها وغاياتها ،وتربهن هذه الرسالة أن
اإلعجاب باملتنيب يف البيئة املصرية مل يؤثر فيه كتاب "املنصف" ،ولقد كانت املشكلة اليت يريد إقرارها
املعجبون بأبي الطيب بأنه أشعر شاعر عرفته العربية ،عندها يفزع العميدي كما فزع ابن وكيع إىل حكم
الذوق املألوف حينئذ فيحطه عن درجة أبي متام والبحرتي ،ويزيد على ذلك بتفضيل مسلم ابن الوليد وابن
الرومي عليه ،وكل ما يريده العميدي أن ينكره ادعاء املدعني أن معانيه خمرتعة مل يسبق إليها شاعر ،ومل
يبني العميدي رأيه يف السرقات مبقدمة ،كما بني ذلك ابن وكيع ،وال احتاج أن يقف عند صنوف البديع،
وإمنا دخل يف املوضوع دون متهيد ،ومل يتتبع قصائد املتنيب حسب ترتيبها كذلك ،بل كان يورد معنى لشاعر
من الشعراء ثم يتبعه مبعنى سرقة املتنيب ،وقد كان العميدي أشد سخطاً وأظهر نقمة من ابن وكيع ،الذع
التعليقات ،وهو سيء الظن باملتنيب ،يعتقد أن املتنيب اطلع على دواوين الشعراء املكثرين فأخذ منها كل معنى
جيد ،وهو يبين على اعتقاده هذا نقده ،ولسعة اطالع العميدي وعراقته يف القدرة على الكيد ميعن يف بيان
ما أخذه املتنيب ال من اخلبزرزي يف املغمورين فحسب ،بل من شعراء رمبا مل يسمع بهم املتنيب نفسه ،ويستعمل
العميدي بعض املصطلح لبيان أنواع من السرقة ،فبعضها يسميه "نسخاً" وبعضها "سلخاً" ،ويتهم املتنيب كما
اتهمه احلامتي وابن وكيع بالضعف يف اللغة ويتهمه بالغموض يف بعض املعاني ،ويرى أنه يعمد إىل استعمال
لغة الصوفية ،كما أنه ال يفسح صدره ألي معنى يشتم فيه قلة ورع.
أبو العالء املعري:
64
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يتميز أبو العالء باطالع شامل وذاكرة عجيبة ،ولديه كل أدوات الناقد ــ من ذوق وقدرة على املقارنة واحلكم
ــ ومعرفة بالرتاث النقدي حتى عصرة ،ولعله مل يؤلف كتاباً مستقالً يف النقد األدبي ،وقد عرف املعري الشعر
يف رسالة الغفران بأنه "كالم موزون تقبله الغريزة على شرائط إن زاد أو نقص أبانه احلس ،ويكثر أبو العالء
من تكرار كلمة "الغريزة" وهو يتحدث عن الشعر يف مؤلفاته ،وعنده أن شعراء الطبع يعربون بالغريزة وعلى
هذا يكون معنى الغريزة القوة الطبيعية اليت تدرك صحة الوزن ،ثم إن قوة الغريزة رمبا مشلت متييز ما هو
حمض نظم مما هو شعر ،وكان أبو العالء يقيم فرقاً واضحاً بينهما ،ونستنتج من رسالة الغفران أيضاً أن
الشعر ال حتسنه املالئكة بل ال تعرفه ،فالشعر قرآن إبليس ،ومن هذا يتبني أن أبا العالء ما يزال يردد الفكرة
القدمية اليت تقول إن لكل شاعرٍ شيطان ينفث على لسانه ،وقد أزرى أبو العالء على من جيعلون الشعر وسيلة
للتكسب ،وحينما تعرض للرجز حط من قيمته حني قال" :والرجز من أضعف الشعر" ،وكان أبو العالء يبين
بعض أحكامه على ما عرف به من إحاطة ،وعلى اإلحصاء الدقيق ،والدراسة ملا كان يف املاضي وما جد يف
احلاضر ،فهو يف دراسته حلماسة أبي متام وجد أن هذا الكتاب ضم اثين عشر حبراً من أصل مخسة عشر،
وهو يرى أن البحر الذي يسمى "ركض اخليل" أي اخلبب حبر ركيك ،وأن الفحول من الشعراء هجرته يف
اجلاهلية واإلسالم ،ولشدة تعلقه بالقديم كان قادراً على أن يرصد تغري األذواق ،وقد تنبه املعري إىل نوع من
النحل ميكن أن نسميه معاكساً أو معكوساً ،وهو أن ينسب شعر أحد احملدثني إىل متقدم ،ويبدو أن املعري
مل تشغله قضية العالقة بني الشعر والنثر ،ألنه كان حيسن الفنني ،ولكنه ملح املشكلة من بعيد ،كما أنه
مل يطيل الوقوف عند قضية عالقة الشعر بالصدق والكذب ،وقد اهتدى املعري إىل منوذج فريد يف النقد وهو
أن يتشخص يف خياله عمل شعري ما كتشخص "قفا نبكِ".
وقد دفعه إعجابه باملتنيب إىل حفظ ديوانه يف الصغر وحماكاته ثم اختصاره وشرحه مرتني ،وكان مما يعجبه
فيه أنه شديد التفقد ملا ينطق به من الكالم يغري الكلمة بعد أن تُروى عنه ،ولقد بلغ أقصى تعبري للمعري عن
إعجابه باملتنيب هو إميانه بأن أحداً ال ميكنه أن يغري أيةَ لفظه يف شعر أبي الطيب ،غري أن هذا التقدير
واإلعجاب ال مينع املعري من أن يتعقب املتنيب يف بعض عيوبه كالغلو والتكرار الثقيل ،كما يعرتض على
املتنيب يف ربطه الفضائل من شجاعة وكرم باملوت ،وقد انعكست صورة املعري املتفلسف على شرح شعر
املتنيب وهو أمر طبيعي ،فكل شارح يرى يف الشعر شيئاً من ميله ونزعته.
ابن فورجة حممد بن محد الربوجردي:
كان تلميذاً ألبي العالء وقد أفاد من آرائه عامة ومن دراسته لشعر املتنيب خاصة ،والبن فورجة متكأ نقدي
عام ،فهو يرى أن الشعر قد يصيبه الغموض من ثالثة أوجه:
الشعر يصدر جهل غريبه عن تصور غرضه
الشعر الذي يعميه إعرابه جملاز فيه وحذف يف اللفظ أو تقديم أو تأخري سوغه اإلعراب
هذا الوجه سقط لسقوط أوراقه يف املخطوط
65
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فشعر أبي الطيب يعرتيه اإلبهام لألسباب الثالثة ،ولكن ابن فورجة كأستاذه أبي العالء حيب شعر أبي الطيب
فهو أميل للدفاع عنه.
66
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وكان قد اطلع على آراء ابن قتيبة وابن طباطبا و قدامة واجلرجاني ( ورمبا اآلمدي ) ،وال أستبعد أن يكون
قد قرأ الصاحيب البن فارس ،ولكنه مل يأخذ من آرائهم إال ما تفرضه حدود موضوعه ،وجتنب كثرية من
آرائهم القيمة ألنه ال يريد أن يتجاوز ما رمسه لنفسه.
وأضعف املشكالت الثالث يف مقدمته هي املشكلة الثالثة :ألنها حماولة لتفسري ظاهرة عملية تتفرع يف ثالثة
فروع ( :أ) املفاضلة بني الشعر والنثر (ب) السبب يف قلة البلغاء وكثرة املفلقني (ج) السبب يف قلة البلغاء
وكثرة الشعراء ،و قد عاد املرزوقي إىل تلك اخلصومة اليت عرضها املتفلسفون من نقاد القرن الرابع يف
املفاضلة بني الشعر والنثر ،فذهب إىل أن النثر أفضل ،مستدال على ذلك بأن اخلطابة كانت لدى اجلاهليني
أهم من الشعر وأنهم كانوا يأنفون من االشتهار بالشعر ويعده ملوكهم دناءة (وهي قضية سيتصدى هلا ابن
رشيق بالرد) ،كذلك فإن الشعراء حطوا من قيمة الشعر بتعرضهم للسوقة حتى قيل « الشعر أدنى مروءة
السري وأسرى مروءة الدني » (وهو موقف سينقضه ابن رشيق أيضا) ،وثالث األدلة على شرف النثر أن االعجاز
بالقرآن مل يقع بالنظم .ثم إن ما يطالب به الكاتب أشد صعوبة مم يطالب به الشاعر :فهو مطالب مبراعات
حال من يكتب عنه ومنزلته االجتماعية وأحوال الزمان ومواضع اإلجياز واإلطناب وأحكام السريعة.
وجتيء املشكلة الثانية تالية هلذه يف اجملال النقدي ،وهي تبدأ من منطلق جزئي هو « :ملاذا كان اختيار أبي
متام من نسيج خمتلف عن شعره ؟» وجواب املرزوقي على هذه املشكلة قد يرتجم يف لغتنا احلديثة املشكلة
الثانية يف التفاوت بني اختيار أبي متام إىل أن االختالف بني خمتارات أبي متام وبني شعره ناجم عن التباين بني
أبي متام الناقد وأبي متام الشاعر ،ولكن ابن فارس كان قد قال من قبل :أن اختيار الشعر موقوف على
الشهوات .فيتصدى املرزوقي للرد عليه دون أن يسميه .وذلك بلجوئه إىل القول بوجود مقاييس نقدية عامة يشرتك
فيها يف قوله :االختيار زيد وعمرو وأن من أتقن تلك املقاييس وتدرب على موقوف على الشهوات استعماهلا «ال
ينظر إال بعني البصرية وال يسمع إال بأذن النصفة وال ينتقد إال بيد املعدلة؟ وال بد هلذا الناقد من معرفة اجليد
والرديء ،ويرى املرزوقي أن أنصار النظم حتى عصره اصبحوا على ثالث درجات متتالية:
ا -فريق يرى أن حتسني نظم األلفاظ و جعلها سليمة من اللحن و اخلطأ ومما قد يعرتي التأليف من جنف ،
وإيرادها صافية الرتاكيب ،هو املطلوب .
- ۲فريق يتجاوز احلد األول ويرى أن يضيف إىل ما سبق شيئا آخر التحسني مثل تتميم املقاطع وتلطيف املطالع
وعطف األول اآل خر على و تناسب الوصل والفصل و تعادل األقسام واألوزان
- ۳فريق يتجاوز احلد الثاني و يرى أن كل ذلك جيب أن يضاف إليه أنواع البديع من ترصيع وجتنيس و استعارة
و تطبيق وغري ذلك من الصور البديعية.
أما أصحاب املعاني فهم الذين يفضلون أن ينقلوا آثا ر عقوهلم أكثر من اهتمامهم بالشكل ليستفيد املتأمل،
وحمصل موقف املرزوقي أنه البد من اإلتالف بني اللفظ واملعنى ائتالفاً تاماً وقد عاد إىل العناصر اليت عدها
اآلمدي ووضحها اجلرجاني من قبل وهي:
شرف املعنى وصحته . 1
67
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
68
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
واملصنوع :هو ما كان وليد جيشان يف النفس وحركة يف القرحية فإذا شاء الشاعر نقل ذلك بصورة تعبري
حني الطبع املهذب بالرواية والدربة عن العمل وحل حمله الفكر
والقدامى أقرب إىل الطبع ،أما احملدثون فحظهم من الطبع متفاوت :فبعضهم يقوى لديه وحيكمه يف االبداع،
فيجيء كالمه أقرب إىل طرائق األعراب؛ وبعضهم حيب اإلغراب وإظهار االقتدار ألنه يدل على كمال الرباعة،
ولذلك يلجأ إىل الفكر ال إىل الطبع فيحمله على االكثار من البديع.
69
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مبعناه وأقل االحتفال باللفظ وجعل ال يعطيه من املزية إن هو أعطى إال ما فضل عن املعنى ،يقول :ما يف اللفظ
لوال املعين؟ وهل الكالم إال مبعناه ؟ فأنت تراه ال يقدم شعراً حتى يكون قد أودع حكمة وأدبا واشتمل على
تشبيه غريب ومعنى نادر ،فالذي يعنيه اجلاحظ وأمثاله هو تلك الصورة ال جمرد اللفظ نفسه ،لقد جلأ
عبدالقاهر كثرياً ،وهو بشرح هذه الفكرة حول الصورة واجملتمعة من اللفظ واملعنى ،إىل التمثيل عليها
ومقايستها بعملية الصياغة أو بالوشي واالبريسم لكنه كان يف كل مرة متنبها إىل ما جتره هذه املقايسة من
تضليل ،فالذي يتصور الشعر صياغة قد يرتسم يف ذهنه أن الصائغني بصنعان سوارين ال يكون الفرق بينهما
واضحاً ،فهل ميكن أن حيدث مثل ذلك يف "النظم"؟ وجييب عبد القاهر على هذا التساؤل بتقرير مبدأ التفاوت
دائما ،ولكن الناس در جوا على أن يقولوا هذا شاعر قد أتي باملعين بعينه ،على طريق التساهل والتجوز ،وال
ميكن لشاعر آخر أن يأتي باملعنى بعينه ،إال كان ذلك تكراراً تاماً لعبارات الشاعر األول ،ويف هذا نفسه
ما يدل على ميزة النظم ألنها هي اليت حتقق ذلك التفاوت .أما التشبيه باالبريسم فإنه أيضا قاصر ألنه قد
يوحي أن «النظم » ضم للكلمات بعضها إىل بعض كما حيدث يف ضم غزل االبريسم بعضه إىل بعض؛ وميكن
رد هذا الوهم إذا تذكر املرء أن ضم األلفاظ ينبع نسقا قرره النحو ،فإذا ضمت األلفاظ إىل بعضها البعض
دون أن تتوخى فيها معاني النحو مل يكن ذلك نظمة ،فالفرق إذن بني النظم واالبريسم هو فرق يف العامل
العمادي ،يف إنشاء سياق ما.
لذلك كانت نظرية النظم (أو التأليف) عند عبدالقاهر إنكاراً لتلك الثنائية املضللة وعودة إىل الوحدة ،أي
أن يعين الناقد برؤية الصورة جمتمعة من الطرفني معا دون فصل بينهما؛ وتلك هي فيما يبدو نظرية اجلاحظ،
و إذا كان عبد القاهر قد استمد نظرية « النظم » من اجلاحظ يف خطوطها العريضة ،فإن اختاذه هلذه الفكرة
منطلقة هو الذي نقله بعد قليل إىل أدق ما نفذ إليه يف سياق تلك النظرية ،فقد انتقل من تفاوت الدالالت إىل
مرحلة مل يتنبه إليها أحد قبله من النقاد ؛ وقد أسعفته نظرية اجلاحظ يف « املعاني املطروحة » على ذلك فقد
خيل إليه أن الناس حني أساءوا فهم نظرية اجلاحظ ،مل يلحظوا تفاوت الدالالت الناجم عن طريق الصياغة،
وهو بهذا يرد رداً ضمنياً على من أساءوا فهم نظرته يف املعاني ،حني خيل إليهم أنه يعين باملعاني و املستوى
الفكري ،يف حقائق احلياة ،وتتغلب هذه النظرة « العقالنية » على اجلرجاني الناقد ،فهو من خالهلا ينظر
إىل اجلمال ويزن مقدار التأثري يف الفن األدبي ،فأعلى صور التشبيه عنده أن جتمع أعناق املتنافرات واملتباينات
يف ربقة وتعقد بني األجنبيات معاقد نسب وشبكة» ،وإن ما حلظه اجلرجاني من قيمة احلركة يف الصورة
جيعل منه ناقداً حصيفاً دقيق املالحظة قريبة إىل النقد اجلمالي احلديث يف نظراته ،ومما يقوي هذا احلكم
أن اجلرجاني يؤمن بتجدد الصور وبأن الغرابة ليست خاصة أزلية ،وإمنا هي لون يبوخ مع الزمن ويعتوره االبتذال
،يرى اجلرجاني ذلك ،دون أن يزايله االميان بأن الصورة هي أساس الشعر بل هي الشعر نفسه ،وليس من
تناقض بني وصف اجلرجاني بالعقالنية وأنه ناقد مجالي ،فهو يتخذ منهجاً عقلياً يف إدراك « أسرار » القول
البليغ ،ولكن منهجه العقلي خيتلف عن ناقد عقالني آخر هو قدامة ،ذلك ألن قدامة اهتم بالشكل املنطقي
يف تركيب منهجه وتقسيماته ،وليس األمر دائما كذلك عند اجلرجاني ،فإن هذا اعتمد فكره يف النفاذ إىل
70
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بواطن األمور فكانت عقالنيته من الذكاء اخلصب املقرتن بإحساس يف دقيق مبواطن اجلمال يف فن القول
ومل يهتم كثريا باملبنى املنطقي الذي وضعه قدامة .ومن هذا املوقف استطاع اجلرجاني أن يصحح كثريا من
اآلراء النقدية اليت سبقت عصره ،وعلى أساس ذلك املنهج العقالني اجلمالي تناول اجلرجاني مشكلة من
مشكالت النقد القدمية .استغرقت كثرية من جهد النقاد من قبله و من بعده ،أعين بذلك عالقة الشعر
بالصدق والكذب ،فنفى أن يكون كل من الصدق والكذب عند احلديث عن الشعر متعلقني بالصدق أو
الكذب يف اخلرب أو واردين باملعنى األخالقي ،والقول الفصل عند اجلرجاني يف هذه املشكلة أن املعاني تنقسم
قسمني فهناك معان يشهد العقل بصحتها ،ومعان يتوصل إليها الشاعر بطريقني :باالحتجاج او بالتعليل القائمني
على التخييل ،وهذا النوع الثاني من املعاني هو األكثر وروداً يف الشعر ،فإذا سئل اجلرجاني :ماذا تعين
بالتخييل قال " :ما يثبت فيه الشاعر أمراً هو غري ثابت أصال ويدعي دعوى ال طريق إىل حتصيلها ويقول قوال
خيدع فيه نفسه ويريها ما ال ترى.
وبعد أن يوحد اجلرجاني بني الشعر والرسم يف القدرة على التأثري ،ينقل الشعر إىل حيز الدين والرموز الدينية،
فيماثل بني أثره يف النفوس وأثر األصنام يف عُبّادها.
وآخر املشكالت النقدية اليت تصدى هلا عبد القاهر هي مشكلة األخذ والسرقة" ،وتوضيحاً هلذه املشكلة
وجدناه حيدد مواطن االتفاق فيحصرها يف ثالثة:
اتفاق الشاعرين يف عموم الغرض ،كأن يصف كل منهما ممدوحه بالشجاعة والسخاء وهذا ال يدخل يف
األخذ والسرقة إطالقاً.
اتفاق الشاعرين يف تشبيهات معروفة وليس يف هذا سرقة أو أخذ
اتفاق الشاعرين فيما ال يدرك إال بالروية واالستنباط والتأمل ويف هذا جتوز دعوى السرقة أو األخذ.
أما نظرة عبدالقاهر إىل العالقة بني الشعر والدين ال من حيث اشرتاكهما يف التأثري بل من حيث تعمد الشاعر
االستهانة باملعتقد الديين ،ففي هذا املقام جند عبدالقاهر مير بهذه املسألة مروراً سريعاً فيقول « :و أبعد ما
يكون الشاعر من التوفيق إذا دعته شهوة االغراب إىل أن يستعري للهزل والعبث من اجلد( يعين الدين ) ،ومع
أن عبد القاهر قد خالف كثريا من النقاد السابقني الذين رأوا أن ال حيكم على الشعر والشاعر من الزاوية
الدينية ،فإنه كان أصرح منهم موقفا ألن أولئك النقاد وضعوا نظرية دفاعية خالفوها عند التطبيق ،أما هو
فإنه قد حترج من إطالق العنان لنفسه يف خوض هذا.
النقد األدبي يف القريوان:
يف زمن باديس الصنهاجي و ابنه املعز بلغت القري وان ذروة النهضة يف احلياتني العلمية واألدبية ،وكانت هذه
النهضة الثقافية ذات أثر يف منو حركة النقد األدبي ،كما أن التنافس الشديد بني األدباء يف حاضرة بن
زبري قد زاد من منوها؛ وزاد األمر حدة أن القوم كانت قد وصلتهم من الثقافة املشرقية مذاهب شعرية متعددة،
وكانت الثقافة املشرقية قد نقلت إليهم طرقا متفاوتة يف النقد أيضا ،وهكذا كانت مجيع العوامل مسعفة
على ظهور حركة نقدية يف القريوان ؛ فكان من أعالمها أبو عبد اهلل القزاز الذي ألف كتابا يف ما أخذ على
71
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أبي الطيب ،وابن ميخائيل حممد بن احلسني القرشي الذي كان شديد االنتقاد على مذهب قدامة ،إال أنا
ال نعرف له مؤلفاً نقدياً ؛ وعبد الكريم بن إبراهيم النهشلي ،وقد ملح عبدالكريم قسمة قدامه للشعر على
أساس الفضيلة وضدها فقسم الشعر إىل :شعر هو خري كله ،وشعر هو شر كله ،وشعر يُتكسب به ،ويف
موضع آخر يقول يف أقسام الشعر" :أصناف الشعر أربعة :امل ديح واهلجاء ،واحلكمة ،واللهو" ويبدو أنه مُتأثر
باآلمدي ،وكان عبد الكريم يف طريقته الشعرية ممن يقدمون اللفظ على املعنى ،وقد كرر يف موقفه من
السرق آراء النقاد السابقني ،وكان عبد الكريم يؤمن بأن استجاشة اخلاطر على حنو عملي أمر هام يف
استدعاء الشعر ،وقد أثار هذا الناقد بعض املالمح الدقيقة معتمداً على ذكائه :فمن ذلك رأيه يف أن عادة
العرب يف الغزل أن يكون الشاعر متماوتاً مفتوناً ،وعادة العجم أن تكون املرأة طالبة راغبة ،ولكن أعمق
ملمح أثاره عبدالكريم هو أثر اختالف البيئات عامة يف الشعر والذوق ،وأصل هذا الرأي موجودٌ عند اجلاحظ.
وميكن أن نعد عمل ابن رشيق يف كتبه الثالثة متكامال" فقد حاول يف دراسته لشعراء القريوان يف كتاب
"األمنوذج" ،أن يطبق بعض القواعد النقدية اليت حشدها يف كتاب " العمدة" ولكن كتاب العمدة أهمها
وأبعدها أثرة ،فهو كتاب جامع من حيث أنه معرض لآلراء النقدية اليت ظهرت يف املشرق حتى عصر ابن
رشيق ،ودارس العمدة معذور إذا هو مل يستطع رد كل رأي إىل صاحبه ألن ابن رشيق ساق الكالم متصال
أحيانا ،حبيث خيفى على القارئ أن خيوط النسج مأخوذة من مواضع خمتلفة ،ولكن ابن رشيق رغم ذلك
ناقد قدير ،مل تضع شخصيته بني آراء عبدالكريم واجلمحي واملربد واجلاحظ وابن وكيع والرماني و دعبل
واجلرجاني واملرزوقي وابن قتيبة وقدامة واحلمار السرقسطي وكثري غريهم ،ولو قارنا بينه وبني العسكري
صاحب الصناعتني وهما متشابهان يف بناء مؤلفيهما من كتب اآلخرين وآرائهم لوجدنا العسكري مصنفاً
وحسب ،باهت الشخصية ال سبيل إىل عده ناقداً ،بينا يقف ابن رشيق حبيويته وقفة بارزة بني نقاد القرن
اخلامس ،هذا على الرغم من أن كتاب الصناعتني أدق تبويبا من كتاب العمدة ،غري أن العمدة ميتاز بني
كتب النقد األدبي بأنه احتوى أكثر ما يريده املتأدب من حديث عن الشعر ومن حديث يف الشعر نفسه،
ويطالعنا ابن رشيق بأنه من أنصار الشعر ،ثم هو يرد على احملتجني للنثر بأن القرآن مل جييء منظوماً ،وكأنه
يضع نصب عينيه حديث املرزوقي ،ورده عليه غاية يف الدقة :إذ يرى أن جميء القرآن منثوراً أظهر يف االعجاز
لقوم شعراء ،وهو ليس بشعر ،كما أنه أعجز اخلطباء وليس خبطبة واملرت سلني و ليس برتسل ،و أضاف إىل
هذا حججا من عنده يف فضل الشعر حني حور معنى الكذب ،ومل يأت ابن رشيق بشيء جديد يف قضية املقارنة
بني القدماء واحملدثني بل أورد أمثلة ملن كانوا يتعصبون للقديم ،وكذلك هو حاله يف حديثه عن حد الشعر (
اللفظ والوزن واملعنى والقافية ) فإنه شغل باالقتباس عن الرماني وعبد الكريم واجلرجاني وغريهم ،فإذا تناول
ثنائية اللفظ واملعنى أورد عبارة ابن طباطبا "اللفظ جسم وروحه املعنى" وبسطها على طريقة احلامتي ،وقد أجاز
للشاعر التظرف ببعض األلفاظ األعجمية ،وعندما حتدث عن ثنائية املطبوع واملصنوع مل يعرفهما وإمنا قدر
أنهما قد أصبحا معروفني لكثرة ما دار حوهلما من حديث نقدي ،ثم اكتفى باحلديث عن بعض املطبوعني
والصناع ،وقد عاد إىل املوضوع القديم الذي أثاره بشر بن املعتمر يف صحيفته ووضحه ابن قتيبة وهو االستعداد
72
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
النفسي لقول الشعر ،واألمور املسعفة على إنعاش القرحية ،وبعد أن عرض لنا طرق الشعراء يف استجالب
الشعر ،طالعنا برأي لعله هو رأيه اخلاص إذ قال " :ومما جيمع الفكرة من طريق الفلسفة استلقاء الرجل على
ظهره ؛ وعلى كل حال فليس يفتح مقفل حبار خلواطر مثل مباكرة العمل باألسحار عند احلبوب من النوم ،
لكون النفس جمتمعة مل يتفرق حسها يف أسباب اللهو أو املعيشة أو غري ذلك مما يعيبها"
وهو إمنا يردد يف الشق الثاني من هذا الرأي نصيحة أبي متام للبحرتي وحياول تعليل ذلك ،وينقسم ما تبقى من
كتابه يف ثالثة أقسام أكرب ها فصول يف أنواع البديع يف أغراض الشعر ،وقد كان سر متيز ابن رشيق يف:
طرافة التجربة :فهو يقرب من قلب القارئ بأن يقص جتاربه يف الصنعة الشعرية . 1
اجلرأة :وهذه تتمثل يف خمالفته لآلراء املألوفة املروية عن كبار النقاد ،كما تتمثل يف أحكام . 2
له ال خياف من اجلهر بها.
طرافة الرأي كحديثه عن الصلة بني الفقر والشعر . 3
تأثره باإلقليمية رغم ثورته عليها . 4
اتساع نطاق الفهم النفسي لوظيفة الشعر؛ فهو ال يكتفي بذكر ما ذكره السابقون من أثر . 5
نفسي ملقدمة القصيدة وإمنا يشري إىل أن هذا األثر البد من أن يبلغ بالنفس منزلة االرتياح والسكنه
بإيراد اخلامتة الصاحلة.
إميانه بقيمة التجربة احلسية :وهذا جعله يرى أن التشبيه أصعب شيء يف الشعر. . 6
تلك مميزات إذا أضيفت إىل طريقته السهلة اليسرية املشوقة يف عرض اآلراء واملوضوعات تفسر سر القبول
الذي حظي به كتاب العمدة.
ولعلنا نقف وقفة ختامية عند باب السرقات تفضي بنا إىل دراسة رسالة «قراضة الذهب » :ففي هذا الباب
اعتمد ابن رشيق على حلية احملاضرة للحامتي يف تبيان أنواع السرقة ،وشرحها كما شرحها احلامتي وجاء
بأمثلته وانتقد مصطلحاته بأنها ليس هلا حمصول إذا حققت :وأورد رأيي اجلرجاني وعبد الكريم يف السرقات
،وانتقد ابن وكيع بشدة حيث قال « :فقد قدم يف صدر كتابه على أبي الطيب مقدمة ال يصح ألحد معها
شعر إال الصدر األول» ،وليس البن رشيق يف الباب كله رأي ذاتي أو متثيل جديد .والظن قوي بأن ابن رشيق
مل يعر مبحث السرقات اهتماماً ،إلميانه بأن السرقة قد أصبحت قاعدة عامة يف احلياة الشعرية لعصره .هذا
ما طرقه يف القسم األ ول من الرسالة ،أما القسم الثاني منها فإن ابن رشيق اتبع طريقة جديدة أفادت استخراج
املعاني املبتكرة عند أمرئ القيس ،وكيف أخذ الشعراء من بعده يتناولونها ،فإذا انتهى من احلديث عن أمرئ
القيس انتقل إىل ضروب من العاني املخرتعة عند غريه من الشعراء ،وقد وجد أن الشاعرين يتفقان أحياناً يف
قسم أقسام البيت وأحياناً يف البيت ،وهو حييل على احلفظ فالشاعر الذي حيفظ قصائد كثرية ،ثم حياول
أن يضع قصيدة على وزن ما وروي ،فالبد أن تضطره طبيعة الرتكيب واإليقاع من أن يكرر ما عند غريه
تكريراً لفظياً أحياناً ،وهو يرى أن بعض ما يقع اتفاقاً ال يعد سرقة ،وآخر مظهر من السرقات حتدث عنه ابن
73
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
رشيق هو ما مساه "التلفيق" وهو أن يأخذ الشاعر املعاني املتقاربة ويستخرج منها معنى مؤكداً يكون له
كاالخرتاع ،وتقدم رسالة "قراضة الذهب" أو دراسة نقدية لشعر املعري.
وثالث نقاد القريوان هو ابن شرف القريواني الذي كانت بينه وبني ابن رشيق مالحاة ومنافسة ومهاجاة ،والبن
شرف رسالة نقدية نشرت باسم "أعالم الكالم" ،فإذا استثنينا املقامة اجلاحظية لبديع الزمان وهي اليت يدور
قسم منها على نقد اجلاحظ عددنا رسالة ابن شرف أول قالب نقدي يف صورة مقامة طويلة ،غري أنه مل يلتزم
أ سلوب املقامة يف مجيع رسالته ،بل وسع من أعطاف القول ،فجاءت رسالته يف قسمني واضحني :أوهلما املقامة
نفسها اليت حتدث فيها عن الشعراء ،والثاني :بيان سقطات عدد من الشعراء وبعض العيوب يف الشعر ،ويتميز
هذا القسم بظهور شعراء املغرب فيه إىل جانب املشارقة حني حتدث اين شرف عن ابن عبد ربه وابن هاني وابن
دراج القسطلي وعلي التونسي ،ومن توجيهات ابن شرف العامة أن الناقد حباجة إىل التأني الشديد قبل إصدار
احلكم ،ويذكرنا نقد ابن شرف لشعر أمرئ القيس مبوقف الباقالني منه ،فهو يعتمد على النظرة األخالقية
قبل كل شيء ،وقد استغل ابن شرف بعض املفهومات النفسية لتفسري ظواهر شعرية على حنو طريف .فقد
اعتمد على األخبار اليت تقول أن أمرئ القيس كان مفركاً لدى النساء ،وإذن فإنه كان حمروماً من وصلهن
وتعشقهن ،ويف اشباع هذا احلرمان جلأ إىل اختالق القصص ،وإذا حتدث عن عيوب زهري عمد إىل كثري مما
عده ا لنقاد السابقون منوذجياً يف شعره وكشف عما فيه من نقائص متحدياً بذلك عدداً كبرياً من النقاد،
ورغم التدقيق الذي يطالعنا به ابن شرف فإن نقده ينتحي منحىً مثالياً مل خيرج به عن طبيعة النقد القديم الذي
سادت مقاييسه يف العصر اإلسالمي واألموي وظلت آثاره ملموسة يف النقد على مر الزمن ،وليس يف القسم
األخري من رسالته شيء جديد :فهنالك ذكر الناقد عدداً من العيوب مثل اللحن وخشونة الكلمات وتعقيد
الكالم وكري الوزن وجماورة الكلمة ما ال يناسبها واالفتتاحات الثقيلة واملتطري بها ،وقلق القافية ،واجلفاء
يف النسيب ،والسرقة ،وقد قسم السرقات إىل :سرقة ألفاظ وسرقة معاني ،وقد خصصت خامتة الرسالة
للحديث عن بعض عيوب املتنيب ،وهي شبيهة مبا أثاره غريه من قبل مع تدقيقات خاصة ينفرد بها.
إن ما حققته مدرسة القريوان يتميز حبيوية أشخاصها الذين منحتهم النهضة األدبية يف إقليمهم بعض السمات
األدبية كما اشتملت حماوالتهم على تعليل املؤثرات النفسية.
النقد األدبي يف األندلس:
تربى الذوق األندلسي مدة طويلة على الشعر احملدث ،وعلى الشعر األندلسي نفسه الذي كان يرتسم خطى
الشعر احملدث املشرقي ،وقد ظل الذوق األندلسي مأخوذ بالشعر احملدث حتى دخل القالي إىل قرطبة جالباً
معه دواوين اجلاهليني واإلسالميني ،ومل يستطع النقد األدبي يف األندلس قبل القرن اخلامس أن يرتفع إىل
مستوى املشكالت الكربى اليت دارت يف النقد املشرقي ،وقد جند وقفات نقدية عن ابن عبدربه يف العقد
ولكنها مقتبسة مما عرفه عن املشارقة ،إال أن الطاقات النقدية يف األندلس قويت وذلك ألسباب عدة وهي:
احلركة الثقافية اليت أوجدها احلكم املستنصر
إنشاء ديوان للشعراء ال يقيد فيه اسم شاعر لينال عطاءً إال بعد أن يثبت تفوقه.
74
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
االنهيار الذي أصاب قرطبة بسبب الفتنة الرببرية حيث قضى على العمران والوحدة السياسية وأشاع القلق
واالختالل يف املقاييس ورمى الشعر يف الكساء ،وخلق طبقة من أدعياء الثقافة.
انفتاح العقول املثقفة على شيء من املنطق والفلسفة
أثر النقد املشرقي حيث وصلت كتبه إىل األندلس.
فمن طبيعة الوضع األندلسي وطبيعة الشعر األندلسي اختذ النقد األدبي وجوده ومساته :أما طبيعة الوضع
األندلسي فكانت تتمثل احتذاء املشرق ،فلما تنبهت لشخصيتها العلمية أخذ النقد يدافع عن هذه الشخصية،
ومن طبيعة الشعر األندلسي أنه أول األمر تربى على اذوق احملدث فاهتم بوصف اجلمال ،ولذلك كان من أبرز
العناصر اليت التفت إليها الناقد املتذوق عنصر التشبيه ،ومن طبيعة الشعر األندلسي أيضاً أن التيار الذي سُمي
طريقة العرب حني جاور مذهب احملدثني عايشه يف هدوء وسار التياران متوازيني دون صراع ،فإذا كان النقد
األدبي األندلسي نتاج هذا كله ،فال غرابة أن جنده يدور يف جماالت :الدفاع عن األندلس وأدبها واللجوء إىل
محى األخالق وال تشبث بالصورة وقوانني األخذ والسرقة ،ولعل أعظم اثنني مترسا بالنقد يف القرن اخلامس،
ورمبا ظال أعظم من نلقاهما يف تاريخ النقد هنالك هما ابن شهيد وابن حزم.
ابن شهيد:
يعد ابن شهيد أقرب إىل النقد ألن اعجابه بنفسه وضعه موضع التفرد ،ومن مؤلفاته ذات الطابع النقدي :كتاب
"حانوت عطار" ،ورسالة "التوابع والزوابع" ،ورسائل متفرقة حتدث فيها عن البيان ،وألول مرة يوجد ناقداً يقر
مبدأ املعارضة معياراً للتفوق ،وأما التوابع والزوابع فإنها رسالة كتبها ابن شهيد لصديقه أبن حزم ،وهي تعتمد
الفكرة القدمية يف أن لكل شاعر تابعاً من اجلن يلهمه الشعر ،وقد ابطل معتقد أن النثر والشعر ال يتفقان
على درجة واحدة يف اجلودة لشخص واحد ،وقد بنى سائر ما تبقى من رسالة التوابع والزوابع على صورة تهمية
غض فيها من شأن علماء اللغة وخباصة ابن اإلفليلي شارح ديوان املتنيب ،وينقسم أصحاب صنعة الكالم يف
رأيه إىل ثالثة أقسام:
قسم خيرتع املعاني ويعرف جيد األلفاظ . 1
قسم ماهر يف التلفيق واحليلة . 2
قسم هم أصحاب احلدة البيانية الذين يبنون الكالم على االندفاع واالنصباب مع التوفيق التام . 3
بني الفكرة الصعبة ومائية الشكل.
وهذه القسمة تنظر إىل القطعة الفنية وحتكم على الشاعر من خالهلا ،فالقطعة الفنية الرائعة يف نظر ابن
شهيد هي اليت تتمتع بقوة االنصباب ،وتوفق يف انسجام تام بني الفكرة والشكل ،وتلبك معاني اآلخرين يف
مزيج خفي ،وتقتنص كل ما يتاح هلا ،وتتساوى جودتها يف حاليت البديهة والفكرة ،وكان ابن شهيد يرى
البديهة حمكاً للفكرة ،وإذا كانت أروع صور البيان هي اليت مت فيها التوفيق بني الفكرة الصعبة ومائية
الشكل فإن مهمة الناقد األدبي هي الكشف عن هذا التالؤم ومتييزه من سائر مراتب الصناعة ،وجند ابن
شهيد ينص على أن الناقد جيب أال يستهويه الشكل وينسيه التفتيش عن املعنى ،ولعل أهم خداع تنبه له ابن
75
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
شهيد هو اخلداع العاطفي حيث تضرم نريان اجلوى وتسفح الدموع ،والكالم يف حقيقته كسراب بقيعة ،وقد
أقر ابن شهيد بتغري العادة حسب تغري األزمنة وبأن ما يصلح يف عصر رمبا ال يبقى صاحلاً يف عصر آخر ،وقد
يتجاوز اعجاب ابن شهيد بذاته وبشعره وبنثره كل حد ،فقد كان ثانياً البن طباطبا يف وضع مفهوم للجمال
الفين ،وكان متفرداً يف تفسري الطبع على أساس روحاني ،فرمبا تفوق على ابن رشيق وابن شرف ،ورمبا مل
يبلغ أي ناقد أندلسي مبلغه يف ارهاف الذوق واإلحساس باجلمال الفين.
ابن حزم:
لقد كانت مداخله إىل النقد األدبي كثرية مثلما كانت احلواجز والسدود دونه كثرية أيضاً ،وقد كتب
رسالة عن األندلس وضع فيها بعض شعراء بلده يف مصاف مشاهري املشارقة ،وقد عرف البالغة تعريفاً فيه
شيء من الطرافة وهو يضع هلا أربع مراتب:
بالغة تتكون من األلفاظ املألوفة عند العامة . 1
بالغة تتكون من األلفاظ غري املألوفة عند العامة . 2
بالغة ترتكب من املرتبة األوىل والثانية . 3
بالغة عادية . 4
وعند حديثه عن املطبوع واملصنوع من الشعر قسم الشعر إىل ثالثة مراتب:
الصناعة وهي اجلمع بني االستعارة والتحليق على املعاني
الطبع ما أشبه املنثور يف تأليفه وسهولته ومل يقع فيه تكلف
الرباعة هي التصرف يف املعاني الدقيقة البعيدة واإلكثار مما ال عهد للناس بالقول فيه وأصابة التشبيه وحتسني
املعنى اللطيف .وابن حزم يأخذ برأي من يقول :أحسن الشعر أكذبه.
وحني حتدث عن الشعر قال :وأما علم الشعر فإنه على ثالثة أقسام :أحدهما أال يكون لإلنسان علم غريه فهذا
حرام ،والثاني االستكثار منه فلسنا حنبه وليس حبرام ،والثالث :األخذ منه بنصيب فهذا حنبه وحنض عليه.
النقد يف القرنني السادس والسابع
النقد يف األندلس
وقد نسمي هذين العصرين يف تاريخ األدب املشريف واملغربي فرتة اخلوف من الضياع ،ويف فرتات اخلوف من
الضياع يكثر التسجيل والتقييد ويقل النقد أو يضعف صوته ،وختمد املعارك األدبية اللتهاء الناس مبعارك
حتدد البقاء أو الفناء ،وجنم عن اخلوف من الضياع ظواهر أخرى يف طبيعة الشعر نفسه :منها امليل إىل اإلطالة
يف مبنى القصيدة واالكثار من الشعر؛ وهذا قد يفسر باسم الرغبة نفسها يف التخليد والبقاء ،وقد انصرفت
اجلماهري حنو األشعار العامية مما زاد أزمة الفصيح ،وبذلك زادت أزمة الشعر عما كان يف القرن اخلامس،
وقد وصل االحنراف إىل النتيجة احلتمية وهي االهتمام يف الشعر بالشؤون البالغية اليت كانت تسري من قبل
يف معونة احلركة النقدية ،فلما ضعف النقد انفصلت عنه البالغة واستقلت واستأثرت باالهتمام الشكلي،
وأصبحت جهود أصحابها مقصورة على التفنن يف التقسيم والتفريع ،وحتولت كلمة نقد عن معناها األصلي،
76
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ولذلك اضطلعت األندلس بكثري من مهمة النقد يف هذين القرنني؛ مثلما اضطلعت بتطوير فين املوشح والزجل
اللذين كانا يتطلبان مقاييس نقدية جديدة مالئمة ،ولكن األندلس مل تكن تعي أنها مهيأة لدور خطري يف
النقد.
ابن خفاجة:
هو شاعر الطبيعة وهو أول من يطالعنا من شعراء األندلس ،وتبدو قيمة املقدمة اليت كتبها ابن خفاجة على
ديوانه يف أنه حتدث فيها عن جوانب من جتربته الفنية ،فهو يعتقد أن الشعر ال ميكن أن جييء كله مستوي
اجلودة وإمنا ينقسم إىل طرفني ووسط ،ويف الطرف الثاني تكل األذهان ،وتقل املادة من لفظ وقافية ،وهو يف
ضيق من النقاد الذين يؤاخذون الشاعر بكل ما يقوله ،وحياسبونه من خالل القول على فعله ،وهؤالء يف رأيه
يغفلون عن طبيعة الشعر الذي يقصد فيه التخييل وليس القصد فيه الصدق وال يعاب فيه الكذب ،وهو يقسم
النقاد إىل فئات :فمنهم من ينتقد نقداً صحيحاً معتمداً على الفهم ،ومنهم من حيكم خبثه ،ومنهم من يقصر
به ضعف بصريته ،ولفظة التخييل اليت استعملها ابن خفاجة إمنا صدرت عن دوائر النقد املتصل بالفلسفة أو
املتأثر بها.
ابن بسام الشنرتيين:
هو صاحب الذخرية وأكثر النقاد األندلسيني يف القرن السادس احتفاالً بقواعد النقد وتطبيقها ،وهذا ما
نلمحه يف األساس النقدي الذي يقوم عليه كتاب الذخرية ،وميكن القول أن مذهب ابن بسام يف النقد يقوم
على ركيزتني كلتاهما تتصل بأب ي حممد ابن حزم :األوىل ركيزة الدفاع عن تراث األندلس األدبي عامة،
والثانية :النظرة األخالقية يف احلكم على بعض الفنون الشعرية ،وقد كانت الغاية األوىل من تأليف الذخرية
هي جذب األندلسيني إىل ختليد تراثهم واالعتزاز به ،ولذلك ندد بهم ابن بسام ألنهم يرتكون ما عندهم من
تراث أدبي ويتو جهون إىل أدب املشرق ،أما وقفته إىل جانب الدعوة األخالقية اليت صرح بها ابن حزم فإنها
تتجلى يف جتافيه عن فن اهلجاء ،واهلجاء عنده قسمان :هجو األشراف ،وقد كان العامل األخالقي الديين
قوياً يف توجيه النقد عند ابن بسام ،وهو يكره إدخال األفكار الفلسفية يف الشعر ،وهو مع ذلك معجب بأبي
الطيب وأبي العالء ،إال أنه متعجب من إقدامهما على ألفاظ الفالسفة وأفكارهم ،ومن هذا يتضح أن ابن بسام
ناقد حمافظ إن صحت العبارة ،ومما يؤكد هذه احملافظة ومبدأ االلتزام بالذوق العربي العام الذي ميثله عمود
الشعر ثورته على االستعارات البعيدة لدى بعض شعراء عصره ،وهو ناقد ال ينفك يذكرنا حببه للمألوف الذي
جرت به العادة ،وهلذا فإنه يكره اجلمع بني التعزية واملدح الكثري للمعزَّى ،ويُستشف من تعليقاته على بعض
ما يورده من أشعار أنه معجب باالستعارة املوفقة والعبارة الرشيقة ،واإلتيان بالتشبيه دون أداة ،وهو ماهر يف
استكشاف األخذ والسرقة وهذا يدل قوة احلفظ وسعة االطالع ،ولذلك فهو حمب للتوليد يف املعاني.
ابن قزمان:
استعار ابن قزمان إمام الزجالني باألندلس بعض القواعد النقدية اليت أجريت على القصيدة ،فطبقها على
الزجل ،إما بطريقة املقايسة أو القلب ،فقد كان يشعر كما كان يشعر ابن خفاجة بأن مقياس اجلزالة ال
77
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يصلح لبعض أنواع الشعر ،ولذلك دعا ابن قزمان إىل اعتماد الزجل ،وانتقد متقدمي الزجالني ألنهم يأتون
مبعانٍ باردة وأغراض شاردة ،وملا رأى ابن قزمان أن للحن عيب مستبشع يف القصيد عكس القاعدة ،فذهب
إىل أن اإلعراب يشني الزجل ،وعلى اجلملة نستطيع القول أن أحكام ابن قزمان مستمدة من طريقته.
أبو القاسم حممد بن عبدالغفور الكالعي:
ميثل ابن عبدالغفور الكالعي وعياً نقدياً بارزاً بني أقرانه لتوفره على التأليف يف النقد فمن كتبه املتصلة
بهذا املوضوع كتاب "مثرة األدب" و كتاب ا "االنتصار ألبي الطيب" و رسالة يف "أحكام صنعة الكالم"،
وعنوان كتابه يف أبي الطيب يدل على أنه وقف موقف الدفاع عنه ،وقد اتصل حديثه يف ذلك بالكشف عن
بعض عيوب أبي متام ،وايراد أخبار سيف الدولة ،وأما رسالة "إحكام صنعة الكالم" فإنها تتناول النثر
بالقواع د واألمثلة ،وقد ابتكر مصطلح جديد لضروب النثر فالرتسل يف نظره أقسام منها:
العاطل :لقلة حتليته باألسجاع والفواصل . 1
احلالي :وهو ما حلي حبسن العبارة ولطف االشارة و بدائع التمثيل واالستعارة . 2
املصنوع :وهو ما منق بالتصنيع ووشح بأنواع البديع وحلي بكثرة الفواصل واألسجاع . . 3
املرصع :وهو ما رصع باألخبار واألمثال واألشعار واآليات واألحاديث . 4
املغصن :وهو ما كان ذا فروع وأغصان حبيث تتم املقابلة فيه متوازية. . 5
املفصل :وهو ما تراوح فيه املنثور واملنظوم على التوالي . . 6
املبتدع :وهو ما يقرأ فيه كلمات من جهتني وثالث ورمبا أربع . 7
وقد عاد ابن عبد الغفور إىل القضية اليت مر بها النقد العربي مدة طويلة أعين املفاضلة بني الشعر والنثر ،وقد
ذم الرسول الشعر ألن الشعر داع لسوء األدب وفساد املنقلب ،فهو حيمل الشاعر على الغلو والكذب ؛ وهو
مطية للتكسب ومن الغريب أن يتوصل ابن عبد الغفور إىل عيب الشعر بسبب الوزن ،فالوزن داع للرتمن ،
والرتمن من الغناء ،والغناء رقية الزنا؛ ويقضي هذا الناقد يف النهاية بأن الشعر والنثر متنافران تنافر طبائع.
أبو القاسم حممد ابن إبراهيم ابن خرية املواعيين:
سكن اشبيلية ،وله من الكتب" :األمثال و "الوشاح املفصل" و "رحيان األلباب وريعان الشباب" وقد مجع فيه
الفنون اليت يستمدها من عين مبزاولة املنثور واملوزون وجعله يف سبع مراتب ،ومن مراتبه اليت تهمنا هنا املرتبة
الرابعة وهي "مرتبة الفصاحة والبالغة وجامع يف لوازم إنشاء الصناعة" ،وقد شرح أوالً نقد األلفاظ املفردة
فوضع هلا سبع ة شروط منها "أن يكون تأليف اللفظ من حروف متباعدة املخارج متباينة يف األمساع ،وعلة ذلك
أن احلروف اليت هي أصوات جتري من السمع جمرى األلوان من البصر ،ومن الشروط يف فصاحة اللفظ أيضاً
"أن جتد لتأليف اللفظة يف السمع حسناً ومزية على غريها وإن تساويا يف التأليف من احلروف املتباعدة .ويؤمن
املواعيين أن الشاعر املولد جيب أال يشذ عن اإلمجاع واجلماعة ،فإذا توصل إىل احلديث عن الكالم املؤلف،
جاء بتمثيل من الصنائع فذكر أن كل صنعة حتتوي على مخسة أشياء ،املوضوع والصانع والصورة واآللة
والغرض ،ويردد املواعيين رأي أهل املذهب القائل بأن "احسن الشعر أكذبه" ،وهو يرى أنه البد من جتنب
78
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املعاضلة يف تأليف الكالم ،وأن ال يكون الكالم مقلوباً وأن يتجنب احلشو ،وأال يستعمل يف املدح ألفاظ ًا
تستعمل يف الذم ،وتأثري الشعر يف رأي املواعيين إمنا يتم بسبب التالؤم بني املوضوع ونفسية السامع ،وال جديد
عنده يف قسمة الشعراء إىل مطبوع ومثقف متكلف أو يف احلديث عن البديهة والروية ،أو عن اجلزالة األعرابية
واللوينة احلضرية وقسمته للشعر ال تتناول أغراضه وفنونه بل تتناول طبيعة التعبري فيه ،فمن أقسام الشعر:
الشعر املتني الصلب . 1
الشعر الغامض كشعر العتابي وابن نباتة واهلذليني . 2
الشعر الرطب السهل كشعر البحرتي وأبي العتاهية وعمر ،وهو املطمع املمتنع. . 3
ويرى املواعيين ــ ورأيه غريب ــ أن الشعر السهل الرطب قد ينزل عن حده فيصبح غثاً ،ويقر املواعيين أن تفاوت
الشعراء أمر طبيعي ولكنه يتعجب من أن يكون لشاعر واحد تارة شعر مستغلق ،وتارة شعر منبسط .فإذا
حتدث عن تسهل الشعر وتصعبه بني حني وحني نقل كل ما جاء عند ابن قتيبة ،وإذا حتدث عن األشعار الرصينة
واملموهة واملستكرهة ،أو شبه بعض الشعر بالقصور وبعضه باخليام املتقوضة ،وإذا نص على أن عيار الشعر
أن يعرض على الفهم الثاقب كما تعرض احملسوسات على احلواس املختلفة ،فذلك كله منقول من "عيار
الشعر ،البن طباطبا" .وبعد أن يورد مناذج من جيد الشعر يتحدث عن أنواع البديع متابع ًا ابن املعتز وقدامة
واحلامتي وغريهم ،فهو يتكئ على ابن طباطبا وابن املعتز وقدامة واحلامتي وغريهم من املتقدمني ،ولو أنه مل
يكثر النقل والتلفيق من الكتب املشرقية لكان يف مقدوره من خالل متثيالته وصوره ،ومعرفته بطبيعة
األندلس ورقة ذوقه أن يكون ذا مكانة أوضح يف تاريخ النقد األدبي.
ابن رشد:
يبدو أن األندلس مل تعرف كتاب الشعر قبل ابن رشد ،وقد تناوله على غري ما وجد عند الفارابي وابن سينا،
فإنه رأى ان الكتاب الميكن أن يكون ذا جدوى للقارئ العربي إذا هو مل يطبق ما ميكن تطبيقه من آراء
أرسطو على الشعر العربي ،وقد كان يعلم حق العلم أن كثرياً من قوانينه خاص بأشعار اليونان ،ويوافق
الفارابي يف قوله" :إن أكثر أشعار العرب إمنا هي يف النهم والكرية" ،وهو يؤكد القول بأن كتاب الشعر
نفسه ناقص حيث مل يتكلم فيه أرسطو إال عن فن املديح وأنه وعد بالتكلم عن اهلجاء ،وواضح أن ابن رشد
يعين باملديح فن املأساة (الرتاجيديا) وباهلجاء فن امللهاة (الكوميديا) ،وقد كانت الغاية اليت وضعها ابن رشد
نصب عينه هي السبب باحنرافه بعيداً مبدلوالت كتاب الشعر ،فهو مل يكتفي باختيار املصطلح اخلاطئ ـ
املدح واهلجاء ــ وإمنا احنرف باملعاني واملدلوالت ،ولعل أكرب خطأ وقع فيه هو أنه مل يفهم احملاكاة ،كما
فهمها الفارابي وابن سينا فظن احملاكاة وجهي التشبيه يف الصورة ،وبعد أن مسى ابن رشد ما يعرف عندنا
اليوم بالعقدة باسم "القول اخلرايف" ومسى جزءي االنقالب واالنكشاف بامسي اإلدارة واالستدالل عاد يسمي
هذا القول اخلرايف حماكاة ،فاخلطأ يف املصطلح جير إىل خطأ آخر ،وحني حتدث عن الشخصية ــ جمموعة
اخلصائص اليت تكون الفرد ــ مساها العادات وجعل شخص البطل املسرحي هو املمدوح ،أما حني حتدث عن
أنواع االستدالل "االنكشافات" فإنه ابتعد فيها عن نص أرسطو ابتعاداً كلي ًا فزعم أنها أنواع ومنها:
79
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
80
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
لقد خلف أبو البقاء كتاباً أمساه "الوايف يف نظم القوايف" ،وهو مل يضف شيئاً جديداً إىل القضايا واآلراء
النقدية وإمنا هو ذو منحى تعليمي خالص ،مجع فيه بني ما جاء يف كتاب العمدة وما جاء يف الفصل اخلاص
من العقد حول الشعر والشعراء ،فليست له قضية نقدية يدافع عنها أو يتبناها وإمنا هو يكتب بصيغة تقريرية
خالصة ،وهو يردد ما قاله معاصروه وكثري ممن سبقهم من أن املتأخر رمبا بلغ "بشرف االطالع مامل يبلغ
املتقدم بفضل االخرتاع".
حازم القرطاجين:
رمبا كانت آخر صلة بني كتاب أرسطو والنقد العربي متمثلة يف كتاب حازم القرطاجين "منهاج البلغاء وسراج
األدباء" ،ومبا أن النقد صناعة سحب عليها اخلمول اذياله ،فقد أحس حازم باليأس من االستقصاء فيه ،ألن
العناية بالشيء تكون على قدر املستفيدين ،وقد أصبح املستفيدون قلة .ومبا أن الشعر والنقد قد احندرا إىل
احلضيض فالبد هلما من مؤمن بهما يستنقذهما من هذا ،وال يكون ذلك إال بناقدٍ جيمع بني الثقافتني العربية
واليونانية ،عندها بدأ حازم يرسم الطريق إىل ذلك بدأ وأمامه تراث عربي كبري وبني يديه تلخيص ابن سينا
لكتاب الشعر ،حاول أن يرسم منهاجاً للبلغاء وأن يوقد سراجاً لألدباء ،وحقيقة احلال أن اليأس الذي كان
يتسلل إىل نفس حازم بسبب وضع الشعر والنقد يف عصره ،مل مينعه من أن يكون خملصاً يف رسم منهجه
النقدي إال أن قلة ثقته يف املستوى الثقايف ألبناء ذلك العصر مل حيفزه على النزول إىل مستواهم ،فكتب منتحالً
خطة التجريد ،ملتجئ ًا إىل محى املنطق يف التقسيم والتفريع.
مل ينف حازم أن الشعر كالم موزون مقفى ،ولكنه وقف من هذا التعريف عند ناحية التأثري؛ أي فعل الشعر
يف التحبيب والتنفري ذلك ألن الشعر يعتمد على عناصر تكفل له هذه القدرة منها :حسن التخيل أو احملاكاة
أو الصدق أو اإلغراب ،ولكن "أحسن الشعر ما حسنت حماكاته وهيأته وقويت شهوته أو صدقه أو خفي
كذبه وقامت غرابته" ،وأردأ الشعر ما كان بضد ذلك ،والبد إلبداع الشعر يف أكمل الوجوه من ثالثة عوامل
خارجية:
املهيئات :وأهمها البيئة . 1
األدوات :وهي العلوم اليت تتناول األلفاظ واملعاني . 2
البواعث :وهي نوعان :أطراب وآمال . 3
والبد اكما اإلبداع من عوامل داخلية وهي توفر ثالث قوى لدى الشاعر:
القوة احلافظة . 1
القوة املائزة . 2
القوة الصانعة . 3
ويبدو لنا من هذا املدخل اىل الشعر معظم اخلصائص اليت يتصف بها منهج حازم ،فهو منهج قائم على االنتقاء
والتنسيق والقياس.
81
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ومما يزيد حد الشعر وضوحاً إقامة التفرقة بينه وبني اخلطابة ،فحازم هنا مل جيري يف مضمار من سبقوه وإمنا
انفرد باستنتاجات جديدة ،فقد قرر أن الشعر قائم على التخييل وأن اخلطابة قائمة على اإلقناع ،وقد نصر
حازم الصدق يف الشعر واتهم املتكلمني بإشاعة نسبة الكذب إىل الشعر ،وخالصة القول هنا :إن الشعر إمنا
ينظر إليه من ناحية تأثريه وقدرته على إحداث االنفعال النفساني ،فقد يكون صادقاً والصدق فيه قادر على
إحداث االنفعال ،وقد يكون صادقاً والصدق فيه عاجز عن إحداث االنفعال ،وحينئذ يكون الكاذب القادر
على إحداث االنفعال خرياً منه ،وبهذه الوقفة من موضوع طال حوله افرتاق النقاد حسم حازم اخلالف نظرياً،
حني أخرج قضية الصدق والكذب ،من طبيعة الشعر مجلة وركز على أهمية التخييل ،وقد أطال حازم القول
يف أقسام احملاكاة بالنظر إليها من زوايا وعالقات خمتلفة ،فهي من حيث الغاية مثال تنقسم إىل حماكاة
حتسني وحماكاة تقبيح ،وحماكاة مطابقة ،وهذه الثالثة رمبا كانت يف قوة األوليني ،وقد اعتمد يف هذا
على قول ابن سينا "فظاهر أن فصول التشبيه هذه الثالثة :التحسني و التقبيح و املطابقة" ،وإذا سلك الشاعر
يف احملاكاة مسلك التحسني أو التقبيح ،فإنه يستطيع أن حيقق غايته بأربع وسائل :
أن حيسن الشيء (أو يقبحه) من جهة الدين وأثره يف النفس . 1
أن حيسن الشيء مبطابقته للعقل أو يقبحه خلروجه على مقتضى العقل . 2
أن حيسن الشيء من جهة اخللق أو يقبحه ملنافاته للخلق. . 3
أن حيسن الشيء بربطه بالناحية النفعية يف الدنيا أو يقبحه ملا قد جيلبه من ضرر يف هذه الناحية. . 4
وحني تناول حازم سبب قوة احملاكاة على التأثري عاد إىل ابن سينا و نقل ما قاله أرسططاليس يف التذاذ النفوس
وانفعاهلا باحملاكاة ،وقد قرر حازم وحدة املنبع يف الشعر حني رده كه إىل أصل واحد ،وجعله وليد حركات
النفس ،ولكن هذه احلركات النفسية تشتمل على ثالثة عناصر:
العوامل احملركة . 1
املتحركني . 2
العوامل املتحركة واملتحركني معا . 3
مما تقدم يتبني لنا كيف أن حازماً ربط بني الشعر وبني احلياة الطبيعية أو حياة احلس عامة ،وأنه حاول أن
يبعد الشعر عن العلم قدر استطاعته وجعل ينبوع الشعر من حركات النفس ،ومصبه النفوس اإلنسانية يف مدى
تقبلها أو إعراضها حبسب الفطرة ،ويتفرع عن احلديث يف املعنى ،حديث حازم عن الغموض والوضوح يف
الشعر ومع أن حازماً يقر أن بعض أنواع الغموض ال بد أن تتوفر يف الشعر مثل اللغز والكناية ،واالشارات إىل
األحداث املاضية والقصص مما يتطلب من القارئ ثقافة خاصة ،فإنه يف اجلملة منحاز إىل جانب الوضوح،
ونراه يصف للشاعر حيال يستطيع أن خيفف بها من درجة الغموض يف شعره أو يزيلها ،وتتصل قضية السرقة
أيضا مبوضوع املعاني ،ومما مييز نقد حازم أنه مر بها مرورا عابراً ،فجاءت كأنها قضية هامشية يف نقده؛
ويف أثناء تعرضه هلا قسم املعاني يف قسمني )1( :قدمية متداولة ( ،ب) جديدة خمرتعة.
82
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وبعد أن استعرض حازم موقف النقاد السابقني يف قسمة الشعر إىل أغراض عاد يطلب مبدأ الوحدة الذي طلبه
قدامة حني جعل أغراض الشعر نابعة من منبع واحد أخالقي هو الفضيلة ( وما يناقضها ) وأنها ترتسم يف صورة
واحدة هي املدح (وما يناقضه ) ،يقول حازم « :اعلم أن خري الشعر ما صدر عن فكر ولع بالفن » ،ال يعين
بذلك أن الشعر يصدر عن فكر فقد قرر أن الشعر وليد حركات النفس ،وإمنا يعين هنا « صدق االحساس
» بالتجربة الواقعية.
فنظم الشعر إذن حيتاج إىل طبع أو دربة ( بعد وجود اهليئات واألدوات والبواعث ) وكال الشيئني معقود بقوة
اخليال لدى الشاعر ،وقوة اخليال تفرتض شيئا من التصور الذي حييط مبا يريد الشاعر حتقيقه ولذلك فإن
عليها أن ترسم ( )1املقاصد الكلية ( )۲طريقة إيراد تلك املقاصد وأسلوب إيرادها ( )۳ترتيب املعاني يف األسلوب
املتخري ( )4تشكل املعاني يف عبارات ( )5ختيل املعاني واحدة بعد آخر حبسب الغرض ( )6مكمالت املعاني
وزينتها ( )۷مالءمة تلك املعاني لإليقاع ( )۸مالءمة املعنى امللحق باملعنى األصلي الكتمال البيت الواحد ،وال
ميكن حتقيق ذلك كله إال إذا توفرت لدى الشاعر عشر قوى وهي:
القوة على التشبيه فيما ال جيري على السجية وال يصدر عن قرحية مبا جيري على السجية . 1
ويصدر عن قرحية.
القوة على تصور كليات الشعر واملقاصد الواقعة فيها واملعاني الواقعة يف تلك املقاصد . 2
القوة على تصور صورة تكون بها أحسن ما ميكن (من حيث توالي أجزاها). . 3
القوة على ختيل املعاني بالشعور بها . 4
القوة على مالحظة الوجوه اليت يقع بها التناسب ،بني املعاني. . 5
القوة على التهدي إىل العبارات احلسنة الوضع والداللة على تلك املعاني . 6
القوة على التحيل يف تسيري تلك العبارات متزنة . 7
القوة على االلتفات من حيز إىل حيز واخلروج منه إليه والتوصل به . 8
القوة على حتسني وصل بعض الفصول ببعض واألبيات ببعضها . 9
القوة املائزة حسن الكالم من قبيحه بالنظر إىل نفس الكالم وموضعها . 10
فإذا أراد الشاعر أن ينظم قصيدة كان عليه أن يتخري الوقت واحلالة النفسية ومن ثم يستحضر يف خياله املعاني
ثم يقسمها يف فصول مرتبة ،خمتارة الوزن املالئم و العبارات ،والشعراء يف عملية النظم اثنان )۱( :شاعر مرو
حيتاج الروية قبل أن ينظم )۲( ،شاعر مرجتل ،أما العبارة يف النظم فيجب أن يراعي الشاعر فيها حسن
التأليف وتالؤمه ( يف احلروف والكلمات ) والتسهل يف العبارات وترك التكلف ،ومراعاة حسن الوضع ( يف
تقارب األلفاظ وتطالبها ) وجمانبة الزيادة واحلشو ،ومن ثم اختيار العبارات املستعذبة املنزلة ،ويف سبيل مناسبة
الوزن للغرض ،درس حازم علم العروض دراسة جديدة ،ويؤكد حازم على أن كل غرض من أغراض الشعر
يستدعي نوعا من األوزان ثم يتحدث عن خواص كل حبر من البحور وما يناسبه ،و يرى حازم أن القصيدة
تتكون من فصول متناسقة مرتابطة ،وأن لكل فصل شروطا ال بد من توفرها ،وقسمة القصيدة إىل فصول
83
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
إمنا يراد به إشباع حاجة النفس إىل التنويع ،فحسب ما تقرر سابقاً فإن مالءمة الشعر للنفوس أو منافرته هلا
هو املقياس الكبري الذي تقاس به حقيقة الشعر ،وأما من حيث الطريقة فإن للشعر منهجني :اجلد واهلزل،
وطريقة احلد تصدر األقاويل فيها عن مروءة وعقل بنزاع اهلمة واهلوى إىل ذلك ،وطريقة اهلزل تصدر األقاويل
فيها عن جمون وسخف ،ويف الطريقة األوىل جيب جتنب اهلزل ،واالبتعاد بها عما ألف يف الطريقة اهلزلية من
أنواع التأليف ،أي جيتنب فيها الساقط املولد من األلفاظ ويعتمد فيها اللفظ العربي احملض الصريح يف الفصاحة
،ويعتمد فيها من املعاني ما ال يشني ذكره وال يسقط مروءة املتكلم ،وأما الطريقة اهلزلية فقد تستعري شيئا
من الطريقة احلدية ( وليس العكس) ،ويف الشعر حعيل يلجأ إليها الشاعر إلنهاض النفوس حنو احلث على
الفعل أو احلض على تركه ،وهذه احليل إذا اتصلت بالقول واملوضوع مسيت حماكاة -وهي عماد الشعر -
فإذا اتصلت بالقائل واملتلقي ( الشاعر واجلمهور ) فهي دعامة لتقوية التأثري ،غري أن احملاكاة قد حتتاج أحيانا
إىل ما يعضدها كاالستدالالت اخلطابية .أما الشاعر نفسه فإن احليلة املتصلة به هي استناده كثرياً إىل
ضمري املتكلم ،وأما احليلة املتصلة بالسامع فهي استغالل صيغة األمر وما شابهها ،وتنقسم األساليب الشعرية
يف ثالثة أقسام :
األسلوب اخلشن . 1
األسلوب الرقيق . 2
األسلوب املتوسط بني هاتني الصفتني. . 3
ومن هذه األقسام الثالثة ترتكب عشرة أنواع جتمع بني احلظوظ املختلفة من هذه األقسام وملا كان الشعر
موجهاً إىل اجلمهور ،فإن األحوال النفسية هلذا اجلمهور إما أن تكون:
اللذة . 1
األمل . 2
اللذة واألمل متكافئني . 3
وعلى هذا االعتبار تتنوع االقوال ــ حبسب بساطتها وتركيبها ــ يف األنواع األتية:
أقوال مفرحة . 1
أقوال شاجية . 2
أقوال مفجعة . 3
أقوال مؤتلفة من سارة وشاجية . 4
أقوال مؤتلفة من سارة ومفجعة . 5
أقوال مؤتلفة من شاجية ومفجعة . 6
أقوال مؤتلفة من سارة ومفجعة وشاجية . 7
لقد كان حازم أقرب إىل الواقع من أي ناقد آخر يف فهمه ملبدأ املفاضلة ،كان حازم يدرك احلقائق اآلتية اليت
أشار إليها أو وضحها يف كتابه وهي:
84
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أن الشعر خيتلف حبسب اختالف أمناطه وطرقه ،فشاعر حيسن ما هو جزل متني ،وال حيسن . 1
طريقة الرقة واللطافة ،وشاعر حيسن يف غرض شعري كالنسيب دون األغراض األخرى
أن الشعر خيتلف حبسب األزمان وما فيها وما يولع به الناس مما له علقة بشئوهم. . 2
أن الشعر خيتلف حبسب األمكنة. . 3
أن الشعر خيتلف حبسب اختالف أحوال القائلني واملوضوعات اليت حياولون فيها القول . 4
لذلك كله فإن املفاضلة بني الشعراء أمر تقرييب وال جيوز أن يؤخذ على سبيل القطع ،والوصول يف املفاضلة
إىل درجة احلزم أمر غري ممكن ،ولقد كان النقاد يكتفون بالنظر إىل واحد دون اآلخر من األضالع الثالثة
ــ الشاعر والعملية الشعرية والشعر ــ أال أن حازم أوىل الثالثة عناية متساوية على وجه التقريب ،وأول ما يالحظ
الدارس يف نقد حازم هي تلك الصفة الشمولية اليت متيزه عمن جاء قبله من النقاد ،وقد جتاوز حازم يف نظريته
الشعرية مشكلة "النظم" اليت أطال اجلرجاني الوقوف عندها ،فتحدث حازم عن النظم مبعناه العام ،ومن
طبيعة النظرتني إىل الشعر ذهب اجلرجاني إىل التعلق بالدقة يف املعاني ليكفل للتذوق مراناً عقلياً ،أما حازم
فإنه قصر الشعر على حركات النفس حيث جعله يطلب الوضوح ويتأتى له من شتى النواحي ،وهما يتقاربان
يف التقليل من شأن السرقات يف املعاني ،كذلك وجد حازم نفسه مضطراً إىل أن يوفق بني رايه اخلاص فيما
يستحق املدح أو الذم من األفعال وبني رأي قدامة ،وخالصة رأي حازم يف هذا املوضوع أن إيثار النفس على
البلدان ،ثم إيثار الغري على الذات هما املوضع الطبيعي للمدح.
واحلقيقة أن حازما أفاد يف نقده كثريا من ابن سينا ،ويف شرحه التعميمي للمحاكاة ما قد يدل على أنه كان
فاهما هلذه النظرية ،ولكنه مل يستطع إال أن حيصر أمثلته عليها يف جانب التشبيه ،وعن طريق التأثر بالفلسفة
استطاع حازم أن حيل مشكلة الصدق والكذب يف الشعر ،وخالصة القول أن حازما ميثل املزج بني التيار
اليوناني والتيار العربي يف النقد بعد أن ظال منفصلني مدة طويلة ،وهو رغم اعتماده على هذين املصدرين
استطاع أن يرسم منهجا متكامال ملوقف نقدي حمدد املعامل.
النقد يف القرنني السادس والسابع
يف مصر والشام والعراق
لقد كانت العودة إىل الينابيع العربية يف النقد من أشد ما مييز التيار النقدي يف مصر والشام والعراق يف هذه
الفرتة ،فاب ن األثري اجته لكتاب املوازنة لآلمدي ،واسامة بن منقذ يرى أن النفع هو العودة للمصادر السابقة
وتلخيصها ،وخلص عبداللطيف البغدادي كتاب العمدة البن رشيق ،ومل يقتصر التأثري على النقد بل تعداه
إىل الفنون األدبية مجيعاً ،وقد كانت مصر أكثر تقبالً لألثر املغربي من العراق والشام ،وخاصة يف اقباهلا
على فن املوشحات ،ولذلك متايزت البيئات الثالث يف نوع األثر اخلارجي فغلب على الشام والعراق األثر الفارسي
متمثالً يف فن الدوبيت ،وغلب على مصر األثر املغربي من املوشحات ،ولعل اهتمام النقاد يف هذه األقطار
بالدوبيت واملواليا واملوشح إمنا كان مرحلة أولية يف خطوة كبرية مل جيروا على القيام بها ،وهي االعرتاف
األدبي بفنون زجلية خمتلفة شاعت حينئذٍ يف تلك البالد ،ومنها زجل "البليق" الذي غلب على مصر ،وقد تعرفت
85
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
البيئة املصرية إىل فن املوشح يف دور مبكر ،نقله إليها املهاجرون األندلسيون ،ومل يقتصر تأثري األندلس يف
البيئة املصرية على املوشحات ،بل أقبل املصريون على الشعر األندلسي نفسه دراسةً ونقداً حتى أصبح عندنا
ما يسمى باملدرسة املصرية .ويف طليعة من اهتم بذلك القاضي السعيد هبة اهلل بن جعفر بن سناء امللك ،والقاضي
الفاضل الذي كان حيتل دور املعلم والراعي لألدباء يف مصر حينئذٍ ،وقد كانت صلته بابن سناء امللك صلة
توجيه ونقد وتشجيع ،ومن ضروب الذي كان يأخذ به ذلك األستاذ الناقد تلميذه ،أن يطلب إليه اختيار شعر
هذا الشاعر أو ذاك ،فقد وجهه يوماً الختيار شعر ابن الرومي ومرة أخرى الختيار شعر ابن رشيق ،وقد كانت
هناك مساجالت بني القاضي الفاضل وابن سناء امللك تدخل يف صميم النشاط النقدي ،ولكنها قاصرة على
تدريب فرد من الناس ليجود شعره ويوسع أفقه يف القدرة على متييز اجليد من الرديء يف الشعر ،ولقد وقف
ابن سناء امللك أمام املوشح وقفة ناقد جريء يف الذوق وقد متثلت جرأته يف وجهني :أوهلما حماولة التجديد يف
التقليد ،وثانيهما إقدامه على استخراج قواعد للموشح وهذا أمر مل يقدم عليه األندلسيون نفسهم ،وال يُعرف
ناقد آخر يف مصر توقف عند املوشحات ،أو عين بوضع قواعد وأحكام نقدية ونظرية ،وإمنا انصرف النقاد
يف األكثر إىل النقد التطبيقي ،ويف هذا الباب جتاوزوا االنشغال باملتنيب.
وإذا كان القاضي الفاضل قد رفع من شعر ابن سناء امللك بتلك التقريظات املغالية ،اليت ال تتوقف كثرياً عند
التعمق والتحليل ،فإن القاضي الرئيس ابن جبارة علي بن إمساعيل قد قصر جهده النقدي يف كتابه "نظم الدرر
يف نقد الشعر" على تبيان املآخذ واملساوئ يف شعر ابن سناء امللك ،حيث دقق يف اجلزئيات ،وتهجم بألفاظ
هجائية على ابن سناء امللك ووقف يف بعض أشعاره موقف املتهكم.
وهناك منوذج آخر يف هذا النقد التطبيقي وهو علي بن ظافر األزدي حيث علق على قصيدة بن شهيد األندلسي،
والتعليق ال يتج اوز أمرين إثنني :أوهلما حماسبة الشاعر على اللفظة املوهمة وثانيهما تبيان السرقة ،واحلديث
عن السرقة يف حال ابن شهيد خاصة ،ال يقدم كثرياً وال يؤخر ألنه يرى أن الشاعر القدير هو الذي يستطيع
أن يأخذ فيخفي األخذ ،واحلق أن جهود ابن ظافر النقدية ليست مما يؤهله ليكون من مقدمي النقاد ،فقد
غلب عليه ميله إىل التاريخ ،ويدل كتابه "بائع البدائه" على أنه كان مأخوذاً بالقدرة اليت تستطيع أن ترسل
الشعر عفو اخلاطر ،إال أن الكتاب قائم على فكرة نقدية خطرة وهي إحالل البديهة واالرجتال حمالً عالياً
من التقدير ،ورمبا صح أن نعد كتاب "غرائب التشبيهات" لعلي بن ظافر جهداً ثالثاً يف النقد.
وقد اهتم النقد يف مصر بتقرير املصطلح البديعي يف صورته الواسعة ،وكان زكي الدين ابن أبي االصبع
صاحب "حترير التحبري" من فرسان هذا امليدان؛ ويشبه هذا الكتاب يف طبيعة جهده العام كتاب أسامة بن
منقذ "البديع يف نقد الشعر" إال أنه يتميز عنه يف أمري هامني :أوهلما حماولته يف التوسع اإلحصائي لفنون
البديع ،وثانيهما اتساع جمال املصادر اليت اعتمد عليها ،غري أن البن أبي االصبع كتاباً أشد صلة بالنقد من
حترير التحبري.
تلك هي حالة النقد مبصر يف هذين القرنني ،وميكن تلخيص دوره يف تاريخ النقد العربي باألمور التالية:
وضع قواعد املوشح . 1
86
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
87
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اليت انفرد بها دون غريه ،وقسم من متوسط الشعر ،وقسم دون ذلك ،وقسم يف الغاية املتقهقره اليت ال يعبأ بها
فعدمها خري من وجودها) ،ومادام عمل األديب والناقد هو احلركة الدائبة يف البحث عن املعنى فإن اجلمهور
ليس هو املرجع يف احلكم وحسب ،بل إن ذلك اجلمهور من أهم مصادر املعاني ،ويف سبيل املعاني نزل ابن
األثري املستكرب املتشامخ إىل طبقات الشعب وإىل األسواق والدكاكني ليبحث عنها ،واملعنى املبتدع هو احملور
يف كل هذه احلركة الدائبة ،غري أن التظاهر بالدقة اإلحصائية والكلف باملعنى ،وهما ظاهرتان متالزمتان
يف نقد ابن األثري ،مل حيوال ب ينه وبني مبارحتهما حني كان يرخي العنان لطبيعته احلقيقية ،فلم تكن الدقة
اإلحصائية جزءاً أصيالً يف طبيعته ،وإمنا كانت ستاراً دون نقائص حيسها يف ثقافته الفلسفية العلمية ،وهلذا
فإن هذا الناقد الذي كان يلبس ثوب العامل سرعان ماكان خيلع عنه هذا الرداء املستعار وينطلق حنو األحكام
اجلارفة ،ومل يكن احتفاله الكثري باملعنى ليخفي حقيقة هامة ،وهي أن مهارته ــ من حيث هو أديب ــ تعتمد
على شيء كبري من الرباعة اللفظية ،وهلذا فإن مجيع ما عرب به عن إعجابه باملعنى ال يبلغ مستوی تعبريه الذي
صور به شغفه باللفظ حني قال" :وكنت إذا مررت بنظري يف ديوان من الدواوين ويلوح لي فيه مثل هذه األلفاظ
أجد هلا نشوة كنشوة اخلمر وطربا كطرب األحلان" .والعالقة بني ابن األثري الناقد واأللفاظ حتتاج حتديدا
أدق فقد كانت األلفاظ تتمثل يف نفسه خملوقات ومتاثيل ،وقد عرض ابن األثري لكثري من اآلراء النقدية
السابقة فأقرها أو هامجها حبدة من خال هجومه على أشخاصها ،حتى ال يكاد يرتك ناقداً أو بالغياً أو منشئاً
دون أن يغمز رأياً من آرائه ،وقد أنكر ان يكون اجلاهليون امرؤ القيس والنابغة وزهري واألعشى قمة يف
الشعر ،ألن كالً منهم اجاد يف معنى واحد اختص به ،وهاجم النحويني واللغويني وخص بهجومه ابن جين يف
شرحه لديوان املتنيب ،وهاجم املعري هجوماً عنيفاً ،ووقف وقفة هامة عند محاسة أبي متام فهاجم شراحها
ألنهم ال يهتمون إال بذكر اإلعراب وتفسري الكلمات ،والشعر ليس املراد منه ذلك ،وأثنى على أبي متام بأنه
كان يف اختياره عارفاً بأسرار األلفاظ واملعاني ،ولو مضينا نتتبع هجمات ابن األثري على أصحاب البيان والنقد
لسردنا أمثلة كثرية ،لقد كان الرجل على قسط غري قليل من حدة الطبع يف معاجلته للشعر والنثر أو يف
تعليقه على األشخاص ولكنه أكثر النقاد إحلاحاً على املعنى ورمبا كان أوضحهم استعماالً للطريق
اإلحصائية ،لقد اقرتن نقد ابن األثري بقوة شخصيته فلهذا متيز عمن مارس النقد يف هذه الفرتة.
املظفر بن الفضل:
كان عراقي النشأة ذا صلة بابن العلقمي ،وكان الداعي له إىل تأليف كتاب " نضرة االغريض" أنه حضر
ذات يوم جملس ابن العلقمي وجرى فيه حديث الشعر ،وتباينت اآلراء حوله ،فطلب إليه الوزير أن يضع كتاباً
يبني فيه حدود الشعر وفضله فامتثل لذلك ،وعنوان الكتاب يدل على أنه دفاع عن الشعر ،فبعد أن حدد
املؤلف الفاظ شعر وشاعر ،وقريض وقصيدة وقافية عرف الشعر بأنه "عبارة عن ألفاظ منظومة تدل على معاني
مفهومة" ،وفرق بني ا لنظم والنثر مستشهداً بأبي العالء حني كان يسمي بعض أنواع الشعر املتهافت نظماً،
حتى إذا بلغ إىل احلديث عن السرقات أيد ابن السكيت يف قوله :أن التوارد ليس مما اتفقت عليه اخلواطر
وإمنا هو سرقة أيضاً ،وهو يفتقد إىل التوازن يف تأليفه وإىل اجلرأة يف احلكم.
88
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
89
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هلم سجع أو جناس او مطابقة ،فإذا جاء إىل عدة البواعث احلافزة على قول الشعر أعاد ما ذكره ابن قتيبة
وما أمجله ابن رشيق يف العمدة ،كذلك فإن ابن خلدون ال خيرج عن الوصايا النقدية املعتمدة يف جتنب الكالم
املولد أو ارتكاب الضرورات ،وينهى عن التعقيد و ازدحام املعاني يف البيت الواحد ،ويوصي مبجانية الوحشي
والسوقي املبتذل ،وهو يلتقي حبازم يف نظرته إىل هوان الشعر على الناس ،وإمنا سببه الكذب والنفاق
واالستجداء ،ويرى ابن خلدون أن الشعر نشاط إنساني عام ،وليس شيئاً يتميز به العرب ،وقد أصبح لسان
مضر يف عصر ابن خلدون عدة هلجات عامية متباينة يف خمتلف األقطار ،ولذلك وجد يف كل قطر شعر خاص
به ،وملا كان كل قطر قد استقل بلهجته وذوقه مل يعد يف اإلمكان أن يستطيع ناقد واحد احلكم على نتاج
تلك األقطار إذ البد من تعدد النقاد ،ونلحظ من جمموع آراء ابن خلدون يف النقد أن آراءه مستمدة من جتربته
اخلاصة ومن التيار العربي اخلالص يف النقد األدبي.
لسان الدين ابن اخلطيب:
للسان الدين مكانة ال ختفى يف تاريخ الفكر األندلسي ،ومل متنعه مسؤولياته السياسية أن يرتك تراثاً ضخماً
يف التاريخ والتصوف والطب والشعر والرتسل والفكر السياسي وغري ذلك من الفنون ،غري أنه مل مينح النقد
األدبي قسط ًا وافرًا من جهده ،وإذا كان له من آراء فذلك متصل بثقافته وبكونه مارس نظم الشعر ،وضرب
فيه بسهم أوفى من سهم ابن خلدون ،فبقي لسان الدين على مستوى اإلنشاء النثري شاعراً مصورا ،وبقيت
ملكة التصوير لديه تتمتع بقوتها على مر الزمن ،وكان مما يرفد هذا اجلو الشعري من حوله عوامل أخرى
منها مشولية اطالعه على التيار الشعري يف عصره ،واهتمامه بتدوين تراجم معاصريه وأشعارهم ،ويلتقي ابن
اخلطيب مع عدد من النقاد السابقني -وخباصة النقاد املتفلسفني -يف قوله إن الشعر باملعنى املطلق ظاهرة
إنسانية ال ميكن أن حتصر ضمن شكل حمدد .فالشعر بهذا املعنى ال يوضع يف إسار وزن معني أو قافية
مرسومة ،ألنه أوسع حدوداً من ذلك .وعلى هذا األساس ال ميكن أن يكون وقفا على أمة دون أمة ،يطالعنا
لسان الدين بفهم دقيق لطبيعة الشعر الذي حيكمه الوزن والقافية" :فهنالك شعر مغرق يف الشعرية وهو ما
جنح إىل التخيل والتشبيه ،وأحل االستعارة باحملل النبيه" .وهناك شعر مستحسن مرضي قعد عن التشبث
باالستعارة والتخييل ،وإمنا عدته العرب شعرا خلصائص أخرى فيه متيزه ،وال جيوز أن ننزع عنه اسم الشعر،
وإن وقع يف املنزلة الثانية .ومتييزاً هلذين النوعني يسمي لسان الدين النوع األول باسم السحر ويسمي النوع الثاني
باسم الشعر ،ويف استعماله لكلمة السحر كان لسان الدين يستلهم املوروث النقدي األندلسي لدى ابن سعيد
املغربي الذي رأى أن ما يستحق اسم الشعر أحد نوعني هما :املرقص واملطرب ،ويرى لسان الدين أن قوة الشعر
يف التأثري ويف إحداث التحوالت تزداد إذا هو اقرتن باألحلان.
نظرة ختامية يف صورة التطور النقدي وقضاياه الكربى:
حدث بعضهم ،قال ( :حتاكم الزبرقان بن بدر وعمرو بن األهتم وعبدة بن الطبيب واملخبل السعدي إىل ربيعة
بن حذار األسدي يف الشعر ،أيهم أشعر ؟ فقال للزبرقان :أما أنت فشعرك كلحم أسخن ال هو أنضج فأكل
وال ترك نيئا فينتفع به ،وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كرب ود حرب يتألأل فيها البصر ،فكلما أعيد فيها
90
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
النظر نقص البصر ،وأما أنت يا خمبل فإن شعرك قصر عن شعرهم وارتفع عن شعر غري هم ،وأما أنت يا
عبدة فإن شعرك كمزادة أحكم خرزها فليس تقطر وال متطر »
لعل هذا النموذج من أرقى األمثلة وأشدها داللة على طبيعة النقد قبل أن يصبح هلذا النقد كيان واضح ،فهو
منوذج جيمع بني النظرة الرتكيبية والتعميم والتعبري عن االنطباع الكلي دون جلوء للتعليل ،وتصوير ما جيول
يف النفس بصورة أقرب إىل الشعر نفسه ،وذلك هو شأن أكرب األحكام اليت جندها منذ اجلاهلية حتى قبيل
أواخر القرن الثاني ،غري أن النقد يف حقيقته تعبري عن موقف كلي متكامل يف النظرة إىل الفن عامة أو إىل
الشعر خاصة يبدأ بالتذوق ،أي القدرة على التمييز ،ويعرب منها إىل التفسري والتعليل والتحليل والتقييم ،ومثل
هذا املنهج ال ميكن أن يتحقق حني يكون أكثر تراث األمة شفويا وهلذا تأخر النقد املنظم ،والتأليف خيلق
جماال للنقد صاحلا ،ولكنه ال يستطيع أن خيلق وحده نقداً منظماً ،بل ال بد هنالك من عوامل أخرى ،وأهم
هذه العوامل مجيعا االحساس بالتغري والتطور ،وقد كان األصمعي بداية النقد املنظم حيث نظر إىل الشاعر
فوجده فحالً أو غري فحل ،ونظر إىل الشعر فوجده إما خرياً وإما شر ،وقد يكون ابن سالم أشد صلة بالنقد
املدروس من األصمعي ،وهو يزيد على األصمعي بأنه يرى الفحولة درجات ،وهلذا كان موقف اجلاحظ النقدي
شيئاً جديداً بالنسبة ملن تقدمه فهو يف صراعه ضد الشعوبية يرى يف الشعر مادة املعرفة ،وهو يف موقفه
احلضاري الثقايف حياول أن يرى من الزاوية العقلي ة ذلك التفاوت يف الشعر بني العرق العربي وغري العربي وبني
البادية واحلاضرة ،أي أن يلحظ أثر اجلنس والبيئة ،ولكن نقد اجلاحظ مل يكن سوى مكمل لنشاطه
الفكري عامة.
ولقد ولد النقد األدبي يف حضن االعتزال واملتأثرين به وكان االعتزال يعين يف أساسه االحتكام إىل العقل،
األمر الذي أدى منذ البداية إىل أن يسلك النقد طريقاً وسطاً ال تفضيل فيها لقديم على حمدث أو العكس
وإمنا هناك كما يقول العقل االعتزالي :حمض احلسن والقبح ،وذلك هو أساس النقد األدبي ،كذلك فإن
االعتزال يعتمد على اجلدل من أجل اإلقناع ،فقد أصبح النقد والشعر كالهما نشاطني عقليني ،وأخذ النقاد
يقفون وقفات طويلة عند البحث عن املعاني ،وطغت مشكلة السرقات الشعرية ،وكاد ميحي الفاصل بني
الشعر واخلطابة يف نظر النقاد ووضعت مقاييس عامة تصلح للشعر مثلما تصلح للخطابة.
عندما نتعمق يف املواقف النقدية لدى كبار النقاد يف تاريخ النقد العربي سنجد أن اإلحساس بالتطور والتغيري
هو العامل اخلفي يف شحذ همهم للنقد ،حيث ال جتد أحداً منهم إال وهو حيس أن الشعر يف أزمة فهو يتقدم
بآرائه حللها ،لقد اعتقد ابن طباطبا أن القاعدة األخالقية اليت قام عليها الشعر القديم قد تغريت وأن تغري
الشعر احملدث أصب ح أمراً حمتوماً ،ورد قدامة الشعر إىل مبدأ الثبوت ال إىل مبدأ التغري أي أراد قدامة أن يرسم
حدوداً لتلك النواة الثابتة ،وجيب أن نتذكر ان ابن طباطبا ذو صلة بالفكر الكالمي ،وأن قدامة ذو صلة
بالفكر الفلسفي اليوناني ،فإذا قرن ابن طباطبا الصدق بالشعر ذهب قدامة إىل النقيض ،فتحدث عن كذب
الشعر ألن كلمة كذب كانت تطلق يف عصره على ما أصبح يعرب عنه بلفظ ختييل .وحني كان اإلحساس
يتصل بأثر فكري كان النقد ينال حظاً غري قليل من النقد ،ومن أبرز األمثلة على ذلك نقاد األندلس فال
91
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ينكر أن ابن شهيد مثالً ناقد ذكي أدرك معنى التطور يف طبيعة الصناعة الشعرية وأقره فذهب إىل القول
بروحانية الشعر ولكنه مل يستطع أن يتحول بنقده إىل منهج منظم ألنه كان قليل البضاعة من الثقافة وكذلك
ميكن أن يقال يف ابن خرية املواعيين فإنه وقف عند فكرة التطور وقفة طويلة ومسى صورتها العامة باسم
"التدريج" ،ومع أن ابن رشيق وقف نفس الوقفة اليت وقفها ابن طباطبا حني أحس بأزمة الشاعر احملدث ،إال
أنه نقل هذا اإلحساس إىل صعيد آخر ،وهو مدى الصلة بني اآلني والثابت.
من هذه األمثلة ميكننا أن نرى أن املشكلة اليت أثارت نقداً كانت يف أكثر األحيان مزدوجة الطرفني ،وأنها
حني جنمت عن طبيعة النقل والرواية يف الشعر كانت تسمى مشكلة األصالة واالنتحال ،وحني صدرت عن
تغري يف الذوق واألدوات الشعرية أصبحت مشكلة زمنية تسمى القدم واحلداثة ،إال أن النقاد مل ينسوا هذه
املشكلة وظلوا يقفون عندها دون أن يتناولوها باحلماسة اليت تناوهلا بها النقاد يف القرن الثالث ،وحني أصبحت
احلداثة متفاوتة أو متنوعة انتقلت األزمة على املفاضلة أو املوازنة بني اثنني من احملدثني ،وأحياناً بني ما يسمى
الطبع والصنعة يف الشعر ،وظل احلال كذلك حتى ظهر املتنيب وقامت من حوله معركة شعرية عنيفة دامت
طويالً إذ كانت يف أكثر األحيان منبعثة من عداء للشخص نفسه.
ومن يقرأ منهاج البلغاء حلازم حيس أنه يضع قواعده النقدية وضعاً جديداً ويف ذهنه أن املثل األعلى للشعر املتنيب
ولسنا ندري هل كان من حسن حظ النقد األدبي عند العرب أو من سوء حظه أن مجيع املشكالت اهلامة اليت
أثارت كربيات القضايا النق دية قد انطلقت يف طور مبكر قصري املدى حتى أصبحت اإلجابة على القضايا
جمتمعة من نصيب النقاد يف القرن الثالث وما كان نصيب القرن الرابع إال زيادة التمرس بها .إن النقد بعد
املتنيب مل يعد يستطع إال تفسرياً جديداً جلزئيات صغرية أو وقفة مطولة عند قضية دون أخرى ،وكثرياً ما
أصبحت حيوية النقد بعد ذلك تعتمد على شخصية الناقد نفسه ياستثناء حازم الذي عاد يستعمل أدوات متباينة
خمتلفة يف منطلق جديد ،حيث جعل املتنيب حموراً لفهم طبيعة الشعر ،وقد كان الشعر يسري يف طريق جديدة
عرب عنها ابن وكيع حني أصر على أن الشاعر احلق إمنا هو "مطرب ال يطالب مبعرفة األحلان".
لقد كان الناقد موجود يف كل مرحلة ،ولكن احلاجة إىل ناقد ذي منهج وقدرة على الفحص إمنا أثارها ابن
سالم ألول مرة حني اصطدم بقضية االنتحال ،وميكن أن نطور فكرة ابن سالم فال نراها تقف عند حد
الشعر القديم ،وإمنا سيظل االنتحال موجوداً على مر الزمن وستظل احلاجة إىل هذا الناقد ملحة كذلك،
فالناقد لدى ابن سالم ما يزال راوية حصيفاً ،ومشكلة الرتجيح بني أبي متام والبحرتي زادت سلطات هذا
الناقد حتى أصبح هو احلكم الوحيد ،فلم يعد الناقد راوية بصرياً ألن الثقافة وحدها ال تصنع ناقداً ،إمنا
الناقد امرؤ متخصص ،وهلذا مت التطابق بني اآلمدي والناقد املستبد.
وقد وضعت مشكلة اإلعجاز النقد األدبي على أبواب منطقة الالتعليل ،وهلذا عاد الباقالني إىل نقد اآلمدي
فمنحه أمسى منزلة ،وعاد عبدالقاهر حماوالً أن يبسط التعليل يف مستويات اجلودة يف اآلدميني ،وإذا كانت
الروعة (أو أقصى درجات اجلودة) من األمور احملرية للنقد فما أحرى أن يكون االعجاز فوق جماله بكثري.
وحني عرض حازم هذه املشكلة مساها «كمال الشعر ،فأقر بأن كل حبث يف النقد يعز عليه استقصاء األمر
92
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فيها ،أي أن الناقد .جيب أن يقف عند ما متكنه أدواته من احلكم فيه ،فأما الكمال فإنه شيء نظري رمبا
قصرت األدوات املتوفرة عن التمرس به .وعند احلديث عن صورة الناقد يف النقد العربي جيب أال ننسى أن
الناقد الشاعر كان هو النموذج الذي تنسب إليه اإلجادة يف النقد ،حني حتدد دور الناقد وميز حبقوق خاصة
به وجمال ال بد له من أن يعمل فيه ظهرت احلاجة إىل مصطلح نقدي ،وهلذا التفت أوائل النقاد اىل حياة البداوة
يف اختيار املصطلح ،غري أن املنبع البدوي ال يستطيع أن ميد الناقد بكل ما حيتاجه من مصطلحات ،فجمع
ابن املعتز عدداً من املصطلحات يف كتاب البديع ،غري أن حماولة ابن املعتز تعد أولية ساذجة إذا حنن قارناها
مبا صنعه قدامه ،ورغم التعديالت الكثرية اليت أجراها النقاد من بعد على مصطلحات قدامة فإنها هي اليت
ميزته لدى النقاد الالحقني ،وحني التفت النقاد أو البالغيون إىل السياق الشكلي يف التأليف وجدوا مصطلحهم
جاهزاً يف صناعة الصياغة أو احلياكة ،لذلك كله جند أن تطور املصطلح واتساعه أمر ملحوظ خالل العصور،
ولكنه مل خيدم قضية النقد كثرياً كما خدم مستوى البالغة وحتوالتها وجيب أال يغب عن الذهن ان الصلة
بني النقد وكتاب الشعر ألرسطو قد أدخلت مصطلحاً من نوع آخر مثل "األقاويل الشعرية.
وإليك أهم القضايا اليت دار حوهلا النقد:
قضية اللفظ واملعنى . 1
قضية املطبوع واملصنوع أو الطبع والصنعة . 2
قضية الوحدة والكثرة يف القصيدة . 3
قضية الصدق والكذب يف الشعر . 4
قضية املفاضلة أو املوازنة بني شعرين أو شاعرين . 5
قضية السرقات الشعرية . 6
قضية عمود الشعر . 7
قضية العالقة بني الشعر واألخالق أو الشعر والدين . 8
وجندهم حتدثوا عن تعريف الشعر ،كما حتدثوا عن البيئة والروية يف طريقة نظم الشعر ،وعن بواعث الشعر
ومهيئاته ،وينفرد حازم من بني النقاد مجيعا بأنه رمبا كان أول من ربط بني الشعر واملعاني اجلمهورية ،وحتدث
عن التجربة املستمدة من احلياة وعما يكملها من التجربة الثقافية ،وحاول ألول مرة أن يعيد النظر يف األوزان:
وينشئ هلا فلسفة جديدة ،ويتحدث عن العالقة الوثيقة بني الوزن واملوضوع الشعري ،وألول مرة كذلك جند
ناقداً يتناول قضية القوى الضرورية للشاعر يف مراحل جتربته ونظمه على السواء ،وكان النقاد قبل حازم
قد قصروا قضية الش عر على األلفاظ واملعاني والعالقة بينهما ،فإذا ارتفعوا عن هذه املشكلة حتدثوا عن
االئتالف بينهما فيما مسوه النظم ،وتوسلوا لتفسري حقيقة النظم بطرق خمتلفة ،ولكن حازماً جتاوز هذه
املرحلة النقدية فميز يف الشعر شيئا مساه "األسلوب" ،وآخر مساه "املنتزع"
قضية الوحدة يف القصيدة:
93
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
حني نظر النقاد يف املوروث الشعري وجدوا القصيدة معرضاً لتفنن الشاعر فهو قد يفتتحها بالغزل أو بالوقوف
على األطالل ويتحدث عن مناحي فتوته ثم ميدح أو يهجو أو يعاتب ،وبعبارة أخرى كانت القصيدة تسمح بتعدد
املوضوعات يف داخلها فلم يستطع النقاد أن يتنكروا للموروث ،فقد كان كل حديث للنقاد عن الوحدة إمنا
يتم من خالل التكثر أي كيف متثل القصيدة وحدة رغم ذلك التكثر؛ فذهب ابن قتيبة إىل األخذ بالوحدة
النفسية عند املتلقي ،أي قدرة الشاعر على جذب انتباه السامع ،ولكن ابن قتيبة كان حيس بأن مثل هذا
التعليل ال حيقق و حدة ،فلهذا وقف عند وحدة داخلية تتمثل يف التكافؤ بني األلفاظ واملعاني ثم يف الرتابط بني
كل بيت وما يليه ،ثم كأن ابن طباطبا شعر أن كل هذا الذي قاله ابن قتيبة ال حيقق الوحدة اليت يرغب فيه
وهلذا أحل على مبدأين يكفالنها :أوهلما مبدأ التناسب ،والثاني هو التدرج املنطقي ،ولعل تصور ابن طباطبا
للوحدة هو الذي أخذ به النقاد من بعده ألنهم جلأوا إىل التمثيل ،ومل خيرج تصور الوحدة لدى النقاد العرب عن
صورة التكامل والتناسب معاً؛ وكانت أقصى درجات التعبري عن هذا النوع من الوحدة هي اإلشارة إىل أن
العالقة بني اللفظ واملعنى هي ع القة اجلسد بالروح وقد نقل احلامتي هذه الوحدة القائمة على التكامل
والتناسب إىل صورة اجلسد نفسه ،وقد استعار ابن رشيق هذه الفكرة من احلامتي ورددها بعده من تأثروا به.
هلذا ميكن أن يقال أن نقاد العرب عاجلوا قضية الوحدة من خالل التكثر ،يف كل العصور ،خضوعاً للمثال
الشعري ،ومل يهتموا بأنواع أخرى من الوحدة ،كالوحدة النفسية عند الشاعر ،أو الوحدة الصورية ،أو الوحدة
العضوية.
قضية الصدق والكذب:
تباينت مواقف النقاد كثرياً حول هذه القضية ،فمنهم من ربط الشعر بالصدق ،ومنهم من جعل الكذب سبباً
لرد الشعر ،ومنهم من اختذ له طريق اً وسطاً ،وقد كان ابن طباطبا أول من أثار القضية بوضوح حاسم ،فقد
ربط الشعر بالصدق من النواحي املختلفة ،ورأيه يتناسب وأساس نظريته يف التناسب ،فالتناسب هو سر
اجلمال ،والصدق صنو للتناسب اجلمالي يف القصيدة ،ثم أن التناسب عمل ذهين يعرض على العقل ليقبله أو
حيكم ف يه والعقل ال يطمئن إىل الصدق ،والصدق أيضاً يعين السالمة من اخلطأ يف اللفظ والرتكيب واملعنى.
94
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
95
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املستوى األول يف ضرورة النسج على منهج القدماء انطالقاً من حتديدهم للفصاحة والتذوق ،وربط ذلك جغرافياً
بالقبائل اليت مل تداخل لغتها العجمة وتارخيي ًا حبدود النصف األول من القرن الثاني.
أما املس توى الثاني الذي يربز فيه تأثريهم العميق يف الذوق العربي فيتمثل يف األهمية البالغة اليت حظي بها
التشبيه كقسم من أقسام الصورة الفنية يف تاريخ البالغة والنقد.
القرآن: . 2
الشك أن القرآن كان أعظم حدث جد يف تاريخ الشعوب العربية ،ولقد احتوت هذه الرسالة السماوية ما
مييزها على كل ما سبقها وهيأها لتلعب دوراً حضارياً مل تقم به الكتب املنزلة األخرى ،وقد حتدى البشرية
عموماً ومن نزل بلغتهم خصوصاً على أن يأتوا مبثله فأذعنوا لذلك وهم الفصحاء وأساطني البالغة والبيان،
ولقد غدا القرآن الكريم القطب الذي تدور حوله خمتلف اجملهودات الفكرية والعقائدية للمسلمني ،وبذلك
زحزح الشعر عن املنزلة اليت كان حيتلها يف اجملتمع ،ولكن أهم جانب فيه ساعد على ظهور التفكري البالغي
هو اجلانب املتصل بقضية إعجازه ،حيث كانت قضية اإلعجاز يف صدارة مسائل االحتجاج للنبوة ،لذلك
وجدت أسباب ذاتية وأخرى عرضية ،دفعت مفكري اإلسالم املتأخرين إىل الرجوع إىل النص القرآني ودراسته
دراسة تقوم على الدليل العقلي واحلجة الدامغة ،وستستفيد البالغة العربية من ذلك وستكون بيئة املعتزلة
خاصة واملتكلمني عامة إحدى البيئات الرئيسية اليت ينشأ يف ظلها التفكري البالغي ويرتعرع وذلك على
مستويني رئيسني:
أ -ما تعلق بقضية اإلعجاز وتأويل بعض املعتزلة لذلك وما نشأ عن ذلك من ردود ،وقد كانت أقدم اآلراء
يف هذا املستوى حسب ما تشري إليه املصادر تعود إلبراهيم بن سيار النظام الذي قال بالصرفة يف اإلعجاز
البياني للقرآن .وقد دفع رأيه هذا علماء املسلمني على اختالف مللهم وحنلهم إىل اخلوض يف مسائل
تنصب على خصائص النص القرآني لغةً وتركيباً.
ب -ما اضطر إليه املعتزلة من تأويل لكثري من اآليات اليت يتنافى ظاهرها مع أصوهلم العقائدية ،حيث
محلوا هذه النصوص على اجملاز ،وليس املتكلمني واملعتزلة أول من تفطن إليه وإن كانوا أول من حتدد
على أيدهم هذا املصطلح وضبطت داللته ،وقد اعرتضت مفسري القرآن من قبل مشكلة جماز القرآن،
واليت يعترب أبا عبيدة من أوائل من أذاعوا هذا املصطلح واستعملوه ،وقد عرفه ابن قتيبة بعد أبي عبيده
بأنه طرق القول ومنها :االستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والتأخري ...اخل ،ويبدو أن فهم اجملاز على
هذا النحو كان هو السائد يف الدراسات اللغوية األوىل وسيستفيد املعتزلة من كل هذه اجلهود
واملباحث إال ان انتمائهم العقائدي سيضطرهم إىل تعميقه ،ولقد استمدوا شرعية القول باجملاز من
املمارسات العربية السابقة ومن اجتهادات علماء املسلمني ،ومل يكن املعتزلة وحدهم هم القائلون
باجملاز فلقد وافقهم على ذلك اجلمهور من املسلمني ،لذلك جند مواقف اجلاحظ وابن قتيبة واجلرجاني
متقاربة وإن فرق بينها قوة احلجة وعمق التأويل ،كما أنهم يشرتكون يف كثري من مباحث اجملاز،
ومل يكن يفرق بينهم إال ضوابط ذلك اجملاز وحدود التأويل.
96
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
إن اجلدل الذي قام حول القرآن وخاصة شكله ،كان من احلوافز القوية اليت دفعت الفكر العربي إىل
االشتغال بقضايا اللغة وبضروب طرقها يف التعبري والرتكيب ،ولعل من أهم ما استقر يف التفكري البالغي من
هذه الفرتة ما يلي:
أ -ربط مباحث البالغة بغاي ة قصوى يف فهم النص القرآني والقدرة على تأويل مشكله والتسليم بإعجازه،
لذلك اعتربت البالغة يف تصنيفهم للعلوم من علوم اآللة ومقدمة كل علم ،وضموها بذلك إىل علوم
اللسان ،ومل يشذ عن ذلك إال الفالسفة الذين تأثروا بتصنيف أرسطو.
ب -إن إحالل املبحث البالغي حمل الوسيلة للوصول إىل مقاصد الرسالة الدينية جعل البالغيني يلحون على
البيان باملعنى اللغوي األصلي أو الوظيفة اإلفهامية وجعلوا البحث من أجنع الوسائل اليت يتم بها ذلك،
فلم يعطوا جمموع الوظائف األخرى املكانة اليت تستحقها يف مباحثهم ،وعن هذا نشأت تلك الفكرة
السائدة يف الرتاث البالغي والنقدي ومؤداها أن هذه الوسائل غالف يغلف به املعنى وضرب من الزينة
يقصد من وراءه إخراج املعنى يف أحسن صورة.
ت -إن تبيني خصائص النص القرآني الرتكيبية على هدي الشعر وأساليب العرب يف التعبري جعل العلماء
املسلمني على اختالف انتمائهم املذهيب يشرتكون يف مجلة من التصورات العامة وتكون هلم إزاء بعض
املظاهر نفس املواقف.
ث -إن األهمية البالغة اليت اكتستها بنية النص القرآني جعلت املباحث املتعلقة بها ماثلة يف أغلب العلوم
املنطلقة من القرآن.
تقعيد اللغة: . 3
إن البحث البالغي املنظم ال يتأتى إال بعد معرفة دقيقة بقواعد اللغة وضوابطها ،فوظيفة النحو استخراج مبادئ
اللغة ونظمها ،أم البالغة فوظيفتها وصف الطرق اخلاصة يف استعمال اللغة وتصنيف األساليب حبسب متكنها
يف التعبري عن الغرض تعبرياً يؤثر يف املتكلم ،وهي على عكس النحو تنطلق من االستعمال اخلاص وجتعل
منه موضع درسها ،وهذا االستعمال يقوم على طريقة خمصوصة يف استعمال الوسيلة اللغوية ،لذلك فإنه ال
يتسنى تقييم هذا العمل واإلملام خبصائصه وتبني مميزاته إىل بالرجوع إىل تلك املبادئ اليت أقامها النحاة.
وتكتسي حركة مجع اللغة وتقعيدها عند العرب ،أهمية خاصة ملا أمل بها من ظروف ،ويأتي على رأس تلك
الظروف واألسباب الطريقة اليت حددوا بها املادة اللغوية اليت ستضبط على أساسها قواعد اللغة؛ ورغم املشاكل
اليت تطرحها تلك الطريقة يف العمل فإنها هيأت العمل اللغوي ليكون بيئة من البيئآت الصاحلة لربوز بوادر
املسائل الفنية ،ولقد جتاوز النحاة لضبط معايري اخلطأ والصواب ،استقامة اللغة إىل فصاحتها مبعنى أنهم
أرادوا بناء النحو على مستوى لغوي فيه من اخلصائص ما ليس يف غريه مما يدل على أنه أمسى من اللغة
املشرتكة يف ذلك الوقت ،وال شك أن إدراجهم القرآن والشعر يف عداد املصادر اللغوية قد نبههم إىل بعض
خصائصهما النوعية ودفعهم يف نطاق مشاغلهم النحوية إىل مجلة من املالحظات البالغية ،وسبقت اإلشارة إىل
أن اللغويني كانوا من أول من ساهم يف بناء النقد العربي.
97
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ولقد نتج عن هذه املكانة اليت حظي بها الشعر والقرآن عند اللغويني عدة نتائج لعل من أهمها:
أن ما نعتربه قواعد اللغة قد تأسس يف جانب كبري منه على الكالم ،مما أدى إىل امتزاج املبادئ الكلية
املرتبطة باالستعمال الفصيح باخلصائص النوعية للشعر والقرآن ،وقد كان اللغويني من أول من تفطن
خلصائص الشعر ،ورغم أن غايتهم يف دراسة اللغة ال تعدو استخراج قواعدها ،وقد أعانوا على بلورة عدد من
املسائل البالغية.
خاض اللغويون يف مستويات الداللة فبحثوا يف الفرق ما بني احلقيقة واجملاز وأفاضوا يف ذلك ،ويبدو أن ابن
جين أحسن من ميثل ذلك على الصعيدين املذكورين.
ومل تقف مشاركة اللغويني يف بلورة املسائل البالغية عند هذا احلد نظراً الرتباطها الوثيق بالنحو فخاضوا يف
دالالت الرتاكيب ،وقد وقفوا يف ذلك على مجلة من القوانني اهلامة ،فكانوا أول من تفطن إىل تعدد عناصر
الداللة ونيابة بعضها عن بعض ،وأول ما تبلور على أيديهم تبع ًا لذلك مصطلح السياق.
احلاجة إىل التعلم والتعليم: . 4
برزت نظراً لتطور اجملتمع العربي اإلسالمي ،ومرد ذلك استقرار العرب باملدن الكربى ،ودخول أقوام من
حضارات أخرى ومتكينهم من املناصب املرموقة ،وقد أدى كل ذلك إىل ظهور فئة املؤدبني أو املعلمني وميكن
أن نقسمهم إىل ثالث طوائف:
أ -طائفة يرتبط ظهورها بالدولة األموية كانت تقوم على تربية أوالد اخلاصة تعلمهم الشعر العربي وأيام
العرب
ب -أما الطائفة الثانية فهي شديدة الصلة ببيئة املتكلمني واملعتزلة فهم يعتربون تعلم البالغة غاية يف حد
ذاته متكنهم من أداة ناجعة يظهرون بها على خصومهم يف املناظرات واجملادالت
ت -وكانت الطائفة الثالثة تقوم على تأديب الكتاب امللحقني يف مؤسسات الدولة بديوان الرسائل
والكتابة ،وقد تبلورت هذه الطبقة واشتد أمرها مع تكوين الدواوين اإلسالمية على عهد عمر ابن
اخلطاب وبلغت الذروة يف العهد العباسي ،وقد اشتهر من بني هؤالء مجاعة اقرتن امسها بالنثر العربي،
وقد شهد هلم بتمكنهم من البالغة وفصل اخلطاب ،ويأتي على رأسهم عبداحلميد بن حييى ،وقد
تكون دقة هذه الصناعة اللسانية ــ صناعة الكتابة ــ سبباً يف ظهور نهج يف التأليف منذ وقت مبكر.
لذلك ميكن أن نعترب أن هذا النوع من التأليف أعان على بلورة التفكري البالغي عند العرب يف نطاق
اهتمامه بتعليم فن الرتسل وذلك بطريقتني:
• اخلوض ف يما هو مشرتك بني خمتلف فنون القول اليت تستعمل فيها اللغة استعماالً فنياً واعياً
يرتبط مبقاصد اخلطاب.
• إبراز ما جيوز يف فن وال جيوز يف آخر
لذلك نستطيع القول أن احلاجة للتعليم كانت حافزاً من احلوافز اهلامة ،دفع العرب يف نطاق االهتمام بلغتهم
إىل تقصي الوسائل واألساليب اليت متيز البعد اإلنشائي يف اللغة وجتعل له على النفوس سلطاناً.
98
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
99
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وإبراهيم ابن املدبر وهو معاصر للجاحظ أشار إىل أرسطو مرتني يف مواضيع حساسة
وطريفة يف البالغة العربية مع سكوته عن املصدر الذي استقى منه تلك املعلومات ،اما
اإلشارة الثانية فهي إيراده تعريفاً للبالغة منسوباً إىل أرسطو وهو قوله" :البالغة حسن
االستعارة".
أما قدامة بن جعفر فقد اعترب مُ َؤلَفُه "نقد الشعر" أول جتسيم للمؤثرات األجنبية يف النقد
العربي ،فقد ذكر فالسفة اليونان إمجاالً عند مناقشة قضية الغلو (الصدق والكذب) يف
الشعر ،أما اإلشارة الثانية فقد وردت يف كتاب قدامة يف القسم املخصص للمعاني ،فذكر
كتاب "أخالق النفس جلالينوس".
أما إسحاق بن إبراهيم بن وهب صاحب كتاب "الربهان يف وجوه البيان" ،فإنه أطنب نسبياً،
يف اإلشارة إىل اليونان خاصة أرسطو ،حيث ذكره يف باب االخرتاع حيث استند إىل موقف
أرسطو نفسه ،ويف استعراضه ألنواع االستدالل يناقش قضية احلجة الشعرية أمقنعة هي أم
ال؟ حييل على كتاب اجلدل ألرسطو ،أما قضية الصدق والكذب يف الشعر فجذورها
اليونانية هنا أوضح منها عند قدامة ،وقد عد أرسطوطاليس واقليدس من أصحاب اإلجياز
واالختصار وجالينوس ويوحنا النحوي من أصحاب الشروح واإلطالة.
واملنهج الذي سلكته كل األحباث اليت اطلعنا عليها تارخيي مقارن يشمل كل أطوار البالغة ولعل من املفيد
قبل استعراض أوجه التأثر اليت وقعت اإلشارة إليها أن نذكر بعض اخلصائص العامة اليت بدت لنا مشرتكة
بني هذه األحباث:
أنها تكاد حتصر البحث يف الرتاث اليوناني وتكتفي باإلشارة العابرة بالنسبة إىل الثقافات . 1
األخرى
نتيجة لذلك اعتربت احلضارة اليونانية منطلق احلضارات بعدها يف الفلسفة والعلم والفن . 2
تصدر هذه األحباث عن تأويل خاص حلركة املد احلضاري فهو عندها مسار خطي خيرج فيه . 3
الالحق من السابق
التحرك من منطلق قومي مزدوج متناقض. . 4
واعترب بعضهم اآلخر أن كثرياً من القوانني واملبادئ اليت ترتكز على نظرية اخلطاب عند البالغيني أجنبية
ميكن ردها إىل السوفسطائيني وإىل طريق سقراط يف توليد املعاني ،كما ربطوا تفطن العرب على الفرق بني
خصائص اللغة يف اخلطاب العادي وخصائصها يف اخلطاب األدبي بنظرية أرسطو يف الفن األدبي عامة ،وسبق
أن ذُكر رأي الباحثني يف تأثر اجلاحظ بأرسطو ،إال أن اهتمامهم قد انصب على قدامة أبن جعفر واسحاق بن
وهب ،وبدرجة أقل عبدالقاهر اجلرجاني ،وذهب بعض الباحثني إىل أن التأثر عند قدامة يصل أحياناً إىل
مرحلة النقل احلريف أو يكاد ،فلم تسلم من هذا التأثري املفاهيم واملصطلحات البالغية اليت يستعملها ،أما ابن
وهب فاإلضافة إىل ما سبق ذكره من تأثره بالثقافة اليونانية فقد تأثر مبنهج التأليف إذ ترتيب األقسام عنده
100
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
كما ورد يف اخلطابة ،وقد كان عبدالقاهر نقطة االستفهام الكربى يف قضية التأثر ،فهو على ما ذكر من
مصادر عربية ال يشري إىل تراث أجنيب يف مؤلفاته ،ولكثرة االهتمام ببالغته ونقده تعددت اآلراء وأحنصر
جمملها بني طريف نقيض ،طرف يؤكد على تأثره باليونان تأثراً عميقاً ،وطرف يقف يف ريبة من األمر مؤسساً
موقفه على ثقة تامة يف أخالق الرجل العلمية إذ ال يرى موجباً لسكوته عن اليونان يف حني أنه ذكر مصادره
األخرى وتبعاً لذلك نفى أصحابه حتى التأثر غري املباشر مؤكدين أنه مل ينتفع مبؤلفات ابن سينا ،أما بقية
املوا قف فمحرتزة متحرجة جتنح إىل التوسط بني الطرفني يف الغالب وحتصر القضية يف جزئيات العلم ال
كلياته..
فهذه مجلة من احلجج واملواقف اليت تدل داللة قاطعة على أن البيئة اليت ترعرعت يف رحابها البالغة العربية مل
تكن خلواً من تيارات أجنبية ،كان علماء البيان على علم بها ويكفي دليالً أنه أثبتوا الكثري منها يف
مؤلفاتهم ،إال أن هناك بعض االحرتازات والتساؤالت على املنهج التارخيي وهي:
هل كان الناقد العربي يف حاجة إىل قادح أجنيب يفطنه إىل الفرق بني خصائص لغة االستعمال العادي ولغة
األدب؟
هل كان اجلاحظ يف حاجة إىل كتب أرسطو ليهتدي إىل ما اهتدى إليه يف فرق م بني الفصيح واألعجم؟
هل ثبت أن نظرية قدامة يف الغلو من أصل يوناني؟
إذن ال جدال يف أن البيئة العربية كانت ذات صلة بتيارات أجنبية خمتلفة استفادت منها بوجه من الوجوه،
والشك أن االستفادة ختتلف من عصر إىل عصر وتتبلور إىل أشخاص دون أشخاص ،ولكننا ال نستطيع أن
نقدر مدى عمق التأثري يف النظرية األدبية عند العرب إال بتحديد مقومات تلك النظرية وضبط مراحلها الكربى
وتطوراتها.
ثانياً :املادة البالغية:
تبني مما سبق أنه مل تصل عن هذه الفرتة مؤلفات صرحية االنتساب إىل البحث البالغي ورُجح أن بعض املؤلفات
كـ "جماز القرآن" لقطرب ،وكتاب الفصاحة للسجستاني ،كتب أدب ال كتب حتليل وتعليل ملسائل البالغة،
إال أن كتاب أبي عبيدة "جماز القرآن" يعترب من بني ما وصلنا املصدر الوحيد الذي يرتبط عنوانه مبوضوع
التفكري البالغي ،وقد اعتربه بعض القدماء كتاب تفسري ،وعده بعض احملدثون أنه كتاب لغة ،وإذا تتبعنا
املصادر اليت ذكرت هذا الكتاب وجدنا الداعي إىل تأليفه بقوي الظن بأن مضمونه بالغي صرف ،حيث
كان تأليف هذا لكتاب نتيجة سؤال سُئله أبا عبيده عن قوله تعاىل( :طلعها كأنه رؤوس الشياطني) ،فالظرف
احلاف بالتأليف من شأنه أن يهيئ الكتاب ألن يكون من أول املباحث العربية يف قضية الصورة الفنية ،إال أن
يف رد أبي عبيده ما يشري إىل أن التأليف سيأخذ وجهة أخرى قوامها التقريب ينب ما جاء يف القرآن من طرق
التعبري ومسالك يف القول ،وبني ما اشتهر عن العرب يف استعماهلا لغتها ،ويتأكد ذلك يف مقدمة املؤلف حيث
حشد ضروباً من اجملاز استقاها من القرآن من مواطن متفرقة" ،فمجاز القرآن" يكاد خيلو من الصور الفنية
إال بعض اإلشارات املتفرقة إىل التشبيه ،والصورة الوحيدة املتبلورة أكثر من غريها هي الصورة املركبة ،وال
101
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
نبالغ إن قلنا أن ابن قتيبة كان من أكرب املستفيدين من هذا اجملهود خاصة يف كتابه "تأويل مشكل القرأن"،
وميكننا إدراج "جماز القرآن" ضمن زمرة املؤلفات اليت تتحرك من منطلق عقائدي تدافع عن القرآن ،فـ "جماز
القرآن" على أهمية موضوعه ومنهجه مل حيوي من املعطيات البالغية أكثر مما حوت كتب اللغة األخرى وهي
مسائل تتعلق بالرتكيب ال مبا يطرأ على معنى الكلمات من تغيري وتبديل ،فكان مصطلح اجملاز مستعمالً يف
غري معناه االصطالحي الذي سيتبلور مع اجلاحظ ،وتكاد دراسة األساليب ال تتجاوز جمرد الوصف ،ويعزى
ذلك إىل ضعف املباحث البالغية يف ذلك الطور ،واملنهج الذي اختاره املؤلف وما علق به من مقاصد كما قد
يُعزى إىل نظرية املؤلف يف اللغة واالستعمال.
يتضح من ذلك أن مصادرنا غري مباشرة ،وهي قسمان كبريان:
قسم ينتمي إىل هذا الطور إال أن اهتمامه بالبالغة هامشي مندرج يف نطاق مشاغل اللغويني والنحاة ،ويأتي على
رأس هذا القسم "الكتاب" لسيبويه ،و "معاني القرآن" للفراء ،و "جماز القرآن ألبي عبيدة.
وقسم يف البالغة والنقد إال انه من عصور متأخرة.
. 1القوانني واملبادئ العامة:
أهم هذه املبادئ وأكثرها تبلوراً على مستوى املنهج واملصطلح ما ورد عند اللغويني ،وقد متخضت تلك
اجملهودات عن مفهوم نظري غاية يف األهمية واالكتناز هو أساس العمل البالغي وركيزته ،هو مفهوم "التوسع"
وقد احتل من مؤلفاتهم ،املركز الذي تدور يف فلكه بقية املبادئ األخرى ،فاملصطلح متعدد الداللة ،يستقطب
مجلة من الطرق يف القول ،يوحد بينها خروجها عن األصول النظرية اليت تؤسس عملية تأليف الكالم ويدل به
على ممارسات تراعي إرادة املتكلم وقصده أكثر من البنية العقلية اجملردة اليت استخرجها النحاة ،وإن آخر
ما نبني به عن نزعتهم الشمولية يف توظيف هذا املصطلح تقديرهم الكمي النتشاره يف اللغة إىل حدٍ يستحيل
معه اإلحصاء ،واستقراء اللغويني جلملة املظاهر اليت محلوها على التوسع ،أدى بهم إىل استنتاج أنه ليس حرية
مطلقة يتصرف مبقتضاها املتكلم يف اللغة إذ البد من البقاء يف حدود ما تسمح به ،فضبطوا جموزات التوسع
وموانعه ،ويتصدر قائمة اجملوزات "علم املخاطب" و "داللة السياق" ولغة النص وهيئتها ،فعلم املخاطب هو سبب
السعة ،واإلجياز ،واإلضمار ،واالستغناء :وهي مسالك يف القول خيرج فيها الكالم على غري مقتضى الظاهر،
وتصرف يف البناء اللغوي مع بلوغ املعنى املراد .وأمشل من علم املخاطب داللة السياق عامة إذ تعوض هذه
الوحدات اللغوية ،مامل خنف االلتباس ،وقد يأتي جواز التوسع من النص ذاته .فاللغة املاثلة فيه تصبح حبكم
النسق العالقي املقام بني عناصرها وجميئها على هيئة من الرتكيب معينة ،مؤشراً حييلنا على العناصر الغائبة
ويدلنا عليها ،وبذلك حيمل النص دافع تأويله الزدواج وظيفة مكوناته ،فالتوسع هو اإلطار الكبري الذي تدور
يف فلكه كل عمليات التوليد يف اللغة ومنها اجملاز.
. 2املفهوم واملصطلح واحلد:
102
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يعترب هذا الثالوث من أهو املؤشرات اليت نتبني بها ما وصل إليه العلم من نضج ومتكن ،فمن القضايا ما قد
فاز باملصطلح املناسب واحلد الفاصل ،ومنها ماال دليل على وجوده من الناحيتني مجيعاً ومنها ما ال يزال
متقلقالً ،واملادة البالغية الراجعة إىل هذه الفرتة ال خترج يف اجلملة عن هذا اإلطار العام.
وقد اتضح أن عدداً كبرياً من تعريفات البالغة 1ال حتقق شروط احلد إن أخذناه يف املعنى املنطقي
االصطالحي ،وقد وقعت جل التعريفات يف القرن الثاني والنصف األول من القرن الثالث ،وأصحابها ينتمون
إىل بيئات ثقافية خمتلفة ،وهو ما يؤكد القول أن البالغة نشأت من روافد فكرية وأدبية متعددة ،وميكن أن
نوزع مجلة التعريفات على ثالثة أقسام:
قسم تنحصر فيه وظيفتها يف مؤدى الكلمة اللغوي من إبانة وإفصاح وبيان ،ويرتبط موضوعها باحلكمة.
وقسم يركز على مقاصد البالغة العقائدية ويوظفها لغايات جدلية إقناعية تبعا حلجات املتكلم من خطابه.
وقسم مكرس إلبراز املقاييس األسلوبية يف النص األدبي يف مستوى بنيته الكلية.
وقد أشاروا إىل ما جيب جتنبه واحنصر ذلك يف اللفظ ال يضيف شيئاً على املعنى ،كما أشاروا إىل ضرورة
مراعاة املوضع واحل ال ،ولعل قمة بالغة النص أن يكتفي بذاته ال حاجة به إىل موجودات من خارجه تعني على
فهمه.
. 3املسائل البالغية املتعلقة بالرتاكيب واملعاني:
إن املصدر املستقى منه املعلمات هلذا الباب هو كتب اللغويني والنحاة ،لقد درسوا احلذف بكثري من التفصيل
فاهتدوا من خالله إىل جل تلك املبادئ ووقفوا على وجوه بالغية ،وقد قادهم االهتمام باحلذف إىل مناقشة
قضايا من عوارض القول كاإلجياز واإلطناب والتكرار ،فللخليل رأي مشهور يربط فيه خصائص الكالم
املتناقضة بغايات متباينة ،ثم يربط النهج يف القول بالغرض ،كما نظروا يف صور التكرار املختلفة :بإعادة
اللفظ واملعنى ،وإعادة املعنى فقط ،وإعادة اللفظ دون املعنى ،ويعترب درسهم "االستفهام" ،أدوات ومعاني ،من
أبرز املسائل األسلوبية اليت وصلتنا عن هذه الفرتة ،كما اهتموا بدراسة طريقة العرب يف استعمال لغتها
كجمعها بني املختلف لفظاً واملتفق معنى ،وأمرها الواحد مبا تأمر به اإلثنني ..وغريها ،وقد اهتدوا يف التقديم
والتأخري إىل معنى بالغي هام أساسه عناية املتكلم باملقدم ولفت النظر إليه وتنبيه املخاطب وتأكيد الكالم،.
ومن املفاهيم املتبلورة النوع الذي أطلق عليه املتأخرون اجملاز العقلي أو اجملاز احلكمي ،فقد أدرجوه ضمن
مبدأ التوسع كذلك ميكن أن ندرج يف هذا الباب مبحث الفصل والوصل ،ولقد اهتم اللغويون يف عدة مواطن
بقضية تأليف العبارة ،ويظهر من ذلك البذور السحيقة لنظرية النظم ،ومن مظاهر اهتمامهم بتأليف العبارة
حديثهم املستفيض عن حروف اجلر.
. 4الوجوه املتعلقة بداللة األلفاظ:
مل يقتصر جهد اللغويني والنحاة على رصد القضايا املتعلقة بالرتاكيب ،بل أشاروا أثناء ذلك إىل مسائل تهم
التوليد اللغوي وسبل الداللة ،وأقدم ما وصلنا يف التشبيه ما جاء يف كتاب سيبويه ،وهو ال يعدو اإلشارة العجلى
1يرجع للتعريفات يف كتاب التفكري البالغي عند العرب أسسه وتطوره إىل القرن اسادس ص110
103
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
إىل األسلوب وبعض أدواته جمرد ًا من كل تعمق يف وظيفته متلبساً بقضايا اإلعراب ،حيث ذكر طريقتني من
طرق التشبيه الرئيسية هما التشبيه باألداة والتشبيه املعتمد على البدل أو املصدر املنصوب ،واطلق على ذلك
مصطلح "املشبه به" وهو يقصد طريقة التشبيه ووسيلته ،وورود التشبيه يف قضايا إعرابية شيء مألوف يف
الكتاب.
وتعترب مسا همة أبي عبيدة يف مسألة التشبيه أهم ما وصلنا عن هذه الفرتة ،فحديثه عن طريف التشبيه ووجه
الشبه واضح جلي يف عدة مواطن ،وكثرياً ما يتجاوز هذه األطراف ويعلق على املعنى الذي أراده الشاعر من
هذا الوجه؛ أي الوقوف على املعنى الكامن وراء التشبيه ،وقد تعرض أيضا إىل ما سيعرف ،فيما بعد ،بالتشبيه
املقيد بالصفة ،أو تشبيه التمثيل الذي يقوم على التقريب بني صورتني ،فباإلضافة إىل السياق الذي استخرجناه
من «جماز القرآن» و هو ال يدع جماال للشك يف تبلور التمثيل عند أبي عبيدة مفهوما و مصطلحا جند سياقات
أخرى تؤكد ذلك ،فقد علق على بيت الفرزدق (كامل) :
جرب اجلمال بها الكحيل املشعل ميشون يف حلق احلديد كما مشت
بقوله « :الكحيل القطران ،وحلق احلديد الدروع شبه الرجال لعظمهم ولون احلديد عليهم باجلمال املدهونة
بالقطران » واحلاصل أن دراسة التشبيه يف هذه الفرتة تعد متطورة نسبيا فلقد وقعت اإلشارة إىل عناصر
التشبيه األساسية :املشبه واملشبه به ووجه الشبه وإن مل يعلقوا كل مفهوم باملصطلح املناسب له ،كما أشاروا
إىل أهم طرقه كالتشبيه باألداة ،واملصدر املنصوب ،وفرقوا بني نوعيه :التشبيه البسيط و تشبيه التمثيل ،
واهتموا ،يف درجة أقل ،باملعنى احلاصل منه إال أن ذلك مل يرد يف نطاق حبث منظم ودرس مستقل يتعمق
القضايا وحيللها باحثا عن األبعاد الفنية اليت تتضمنها هذه الطريقة يف األداء.
وال غرابة أن يكون التشبيه من أكثر الصور الفنية حظوة لدى املتقدمني واملتأخرين أيضا ،فالشعر العربي
القديم يعج به ،وهو عند النقاد والعلماء بالشعر من مقاييس اجلودة الرئيسية ،ومل يكن الشعراء أنفسهم
يشذون عن هذا فقد « قيل لبشار :مب فقت أهل عمرك وسبقت أبناء عصرك يف حسن معاني الشعر وتهذيب
ألفاظه ؛ قال :ألني مل أقبل كل ما تورده على قرحييت ويناجيين به طبعي ويبعثه فكري ونظرت إىل مغارس
الفطن و معادن احلقائق و لطائف التشبيهات فسرت إليها بفكر جيد.
ومن املباحث اليت تقوم على عالقة الشبه وجند له صدى يف مؤلفات هذه الفرتة "االستعارة" إال أنها أقل تبلوراً
من التشبيه ،إال أننا جند يف مؤلفات هذه الفرتة كثرياً من السياقات القرآنية واألدبية يدل حتليلهم هلا وخترجيهم
ملسائلها على أن االستعارة ،كمتصور مل تكن غريبة عن أصحابها وقد أدرجوها ضمن اصطالحات عامة هي
اجملاز تارة واالتساع تارة أخرى ،إال أن االستعارة مل تتبلور كصورة فنية صياغةً ووظيف ًة إال يف وقت متأخر.
أما الكناية فقد تواتر استعماهلا يف معان شيت ميكن حصرها يف احملاور اآلتية:
أ -فهم يستعملونها يف املعنى اللغوي الصرف ومؤداه « الصيانة » و «اإلخفاء »
ب -كما ورد استعماهلا بكثرة مبعنى « الضمري » يف املفهوم النحوي أي كل ما نستعيض به عن االسم
الظاهر
104
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
105
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
من صياغة تصوره ذلك صياغة نظرية توج بها جمهوده العملي ،فاالطالع على هذه احلضارات دفع املؤلف إىل
املقارنة تضميناً وتصرحياً ،فعن هذا التصور نتجت أهم خصائص التأليف عند اجلاحظ ويف صدارتها ذلك
السعي اجلاد املضين إىل جتميع أشتات النصوص وتقييد شوارد املعرفة العربية اإلسالمية ،فاتسمت مؤلفاته
بنزعة مشولية ،ضربت يف كل ميدان بسهم ،وأخذت من كل شيء بطرف ،هلذا ميكن أن يُعترب احللقة األوىل
حلركة ما سُمي بالنزعة املوسوعية يف الفكر العربي ،إال أن هذه النزعة مل ختضع ملنهجية واضحة وبناء
حمكم ،ثم إن اجلاحظ على غزارة مادته مل خيص البحث البالغي بكتاب مستقل جيمع مسائله ويبوبها
واكتفى بإدراجه يف ثنايا مؤلفاته ،فجاء يف صورة مالحظات وتعليقات متناثرة.
خصائص املادة البالغية يف مؤلفاته :لئن أمجع النقاد والدارسون على أن "البيان والتبيني" هو قطب التأليف
األدبي عند اجلاحظ ،فإن الناظر يرى أن مؤلفاته األخرى ال ختلو من إشارات أدبية وحملات بالغية فتتنزل أثار
اجلاحظ يف ثالث مراتب:
جمموعة الرسائل والبخالء :تبدو املادة البالغية فيها قليلة صعبة املنال إال أنها على قلتها مفيدة . 1
من عدة جوانب :فهي مادة الميكن جتاهلها ملن يريد دراسة تفكري الرجل ،فعلى صعيد بالغي صرف
وردت فيها نصوص تضبط األسس الفنية الواجبة مراعاتها يف تعليق اللفظ باملعنى ،ومجلة من القوانني
تتحدد بها عالقته املعنى ،كما تطرقت نصوص أخرى إىل طرق التعبري وأساليبه واإلمكانيات يف
تصريف املتكلم لقدرات اللغة مربزة أهمية اإلمياء واإلشارة والكناية .كما أبرزت النصوص الوظيفة
وقد احتوى هذا القسم من الفنية واملعنوية لبعض الوجوه البالغية خاصة التشبيه.
املؤلفات زيادة على النماذج البالغية على قضايا نظرية ومواقف أدبية عامة اتصل معظمها بالشعر وما
تطرحه بنيته وممارسته من مشاكل ،أما الشعر فلم يدخر اجلاحظ جهداً لالحتجاج على من قالوا
بتحرميه مبيناً تهافت احلجة النقلية املعتمدة ،منتهياً أنه ال أصل لذلك يف كتاب وال سنة ،كما أثريت
مسألة الصدق والكذب يف الشعر ،وقد يقف القاريء من حنيٍ آلخر على فلتات نظرية ثاقبة يستشف
منها رأيه يف الفن والكتابة.
كتاب احليوان :يعد هذا الكتاب مع "البيان والتبيني" أشهر مؤلفات اجلاحظ ،وقد استطاع . 2
يف طيلة سبعة أجزاء أن يتحدث عن حياة احليوان وطبائعه وطرق عيشه وعجائب خلقه ،وقد كان حظ
البحث البالغي واللغوي منه غري قليل ،وإن جاء موزعاً على أصول معارفه وفروعها ،غري مقصودٍ لذاته.
وألهمية هذه املادة وغزارتها يصبح "احليوان" مصدراً ضرورياً إلبراز دور اجلاحظ يف البالغة ومعرفة
أصول تفكريه األدبي واجلمالي ،وتلك املادة تدور إمجا ًال حول ثالثة حماور رئيسية :احملور األول :يشتمل
على قضايا لغوية عامة عميقة الصلة مبقاييسه األسلوبية وآراءه البالغية والنقدية ،احملور الثاني :وهو
خمصص لنظريته يف الكالم أو اللغة منجزة ،كما تعرض إىل دور البعد االجتماعي يف الفن والكتابة،
احملور الثالث :ويضم خصائص اخلطاب ومجلة املقاييس األسلوبية والنقدية اليت جتعل الكالم بين ًا
بليغاً ،وفيه أكد اجلاحظ على أهمية البنية يف األدب باعتبارها اخلاصية النوعية األساسية يف ممارسة
106
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اللغة ممارسة فنية ،كما اهتم باملظاهر العلية اليت جتعل اخلطاب األدبي خمرجاً غري خمرج العادة،
فتحدث عن الفصاحة والبيان ،وأوىل الصورة الفنية وصنوف اجملازات عناية خاصة ،فأفاض يف ذكر
التشبيه واالستعارة والبديع وخمتلف البالغات وقد أف ردها بأبواب ذات صبغة عملية جمردة يف الغالب
من البعد النظري ،تعني على دراسة الصورة دراسة تارخيية انطالقاً من األمثلة اليت جيمعها حتت نفس
العنوان ،وكثرياً ما تكون من عصور خمتلفة.
كتاب البيان والتبيني :وهو أهم مؤلفات اجلاحظ األدبية وأبعدها صيتاً ،وأكثرها تداوالً بني . 3
النقاد والعلماء بالشعر ،والناظر يف الكتاب يتبني الدوافع اليت تضافرت فأضفت عليه هذه
اخلصوصية ،ويدرك أن املؤلف باإلضافة إىل املنحى األدبي والفين ،يتحرك من منطلق عرقي ومذهيب،
ويسرتعي االنتباه يف مضمون البيان والتبيني أمران أساسيان هما :تنوع املادة وتعدد مواردها ،وعدم تقيد
صاحبها يف التأليف بينها مبنهج حمكم جينبه الفوضى والتداخل املالحظان فيهما ،فيجانب النماذج
األدبية من خطب وأشعار وأسجاع ورسائل ووصايا آراء يف اللغة والبيان والبالغ ،وقوانني بها تدرك فضل
نهج يف القول على نهج ،وإىل هذا وذلك عينات من كالم بعض الطوائف االجتماعية كالقرويني
والبلديني واألقحاح واملولدين واجلماعات العلمية كالقصاص والنساك واملؤدبني ،والنماذج البشرية
كالنوكى واحلمقى واملغفلني ،وال رابط بني هذه املادة إال مكانتها يف البالغة واستغالل املؤلف هلا
ليبيان وجوه البيان ،حتى لكأن الكتاب من بعض الوجوه ،خمتارات أدبية تتخللها أحكام نقدية.
ثانياً :مفهوم البيان عند اجلاحظ:
ال جيري مصلح البيان يف مؤلفات اجلاحظ على معنى واحد ،فمفهوم البيان عنده يتدرج من العالمية مطلقاً إىل
العالمة اللغوية مبستوييها العادي واألدبي.
أنواع الدالالت على املعاني: . 1
ين بين املفهوم العام للبيان عند اجلاحظ على مجلة من املنطلقات الفلسفية والعقائدية حددت بدورها نظريته
اللغوية العامة ،ومبتدأ تفكريه يتأسس على نظرة دينية رمزية تتنزل مبوجبها املخلوقات منزلة الدوال ملدلول
أمسى سرمدي يُهتدى إليه بالتعقل وتأويل الرمز وهو حكمة العامل والكون ،وهذه األدلة ختتلف من جهة
اإلدراك لذلك انقسمت إىل قسمني :قسم عاقل يهتدي بتلك امللكة إىل سر وجوده ،وقسمٌ ال يُدرك كنه تلك
الداللة وال قدرة له على االستدالل ألن ملكته قاصرة عن ذلك فشارك القسم األول يف الداللة ونقص عنه
باالستدالل.
ثم يتدرج اجلاحظ من هذا التفكري العام اجملرد إىل تفكري اجتماعي يتحسس من خالله مقتضيات املنزلة
اإلنسانية ،فجاءت الدالالت أنواع ومراتب أما األنواع فمن جهة أن اإلنسان يبني عن مراده بوسائل شتى ،وأما
املراتب فمرتبطة برأي اجلاحظ يف أقسام املخلوقات وافرتاقها يف مناهج الداللة ،وقد ضبطت األنواع يف مخسة:
(اللفظ ــ اإلشارة ــ العقد ــ اخلط ــ احلال) ،وجعل البيان على أربعة أقسام( :لفظ ــ خط ــ عقد ــ إشارة) ،وجعل
بيان الدليل الذي ال يستدل متكينه املستدل من نفسه كل من فكر فيه إىل املعرفة ما استخزن من الربهان
107
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وحُشيَ من الداللة وأُدِعَ من عج يب احلكمة ،وذكر أن البيان جيب أن يتم بني األجناس املتشابهة بعالمات
ما هو للسمع ومنها ما هو للنظر يفهمون بها بعضهم عن بعض ،وترتتب تبعاً لصلتها باحلواس ،فمنها
ومنها املشرتك ،كما ترتتب من ناحية أخرى ملا متلؤه من حيز مكاني وزماني ،وتقيد اجلاحظ يف فهمه لألدلة
بالشكل واحلواس جعله يُنزل داللة احلال دون منزلة األنواع األخرى ،ونستطيع أن نؤكد بناءً على ما سبق أن
هذا املعنى يهتم بالغايات ال بالوسائل ويتحدد بالوظيفة ال بالبنية أو الشكل مما جعله خلو من كل أبعاد فنية
وبالغية ،الهم لصاحبه إال الوقوف على الوسائل اليت تضمن التواصل بني أفراد اجملموعة لقضاء احلاجات
وبلوغ املآرب.
من العالمة مطلق ًا إىل العالمة اللغوية: . 2
جند باإلضافة إىل املفهوم العام مفهوماً خاصاً يقرتن فيه البيان باللسان ويقتصر معناه على منط التعبري املستند
إىل العالمة اللغوية أداة للتبليغ وهو مراحل:
• مرحلة أوىل يقرتن فيها البيان باللغة بواسطة الرتكيب اإلضايف املبني للنوع.
• مرحلة ثانية يدل فيها املصطلح على قدرة اإلنسان على توظيف اللغة اجتماعياً لتحقيق التواصل بينه وبني
جنسه واإلبانة عن حاجته.
• مرحلة ثالثة تأتي فيها كلمة بيان يف جوار لغوي ذي طابع معياري تقييمي تصبح مبقتضاه وظيفة البيان
يف حاجة إىل مستوى لغوي تتوفر فيه خصائص نوعية خترجه عن جاري االستعمال إىل البالغة والفن،
إال أن تلك اخلصائص ليست صرحية ،يستشفها القاريء من السياق اللغوي نفسه.
• مرحلة رابعة ينفصل فيها البيان بصريح العبارة عن املعنى العام وعن معنى التعبري باللغة جمردة من كل
قصد فين حني تنحصر وظيفتها يف جمرد اإلبالغ ليصبح صنو البالغة والفصاحة متعلقاً بعددها
اإلنشائي.
ومن أهم ما يلفت االنتباه يف داللة هذا املصطلح ،االنتقال التدرجيي يف موقف اجلاحظ من التعلق بالغايات
واملقاصد من إقامة التواصل وحتقيق الفهم واإلفهام إىل الوعي بأهمية الوسائل ومسالك األداء .فلئن كان البيان
يف املرحلتني األوىل والثانية الكشف عن املعنى من أي طريق كان ،فهو الثالثة والسيما الرابعة كيفية يف بلوغ
تلك الغاية وهيأة خمصوصة يكون عليها اخلطاب.
وهلذا سيرتكز جهد صاحب البيان والتبيني على العلم بتلك الكيفيات واهليئات ،وتفحص أشكال اخلطاب
وصوره .فسطر للبالغة نهجاً وضبط حقل اهتمامها باعتبارها علماً بطرق القول وأفانني التعبري ،وهلذه النظرة
آثار عميقة يف تفكري اجلاحظ البالغي وجل البالغيني العرب بعده متكنت فيه ثنائي اللفظ واملعنى ان تتصدر
قضايا العلم الكربى ،وقد وجدت األلفاظ سبيلها إىل املعاني وتعلقت بها وحتددت وظيفتها باكتشاف عامل
املعاني ،لكن هل يف قدرة اللغة أن حتيط بكل املعاني وتأتي على مجيع مراتبها؟ جواب اجلاحظ أن املعاني
تفضل عن األمساء واحلاجات جتوز مقادير السمات وتفوت ذرع العالمات ،والسبب يف رأي اجلاحظ اختالف
املعاني وتنزهلا يف مراتب وطبقات ال يتم ادراكها بنفس الصورة ،فتتفاوت قدرتنا يف التعبري عنها ،وأكثر
108
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
التصنيفات تواتراً استقاه اجلاحظ من بيئة املتكلمني خاصة املعتزلة ،وقد استدل اجلاحظ على حاجة اللغة إىل
وسائل التعبري األخرى خاصة اإلشارة ،فعامل املعاني عند صاحب "احليوان" معانٍ مفردة ومعانٍ مشرتكة وجهات
ملتبسة.
وواضح مما تقدم ،أن املقصود باإلشارة وهي أهم أنواع الدالالت صلة باللغة ،ما يبدو على مالمح املتكلم
وقسماته أو ما يقوم به من حركات تلمحها عني الناظر ،واملتتبع لنصوص اجلاحظ يالحظ تطوراً يف مفهوم
اإلشارة من كونها نوعاً من أنواع الدالالت على املعاني إىل معنى آخر لصيق بنظريته البالغية واألدبية العامة.
109
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اجلمالية العامة ،ولقد تفطن اجلاحظ إىل ما حيف بظاهرة الكالم من املالبسات ،وهو أول مفكر عربي نقف
يف تراثه على نظرية متكاملة تقدم أن الكالم ينجز بالصرورة يف سياق خاص جيب أن تراعي فيه مجلة من
العوامل األخرى كالسامع واملقام وظروف املقال ،وكل ما يقوم بني هذه العناصر غري اللغوية من روابط .وحتتل
الوظيفة ــ وهي يف مصطلحه الغاية أو مدار األمر ــ حجر الزاوية يف هذا البناء ألنها مولد اللحمة وحمرك التفاعل
بني هذه األطراف ،ومما سبق جند عند اجلاحظ خبصوص النظرية التالي:
أ -ضرباً من عدم التوازن يف االهتمام بعناصر اخلطاب يتمثل يف ضآلة ما خصص يف مؤلفاته للحديث عن
السامع أو املتقبل.
ال شديداً مع مقومات الكالم. ب -أن املقومات اخلاصة باملتكلم متداخلة تداخ ً
وظائف الكالم:
لعل من أشد القضايا تشعباً وأكثرها استعصاءً يف تراث اجلاحظ وظائف اخلطاب وجماري استعمال الظاهرة
اللغوية واالستقراء املوضوعي جلملة مؤلفاته يفضي إىل استخالص ثالث وظائف رئيسية تسخر ألدائها الظاهرة
اللغوية:
أ -وظيفة خطابية :وقد برزت هذه الوظيفة يف املواطن اليت حتدث فيها عن اخلطابة كنوع من أنواع
الكالم ،والناضر يف اخلطب اليت أثبتها ،واملتصفح حلديثه عن اخلطابة واخلطباء يالحظ دورانها على
حماور ثالثة غايتها مجيعاً الوظائف اليت عددناها من احتجاج وإقناع ومناظرة ومنازعة:
• أما احملور األول فديين سخرت مبقتضاه اخلطابة للدعوة إىل التوحيد واإلميان بالبعث
• واحملور الثاني سياسي سخرت فيه اخلطابة لبسط النفوذ وإقرار نظام احلكم.
• واحملور الثالث جدلي مذهيب أفرزه التصدع الذي وقع يف هيكل األمة اإلسالمية ،مما جعل
أصحاب الفرق يهتمون بقوانني صناعة اخلطابة
ب -مجلة من الوظائف يصعب إدراجها حتت تسمية واحدة ،وغايتها إما خلق حالة معينة يف املستمع،
كاإلضحاك واللذة واإلمتاع أو منزع تعليمي نفعي كتعمري الصدور واصالحها من الفساد ،وليس هلذه
الوظائف حظ الوظيفة السابقة يف مؤلفات اجلاحظ.
ت -وظيفة الفهم واإلفهام أو البيان والتبيني :تعترب هذه الوظيفة املسيطرة على تفكريه البياني ،وهو يرادف
يف كثري من املواطن بني البيان والتبيني ،والفهم والتفهم ،فهي الغاية اليت جيري إىل بلوغها ،واألساس
الذي تبنى عليه عملية الكالم ،وقد طغت هذه الوظيفة على تفكري اجلاحظ لسببني:
• سبب تارخيي ينحدر من مكانة النص ووظيفته يف بنية اجملتمع اإلسالمي الثقافية ،فالنص مهما
كانت قيمته يف ذاته ،يرتبط بغرض وجيري لغاية.
• سبب ظريف ومنه ما يعود إىل احلقبة التارخيية اليت عاش فيها اجلاحظ ومنها ما أصله إنتماءات
الرجل ونظرته إىل األشياء.
110
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
نستنتج مما سبق أن وظيفة اللغة األساسية عند اجلاحظ هي الفهم واإلفهام إذ بدونها ال تقوم الوظائف األخرى،
واجلاحظ حريص على أن تؤدى هذه الوظيفة طبق شروط الفصاحة وقواعد اإلبانة.
رابعاً :املتكلم:
. 1مقتضيات الوظيفة:
إن وجوه تصريف الكالم ألداء خمتلف الوظائف السيما وظيفة الفهم واإلفهام تقتضي من املتكلم احرتام مجلة
من النواميس اللغوية حتتل من تفكريه حمل األساس الضروري فلكل عملية تواصل لغوي مهما كان مستواها،
وربط اجلاحظ بني املعطيات اللغوية و الصرف وآراءه البالغية أمر خطري جيب أن حيسب للجاحظ ألنه قفزة
فكرية هامة يف ذلك الظرف التارخيي ،وهو مدرك متام اإلدراك إن سر التفاهم بني املخاطبني انتمائهم إىل
سنة لغوية مشرتكة يتم مبوجبها التكامل بني عملييت "تركيب الرموز" من املتكلم وحتليلها من طرف
السامع ،لذلك استغل هذا املعطى اللغوي العام ودجمه يف صلب تفكريه البالغي وذلك بتفجريه السنة املشرتكة
إىل مستويات حتى لكأنها سنن ،واخلطيب البليغ من جعل أقدار اللغة وتصاريف الكالم مواتيه ألقدار
السامعني ومقتضيات احلال ،ويتصل بذلك رأيه يف بواعث نشأة اللغة وطرق اكتسابها والعالقة بني املستوى
اللغوي وانتماء املتكلم االجتماعي أو الطبقي ،ونقف يف آثاره على بذور نظرية لو تعمقها لكان هلا بالغ األثر
يف تراثنا الفكري واللغوي ،ومؤداها أن قدرة الفرد على متثل اللغة ليست مطلقة وإمنا تكون على قدر ما
اضطرته احلاجه إليه واكتسبه حبكم وضعه االجتماعي والثقايف ،وقد تركت تلك املبادئ آثاراً واضحة يف
تفكريه البالغي فإقراره بتعدد املستويات اللغوية الختالف منزلة املتكلمني الثقافية واالجتماعية ،وتأكيده
على انتمائها إىل العربية متخض عنهما قانون عام يربط النتائج باملنطلقات :فتولد اللغة عن احلاجة وقيام
الكالم على املنفعة معناهما أن ظاهرة اللغة ،متى نظرنا إليها نظرة شاملة تتجاوز الوعي اللغوي الفردي أو
الطبقي ،ال ميكن أن تكون اعتباطية ،وبالتالي فإن لكل عنصر من عناصر جهازها موضعاً يستعمل فيه
وحيزاً يؤدي فيه وظيفة.
والنتيجة الطبيعية بل احلتمية هلذا التصور الشامل للتواصل اللغوي والتشبث بوظائفية الكالم بروز فكرة
ضرورة ربط املقال باملقام ومالءمته ملقتضى احلال ،وهي فكرة رئيسية أقام عليه اجلاحظ كل مادته البالغية.
. 2نظرية املقامات أو املواضع:
لعل أبرز ما يدل على مكانة هذا املتصور يف مؤلفاته كثرة املصطلحات املستعملة لبيان معناه ،كـ املقام
واملوضع واحلال واملقدار واملشاكلة واملطابقة ،وميكن باستقراء النصوص تقسيمها إىل قسمني:
أ -القسم األول ويدل عليه املقام و املوضع و احلال وهو يهتم بعالقة املقال بالظرف العام الذي يتنزل فيه،
وحنصر ما تدل عليه يف ثالثة عناصر:
• املخاطب :ومجلة ما عليه اعتباره يف خماطبته وخلصه اجلاحظ يف عبارتني هما :مقدار الطاقة
وأقدار املنزلة.
111
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
• جنس الكالم :وأهمها يف مؤلفاته مقام اخلطابة وهو يتطلب من املتصدر له أن يكون عارف ًا
مبواضعها ومناسباتها ليصوغ كالمه وفق ما تقتضيه ،كما أن بعضها يتطلب الصنعة وتعهد
الصياغة ،ومجيعها تستدعي من اخلطيب هيئة خمصوصة وطريقة يف النطق معلومة.
• القصد من احلديث :إن املتكلم مدعو لتحقيق املناسبة املرجوة فال خيلط بني أقدار األلفاظ
وأقدار املعاني وال يتصنع اجلد حيث جيب اهلزل.
ب -القسم الثاني :وتدل عليه مصطلحات املقدار و املشاكلة و املطابقة وما جرى جمراها ،وهو اخص يف
الداللة من القسم السابق وان احتد به يف الرؤية ،ووجهته الكالم يف حد ذاته وما على املتكلم مراعاته،
فهناك قوانني للمالئمة بني مكونات الكلمة ،ثم بني الكلمة وما تدل عليه .وحبكم ترابط املقال
واملقام ترابطاً جدلياً تصبح خصائص الكالم غري منفصلة عن السياق الذي حيتويه ،ولذلك ختتلف
املقاييس باختالف املواضع ،فلإلطالة موضع ولإلقالل موضع ،فـ"لكل ضرب من احلديث ضرب من
اللفظ ولكل نوع من املعاني نوع من األمساء ،فاإلفصاح يف موضع اإلفصاح ،والكناية يف موضع
الكناية ،واالسرتسال يف موضع االسرتسال".
أما األثر الكبري الذي خلفته نظرية "املواضع" يف تفكريه البالغي فتتمثل يف احتالل مبدأ "االختيار" صدارة
املقاييس يف التمييز بني األساليب وتفضيل بعضها على بعض .وأسس االختيار يف هذا املضمار حتقيق املالءمة
مبعنييها :العام واخلاص؛ أي بني األطراف الداخلية يف تركيب الكالم وبني السياق احلاف بها.
. 3مقتضيات اإلبانة:
رأينا أن أشد مفاهيم البيان اتصاالً مبشاغل اجلاحظ ما بلغ به املتكلم إفهام حاجته ،وبذل يُخلق ضرب من
التعادل بني غايات القول وطرق بلوغها ،ويغدو احلرص على اتقان الوسائل ال يقل شأناً عن احلرص على حتقيق
الوظيفة ،ويف هذا دليل على أن مقصد املؤلف ليس لغوياً عادياً ،وإمنا هو حبث عن سبل إخراج الكالم على
هيئة متكن له يف الفصاحة والبالغة وتقوي مفعوله عند السامع ،لذلك هناك مقتضيات جيب أن تتوفر فيمن
يتصدر هلذا ،ومن هذه املقتضيات ما ه و عام ومنها ما هو خاص ال يربز إال يف املشافهة ،وهذه املقتضيات منثورة
يف كتب اجلاحظ على هيئة إشارات ،يقول اجلاحظ يف البيان والتبيني" :رأس اخلطابة الطبع وعمودها الدربة،
وجناحاها رواية الكالم وحليها اإلعراب وبهاؤها ختري األلفاظ" فالشروط الثالثة األوىل تتعلق باملتكلم ،أم
الرابع واخلامس فألصق بالكالم:
الطبع :إنه من العناصر القارة يف كل عمل أدبي مهما كان نوعه ،فلم يغفل اجلاحظ عن ذكره يف أشد
مواقفه حتمساً للبيان ،ولقد بذل صاحب البيان والتبيني جهداً كبرياً يف حماصرة هذا املفهوم ،ولقد اتبع لبلوغ
ذلك مسالك متنوعة لعل أهمها تصرحيه ــ أي الطبع ــ بأنه غريزة يف اإلنسان واستعداد جبلي يودعه اهلل فيمن
يشاء من عباده .كما قابل بني األحكام النامجة عن نقد النصوص األدبية والشعرية ودراسة خصائصها الفنية
بغية الوصول إىل معرفة الكيفية اليت يتوخاها كل فريق يف الكتابة .ومن أبرز األزواج املتقابلة يف نصوص
112
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اجلاحظ ومن ثم يف النقد العربي مجلة زوج املطبوع واملتكلف ،ولذلك كان موقفه من املتكلف واضحاً فهو
مقرتن بالسماجة ،والعرب ال تكاد تستعمل هذا املصطلح إال يف موضع الذم.
أما الطريقة الثانية فهي الرواية .فمن الناس من مل يواتهم قول الشعر .على أن الطبع ال يصون مبفرده عن
التكلف مامل نباشر الكتابة يف ظروف تكون فيها النفس على أمت االستعداد والفكر خالي ًا من الشواغل.
الدربة :لقد أوىل اجلاحظ الدربة واملران أهمية كربى يف تفوق اخلطباء والبلغاء ،ويدل على مكانة الدربة يف
تصورات اجلاحظ األدبية واجلمالية إقراره بضرورة "أن يكون عقل الغريزة سُلّماً إىل عقل التجربة ،وهو بذلك
يكاد أن حيلها مرتبة أرفع من مرتبة الطبع ،وال سبيل إىل حتقيق هذا االنتقال إال بالتحلم والتعلم والتحمل
والصرب ،ومن أوكد ما جيب جتنبه يف هذا الشأن فرط الثقة بالنفس والعجب بثمرة العقل.
رواية الكالم :إن حمتوى النصوص الراجعة إىل هذا الشرط أوسع مما تؤديه كلمة الرواية ،فهي ليست أكثر
املصطلحات جرياناً على لسانه ،فهو يفضل "العلم" و "املعرفة" ،ولكن ما مضمون هذا العلم؟ وللجواب تقسم
النصوص إىل قسمني:
أ -قسم جاءت فيه داللة املصطلح مطلقة وليس يف السياق ما يسمح مبعرفة موضوعه وحمتواه ،وقد
استعاض عن ذلك بإبراز مجلة من العالقات اجملردة تعني على بلورة تصوراته من وجهة نظرية حبتة :فهو
يقيم عالقة تناسب طردي بني متكن املتكلم يف البيان ومتكنه يف العلم حبيث يكون حظه من األول
على قدر حظه من الثاني ،كما أنه حريص على أن تقوم العالقة بني املنطق والعقل على التكافؤ.
ب -وقسم جاءت فيه داللة املصطلح مقيدة حبذق املتكلم بأصول اللغة العربية ومعرفة سبل استعماهلا معرفة
دقيقة ،ومن امتياز املتكلم البليغ عن غريه أن يوفق بني نوعني من القيود :القيد الناجم عن ضرورة
مراعاة صلة اإلنسان بظاهرة اللغة أي املناسبة ،والقيد الثاني فتحقيق ذلك مع احرتام قواعد اللغة
املخصوصة.
ولئن أكد صاحب البيان والتبيني على أن تشمل املعرفة خمتلف جوانب اللغة فإن كل اهتمامه كان منصباً
على مسألة األساليب واجملازات وتوسع العرب يف كالمها حتى كادت مباحثه يف هذا املضمار تقتصر على
هذا املظهر ،وظاهرة االسرتاط عنده بارزة يف كثري من املواطن.
. 4مقتضيات املقام:
يعترب مقام اخلطابة أبرز املقامات اليت اعتنى بها اجلاحظ ،وقد تضافرت على حنت معامله عدة معطيات يف
طليعتها اعتماد التواصل بني طريف اخلطاب على "املشافهة" أو "اللفظ" وبلوغ القصد من القول بضرب من التلقي
املباشر جيرب املتكلم على حتقيق كل املظاهر الداخلة يف تركيب النص ،ثم إن اخلطابة تتأسس على املواجهة،
ولذلك فإن املتكلم يف هذه احلالة ممتحن ال سالح له إال االقتدار وقوة العارضة والثقة بالنفس.
املشافهة :تندرج حتت هذا احملور كل املعلومات املتعلقة باجلانب املادي الفيزيائي لعملية التلفظ ،ولقد جاء
اجلاحظ على جزء من ذلك يف اجلزء األول من "البيان والتبيني" ،ومن ذلك اهتمامه بتعريف الصوت ،وهو يعتربه
جوهر اللفظ وآلته ،وأشار إىل املفارقة بني املنطوق واملكتوب ،وقصور الكتابة عن تصوير مجيع األصوات،
113
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ومن ثم جاء رأيه املشهور أن املخارج ال حتصى وال يوقف عليها .واملتتبع لكتاب البيان والتبيني يالحظ أن هذه
املعطيات الصوتية النظرية جاءت مبثابة اإلطار العام ملوضوعه الرئيسي الذي سعى من ورائه إىل ضبط الصفات
الصوتية اليت جيب أن تتوفر يف اخلطيب واآلفات اليت قد تصيب نطقه فتشينه وحتط من منزلته اخلطابية:
أ -الصفات الصوتية اليت تستحسن يف اخلطيب:
إن عدد هذه الصفات حمدود نسبياً يكاد ال يتجاوز الثالث أو األربع ،وأغلب الصفات املذكورة صعبة
التمثل ،وقد حجبت اجلهارة ألهميتها بقية الصفات حتى كاد احلديث يف هذه املسألة يقتصر عليها،
واملقصود بها قوة الصوت وقدرته على بلوغ السامع على مدى بعيد ،وكانوا ميدحون اجلهري الصوت
ويذمون الضئيل الصوت ،ومن الطبيعي أن تتبوأ "اجلهارة" صدارة الصفات املستحسنة يف اخلطيب،
ويبدو أن جهارة الصوت مرتبطة بسعة الفم ورحب الشدق ،وال تقتصر الصفات الصوتية اليت تستحسن
يف اخلطيب على هذا اجلانب ،فطريقة إخراج احلروف وخصائص التلفظ بالنص تقوم هي أيضاً بدور
هام ولذلك أوالها اجلاحظ عناية خاصة.
ب -آفات النطق:
يشغل حديثه عن املخارج الصوتية للكالم والشوائب اليت تعلق باأللسنة مبفعول العوارض اخللقية أو
املؤثرات اللغوية األجنبية أكرب قسم من اهتماماته الصوتية ،واالحنرافات اليت درسها اجلاحظ قسمان
كبريان :قسم يتسبب فيه النقص اخللقي يف آلة النطق ،وقسم مرده التداخل اللغوي .وقد اعتنى يف
القسم األول عناية خاصة بظاهرة اللثغة ،فذكر عدد احلروف اليت تدخلها وهي القاف والسني والالم
والراء ،كما حتدث عن مراتبها يف القبح واحلسن وأشهر من عرفوا بها من الفصحاء ،ويف نصوص
"البيان والتبيني" ما يشري إىل اختالف الناس يف ترتيب اللثغة وتباينهم يف اختيارهم أقلها شناعة وأقربها
إىل النطق ،وذكر اجلاحظ باإلضافة إىل هذا العيب عيوباً أخرى متنع من جريان الكالم على اللسان
وتقف حاجزاً دون اسرتساله إما الحنباس اللسان يف خمرج حرف بعينه ،أو لثقل يعرتيه يف أدائه عامة
احلروف ،فذكر من النوع األول "التمتمة" و "الفأفأة" وذكر من النوع الثاني "احلكلة" و "العقلة" و
"احلبسة".
أما القسم الذي مرده إىل التداخل اللغوي ،فقد قرر اجلاحظ أن التقاء لغتني يؤثر ال حمالة على نظام
كل واحدة منهما ،وعلى هذا املبدأ تأسست يف اللسانيات احلديثة الدراسات املهتمة بتفاعل اللغات،
على أن املؤلف اقتصر على ابراز املظاهر الصوتية بالدرجة األوىل ،وهذه االحنرافات جتمعها يف املصطلح
اجلاحظي كلمتا "اللكنة" و "الرطانة" ،ولغري سبب قسم صاحب "البيان والتبيني" دراسته ملظاهر
اللكنة حسب منزلة املتكلمني االجتماعية والعلمية إىل قسمني" :لكنة البلغاء واخلطباء والشعراء
والرؤساء" و "لكنة العامة" ،وإ ن اعتربت تلك اآلفات بأنواعها عيباً يتخون حماسن الكالم فهي غري
مانعة لصاحبها من أن يُعد يف طبقات البلغاء واخلطباء ،وبيان ذلك أن مؤلف "البيان والتبيني" كثريًا ما
استشهد يف معرض حديثه عن هذه اآلفات بأعالم اخلطابة ،كواصل بن عطاء وزياد األعجم وغريهم.
114
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املواجهة :رشحت عن اجناز النص البالغي أمام مجاعة من الناس بعض املقتضيات اخلاصة اليت تربز أهمية
السياق احلاف بالنص يف عملية الكالم ،وبعض هذه املقتضيات يتعلق بهيئة اخلطيب وصفاته النفسية
واخلارجية ،وبعضها يتعلق بالشارات اليت يتوسل بها ألداء نصه على أمت صورة.
وأول الصفات اليت يسوقها اجلاحظ ويلح عليه بشكل واضح "رباطة اجلأش" وقدرة املتكلم على مسك زمام
النفس ،وفقدان رباطة اجلأش ينتج عنه عيبان وهما "البهر" و "احلصر" ،ومن هنا نفهم حرص اجلاحظ يف املقام
األول على أن يتذكر املتكلم أول كالمه وأن حيفظ ما سلف من منطقه وأال خيرج عما بنى عليه أول الكالم،
وقد خلقت رباطة اجلأش يف اخلطابة منذ اجلاهلية شيئاً من الرتابط بني الكالم وبعض الشارات اخلاصة اليت
تصاحب اخلطبة ومن أهمها استعمال املخصرة أو العصا ووضع العمة ،وقد طعنت الشعوبية يف العصا فرد عليهم
اجلاحظ قوهلم ،ولكن رغم جهده يف االحتجاج لذلك مل يقنعنا بوجود رابط بني صياغة القول واملسك بالعصا.
أما لصفة الثالثة اليت تقتضيها املواجهة فتخص طلعة اخلطيب وشكله.
على هذا حيتل املتكلم من نظرية اجلاحظ البالغية منزلة مرموقة ،فهو طرف أساسي يف عملية الكالم
وعنصر فعال يف حتديد خصائص النص ،حيث حتتل نظرية املواضع واملقامات قطب الرحى من بالغته ،ولعل
أهم ما تولد عن هذه النظرية مبدأ نسبية األحكام األسلوبية فتكون البالغة بالغات والفصاحة فصاحات.
خامساً :الكالم:
حيتل احلديث عن خصائص الكالم أكرب جانب من تأليف اجلاحظ البالغي ،والناظر يف املادة املتجمعة
يالحظ ظاهرتني بارزتني:
أ -حرص املؤلف على دراسة كل املظاهر املساهمة يف تركيب النص املؤثرة يف خصائصه الفنية انطالقاً
من تآلف احلروف يف اللفظ إىل أن يستقيم بنية متماسكة منصهرة يف شكل فين خمصوص نظماً
كان أو نثراً.
ب -أن حماصرته لتلك اخلصائص متت بطريقتني على األقل:
• طريقة االستخالص النظري اجملرد جململ املقاييس اليت تبويء الكالم مرتبة البلغة والفصاحة.
• مالحظات كثرية متفرقة مل تربز بصفة جلية يف تلك احلدود.
. 1حد البالغة:
إن املواطن اليت ورد فيها مصطلح البالغة مقرتناً مبا يوضحه ويكشف عن بعض جوانب داللته كثرية إال أن
نسبة ما ميكن اعتباره حداً إلجياز صيغته أو لشمول حمتواه ،ال يتجاوز مثانية عشر موطناً تتوزع كاآلتي:
• القسم األول ورد فيه احلد جواباً عن استفهام صريح
• القسم الثاني صدر بعبارة يفهم منها إرادة اإلحاطة والتعريف
• القسم الثالث وهو أقرب إىل احلكم النقدي الفردي منه إىل احلد
115
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وليس يف هذه احلدود ما نسبه اجلاحظ إىل نفسه صراحة ،وأصول هذه التعريفات خمتلفة فبعضها للعرب
وبعضها اآلخر ألجناس مغايرة كانت على صلة باحلضارة العربية اإلسالمية كالفرس والروم واهلنود واليونان،
وقد برز الكثري من هذه احلدود يف فرتة متقدمة عن تأليف البيان والتبيني.
حمتوى احلدود:
إن أول إشكال تطرحه هذه احلدود هو خروجها أحياناً عن حيز النص وتعلقها يف التعريف مبسائل تبدو بعيدة
عن املشاغل البالغية ،فبعضها يقتصر يف التعريف على حتقيق وظيفة "الفهم واإلفهام" وال يشري البتة إىل
خصائص النص ،وإمنا يلح على أن يتوفر بني طريف اخلطاب تناسب يسمح بتحقيق التواصل بينهما ،وبعضها
اآلخر يربط بالغة النص أو الكالم بسالمة منطق امل تكلم من العيوب ،ثم إن منها ما حيار القاريء يف تأويله
إذ ال يتبني العالقة بني حمتوى التعريف والشيء املعرف ،إال أن يكون املقصود من التعريف تعليم فنيات اجملادلة
واملناظرة وسبل الظهور على اخلصم وإقناعه ،وهذا يرجع إىل االلتزام العقائدي والسياسي الذي حدا بصاحب
"البيان والتبيني" إىل االهتمام بالنص اخلطابي بل إىل املطابقة بني مدلوله ومدلول البالغة ،وبتنزيل هذه
التعريفات يف سياق جمهوده البالغي العام يتضح لنا ان اجلاحظ حتدث عن مخسة أقسام رئيسية هي عني
األقسام اليت عرفت يف اخلطابة اليونانية .لعلنا بهذه الطريقة يف تأويل اإلشكال األول قد بينا وجها من وجوه
انصهار هذه «املرويات» ــ عن العرب و غريهم ــ يف إطار تصوره البالغي العام ،فإيرادها مل يكن جمرد مجع
املعلومات تزخر بها بيئته فاضطر إىل إثباتها وإمنا هي شواهد انتقاها خدمة لغرضه وتدعيما لوجهة نظره يف «
البيان والتبيني » .وتزداد هذه الصلة وضوحا والعالقة وثوقا باملقارنة بني ما حوته هذه احلدود من مقاييس
أسلوبية متعلقة بالنص واملقاييس اليت يلتزمها املؤلف على امتداد املادة البالغية يف آثاره فهي تتضمن أهم األسس
اليت بين عليها رأيه يف النص البليغ كخصائص اللفظ يف ذاته وأوجه عالقته باملعنى وجماري تصريف املتكلم
و «وحي » و « إشارة » .كما مل ختل هذه التعريفات من إشارات طاقات اللغة يف التعبري من «إجياز »
إىل خصائص بنية الكالم العامة وإن اقتصرت على مظاهر حمدودة مثل « الفصل والوصل» أو «رتق الكالم
وفتقه » ،على أن صاحب البيان والتبيني ،مل يقتصر يف التحليل على هذه الوجوه ،فلقد تطرق إىل مسائل مل
تشر إليها التعريفات أو مل توفها حقها من العناية.
وقد مكنه القرآن من بلورة مسألة "اجملاز" بتأويل بعض اآليات اليت ينايف ظاهرها أصول االعتزال كما
مكنه من أن يكون صاحب أول حماولة ربطت إعجازه بنظمه ،و باجلملة فمقاييس اجلاحظ رغم بعض النقول
عن اليونان والفرس وغريهم تبدو لنا مستمدة من نصوص ميكن اعتبارها حصيلة األنواع األدبية الثقافة العربية
اإلسالمية ومعتمد كل نشاط نقدي و بالغي بعده.
. 2خصائص الكالم البليغ:
اللفظ
إن املبدأ العام و اإلطار النظري الشامل لشتات آرائه يف اللفظ هو "االختيار" ،وقد ورد ذكره بصريح العبارة
يف مواطن كثرية واالنطالق يف هذا املبدأ يفرتض ،بالضرورة ،إقرار منبتيه ،بإمكانية أداء نفس املعنى
116
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بطرق شي أو بطريقتني على األقل :طريقة خترج فيها الكالم عفوا و يطلق املتكلم اللغة على سجيتها أو
سجيته) ،إذ ال غرض له يف حتميلها أكثر مما تؤديه يف أصل الوضع ،وطريقة خيرج فيها الكالم على غري
خمرج العادة ،وعلى هذا يكون االختيار حداً فاصالً بني نوعني من املمارسة اللغوية :ممارسة اجتماعية وممارسة
فنية.
أما املنطلقات الفنية اخلالصة املتعلقة خبصائص الكالم األدبي ومبتطلبات صناعته فنذكر منها إثنني بارزين:
أوهلما :يفصم العروة بني األدب واألسس األخالقية ،ويستبدهلا مبعايري مستمدة من اللعبة اللغوية ذاتها وقدرة
الكاتب على التصرف فيها ،ومن هذا املنظور يتحول اهتمام املتكلم عن عالقة كالمه مبا هو خارج عنه،
إىل الكالم ذاته وطريقة نسجه.
وثانيهما :اقتناع صاحب "البيان والتبيني" أن األثر الفين اجليد يف حاجة إىل التعهد واملعاودة ،وموقفه املتحرز
من أشعار زهري واحلطيئة ال يعين رفضه للصنعة ،وامنا تشدد يف املبالغة والتكلف اللذان يطمسان الطبع،
وعلى أساس هذا دافع عن املولدين وأعجب بشعرهم وروى عنهم ،ثم إن اإلجراءات العملية اليت جتسم االختيار
هي:
▪ حتقيق فصاحة اللفظ :والفصاحة يف تصور صاحب البيان والتبيني تنطلق من بنية اللفظ الصوتية
وانسجام احلروف املركبة له وتآلفها ،وقد بلور هذا املقياس يف مصطلح يبدو ثابتاً واضح املعامل يف
أصول نظريته األدبية هو "االقرتان" ،ومتى حتقق "القران" بني الوحدات األصغر اكتست الكتلة
الصوتية الناجتة عن تآلفهما من اخلصائص ما جيعل النطق بها سهالً ،ووقعها مستساغاً عذباً ،فهو
تارة يذكرها يف صورة تقريرية مباشرة وطوراً يشري إليها من طريق غري مباشر ،إن ما ميكن
استخالصه ضرورة تفرد اللفظة خبصائص ذاتية وأال يكون مجاهلا رهني ارتباطها بعناصر أخرى يف
السياق ،ويأتي يف مقدمة تلك األحكام االهتمام بصفات املخرج وقد أحصينا بشأنه أربعة اعتبارات:
(سهل ــ حسن ــ سري ــ رقيق) ،ويف البيان والتبيني نص حيوصل فيه صاحبه صفات اللفظ من جهة تآلف
حروفه وبنيته الصوتية العامة ،وقد سلك يف ذلك مسلك ابراز الصفة ونقيضها انطالقاً من موازاة عقدها
بني خصائص أجزاء البيت من الشعر وخصائص ما مساه حروف الكالم فهذه األخرية شأنها شأن األوىل
ميكن أن تكون:
▪ متفقة
▪ ملساً لينة املعاطف
▪ سهلة
▪ رطبة
▪ مواتية
▪ سلسة خفيفة على اللسان
وقد تكون:
117
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
▪ خمتلفة
▪ متباينة
▪ متنافرة
▪ مستكرهة
▪ ومن مقتضيات الفصاحة االلتزام بالنموذج القرشي
▪ أما املظهر الثاني اجملسم ملبدأ االختيار فيتمثل يف عالقة بنية اللفظ الصوتية باملعنى الذي تدل عليه وهو
الباب املوسوم يف كتب البالغة بـ "عالقة اللفظ واملعنى" ،وهلذا املوضوع أهمية خاصة يف الدرس
البالغي ،ويعيننا هذا املبحث على زيادة تدقيق صفات الطرفني املكونني للثنائية ،كما يكتسي هذا
املبحث إضافة إىل ما ذكر ،لدى صاحب البيان والتبيني صبغة خاصة ،فلقد كان من املعامل البارزة
يف نظريته البالغية ،وقد أولته الدراسات اهتماماً بالغاً وتشعبت ،وجلها أدركت أمراً مؤداه أن اللفظ
يف مصطلح اجلاحظ هو الشكل ،وال شك أن اجلاحظ شديد التعلق بالصياغة والشكل يف اخللق
الفين ،وقد ساهم بقسط وافر يف تثبيت ثنائية اللفظ واملعنى يف البالغة العربية وإقرار الفصل بني
الشكل واملضمون ،إال أن موقفه من هذه املسألة أبعد غوراً وأكثر تشعباً ،فنجده يف نصوص يشري
إىل اللفظ وضرورة االهتمام به ،ويف نصوص أخرى يشري إىل املعنى اجليد فهو يؤاخذ األدباء واخلطباء
الذين يركبون استكراه املعاني وجيرونها إىل لفظ هيئوا رمسة قبل أن يهيئوا املعنى ويقر أن اللفظ
للمعنى بدن وأن املعنى للفظ روح ،وقد نزل املعاني يف طبقات إذ الناس أنفسهم طبقات.
إن مقتضيات املقام واملواضعات االجتماعية واصول االعتقاد االعتزالي استوجبت من اجلاحظ اإلقرار بأهمية
الطاقة اإلحيائية يف الظاهرة اللغوية وهي يف مصطلحه( :اإلشارة ــ والوحي ــ والتعريض ــ واالقتصاد ــ والكناية
ــ واإلجياز) أما املقامات فتمييزها وإدراك ما يلزمها رهني تقدير املتكلم وفطنته ،أما املواضعات االجتماعية
فقامت بدور كبري يف تنبيه اللغويني عامة والبالغيني خاصة إىل ظاهرة اإلحياء يف اللغة انطالقاً من باب الكناية
وهي من أسبق اجلوانب تيلوراً يف تاريخ البالغة العربية ،ومل خيرج اجلاحظ عن هذا النهج فارتبطت يف تصوره
العام مبواضعات أخالقي ة اجتماعية إال أنه وسع مدلوهلا إذ قرنها بالوحي واإلشارة واإلجياز ،وبذلك يكون
استغلها من وجهني :وجه واصل به جهد أسالفه يف إرساء هذا الوجه البالغي ،ووجه ثانٍ متولد عن األول إال أته
أعم منه وأهم من اجلهة اللسانية العامة تصبح مبقتضاه الكناية تقابل اإلفصاح والشرح ،ولقد بنى اجلاحظ
احتجاجه لغزارة الدالالت يف اللغة وشرعية اختالف املذاهب يف التأويل مع بقاءها على أصول الشرع على تصور
فلسفي كالمي ،كما أن مراعاته للمقام ات وال سيما املقام اخلطابي أدت به إىل مقياس آخر دقق به وجه
تأدية اللفظ املعنى ،وقوامه تزامن بلوغ الدال إىل السمع واملدلول إىل القلب أو العقل ضماناً لقدرة السامع على
متابعة املتكلم وجتنباً لكل قطيعة داللية ينخرم من أجلها حبل التواصل فتتعطل وظيفة الكالم ،.وهكذا
ينضاف إىل مقاييس الفصاحة السابقة جتنب اللفظ الغريب ألنه ال يعدو أن يكون تقعراً يف الكالم.
118
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
كما جعل اجلاحظ من آفات النطق مورداً من موارد النادرة جعل من استعمال الغريب مدخالً إىل الغمز والضحك
والطعن على النحاة خاصة ،ورفض الغريب بسبب التعقيد واالنغالق والتعمية يساعد الباحث على جتاوز تناقض
ظاهري يف نظريته البالغية .فقد رأيناه يشرتط يف اللفظ أن يكون غنياً عن التأويل ،وعن تقيده مبذهب الوسط
نشأ موقفه املتشدد على الصنعة خاصة إذا أفضت بصاحبها إىل التكلف ،وجاءت دعوته إىل عدم املبالغة يف
تصفية الكالم وجتويده ،ويرجع ذلك إىل خوفه من الوقوع يف اإلغالق والغموض ،والثابت أن موقفه من الصنعة
وكثرة التنقيح مرتبط رأساً حبرصه على الوضوح والفهم لذلك مل يتورع عن فضح مواربات العلماء الذين كانوا
يعمدون إىل اإلغماض لغايات مادية ،ويف مقابل التشدد على الصنعة والتحذير من املبالغة يف التنقيح والتهذيب
نراه يدعو إىل حتري الدقة يف استعمال األلفاظ وإحالهلا املوقع الالئق بها حتى تكون مشاكلتها للمعنى
مشاكلة تامة ،أما الغاية اليت ليس بعدها غاية يف دقة استعمال األلفاظ فهو القرآن الكريم .وقد أشار اجلاحظ
إىل ذلك يف معرض حديثه عن التطورات الداللية اليت تطرأ على الكلمة حبكم ترددها على ألسنة الناس
فينحو املتكلم إىل استعماهلا يف غري معناها الدقيق ،واملبدأ النظري العام الذي يستقطب آراء اجلاحظ يف
مطابقة األلفاظ للمعاني والتزام املتكلم الدقة يف اجلمع بينهما هو أن يأتي االسم ال فاضالً وال مفضوالً ويكون
الكالم بني املقص والغالي ،وقد نقل اجلاحظ عن أعرابي قوله" :البالغة :اإلجياز يف غري عجز واإلطناب يف
غري خطل" ،وهذ يستدعي أن البالغة تقع يف الظاهر بني طرفني متقابلني هما اإلجياز من جهة ،واإلطناب من
جهة أخرى ،وإنه من أوكد ما جيب جتنبه أن نبلغ يف استعمالنا هذه األساليب احلد الذي تنقلب معه إىل الضد.
البنية العامة:
إن اهتمام اجلاحظ باللفظ املفرد لبنة يف اهتمامه بالبنية العامة وما ينتظم الكالم من قوانني تساعد على إبرازه
على منط فين متميز يُلحقه بالتأليف اجليد ،ومن وجوه الرتابط حديثه عن مميزات البنية العامة انطالقاً من
مقاييس كان وظفها يف دراسة اللفظ املفرد ومثال ذلك مصطلح االقرتان ،فهو يدل عنده على تآلف أصوات
احلروف يف بنية اللفظ الصوتية ،كما يدل على تآلف األلفاظ يف السياق لذلك قسمه إىل قسمني :اقرتان
احلروف واقرتان األلفاظ ،فاللفظ جمموع مفرده احلرف أو الصوت ،والبيت من الشعر جمموع مفردة اللفظ،
والقصيدة جمموع مفره البيت ،وطريق صاحب البيان والتبيني يف دراسة تالؤم األلفاظ ال ختتلف عن دراسة
تآلف احلروف ،وقد شبها ما حيصل بني ألفاظ البيت من التنافر بتنافر أوالد العالت ،ووصفوه بقوهلم" :بعض
ألفاظه يتربأ من بعض" ،كل هذه األحكام وتلك املصطلحات ترتادف لتكشف عن أهمية اإليقاع يف مجالية
النص األدبي إذ يصبح اخلطاب بالتزامها كالً متماسكاً متعادالً موزون الشمائل خالياً من كل تنافر أو نشاز
تتآلف فيه اخلصائص املفردة مع خصائص البنية العامة تآلفاً فذاً مرتابط احللقات متواصلها حبيث إذا اختل
جزء ووقع يف غري موقعه املقسوم له ظهر القلق واالضطراب.
وقد شغف صاحب "البيان والتبيني" بظاهرة اإليقاع كمظهر من مظاهر مجال النص األدبي وهو واضح يف عدة
مواطن من مؤلفاته ،وقد ذكر مصطلح النظم مقرتناً بالقرآن يف عدة مواضع إال انه مل يزد على ذكر مرادفاته
ونعته بأن ه غريب بديع معرباً إياه آية من آيات التحدي ،فقضية النظم مل تتجاوز عنده اإلعالن املبدئي املشفوع
119
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ببعض األمثلة القليلة إىل حبث لغوي بالغي منظم يف أساليب القرآن ،ومن تلك املصطلحات مصطلحات يف نقد
الشعر ومقاييس جودته مجع أغلبها يف حكمه املشهور حيث يقول" :وأجود الشعر ما رأيته متالحم األجزاء سهل
املخارج فتعلم بذلك أنه أفرغ إفراغاً واحداً وسبك سبكاً واحداً فهو جيري على اللسان كما جيري الدهان"
خامتة القسم الثاني:
أمجعت الدراسات اليت استغلت آثاره يف ميادين حبثها على أن السمة الغالبة عليها هي مسة الفوضى وثلة
اإلحكام والسبب يف ذلك سعة ثقافته وإحاطته بأفنان املعرفة ،فاملادة ال ختضع لرتتيب وهي خليط من النماذج
األدبية ،واألحكام األدبية النقدية واملالحظات األسلوبية البالغية باإلضافة إىل املباحث اللغوية واالستطرادات
املعرفية ،وبعد حتسس اخليط الرابط بني معامل تفكريه يف موضوع البالغة واجلمالية األدبية وبلورة مفهوم
البيان جند النتائج التالية:
ال يستعمل املؤلف هذا املفهوم يف املعنى االصطالحي الضيق كما ضبطه البالغيون املتأخرون يف نطاق التقسيم
الثالثي املعروف .وإمنا يستعمله يف معنى أوسع يضم طرق الداللة والوسائل اليت متكن املتكلم من أداء املعنى،
وهو ما يفسر عدم اقتصاره على اللغة ،إال ان املتثبت يف هذه املساهمة يالحظ أنها تكتسي صبغة خاصة ولدتها
طريقته يف فهم ظاهرة الكالم وحتليله ملقوماتها.
ومن أبرز مقومات طريقته تناول اخلطاب اللغوي من زاوية كونه عماية تواصل يستوجب قيامها حداً أدنى من
األطراف ال يقل عن ثالثة :املتكلم والسامع والكالم ،أما قناتها فهي املشافهة ،والرابط بني األطراف هي
الوظائف وقد استخرجنا منها ثالثاً هي :الوظيفة اإلفهامية ،والوظيفة اخلطابية ،والوظيفة الشعرية ،وغاية
هذه الوظائف مجيعاً السامع.
وقد تقامست جهده البالغي ظاهرتا امللفوظ والتلفظ ،ونعين بامللفوظ بنية النص وخصائصها النحوية والبالغية
العامة ،أما التلفظ ففعل يقوم به متكلم معلوم يف حيز زماني ومكاني مضبوط ،وقد أوىل املؤلف ظاهرة
التلفظ عناية فائقة ،وإجناز الكالم يقع لغايات ويتنزل يف مقامات لذلك وجبت مراعاة منزلة السامع
و مستلزمات املقام ،وقد حدد صاحب البيان والتبيني مالمح املتلقي من وجهة لغوية ،وملا كانت غاية املتكلم
من ال سامع الفهم واإلفهام بالدرجة األوىل ،تركز جهد اجلاحظ على شفافية اخلطاب ،وهي قدرة العالمة
والنص على اإلشارة إىل ما سواهما ويطلق اإلنشائيون على هذه القدرة "طاقة اإلرجاع واإلشارة" ،ومن ثم انطبعت
حماولته بطابع نفعي واضح ميكن أن يعد بدون مبالغة أكمل حماولة يف الرتاث اللغوي العربي لتأسيس ما
يسمى " نفعية اخلطاب".
ومن هذا املورد استقى تصوره اجلمالي ،فكان اجلميل ينبع من النافع واستقى جانباً من دستوره األخالقي،
فاخلري ليس يف الكلمة اجلميلة بقد ما هو يف الكلمة الناجعة اليت تعمل يف النفس عمل الغيث يف الرتبة.
ومن هذا املنظور نفهم أمرين يبدوان متناقضني :األمر األول موقفه املتشدد على شعراء الصنعة ألنهم بالغوا يف
التحكيك والتنقيح حتى استعبدهم الفن ،واألمر الثاني احتضانه ملدرسة البديع من املولدين.
120
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
كما نتج عن اهتمامه بالسياق انصهار الظاهرة ونقيضها يف بوتقة تصوره البالغي العام :فاإلجياز بالغة واإلطالة
بالغة كما أن التصريح بالغة والكناية والوحي واإلشارة بالغة.
تلك هي أبرز مسات مشاركة اجلاحظ يف تأسيس البالغة العربية .فما هي األسباب اليت طبعتها بهذا الطابع
اخلاص تصوراً ونتائج؟
إن األسباب عديدة متفاوتة الوضوح لعل أهمها اعتماده يف ضبط مستلزمات البيان والتبيني على اجلنس
اخلطابي ،واعتماده على هذا اجلنس ليس من باب الصدفة ففي قناعاته وخصائص بيئته الفكرية والسياسية
واالجتماعية ما من شأنه أن جيلب املؤلف إليه ،ومل يكن اجلدل الكالمي الداعي الوحيد إىل اعتماد هذا
اجلنس فلقد حركت اجلاحظ إىل تأليف "البيان والتبيني" نوازع التصدي لتيار ذي صبغة سياسية واضحة اختذ
من الطعن يف اجلنس العربي وموروثه احلضاري للتعبري عن نقمته على وضعه وعدم رضاه بسلطانه ،وباإلضافة
إىل هذه األسباب التارخيية املعروفة اليت جعلته يضبط خصائص النص من زاوية خطابية نذكر عامالً آخر
هاماً أثر هو بدوره يف صياغة تلك املقاييس ،وهو تصوره الثقايف ،والتزامه املوقف الوسط بني االبتذال والصنعة
وبني الوحشي والسوقي ،واملثبت يف شواهد اجلاحظ يالحظ أن اعتماده على الشعر واخلرب والقرآن ال يقل عن
اعتماده على اخلطابة.
❖ البالغة بعد اجلاحظ إىل القرن السادس:
تعد املادة البالغية املنجزة فيها أكثر أضعاف املرات مما وفرته الفرتات السابقة ،وبالنظر فيما كتبوا ندرك
العالقة املتينة بني البالغة والنقد ،وسنجد تزايد نشاط املتكلمني ومن غلب عليهم االهتمام بالدراسات القرآنية
يف هذه احلقبة ،وال مناص من أن يؤل كل ذلك إىل مباحث بالغية صميمة تتناول املفاضلة بني األساليب
ألسباب ترجع إىل مظاهر بنيوية صرف ،تتناول بالتفكري خمتلف االستعماالت اللغوية ،كما سيساهم
الفالسفة بقسط وافر يف ربط الصلة بني التفكري اليوناني والتفكري العربي.
. 1البداية احلامسة لفرتة ما بعد اجلاحظ:
استقالل التأليف:
لقد كان كتاب البديع لعبد اهلل بن املعتز وكتاب البيان والتبيني للجاحظ النواة األوىل لعلم البالغة العربية،
إال أنه كانت بني هذين الكتابني حماوالت قام بها اللغويون والنقاد وكتاب الرسائل ،ومن أبرز هذه احملاوالت
اثنتان :واحدة البن قتيبة واألخ رى للمربد وهي "الرسالة العذراء" اليت تعصب فيها للقلم والدفاع عن الكتابة
والكتاب على حساب الشعر والشعراء ،وهو متأثر باجلاحظ فيها وكثرياً ما يورد النقل عنه ،وهو يرى رأيه
يف بالغة القول وتأثريه يف متقبليه ،ويعلقه بثالثة عناصر هي املعنى البليغ واملعنى الرائق والسلك الناظم.
ابن قتيبة: أ.
عُرف بكثرة التأليف والنظر املوسوعي ،وبالرغم من أنه مل يرتك مؤلفا يف البالغة إال أن آثاره ال ختلو من
اإلشارات البالغية واألحكام الفنية ،ففي "الشعر والشعراء" حملات بالغية انبنت عليها مجلة من األحكام
النقدية ،ويعكس "أدب الكاتب أهمية العامل احلضاري العام املتمثل يف تطور التنظيم اإلداري والسياسي
121
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وبروز املؤسسات السلطانية احملتاجة إىل طبقة يتالءم علمها مع وظيفتها ،أما "تأويل مشكل القرآن" و
"االختالف يف اللفظ والرد على اجلهمية واملعطلة" فيدالن على أهمية العامل الديين عامة والكالمي بوجه خاص
يف إذكاء املناقشات حول فضل النص القرآني على غريه وتفرده يف طرائق األداء ،ولئن كانت املادة البالغية
يف "أدب الكاتب" ال تعدو بعض االعتبارات العلمية يف اختيار اللفظ واملعنى وتناول التشبيه يف ردوده على
اجلهمية واملعطلة ،فإن "الشعر والشعراء" و "وتأويل مشكل القرآن" يعتربان مساهمة ذات بال يف ميداني البالغة
والنقد األدبي:
• املادة البالغية يف "الشعر والشعراء"
تعد املادة فيه حمدودة ال تتجاوز اإلشارات املقتضبة واللمحات السريعة بعيداً عن كل تعمق ،حيث
األحكام تطغى عليها االنطباعية ،وقد تطرق ملشكالت سلفت ومل يكن أحسن ممن سلفه ،ومن هذه
املشكالت :مشكلة اللفظ واملعنى حيث قسم الشعر تبعاً هلا إىل أربعة أقسام ،وحتتل هذه القضية من
"الشعر والشعراء" قلب الرحى املولد جلل أحكامه يف الشعر ،إال أن موقفه فيها غري بني ،كما طرح "
الشعر والشعراء" قضية أخرى طُرحت من قبل لدى اجلاحظ يف "البيان والتبيني" وهي "الطبع والتكلف"،
ومل خيرج ابن قتيبة يف هذه املسألة عن احلدود اليت رمسها اجلاحظ ،أما القضية الثالثة بنظرية النص
فهي إدراكه تفرد الفن بطرق خاصة يف األداء ألنه يفصل بني مدلول العبارة يف اللغة ومدلوهلا يف الشعر
وحيمل املعنى على غري ما تقتضيه الداللة الوضعية املنطقية ،أما املباحث البالغية املتعلقة باملصطلح
والصورة فضئيلة يف هذا املؤلف ،والصورة اليت تواترت هي التشبيه ،وال غرابة أن يكون من أول
املباحث تبلوراً يف تاريخ البالغة فلقد اعتربوه ألهميته مقياساً من مقاييس الشعر وحفظه ،والناظر يف
الشعر والشعراء يرى أن التشبيه غري مقصوداً لذاته وامنا وسيلة للمفاضلة بني الشعراء ،كما وظف ابن
قتيبة التشبيه لتسجيل جودة الشعر ،وكثرياً ما يشعرنا املؤلف أنه قليل العناية مبسائل البالغة يف هذا
املؤلف.
• البالغة يف "تأويل مشكل القرآن"
يعترب هذا الكتاب أكثر املؤلفات عند ابن قتيبة اتصاالً بالبحث البالغي وأغزرها مادة ،ومقارنة
بكتبه األخرى وخاصة "الشعر والشعراء" جند أن العامل العقائدي والدفاع عن القرآن هما اللذان
اضطراه إىل ضبط القواع د وإقامة احلدود تسد الباب أمام الرأي املدخول وأمام التشكيك والدس،
ومقصود الكتاب يتبني من عنوانه ،وهو صنف من التعابري يثري فهمها مشكلة ،ففي املقدمة يعترب
اجملاز قامساً مشرتكاً بني اللغات ،ويرى تفوق العربية على سائر اللغات ،وقد اقتضى ذلك البحث يف
تراث السلف عن مفهوم للمجاز يتالءم والغرض املرسوم ،فجاء مفهوم اجملاز يف كتابه مطابقاً ملفهوم
أبي عبيدة ،ليثبت أن القرآن وإن خرج عن مألوف الكالم فهو ليس خارج عن أساليب العرب ،وهذه
قناعة حتتل حجر الزاوية من كل احملاوالت البالغية اليت كان القرآن منشأها .ومبا أن غاية ابن قتيبة
ليست البحث عن جوانب اإلعجاز القرآني والتعمق يف خصائصه اللغوية النوعية اليت جعلت منه نصاً
122
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فريداً متميزاً رغم استعماله نفس املادة اللغوية وجريه على أساليب معروفة ،فإنه قصر اهتمامه على
دراسة أساليب العرب اليت تأثرها القرآن دراسة موسعة ،ويثري املؤلف مشكلة وثيقة الصلة باجلانب
العقائدي ،وتتلخص يف التساؤل عن مدى صحة األحكام املستخلصة من هذه الطرائق يف التعبري،
اخلارجة عن أصل الوضع واملباينة للمألوف يف تعليق املعنى باللفظ أو بصورة أوضح عالقة اجملاز مبقوليت
الصدق والكذب ،فقد تبني له أن الكالم جماز .ومل تسمح اللهجة الدفاعية الطاغية على الكتاب
بالغوص إىل املخزون اللغوي ،فمن املسائل اليت كان باإلمكان إثارتها التساؤل عما إذا كان كل
جماز يرتكب على حقيقة ،فإذا سلمنا بأن اجملاز يتطور عن احلقيقة فإن اجملاز يولد بفعل الزمن
احلقيقة بأن ينسى املستعملون األصل اجملازي ويتحول ما كام باألصل ابتداع ًا إىل اشرتاك.
مل يكن هم ابن قتيبة دراسة هذا اجلانب من وجهة لغوية خالصة ،وإمنا أدى به إليه دفاعه عن القرآن
وحبثه عن احلجج اليت يدهم بها مقدمته لريى املعاند موضع اجملاز ،والنتيجة األدبية لدفاعه عن اجملاز
موقفه املناصر للشعراء ،فقد كا ن يرى أن ذلك جائز حسن ألن القصد منه املبالغة يف التعبري عن
الفكرة وتأكيدها ويعترب موقفه من هذا النهج يف التعبري أوضح موقف إىل عهده ،أما القسم املخصص
لدراسة أوجه اجملاز فله عدة جوانب:
oأوهلما غياب التشبيه عن اجملازات الثمانية عشر اليت ذكرها ،والغالب على الظن أن سكوته
عن باب التشبيه يف مؤلف يتناول النص القرآني يعود إىل أسباب عقائدية البست نشاطه اللغوي
ومشاركته يف البالغة.
oأما اجلانب الثاني الالفت لالنتباه فهو غياب الرتتيب الداخلي بني خمتلف الوجوه وحتى بالنسبة
للوجه الواحد ،فالواضح أن الرابط بني كل األبواب واملنظم هلا انتماؤها للمجاز .وليس مصطلح
اجملاز املصطلح الوحيد الذي استعمله ابن قتيبة استعماالً فضفاضاً يضيع معه القصد وتنطمس
حدود الوجه فتتداخل خصائصه مع خصائص وجوه شبيهة به ،ويظهر ذلك بوجه خاص يف باب
االستعارة .فال فرق بني االستعارة القائمة على التشبيه واالستعارة غري املقيدة ،فاالستعارة عنده
تضم أشتاتاً من األساليب حيث يطلقها على مجيع أصناف اجملاز املعروفة.
oواجلانب الثالث الذي يسرتعي االنتباه يتعلق بطريقته يف تناول األبواب وهي تتسم باحلرص على
استقصاء خمتلف جوانب الوجه وإيراد ما يوضحها من الشواهد املستقاة من القرآن والشعر،
وقد يزاوج بني هذا احلرص على التفصيل والتفريع وذكر الوظيفة ،ولعل أبرز مسة يف كيفية
تناول األبواب ذكره أحياناً حماسن الباب ومساويه وهو بذلك أول من نبه إىل هذه السنة يف
التأليف.
واخلالصة أن ابن قتيبة كان من أكرب املستفيدين يف النصف الثاني من القرن الثالث اهلجري من جهود
اللغويني واألدباء قبله ،حيث مجع ما حوته مؤلفاتهم من معطيات تتصل مبجاز العربية وحاول تنظيمها
مع إيفاء كل مسألة ما يوضحها من الشواهد ويعني على بلورة حدودها ،فرغم أنه مل خيص البالغة
123
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بتأليف مستقل فإن تبويب مسائلها بالصورة اليت يف "تأويل مشكل القرآن" يعترب خطوة حامسة مهدت
لظهر املؤلفات املستقلة اليت ال نشك أنها استفادت من عمله ،فكثرة مؤلفاته وتنوعها وانتشار املادة
البالغية فيها جعل منها احسن دليل عن العوامل الفعالة يف نشأة البالغة العربية ،ثم إنه أثار عدداً من
القضايا ووقف من بعضها مواقف جريئة.
املربد: ب.
غلبت على ثقافة املرب الطابع اللغوي بالدرجة األوىل والطابع األدبي ،والناظر يف قائمة املصادر املنسوبة
إليه يرى بوضوح غلبة هذين املنزعني ،واملنشور من آراءه قليل من كثري أشهراها الكامل ،وتتجلى
مساهماته البالغية يف الكامل ورسالته يف البالغة.
الرسالة يف البالغة :رغم صغر حجمها إال أنها جديرة باالهتمام ،فاملربد فيها يعترب أول من اطلق كلمة
البالغة على بعض رسائله ،وقد بني أن مصطلح البالغة يف هذه الرسالة مستعمل لغرض املفاضلة بني
املنثور واملنظوم ،فالرسالة أراء يف جودة الشعر والنثر ،وقد عرف البالغة فيها مبا يلي" :حق البالغة
إحاطة القول باملعنى ،واختيار الكالم ،وحسن النظم ،حتى تكون الكلمة مقاربة أختها ،ومعاضدة
شكلها ،وأن يقرب بها البعيد وحيذف منها الفضول" ،فهو يف هذا التعريف قام بعملية تأليف بني
جمموعة من التعريفات حتى خيرج حداً جامعاً ،والتعريف الذي ألفه مستويات :أوهلا لغوي ،وثانيها
يتصل خبصائص الدال ذاته ،وثالثها خيرج عن املستوى املفرد (الصوتي) إىل مستوى آخر يتصل باجلملة.
أما القسم الثاني من الرسالة فيورد املؤلف مناذج من املنثور واملوزون يف نفس املعنى ،إلبراز فضل أحدهما
على اآلخر اهتداءً حبد البالغة الذي رمسه ،ويف أعطاف ذلك برزت أحكام أدبية خمتلفة ،كإحلاح
املؤلف على االختصار يف الشعر ومجع املعنى يف أقل ما يكون من اللفظ ،أما األحكام املرتتبة على
املقارنة فتدور على وضوح املعنى وحسنة ،وهما مقياسان خمتلفان أوهلما عقلي ،وثانيهما مجالي ،وهو
مل يستطع املقارنة إال حبل املنظوم ومحل املنثور على املنظوم ،وهذا يفسر إىل حد بعيد تركيزه على
الوضوح بالنسبة إىل النثر واحلسن واملالحة بالنسبة إىل الشعر.
أما القسم الثالث من الرسالة فمخصص لبيان خصائص منطق الرسول صلى اهلل عليه وسلم الذي يعلو
على كل منطق ويقهره وخصائص القرآن وهو الكالم األوحد ،وقد سعى املربد جهده إىل اإلقناع بصلة
هذا القسم مبوضوع رسالته.
فالرسالة ليست متجردة لدراسة مسائل بالغية مضبوطة ،وإمنا هي مشاركة نقدية تثري مجلة من
القضايا البالغية تتصل مبقاييس جودة النص.
الكامل يف اللغة واألدب :يعترب الكامل جامع ألشتات من العلوم واملعارف ال يربط بينها إال وقوعها يف
حيز األدب ،ومل خيلو هذا الكتاب من خطرات نقدية وبالغية متفاوتة القيمة ذات بال تكشف عن
أهمية اجلهد الذي بذله صاحبه يف تطوير مسائل هذا العلم ،ومل يكن تناول املؤلف ملادة الكتاب
موحداً فقد تناول بعض املسائل من منظور حنوي بينما تناول بعضها اآلخر من زاوية أدبية ،وقد كانت
124
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مسألة طرائق األداء اللغوي وأمناط التعبري الدالة ،من االعتبارات النظرية اليت ساهم املربد يف بلورته،
وقد ضبط منها ثالث :حني قال" :والكالم جيري على ضروب فمنه ما يكون يف األصل لنفسه ومنه
ما يكنى عنه ،ومنه ما يقع مثالً فيكون أبلغ يف الوصف".
واملسألة الثانية تتعلق مبوقفه من اإلفراط يف الصفة وجتاوز احلقيقة يف العبارة ولئن مل يفرد املربد هذه
املسألة بباب خاص فإنه أشار إليها يف مواطن عديدة ذكرها فيها التشبيه ،فمن التشبيهات املفرطة ما
كان حمل إعجاب املربد ،ومل يكت ف مبجرد التعبري عن اإلعجاب بل حياول إجياد ما يدعم موقفه يف
فهم العالقة الرابطة بني ركين التشبيه ،فاإلفراط واملبالغة طريقتان يف التعبري يروم بهما الكاتب
إدخال القاريء يف معايشة وجدانية ،إال أنه يف سياقات أخرى يكون سيء الظن يف املبالغة والتشبيه
املتجاوز متشب ثاً بضرورة مطابقة الفن القولي للحقيقة املوضوعية يقول" :وأحسن الشعر ما قارب فيه
القائل إذا شبه ،وأحسن منه ما أصاب به احلقيقة" ،وستكون هذه القاعدة صاحبة الصدارة ملقاييس
جودة النص ،فاملعارك األدبية السيما اليت حمورها املفاضلة ترتكز على قرب الصورة وبعدها ،وهي
حتد من أهمية اخليال كطاقة تبتدع الصورة وتأتي بها على غري مثال.
أما املسألة الثالثة فمحدودة القيمة يف مؤلفه ،فاملربد مل يبتدعها وإمنا أعان على توضيحها بالشواهد،
وحمصل هذه املسألة اليت أوالها اجلاحظ عناية كربى التأكيد على أن قيمة الظاهرة األسلوبية سياقية
تتبدل بتبدل املوضع واملقام.
إىل جانب هذه االهتمامات النظرية نصادف يف الكامل إشارات بالغية كثرية تتناول جل ما سبق يف
الفرتتني السابقتني وهذه اإلشارات قسمني :قسم مل يبذل املربد أي جمهود لتطويره وتعميقه وقسم آخر
يشمل مسائل طرحت يف التآليف املتقدمة عليه إال أنه طورها يف وجه من الوجوه.
فمن القسم األول نشري إىل اقتفائه أثر اجلاحظ يف إبراز بالغة "االختصار املفهم" و "اإلطناب املفخم" و
اإلمياء واإلشارة ومقاييس جودة اللفظ والكالم ،كما اهتم ببعض األساليب اليت درسها النحاة قبله
كالتقديم والتأخري والوظائف املتعلقة به واالستفهام وخروجه عن أصل معناه وكذلك اهتم مبعاني
النداء.
ومن النوع الثاني نذكر ثالثة مباحث رئيسية تبويء املربد مكانة بارزة يف تاريخ البالغة العربي:
املبحث األول يبدو ألول وهلة مبحثا حنويا ال عالقة له بالبالغة لتعلقه خبرب اجلملة اإلمسية .إال أن
البالغيني املتأخرين ،وال سيما عبد القاهر سينبهون إىل قيمة ما اهتدى إليه سلفهم ،ويذكرون فضله
يف فتح بصائره على خمتلف املعاني اليت يؤديها اخلرب الواحد إن اختلف جواره اللغوي .وبذلك أدرجوه
ضمن أدق مباحث املعاني وألطفها واستعملوه حجة ألهمية النظم يف حتديد املعنى ولننطلق يف بيان ذلك
من رأي عبد القاهر نفسه" :روي عن ابن األنباري أنه قال :ركب الكندي املتفلسف إىل أبي العباس
وقال له ،إني ألجد يف كالم العرب حشوا ،فقال له أبو العباس أي موضع وجدت ذلك ؟ فقال :أجد
العرب يقولون :عبد اهلل قائم :ثم يقولون إن عبد اهلل قائم ،ثم يقولون :إن عبد اهلل القائم :فاأللفاظ
125
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
متكررة واملعنى واحد فقال أبو العباس :بل املعاني خمتلفة الختالف األلفاظ ،فقوهلم عبد اهلل قائم
إخبار عن قيامه ،وقوهلم إن عبد اهلل قائم جواب عن سؤال سائل وقوهلم :إن عبد اهلل القائم :جواب
عن إنكار منكر قيامه ،فقد تكررت األلفاظ لتكرر املعاني فما أحار الفيلسوف جوابا" وواضح
من هذا النص أن املسألة تتعلق بالتساؤل عما إذا كانت التحوالت اليت تطرأ على بنية اجلملة يوافقها
حتول يف املعنى أو ال ،وإن مل يتعمق املربد يف حتليل هذا احلدس فإن عبدالقاهر تبنى فكرته وغاص
يف أحشائها وانتهى إىل عالقة اللفظ باملعنى ،فعلى هذا النمط يصبح اخلرب أضرباً ،وقد كان املربد
السبب يف إضافة باب جديد يف علم املعاني سُمي "أضرب اخلرب".
أما املبحث الثاني الذي بذل فيه املربد جمهوداً شخصياً واضحاً وعمل على تطوير مسائلة بكيفية مل
نعهدها يف الدراسات السابقة ،فهو الباب الذي عقده للتشبيه ،وقد أطاله بشكل الفت لالنتباه ،ومرد
اهتمام املربد بالتشبيه اقتناعه بأنه أكثر أساليب التعبري انتشاراً ،ويتصل بطريقته اليت بناها على
االستقراء واالستنتاج الشخصي.
أما املظهر الثالث فهو املعلومات املستخلصة من استقراء النماذج الشعرية الكثرية ،وهي تدور حول
ثالثة حماور رئيسية ،حد التشبيه و أقسامه و طبيعته.
وطريقة املربد ال تتقيد مبقتضيات احلد من الوجهة املنطقية وختالف ما جرت به العادة يف حماصرة
الظواهر اللغوية وضبط مواصفاتها ،وقد سلك يف ذلك طريقة ترتكز على تبيني عالقة طريف التشبيه
اليت يش رتط فيها أن تكون عالقة احتاد ،وعالقة خالف أو تباين يف نفس الوقت .أما أضرب التشبيه
فيمكن النظر إليها من زاويتني :زاوية النعوت واألحكام املوظفة إلبراز املفعول اجلمالي ،وحظه من
احلسن وفضل تشبيه على آخر يف ذلك ،فمن التشبيهات العجيب واملصيب واحلسن واحلسن جداً واجليد
واحللو واملليح واملفرط والقاسط والطريف والغريب واملطرد والسخيف واجلامع واملختصر ،......وليس
للمربد فضل إال فضل مجعها وترسيخ املنزع االنطباعي يف تقييم فاعلية التشبيه ،والزاوية الثانية أدق
من األوىل وأكثر صرامة ألنها تركز التقسيم على أساس ثابت ونظرية مسبقة عن عالقة الفن
مبوضوعه ،والصورة مبثاهلا .فالتشبيه يقع يف أربعة حمال :مصيباً ،مقارباً ،بعيداً ،مفرطاً،
وميكن أن جنزم بأن أقسام التشبيه ونعوته عند املربد هي أوفى ما وصلنا عن البالغة العربية.
أما املبحث الثالث الذي ساهم املربد يف تطوير مسائله البالغية فهو يتعلق بدراسة الكناية ،ومل يزد
فيه املربد على مجع املعلومات السابقة يف باب واحد ،وقد اجتهد يف تقسيمها والتمثيل لكل قسم،
فأقسام الكناية بناءً على ما تؤديه من وظائف ثالثة :أوهلما التعمية والتغطية ،وثانيهما الرغبة عن
اللفظ اخلسيس الفحش ،وثالثهما التفخيم والتعظيم.
وميكن أن نقول ،يف اجلملة ،إن الكناية يف الكامل ،مل خترج عن احلدود اليت رمسها اللغويون
وعلماء البالغة قبله ،إال أنه مجع مسائلها يف باب واحد ،ولعل أبرز مظاهر التأثر بأسالفه بقاؤها ،
عنده ،مرتبطة أشد االرتباط
126
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بالعامل األخالقي واملواضعات االجتماعية ،وقد ساهم املربد مثل غريه من اللغويني والعلماء بالشعر يف
تركيز أسس البالغة وتطويرها ،ناهيك أنه أول من ذكر مصطلح البالغة يف عنوان رسالة من رسائله
،وأول من عقد مقارنة صرحية بني الشعر والقرآن ،ولعل طرافة املربد تكمن يف علمه الدقيق بالشعر
،وبراعته يف النحو واللغة .وقد وجدناه يسلك يف دراسة التشبيه سبيال غري معهودة فتحت أمام التأليف
البالغي آفاقا جديدة.
كتاب البديع "لعبداهلل بن املعتز":
يعترب كتاب « البديع » نقطة حتول هامة يف مسار الدراسات البالغية و عالمة بارزة يف جمال النظرية
األدبية عند العرب ،فهو بإمجاع الباحثني عربا و مستشرقني أول كتاب جعل من البالغة غاية تأليفه و
حماولة فريدة إلرساء أصول البالغة على أسس عربية صرحية ،وأول كتاب يتناول األدب تناوال فنيا،
و باستطاعة املتتبع ألطوار البالغة من البداية إىل نهاية القرن الثالث أن جيزم بأن قيمة الكتاب ال
متكن يف مضمونه ،ال من حيث عدد الوجوه اليت اشتمل عليها ،وال من حيث الصياغة النظرية لبعض
تلك الوجوه ،وما يتعلق بها من تقسيم وحتديد .فليس من وجوه البديع اخلمسة اليت أثبتها وهي «
االستعارة ،والتجنيس» و « املطابقة » و « رد أعجاز الكالم على ما تقدمها « ،واملذهب الكالمي ،
وجه واحد مل يسبق إليه مبصطلحه أو مبعناه .ومعلوماته عن التشبيه دون معلومات املربد مجلة وتفصيالً.
إن قيمة الكتاب الرئيسية تكمن يف صدوره عن درجة عالية من الوعي مبداه و حدوده وحترك صاحبه
من رؤية واضحة ال منطلقات وغايات جعلت مادته خاضعة لتلك الرؤية ال تتجاوزها فجاء الكتاب
خمتصرا مشذبا خاليا من كل مظاهر االستطراد واحلشو ،ومن أبرز مظاهر الوعي والوضوح اشتمال
«البديع ،على نصوص نظرية ،فابن املعتز ،هو أول من مجع البديع وألف فيه كتابا ،وقد بين الكتاب
على موقف من قضية نقدية هامة أثريت يف القرن الثالث عندما قام مجاعة من الشعراء ،أغلبهم من
أصل غري عربي ،وجهوا عنايتهم إىل الصياغة الشعرية وأشكال التعبري والتصوير الفين ،ومل ختل
نزعتهم هذه من روح عدائية جتاه «عمود الشعر ،أملتها خلفيات ايديولوجية» عرقية حضارية عرفت يف
تاريخ اجملتمع العربي اإلسالمي بالشعوبية ،يقول صاحب كتاب البديع" :قد قدمنا يف أبواب كتابنا
هذا بعض ما وجدنا يف القرآن ،واللغة وأحاديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وكالم الصحابة ،
واألعراب ،وغريهم ،وأشعار املتقدمني ،من الكالم الذي مساه احملدثون البديع ليعلم أن بشارا
ومسلما وأبا نواس ،ومن تقيَّلهم ،وسلك سبيلهم ،مل يسبقوا إىل هذا الفن ،ولكنه كثر يف أشعارهم
فعرف يف زمانهم حتى مسي بهذا االسم فأعرب ودل عيه" ،وقد جنم عن ذلك خالف طويل ،لعل آثاره
مل متح إىل اليوم ،كان يف ظاهره أدبيا أطلقوا عليه «خصومة القدماء واحملدثني إال أنه كان خيفي
صراعاً حضارياً ،فالروح اليت أملت الكتاب روح نقدية ال بالغية ،وموقف ابن املعتز من الصراع واضح
فهو «دفاع عن القدماء ،أو إرجاع الفضل إليهم فيما ادعاه احملدثون ألنفسهم » إال أن الطريف يف األمر
127
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أن الدفاع انطلق من تبين تلك األساليب وتأصيلها يف الرتاث العربي القديم ال برفضها أو ضرب احلصار
عليها.
والتبويب يف كتاب البديع درجات ،فهناك ما ميكن أن تسميه التبويب اخلارجي ويشمل أقسام
الكتاب وترابط األبواب ،وهناك التبويب الداخلي ،وهو كيفية ترتيب املادة يف نطاق الوجه الواحد.
التبويب اخلارجي :حيتوي الكتاب على قسمني كبريين هما باب البديع وباب حماسن الكالم والشعر،
وقد قصر البديع على الوجوه اخلمسة املذكورة ،ومل يعرف سبب قصره عنوان الكتاب على اسم
الباب األول ،مع وجود الباب الثاني باسم خمتلف إال أن البابني رسالتني خمتلفتني ضمت يف كتاب
واحد عُنون بعنوان الباب األول منه.
التبويب الداخلي :يقوم على ثالثة أركان رئيسية هي :التعريف وهو الفاصل بني باب وباب ،والشواهد
املوضحة ،ويف الركن الثالث يأتي ما "عيب من الشعر والكالم ،وتعريفات ابن املعتز حتمل بصمات
هذه املرحلة فهو مل يطورها وقد اعتمد يف الكثري منها على ما وجد عند غريه ،أما تبويب األمثلة يف
ن طاق املسألة الواحدة فهو خاضع ملقياس مزدوج عقائدي وزمين ،فهو عادة يبدأ بذكر الوجه من
القرآن ،فاألحاديث ،فكالم الصحابة ،واذا انتقل إىل الشعر راعى الرتتيب التارخيي فبدأ بالقدماء،
ويالحظ على ابن املعتز أنه قليل التدخل ضنني برأيه كثرياً ما يقتصر يف حكمه النقدي على جمرد
االنطباع واالنفعال الذوقي غري املعلل ،وهو قليل التثبت من مدى مطابقة األمثلة املذكورة للباب ،فقد
نقل يف باب االستعارة عن اجلاحظ روايات ال عالقة هلا بالباب ،كما أكثر من االستعارات غري املفيدة،
ويدل الرتكيب الثنائي للباب على أن صاحب الكتاب ال يعلق بهذه األساليب قيمة مجالية مطلقة وال
يعترب االلتجاء إليها عنوان تفوق وبراعة.
وخالصة القول يف كتاب البديع ،أنه يعترب منعرجاً حامساً يف التأليف البالغي ومساهمة فعالة يف بلورة
حدود العلم وختليصه من تبعية العلوم األخرى ،فهو يف حدود ما وصلنا أول تأليف خمصص جلمع
األ ساليب البالغية بكيفية مل تسبق ،كما بذل مؤلفه جمهوداً واضحاً لتبويب املادة وترتيبها،
والكتاب باإلضافة إىل كل ذلك شهادة ناصعة لتمازج اختصاصني وهما البالغة والنقد ،وقد تبنى ابن
املعتز يف هذا الكتاب أساليب الشعر احملدثة وحبث هلا عن جذور يف الرتاث.
. 2أهم قضايا التفكري البالغي إىل القرن السادس:
باإلمكان حصر هذه القضايا يف حماور ثالثة هي :املفهوم املنهج اإلجراء
فاملفهوم :مجلة املصطلحات اليت متثل قيمة االستخالص النظري ويف مقدمة تلك املفاهيم زوج
"احلقيقة/اجملاز" وهو حجر الزاوية ،واملقابلة بني احلقيقة واجملاز ال تعدو أن تكون مقابلة بني ما هو
أدب وبني ما هو غري أدب ،ومن املفاهيم اهلامة كذلك زوج "البالغة/الفصاحة" وهما أكثر املصطلحات
تواتراً وأصال احلكم يف بالغة النص.
128
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أما املنهج :فيُعنى به األسس والطرائق املعتمدة يف حتليل الكالم من اجلهة البالغية والوقوف على
أسباب تلك البالغة وأسرارها.
واإلجراء :هو خمتلف املقاييس التطبيقية اليت حددوا بها بالغة النص وجودته على صعيدي الشكل
واملضمون.
أ .املفاهيم:
▪ احلقيقة واجملاز :لقد تفطن اللغويون وعلماء البالغة إىل وجود مستويني يف استعمال اللغة
مستوى مشرتك بني الناس ،ومستوى ثان يتجاوز األمناط املتعارفة يف التعبري ويتصرف يف
استعمال اللغة ،وقد أطلقوا على املستوى الثاني "االتساع" ثم اشتقوا من األصل اللغوي الدال
على معناه صيغة "اجملاز" ،حتى جاء اجلاحظ فربط القضية بدالالت اللغة وعلم معانيها
فكان أول من ظهرت عنده مقابلة احلقيقة باجملاز ،ومن مظاهر التطور الكربى ربطهم
بني نشأة اجملازات يف اللغة ونشأة الشعر واألدب وكل صنوف املمارسات الفنية ،ويقوم
احلديث عن احلقيقة واجملاز على ركنني :أوهلما اإلقرار بإمكانية اجلري يف استعمال اللغة
على أكثر من وجه ،وثانيهما انشغال علماء البالغة بالبحث عن مقياس يعتمد إلخراج ذلك
اإلقرار من حيز املالحظة العينية إىل حيز البحث والتحليل وتفسري خصائص اللغة يف األدب.
▪ الكالم األدبي وصنوف الكالم األخرى :إن أهم املصطلحات الواردة يف وصف الكالم
األدبي هي:
العدول :وهو يدل على ترك طريقة يف القول إىل طريقة أخرى ألنها أحسن أو ملعنى زائد،
واملعاني اليت يعد من أجلها عن احلقيقة يف رأي ابن جين ثالثة :االتساع والتوكيد
والتشبيه.
▪ القول الشعري /القول األدبي
▪ القول الشعري/القول العادي
▪ الكالم يف حد البالغة/الكالم الغفل :استعمل هذين املصطلحني عبدالقاهر اجلرجاني
▪ اللحن :هو أن تلحن بكالمك أي متيله إىل حنو من األحناء ليفطن له صاحبك كالتعريض
والتورية ،وقد ورد هذا املصطلح باملعنى األسلوبي يف تفسري الزخمشري.
▪ الكالم الذي فيه ضروب اجملاز/الكالم العريان:
تدل هذه املصطلحات على أن األدب يستمد جانباً كبرياً من خصائصه من خروجه يف توظيف اللغة عن األمناط
املألوفة يف الكالم ال سيار الدارج ولذلك حتتم البحث عن معيار أو قيمة ثابتة ميكن باالعتماد عليها ضبط
مظاهر هذا اخلروج وكيفياته ،والبحث عن املعيار كان من املشاغل املنهجية القارة يف التفكري البالغي عند
129
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
العرب ،والبحث عن املقياس هو الذي ولد االهتمام باحلقيقة واجملاز ودفع العرب إىل دراسة قضية الداللة
والتاريخ ألطوار اللغة وميالد الشعر واألدب.
يف كتاب احلروف للفارابي نص يلخص جممل القضايا اليت دار حوهلا حديث علماء البالغة واللغة يف باب
احلقيقة واجملاز .فهو يرى أن اللغة كجهاز عالمي مؤسس ملقولة العبارة نشأت على مرحلتني املرحلة األوىل متثل
بداية النشأة ،وقد أطلق على هذا الطور "استقرار األلفاظ على املعاني" أما الطور الثاني فيسمى "طور النسخ
والتجوز يف العبارة باأللفاظ" وأهم مميزات هذا الطور توليد عالقات جديدة بني العالمات اللغوية وما تعرب عنه
واخلروج عن الداللة بالذات إىل الداللة باملوضع والسياق والقرائن باستعمال صنوف اجملازات ،وضروب التجوز
يف العبارة حمكومة بشروط منها :التعلق ،واال تصبح العبارة اجملازية راتبة للمعنى ،وأن تكون العالقة بني
املستعار واملستعار له عالقة عرضية تنعدم مبجرد انتهائها من وظيفتها ،وينتهي الفارابي إىل أن اخلطيبة أوالً
والشعرية ثانياً تنشأ من هذا الطور الثاني الذي ترتاكب فيه سنن اللغة ويصبح باإلمكان صياغة القول على
هيئة تقنع أو ختيل:
▪ «فإذا استقرت األلفاظ على املعاني اليت جعلت عالمات هلا فصار واحد واحد الواحد واحد
وكثري الواحد أو واحد لكثري وصارت راتبة على اليت جعلت دالة على ذواتها صار الناس
بعد ذلك إىل النسخ والتجوز يف العبارة
▪ باأللفاظ فعرب باملعنى بغري امسه الذي جعل له أوال وجعل اإلسم الذي كان املعنى ما راتبا له
داال على ذاته عبارة عن شيء آخر متى كان له به تعلق ولو كان يسريا إما لشبه بعيد وإما
لغري ذلك من غري أن جيعل ذلك راتبا للثاني داال على ذاته فيحدث حينئذ االستعارات
واجملازات والتحرد بلفظ معنى ما عن التصريح بلفظ املعنى الذي يتلوه مين كان الثاني يفهم
من األول وبألفاظ التصريح بألفاظ معان أخر إذا كان سبيلها أن تقرن باملعاني األول متى
كانت تفهم األخرية مع فهم األوىل والتوسع يف العبارة بتكثري األلفاظ و تبدیل بعضها
ببعض وترتيبها وحتسينها فيبتديء ذلك يف أن حتدث اخلطيبة أوال ثم الشعرية قليال قليال »
وميكن أن جتمل القضايا املطروحة يف هذا النص يف احملاور اآلتية اليت تستقطب بدورها
أهم املساهمات يف موضوع احلقيقة واجملاز :
• ميزة األدب الرئيسية هي خروجه عن الوجوه املألوفة يف استعمال اللغة وكيفية أداء املعنى،
وهو حبكم وظيفته ،ال ينشأ إال من تراكب السنن وإمكانية التعبري عن املعنى الواحد
بطرق خمتلفة.
• حتتل احلقيقة مرتبة األصل واجملاز مرتبة الفرع حبكم تعاقب األطوار يف النشأة ،وينتج عن
هذا من الوجهة املبدئية على األقل أن كل جماز يرتبط حبقيقة.
• أن العدول عن املعنى احلقيقي إىل معنى جمازي سببه حاجيات يف التعبري تقصر احلقيقة عن
تأديتها.
130
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
131
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أما أولوية احلقيقة يف االستعمال إن مل يتضمن اجملاز معنى زائد فيكاد التعبري عنه ينحصر يف دراساتهم
التطبيقية لوجوه اجملاز وبيان دورها املعنوي.
ويشعر قارئ الرتاث العربي بأن ضبط حدود اجملاز كان "أزمة" حادة أربكت البالغيني ،فنتيجة للمناقشات
الدائرة يف ذلك قالوا خبلو بعض األلفاظ من احلقيقة واجملاز معاً ،وذهب آخرون إىل أن من اللغة ما هو واسطة
بني الطرفني ،والقول بأن لكل جماز أصالً حقيقياً متقدماً عليه يٌعمق اهلوة بني الصياغة واملعنى ،وجند يف
مؤلفاتهم ما يدل على أن اسبقية احلقيقة على اجملاز قائمة على تصور لغوي حبت ينم عن فهم طريف حلركية
اللغة والعوامل املتحكمة يف توسعها ،وال فضل فيما ذُكر بني احلقيقة واجملاز بل رمبا كان اجملاز أدخل يف
الفصاحة ألنه كاالستدالل يف اللغة ،وقد تفطنوا إىل أن العالقة بني احلقيقة واجملاز معقدة ال تسري دائماً يف
اجتاه واحد فكما أن اجملاز يتولد عن احلقيقة تتولد احلقيقة عن اجملاز ،فمن أنواع اجملاز ما ال ميكن اعتباره
تطوراً عن احلقيقة لكثرة استعماله وجريانه على ألسنة الناس ،كتشبيه احلسن بالشمس والقمر ،وقريب من
هذا صنف من اجملاز خمرتع يف األصل إال أن تواطؤ الشعراء عليه وإغراقهم يف استعماله يأتي على فاعليته
الفنية ويسقطه يف املشرتك املبتذل.
دوافع التعبري باجملاز :رأى علماء البالغة لتولد اجملاز سببني متفاوتني يف األهمية :سبب مل يغفل ذكره أي
مصدر ،وسبب ورد يف بعضها دون بعضها اآلخر .ترتبط نشأة اجملاز حسب هذا السبب ،خبصائص موضوعية
يف اللغة تؤدي حتماً إىل تولده فكأن اللغة حتمل يف ذاتها عناصر اكتماهلا وتطورها الذاتي وتتسلط على
مستعملها فتجربه على تصريفها على أكثر من وجه.
أما السبب الثاني فمعنوي حددوه بصفة غري مباشرة عند حديثهم عن وظائف اجملاز .وهم ينطلقون يف حتديد
تلك الوظائف من مبدأ أمجعوا عليه وهو ضرورة أن يؤدي اجملاز معنى ال تؤديه احلقيقة ،وقد بلغ هذا املبدأ
أقصى درجات حتققه عندما رفضوا أن تكون الظاهرة األسلوبية مفيدة يف بعض املواطن دون بعض ،والطرف
يف حتديد وظيفة اجملاز هو املتقبل أو قارئ النص ألنه غاية اجملاز القصوى وباالستتباع غاية األدب هي التأثري
يف السامع تأثرياً تتحقق معه مقاصد صاحب النص والغايات اليت رمسها خلطابه ،وفضل اجملاز "أنه يفعل يف
نفس السامع ما ال تفعل احلقيقة" ،ولبلوغ هذا اهلدف البد أن يكون اجملاز يف إحدى املراتب الوظائفية اآلتية:
املرتبة األوىل شكلية يقتصر فيها دوره على حتسني املعرض الذي يربز فيه املعنى ،وهو هنا مبثابة الوعاء
والكسوة يساعد على تقبل املعنى وال يؤثر فيه.
املرتبة الثانية أقل شكلية من األوىل ألن اجملاز فيها يقوم بدور القادح الذي حيرك كوامن اللغة.
املرتبة الثالثة تتعلق باملعنى نفسه واخلصوصيات اليت يضيفها التعبري باجملاز إىل املعنى األصلي.
ولئن كان شرط الفائدة يف اجملاز موقفاً لغوياً عاماً مل يتفرد العرب بالدفاع عنه فإنه اختذ عندهم طابعاً خاصاً
وشكالً بارزاً حاداً نعتقد أن للقرآن ضلع ًا فيه.
132
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يتضح مما سبق أن مسألة احلقيقة واجملاز ليست جمرد مبحث فرعي ،وإمنا هي نافذة من النوافذ اليت
نستشرف من خالهلا تطور التفكري البالغي ومدخل من مداخل نظرية العرب يف األدب ،ولقد أفضت العناية
بتحديد احلقيقة واجملاز بالبالغيني إىل ميدان أوسع هو علم الدالالت.
الفصاحة والبالغة :يعترب زوج "الفصاحة/البالغة" من أكثر املصطلحات توتراً يف نقد الكالم وحتديد مراتبه،
وهو ميثل باإلضافة إىل زوج "احلقيقة/اجملاز" حصيلة املفاهيم العامة اليت تستقطب جل املقاييس املستعملة يف
وصف ظاهرة األدب وتصنيف طرقها يف التعبري .ومباشرة املصطلحني على شكل زوج له مربرات موضوعية.
فالعالقة فصاحة/بالغة تع ين االقتصار على منهج البالغيني ،فتباين بهج البالغيني عن اللغويني أشار إليه
البالغيون أنفسهم.
أما الدافع الثاني فيتمثل يف ترابط املصطلحني يف الرتاث البالغي وتفاعلهما إىل درجة يصعب معها تناول أحدهما
مبعزل عن اآلخر ،ناهيك أن اجلاحظ ادرجهما ضمن مفهوم أعم هو البيان ،وقد رأينا أن للفصاحة يف مؤلفاته
معنيني يتعلق أحدهما باللفظ واآلخر بالتلفظ فقط اشرتط لإلبانة أن خيلو النطق من الشوائب اليت تعوق إخراج
احلروف من خمارجها وأن يكون اللفظ خالصاً نقياً ،كما اشرتط فيه أن تتآلف حروفه ،وبذلك يكون
اجلاحظ أول من سن النظر إىل خص ائص اللفظ مفرداً ومؤلفاً .أما البالغة فإنها تتضمن باإلضافة إىل الفصاحة
مجلة من االعتبارات كمطابقة اللف ظ املعنى ومناسبة املقال للمقام واإلبانة عن الغرض بأوجز عبارة ،ولعل
العسكري أول مؤلف يرتجم جبالء عن هذا املشغل حيث ببوأه مرتبة املدخل إىل كتابه "الصناعتني"،
فالعسكري جيمع بني موقفني متقابلني موقف تتطابق حسب داللة املصطلحني ويعترب ميدان الدراسة األسلوبية
ميداناً واحداً ،وموقف يفصل أصحابه بني املصطلحني ويضيقون جمال الفصاحة ،ولتعويل العسكري على
النقل والتقليد أهمل السياق التارخيي ،فالعسكري بقيت مقارنته بني الفصاحة والبالغة مقارنة فرعية هامشية
هي باب من مجلة أبواب احتواها كتابه ال إطاراً منهجي ًا ميكن أن تدرج فيه مجلة القضايا.
أما كتاب سر الفصاحة للخفاجي فيعترب أكمل حماولة يف الرتاث البالغي لضبط مقاييس الفصاحة ،كما
جيمع كل السلبيات اليت دبت إىل تيار كامل من التأليف ،أما الفرق بني الفصاحة والبالغة فقد حدده بقوله:
"والفرق بني الفصاحة والبالغة ،أن الفصاحة مقصورة على وصف األلفاظ ،والبالغة التكون إال وصفاً لأللفاظ
مع املعاني .ال يقال يف كلمة واحدة ال تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة ،وإن قيل فيها أنها فصيحة ،وكل
كالم ب ليغ فصيح وليس كل فصيح بليغا" ومفهومه ال ينسجم إال باالعتبارات التالية :أنه ال يعرتف بأي مزية
لوصف األلفاظ مع املعاني ،أن يكون هناك بعض التجاوز يف االستعمال فأطلق الفصاحة يف النص األول على
ما تدل عليه الفصاحة والبالغة معاً ،أن يكون مفهوم الفصاحة عنده واسعاً حبيث يشمل خصائص اللفظ
وخصائص الكالم ،وال يتسنى لنا معرفة أقرب االعتبارات إىل الصواب إال بعد استعراض شروط الفصاحة
كما تبلور ت يف هذا املؤلف.
شروط الفصاحة:
133
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
افتتح قائمة الشروط مبقدمة فيها صدى تفكري قدامة ومنهج اجلاحظ ،وهو متأثرٌ مبنهج اجلاحظ يف تقسيمه
الشروط إىل قسمني األول يوجد يف اللفظة الواحدة ،والثاني يوجد يف األلفاظ املنظومة.
وشروط اللفظة الواحدة مثانية هي:
أن يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة املخارج ) 1
أن جتد لتأليف اللفظة يف السمع حسناً ومزية على غريها ) 2
أن تكون الكلمة كما قال اجلاحظ غري متوعرة وحشية ) 3
أن تكون الكلمة كما قال اجلاحظ غري ساقطة عامية ) 4
أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح غري شاردة ) 5
أن ال تكون الكلمة قد عُرب بها عن أمر آخر يكره ذكره ) 6
أن تكون الكلمة معتدلة غري كثرية احلروف ) 7
أن تكون الكلمة مصغرة يف موضع عرب بها فيه عن شيء لطيف ) 8
وأغلب هذه امل قاييس معروفة أشار إليها اللغويون وعلماء البالغة املتقدمون ،وقد تعرض هلا ابن األثري يف "املثل
السائر" بالنقد واالنتقاد ،حيث ناقشه يف الشرط السادس والسابع ألن األخذ بهما كما جاء يؤدي للطعن يف
القرآن ،وقد تطرق إىل بقية املقاييس من وجهة غري دينية فيها شيء من اللغة وشيء من الذوق الشخصي والفطنة
إىل مواضع الزلل ،كما يفرق ابن األثري بني اخلصائص الذاتية يف اللفظة وبني ما يعرض يف السياق من جهة
املتكلم.
شروط التأليف:
ذهب احلكماء إىل أن كمال الصناعات خبمسة أشياء هي :املوضوع ،والصانع ،والصورة ،واآللة ،
والغرض.
واالختالف يف صناعة الكالم واقع يف األصل األول دون األربعة األخرى ،فمن العلماء من ذهب إىل أن املعاني
هي موضوع هذه الصناعة يف حني ذهب آخرون إىل أن موضوعها اللغة ذاتها ،وهو املوقف الذي يتبناه املؤلف
ويدافع عنه ،وقد اضطر املؤلف إىل دحض الرأي القائل بأن قدرة الصانع بالصورة ال املوضوع .ورأيه أن للمادة
تأثرياً يف ذات الصورة وناظم الكالم حياسب على جودة املادة ألنه قادر على اختيار موضوعه ،وبناءً على ما
تقدم يعرف الفصاحة تعريفاً جيمع إىل شروط اإلفراد شروط التأليف وهو" :الفصاحة عبارة عن حسن التأليف
يف املوضوع املختار".
وشروط التأليف قسمان:
قسم يتفق مع شروط اللفظة املفردة وقسم ال يظهر إال بضم الكلمات يف السياق.
فمن القسم األول :اجتناب تكرر احلروف املتقاربة وهو أوضح يف التأليف ،وقد استطرد اخلفاجي يف ذلك
بشواهد كثرية يرى الناظر فيها أن نزعة التقنني املسيطرة على الكتاب أوقعت املؤلف فيما وقع فيه اللغويون،
كما يالحظ أمراً يكاد يناقض ما سبق أن ذكر وهو وجود لفتات نقدية طريفة تدل على بعض العمق يف ربط
134
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
األدب مبالبسات إجنازه ،ولذلك مسح بالتكرار يف حالتني :إذا كان املعنى ال يتم إال به ،واحلالة الثانية تربط
بني بنية النص اللغوية وروح الكاتب ويصبح التكرار عالمة تكشف عن هوس يعتمل داخل الشاعر.
ومن الشروط املشرتكة الشرطان اخلامس والسادس وهما أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي
الصحيح وأال يقصد بها معنى غري ما تواتر عليه استعماهلا ،وكذلك الشأن يف الشرط اخلامس وال سيما أن
املعنى الغالب على العرف يف رأي اخلفاجي هو اإلعراب بالدرجة األوىل وإعراب الكلمة تبع لتأليفها.
بعد هذا ينتقل املؤلف إىل الشروط اخلاصة بالتأليف :فاألصل الكبري والوحيد هو :وضع األلفاظ موضعها
حقيقة أو جمازاً ال ينكره االستعمال وال يبعد فيه ،وهو مقياس فضفاض دخلت فيه أهم قضايا الرتكيب
والداللة اليت كانت حمور املؤلفات البالغية السابقة أما الشروط املنفصلة فهي :املناسبة بني األلفاظ وهي عنده
نوعان نوع من طريق الصيغة ونوع من طريق املعنى.
ويظهر تذبذب اخلفاجي يف تأليفه واشتباه الطرق أمامه وشعوره باملضايق اليت نتجت عن تقيده بفاصل شكلي
بني الفصاحة والبالغة ،أو قل من مبالغته يف توسيع جمال األوىل على حساب الثانية .والناظر يف القسم املخصص
لشروط التأليف يالحظ هذا التذبذب على مستوى العبارة ،فما دفع اخلفاجي إىل توسيع مفهوم الفصاحة إىل
هذا احلد إال املعنى الذي بنى عليه تصوره ملسألة الفصاحة فقد فهمها مبعنى اإلبانة واإلظهار ،فمن ثم كان
كل ما له عالقة ببيان املعنى وإظهاره فصاحة .ونتيجة هلذا املوقف متسك اخلفاجي يف كل املسائل اليت عرضها
بالوضوح وجعل املعنى يف صدارة املقاييس اليت تقيم على أساسها األساليب وحيكم يف شأنها بالقبول ،كما
أن شدة إعجابه بقدامة بن جعفر كان سبباً ثانياً دفع به إىل هذه املضايق ،فهو كثري اإلشارة إىل قدامة كثري
النقل عنه مثله يعترب التشبيه معنى ال جمازاً وضيق فهم اخلفاجي متأتى من أمرين:
▪ أنه مل يدرك متام اإلدراك البناء الثالثي الذي سار عليه قدامه يف حتقيق القول يف املعاني ،وهو املعاني
العامة املشرتكة ،واملعاني اخلاصة ،واملعاني الدال عليها الشعر.
▪ أنه أراد بناء كتاب على نسق نقد الشعر واإلحاطة بكل القضايا اليت تضمنها بإضافة مسائل بالغية
أخرى من دون أن يستغل املفهوم املنهجي األساسي الذي يقوم عليه نقد الشعر وهو مفهوم اإلتالف.
وباجلملة فكتاب "سر الفصاحة" هو أكثر احملاوالت إغراقاً يف االنتصار للفظ وختصيصه باملزية والفضل يف
جودة الكالم وحسنه ،إال أنه من جهة حمتواه حجة قاطعة لرتابط األلفاظ واملعاني وتداخل ميداني الفصاحة
والبالغة.
أما اجلرجاني فينطلق من تطابق املفهومني لذلك تركزت جهوده على مناقشة ما ترتب عن الفصل بينهما
فكانت مسألة اللفظ واملعنى من املسائل الطاغية على كتابيه ،وهلذه املسألة يف تفكري اجلرجاني مكانة
خاصة مستمدة من طبيعة املنهج الذي اعتمده حملاصرة أسس بالغة الكالم وأسبابها والسر يف فضل بعضه
على بعض ،ويبدأ اجلرجاني يف مطلع "دالئل اإلعجاز" بانتقاد ثالث طرق يف فهم الفصاحة والبالغة والبيان
والرباعة:
طريقة من ال يرى هلا معنى أكثر مما يرى لبقية أصناف الدالالت على املعاني
135
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
136
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
احلكم هو معيار املعنى والتأليف ألن يف مجيعها إشارة إىل العالقة واملوقع ،ويستحضر اجلرجاني كثرياً من
املصطلحات اليت سبق لغريه من البالغيني استعماهلا ،كاالتفاق والتالؤم واللفق ،وكانوا يدللون بها على
ضرورة التناسق الصوتي بني األلفاظ ومالءمتها للغرض واملقام.
ومن أبرز ما يدل على أن الشأن يف املعنى ال يف اللفظ ــ حسب رأي اجلرجاني ــ اجملازات كاالستعارة والتشبيه
والتمثيل واإلجياز فنحن باالستعارة نستفيد معنى ال نستفيده بالكالم "الغفل" الساذج وجند للكالم صورة
ختتلف عن صورته يف أصل الوضع ومع ذلك فاأللفاظ مل تتغري .فالذي يقول األسد وهو يقصد رجال شجاعا فإنه
مل يستعر يف احلقيق ة اسم األسد وإمنا استعار له معناه ألن لفظة األسد تبقى دالة يف اللغة على ما وضعت له
والتقريب بني الرجل واألسد إمنا وقع من جهة املعاني ،ثم إن جرس الكلمة ال يتغري يف حالة استعارتها مما يدل
على أن املزية ليست يف ذاتها.
كذلك الشأن يف التشبيه فإن أضربه ال تتفاوت إال من جهة املعنى وطريقة املتكلم يف تعليق األلفاظ.
ب .املنهج:
إن من مناذج التصورات غري الفعالة يف حتديد املنهج ،مبالغة الدارسني احملدثني يف احلرص على إدراج كل
املؤلفات البالغية ضمن اجتاهني أو مدرستني مسوا األوىل املدرسة الكالمية ومسوا الثانية املدرسة األدبية.
فمن خصائص املدرسة الكالمية :االهتمام بالتحديد والتعريف والتقسيم املنطقي واالهتمام جبعل التعريف
جامعاً مانعاً ثم استعمال أساليب الفلسفة واملنطق يف حتديد املوضوعات وتقسيمه وحصرها.
أما املدرسة األدبية فإنها ال تهتم بالتحديد والتقسيم اهتماماً كبرياً
فإن سلمنا بوجود تيارين يف التأليف فإنا نعتقد أن كثرياً من املصنفات يصعب إدراجها بوثوق يف هذا االجتاه أو
ذاك ،إن اختالف طرق التأليف واختالف املستوى اللغوي املختار للتعبري عن القضايا البالغية قد يعتربان مظهراً
من مظاهر املنهج ال أساسه ،إن املنهج ال يقتصر على طرائق العلماء يف تأليف كتبهم وتنظيم فصول أبوابها،
كما ال يتحدد بالصبغة الغالبة على دراستهم ،وامنا يتجاوزه إىل تدقيق مسالكهم يف االهتداء إىل مواطن
اجلودة والقبح يف الكالم ،واستكناه املستندات النظرية واملتطلبات املبدئية اليت على أساسها واجهوا القيمة
الفنية ،وأخرجوا كتبهم بالصفة اليت هي عليها.
يُالحظ الناظر يف تراث هذا الطور أن املشغل الرئيسي الذي كان حيرك العلماء للتأليف والنقاش هو البحث
عن منهج يربط القيمة الفنية إىل أصول ثابتة ،وما دامت االهتمامات املنهجية غالبة على جهود هذا الطور فمن
الطبيعي أن تكون التحوالت اليت تصيب التفكري البالغي متصلة بهذا اجلانب ،ويبدو من النصوص اليت بني
أيدينا أن البحث عن املنهج مر مبرحلتني :مرحلة يشرتك فيها العلماء قبل اجلرجاني ،ومرحلة يستأثر بها
اجلرجاني وبعض العلماء الذين جاؤوا بعده واهتدوا مببادئه.
منهجية الدراسة البالغية قبل اجلرجاني :بني العبارة وتأليف العبارة:
137
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
طرح اجلاحظ أساسني منهجيني األساس األول يتمثل يف اعتباره اجملاز ظاهره تقوم على نقل معنى الكلمة إىل
كلمة أخرى يف نطاق الرصيد اللغوي .اما األساس الثاني فهو يقابل األول ،ويتمثل يف تأكيده من جهة على
حسن التأليف بني أجزاء النص واحلرص على تالحم أجزائها وتناسقها.
وعن هذه األسس نتجت عدة نتائج ساهمت يف بلورة مناهج الدراسة البالغية وتغذيتها بتصورات ستالزمها طيلة
احلقبة اليت تهمنا ويف مقدمة تلك النتائج فرض فكرة النظم كأساس منهجي يعتمد يف حتديد خصائص
النص القرآني البيانية.
أما النتيجة الثان ية فتتمثل يف هذا املنحى املزدوج الذي نالحظه يف مؤلفات البالغيني قبل اجلرجاني عند
مباشرتهم حتليل بالغة الكالم وأنواع األساليب والتعابري الفنية ،ويتمثل هذا االزدواج يف ترددهم بني أهمية
"العبارة" وأهمية تأليفها ،وقد انعكس هذا الرتدد على مؤلفات هذه الفرتة بكيفيات متشابهة ،ويف هذا القسم
ميل واضح إىل إحصاء التعابري البيانية واحملسنات اللفظي ،وجهد كبري للتعريف بها ووضع ما يناسبها من
املصطلحات وإيراد الشواهد اليت تعني على استجالء خصائص اجلودة فيها ،وذلك يكفي للتعبري عن مشغل
قار يف مؤلفات القرنني الرابع واخلامس ،أساسه إرساء قوانني نقد الكالم وصناعته ،ووضع مؤلفات همها
تنظيم املادة ،وتقسيمها إىل أبواب ،وضبطها حبدود جتعل منها قوالب جاهزة لقيس البالغة ،وسيدعم هذا
التصور املزدوج يف املؤلفات املتأخرة كـ"النكت يف إعجاز القرآن" للرماني ،و "الصناعتني" للعسكري ،و "سر
الفصاحة للخفاجي" ،وهي مؤلفات تغلب عليها نزعت اإلحصاء والتبويب والتحديد ،فرسالة الرماني تكاد
تقتصر على دراسة أقسام البالغة العشرة ،ومل خيل كتاب "الصناعتني رغم طغيان ظاهرة التبويب والتعريف
عليه من معطيات تتعلق بالتأليف والنظم ،كما أوىل اخلفاجي التأليف أهمية كبرية ،وبقيت هذه املعطيات
كرتسبات منهجية سيمهد تراكمها السبيل لربوز نظرية النظم عند اجلرجاني ،والسبب الرئيسي يف أنهم مل
يتخذوا منها منهجاً للبحث عن أسرار البالغة هو يف نظرنا غياب البعد النظري الفلسفي والطموح الفكري
ما يدل على أنهم يدافعون عن نظرية أو ينتصرون عند هؤالء البالغيني ،فليس يف مؤلفاتهم
ملوقف فكري معني ،ومامل يتوفر هلؤالء توفر لعبدالقاهر الذي استطاع أن يبين طريقة يف حتليل الكالم على
رسم عقلي مسبق وموقف نظري قائم على أسس معرفية واضحة ،وبذلك استطاع أن يطور فكرة النظم
ويعتمدها منهج ًا فذاً يف حتليل أسرار البالغة ودالئل اإلعجاز.
نظرية النظم عند اجلرجاني:
اجلذور التارخيية: ▪
لئن اقرتنت نظرية النظم باسم اجلرجاني واعتربت مسة لبالغته فإن جذورها بعيدة يف الرتاث العربي ،وال سيما
يف مؤلفات اللغويني والبالغيني قبل عبدالقاهر ومؤلفي كتب اإلعجاز ،إال أن اعتمادها أساساً قاراً يف التحليل
يرجع متى استثنينا "نظم القرآن" للجاحظ إىل القرن الرابع عندما ازهرت دراسات إعجاز القرآن يف بيئة
املتكلمني ،فتعدد املؤلفات اليت تشري عناوينها إىل النظم والتأليف ،ففي "إعجاز القرآن للباقالني" وغريه من
مؤلفاته سياقات تؤكد انه كا ن يفهم النظم مبعنى تأليف العبارة وبناء النص ،أما القاضي عبداجلبار فقد
138
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
كرس النص للداللة على طرق الرتكيب اللغوي وكيفية ضم أفراد الكلمات وقد اعتربه من أهم مقومات
الفصاحة ،تلك بعض وأهم معاني النظم الرائجة يف أوساط املهتمني بإعجاز القرآن وجتمع بني القائلني بها عدة
خصائص ،منها أنهم تعرضوا للمصطلح يف صورة جمملة ،وحماوالت الوصف والتعريف اليت قد يصادفها
الباحث يف مؤلفاتهم ال خترج عن أحد أمرين :فهي إما تفسري بالرتادف يقرتن مبوجبه لفظ "النظم" بألفاظ قريبه
من معناه ،وإما تفسري من زاوية ضيقة يضعف ثراء املصطلح وحيدد جماله.
النظم يف دالئل اإلعجاز وأسرار البالغة: ▪
كل عمل بالغي يروم حتديد قيمة الكالم الفنية وجناعتها البد له ــ حسب اجلرجاني ــ من أن يدور على قطبني
رئيسيني هما :جنس املزية ،وأمر املزية ،فالبحث عن جنس املزية تولدت عنه كل السياقات واحلجج اليت
أوردها للرد على الذين علقوا املزية باللفظ دون املعنى أو بالغوا يف تقدير قيمة اللفظ على حساب املعنى.
أما البحث عن أمر املزية فقد انطلق فيه من تقييم طريقة املتقدمني يف حتديد خصائص الكالم البليغ ،ويغلب
على هذه الطريقة يف رأيه االنطباع واإلحساس بفضيلة النصوص دون القدرة على إخراج ذلك اإلحساس من حيز
املضمر إىل حيز واضح جلي ،وقد عرب يف أكثر من موطن على ضرورة جتاوز االنطباع يف احلكم األدبي
بالتحليل وإرساء األحكام على أسس عقلية برهانية.
والناظر يف آثار اجلرجاني يالحظ أن هذه املسألة مشغل قار عنده ،فهو يلح يف أكثر من موطن على ضرورة
جتاوز احلكم إىل تعليله ،والبحث له عن مقومات موضوعية يتسنى بفضلها تفضيل اجململ وتفسريه وهو شرط
واجب ليستحق البحث اسم البالغة.
فاحلديث عن القسم األول ــ جنس املزية ــ اقتضى االحتجاج للنظم من جهة نظرية عامة ،كما اقتضى احلديث
عن القسم الثاني ــ أمر املزية ــ حتديد أبعاد املصطلح وربطه مبضمون صريح متبلور.
األسس املبدئية لنظرية النظم:
إن املتتبع ألصول نظرية النظم عند اجلرجاني يُدرك أنها مبنية على أسس لغوية متطورة قوامها التمييز بني اللغة
والكالم متييزاً يضاهي يف دقته واستحكام نتائجه ما وصل إليه علم اللسانيات احلديثة ،وقد اكتسى التمييز
بني اللغة والكالم يف تفكريه البالغي أهمية خاصة وتعلق باجلوانب اليت ختدم غرضه األصلي وهو نفي املزية
عن األلفاظ ،ويؤكد اجلرجاني يف أكثر من موضع على أن املعنى الناشئ بالكالم خمتلف عن معاني الوحدات
اللغوية املكونة له ألن العالقة اليت ينشئها املتكلم بني وحدات السياق هي الدالة ال الكلمات يف حد ذاتها.
وهو بهذا يتبنى موقفاً يكاد يكون شكلياً ،وينم عن فهم عميق للتحول الذي يطرأ على الظاهرة اللغوية وقت
يصوغها املتكلم.
مفهوم النظم:
حدد اجلرجاني مفهوم النظم بثالث كيفيات متكاملة :مبا ليس هو ،وبالتعبري عن معناه عبارة جمملة ،
وبتفصيل القول يف شأنه والبحث له عن أساس ملموس يتبني به فضل الكالم على اللغة ،فاستقامة الكالم
واستحالته رهينة نظمه وما يقوم بني معانيه وشائج جتعل داللتها متناسقة ومعانيها متالقية ،ويهذا املعنى يصبح
139
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
النظم صنعة وثيقة الصلة بقوى اإلنسان املدركة ويف مقدمتها العقل ،ويصبح انتظام الوحدات اللغوية انعكاس ًا
للمضمون يف بنائه املنطقي ،وهنا يربز فارق كبري بني "اللغة" والكالم يتمثل أن اللغة حبكم قيامها على
التواضع واالصطالح ،ميكن أن تتضمن ظواهر تستعصي على التفسري والتعليل ألنها وقعت مبحض االتفاق
واال عتباط وهو ما ال ميكن يف الكالم ألنه حمكوم يف األصل بزمام العقل وترتب املعاني يف النفس وال يصدر
من املتكلم إال عن قصد وعلم سابق باملباني املالءمة ملا يريد أن يصوغ من املعاني ،ويلح اجلرجاني يف حتديده
النظم على فكرة العالقة أو "التعليق" ،وقد صنع اجلرجاني يف مطلع دالئل اإلعجاز قصيدة على البحر البسيط
بني فيها وجه ارتباط اإلعجاز بالنظم وأتى فيها على حده ،ويبدو من سياق دالئل اإلعجاز أن الغرض من النحو
ومعاني النحو ليس غرضاً شكلياً إعرابياً ،فهو يستعمل النحو يف معنى واسع ،فما يهمه منه إال اجلانب الذي
ميكن توظيفه يف إطار بالغي نقدي واعتباره أساساً لبيان مأتى اجلودة يف الكالم وسبب تفاوته يف احلسن،
وبناءً على هذا التصور يصبح النحو صنو احلس اللغوي املرهف وإدراك الفروق بني طرائق الرتكيب ووجوه
ترتيب املباني على املعاني ،إن الغرض من النحو ليس الصحة املطلقة واإلعراب الظاهر ،فاجلرجاني كثري ًا ما
يربط حسن الكالم ورونقه ومتاسك أجزائه ودقة نظمه خبروجه عن أصل الرتكيب ،وما يدل أن معاني النحو
غري أمناط الرتكيب حد يثه عنها يف مواطن يصل فيها الرتكيب قمة الفن ،فماني النحو ملتبسة بالكالم ال
باللغة وبكل سبل التصرف يف الرتاكيب وصياغتها مبا يوافق إرادة املتكلم يف التعبري ال بالقواعد النظرية
واالعتبارات اجملردة ،إلغذا كانت معاني النحو خمالفة لإلعراب وللنمط النظري للجملة فما عساها أن تكون؟
اجلواب يف قول اجلرجاني:
واعلم أنه ليس النظم إال أن تضع كالمك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف
مناهجه اليت نهجت فال تزيغ عنها وحتفظ الرسوم اليت رمست لك فال ختل بشيء منها وذلك أنت ال تعلم شيئا
يبتغيه الناظم بنظمه غري أن ينظر يف وجوه كل باب وفروقه فينظر يف اخلرب إىل الوجوه اليت تراها يف قولك
«زيد منطلق » و « زيد بنطلق » و « ينطلق زيد ) ومنطلق زيد » و « زيد املنطلق » و « املنطلق زيد » و « زيد هو
املنطلق » و « زيد هو منطلق ،ويف الشرط واجلزاء إىل الوجوه اليت تراها يف قولك « :إن خترج أخرج » و« إن
خرجت خرجت » و « إن خترج فأنا خارج » و « أنا خارج إن خرجت » و « أنا إن خرجت خارج » .ويف احلال إىل
الوجوه اليت تراها يف قولك « :جاءني زيد مسرعا ،و جاءني يسرع ،و جاءني و هو مسرع ) أو وهو يسرع ،وا
جاءني قد أسرع ،و جاءني وقد أسرع ،فيعرف لكل من ذلك موضعه وجييء به حيث ينبغي له .وينظر يف
احلروف اليت تشرتك يف معنى ثم ينفرد كل واحد منها خبصوصة يف ذلك املعنى ،فيضع كل من ذلك يف خاص
معناه حنو أن جييء به ما » يف نفي احلال ،وبه ال ،إذا أراد نفي االستقبال و بد إن" ،فيما يرتجح بني أن يكون
وأن ال يكون ،وبه إذا فيما علم أنه كائن .وينظر يف اجلمل اليت ترد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع
الوصل ثم يعرف فيما حقه الوصل موضع الواو من موضع الفاء وموضع الفاء من موضع ثم ،وموضع أو ،من
موضع أم ،وموضع لكن ،من موضع « بل ،ويتصرف يف التعريف والتنكري ،والتقديم والتأخري يف الكالم
كله ،ويف احلذف والتكرار ،واإلضمار واإلظهار ،فيضع مكانه ويستعمله على الصحة و على ما ينبغي له
140
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
السبيل ،فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إن كان صوابا وخطؤه إن كان خطأ إىل النظم ويدخل حتت هذا
اإلسم إال وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه ووضع يف حقه أو عومل خبالف هذه املعاملة فازيل
عن موضعه واستعمل يف غري ما ينبغي له »
يف هذا النص ثالثة مصطلحات هامة يف معرفة غرض صاحبه من معاني النحو وهي « :الوجوه » و« الفروق » و
« املوضع» وثالثتهما تظافر لتدل على أن اللغة توفر ملستعملها أكثر من إمكانية لصياغة نفس الوظيفة احلوية
،وأن بني هذه اإلمكانيات املتنوعة يف البناء فروقا معنوية ،وأن كل بنية مع ما يصاحبها من خصوصيات
معنوية توافق مقاما معينا وختدم غرضا دون غرض.
فالنظم أو معاني النحو هو خضوع الكالم لنواميس الفكر وبروزه على هيئة حتاكي الروابط املنطقية اليت
يقيمها بني املعاني فتكون البنية اللغوية صدى لبنية عقلية ،ولئن كانت األلفاظ مفردة غري قادرة على حماكاة
الفكر فإن العالقات اليت تنشأ بينهما يف السياق قادرة على تلك احملاكاة.
وهذه النزعة الذهنية الطاغية على تفكري اجلرجاني تفسر اهتمامه البالغ بالرتاكيب وإهماله لدور الصوت
والكلمة ،وكأن اللغة يف نظره تنحصر يف الرتاكيب ،وال شك أن اإلطار الذي نزّل فيه املؤلف نظرية النظم
وطر يقته يف حتديدها جيعالن التأويلني ممكنني ،فهي من جهة أساس منهجي للوقوف على أسرار البالغة،
ومن جهة أخرى ال تعدو أن تكون االلتزام مبقتضيات علم النحو والعمل على قوانينه وأصوله ،وقد أُشري سابقاً
أن اجلرجاني يصنف الكالم صنفني ،صنف نصل منه إىل الغرض بداللة اللفظ وحده وصنف نعرب فيه إىل
املعنى بواسطة ،والفارق يف القيمة بني الصنفني مرده اختالفهما يف كيفية النظم ،يقول اجلرجاني « :ومجلة
األمر أنه كما ال تكون الفضة خامتا أو الذهب أو سوارا أو غريهما من أصناف احللي بأنفسهما ولكن مبا
حيدث فيهما من الصورة كذلك ال تكون الكلم املفردة اليت هي أمساء وأفعال وحروف كالما وشعرا من
غري أن حيدث فيها النظم الذي حقيقته توخي معاني النحو وأحكامه"
وواضح من هذا النص أنه ال يستعمل مصطلح الصورة باملعنى الفين الضيق الشائع يف مؤلفات نقد األدب ،والذي
تندرج فيه وجوه اجملاز كاالستعارة والكناية والتمثيل .وإمنا يستعمله يف معنى أعم قريب من استعمال املناطقة
وقت يقابلون بينها وبني املادة ،وغاية اجلرجاني بني املقارنة بني الكالم والصياغة التأكيد على متاسك عناصر
الصورة وانسجامها وأخذ بعضها برقاب بعض حبيث إذا غرينا جزءاً من أجزائها من مكانه تداعى بناؤها
ال كلي ،فجمال العبارة يف رأي اجلرجاني متولد عن نظمها وترتيبها وفق ترتيب املعاني القائمة يف الذهن،
فحديث اجلرجاني ال ينفصل عن حديثه عن البالغة والفصاحة والفضل واملزية ،وقد دخلت البالغة مع
اجلرجاني طوراً جديداً مل تعد تعد فيه القيمة األدبية مرتبطة بنجاعة النص وتأثريه املباشر يف متقبله حلسن
لفظه ووضوح معناه وقربه من األفهام بل أصبحت خصوصيات يف بناء املعاني تدرك بالعقل والتدبر واملثابرة على
التأمل ،وكما يولد النظم اجملازات يدعمها ويكسبها رونقاً وحسناً مل يكن هلا يف األصل.
141
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ميكن أن تعترب ،يف اخلالصة ،أن البحث عن منهج لتحديد بالغة الكالم االهتمامات الطاغية على جهود
العلماء يف الفرتة الثالثة اليت تقع بدايتها احلامسة يف أواخر القرن الثالث و بداية القرن الرابع هجريا ،ولعلنا ال
نبالغ إن قلنا إنه العامل األساسي يف بقاء التفكري البالغي حيا متجددا إىل هذه الفرتة املتأخرة رغم تبلور مادته
واستقرارها قبلها بكثري وتربز هذه اجلهود املنهجية يف شكل «صراع » بني تصورين تعايشا منذ فرتة التأسيس
عندما طرح اجلاحظ مسألة اجملاز يف حتليله للشعر والكالم ومسألة النظم حجة اإلعجاز القرآن .يرى أصحاب
التصور األول أن البالغة يف العبارة منفصلة عن السياق الذي ترد فيه ولذلك تصوروا إمكانية تصنيفها وتبويبها
العتقادهم بأنها تضمن قيمة يف ذاتها .أما أصحاب التصور الثاني فريون أن القيمة الفنية قيمة سياقية تربز من
تالحم عناصر النص ومتاسكها ونظمها وأنه ال ميكن أن يكون األسلوب من األساليب أو وجه من وجوه
التعبري قيمة مطلقة واحلق أن هذين التصورين مل يظهرا بهذا الشكل ،وعلى هذه الدرجة من التقابل ،إال يف
حماولتني حتتالن طريف الفرتة وهما حماولة عبد اهلل ابن املعرت ،وحماولة عبد القاهر اجلرجاني .أما ما بني
هذين الطرفني فقد كانت املواقف متذبذبة بني بالغة العبارة وبالغة التأليف ،وال بد من التأكيد على أن
التذبذب املذكور ارتسم على كل املؤلفات الواقعة بني ابن املعتز واجلرجاني سواء تعلقت بنقد الشعر واألدب
أو بإعجاز القرآن ،ومع عبد القاهر انتهى الصراع بغلبة أصول املنهج القرآني الذي يرى أن سبب إعجاز النص
كامن يف نظمه و طريقة بنائه.
ت .اإلجراء:
إن الناظر يف الرتاث العربي من زاوية الصورة الفنية تشد انتباهه ثالثة حماور أساسية:
غلبة االهتمام بالتشبيه ) 1
ربطهم الرباعة بالتشبيه بتأليف املختلف واجلمع بني العناصر املتباعدة وربطهم صحة االستعارة ) 2
وقيمتها باملقاربة واملناسبة ووضوح العالقة
إمجاعهم على أن وظيفة الصورة الرئيسية هي التمثيل احلسي للمعنى ) 3
ولقد كان شيوع التشبيه يف الشعر الذي بنوا عليه تصوراتهم األدبية وأحكامهم النقدية هو سبب اهتمامهم
به ،إال أنه ميكن االعرتاض على هذا التفسري لسببني :أوهلما أنه يقوم على تصور منقوص لوظيفة النقد األدبي،
فيمكن للناقد ان يطور أبسط الظواهر بروزًا وأقلها تواتراً ويصوغ منه أحكاماً يهتدي الكتاب بهديها.
وثانيهما أن ذلك يقوم على افرتاض غري متأكد الصحة فليس من الثابت أن التشبيه كان الصورة الغالبة على
الشعر يدل على ذلك شعور النقاد منذ القرن الثالث بأهمية االستعارة.
و حقيقة التشبيه هي التقريب بني الطرفني واملقارنة بينهما ال شرتاكهما يف معنى من املعاني ،ومن هذا املنظور
يصبح التشبيه ضرب ًا من القياس والنتائج األولية اليت ميكن استخالصها هي:
أن التشبيه القتضائه بقاء الطرفني متميزين يضمن كطريقة يف أداء املعنى نسبة عالية من الوضوح.
تنحصر داللة التشبيه يف رصد وجوه املشاكلة واملناسبة بني الطرفني واإلخبار عنها
142
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
تؤكد كل النصوص اليت جُمعت على أن الغرض من التشبيه اإلبانة عن املعنى وتوضيحه ،وقد أكد البالغيون
على وظيفة التبيني والتوضيح عند حديثهم عن صورة من صور التشبيه املتطورة وهي التمثيل ،وقد بقيت تلك
األصول مستحكمة يف تناول جل البالغيني لعالقة طريف التشبيه طيلة الفرتة اليت تهمنا ،وقد برر عبد القاهر
مكانة الصورة وتأثريها يف السامع ،وقد توفر له أن يبلور الفرق بني التشبيه والتمثيل ،وقد رفضوا التشبيهات
اليت ال حترتم مبدأ انتقال الصورة من األدنى إىل األقصى ،كما اقتنع النقاد والبالغيون بأن ظاهرة التشبيه
املعكوس أو املقلوب استفحلت يف الشعر وأصبح الشعراء يتعاملون معها على أنها عنوان من عناوين الرباعة
واتقان الصنعة ،وانقسما إىل ثالث فئات :فئة جتنبت اإلفاضة يف طرق املشكل ومتسكت باألصل ،وفئة رجعت
إىل املصادر القدمية تستفتيها ،وفئة ثالثة اضطرت مع أخذها باألصول إىل إعادة النظر يف كيفية تطبيقها
وسبل التخفيف من ثقلها ،لذلك طرح عبدالقادر يف القرن اخلامس مسألة التشبيه املعكوس من جديد وأفاض
يف شرحها حماوالً التوفيق بني واقع التجربة الشعرية ومقررات أسالفه البالغيني ،وقد بقي عبدالقاهر يف نطاق
املبادئ واألصول العامة اليت التزم بها أسالفه.
وقد برز تشدد النقاد والسيما أنصار عمود الشعر منهم بصورة واضحة عند تعرضهم لشعر أبي متام الذي مل
يكن يأبه يف شعره باحرتام كثري من اللياقات اليت تقتضيها مراسم الشعر ،وقد كان اآلمدي غري كلفاً
بالبحث عن ذات الشاعر يف شعره كلفه مبعرفة مدى خضوع ذلك الشعر للقوانني املسطرة ،ويعود اإلغراق يف
التشقيق عند اآلمدي وعند كثري من النقاد غريه إىل مسألة الوضوح واإلبانة ،ووجوب حتقيق التشابه الكامل
بني املشبه واملشبه به ،وبناء الصورة على منوال القدماء حبيث تصور لنا األشياء بصورها وتستوعب املوصوف
فرتاه نصب عينك.
وقد فطن النقاد والبالغيون العرب إىل اإلشكال املرتتب عن القيود اليت أحاطوا بها مباحث التشبيه والصورة.
وحاولوا أن جييبوا عن ذلك وكانت إجاباتهم على صنفني:
صنف يرى أن حسن التشبيه موقوفاً على كثرة الوجوه اجلامعة بني املشبه واملشبه به كثرة تقرب بهما إىل حال
االحتاد ،وميثله ابن طباطبا وقدامة واآلمدي والعسكري وابن سنان.
وصنف يرى عكس ما يرى الصنف األول ويرفض مبدأه العام يف حسن التشبيه وإن كان يتبنى الكثري من
وجوه التصرف الواردة عنده ،وميثله ابن رشيق وعبدالقاهر اجلرجاني ،ويالحظ الناظر يف مؤلفي اجلرجاني،
وال سيما وأسرار البالغة)
الذي خصص بأكمله ملباحث الصورة ،أن دراسة التشبيه ختضع جلملة من االعتبارات املرتتبة عن أصول
نظريته يف الفصاحة والبالغة ،ويف مقدمة تلك االعتبارات بناؤه تصوراته يف جودة النص واجلمالية األدبية عامة
على أساس عقلي يقاس مبقتضاه شرف الصنعة وفضيلة العمل مبا حيتاجان إليه من دقة الفكر ولطف النظر
ونفاذ اخلاطر .وال شك أن رأيه
يف التشبيه سيتأثر بهذا التصور العام وتكون أفضل التشبيهات يف نظره « ما تقوى فيه احلاجة إىل التأول حتى
ال يعرف املقصود من التشبيه فيه ببديهية السماع » .ولذلك احتل « التمثيل ،يف مؤلفه مكانة خاصة ألن العالقة
143
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بني املعنى واملثال تكون ،يف األغلب ،دقيقة غامضة حيتاج استخراجها إىل « فضل روية ولطف فكرة »،
وكما أن قيمة التشبيه ال تكون يف اخلصائص اجللية الواقعة حتن املشاهدة اليت ال يستعصي على أي كان
أن يدركها ،فإن براعة الشاعر أيف
ال ميكن أن تأتي من هذا اجلانب ؛ وإمنا من إيقاع املختلفة والغوص على األواصر احملتجبة اليت ال تنكشف
إال بالتثبت والتعمل .من هذا املنظور يصبح الشاعر شخصا غري عادي ،ميتاز على عامة الناس بالقدرة على
رؤية ما ال يرون ،ومكاشفة النواميس السرمدية اليت يرتد إليها الوجود يف مجيع هياته وأشكاله ،فيفطن
إىل ما ال يفطن إليه غريه من وجوه التأليف واالنسجام والتناغم بفضل مهارته يف إعادة صياغة تلك املوجودات
صياغة تتجاوز تشتتها الظاهري وتقرب بني متنافرها ومتباعدها ،فالشاعر البارع هو الذي يهتدي خياله وفكره
ورؤيته الشعرية عامة إىل وجوه شبه ال ينزع إليها اخلاطر وال تقع يف الوهم عند بديهة النظر ،وهو كذلك ال
يكتفي بالتشبيه اجململ والعالقة البينة وإمنا يسعى إىل التفاصيل بتحليل أجزاء الصورة ثم إعادة تركيبها
بكيفية تسمح بإبراز األوصاف احملتجبة.
واجلرجاني مقتنع بأن العمل الفين األصيل ال يتم ببديهة النظر واالرجتال والطفرة وإمنا هو عمل مؤسس على
قضايا العقول ومبين على التعهد واملثابرة وإجالة النظر يف الدقائق واللطائف ،وقد وجد يف كتابات أسالفه ما
أعانه على صياغة ترضي منزعه العقلي وتفسر العالقة بني الفعل الشعري والتقريب بني الطرفني املتباعدين،
فقد طرح اجلاحظ منذ القرن الثالث رأيني يف تفسري اللذة استفاد منهما اجلرجاني بصفة مباشرة ،الرأي األول
مؤداه أن اللذة حتصل من اجملاهدة واملثابرة واإلدمان على الشيء حتى يستكني ويستسلم لصاحبه ،أما الرأي
الثاني فمؤداه أن اللذة حتصل يف املفاجأة وظهور الشيء من غري وجهته ،وتلك املفاجأة تولد االستغراب والتعجب
اللذين يولدان بدورهما االستطراف واالستحسان.
و فعل املفاجأة يف النفس يعود ،حسب اجلرجاني ،إىل طبيعة تركيبها ألن « مبنى الطباع و موضوع اجلملة
على أن الشيء إذا ظهر من مكان مل يعهد ظهوره منه ،وخرج من موضع ليس مبعدن له ،كانت صبابة
النفوس به أكثر ) فاملفاجأة ختلق الدهشة واالستغراب وعنهما « تتولد صبابة النفس إىل املعرفة واالستكشاف
وهنا تتدخل آلة التفكري لتقوم بعملية الكشف وإفراز اللذة ملا تتطلبه املكاشفة من جماهدة ومعاناة .يقول
اجلرجاني يف هذا املعنى (( :ومن املركوز يف الطبع أن الشيء إذا نيل بعد طلب له أو االشتياق إليه ومعاناة
احلنني حنوه ،كان نيله أحلى ،وبامليزة أوىل ،فكان موقعه من النفس أجل وألطف وكانت به أضن وأشغف
» ( )2وبناء على هذا التصور الذي يولي الفكر قيمة أساسية يف متييز اجليد من الرديء قسم اجلرجاني
التشبيهات إىل قسمني كبريين « .التشبيه من جهة أمر بني ال حيتاج فيه إىل تأويل» و « الشبه احلاصل بضرب
من التأويل » وهو بدوره قسمان « :ما يقرب مأخذه » و « ما يدق ويغمض » ( . )2وأفضل هذه األقسام عنده
القسم األخري ألنه حيتاج « من دقة الفكر ولطف النظر و نفاذ اخلاطر إىل ما ال حيتاج إليه غريه».
لقد كان بإمكان عبد القاهر اجلرجاني أن ينتهي ،انطالقا من تصوره حلسن التشبيه ،إىل فهم فذ ملسألة
االخرتاع واإلبداع وأن يشرع للخيال القدرة على صياغة العامل وترتيب عالقاته على غري مثال سابق ومنوذج
144
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
حيتذى ،إال أنه بقي ،كغريه من النقاد والبالغيني ،مشدودا إىل األصول املقررة يف التشبيه وإىل نظرة اجملتمع
العربي اإلسالمي لالخرتاع واإلبداع.
إن هذا الفهم للتشبيه يبقى ،رغم قيمة اإلضافات يف ذاتها وأهمية اجلهد النظري الواضح يف تأصيل مسائله
وتنظيمها يف نطاق بناء متكامل يف فهم الفصاحة والبالغة ،رغم كل ذلك يبقى يف حدود ما رتبه القدماء
وأقروه على األقل يف مستوى الوظيفة املعلقة به و هي الفهم والتوضيح اليت عمق اجلرجاني درجتها ولكنه مل
يبدل نوعها
تلك هي ،يف نظرنا ،أبرز ،مواقف البالغيني والنقاد من التشبيه وهي لئن اختلفت يف تقدير بعض املسائل
املتعلقة بهذا األسلوب تتفق يف خطوطه الكربى كما رمستها احملاوالت األوىل يف القرن الثالث ،ورمبا قبله ،
وأرست دعائمها مؤلفات القرن الرابع ،ولعل أهم نتيجة ميكن أن خنرج بها من درسنا إمجاعهم على ربط
احلاجة إىل التشبيه باحلاجة إىل الفهم والتوضيح وتقريب املعنى إىل ذهن السامع أو القاريء من أيسر السبل.
إن احلرص على التمايز بني املشبه واملشبه به هو أس التشبيه وعماده وبدونه ال يكون هو هو لذلك يشرتك يف
التمسك به البالغيون والنقاد من العرب وغري العرب ،كما أن النظر يف التشبيه من زاوية التوضيح واإلبانة
خاصاً بالعرب ،فالالفت يف موقف العرب من التشبيه ليست الوظيفة اليت حددوها له وإمنا إغراقهم يف التمسك
بها وتناوهلم خمتلف جوانب هذا األسلوب.
يقول ابن خلدون" :اعلم أن الكالم الذي هو العبارة واخلطاب إمنا سره وروحه يف إفادة املعنى" وال نبالغ إن قلنا
أنه جاء يف هذه العبارة على اجلانب املهم من نظرية العرب يف وظيفة اللغة عامة ووظيفة األساليب واجملازات
بوجه خاص.
وربط غائية النص القصوى بإفادة املعنى وحصول التفع املباشر يقتضي تتصدر اإلبانة واإلفهام سلم الوظائف
اليت تؤديها اللغة وأن يبقى النص األدبي وسيلة إبالغ بالدرجة األوىل وإن متيز خبصائص فنية ال تتوفر يف الكالم
العادي ،ألن « الكالم إمنا هو مبين على الفائدة يف حقيقته و جمازه » .وهذا التصور يقتضي إحلاق ضروب
الفن القولي و خمتلف األساليب املعدولة عن الطرائق املألوفة يف التعبري بالوسائل اخلادمة للمعنى والتابعة له
ويصبح ،بالتالي ،قبوهلا أو رفضها رهني قدرتها على اإلبانة عن وتوضيحه .وعلى هذا األساس ،تكون
وظيفة اإلبالغ واإلفهام هي الوظيفة الرئيسية اليت تسعى إىل حتقيقها مجيع مستويات اللغة ،أما الوظائف
األخرى وال سيما الوظيفة البالغية فهي وظائف مساعدة ينحصر دورها يف تدعيم الوظيفة الرئيسية ومدها
بالوسائل اليت جتعلها أكثر متكنا يف الداللة على الغرض وأشد تأثريا يف املتلقي .يقول ابن جين يف هذا املعنى
:
« فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها ومحوا حواشيها وهذبوها وصقلوا غروبها وأرهفوها فال ترين
أن العناية إذ ذاك إمنا هي باأللفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني وتنويه بها وتشريف منها ،ونظري ذلك
إصالح الوعاء وحتصينه وتزكيته وتقديسه وإمنا املبغي بذلك منه األحتياط للموعي عليه وجواره مبا يعطر
بشره وال يعر جوهره ».
145
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ويتفق البالغيون على اختالف مذاهبهم يف تقدير بالغة الكالم وفصاحته ،كما أن موقف مجيع البالغيني
والنقاد املناهض لكثرة البديع مبين على رأيهم يف وظيفة الكالم واعتبارهم الدالالت على املقاصد من أجل
منافعه.
وما ميكن استخالصه أن العرب كانوا منشغلني يف تصريف الظاهرة اللغوية ،بسالمة املعنى وصحته
وانكشافه أكثر من انشغاهلم باجلانب الفين البحت وما يوشي به اخلطاب من األساليب .فلماذا اعتربت وظيفة
األبانة واإلفهام الوظيفة األساسية يف األدب؟
ميكن أن نكتفي بإبراز سببني نعتقد أنهما قاما بدور مباشر وفعال يف ترويج هذا التصور وتدعيمه وهما
العامل القر آني من جهة واحلدث اجلاحظي من جهة ثانية ،فالقرآن مضمون قوامه الدعوة إىل عقيدة جديدة،
إال أن خدمة الدعوة والتمكني هلا يف قلوب املدعوين وعقوهلم اقتضت أن يكون البناء اللغوي للنص يف نهاية
الفصاحة والبالغة ،ولقد بقي علماء البالغة يبحثون عن احلل األمثل هلذه املعادلة بالربهنة على أنه كالم عربي
مبني ،وأنهم عاجزون رغم اتفاق الوسيلة عن جماراته ،فاألساليب البالغية اليت جاءت يف القرآن أكثر إبانة
عن املعنى ،والتعبري الفين يف أجل صورة وأرقاها ،وعلى هذا النحو ساهم القرآن يف توطيد العالقة بني البالغة
واإلبانة.
ثم جاء اجلاحظ فوضع مؤلفا غدت مبوجبه تلك العالقة معطى قارا يف التفكري البالغي عند العرب ،فمن ابرز
ما ساهم به صاحب «البيان والتبيني يف هذا الصدد ،تنزيله خمتلف األساليب البالغية املعروفة إىل عهده يف
حيز « البيان » الذي اختذ منه إطارا عاما للبالغة والفصاحة ،وقد ترتب عن مباشرة املستوى الفين يف اللغة
من زاوية الوضوح والظهور بروز وظيفة الفهم واإلفهام كوظيفة أساسية لكل فعل لغوي حتى أن أغلب حدود
البالغة اليت أوردها تلح على ضرورة اإليفاء بها ،ومن ثم اختذت معيارا حتدد على أساسه قيمة األساليب،
وموقف اجلاحظ الصارم من الغريب ،وتشدده على شعراء
الصنعة ،وسخريته من علماء اللغة الفرط شغفهم بالغريب النادر ،أمور ال تنفصل عن دفاعه عن الفهم واإلفهام
الذي تولدت عنه أغلب مقاييسه األسلوبية .
ونعتقد أن هذين العاملني ،القرآن واجلاحظ ،قد أثرا تأثريا بعيد املدى يف تقدير العرب لوظيفة الكالم ،
وعمال على ترسيخ فكرة اإلبانة والتوضيح يف صلب نظريتهم األدبية ،وعلى فرض الكثري من املقاييس
األسلوبية اليت تالئم تلك الوظيفة وهو ما يفسر كثرة نقول النقاد والبالغيني املتأخرين عن اجلاحظ وتبنيهم
الكثري من آرائه يف بالغة الكالم.
ولالستعارة ،يف الرتاث النقدي والبالغي ،مكانة متميزة مل ينلها أي أسلوب من األساليب البالغية األخرى
،فلقد كانت حمور دراستهم للمجاز ،وموضوع أغلب املناقشات املتصلة باملفاضلة بني الشعراء وطرق كتابة
الشعر ،كما اعتربت أحد أعمدة الكالم ،وسببا من األسباب املهمة يف بالغة النص « والعدول عن املبتذل
إىل الكالم العالي الطبقة » وجبانب كل ذلك كانوا متشددين يف استعماهلا حذرين من حرية التصرف يف
146
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بنائها وإخراجها على غري املألوف ،ومن ثم جاء تناوهلم هلا ذا وجهني متالزمني :اإلقرار بفاعليتها الفنية وربط
تلك الفعالية بشروط جمحفة تعطل عملية اخللق الشعري وحتد من قدرة اخليال لدى الشاعر.
أهمية االستعارة:
لقد حظيت االستعارة يف صلب النظرية األدبية بكثري من العناية وال سيما يف مؤلفات القرنني الرابع واخلامس،
فاعلب املسائل اليت تناوهلا البالغيون بالدرس عند تعرضهن للمجاز انطلقوا يف طرحها من االستعارة ألنهم
اعتربوها أفضل أنواعه ولذلك فإن أغلب ما قيل يف اجملاز ميكن أن ينطبق على االستعارة .فعبد القاهر يعتربها
عمدة العمل الشعري يؤكد ذلك خروجه عن االعتبار النقدي السائد قبله وتقدميه االستعارة على التشبيه من
حيث الوظيفة الشعرية وقدرة كليهما على التأثري يف املتلقي ،وقد تفطن عبدالقاهر إىل فارق مهم بني التشبيه
واالستعارة ،فبنية التشبيه منسجمة مع أصول االستعمال اللغوي وال تُدخل أي تشويش على منط الداللة ،أما
االستعارة فهي سياق وحيد مبين على تطابق وهمي ومؤقت لدالني يدالن يف األصل على مدلولني خمتلفني القصد
منه اإليهام بوحدة املعنى .ولعل من أبرز ما ساهم به اجلرجاني يف تطوير مبحث االستعارة اعتماده يف تقسيمها
وبيان أنواعها على اجلانب الوظيفي فميز بني االستعارات املفيدة واالستعارات غري املفيدة ،وقد ترتب من هذه
النظرة عدة نتائج هامة :منها تطويره النظرة إىل اجملاز وختليص تلك النظرة من التعصب اجلاهل الذي لوحظ
عند أسالفه ملا قرروا أن اجملازات فضيلة ختتص بها اللغة العربية ،ومنها تدقيقه بالغة االستعارة ورفضه أن
يكون الوجه يولد األثر الفين يف كل احلاالت ،ومن األمور اليت تسرتعي االنتباه يف تناوله ملسألة االستعارة
تعمقه يف فهم بنائها وتقدير مفعوهل ا الشعري ،فلقد كان السائد على النظرية البالغية أن االستعارة تعليق
العبارة على غري ما وضعت له يف أصل اللغة على سبيل النقل ،وقد تطرق اجلرجاني إىل مناقشة مسألة النقل
ووقف منها مواقف وإن كانت ال ختلو من التذبذب واالضطراب ،فنحن باالستعارة ال ننقل كلمة عن معناها،
وامنا ندعي معناها ملعنى كلمة أخرى على سبيل املبالغة.
شروط االستعارة:
لقد أمجع النقاد والبالغيون على أن االستعارة صورة متطورة للتشبيه وإمكانية من إمكانيات حتويل بنية
تكتفي يف العبارة باملشبه به ،وحبكم هذه اخلاصية تتوفر يف االستعارة إمكانية اخللط والتداخل أكثر من
التشبيه وقد ترتب عن اعتبارها صورة من صور التشبيه وفرعاً عليه احلرص على أن تستجيب للضوابط اليت
وقع إقرارها بشأنه ،ومن شروطها:
احلاجة إىل القرينة الدالة على وجود االستعارة
أن يقوم بني املستعار واملستعار منه معنى مشرتك تنبين مبوجبه االستعارة على أساس من التناسب العقلي بني
الطرفني ،والتأكيد على قرب االستعارة وضرورة التناسب القوي والشبه الواضح بني املستعار له واملستعار منه
بلغ عند ابن سنان اخلفاجي درجة من التصلب ،وقد قسم االستعارات إىل قسمني" :قريب خمتار" و "بعيد
مطرح" ،وبناءً على هذا التقسيم راح ينا قش خمتارات السابقني ويرد عليهم مقاييسهم ،فإذا كانت مقاييسهم
تضيق عن احتواء االستعارة املرشحة فمن باب أوىل وأحرى أن تضيق عن االستعارة اليت تسمى يف العرف البالغي
147
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
"االستعارة التخييلية أو املكنية ،ولقد كان الغالب على النقاد والبالغيني استبعاد هذا النوع من االستعارة ألنه
خروج عن مبدأ اإلبانة والوضوح األثري لديهم ،ولقد كان أئمة النقد يضيقون باالستعارات اليت تقوم على
التشخيص ،فكان اآلمدي يتتبع استعارات أبي متام ويعترب الكثري منها يف غاية القباحة والغثاثة والبعد عن
الصواب ،فاآلمدي يتحرك يف نقده من أصول مسبقة توجه تعامله مع التجارب الشعرية ومن جتربة أبي متام
بوجه خاص وأغلب تلك األصول يرتد إىل نزعته اللغوية احملافظة ،وال يستبعد أن يكون بعض أحكام اآلمدي
أثر ديين فأكثر استعارات أبي متام اليت جيدها اآلمدي غثة إمنا تتعلق بالدهر والزمان ،وال خيتلف موقف
القاضي اجلرجاني من االستعارة عامة ومن استعارات أبي متام خاصة عن موقف اآلمدي.
إن االعتناء باجلانب التطبيقي من البالغة حيث تتحول املقررات النظرية والقواعد العامة إىل وسائل عمل متارس
بها التجربة األدبية ممارسة عملية ال تعرتف باحلدود بني البالغة والنقد يبدو على جانب كبري من األهمية،
ولعلنا من خالل دراسة التشبيه واالستعارة بينا أن التفكري البالغي بقي رغم ما جد فيه من تطور الفت مشدوداً
إىل بعض األسس اليت أقيم عليها منذ مطلع نشأته.
ومن أهم تلك األسس مراعاة الوضوح واإلبانة والنظر إىل وظيفة النص من زاوية املنفعة والنجاعة
واحتالل اإلبانة قطب الرحى يف النظرية األدبية وسم نطرة العرب إىل الفن بطابع عقلي ،تبوأت مبوجبه وظيفة
الفهم واإلفهام صدارة الوظائف اللغوية وارتبط حصول التأثري يف املتلقي باإلدراك ومن ثم كان الفهم الشرط
الواجب حلصول اللذة.
و تسلط العقل ينجر عنه حتما « تراجع اخليال » واحنسار قدراته و التحديد من فعاليته يف التجربة الشعرية.
كل ذلك يؤدي إىل التشبث بعدم مصادمة الذوق ألن اخلروج عما يستسيغه يعين تعطيل وظيفة النص والنص
األدبي بوجه خاص .ومن ثم ميكن أن نقول إن حرص النقاد على أصالة الذوق كان أشد من حرصهم على
تطوير ذلك الذوق وتهيئته إىل تقبل جتارب جديدة.
من هذه الزاوية ميكن أن نعد النظرية البالغية وجها من وجوه احملافظة ألنها حتركت من نفس املنطلق الذي
حترك منها النحو ،فلقد حاولت أن تؤسس قوانني عامة انطالقا من جتارب فردية ثم أصبحت حتاكم تلك
التجارب من خالل القوانني.
خامتة القسم الثالث:
متثل الفرتة املمتدة من وفاة اجلاحظ إىل نهاية القرن السادس ازدهار املباحث البالغية واكتماهلا ،ففي هذه
احلقبة بلغت احلضارة اإلسالمية أوجها ،ويف هذه الفرتة شهد الكثري من العلوم واالختصاصات تطوراً حامساً
أفادت منه البالغة فائدة عظمى ،فلقد تبلورت االجتاهات الكربى ،وقد أعانت اخلصومات حول أبي متام ثم
حول املتنيب على ضبط جانب مهم من املقاييس النقدية ،كما أعطى االهتمام مبسألة اإلعجاز نتائجه امللموسة
فوضعت يف شأنه مؤلفات عديدة ،وقد ساهمت هذه املؤلفات يف تغذية البحث البالغي ،إضافة إىل استمرار
أصحابها يف طرح أمهات املشاكل البالغية ،والسبب يف ذلك املالبسات العقائدية املكتنفة مبحث اإلعجاز،
فعلى أساس هذا الصراع وضعت الكثري من املؤلفات ،وقد حصلت يف ذلك مناظرات بني أصحاب الفرق وبني
148
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أفراد الفرقة نفسها ،فتولد الوجه الثالث عن هذه املناظرات وهو متعلق باجلانب املنهجي يف حتديد بالغة
النص ،ويف هذه احلقبة أيضاً ،عرفت معرفة تارخيية ثابتة بعض اآلثار األجنبية املتصلة بفن القول ،ومن أهمها
كتابا أرسطو "الشعر" و "اخلطابة" ،وقد اهتم الفالسفة املسلمون بشرح هذه املؤلفات وتلخيصها ،إىل جانب
تلك املؤلفات اليت تبقى صلتها بالبالغة صلة ثانوية ظهر نوع من املؤلفات بإحصاء الوجوه البيانية وتبويبها ،وقد
تبني لنا بعد استعراض أهم املساهمات بعد اجلاحظ أن كتاب البديع لعبداهلل بن املعتز كان أول مؤلف يقتصر
فيه صاحبه على استعراض مناذج من األساليب البالغية ،وقد مهدت لظهور هذا الكتاب مشاركات بعض
علماء النصف الثاني من القرن الثالث ،حيث استغل ابن املعتز املادة اليت وفرتها تلك املؤلفات وما سبقها من
مؤلفات فكان هلذ الكتاب أثر عميق يف املؤلفات املتأخرة من عدة جوانب:
الرتكيز على خصائص النص وإهمال بعض اجلوانب األخرى اليت كانت طرفاً مهماً يف النظرية . 1
البالغية.
النظر إىل مسألة البديع من زاوية الصراع بني القدماء واحملدثني. . 2
وبعد ابن املعتز يتسارع نسق التأليف فتتعدد املصنفات وتتشابه ويتقص حظ الكثري منها من الطرافة واجلدة
حتى يطلع اجلرجاني يف القرن اخلامس مبؤلفيه "دالئل اإلعجاز" و "أسرار البالغة" فيعطي البحث البالغي نفساً
جديداً
وقد درسنا مصنفات تلك الفرتة على كثرتها من خالل ثالث مسائل وهي :املفهوم واملنهج اإلجراء
ففي قسم املفهوم اهتممنا بزوجي احلقيقة/اجملاز ،والفصاحة/البالغة.
وقد مسحت لنا دراسة الزوج األول بالكشف عن األسس اليت اعتمدها البالغيون والنقاد لتمييز املستوى
اإلنشائي من غريه من مستويات التعبري باللغة ،فتجاوزت القابلة بني احلقيقة واجملاز املالحظات املقتضبة اليت
رأيناها يف مؤلفات اجلاحظ وأصبحت حمور من حماور البحث القارة يف مؤلفات هذه الفرتة ،ولقد تضافرت
جهود العلماء من بالغيني ونقاد وفالسفة وأصوليني لتؤكد على أن التوسل باجملاز هو أبرز خاصية متيز األداء
الفين من غريه.
أما الزوج الثاني "الفصاحة/البالغة" فتحسسنا من خالله حتديدهم ملنبع البالغة يف النص ،وحاولنا من خالله
حتديد ميادين الدراسة األسلوبية وركزنا احلديث على إبراز املضايقات املنهجية اليت واجهها البالغيون والنقاد
نتيجة فصلهم بني اللفظ واملعنى ،فتبنى فريق رأي اجلاحظ املشهور وفهمه على ظاهره ومن ثم راح يدافع عن
اللفظ املفرد والصياغة والشكل باعتبارهما أصل البالغة ،بينما هون الفريق اآلخر من شأن اللفظ والصياغة
وربط البالغة بانتظام املعاني واتساقها ،واعترب البنية اللغوية للنص انعكاس ًا للمعاني وخدماً هلا ،وقد تبني لنا
أن املشاغل املنهجية كانت طاغية على جهود العلماء يف هذه الفرتة ،وتشهد مقدمات الكثري من املؤلفات بأن
البحث عن طريق لتحديد بالغة الكالم كان عامالً مهماً يف حيوية التفكري البالغي وجتدده ،وميكن القول
بأن الرت اث البالغي بكامله بقي يعيش يف تصور أسباب البالغة على النهجني الذين رمسهما اجلاحظ يف مؤلفاته
149
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وهما األساليب واجملازات ،وبناء عليه ميكن اعتبار اجلانب املنهجي من أبرز مظاهر التطور اليت جدت يف
التفكري البالغي يف اجتاه وحدة التصور القائمة على مفهوم "النظم".
وختم نا هذا القسم باب تطبيقي حاولنا من خالله رصد التطورات احلاصلة يف املواقف املبدئية واالعتبارات
النظرية عند مواجهة الكالم األدبي بالشرح والتعليق ،فاقتصرنا على أسلوبي التشبيه واالستعارة ألنهما أفضل
أنواع اجملاز وأحقهما بالشعر يف نظر البالغيني ،وقد كشفت لنا دراستهما عن أمر هام ،وهو سيطرة فكرة
اإلبانة والتوضيح على النظرية األدبية وبقاء التفكري البالغي مشدود ًا إىل األسس اليت تبلورت يف مراحل العلم
األوىل.
اخلامتة العامة:
ملا كانت مؤلفات اجلاحظ أقدم ما وصلنا رأينا أن تكون منطلق حبثنا ،ومبمارسة هذه املؤلفات تبينا أمرين
هامني :أوهلما غزارة املادة البالغية فيها وتبلور كثري منها ،وثانيهما اقتناعنا بأن التفكري يف مجالية اللغة مل
يبدأ مع اجلاحظ ،على هذا األساس احتوى عملنا ثالثة أقسام :ما قبل اجلاحظ اجلاحظ ما بعد اجلاحظ.
إن العوامل اليت ساهمت بصورة مباشرة يف بلورة الوعي حبضور اللغة وبإمكانية تصريفها يف أغراض فنية
تتجاوز اإلبالغ العادي عوامل لصيقة ببنية اجملتمع العربي اإلسالمي الثقافية والعقائدية والسياسية ،ومن أهمها
العامل األدبي والعامل القرآني.
فلقد واكبت نشأة الشعر كممارسة فنية مجلة من اإلشارات واملالحظات النقدية حياول أصحابها تفهم أسباب
تأثريه يف النفوس ،وقد بدأت هذه املالحظات بسيطة ال تعدو االنطباع والتعبري ،وملا تطورت دراسة الشعر تطورت
تلك األحكام ،وقد كان اجلدل الذي نشأ حول القرآن والسيما حول إعجازه رافاً من الروافد الكربى اليت
أمدت التفكري البالغي مبادة ثرية ،كما تطلب التبيان عن إعجاز القرآن البحث عما مييز أساليبه عن أساليب
الفنون األدبية املعاصرة له بإحصاء تلك األساليب والغوص على دقائقها املعنوية.
أما اللغويون فق د برزت مساهمتهم يف حتريك املشغل الفين بطريقتني :فهم أول من اهتم جبمع األشعار وتدوينها
وقد أدى بهم ذلك ب طبيعة احلال إىل إثارة عدد من القضايا املتصلة بلغة تلك األشعار وأساليبها كما تولدت عن
اهتمامه بتعقب سقطات الشعراء وإحصاء حماسنهم نواة عمل نقدي تضمنت إشارات بالغية ال يستهان بها .ثم
إن هؤالء اللغويني اعتمدوا يف تقعيد اللغة على مدونة تتألف من الشعر والقرآن وكالم الفصحاء من األعراب،
ومن الطبيعي أن تهتم املؤلفات اللغوية مبسألة الرتاكيب ،فعمل النحاة يقوم على بلورة العالقة بني املعنى واملبنى،
وتقنني اللغة هو اللبنة األوىل يف البناء البالغي ،فعن تفاعل هذه العوامل يف هذا الطور األول جتمعت مادة بالغية
متفاوتة األهمية ،جاء بعضها يف صورة مباديء عامة تقر إمكانية التصرف يف اللغة والتوسع يف استعماهلا ،أما
املادة املتعلقة بطرق أداء املعنى فقد كان حظها من الشرح والتوضيح أقل من حظ الرتاكيب.
إن ملساهمة اجلاحظ يف تاريخ البالغة مكانة خاصة ترتد إىل مجلة من األسباب:
غزارة املادة اللغوية اليت تضمنتها مؤلفاته . 1
150
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
استطاع أن خيضع اجلانب األعظم من تلك املادة لتصور متكامل ساهمت يف حنت معامله . 2
الظروف احلافة مبساهمته ويف طليعتها الظروف العقائدية ،وقد ساهم سخر رفقاؤه يف املعتقد ــ املعتزلة
ــ أساليب هذه املادة خلدمة الغرض العقائدي واهتموا اهتماماً بتحديد تقنيات اجلنس اخلطابي ألنه
أكثر األجناس األدبية مالءمة ألغراضهم ،إال أن النزعة الشمولية اليت تسم تفكري اجلاحظ وسعت
من اهتماماته الفنية فشغل احلديث عن خصائص الشعر وأسلوب القرآن حيزاً هاماً من مؤلفاته ،فجمع
اجلاحظ لتلك النماذج األدبية املتنوعة وحماولته رد خصائصها إىل مقاييس موحدة أكسب مؤلفاته
طرافة خاصة أهلتها ألن تكون منطلقاً ألهم اجتاهات النقد والبالغة بعده.
طرح يف مؤلفاته أهم األسس اليت سيقوم عليها التفكري البالغي بعده ،ومن اهم تلك األسس . 3
دفاعه عن اإلبانة واعتباره وظيفة الفهم واإلفهام أو "البيان والتبيني" الغاية اليت جتري إىل حتقيقها كل
مستويات اللغة .وقد بقيت اإلبانة مسيطرة على التفكري البالغي طيلة الفرتة اليت تهمنا لذلك حدد
النقاد والبالغيون قيمة األسلوب بقدرته على إيقاع الفهم وعدم قدرته على ذلك.
وقد دفعهم احلرص على وضوح املعنى وإيقاع الفائدة إىل ربط الصق الوجوه باإليقاع اخلارجي كالسجع يف
النثر ،والقافية يف الشعر ربطها باملعنى .وبسبب هذا احلرص ارتبكوا يف فهم بعض مظاهر نظرية أرسطو يف
الشعر كاحملاكاة والتخييل ،ففهموا احملاكاة فهماً آلياً قوامه مطابقة الوصف للموصوف مطابقة تأتي على
كل هيآته ،كما تولد عن اإلبانة احلرص على االعتدال والتوسط يف صياغة النص حبيث يكون مسروداً من
مستوى لغوي بني املقصر والغالي .وقد اعتمدت أغلب املؤلفات املتأخرة هذا املقياس اجلاحظي يف حتديد
الفصاحة.
ولعل من أبرز املقاييس البالغية اليت يتضح من خالهلا مدى تأثري اجلاحظ يف التفكري البالغي مقياس "السياق"
فقد كان الغالب على معناه يف مؤلفاته ،فكرة احملل واملوضع واملقام ،وهي مجلة الظروف املادية واالجتماعية
اليت يتنزل يف نطاقها إجناز النص.
أما على مستوى التأليف فيمكن القول بأن أغلب اآلثار اليت ساهمت بصورة مباشرة يف تطوير املباحث البالغية
ترتد أصوهلا إىل مؤلفات اجلاحظ .ولقد مهدت مالحظاته املتعلقة بالبديع يف الشعر لربوز اجتاه من التأليف
يرتكز على هذا اجلانب ،وقد كان عبداهلل بن املعتز فاحتة هذا االجتاه بكتابه "البديع" ،كما كانت
مالحظاته الدائرة على النص القرآني فاحتة نوع من التأليف ،مادة حبثه النص القرآني وغايته بيان إعجازه،
أما مقاييسه يف جودة الكالم فتولد عنها نوعان من التأليف:
نوع اجته اجتاهاً غايته البحث عن أسس لتحديد القيمة األدبية من زاوية أوسع من مسألة البديع.
ونوع يهتم باملقاييس العامة جلودة الكالم بصرف النظر عن الشكل األدبي احلامل له.
وال شك أن البالغة حبكم ارتباطها بعاملي القرآن والشعر وبالنظر إىل خط تطورها كانت تتحرك يف إطار
مليء بالتناقضات ،ولعل أبرز تلك التناقضات نزعتها املعيارية ،والناظر يف الرتاث البالغي يالحظ أن أصحابه
كانوا منشغلني بضبط بالغة اللغة العربية ووجوه بيانها ال بوصف التجارب األدبية الشخصية واألساليب املالئمة
151
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هلا ،وقد أصبحت قوانني البالغة يف خدمة النص القرآني والنص الشعري ،وقد قام هذان العنصران يف تاريخ
البالغة بدور مزدوج :دور الدافع ودور الكابح يف نفس الوقت ،فالقرآن يف نهاية اجلودة واحلسن والبيان ولذلك
فإن أقصى ما تطم ح إليه البالغة هو أن تطابق تصوراتها تصوراته وأن تكون مقاييسها منسجمة مع طريقته يف
التعبري ،وهذا يؤدي بطبيعة احلال إىل رفض كل املقاييس اليت تتعارض معه.
وكذلك طان الشأن مع الشعر ،فقد ربطوا منذ بداية التأليف البالغي مسألة البديع بالصراع بني القديم
واحلديث ،وق د ترتبت عن هذا التوجه عدة نتائج يف مقدمتها االعتقاد بأن الوجه البالغي مستقل عن السياق
الذي يرد فيه ،ورغم املظاهر السلبية اليت يرتد بعضها إىل احمليط اثقايف والعقائدي ،ويرتد بعضها إىل طبيعة
البالغة ذاتها ،فقد تناول البالغيون والنقاد العرب مسائل ال تزال الدراسات األدبية تطرحها يف نطاق ما يسمى
باألسلوبية ،ولعل من أبرز هذه املسائل انتباههم إىل أن اإلنشائية أو األدبية وثيقة االرتباط بالبنية اللغوية الطريقة
املتبعة يف أداء املعنى ،وهذا يعين أن األدب يستمد خصائصه املميزة من صورة اللغة فيه ورمسه يف هندسة
العبارة ،وق د دفعهم هذا االقتناع إىل التعمق يف دراسة اللغة وانتهى بهم البحث إىل اإلقرار جبودة مستويني
كبريين :مستوى "االحتذاء" ومستوى "اإلنشاء" ،وبالقارنة بني هذين املستويني اكتشفوا ذلك الوقت مفهوماً
يعترب من دعائم األسلوبية اليوم ،وقد أشاروا إليه بوضوح "باخلروج" أو "العدول" أو "التغيري" ،ومن ثم فهما أن
من مميزات اللغة يف األدب خروجها عن مألوف العبارة ،وقد أحاطوا مفهوم اخلروج بكثري من االحرتازات،
ويف هذا االجتاه أثاروا مسألة من أعوص املسائل اليت تواجهها األسلوبية التطبيقية اليوم ،وتتمثل يف معرفة
نصيب املوروث ونصيب امل بتدع ،وقد تفطن بعضهم إىل ما يسمى "متعارف األوساط" وهو يف مصطلحهم يقابل
ما يسمى اليوم "الدرجة الصفر" وهو حمض اصطالح منهجي يعتمد حملاصرة خصائص البعد اإلنشائي يف اللغة.
وهو التأويل الذي يتبناه األسلوبيون القائلون بأن األسلوب هو خروج عن أصل االستعمال.
وليست فكرة « اخلروج » الرابط الوحيد بني التفكري البالغي عند العرب االهتمامات األسلوبية ،املعاصرة .
فقد أشار البالغيون والنقاد ،وهم حياولون تفهم سر الفعل الشعري ،إىل طرق يف التفسري شبيهة بالطرق اليت
تنتهج اليوم لتحديد ظاهرة األسلوب ،ومن ذلك ربطهم «األثر الفيت و « احلالة الغريبة ،اليت تعرتي املتلقي
بعنصر املفاجأة»
وقد توسع العلماء يف حتليل العالقة بينهما ،ورأوا أن بروز الشيء من غري معدنه ومن اجلهة اليت ال يتوقع بروزه
منها ،إذا ينقل النفس مما ألفت إىل ما مل تألف ،حيرك يف السامع قواه املدركة واملتخيلة ،ويدفعه إىل الفهم
واالستكشاف .وعلى قدر اجلهد الذي يبذله إلدراك ما مل يكن ،يف البدء ،مدركا تكون اللذة.
ومن ذلك ،أيضا ،تفسري هم تأثري األدب بقدرته على حتريك طاقات اللغة الكامنة ،واعتماده يف أداء املعنى
على اإلحياء و اإلشارة وترك التصريح .ويف كتب البالغة والنقد سياقات كثرية تؤكد على بالغة اإلجياز
واحلذف وقد تضمنت بعض هذه السياقات آراء ال ختلو من الطرافة ،كقوهلم اإلحياء يوسع جمال التأويل أمام
املتلقي وجيعل الوهم يذهب يف فهم النص كل مذهب حتى لكأن عملية القراءة تنقلب إىل ضرب من االستبطان
152
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الذاتي ،وإذ ذاك تصبح لغة النص جمرد قادح تتداعى له املعاني يف النفس وتصبح داللتها « غائبة » ال تقل شأنا
عن داللتها حاضرة .
الرواية السعودية مثل غريها نص مواز للواقع لكنها تشتغل يف منطقة االنكسار ،سنعمد هنا إىل اختيار ثالث
موضوعات ت عد األبرز يف الرواية السعودية وهي :اآلخر يف الرواية السعودية الرجل يف الرواية النسائية جدل
العالقة بني القرية واملدينة
الفصل األول:
مراحل تطور الرواية:
حنن أمام إيقاعني روائيني حيددان معامل التجربة الروائية .فالظهور األول لرواية التوأمان . 1
لعبدالقدوس األنصاري عام 1930بدا باهتاً ليس من الناحية الفنية فحسب ،بل إن ضعف الرؤية
وهشاشتها هو ما ميكن أن جنده يف احلقبة األوىل من تاريخ الرواية السعودية.
إن ما ميكن أن يكون نظرة خمتلفة هو استحضار السياقات وحتوالت اجملتمع ،فأي حتول يف مسار
الرواية ميكن أن يقرأ ضمن سياق التحوالت ،لذلك فإن الرواية من خالل هذا املنظور تصبح نوعاً أدبياً
تلده التجارب االجتماعية ،ولذلك سنسعى إىل ربط حركة الرواية التارخيية بتحوالت البنية االجتماعية.
فتاريخ الرواية ليس إال جتلي لتغريات اجتماعية عميقة ،يضاف إىل ذلك أن من كتب الرواية يف بداية
تا رخيها ينطلق من وعي بأن الرواية تاريخ حمكي أكثر منها رؤية فنية تتقاطع مع التاريخ واجملتمع.
153
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
154
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ال بهيمنتها.
أ -نوع منقاد الشرتاطات الثقافة مستظ ً
ب -نوع مشاكساً متحدياً وكاشفاً ألدواتها وأنساق اهليمنة يف خطاباتها ،لكنه يف هذه احلالة
حيمل رسالة أقرب إىل الصراخ منها إىل الفن الذي يصنع البدائل اخلالقة للحياة ،هدفه يف هذه
احلالة ثوري إيدلوجي.
ومن خالل استعراض مراحل تطور الرواية جند أن الرواية ظلت مهادنة يف جممل حقبها باستثناء روايات
التسعينات امليالدية وما بعده ،حيث لعبت دوراً معاكساً للثقافة االجتماعية احملافظة ،من خالل البحث
الدائم يف املسكوت عنه يف اخلطاب الثقايف احملافظ.
وملقاربة أكثر وضوح ًا فيما يتعلق بتطور الرواية يف سياق حركة التاريخ من ناحية ،ويف منوها . 4
يف عالقتها باجملتمع أو مفهوم اإليقاع املوضوعي ،نسعى إىل الربط من خالل استعراض مراحل التطور
التارخيي للرواية .والراصد جيد أربع مراحل زمنية شكلت اإلطار التارخيي لتطور الرواية ،هي:
أ -مرحلة النشأة
ب -مرحلة التأسيس
ت -مرحلة االنطالق
ث -مرحلة التحوالت الكربى
مرحلة النشأة: أ.
استهلت الرواية السعودية مسريتها بـــ:
▪ صدور رواية "التوأمان" لعبدالقدوس األنصاري عام ،1930وقد جاءت كبداية فنية ضعيفة فنياً،
وموضوعها األساسي يعاجل مشكلة العالقة احلضارية بني الشرق والغرب ،وقد كان أبطال الرواية
"رشيد وفريد" رشيد الذي تعلم يف املدارس الوطنية كان أكثر التزاماً ورقياً علمياً وإنسانياً ،بينما
أخوه فريد الذي تعلم يف املعاهد األجنبية خسر حياته ألن هذه املعاهد دفعته للفساد ،وقد جاءت الرواية
فقرية يف مضمونها ضعيفة يف بنيتها.
▪ إىل جانب رواية التوأمان ظهرت جمموعة روايات تتسق مع اخلط الذي سلكته رواية التوأمان ،فتأتي
الرواية الثانية "فكرة "1947ألمحد السباعي حيث بدت أكثر تعبرياً عن التطلعات االجتماعية احلديثة
من خالل البطلة "فكرة" اليت تنظر إىل واقعها وتنظر إىل ما هو أبعد من واقعها رغبة يف تلمس سبل
النهوض.
▪ تلي رواية "فكرة" رواية "البعث "1948حملمد علي مغربي ،وهي تطرح إشكالية العالقة احلضارية مع
اآلخر من خال أسامة الزاهر الذي اضطره مرضه ألن يبحث عن العالج خارج البالد.
وقد متيزت هذه املرحلة بطوهلا الزمين بدءاً من عام 1930حتى عام ،1954ورغم هذا الطول النسيب فقد
اتسمت هذه املرحلة بقلة اإلنتاج الروائي باإلضافة إىل ضعف املستوى الفين .كما غلبت على تلك الروايات
النزعة اإلصالحية االجتماعية.
155
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
156
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ما نود أن نصل إليه أن الروايات النسائية اليت صدرت يف الستينيات حتى مطلع الثمانينيات امليالدية
ليست نتاج البيئة االجتماعية والتعليمة للمجتمع السعودي ،بل نتاج جتارب نسائية فردية تنورت تعليميا،
وثقافيا يف بيئة خارج اجملتمع السعودي .فرغم نسبة األعمال إىل هوية كاتباتها ،فهي نسبة تتوخى اهلوية
الوطنية ،وليس هوية التكوين الثقايف واالجتماعي للفرد.
وملقاربة أكثر وضوحا ميكن النظر يف روايات مسرية خاشقجي وهدى الرشيد وهند باغفار الصادرة
يف فرتة الستينيات والسبعينيات امليالدية ،فهي أعمال تقدم داللة حية على « هذا النمط من الكتابات
اليت استفادت من الرتبية الثقافية اخلارجية يف تقديم هذه الروايات ونسبتها إىل الرواية السعودية حبكم
انتمائهن الوطين ال الثقايف .فسمرية خاشقجي ،على سبيل املثال ،تربت تعليمية وثقافية وقيميا خارج
اجملتمع السعودي ،ومعظم رواياتها تدور يف سياق غري اجملتمع السعودي مثل رواية (ذكريات دامعة) أو
رواية (بريق عينيك) .وحتى الروايات ،مثل (قطرات من الدموع) ،اليت كتبتها عن اجملتمع السعودي
تعد كتابة من اخلارج ،أفكارها مسبقة و حوادثها جاهزة لتجيب عن قلق الكاتبة ،ال أن تعاجل
التكوينات االجتماعية بواقعية شديدة اخلصوصية والصلة باجملتمع يف حركته اليومية .وال خترج رواية
(الرباءة املفقودة۱۹۷۲ ،م) هلند باغفار ،ورواية هدي الرشيد (غدا سيكون اخلميس۱۹۷۷ ،م) ،وهما
روايتان صادرتان يف فرتة السبعينيات امليالدية ،عن معاجلة بعيدة عن أجواء البيئة السعودية ،حيث تدور
أحداث الروايتني يف بيئتني خارجيتني .ويف املقابل ،نلحظ يف الروايات النسائية السعودية اليت صدرت
يف فرتة التسعينيات امليالدية وما بعدها تغرياً جوهرياً ،حيث نلحظ عمق املعاجلات الروائية وقدرتها
على إحداث صلة بالواقع اليومي.
إن الرواية هي نتاج سياقات وجتارب وليس جمرد ظهور إصدار .إن البداية املفرتضة للرواية النسائية
السعودية اليت ولدتها جتربة تعليم الفتيات النظامي ميكن رصد مالحمها مع بدء صدور روايات
كاتبات الثمانينيات من أمثال آمل شطا يف روايتها (غدا أنسى۱۹۸۰ ،م) ،ورجاء عامل يف روايتها (
صفر۱۹۸۷ ،م) ،وبهية بوسبيت يف روايتها (درة من األحساء۱۹۸۷ ،م) ،وصفية عنرب يف روايتها (وهج
من بني رماد السنني۱۹۸۸ ،م) ،وصفية بغدادي يف روايتها (ضياع والنور يبهر۱۹۸۷ ،م) .ورغم قلة اإلنتاج
الروائي وضعفه الفين باستثناء نسيب لرواية /4صفر ،فإننا نتحدث عن مثرة التجربة النسائية مع التعليم
والتحول النسيب للمجتمع حنو األخذ بأسباب التمدن .إن هذه احلقبة متثل رمزيا ،بالنسبة للمرأة،
اللحظة اليت بدأت حتيك خطابها الروائي وتعلن بدء إسهامها الثقايف واإلبداعي.
وامتداداً ملرحلة التأسيس يف مسرية الرواية نصل إىل حقبة السبعينات اليت تبدو مشابهة ملا قبلها من
حيث ضعف اإلنتاج الروائي وقلته ،وباستثناء رواية " الشياطني احلمر" اليت تتحدث عن أزمة اختطاف
وزراء البرتول العرب ،فإن روايات هذه املرحلة على قلتها تركز على قضايا املرأة يف اجملتمع السعودي
من حيث إشكالية وجودها يف جمتمع حمافظ وضرورة حصوهلا على حقوقها االجتماعية.
مرحلة االنطالق: ت.
157
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
تنطلق هذه املرحلة مع بداية الثمانينات امليالدية ،وتعد هذه املرحة بداية انفتاح اجملتمع وحتسن وضعه االقتصادي
وزيادة رقعة التعليم وتنوع قنواته وبداية خمرجاته ،وتوسع جتابه واحتكاكه باجملتمعات األخرى ،فالصراع
بني ق ناعات اإلبقاء على التقاليد وبني الرغبة يف مواكبة املستجدات واالندماج فيها هو أحد أعمدة النشاط
الروائي يف حقبة الثمانينيات ،ويتمثل ذلك يف روايات عبدالعزيز مشري الذي التقط مفارقة التوتر بني منطني،
ورغم واقع الرواية السعودية يف حقبة الثمانينات مل يكن قد سجل احلضور الالفت الذي نشهده اليوم ،فإنه
ميكن اعتباره نقطة انطالق حنو تسارع اإلنتاج وتزايده ،وقد عربت الرواية السعودية يف مرحلة الثمانينيات نفق
التباطؤ وجتاوزت هشاشة التجربة الفنية والفكرية ،فكانت روايات عبدالعزيز مشري أكثر تسارعاً كماً،
حيث قدم مخس روايات خالل عشر سنوات هي (الومسية۱۹۸۹ ،م) ،و( الفيوم ومنابت الشجر)۱۹۸۷ ،
و(احلصون۱۹۹۲ ،م) ،و (ريح الكادي۱۹۹۳ ،م) ،و(يف عشق حتى،)۱۹۹۹ ،
و(صاحلة .)۱۹۹۷ ،ثانيا ،تقدميه لرؤية اتسمت بالبحث عن نقاء اإلنسان يف واقع متغري .وتبدو رواياته للوهلة
األوىل معادية للتمدن ،غري أنها يف حقيقة األمر ،تطرح سؤال اهلوية .ورغم احلضور الكثيف للمشري فقد ظل
وحيدا يف فرتة الثمانينيات.
158
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اليت إن مل تكن صادمة فهي مل تكن تقليدية ال يف موضوعاتها وال يف تقنياتها السردية .كما ساهم تركي
احلمد ،وهو املفكر وصاحب الرأي واألكادميي ،بكتابة رواية أشبه بالسرية أو سرية أشبه بالرواية،
فالقصييب واحلمد سيبقيان طويال يف ذاكرة املشهد الروائي ،فهما اللذان صنعا إيقاع الرواية املتسارع ،وحرضا
جيال من الكتاب والكاتبات على جرأة غري معهودة يف الطرح الروائي .ويشكل عبده خال يف هذه احلقبة
امساً ال معاً يف كتابة الرواية املختلفة ذات النكهة الشعبية واألسطورية وخاصة يف روايته األوىل "املوت مير من
هنا ،"1995لقد كانت مرحلة التسعينيات وخاصة أواخرها وما بعدها مرحلة روائية خصبة اندفع فيها الكتاب
األحدث سنا إىل تقديم روايات مهمة على صعيد التطور التقين من أمثال عبد اهلل التعزي وروايته (احلفائر
تتنفس۲۰۰۱ ،م) ،وحممد حسن علوان وروايته (سقف الكفاية۲۰۰۲ ،م) ويوسف احمليميد وروايته (فخاخ
الرائحة۲۰۰۲ ،م) ،وعبد احلفيظ الشمري وروايته (فيضة الرعد۲۰۰۲ ،م) ،وعبد اهلل ثابت وروايته (اإلرهابي
۲۰۰۵ 20م) وغريهم .و ال يكتمل احلديث عن جتربة الرواية إال باحلديث عن دور املرأة يف كتابة الرواية يف
هذه املرحلة ،فاحلضور الفعلي للكتابات النسائية الروائية بدأت يف حقبة الثمانينيات امليالدية من خالل
كوكبة من األمساء اليت دخلت املشهد الروائي ألول مرة ،من أمثال :أمل شطا ورجاء عامل ،وبهية بوسبيت،
وصفية بغدادي ،وصفية عنرب ،ثم توقف إسهام املرأة تقريبا حتى مرحلة التسعينيات امليالدية عندما بدأت رجاء
عامل يف تقديم جتربتها املختلفة من حيث الكم وطريقة التناول وطبيعة املوضوعات األثرية لديها وخاصة رغبتها
الدائمة يف اكتشاف ميتافيزيقية الواقع إذا جاز التعبري .فهي تنطلق من الواقع من أجل أسطرته كما يف رواية
(مسرى يا رقيب۱۹۹۷ ،م) ،أو يف رواية (خامت۲۰۰۳ ،م) .وميكن للقارئ أن يتوقف أيضا أمام التجارب األحدث
مثل جتربة ليلى اجلهين يف رواية (الفردوس اليباب۱۹۹۸ ،م) ،ورواية نورة الغامدي زوجة البوصلة۲۰۰۲ ،م)،
ورواية مها الفيصل (توبة وليی۲۰۰۳ ،م) ،ورواية نداء أبو علي (مزامري من ورق۲۰۰۳ ،م) ،ورواية رجاء الصانع
(بنات الريض 2005م) ورواية بدرية البشر (هند والعسكر 2006م) ورواية أميمة اخلميس (البحريات 2006م).
إن العالقة بني الثقافة احملافظة والرواية عالقة ضدية دائما ،ألن الثقافة احملافظة هلا اشرتاطاتها ،ويف املقابل
فان الرواية ال تصبح رواية مؤثرة إال إذا جاءت وفقا الشرتاطات الفن الروائي ذاته ،ووفقا لرؤية وموقف كاتبها
من القضايا جمتمعه.
من هنا خرجت الرواية على ثقافتها ،وسعت لتقديم نفسها نصاً ميتلك زمام نفسه .لقد واكبت املتغري االجتماعي
والسياسي من حوهلا ،وسعت إىل صنع جبهتها النقدية لقضايا كانت يف عرف املسكوت عنه .فجاءت الرواية
حمملة بوعي غري مسبوق بضرورة تقديم الذات للمساءلة الروائية .فاملفارقة اليت يلحظها املتابع للرواية يف
السعودية هي أنها بدأت إصالحية وانتهت كاشفة ومتقاطعة مع الواقع وأقل مثالية يف نظرتها للمجتمع .غري أن
هذه اجلرأة النسبية اليت وصلت إليها الرواية يف السنوات األخرية حرمتها من التواجد داخل البالد.
الفصل الثاني :مضمون اخلطاب الروائي:
بداية نبني أن هناك فرقا بني املوضوع أو املضمون الروائي وبني مضمر اخلطاب الروائي.
159
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فاملوضوع حضور يفرضه تفاعل الكاتب مع واقعة اخلارجي ،حيث تتشكل الرؤية وتتحدد وسائل التعبري
السردي ،بينما اخلطاب نفسه يشكل الوعي اخلفي الذي قد ال يشعر به الكاتب نفسه أحيانا ،بل يكتشفه
القارئ ويبين عليه الفرضيات املعرفية اليت حتدد مالمح اخلطاب الروائي يف حقيبة معينة.
واخلطاب محولة مضمرة يستنطقها القارئ من منطوق السرد وجدل الشخصيات وحركة األحداث يف نسق
حيدد منط التفكري العام وحيدد املقوالت وعالقتها بشخصيات العمل.
والراصد للرواية السعودية يلمس عناية جمموعة من الكتاب والكاتبات على امتداد تاريخ الرواية السعودية
بعدد من القضايا ذات الصبغة الشمولية ،مع معاجلات تتسم بالتفرد يف التناول وبناء الرؤية اإلبداعية .ومن أبرز
املوضوعات اليت يتكرر ورودها يف الرواية السعودية جند موضوع األخر ،حيث يشغل حيزا معقوال يف الرواية
وهو موضوع يتسم بالديناميكية الفاعلة نتيجة لعمق التحوالت اليت مر بها اجملتمع ووقع أثرها املباشر على
صناعة الرواية .كما يأتي موقع الرجل يف الرواية النسائية من املوضوعات املهيمنة اليت شكلت رؤية روائية
عميقة الداللة .لقد تشكلت نظرة املرأة للرجل يف حميط اجتماعي اتسم باحملافظة على األمناط االجتماعية
املتوارثة .فجاءت الرواية بناء سردياً ينتصر للمرأة أو يكشف معاناتها على أقل تقدير من أجل إحداث معادل
سردي ملا تعانيه املرأة واقعياً .أما موضوع العالقة بني القرية واملدينة ،وهو موضوع يأتي على خلفية صراع القيم
يف جمتمع متغري .فمشكلة املرأة مع الرجل هي يف املقام األول مسألة اختالل يف القيم االجتماعية ،وتغري يف
معطيات الزمن االجتماعي وما رافقه من تنمية متسارعة ومستجدات فرضت على اجملتمع إعادة النظر يف
الكثري من املسائل .كما أن موضوع اآلخر هو ناتج التحوالت وضرورات االنفتاح وحتمية االحتياج اليت ولدتها
عوامل التنمية الداخلية.
اآلخر يف الرواية السعودية: . 1
أ -إن موضوع اآلخر يف الرواية السعودية ليس جمرد موضوع روائي بل هو مشكلة حضارية وجدت
ف يه الرواية مادة ثرية للتناول ،فاآلخر هو الذي خيرج عن التكوين االجتماعي بكل ما جيمعه
من األطياف االجتماعية املختلفة ،فكل آخر يف الرواية يعد نقطة صراع ختتلف يف أبعادها
وتؤكد بدرجات خمتلفة أزمة اجملتمع مع هذا اآلخر ،فاآلخر ليس اختالف عرق أو جنس بل
اختالف حضارة ومنطلقات دينية وثقافية .وإذا كانت العالقة مع اآلخر ،خارج أسوار الرواية،
تأخذ يف الغالب موقف التوجس واالرتياب وعدم القبول واخلوف من التأثري يف منظومة القيم
اخلاصة ،فإن جتارب الروائيني مل تبتعد عن هذه الصورة إمجاال ،وقد ظهر موضوع اآلخر يف
الرواية السعودية أكثر إحلاحا من أي موضوع آخر ،فجاءت موجة الروايات األوىل مأسورة بهذا
املوضوع ،معاجلة له بتنويعات خمتلفة بني الرفض واالنبهار واحلياد النسيب .ولعل هذا االهتمام
املبكر الذي تبلور يف رواية (التوأمان) لعبدالقدوس األنصاري ،ورواية (البعث) حملمد علي
مغربي ،ورواية (مثن التضحية) حلامد دمنهوري يؤكد قلق الرؤية لألخر ومدى التوتر الناتج
عن رؤية اآلخر بني اخلوف منه واحلاجة إليه .وقد تنوع اآلخر يف هذه الروايات ،فجاء غربيا يف
160
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
رواية التوأمان بكل أبعاده احلضارية ،أما آخر رواية البعث فقد كان آسيويا هنديا بالتحديد،
وآخر رواية مثن التضحية فهو العربي املصري ،وأياً تكن رؤية اآلخر فهي رؤية قلقة.
ب -يتحقق البحث يف حضور اآلخر من خالل التوقف أمام روايات حضر فيها اآلخر مبالمح واضحة
تسمح باستقراء أبعاد هذا احلضور ودالالته:
• رواية التوأمان لعبد القدوس األنصاري :1930هي أول رواية صدرت يف األدب السعودي،
وبعيدا عن مستواها الفين الذي يتسم بالضعف ،بل عدم اإلملام بأصول الفن الروائي،
فإنها رواية تقوم على منطية تقليدية ،وتنحو منحى يف بناء األحداث وتكوين
الشخصيات .فهذا أب يرتك البنيه رشيد وفريد أن يقررا ،وهما السادسة من عمرهما،
أي املدارس خيتاران .فيختار رشيد التعليم يف الوطين التقليدي الذي يقدم علوم الدين
واللغة العربية ،بينما فريد خيتار الدراسة يف أحد املعاهد األجنبية .فالكاتب قد أعد
التكوين الشخصي واالجتماعي للطفلني سلفا ،لتكون أفعاهلما نتيجة حمتومة،
وعليه ،فليس هناك أي جمال للتجربة فالرواية غري واقعية ،بل رواية صراع أفكار أراد
املؤلف أن يصل بها ومن خالهلا إىل التحذير من خطر اآلخر .إن التمثيل بامسني (رشيد
وفريد ) له داللة األصل واهلامش .فاألصل هو الرشاد ،واهلامش الضالل .لكاتب يرى
أن فريدا رغم احنرافه هو حالة شاذة يف جمتمع تسوده قيم احملافظة ،وهو وحيد جيب
نبذه والتأكيد على إقصائه ،وهي دعوة إيديولوجية لالستغناء عن حضارة الغرب دون
البحث يف املمكن من هذه التجربة اإلنسانية .بهذا التخطيط ووفقا لسري األحداث تنحاز
الرواية ضد األخر وثقافته وما ميكن أن يقدم للمجتمع .فاآلخر يف رواية التوأمان شر
مطلق معاد للقيم احملافظة وميكن أن تؤخذ حداثة سن الطفلني (رشيد وفريد) على
أنها تعبري رمزي عن حداثة اجملتمع وحداثة الصراع يف سياقه احملافظ .ويف رواية
األنصاري ال مكان للحلول التوفيقية ،حل واحد هو أن تبقى حمافظا ،وأن ترفض
الغرب بأكمله .إن الرواية بهذا التصور معادية ملشروع التحديث الذي كان متزامنا مع
بدء الدولة الفتية.
• رواية البعث للمغربي :1948تستحوذ فكرة اآلخر على رواية (البعث) للمغربي ،حيث
يدخل بطل الرواية أسامه الزاهر يف انبهار من منجز اآلخر .فهو يقارن بني موطنه وبيئته
يف احلجاز وما يعرتيها من تأخر ويف املقابل يرصد معامل التطور والتقدم املدني يف اهلند.
فبعد أن عاد عمل على تغيري ما ميكن تغيريه ،وحمرك ذلك جتاوبه مع اآلخر .إننا يف
رواية البعث أمام معطيات عديدة .نبدأ باملقارنة بني مكانني وتنتهي بإبراز عظمة
اإلسالم .لقد انبهر أسامة باألخر .لكنه مل يقع يف دائرة االستالب ،بل السعي لألخذ
بأسباب التفوق .فمرض أسامه مرض جمتمع شفاؤه يف عدم االنكفاء على الذات،
وميكن أن حيمل زواج أسامة العربي من كييت اهلندية على ضرورة التعايش والتقارب.
161
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أعتقد أن اندفاع أسامة حنو األخر وانبهاره به كان غري مشروط ،ومل تكن مسألة
احتواء األخر على أجندة أسامه ،بل االنبهار والسعي خلف األخر هو األصل.
• متن التضحية حلامد دمنهوري :1959لقد قدمت رواية مثن التضحية صراع الذات مقابل
اآلخر .وهذا الصراع عادة هو صراع رغبات ذاتية يكون احلب احلامل أحد أبرز معاملها،
وهي إشارة رمزية إىل طبيعة العالقة مع اآلخر يف سياق الثقافة احملافظة .عندما فضل
أمحد الزواج من ابنة عمه فاطمة غري املتعلمة على فائزة املثقفة الوجه اآلخر لفاطمة اليت
تعرف عليها يف مصر بدافع الوالء االجتماعي ،فحبه لفاطمة مدفوع بالعاطفة ،أما حبه
لفائزة فحبٌ عقالني تلتقي فيه املتعة الفكرية باجلمال اإلنساني ،إن التناظر بني فاطمة
وفائزة هو تناظر بني جمتمعني خمتلفني ،واحد متعلم واآلخر الزال يقبع يف أحضان
التخلف ،ورغم أن الكاتب ال يسقط جتربة اجملتمع املصري على اجملتمع املكي ،فإن
الرواية توحي بالفوارق وخاصة يف جمال التعليم عامة ،وتعليم املرأة خاصة .فالرجل ما
يزال يرى أن نهاية املطاف للمرأة هو الزواج والبيت .إن حمور الرواية هو شخصية أمحد،
وهي شخصية حمددة املعامل شخصية رومانسية حاملة ،لكنها ذات تطلع للمستقبل،
فبعقد قرانه على فاطمة ،ابنة عمه ،إشارة ألزمة التمسك بالتقاليد ،وتهتم الرواية
كثريا بعالقته بفائزة وحبه الصامت هلا ،الذي ينتهي بتضحية أمحد بفائزة من أجل
فاطمة ،وإ ذا كنا نعترب رواية مثن التضحية أفضل من الناحية الفنية ،فإنها قد عاشت
جتربة خماض صعب يف حماولتها تقديم صراع بني ثقافتني ،ثقافة حمافظة وأخرى
مستشرفة لواقع آخر ،متسلحاً بالعلم ،لكنها يف النهاية هادنت سلطة اجملتمع وأبقت
مكتسبات الثقافة احملافظة يف وضعها التقليدي.
ث .اآلخر يف التجارب الروائية املتأخرة :يتجدد حضور اآلخر يف عدد من الروايات اليت صدرت يف
حقبة الثمانينيات امليالدية .لقد تزامن صدور هذه الروايات مع انتقال اجملتمع من حد الكفاية يف
العيش إىل طفرة اقتصادية غريت من طبيعة اجملتمع ودفعته إىل مزيد من احلراك االجتماعي ،لقد
أصبح األخر حاضراً بقوة يف حياة اجملتمع وحتول وجوده بيننا أو الذهاب إليه ضرورة اجتماعية
واقتصادية ،ينقطع أثر اآلخر يف الرواية السعودية وال يظهر جمدداً إال مع موجة الروايات اليت
صدرت يف الثمانينيات امليالدية .فيظهر األخر بوضوح يف رواية (غدا أنسى۱۹۸۰ ،م) ألمل شطا،
ورواية (السنيورة ۱۹۸۰م) لعصام خوقري ،ورواية (حلظة ضعف۱۹۸۱ ،م) لفؤاد صادق مفيت .وتعد
رواية (غداً أنسى) األوفر حظا يف تناول اآلخر من منظور هو أقرب لالستعالء .أما اآلخر هنا فهو
آخر ينظر إليه بدونية .فاآلخر هنا مسخر للخدمة وللوفاء مبتطلبات األنا .فهو أضعف ،وأقل شأنا
من أن يتم التعايش معه إنسانياً .إن عبداجمليد يعد رمزا أكرب لنظرة من االستعالء وتسخري اآلخر،
وخاصة عندما يكون هذا اآلخر غري غربي.
162
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ويف رواية (حلظة ضعف۱۹۸۱ ،م) لفؤاد صادق مفيت خيارا آخر لتأسيس عالقته باآلخر إال عن
طريق الزواج ،ورغم أن هذا الزواج يثمر عن طفل ،فإنه ينتهي بالطالق .ولعل العنوان جيسد فكرة
الرواية من حيث العالقة مع اآلخر ،وكأن اخلطاب يفصح أن التقارب مع اآلخر الغربي على وجه
التحديد نقطة ضعف.
وال ختتلف رواية (السنيورة۱۹۸۰ ،م) لعصام خوقري يف اختاذ الزواج مربرا ورمزا للقاء األخر .إن
الصراع مع األخر صراع مستديم وعميق .فوالد حسني يرفض زواج حسني من الفتاة اإليطالية .ولعل
يف قبول أم حسني هذا الزواج ومباركته ما ميكن أن نرى فيه قدرا من الرؤية البعيدة اليت ميكن
أن يكون هذا اللقاء فاتح للتقارب ال التباعد.
خيطو خطاب االستعالء خطوة أكرب .ففي رواية غدا أنسى حيدث ما هو متوقع .فاآلخر منظور إليه
بالدونية مسبقا .غري أن خطاب رواية السنيورة املضمر يذهب بعيدا يف تأكيد هذه النظرة
االستعالئية غري الواقعية .فاآلخر هنا غربي ،وال بد من إخضاعه لشروط ثقافة االستعالء.
إن املتتبع للرواية العربية ،على سبيل املثال ،موسم اهلجرة إىل الشمال للطيب صاحل ،أو قنديل أم
هاشم ليحيى حقي ،أو عصفور من الشرق لتوفيق احلكيم ،يلحظ مفارقة عجيبة ،وهي أن األنا
ميثلها رجل ،بينما اآلخر ميثله امرأة .فهل هي مصادفة أن جيمع الروائيون على أن الرجل هو ممثل
الشرق يف صراعه مع اآلخر الغربي أليست نوايا اخلطاب هي اليت حترك هذه النظرة االستعالئية
يف العالقة بني الطرفني .ورغم أن النماذج املذكورة آنفا تشكل صدمة يف النهاية حيث يندحر
الرجل الشرقي يف مقابل متاسك وتعنت املرأة الغربية .املالحظة األخرى هي الذهاب إىل اآلخر،
وغزوه يف عقر داره ال بدعوى احلوار ،بل مبعنى االستيالء.
كيف نقرأ اآلخر يف الرواية السعودية؟
األنا يف الرواية السعودية ميثلها الرجل ،بينما اآلخر متثله املرأة كما يف الرواية العربية .فماذا
ميكن أن نقرأ يف هذا السياق .ال شك أنها النظرة احملافظة يف ذاكرة الثقافة العربية جتاه الرجل
واملرأة .فالرجل قوام واملرأة تابعة ،الرجل صاحب سلطة ،واملرأة حاضنة ومستقبلة.
وميكننا أن مند فرتة املسح حلضور اآلخر إىل ما هو أقرب زمنيا كشاهد على بقاء النظر السلبية
االستعالئية
على اآلخر .صدرت بعد احلادي عشر من سبتمرب سلسلة من الروايات اليت حضر فيها اآلخر بقوة،
وبأسئلة أكثر حدة وإحلاحا .من هذه الروايات نباح۲۰۰۵ ،م) لعبده خال( ،البحريات۲۰۰۹ ،م)
ألوميمة اخلميس( ،فخاخ الرائحة۲۰۰۲ ،م) ليوسف احمليميد ،وبعد املطر دائما هناك رائحة،
)۲۰۰۳لفاطمة بنت السراة ،حيث تعد من أكثر الروايات إثارة ملفهوم اآلخر بعد احلادي عشر من
سبتمر.
163
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ف رواية (بعد املطر دائما هناك رائحة) تقوم على فرضية احتواء اآلخر ،بل وإمكانية تغيري هويته
الدينية واالجتماعية واللغوية ،فهي نص سردي أثقلته إيديولوجيا الكاتبة ،وهيمنت عليه فكرة ذم
اآلخر ،ويف املقابل اإلعالء من الذات .وتتلخص الرواية يف ختلي لينا املسيحية اليت تقيم مع زوجها
يف السعودية عن طفلها الذي تركته لدى أسرة سعودية واختفت دون بيان أسباب لقد شكل هذا
التخلي عن الطفل صدمة ومركزاً لكل
أحداث الرواية .إذن تبين الرواية فكرتها على فساد الفعل ال فساد االعتقاد .إن خطاب الرواية
يتحرك على أرضية إيديولوجية خصبة ،حيث ينتفي نقد الذات ،ويتأكد خطل اآلخر .نشرت هذه
الرواية يف عام ۲۰۰۳بعد أحداث احلادي عشر من سبتمرب بكل ما هلذه األحداث من تأثريات عميقة
عامليا وعربيا .ولعل خطورة هذه األحداث أنها مست شيئا من تكويننا االجتماعي والثقايف والديين،
لذلك ،فإن هذه الرواية متثل بيانا إيديولوجيا يف الرد على أمريكا .وهناك صفحات تذم حضارة
أمريكا ،وهناك صفحات تشرح عقيدة التوحيد يف أصوهلا األولية.
لقد مرت مناقشة حضور اآلخر يف الرواية السعودية من خالل التوقف أمام حمطات خمتلفة من
مراحل منو الرواية السعودية ،حيث هيمن خطاب غري متجانس مع طبيعة اآلخر ،إما خوفا منه
كما يف رواية ( التوأمان) ،أو جهال به كما يف رواية (مثن التضحية) ،أو استعالء عليه كما يف
روايات (غدا أنسى ،السنيورة ،بعد املطر دائما هناك رائحة) .وقد آثرنا يف مناقشة هذا املوضوع أن
نقف على أول رواية صدرت .فاآلخر يف هذه الروايات كان عدوا ،وشرا ،وفسادا ،وموضوعا
لالستعالء عليه .لقد ساعد على شيوع هذه الثقافة الطاردة لآلخر حجم التحدي الذي مثله اآلخر
عموما ،واآلخر الغربي خصوصا ،يف حياة األمة العربية منذ زمن بعيد .لقد كان اآلخر دائما يذكر
اجملتمعات العربية يعجزها وضعفها.
ولعل أخطر ما يف موضوع اآلخر يف ثقافتنا أن صورته جاءت تعميمية ،وانتقامية ،واستعالئية .فاآلخر
دائما هو الطامع فينا ،واآلخر هو املهيمن على قرارنا.
موقع الرجل يف الرواية النسائية: . 2
أصبح موضوع الرجل مالزما للرواية النسائية ،لذا فقد صح أن نتوقع أن كل رواية تصدر ما هي إال
وقفة مساءلة مع الرجل .وحضور الرجل يف الرواية النسائية يبدأ من الصفة الفردية للرجل ليصل إىل
الرجل بوصفه السلطة واملرأة إذ تطرح خطابها الروائي تطرحه من منظور التشكي والتنديد واحملاسبة
وحتميله خلل منوها إمجاال .لقد شغل موضوع الرجل حيزا من فضاء القول يف الرواية النسائية فقد جاء
موضوع الرجل سلبياً يف معظم الروايات ،وإذا كانت سلطة الرجل الفرد نسبية ،تنقص وتزيد من
شخص إىل آخر ،فإن السلطة يف حالة الرجل املؤسسة نقيض ذلك ،ولعل أطرف ثيمة علقت يف اخلطاب
الروائي النسائي هو عدم احتمال فكرة وجود الرجل مع وإىل جانب املرأة .فاملرأة ترى وجود الرجل
مقيدا حلضورها ،بل خطرا ينبغي اخلالص منه ،لقد كان وجود الرجل اخليالي منطقة ثرية إلقصائه
بالقتل أو العجز أو سوى ذلك .لقد كشف خطاب الرواية النسائية أنه ال وجود للمرأة إال يف غياب الرجل.
164
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وهذا التصور خطاب ختتزله الرواية النسائية يف سعيها لتحقيق مكاسب اجتماعية حرمت منها املرأة
يف مواجه الرجل يف أرض الواقع .فتحول السر الروائي عند املرأة إىل تصفية حسابات مع الرجل.
ففي رواية (امرأة فوق فوهة بركان۱۹۹۹ ،م) لبهية بو سبيت يظهر الرجل املتآمر على املرأة .فشريفه
املراهقة يزوجها أبوها ألمحد الكهل ،وتكاد الرواية تسري يف صورتها النمطية هذه حتى صعدت
الرواية خطابها بإقصاء عنفوان الرجل ،حيث أصيب أمحد /الزوج بالعجز واملرض مما السمح لشريفة
أن تتمرد على ظروفها وأن خترج للحياة باحثة عن عمل حيفظ لألسرة قوامها االجتماعي .وهنا يظهر
بوضوح عجز الرجل مقابل حركة املرأة ،فغيابه يف مقابل حضورها.
ويف حاالت أخرى رمبا جند رجال نبيال ،لكن مشكلته أنه يغيب املرأة بدافع احلماية والرعاية .ولعل
رواية (آدم ....يا سيدي۱۹۹۵ ،م) ألمل شطا تفرتض الرجل النبيل يف شخصية الزوج محزة ،غري أن
خطاب الرواية اخلفي يتسلل دون وعي ليقول إن غياب محزة /الرجل النبيل يف رواية آدم ..يا سيدي)
كان خريا لزوجته وعليها .فقد اكتشفت كيف جترب إدارة حياتها ،وتربي أبناءها ،وختوض معركة
إصالح شامل للمجتمع من حوهلا ،لقد ذاقت كيف تعيش استقاللية غري عادية ،ورغم نبل الصورة
وحسن غايتها ،فإن داللة غياب الرجل هو حضور باملقابل للمرأة ،حيث ال حضور للمرأة إال بغياب
الرجل.
ويف رواية ليلى اجلهين (الفردوس اليباب )۱۹۹۸ ،بين خطاب الرواية إمجاال لبيان فساد الرجل ،وتطهري
املرأة .فقصة احلب بني عامر وصبا تتحول إىل قصة إدانة عامر الذي خدش أحشاء صبا دون حق ،إن
عامر غري األخالقي غائب عن الرواية ،ال حضور له إال من خالل شكوى صبا ،فعامر رجل يف جمتمع
ال يرى خطأ الرجل ،بل يرى وحياسب خطأ املرأة بقسوة ،مع أن اخلطأ ،يف النهاية ،واحد واملسؤولية
مشرتكة .ولذلك ،أخذت الرواية حقها من اجملتمع وعامر بأن عرت عامر وأدانته أخالقيا يف الوقت
اليت بررت لصبا خطأها على أنه نتج عن حب صادق لرجل غري صادق.
إن املرأة اليت تكتب هذه الروايات ليست املبدعة ،بل املرأة اجملروحة واملقموعة ،وهي تتخذ من الرواية
خطابا لكشف أزمة املرأة مع الرجل .فمستقبل الرواية النسائية السعودية مع موضوع الرجل بات
حمكوما بالتكرار والنمطية اليت ال تسمح بابتكار منظورات جديدة غري قسوة الرجل ،وعنفه،
وتسلطه.
جدل العالقة بني القرية واملدينة: . 3
تقاس العالقة بني القرية واملدينة مبحدد زمين ،فالقرية هي املاضي واملدينة هي احلاضر واملستقبل.
فاإلشكالية هي يف التغري الذي ولدته التحوالت االجتماعية املتسارعة بني زمنني؛ ما قبل الطفرة
االقتصادية وما بعدها .فمنذ العام ۱۹۷5م أخذت القرية تفقد شخصيتها ،اإلنسانية واالقتصادية
واالجتماعية ،وهيمنة املدينة بسلوك أفرادها ،وأمناط معيشتهم املستحدثة ،وتبدل منظومة القيم
االجتماعية واإلنسانية من صيغ التكافل واالحتياج لآلخر إىل صيغ التفرد واالنكفاء على الذات إن
صراع القيم هذا ما كان ميكن أن مير دون أن تتناوله الرواية بالتشخيص والتساؤل لقد احناز بعض
165
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الروائيني للقرية ،بينما نظر آخرون للمدينة بواقعية دون أن يتجاهلوا نعي القيم املتبدلة .من أوائل من
طرح هذه العالقة من الكتاب إبراهيم الناصر يف رواية (ثقوب يف رداء الليل) ،فالعالقة بني القرية
واملدينة تكمن يف اختالف القيم ،من إنسانية النزعة إىل براغماتية نفعية .يف رواية (ثقوب يف رداء الليل)
تضطر العائلة إىل العودة للقرية رغبة يف استعادة قيمها ،أما رواية (سفينة املوتى) إلبراهيم الناصر فهي
تقدم الوجه املؤمل
للمدينة ،طرح إبراهيم الناصر هذه العالقة يف أوىل رواياته ،ففي روايته (رعشة الظل۱۹۹۵ ،م)،
يكشف تأثري املدينة على شخصية فاحل فقد منحته املدينة ما مل جيده يف القرية.
ويف حقبة السبعينيات امليالدية ،أصدر عبداهلل مجعان رواية (القصاص۱۹۷۹ ،م) ،وهي رواية جتسد
التوق للقرية على حساب املدينة فهذه فضة الفتاة املتعلمة ترفض العمل مدرسة يف املدينة وختتار العمل
يف القرية.
ورغم جتارب إبراهيم الناصر وعبداهلل مجعان يف معاجلة التداخل بني القرية واملدينة ،فإنهما مل يالمسا
أزمة العالقة باملعنى الوجودي .فجاءت الروايات حمايدة ،حيث جاءت قبل مرحلة الطفرة.
أما عبدالعزيز مشري فهو الكاتب الذي منح الرواية جهدا استثنائيا .إن جتربة املشري جتربة غري عادية
من حيث
استمراريتها وتركيزها تقريبا على قضية واحدة حتولت يف معظم اعماله إىل موتيف ()motif
متكرر ،فهو مهتم بقضية التحوالت االجتماعية يف القرية ،لقد تعامل مع موضوع التحوالت من ناحيتني:
ما قبل التحوالت كما يف رواية (احلصون۱۹۹۲ ،م) ورواية (صاحلة۱۹۹۷ ،م) ،وقبل وأثناء التحوالت
كما يف (الومسية۱۹۸۵ ،م) ورواية (الغيوم ومنابت الشجر۱۹۸۷ ،م) ورواية (ريح الكادي۱۹۹۳ ،م).
لقد دأب املشري على التعبري عن التحوالت وما أحدثته من خلخلة نفسية واجتماعية يف بنية اجملتمع
التعاوني أو جمتمع ما قبل التحوالت االقتصادية الكربى .ففي رواية (ريح الكادي) تنتهي الرواية واجليل
اجلديد ،جيل األحفاد ،ما يزال جيلس على مقاعد الدرس .أما (الومسية) فإنها جتسد قلق التواصل مع
املدينة وتعرب رواية ( الغيوم ومنابت الشجر) عن القرية اليت استيقظت على زمن التحوالت ،استيقظت
وقد رحل األبناء حنو املدينة ،استيقظت وظلت تستعيد تراثها الذي بدأ ينداح يف محى التحوالت .وعندما
نأتي لرواية (ريح الكادي) ،فإن املشري يسجل جتربة التحوالت بوعي أكرب ،فعرب ثالثة أجيال جيسد
املشري أزمة التحوالت النفسية واالجتماعية اليت فرضت على جيل اجلد أن يغرق يف الصمت والنسيان،
وجيل األب أن يذوب يف أتون التحوالت.
تتخذ روايات املشري من القرية مكانا روائيا يعرب من خالله قضايا التحول يف مسرية التنمية
االجتماعية ،ففي رواية املشري األوىل (الومسية۱۹۸۵ ،م) ما ميكن أن يكشف عن أزمة العالقة بني
القرية واملدينة .فهي عبارة عن جمموعة من الصور االجتماعية اليت جتسد عادات اجملتمع القروي.
166
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ومن الفصول املهمة اليت مل تسرب على حنو دقيق فصل موسوم به (املاطور) يعرب فيه الكاتب عن أزمة
إنسان القرية مع معطيات التحول املتمثلة هنا يف اآللة (املاطور) الذي يرفع املاء من البئر .فحادثة اختناق
الرجل الذي نزل إىل البئر لتشغيل املاطور توضح أن العالقة مل تكن محيمية بني إنسان القرية واآللة.
غري أن الفصل األخري املوسوم (باخلط) يشغل حيزا مهما يف كشف الصراع بني أفراد القرية وبني
طموحهم يف االتصال باجملتمع املدني خارج نطاق القرية .وبعد الفراغ من قراءة هذه الرواية تتجسد رمزية
الطريق يف البحث عن اتصال بالعامل اخلارجي مبعنى أن القرية هي اليت تسعى للخروج من عزلتها دون
أن تعي مقدار التضحيات اليت ستدفعها مثناً هلذا االتصال.
أما رواية (ريح الكادي) فهي ريح املاضي بكل عبقه وعبريه الذي أصبح جمرد ذكرى نتحسس ألقها
عندما ترهقنا احلياة املادية بلهاثها .فتقدم الرواية عائلة الشايب عطية بأجياهلا الثالثة كمحور أساسي
إلسرتاتيجية القص يف هذا العمل .فهذه العائلة تقدم كرمز للفئات االجتماعية اليت عايشت التحوالت
بكل داللتها .إن اخلطاب االجتماعي الذي تبنته الرواية هو خطاب منحاز للحاضر ،لكن هذا االحنياز
ليس اختياريا كما يبدو ،بل إنه قسري حبكم قسرية التحوالت ذاتها.
وإذا كانت روايات عبد العزيز املشري قد ناقشت جدل العالقة بني القرية واملدينة من منظور وجودي،
فإن جتربة عبده خال مع القرية خمتلفة متاما .حيث كانت نظرته للقرية يف أعماله على أنه موطن
لألسطورة والبدائية والتخلف .من هنا كانت فكرة اخلالص هي الفكرة اليت تؤسس هلا أعماله .ولعل
روايته األوىل (املوت مير من هنا۱۹۹۹ ،م) هي أكثر رواياته بيانا هلذه األبعاد ويف رواية (الطني۲۰۰۲ ،م)
حتضر القرية بالصفات نفسها ،من هنا نرى أن توظيف عبده خال للقرية هو توظيف معريف أو فكري
لبيان القدرات األسطورية واخلرافية للحكايات املختزلة يف ذاكرة املشهد القروي .فليست القرية يف
أدب عبده خال السردي معنية برصد التحوالت وأثرها.
وإذا كان عبده خال متفرداً يف توظيف القرية توظيفا مجاليا أكثر منه توظيفا إيديولوجيا ،فإن هناك
روايات أخرى قدمت القرية بطريقة حمايدة ،نذكر من هذه الروايات رواية (احلزام۲۰۰۰ ،م) ألمحد
أبو دهمان ،رواية (فيضة الرعد۲۰۰۲ ،م) لعبد احلفيظ الشمري ،ورواية (أنثى تشطر القبيلة۲۰۰۰ ،م)
إلبراهيم شعيب .غري أن هذه الروايات وغريها مل تكن معنية برصد التحوالت ،بل حضرت القرية
بصفتها اإلنسانية بوصفها خمزونا الذكريات الطفولة.
إن الالفت لالنتباه يف هذه املوضوعات اليت متت مناقشتها ،أنها حتمل بنية ثنائية ضدية .فموضوع اآلخر
يستدعي األنا بكل مشكالتها اإلنسانية والفلسفية واملعرفية .أما موضوع موقع الرجل يف الرواية
النسائية السعودية ،فهو موضوع يقدم على خلفية ثنائية احلضور والغياب .فهما قطبان ال جيتمعان .ففي
املتخيل الروائي استطاعت املرأة تغييب الرجل لصاحل كينونتها الوجودية .أما جدل العالقة بني القرية
واملدينة فهو جدل على خلفية صراع القيم اليت عكست أثر التحوالت على اإلنسان واملكان.
167
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
لقد ظل املوقف الروائي من هذه القضايا إتباعي غري جتديدي ،فاآلخر ظل عدوا ،أو موضوعا للدونية
يف مقابل تعزيز األنا بفرضية االستعالء .أما إشكالية املرأة مع الرجل فهي من أعقد املشكالت اليت
تطرقت هلا الرواية السعودية ،لقد نسبت إليه كل أزماتها ،وعاقبته يف املتخيل بالعجز والقتل واإلقصاء.
وباملثل حتضر إشكالية العالقة بني القرية واملدينة ملا وجده بعض الروائيني من خصوبة يف تناول املفارقة
الزمنية بني ماض له قيمه وأخالقياته ،وحاضر يعكس تطلعا للمستقبل رغم ما فيه من ختل عن منظومة
القيم القروية.
الفصل الثالث :تطور البناء السردي
ينهض العمل الروائي على بنية سردية هي حاصل املكونات والتشكيالت السردية ،من حضور فاعل
للشخوص ،وتعدد للمنظورات السردية ،وتوظيف فاعل للغة الروائية ،وحضور مميز للفضاء الروائي ،وعلى
مستوى احلركة الداخلية للنص الروائي تنشأ العالقة اإلجرائية بني السرد والوصف ،أما املنظورات السردية،
فإنها ال تقل أهمية يف بناء الرؤية الكلية للرواية.
مرحلة النشأة:
إن من الطبيعي أن تبدأ الروايات األوىل ضعيفة ،من حيث توظيف التقنيات الفنية السردية ومن حيث إمساكها
باملبادرات اجلمالية يف صناعة الفن الروائي" .ويف احلقيقة ،فأن الروايات األوىل (مرحلة النشأة ،ومرحلة
التأسيس) واقعة يف ظل املنجز الشعري احمليط بها إىل حد كبري.
فبالنظر لروايات مرحلة النشأة (التوأمان ،فكرة ،البعث) جندها أوالً روايات إصالحية بدرجات خمتلفة،
لكنها فنياً متقاربة ،فهي يف الغالب روايات تعنى بالشخصية ،واألحداث فيها تابعة حلركة الشخصيات،
ومعامل األمكنة فيها عامة غري فاعلة يف تكوين األحداث .تغلب عليها األفكار املوجهة .فالتوأمان يف رواية
األنصاري كانا جاهزين لتقبل مصريهما بتسليم قدري فرضه املؤلف ،وتقوم رواية (فكرة) ألمحد السباعي
بذات الدور اجلاهز ،فتأتي الوظيفة على حساب الشخصية ،ورواية (البعث۱۹۶۸ ،م) حملمد علي مغربي أكثر
هذه الروايات تلمسا لتطور الشخصية ،فالشخصية الرئيسية أسامة الزاهر ينتقل من حالة الضعف واالنكسار
إىل حالة القوة والوعي.
مرحلة التأسيس:
ويف مرحلة التأسيس يستهل حامد دمنهوري املشهد الروائي برواية مثن التضحية۱۹۵۹ ،م) ،حيث عد النقاد
هذه الرواية باكورة األعمال الفنية املتطورة يف الرواية السعودية) .لقد وجد النقاد فيها بناء حمكما اتسم
بالعمق يف املعاجلة ،ويف بناء الشخصيات ويف االعتناء باملكان ،مع توظيف جيد حلركة الزمن يف سياق تطور
احلكاية .ولعل ما امتازت به الرواية على عكس روايات مرحلة النشأة هو االعتناء بالوصف وخاصة وصف
املكان .لقد اهتمت الرواية بالتضادات البنائية سواء يف تكوين الشخصيات أو يف تصور األمكنة .وحيسب
للرواية ،يف هذا السياق ،استفادتها بقدر معقول من تقنية املنولوج الداخلي ،أما الصراع اخلارجي ،فينشأ من
168
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
متكني الرواية يف نقل األحداث بني مكة والقاهرة .وهنا حيضر املكان بوصفه اخللفية املؤثرة يف استقبال
احلكاية .ويف الرواية يتأكد البعد الرمزي بشكل أكرب بني فاطمة وفائزة فهي عالقة جمتمعني متباينني.
ومن أبرز الروائيني الذين شكلوا حضور ،الفتا يف مرحلة التأسيس أو مرحلة الستينيات امليالدية يأتي الكاتب
إبراهيم الناصر ،لقد ظهر الناصر بوصفه كاتبة مدنية ،مهتماً باملدينة ومشكالتها وانعكاسات منطها على
طبيعة احلياة العامة .ففي رواية ثقب يف رداء الليل يقدم شخصية عيسى احملورية اليت تزع نزوعا مثاليا يف نظرتها
ملا ينبغي أن تكون عليه حياة جمتمعه .واإلشكالية األبرز يف هذه الرواية هي صراع األجيال ،بينه وبني والده.
فأفكار إبراهيم الناصر بدت مباشرة وإسقاطاته بدت مقيدة للتنامي الروائي .وتهتم رواية (سفينة املوتى،
۱۹۹۹م) مبعاجلة قضايا وإشكاالت شرحية من شرائح اجملتمع املدني.
رمبا مل تقدم مرحلة التأسيس يف الرواية السعودية اليت امتدت حتى أواخر السبعينيات امليالدية جديداً على
مستوى تطور اخلطاب الروائي .فظلت املعاجلات ضعيفة السردية ،واملواقف محاسية وخطابية ،ومباشرة
ومقحمة .غري أن األمر بدأ بالتغري النسيب مع بداية مرحلة أوائل الثمانينيات امليالدية.
مرحلة االنطالق:
لقد بدا املشهد الروائي فارغاً يف أوائل الثمانينيات ،الذي سرعان ما شغله بعض األمساء الروائية ،فاستهلت
املشهد الروائي أمل شطا برواية (غدا أنسى ،)۱۹۸۰ ،وحضرت بعض الكتابات الروائية اجليدة مثل رواية
(رائحة الفحم۱۹۸۸ ،م) لعبد العزيز الصقعيب ،ورواية ( /4صفر۱۹۸۷ ،م) لرجاء عامل ،ورواية (القشور،
۱۹۸۳م) لعمر طاهر زيلع ،لكن الفضل يف حتريك رواكد املشهد الروائي بفيض من الروايات يعود إىل الروائي
عبدالعزيز مشري .الذي تسيد هذه املرحلة املمتدة إىل منتصف التسعينيات امليالدية .فبفضل مساهمته الثرية
معرفياً ومجالياً ،تأسست تقاليد روائية مهمة .لعل من أبرزها أهمية إبراز املكان روائياً .فتحولت القرية يف
أعماله إىل نص بذاته يدين انهيار القيم يف زمن التحوالت االجتماعية واالقتصادية.
جتربة عبدالعزيز مشري :عالمة فارقة:
لقد امتازت جتربة عبد العزيز مشري بتوظيف املكان ،وبتقديم لغة روائية توازن بني طبيعة األحداث ومكونات
الشخصيات الروائية .أما من حيث املنظور السردي فقد سيطر منظور الراوي العليم على روايات املشري،
فالرواية األوىل يف مسرية الكاتب رواية (الومسية) ،وهي عبارة عن لوحات متباينة توحدها جتربة املكان ليس
إال .بل حنن أمام جتربة مكانية قصد الكاتب إىل تقدميها عرب سرد مظاهر من اجملتمع القروي ،منها ما يتعلق
باألرض ،ومنها ما يتعلق بشؤون الناس ،ويف رواية (الغيوم ومنابت الشجر۱۹۸۷ ،م) يسجل الكاتب قفزة نوعية
يف التقنية السردية ،يستهل عبد العزيز مشري رواية الغيوم ومنابت الشجر جبزء موسوم ب (نافذة) .ويف هذا
املقطع تتداعى جتربة الطفولة على حنو عفوي ،أما املشاهد الثالثة التالية فهي جتارت فردية من العناء القروي،
والرتابط بني هذه املشاهد حمدود حبدود املكان والزمان ،فاملشري يقسم روايته إىل أربعة أقسام ،كل منها
يشكل جترية شخوص متشابهة مع جتارب الشخصيات األخرى ،وهذا التقسيم أحال الرواية إىل جتارب متناثرة
169
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
جيمعها املكان والزمان .وحتى ال حيس املتلقي بأن هناك انفصاال بني أقسام العمل يلجأ الكاتب إىل تقديم
عنوان جانيب هو (قال املُعَنَّى).
أما يف رواية (احلصون) فنحن أمام نص مغاير يف بعده اجلمالي ،ففي هذا العمل ،حنن أمام ساردين ومسرودين
هلما .سارد من خارج نطاق النص يسرد بضمري الغائب حكاية احملدث والصاحب .ومسرود له يتلقى حكاية
احملدث والصاحب .لكن القصة ال تصل إلينا إال عرب السارد الثاني يف النص ،أعين ،احملدث ،رغم أنه ال
يقصدنا بسرده ،وإذا أردنا أن نفكك بنية
النص بشكل أعمق ،ظهر لنا يف النهاية أننا نتعامل مع نصني يف نص واحد ،إن من أهم الظواهر الالفتة لالنتباه
يف هذا العمل هو استخدام نظام املوتيف ( )motifالذي أحدث تكراره تفاعال أثناء القراءة .إفأهمية هذا
املوتيف ( )motifتكمن يف تأكيد أصالة البنية ،اليت تقوم ،كما ذكرنا ،على تكرار اللقاء لتكرار ذات
الفعل ،إننا يف هذا العمل أمام اإلنسان يف قلقه الدائم وحاجته إىل فعل احلكي من أجل اخلروج من مأزق
التفرد ،وتأكيد النزعة االجتماعية لإلنسان.
أما يف رواية (ريح الكادي۱۹۹۳ ،م) فيعمد الكاتب إىل بناء تقليدي يقوم على وحدة الزمان واملكان ،مستغنيا
عن وحدة املوضوع ،مما جيعل الرواية تبدو صورا متناثرة ،ولذلك فإنها تشرتك يف بنيتها مع رواية الرمسية،
غري أن هذه الرواية تنجح يف اصطياد حمور بنائي تدور حوله أحداث العمل ،متمثال يف عائلة الشايب عطية اليت
تقدم الرواية من خالهلا جتربة اجملتمع
القروي مع التحول االجتماعي .ومهما يكن فإن النمط السائد يف الرواية هو الوصف املباشر للشخصيات،
وتقديم األحداث والتعليق عليها دون أن تتنامى بشكل متليه ضرورات منطقية األحداث ،وتفريغ بنية السرد يف
جزئيات أو وحدات تنتقل معها األحداث من نقطة إىل أخرى .ومن املالمح املهمة يف هذه الرواية أنها ذات بنية
ثالثية تؤدي وظيفة توزيع االنتقاالت السردية عرب ثالثة أجيال تعيش حتمية التحوالت االجتماعية .فتجربة احلنني
للماضي هي التجربة املسيطرة على أجواء الرواية.
ومتثل رواية (صاحلة۱۹۹۷ ،م) جتربة خمتلفة ويكمن اختالفها يف ناحيتني :أوال ،يف موضوعها ،ثانيا ،يف
بنيتها السردية .حيث تركز هذه الرواية على الثنائيات الضدية اليت جتعل من الفرد يف مواجهة دائمة مع قوى
خمتلفة .وتقوم رواية صاحلة على ثنائيات غري متناغمة ،بل ثنائيات ضدية تصادم فيها املصاحل .أوىل هذه
الثنائيات هي ثنائية الرجل واملرأة الرجل بوصفه منوذجا للتسلط ،واملرأة بوصفها قدرة على العطاء والتحمل يف
جمتمع ذكوري يف حركته ويف بنيته اليومية .كما تكشف التقنية السردية املوضوعية هلذه الرواية االحنياز
الكلي للراوي العليم يف تقديم صورة صاحلة ،وكما أشرنا سابقا تتحكم يف هذا العمل ثنائية ضدية تكشف
أبعاد املواجهة .فالقطب األول متثله املرأة بكل مقوماتها االجتماعية والتارخيية ،أما القطب الثاني فيمثله الرجل
على اختالف أمناطه من املتدين إىل التاجر إىل الرجل االنتهازي ،امرأة واحدة يف مواجهة
ثالثة من الرجال ذوي النفود.
مرحلة التحوالت الكربى:
170
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أما املرحلة األخرية (مرحلة التحوالت الكربى) فتشكل أخصب املراحل ،من حيث التطور السردي اجلمالي
واملعريف ،ومن حيث نسبة املنشور الروائي.
بدأت هذه املرحلة بصدور رواية (شقة احلرية )۱۹۹4 ،لغازي القصييب ،ثم اتبعها بعدد كبري من الروايات من
بينها (العصفورية وأبو شالخ الربمائي) ،وقد فتحت جتربة القصييب مع جتربة تركي احلمد الطريق أمام جيل
من الكتاب والكاتبات تباينت مستويات الطرح الروائي لديهم .غري أن جتربة تركي احلمد قد أسست جلرأة
روائية غري معهودة يف طرح موضوعات ذات حساسية اجتماعية ،ويف الفرتة نفسها يصدر عبده خال روايته األوىل
(املوت مير من هنا ،)۱۹۹۵ ،وتأكدت هذه التحوالت الروائية على حنو أكثر وضوحا مع منعطف األلفية
الثالثة وحتديدا بعد أحداث احلادي عشر من سبتمرب.
تشكل جتربة القصييب الروائية مرتكزا وتلوينا استشائية صناعة اجلماليات الروائية .فقد كان القصييب
جريئا يف تقديم جترية خمتلفة مجاليا ومعرفيا ،فلم يعمد إىل األشكال التقليدية يف صناعة الرواية.
القصييب والبنية الساخرة :إن رواييت العصفورية ورواية أبو شالخ الربمائي يقومان على مكونات بنائية
متطابقة ،لقد حترر عامل النصني من صرامة البناء ،بل انتفت فيهما مركزية املكان ،وانكسر الزمن إىل
إحداثيات سردية ال تشكل نسيج وحدة مع مرجعية واقعية بعينها.
رواية العصفورية:
هي قصة الربوفسور بشار الغول الذي يعاجل يف مصحة لألمراض العقلية والنفسية ،فهو خالصة جتربة واقعية
مريرة لديها كل قوى الضغط اليت تدفع اإلنسان إىل حالة من العجز واجلنون واملوت ،فالربوفسور ميثل العقل
النخبوي سواء يف خطابه أو ذاكرته املوسوعية اليت كانت إفرازا حلالة التأزم اليت يعيشها املثقف .غري أن
الربوفسور /املثقف يفشل بثقافته الطوباوية يف أن يفهم العامل من حوله.
171
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ميكن أن تنظر إىل الدخول واخلروج هنا على أساس فلسفي توحي بأن حياة اإلنسان حمكومة بنقطيت بداية
ونهاية ،أما اخلروج من السرد فال يتحقق إال بفناء أبو شالخ الربمائي.
بنية احلكي:
تقوم بنية احلكي يف العصفورية وأبو شالخ الربمائي على توالد احلكي واالستطراد .وهو ما جيعل هذه البنية
يف وضع تناصي مع ألف ليلة وليلة .غري أن العملني حمكومني بأسلوب سردي حمدد يظهر بشكل كبري يف
مسألة استنطاق الراوي أو دفعه للحديث .وملمح االستطراد يأخذ حيزا كبريا يف العملني،كما تنطوي بنية
احلكي يف العملني على إسرتاتيجية جلية ،وهي رواية الشعر عرب اختالف أحداث ميكن من خالهلا توظيف
األبيات الشعرية ،وخالصة القول العصفورية وأبو شالخ الربمائي يتناصان سردياً مع الرتاث السردي بوضوح.
ازدواجية اخلطاب /ازدواجية الثقافة:
رغم تداخل األبنية السردية يف العملني ،إال أن هناك متايزاً يف اللغة اخلطاب ،فبينما تعتمد العصفورية اللغة
الفصحي ،فإن أبو شالخ نص عامي اللغة ،باإلضافة إىل هذا الفارق يف اخلطاب ،فهناك فرقا يف احملتوى فالذي
يظهر يف العصفورية خطابا ،بينما يغلب طابع املضمون الشعيب على أبو شالخ .غري أن ما جيب أن نلتفت إليه هو
حضور الشعر بكثافة عالية يف الروايتني ،مع تركيز واضح على استحضار الشعر الفصيح يف العصفورية،
والشعر العامي يف أبو شالخ الربمائي.
إن هذان العمالن يتجاوران ويفرتقان ،لكنهما يقدمان منط من الكتابة السردية املختلفة يف فضاء جتربتنا
احمللية .فهي خروج صريح على الكتابة السردية التقليدية يف نهجها وموضوعاتها.
عبده خال وبنية احلكي اخلرايف واألسطوري:
تعد جتربة عبده خال واحدة من التجارب الثرية يف مسرية الرواية السعودية يف هذه املرحلة .بدأ يف القصة
القصرية يف أوائل الثمانينيات ،وانتهى به األمر كاتبا للرواية منذ العام ۱۹۹۵اتسمت جتربتة بلمسة شعبية من
خالل الرتكيز على التناص الرتاثي الشعيب ،ولقد عنى عبده خال باستخدام مجاليات سردية متعددة يف رواياته
من أبرزها تقنية الرواية داخل الرواية كما يف رواييت (األيام ال ختبئ أحدا) و (الطني) ،ومن الظواهر املرصودة
يف جتربته هي عدم القدرة على إحداث التوازن املطلوب بني السرد والوصف .فجاءت معظم الروايات مثقلة
بالوصف ،وهو ما نتج عنه تضخم رواياته.
تأتي رواية (الطني )۲۰۰۲ ،بوصفها واحدة من أهم الروايات يف سياق الرواية السعودية ،وتكمن طرافة الراوية
يف أن القارئ جزء من تركيبة الرواية بهواجسه ،تقوم الرواية على فرضية وجود عاملني لإلنسان ،عامل له
حضور مادي حمسوس بالنسبة لآلخرين ،وآخر مادي حمسوس له فقط .لقد أقامت الرواية بعفوية سردية
وانسيابية مطلقة عاملني جيريان يف طريقني متوازيني عامل القرية بأسراره وحكاياته ،وعامل البطل الذي نشعر
بغيابه يف أحيان كثرية ،فقد صنعت الرواية منذ البداية عاملني ،عامل واقعي بأمكنته وشخوصه وأحداثه،
وعامل خيالي غرائيب .وأثناء مسرية الراوية خيتلط العاملان إىل درجة ختتفي معها الفواصل واحلدود الصارمة
172
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اليت نتشبث بها .فالرواية تسعى إىل نسف رغبة اإلنسان يف توسيع سلطته على العامل ،وتقض مركزية التصور
اإلنساني فيما يتعلق بالوجود من حوله.
لقد جنح الروائي عبده خال يف أن يعرب بالرواية السعودية من الظل إىل ظهرية اإلبداع ،فرواية الطني رواية من
العيار الثقيل قيمة وفنا .فالرواية هلا حضور إنساني أمشل من احمليط احمللي الضيق الذي اعتدناه ،كما أنها
حافلة بلغة روائية تزاوج بني الوصفية والسردية ،كما حيسب هلذه الراوية سعيها حنو تأسيس عالقة بني عاملني
حنسب أنهما ال يلتقيان عامل اخليال وعامل الواقع.
رجاء عامل وبنية النص الفلسفي:
تعد جتربة رجاء عامل واحدة من أهم التجارب الروائية ليس يف السعودية فحسب ،بل يف الرواية العربية .ولعل
اجلامع اجلمالي لرواياتها هو البناء السردي واالعتناء باللغة الروائية ،والتناص مع الرتاث العربي وخاصة الصويف
منه.
تطرح رواية (خامت۲۰۰۲ ،م) سؤال الذكورة واألنوثة بلغة روائية تسعى إىل البحث عن جدوى القلق اإلنساني
حول هذه الثنائية .رواية خامت تعيد فرضية اجلسد الواحد ،فخامت ..جسد بني أسلوبني خمتلفني جسد مسكون
حبالتني ،لقد اتكأت الرواية كثريا على الفرق اجلوهري بني مالبس الذكر ومالبس األنثى ،كما سيطرت
على الرواية ثنائية مطلقة ال ميكن اخلالص منها .وقد انقسم خطاب اللغة يف الرواية إىل عاملني يف التعبري عن
حالة خامت.
هذه مالمح عامة عن التحوالت السردية عرب شواهد متثل أبرز ما أنتجه الروائيون يف هذه املرحلة .وهي مرحلة
شهدت فيها الرواية صعودا ملحوظا هلياكل سردية جديدة مل تكن مألوفة من قبل ،فتجربة القصييب جتربة
تستحق املتابعة .وجتربة عبده خال كما جتلت يف رواية الطني ،جتربة أقرب لألسئلة الفلسفية احلائرة .أما
جتربة رجاء عامل فهي جتربة غنية بتناصها وتقاطعها مع السياقات املختلفة من حوهلا ففيها الديين والثقايف
والفلسفي واألسطوري.
ومهما يكن فقد حققت هذه املرحلة (مرحلة التحوالت الكربى) ما مل حتققه املراحل السابقة ،من حيث غزارة
الروايات املنشورة للجنسني ،باإلضافة إىل التطور النوعي اجلمالي واملعريف يف الرواية السعودية.
وقفة أخرية:
إن عمر التجربة الروائية السعودية قصري ،فهي خاضعة يف منوها جملتمع متحول ومتغري تبعا للظروف احمليطة
به .فاالنتقاالت
الزمنية يف مسرية الرواية مربوطة بتحوالت اجملتمع ،فمرحليت النشأة والتأسيس قليليت املنتج ،األمر الذي ينتج
عنه تواضع التجربة الفنية فيهما.
أما املرحلة الثالثة (مرحلة االنطالق) فهي انطالق حنو زيادة الرتاكم الروائي ،وحنو االلتفات ملوضوعات
جديدة ،لعل من أبرزها العالقة اجلدلية بني القرية واملدينة ،كما أن إملام بعض كتاب هذه املرحلة ،أكسبهم
مزايا فنية مل تتوفر ملن قبلهم ،فالقارئ هلذه الروايات وغريها من روايات كتاب هذه املرحلة خيرج بفكرة
173
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مفادها أن بعض الكتاب يكتبون للتوثيق ،ويكتبون للتاريخ ،مستخدمني الفن وسيلة لكشف التجارب اليت
يعربون عنها.
ويف املرحلة األخرية ،مرحلة التحوالت الكربى ،حدث التحول يف صياغة مشروع روائي جديد ،ويأتي ذلك بعد
إرهاصات اجتماعية كبرية ،هزت ثوابت احلياة االجتماعية بسيل من األسئلة القلقة عن ماهية العالقة باآلخر،
وماهية الذات االجتماعية يف عامل مفتوح ،وماهية التمدن ومتطلباته ،وماهية الثوابت واملستجدات .لقد هزت
روايات القصييب واحلمد
ورجاء الصانع ،وليلى اجلهين ،وعبداهلل ثابت قراء النص الروائي ،أكثر مما هزتهم روايات عبده خال ويوسف
احمليميد ورجاء عامل حممد حسن علوان رغم جودتها الفنية .األوىل فاجأت القارئ بكشف املسكوت عنه
والتجرد من سلطة الرقيب ،بينما األخرى قاربت هذه التساؤالت برمزية فنية عالية.
ومن أبرز مسات هذه املرحلة احلضور الكثيف للرواية النسائية وأغلب موضوعات الرواية النسائية هو موضوع
الرجل بتسلطه وجربوته وهيمنته على املرأة .لقد كان يف قدرة الرواية على حماكاة الواقع مطمع لدى كثري
من الكاتبات على امتطاء صهوة الرواية لتمرير رأي صاحبته .وإذا كان هذا هو حال الرواية اليت كتبتها
املرأة ،فإن الرواية اليت كتبها الرجل ال تقل مسايرة ملوجة الرواية .فسهولة النشر واندفاع الناشرين العرب
الستقبال الروايات السعودية اجلديدة أغرى الكثري من الكتاب والكاتبات بالنشر.
وتعد مرحلة التحوالت الكربى غنية بثالثة أمور:
أن نسبة املنشور فاقت كل التوقعات ففي الفرتة من ۲۰۰۰م إىل ۲۰۰۸م بلغ جممل الروايات . 1
املنشورة ۲۷۱رواية
يف هذه املرحلة نستطيع أن نفخر مبجموعة روايات مع ما فيها من هنات طفيفة هنا وهناك . 2
معاجلة الكثري من املوضوعات املستعصية اجتماعيا أو اليت عدت من ثوابت اجملتمع. . 3
يتوزع علم التاريخ والرواية على موضوعني خمتلفني ،يستنطق األول املاضي ويسائل الثاني احلاضر ،وينتهيان
معاً إىل عربة وحكاية ،فاملؤرخ والروائي يتعامالن مع املتحول قاصدين عربة ،فالروائي يقول نظرياً ما يقول به
املؤرخ.
رواية التقدم وتقدم الرواية:
وضع التاريخ التقدمي يف التا ريخ حكاية حمددة البدء واملنتهى ،وقام بشرحها وسردها معاً :شرحها حبقب
زمنية متعاقبة ،تتضمن كل منها فكرها واقتصادها ونظامها السياسي ،وسرد حكايتها من االنتقال من
األدنى إىل األعلى وصوالً إىل زمن ينهي احلكاية ويتوجها خبامتة سعيدة .تتكون حكاية التاريخ بهذا املعنى
يف فضاءات متعاقبة حمددة البدايات والنهايات.
اتفقت الرواية مع "التاريخ التقدمي" واختلفت عنه يف آن :اتفقت معه وهي تقامسه وحدة الواقعي واملتخيل،
والذهاب من احلاضر إىل املستقبل ،واعتبار القرن التاسع عشر زمناً مرجعياً ،والقطع مع التصور الالهوتي
للعامل ،الذي ت سلل ثانية إىل التاريخ الغائي دون أن يدري .أخذت الرواية بإنسان ال دنيوي ال هالة له مربأ من
التعالي بعيداً عن إنسان قديم قوامه السقوط والغفران .فبعد إنسان ال هوتي مدثر بالوعد والوعيد وقعت الرواية
على إنسان أرضي مزود بأسئلة جديدة .نقض اإلنسان الدنيوي اإلنسان الالهوتي بقدر ما نقضت الرواية
احلكاية.
ترمجت الرواية األوروبية الصاعدة حتوالت اجتماعية حامسة حررت الواقع املعيش من صورته الالهوتية وحررت
معه العقل اإلنساني .فبعد تصور ال هوتي يذيب اإلنسان يف مياه اجملهول واحملرم واملتعالي ،التقى اإلنسان
جبوهره وتوحد روحاً وجسداً وعقال ،أي استعاد تعدديته الروحية واملادية واألخالقية واجلمالية ،اليت تعيّنه
إنساناً تارخيياً ،تتجلى تارخييته يف تعددية ال تقبل االختزال .وأدرك أن اإلنسان املتجدد كما اإلنسان احلامل،
هو من يقطع مع املاضي وال يكون امتداداً .ختلص إنسان الرواية من أمساء موروثة وغدا خالقاً لألمساء ،كان
على اإلنسان اجلديد أن حياكي رغباته املتعددة ،وأن يستأنف عفوية طليقة أوىل ،اختزلتها القيود إىل فضيلة
ورذيلة جمردتني.
رأى الزمن احلديث إىل إنسان مكون من عامل خارجي واسع األرجاء ومن عامل داخلي ال يقل اتساعاً ،واعرتف
مبأساة خاصة به ال ختتص إىل مآس سابقة عليه .يقول أنديه مالرو" :الرواية احلديثة يف نظري تعبري عن املأساوي
اإلنساني ،ال إيضاح ملعنى الفرد .إن الفرق بني التصور املتفائل للتقدم ،الذي حول التاريخ إىل حكاية ،ومنظور
الرواية األسيان ،زود الروائي بشخصيات خاصمتها السعادة .مل تتكون الرواية وهي تواجه مأساة املسيح مبأساة
الفرد املغرتب ،بل تكونت وهي ترى إىل املأساتني معاً من وجهة نظر اإلنساني والدنيوي واملتحول واملرغوب.
الرواية وتداعيات األصول:
انطوى البحث الذي أرقه الشك وجافاه اليقني على سؤال معريف يعلن أن أصل املعرفة يقوم يف العقل الذي ينكر
اسطورة األصل ،وأن املعرفة احلقيقية تتعني بآفاقها الالحقة.
175
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
عرب سؤال األصل عن إنسان يعيد اكتشاف ذاته وهو يكتشف تارخيه املنقضي ،ذلك أن احلديث عن األصل
حديث عن طمأنينة راكدة جيود بها أصل مقدس ،وعل هذا فإن االبتعاد عن األصل ابتعاد عن الاليقني.
نقض الفكر التنويري األوروبي الزمن األصل وهو ينقض سلطة كنيسة مستبدة ،فصدر عن عالقات الزمن
واإلنتاج واآلهلة زمن إنساني مغاير للزمن الديين ،الذي يعاجل األرواح اجملردة بأدوات ال تقبل التحديد والقياس.
فلم يعد زمن اإلنسان وقد علمن الزمن ،يُقاس باخلطيئة وانتظار املغفرة ،بل بكم إحصائي بارد ،عناوينه
اإلنتاج وأدواته وسبل تطويره ،حتى بدت الصناعة مرآة لإلنسان وتكثيفاً ألصله املبدع ،وعن هذا التحول صدر
اإلنسان التارخيي.
عكس « البطل اإلشكالي» ،الذي سيطر على رواية القرن التاسع عشر و روايات أخرى ،حتوالت اجملتمع
الصناعي ،اليت زامنتها ثورة علمية ،تفتت الكلي وتولد اجملزوء و تزلزل اليقني ،فبعد أن اخرتع اإلنسان آلة
تضاعف اإلنتاج حتول بدوره إىل آلة منتجة ،وواقع األمر ،أن الرواية أدرجت يف خطابها كل ما وقعت إليه،
وهلذا وضع بلزاك امسه إىل جانب نابليون وغريه من قادة العصر ،وعني ذاته «سكرترية للتاريخ» ،مساوية بني
الروائي واإلمرباطور .كما انبهر إميل زوال ،الذي حاول الرواية التجريبية» ،بالتوثيق املعريف و طبق معطيات
املعرفة على الشروط االجتماعية ،اليت تسجلها الرواية .كان الروائي ،يف احلالني ،مأخوذة باخللق
واالكتشاف وتوليد اجلديد ،يهيمن على خملوقاته املتخيلة وينصب ذاته مرجعا ألكوان ال متناهية.
اختذت الثورة الربجوازية من اإلنسان مرجعا هلا ،ووطدت الداللة املقصودة حبقوق اإلنسان» القائلة ب« :احلرية
والعدل واملساواة» ومع أن يف احلقوق املتساوية ما يرد إىل السياسة والقانون وإشكال السلطة ،فإن فيها ما
ميس أيضا ،ألن اعرتاف «احلقوق» بتساوي البشر اعرتاف بآداب البشر املتساوية.
يقول ر.م .البريية« :الرواية جنس أدبي سطحي (مبتذل يف األزمنة القدمية وحمتقر حتى القرن الثامن عشر)
اغتنى مبقاصد بعيدة عن جوهره» .يربط القول بني الرواية والثقافة والشعبية بني التحوالت األدبية والتحوالت
االجتماعية ،بعيدا عن منظور سقيم ،يشتق الرواية من الكتب والقواميس اللغوية.
176
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يكون املستقبل حاضراً والعلم صناعة والصناعة رحلة واملتخيل واقعاً ،فما يبصره اخليال متسك به رحلة
االكتشاف .فمستقبل اإلنسان حاضره ،ومتخيل اإلنسان واقعه .انطلق اإلنسان من العقل وبشر بعقالنية
جديدة.
يف رواييت "روبسون كروز" لدانييل ديفو ،1719و "موبي ديك" 1815هلريمن ميلفل صدر املتخيل عن جمتمع
برجوازي قطع مع ماضيه وانتصر يف حقول كثرية .فاملتخيل اخلالص املربأ من خارجه ال وجود له إال إن كان
هذياناً أو ثرثرة فارغة ،فرحابة املتخيل ترتبط بداهة بتعددية العناصر اليت تعرف إليها ،اليت ال تكون يف
اجملتمع املغلق على ماهي عليه يف جمتمع مفتوح ال يكف عن احلركة والتغيري ،فتصبح العناصر املتعددة أدباً
مبا يضاف إليها.
الرواية واليوتوبيا املضمرة:
منى اإلنسان نفسه مبدينة فاضلة استقرت يف فضائلها ،تنهي التاريخ وتتوج نهايته بانتصار عادل ،ومن حلم
اإلنسان بعامل عادل نهائي جاءت فكرة اليوتوبيا القدمية ـ املتجددة اليت جتعل من العامل املرغوب نقيضاً كلياً
لعوامل اإلنسان املثقلة ،واليوتوبيا كلمة اخرتعها توماس مور فهي تعين لغة "ال مكان" يشفع عليها مباشرة "ال
زمان" كي تظل معلقة يف أثري الذاكرة ال تنقشع وال متطر.
بدت اليوتوبيا يف األزمنة ما قبل احلديثة حلماً يراود الفالسفة واألخالقيني الكبار ،إىل أن جاءت إيدلوجيا
التاريخ ــ التقدم ،اليت رأت التاريخ تقدم والتقدم جوهراً للتاريخ ومربراً له .فانتقلت الفكرة من فضاء احللم إىل
أرض اإلمكانية القادمة ،وانتقل زمن الفكرة من حيزه األثريي إىل طيات املستقبل الواعد.
من هنا يرتكن التصور السابق إىل ثالثة أفكار
قابلية الكمال يف اجلنس البشري
التاريخ يشكل احليز الزمين اخلطي الذي يتفتح فيه الكمال اإلنساني.
حمصلة ملا سبق يتقرر أن اليوتوبيا نهاية للتاريخ اإلنساني ،ومعينة التاريخ ضرورة منطقية لتحقيق اليوتوبيا
اإلنسانية يف نهاية عام 1516م ظهر كتاب توماس مور "اليوتوبيا" حيث يسرد الكتاب رحلة متخيلة تقل السارد
إىل مدينة مل يكتشفها أحد قائمة يف ال مكان متجنبة شرور اإلنسانية كلها ،حيث البشر اليوتوبيون يقضون
أوقاتهم مبا يهندس الروح ويصقل األخالق ،كان توماس يعكس روح زمانه املتناقضة ،وقد بنى مدينته من
الثقافة واملعرفة والعقالنية ،استعاد مجهورية أفالطون وانتهى إىل املقصلة.
إذ كان املتخيل اليوتوبي يعارض مدينة واقعية بائسة مبدينة متخيلة نبيلة ،فإن الرواية تواجه سلب املدينة القائمة
بيوتوبيا مضمرة واضحة ملتبسة وأقرب إىل السؤال .يتوزع ملتخيل التارخيي على الرواية واليوتوبيا ،وتفصل
بينهما الرؤية واإلجابة اخلرية .فاملتخيل اليوتوبي يفصل مدينته فصالً كامالً عن التاريخ اإلنساني ويشدها إىل
تاريخ خاص بها منقطع عن تاريخ كاتبها ،بينهما تبقى الرواية ،اليت تنقض الواقع ،مشدودة إىل التاريخ
اإلنساني تؤوله وترفضه وتتمنى تغيريه.
177
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فاليوتوبيا املضمرة ال تفصح عن مدينتها الروائية ألنها تشتق ما تريد من التاريخ املعيش وتود أن حتقق قيمها يف
هذا التاريخ .وقد يُقال :أن اليوتوبيا رواية متحققة غري أن القول يف تفاؤله النبيل مثقل بالعطب ،ألن حتقق
اليوتوبيا املضمرة يئد الكتابة الروائية املفتوحة على مستقبل ال نهاية له ،وهلذا يكتب املتخيل اليوتوبي نصاً
واحداً بأشكال خمتلفة ،ويتناتج املتخيل الروائي يف نصوص متناجتة.
أعطت هذه اليوتوبيا اليت تلمس يف احلداثة الصاعدة شرورها املتصاعدة ،النصوص الروائية األكثر إبداعاً
كأعمال رابليه وسرفنتس وهريمن ميلفل وجونا ثان سويفت ( 1667ـــ .)1745
سأل جورج لوكاش يف كتابه الشهري "نظرية الرواية" :كيف ميكن للحياة أن تصري جوهرية؟ فعثر على
اجلواب :حني يقرأ اإلنسان العادي يف كتاب احلياة نفسه بوضوح ،ولن تكون الرواية إال كتاب احلياة املفقود
الذي يضع الوضوح يف البصرية ،ورمبا تكون هذه البصرية ــ إن استبدلت باملاضي املستقبل وبزمن الروح التاريخ
االجتماعي ــ هي اليوتوبيا املضمرة اليت يفرض عليها التاريخ أن تضل مضمرة أبدا.
الرواية وجمتمعية القراءة:
لقد عثر املسرح على مجهور واسع قبل الرواية بزمن طويل ،ومل حتظى الرواية جبمهور قارئ إال يف زمن متأخر،
وقد فصلت أسباب كثرية بني الرواية الصاعدة ومجهور القراءة ،إضافة إىل ذلك رأت أوساط دينية وغري دينية
يف القراءة أُهلية خطرية تعبث باخليال وتؤرق العقل وتصرف العامل املأجور عن عمله ،كما ساهم يف حمدودية
القراءة أمية بقيت راسخة حتى القرن الثامن عشر .حتدد وضع القراءة الروائية بسريورة اجتماعية ثقافية متعددة
العناصر ،تنتج الرواية والقارئ وما يصل بينهما ،حيث لعب اخرتاع املطبعة ( 1436ــ )1450يف هذه السريورة
دوراً حامساً ،مما جعل النص شكل سلعي سهل التناول للقارئ .كما شكلت الصحافة حاضنة أساسية للتطور
الر وائي ،فقد نشرت أعظم روايات القرن التاسع عشر مسلسلة يف الصحف واجملالت ،مع مراعات املواضيع
واألسلوب اللذان يالئمان قارئ الصحيفة ،لقد خلقت الصحيفة املوقع املالئم الذي يلتقي فيه القاريء والروائي،
كما وسعت الرواية املسلسلة سوق الصحيفة ،وسوقت الصحيفة اإلبداع الروائي ،فبدت السوق وسيلة لتحرير
األدب ومحلته على إنتاج أدب مجاهريي ،وقد أدى تسليع األدب من ناحية إىل تراجع الكيف األدبي وأفضى من
ناحية ثانية إىل توسيع القراءة اجملتمعية وحترير األديب وإشهاره ،وإذا كانت عملية التسليع وعملية انتاجه قد
أقامت بني الرواية والصحيف ة عالقة وثيقة ،فالعملية ذاتها أملت على الصحيفة توليد ناقد أدبي جديد يُشهر
العمل الروائي ويدعو إىل قراءته ،وقد أصبح اإلعالن األدبي جزءاً من العملية األدبية وحتول الناقد إىل ظهري
للروائي يوسع شهرته مبقاربة إجيابية ونقد صاخب يستثري الفضول ،أما النقد احلقيقي فقد جاء من املؤسسات
اجلامعية ،وقد أفضت عالقة الروائي بالسوق إىل روايات متعددة املواضيع تساوق الطلب اجلماهريي ومعايري
العرض والطلب ،فجاءت رواية الطبقات ،والرواية الصناعية ،ورواية الشعب.
اجملتمع املوحد واللغة القومية:
تستلزم جمتمعية الكتابة لغة واحدة يكتب بها الروائي نصه ويفهمها قارئه بال مشقة ،فاللغة املوحدة اليت
يتوازعها الكاتب والقاريء شرط وصول الرسالة األدبية ،ويف اجملتمعات األوروبية تعني التميز الطبقي قبل
178
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الثورة الربجوازية بروق سياسية واقتصادية ولغوية كما لو كان يف كل جمتمع جمتمعات عدة ،فعلى سبيل
املثال يف اجملتمع الفرنسي ــ الذ ي أجنز ال حقاً ثورة برجوازية منوذجية ــ لغات عديدة تتوازى وال تتقاطع ،وقد
سعت الربجزوازية الفرنسية إىل إصالح لغوي شامل ،يستولد لغة جديدة موحدة تلغي اللغات املتعددة السابقة،
حتاور بها اآلخرين وحياورها اآلخرون بها ،فالتحوالت االقتصادية اليت فرضتها الثورة الربجوازية تفسر نشوء
القومية وتطور اللغة القومية وصوالً إىل األدب القومي الذي يستلزم قارئاً قومياً موسعاً ،وتشتق اللغة يف هذا
التفسري من عقود العمل والتبادل السلعي.
تصبح اللغة كياناً مستقالً بذاته يؤمن التواصل اليومي بني املواطنني بلغات راقية ووضيعة ومتوسطة وميد
املبدعني مبا خيلقون منه كالماً مجيالً ،فاللغة يف شكلها األدبي معطى مغاير مقرتن باإلبداع والعبقرية
والصناعة املتقنة ،فكأن على األدب أن يعيد حجب اللغة يف أصوهلا املادية من جديد مشدوداً إىل لغة أخرى لغة
نوعية مصقولة متحللة من مراجعها االجتماعية.
الرواية العربية يف زمن اجتماعي مغاير:
كان الروائي األوروبي ال يتحرك إال يف املستقبل خمتلفاً عن روائي عربي يتمسك باألصل البعيد ،ولقد اتكأت
الرواية األوروبية يف زمن صعودها على أطروحتني أساسيتني:
أ -ال تاريخ دون حاضر حترر من ماضيه
ب -ال رواية دون فردية دنيوية تضع املستقبل يف احلاضر
مل جيد الروائي العربي يف ثقافته العربية ما يشرح الرواية العربية ،فكان على حممد حسني هيكل أن يستلهم
يف زينب تعاليم جان جاك روسو ،وحني كتب لويس عوض عن املؤثرات األجنبية يف األدب العربي احلديث أدرج
قضية املرأة ،وربط عوض بني األدب واحلقل الثقايف والوعي احلديث والقضايا اليت أثارها ،فاألمساء اليت
استشهد بها باستثناء اجلربتي تأثرت كلها بالثقافة الفرنسية ،قاوم علماء األزهر ظهور صحيفة الوقائع املصرية
حبجة أنه قد يرد فيها اسم اجلاللة والنيب والقرآن ثم يلقى بها إىل األرض ،ومل يغفر رجال الدين حملمد املويلحي
كذبه يف حديث عيسى بن هشام إال بعد أن أقر أنه قصد كذباً أبيض ،ويف نهاية القرن العشرين اتهم جنيب
حمفوظ بالزندقة .لقد عثرت الرواية العربية على من يكتبها ال على جمتمع حديث يدعو إىل كتابتها.
تنتمي الرواية العربية على مستوى الكتابة إىل زمن حداثي كوني وتنتسب على مستوى القراءة إىل زمن تقليدي
أو هجني احلداثة ،كأنها بطولة املتخيل والكتابة تنتظر مجهور ًا حمتمالً مل يأت بعد.
الرواية العربية :الوالدة املعوقة يف السياق املقيد:
يف زمن تارخيي آخر خلفه الزمن األوروبي املنتصر وراءه ،ولدت الرواية العربية ومحلت معها آثار زمنها ،ومل
تظفر الرواية العربية يف زمن والدتها األوىل مبرجع خارجي يصريها رواية ،ومل تتمتع مبرجع يعالن باتساق
داخلي.
179
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ولدت الرواية العربية مزودة بإعاقة مزدوجة ،فهي أثر متأخر لألدب العاملي الذي هو صورة أخرى عن الزمن
األوروبي ،وهي كتابة وافد ة إىل حقل اجتماعي مل يعرف "نثر اجملتمع الربجوازي" ،فالوالدة القسرية يف هذه
احلال تشري إىل عنصرين:
أ -جنس أدبي حداثي وافد يفتقر إىل فضاء ثقايف أدبي مالئم له
ب -خنبة ثقافية أيقضها التغري فانفتحت على جديد ملتبس ،وحاورته مثقلة بالفتنة واالضطراب.
يؤرَّخ ميالد الرواية العربية مببتدأ القرن العشرين ،وقد هز زمن والدة الرواية العربية زمن غياب شروط الكتابة
الروائية.
. 1الوالد املعوقة :الكواكيب وإضاءة أخرى:
حينما كان حممد املويلحي يف مطلع القرن العشرين حياول جنساً كتابياً ينوس بني الرواية والتاريخ ،كان
عبدالرمحن الكواكيب الذي أجلأه االضطهاد العثماني إىل مصر ينشر كتاباً كلفة حياته يدعى "طبائع
االستبداد" ،وقد أضاء الرجالن بشكل خمتلف قوالً يتداوله دارسوا الرواية" :ال رواية بال دميقراطية وال
دميقراطية بال رواية" ،لقد تأمل الكواكيب االستبداد يف حقول خمتلفة :الدين ،العلم ،املال ،اجملد ،الرتبية،
األخالق ،التمدن ،ووقف على آثاره اليت ترد اجملتمع احلي إىل مقربة مجاعية ،ويتجلى االستبداد يف اخلوف
املعمم ،ومع أن الكواكيب أجهد فكره الثاقب يف تبيان املقدمات والنتائج وما يصل بينهما ،فما جاء به
يُكثَّف بإجحاف كبري يف عناصر ثالثة تالزم النظام االستبدادي وأول هذه العناصر وأكثرها شيوعاً :أولوية
الكل على األجزاء ،اليت تنتهي إىل أولوية املتسلط على السلطة ،والسلطة على اجلماعة ،وأولوية اجلماعة على
الفرد ،فيتكشف املستبد الذي ال يدع خارجه شيئاً كال ميحو األجزاء اليت خارجه ،وميثل فساد اإلنسان
وقصوره العقل ي واملعنوي العنصر الثاني الذي تروج له بطانة املستبد ،أما العنصر الثالث فيشتق من العنصرين
السابقني ،بني السلطة وشخص املستبد وبني األخري ومالمح املطلق ،املطلق الذي ضم بني أعطافه الثبات
والكمال ،يصدر الفصل النوعي الذي البد منه بني احلاكم الذي ال يُسأل واحملكوم الذي ال حقوق له.
تستولد العناصر الثالثة دميومة التقليد وإكبار األتباع وبداهة اخلضوع منتهية إىل جمتمعات مقوضة ضربت
عليها املذلة واملسكنة ،فالكواكيب يشتق من طبائع املستبد إن طالت واستقرت وتوطدت طباع املستبد بهم،
ويشتق من طبائع االستبداد وتلف الطرفني معاً خراباً مفتوحاً وبواراً ال ينتهي ،وحني يعاجل الكواكيب "الرتقي
واالستبداد" يستهل حديثه باحلركة الدائبة اليت تعارض الثبات والتثبيت ،ينطوي مفهوم التناقض على احلركة
والصراع واالنقسام ،وعلى ما حيتفي باألجزاء املتصارعة وما يشجب الكل والشروط الت حتفظه موحداً،
وتنت هي تصورات اجملتمع املستبد ،املوزعة على الثبات واليقني والتقليد إىل اخلوف من فكرة احلرية ،
فاملشكلة اليت تواجه الروائي يف الوقت احلاضر هي التوصل إىل وسيلة تكفل له حرية الكتابة فيما خيتار
أن يكتبه ،ال يُستولد اجملتمع املدني من جمتمع العبيد وال الوعي الروائي من ثقافة تقليدية تلغي األجزاء،
كتب الكواكيب يصف شعباً شرقياً جيايف احلركة" :كأنكم خُلقتم للماضي ال للحاضر تشكون
حاضركم وتسخطون عليه ،ومن لي أن تدركوا أن حاضركم نتيجة ماضيكم"
180
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
181
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هي بلغة أنطون :قوة االخرتاع واملرد بها خميلة الكاتب ،قوة احلركة اليت تشد القاريء وتطرد السأم ،وحدة
وتنوع املوضوع ،واملقصود تعاقب األحداث بل اضطراب ومماطلة ،قوة البسيكو لوجيا والسيولوجيا اليت تصل
الرواية بألولن العلوم املختلفة ،دراسة الفن الروائي دراسة معمقة ،عاطفة اجلمال وتتوي مجال السكب
واملوضوع .والينسى أنطون يف مقالته "إنشاء الروايات العربية" دور النقدة املهرة الذين يُحسنون تقييم األعمال
الروائية ،يقصّر أنطون وهو يضطرب بني زمنني تارخييني خمتلفني ،عن وعي املسألة االجتماعية يف الزمنني
معاً ،لقد آمن أنطون املنقسم بني جمتمع مهزوم وثقافة أوروبية منتصرة بقوة األفكار ،وتوسل املقالة والرواية
واجمللة ،ووحد األلوان الفكرية يف رواية تعطي املسألة االجتماعية حلوهلا الصائبة.
تتحدد األسئلة وتضل مقاصد أنطون النبيلة يف مكان وثقافته يف مكان آخر ،دون أن يقنع اإلسكندرية بقراءة
رواية متفرنسة ،وال أن ينجح يف حتويل الرؤية الفرنسية إىل رواية مصرية .إنه الوعي املنقسم الذي يود إصالح
جمتمع بثقافة جمتمع مغاير بل إنه الوعي املغرتب الذي فتنته الثقافة ،وآمن بفضائلها الكونية فعزهلا عن الزمان
واملكان .يتطاير جهد أنطون الروائي خفيفاً ،ويتبقى من أسلوب كتابي نضر اللغة ،جاء رمبا من انفتاح
الكاتب على أكثر من لغة.
. 4ليالي سطيح :فتنة املاضي وسطوة األصول:
أصدر حافظ إبراهيم " 1906ليالي سطيح" بعد ستة أعوام من ظهور "حديث عيسى بن هشام" ،تقاسم العمالن
مراجع تراثية متقاربة ،وحدت بينهما رغبة بنقد احلاضر ودعوة إىل إصالحه.
تظهر احلداثة الفكرية يف "ليالي سطيح " يف اخلطاب النقدي الذي يطالب بواقع بديل ،ويف الكتابة الواضحة
اليت تؤيد موقفاً وتتهم آخر ،وقد أعرب صاحب الكتاب عن إعجابه بشخصيات تنويرية معروفة ،وتزيد
مواضيع الكتاب غاياته وضوحاً :احلرية ،احلجاب وحترر املرأة ،تهافت الصحافة وابتذال اللغة ،العنف
االستعماري اإلجنليزي واهلوان املصري ،ورسالة األدب :ودور اللغة العربية يف بعث النفوس ،يقوم الكتاب على
لقاء متخيل بني الراوي وكاهن قديم ،وعلى قصص متوالية تساوي احلوار بني ابن النيل وسطيح.
ملس حافظ قضايا مصرية مشخصة عاجلها املويلحي بكفاءة أكرب ،وقد اجنز املويلحي عمالً أدبياً مركباً،
احتفى باملقامة وأعلن موتها ،مؤكداً اخلرفة اللغوية عالقة داخلية يف عمله األدبي ،أما إبراهيم فقد اطمأن
إىل شكل كتابي يليب انبهاره باللغة العربية ،فكتاب "ليالي سطيح" يف إحاالته الرتاثية شهادة على ثراء اللغة
العربية ،وقد قام حافظ إبراهيم متكئاً على تصور تغمره اللغة العربية بأمرين :أجنز استظهاراً لغوياً جمتهداً،
وهو حياول استظهاراً فكرياً جمزوء القيمة ومتناثر األجزاء ،فقام بتأكيد اللغة موروثاً عظيماً يقاسم املطلق
بعض صفاته ،فاللغة يف ليالي سطيح تأخذ وظيفة ثالثية األبعاد :فهي هوية وطنية ــ ثقافية تواجه غازياً أجنبياً
خمتلف اللغة والثقافة ،واملرجع الوطين املقدس الذي ينوب عن سلطة وطنية مؤجلة ،وهي شرط الزم ال وجود
للسلطة الوطنية من دونه وال ماهية هلا إن مل حتافظ عليه وتتمسك به ،ينتهي حافظ إىل وطن ملتبس ،يقوم يف
زمن لغوي قديم ويف حاضر قيدته أمية طاغية ،لقد أملى الوعي املنقسم على حافظ إبراهيم أن يكتب املقامة
وأن ميحوها يف آن :كتبه ا وهو يتبخرت بلغة زخرفية مثقلة بالسجع والطباق ،وحماها وهو يضع يف اللغة املزخرفة
182
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هموماً وطنية راهنو مشخصة .وواقع األمر أن إبراهيم حاول احلداثة األدبية يف شرط غري حداثي ،فحول القصة
إىل مقالة ،وكتب املقالة بلغة املقامة.
ال تتفق العمومية املوروثة مع تصور حداثي ،يقول بلغة االختصاص اليت تشتق اللغة من األشياء واملواضيع،
ومبفرد لغوي كيانه أسلوبه ،وتصوراً متداعياً يفصل بني األجناس األدبية وأزمنتها التارخيية .وهذا الفصل بني
املخزون اللغوي والتجربة احلياتية أوصل إبراهيم إىل لغة جوهرية مكتفية بذاتها ،تسمى معروف األشياء
وجمهوهلا ،ويطرح خطاب إبراهيم موضوع العمومية اللغوية الساكنة ويعطف عليه لزوماً موضوع الدولة الوطنية
املرغوبة اليت يؤمن هلا الربيع اللغوي وسائل االنبثاق والنهوض .لقد فصل إبراهيم بني اللغة واجملتمع ،وأوكل
أمرها إىل األدباء ،وفصل بني اللغة والتاريخ ،وعهد بها إىل القاموس املوروث .وبفصل الفصل املزدوج رأى يف
سطيح أنيساً ،ويف زمنه اللغوي مرجعاً هادياً.
. 5دعاء الكروان اجملتمع الوطين الذي ال وجود له:
يطرح طه حسني يف "دعاء الكروان" إشكال الرواية يف جمتمع مسته احلداثة مساً واهناً ،يدير طه حسني
حديثه الروائي يف جمتمع بصيغة اجلمع غريب عن الوحدة والتجانس ،تسرد رواية طه حسني حكاية االنتقال:
انتقال اجتماعي مكاني من مركز البداوة إىل مركز احلضارة ،وآخر معنوي قيمي من عامل الكراهية
واالنتقام إىل عامل احلب والتسامح .كأن البداوة ضغينة خالصة واحلضارة ود وموادعة ومودة ،تعطي العالقات
املتداخلة بني األمكنة والطبائع املكان بعداً مزدوجاً :فهو حيز اجتماعي ثقايف وهو مرآة للشخصيات املتنوعة،
يتعني املكان األول بالبادية ،أو بالريف املتبدي كما يقول املؤلف ،الذي حيتضن الصحراء ويقف على ختوم
الريف فال هو بالريف وال هو بالبادية اخلالصة ،وللمكان املتبدي ما مييزه عن غريه لغةً وأعراف وطبائع ،يتلو
الريف املتبدي الريف الذي استقر فيه فالحون مزارعون هلم لغة أقل خشونة وطبع أقل غلظة ،غري أن نصيبهم
اليسري من احلضارة مينع عنهم النظام والرتتيب والتنسيق ،وال حيبب إليهم الدقة والرقة والذوق الرهيف،
فاالنتقال من ال بداوة إىل احلضارة ينطوي على انتقال أخالقي قمي وسيلته احلب ،حيرر اإلنسان من عواطف
وعادات سالبة ،ويعلمه أخرى مهذبة راقية ممتازة.
تتضمن رواية طه حسني ثالثة نصوص متآلفة متنافرة :نص اجتماعي يصف أحوال ريف مصري ،ونص لغوي
مهيب يعالن ببالغة طه حسني املتفردة ،ونص اس تورده الكاتب من امليلودراما الفرنسية ورمى به يف ثنايا ريف
مأخوذ بثقافة األدعية وشيوخ الطريق ،ولعل إضافة النص الثالث إىل نصني ال يأتلفان معه هي اليت محلت طه
حسني على اخرتاع وقائع وشخصيات روائية تتحدث العربية فوق مسرح فرنسي ال مجهور له ،وقد ساق االخرتاع
طه ح سني إىل توليد عائلة السيد مأمور املركز اليت تتعلم الفرنسية وتأخذ بأخالق السادة ،غري أن السيد
العميد الذي ارتاح إىل امليلودراما الفرنسية ،اخرتع ما جيب اخرتاعه كي يوائم بني برجوازية مصرية مفرتضة
ولون أدبي يساوي بني الناس يف الروايات وال يساوي بينهم خارجها.
أ علن طه حسني عن حداثة يف كتاب "األيام" مرتكناً إىل فكرة الفردية املتمايزة من جمموع راكد متجانس
الوجوه وإىل تقنية السرية الذاتية املختلفة عن نص موروث ال مؤلف له .لكن السيد العميد أخطأ مرتني :مرة
183
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أوىل وهو يستولد الفردية الروائية من شروط اجتماعية ال تسمح بها ،وأخطأ مرة أخرى وهو يقحم امليلودراما
على ثقافة األدعية ويشتق منه جمتمعاً مصرياً مياثل اجملتمع الفرنسي أو حياكيه على األقل .انتهى طه حسني
وهو خيلط بني املرتجم واملعيش ،إىل نص روائي مفكك ،حياكي دون أن يدري ،جمتمعاً مصرياً حيتقب
مجعات متباينة غري متجانسة .واشت ق طه حسني وهو يعطف امليلودراما على ثقافة األدعية ،من النخبة املصرية
املتغربة جمتمعاً مدنياً مصرياً عناصره عائلة متحضرة تتعلم الفرنسية ومهندس يعيش على الطريقة اإلجنليزية
وفتاة بدوية هذبتها العائلة اخلرية وعشقها مثقف زل مرة وتلقته الفضيلة .وضع طه حسني ثقافته الفرنسية إىل
جوار ثقافة الريف املتبدي وقرأ الفرق بينهما مبقوالت أخالقية طافحة بالصدق واحملبة والتفاؤل.
. 6سارة :الكل الذي يقمع األجزاء:
كتب العقاد 1938روايته اليتيمة "سارة" مقلداً احلكيم وحسني واملازني ،ومذيعاً سرية ذاتية مبتورة ،قوامها
عشق كبري عبثت به األ يام ،تتضمن سارة يف صفحاتها الباردة املتباطئة ،طبقات من املقوالت ،تفضي كل
طبقة إىل غريها ،وتنتهي مجيعاً إىل خالق أول ،يسوس رعيته كما يشاء ،حتكي الطبقة األوىل عن إشكال
متداول هو عالقة الرجل باملرأة ،فالعقاد يدير حديثه الروائي يف دوائر العشق واهلوى ،ما عالقة الذكر باألنثى
إال االتهام الذي يصل بينهما ويقرر انفصاهلما يف آن ،يَنْظُمُ التهام عالقة الذكر ياألنثى ،ويَنْظُمُ تبيان حقيقة
الذكر ما تبقى .تقرتح بداية الرواية ما تنتهي به ،وتذعن نهاية الرواية لبداية متجربة ال حتتاج إليها ،يشتق
العقاد األنثى من طبيعة األنثى والذكر من الطبيعة الذكورية ويستولد الذكر واألنثى من طبائع خالدة ،وهو
يبدأ بهما ويردهما إىل طبيعتني خمتلفتني سحيقتني متهيداً لعطفهما على مقولة جوهرية ال يتساهل فيها وال
ال غدت مقولة :األبطال. يتخلى عنها هي مقولة :العبقرية ،اليت إن تواضعت قلي ً
ينتج العقاد خطابه الصغري مرتني :مرة أوىل على مستوى البنية السطحية ،حيث الشارب الذكوري يلتهم وجبة
أنثوية وينتقل إىل أخرى أفضل منها ،ومرة ثانية على مستوى البنية العميقة ،حيث الذكر يتحدث عن نفسه
وغريه .فال مكان لكالم األنثى أو احلوار معها ،فإن جاء بعض اجلمل كان قصرية وشديد القصر متباعدة
وشديد التباعد .لذلك تبدو الرواية «مونولوجاً ،إنشائية مغلقة ،يدلل على ذكر موهوب أحسن شؤون اإلنشاء
والبالغة ،ومنع الكالم عن أنثى غريبة عن البالغة وعن غريها من البشر .وواقع األمر ،أن يف الرواية موضوعاً
ينسج بنيتها السطحية قوامه :االتهام ،وأن فيها مضمون يؤلف بنيتها العميقة قوامه :األنا املتضخمة اليت تقرر
وتصوغ وحتلل وتولد األمور .إنه خيتصر طبيعة املرأة املشخصة إىل طبيعة املرأة اجملردة والرجل امللموس إىل
العقل الذكوري املفكر .يف النص الروائي الذي حاوله العقاد ما ينقض التصور الروائي للعامل يف أكثر من
مك ان :ينقضه وهو يقرر مركزة لغوية واحدة حيتكر الكالم ،على مبعدة عن تعددية لغوية ،رأى فيها
ميخائيل باختني ذات مرة منطلقا للعمل الروائي مرجعا له .وينقضه وهو يفرض فردا متعالية يضع ذاته فوق
غريه ،وينكر ما يساوي بني البشر ومينحهم حقوق متساوية.
. 7فنديل أم هاشم واجملتمع الراكد والفردية املؤجلة:
184
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
نشر حييى حقي ،يف كانون أول من عام ،1944رواية قصرية ،أو قصة قصرية طويلة ،عنوانها« :قنديل أم
هاشم» ،أدرجها يف جمموعة قصصية هلا العنوان ذاته انطوى العمل الصغري ،وله كثافة مدهشة ،على ثنائية
الشرق والغرب ،ومواضيع أخرى حتتقب :العلم واإلميان ،الفرد واجلماعة ،هشاشة الوافد وسلطة املوروث.
طرحت القصة الطويلة ،يف مثان ومخسني صفحة من القطع الصغري ،إشكال احلداثة االجتماعية يف جمتمع
تقليدي ،تعيد تقليديته إنتاجه بيسر كبري ،وتهزم ما ينقده بيسر أكرب ،وأطمأن إىل فكرتني :وحدة العقل
وكونية املعرفة.
حما الزمن األوربي املفتوح الزمن الشرقي املغلق ،وخلق إنساناً أوروبياً ،مصري األصول .انتقل األخري من اجملرد
إىل احملدد ومن االنفعالي إىل العقالني ومن بالغة املستقبل إىل منطق احلاضر ،وانتقل أيضا من اخلرافة
وأسطورة املرأة إىل العلم والفن واملرأة احملسوس ة امللموسة .مل خيرج الشرقي من شخصية ويدخل إىل أخرى
مغايرة ،بقدر ما تربأ من والدة أوىل واعتنق والدة جديدة .وألنه صفحة بيضاء ،أو هكذا بدا ،تساقطت معتقداته
وغاب جسده املرتهل ،واكتسحت إرادته املتداعية إرادة منتصبة واثقة .خترج من اجلامعة ،وقد اكتمل عقال
ومعرفة ،وحررته املرأة األوىل) ،وقد اكتمل إرادة وتوازنا ،واختلف إىل نساء جدد.
يتعني الغرب ،وقد اختزل إىل سيطرة رائعة ،مدرسة ثالثية الوظائف ،عناوينها األساسية املعرفة الكونية،
اإلشباع اجلنسي ،التمرد على اخلرافة ،تعني الغرب مستودع للمعرفة ،عنوانه اجلامعة ،ومكانا لإلشباع
اجلنسي ،أداته املرأة الشقراء ،وفضاء ذميمة يعبث باإلميان ،بينما يتعرف «الشرق» صفحة بيضاء تستقبل
املعرفة واهلرطقة ،وجسدا حمروما ،تنهكه أسطورة املرأة قبل أن ميسها .تشكل ثنائية الشرق والغرب قاعدة
الثنائيات الحقة :الذكورة واألنوثة ،اإلميان والعلم ،عامل الروح وعامل املادة.
تكشف «الشرق» يف صفات ثالث متكاملة :املوروث املتأبد ،الذي ورثته أجيال متالحقة عن أجيال سبقتها
تورثه ،وميتل
املوروث املقدس ،يف هذه احلدود ،مرجعا لإليديولوجيا العملية والنظرية يف آن :يؤمن رزق الناس ويشفيهم من
أمراضهم ويأخذ بأيديهم إىل الفوز والنجاح .يتنافس مرضى العيون على زيت قنديل «أم هاشم» ،حبثا عن الشفاء
والربكة ،فإن أخطأهم الشفاء وشي بإميانهم الناقص .يهزم الزيت القديم ،الذي باركته عادة متابدة ،طبيبة
حديثا عاش يف الغربة سنوات .تقرر املادة املوروثة عالقة الفرد باجلماعة ،ذلك أن الفرد هو ما تعلمه من أجداده،
وأن األفراد هم مجاع العادات اليت تصوغهم.
يعيد إشكال الفرد واجلماعة تأويل سلطة اجملتمع األوروبي واستالب اإلنسان الشرقي .تطفو على سطح القول
ثنائية الشرق والغرب ،أو العلم واإلميان ،وتستقر فيه ثنائية اجملتمع الراكد واجملتمع املتغري ،أو :اجملتمع املغلق
واجملتمع املفتوح.
تتحدث «قنديل أم هاشم» عن جمتمع حيتفي باملطاوعة ويتطري من االختالف ويقطع مع العناصر اجملتمعية اليت
حتيل عليها الرواية ،فليس يف حبات الرمال ما يعوض اخلطاب الروائي عن مغرتب فارقه اليقني ،وال عن زمن
185
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
قوامه التبدل والتغري والتشظي .ومع أن لدى اجملتمعات ما ترد به على وعي روائي أسيان ،فإن يف اجملتمع املغلق
ما حيول اإلبداع األدبي إىل سؤال مأساوي.
. 8مليم األكرب :األدب اللفظي وبالغة الثبات:
يف مليم أكرب عاجل عادل كامل بشكل غري مسبوق ،وجهة أساسية من وجوه اإلشكال الروائي هو :اللغة.
متيزت املعاجلة بالعمق والنفاد ،والشجاعة ،ألزمها أن تبدأ باللغة ،وأن ترى معنى اللغة يف موروث أدبي ما هو
باألدب وأن تقرأ اللغة واألدب العربيني يف عقلية عربية مطبوعة على احملاكاة واالمتثال .بدا كامل مقدمته
الطويلة بثالث كلمات :هلذه القصة قصة تطيح الرواية بثنائية البالغة واملوعظة ،وتطيح باجلائزة اليت تقدمت
من أجلها أيضا .انتقل عادل كامل من نقد األدب العربي إىل نقد لغته ،ذلك أنها لغة زائفة الثراء وصادقة الفقر:
يتكشف ثراؤها العقيم يف املرتادفات الغزيرة اليت ال تعين شيئا ويظهر فقرها الصادق يف خلوها من األلفاظ
املعربة عن األفكار العميقة واآلراء الصعبة غري املألوفة .فسر كامل بؤس األدب العربي بفقر لغته ،وفسر فقر
اللغة بعقلية ضيقة ،حتجب ضيقها برك ام لغوي عقيم ،وعني عقلية املرتادفات عقلية بدوية ،يستغرقها
احملسوس املباشر ،على خالف العقلية املتمدنة ،اليت تتميز باخليال الواسع والقدرة على التجريد .هناك كتاب
يقبلون اليوم باللغة كما جاء بها الزمن القديم "لقد صنع اجلاهليون لغة تناسب بيئتهم .أما الكتاب املتأخرون
فقد صنعوا بيئة تناسب لغة اجلاهلية" .دار عادل كامل حول أسئلة كثرية ،دون أن يطرح السؤال الذي يود أن
يطرحه املتمثل بعالقة اللغة بالدين ،أو عالقة اللغة بالنص القرآني .أشار إىل «الشيخ الوقور ومواعظه الفاتنة
وإىل «اخلطب املنربية» ،وحاذر من الذهاب إىل ما وراء ذلك .وما مل يقل به الروائي ،الذي أكثر من الرجوع إىل
سومرست موم وستيفنسون وبرناردشو وإمرسون ،ميس موضوعني حمددين :أوهلما معنى اللغة العربية يف
املوروث اإلسالمي ،وثانيهما معنى اإلصالح اللغوي يف الوعي املوروث ،إن اللغة العربية ،يف حدود املوضوع
األول ،لغة مقدسة ،قدسها القرآن الكريم ،هو جمالها وحافظها وآية على عبقريتها ودليل دميومتها ،وقد
استأنف الرافعي ،بعد قرون ،يف «حتت راية القرآن»« :املعركة بني القديم واجلديد» ما قال به «ابن قتيبة» يف
فضل لغة القرآن ،إن تقديس اللغة العربية يفضي مبن يطالب بإصالحها إىل تكفري ،وإىل ذم من يدعو إىل
تسهيل قواعدها ،وإىل التشكيك مبن يتعامل معها موضوعا مثل املواضيع االجتماعية األخرى ،وبداهة فإن ما
عاينه عادل كامل ،وبكثري من اجلور والشطط ،هو الدنيوي ،الذي يتوزع على لغات و هلجات وعلى أمية
طاغية ،تؤمن باهلل ورسله وكتبه ،وال تعرف من اللغة العربية اجلزلة شيئا.
ميز عادل كامل بني «األدب اللفظي» ،الذي يعيد إنتاج لغة ثابتة ،و«األدب احلي» ،الذي يكتب بلغات احلياة
وهو يقرأ أسئلتها املفتوحة .لكنه نسي ،وقد فتنته املراجع األدبية الغربية ،أن سؤاله الصحيح عن التجديدين
اللغوي واألدبي ال يبدأ من اللغة العربية يف ذاتها ،وال من بيئة جاهلية مستحدثة ،ألن عليه أن يبدأ من السلطة
السياسية ،اليت تنتج «األدب اللفظي» ويعيد إنتاجها «األدب اللفظي» يف آن.
. 9مالحظة جمزوءة:
186
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
تقرتح دراسة ميالد الرواية العربية ،يف ميالدها وتطورها ،أكثر من منهج ،نكتفي باإلشارة إىل اثنني منهما:
أوهلما يأخذ بالتعاقب الزمين ،منقبة يف السنوات املتالحقة عن روايات متالحقة .ويدور املنهج الثاني ،وهو أكثر
اتساعا حول تاريخ املعايري اجلمالية ،الذي يرد إىل التاريخ االجتماعي ،مستدعي اإليديولوجيات االجتماعية يف
تعييناتها املختلفة.
تضيء الروايات الست السابقة ،بأشكال ال متكافئة ،عالقة اجلمالي باالجتماعي والتقين بالكتابي ،وبسبب
هذا ،يكون اإلشكال الروائي ،كما قالت به الروايات املتتابعة ،مجالية واجتماعية يف آن ،مفرداته :الوعي
املغرتب كفرح أنطون ،الوعي املنقسم -حافظ إبراهيم ،التوهم اجملتمعي -طه حسني ،التصور الكلي للعامل
-عباس العقاد ،الفردية واحلرية كيحيى حقي ،التعددية اللغوية -عادل كامل .ميكن أن نسأل هنا :ما
الذي يوحد بني ستة نصوص خمتلفة يف التصورات واألساليب وأزمنة الكتابة؟ يقول اجلواب ،من وجهة نظر
تاريخ الرواية العربية ومصائرها :ب :اإلخفاق .ال مبعنى الروائي الذي أخفق يف كتابة نص متسق العالقات ،بل
مبعنى إخفاق اجملتمع يف توليد شروط الكتابة الروائية.
انتقل الروائي العربي ،يف مسار إبداعي دؤوب ،من «املدن الثالث» إىل «جنمة أغسطس» ومن «ليالي سطيح»
إىل «الزيين بركات» ،ومل ينتقل جمتمعه من قضايا البالغة والقمع والتفكك إىل قضايا أخرى .يتجلى إخفاق
الرواية العربية يف املواضيع الراكدة ،اليت عاجلتها بأساليب متعددة ،ويف القارئ الذي مل تظفر به ،بعد مائة
عام ،إال بشكل جمزوء .حيدد هذان العنصران ،على األقل ،الرواية جنسا إبداعية حداثية يسائل جمتمعاً
أخطأ حداثته التارخيية ،بل ميكن القول :إن تاريخ الرواية العربية هو تاريخ .حتققها الذاتي وإخفاقها
االجتماعي.
الكتابة الروائية وتاريخ املقموعني:
تدل كلمة التاريخ ،وهي يونانية األصل ،على استقصاء اإلنسان واقعة إنسانية منقضية سعيا إىل التعرف على
أسبابها وآثارها.
يتعامل املؤرخ مع إنسان متبدل األحوال ،ويستولد النقد التارخيي من متييز األزمنة املتغرية ،فال معرفة إال
باملتغري ،وال نقد يف جمتمع يتجانس فيه الرجال واألزمنة .وعن النقد ،الذي مييز زمنا من غريه ،تصدر وحدة
املعرفة واحلرية ،ويولد عقل تارخيي يتكون يف قراءة االختالف .وما املعرفة التارخيية إال مقارنة عارفة ،تفصل
بني األسطوري والتارخيي ،وبني املاضي واحلاضر املختلف عنه .وهلذا يصبح املاضي ،يف الوعي التارخيي ،وعيا
باحلاضر ،على خالف الوعي األسطوري ،الذي جير احلاضر إىل املاضي ويعطف الزمنني ،بعد إضعافهما،
على أصل قديم .وقد خيالط األسطوري ،يف مجيع األزمنة ،التارخيي ،دون أن مينعه عن البدء من الفعل
اإلنساني والتمسك بأسئلته .يؤكد املؤرخ ،الذي يلمح احلقيقة يف ثنايا التاريخ لسعتها ،حقيقة «اإلنسان
التارخيية م رتني مرة أوىل و هو ينشئ منهجا خاصا به ال خيتصر إىل منهج سبق ،وثانية وهو يرصد حقيقة
متنامية ،يبدو التاريخ لدى املدافعني عنه أو املنتسبني إليه ،علماً موضوعياً مربأ من األهواء واملصاحل ،له
أسانيده ووثائقه واجلهود املتعددة اليت أجنزت مناهجه ،بل أن له من اهليبة والوقار ما ينصبه «علماً شريفاً» ،يف
187
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بعض التصورات ،كما أملح صاحب حديث عيسى بن هشام» .لكن هذا املنظور الذي يريد أن يكون
موضوعياً ،يصيبه االرتباك ألكثر من سبب :إن التاريخ ،غالبا ،علم سلطوي وعن السلطة ،يدور حول مقولتني
سلطويتني ،هما االنتصار واهلزمية ،ينتج ويعاد إنتاجه يف مؤسسات سلطوية ال تقتصر يف الرقابة حاذفة ما ال
تريد ومربزة ما تشاء وترغب .وبداهة ،فإن ثنائية النصر واهلزمية ،وهي سلطوية املنظور والغايات ،تفضي،
لزومه إىل تارخيني متعالقني متنافيني ،حيدث أحدهما عن منتصر جدير بنصره ويسرد ثانيهما سرية مهزوم ال
يليق النصر به .تبدل هذه الثنائية ،اليت ال يقوم التاريخ إال بها ،العلم التارخيي املوضوعي إىل «قصة األقاصيص
األخرى ،ذلك أن املنتصر يرى إىل انتصاره بطريقة ختالف نظرة املهزوم إليها ،مثلما أن هزمية املهزوم ،الذي ال
يعرتف غالبا بهزميته ،يكتب املنتصر تاريخ انتصاره ويكتب فيه تاريخ الطرف الذي هزمه.
إن أول ما يفعله املنتصر هو حمو تاريخ املهزومني ،ويا اهلل ما فوق السماء ضحاياهم ،وما أسهل أن يسرقوا
وجودهم من ضمري األرض؛ اإلبادات الكثرية اليت واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون ،وقد يأخذ املهزوم يف
شروط سلطوية بائسة ،بثنائية النصر واهلزمية ،متوسالً عدواً يسرياً قابالً للهزمية ،يساوي املؤرخ السلطوي
االنتصار باحلقيقة ،واحلقيقة باملنفعة ،ف الصوت ،الذي يرفض أن يكون صدى لغريه ،يقرتح رواية تكتب
تاريخ املقموعني الذين ال يكتبون تارخيهم ،رواية تنأى عن ثنائية النصر والسلطة ،وتذهب اىل مثانية :االغرتاب
اإلنساني والبحث عن املعنى ،كي حتاور املمزق واملتداعي.
. 1تكامل املعنى يف النص الروائي:
أقام جربا إبراهيم جربا روايته «السفينة» على ساردين ،عطف عليهما ثالث ،تكلم مرة واحدة ،تروي األصوات
الثالثة حدثا ،وقفت داخله وخارجه ،وعاشت ما سبقه وما تاله ،محل كل سارد جتربة ذاتية ومنظورة ال خيتزل
إىل غريه .واختالف املواقع والرؤى أعطى احلدث صياغات متقاطعة ومتوازية ،تروي مع احلدث أحوال السارد
أيضا .تكون الفعل الروائي من روايات ثالث ،كما لو كان بؤرة تقاطعت فيها مرايا خمتلفة ،دون أن تربك
تعددية األصوات معنى احلدث ،فهي متحاورة ال متناكرة ،متكاملة ال متنافية يستكمل الوضوح اجملزوء فيها
بوضوح الحق .يدور السرد ،يف أبعاده الثالثة ،داخل بنية كتابية متسقة ،يكمل فيها كل صوت غريه
ويستكمل به ،وتنتهي مجيعا إىل معنى متعدد املستويات .ومع أن القول الروائي يتخذ من احلب والوطن موضوعة
أساسية له ،فاألصوات املتحاورة تعكس عليه وجوه الطبيعة اإلنسانية ،اليت تتداخل فيها ظالل املوت واملنفى
وسطوة الزمن ورخاوة الوجود املرعبة .ويف الوجوه مجيعاً حقبة من تاريخ العراق ،ستينات القرن املاضي.
جتسد األصوات ثالث شخصيات :مثقف عراقي ،عاشق خمذول ،يبحث عن املنفى هربا من جمتمع تقليدي،
يغتال احلب ويستولد الكراهية ،ورجل أعمال فلسطيين يعيش يف املنفى ويتطلع إىل وطنه املستلب.
ينقض اخلطاب األول ،الذي يبدأ باإلنسان وينتهي به ،ثنائية اهلزمية واالنتصار مبقولتني :االغرتاب وتداعي
املعنى.
ينتج اخلطاب ال ثاني رؤية معرفية ،حتتضن قوة ال يلتبس باملنفعة .ترى رواية جربا ،يف مستوياتها املتعددة ،إىل
مستقبل العراق اتكاء على حاضره ،متوسلة مجلة من اإلشارات الفنية ،عناصرها الغرق واملوت والدوار.
188
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يتشبث التصور السلطوي بالنافع والثابت واملتجانس ،وتنزع الرواية إىل الصحيح و املتبادل واملتنوع ،مصرحة
مبعاني احلياة ووجوهها ،و ينهض الفعل الروائي ،يف رواية جربا ،على تبادلية احلوار بني أجزاء متنوعة وينتهي
إىل قول ال جتانس فيه ،يصرح باملتوقع واألكيد واحملتمل واملرغوب وبنهاية تتوالد منها بدايات أخرى ،لقد
أجنزت السفينة» جربا رحلة معتمة متعددة النهايات ،وانتقاله ملتبسة يعثر على املعنى ويضيعه يف آن :انتقاله من
موقع ساطع الشمس إىل موقع تسكنه العاصفة.
. 2تنايف املعنى يف النص التارخيي:
ينتج تكامل املعنى يف النص الروائي قوة يربط بني وقائع حقيقية وشخصيات متخيلة ،يعارض نصة تارخيية
ينسب وقائع وهمية إىل شخصيات حقيقية.
املؤرخ األول ،أو السارد األول باللغة الروائية ،هو الطربي ،لقد جنز الطربي كتابة تصف وحتلل وتأخذ موقفا،
تفصل بني النقد واالتهام ،وبني النقد والتعصب ،وتصل إىل حكم أخري ،ال يفصل بني املعرفة واإلميان .يتلو
الطربي مؤرخ آخر؛ اليعقوبي ،وهو السارد الثاني الذي استعرض الفتنة الكربى بشكل مرسل ال إسناد فيه،
فالروايات كانت قد استقرت قبله .وذلك بأسلوب يتصف بالرتكيز واالختصار ،السارد الثالث كتاب ملؤلف
جمهول (تويف يف أواسط القرن الثالث اهلجري) ،عنوانه« :اإلمامة والسياسة» ،ينسب خطأ إىل ابن قتيبة
الدينوري يتميز الكتاب ،كما يقول املؤرخون ،بالتساهل يف األسانيد والرتكيز على االسناد اجلمعي ،يقدم
كتاب «اإلمامة والسياسة» ،يف شهرته الواسعة ،منوذجا تقليدياً يف الكتابة التارخيية ،عنصره األول إميانياً
صرفاً ،يساوي ضمناً بني نقد مؤسسة اخلالفة واهلرطقة ،وعنصره الثاني بيان مجيل ،ذلك أن الكتاب «قطعة
أدبية متكاملة.
متتع املؤرخون الثالثة باملعرفة والورع والبحث عن احلقيقة .مع ذلك ،فإن كتاباتهم تطرح قضية «املعرفة
اإلميانية» ،بلغة معينة ،أو «شخصنة العقيدة» ،بلغة أخرى ،اليت جتعل املؤرخ يساوي بني اخلليفة واحلقيقة
الدينية ،أو تلزمه ،وهو حال اليعقوبي ،بأن ينقض شخصاً أقل تدينا بأخر أكثر تدينا وزهدة وتقى.
قرأ طه حسني يف «إسالمياته» الفتنة الكربى ،اتفق مع مؤرخ واختلف عن آخر ،واختلف مع املؤرخني القدماء
مجيعا ،حني قرأ التاريخ املختلف عليه مبنظور دنيوي -تارخيي ،يرى إىل العلة واملعلول وإىل اإلنسان كما هو،
بال تقديس أو مصادرة .هلذا ،مل يطعن بإميان عثمان بن عفان وصدقه وتقاه ،بيد أن طه حسني يقدم حتليله
التارخيي املؤنسن ،وهو واقف يف فكر كوني تارخيي حديث ،يعرتف بالنقد وال مييل إىل التوثني .
يقول بول ريكور :ختلق الثقافات نفسها برواية القصص عن ماضيها .ومكمن اخلطر ،بالطبع ،أن هذا
التوكيد اجلديد قد حترفه يف العادة النخب اليت حتتكر السلطة إىل خطاب متويهي يهدف إىل الدفاع غري
النقدي عن السلطات السياسية
الراسخة .ويف هذه احلاالت تتحجر رموز اجلماعة وتتوثن ،أي تتحول إىل أكاذيب التربير شرعية السلطة» .وثن
املؤرخ املتشيع ،يف حاالت كثرية ،السلطة السياسية القدمية ورموزها ،فكتب عن السلطان الذي ال يساءل،
وأغفل الرعية اليت يسأهلا السلطان وال تسأله .ومع أن توثني السلطان ظل متناجتاً ،مبشيئة أو من غريها ،فقد
189
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أرادت الرواية العربية ،وهي جنس أدبي هامشي باملعنى اجملتمعي ،أن تكتب تاريخ السلطان سلباً ،متوسلة مال
اإلنسان احملكوم ،كأنها ،وهي تكتب تاريخ املقموعني ،ترد على تاريخ سلطوي ال ينقضي ،وحد بني الكتابة
والسلطة ،وال يزال .
. 3السلطة وجماز املقموعني:
أصدر حليم بركات عام « 1961ستة ايام» ،روايته الثانية بعد «القمم اخلضراء» ،اليت سبقتها خبمس سنوات.
متيزت الرواية بتقنية أدبية متقدمة ،تذكر براوية جربا إبراهيم جربا األوىل «صراخ يف ليل طويل» ،1946 -
ومتيزت أكثر مبنظور متشائم أثبت صدقه بعد ست سنوات ،خلق جربا ،يف «صراخ يف ليل طويل» ،بلدة من
اإلشارات والرموز ومالمح اسطورية ،تستهل بالقبح والرذيلة وينتظرها احلريق ،وأنشأ بركات ،يف ستة أيام»،
بلدة موازية ،تشرف على حبر ال تراه ،ترى الوقت يف ساعة معطلة ومتتثل إىل إرادة األموات ،وينتظرها احلريق.
بلدتان متأكلتان ،جديد هما قديم يتداعى وال يدري.
ب ين بركات روايته من مستويات متعددة :أوهلا خطاب إيديولوجي مباشر يتناثر فوق «األيام احلكائية» ،يندد
مبجتمع متداع يتوازعه األموات وأحياء ال ميسهم الزمن ،مطمئن إىل انغالقه ومتمسك بانغالق ميكن
اضمحالله .صاغ بركات بلدة معطلة الزمن وألقى بها إىل احلريق ،وانتظر والدة جديدة.
صرح جربا يف روايته« :صراخ يف ليل طويل بفكرتني أساسيتني :كل األزمنة عارضة وواهنة ما عدا زمن الفن،
الذي يهمش «التاريخ االجتماعي ،وما يتعني به .أما الفكرة الثانية ،وتستكمل األوىل ،فرتبط بني الفنان وما
يعوق حركته ،بني مطلب احلرية وضرورة إشعال احلريق بعالقات اجملتمع الذي جيهل معنى الفن واحلرية .ال
توحد األسطورة الشائعة عن الرماد واالنبعاث ومتوز ،بني جربا وبركات.
ستة أيام» عنوان رواية ظهرت عام 1961تنبأت بهزمية ،حتققت بعد «ست سنوات» .كان يف الرواية رؤية وعقل
مستقل ،يعرف شروط النصر واهلزمية ،ويدرك أن جمتمعة حيكمه األموات أقرب إىل املقابر منه إىل البيوت.
ظهرت رواية بركات يف سياق أدبي يعطي «البطل اإلجيابي» مساحة مسرتحية ،تأخذ بيده من ملكوت الفقراء
إىل أرض الفضيلة ،وتعيد من خالله حديث السلطة عن النصر واهلزمية .كان اجملاز الروائي ،الذي ال حيتاج
الكالم السلطوي إليه ،حديث املقموعني ،الذين ال يعرفون الكتابة ،ومكتبة الباحثني عن احلقيقة يف زمن
سلطوي حيتكر املكتبات.
190
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الزم القضية الوطنية الفلسطينية ،يف أطوارها املختلفة ،انصرف بعد هزمية فلسطني ،وملدة تتجاوز ثالثني
عاما ،إىل تأمل تاريخ العرب واإلسالم.
يقيم دروزة اجتهاده على مبدأ التناظر ،إذ احلديث حياكي القديم ،وعلى مبدأ التكرار ،إذ ما انتصر يف زمن
ال خيطئه االنتصار يف زمن الحق .مل يكن دروزة سلطوي الطموح وان كان سلطوي اخلطاب ،احتفى باملنفعة
التحريضية ،املشغولة باهلزمية واالنتصار ،وهمش ،ليس غريبة ،يف تصور سلطوي ،أن يكون دروزة حكاء
يف موقع أراده مؤرخة ،وأن يكون مؤرخة يف موقع شاءه حكاء احلقيقة» ،اليت تبدأ من الواقع املشخص يف
أسئلته احملددة ،بعد أن ترك دروزة «يومياته» مهجورة يف العراء والذ بالنعمة اإلهلية» ،جاء غسان كنفاني
بيوميات جديدة ،ترى إىل اإلنسان يف متاهة بؤسه الذاتي ،دون نعمة أو نقمة ،وتراه فوق أرض رخوة قاتلة،
هجرتها األصول املباركة ،أو مل تلتق بها .استدرك املؤرخ املغاير ،يف «رجال يف الشمس» 1963 -ما أخطأه
املؤرخ اإلمياني ،فاكتفى حباضر مكتف بذاته ،وبأقدار عربية وفلسطينية بائسة.
حظيت «رجال يف الشمس» بدراسات متعاقبة ،جددها مال الكاتب الذي اغتاله اإلسرائيليون .توقف بعض
الدارسني أمام مجلة شهرية« :كان الفرار موتا» ،واشتق منها ضرورة املقاومة ،وتوقف بعض آخر أمام مجلة
أكثر شهرة« :ملاذا مل يقرعوا جدران اخلزان» ،والتقى برسالة «األدب املقاوم» ،وانصرف طرف ثالث إىل شواغل
تقنية تقيس الزمن الفاصل بني الدخول إىل اخلزان واخلروج منه إىل املقربة .أعلنت الرواية عن بؤس عربي
طريف ،يكرم القضية الفلسطينية ويقمع الوجود
الفلسطيين ،وحيول الوجود املقموع إىل تهمة متجددة .يكثف غسان الوجود الفلسطيين يف جماز :امليت -
احلي ،الذي تشده احلياة إىل الرغيف وبشده الرغيف إىل املقربة .كل فلسطيين ،وبعد عقد من النكبة ،حيمل
داخله خرابا داخليا ،يأمر بالصرب واالنتظار ،أو بتمرد بائس يستجلب املهانة .يتكشف اجملاز يكشف اجملاز
يف شخصيات روائي متعددة :الكسيحة اليت دفنت ساقها ،السائق العنني الذي دفن رجولته ،الكهل الذي
دفن أستاذه النجيب ،الشاب املتمرد الذي استشهد والده قبل اخلروج ،العم املتمسك بوعد ينتمي إىل زمن اندثر.
" انزلقت الفكرة من رأسه ثم تدحرجت على لسانه :ملاذا مل يقرعوا جدران اخلزان؟" .حتمل اجلملة دالالت
خمتلفة االجتاهات ،وتستبقي سؤاال قلقا وقلق متسائال :تؤكد خواء «الدليل ،ذلك أن سؤاله ،كما صمته،
ال يغري شيئا يف أحواله ويف أحوال اآلخرين ،فال هو باجلالد السعيد وال بالضحية الشاكية ،منذ أن اختلط فيه
املوت واحلياة.
ما الفرق بني املؤرخ ،والروائي الذي يسائل التاريخ ويبحث عن معناه؟ ارتاح دروزة إىل أسطورة الضمان املبارك،
حجب بؤس احلاضر بسحر املاضي ،ومتسك :بثنائية النصر واهلزمية ،اليت تكرر ثنائية احلق والباطل ،فرتضي
اجلميع وتقبض على الفراغ .يبدأ املؤرخ باليقني وينتهي به ،متخذا من التحديد شرطة االزمة ،وخمتز" السببية
التارخيية املتعددة العناصر إىل عنصر إمياني ،يف مقابل اليقني ،الذي خيرتع االنتصار من تاريخ خمرتع ،يلجأ
الروائي إىل سؤال متعدد الطبقات« :ملاذا مل يقرعوا جدران اخلزان؟» ،الذي يتوزع على الراوي والقارئ والضحية
واملتهم الذليل ،ويرى الروائي إىل «إنسان حمتمل» ،سلطته يف ذاته وإرادته متحررة من السلطات مجيعا .يبدأ
191
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
من الدنيوي ،يلمس الفرق بني املقاومة والفرار ،ويفتش عن الفرق بني الغفلة واليقظة ،ومييز عروبة البالغة من
عروبة أخرى.
. 5املؤرخ والروائي :عسف الرغبة ومنطق احلرية:
يف كتاب تتجاوز صفحاته اخلمس مائة ،عنوانه« :البحث عن كيان» ،قرأ د .ماهر الشريف حقبة من تاريخ
فلسطني احلديث ،متتد من عام 1908إىل .1933واالختيار ال تعسف فيه ،وإن كان املؤرخ الوطين يقول بغري
ذلك ،يبدأ بواقعة متميزة وينتهي حبدث تارخيي خطري .والواقعة الوطنية ظهور صحيفة «الكرمل» ،اليت أنشأها
جنيب نصار عام ، 1908وعيا منه خبطر صهيوني متصاعد ،إن انتصر غري تاريخ فلسطني املوروث ،وأدرجه
مغلوبة يف تاريخ غريب .أخذ ماهر الشريف مبنهج التاريخ التتابعي ،الذي يرد كل واقعة إىل أخرى قبلها ويعطفها
على واقعة الحقة ،مؤكدة التاريخ مجلة من الوقائع املعروفة املرتاصفة .كان ماهر الشريف ،وهو خيتصر
عالقات كثرية معقدة إىل «الوثيقة» ،يقوم مبا يقوم به غريه من املؤرخني ،الذين يعثرون يف «الوثيقة» على إجابة
موضوعية عن أسئلة حمددة .لقد انطوی كتاب ماهر الشريف على خطاب تربهن عليه الوثيقة وعلى وثيقة تدلل
على صحة الكتاب ،أنتج كتاب «البحث عن كيان» خطاباً وطنياً سلطوياً ،أو خطابا ال يكون وطنياً إال إن
كان سلطوياً ،اتفاقا مع أحوال «احملتلني» ،الذين يقتاتون باألمل واملقاومة .واملؤرخ ال خيفى مقاصده ،خيتزل
التاريخ الفلسطيين إىل التاريخ السياسي ،وخيتزل التاريخ األخري إىل الفكر السياسي التنظيمي ،وخيتصر
األخري إىل« :الوثيقة» الصادقة .أخذ املؤرخ مبنهج إيديولوجي يلبيه قامعة يف ذاته.
اعتنق حممد عزة دروزة إميانية سعيدة متكئ على عنصرين :يشتق أوهلما االنتصار من «الوعد احلق» وعروبة
االسالم ،ويتجلى ثانيهما يف سلطة البداهة اليت تساوي بني السلطات العربية والعروبة ،وبني العروبة واالنتصار
اليقيين على الصهيونية.
اقرتب ماهر الشريف من نتائج دروزة.
دار املؤرخان الفلسطينيان ،رغم اختالف املنهج والتجربة ،يف إشكال معقد قوامه سؤاالن متالزمان ال ميكن
الفصل بينهما بسهولة :هل الكتابة التارخيية تكتفي مبقوالت احلق والعدالة والعدل النسيب والعدل املطلق أم
أنها عليها أن تتزود مبفاهيم نظرية مغايرة؟ هل يستطيع املقموعون أن يكتبوا تارخيهم دون أن يتوسدوا أمال
صافياً هو شرط استمرارهم يف الكتابة واحلياة؟ مع سؤاالن اختصرهما الفكر السياسي الفلسطيين» إىل
سؤال واحد واضح اإلجابة ،أو مت ترحيلهما إىل جمادل اإلبداع األدبي) كما يف رواية غسان كنفاني القلقة
«عائد إىل حيفا» ،أو يف اإلبداع الشعري الكبري الذي حيرر السؤال الفلسطيين من زمنه الضيق ويرسل به إىل
أزمنة أكثر اتساعة .بعد مرور مخسني عاما على قيام دولة إسرائيل ،وسقوط بالغة عربية وصعود أخرى،
كتب السوري ممدوح عدوان رواية طويلة الصفحات عنوانها« :أعدائي» .ورواية عدوان هي الرواية العربية األوىل
اليت تتأمل جذور الصراع العربي -اإلسرائيلي وآفاقه بشمول غري مسبوق ،مستدركة ما يقوله املؤرخون
بشكل منقوص ،أو ما ال يستطيعون قوله على اإلطالق .تضيء الرواية الفرق بني تأريخ املؤرخني واملقاربة
الروائية
192
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
للتاريخ ،إذ األول حماصر بالتشيع والرقابة ،وإذ الثانية تستنطق الواقع املعيش وتندد مبا يكبله .أقام «عدوان»
روايته على السلطة املستبدة ،اليت ختلق اجملتمع عبدة وعدوا يف آن.
يتميز اجملتمع احلديث بتعددية املستويات اليت تبنيه ،على خالف جمتمع السلطة املستبدة املكتفي مبرجع
أعلى» ،ميحو املستويات مجيعا .ولعل اللغة الفجة واملبتذلة ،اليت أنطق بها «عدوان» طاغيته ،هي التعبري األدق
عن مستبد مغلق يتلف الدالالت املنطقية ،إذ القوة الكاسرة جملى لضعف أكيد والبطر السفيه مرآة لفقر ال
شفاء منه والصرخة الراعدة تعبري عن ذعر شديد.
تنتهي رواية «أعدائي» ،وهي تتأمل استبداد ختتربه حرب خارجية ،إىل أطروحتني :تقول األوىل :يضع املستبد
داخله كل شيء وال يرتك خلارجه شيئا إىل ما حيميه ويتلف ما تبقى .يهدم املستبد معنى التاريخ وهو يقوض
القيم ،ألن يف تكوين االستبداد وبنيته ما يبدد قيم احلرية والعدالة واملساواة ..وتقول الثانية :العدا اجلوهري
الوحيد يف نظام االستبداد هو القائم بني املستبد والرعية ،يرى األول يف اخلارج عدوا له ،وترى الرغبة يف
املستبد عدوا هلا .ومع أن رواية «عدوان» متحورت ،يف مستوى منها ،حول الفرد املستبد ،الذي ميثل مرتبية
صارمة ،فقد أضاءت املستوى األول وأكملته بشكل مدهش ،مبستوى ثان مواده املستبد بهم يف أحواهلم
املختلفة .قرأت الرواية معنى السلطة يف هوامشها االجتماعية ،وتأملت تالشي اهلوامش يف السلطة اليت تبتلع
كل شيء .واهلوامش املهزومة ،يف مراتبها املختلفة ،هي اجلندي اجلائع والضابط الفاسد واألرواح القابلة للبيع
والشراء والعقول املستقيلة واإلرادات املشلولة واهليئات املزرية ،وتلك النفوس اليت خيادعها الرغيف ويقودها إىل
املوت .تعاملت رواية «أعدائي» مع مستبد ال زمن له ،ورمبا يكون «عدوان» ،بعد غسان كنفاني وسعد اهلل
ونوس ،من األدباء القالئل الذين عاجلوا الشخصية الصهيونية برتو كبري.
يستطيع القارئ ،املهموم بالقضية الفلسطينية ،أن يقارن بني نصني ظهرا يف فرتة واحدة ،أحدهما أجنزه مؤرخ
والثاني أنتجه روائي ،وأن يقرأ الفرق بني النصني يف اجتاهات خمتلفة .يبدأ املؤرخ من بداية القرن العشرين
ويصل إىل نهايته ،موحية بالتغري والتطور والتقدم ،كما لو كان العربي الفلسطيين أجرب اإلسرائيلي ــ
الصهيوني على الرتاجع ،ولو قليال .ويكتفي الروائي بزمن جزئي ،حدوده احلرب العاملية األوىل ووعد بلفور،
وخيلق بنية سلطوية مهزومة ،تتحرر من زمنها الضيق وتعيش يف أزمنة الحقة ،مبينة أن السلب العربي املتعدد
الذي نصر املشروع الصهيوني ال يزال قائما .وبينما ينطلق املؤرخ من تصور السلطة ،صارفاً موضوعية السياسة،
يتكئ الروائي ،الذي ال حيب كثرياً اقتصاد اللغة ،على املوضوعية التارخيية ويشتق السياسة من التاريخ،
كي يقول باستحالة السياسة يف جمتمع مقيد إىل املراتب و«الرجال» .والفرق الثالث ،وليس األخري لزومه ،قائم
يف االختالف بني «وثيقة» ،يقبل بها املؤرخ بال نقد أو مساءلة ،و«وثيقة» أخرى» ،يقارنها الروائي بوقائع احلياة،
وجيعل من الوقائع احلياتية مرجعا للوثائق املمكنة.
أجنز ماهر الشريف ،املثقف الوطين النزيه ،كتابة أملته ،رمبا ،الضرورة وطبقات احلصار ،ورأى يف ما رأي،
أن الشعب الفلسطيين يساوي كيانيته الوطنية ،وأن األخرية تعادل مرجعها التنظيمي ــ السياسي ،وأن ال أفق
للمرجع بال سلطة فوق جزء من الوطن .وهو يف هذا ،يطرح عالقة النص بالسياق ،اليت إن بدت اجتهادا نظرية
193
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يف حلظة تبدت يف حلظة الحقة تصورا أيديولوجية حمضة يقمع النتائج واملقدمات .يف مقابل ذلك ،كتب ممدوح
عدوان نصة قوامه احلرية ،حييل على سياق جزئي حمدد ويضع فيه أزمنة أخرى .لكأن املؤرخ اختصر أزمنة
أساسية متعددة إىل زمن جمزوء ،تاركا الروائي يستولد من «الزمن اجملزوء» أزمنة طليقة أساسية.
. 6تنبؤ املؤرخ وبصرية الروائي:
وضع قسطنطني زريق ،عام ،1959كتابة نرية عنوانه «حنن والتاريخ» ،يعارض فيه «سحر املاضي» اآلفل
بإمكانيات املستقبل املفتوحة .كان يف الكتاب دعوة حكيمة إىل التمييز بني املتوهم واحلقيقي يف ماض
بعيد ،وإىل التعرف على حاضر مليء باحتماالت خمتلفة ،بيد أن اهلزمية اليت طوت احتماال ونشرت رايات
احتمال مغاير ،الزمت العامل التاريخ» عام 1975بوضع كتاب جديد « :حنن واملستقبل» انطلق زريق ،يف حنن
واملستقبل» ،من فرضية «عربية» مشتهاة تقول ب :قومية املعركة ووحدة املصري رأی زريق غايتني جليلتني:
الوحدة العربية ،وحترير األراضي املغتصبة ،ارتكن زريق يف شرحه املتمهل على عنصرين ،يذكر أحدهما
ببعض بؤس احلاضر العربي ،وحييل ثانيهما على أنظمة تعيش املستقبل وتذهب إليه.
يدير زريق حديثه يف جمال «اجملتمع العلمي» ،الذي تفضي علميته يف احلاضر إىل علمية أكثر تقدما يف
املستقبل .دافع زريق عن «اجملتمع العلمي» ويناشد األنظمة العربية ،إن أرادت أن تعيش يف املستقبل وأن تتعايش
معه ،أن تأخذ بالعلم منهجا حياتي كامال ،إنه يبشر بإنسان عربي جديد ،ويرى مجاع العالقات اجلديدة يف
"الرأمسال البشري الفاعل" ،وضع زريق يف خطابه التبشريي نربة مزدوجة :نربة إرشادية نصوح لينة ،تقول
بالتنظيم واإلرادة احلازمة والتحديث واملسؤولية األخالقية ،ونربة هجائية حمتجبة تعظم اجملتمع العلمي.
ال خيتلف اإلشكال النظري يف «حنن واملستقبل» ،كما هو احلال يف حنن والتاريخ ،عن ذاك الذي أقام عليه
حسنني كتابه «مستقبل الثقافة يف مصر» ،وإن كان زريق ،القومي العربي احلاسم ،استبدل به احلضارة
املتوسطية قومية عربية حمتملة النهوض ،مع ذلك ،فبني نربة طه حسني الصرحية اجلهرية ونربة زريق الدمثة
املتساهلة فرق كبري ،هلذا ال يواجه زريق «الشرق الالهوتي» به الغرب العلمي.
ينطوي كتاب «حنن واملستقبل» على وضوح جمزوء وينتهي إىل تفاؤل جمزوء أيضا .من «روح العصر» ،وهو تعبري
غامض مريح ،استقى املؤرخ تفاؤله ،حني رأى أن عملية التحديث تكتسح الشعوب النامية كلها.
وضع قسطنطني زريق كتابه بعد سبع سنوات من حرب حزيران ،اليت أنهت «القرن العربي» قبل نهايته بثالثة
وثالثني عاما.
وبسبب خطاب حتريضي ،يساوي بني التنبؤ والتفاؤل ،مل ير « علم التاريخ» ما رأته الرواية اليت زامنت الكتاب.
ففي منتصف سبعينيات القرن املاضي وما تاله من سنوات قليلة ظهرت رواية صنع اهلل إبراهيم اللجنة احملدثة
عن سلطة تهزم اجملتمع ،ورواية الغيطاني« :وقائع الزعفراني» ،اليت تسرد أحوال جمتمع ضربة العقم والبوار،
ورواية اجلزائري الطاهر وطار «الالز» ،املنددة بثائر وطين» يفتنه جتانس البشر ،ورواية العراقي فؤاد التكرلي
«الرجع البعيد » ،اليت ترثي جمتمعاً أدمن االغتصاب ،ورواية السوري هاني الراهب« :الوباء» ،حيث السلطة يف
194
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ذاتها وباء هالك ..تقاسم املؤرخ مع غريه قوال مسيطرة ،وقال الروائي حبقيقة ختتصر «الغري» إىل سلطة وشعب
مقموع.
اشتق املؤرخ املستقبل من املستقبل ،أو من «حاضر» مل يأت مستقبلي الغايات ،واستولد الروائي املستقبل من
حاضر حمدد أقرب إىل الكابوس .بقي القول الروائي دائما انعكاسا لواقع متدهور مرفوض ،ألن الروائي،
وعلى خالف املؤرخ ،يضع التاريخ احلقيقي يف احلاضر املعيش.
قدم حممود الورداني يف «أوان القطاف» رؤية للتاريخ وتأويال له ،معتمدا على معارف تارخيية تنتمي إىل أزمنة
خمتلفة من التاريخ العربي ،فال مستقبل وال ما يصنع» املستقبل منه ،طاملا أن احلاضر يعيد «صناعة املاضي»،
وأن املستقبل يزاول صناعة» ال جدة فيها .تستهل الرواية براكب أخري يلحق بعربة أخرية يف قطار أخري ،يتهيأ
الستقرار مرغوب ال ترحال فيه وال سفر ،بيد أن املسافر ،املتعطش إىل الراحة ،يفقد رأسه صدفة ،أغلق ،
الورداني ،روايته بشكل غائم ،فقد عثر الرأس املستباح على فتاة صغرية أنزلته عن سدة عذابه ،وولت هاربة.
أجنز اجملتمع العربي ،بعد مخسة وعشرين عاما ،نقيض ما طمع به قسطنطني زريق ،فبديال عن الدميقراطية
والعقالنية والعلمانية والعقلية العلمية انتصر الذبح اجملاز ،الذي يستلهم وجود املاضي املظلمة ،ويقطع رأس
القيم و«أبي اهلول» واإلنسان احلامل.
تتأسس رواية «ليلة عرس» ،يف مستواها الظاهري ،على جماز :التشوه ،حيث القامات املشوهة مرآة ألرواح
أكثر تشوها ،والنفوس املعوجة جملى جملتمع مبتور السواء .يدور الفعل الروائي يف «ليلة عرس» يف وسط
اجتماعي متجانس يف تداعيه ومتداع يف جتانسه ،ال فروق فيه بني «الشواذ» والسواء ،وال بني «املتدين» ومن
أدار ظهره للدين.
تندد رواية «الورداني» و«يوسف أبو رية» بسلطة هزمت جمتمعها ،ومبجتمع اطمأن إىل السلطة املهزومة .ترتاءى،
يف احلالني ،نهاية توحد بني اجملتمع والسلطة وتقودهما إىل الكارثة .حتدثت رواية «أوان القطاف» عن انتقال
كارثي من زمن إىل آخر مصرحة بكارثة اخرية حمتملة ،واشتقت ليلة عرس » الكارثة من زمن اجتماعي
جمزوء سخت الرواية األوىل من كوارث مرتاصفة كارثة كربى وأرسلت بها إىل املستقبل وانتهت الرواية الثانية
حبيز راهن ،صغري ورأت به إىل كارثة قادمة ،خترب الروابتان عن معنى النهاية يف جتانس مهزوم يعلن عن نهاية
التاريخ مع نهاية التناقضات اليت تصنعه ،وحيتشد التنبؤ الروائي ،بتشاؤم مطلق ،ولعل وطأة التشاؤم ،اليت
تلف العالقات مجيعا بعتمة قابضة ،هي اليت تلزم الرواية بتقنية اجملاز ،تُدرس الروايتان السابقتان ،معنى
ومبنى ،من وجهة نظر النهاية الكارثية ،حيث املوت هدف واهلرب من «البلدة الظاملة ،أفق صعب وحيد ،ويف
«حكايات اخلبيئة» يستأنف الغيطاني تنديده بالسلطة .الذي استهله «الزيين بركات» ،يف زمن خمتلف.
أقام مجال الغيطاني روايته «حكايات اخلبيئة» على املبدأ الثاني الذي يرتجم االنتقال من فساد النظام إىل نظام
الفساد .الذي يفضي احلاضر الفاسد إليه ،كأن الروائي يستقدم املؤرخ ويستبعده :يستقدمه وهو يرصد طبيعة
السلطة السياسية يف شخصيات متداعية قوامها السقوط واالحنالل ،ويستبعده ناسجا قوله من السخرية
195
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
واحلكايات املتوازية املتقاطعة ومتخيل عارف ينفذ إىل القلوب والسرائر .وواقع األمر ،أن الروائي ،وهو يصوغ
بنية سلطوية كارثية ،ينفذ إىل موضوعه
من جهات متعددة ،تشتمل على التقرير واحملاكاة السخرية والفنتازيا.
متتى قسطنطني زريق مستقبال عربية ،اشتقه من الرغبة ال من املعرفة ،وأبصر الروائي مستقبال آخر ،مرجعه
املعيش املتنوع ،الذي خيذل األماني ،نبيلة كانت أو طارئة.
. 7الرواية وتاريخ املقموعني:
يكتب مؤرخ األنظمة املغلقة تارخيا كليا ،متجانساً ،يوحد احلاكم واحملكوم بتاريخ مشرتك ال تباين فيه،
ويوحد احلاضر واملاضي بتاريخ ال يعرف االنفصال .يطغى الكل ،يف الكتابة السلطوية ،على أجزاء ال سلطة
هلا ،ويسيطر حاضر السلطة على ما فاته من األزمنة .هلذا يقوم التأريخ السلطوي على اخرتاع مزدوج :خيرتع
جتانس احلاكمني واحملكومني الذي ال وجود له ،وخيرتع زمنا فاضال متواصال يُجانس ماضيه حاضرة ،ويف
كتابة تارخيية ترى يف املرجع السلطوي تعبرياً
عن روح مجاعية ،وترى يف احلاضر ابناً جنيباً للماضي أو أباً له.
تلتمس السلطة الكلية شرعيتها يف ماض بعيد ،مستعملة إشارات تارخيية جليلة ينتسب إليها احلاكم
واحملكوم ،قوامها الفضائل واحلق واالنتصار .حيقق املاضي البعيد ،الذي تستدعيه السلطة الكلية وتنتسب
إليه ،أكثر من وظيفة :فهو احليز الذي تلتمس السلطة فيه شرعية منعها عنها احلاضر املعيش ،وهو املوقع
املوافق الذي حيتضن «التاريخ املشرتك» ،يفضي حتريم التفكري ،يف السلطات الكلية ،إىل إلغاء الفكر
وترحيل التفكري إىل سلطة تفكر عن اجلميع .وهذه السلطة ،اليت حتتكر الكالم والكتابة ،متلي تارخيا
مجاعياً هو تارخيها اخلاص .تتبادل السلطة والعلم احلق املواقع مبا
يسبغ عليهما اإلجالل والقداسة ،ومينع عنهما النقد واملطاولة ،وال متنع الكتابة السلطوية ،اليت حتتكر
تسجيل التاريخ املشرتك ،املقموعني من سرد تاريخ مواز بوسائل متناثرة ،فيسددون إىل السلطة ضربات قوية
بقبضات ضعيفة ،هنا ينجز املقموعون يف حياتهم املعلنة واملسترتة أرشيفاً غنياً مجيال سريع التطاير ،أرشفة
شفهية ،ورمبا تكون الرواية ،كتابة نوعية تقتفي آثار األرشيف الشعيب .تبدأ الرواية ،وهي تعرتف باملساواة
بني البشر ،مبتعدد إنساني يقبل باملنحرف والسوي واحلكيم واملعتوه والنبيل واألفاق واملغتبط البليد واملغرتب
الذي ال شفاء له .تنزع الرواية ،بهذا املعنى ،إىل كتابة تاريخ الذين ال يكتب تارخيهم أحد،فالروائي ،وهو
يرتجم أحوال غريه ،يكتب بلغة يفكر بها ،تقرتب من املرتجم عنه وتبتعد عنه ،وفقا ملوقع الروائي ،تكتب
الرواية تاريخ املقموعني وال تكتبه :تكتبه وهي تقتفي آثار األرشيف الشعيب املتناثر ،الذي يبقى متناثرة ،وال
تكتبه حني تعطف اختصاص الكتابة على أوجاع املقموعني ،مستلهمة لغة من مكتبات سلطوية قدمية .ولعل
هذه التجربة ،اليت توحد بني القارئ والروائي أو تفصل بينهما ،هي تلك اللغة املتوسطة» ،اليت حتدث عنها عبد
الرمحن منيف ،أكثر من مرة ،ومارسها يف رواياته بأشكال خمتلفة.
196
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يتضمن تاريخ املقموعني» ،يف أشكال كتابية ،إشكاال مزدوجة ،حييل أحدهما على موضوع الكتابة
وثانيهما على الذي يكتبها .كتبت الرواية العربية ،اليت حققت وحدة الكتابة واالحساس ،تارخيا مقموعاً
وأدمنت على كتابته ،ذلك أن احلرية ،اليت وأدتها احلداثة العربية املخفقة ،شرط حتقق اإلنسان والكتابة
الروائية معا.
وما كتابات جنيب حمفوظ و عبدالرمحن منيف وبهاء طاهر والياس خوري وغريهم ،إال آية على التاريخ اآلخر،
الذي تكتبه الرواية ويرغب عنه املؤرخون ،فما تقول به الكتابة الروائية املاكرة ال يصرح بها العقالء.
القسم الثاني :التاريخ يف الرواية
جنيب حمفوظ :الرواية التارخيية:
خفة التاريخ وسطوة املصادفة:
يلتقي جنيب حمفوظ بالتاريخ ويلتقي األخري به ،غري مرة .يلتقي األول بالثاني وهو يعطي الرواية العربية والدة
واضحة فزمن احلداثة االجتماعية الذي وعدت به الرواية الوليدة تساقط الحقاً ،أن حمفوظ ،الذي عاش قرناً
وكتب نصف قرن ،شاهد على زمن مليء بالوعود ،وعلى أزمنة متعاقبة أخلفت الوعود السابقة ،يلتقي التاريخ
مبحفوظ ،الذي درس الفلسفة وكتب مقاالت فلسفية ،يف مواقع غري مرحية وأخرى جمردة من األمان :استنكر
قتام احلاضر ،وهو يتأمل ملكا عابثا وسيطرة
إجنليزية ،وذهب إىل زمن الفراعنة املضيء ،ومتسك بثورة 1919ورأى فيها مرجع ،واحتفى بثورة 1952وظفر
منها باحلبوط ،وزلزلت كيانه هزمية 1967وعايشها ولودة ال تعرف الرحيل .كتب حمفوظ عن أزمنة متعاقبة،
ومل ير ما يرغب ،متوسط وحدة النص والسياق ،تنقض رواية حمفوظ ،وهي حتتفي باحلياة أزمنة مسكونة
بالفساد.
ليس يف اللقاء املتعدد الوجوه ما يبعث على الغرابة ،فاجلنس الروائي حييل على التاريخ ،والتاريخ كثيف
احلضور يف الوقائع اليت زامنها الروائي ،وإىل دراسة التاريخ مال حمفوظ شاباً وكرس له وقتا طويال ،حني
سأل رجاء النقاش جنيب حمفوظ عن العالقة بني الرواية والتاريخ أجاب الثاني« :يف رأيي أن العالقة وطيدة،
فالرواية عبارة عن استعراض للحياة اليومية بكل مشاكلها وقضاياها وأشخاصها ..هذا جزء من التاريخ مل
يكتبه املؤرخون ،ثم أن التاريخ عبارة عن أحداث وأشخاص وتفسري ورؤية والرواية كذلك ،»..وحمفوظ الذي
رأى اهلزمية قبل غريه ،يكتب عن خملوقات حماصرة ،وعن أخرى تبدو حرة وال تنجو من احلصار ،مؤمنة
بلحظة عادلة مؤجلة :يستدرك قصور املؤرخ مرتني :مرة أوىل حني يكتب عن املخلوقات املسكينة اليت زهد بها
املؤرخ ،ومرة ثانية حني يتكئ على معرفة تارخيية واسعة ويذيبها يف رؤية روائية.
على الرغم من أسباب «خارجية ،أمنت حوار الروائي والتاريخ ،فإن يف فلسفة حمفوظ ما يستدعي التاريخ
وحيرص على بقائه .فالسياسة كما يصرح الروائي ،الزمت أعماله الروائية ،ولعل شغف حمفوظ بفكرة العدالة
قاده إىل تأمل األنظمة السياسية املتعاقبة ،يلتقي التاريخ برواية حمفوظ وهي تالحق أنظمة سياسية عصية على
التغيري.
197
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
تبدأ الرواية بالتاريخ وتستبقي شظاياه ،ذلك أن اإلنسان ،وهو شظية عابرة ،ال يذكر ما كان إال بعد فوات
األوان .يقول حمفوظ« :بطلي هو الزمن» ،مكثفة معنى التاريخ واإلنسان .ميحو الزمن اإلنسان الذي ميحو
ذاكرته التاريخ ،وتتأمل الرواية حمواً مزدوجاً ،مستبقية الزمن ومأساة خمادعة ،ختلق ذاكرة اإلنسان وتزيلها
يف آن .حني يتذكر حمفوظ» زمن مضى شده إىل املرحلة الفرعونية» يقول« :كنت قد قرأت يف تاريخ مصر،
قررت أن أكرس حياتي لكتابة تاريخ مصر بشكل روائي ....لكن هذه الرغبة ،أو هذا الدافع مات بعد رواية
كفاح طيبة ،ماتت الرغبة ،كما حدث إثر انتهائي من كتابة الثالثية ،مات التاريخ ،ما الذي أحياه ،ما
السبب يف موته؟ ال أدري.
التاريخ البعيد وعبث األصول:
أراد حمفوظ ،يف مطلع حياته األدبية ،أن يضع تاريخ مصر يف رواية متعددة األجزاء ،تبدأ من زمن الفراعنة
وتنتهي إىل ثورة .1919أراد حمفوظ ،الوفدي الشكوك أن يكتب رواية السياق ،مرتكن إىل رواية تارخيية،
مراجعها روح الشعب واالنبعاث القومي واملاضي اجمليد .يقول حمفوظ" :كانت أعمالي األوىل عبارة عن روايات
تارخيية كتبتها تأثراً بقراءاتي يف التاريخ الفرعوني القديم .لقد قاد السياق والقراءة الروائي الشاب إىل رواية
تارخيية تشبه ،ظاهرية ،رواية جورجي زيدان ،وال تشبهها ،ذلك أن حمفوظ كان يكتشف يف روايته التارخيية
منظوره للعامل ومعنى الرواية ،اليت ترحل إىل أزمنة خمتلفة وتتمسك مبأساة اإلنسان ،ذهب حمفوظ إىل «مصر
القدمية» احتجاجا على احلاضر ،وحبثاً عما يضيء وجوهه ،فوضع يف املاضي أسئلة من احلاضر ،وواجه
احلاضر بإجابات مؤجلة .فما اقرتفته سلطة اليوم املتداعية اقرتفته «سلطة مضيئة» منذ زمن سحيق .آثر حمفوظ
أن يكتب «رواية تارخيية» أخرى ،تضع يف املاضي إشكاال من احلاضر.
كتب حمفوظ «عبث األقدار» -1939-ورادوبيس» -1943-اليت أهلته جلائزة جممع اللغة العربية ،و«كفاح
طيبة» ،1944 -وأضاف إليها «قصة تارخيية ،بعد أربعة عقود هي «العائش يف احلقيقة -1985-مرسال حتية
متأخرة إىل أخناتون .ومع أن حمفوظ ،الشغوف بالعلوم وباملنهج العلمي ،أقام روايته على مادة معرفية دقيقة،
تعرف املاضي قبل أن تعيد خلقه ،فقد جاءت روايته «أمثولة أدبية» عن احلاضر والسلطة اليت تعبث به.
تبدأ «عبث األقدار» ،مبا تبدأ به «رواية األصول» ،أي بالفردوس املفقود ،تعد البداية الفاتنة بنهاية أكثر فتنة،
وتبشر العظمة ينقضي .غري أن حمفوظ ،الذي يشري إىل اجتاه ويذهب إىل آخر ،يزهد سريعاً بالفردوس
الفرعوني ،وخيتار حكاية تسفه فرعون وتعبث به .يستهل الروائي ،الذي سخر من عباس العقاد حني هون من
شأن الرواية ،حكايته التارخيية بزمن أسطوري جتوس فيه اآلهلة ،وينقض ،الحقا ،احلكاية والزمن الذي
استهلها :ينقض األسطورة وهو يعطف عليها سلطة قاتلة ،وينقض احلكاية التارخيية وهو يصرف التاريخ
اإلنساني» صرفا كامال مستدعية القدر.
تليب سطوة القدر يف رواية حمفوظ غايتني :تكشف عن مأزق اإلنسان يف الوجود ،وهو موضوع متواتر يف روايات
حمفوظ الالحقة ،وتسخف السلطة املتجربة املفتونة بالعقاب .تطارد السلطة اإلنسان ،ويطارد القدر اإلنسان
املتسلط.
198
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بنى حمفوظ روايته األوىل على الصراع بني القدر واحلذر ،واشتق منها مأساة وملهاة معا .ظهرت املأساة يف وضع
اإلنسان الذي يظن أنه يعرف وهو ال يعرف ،ويعتقد أنه قادر وهو مقيد إىل عجزه ،ويتوهم أنه يسيطر على
احلاضر واملستقبل وهو ال يسيطر على شيء ،وتتجلى امللهاة يف الصراع بني املرئي واحملتجب وبني السيف
واملصادفة ،أو بني القدر واحلذر اإلنساني .يضع حمفوظ يف السلطة املأساة الضرورية ،فهي تلتمس الراحة
واألمان يف قتل اآلخرين ،ويضع فيها امللهاة الالزمة ،فهي تقتل وال تظفر باألمان أبدأ ،وهو ينظر إىل اجتاه
وحياور اجتاهاً مغايرة .أراد ،أوال ،أن يكتب قصة تارخيية تنقد احلاضر
وحترض على تغيريه ،وعثر عليها يف «حكايات هورديدف» ،الواسعة االنتشار يف مصر القدمية.
أعلن حمفوظ عن هدفني حمددين ،ووصل إىل قولني مغايرين :أراد بعث الروح القومية ونصب القدر بطال مطلقا
ال يضارع ،وذهب إىل املاضي املضيء وعثر على سلطة قاتلة ،تظل متهمة بالقتل حني تسرتجع حكمة متأخرة.
لن يأتي حمفوظ إال جبديد حمدود يف روايته الثانية «رادوبيس» ،اليت أخذها عن أسطورة رواها املؤرخ اليوناني
هريودتس عن مصري الفرعون الشاب «فرينرا» 2150-ق .م ،-الذي أخل بتوازن سلطوي موروث وانتهى إىل
الكارثة .تبدأ الرواية بفكرة حمفوظ عن املاضي الفرعوني املضيء.
عاجل حمفوظ يف روايته األوىل إشكال احتكار السلطة ونقلها ،مستعينا بالقدر من األسرة احلاكمة إىل فرد
من خارجها ،مستنكرة سلطة مغلقة توازي الشعب وال تلتقي به .استأنف ،يف روايته الثانية ،موضوعه األثري،
من وجهة نظر الواحد واملتعدد ،حيث احلكم الواحد يفضي إىل الكارثة ،واحلكم املتعدد يؤمن االستقرار،
تبدأ الرواية مبوضوع وتغلق صفحاتها األخرية على موضوع آخر :تبدأ بــ "آبو عاصمة مصر" ذات البنيان الشامخ،
وتنتهي جبثة مسجاة يناجيها عاشق مهجور خمذول.
كفاح طيبة» هي الرواية الثالثة واألخرية يف املرحلة الفرعونية» ،اليت مات بعدها التاريخ» .رواية وطنية
حتريضية ،تليب شروط «الرواية التارخيية» ،باملعنى التقليدي ،بامتياز .تذكر باجملد القديم ،إن "كفاح طيبة"
رواية غري حمفوظية على اإلطالق أمالها سياق وطين معني ،منع عنها مقولتني حمفوظيتني أساسيتني هما :وباء
السلطة وسلطة األقدار .ورمبا يكون «انزالق» الروائي إىل موضوع ال يأتلف معه ،قوامه االنتصار والسلطة
املنتصرة ،هو ما صرفه عن العصر الفرعوني املضيء ،إن حمفوظ ،وكما قال ،مل يكن دقيق التوثيق يف
روايته هذه ،تبدو روايات املرحلة الفرعونية لبعض النقاد ،والرواية األوىل خباصة ،جزئية القيمة.
مهما تكن مراجع حمفوظ الفكرية املفرتضة ،وقد تتضمن هيجل والتصوف اإلسالمي ،وهو ما تعلن عنه
لطيفة الزيات ،فإن القول املأثور« :احلذر ال يعين عن القدر» خيرتق أعمال حمفوظ ،حميط على اجلربية والقدرية
والضرورة العليا.
يطرح تصور حمفوظ ،يف "عبث األقدار" وروايات أخرى ،أسئلة عن معنى اإلنسان واحلرية وداللة التاريخ .تتداعى
داللة التاريخ يف مسار إنساني متداع ،تسوقه املصادفات املتواترة ،ذلك أن التاريخ «احلقيقي هو ما صاغه
اإلنسان ،وواقع األمر أن حمفوظ مل يبدأ بالقدر والقدرية واحلتمية اليت ال ترد وينتهي إىل اإلنسان املخفق ،إمنا
بدأ من هشاشة الوجود اإلنساني ووصل إىل سطوة القدر .وهذا التصور هو الذي أفضى به إىل فكرة القدر
199
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الشامل املأساوي ،يؤمن الروائي بقدر عات وبإنسان يتمرد على القدر ،وال ينتهي إىل شيء ،ألن مترده خمفق
منذ البداية.
تعامل حمفوظ مع «الرواية التارخيية» ،فقبل بشروطها يف رواية واحدة" :كفاح طيبة" وابتعد عن الشروط يف
العملني اآلخرين.
ثالثية حمفوظ:
التاريخ القريب وعبث املعنى:
يف عام ،1945بدأ حمفوظ رواية يف ألف صحة وأكثر هي :الثالثية ،انتقل حمفوظ من «كفاح طيبة إىل
مشارف القرن
العشرين ،دون أن ينسى «عبث األقدار» ،الذي يرى فصورة ذهبية ينتظرها احلريق .أكثر من سبب قاد حمفوظ
إىل ثورة :1919عاشها صبياً وكونته فكريا ورنا إليها ،الحقا ،حبنني ال ينقضي ،تؤكد اإلشارة الواسعة إىل
ثورة 1919ثالتية حمفوظ رواية تارخيية ،أو رواية حتاور موضوعا تارخيية متميزة ،قبل أن حيوهلا الروائي إىل
وثيقة ضخمة متعددة األقنعة ،خترب الرواية ،ومن صفحتها الثالثة عشرة عن موضوعها «التارخيي» ،متوسلة
أحداث السلطة مرجعاً ووقائع أخرى ،تشتق من الثورة الشهرية أو تعطف عليها ،إذ كل جزء من األجزاء الثالثة
يغطي مرحلة من احلقبة املمتدة من نهاية احلرب العاملية األوىل إىل نهاية احلرب العاملية الثانية .يقرر حمفوظ يف
الفواصل الزمنية بني أجزاء الرواية الثالثة ،أنه ال يكتب رواية عن ثورة ،بل عن سرية عائلة تعكس أقدارها
مصائر الثورة .تعامل الروائي مع زمنني :زمن تعاقيب بسيط ،قوامه ميالد الثورة وشبابها وكهولتها ،وزمن
«إنساني» أكثر تعقيداً ،يتضمن امليالد دون أن يتضمن ،لزوما ،الشباب والكهولة.
عمل حمفوظ بدقة ،على حتديد السنوات والشهور واأليام أحيانا ،دون أن تفوته أحوال الفصول املتناوبة وتبدالت
املكان واضطراب العادات واألفكار واملعايري .سجل يف روايته عودة زغلول من املنفى وإحباره إىل باريس ورحيله
األخري ،ونشاط مصطفى النحاس وصعود حزب الوفد وانشقاقاته ومعاهدة 1936واملظاهرات الشعبية وقمعها،
واندالع احلرب العاملية الثانية وظهور حزب األخوان املسلمني واألفكار الشيوعية والشعارات النازية ،ومل ينس،
يف بداية الرواية ،زبلن ومطاره الشهري.
تبدو الثالثية رواية تارخيية ،متتد بني حربني عامليتني ،يف تتابع "شبه وثائقي" يربط الواقعة مبا سبقها ويرد إليها
وقائع الحقة .أغوى جنيب سرور بتحديد اليوم الذي بدأت منه الرواية ،وهو يوم تارخيي الداللة ،وأقنع ناقداً
كبرياً مثل لويس عوض أنه أمام رواية تارخيية احتفت بالطبقة الوسطى وغفلت عن دور بعض «القوى
االجتماعية».
عثر حمفوظ على «وثيقته األدبية» يف بشر يتوالدون ويتطورون وميوتون ،ناظرين إىل غايات يرغبون بها ،وغافلني
عن صدف تقذف بالرغبات إىل ال مكان .خلق حمفوظ وثيقته من عناصر متكاملة :املكان القديم الذي يتيح
لألسرة ،يف بيتها املغلق ،متابعة األحداث الوطنية دون أن تغادر موقعها ،االبن اجلامعي املورط بالسياسة ،واالبن
املوظف الساخر ،يكمل األب الصارم عناصر الوثيقة بشكل يتفق مع تناقضاته ،فهو خارج السياسية ووطين
200
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املشاعر ،ترتافد العالقات يف زمن انتقالي يواجه فيه االبن أباه واجلامعة األسرة والسياسة نظام أبوي صارم
املرتبية ،ومع أن حمفوظ يؤمن بثبات األحوال اإلنسانية ،فإن لألسرة ،دورين بديهيني :تعكس تبدالت األسرة
تبدالت الثورة من ناحية ،وتشهد األسرة على مال الثورة من ناحية أخرى .يتكشف ما جاءت به الثورة ،اليت
تراءى أحواهلا يف األسرة ،بالرجوع إىل أحوال األسرة اليت سبقت الثورة ،كما صاغها أب مأخوذ بالثبات ،فعلى
الزوجة ،وهي آية اخلضوع السعيد« ،أن تطيع بال قيد وال شرط» ،وعلى األبناء «حق الطاعة العمياء» ،وعلى
األب أن يسوس األسرة باحلزم والصرامة ،وإال أضاع هيبته وكرامته وتارخيه وتقاليده مجيعا فأفلت منه الزمام
وانتثر عقد األسرة .أنتجت السلطة األبوية عادات أسرية قوامها الثبات واملرتبية الصارمة ،تهدف العادة إىل
االستقرار ،ويهدف االستقرار إىل توطيد العادة وإعادة إنتاجها .وضع حمفوظ «وثيقته اإلنسانية يف زمن ثائر،
تنجذب إليه األسرة وتنفر منه يف آن :جتذب إليه وهي تتطلع إىل زمن شعيب مفتوح كثري الوعود ،وتنفر منه
مشدودة إىل زمنها املغلق املوروث .وقد بدأ حمفوظ من وثيقة أوىل ،حمددة املكان والزمان ،وانتهى إىل أخرى،
تنطوي على ازمنة غري متوقعة ،عصية على التعيني .
توطد الرواية معنى الثورة ،اليت تنقض السيطرة االستعمارية بالتحرر الوطين ،متوسلة رمزية النظام األبوي
اخلانق ،الذي يرادف االستعمار ،وميكن مواقعه ،فالنظام األبوي ورمزه «أمحد عبد اجلواد» ،ال يعرتف
باإلرادات احلرة وبالفضاء السياسي.
دفع الروائي بوثيقة «املؤرخ احمللل إىل أفقها املنتظر :استشهد االبن اجلامعي ،وانكسر توازن األسرة التقليدي،
دخلت إليها ظواهر جديدة وخرجت منها عادات قدمية :كف األب عن سهراته املاجنة مخس سنوات ،وتسلل
إليه وهن مثابر ثلم هيبته ،وتركه يبكي متفجعاً أمام زوجته يف هزيع الليل ،وأصبح أكثر مرونة وتبسطاً مع
أوالده ،وغزت روحه أطياف مؤرقة .مستبد أصلح فيه املوت ما عجزت عنه احلياة .حرر الشهيد اجلميع من
قيود كثرية ،كما لو كان افتدی بروحه أسرة مغلولة ورحل .حتررت العائلة بشكل ملتبس ،وسكن الثورة
الشعبية الواسعة وهن منذ البداية .كل شيء يدور يف الاليقني ،تعكس شخصية «كمال» ،اليت اتسع دورها
يف اجلزء الثاني وزاد اتساعاً يف اجلزء الثالث ،الاليقني بشكل مزدوج :تعكسه عملي يف حياة قلقة مثقلة
باخليبة واالغرتاب ،يقول جنيب حمفوظ وهو يبوح مرتاحة أمام مجال الغيطاني« :إن أزمة كمال هي أزميت».
وهو ما يعطي اجلمل الكثرية السابقة معناها احلقيقي وضرورتها.
«حلل» الروائي حمفوظ الثورة اليت انتسب إليها ،وتابع االنتساب حتى اليوم ،مبنطق :اليقني ،الذي يساكن
اليقني حلظة ويشعل النار فيه حلظة أخرى .يغلق الروائي الثالثية ،يف أجزائها الثالثة ،باملوت منتهية إىل غري
ما بدأ به .فبعد أن كانت ثورة 1919بطال شاسعة حيجب غريه ،وهو ما يعلنه حمفوظ حني يتحدث عن روايته،
حيجب املوت الثورة وينشر السكون :يغلق اجلزء األول صفحاته مبوت الشاب الوطين «فهمي» وزغلول يتأهب
للمطالبة باالستقالل ،كما لو كان املوت املبكر إشارة إىل استقالل لن يأتي ،وينتهي اجلزء الثاني معلنة
وموت عائلة «عائشة» ،ابنة «أمحد عبد اجلواد» الصغرى املكتملة اجلمال ،إحالة على موت سعد فرتة انطوت،
ويبلغ اجلزء الثالث منهاه وهو يتحدث عن موت «عايدة» ،رمز احلب الكبري الذي انقضى ،وموت األم اليت تعلق
201
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بها «كمال» كثرياً .ختلق احلكاية الزمن وتطويه ،ويلغي تعاقب احلكايات األزمنة املتعاقبة ،ويستبقي
الفراغ.
يصبح املوت ،وقد تكرر ،قانونا ال يفلت منه أحد ،ورؤيا حتاور األزمنة املختلفة .تنطوي الثالثية على رؤيا،
أنتجها التقطيع الروائي ،وعلى «حتليل تارخيي» ،أنتجه تطور املادة احلكائية .ارتبط «التحليل» بالفعل املتزامن،
أي بالثورة ،وانصرفت الرؤيا إىل األزمنة املتعاقبة املختلفة ،حمدثة عن ثورات سابقة ملعت وانطوت ،وعن ثورات
الحقة ،لن خيطئها التداعي.
إشارة أوىل :غاللة التاريخ وسيطرة الكابوس:
بدأ حمفوظ من موضوع تارخيي ،وانزاح إىل مصائر بشرية حيايثها انفصال متعدد .يكتب حمفوظ عن
الشخصيات اليت نسيها وأيقظتها الكتابة ،دون أن ينسى الكابوس الذي جاءت منه.
استقرت احلياة الكابوس يف الثالثية بأشكال خمتلفة :جار «أمحد عبد اجلواد» الذي تأتي به الروائية ،منذ
البدء ،مشلوال ويأتي إليه املوت بعد حني ،زوجته اليت أصابها مرض عجل يف جميء املوت إليها ،أوالد «عائشة،
الذين حسمهم املوت مجيعا واستبقى األم احملطمة ،الشيخوخة املبكرة اليت ضربت «أمحد عبد اجلواد» وألقت
به إىل املوت ،أم ياسني» و«أمينة» وعايدة» وأصدقاء «الوالد» ..حيضر املوت شخصية يومية بني شخصيات أخرى،
وحيضر شخصية طاغية متأبدة القوة .ومع أن حمفوظ «يؤنسن» املوت إىل حدود األلفة ،وهو يستدعيه بني حلظة
وأخرى ،فهو ال يلبث أن يضيق بألفته الكاذبة ،ناشرة ظلمه املرعب وطغيانه العاتي .وما تصوراته عن املصادفة
واملتوقع وما ال ميكن التنبؤ به إال أثر لفكرة املوت املسيطرة .جتسد «عائشة غربة املالمح و«عايدة» غربة
الثقافة .يتعامل حمفوظ ،وهو يداعب شخصياته ويرسل بها إىل املوت ،مع مقولتني هما :املصري املأساوي واجملاز
املأساوي .يشقى الزوج الكهل بشلله واألب برحيل ابنه واالبن بأمه املستهرتة واألم بكراهية االبن هلا واالبن
الكاره بابنه الشاذ وابنته اليت تنتظر «احلمل» الذي تأخر ....كل هذا يف عائلة واحدة هي عائلة «أمحد عبد
اجلواد» ،اليت كلما تكاثرت عددا زادت فواجع ،وكلما توقعت فرحا فاجأها كابوس غري منتظر .حتتل
النهاية يف «ثالثية» حمفوظ ،موقعا مسيطراً ،حمدثة عن وطأة الزمن وخفة البداية ،اليت يتساوى فيها احلضور
والغياب بال خصام ،فبعد أن نشر حمفوظ «املوت الطبيعي ،كان عليه أن يلجأ إىل الصدف املميتة ،موطداً
فكرة العبث والعدم.
يظهر اجملاز املأساوي يف «الثالثية» يف أربع حاالت على األقل« ،عائشة» ،اليت أجنبت وفقدت ما أجنبته،
«عايدة» ،اليت تزوجت مرتني ومل تنجب وقضى عليها املرض« ،مريم» ،اليت تزوجت أكثر من مرة وانتهت إىل
الضياع ،و«الشيخ متولي» ،الذي دفن زوجته وأوالده وبقي يطوف يف حواري القاهرة القدمية فاقدة الذاكرة
حتى اقرتب عمره من املئة.
ال يؤسس حمفوظ تصوره على عناصر أخالقية ،حتتمل العقاب والثواب واإلثم والغفران ،بل على ظاهرة املوت
الطبيعية اليت هلا صفة القانون املوضوعي ،وما حكاية اإلنسان ،كما يراها حمفوظ ،إال نهاية بائسة تنتقم
202
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
من بداية ظهرت سوية ومرتصنة ذات يوم .لقد استولد حمفوظ اجملاز املأساوي من سطوة االنفصال ،اليت جتعل
االتصال اإلنساني عارضة ،قلقة ،وقابال لالحنطام بال موعد وال ميقات.
نشر حمفوظ وجوه املوت املرعبة ،وحاصر الرعب بفلسفة واضحة أو مضمرة ليست بعيدة كثرية عن أفكار
اليوناني أبيقور ( 271-341ق .م) .وسواء كان حمفوظ ،وهو تلميذ كلية الفلسفة النجيب ،قد قصد فلسفة
أبيقور أو التقى بها صدفة ،فإن يف إعجاب «كمال» بأفكار دارون ما يطرح سؤال املوت واحلياة وميده جبواب
مريح ،كما لو كان الروائي قد قبل مببدأ «الصدفة الفلسفية» وفسرها مببادئ «النشوء واالرتقاء».
إشارة ثانية :احلياة -النكتة:
ينطلق إنسان حمفوظ من األزمة أو تصادفه الحقا .وقد يظن القارئ أن الروائي مقيد إىل األسى وأسرياً له ،إىل
أن يكتشف أن حمفوظ يغلف األحوال كلها بسخرية صرحية أو مضمرة .فالفاجعة األوىل تهز اإلنسان ،والثانية
تهون من ثقل الناجية السابقة ،يف انتظار الثالثة اليت تستقدم امللهاة والضحك األسود .مل يشأ حمفوظ ،وهو
املاكر يف الرواية وخارجها ،أن يرتك قارئه أسري اسى كابوسي ،ينقله بني موت إىل آخر ،فوشي بقهقهته
السوداء ،اليت تعبث بشخوص الرواية وقرائها ،ونصح القراء باحرتام العبث وإكباره .يتبع املوت قوانني النكتة
بدقة» يقول حمفوظ .وقوانني النكتة مواجهة املألوف بالالمألوف ،واملتوقع بالالمتوقع ،والعقالني الصارم
بالالعقالني الطليق ،فكما أن نشر املوت يبدد رعبه ،فإن العبث الشديد مبالمح الغانية اآلفلة حيجب مأساتها.
ميحو احلزن وحيجب املضحك ما حيزن .تسقط األنثى الصلعاء من فضاء النكتة ،فهي امرأة ترتدي مما يرتدي
الرجال ،هلا وجه غارق يف األصباغ ال أسنان فيه ،تضع طاقية على رأس أصلع.
مثلما استعمل حمفوظ تقنية اجملاز املأساوي ،جلأ بدوره إىل تقنية «النكتة» املضمرة ،خيلق حمفوظ الوقائع يف
حلظة ،ويسخر مما خلق يف حلظة تالية ،خيلق الروائي الوقائع ويظل واقفا يف مكان ما ،حمتفظا لنفسه حبق
التعليق على ما خلق ،بواسطة حدث الحق ،ما هو باحلدث الفعلي ،ألنه نكتة ،تنزع عن احلدث األول رصانته
وما أشار إىل اجتاه لوت «النكتة» عنقه وألقت به إىل اجتاه مغاير.
يضع حمفوظ يف وقائعه اتصاال أفقه االنفصال :يتزوج «أمحد عبد اجلواد » امرأة مجيلة وينفصل عن الزوجة
اليت عشقها ومتردت على طاعته ،وينفصل أبنه «ياسني وانفصل عن أمه املطلقة ،عن زوجته األوىل وعن زوجة
الحقة ،وينفصل ابن ياسني» عن أبيه ويذهب مع أمه املطلقة ،وتنفصل «مريم» عن حبيبها األول وعن زوجيها
الالحقني وعن املكان الذي عاشت فيه طويال ،وينفصل «كمال» عن صديق الطفولة «فؤاد» وأصدقاء آخرين،
وتنفصل األم عن أوالدها واألب عن متجره القديم .كل اتصال أفقه االنفصال ،واملوحد مصريه التفكك،
والسوي نهايته التداعي ،يف سريورة مغلقة الزمن دائرية ،حداها موت نهائي وميالد جديد له موته اجلديد أيضا.
بعد أن ميلي حمفوظ انفصاال متواتراً ،يشيع األسف واألسى ،يعود إىل «نكته اليت تثر املتوقع يف كل مكان،
خالطة املعلن باحملتجب والظاهر باملتواري .والنكتة تعليق متأخر على حدث سبق وسخرية مما كان ومما
سيكون .تظهر النكتة مضمرة يف األحداث التالية :شيخ معمر دفن زوجه وأوالده ومعارفه وفقد الذاكرة وبقي
متجوال احلواري والبيوت ،كهل رصني يعشق غانية شابة ويرفض الزواج منها فيتزوجها ابنه املستهرت ،عاشق
203
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وهلان ميشي يف جنازة امل رأة اليت عشقها دون أن يدري ،فتاة أحبها شاب حارب اإلجنليز وانتهت إىل «بار» يؤمه
اجلنود اإلجنليز ،ابن عوض يف جناحه الدراسي إخفاق والده الدراسي لكنه مصاب بالشذوذ ،ثوري سابق
ورجل بوليس الحق يفتش بيت أخت زميله الثوري الذي استشهد ....ترتاءى النكتة يف مفارقة الوقائع ،ويف
النتائج اليت تنفي املقدمات ،ويف تواتر األيام الذي خيلق اإلنسان مالكا ومسخا معا .والنكتة الولود هي:
الالجواب ،وهرب من جواب مستحيل ،تبنيه األيام وتهدمه .فال جواب إال عما كان شفافة وسوية الوضوح،
وهو ما ال يأتلف مع املصادفة ،اليت تضع يف الظاهرة املفردة احتماالت متعددة.
إشارة ثالثة :الشر والوجود:
يعطي «جريت كيزر» ،يف كتابه «فينوس واملوت» ،مكانة واسعة ملوضوع« :الصبية واملوت» ،الذي اخرتق
الثقافة األوروبية ،واجنذب إليه الروائيون والشعراء والرسامون وغريهم .وقد عاجل توماس مان ،الذي تأثر به
جنيب حمفوظ ،موضوع املوت واجلمال يف روايته القصرية «املوت يف البندقية» ،وتوقف أمام «الصبية واملوت» يف
قصته القصرية «غالديوس داي».
حيضر املوت كثيفاً يف ثالثية حمفوظ ،يبدد إنسانا عشق وعشقه غريه وأجنب وحاور أبناءه ،وانتهى إىل
التفكك والزوال .فال حقيقة إال توالد بيولوجي أشرفت عليه الطبيعة وموت يرد األحياء إىل الرتاب ويستولد
غريهم ،مما جيعل املوت وجها آخر للحياة ،كما تصرح الرواية يف أكثر يف مكان« .رقص جنائزي ينظمه
الروائي يف عمل فين يروض معنى الوجود ،و«فعل ظامل» يكشف يف اإلنسان عجزه ويثري فيه الغضب والتمرد
.وإذا كان توماس مان قد طرق موضوع اجلمال واملوت منتسبة إىل نسق أوروبي مجالي -فلسفي ،فإن حمفوظ
اجنذب إىل إشكال آخر ،قوامه رعب اإلنسان الفاني ودالالت اإلميان واأللوهية.
رفض حمفوظ ،يف الثالثية ،غموض احلياة ،وواجه الغموض بالعلم «نظرية دارون» ،ورفض يف املوت ظلمه
وطالب بالتمرد .أراد كماله أن يكون ما أراد ،وصاغ إرادة تقربه مما يعرف -كأن يكتب ويؤمن بالعلم،
وتبعده عما ال يعرف ــ كأن يرغب وال يرغب ،وأن يتأسى طويال على أخته ،اليت سقط عليها عذاب ال سبب
له .يبدأ اإلنسان املتمرد من إرادة تصوغها ضرورات متعددة االجتاهات ،تنتهي باإلنسان ممزقة ،يتوهم حرية
لن يعثر عليها ودفئاً ال سبيل إليه.
انطلق حمفوظ من موضوع تارخيي جليل ،ثورة ،1919وذهب إىل موضوع ال تاريخ له ،هو :الشر يف الوجود،
مستأنسا بتوماس مان ورقصه اجلنائزي.
إشارة رابعة :الرصد والوجود:
اخرتق حمفوظ طبقات الزمن متوقفة أمام الوجود والعدم ،إذ كل موجود حبسمه املوت ويرسله إىل وجود آخر،
مأخوذة باالتصال واالنفصال ،فما يبدو متصال حينا يعرتيه االنفصال بعد زمن« .ال دائم إال احلركة» ،يقول
حمفوظ يف «احلرافيش مصرحة بسطوة الزمن ،اليت حتدد اخللق وإعادة اخللق وما بينهما.
204
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
من ما قبل -الثورة إىل ما بعد -الثورة ،ومن وجود قلق إىل وجود صامت بارد ال قلق فيه ومن بيت قديم أظل
العشق يوما إىل بناية جديدة نافرة األلوان ،يقابل عدم الثورة وجودها الالحق وتقابل ابتسامة عائشة اليانعة فمها
املرتدد القادم ،وتوقظ
البناية اجلديدة أطياف أبوين حسمهما املوت ،كان وجود طرف هو عدم اآلخر ،وكأن تعايش الوجود والعدم
مأساة باهظة ،تدفع «كمال» إىل قراءة فلسفة شوبنهاور.
إن كان يف الوجود والعدم ما حييل ،لزوما ،على التبدل ،فإن يف العالقتني معا ما يستدعي :االتصال
واالنفصال .ينفصل اإلنسان عن الزمن الذي حوله وعن املكان الذي عاش فيه ،وعن لوعة منطفئة تسلمه إىل
لوعة أخرى .والزمان يرتج األبواب وهو خيلق الذرات املنفصلة ،وهو الذي يفتح األبواب حلظة االتصال بيد أن
يف اإلرتاج ،كما يف إلغائه ،ما يكدر الروح ،فاالنفصال شرط الذاتية احلرة ،مثلما أن اآلخرين هم اجلحيم»،
ألن يف االتصال ما يعوق احلرية ويضيقها .كل وجود يقتضي الزمان ويتكيف بأن من آناته :احلاضر هو الواقعي
املتبدل واملاضي هو ما حتقق وانصرف ،واملستقبل هو املمكن الذي مل يتحقق بعد .يرتاءى الزمن ،من جديد،
خالق وأزليا يف خلقه ،يرسم وجوه البشر وميحوها ،ساخرة من الوجوه كلها وحمتفظ باحلركة الدائمة ،فهو
احلركة الدائبة بعينها .و على الرغم من زمن شاعت فيه فلسفة تقول حبتمية التقدم ،فقد آثر حمفوظ تأمل
الزمن يف الكيان اإلنساني ،مكتفياً به أمل غامض» ،ال عالقة له بفلسفات التاريخ املتفائلة.
قرأ حمفوظ يف «ثالثيته» تارخيا طليقاً ،ال اجتاه وال غاية يتقدم حيث يشاء ،تاركاً للمدن الغائبة زمنا ال يراه
أحد .كأن التاريخ ،أو بشكل أدق ،كأن الزمن دائري ،يدور حول ذاته ،أو يلتف حول نفسه ،بال عقل وال
نصيحة ،وذلك يف حركة عصية على اإلدارة والتنظيم ،فال بداية وال وسط وال نهاية.
إشارة خامسة :املتعدد والاليقني:
مل تعرف الرواية العربية شخصية أكثر شهرة من «أمحد عبد اجلواد» ،التاجر القاهري املتأنق ،الذي تغريه
غانية متهتكة ،ويأنس إىل أذان الفجر ويؤدي الصالة يف ميقاتها .شخصية غريبة توقظ الفتنة والنشور ،تنفتح
واضحة ،وتنغلق حموطة بااللتباس والغموض ،وواقع األمر ،أن السيد ،الغريب ،حيقق يف «ثالثيته» حمفوظ
وظيفتني متجاورتني :فهو شخصية حمددة املالمح واألقدار ،تكاثر يف غرية ،وتكاثر غريه به وهو موقع فاتن
وضع فيه حمفوظ تصوره للعامل.
يتعني «أمحد عبد اجلواد » ،يف وظيفته األوىل ،إنسانة مفرداً ،عالي الصوت واثق اخلطا ،انبثق من غموض
يثري الفضول ،كما لو كان قد انبجس من ذاته ،بال أم وال أب وال أخوة ،ورث جتارة أبيه ،ومنعه الزمن املاكر
عن توريثها إىل غريه .كأن حمفوظ يراكم إجيابا ،تراكم فوقه سلب يلغيه ،أو كأنه يدمج الطرفني معا
منتهيا إىل أحجية.
يبدو التاجر القاهري مفردة بصيغة اجلمع ،أو عامل مفردة حتتشد فيه أكوان متعددة حتتقب الصحة واملرض،
الضعف والقوة ،التكاثر والفناء ،مملكة احلواس وملكوت الروح ورطوبة الليل ومشس النهار احلارقة.
205
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يثري املفرد يف أكوانه املتعددة سؤال التناقض ،وقد يقال :إن يف تناقض الشخصيات ما يعرب عن سلطة احلياة،
اليت تنكر املتجانس وتنفر من املتناظر العقيم .فاملتعدد هو الالبقني .فلو كان حمفوظ مطمئناً إىل تصوره،
ألعطي شخصية واضحة شفافة ال حتتمل التأويل وال تثري الفضول ،توحي باملتوقع ،وال تلتفت إىل املتوقع
واحملتمل .وهذا الاليقني هو الذي دفع الروائي إىل أن يضع على لسان «كمال» ،القريب من روحه ،تساؤالت
قلقة عن الوعي اإلمياني املطمئن واملعتقدات املستقرة ،وواقع األمر ،أن الروائي ميزج بني صعوبة احلقيقة
وانغالق الذات على نفسها واملمكن الذي يسكن املستقبل.
قد يكون حمفوظ اتكأ على أفكار صوفية ،أو على غريها ،دون أن مينع ذلك عن أمحد عبد اجلواد » صفات
ثالث هي :احلركة والتعدد والتجدد ،اليت حتيل على الاليقني وهي تنشد يقينا حقيقياً ،يأتي وال يأتي معا.
يظل حمفوظ ،وهو يرنو إىل يقني بعيد املنال ،باحثا عن احلقيقة ،مميزا بني احلقيقية الكارثة ،واحلقيقة
املشروع .واحلقيقة الكارثة هي اليت تأتي جاهزة مغلقة مكتملة ،حتجر على املعرفة وتغتال الباحثني عنها،
على خالف احلقيقة
املشروع ،اليت تثق بإنسان يبحث واثقاً عن معرفة قائمة يف املستقبل.
الرواية وتأويل التاريخ
حني يصحح جنيب حمفوظ رواية بأخرى
بعد أفول النظام امللكي ووصول نظام مغاير ،انتظره جنيب حمفوظ طويال ،ابتعد الروائي عن الشكل الروائي
القديم وقضاياه ،وكتب رواية جديدة « :أوالد حارتنا» -1959-عاجل فيها قضية غامضة ،إن مل تكن لغزة
كان فيها بعض وجوهه ،هي :قضية العدالة ،اليت تفصح عن طبيعة السلطة ،وتشهد على أن السلطات املتغرية
متماثلة.
أصدر حمفوظ بعد حوالي عقدين من الزمن تقريبا ،ويف عام 1977رواية قريبة من األوىل« :ملحمة احلرافيش».
أدارت الروايتان حديثهما يف موضوع مشرتك يوحد بني الظلم والسلطة ،دون أن تصال إىل نتائج مشرتكة.
ابتعدت الثانية عن التشاؤم املغلق الذي انتهت إليه األوىل ،واطمأنت إىل احلركة» ،قوام الوجود ،اليت تبين
صروح الظلم وتهدمها.
تأمل حمفوظ السلطة طويال ،ورأى فيها مبتدأ للشر وتتوجيا له .نظر حمفوظ إىل وجوه الشر املتعددة ،وأفزعه
شر السلطة الذي ال ينتهي .ففي زمن مضى رأي الشر يف املوت والطمع والزمن ،إىل أن جاء زمن الحق أعاد طرح
السؤال ،ظهر الشر األول فسي الفعل اإلنساني ،الذي يبين مسرات إنسان على األم أخر ،عاجل حمفوظ قضية
الشر يف روايتني ،تتشابهان وال تتشابهان ،ذلك أن الثانية تستأنف أسئلة األوىل ،وتصحح منظورها يف آن.
. 1أوالد حارتنا :زمن السلب املطلق:
تأمل حمفوظ يف ثالثيته» الزمن الذي يبدد اإلنسان ،واإلنسان املتضائل املنفتح على العدم .مل يهجر حمفوظ يف
روايته الالحقة «أوالد حارتنا» أسئلة اإلنسان املغرتب ،أعاد تأمل لغز الزمن ،املستقر يف غرفة حمكمة الرتاج،
وهو يتأمل لغزاً آخر يضارعه تعقيداً هو :لغز العدالة.
206
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اقرتح الظلم املتأبد على الروائي شكال رمزياً ،يقيس املسافة املتجددة بني الواقع املعيش واملثل الفاضلة ،ويرى
إىل احنطام املثل يف فراغ التاريخ .فالزمن يف «أوالد حارتنا» متسيب ،يضارع فيه املاضي الشرير حاضرة أشد
شراً ،ومالمح البشر غائمة متماثلة تشهد على بوار الزمن اإلنساني وفساده .جيول الروائي ،وهو ينقب عن العدل
املفقود ،يف فضاء ال بدء له وال نهاية .احتج حمفوظ على زمنه املعيش بشكل روائي جديد ،يری متاثل الشر يف
أزمنة شاسعة متماثلة ،فالروائي ركن إىل فكرة التماثل وحما األزمنة.
أدار حمفوظ حديثه يف فضاء «التفسخ الكوني» ،إذ الواقع املفوض يقوض ما ال يأتلف معه ،وإن الكتاب الذي
ينكر التقوض حيصد اهلزمية .وكأن حمفوظ ،وهو حيتج على زمن ال مجال فيه ،استولد معايري «مجالية
جديدة ووضعها يف شكل روائي جديد ،مل يأخذ به سابقا ،ومل تعرفه الرواية العربية على أية حال.
يف احتجاجه على ما كان وما سيكون ،يذهب حمفوظ إىل «البدء السحيق» ،حيث الزمن شفاف واألحوال
عارية .كل شيء نظيف يف وضوحه ،وبعيد عن دنس قادم .تبدأ أوالد حارتنا بالكلمات التالية« :كان مكان
حارتنا خالء .ومل يكن باخلالء من قائم إال البيت الكبري الذي سيده اجلبالوي ،كأمنا ليتحدى به اخلوف
والوحشة وقطاع الطرق» .قبل البيت كان اخلالء واخلوف واخلشية وبعد البيت استمر اخلالء وما كان فيه.
فاجلبالوي له من الصفات ما مييزه عن غريه« :يبدو بطوله وعرضه خلقا فوق اآلدميني كأمنا من كوكب
هبط .جبار البيت كما هو جبار يف اخلالء .بيد أن حمفوظ يضع التناقض يف الزمن األصلي الذي ال تناقض
فيها فالزمن األصلي عادل يتحدى اخلوف والوحشة ،وعن الزمن العادل صدرت بذور الشر الالحقة ،اليت رعاها
أوالد «اجلبالوي» وأحفاده ،وصل حمفوظ ،وهو يرجع إىل زمن ال زمن قبله ،إىل زمن األسطورة ،ألن األصل
املهيمن مبدأ األسطورة بامتياز .ويف ركونه إىل زمن أسطوري سعى الروائي إىل غايتني :تأمل الظلم والعدالة يف
أصوهلما الشفافة األوىل ،واشتقاق األزمنة السدميية الالحقة من الزمن األصلي.
أسطر حمفوظ الواقع حني وضع مفردة -أصال يف اخلالء تناسل منه مجع غفري ،وجعل اخلالء شاهداً أبدياً
على محاقات البشر .يتأسس الواقع املؤسطر على القدم والثبات واملغايرة ،وتعييناته خالء موحش وصخرة ترى
الشر اإلنساني ،وسيد له من العمر ما ليس لغريه .
عرب حمفوظ ،وهو يستهل روايته بفضاء أسطوري ،عن يأس صريح من صالح اجملتمع اإلنساني ،فال اختالف
بني «اآلن» و«الزمن السحيق» ،يف الزمن األول عادل مهزوم ،وفيما تاله من األزمنة شرير منتصر .بيد أن حمفوظ
يكسر التصور األسطوري مرتني :مرة أوىل حني يلقي األب بأبنائه خارج ،مانعة عنهم غضبه الشديد التوبة
والغفران ،ويكسره ثانية حني مييت األب ويستبقي بيته الكبري ،يف عملية استبدال مأساوية ،تنصب الشر
أصال جديدة لكل البشر .أوهم حمفوظ يف «الثالثية» بكتابة التاريخ ،وانتهى إىل تأمل الزمن مذيعا ،يف ألفي
صفحة ونيف ،حرية اإلنسان أمام الوجود .وأوهم يف «أوالد حارتنا» باالطمئنان إىل األصل األسطوري ،ودفن
األصل طاردة األسطورة ومستبقياً الاليقني .أخرب الروائي يف «الثالثية» عن كابوس الزمن ،وأعلن يف أوالد
حارتنا عن كابوس التاريخ.
207
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يتلو االستهالل األسطوري احملدود ،وحيدث عن زمن االتصال ،زمن حكائي ينفتح على االغرتاب .والفرق بني
األسطورة واحلكاية ،وال ينفصالن متاما ،فرق بني زمنني خمتلفي الداللة واملاهية .إن الفرق بني األسطورة
واحلكاية هو الفرق بني املقدس واملدنس ،وبني احلقيقة املطلقة واحلقيقة النسبية ،إذ ال أسئلة يف األوىل ،واذ
اإلجابات واهنة يف الثانية.
بنى حمفوظ روايته هن «رموز ثقافية كثرية ،تضمن البيت -األصل واخلالء ،زمن الوئام وزمن السقوط،
الغضب املبارك والقتل األعمى ،اخلضرة والبوار ..ترد الرموز مجيعا إىل الرمز -األصل ،الذي يتمظهر يف رموز
الحقة .حتتل «عتبة البيت
الكبري» بني هذه الرموز موقعاً خاصاً ،وما يتلو «العتبة» هو احلكاية ،اليت تسرد أحوال الساقط يف األرض
اخلفيضة .غري أن معنى السقوط ال يستبني إال بإدراك «الفكرة الكربى ،يتلو اخلروج من البيت الكبري»
حكاية اجلوهر اإلنساني .واحلكاية ،اليت تسرد أحوال املدنس ،حكايتان ،تتشجران وتتفرعان وحتتفظان
بأصلني ثابتني ،ال يقبالن التكاثر ،األوىل منهما حكاية الشر اإلنساني األصيل ،والثانية منهما حكاية
الضعف اإلنساني ،تتجسد احلكاية األوىل يف إدريس» ،الذي عصى األب وتطاول عليه قبل أن يلفظه خارجا،
وتتمظهر الثانية يف أدهم» ،الذي أطاع أباه وخذله ضعفه اإلنساني .يشي نص حمفوظ بسياقه ومبا يزيد عليه،
ذلك أن يستنكر عسف السلطة القائمة ويقوض فكرة «املخلص العادل» يف آن ،الذي يؤسس لشر ثانوي،
يستطري ويتأصل بعد رحيله.
بنى حمفوظ روايته على جماز« :الفتوة» ،الذي يتناتج يف الزمن األسطوري واحلكائي وامللحمي ،رغم اختالف
يف املقاصد والصفات واألقدار .وبسبب األصل والداللة القائمة فيه ،يصري الزمن املتدهور زمن «الفتوة» الذي
ال نهاية له ،ويصبح الفتوات مرايا خمتلفة للفتوة األول .يعكس النسق احلكائي ،يف هذه احلدود ،نسق
الفتوات املتواتر يف حكايات متناظرة .يأخذ حمفوظ بقانون التكرار الفارغ ،يسخر من التكرار بتكراره
ومن التماثل بأمساء بائسة رثيثة ،يصف النسق املتكرر الظلم ويفسره :يصف الظلم وهو يكشف متناظرة
متجانسة الوسائل والغايات ،ويفسره وهو يرد األقنعة املتوارثة إىل قناع وحيد قديم .لتزم حمفوظ ،وهو يتأمل
أزمنة الظلم ،مبعنى احلكاية ،نسبها إىل زمن مدنس ودعاها إىل اإلفصاح عنه.
يغ اير النسق الفاضل النسق املستبد يف أقواله وغاياته ،ويدعو إىل العدل بوسائل ،متثل الفضيلة ،يف رواية
حمفوظ ،حالة طارئة على زمن إنساني ظامل ،تتكون حكايات الشر واخلري يف زمن خاص بها .يوهم الزمن
احلكائي ،بداية باالنقسام ،إذ حمدودية اخلري متيزه من ال حمدودية الشر .يتناتج الشر يف حكايات متابعة ال
تقبل االنغالق ،جمسدة زمناً خطياً متجدداً ،حاضره يف أمسه ومستقبله يف الزمنني معا .لكن مصائر
احلكايات املتناظرة تطويها إىل حكاية واحدة فارغة الزمن.
ينهي حمفوظ روايته بتفاؤل مراوغ ،يطمئن القارئ أن الزمن مفتوح ،وأن يف زمن انشر املنتصر من يرتصد بالشر
ويبعث الرساالت اخلرية .وطد حمفوظ بأسه الصريح يف «أوالد حارتنا» بوسائل أربع :أوهلا :ترحيل سؤال العدالة
إىل «الزمن اجلوهري».
208
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ينزع دارسو حمفوظ ،وهم يقاربون شخصية «عرفة» ،إىل تأويل يضع املعرفة يف مواجهة اإلميان ،أو العلم يف
مواجهة الدين ،ويضع حمفوظ يف مكان قلق مائع احلدود ينقض فيه العلم بالدين تارة ،ويصاحل بينهما تارة
أخرى.
أعاد حمفوظ توطيد التشاؤم مبقولة رابعة هي :النسيان ،هلذا يغلق حمفوظ احلكاية العادلة بالنسيان الذي
ينتظرها .تكرر احلكايات املخفقة النسيان ،وتتكرر السخرية العابثة.
من حكايات مخس واستهالل مؤسطر ،صاغ حمفوظ رواية رمزية ،يسردها راو حزين ،يتأمل العدالة الغائبة
يف زمن ظامل مستقر .تضمر «أوالد حارتنا فكرة « الكارثة» ،اليت حتدث عن إصالح تواتر يف العصور ومل
يصلح شيئا ،خلق حمفوظ ،تارخياً معيناً ،حني جترأ على األشكال الروائية املسيطرة وانتقل ،حر ،إىل شكل
روائي جديد.
. 2احلرافيش :توليد الزمن املفتوح:
يف لغة مصاغة من أناشيد وأرق ،وجل حمفوظ كهوف القدر اإلنساني ،وخلق عشر حكايات طويلة ،عنونها:
«ملحمة احلرافيش» .تتحدث احلكايات عن مراوغة الزمن ،إذ األمس القريب ليس له رجوع ،وعن عدل هارب
ال يقبض عليه أحد .وما جاء به الروائي يف عمله اجلديد ،قال به يف «الثالثية» و«أوالد حارتنا» ،حني تأمل معنى
الزمن يف الرواية األوىل ،والعدل املستحيل يف الثانية .كأن «امللحمة» تركيب فين جديد لعملني سابقني ،أو
كتابة أخرى هلواجس مستمرة .تبدأ «ملحمة احلرافيش» مبا بدأت به «أوالد حارتنا» ،مستأنفة انفصال املدن
عن املقدس ،والطالق بني املوجود واملنشود.
ا ستهل الراوي ،الذي ال اسم له ،حكايته األوىل ،بطفل لقيط وعجوز ضرير عاقر الزوج ،وولد سيء القلب
تسكنه األبالسة ،حكاية مفزعة ملمعة بالغموض ،تنطوي احلكاية على اخلري والشر ،استأنف حمفوظ يف
ملحمة احلرافيش» موضوع األب املهيمن ،الذي يوزع األعراف والقوانني واملقادير .فبعد «أمحد عبد اجلواد»،
الذي سيطر على عائلة ،جاء اجلبالوي» ،الذي حكم «البيت الكبري» ورأى إىل اخلالء ،وجاء بعدهما «عاشور
الناجي» ،الذي هيمن على حارة وأجيال الحقة .حييل األب يف رواية األجيال» على النهر البشري الذي انبثق من
إنسان وحيد .ففي الثالثية اخرتق الزمن األب واالبن واحلفيد ،إىل أن انطوى األب األول وانتسب األحقاد إىل
جد جديد .ويف «أوالد حارتنا» صاحب الزمن اجلد األول واألبناء واألحفاد ،وعمر اإلنسان األصلي وأمعن يف
العمر ،حتى رأى أحفاد نسيوا امسه .ويف ملحمة احلرافيش» يشهد «عاشور» أوالد أهلكهم الوباء ،وولدة
وحيدة ،قريبة من زمن البدء املبارك ،تناسلت منه أجيال مدنسة.
اخترب حمفوظ ،يف الثالثية ،مقوالته الكربى يف زمن حمدد معروف البداية والنهاية ،ووضع املقوالت ،يف العمل
الالحق ،يف زمن ذهين ،يزهد بالتاريخ ويسخر من فلسفة التاريخ املتفائلة ،فالعدالة اليت جتيء رحلت قبل
جميئها .أما الرواية الثالثة ،أي ملحمة احلرافيش» ،فتوالف بني الزمنني ،مؤنسنة األسطوري ومؤسطرة
اإلنساني ،ومرتكنة إىل «تواتر األجيال» ،الذي جيعل املاضي قائمة يف احلاضر ،واملاضي احلاضر معطى
متأبياً على الرتويض .وعن الصراع بني الزمن املعيش الرخو والزمن املاضي املتخيل ،يصدر زمن حكائي
209
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
متواتر ،حييل على الزمنني معا .وإذا كان الزمن يف «أوالد حارتنا» دائرياً عقيماً ،يولد وينتهي متماثال ،فإنه
يف «ملحمة احلرافيش» متوالد ،حاضره يف ماضيه وماضيه خمتلف عن مستقبله.
فصل حمفوظ يف أوالد حارتنا بني املقدس واملدنس فصال باترا ،كأن املقدس ،رغم نقاط عمياء كثرية ،يوازي
مدنسا خالصا مل يتعرف على املقدس أبدا .يف ملحمة احلرافيش» يتأنسن األسطوري ويتأسطر اإلنساني،
يساكن اخلري الشر ويتعايش املدنس واملقدس ،وال تبتعد اخلطيئة عن أرواح طاهرة .رقد أقام حمفوظ ملحمته
على جماز التكاثر ،ي رد التكاثر ،يف مستوياته الثالثة ،إىل مقوالت حمددة ،أوهلا :املرأة ،شرط التكاثر
ودورة احلياة .ومثلما أن لكل حكاية أنثى يتناسل منها أفراد الحقون ،فلكل حكاية من احلكايات العشر
فتوة يتناسل منه الضعف والقوة والظلم والعدالة.
يكشف «احلرافيش» عن الفرق بني التاريخ املتحقق ،الذي أضاع مثاله ،والتاريخ املرغوب الذي ينتظره مثال
مشرق يف مكان ما .بل أن داللة احلرافيش» ،يف أزمنتهم املتغرية ،هي اليت تؤمن «ملحمية الرواية» يستبني
التكاثر يف حكايات متوالدة تعني التكاثر احلكائي تعبريا عن حتوالت الشر يف األزمنة املتحولة :الوالدة
واملوت ،النمو واالضمحالل ،اإلقامة والرحيل ،اقرتاب اهلدف وابتعاده ،جميء األبناء وتكون عقوقهم .بين
حمفوظ روايته على جماز التكاثر ،الذي تعينه متواليات حكائية ،معروفة البدء وجمهولة النهاية ،وقد ارتكن
إىل رواية األجيال املوسعة ،وحمفوظ يف سرده يصرح بالزمن ويضمره ،وقد بنى ملحمة احلرافيش على متواليات
حكائية.
ليس يف تصور حمفوظ ما يتفق مع زمن شكاالني ميت ،يستولد حكاية من أخرى مبا ينسجم مع زمني ديين
مغلق ،حتقق حكايته األخرية ما شامله احلكاية األوىل .ذلك أن حمفوظ ،الذي يتأمل التاريخ وال يثق بعد اليه،
يبين احلكايات مجيعا على خربة مجاعية زمنية ،فهو يؤول التاريخ ويعيد تأويله ،ويضع التاريخ املسؤول يف
منوذج روائي بكلف معناه ويوطد داللته ،تأمل حمفوظ يف «املقطع احلكائي» ظالل التاريخ املعتمة ،وتقري
آثار «التكاثر اإلنساني» املفتوح على اجملهول .ال مكان لليقني املطمئن ورذاذ اليقني متباعد املسافات ،واحللم
مكان اليقني الذي ليس له مكان .يصرح حمفوظ بالتناظر املستحيل يف نهاية احلكاية األوىل ،اليت تنغلق
على خامتة» ،لن تتوفر للحكايات األخرى ،تستأنف احلكاية األخرية احللم وتدفن الكابوس ،وتنتهي باال
خامتة ،ألن حتقق حلمها جمرد احتمال ،على خالف احلكاية األوىل وحلمها القديم.
يؤدي نفي التناظر إىل نفي التكرار الثابت ،الذي حكم رواية «أوالد حارتنا» وقيد عالقاتها .والتكرار ،كما
أشرنا ،سخرية من زمن متجانس أقرب إىل الفراغ وهجاء لقول قديم يوهم باجلدة .يعود التكرار متغرية يف
«ملحمة احلرافيش» ،يالزم احلكاية املفردة واملتواليات احلكائية معا.
اطمأن حمفوظ إىل مبدأ التكرار املتغري ودلل عليه بأشكال خمتلفة :أوهلا تباين املسمى ،الذي يذيب االسم
يف السياق ،ساخرة من االسم وحمتفياً بالسياق .يكثف حمفوظ داللة الشكلني يف جماز األشقاء ،الذي
يستولد اخلري والشر من أم واحدة ،ويستولد من «األخوة األعداء» ما يثبت التكرار وميحوه .حيتفي حمفوظ،
210
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وهو ينفي التكرار الثابت ،باحلياة املتجددة اليت ينكر تعددها التماثل ،ويستنبت من التكرار آفاق الدهشة
واحتماالت املتوقع.
وكما تكون احلياة يكون زينها ،متدفقاً ال انقطاع فيه ،ومتنوعا حيتمل املوت واحلياة واملوات .فإن فساد
األزمنة ،الذي توحي به «أوالد حارتنا ،ال مكان له يف «ملحمة احلرافيش».
يتعني اجلنس الروائي ،نظرية ،بالتناقض القائم بني مثال أخالقي قوامه الثبات وتاريخ متغري ،يهمش املثال
وحييله حلما .يرى حمفوظ إىل التاريخ املتغري ،وإىل ثبات اغرتاب املثل يف التاريخ املفرتض .لكن حمفوظ الذي
يواجه تغري التاريخ الزمين بثبات السلب القيمي ،ينقذ معنى التاريخ يف «ملحمة احلرافيش» مرتني :مرة أوىل
حني ال يعترب التاريخ شراً كله ،ففي هوامش احلكاية دائمة خري مهمش تتمدد مساحته يف بعض األزمنة،
ومرة ثانية حني يؤمن بتعاقب األجيال وبتواتر األزمنة املختلفة .ال يقول الروائي بارتقاء التاريخ ،وال مبا هو قريب
من االرتقاء املتدرج .إمنا يقول بأن «التاريخ احلقيقي» مل ،وبأن ما قبل التاريخ» يستمر منذ زمن سحيق ،وهذا
ما تشري إليه «احلكاية العاشرة"
يقسم حمفوظ التاريخ إىل ما قبله وهو زمن السود واىل ما بعد ،وقت زمن األمل ،وقد يقال :إن حمفوظ استولد
احلكاية األخرية من احلكاية األوىل وبقي يف زمن األصل ،وهو يوزع على إنسان احلكايتني امسا مشرتكا
هو :عاشور ،مرة أخرى يساوي حمفوظ بني احلكم الفردي وبني قبل التاريخ ،ويرى مبتدأ التاريخ يف زمن حترر
من سلطة األفراد ،وحترر أكثر من سلطة املنقذ» ود امللهم» و« املخلص» و«البطل املوعود» .ومثلما استولد
حمفوظ التناظر ونفاه ،استقدم األسطوري وصرفه أيضا .لقد أوهم حمفوظ باملاضي وحتدث عن كل األزمنة،
مصرياً املاضي حاضراً واملستقبل زمناً جديداً ليس له أصول .بل إنه وضع احلاضر واملاضي يف شكل ملحمي،
ليقول بتفسخ الزمنني وانطواء زمن امللحمة.
. 3التاريخ املختلف بني روايتني خمتلفتني:
ينهي حمفوظ احلكاية العاشرة يف ملحمة احلرافيش» باألناشيد واحللم املنتصر .ختتلف نهاية الرواية عما انتهت
به «أوالد حارتنا» ،اليت انغلقت على خواء ،شاء حمفوظ أن يعيد صياغتها وأن «يصحح» تصوره األخري للتاريخ،
فيندد بشرور العامل اليت ال تنتهي ،تنزع الرواية األوىل إىل القول بنهاية التاريخ» وتبشر الثانية باحتمال «بداية
التاريخ».
تنهض الروايتان ،كما أشرنا ،على عناصر مشرتكة كثرية :األب واألبناء واألحفاد املكان والزمان
اجملازيان ،أسطرة الواقع ،التكرار والتناظر ،تواتر «الفتوات» ،العدل املهزوم والظلم املنتصر ،فساد الزمان
وفساد اإلنسان ،وذلك «السحر الغامض» ،الذي ينبئ ببدء اخلليقة ..يضع التصور الروائي العناصر املشرتكة
يف روايتني خمتلفتني يف البنية واملنظور ،أو يف بنيتني خمتلفتني تنتجان تأويلني غري متشابهني ملعنى التاريخ.
ترتكن البنية الروائية يف «أوالد حارتنا» إىل مبدأ «السابق الذي يفسر الالحق» ،الذي يوصل إىل يقني التشاؤم،
املؤسس على «شر -أول» ،يتناتج منتصرة .بينما تتكئ البنية الثانية على مبدأ مغاير« :الالحق الذي يفسر
211
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
السابق» ،منتهية إىل الاليقني ،أو إىل يقني االحتمال ،الذي يوحد املتوقع والالمتوقع ،وينتظر الدهشة من اجتاه
جمهول .يلغي تفسري الالحق بالسابق معنى الزمن يف رواية األجيال» ،ويرحل إىل املستقبل كوابيس املاضي.
على خالف «أوالد حارتنا» تستبدل «ملحمة احلرافيش» التكرار املتغري بالتكرار ،واحللم بالكابوس وزمن
األجيال املفتوح بزمن املقوالت املغلق ،واملالمح اإلنسانية الواضحة باملالمح املبهمة ،واألزمنة املتابعة بالزمن
اجلوهري ،والفردوس املفقود باجلحيم املوجود .. ..خييم اليأس على الروايتني ،ينفتح على اليوتوبيا يف رواية
وعلى الالشيء يف الرواية األخرى .فسر
الروائي التاريخ ،مرتني ،بشكلني خمتلفني ،ورفضه ،مرتني ،بطريقتني خمتلفتني.
ملاذا عاد حمفوظ إىل أخناتون بعد أربعني عاماً؟
أنهى حمفوظ «مرحلته التارخيية» برواية «كفاح طيبة» -1944-مبتعدا عن حلم راوده طويال ،بوضع تاريخ مصر
كله يف شكل روائي .و بعد أربعني عاما عاد الروائي جمددا إىل زمن الفراعنة ،يف رواية عنوانها "العائش يف
احلقيقة" -1985-مستعيدة أطياف أخناتون ،الذي نظر إليه بإعجاب فيزمن سبق .ملاذا عاد؟ بيد أن اجلواب
املفرتض يتداعى سريعة ،ذلك أن
الروائي الشيخ أدرك معنى احلاضر ،وروض ما استعصى عليه بكتابة روائية متواترة.
روض الروائي ما استعصى عليه وبلغ نهايات الطريق .ولذلك يأتي اجلواب من نهايات الطريق ال من حاضر بدا،
ذات يوم ،ثقيل األقفال .واحلاضر ،الذي رد الروائي إىل «أجماد الفراعنة» مائل يف روايتني ،ترحالن إىل مصر
القدمية ،أسئلة راهنة ال قديم فيها .والرواية األوىل هي «عبث األقدار» اليت حتدثت ،يف «زمن ملكي» ،عن
األسرة احلاكمة واحتكار السلطة ،وعن حق الشعب يف كسر االحتكار وجتديد السلطة .انطوت الرواية
الالحقة« :رادوبيس» على أسئلة من الرواية األوىل ،متس السلطة العابثة.
يكشف القول الروائي يف «العائش يف احلقيقة» عن داللة العودة إىل مرحلة ماضية ،ويوطد الشكل الروائي:
ومع أن الرواية التارخيية املتأخرة ،أي «العائش يف احلقيقة» احتفظت بالثابت السلطوي مرجعة ،فما جاءت به
خيتلف عما جاء يف الروايات التارخيية السابقة .اجنذب حمفوظ إىل الفضيلة الكاملة ،اليت دعا إليها أخناتون.
واجنذب أكثر إىل املال املأساوي الذي ينتظر دعاة الفضيلة .متيز أخناتون ،الذي عوضته قوته الروحية عن
ضعفه اجلسدي ،بأمرين :انصرف عن الشؤون الدنيوية انصرافا كامال ،ومترد على الدين املوروث القائل
بتعددية اآلهلة ،وواقع األمر ،أن يف سرية أخناتون اشكاال متعدد الوجوه ،فهو الضعيف يف عالقته بشؤون
احلياة والقوي يف عالقته بالرسالة اليت يدعو إليها ،وهو الذي جير البالد إىل التداعي وينادي بالعدل واملساواة
بني البشر .يتوالد التمرد الذي ال ميوت وينتهي املتمرد إىل موت ال هرب منه .إن رواية حمفوظ ترى إىل السلطة
والتمرد وترى وراءهما معنى احلقيقة .ولعل جدل احلقيقة والسلطة ،يف بناء روائي حواري يقرتح الزمن ويتحرر
منه ،هو الذي جعل حمفوظ يتخذ من أخناتون جمازاً ،ينتمي أخناتون إىل زمنه وتنتمي قضيته إىل كل األزمنة.
لقد ساوی حمفوظ بني أخناتون وصعوبة احلقيقة ،ووضع احلقيقة املؤنسنة يف شكل روائي حواري ،ينطق
باألحكام جزئية ومبعثرة.
212
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ما الذي جعل حمفوظ يعود إىل أخناتون بعد أربعني عاما؟ تأتي اإلجابة من اجتاه وأكثر .تأتي أوال من جماز
رحلة البحث عن احلقيقة ،اليت ال تنتهي إىل املوت والتداعي ،كما هو احلال يف روايات حمفوظ املختلفة ،بل
إىل شيء قريب من الطمأنينة احلزينة .كأن حمفوظ العجوز أراد أن خيترب ما وصل إليه ،متوسالً شخصية
تارخيية جذبتة منذ زمن .كما أن يف شخصية أخناتون ،اليت ترتك السلطة وتسري مطمئنة وراء املعرفة ،وجتاهد
ومتوت سعياً يف الوصول إليها .وبهذا املعنى تكون «العائش يف احلقيقة» رواية عن صعوبات احلقيقة ال رواية
عن السلطة ،كما اعتاد حمفوظ أن يفعل ،وإن كانت السلطة وجها من وجوه الرواية.
ي ؤكد حمفوظ املعنى الذي يقصد إليه يف الشكل الروائي الذي اختاره ،وهو الشكل التارخيي الذي اتكأ
عليه يف مرحلته الفرعونية» يعلن الشكل عن نهاية الرحلة الروائية ،أو عن انغالق الدائرة الروائية ،حيث النهاية
تعود إىل البداية ،والروائي يفرش صفحاته معلنا عما وصل إليه ،وإذا كان يف الشكل الروائي ما حيقق اللقاء
بني :عبث األقدار -1939-وهي الرواية األوىل ،و«العائش يف احلقيقة ،وهي الرواية األخرية قائال يتحقق
احلكاية ،فإن يف القول الروائي األخري ما يعالن بفلسفة حمفوظ وتصوره األخري للعامل والتاريخ :ال تنتصر
احلقيقة وال متوت ،ألنها تعثر دائما على من ينصرها وال ينتصر .واحلقيقة اليت تنتصر زائفة ،ذلك أن انتصارها
خيتلس منها فضيلة البحث واحلقيقة هي البحث املفتوح عنها ال أكثر.
فالرواية األوىل ،رغم قيمتها الفنية احملدودة ،تشكل موقعة نادرة لقراءة تصور حمفوظ الشاب للعامل ،حايث
أعماله الالحقة دون تغيري كبري .و«العائش يف احلقيقة ،نص نظري يفصح ،بال إبهام ،عن نظر حمفوظ إىل
الوجود ،بعد أن دخل إىل العقد الثامن من عمره املضيء ،وتابع النظر إىل حقيقة متوت يف املنفى .
احلكاية والتاريخ يف مدن امللح:
إذا كان حمفوظ الذي اختذ من القاهرة مكانة روائية راسخة ،قد قرأ السلطة يف زمن جمازي ،يوحد بني
األزمنة السلطوية كلها ،آيته« ،احلرافيش» و«أوالد حارتنا احلقيقة» ،فإن عبد الرمحن منيف ،الذي مل يلتق
به قاهرته» عاين أحوال السلطة يف مكان -جماز .ففي رواية «شرق املتوسط» ،اليت ترصد سجونا واسعة
وضيقة ،عواصم عربية منظورة وغري منظورة ،ويف النهايات» قرية «طيبة» خمذولة توجد يف البلدان العربية
كلها ويف ال مكان ،و«مدن امللح» ،اليت هجنها النفط وتنتظر األفول .تشاطر الروائيان ،يف عالقتهما بالسلطة.
املنفى :عنصر أول يف تصور منيف للعامل ،حيكم أسئلته ويسكن حساسيته وميلي عليه املواضيع.
بدأ منيف اإلنسان من املنفى ،باملعنى املكاني ،وأوصله تعاقب املنفى إىل داللته السياسية .بيد أن املنفى زاد
اتساعا حني ظن ،منيف الشاب ،أن يف العمل السياسي املباشر ما يهزم املنفى وحيقق األوطان .يتحدث منيف،
وهو ينظر إىل ماض خمذول توقع منه وطن ،عن «جو السياسة األمية واملتقلبة اليت تغمر الساحة العربية من
أقصاها إىل أقصاها» ،وعن سيطرة منط من السياسيني الذين يتصفون بالشطارة والقسوة االنتهازية ،وصوال
إىل اخلسة ،يف آن واحد» .لقد حبث عبد الرمحن ،يف أزمنة خمتلفة ،عن« :اآلخرين» ،مؤمنا بأن املنفى املفرد
ال يبين وطنا .كان عليه ،يف جتربة حمبطة ،أن يطرد «اآلخرين ،الذين نعتهم بالقسوة االنتهازية» ،وأن يذهب
إىل «آخرين» جدد ،حيقق معهم حوارة صادقة ،يدعون ب :القراء .ولعل هؤالء اآلخرين ،الذين شاء الروائي أن
213
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يكون منهم ومعهم ،هم الذين يقرتحون عليه أن يكتب عن أحالم مؤجلة وكوابيس متحققة ،يشهد الروائي،
كتابة ،على ما يعيشه اآلخرون وال حيسنون كتابته ،منددة مبا ينددون به ،وناظرة إىل أفق مرغوب ينتظرونه.
تأخذ الرواية -الشهادة ،اليت تدون أحوال من ال يعرفون التدوين ،بلغة وسطى» ،تقرب بني القارئ والروائي،
وبني الرواية ولغة حمتملة ،يصوغها القارئ والروائي معا قريبة من لغة اآلخرين .يرى الروائي يف التاريخ ذاكرة
إضافية ،يأمر بها حاضر يكرر أمسه ،ويرى يف الكتابة الروائية للتاريخ قراءة نزيهة تصحح أخرى ،تعظم
احلكام وختتزل التاريخ إىل قراءة «جتب صوت احلقيقة» .يشري الروائي ،الذي يفسر احلاضر مباضية ،إىل
املعرفة اليت تنتج الرواية واىل املعرفة املغايرة اليت تنتجها الرواية.
مدخل أول:
. 1حني تركنا اجلسر :يف البدء جاءت اهلزمية:
حني تركنا اجلسر» نص منوذجي عن املهزوم الذي ختلى عن جسره ،وكتابة فاتنة عن وعي يتاخم اجلنون.
نص كثيف متوتر يسرد أحوال مهزوم ترفض روحه اهلزمية ،ويشقى عقله يف تأمل مصادرها.
يسرد الراوي هزميته الروحية ومترد وعيه على اهلزمية الالمعقولة ،بنربة عالية مريرة ،هي نربة الوعي الوطين
العفوي ،الذي أدمته اهلزمية وأمضته أسبابها الغامضة .يطرح الراوي أسئلته ،ويصوغ الروائي األسئلة بأدوات
فنية مطابقة جتزأ فضاء روائية يبين ،إشارية ،صورة اإلنسان املعطوب وحبثه الشاق عن املعنى .فالفعل الروائي،
الذي يضطرب يف روح مليئة بالثقوب ،يدور يف طبيعة باردة يطارد فيها «الصياد» ،وهو اجلندي املهزوم ،طرية
فاتنا مكر به وتأبى عليه .الصيد هو املوضوع الذي يصل بني الطرفني ،يتأمل الصياد فيه وجوه الطبيعة،
وختترب األخرية به أحوال اإلنسان وأدواته.
بنى منيف ،يف حني تركنا اجلسر» ،عاملا خمذوال مغلقا ،باقتصاد إشاري رهيف إن مل ينب العامل املخذول يف
ذاته ،الذي ينفتح مرة واحدة ،قبل أن متحوه جتربة مرهقة .ينفتح النص بشخص ذلك «الشيخ» ،وهو الصياد
السوي ،الذي حدد الطريدة
واقتصد الطلقات .وما احلجر احملتجب الذي صرع الكلب املسكني ،بعد الصيد اخلائب ،إال نهاية جتربة
وبداية أخرى .حققت الرواية اتساقا فنية منوذجية ،قوامه عالقات متناظرة متعددة ،تعكس عاملا رمادية وخيبة
ثقيلة ووحشة مسيطرة .تتكامل العالقات وترفد الدالالت بعضها بعضاً ،منتهية إىل فضاء متجانس قاس،
يُكسر مرة واحدة .وواقع األمر ،أن الروائي بنى بصرية نافذة ،عامل البشر وهو يبين عامل األشياء ،وفصل
بينهما ،حيث يف العامل األول شيخ ،وأطياف بشرية بعيدة ،ويف العامل الثاني مطر ووحل وبومة ميتة وبندقية
خمففة وكلب ذليل وصياد فقد روحه.
صاغ عبد الرمحن عمله بنسق إشاري حمسوب ،يستهل ببنات آوى وخيتتم ببشر يعرفون وينتظرون .تبدأ الرواية
بصراخ حيواني مبتهج ،تعطف على «فرح األبالسة» جنديا «خمصيا» يطارد ،خمفقة ،طائرة مجي ،حتت مساء
شباط الباردة ،فوق أرض موحلة ،ويوجه األوامر الزاجرة إىل كلب مسكني ،ال يقل عن صاحبه إخفاقاً .فضاء
214
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
موحش ،هرب منه الدفء ،واستبقى جندية معطوبة ،كلماته مثل طلقاته ،تتناثر عمياء مستدعية القرود
واألفاعي والديدان والعناكب واجلرذان اجلرباء والفأر القطيب.
تكثف الرواية النسق املوحش بنسق مواز مغاير يضيء ،بإيقاع ثابت ،ما خارجه رافعة أجواء اخليبة إىل ختومها
العليا ،و ُتقرأ الرواية يف موضوعها املباشر ،وتُقرأ أكثر يف إشاراتها املتعارضة ،اليت تواجه القبيح الفاشل
جبميل ينكر اإلخفاق .وضع منيف ،وهو يرفع املعنى املقصود إىل ذروته األخرية ،الفعل الروائي يف روح معطوبة،
جتعل ما خارجها امتداداً معطوباً هلا .كتب منيف عن «هزمية» لوعت جيله وكتبت روايته عن «اهلزمية» ،اليت
تصدر ،يف البدء ،عن سلطة وتتحول ،يف النهاية ،إىل السلطة يف ذاتها.
تسرد «حني تركنا اجلسر» سريتني ،بشكل ال متكافئ ،ختص أحدهما ،وهي موسعة ،جندياً مهزوماً،
وختص ثانيهما ،وهي مقتضبة ،سلطة تقمع اجلندي ال عدوه ،وإذا كان يف السرية املوسعة ما يفصح عن هموم
اإلنسان العادي وقيمه ،فان يف السرية األخرى ما حيكي عن سلطة متبلدة ،فقرية اهلموم والقيم.
مدخل ثانٍ:
. 2النهايات :يف البدء كانت السلطة:
تسرد «النهايات» أفول الرباءة وفساد األمكنة ،متهمة حداثة مشوهة قاتلة ،هي صورة أخرى عن سلطة ال
عقالنية تغتال عقالنية الطبيعة القدمية.
يصوغ منيف ،يف تصور تفرتشه الرموز ،عالقة الفضاء النقي بالسلطة /املدينة متكئ على حكاية صياد
بريء يقود «ضيوفا من املدينة يف رحلة صيد مشؤومة .والصياد ،الذي كان مرتاحا قبل أن يصافح رسل املوت،
هو «ابن الطبيعة» ،الذي وضعت فيه أمه عقالنية فطرية ،توازن القحط باخلصب وتفرق بني القتل والصيد.
يف انتصار املدينة على الطبيعة انتصار للكذب على احلقيقة ،وما العاصفة الرملية العاتية ،اليت استقبلت بها
الصحراء «أبناء املدينة» ،إال إعالن عن رفض الطبيعة احلاسم قبول عناصر آمثة غريبة عنها ،تصطاد احلمائم
باملدافع وتعبث بروح الطبيعة الفاضلة.
حتضر السلطة ،بشكل متقطع ،يف «النهايات» ،مبرايا «القروي» ،اليت تستل منه املدينة روحه األوىل وتعوضه
بأخرى كاذبة ،وباملختار» العاجز ،املوزع على الضيوف ،وعلى الصياد الربيء ،وبـ «الدركي» الذي يسعف
الصياد بعد فوات األوان ...بيد أن حضور السلطة الومضي والطاغي يف آن ،يتجلى يف «السد» املؤجل ،الذي
مينع عن القرية القاحلة موتها البطيء ،ويرأف بطيور الصحراء وحيواناتهاُ .تقرأ الرواية بهذا املعنى ،يف جدل
«السد» ،وهو يشري إىل السلطة ،و« الصيد» الذي يقود إىل الطبيعة .تفصل الرواية ،وهي ترثي الرباءة القتيلة،
بني كيانني ال متجانسني ،وترى يف اتصاهلما رحيالً للجمال واستقراراً لقبح ال يُحتمل .خيتم الروائي قوله
الرثائي بتعليق حكائي ،ميدح الطري ويثين على فضائل احليوان عنوانه "بعض حكايات الليلة العجيبة" أي تلك
اليت تلت مصرع الصياد الربيء .يأخذ الروائي احلزين موقع الصياد القتيل ويرى إىل حقيقة اخرية ،تلعن الصيد
» ،الذي صار قتالً ،والسلطة اليت تتجاهل «السد» والقرى النائية.
215
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يتكشف التاريخ ،يف حني "تركنا اجلسر" ،يف وعي أسيان ،يرى السلطة عدواً واهلزمية سلطة ،وينتهي إىل
تفاؤل حمسوب .وقد يبدو معنى التاريخ ،بشكل أدق يف سلطة مل تصبح دولة ويف إنسان ال يصري مواطناً ،ويف
اختبار مدوٍ يساوي السلطة
باملوت .كأن التاريخ هو اغرتاب القيم العقالنية عن حتققها ،فال للوطن سلطته وال للمواطن الغائب معركته
الصحيحة ،تعيد رواية «النهايات» قول الرواية األخرى وتغلق األفق .فالتاريخ هجني ،يطرد من التقنية استعماهلا
العقالني ،ويستبقي القتل املوسع ،الذي يدفن احلاضر واملستقبل .يرتاءى التارخيي املخفق يف االنفصال بني
القرية واملدينة ،ويف املدينة اليت تشوهها السلطة ،والقيم السلطوية اليت تضطهد الكيف وحتتفي بعبادة الكم،
ويف التداعي األخالقي املرتامي الذي يعمم «اجلرمية» ،ويسلم الريف واملدينة والصحراء إىل أيدٍ قاتلة.
. 3كل الطرق تؤدي إىل مدن امللح:
تنتمي السلطة واهلزمية يف رواية منيف إىل فضاء متجانس ،جيعل منهما عالقة واحدة .تهزم السلطة احملتكرة
اليت توحي باالستقالل اإلنسان قبل أن تقوده إىل املعركة ،تسلبه كيانه وترمي به خارجها مقيداً ،مستأثرة
وحدها باالستقالل املفرتض .يشتق منيف السجن من السلطة والسلطة من شرعية ال وجود هلا ،يستعيض عنها
احلاكمون بالقمع وتكثري املقابر .قاده سؤال القمع ،الذي يوقظ سؤال احلرية ،إىل موضوع النفط ،مؤمنا
بأن النفط سجن شاسع أخر ،تدور فيه السلطة ،واجملتمع يشهده بأشكال ال متكافئة.
. 4احلكاية والراوي:
يتأمل منيف يف مدن امللح» اكتشاف النفط ،الواقعة األكثر خطرة يف التاريخ العربي احلديث .يعطي وجهة
نظر يف التاريخ وال يكتب التاريخ ،ويكتب ما رأى بصيغة اجلمع واملفرد :مفرد هو يف كتابة ينجزها نيابة عن
غريه ،وغري مفرد وهو يقاسم غريه وجهة النظر وآفاق االنتظار .شاء منيف أن يواجه رواية السلطة برواية أخرى
تسرد أحوال املغلوبني وتتخفف من أوهامهم.
تنطوي حكاية النفط ،وهي احلكاية -األم ،على حكايتني كبريتني خمتلفتني يف املصائر ،تقف وراءهما
حكاية متسلطة تستولد احلكايات وتدفنها .تتكشف حكاية املغلوبني يف مكان قديم متوارث اكتسحه
وافد أجنيب ،وبنى فوقه مكانة جديدة منقطعة عنه .يكتب الروائي حكاية املكان من وجهة نظر الذين
كانوا فيه وينتظرون عودته ،راضية بتصور املكان -األصل ،الذي يتسلح به اخلاسرون ،حيث ما كان
وتالشى يصطبغ بألوان اجلنة ،وحيث املتالشي اجلميل يرجع بعد زمن.
« إنه وادي العيون ،).. ..مجلة تشري إىل قادم غري مألوف ،وتشي برحيل وشيل احلدوث ،مجال يسري إىل موته،
وموت مفزع يسري إىل حكايته ،واجلمال الراحل الذي رقد يف حكاية ،تبعثه حكاية أخرى وقد زاد مجاال،
ألنه مجال حييل على معجزة .بين عبد الرمحن املكان املفقود كما أرادته ذاكرة املغلوبني أن يكون ،مكانة
-مثاال ،تتلو رحيله اللعنة واألماكن اهلابطة.
تطمئن حكاية املغلوبني إىل سطح األرض املبارك ،الذي تفرتشه اخلضرة وقامات ضامرة تضارع اخليول
الكرمية .ومع أن يف تصور املغلوبني ما يؤمن دائما بفساد األزمنة ،فإن فيه ما يستولد مجال املاضي املنقضي
216
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
من قبح احلاضر املنتصر الذي قام على أنقاضه .يتناقص املكانان ويتنافيان ،فوجود أحدهما هو غياب اآلخر.
يتحدث املغلوبون ،الذين يستعصي عليهم معنى اآللة ،عن انتصار الشر الغامض على خري صريح ال ميكن
االنتصار عليه .بأخذ منيف ،وهو يصف املكان -األصل ،بتصورات املغلوبني ويؤول ماله بتصوير معابر ،كما
لو كان يقاسم املغلوبني مصائرهم ويري إىل ما ال يرونه.
يشتق منيف مكان اجلمال واحلقيقة من تصورات املغلوبني ،ويكتفي بوعيه منتق اىل مكان غري مسبوق ،ال
مجال فيه وال حقيقة ،إال من حقيقة النفط امللتبسة باملصلحة .ينتهي «متعب اهلذال» ،ابن الصحراء النبيل ،يف
قرب جمهول ،وتنهض فوق "وادي العيون" آبار النفط راسخة ،وتلهث «حران العرب» وراء «حران األمريكان»،
وكلما زاد هلاث احملاكاة املخفقة استقرت البلدة الثانية وتهجنت البلدة األوىل .زمن منتصر ميحو غريه ،أو
زمن خمفق ينتظر غده .وواقع األمر أن الزمن املخفق ال ينتظر شيئا منذ أن غدا مجلة يف حكاية صاغها غريه،
استهالهلا االستئصال وإلغاء اآلخرين.
تصدر املأساة عن حكاية النفط الكربى ،اليت تستولد حكايات ومتحو غريها ،نضع يف ذاكرة املغلوب
أسطورة املكان املثال ،قبل أن ترتفع يف مكانه مدينة من صنع الشياطني.
يرتاءى االستبدال العميق ،باملعنى احلكائي ،يف اجتاهات متعددة :توسع حكاية السلطة املسيطرة اليت تضيق
على حكايات بشر عاديني ال سلطة هلم ،فبعد حكايات متناجتة ،يف زمن الرباءة ،تفرض السلطة حكايتها
وترمي مبا تبقى إىل هامش خمذول تضطرب فيه ألسنة فقرية قلقة .فالسلطة اليت ال ترى وال تريد أن ترى ،يف
زمن ما قبل النفط ،تستولي على ما عداها الحقا ،تستأثر باحلكايات وتضيق عناصرها ،وحتول ذاتها إىل
حكاية مسيطرة تطرد غريها .بيد أن السلطة ،وهي تعتقل احلكايات تعتقل احلياة ،ألن احلياة حكايات
واحلكايات احتفاء باحلياة.
احتضن زمن «وادي العيون» أجياال متواترة ،خمتلفة الطبائع والوجوه واخلصائص تضع يف كل جيل بذور اجليل
الذي يتلوه ،خالفا للزمن السلطوي الذي يستبدل باجليل املتنوع الصفات سلطاناً يتناتج يف الحق غريه ،مياثله
صفات وطقوسا و حاشية.
تشت ق الرواية من اهلوامش احلكائية ،اليت حتيل على بشر تستدعيهم السلطة وتصرفهم ،ما خيرب عن حقيقة
السلطة ومادتها» ،كما لو كانت اهلوامش الصغرية مرآة واسعة ،تفصل بني السلطان وإشاراته وتضعه أمام
القارئ إنسانا ،ال يغاير غريه ،صنعته العادات السلطوية وسلطة العادات اليومية والرموز ،وبعد حكاية املمرات
املؤثثة ،ويتحرك فيها بشر كثريون ،يأتي السلطان الذي تنتهي إليه احلكايات مجيعا ،وحيضر معه أمراء
يلتبسون بالقصور ،ومتثل قصور تلتبس بالزوجات ،وتتقدم زوجات مع أمراء حمظوظني أو قليلي احلظ واحلظوة.
بتعاقب السالطني ،كما األمراء ،مثلما تعاقبت احلكايات املغلقة يف خط مستقيم ال انزياح فيه ذلك أن ابن
السلطان جاهز خلالفة أبيه ،بقدر ما كان ابوه متأهبة خلالفة جده .يرتاءى السلطان ،من حيث املعنى ،مرجعاً
أعلى مطاعاً ،وحاكم مسحوراً بكم ال تباين فيه ،ينصب فتنة الكم عقيدة يف احلياة ،ويراكم السيارات
والقصور والنساء وحرمان املغلوبني وأسراب الطيور اليت تطاردها الطلقات.
217
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يرى القارئ السلطة النفطية يف حكايات هامشية ويف صورة السلطان ويراها ،ثالثا ،يف شخصية -جماز تدعى
«صبحي احململجي» ،أو «احلكيم» ،تعرب عن الزمن النفطي يف الزمن العربي وعن الزمن الثاني يف زمن مدن
امللح».
بين عبد الرمحن منيف ،حبذق فاتن ،شخصية املثقف النفطي ،الذي ينصر ثروة النفط وميتهن الثقافة ،وحيض
على االحنالل ويئد األخالق ،ويعني الثروة حقيقة ويسلع احلقيقة يف كل املواسم .رجل بال وجه وثقافة بال
كرامة وقامة بال قوام ،مرجع خارجه ومرجعه اخلارجي دناءة شاسعة وتسفل ال ينتهي ،مستقر يف منهج الثروة
ــ احلقيقة ومستقر أكثر يف خرائب روح ميتة.
يضيء «صبحي احململجي» ،يف مستوياته املتعددة« ،عروبة الفساد» ،اليت تضع عرباً يف البنية النفطية الفاسدة،
وتضع الفساد النفطي يف جمتمعات عربية ال نفط فيها .يظهر املعنى ،الذي هو نفي للمعنى ،يف الشخصيات
اليت مييتها النفط ويف الشخصيات املغايرة اليت يسمنها النفط وينتزع أرواحها .تبدأ حكاية السلطة بعد أن
تنتهي حكايات البشر يف املكان -األصل .حكايتان حنو احداهما األخرى ،وتقف وراءهما احلكاية املؤسسة
(بكسر السني األوىل) ،أي حكاية النفط ،واحلكاية املؤسسة اليت جاءت بالنفط وآثاره ،تفصل فصال باتراً
بني ما كان وما يتلوه ،تؤكد أن ما كان لن يعود وأن ما سيكون من اختصاص خالق احلكاية .وألنه زمن
أصلي ،ال سابق له يضيف النفط إىل العالقات كلها قائالً ب :املثقف النفطي والدين النفطي ومنط احلياة
النفطي والعقلية النفطية لذا لن تكون حكاية «وادي العيون» الفاتنة إال وجها من وجوه احلكاية املؤسسة،
أنطقها النفط وسقطت يف رحاب املوت .ينسج منيف روايته الطويلة من متواليات حكائية ،حتيل على زمن ما
قبل النفط ،وما بعده ،وعلى «زمن كوني» يدقق يف ما حتت األرض» ويزهد مبا فوقها ،حتاكي الرواية
ظاهرياً ،يف زمنها التعاقيب ،مراجع خارجية لصيقة باكتشاف النفط وتطور السلطة النفطية ،كما لو كانت
الرواية «نقال» لتجارب معيشة أو تلخيصاً حكائياً لكتب عاجلت موضوعها .تنطوي مدن امللح» على مرجع
خارجي ،جترده فنيا كي تفصل عنه ،منتهية إىل واقع نفطي مكتف بذاته حباكيه الواقع ،بصيغة اجلمع،
وال حياكي ما خارجه .إنه خلق الواقع ،أو إعادة خلقه ،مبواد متعددة قوامها املعرفة واخلربة واملتخيل والبصرية
وتقنيات أدبية موافقة ..على هذا ،فإن الرواية ال تستدعي مكاناً حمدداً ،بصيغة اجلمع أو املفرد ،بقدر ما
تستحضر نصوص أدبية ،عاجلت نهب الشعوب يف الزمن الكوني.
يتمثل املرجع اخلارجي األساسي ،يف رواية منيف ،بقارئ عربي يتمتع خبربة مجاعية ،عاش آثار النفط وصدمته
احلكايات النفطية ،قارئ حيول «الكتاب» نصاً ،يؤ وله ويردم فراغاته ويسائله مبا فيه واضحا كان أو
مسترتة.
إشارة أوىل :املتواليات احلكائية ووجهة النظر:
يعتمد منيف يف مدن امللح» ،كما يف «أرض السواد» الحقا ،إىل متواليات حكائية تتوقف أمام اإلنسان وتنفذ
إىل طبقاته املتعددة ،وتقرأ قضاياه وأقداره وعالقاته اخلارجي الذي يؤثر عليه ،وتتقدم املتواليات تعبريا
موضوعياً عن تصور معني للعامل ،يراه يف األجزاء املتحركة والتفاصيل املتباينة ،إذ لالنسان الربيء املتالشي
218
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
حكايته وللمثقف يف زمن االنه حكاية أخرى ،وللمكان الذي اغتصبت حضرته حكاية ثالثة ،ينبين اجلزء
األو ل ،كما األجزاء الالحقة ،على متواليات حكائية ،تتوزع على املكان واملواضيع والبشر وإن كان يف
اإلنسان ،الذي ال مركز له ،ما يؤكده مركزا لغريه .فعلى مستوى املكان يظهر «وادي العيون» ،يف اجلزء
األول ،كياناً مستقال بذاته ،ولن تكون حكايات املواضيع أقل حظا من حكايات األمكنة ،فكل موضوع
يعابث ذات بشرية ويتكشف فيها ،ويؤرق البشر ويأمرهم باجمليء إليه :الراديو املرعب الذي زلزل الناس
وذكرهم بيوم القيامة ،املنظار الغامض الذي حول األمري إىل طفل ضئيل ،السيارات اجملهولة األصل اليت
اسرتضاها أصحابها بأمساء حيوانات كثرية ..يظل اإلنسان ،الذي يرتافد إىل احلدث الروائي من جهات
متعددة ،مبتدأ احلكايات ومنتهاها ،فال حكاية إال بإنسان يسرد حكايات ذاته أو غريه ،متوجها إىل مستمع
حاضر أو مل يأت بعد .تفتح كل حكاية على غريها ،تتكامل معها وال تكتمل بها ،فاالكتمال يلغي مبدأ
احلكايات.
تصرح الرواية بنسقني من املتواليات احلكائية :متواليات تزامنية ،تتواىل مشدودة إىل زمن قيمي مفتوح ،خمربة
عن الكرامة والتمرد والوفاء والتضامن والصداقة ،..وعن قيم تغاير السوي وتنقضه .زمن متدفق مفتوح ،يلتفت
إىل املاضي وينظر إىل املستقبل أكثر .يتحدد النسق الثاني مبتواليات متعاقبة ،حتكي عن التبدل والتبدل
والتغري ،كأن تشري إىل تشكل السلطة النفطية وتكون حاشية تستأثر بالثروة وتقتل األرواح بالعائد النفطي.
تنجز تقنية املتواليات احلكائية وظائف متعددة :تبين الفضاء الروائي بناء مرنا ،يوسع آفاقه ويوحد فيه بني
املعرفة والتأمل واملعطى واحملتمل ،طاملا أن يف كل حكاية ما يضيء غريها ،ويف احلكايات القائمة ما حياور
حكايات قادمة .غري أن ما مييز املتواليات هو احلركة السردية القائمة فيها ،اليت تكون لنا القاريء والراوی
وتتكون فيه ،وجتعل القارئ ينتهي من احلكاية وهو يدخل إىل حكاية الحقة تستعيد أطياف احلكاية
األوىل ،وتعيد صياغتها يف سرد يكتمل وال يكتمل .تتعني املتواليات احلكائية تقنية روائية وتصورا للعامل يف
آن ،يفصل بني املغلوبني وخصومهم وبني زمن آثم وأخر مشتهى ،فتعاقب احلكايات عن تدفق احلياة ،الذي ال
توقفه سلطة وال مينعه غاز جهنمي األسلحة.
تطرح املتواليات سؤاال أساسياً هو :موقع الراوي ،بلغة معينة ،أو وجهات النظر يف النص الروائي ،بلغة أخرى.
واجلواب واضح منذ أن شاء الروائي أن يكون ذاكرة مكتوبة للذين ال مكتبات هلم .إن «مدن امللح» هي نص
املغلوبني ،الذين ينتظرون زمنا ينصفهم ،ونص عن الغالبني ،الذين يهزمهم عدهلم املستحيل .يصل موضوع
السلطة بني الراوي واملغلوبني ،فهو منهم ومعهم ،رغم اختالف يف تأويل الظواهر .مبعنى آخر :إن كان بني
الراوي واملغلوبني اختالف يف تأويل ما هو خارج السلطة ،فإن بينهما اتفاقا يف تأويل ما هو داخلها.
يكرر منيف كلمات« :الرتقب والتنصت واالنتظار ،)..موحية بأن وراء اليوم السلطوي اهلادئ يوما ال هدوء
فيه .تلتقي وجهة نظر الراوي ،على مستوى اإلحساس والرتقب ،بوجهة نظر املغلوبني ،ويلتقي الطرفان ،على
مستوى املنظور ،يف حقل اللغة .ينطوي نص منيف على حركة متواترة ،تسلم حدث إىل غريه وشخصية إىل ما
يليها وتعطف تفاصيل صغرية على تفاصيل أخرى ،متوجهة إىل «مستمع» ينتظر نهاية احلكاية اليت ال تنتهي.
219
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
حتاور رواية منيف الثقافة الشعبية بلغة وسطى قريبة منها ،وتوطد احلوار حبضور املنطق الشفهي يف العملية
الكتابية.
يف كتابة منيف ما يوحي برد تقنيته الكتابية إىل موروث أدبي عربي عنوانه الشهري :حكاية يف حكاية .يفتقر
الكالم إىل املعنى ألكثر من سبب :يشتق الروائي التقنية الروائية من وظيفة الكتابة ،اليت تربط بني قوة
احلكاية» و قوة اجلمهور.
إشارة ثانية :احلكاية واخلطاب :املوت والذاكرة والكتابة:
ال تنشئ األحداث ،خطرية كانت أم عارضة ،خطابة سردية ،فما ينشئه هي طريقة السرد ،اليت جتعل حدثا
يعلق على آخر ،يسبقه أو يتلوه ،ويرتك فراغا ميلؤه القارئ خبربة معينة .وسرد منيف ،الذي مييز بني املستنكر
واملشتهى ،يتكئ على ثنائيات متناقضة ،آيتها خنلة باسقة تواجه آلة قاطعة .حتيل الثنائيات ،يف مدن امللح،
على الغنب والعدل واحلاكم واحملكوم واألجنيب والوطين ،وقد تضع النفط يف مواجهة القيم املدحورة،
لكنها ،يف مستوياتها املتعددة ،مألى مبوضوع خيتصر ما عداه هو :املوت جيابهه موضوع آخر هو :الذاكرة .
بعد عشر صفحات ،ترثي «وادي العيون السائر إىل املوت ،يقول الراوي« :يف ذلك اليوم البعيد ،الذي يشبه آالف
األيام قبله ،ولد ملتعب اهلذال آخر أوالده الذكور ،حتتفي البداية الروائية بامليالد ،وترفع صوته ،مدركة أن
يف امليالد املتصادي مدخال إىل املوت اآلتي ،تشيع رائحة املوت يف الشخصيات والقصور واألشياء ،بعد أن غدا
املوت شرط الوجود وأصبح «اإلنسان احلي» وجود ناف .وهذا ما أشار إليه الدكتور حممد شاهني يف دراسة
رشيدة حني قال« :ال أعرف كاتباً استطاع أن يصور املوت يف احلياة أكثر من عبد الرمحن منيف ،وتكمن
قدرة عبد الرمحن يف السيطرة على مشاعر الرعب احلقيقية اليت تنشأ من معرفة أو مشاهدة الرعب فعالً
والقدرة على تصوير هذه املشاعر بشكل يكثف أو يعمق هذه املشاعر ،فصورة املوت اليت يصورها منيف،،،
هي واقع معاش حيدث أمام املأل وكأنه شيء عادي ،على الرغم من كل ما فيه من رعب وهمجية تقشعر هلا
األبدان .يندد اخلطاب الروائي بسلطة قاتلة ،ويذكر ببشر -ضحايا ،فقدوا زمنهم القديم وسقطوا يف الفراغ.
تواجه «مدن امللح» ذاكرة السلطة بذاكرة األمة ،كأن الذاكرة احلقيقية مشروع أو احتمال ،تراقب من بعيد
ذاكرة متحققة ،وقودها املدارس واملكتوب السلطوي والرقابة وثقافة األدعية املتسلطة .غري أن ما يبدو
متماسكاً ال متاسك فيه ،ذاكرة أملتها سلطة جيرفها املوت املتقدم ،بوضوح ومبراوغة معا ،تهتز إن حلم
السلطان وتتزعزع أن قتل الذي جاء بعده ،وتسقط يف البوار آن رحيل السلطان األخري .يتكيء منيف على
ذاكرة نوعية غائية ،تود أن تكون ذاكرة مجاعية معيشة .وهو يف جهده الرامي إىل توحيد الذاكرتني ،يعيد
بناء ذاكرة املغلوبني.
تلتقي الذاكرة الفردية بالذاكرة اجلماعية يف قضاء الكتابة ،حيث اللغة املدققة تنشي الذاكرتني معا منتقلة
من السرد العشوائي إىل السرد املنظم ،ومن الشفهي املتدفق إىل الكتابي املنضبط .وواقع األمر أن يف كتابة
منيف ما حيقق وظائف حمددة :حتفظ ،أوال ،وقائع املغلوبني يف وثائق تقاوم التبدد والتلف ،كما لو كانت
خمزناً صحيح البناء .مثلما أنها ،ثانية ،ذاكرة متسقة تتخفف ،قدر ما تستطيع من التناقض ،تفصل ومتيز
220
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وتقارن :كأن تفصل بني أخالق القبيلة ومعايري السلطة ،وبني رجل دين خملص وآخر خملص ملكاسبه وبني
مقاتل يؤمن مبحاربة «الكفار» وآخر يكفر من قاتل سلطة تلتحق بالكفار.
تقوم ذاكرة املغلوبني ،يف طور منها ،على اخلطابة ،أو فن الكالم ،وتقوم يف مدن امللح على الكتابة ،أو فن
الوضوح املتكلم ،حيث االنفعال ال يقرض العقل ،وال العقل يطرد اإلحساس وميحوه.
إشارة ثالثة :معنى التاريخ :سطوة اآللة وقوة القيم:
يأتي التاريخ يف «مدن امللح» من لقاء جمتمع راكد مكتف بذاته بـ "آخر" ،جاء إليه من وراء البحار ،دمر
استقراره بـ"آالت ال يعرفها" ،دون أن يضعه يف زمن جمتمعي جديد .مل تذهب الصحراء إىل البحر ،وهي تعرف
منه شواطئه الضحلة ،بل جاء أهل البحر إىل الصحراء ،يف زمن تقين غري مسبوق ،أملى عليهم اجمليء ،وهيأ
شكل اللقاء كان يف اجمليء ما يكسر بنية مغلقة ،ويرتكها مبعثرة ،وما يعلن عن لقاء معروف النتيجة حدد
شروطه أحد الطرفني .تتحدث رواية منيف ،وهي تصف لقاء الغالب باملغلوب ،عن اإلشارات التقنية واخلوف
والذاكرة .وواقع األمر أن «مدن امللح» تنشر نسقني متوازيني من البشر ،لكل منهما لغته وأدواته ووسائل تعامله
مع اآلخر ،كاشفة عن زمن صاغته «الثورة الصناعية وعن آخر مسكون باخلرافة وعبادة اجملهول .تتحالف
اآللة املفزعة مع سطوة اخلرافة وينتجان :االستسالم أو املقاومة املعطوبة ،حيث املهزوم ينسحب إىل زمن متجدد
اهلزمية .يصف منيف بدقة مدهشة ،تالشي املهزوم وغطرسة من هزمه بإشارات تذيع املوت واخلنوع واإللغاء
واخلضوع ،حيث اآللة وحدها تستطيع الدخول واخلروج .تهدم التقنية املنتصرة املهزوم وتعيد بناءه :تهدمه وهي
تهدم الشرط االجتماعي الثقايف الذي ينتمي إليه ،وتعيد بناءه هجيناً ،ال حيتفظ بزمنه القيمي القديم وال يعرف
عن الزمن التقين شيئا .تتعني اهلجنة ،يف مستوى منها ،باحنالل الذاكرة ،وتتجسد ،يف مستوى آخر ،بسطوة
السلع اهلائلة ،اليت هي امتداد وديع للبواخر املفزعة واآلالت اجلهنمية الصفراء .فإذا كان يف الباخرة إشارات
تثري الفزع ،فإن يف السلعة إشارات تثري اإلبهار ،كما لو كانت السلعة باخرة أخرى ،تشرتى وحتتفظ بإشاراتها
املغلقة.
تأمل عبد الرمحن منيف التاريخ ،من وجهة نظر املغلوبني ،توقف أمام العقل التقين الذي أطلقت السياسة
االستعمارية ال عقالنيته ،وأمام «عقل آخر» أخطأ الزمن التقين وثبته املنتصر يف زمن اخلرافة .قرأ الروائي،
وهو يسرد يف حكاية النفط حكايات كثرية ،الفرق بني القوة والضعف وبني ثقافة األقوياء وثقافة
املستضعفني .وألن منيف يقارب التاريخ ويفسره أدرك ،بوعيه التارخيي ،أن مواجهة ثقافة األقوياء تستلزم ثقافة
ختتلف عنها باألدوات واملعايري .واجه الروائي تاريخ التقنية االستعمارية وهو تاريخ حديث قريب العهد ،بتاريخ
أكثر بعداً وكثافة هو :تاريخ القيم ،الذي يقول بإنسان هذبته الفضيلة وصقلته الرباءة.
مدن امللح أو النص املؤسِّس:
أعطى عبد الرمحن منيف يف مدن امللح» ،عن قصد أو من دونه ،نصاً مؤسِّساً يقرأ الزمن العربي يف القرن
العشرين ،ويقرأ فيه مصائر اجملتمعات العربية املختلفة .تبدأ الرواية يف جزئها الثالث مبطالع القرن العشرين،
العقود األوىل ،وتنتهي يف جزئها اخلامس يف منتصف السبعينيات املنقضية ،مكتفية بالزمن التارخيي
221
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اجلوهري ،ففي مطالع القرن اختار االستعمار املواقع اليت تلبيه ،وبعد حرب حزيران انسحب العرب من التاريخ.
ومع أن الرواية اختذت من واقعة النفط مركزا هلا ،فعالقاتها الروائية أنتجت واقعاً عربياً شامالً ،ظهر النفط
يف بعض أقاليمه أم ظهر يف األقاليم مجيعها.
واجهت رواية «مدن امللح» ،يف مستوى منها ،رواية السلطة النفطية ،بصيغة اجلمع ،تأملتها طويالً ووضعت فيها
قراءة غري سلطوية .وواجه الروائي رواية السلطة بسلطة احلكاية ،اليت ينسجها الراوي ويوزعها على جمموعة
تستمع إليه ،وسلطة الشائع املقبول به الذاكرة املكتوبة» ،اليت تصطفي وختتار وجترب الشائع على الرتاجع.
رد منيف على رواية السلطة برواية مضادة ،وضع تاريخ السلطة يف بنية كتابية أخرى ،وبنى القول اجلديد
بأدوات فنية ختادع السلطة ،تنتهي إىل نص تتعرف عليه السلطة وال تتعرف عليه يف آن ،إن الرواية العربية
حتاذر ،لزوما الرقابة ،دون أن يساويها هذا برواية منيف ،فاألوىل تنتهي إىل الرقابة أو تصطدم بها يف منتصف
الطريق ،على خالف رواية منيف ،اليت تبدأ من الرقابة وهي تبدأ مبرجعها األعلى .تكسر مدن امللح» النموذج
الروائي اجلاهز ،عربيا كان أم وافداً ،مبينة على طريقتها أن اجلنس الروائي متجدد يف مناذجه ،وأن فيه
مكانة النماذج قائمة وأخرى وليدة يف طريق الوصول.
وصل منيف إىل روايته متوسالً تصور "الــ هنا واآلن" ،حيث سؤال السلطة املسيطر سؤال عن تارخيها ،وسؤال
التاريخ جواب عن فراغ راكد ال سياسة فيه .بين الروائي قوله األدبي من مواد غري أدبية» ،تتمازج فيها الوثيقة
واخلربة املرتاكمة وحكايات مدونة ومتطايرة ،ورؤية تنظم املتعدد وتعطيه شكال.
تتضمن رواية منيف ،اليت تكتب التاريخ بشكل أخر ،تصوراً الرشيف مسكونا باملفارقة ،ذلك أنها تتضمن
«ارشيفاً» وتهرب منه إىل أرشيف أخر ،فهي تقتحم ارشيف السلط وية تبحث فيه عن أصل السلطة وعن مواد
مستقلة تتحرر صدمة وهي تهرب إىل «أرشيف آخر ،مل تعتقله السلطة أو مل تفلح يف اعتقاله .غري أن منيف
الذي يكتب ما ال جتب كتابته ،يوسع اهلوة بني «أرشيفة ،وما خيتلف عنه ،حني حيرره من شواغل السلطة
الضيقة ،املأخوذة بالثواب والعقاب ،وجيعل منه أرشيفاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً ،فعال خالف وثائق حتتفظ
بوجوه جيب اتالفها وال تلتفت إىل ما وراء الوجوه خيلق منيف وثيقة رحبة متنوعة ،حتتفظ بالوجوه واحلكايات
والعادات واألمثال الشعبية ومالمح األماكن املندثرة.
يدفع املوضوع الذي عاجله منيف إىل إنتاج خطابني متالزمني ،يدحض أحدهما خطاب السلطة خبطاب من
خارجها ،ويرفض ثانيهما «رواية الشمال» برواية اجلنوب ،وواقع األمر ،أن العارف األوروبي ،الذي درس جهات
الصحراء وكافأت األكادميية جهده املعريف ،يدرس امتداد الصحراء يف األمري ،أو يدرس يف األخري طبيعة
الصحراء ،جاء منيف ،الذي يؤسس لرواية أخرى ،برواية اجلنوب» ،اليت تفسري تاريخ األرواح امليتة»
باالستعمار ،ال بغموض الشرق وأبدية ثقافة األدعية ،كأن «اجلنوب» ،وهو يكتب روايته كما يشاء ،يريد
أن يقرأ نفسه بنفسه ،إن فتنة األول نفطه ،مثلما أن علم الثاني أداة سيطرة وإخضاع .لذلك حيرر منيف التاريخ
من أقمطة اخلديعة واللغة الزائفة ،سارداً حكاية االستعمار وتقنياته السلطوية ،اليت تساوي النهب بالقدر.
222
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
سرد منيف يف حكاية املثقف القومي حكاية املثقف احلديث املخذول الذي آمن ،مرة ،بكونية احلداثة ،قبل
أن يكتشف أن احلداثة احتكار ،يكدس حقوق طرف فوق حقوق طرف آخر .حتتكر حداثة الشمال سلطة
اجلنوب ،وحتتكر األخرية توزيع العمل واملوت ،وعلى املثقف ،الذي آمن باحلداثة ،أن يضيف إليها منظورا
جديدا ،حياور احلداثة بصيغ املتعدد واالتهام واالحتمال .تلتحق السلطة التابعة بشماهلا ويبقى املثقف معلقاً
الفراغ ،ال يرتاح إىل مشال خدعه وال إىل جنوب أراده شيئا آخر.
يف رواية منيف املليئة باألسئلة ما يدعو إىل حداثة أخرى ،تتحرر من الالعقالني وتعيد إىل العقالني معناه،
وتتخلص من املراتب وتقبل بالكوني الصحيح ،كي تكون احلداثة فعالً حتررياً ،يبدأ من مقولة «اإلنسان» ال
من مرتبة «الغرب» العالية .وضع منيف يف نصه املؤسس حكاية الواقع العربي يف القرن العشرين :أقام الكتابة
على نصوص مبعثرة وحدتها الكتابة ،واستولد من الكتابة تارخيا يقرأ بشكل جديد ،خيرج املاضي من
زواياه املظلمة إىل العراء ،ويلتمس من وضوح الكتابة زمناً مل بلق به أحد .أجنز مشروعة واسعة ،مل يكتبه
غريه ،واقرتح منهجه ،يعثر على الرواية يف اهلنا واآلن» ،وقدم رؤية تقاوم الربابرة.
كلمة أخرية :يف إشكال مدن امللح:
يكتب عبد الرمحن منيف ،يف اجلزء األول من «مدن امللح» ،عن اللقاء األول بني اآلية األوروبية والطبيعة الربيئة
الغريبة عنها ،ما يلي" :اآلالت اجملنونة تقتلع األشجار وتدلك األرض ،وتقلب كل ما فوقها ،.كانت األشجار
وهي متيل وترتنح قبل أن تسقط تصرخ ،تستغيث" تتكون الصورة اخلافقة باحلركة املوجية ،من االقتالع
والدك والقلب والرتنح والسقوط واالستغاثة واالحتجاج واملقاومة اليائسة مشرية إىل أمرين :اللقاء القاتل والدفن
النهائي ،عال صوت الضحية مولوال أم أخرسه القاتل من النظرة األوىل ،تصف الرواية مواجهة بني عنصرين
غري متجانسني ،أوهلما آلة قاتلة جاءت من الثورة الصناعية ،وثانيهما طبيعة بريئة قدمية ،مل ميسها التصنيع
والعقل التقين .زمنان خمتلفان كليا ،يرجع اختالفهما صوت الضحية إىل صمت لن يلتقي قط مبن يلتفت إليه.
تطرح رواية منيف إشكال «احلداثة الكونية» ،اليت ولدت يف «مركز» أوروبي وذهبت إىل «أطراف» مل تعرف
احلداثة .تتحدد بالد النفط» ،اليت يكتب عنها منيف« ،أراض مغلقة» ،باملعنى اهليجيلي ،تنتظر عقار مفتوحة»
يدك ثباتها بآالت جمنونة ،فاحلداثة ،وباملعنى املتداول فلسفية ،هي :اإلصالح الديين ،الثورة الفرنسية ،فلسفة
التنوير ونهوض اآلداب والفنون ،ف إذا كانت احلداثة األوروبية هي العقل واحلرية واإلنسان النشيط ،فإن ما
يقع خارج أوروبا ال حداثة فيه وال يقبل بالتحديث ،كما لو كان «اآلخر» حيزا مغايرة يطبق عليه األوروبي
احلديث أدواته احلداثية ال غري.
حتجب كلمة «االكتشاف» إلغاء «اآلخر» ،ذلك أن «املكتَشَف» ال وجود له إال حلظة اكتشافه .مدين هو
بوجوده ملن عثر عليه لـ«املرة األوىل» ،ومدين له أكثر بامسه اجلديد» الذي أنعم به عليه.
يفضي معنى الطبيعة ،يف تصور ينصب «الغرب» مركزة ،إىل الفصل بني حاجات اإلنسان الغربي ،وهو حداثي
لزوما ،وحاجات «اآلخر» ،الذي اكتشفته حداثة جاءت إليه ومل يسع إليها .لذلك تأتي «اآلالت» ،اليت
استحدثتها الثورة الصناعية ،إىل «أرض معلقة» ،وتعاجلها بأسلوب حديث ،دون أن تكرتث بإنسان كسول»،
223
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هو امتداد للطبيعة وللكشوفات العلمية .يتكشف الزمن الكوني ،يف مصائر احلداثة ،غربية بامتياز ،ويتجلى
زمن األطراف ،أثراً حداثياً عاطالً ،فكما يهزم اإلنسان املبدع الطبيعة ،بعد أن اكتشف قوانينها ،تهزم
احلداثة التقليد ،بعد أن اكتشفت «اجملتمع التقليدي» وفضت أسراره.
تقرأ «مدن امللح» الفرق بني حداثة املركز وآثارها الدامية يف «األراضي املغلقة» ،وتنقب يف الفرق عن كتابة
أخرى ،تتهم «األدب العاملي» وتتطلع إىل عوملة أدبية جديدة .يسطر الروائي فوق الفرق املزدوج تارخيه الوطين،
الذي كتبه املؤرخ املنتصر كما أراد ،وأوله «األديب العاملي» كما ارتأى .وهذا الفرق ،املصنوع من اهلزمية
واالنتصار ،هو الذي يقود الروائي مباشرة إىل موضوع التاريخ ،وميلي عليه كتابته من جديد ،خماطبة ذاكرة
ناقصة ،ومتطلعة إىل ذاكرة ال متكر باملغلوبني .يبحث الروائي ،الذي يكتب التاريخ السلطوي بشكل مغاير،
يف التاريخ الكوني عن ذاته املغيبة ،ويتأمل فيه الذات اليت تغيب غريها .لكنه ،وهو يواجه ذاتا بأخرى ،يواجه
«األدب العاملي» ،املكتفي بأوروبيته ،بأدب غري أوروبي» ،مشغول باالعرتاف بذاته وباعرتاف متبادل حمتمل
بني «اآلداب العاملية» .يبين منيف روايته من متواليات حكائية ،تذكر مبوروث أدبي عربي ،وباجتهاد خاص يف
التعامل مع الراهن واملوروث .ومع أن يف البناء صوتا فردية /مجاعية ،فإن فيه ،لزوماً ،اآلخر األوروبي ،الذي
أنتج هوية أدبية متحققة ،وهوية مغرتبة تفتش عن ذاتها .وهلذا يستقدم منيف «األصل األدبي العربي» ويلقي به
يف وجه «األدب العاملي ،يعيد الروائي بهذا املعنى ،كتابة تاريخ شعبه املغلوب ،ويسائل تارخيا أدبياً وطنياً صاغ،
بأشكال خمتلفة ،أسئلة القلب واخليبة واالغرتاب.
أرض السواد ذاكرة التاريخ وتاريخ الذاكرة:
التاريخ يظهر يف أزمنة انتقال اإلنسان من شرط يعرفه إىل آخر ال يعرفه متاما ،فال يظل حيث كان وال يصل
إىل ما اعتقد أنه وصل إليه.
يف روايته« :أرض السواد» ،املمتدة على ثالثة أجزاء يف ألف ومخس مئة صفحة تقريبا ،يرجع عبد الرمحن منيف
إىل حقبة أخرى» ،حماوراً ،يف اخليال ويف واقع يسبق اخليال ،حقبة تعتقد أن يف احلقبة األخرى ،ما هو جدير
بأن حيتفظ به .واجلدير حبفظه ،يف رواية منيف ،هو «تاريخ املهزومني ،تتأمل «أرض السواد» ،وقد ارتكنت
إىل زمن الصفاء احلزين ،حكايات التاريخ وكتب املؤرخني الذين حيولون التاريخ إىل حكايات .وتقرتب ،يف
تأملها ،من قول منري صاغه سعد اهلل ونوس يف زمن من حياته تغشاه الظلمة« :على األديب أن يستدرك قصور
املؤرخ» .يرى املؤرخ ،عاليا ،ما يريد غريه أن بری ،ويرى األديب ،إن كان أديبا ،ما ترمجه التاريخ يف وقائع،
تذهب إىل العقل والعني ،دون خصام .
. 1املرجع التارخيي واملتخيل الروائي:
تسائل «أرض السواد» فرتة حمددة من تاريخ العراق احلديث ،وهي حتول الوثيقة إىل رواية ،متحو احلدود بني
الرواية والرواية التارخيية ،مؤكدة وجود الرواية ،دون نعت أو صفة .فال فرق بني الرواية والرواية التارخيية إال
يف منظور مأخوذ بالتصنيف وباألحكام الشكالنية ،فكالهما يقرأ التاريخ يف أحوال البشر ،ويتأمل معنى
التاريخ يف مصائر إنسان .وما ما يفعله منيف يف أرض السواد ،ال خيتلف عما فعله املؤرخ الفرنسي الشهري
224
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فكالهما ينفخ الروح يف زمن مضى ،وكالهما يكتب مذكرات الذين ال مذكرات هلم .مع ذلك ،فبني
املبدعني فرق وأكثر ،فاملؤرخ معين بزمن حمدد وبشخصيات معروفة األمساء ،على خالف الروائي الذي
يستولد من زمن الوثيقة أزمنة متعددة ،حتتضن ما كان وما كان بامكانه أن يكون ،والذي يشتق من
شخصيات فعلية ما شاء من شخصيات متخيلة.
يقول لوكاتش وهو يعرف الرواية التارخيية« :إنها رواية تثري احلاضر ،ويعيشها املعاصرون بوصفها تارخيهم
بالذات) .يقرتب لوكاتش من تصور بوكهارد ،ذلك أن اإلنسان ال يعيش حقبة سلفت ،إال إذا «احتفظت» حقبته
بأشياء من الزمن الذي سلف.
توجه منيف إىل قارء واضح ،راجع به إىل املاضي وإىل مكان ال خيطئه أحد ،يبدأ منيف روايته بتوطئة عنوانها:
حديث بعض ما جرى فالتوطئة هي احلد الفاصل بني ما جرى وما كان بإمكانه أن جيري ،بني الوقائعي
واملتخيل ،أو بني بداية املؤرخ وبداية الروائي ،يضع منيف موضوعه يف بداية القرن التاسع عشر ويزيده ،تشتق
«أرض السواد» اإلرادتني املتصارعتني من زمنني تارخييني ال متكافئني خيلقان األفراد وحيددان معنى مصائر
اإلرادات الفردية .أما العنصر املتخيل فيتمثل يف نسق الشخصيات الشعبية املفتوح ،الذي يرتجم أحواله يف نسق
احلكايات املتوالدة .تتعدد احلكايات بتعدد طبائع البشر ومهنهم وأقدارهم وألقابهم ،يف نسق متشجر يقرتب
من الفتنة .وتأتي اللغة العامية» ،تعبريا عن البشر وأداة يعربون بها ،قوامها اإللفة واإليقاع والفراغ ،كأم حنون
شاسعة األبعاد ،ترى يف أوالدها وال يراها أحد .وواقع األمر ،أن حكايات منيف ،وهي تتناسل يف نسق
الشخصيات الشعبية املتوالدة ،تعني اللغة العامية شخصية -جذراً -وما عداها أقنعة ،أو وجهاً مرتامية ال متناهي
التخوم ،وغريه ظالل.
يف توليده ملتواليات حكائية ،متدفقة الوجوه واألمساء ،حيقق منيف يف أرض السواد أمرين خمتلفني ،يتصل
أحدهما بالبنية الروائية اليت أرادها ،ويرتبط ثانيهما مبنظور الروائي إىل العامل .لكن منيف ،املفتون
بالتفاصيل البشرية ،يذيب الزمن التارخيي اخلطي ،الواصل بني واقعة وأخرى تليها ،يف أزمنة إنسانية متعددة،
يعطي منيف لشخصياته املختلفة واملتعددة استقالهلا الكامل ،ولعل هذا الفضاء اإلنساني الواسع ،الذي تأخذ
فيه الشخصيات الروائية مواقع الوثائق التارخيية وتفيض عليها ،هو ما يتيح األرض السواد» أن تعطي خطابة
تارخيية قوامه الثابت واملتغري ،إذ احللم وإخفاقه قائمان يف زمن ،وإذا احللم وشكل إخفاقه موزعان على كل
األزمنة .وبسبب متاثل األحالم الكبرية وتباين انكسارها ،يرتك منيف نهاية روايته مفتوحة ،تشهد على حقبة
سلفت ،وتوحي بأن يف احلقبة املنقضية ظال كثيفة من حقب الحقة.
يف جدل الثابت واملتغري ،وهو حمايث لكل رواية كبرية ،يستغرق الروائي املؤرخ ويتجاوزه .فاحلدث الذي
يصلبه املؤرخ على جدران زمن وحيد ،حترره الشخصيات الروائية وتضعه يف أزمنة متعددة.
يذهب الروائي إىل وثائق املؤرخ املتعددة وخيلقها شخصيات متحاورة ،تنقض احادية القول التارخيي بأقوال
متعددة مراجعها التأمل واالحتمال .و«علم التاريخ» حيدث ،غالبا ،على طريقته ،عما كان ،والرواية حتدث
عما كان وعما كان جيب أن
225
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يكون ،حمررة املاضي من قيود قراءة وحيدة ،وعاطفة مبادئ األخالق على املعارف الواضحة والغائمة .واتكاء
على جدل املعرفة واألخالق يؤالف منيف يف «أرض السواد» بني شخصيات فعلية وأخرى متخيلة ،حيث املتخيل
يعرتف بالواقعي وخيلقه معاً.
ال فرق يف الفضاء الروائي بني ما جاءت به الوثيقة وما بعثه املتخيل الروائي ،ذلك أن الروائي ،وله موقع الراوي
العليم ،يصل بني األقدار الشخصية ويفصل بينها ،وخيلق الواقعي والالواقعي يف آن.
. 2تراجيديا التاريخ يف األزمنة الالمتكافئة:
تروي «أرض السواد» ،صراعاً جوهرياً بني شخصيتني هما :داود باشا والقنصل الربيطاني ريتش .حيلم والي
بغداد جبهاز سلطة حديث ،ويرصد القنصل ،بغطرسته املتوارثة ،أحالم احلاكم ويهيل عليها الرتاب .حني
يصف عبد الرمحن منيف داود ،يف اجلزء األول من روايته ،يقول" :مع تزايد عدد الناس حول داود باشا كان
شعوره بالوحدة يزداد ،ورغبته باالنعزال تقوي .مل يكن هكذا من قبل ،لكنه امتأل بهذا الشعور منذ أن عاد
إىل بغداد وأصبح والية .ومع كل يوم جديد ،ومع كل حدث جديد ،حيس أن الذين حوله يزدادون بالدة ،أو
يصبحون أقل قدرة على فهم ما يريد "...داود هو الطارئ احلزين املوزع على أزمنة غري متساوية وال متجانسة،
وهو الباحث عن الشكل يف ركام ال يعرف األشكال.
ال اختالف بني النسق السلطوي واألنساق االجتماعية املتمتعة بسلطة .فأهل بغداد ،يف رواية منيف ،هم :التجار
املشغولون بثرواتهم ،والعلماء الذين يسعون فتاواهم ،والشعراء الذين يلوكون كالمهم ،و«الشطار» الذين
جيمعون بني التصعلك والدفاع عن اخلري ،بني حني وآخر ..وهناك القاع االجتماعي ،أي الرعية بلغة مطمئنة أو
الشعب بلغة أخرى ،املتوالد ثابتة يف عادات ثابتة حتسن الشكوى والتعليقات العاجزة.
يف هذه احلدود تبدو «أرض السواد» ذاكرة وطنية وأكثر من ذاكرة ،حتدث عن بغداد وحممد علي باشا
واجلنراالت املستشرقني ،وعن بريطانيا اليت «سيقت سوقا» إىل احتالل العراق ،بلغة املؤرخ فيشر .بيد أن
الرواية ،وهي تسجل احلوار احلميم بني القنصل الربيطاني وأغوات الشمال وبني عسكري جلف وبطانته
الفاسدة ،حتاور كائنا غامضة يدعى بالتاريخ ،يضع قدمه حيث يشاء ،وال يلتفت إىل األوصال املهشمة.
226
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مفردة وحمددة ،وتعليق مجاعي على ما جيري بني القنصلية والسراي .ال يقف العقل احلكائي أمام العمل
االستعماري إال ليقع ،بسبب اختالف يف احملاكمة ،يعطي األول سببية فقرية ،وميد العقل الثاني بسببية
يف مركبة .يدور العقل األول يف ثنائية فقرية ،قوامها خري يهزم شرا ،ولو بعد حني ،تتناتج ،منطقياً،
ثنائية بائسة الحقة هي :اإلميان واالنتظار ،ويأخذ العقل الثاني لسببية مركبة ،تستدعي عناصر متعددة
متفاوتة املستويات .بعيش داود ،الذي أراد أن خيلق العراق من جديد ،تراجيديا مركبة :آلة «اآلخر» املعقدة
اليت ال ميلكها ،وعقل شعيب حكائي يساوي بني اآللة املعقدة ولغته الفقرية.
. 4تعليق :التاريخ بني الرتاجيديا واملهزلة:
يغوص ريتش يف الغيظ والندم وهو يرى إىل وال جديد مليء بالكربياء والطموح ويستعيد ،وقد أمضه ما يرى،
أطياف والة كان يستحضرهم ويصرفهم حني يشاء والوالي النموذجي الذي خيفق يف ذاكرة القنصل االجنليزي
هو :سعيد ،الداعر املتداعي ،الذي وقف داود على أطالله ،يرى ريتش يف حياة داود كابوساً ،ويف موت «سعيد»
كابوسا آخر .كأن كابوس
الظامل ال ينقضي إال إذا التهم املوت احلياة ،أو حتولت احلياة النابضة إىل موت آخر .يسري التاريخ يف سراديبه
العمياء فاصالً ،يف حلظة نور عابرة ،بني األمساء الشكالنية املتناظرة بألة موجعة هي :النهاية ،اليت تعلن عن
الفرق بني الوجوه والكلمات.
. 5البنية الروائية :إضاءة سريعة:
يتكون الشكل يف «أرض السواد» يف تقنية احلكاية املتناوبة ،اليت ترد إىل عالقتني خمتلفتني ،كاشفة عن
فضائني خمتلفني ،هما السلطوي والشعيب .وتتيح هذه التقنية للقارئ أن يتأمل التاريخ االجتماعي ــ السياسي
يف وجوهه املختلفة ،وتوحي له ،يف حكاية ال تعرف االنغالق ،أن التاريخ مفتوح ،يتوالد يف حكايات الحقة،
ال تغاير احلكايات اليت سبقتها .خيلق الشكل ،يف أقمطته احلكائية املتناسلة ،بنية روائية ثنائية املستوى،
ترد إىل الفضائني املتغايرين .تعني السلطة املستوى األول ،يف بنية متناقضة حتتضن السرايا والقنصلية ،حمددة
األوىل كعالقة داخلية يف الثانية ،رغم الصراع بينهما ،أو ،وبشكل أدق بسبب الصراع بينهما.
تقف السرايا على الضفة األخرى» ملفعة بأسرار ،تعاجلها الذاكرة الشعبية ،وهي تضيف إليها أسرار جديدة.
ويف مقابلها ،وعلى ضفة أخرى» ،تقوم القنصلية ،اليت تشل طواويسها الكالم الشعيب ،قبل أن يقتحم األسوار.
يستوي احلوار بني الفضاء الشعيب واملسرح السلطوي ،حني تزول املسافة املضاعفة ويتأنسن املشهد السلطوي،
مفضية إىل تبادلية الرغبة يف حوار مشرتك ،إذ ال حوار ،وال إيصال ،دون قصدية تسعى إليه.
ينتهي السيل الكالمي الشعيب ،كما جاء يف «أرض السواد» ،إىل صيغتني« :إن ما حصل مل حيصل كما
حصل بل بشكل آخر» ،و«إن ما حصل قد حصل قبل حصوله» .تنهض البنية الروائية ،يف مستوييها ،على
نسق مفتوح من الشخصيات املختلفة .وحتقق الشخصيات ،يف تنوعها وتكاثرها واختالفها ،أمرين :متثل،
أوال ،العالقة املنطقية بني الرتاجيديا والتاريخ ،فال تراجيديا إال بفردية متميزة ،أو بنسق من الفرديات املتميزة،
تبين فضاءها التارخيي ،وتتبين فيه .إن شخصيات منيف املتكاثرة ضرورة فنية خللق الفضاء االجتماعي -
227
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
التارخيي ،الذي يصرع فيه بعض البشر ،وهم يصارعون شروطاً معطاة ترفض الرحيل ،وهي تعرب ،ثانيا وعلى
طريقتها عن تصور روائي للعامل يرفض احلتمية االجتماعية ،اليت ختتزل الكل إىل واحد ،ويقرر التنوع
واالختالف مبدأ للوجود اإلنساني .يتحرك التاريخ يف بنية روائية ثنائية املستوى خمربة عن سلطة هلا الوجود كله
وعن قاع اجتماعي ال سلطة له.
. 6الوعي األخالقي وغواية احلكاية:
خيرتق املستويني السلطوي والشعيب زمنان ال متجانسان ،أوهلما متغري ،يوقظ الشهوات ويلتهمها ،وثانيهما ال
يوقظ شيئا .يرسم الزمن السلطوي األقدار املتباينة ،بدءا بنعمة غري متوقعة انتهاء بفقدان البصرية.
وعلى خالف الزمن السلطوي ،يأتي زمن شعيب مغاير .كما لو كان زمن اجملتمع هو زمن السلطة ،اليت تعتقل
اجملتمع وتنسى أنها اعتقلته .تأتي الشخصية الشعبية يف إقامة طويلة ،وتغيب مثلما أتت ،مؤكدة الثرثرة فعال
وحيداً .ينطوي مستويا الرؤية على مجلة من العالقات الثنائية :داود /ريتش ،املركز /األطراف ،القصر /
احلاشية ،املدينة /الصحراء ،السلطة /اخلارجون على السلطة ،السراي /القنصلية ،والسراي /املقهى..
تكتسح السلطة ،يف زمنها املضطرب ،العالقات مجيعا .أما الشعب ،بلغة معينة ،أو الرعية ،بلغة أخرى،
فيرتسب يف مكان أليف وطليق هو :املقهى ،حيث كل «سالفة» تستأنف «سالفة» سبقت .وللمقهى ،يف رواية
منيف ،حضوره الطاغي ،مما يعينه مكانة وجمازة يف آن .يبدو املقهى ،يف اللغة العامية وحركات األجساد
الطليقة والضحكات املتصادية ،تعبريا عن احلياة .يضع الوعي األخالقي ،وبقصدية واضحة ،يف احلياة
الشعبية حياة عامرة ،ويف شخصياتها تنوعاً مثرياً .املنطق الروائي يستدعي الشخصية وحكايتها ،وهو يبحث
عن داللة معينة ،جتسدها فردية متميزة السمات واملصري .وواقع األمر أن «املقهى» الثابت والطليق يف ثباته ،هو
الشخصية الشعبية األوىل ،شخصية -جماز ،تروي ما يدور يف داخلها ويف خارجها معا .ويستدعي الوعي
األخالقي يف رؤية منيف ،عناصر حكائية ال تستدعيها العناصر احلكائية األخرى ،مقرتباً من بنية خاصة
به ،جتثم فوق بنية أخرى .ينتج الوعي األخالقي بنية خاصة به وال يذهب بعيداً .يتكشف القول الروائي ،الذي
انتهى إىل ما يريد أن ينتهي إليه ،يف نقطتني جوهريتني تقول األوىل؛ إن تاريخ اجملتمع هو تاريخ السلطات اليت
تتناوب عليه .وتقول الثانية :يندرج اجملتمع والسلطة معا يف زمن راكد ،ال تغري حركة السلطة من داللته شيئا،
ألنها حركة متماثلة يف بنية سلطوية تتسم بالثبات.
تتكشف «أرض السواد» نص روائي كبري ،رغم تناقضاته ،يف مستوى آخر هو :التأويل .يفتح نص منيف أمام
التأويل آفاقا واسعة ،مدلال على ثراء داخلي متعدد االجتاهات ،حتيل عالقاته على الرتاجيديا ،املهزلة ،هشاشة
التاريخ ،األنا واآلخر ،بلغة اليوم ،أو املستعمر واملستعمر ،باللغة الصحيحة ،بنية السلطة التقليدية ،الزمن
الراكد والزمن الديناميكي ،احلقب التارخيية املتناظرة ،اإليديولوجية الشعبية ،الرتاصف االجتماعي يف
جمتمع راكد ،األنساق االجتماعية الثابتة ،املمتدة من عسكري متآمر إىل شاعر يلوك كالمه ورجل فتوى
يلوك شيئا آخر ..يف هذه العالقات مجيعا ،وهي جتلو تاريخ اجتماعية وسياسية ووطنية ،يستبني نص منيف
كتابة روائية طموحة وجتريباً طموحة داخل الكتابة الروائية.
228
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هدى بركات:
من تاريخ متداع إىل تاريخ ال وجود له:
تبدو احلرب ،يف الكتابة وخارجها ،سيدة مرعبة ،يقرتح املواضيع وميلي التصور وحيدد الوطن -املنفى.
فأشباح احلرب قائمة يف روايات «بركات» الثالث ،ماثلة يف شليب -خنثى سوته الكراهية رج” ،ويف عاشق
مؤمن هجره جمتمع فارقته القيم ،ويف جنة األطالل» املستنجدة بتاريخ من غبار.
حمت احلرب من كتابة بركات كل أثر رومانسي حمتمل ،فاألحداث معروفة وال جيهلها أحد ،واحلوار ال
ضرورة له بني متحاربني يغتالون احلوار ،واملكان كله لذوات بشرية ،ظهرت فجأة» غامضة ،حتتاج السري
229
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
والتحليل والتقصي ،ويظل فيها الكثري من اخلفاء .هلذا تسأل «هدی» أكثر مما جتيبا ،راضية بأجزاء احلياة
البسيطة ،اليت هي ليست بسيطة على اإلطالق ،بعد أن أدركت أن احلقائق الكربى ال وجود هلا ،وأن هذه
احلقائق مسكونة باملاء والتعصب.
. 1حجر الضحك :رواية التحول اهلجني:
تسرد «حجر الضحك» سرية التحول اهلجني ،الذي يرد اإلنسان من طبيعة إىل أخرى .تكشف الرواية عن
موضوعها يف استهالل روائي من اثين عشرة صفحة ،ويف ختام باتر من ثالث صفحات وبضعة سطور .واخلتام
الروائي هو الفصل اخلامس واألخري من حكاية مؤسية ،انتهت إىل ما شاءتها احلرب أن تنتهي إليه ،مؤكدة
احلرب سيدة مطاعة والبشر آنية من فخار .تسرد الفصول الثالثة ،القائمة بني اخلتام واالستهالل ،سريورة
التفكك ،اليت متحو إنسانا ،وسريورة التكون ،اليت تستولد من املمحي إنسانة جديدة .تنفتح الرواية على
«خليل» وتنغلق عليه ،تسرد حتوالته ،وتسرد بها وجوه احلرب ،اليت تدفن البشر وتستولدهم .تعني الرواية
حتوالت شخصيتها املركزية ،يف زمن احلرب ،مبستويات ثالثة :مستوى أول قوامه شخصيات غري متساوية،
تضيء الشخصية املركزية يف زمن الرباءة املفرتضة ،وتبين داللتها يف زمن اإلثم والتداعي .يظهر الربيء األنيق
الذي هذبته تربية مدينية متأنية ،إىل أن يسقط برصاصة جاءته من جهة الشرق» .يتلوه «ريفي» مجيل ،تأت
الطبيعة يف خلقه وأغدقت عليه مجاال فريدة يسقط بدوره برصاصة أتت من «غرب املدينة» .توقظ هاتان
الشخصيتان يف «خليل» عواطف متناقضة .إنه جدل احلب والكراهية ،الذي ينتهي إىل كراهية خالصة ،بعد
موت املرجع اجلميل .تطرد احلرب فئة معينة من البشر ،وتستقدم أخرى حتتفي بالقبح والكراهية واللغة
املنتهكة .يتحدد «خليل» باغرتاب مؤقت ،اجتاحه بعد رحيل اجلسد القريب» ،كما لو كان قد فقد جسدا
واستعصى عليه اجلسد الذي يريد ،ويف تعيني القذيفة مرجع للزمن ما يثري الضحك ،ويف تثبيت القصف جدول
زمين ما يبعث على السخرية ،ويف األمرين مع ما يتلف العقل والضحك ،ألن غاية القذيفة أشالء مرتامية .تساقط
«جسد خليل» ،بعد أن ودع «األموات ،وآثر العزلة.
متحو احلرب يف البشر طبائع سابقة ومتلي عليهم طبائع الحقة .غري أن عنف اإلمالء ،جيعل فعل «التطبيع» والدة
قاتلة :ينبثق الوليد من جسد سابق عليه غدا جثة وتأتي «الساقان الطويلتان» إىل الوليد من «أخ» اغتصبت ساقيه.
حتول احلرب املدينة إىل غابة والبشر إىل ذئاب.
يتكشف «خليل» يف رواية هدی بركات شخصية من طبقات متعددة :فهو أوال مثقف ريفي مغلوب على أمره،
ال يطاول غريه حيلة وجتربة ،حتاصره مدينة متوسطية حماربة ،مكتنزة بعادات متعارضة وبأخالط بشرية
ويفروق طبقية ،تضيف إىل عجزه الذاتي عجزا مرتاكمة .يتلو الطبقة األوىل ،اليت تسوي املقهور بغريه من
املقهورين ،طبقة الحقة ،تذيع أحوال «ذكر» مكبوت إىل ختوم املرض ،ففي املدينة رعب حمتجب يهمش
«الغرباء» .يلغي الريفي املغرتب فيه معنى املواطن ،وينفي عنه الكبت صفة الذكورة .يظهر «خليل» ،يف مستوى
أول ،إنسانة مقهورة حترر خطأ ،ويف مستوى ثان ،ذكرا مكبوتة أيقظ العنف غريزته اهلاربة .غري أن هذين
املستويني وجهان خارجيان ملستوى أكثر عمقا وداللة هو :اإلنسان -اخلنثى .حيقق جماز اإلنسان -اخلنثى،
230
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يف رواية «حجر الضحك» ،وظائف ثالث :فهو ،أوالً ،اجملال الداللي الذي يتطور فيه الفعل الروائي ،منتقال من
اخلنوثة العاطلة إىل االغتصاب املخنث كاشفا عن معنى احلرب وطبيعة املادة البشرية اليت أنتجت احلرب
وأعادت احلرب إنتاجها .وهو ،ثانياً ،أداة فنية مطابقة ،تبين زمن احلرب مبا هو زمن مأساوي وساخر يف آن،
ذلك أن من ولد معطوباً يتجاوز ذاته مبا يوطن العطب ويؤمن له الثبات .وهو ثالثا ،البنية الزمنية امللتبسة ،اليت
تفتح احلاضر على غريه من األزمنة ،وتضع يف األزمنة احملتملة عطباً جوهرياً.
يعرب اجملاز الفين ،الذي خلقته هدى بركات ،عن تصور روائي نوعي ،عناصره ثقافة راقية وجترية بعيدة عن
التذهني واجتهاد رهيف يسائل املمكن الروائي ،ويأتي بإجابات فنية ،تسخف التقليدي وتفضح فراغه املتناتج.
تتغلق رواية هدى بركات على فضاء مشبع بالفقد واخلواء .فال شيء يرجى من زمن اغتصب األخالق واللغة
ومتسك جباكيت جلدي» أنيق.
تتضمن «حجر الضحك» خطابني متالزمني متفاوتي احلضور ،يرى احدهما إىل احلرب ووجوهها ،ويتأمل
ثانيهما الكتابة والصمت واألسى ،أي ما يرفض احلرب ويشجب آثارها ،يظهر اخلطاب األول يف سرية اإلنسان
املعوق ،ويتالمح اخلطاب الثاني يف سرية ذاتية مسترتة ،هي سرية األنثى -الراوية ،اليت حتايث «بطلها املبتور،
قبل أن «يهجرها» إىل رجولة قاتلة .حجبت الراوية صوتها يف زمن االتصال وأفصحت عنه حلظة االنفصال األخري.
زاملت الرواية ،منذ البدء« ،شخصاً» تعرفه ،وكشفت عن ذاتها يف حضور متناوب جمزوء ،مطمئنة إىل غبطة
الوصال ،إىل أن داهمها ما ال تريد ،فألقت بالقناع وضاعفت صرخة الكتابة» .غاب خليل ،صار ذكراً
يضحك .وأنا بقيت امرأة تكتب» .تقول الرواية يف النهاية .تفصل النهاية بني الذكر الضاحك واألنثى الكاتبة،
بني احلرب اليت هزمت غريها والكتابة املستقرة يف زمن مفقود ،أو بني الذكر املتحقق يف ضحكة القاتل
واألنثى اخلائبة ،اليت الذت بالكتابة .ذكر يضحك ،وامرأة تكتب» ،يواجه الذكر األنثى ،ويقابل الضحك
الكتابة ،بيد أن رد الكلمات إىل دالالتها يسمح بصيغة أخرى :يواجه االغتصاب السالم ،ويقابل اجلنون
احلكمة ،أو :جيابه االغتصاب اجملنون احلكمة املساملة.
يف «حجر الضحك» ما جيعلها رواية نوعية عن حرب حمددة املكان والزمان ،ورواية آسرة عن الالمعقول يف
األزمنة املريضة.
231
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
واملرض والعذاب والتعاسة» ،وعن «جنون مبارك» ،خيتلط بالتصوف وينفتح على حكمة جديدة .حني يتحدث
العاشق عن ذاته ومعشوقه ،ولعل العاطفة املؤسسة على «جنون مبارك» هي اليت متلي على العاشق أن يقتل
املعشوق ،وأن يقتل معه كابوس الزمن والتحول .يطل العاشق املتحقق من «صخرته العالية على جمتمع قوضته
الكراهية.
يتكشف الفرق بني العشق القاتل والقتل العشوائي يف الفرق بني «املدينة» ،اليت تدور فيها «رعية اهلل احلرة
املختارة» ،و«املستشفى» الذي يقيد» العاشق ويعزله عن غريه .متشي املدينة حرة وتعتقل ما عداها ،فجنونها
املعمم ألفي معنى اجلنون وفرض قانونا» ينكره «اجملنون» ويقبل به نقيضه» .ختطئ املدينة يف التعرف على
أسباب جنون العاشق ،ويزهد األخري بأخته» ويكره كلمة اجملتمع .لكل جنونه ،وإن كان جنون العاشق ال
جنون فيه .يظهر العاشق يف جمتمع الكراهية شواذاً ،ويتعني «خارج» اجملتمع شهيداً حقيقية ،ويتحدد احملارب
-القاعدة بطال ،وشهيداً الشواذ فيه .يفضي العشق إىل القتل ،والعشق القاتل إىل اجلنون ،وجنون العشق القاتل
إىل دروب القديسني ،الذين دفنوا» أجسادهم وآمنوا بدميومة الروح .تبدأ التجربة ،اليت عاشها عاشق رأى بقلبه
غريه ،حبادث ثقيل غري متوقع ،شانه الصدقة» ،وتنتهي مبا ينصر القلب والصدفة الغريبة .يقع من ال اسم له يف
العشق وقتل املعشوق واألسر والعذاب ،ويصل وحيدا إىل «بيت اجلنون» ،ينتظر زيارة أخت عانس ،تكف عن
زيارته الحقا ،يعيش الوحدة والفقد والعذاب ،إىل أن يرى ،بعد املعاناة ،ضوءا ،ميده بروح صافية ال تكره
أحداً.
يعيش أهل اهلوى» عزلة ،هي عزلة احلب والرباءة عن الكراهية والدنس .هلذا يشري القديس إىل ختوم الفكر»
وإىل جمتمع ينكر القديسني وحيجر عليهم .يتكشف معنى احلرب يف عبادة الكراهية ،وتكشف عبادة
الكراهية عن جمتمع حترر من املقدسات ،واسرتاح يف «زمن وثين» أنيق امللبس وحديث األسلحة .حييل التنظيم
اجلمالي على زمنني متداخلني ،أحدهما سائب تدور فيه ذاكرة مرهقة تروي حكاية مليئة بالفجوات ،وثانيهما
زمين تعاقيب يباطن األول ،جيمع نثار الزمن األول ويضع فيه املعنى.
أنتجت هدى بركات يف «أهل اهلوى» مسافة مزدوجة ،تدلل على واقع مريض وبرهن عنه :مسافة أوىل قوامها
سارد ملتاث العقل عهدت إليه الروائية بالكالم نيابة عنها ،ومسافة ثانية ترتمجها لغة جوهرية ،تنقض اللغة
النفعية البسيطة ،وختتزل
املواضيع إىل لغة شديدة الكثافة .كأن السارد ،وهو ينسحب من واقع ينفيه ينسحب من لغة واقعية» ال تقول
شيئا .تبنى بركات ،وهي حتتج على الواقع املريض بلغة ليست منه الرواية على لغة مكتوبة خاصة بها ،تتخلق
وهي تبحث عن املعنى يف واقع افتقد املعنى .نقبت حجر الضحك» عن معنى التاريخ االجتماعي بإحاالت متعددة،
تستدعي املدرسة وتهافت السياسة ورخاوة الثقافة واهلوة بني الريف واملدينة .اكتفت هدى يف روايتها الثانية
بتاريخ ثانوي ،هو تاريخ القيم واإلميان ،كاشفة عن تشاؤم شديد ،ال يطمئن إىل التاريخ ومعناه.
. 3مالحظة عن «حارث املياه» :التشاؤم املكتمل ورخاوة التاريخ:
232
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ساءلت هدى بركات ،يف «حجر الضحك» التاريخ وهي تسائل «مدرسة رمسية» مدثرة بالبالغة والتجهم .ويف
«أهل اهلوى» وضعت اجملتمع املتقاتل يف جماز الكفر واإلميان ،راجعة إىل تاريخ القيم ،الذي حتدد مقوالته،
املرفوضة أو املقبولة ،ارتقاء اجملتمع واحنطاطه .يف عملها الثالث «حارث املياه» ،ابتعدت من جديد عما بدأت
به ،راجعة من تاريخ القيم إىل عامل الفن واجلمال .وما «حارث املياه إال اإلنسان اجلميل الذي يبين ،وهما ،عاملا
مجيال مسورة باخلراب .يبين بيتا يداري به بؤسه وميوت بائساً ،معتقداً أن يف مجال «احلرير» ما يصد عنه
األذى ومينع عنه املوت .ولعل تطاير اليقني هو ما جعل هدى تصل إىل «تاريخ الفن» ،وهو ما دعاها إىل التعامل
مع جماز لطيف رهيف واهن هو :القماش ،الذي ميتع حواس اإلنسان زمنا ،ويسقط يف االضمحالل .رأت هدى
وامللمس واملذاق والرائحة ،وانصاعت إىل فتنة احلرير .كان يف ذهابها رفض للحاضر بركات يف «حارث املياه»
الواقع الدامي وذهبت إىل عامل احلواس ،حيث املنظر وأشياء من الاليقني والضياع ،وكان فيها تنقيب عن
احلرية ،فاحلرية اإلنسانية قائمة يف احلساسية اإلنسانية .من حرب ضارية تقوض مدينة إىل إنسان يلهو
باألقمشة ،إىل حواس ابتعدت عن صاحبها ،حتى بدت مستقلة أو تكاد تصل هدى بركات ،وهي حتاور العني
وامللمس والرائحة إىل ذروة رهافتها ،وتعانق التشاؤم املفتوح أيضا ،ألن كل ما حتاوره مقبل على الزوال.
ربيع جابر :صوت الكتابة وصدر التاريخ
كتب ربيع جابر ،قبل أن يبلغ عشرين عاما ،روايته األوىل« :سيد العتمة» ،كاشفا عن طموح حقيقي برهن
عنه الحقا .ذهب إىل زمن السيطرة العثمانية وإىل بطوالت قاومت ظلمها ،وذهب أكثر إىل فتنة احلكايات،
اليت تضيف إىل بطولة املظلوم املمكنة بطوالت مشتهاة .كأن احلكاية حيز حر سعيد يستضيف فقراء مرهقني
وبطوالت واسعة ،قبل أن تهيل الرتاب على املظلومني وبطوالتهم.
. 1رالف رزق اهلل يف املرأة :تبدد املعنى واللواذ بالكتابة:
يستأنس ربيع جابر ،يف روايته «رالف رزق اهلل يف املرأة» ،- 1997 -بعامل غالب هلسا وبوقائع معيشة .تتكون
الرواية يف جماز الكابوس .فاملكان اخلارجي ،الذي ترتمجه الكلمات ،رثيث قبيح ،تفرتشه جدران متأكلة
وسيارات معطلة .واملكان الداخلي ،الذي ينسحب إليه اإلنسان من شوارع مرهقة ،قبو -خمزن ،كهف ضيق
املساحة مقموع اإلضاءة .وزمن التقوض امتداد ملكانه املوحش ،انسحب من الزمن أو هجره الزمن وانطفأ .صاغ
ربيع جابر ،متوسط مراجع كثرية ،بطال إشكالية ،يعيش واقعا ال يستطيع حتمله وال تغيريه ،ال يتعايش معه
وال يقبل به .يشري البطل ،املوزع على العجز واالحتجاج ،إىل أزمة مزدوجة :جمتمع فقد الوجود السوي واملعايري
املعقولة ،ومثقف فقد القدرة على التعامل مع جمتمع معطوب .تستولد الرواية فضاءها من متواليات تنشر العزلة
والفقد واملعنى املستحيل ،ولعل الفضاء اخلانق الذي هجره املعنى ،هو الذي يضع يف جزء الرواية األول إيقاعا
جنائزياً متصاديا ،يرتدد إحدى عشر مرة" :كان يدعي رالف رزق اهلل" ،معلنا رحيل املعنى مع رحيل «األستاذ
اجلامعي.
ينفتح اجلزء األول من الرواية ،وعنوانه «كان يدعى رالف رزق اهلل» ،على انتحار مثقف توهم ،يف نقائه
املستمر ،املعرفة دربا إىل التحقق ،قبل أن يرى يف اجلامعة والثقافة واجملتمع عبثا خالصة .تبدأ الرواية بانتحار
233
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
غامض األسباب ،وتنتهي بغموض االنتحار ،الذي جيلوه املنتحرون ،دون غريهم .يقف الروائي ،يف اجلزء األول،
على حدث مأساوي «كان» ،وينتقل يف اجلزء الثاني إىل حاضر حموط باالغرتاب.
يبين ربيع جابر إشكال اإلنسان املستلب مبجاز :املرأة ،اليت ترد الوجه الظاهر إىل وجه ال يرى ،وترد الوجهني
إىل مرآة الحقة ،تقف يف نهاية الطريق .وعامل «ربيع» الذي يطارد سراً يف مرايا متوالية ،عامل من املرايا املرعبة،
ميتد من مرآة الصباح اليت تصفع الوجه ،إىل مرآة املصعد العنيد املنفرة ،إىل شرفة متواضعة تبادل فيها أحياء
األحاديث ورحلوا .يصري السر ،بعد تكاثره ،أسراراً جديدة ،ويوطد الاليقني قاعدة مطلقة.
يضيف «ربيع جابر» ،الذي تأمل طبقات اإلنسان املختلفة يف صورة الفوتوغرافية املتتابعة ،إىل مرآة الشاعر
«املخفق» ،مرآة غريبة ال يعوزها االلتباس ،هي :مرآة الدب القطيب .تتكاثر املرايا موطدة معنى الضياع .يساوي
الباحث عن احلقيقة الدب يف وحدته الالمتناهية ،والشاعر الربتغالي الذي عاش يتما جمددا ،وتعكس املرايا
الثالث «البطل اإلشكالي» ،الذي خاصم اجملتمع ومضى .فمن يبحث عن احلقيقة ميوت يف الطريق .يتلو اجلزء
الثاني من الرواية ،وعنوانه "هل نقفز؟ .سألين" ،جزء ثالث صغري .. ....ثم قفز».
ينطوي جماز املرأة على دالالت خمتلفة ،تساوي املرايا املتناثرة على جانيب الطريق .ففي املرأة يرى اإلنسان
صورته ،ويرى يف الصورة املبتذلة لغزاً ،ألنه ال يستطيع اإلمساك بصورته ،كما لو كانت املرآة مبدأ االنفصال
ال يعقل .ولعل لعبة املرأة ،اليت ختتصر معنى احلياة واملوت ،هي اليت تدفع بالروائي إىل العودة إىل لويس
كارول ،الذي كتب «أليس يف بالد العجائب» ،وقصة عنوانها «اجلنب اآلخر من املرأة» .إن سطح املرأة هو
عامل األشياء اخلادع ،الذي يقف وراءه املوت واملعنى معا.
ترى رواية جابر إىل زمن ما بعد احلرب ،قائلة بانتحار القيم وسيطرة اخلراب متكئة على عناصر ثالثة :انتحار
املثقف الذي ال يتعايش مع القيم اخلربة ،التفاصيل اليومية املتواترة اليت تعري واقعة بليدة وتذيع بالدته ،اللواذ
باملعرفة اليت تعني
املغرتب على حتمل واقعة .صاغ ربيع جابر فضاء «اليأس الشجاع» من «أبدال أضاعوا معنى املستقبل بعد أن
أضاعوا معنى احلاضر ،وانسلوا بهدوء إىل مملكة املوت .كل «بديل» يناجي آخر سيلحق به ،أو «بدية ،سبقه
إىل امليناء األخري ،شيء قريب من «هذيان» بيسوا يف رواية «أنطونيو تابوكي»« :هذيان» .مل يذهب ربيع جابر
إىل الشاعر الربتغالي بل التقى به ،حاوره يف أشياء كثرية ،واطمأن إىل فكرة الكتابة ،اليت ختتصر ما جرى
إىل كلمات.
. 2الفراشة الزرقاء :مجالية احلكاية والسخرية من التاريخ:
قاس ربيع جابر يف «رالف رزق اهلل يف املرآة» هشاشة جمتمع ،متوسالً مغرتباً منوذجياً يف فرتة من الزمن قصرية،
وانتهى إىل حديث عن :الفراغ القاتل .حيتفظ الروائي يف «الفراشة الزرقاء» ،وهي تزامن الرواية السابقة-1996-
،مببدأ االغرتاب،
ويالحقه يف فرتة زمنية واسعة ،أكثر من قرن من الزمن ،وخيلص إىل فراغ جديد ،أقل وضوحا وأكثر وجعاً.
تتكئ «الفراشة الزرقاء» على ذاكرة ماكرة ،تتوزع على التذكر والنسيان والبوح الطليق واملعلومات الدقيقة،
234
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وعلى فتنة احلكايات .وضع «ربيع» يف روايته تصوراً روائياً مركباً ،يعطف زمن الفرد الضيق على «زمن
تارخيي» أكثر اتساعاً ،وحيول الزمنني إىل حكايات متفرقة ،تسجل الوقائع وتسخر منها .تتخلق «الفراشة
الزرقاء» يف سريورة كتابة حمددة ،خترتقها مقوالت أربعة ،حتاور الزمن وتغلق احلوار على الفجيعة .الفراشة
الزرقاء» رواية مأخوذة مبعنى الزمن ،كما أراده الوعي الروائي أن يكون سطوة ال بداية هلا وال نهاية ،تقع على
اإلنسان وترتك آثارها على رغبات ال يراهن عليها ،وهي يف مراياها املتعددة صورة عن اإلنسان ،الذي يقوده
الزمن وميكر به .يضع االنزياح اإلنسان داخل نفسه وخارجها :يضعه داخل نفسه وهو يتمنى ويرغب ،ويضعه
خارج نفسه وهو يصل إىل شيء آخر .طال يد املوت العنيف اإلنسان يف كل زمن ومكان .يسرد املوت املهيمن
على وهن اإلنسان وهوانه ،ويسخف كل أثر إنساني ،صاغه مفرد شديد الطموح ،أم مجاعة متعددة
احلكايات .ولن يكون التاريخ ،يف احلالة هذه ،الذي أدرجه الروائي يف نصه جبدية ال تعوزها األحداث املوثقة،
إال مفارقة ساخرة ،ذلك أن املوت املوسع حيول كل ما تبقى إىل أطالل .حيضر التاريخ إىل النص الروائي،
ويسخر النص منه مرتني :مرة أوىل بالتصور الرتاجيدي للعامل ،الذي ينصب املوت حقيقة وحيدة ومرة ثانية
بالتقنية احلكائية اليت تعطف حكاية على أخرى ،ومتحو احلكايات مجيعاً.
يتجلى الفضاء احلكائي مأساوية يف ذاته وساخرا يف تأويله التارخيي :مأساوي در حني خيتصر حكايات
البشر مجيعا ،صغارا كانوا أم كبارة وافدين أم حمليني ،إىل حكاية املوت املنتظر ،مدركا أن يف التكرار
سخرية ،وأن يف التكرار الساخر عبثا وحزنا راسخا يف آن ،وساخر هو حني يؤالف بني مصائر بشر كان يف
حياتهم أكثر من فرق واختالف .تنطلق احلكايات متعددة ،وتنتهي إىل مآل ال تعدد فيه يستقدم التأويل ويطرده
معا .فال تأويل إال باملتعدد ،على خالف ماض متناظر ترسب يف حكاية ممتعة .عرب الروائي عن التأويل الساخر،
الذي ينفي الرتاجيدي احلكائي ،بتقنية مطابقة متعددة العناصر :اختزل احلدث التارخيي إىل تارخيه الرقمي،
إىل تراصف األعداد اليت تعني زمنه ال اكثر.
يوهم ربيع جابر قارئه بالرجوع إىل «التاريخ» ،كي بنزاح عنه مكتفيا ب«التاريخ» الذي ختتصر حكاياته
املتعددة إىل حكاية املوت الوحيدة .لكنه يف انزياحه من «التاريخ» إىل «التأريخ» ،ينتج التأويل الروائي للتاريخ
الذي يتأمل الت اريخ جبدية عالية وإخالص كبري ،ويعثر فيه على السخف والالمعنى كان يف رواية ربيع جابر
ما يقول :إن الزمن احلكائي عن التاريخ هو الزمن التارخيي الوحيد ،الذي تصوغه حكايات مكتوبة وكتابة
تقتات باحلكايات وختلقها يف آن .يف الفراشة الزرقاء» وصل ربيع إىل عمل روائي بهي اإلتقان ،يبين التاريخ
حبكايات منه وحياكمه بعبث ساخر ال يتخفف من األسى.
. 3يوسف اإلجنليزي :كل الطرق تفضي إىل اخليبة:
استأنف ربيع جابر ،بعد ثالث سنوات ،تصوره الروائي السابق ،يف عمل أكثر طموحا وتعقيداً ،هو« :يوسف
اإلجنليزي» .جتلى الطموح يف العمل على إلغاء احلدود بني الوثيقة التارخيية واإلبداع الروائي ،كأن يتحاورا
ويتساكنا وحيتفظ كل منهما باالستقالل الذاتي ،أو مبا يوحي به.
235
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
انتهت جتربة ربيع جابر يف «يوسف اإلجنليزي» إىل نتيجة تثري املساءلة ،عنوانها :اجملازفة املبدعة .ذلك أن الروائي
أقام عالقة غري مسبوقة ،يف الرواية العربية ،بني الرواية والتاريخ ،متحو الفواصل بني الوثائقي واملتخيل ،أو
تكاد .فقد عرفت الرواية مساءلة التاريخ ،دون التقيد مبعطياته الدقيقة ووقائعه احملددة .لكن جابر ،الذي
يتقدم باقرتاح روائي جديد خاص به ،وضع يف النص الروائي نصا تارخيياً مباشراً ،وتطلع إىل نص غري مسبوق
حيتضن النصني املتصلني املنفصلني ،بال تناقض .تتوزع الرواية على أجزاء أربعة عناوينها :اجلبل اللبناني،
بريوت ،لندن ،العامل .تشري العناوين إىل أمكنة خمتلفة األزمنة ،وإىل حركة متحررة متصاعدة ،تبدأ من زمن
فقري مقيد وتنتهي إىل فضاء متحرر األزمنة .وما جيعل األمكنة -األزمنة شخصيات واضحة احلضور هو الفعل
اإلنساني ،الذي يتسع إن حترر زمنه من مكانه ،والذي يضيق إن ساوى فيه الزمان املكان .تبدأ الرواية من
«اجلبل» وتنتهي إىل «العامل» .لكنها ،وهي تنسج يقظة معنى قصدته وصاغت وجوهه ،تعطي «اجلبل» مساحة
تطغى على غريها ،وتعينه حكاية راكدة هائلة ،تتناسل منها حكايات متناظرة ال تنتهي .تفصل «بريوت» بني
زمن «اجلبل» وزمن لندن» ،وحتتفظ بزمن خاص بها ،كما لو كانت نقطة عبور ،مير بها الكولونيل الذاهب
إىل اجلبل ،و«يوسف اإلجنليزي» ،الذاهب إىل لندن» ،إنها طرف يستقبل ،ويرسل ما أرسله غريه إليه ،تنطق
بكلمات غريها ،وتلتمس قوة ال حتسن صياغته ،على خالف «لندن» ،اليت توغل يف اإلرسال وتستقبل ما شاءت
أن تستقبل .بدأ "يوسف" حياته غريبة وانتهى إىل مصري أكثر غربة.
حيقق وصول «يوسف» إىل لندن ،روائيا ،وظائف ثالث :حيول لندن -املكان إىل لندن -الشخصية ،بشوارعها
وأمسائها وعاداتها وبشرها وزمنها التارخيي ،الذي ال يعرفه أهل اجلبل» وال يتعرفون عليه .كأن لندن تعيد
كتابة سرية اجلبل بطريقة أخرى ،مصرحة بعاداته الضيقة وزمنه الفقري .لذا تعمل املدينة ،وهنا الوظيفة
الثانية ،على إعادة خلق الصيب ،الذي وصلها يف الثالثة عشر من عمره ،وغادرها بعد ثالثة عشر عامة .عاش
«يوسف» حياته القصرية مدفوعة بتناقضاته املعقدة ،خياصم منامه يقظته وينكر ماضيه حاضره وخيادع طريقة
املراوغ خطواته القلقة.
شاء «ربيع جابر» ،وهو يبين شخصية تسوطها تناقضاتها ،أن يالمس املغرتب النموذجي ،وأن يوطد مأساة
مستلب أفقه الوحيد هو التفكك .فإذا كان «الغرناطي» هو املغرتب -النمط ،الذي يسري يف درب وينتهي إىل
آخر مل يقصده ،فإن «يوسف» هو الشخص الذي ولد مغرتبة وإذا كان «رالف رزق اهلل» هو املغرتب الذي أرهقته
مدينة ماسخة ،فإن «يوسف» هو املطارد خبصام ثقافتني وزمنني .إنه املغرتب الكلي ،الذي ميكر به الطريق
قبل أن يبدأ املسري ،ويكاثر اخلديعة بعد اخلطوة األوىل .ومع أن يف «يوسف» معطى طبيعية مغرتبة ،بسبب
توزعه على حضارتني ال تأتلفان ،فقد شاء «ربيع» أن يرفع املأساة إىل ختومها األخرية ،حني وضع االغرتاب يف
والدة املغرتب وطفولته ،كما لو كان يقول :إن يف التاريخ اغرتابة منقوصة ،يشوه اإلنسان ويدعه قادرة على
الوقوف ،على خالف االغرتاب الوجودي ،الذي يهدي اإلنسان بوصلة تقوده إىل التيه .و«ربيع» ،يف ما يفعل،
ينجز أطروحة عن هجنة «احلداثة الشرقية ويتمسك بثبات مبنظوره املأساوي للعامل ،الذي يضع املأساة يف وجود
عابث ال يلتفت إىل األزمنة.
236
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
توطد الرواية ،يف ثرائها اجلميل ،مأساة املغرتب ،متوسلة عنصرين ،عنوان أحدهما رمبا« :العقم الرمزي»،
الذي يؤول عالقة املغرتب الشرقي باملدينة األوروبية املنتصرة ،وعنوان ثانيهما« :العودة املخفقة» ،اليت تؤول
معنى «اجلبل»،الذي أصابه الفشل وأخطأ االنتصار .فالشرقي ،الذي تزوج بإجنليزية ،خيرب يف زواجه عن جناح
صريه «إجنليزية كام» ،له عصاه وقبعته وغليونه ولباسه املتمدن.
يعود الصيب املوهوب ،الذي مل يعد صبياً ،إىل «جبله» ،حامال جناحه وعقمه ،أي حامال ال شيء .كأن يف عقم
الرجل قبل رجوعه ،كما بعد الرجوع ،إشارة إىل زمن عقيم صدر عنه ،أو إىل خصب مستحيل تالمح يف زمن
آخر .حيدث العقم املستقر عن بنية تارخيية عقيمة ،ال متس األفراد وال تعرب عنهم ،ألنها بنية متسلطة تصادر
األفراد وال تسمح بفردية مستقلة.
ينتج املعنى الروائي يف «يوسف اإلجنليزي» من تقابل األمكنة -األزمنة ،اليت تنتج بشرة خيتلفون يف املصائر
والوظائف واملؤسسات .ينتصر بشر األزمنة احلداثية مبؤسساتهم ،وتهزم البنية املتخلفة بشرة ال تعوزهم املقدرة.
حيمل «يوسف» ،بهذا
املعنى ،مأساة وجوده األصلي ،ومأساة زمن تارخيي هجنه وتركه عقيمة .غري أن «ربيع» ،الذي خيلط املأساة
بالسخرية ،وضع يف نصه مستوى رابعة ،إىل جانب اجلبل ،لندن ،العامل» ،ينفع به القارئ ويعابثه معا .يتمثل
هذا املستوى بهوامش مرتافدة ،تدقق املعلومات وتوضحها ،وتزود القارئ مبعارف «جماورة» ،ترضي الفضول
وجتعل القراءة أكثر ألفة .يؤكد «ربيع» يف هذه اهلوامش أنه روائي -مؤرخ ،يعطف الوقائع على توارخيها
ويضيء داللة احلوادث واألمساء ،بقدر ما يؤكد حضور الروائي يف نصه متوسط التعليق الساخر ،الذي يفاجئ
القارئ يف إيقاع متناوب.
بين ربيع جابر روايته من نصني منفصلني متصلني ،يسرد أحدهما أشياء من سرية «اجلبل اللبناني» يف القرن
التاسع عشر ،ويسرد ثانيهما سرية مغرتب منوذجي ال شفاء له .أعلن ربيع جابر ،يف «يوسف اإلجنليزي» ،عن
جديده وهو يوسع املادة الروائية توسيعاً غري مسبوق .فهو مل يدرج املعطيات التارخيية يف نصه ،كما يفعل غريه
من الذين حيتفون بقرابة الرواية والتاريخ ،بل أعطى املعلومات التارخيية املباشرة مساحة جتعل منها نصة مستقال
بذاته ،يستقدم السلطة والعائلة واألفراد ومستجدات غريت املكان ومل تغريه .يستطيع القارئ أن يقع على جديد
«ربيع جابر» ،إن تأمل الرواية التارخيية ،اليت حيتفل بها هذا الروائي سلبا .يف «يوسف اإلنكليزي» يصل ربيع
جابر إىل أكثر أعماله طموحا ،وحياور الرواية العربية باقرتاح إبداعي خصيب.
مالحظة أخرية:
يذهب الروائي إىل الوثيقة التارخيية يف منعطفات تارخيية ،تربك الفكر وتقلق النظر .كأن يذهب مجال
الغيطاني إىل الوثيقة بعد هزمية حزيران ،وأن يهجس حيدر بالتوثيق بعد احلرب العربية األهلية يف لبنان ،وأن
يتكئ حممود الورداني على معلومات تارخيية بعد حرب اخلليج الثانية ....لذا يقرأ وعي ربيع جابر الروائي،
لزوما على ضوء احلرب األهلية ،اليت عاشها طفال ويافعا وصبية ،ودفعت به إىل مساءلة معنى الوجود ،يف
التاريخ اللبناني وخارجه.
237
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
238
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
آن :مغلقة ،على مستوى املعنى ،إذ كل تغري يهزمه الثبات ،ومفتوحة على مستوى البنية ،فكل حكاية تسلم
نهايتها إىل حكاية أخرى.
تتفتح «قصر املطر» على مشهد بشري هارب من التاريخ ،تسكنه البنادق والعواطف املتالشية .مشهد ال زمن
له ،لوال بندقية متحو الزمن وهي تشري إليه ،تضع اإلشارة ،اليت تكتب الزمن ومتحوه ،املشهد الدامي يف
الزمن البيولوجي ،الذي ،وقد
اكتفي بدورة حياتية بسيطة ،جيعل «الزمن التارخيي» ال مرئياً.
حتكي الرواية ،ظاهرة ،عن كفاح السوريني ضد السيطرة الفرنسية يف بداية العقد الثاني من القرن العشرين.
لكن هذا «الظاهر» يشكل غالفا ملستوى أكثر عمق هو :السيطرة االستبدادية.
. 1الطبيعة :زمن به ذاكرة وذاكرة خارج الزمن:
الطبيعة ،بضبابها وذئابها وصخورها ،شخصية مسيطرة يف «قصر املطر» .تتجلى الطبيعة ،يف عالقتها بالبشر،
يف أبعاد ثالثة متداخلة :معنى الطبيعة ،املنسوج من وحدة املوت واحلياة ،قانون الطبيعة ،القائل بسيطرة القوي
على الضعيف ،واستقرار الطبيعة ،الذي ميحو الزمن أو يكاد .تبدأ الرواية ،ويف فصوهلا األربعة األوىل ،بأكثر
من موت وأكثر من قتيل ،يستظهر «معنى الطبيعة» يف دورة املوت واجلنس املتواترة ،وتتكشف قوانينها يف
أمثولة تعطف الذئاب على البشر ،وتضع الطرفني فوق مسرح قديم ،متزق فيه األنياب القوية أجساد متداعية.
يف فصل مجيل ،هو األبهى يف رواية بهية ،ويف الفصل الثالثني ،تأتي الرواية ب«أمثولة» ،توحد بني الذئاب
وجنس مستذئب من البشر .ميتزج طقس السلطة اجلديدة بطقس موت قديم ،كما لو كان القتل الضروري
رمحة خترج منه كل سلطة جديدة.
تضيء األمثولة بعدين ،جوهريني ،أحدهما عن وحدة املوت واجلنس ،وثانيهما عن قدم «االخرتاعني اجلليلني».
تبدأ السلطة اجلديدة بالقتل ،وتوطد بدايتها جبماع مبهر» .ويعيد الفصل الثالثون ،الذي تعوي فيه الذئاب يف
ليلة مقمرة ،إضاءة بدايات الرواية .وتعيد «أمثولة الذئاب» انتاج حكاية البشر ،إن مل تكن النموذج اجلوهري،
الذي حياكيه البشر يف أزمنة متطابقة .ويطرح «إنسان الطبيعة» ،الذي يساوي الثور قوة والتيس شهوة ،سؤاال
موضوعه :الذاكرة.
يتسائل الراوي ،وهو يرى إىل اجليش الفرنسي الذي يكتسح بالده« :ما الذي يطمح فيه كل هذا اجليش
الطافح باألسلحة حتى العظام ،يأتي اجلواب ،كان جنرال فرنسي جبار امسه غورو ،يرفس قرباً منسياً يف
دمشق قائال حبقد :ها قد عدنا يا صالح الدين .وهنا يُعلن الفرق بني السؤال احلائر وكلمات اجلنرال املغتبطة،
عن وعي أرض مغلقة مغطاة باالستقرار والزيتون املسكني ،وعن وعي مغاير أقلته سفن حربية من مسافة بعيدة.
تغطي وقائع االحتالل الفرنسي ،كما عاشها جبل العرب السوري يف فرتة حمدودة ،جزءا كبريا من رواية تقع
يف ستمائة صفحة ،حتكي عن استبداد العادة واملوت املأساوي ،تبدأ الرواية بالقتل :أيقظته الطلقات ،وتنتهي
مبا بدأت به او حتى إذا ما غرز خنجره يف أي صدر ،،،يستمر الزمن الراكد طارداً الوقائع التارخيية ،ألن
239
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
من أدمن الركود املتواتر ال يرى إال ما أدمن عليه ،يقف «ابن الطبيعة ،يف عقله الطبيعي» ،أمام «اإلنسان
التارخيي» وال يراه ،ألنه يرى ما استطاع أن يرى ،ال ما جتب رؤيته.
. 2الطاغية :قناع يتلف الوجوه:
تنطوي «قصر املطر» ،يف أزمنتها املختلفة ،على زمنني أساسيني؛ خارجي يسرد ملحمة وطنية ،وآخر حمتجب
يف ثنايا بنية راكدة .تتشخص البنية ،اليت خيالطها املوات ،بسلطة طاغية ،تعلن عن تراتبية صارمة ،توزع
البشر على مراتب متفاوتة ،يقف عليها طاغية له شكل الصنم .يستظهر الزمن احملتجب يف شخصية شاب،
ورث «مشيخة البلدة» من عائلة طاغية ،فباملوت أعلن عن وصوله إىل «املشيخة» ،ورغم حاشية كاسحة وكالب
مسعورة ،فإن القناع السلطوي املتوارث تراجيديا
كاملة .ففي الوقت الذي يقنع فيه حامله باالنتماء إىل أصل ذهيب ،يكون االنتماء نفيه للذاتية والفاء هلا .يتنفس
الطاغية املوت ،ويكون أكثر الناس عبودية .فهو الثابت املتماثل ،األحادي ،املتكلس عرب قناع ال يساوي من
دونه شيئا .يشهد القناع على عبودية الطاغية ،وعلى اختالفه عن البشر.
"كنج" عبد لقناعه ،وعبد الصورة اآلخرين اليت ميليها القناع .تقول الرواية« :يف اليوم اخلامس ملشيخته ،سرقوا
بارودة طالل الراعي .فأقسم كنج ألقرب رجاله ،أنه سيمهل اللص حتى املساء ،ثم سيصنع من جلده طب”،
ويرمي حلمه للكالب .مل يدرك كيف خرجت الكلمات من فمه ،ومن أية بئر عميقة نبش تلك احلروف
املوشاة برائحة الدماء .وكيف ارتسمت صورة االنتقام املربع الذي سيوقعه على رأس سارق البارودة العثمانية
القدمية .تصور السطور القليلة ،وبدقة مدهشة ،عالقة الطاغية بالقناع الذي حيتله .يسجن القناع الطاغية يف
سلطة منتقمة .على « الطاغية أن خينق الناس دون أن مييتهم ،وأن مييتهم دون أن خيسرهم» .ينجذب الطاغية
إىل نقائضه ،يقرتب من حاملي فضيلة العشق ،ويدنو ممن متتعوا برباءة ال تنقضي ،لكنه ،وقد تأله وانصاع
إىل أصداء الغيب ،يذهب إىل نقائضه ،ليختلس منها ما متلكه ،علها ترجع عارية ،كما جيب أن تكون.
ترى «قصر املطر» إىل صفات الطاغية ،فيكون قدرة أو إهلا ،وتنظر إليه يف مساره ،وجييء املسار منتصرة،
يليب رغبات الذئب الذي تأله« :ذلك الرجل الذي يرتبع على عرش املنارة ،يفعل ما يشاء ،يرحل من يشاء ،ويوطن
من يشاء يف أي مكان .ال شيء يثلم املشيئة املقتدرة« ،لكنه سوف يصادف شخصا آخر يذكره بكنج،
ويفاجئه أنه جالس يف األعالي ،حيكم ويسري وحيي ومييت » ..يعطي الطاغية ذاته صفات اآلهلة الوثنية ،وتأتي
خوامته احلقيقية ملبية لصفاته الوهمية .تأتي عائلة «آل الفضل» مرآة أخرى للقاتل املقدس .تنتسج العالقة بني
الطاغية والعائلة املبدعة يف نسق من التعارضات املفتوحة الكراهية /احلب ،القبح /اجلمال ،األنانية /
الكرم ،البطولة /اللواذ ...بيد أنها تكشف كاملة يف التناقض بني املغلق واملفتوح ،إذ األول مرتبط بزمن -
أصل ملتف على ذاته ،وإذ الثاني مندفع إىل نثار من األزمنة.
تصطدم حياة السلطة بسلطة احلياة ،وال يذهب النصر إىل األخرية .يهزم الثابت املتغري ،ويلتهم امليت احلي،
ويدحر املغلق املفتوح ،ويتالشى البيت أمام القلعة املتجهمة" :فمنذ دهور تقف هذه القلعة هنا ،ويرصد هؤالء
املرابعون حركات اآلتني إىل هنا شكاكني ،خائفني من كل إنسان ،ومنذ دهور يطاطئ القادم مرغمة حتت
240
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وطأة النظرات الغاضبة .مم يغضبون؟ ومل يغضبون؟ يف هذه اللحظة شعر باحلزن على نفسه ألنه مل يبق حيا
يرعب كنج يف عليائه ،ويرهب مرابعيه يف كل حلظة ،مثلما أحس يف الوقت ذاته ،بأنه جنا ،ألن صاحب
القلعة ال سلطة له عليه" .ي ؤكد املوت املنتشر يف اهلواء الطاغية مركزة ،يتساوى فيه احلضور والغياب وخالق
لنظام ال حيتاج النظام ،ألن املوت خييم فوق كل شيء .تستدعي شخصية كنج التاريخ وترمي به جانبا ،مبددا
أمام القلعة املتجهمة .فالثابت ال حيتاج التاريخ ،والتاريخ يوازيه وال يلتقي به ،والتاريخ الذي ال تاريخ فيه ،يطلق
النار على كل تاريخ حقيقي.
. 3الفن :زمن مغرتب ال ينتمي إىل أحد:
تبدأ الرواية مبا يوحي بالتاريخ وبإمكانية التعرف عليه ،وتنتهي إىل ما بنقضه يعلن اختالف النهاية عن البداية
أن الرواية مل تلتق بالتاريخ بل بظالله ،وأن ما تراءى زمنا جليال ،هو إىل الكوميديا أقرب .ذلك أن التاريخ،
وباملعنى النبيل ،مرتسب يف هوامش ضيقة هشة القوام.
أزمنة ثالثة بنت «قصر املطر» وتركته شاهقاً وال ينتمي إىل أحد .الزمن األول هو زمن اإلرادة الفرنسية ،اليت
تربط بني البناء احملكم والتنظيم الضروري .زمن جاءت به الضرورة وحتلل بعد انقضائها .والزمن الثاني هو
زمن الرغبة املبدعة ،اليت حيررها الفن وتتحرر بالفن .زمن أماله النزوع إىل احلرية ثم هاجر إىل زمن آخر .ذهب
اإلنسان املبدع إىل موضوعه ،مغمضة عينيه عن الفرنسي والطاغية ،ورأى يف اإلبداع زمنا خالصة مكتفية
بذاته .والزمن الثالث هو زمن السلطة الطاغية ،الذي جعل لقاء الفنان واملستعمر ممكنا ،فلوال احلاشية القاتلة
ملا سقط املبدع يف أيدي احملتل الفرنسي .زمن أعمى يتبدل وال تعود إليه البصرية .أزمنة ثالثة تنصهر يف زمن
غريب ،يتيح املبدع أن يعيش احلرية يف فضاء قامت ،قوامه االستعباد واالستبداد .مع ذلك ،فإن األزمنة املتساندة،
اليت حققت قصراً مجيال باركته غيمة ماطرة ،تظل ،يف النهاية زمناً هجيناً ال ينتمي إىل أحد.
قصر املطر :زمن مغلق ورؤى طليقة:
تنتسج بنية «قصر املطر يف التوتر القائم بني الكتابة وموضوع الكتابة .جمتمع عضوي تراتيب ،فقري يف مكانه
وزمانه ،وفقري يف منظوره إىل العامل أيضا .وهو يف فقره ،الذي ينوس بني املقدس واملدنس ،يفضي إىل حكاية،
تتضاعف يف حكايات أخرى ،دون أن يغادر عناصره البنيوية أبدا .يفرض منظور املقدس واملدنس ،وقد أخذ
شكال ثابتاً ،احملاكاة مبدأ للنظر والسلوك .وتأتي احلكاية لترتجم احملاكاة يف عالقاتها ،حمولة
احلكايات إىل حكاية واحدة .يعكس النسق احلكائي يف جمتمع عضوي تراتيب مغلق بنية اجتماعية شفافة
ال تناقض فيها منتهية ،شكالنية ،إىل تناظر ساكن بني البنية االجتماعية والبنية احلكائية .مل متنع البنية
احلكائية الساكنة املفرتضة عن الرواية حركة باذخة .ويعود إىل مجلة العناصر اإليديولوجية اليت أدرجها
ممدوح عزام يف عمله الروائي ،واليت حتتضن اجلمالي والتحرري واألنثوي واللغوي ..ذلك أنه ،كروائي حقيقي،
مل يعكس اجملتمع العضوي وفقا لتصوراته احملايثة له ،وهي ال تتجاوز الوعي احلكائي واحلكايات املتناظرة،
إمنا كتب اجملتمع العضوي من وجهة نظر مغايرة .مل يكن غريبا ،وقد اصطدم الساكن املغلق بتناقض من
خارجه ،أن تأني السورة احلجارين» من خارج البلدة املشلولة ،وأن تغادر البلدة من جديد ،وأن تنتهي إىل مكان،
241
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ومل يكن غ ريبا أيضا أن تكون العائلة النجيبية نقضا للساكن والعضوي وللشل احلكائي أيضاً ،ومن هذه
العائلة احملددة الزمن واليت ال زمن هلا أيضا ،اشتق عزام عناصر موافقة ،تواجه اجملتمع املغلق ،من حيث هو
عنصر كتابي بني عناصر أخرى وتعيد ترتيب احلكايات املرتاصفة من جديد .تنقض قصر املطر ،زمن
االستبداد بزمن الفن ،دون أن تقع يف التجريد ،ومتاهة الضرورة األخالقية ،يقف خلف هذين الزمنني زمنان
آخران ،ال يستقيمان دون حتديدهما :الساكن واملتغري وأحادي التأويل واملؤول املتعدد .فمع أن الكفاح ضد
الفرنسيني يبدو واقعا موضوعية ،أماله زمن الرواية اخلارجي ،فإنه ،كوقائع أخرى يتعني ،أوالً ،ببعده
اإلشاري ،فهذا الكفاح ،أي ختليق البشر من جديد ،إعالن عن زمن
دنيوي صريح ،حياصر األقنعة ،وعن زمن مضطرب ،يهاجم الزمن الراكد بزمن مغاير غري متوقع.
توطد «قصر املطر» التعارضات اليت تنسجها حبامل فين مدهش ثنائي الوظيفة هو :امليت -احلي ،أو املستنسخ،
ذاك الذي عاش موته يف جسد قضى ،وانتقلت «روحه» إىل جسد جديد ،تهلكه رصاصة جديدة .ميثل امليت -
احلي ،من ناحية ،تقنية فنية مدهشة ،تضع القارئ أمام موت كاألحجية ،وأمام زمن بارد غريب ،يتمازج فيه
اهلذيان واليقظة ،والواقعي والغرائيب ،كما لو كانت التقنية تضع القارئ ،ومنذ البدء ،يف فضاء ال يتوقعه.
ويعرب املستنسخ ،الذي ميوت قتيال ،ويبعث ليقتل من جديد ،عن أزلية املوت املنتصر ،وعن ثبات مروع يف
الوجود ،ال يتزعزع وال يتغري.
تطرح اللغة يف «قصر املطر» سؤال التعرف الروائي على التاريخ .فإذا كان التاريخ يف كتابة االختصاص يقينية
وقائعه ويقينية يف معناه ،فإنه يغدو يف اخلطاب الروائي جمرد احتمال .وتأتي يقينية الكتابة التارخيية ،رمبا،
من سطوة التجريد واالختزال ،اليت ترى إىل مال «الوقائع الكربى» وال ترى البشر ،وحتتفي بالوثائق ،الباردة،
معتربة «األشواق اإلنسانية ،كما ناف؟ ال حيتاجه «احلكم السديد.
تبين رواية ممدوح عزام خطاباً تارخيياً خارجياً ،عناصره االحتالل الفرنسي السورية ومسار طاغية وبيئة
اجتماعية مثقلة بأمساهلا املتعددة .تكتب قصر املطر» عن التاريخ وتلتقي باغرتابه .لكنها وهي تقف أمام التاريخ
املغرتب تفصح عن اغرتاب الرواية والراوي ،مستعيدة أطياف القصر الباذخ الذي مترح يف جنباته الذئاب.
مبثابة ختام
الرواية واعادة كتابة التاريخ
أنتج التاريخ الكوني يف طور منه ،وهو الطور الربجوازي ،جنس أدبية حداثية بدعي :الرواية .ومع أن باختني
التمس جذوراً بعيدة للرواية ،فال وليد بال أسالف جمهولني له ،فإن الرواية مل تصبح ظاهرة كتابية إال يف
األزمنة احلديثة ،ظهرت الرواية العربية يف شرط ال يليب من أغراضها أشياء كثرية ،ولدت معوقة ،تقتات
باملؤجل وتلتمس احلرية يف فضاء مقيد ،فال هي يف اجملتمع الذي حتتاجه وال هي بالشكل الذي ينبغي أن
تكون عليه :رواية معوقة يف جمتمع مقيد ،جاءت احلداثة
إليه ومل يذهب إليها ،فالدولة -القومية احتمال ولغة القراءة املتسائلة مؤجلة الوصول والتجرؤ على اليقني ال
موقع له ،ألن اليقينيات الراكدة تطرد ما عداها .هلذا محلت الرواية العربية شروط والدتها .تأملت الرواية
242
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
الكونية والعربية ،بأشكال غري متكافئة ،اغرتاب اإلنسان عن واقعة واحملت ،بتواتر ال تلعثم فيه ،إىل واقع
مضمر ،يستعيد املغرتب فيه جوهره املفقود .هجا «ميلفل» عقالنية متطرفة ،متزج االكتشاف بالقتل ،تغتصب
يف الطبيعة براءتها وتتجرأ على قوانينها اخلالدة ،وتطلع «سويفت» إىل مدينة فاضلة ،حتتفي بالعدل وحتتقر
الذهب ،وهجس « اكزوبريي» ،وهو يبحر بني النجوم ،بكون محيم ال تلوثه الغرائز املتوحشة.
ومع أن للروائي العربي ،يف بداياته ،قضاياه املختلفة ،فقد هجس بدوره مبعيش قادم خمتلف ،كأن يرى فرح
أنطون إىل مدينة متتهن املال وتبجل احلكمة ،وأن ينظر طه حسني إىل لون من البشر هذبته املعرفة وصقلته
الثقافة ،وأن يطالب عادل
كامل بلغة حتررت من ضيقها ،وبأفكار تتمرد على ثقافة األدعية ولغة احلوائج الفقرية .ومع أن يف اجملتمع
املقيد ما يقع يف الرواية بدائلها القيمة املضمرة ،فقد احتفظت الرواية العربية ،يف مسارها املضطرب الطويل،
مبا حلمت به ،واحتفظت مبا يسأل عن املرغوب ويسائل هزميته ،ولعل هذه اهلزمية ،اليت كلما غفت قليال
هبت أكثر قوة ،هي اليت جعلت الروائي العربي ،باملعنى النبيل للكلمة ،يقتفي ،متأنية ،آثار التاريخ املهزوم.
لن يكون التاريخ يف املنظور الروائي إال الراهن ،طاملا أن معنى التاريخ يف الرواية هو معنى اإلنسان .وتنحل
األزمنة كلها يف راهن معيش ،أفضى إليه ماض ختالطه العتمة ،وينطلق منه مستقبل ضنني الوضوح .هلذا ذهب
حمفوظ يف «رادوبيس» إىل زمن الفراعنة ،ليندد مبلك راهن تركي األصول ،ميجد العبث وميتهن الفضيلة،
وعاد عبد الرمحن منيف إىل عراق القرن التاسع عشر كي يفسر هزمية حاضرة مبعطيات من هزمية ماضية.
يذهب املؤرخ إىل املاضي مكتفية به ،ويصري الروائي املاضي حلظة راهنة ،فال رواية إال بالراهن وال وجود
لروائي ال يبدأ من «اآلن» .يأخذ الروائي بالوثيقة وال يأخذ بها ،ألنه يرى وراء واقع الوثيقة واقعاً مأموالً ،ال
يلتفت إليه
املؤرخ وال حيفل به .ولعل هذه الرغبة املنسرحة ،اليت تنوس بني ماض معتم ومستقبل مل يطرق دروبه أحد ،هي
اليت تستولد الاليقني وترى معنى التاريخ يف التجرؤ على اليقني.
تؤول الرواية التاريخ وترفضه ،وتعطي التأويل الرافض صياغات متعددة .بيد أن حمفوظ ،الذي ختفق يف رواياته
مدينة فاضلة مضمرة ،يواجه الشر السلطوي باليوتوبيا» ،كما فعل يف «احلرافيش» ويف «العائش يف احلقيقة»،
حيث اخلري املهزوم يتحصن بضلوعه ويرفض الرحيل .ال الشر مكتمل النصر وال اخلري مكتمل اهلزمية وأمام
كل سلطة ما يكدر غبطتها ،فبذور احلق متجددة النماء .أما عبد الرمحن منيف ،املختلف إىل مدن جمهولة
ومعروفة ،فقد آثر تفسري وتأويل ورفض التاريخ يف آن ،يفسر ما كشف املعيش اليومي عن بؤسه ،ويرى يف
التاريخ مواجهة بني السلطة والقيم السوية الصامدة ،كما لو كان يرفض يف التاريخ العربي تداعيه السلطوي،
وحيتفظ مبأثور شعيب خلقته قامات جمهولة وكرمية كاخليول .وإذا كان حمفوظ ،الذي يؤرقه النسيان،
يرى القيم الرفيعة مستقرة يف إقليم غائم وبعيد ،تف اجلموع
املضطهدة خطاها إليه ،فإن منيف ،الذي مارس السياسة ونقدها ،يضع القيم يف اإلنسان املتمرد الذي يعيش
«ثورته» ،وال يذهب إىل «ثورة» تنتظره يف خالء نقي مسور باألغاني واألناشيد.
243
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فض ممدوح عزام خواء التاريخ ،واستبقى منه الفن الشاهق الذي مترد عليه ،أما ربيع جابر فريحل «القصر
املنيف ،إىل حقل الكتابة ،إذ الكتابة يف صفحاتها املتواترة قصر غريب ،يقرأ ويتخيل وال يلمس حجارته
أحد ،فالتاريخ حكايات توقظها الكتابة وتعود إىل رقادها الطويل آن انتهاء كتابتها والكتابة فعل مأساوي
ترى ظالل التاريخ يف عابر مغرتب ،قصد هدفا وخادعة الطريق وانتهى إىل موقع مل يرغب به ،يبدأ «ربيع» من
توثيق دقيق يقرتب من الفرادة ،ويكتف معنى التوثيق يف مال إنسان ينتهي إىل املوت ،كان املوت العابث جوهر
التاريخ ،وأن احلكايات املتوالدة آية على موت متنوع ال هرب منه ،ألن احلكاية تستأنف موتها يف سطور
الكتابة املتالشية .التاريخ بقيا من بقايا احلكايات املكتوبة ،أو تذكر مأساوي يشهد على اغرتاب اإلنسان
ورحلته اخلائبة .ونصائح التاريخ ال وجود هلا ،واخليبة املنتظرة بدء احلقيقة ومنتهاها ،والرواية فضاء حزين
يعاند املوت ويستسلم له.
تأملت هدى بركات «التاريخ» ،املتعدد يف عناصره ،وانتهت إىل تاريخ جمزوء متتابع االحنسار ،ناشرة يف فضاء
الكتابة تشاؤماً طليقاً ،يروض وال يروض معا .فقد آمنت ،يف زمن ،بتاريخ تعيد صياغته سياسة جديدة منقطعة
عنه وأدركت ،يف حلظة اإلميان ،أن أحفاد التاريخ املعطوب يتقنون اخلطابة وال حيسنون السياسة ،ويرتمجون
العطب املتوارث بلغة قاتلة .وهلذا ابتعدت عن التاريخ ،الذي تقول به النظريات ،وذهبت إىل أقاليم القيم اجلميلة،
حيث اجلمال غربة والعشق اغرتاب والزمن املرغوب نزيل سجن مسيك اجلدران .ال شيء يرجتي من تاريخ
معطوب وعلى الربيء أن يلتحف برباءته ويصمت ،وعلى الروائي ،الذي فاته التاريخ االجتماعي السوي ،أن
ينتسب إىل تاريخ الكتابة املبدعة .رأت هدى إىل أطياف التاريخ يف أطياف السياسة والذت بتاريخ القيم،
وأبصرت مأساة القيم والذت بعامل الفن ،الذي يسعد الروح وال يقيها الشرور وهدى ،كغريها ،ترصد معنى
التاريخ وتقع يف خوائه ،فتستنجد حبنان األنثى ولوعة «اهلوى» وبهاء األلوان ،على مقربة من روائي سوري فتنته
أطالل قصر مهجور ،ومن كاتب «الفراشة الزرقاء» ،الذي يضع التاريخ كله يف حكايات مجيلة ينتظرها
األفول.
قارن عبد الرمحن منيف بني «زمن حملي» مسكون بالتداعي و«زمن كوني» منتصر بالته ،وخلق ذاكرة
مقاومة ،ال تقول بالنصر لكنها تنهى عن النسيان .وقارن ممدوح عزام بني آلة وافدة منتصرة ،تأتي وتذهب،
واستبداد حملي يتناسل منتصرة .وقارن ربيع جابر بني هيبة الوثيقة وخفة املال ،وبني «زمن حملي» خفيف تهزمه
األزمنة الوافدة .وقاست هدى بركات املسافة بني الزمن املعطى والزمن املرغوب وسقطت يف الفجيعة.
تنتصر األزمنة احمللية املريضة على ما عداها ،ويهزمها «الزمن الكوني» هزمية تستأصل األمل .ولعل الفجيعة
املتجددة هي اليت جتعل الروائي يصرف املؤرخ ويذهب إىل ما وراء معلوماته الباردة ،موحدة بني املعارف
والتأويل ،ومصرحا حبقيقة ال يعرفها املؤرخ ،أو يعرفها وال يتجرأ على البوح بها.
تقول الرواية :كل تأريخ ،شاء أم أبى ،تأريخ سلطوي ،ال ألنه رهني السلطة فقط ،بل ألنه مشغول باملنفعة» ال
باحلقيقة» ،ومشغول أكثر بثنائية فاسدة هي :النصر واهلزمية ،على خالف الروائي املأخوذ بعامل القيم واملدن
الغائبة» ،اليت ترد لإلنسان جوهره املفقود .ويقول األمر الثاني :يكتب الروائي التاريخ الذي ال يكتبه املؤرخ،
244
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أي تاريخ املقموعني واملضطهدين واملهمشني ،ذلك التاريخ املأساوي ،الذي يسقط ،يف النسيان وتتبقى منه آثار
متفرقة ،يبحث عنها الروائي طويال ،ويضعها يف كتب ال ترحب بها «مكتبات الظالم».
الرواية العربية حبث نوعي يف تاريخ هوية مأزومة ،فقدت ما كان عندها ومل تعثر على ما تريد احلصول عليه،
هوية معلقة يف الفراغ ،ترى إىل ماض ال تستطيع العودة إليه وترنو إىل مستقبل تعجز عن الوصول إىل أبوابه،
هوية كاألحجية مؤجلة املوت ومؤجلة التحقق .هذا كله ،يعني الرواية العربية ،باملعنى اإلبداعي للكلمة،
إعادة كتابة للتاريخ السلطوي املكتوب ،أو كتابة أخرى للتاريخ ،تنكرها السلطة وتتطري منها .ففي أرشيف
السلطة» زمن ثابت مغتبط بثباته ،ويف «أرشيف الرواية» أزمنة متعددة ،تسخر من الثبات ولغة اخلطابة وأوهام
النصر واهلزمية.
245
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هذه احلانة مثالً يُحتذى فيما بعد ،حيث أنشأ الواثق بعد ذلك حانتني خاصتني وعهد بإدارتهما لنصراني خبري
بأمور احلانات ،وهذا كله يدل على حياة فنية اجتمع فيها األداء بالكلمة واحلركة والنغمة املوسيقية.
ولو نظرنا ملنظر آخر يدل على شيء من وجود املسرح يف ذلك العصر وهو ،خروج الرشيد واملأمون للصالة يوم
اجلمعة بأعظم مظاهر اخلالفة يف موكب تتقدمه فرقة املشاة والفرقة املوسيقية ،يأتي بعدهم الوزراء ورجاالت
الدولة على خيول مطهمة ثم يهل اخلليفة بعد ذلك يف طليسان أسود على جواد من خرية اجلياد ،فهذا املوكب
يف صميمه عرض مسرح ي ،إضافة إىل أن مراسم استقبال الرسل والسفراء والوفود كان عرضاً مسرحياً
اهلدف منه إظهار القوة والغنا.
كله هذه العروض مل تتوقف منذ أيام العباسيني .ويف مصر الفاطمية واململوكية ظل تيار من العروض التمثيلية
مستمراً وظلت املواكب السلطانية والشعبية قائمة لتسلية الناس وإمتاعهم بأبهة احلكم.
ويف الشوارع ويف حفالت الزواج واخلتان ميثل املمثلون الشعبيون ،ما بني حواة وقرادين ومدربي حيوانات والعيب
االرجواز وفناني خيال الظل ،واملمثلني الشحاذين واملمثلني اجلوالة حيث يقدم اجلميع حياة متثيلية متصلة.
وقد ظلت هذه العروض التمثيلي ة املختلفة موجودة يف القاهرة قروناً طويلة ،ينظر إليها أهل الرأي والفقهاء وبعض
اخللفاء والسالطني على أنها هلوٌ فارغ وأحيان ًا حمرم ،وأحياناً أخرى جتدهم يستمتعون بها.
ولعلنا نقف قليالً مع فن مسرحي عُرف أيام العباسيني وهو مسرح خيال الظل ،وهو ال ينفصل عن املسر ح
املعروف إال أن التمثيل يكون فيه بالواسطة :وذلك عن طريق الصور حيركها الالعبون ويتكلمون ويرقصون
وحياورون ويتعاركون ويتصاحلون نيابة عنها ،فهو فن ميزج بني اجلد واهلزل ويتوسل باملهارة الفنية لبهر
النظارة ،أما أسلوب أداء الفن فهو يقوم على مبدأ التشخيص ،ثم هو فن يتوجه إىل مجاهري من دم وحلم قدموا
لرؤيته ودفعوا ماالً يف سبيل شهوده ،وقد قطع هذا الفن شوطاً طويالً حني انتهى إىل يد الفنان املطبوع والشاعر
املاجن :حممد مجال الدين بن دانيال ،يقول ابن دانيال وهو يصف ما قدمه يف بابة "طيف اخليال" " :صنفت من
بابات اجملون ...ما إذا رمست شخوصه وبويت مقصوصه وخلوت باجلمع ،وجلوت الستارة بالشمع ،رأيته بديع
املثال ،يفوق باحلقيقة ذاك اخليال".
ويف هذا القول جيتمع التطبيق العملي والنظرية الفنية معاً ،وقد أخذ ابن دانيال ما تكون يف حضن املقامة وجل
منها مسرحاً حقيقياً له نظرية واضحة ،وممارسة أوضح.
وهذه بعض األسس النظرية اليت أقام عليها ابن دانيال فنه الظلي:
مسرح شعيب باجلمهور وللجمهور . 1
فن منوع ميزج احلقيقة باخليال . 2
تقديم مادة مسرحية حقيقية . 3
خلق بعض الشخصيات املسرحية الشعبية . 4
امتاع اجلمهور وبهره مبناظر وشخصيات منتقاة. . 5
246
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
كل هذه الشخصيات ينتزعها ابن دانيال من واقع السوق وجيعل هلا وجوداً فنياً على املسرح عن طريق
املقصوصات اليت رمسها على اجللد وإحالتها إىل دمى ذات بعدين حيركها الالعب املؤدي من وراء الستار ،ثم
يُنشيء هلا ابن دانيال حياة مؤقتة تعرض أثناءها مهاراتها يف األداء وتعرض أيضاً حاهلا.
إن نظرة ابن دانيال إىل فنه ،وهي نظرة جادة من وراء اهلزل ،جتعله يُضفي على مقصوصاته هذه احلياة اإلضافية
اليت تضيف إىل الدمى بعداً ثالثاً وتكاد جتعله شخصيات حقيقية تتحرك على املسرح ،وقد ذكرت كتب
التاريخ أن البابات الثالث" :طيف اخليال" و "عجيب وغريب" و "املتيم الضائع اليتيم" قد كان مقصوداً بها أن
تُعرض تباعاً يف ثالث ليال متوالية ،وهذا تقليد مسرحي معروف يف العصور الوسطى.
وأهمية البابات الثالث البن دانيال أنها استقطبت ما يف املقامات من إمكانات الدراما وأنها أقامت يف مصر
مسرحاً حقيقياً ،وأن املصريني عرفوا عن طريق خيال الظل لقرون متوالية عادة الذهاب إىل املسرح ،مما جيعل
من ذلك أن مصر مهيئة أكثر من غريها لتقبل فكرة املسرح ،وقد امتد أثر خيال الظل إىل تركيا ،ومن
تركيا امتد إىل البالد العربية ،مثل سوريا اليت محلت إىل عرب فنانيها إىل مصر فن القراقوز ،ومن جهة أخرى
فقد ترك خيال الظل بعضاً من األثر يف األرجوز وذلك حني أخذ جنم خيال الظل يف األفول.
املسرح الشعيب البشري:
تُرد أقدم إشارة إىل وجود فن مسرحي عربي يف مصر وذلك يف كتاب الرحالة كارستني نيبور حيث أشار إىل
عروض الشوارع وفن الغوازي الذين يعملن بأجر ،حيث تتألف الفرقة من راقصات ينتمني للغجر يرقصن
مبصاحبة املوسيقى يف األفراح ،ثم ذكر االرجواز وخيال الظل وقال انهما منتشران يف أرجاء القاهرة ،وذكر
فن احلواة ،وذكر من يستخدمون احليوان إلمتاع متفرجيهم وأوهلم القراد ،ثم ذكر املسرح حيث يقول :أنه
وجد يف القاهرة عدد من املمثلني الذين ميثلون أينما يدعون لقاء أجر قليل ،وبعد مخسة وثالثني عاماً يصل إىل
مصر سائح آخر هو اإليطالي بلزوني ،حيث شاهد مسرحيتني قدمتهما فرقة شعبية مصرية يف حفل أقيم يف
شربا عام ، 1815وبعد هذا خبمسة عشر عاماً شاهد "لني" يف احملبظني يف إحدى احلفالت اليت أقامها حممد
علي ملناسبة ختان واحد من أجناله ،وقد وصف لني عرض املسرحية مما يوحي بأنها كانت على درجة ال بأس
بها من التقدم الفين.
والذي يتضح مما تقدم أن هناك طوال القرن التاسع عشر دراما حملية متاماً خالية من املؤثرات األجنبية.
ولو ختيلنا دار كربى يعمل عليها القراد واحلاوي ومسرح خيال الظل ومسرح االرجواز واحملبظون الستطعنا أن
حنيط بالطاقة التمثيلية الكربى اليت متتع بها أهل بلدنا قروناً طويلة قبل أن يفد املسرح الغربي إلينا ،مما يدل
على وجود دراما عرفتها األقطار العربية يف مصر والشمال األفريقي قبل وفود املسرح الغربي ،فسوق جامع
الفناء مب راكش ،ومسرح احللقة ،ومسرح البساط حتكي بذلك ،وباألخص مسرح البساط حيث كان امللوك
حييطون أصحابه حبفاوة ،وقد بلغ من االحتفاء بهذا اللون أن أقيمت له املهرجانات ،وكثرياً ما كان املمثلون
يبثون شكواهم من خالل هذا اللون من الفن ،حيث كان مسرحاً انتقادياً إىل جوار أنه ترفيهي ،وقد كان
247
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املثل يلبس على وجهه قناعاً ليتمكن من التلفظ مبا شاء من الفكاهات دون خجل من السلطان ،وقد تعددت
ألوان عروض مسرح البساط ولكن من املمكن إمجاهلا فيما يلي:
الرقصات اإلقليمية اليت تؤديها بعض اجملموعات . 1
أناشيد ورقصات الطوائف الدينية . 2
ما يؤدى حول األغاني والرقصات من أحلان ومواويل تؤديها اليهوديات. . 3
التمثيل اهلزلي االنتقادي . 4
مسرح السفهاء . 5
مسرح الصناع وأصحاب املهن . 6
املسرح اخلاص بالنساء . 7
سلطان الطلبة :وهي ظاهرة مسرحية بدأت أيام السلطان موالي رشيد ،حيث سانده الطلبة يف . 8
حروبه مع أخيه ،وكنوع من املكافأة نظم امللك نزهة للطلبة على ضفاف وادي فاس يزور فيها امللك
الطلبة ويقدم هلم اهلدايا ويستمر احلفل اسبوعاً .وأصبحت مع الزمن تقليداً حتى اليوم.
ومل مينع الناس يف تلك األيام ،وال يف األيام اليت تلتها حتى ظهور املسرح العربي املكتوب يف أواسط القرن
التاسع عشر من النظر إىل كل هذه األلوان الفنية على أنها من فنون العرض املسرحي إال أمران:
أن العرب األقدمني مل يقرأوا نصوصاً مسرحية قط فكان املسرح كفكرة وفن غري وارد عليهم
أن العرب كانوا ميارسون املسرح دون أن يعرفوا أنه مسرح ،إال أن العقلية العربية الرمسية اختذت موقفاً من
املسرج مزدوجاً فهي ترفضه من حيث املبدأ وتقبله من حيث التطبيق.
يقول املستشرق الفرنسي جاك بريك" :أن يبحث عن فنون املسرح العربية يف احتفاالت الفاطميني وألعاب املماليك
الفروسية ،ويف بعض طقوس اجلمعيات الصوفية".
ولقد مجع املغرب حلقات ألف ليلة وفصول خيال الظل ،ومسرح التعزية ،وخلق منها تركيباً خاصاً به ،فإذا
أضفنا هلذا ما جنده يف تونس واجلزائر من إقامة ألعاب الدمى املتحركة الصقلية يف األحياء الشعبية طول أيام
شهر رمضان لتمثيل حروب املسلمني ضد املسيحيني فقد نعثر بهذا على فكرة عربية عن املسرح تنقل احلياة
إىل املسرح دون نص مكتوب.
القسم الثاني :املسرح يف املشرق:
املسرح يف مصر:
إذا قلنا أن املسرح العربي ولد يوم أن أخرج مارون النقاش مسرحية "البخيل" عام 1847فإن هذا امليالد يعترب
مؤقتاً وحماكاة فنية رآها املثقفون العرب يف بالد أوروبا ،ورواد املسرح العربي مارون النقاش وأمحد خليل
القباني ويعقوب صنوع كانوا يف وضع ال يسمح هلم بالتعمق يف الرتاث ووسائل استخدامه يف مسارحهم الناشئة،
وقد سيطر عليهم أن الفن الذي يقدمونه وينقلونه إىل بالدهم هو الشكل املسرحي الوحيد الذي عرفته
البشرية ،حيث مل يدر يف خلدهم أن هناك شكالً آخر للمسرح غري الشكل الغربي ميكن هلم أن يستخدموه،
248
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
غري أن مارون النقاش ملا رأى عدم ميل أبناء وطنه إىل هذا الفن املفيد زاده فكاهة فجعل يف الرواية الواحدة
شعراً ونثراً وأنغاماً ،وقد استخدم مأثور الشعب من القصص وأفاد من ظاهرة حب الناس للشعر مروياً ومغنى
فأدخل هذين العنصرين يف مسرحياته.
أما خليل القباني فلم يعتمد النص األدبي يف مسرحياته بل التفت إلتفاتاً أكرب إىل عناصر الغناء واإلنشاد
والرقص ،حيث جعل هذه العناصر املربر األول لقيام املسرحية ،.كما اعتمد القباني اعتماداً واضحاً على
القصص الشعبية اليت كان قصاص املقاهي يقصونها على روادهم ،ويرى طليمات أن الفن الذي جاء به القباني
أضعف صياغة منه عند النقاش ،وقد سعى القباني إىل تغطية ضعف البناء املسرحي عنده باملوسيقى واإلنشاد
والرقص.
أما الرائد الثالث وهو يعقوب صنوع الذي اشرتك يف مسرحيات فرقتني أوروبيتني فرنسية وإيطالية زارتا مصر
عام ،1870وعل ى إثرها كون صنوع فرقته املسرحية وألف هلا قطعة مسرحية غنائية أقحم فيها بعض األغاني
الشعبية الشائعة ،ثم مضى يف التأليف والتدريب والعرض واإلخراج واإلدارة إىل أن بلغت مسرحياته اثنتني
وثالثني مسرحية ،يسري فيها األثر األوروبي واألثر الشعيب جنباً إىل جنب ،وقد استخدم صنوع كل حيلة فنية
وقعت له ال ستنباط الضحك يف مسرحه ،وخبتام يعقوب صنوع ألعماله قد اكتمل للمسرح العربي اجمللوب
األمناط الثالثة اليت ظل يصب فيها أعماله من منتصف القرن املاضي حتى اآلن ،وقد ظل املسرح العربي يقدم
هذه األمناط الثالثة ،مقتبسة أو مؤلفة تأليفاً متهافتاً ،حتى ظهر املؤلف احمللي.
سبق ظهور الكاتب احمللي يف مصر إرهاصات عملت على ظهوره ففي ميدان التأليف خرجت للناس يف عام
1894م أول مسرحية مصرية تتخذ شكل امليلودراما االجتماعية والت يكان امسها "صدق اإلخاء" ،ثم تواىل
ظهور املسرحيات االجتماعية يف مصر ،فقدم فرح أنطون مسرحيته املعروفة" :مصر اجلديدة ومصر القدمية"
عام 1913م ،ثم ما لبث الكاتب املسرحي املصري اخلالص أن ظهر يف شخص إبراهيم رمزي حيث كتب
عدداً من املسرحيات التارخيية واالجتماعي والغنائية أهمها" :احلاكم بأمر اهلل" و "أبطال املنصورة" وغريها،
ويواكب إبراهيم رمزي يف الفرتة نفسها مؤلف آخر هو حممد تيمور ،الذي أخرج مسرحية "العصفور يف القفص
1918م ،و "اهلاوية" 1921م ،وهي مسرحيات ذات أسس أجنبية أجاد حممد تيمور متصريها ،يظهر بعد ذلك
مؤلف مصري ثالث كان له شأنٌ كبري يف دعم احلركة املسرحية يف مصر وهو توفيق احلكيم الذي أخرج
أوىل مسرحياته عام 1919م وكانت باسم "الضيف الثقيل" ،أما اول مسرحية كاملة له فهي "املرأة اجلديدة".
أما يف ميدان املسرح الغنائي فقد كان رائده الشيخ سالمة حجازي حيث شعر باحلاجة إىل وجود املسرحية
الغنائية املصرية ،فكانت النتيجة ظهور أول حماولة لتأليف املسرحية املصرية ،وأن ظهرت يف شكل بدائي،
وهي مسرحية "صدق اإلخاء" ،وقد بذل سالمة حجازي جهداً خاصاً يف حقل تطوير الغناء ،وزاد من أثر فنه يف
اجلمهور أن هذا الفن وصل إىل قطاعات من الناس مل تكن الظروف االجتماعية السائدة تسمح هلا بغشيان
املسارح مثل السيدات واآلنسات حيث مسعوا ذلك الفن على أسطوانات الفنوغراف ،وحني تويف سالمة حجازي
كان جنم فنان من فناني املسرح الغنائي قد بزغ وهو سيد درويش الذي اجتمعت عدة مواهب ،وقد اشرتك يف
249
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
بداية حياته مع فرقة شعبية جوالة للتمثيل الكوميدي هي فرقة جورج دخول ،ثم اشرتك مع فرقة عطااهلل يف
رحلتني إىل الشام ،وقد زاد من قيمة سيد درويش أنه عايش العملية املسرحية يف مجيع مراحلها.
إىل جانب ظهور املؤلف احمللي يف املسرح املصري وامللحن املسرحي ظهر أيضاً املمثل املدرب باألسلوب العلمي،
وذلك يف شخص جورج أبيض ،حيث قضى ست سنوات يف التتلمذ على يدي ممثل فرنسي مرموق امسه سيلفان
ثم عاد إىل الوطن ليكون أول ممثل وطين أصولي ،وقد ألف جورج أبيض فرقاً خمتلفة ودخل يف فرقة مشرتكة
بينه وبني سالمة حجازي ،فاستطاع بنشاطه الفين أن جيتذب إليه نفوساً فنية حية متوثبة ،وهكذا ارتفع مقام
املمثل والنص املسرحي معاً على يد جورج أبيض.
ثم استكمل املسرح العربي يف مصر أنواع أطقمه الفنية حني أخذ الفنان عزيز عيد يُبدي اهتماماً كبرياً بفن
اإلخراج ،وقد عمل عزيز عيد ممثالً وخمرجاً فرتة من الزمن ،وقد عمل مع سيد درويش يف اثناء إخراج أوبريت
شهرزاد .ثم ظهرت يف عام 1923م أول فرقة مسرحية مصرية نظامية ــ فرقة رمسيس ــ هلا طاقم فين متحمس
ومتحد على رأسه خمرج متمرس هو عزيز عيد ،وقد اجتذبت الفرقة أنظار اجلمهور العريض واملثقفني معاً،
وقد التف حول الفرقة اجلديدة نفر من أمل املثقفني املصريني يتابعون أعماهلا وينقدونها من أمثال الدكتور طه
حسني والدكتور حممد حسني هيكل والعقاد واملازني وحممد التابعي ،وقد تباينت اآلراء يف فرقة رمسيس،
وقد كانت اخلطوة التالية لظهور املؤلف واملخرج والفرقة النظامية ،إنشاء معهد الفنون املسرحية الذي ظهر
إىل الوجود عام 1931م حتقيقاً القرتاح زكي طليمات وقد ألغي بعد موسم دراسي واحد ،ثم عاد إىل الوجود
عام 1944م باسم املعهد العالي لفن التمثيل العربي ،وقبل عودة املعهد بتسع سنوات قامت الفرقة القومية للتمثيل
اليت كونتها الدولة بإشراف مباشر هلا يف عام 1935م ،وقد قدمت الفرقة يف مومسها األول مسرحية "أهل
الكهف" لتوفيق احلكيم ،و "تاجر البندقية" لشكس بري ،ويف املوسم الثاني للمسرحية قدمت الفرقة
مسرحيتني مصريتني ،أما يف املوسم الثالث فقد قدمت الفرقة "سر املنتحرة" و "العواطف" و "إمساعيل الفاتح"
وكلها من ذوات الفصل الواحد ،ويف عام 1442صدر قرار حبل الفرقة القومية ،وقد قامت مكانها فرقة
أخرى مسيت "الفرقة املصرية للتمثيل واملوسيقى" ،وقد أدخلت هذه الفرقة املسرحيات املكتوبة باللغة الدارجة
ضمن براجمها كما أدخلت األوبريت ضمن الربنامج أيضاً ،ويف أول موسم هلا قدمت أوبريت شهرزاد ،ويف
املوسم الثاني قدمت مسرحية "قيس وليلى" للشاعر عزيز أباظة ،والواقع أن قضية املسرح الشعري ال تكسب
شيئاً ذا بال على يد عزيز أباظة فإنه حيمل يف مسرحياته النقص ذاته الذي شاب مسرحيات شوقي ،وقد كتب
حممود تيمور مسرحية صقر قريش اليت بُنيت على بطلها الفرد الذي قُدِّم لنا إنساناً طموح ًا غاية يف الطموح،
وقد بذل حممود تيمور يف هذه املسرحية جهدًا لكي يضمن هلا أن تشد اهتمام املتفرجني ،فاستخدم فيها عدة
أساليب منها أسلوب احلادثة اليت تتعلق بها األنفاس ،كما جلأ تيمور إىل بعض الشخصيات الطريفة اليت بثها
يف املسرحية لكي تضفي عليها جواً من املتعة ،ظلت الفرقة تقدم مسرحيات عزيز أباظة الشعرية إىل جوار
مسرحيات حممود تيمور وعلي أمحد باكثري ،ومقتبسات متفاوتة القيمة من مسارح الغرب.
250
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وملا قامت ثورة 1952م جاءت مبناخ مسرحي ممتاز ،وقد كان من حسن حظ املسرح يف مصر أن ميدانه كان
خالياً متاماً حني قامت الثورة ،فلما التفت نفر من الشباب الذي آمن بالثورة والثقافة الثورية ،ووضعوا عواطفهم
وأحالمهم وأرواحهم وعقولة يف خدمة املسرح املصري ،أخذت تظهر إىل الوجود العالمات املبشرة اليت ال ختطيء
واليت تشري إىل بدء قيام مسرح عظيم ،فبعد الثورة أخذ كتاب املسرح يظهرون ،كنعمان عاشور حيث قُدمت
له مسرحية "املغماطيس" على مسرح األوبرا عام 1955م ،ثم تلتها أعمال نعمان عاشور األخر مثل "الناس اللي
حتت" و "الناس اللي فوق" وغريها ،وظهر إىل جوار تعمان عاشور كاتب آخر هو يوسف أدريس جاء بعده
الفريد فرج ،ثم ظهر بعد ذلك لطفي اخلولي مبسرحية "قهوة امللوك" ،كما تقدم سع الدين وهبة مبسرحية
"احملروسة" ،وهكذا ظل املسرح القومي يقدم كاتباً جديداً وأحياناً كاتبني يف كل موسم ،وقد ظهر هؤالء
الكتاب يف ظل الثورة ،غري ان الثورة مل تفعل هذا وحسب ،بل أخذت تنشئ األجهزة الثقافية اليت تعني على
حسن إخراج هذه األعمال ،ومن تلك األجهزة وزارة كاملة للفنون باسم "وزارة اإلرشاد القومي" ،وبدورها أنشئت
الوزارة جهازاً فنياً وإدارياً خاص بذلك أمسته مصلحة الفنون ،ثم أنشأت الوزارة الفرقة القومية للفنون الشعبية،
واهتمت بتوسيع جمال انتشار الفنون ،وأوفدت البعثات إىل عواصم العامل املسرحية ،بعدها وفد املبتعثون
حاملني مكتسباتهم الفنية معهم ،هذه النهضة جعلت القاهرة مركز إشعاع امتد نوره إىل سائر العواصم
العربية ،وقد كان حصاد فكر الثورة يف حقل املسرح أن نضجت املسرحية االجتماعية النقدية على يدي نعمان
عاشور ،وظهرت املسرحيات الشعرية السياسية ،وثنائية احلسني ومأساة احلالج لصالح عبد الصبور ،وظهرت
املسرحيات التعليمية ،واملسرحيات اليت تبشر بالثورة الشاملة ،وملا رأى يوسف ادريس أن املسرح يعتمد الصبغة
الغربية كتب مسرحيته الفاتنة "الفرافري" مستوحيها من الرتلث ،ودعا توفيق احلكيم إىل استخدام طريقة
املسرح الشعيب القائمة على التقليد ،وقد انقسم اإلنتاج املسرحي إىل ثالثة أقسام:
قسم قدم املسرحية االجتماعية النقدية . 1
وقسم قدم املسرحية الرتاثية . 2
وقسم ثالث قدم املسرحية الرتاثية . 3
وقد كان بعض املسرحيات شعرياً (للشرقاوي وعبدالصبور) والبعض اآلخر كان نثرياً ،وقد كانت مسرحية
"عيلة الدوغري" متام ما وصل إليه الك اتب العربي يف اإلفادة من الصيغة الغربية للمسرح ،وحتميلها مضامني
وشخصيات حملية ،أما املسرحية اليت تعتمد على األشكال الرتاثية يف املسرح العربي ،فإن مسرحية يوسف
إدريس الفاتنة "الفرافري" متثل أكثر اشكاهلا نضجاً يف مصر ،وقصد بها أن تتناول حياتنا باألسلوب املسرحي
الشعيب ،وأول ما فعله الكاتب هو خلقه لشخصية الفرفور يف املسرحية ،ويضفي عليه مسات الكوميديا
الشعبية ،فالفرافري متثل أحسن وأصدق حماولة لالقرتاب من تقاليد الكوميديا الشعبية ،وإىل جانب الفرافري
قام كتاب آخرون باستغالل مضامني احلكايات الشعبية يف الدعوة إىل آرائهم وعلى رأسهم الفريد فرج الذي
قدم مسرحييت" :حالق بغداد" و "علي جناح الدين التربيزي وتابعه قفة" ،واستغل شوقي عبد احلكيم حكاية
فولكلورية امسها" :شفيقة ومتولي" ،وصب جنيب سرور قصة شعبية أخرى هي" :يسني وبهية" ،وكتب حممود
251
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
دياب مسرحية أخاذة عن ريف مصر مساها" :ليالي احلصاد" ،وضمن رشاد رشدي مسرحيته "اتفرج يا سالم"
ألواناً من الفنون الشعبية ،كما أخرج املسرح القومي عام 1957م مسرحية الصفقة لتوفيق احلكيم.
أما املسرحية السياسية فقد تناوهلا كثري من كتاب املسرح يف مصر ،وأبرز من كتبها سعد الدين وهبة،
كما كتب املسرحية السيا سية أيضاً وبامتياز الفريد فرج وأبرز أعماله يف ذلك مسرحية "سليمان احلليب،
كما كتب علي سامل املسرحية السياسية بطريقة أخرى ،حيث اختذ مادته من األسطورة ومن األسطورة
اليونانية اخلالدة "أوديب" على وجه اخلصوص .ومن القصص القديم اختار علي أمحد باكثري موضوعاً
ملسرحيته" :هاروت وماروت" وهي من أواخر ما كتب للمسرح ،وموضوع املسرحية هو سعي اإلنسان الدائم إىل
أن يسيطر على الطبيعة ،وأن حيرر نفسه من إسار احلياة على األرض ،وقد أدخل باكثري فكرة اإلنسان
املتطور الذي سوف يتغلب يوماً على شرور نفسه ،واملسرحية تقارن بني املالئكة واإلنسان فرتجح كفة اإلنسان،
ومسرحية "هاروت وماروت" مسرحية دينية سياسية ،وبطريقة أخرى حلق حممود دياب يف أجواء الفانتازيا،
وداس يف يقني أرض الواقع يف مسرحية بالغة العمق ،مفرطة يف الرقة حادة يف الذكاء هي مسرحية
"باب الفتوح" ،وهي احتجاج على التاريخ الذي كتبه مؤرخو امللوك والسالطني ،كما كتب ميخائيل رومان
مسرحيات سياسية واجتماعية كثرية منها" :الوافد" و "الدخان" وغريها ،وتعترب مسرحية "شقة لإلجيار" أول
مسرحية مصرية تعاجل موضوع الثورة الشاملة وضرورتها.
وقد بدأت املسرحية الشعرية حني أخرج أمحد شوقي مسرحياته السبع اليت أحدثت ضجة كربى يف حينها،
واعتربت فتحاً كبرياً يف املسرح ،غري أن شوقي يف ست مسرحيات من هذه املسرحيات السبع كان شاعراً
غنائياً أكثر منه شاعراً درامياً ،وقد أخذ موضوعات مسرحياته من التاريخ ،لذلك حظيت بنجاحٍ كبري ،أما
املسرحية الوحيدة اليت جنحت درامياً فهي مسرحية "الست هدى" ،ويف األربعينات أخذ عبد الرمحن الشرقاوي
خيرج للناس شعره احلديث متحرراً من العمود والقافية ،فأخرج قصيدته "من أب مصري إىل الرئيس ترومان"
فكانت أول تدريب على الكتابة الشعرية للمسرح ،وملا قامت اللحظة املسرحية يف مصر كان طبيعياً أن يتوجه
ــ مجيعها سياسية ــ يف القالب الشرقاوي بشعره إىل املسرح ،ومن ثم كتب مسرحياته كلها
الشعري ،وقد أفلح الشرقاوي يف مسرحياته وبدرجات متفاوتة فخلق الشعر الدرامي ،ولكنه مل يستطع أن
خيلق به شخصيات حية كاملة االستدارة ،أما امليالد احلقيقي للمسرح الشعري فإنا جنده يف أعمال صالح
عبدالصبور مثل" :مأساة احلالج" و "مسافر ليل" و "وليلى واجملنون" و "األمرية تنتظر" و "بعد أن ميوت امللك".
لقد ظل املسرح املصري مزدهراً حتى أواسط الستينات ،بفضل املناخ الثقايف الذي خلقته الثورة ،وبفضل ما
هيأته ،وبفض ل ذلك النفر الكثري من الكتاب والفنانني الشباب ،غري أن املسرح الذي رعته الدولة واجه
صعوبات أوهلا موقف املتاجرين باملسرح ،حيث اجتمعوا وجتار الفكر التقدمي يف عصبة واحدة متخذة موقفاً
معادياً من املسرح التقدمي اجلاد واتهموه بشتى التهم مما أغرا احلكومة به فشددت قبضتها عام 1965ــ
1966م على املسرح واملسرحيات وخاصة بعد أن ظهرت مسرحيات تقف موقف الناقد من أعمال الدولة ،ويف
ظل هذه احلرب بني مسارح وزارة الثقافة ومسارح التلفزيون خسر الفن املسرحي كثرياًً.
252
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املسرح يف سوريا:
ذكر الباحث عدنان بن ذريل يف كتابه املسرح السوري منذ خليل القباني إىل اليوم أنه كانت مثة فنون شعبية
مسرحية يف سوريا تقدم فن القراقوز يف املقاهي مع شيء من رقص السماح ،كم أورد أنه كان يف دمشق قبل
االنتداب وبعده مقاه للحكواتي وأخرى للقراقوز ،وثالثة للصراع ،ورابعة للسيف والرتس ،وخامسة للرقص،
وإىل جانب القراق وز كان الفنانون الشعبيون من أمثال جورج دخول يشاركون يف عروض مسرحية منوعة يف
املقاهي واملسارح ،كما ك ان إىل جانب دخول فنان شعيب آخر امسه مجيل األورغلي وشهرته "كامل
األوصاف" ،وإىل جانب ذلك كله كانت هناك الفرق الرتكية اليت كانت تزور سوريا بني احلني واحلني،
وطوال استعراضه للنشاط املسرحي الذي ساد سوريا بعد القباني ال يكف األستاذ عدنان عن ذكر اهلوة اليت
تفصل بني جهود املسرح اجلاد وجهود املسرح التجاري ،كما ذكر الدكتور أمحد سليمان األمحد كثري من
املسرحيات اليت ألفت يف هذه الفرتة ومل تعرف طريقها إىل املسرح ،ويبقى هذا هو حال املسرح السوري حتى
الستينات ،أما نهضة املسرح يف سورية فقد جاءت ــ كما يقول الكاتب رياض عصمت ــ على يد كل من :رفيق
الصبان وشريف خزندار اللذان عادا إىل سوريا من فرنسا بعد أن تدربا هناك ،ومل تلبث الدولة أن تقدمت
ملساعدة هذا الطاقم الفين الصغري ،فأسست فرقة املسرح القومي عام 1959م ،وقد انظم إىل هذه الفرقة
جمموعة ممن يهتمون باملسرح فكونوا طاقماً فنياً أصبح ينتظر املؤلف احمللي الواعي ،وقد كان هذا املؤلف
متمثالً يف سعداهلل ونوس الذي تقدم عام 1967م مبسرحية" :حفلة مسر من أجل 5حزيران" ،كما أخرج كذلك
يف عام 1978م مسرحيته الفاتنة" :امللك هو امللك" وفيها استخدم بلباقة فنية كبرية إحدى حكايات ألف ليلة
وليلة ،فنجح أن يوظف فيها أفكاره القدمية توظيفاً عضوياً مجيالً ،ومن كتاب املسرح اجلديرين باالعتبار:
مصطفى احلالج الذي كتب عدة مسرحيات ،ويلفت النظر بني الكتاب الشباب يف املسرح السوري مسرحيات
ممدوح عدوان ،كما كتب للمسرح السوري أيضاً الكاتب واملخرج املسرحي علي عقلة رسان.
املسرح يف لبنان:
يقول عبداللطيف شرارة" :مل يستطع لبنان أن يوجد املسرح كفن ولنما استطاع أن يوجده كأدب .....ظلت
املسارح اليت نشأت يف البالد ،حمصورة ضمن املعاهد العلمية ،يف األعم األغلب منها ،ومل تؤثر يف حياة الشعب
تأثريًا مباشراً" إال أن لبنان الفنان واملقتبس والكاتب مل يرتك عنايته باملسرح بوفاة النقاش ،حيث صدّر اجلزء
األهم من فنه املسرحي إىل مصر حيث وفدت إليها الفرق من لبنان وهي :فرقة سليم النقاش ،وفرقة سليمان
القرداحي ،وفرقة إسكندر فرح ،وإىل مصر أيضاً جاء الكتاب واملرتمجون واملسرحيون ،ومنهم الكاتب
املسرحي فرح أنطون الذي قدم للمسرح املصري أول مسرحية اجتماعية انتقادية ،ومن لبنان جاء إىل مصر أيضاً
الفتى الطموح جورج أبيض ،وقد أرسله اخلديوي يف بعثه إىل فرنسا عاد بعدها إىل مصر لينشيء أول فرقة تقدم
الرتاث العاملي يف املسرح على أسس ثابتة وعلمية.
253
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أما الساحة اللبنانية نفسها فقد خلت من التمثيل العام املوجه للناس وتقوقعت حركة املسرح يف أحضان املدارس
ويف مجعيات اهلواة ،ثم جاءت اإلذاعة والسينما فحولت اهتمام الناس وأذهانهم إىل غري املسرح ،وقد مرت
حركة املسرح يف لبنان بأربعة مراحل هي:
احملاوالت األوىل ومتثلت يف حماوالت مارون النقاش.
مرحلة الرتمجات وفيها عُرضت مسرحية الذخرية عن الفرنسية وترجم أديب إسحاق مأساة رأسني "أندروماك"
شعراً ونثراً.
مرحلة بعث التاريخ الوطين العربي وفيها وضع جنيب حداد مسرحية شعرية تتناول حياة عبدالرمحن الداخل.
مرحلة الواقعية االجتماعية وقد وصلت موجتها إىل لبنان من وراء احمليط األطلسي كنشاط من أدباء املهجر يف
أمريكا ،حيث كتب جربان خليل جربان مسرحية" :إرم ذات العماد"
وقد حترك شعراء لبنان مقتدين بأمري الشعراء يف مسرحياته الشعرية فكتب سعيد عقل عام 1935م مسرحية
شعرية بعنوان "بنت يفتاح" ،ثم عادت املسرحية اللبنانية إىل الواقع مرة أخرى بظهور أعمال سعيد تقي الدين
الذي كتب مسرحية" :لوال احملامي" ،ومن الفرق املسرحية اللبنانية مايلي:
فرقة حمرتف بريوت: . 1
وقد أنشئت عام 1968م على أيدي روجيه عساف ،ونضال األشقر ،وقد قدمت هذه الفرقة مسرحيات" :املفتش"
و "عدد خاص" و "ماجدالون" و "كارت بالنش" و "إضراب اللصوص" و "مرجانة ،وياقوت ،والتفاحة" و "أزار،
أكتوبر" ،وقد كانت معظم هذه األعمال مثرة لالرجتال اجلماعي ،وهو االجتاه الفين الذي اختذته فرقة
احملرتف وسيلة للخلق.
فرقة املسرح االختباري: . 2
أسسها أنطوان ولطيفة ملتقي ،حيث التف حوهلما فريق من الشباب أغلبهم من طلبة معهد الفنون اجلميلة ،وقد
كانت الفرقة متتلك قاعة مسرح ،ومن العروض اليت قدمتها هذه الفرقة" :يوم مشهود يف حياة العامل الكبري
يو" و "زجنيان صغريان" و "وصية الكلب" و "أنا ناخب" و "كاليجوال"
فرقة املسرح املعاصر: . 3
تكونت عام 1960م وحتولت عام 1970إىل اسم "مدرسة بريوت للمسرح املعاصر" ،وقد كان منري أبو ديس هو
مؤسسها وخمرج أعماهلا ومن أعماهلا" :أوديب ملكاً ،لسوفوكليس" و" الذباب لسارتر" و "االستثناء والقاعدة
ــ بريتش" وغريها.
فرقة املسرح الوطين: . 4
الذي حتول امسه إىل مسرح شوشو وقد أسسه ومثل فيه حسن عالء الدين حتت امسه الفين :شوشو ،وقد قدم
عدداً من املسرحيات تتفاوت قيمتها الفنية.
الفرقة الشعبية اللبنانية: . 5
254
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وهي اليت أصبح امسها اآلن "فرقة الرحبانية" واليت اعتمدت على جنم فوق العادة هو الفنانة املطربة فريوز ،وقد
قدمت الفرقة عدد كبري من املسرحيات منها" :صح النوم" و "جسر القمر" و "ناس من ورق" وغريها كثري.
وممن عمل يف املسرح اللبناني :عبدامللك عيسوي :وهو جزائري عاش يف بريوت ،ترييز عوض :مؤلف مسرحية
البكرة ،يعقوب شدراوي :أخرج مسرحية املهرج ،رميون جبارة :ممثل ممتاز ،رضا كربيت :ممثل من صفوف
حمرتيف الفن الدرامي ،شكيب خوري :ممثل ومؤلف لعديد من املسرحيات ،جالل خوري :مؤلف ومنتج ،ومن
الوجوه اجلديدة يف املسرح اللبناني فنانون من خرجيي معهد الفنون اجلميلة منهم :جنم كازي و أنطون خطار
وغريهم ،وقد لوحظ على املسرح اللبناني أن نشاطه منذ الستينات كان موجه يف األساس إىل طبقة املثقفني،
وقد كان ميول فنانو املسرح اللبناني احلديث إىل التجارب الفنية والعقلية والفلسفية ،كما كون املسرح
اللبناني لنفسه مجهوراً يطلب السخرية السياسية الس وداء على حساب القضايا اجلربية املصريية .ومثة ناحية
إجيابية يف املسرح اللبناني ميثلها املسرح الغنائي الذي قدمه األخوان رحباني يف أوبريت وراء أوبريت ،حيث
يتغنى مسرح الرحباني بفضائل القرية ،وبساطة أهلها ،والتفافهم على مصلحتهم العامة.
املسرح الفلسطيين:
يذكر عد نان أبو عشمة يف حبث له عن املسرح الفلسطيين أنه رغم عدم تشجيع سلطات االنتداب للمسرح
الفلسطيين احمللي فإن هذا مل مينع قيام كتاب مسرحيني فلسطينيني قدموا عدداً ال بأس به من املسرحيات،
ومل يكد املسرح يبدأ حتى واجه الصدمة اليت ذهبت به بددا وهي استالب فلسطني ،وعلى هذا تشتت مشل
فناني املسرح الفلسطيين وهاجر معظمهم إىل األردن وبدأوا نشاطاً مسرحياً هناك ،أما من آثروا البقاء فقد
سكتوا مده ثم عاودوا النشاط مؤيدين ببعض العناصر اليهودية اليت تهوى املسرح العربي ،وقبل نكبة 1948م
كان عدد الفرق املسرحية يف القدس وحدها ينوف على ثالثني فرقة مسرحية ،ولكنها كانت فرق ضعيفة،
وقد عرف املسرح الفلسطيين أيام االنتداب املسرحيات السياسية ،ومع قيام الثورة الفلسطينية قامت "مجعية
املسرح العربي الفلسطيين" عام 1966م وكان مقرها دمشق ،وكان هدفها التوعية بالقضية الفلسطينية
وعرض جتارب الثورة ،فتكو نت على إثر ذلك فرقة للتمثيل املسرحي ،كما أسهمت مجعية املسرح العربي
الفلسطيين يف تكوين نواة لفرقة فنون شعبية من أجل إحياء الرتاث الشعيب ،وقد قدمت اجلمعية على مسارح
كثرية يف العواصم العربية املسرحيات التالية" :شعب لن ميوت" و "الطريق" و "حفلة من أجل 5حزيران" ،كما
كتب الشاعر الفلسطيين املناضل :مسيح القاسم مسرحية نضالية امسها" :قرقاش" ،وكتب الشاعر
الفلسطيين معني بسيسو مسرحية "ثورة الزنج" واليت اهلدف منها اختاذ هذه الثورة وسيلة إلظهار ثورة فلسطينية.
وكتب سهيل ادريس مسرحية عن فلسطني بعنوان "زهرة من دم" ،وكتب هارون رشيد مسرحية شعرية بعنوان:
"السؤال" ،ومتتاز بأنه تضرب بعيداً ف يتاريخ القضية الفلسطينية فتقف وقفة سياسية صحيحة من األحداث
اليت سبق جمازر "أيلول األسود" ،ويف غري قضية فلسطني كتب املناضل الشهيد :غسان كنفاني مسرحية
بعنوان" :الباب" عام 1964م.
255
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املسرح يف األردن:
يقول حممود العابدي إن سكان الشام ظلوا منذ العهد العثماني يتتبعون خطى مصر يف ميادين الثقافة والفنون،
وقد أقبل مجهور املسرح آنذاك على املسرحية املصرية ذات النزعة الوطنية واألخالقية ،وقد انتهى االنتداب
الربيطاني على فلسطني واألردن وليس فيها فرقة مسرحية واحدة حمرتفة ،ومن حرب التحرير اجلزائرية قدم
الشبان مسرحية للدعوة للتحرير من جهة وجلمع التربعات للجمهور العربي اجلزائري من جهة أخرى ،وكانت
هذه الفرقة تتنقل بني العاصمة عمّان ومدن الضفتني ،ويف عام 1960م أدخل يف برنامج املدارس حصة أسبوعية
للتعليم الفين وكان يطو ف على املدارس خبري للتوجيه واإلرشاد ،واستطاع أن يؤلف أو فرقة من اهلواة ،ثم
أخذت تتكون على املدى فئة عاملة نشيطة من حميب املسرح كانت جتتمع يف االمسيات ،وبعد ثالثة أشهر من
التدريبات قدمت أول مسرحية مت إعدادها على أسس فنية ،وهي مسرحية" :الفخ" ،وقد كان من بني احلضور
وزير اإلعالم فتحمس لذلك وأقنع جملس الوزراء بإنشاء دائرة الثقافة والفنون بالوزارة ،وعل إثر ذلك برزت
"أسرت املسرح األردني" وقدمت عديد من املسرحيات منها "األشباح" و "البيت السعيد" و "مركب بال صياد"
وغريها ،وبعد نكبة 1967م كان للمسرح ان يسارع بتقديم أعمال تناسب الواقع اجلديد فقدمت مسرحيات
املقاومة على غريها ،وقد اصطدمت الفرقة ببعض الصعوبات أوهلا عدم وجود مسرح خاص بالفرقة ،كما
افتقرت الفرقة إىل فناني الديكور واألزياء واإلخراج واإلضاءة ،واحتاجت الفرقة إىل جلنة من األدباء واملثقفني
تعينها على انتقاء املسرحيات واعدادها بطريقة توافق ذوق اجلمهور ،وقد حفز جناح الفرقة بعض الكتاب
األردنيني على تقديم اعمال أصيلة ،ويف عام 1969م أخذت حركة املقاومة العربية تقدم مسرحيات تقوم على
أساس من اعماهلا البطولية ،وقد انقسمت احلركة املسرحية يف األردن إىل مرحلتني مرحلة ما قبل 1971م،
ومرحلة ما بعد 1971م ،ففي مرحلة ما قبل 1971م توىل املسرح يف األردن هاني صنوبر وكانت مجيع األعمال
يف عهده من املسرح املرتجم ،أما املرحلة الثانية فقد قامت على جمموعة من الشباب درسوا املسرح أكادميياً،
وقدموا أعمال مسرحية عربية جادة كان أوهلا مسرحية "الزير سامل" حيث جنحت جناحاً ملحوظاً.
املسرح يف السودان:
لقد بدأ تاريخ املسرح السوداني عام 1902م حني كتب عبدالقادر خمتار أول مسرحية سودانية هي "نكتوت"
ومعناها "املال" ،إضافة إىل نشاطات مسرحية مدرسية يف السودان متت ما بني 1905م ــ 1915م ،ويف 15
نوفمرب 1909م نشرت جريدة السودان خرباً عن مسرحية عرضت باسم "هفوات امللوك" ،ويف الفرتة ما بني 1903
ــ 1915م بدأت حماوالت يف التأليف املسرحي على يد األستاذ إبراهيم العبادي ،ويُشار أن فن املسرح نقله إىل
السودان مجاعة من األساتذة املصريني الذين عملوا يف أول هذا القرن بالتدريس يف كلية غوردون التذكارية
وكانت أول مسرحية هلم بعنوان" :التوبة الصادقة" ،ويف عام 1918م قام نادي اخلرجيني ،وتكونت مجاعة
صديق فريد للمسرح ،وظلت هذه اجلماعة تقدم مسرحياتها مخسة عشر سنة ،وقد اجتهت إىل عرض
املسرحيات التارخيية ،وقد كانت الفرقة تنتقل من منطقة إىل منطقة ومن مدينة إىل أخرى فساعد هذا على
خلق مجهور للمسرح يف تلك اآلونة ،وقد اصطدمت الفرقة ببعض الصعوبات منها ندرة العنصر النسائي ،وبعد
256
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أن انفضت الفرقة على إثر اعتزال صديق فريد ،ظهر يف أفق املسرح السوداني جنم جديد هو :عبيد عبدالنور
أحد خرجيي اجلامعة األمريكية ببريوت وقد بدأ نشاطه بني طلبة كلية غوردون ،وكان يقدم مسرحياته حتت
شعار "ليالي األنس" ،كما ظهر يف هذه الفرتة واحد من النقاد البارزين يف حقل املسرح وهو :عرفات حممد
عبداهلل ،ولعل أهم ما أجنزه عرفات يف حقل النقد املسرحي هو دعوته إىل قيام مسرح سوادني أصيل ،ويف عام
1932م بدأ الغرس الذي غرسه الفانون السابق ذكرهم يؤتي مثاره ،ففي ذلك العام كتب خالد أبو الروس أول
مسرحية سودانية خالصة هي" :تاجوج واحمللق" ،وبعد جناحها ألف مسرحيته الثانية "خراب سوريا" وذلك يف
أواخر عام 1933م ،وبعد هذه املسرحية انهالت عليه العروض من مجيع أحناء اسودان ،وثم تبددت فرقة أبو
الروس بسبب الظروف احمليطة وبظهور الفيلم املصري ،غري أن أبو الروس عاود نشاطه على خشبة املسرح عام
1968م ،ومع خالد أبو الروس ظهرت جهود الشاعر إبراهيم العبادي الذي قدم مسرحية "امللك منر" ،كما ظهر
كتاب آخرون مثل :سيد عبدالعزيز يف مسرحية" :صور العصر" وأمني القوم يف مسرحية "فتاة البادية.
ويف عام 1946م تكونت أول فرقة للتمثيل ،وظهرت املرأة السودانية على املسرح ،وقد أنشأ الفرقة الفنان
ميسرة السراج ،ويف نهاية العام ذاته أسست فرقة السهم الفضي وفرقة اهلواة للتمثيل ،كذلك انتشر املسرح
املدرسي بانتشار التعليم يف البالد ،على أن هذا كله يظل جمرد حركات مل تتعد السطح ،ويف عام 1956م
نال السودان استقالله ويف عهد حكومة عبود االنقالبية مت بناء أول دار مسرحية كبرية بأم درمان مسيت:
املسرح القومي ،وقد قدم الكثريون أعماهلم على هذا املسرح ،كما متخضت الثورة الشعبية أيضاً عن نتاج
مسرحي جديد هم املسرح اجلامعي ،ويف عام 1967م توىل الفكي عبداحلميد منصب مدير املسرح القومي
بعد أن عاد من إجنلرتا اليت درس فيها املسرح ،فعمل متخطياً العقبات منتجاً تسعة مواسم مسرحية يف مجيع
أحناء السودان ببناء مسارح جديدة وتعيني ط واقم عليها ،وقد تألف إىل جوار املسرح القومي فرق مسرحية
جديدة مثل فرقة الفاضل سعيد اليت جنحت جناحاً مجاهريياً كبرياً ،ثم انشقت عنها فرقة جديدة باسم "أضواء
املسرح" ،وقامت عام 1976م فرقة اخلليل 76املسرحية ،وقد ركزت على مسرح الطفل ،ويف عام 1968م افتتح
معهد املوسيقى واملسرح ،إىل جانب ذلك كله فإن هناك املسرح املدرسي ومسرح األقاليم.
ويف عام 1970أخذت فرتة تكوين احتاد للمثلني السودانيني تربز إىل الوجود ،ويف عام 1976م أفتتح أول مسرح
سوداني يُبنى على أحدث الطرق والوسائل الفنية وهو مسرح الصداقة السودانية الصينية.
املسرح يف العراق:
يف عام 1926م زارت فرقة جورج أبيض العراق وقدمة حفالت متثيلية يف كلٍ من بغداد والبصرة ،فكانت هذه
الزيارة مبن زلة النواة اليت تبلورت حوهلا حركة مسرحية نشطة ،أما احملرك فقد كان الفنان العراقي :حقي
الشبلي الذي اشرتك مع فرقة جورج أبيض ومثل دور ابن أوديب يف مسرحية "أوديب ملكاً" ،ثم انطلق بعد ذلك
حقي الشبلي يف طريقه املسرحي الطويل ،فكون فرقة مسرحية عراقية حمرتفة عام 1927م ،ثم توالت زيارات
الفرق املسرحية بعد ذلك للعراق ،كفرقة فاطمة رشدي ،وفرقة أمني عطااهلل ،ثم سافر الشبلي إىل الدراسة
يف فرنسا فلما عاد أسس قسماً للتمثيل يف معهد الفنون اجلميلة ،وقد كان كل ما ينقص املسرح العراقي إذ
257
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
ذاك الكاتب املسرحي القومي ،وقد كان خيال الظل منتشراً يف العراق إىل قبيل احلرب العاملية األوىل ،ويرجع
تاريخ أول مسرحية يف العراق إىل عام 1893م حني كتب نعوم فتح اهلل السحار مسرحية "لطيف وخوشابا" ،ثم
توالت بعد ذلك املسرحيات املرتمجة ،وقد شاهد اجلمهور العراقي يف بغداد ثالثاً وعشرين مسرحية باللغة
اإلجنليزية قدمتها فرقة اجليش الربيطاني.
وقد استمرت حركة التمثيل يف العراق يف الثالثينات واألربعينات حيث ظهرت املسرحيات املؤلفة وال سيما
التا رخيية منها ،وقد واجه املسرح العراقي كغريه من املسارح صعوبة احلصول على النص املسرحي اجليد،
وقد برز يف العراق الكاتب يوسف العاني حيث بدأ يتحسس طريقه يف أوائل اخلمسينات حني كتب عام
1951م مسرحية "رأس الشليلة" ،ويف عام 1955م كتب "أنا أمك يا شاكر" ثم كتب مسرحية "املفتاح" بعدها
بإثين عشر عاماً ،ومن املفتاح انتقل العاني إىل كتابة مسرحية أخرى عام 1970م هي" :اخلرابة" ،ويف عام
1976م قدم العاني للمسرح العراقي املتفتح مسرحية "اخلان وأحوال ذلك الزمان" ،وقد قام إىل جانب يوسف
العاني كُتاب مسرحيون واعدون مدوا احلركة املسرحية العراقية بنصوص متفاوتة القيمة ،كنور الدين فارس
الذي قدم مسرحيات "البيت اجلديد" و "الغريب" و "العطش" ،وما بني عامي 1968و 1969م وكتب عادل
كاظم مسرحية املوت والقضية ،وانتزع من ألف ليلة وليلة شخصيتيها الدائمتني :شهرزاد وشهريار ،وعلى درب
استلهام الرتاث أعد قاسم حممد يف عام 1973م مسرحيته الطريفة "بغداد األزل بني اجلد واهلزل" ،ومن
اإلجنازات للمسرح العراقي اجتاهه إىل االهتمام بأعمال الفنانني املسرحيني يف آسيا وأمريكا الالتينية ،ويف
عام 1973م التقت الفرق الفالحية يف أول مهرجان مسرحي ،ثم أنشئت بعد ذلك بثالث سنوات مؤسسة عامة
للثقافة الفالحية ،وقد اجتهت احلركة املسرحية يف العراق إىل قطاع كبري من قطاعات اجلماهري وهو قطاع
العمال ،حيث كون مخسة وثالثون عامالً عام 1971م فرقة مسرحية أمسوها "بيت املسرح العمالي ،ويف
صفوف الطالب والشباب بدأ نشاط مسرحي الفت للنظر حيث أقيم عام 1974م املهرجان األول للمسرح
الطالبي ،أما األطفال فقد اهتمت الفرقة القومية للتمثيل اهتماماً خاصاً بهم ،حيث تقدم هلم كل موسم
مسرحيات موجهة هلم خصيصاً.
القسم الثالث :املسرح يف اخلليج العربي
املسرح يف الكويت:
عرفت الكويت املسرح كنشاط تعليمي وتثقيفي عن طريق فرق املدارس ،وجبهود فنان كوييت نذر نفسه منذ
البداية الستنبات املسرح يف تربة الكويت وهو :محد الرجيب ،وقد كان احلافز واملشجع للفنان الكوييت
الشعيب حممد النشمي الذي أصبح جنماً بعد ذلك حيث قدم يف األعوام مابني 1956ــ 1960م عشرين مسرحية
ارجتالية إال واحدة ،ومن هذه املسرحيات بزغ فن املسرح املوجه إىل اجلمهور العريض يف الكويت ،وقد أوفد
محد الرجيب إىل مصر لدراسة فن املسرح يف معهدها العالي وذلك عام 1948م ثم عاد عام 1950م مسلحاً
بنظرة علمية وعملية يف املسرح ،وقد شجع محد الرجيب ترمجة املسرحية العاملية إىل العربية ،ومل يطل األمر
حبمد الرجيب حتى مد جسور للكويت مع احلركة املسرحية يف مصر ،حيث استقدمت الكويت زكي
258
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
طليمات لإلقامة فيه بعد زيارتني سابقتني لذلك ،وذلك ليكون قائماً على النهوض باحلركة املسرحية فيها،
على إثر ذلك كون طليمات فرقة املسرح العربي على أسس علمية حيث قدمت أول مسرحية هلا عام 1963م
وكانت بعنوان "استأرثوني وأن حي" وقد كتبها سعد الفرج ،ويف عام 1964م قدمت الفرقة أول مسرحية
كويتية خالصة تأليفاً ومتثيالً وإخراجاً ،ويف ذلك العام أنشئت مؤسسة املسرح والفنون استجابة لرغبة أبداها
طليمات ،ثم جاور فرقة طليمات فرق أخرى وهي ف رقة املسرح الشعيب ،وفرقة اخلليج العربي ،وفرقة املسرح
الكوييت ليصبح عدد الفرق عام 1964م أربع فرق ،وقد صدر عام 1976م املرسوم األمريي بإنشاء املعهد العالي
للفنون املسرحية ،وقد انتقل التأليف املسرحي نقلة واضحة على يد الكاتب واملخرج املسرحي صقر الرشود،
ومن كتاب املسرح الكوييت البارزين عبدالعزيز السريع الذي قدم للخشبة الكويتية مخس مسرحيات ،بعد
ذلك ضم السريع جهوده إىل جهود زميله صقر الرشود وأخذا يكتبان معاً مسرحيات خيرجها الرشود وكان
أوهلا " ...4 ،3 ،2 ،1مب".
املسرح يف البحرين:
عرفت البحرين املسرح حينما أنشئت فيها أول مدرسة نظامية عام 1919م ،وقد كانت املسرحية األوىل يف
تاريخ البحرين هي مسرحية "القاضي بأمر اهلل" ،ويف عام 1928قدمت املدرسة ــ مدرسة اهلداية اخلليفية ــ
مسرحية "امرؤ القيس" ومسرحيات أخرى غريها ،ثم ظهر بعد ذلك مدارسة أخرى يف هذا اجملال إىل جانب
مدرسة اهلداية ،مثل مدرسة العريض ،ومدرسة اإلصالح األهلية ،ويف عام 1940م قدمت املدرسة اخلليفية
للبنات مسرحية "لقيط الصحراء" ،كما قدم نادي العروبة يف عام 1941م مسرحية "احلجاج بن يوسف" ،وقد
تركزت تلك املسرحيات املدرسية على بعض املوضوعات التارخيية املكتوبة خارج البحرين أو املسرحيات
الشعرية اليت يؤلفها شعراء البحرين ،ومن مؤلفي فرتة ما قبل اخلمسينات األستاذ حسن اهلرمي.
وقد ظهرت يف أوائل األربعينات فرقة شباب األندية ،حيث ازدهرت األندية الثقافية يف املنامة وكان أعضاؤها
من الشباب يهتمون باملسرحيات الكالسيكية اليت تتناول أحداثاً اجتماعية أو تارخيية ،ومن شخصيات األندية
الفنية األستاذ أمحد حممد يتيم ،ويف عام 1952م أسست أول مجعية نسائية يف البحرين وهي :مجعية "فتاة
البحرين ،وبعد عام من تأسيسها طلب من األستاذ أمحد حممد يتيم إخراج مسرحيتها األوىل ،ويف عام 1955م
تشكلت فرقة من هواة التمثيل أطلقت على نفسها اسم" :الفرقة التمثيلية املتنقلة" وقد نشأ بعد ذلك خالف بني
الفرقة فانقسمت لقسمني قسم حتت اسم" :الفرقة التمثيلية املتنقلة" والقسم الثاني حتت اسم "فرقة البحرين
التمثيلية" ،ثم تكونت بعد ذلك فرقة "مسرح االحتاد الشعيب ،ثم ظهرت فرقة "مسرح أوال" تكونت بعد ذلك
فرقة حتت اسم "مسرح اجلزيرة ،وقد أنشأت إمارة البحرين قسم املسرح والفنون وجعلته إحدى مسؤوليات
وزارة العمل والشؤون االجتماعية وقد رسم هذا القسم لنفسه خطة:
االستعانة خببري من خارج البحرين . 1
التنسيق مع الوزارة إرسال أكرب عدد من الشباب املهتم باملسرح إىل اخلارج. . 2
استضافة حماضرين من الدول العربية للتحدث عن املسرح . 3
259
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
260
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مسرحية "املعز لدين اهلل الصنهاجي" ،ومسرحية "سقوط غرناطة" اليت مثلت عام 1940م ،وقد تغري املسرحة
التونسي تغرياً درامياً بعد احلكم الوطين ،حيث اهتم احلكم الوطين يف تونس بالتدريب املسرحي العلمي
على أرض تونس ذاتها ،وقد ظهرت بعد ذلك يف تونس مسرحيات لواحد من أبرز وأعمق كتاب املسرح يف تونس
وهو عز الدين املدني ،ومن الكتاب الشباب الذين كتبوا للمسرح التونسي مسري العبادي ،وحممد رجا
فرحات ،ومصطفى الفارسي.
املسرح يف اجلزائر:
زارت فرقة جورج ابيض اجلزائر عام 1921م ضمن جولة قامت بها يف الشمال األفريقي ،وقدمت مسرحيتني إال
أنها مل تلقى النجاح الذي لقيته يف تونس لتوجه املثقفني إذ ذاك إىل فرنسا ،وقد عدد مصطفى كاتب مسات
املسرح اجلزائري فيما يلي:
ظهر من خالل العرض الشعيب. . 1
ارتبط بالغناء . 2
أنه مسرح شعيب غري مثقف . 3
اضطالع املمثلني أنفسهم مبهمة كتابة وإعداد النص املسرحي . 4
ويف أوائل العشرين ات شرع املمثالن عاللو وداهمون يف إخراج هزليات يف شكل مسرحيات ضاحكة خشنة
االجتاه مكتوبة بالعامية ،ويف الثالثينات عرف املسرح اجلزائري عصراً ذهبياً على يد رشيد قسطنطيين الذي
كان أول من أدخل فكرة األداء املرجتل إىل املسرح اجلزائري ،وقد كتب كاتب ياسني مسرحية حققت
جناحاً مجاهريياً واسع ًا وهي مسرحية "حممد :خذ حقيبتك" ،وعلى خطى كاتب ياسني قامت جهود شابة غري
أنه اصطدمت بأزمت النصوص ،فقرر هؤالء الشبان أن يعتمدوا مبدأ التأليف اجلماعي .أما املسرح احلديث
فيمثله كتاب مسرحيون من أمثال كاكي ولد عبدالرمحن ،والكاتب علولة.
املسرح يف املغرب:
بدأ املسرح يف املغرب يف عشرينات القرن العشرين ،حيث ولدت شرارته الفرق املسرحية من مصر والفرق
األوروبية ،وكانت أول معرفة للمغرب باملسرح عن طريق زيارة قامت بها فرقة تونسية على رأسها الفنان حممد
عز الدين عام 1923م ،وقد حفز جناح هذه الفرقة فرقاً أخرى ،وهكذا انطلقت شرارة املسرح يف املغرب،
فتلقف نورها وحرارتها الشباب اهلواة ،فتكونت أول فرقة مسرحية مغربية مبدين فاس عام 1924م من طلبة
املدارس الثانوية ،ثم تكونت عام 1927م مجعية "مدرسة العاصمة الرباطية" بالرباط ،وامتدت احلركة
املسرحية إىل طنجة حيث زارته ا كل من فرقة املغنية نادرة وفرقة الرحياني وفرقة رمسيس وفرقة فاطمة
رشدي ،ويف طنجة ظهرت فرقة مجعية "اهلالل" ،وبعد عام 1940م شهد املسرح املغربي ركوداً كان سببه
ظروف احلرب العاملية الثانية ،وبعد احلرب أخذت الفرق املسرحية تظهر من جديد ،ثم أخذ الشباب املغربي
يع رفون طريقهم إىل فن املسرح مؤلفني وخمرجني وممثلني وظهرت فرق أخرى مثل" :مجعية الطالب املغربي" ثم
مجعية "إخوان الفن" ،ويف عام 1950م بدأ الفنانون الشباب من هواة املسرح يرحلون إىل فرنسا لتلقي علوم
261
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
املسرح على أيدي فنانني مرموقني .وأنشأت مصلحة الشبيبة والرياضة مركزاً تدريبياً لتكوين اهلواة
ومتكينهم من الدراسة التطبيقية لفن املسرح ،وبعد االستقالل قامت إدارة الشبيبة باستحداث فرع خاص
باملسرح أمسته "مركز الفن املسرحي الوطين ،ويقف يف موقع القيادة من الفن املسرحي االحرتايف يف املغرب
فنانان مرموقان هما :أمحد الطيب العلج ،والطيب الصديقي ،وكانت وزارة الشبيبة والرياضة قد أنشأت عام
1956م معهدين مسرحيني أوهلما يف الرباط وثانيهما يف الدار البيضاء ،ثم تكونت فرقة املسرح املغربي وفرقة
املسرح العمالي ،ويف عام 1959م كتب العلج مسرحية "األكباش يتمرنون" ،أما الطيب الصديقي فقد توىل
كتاب ة ومتثيل وإخراج أعماله املهمة اليت عرف بها ،ويربز من بني كتاب املسرح املغربي منذ السبعينات الكاتب
الشاب عبدالكريم برشيد ،حيث كتب عدة مسرحيات أحرز بعضها اجلائزة األوىل ألحسن نص ،كما كنب
للمسرح املغربي عبد السالم الشراييب و حممد شهرمان.
النظرية واألدب
يف داللة النظرية ونظرية األدب:
النظرية باختالف صيغ التعريف االصطالحي هلا ،ال تعدو أن تكون تركيباً عقلياً متسقاً وشامالً يفسر عدداً
من الظو اهر يف جمال من جماالت الواقع الطبيعي أو اإلنساني ،ويربط بني املمارسة أو الواقع وبني املباديء أو
القوانني ربطاً كلياً.
وبالطبع فإن اختالف مادة الدراسة اليت تتجه إليها النظرية بني العلوم الطبيعية والرياضية من جهة والعلوم
اإلنسانية من جهة أخرى هو مادة مهمة لتغذية جدل النظرية ،فتطور العلوم الطبيعية والتقنية مدين لتطور العلوم
اإلنسان ية ،وإن أساس الفكر العقالني مغروس يف الفلسفة واألدب والتاريخ قبل أن تعرفه فيزياء نيوتن .فال
جند نظرية أدبية دومنا مرجعيات خارج احلقل األدبي يف االقتصاد أو الفلسفة أو علم النفس او التاريخ أو املناهج
الطبيعية أو اللسانيات ،والنظريات األدبية تتشارك يف كثري من العناصر ،والنظرية هي مناقشة هذه
املشرتكات ،فهي تعيد النظر مرة تلو أخرى يف املفاهيم واملبادئ والتصورات اليت حتكم القراءة ،فالنظرية
تفكري حول التفكري النقدي األدبي.
قيمة النظرية:
تبدو النظرية لدى عامة الناس نوعاً من الرتف والتعجرف الفكري ،فهي ليست معطاً سهالً ،وتطويعها للفهم
يف حاجة إىل جهد ،ومن هنا يبدو استعصاءها وتعجرفها والشعور أحياناً بانه المعنى هلا والضرورة ،وهجرة
النظرية أو انتقاهلا من مكان إىل مكان ومن زمان إىل زمان ومن شخص إىل شخص جملي حلاالت التحول
262
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
والتحريف واحلذف واإلضافة واجلمود والتطوير اليت تطرأ عليها ،وهلذا رأى إدوارد سعيد أن للنظرية املهاجرة
أربعة أطوار أو مراحل ،أوهلا يف موضعها األصلي ،والثاني مسافة االنتقال اليت تعرتض سبيلها ،والثالث ظروف
التقبل أو ظروف املقاومة ،والرابع التحوير الذي تتعرض له الفكرة.
فإذا نظرنا إىل نظرية أرسطو عن الشعر ،فإن انتقاهلا إىل الرتاث العربي اإلسالمي كان فهمها وتصورها أكثر
من أن يكون املطابقة هلا دومنا اختالف .فمتى بن يونس ترجم املأساة باملديح وامللهاة باهلجاء ،وكان التخييل
أو التشبيه بالتبادل وبالتضمني ملعنى أحدهما يف اآلخر ،فليس هناك نظرية تأخذ مدىً مطلقاً وتتنبأ بكل
احلاالت وتطوقها ،وباملثل ليس هناك من وجود تارخيي للثقافة أو األدب أو اجملتمع يهيمن هيمنة مطلقة ،فاألدب
من وجهة الدراسة التارخيية والنقدية هو موضوع للبحث عن التفرد الذي خيالف بني البحرتي واملتنيب ،بينما
تبحث النظرية عن أطر وأنساق جتريدية جتمع هذا االختالف يف تفسري وتنفذ من وراء فردياته إىل الكل
اجلامع ألوصافها.
أما القيمة املعرفية للنظرية فهي قيمة حادثة من دخول الذات إىل إدراك جديد ،وبذلك تصبح النظرية يف حقل
األدب أفقاً حاكماً لتنظيم الدراسة النقدية والتارخيية.
تطور النظرية:
ميكن معاينة انقسامات النظرية األدبية وحتوالتها وتطورها وتعارضاتها من جهة السببية اليت تعود إىل العالقة
بالواقع االجتماعي ،وإىل الوجود يف التاريخ ،ومن جهة ثانية ميكننا أن نعاين النظرية من وجهة كيفيتها
وعالقاتها يف ذاتها ،فالنظرية تتبادل التشكل واالنبناء مع الوجود الواقعي يف حتوالتها االجتماعية التارخيية،
وهكذا ميكن التعرف يف النظرية األدبية على بنية الواقع االجتماعي الذي ينتجها وما حيكمه من قيم ،وعلى
طبيعة التجاوب مع حلظتها التارخيية والرتسبات الفلسفية والعلمية فيها.
ومل تستحل النظرية األدبية ــ من املنظور االجتماعي ــ إىل وجهة أخرى إال حبدوث حتوالت يف العالقات
االجتماعية نتيجة لربوز الطبقة الوسطى بعد قيام الثورة الفرنسية ونهوض الرأمسالية .فالفردية اليت جتلى عنها
الوضع االجتماعي احلادث مل تعد جتد يف احملاكاة تفسرياً مقنعاً وممتعاً لألدب ،فكانت التعبريية معطى
نظرياً يتجاوب معها وبعكس حضوره ا االجتماعي وتأثريها .وهلذا استدارت النظرية هنا على فردية األديب
واستمدت مقوماتها التفسريية من أخص ما يدل على الفردية وهما العاطفة واخليال .وكانت الرومانسية
بشعريتها الطاغية وتدفقها العاطفي اجملال احليوي الذ يتشخصت فيه نظرية التعبري من حيث هي تفسري لألدب
يف مسافة العالقة بشخصية مؤلفه وفرديته.
وعلى عكس نظرية التعبري يف صلتها بالفلسفة جاءت نظرية االنعكاس تعبرياً عن الفلسفة الواقعية ،وقد
أصبحت هذه النظرية تفسرياً لألدب ــ على أساس فلسفي ونظري يف املادية اجلدلية التارخيية لدى كارل
ماركس ــ من وجهة املدرسة الواق عية االشرتاكية ،وهلذا فهي مبنى إيديولوجي وقيمي يؤسس املنظور األدبي
دوماً على بعد طبقي اجتماعي ،فكانت نظرية اخللق اليت تقول باستقالل األدب عن أي نفعية وأنه غاية يف
ذاته وقيمته يف شكله ،املقدمة اليت تنامت منها الشكلية الروسية والنقد اجلديد والبنيوية ،وذلك امتداد
263
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
لنظرية التعبري من وجه ،ورفض هلا من وجه آخر ،فالنظرية من وجهة الواقعية تؤشر إىل اإلعالء من شأن الفردية
والذاتية يف األساس االجتماعي ،وقد كان التخلي عن البنيوية وفتح بوابة ما بعدها مسبباً عن واقع تارخيي
ال مباشراً يف الرفض للبنيوية.
أخذ شك ً
أما التفسري البنيوي لتطور النظرية وانقسامها ،فإنه ال يلتفت إىل تفسري االنتقال من مرحلة إىل أخرى ،أو من
وجهة نظرية إىل غريها ،وال يفسر كيفية االنتقال والعوامل اليت أدت إىل التغري والتحول النظري .فاملوقف
البنيوي يفصل بني كل نظرية وأخرى مثلما يفصل بني النظرية وبني التاريخ والذات اإلنسانية ،وينصرف إىل
اكتشاف الصور البنيوية لكل نظرية مميزاً لكل مرحلة دومنا حساب للتغريات اليت تطرأ نتيجة لتفاعل العقل
مع األحداث وحركته عرب الزمن .فتغدو النظريات جمموعات من البناءات املغلقة إغالقاً حمكماً.
وجتد البنيوية أساس هذا الفصل يف مبدأ القطيعة اإلبستمولوجية الشهري لدى جاستون باشالر Gaston
Bachelardالذي فسر بها تطور العلوم وتقدمها .ومعنى اإلبستمولوجيا هنا الدراسة النقدية للمبادئ أو
الفرضيات العلمية بهدف بيان أصلها املنطقي وقيمتها.
ويأخذ هذا التفسري البنيوي مدى أعمق يف تأكيد االنفصال والقطيعة بني النظريات لدى توماس كون يف
كتابه «بنية الثورات العلمية» .فقد نفى أن تكون العلوم عملية حتصيل تراكمي للمعارف ،وقرر أنها تنمو من
خالل ثورات عنيفة فكرية .وإىل توماس كون يعود ابتكار مصطلح (البارادايم) أي (النموذج النظري) الذي
عرفه بأنه جمموع املعتقدات اليت يتشارك بها علماء ويضعونها موضع االتفاق بينهم على فهم املسائل الفكرية،
وبذلك يصبح البارادايم هو ما يوجه األحباث اليت جتريها اجلماعات العلمية.
احملاكاة:
تاريخ احملاكاة ومبدأها:
. 1قدميها اجلديد:
لقد عرفها املهتمون باألدب بنسبتها إىل أفالطو ن وأرسطو يف القرن الرابع قبل امليالد ،وقد نقول إن نظرية
احملاكاة تعرضت لالستبدال والدحض يف النظريات املختلفة ،وقد نال مبناها تفكيك ونقض على يد جاك
دريدا ،فإذا كانت نهضة النظرية األدبية احلديثة يف الغرب قد انبثقت من استحضار نظرية احملاكاة وتعمق
فهمها ،فال أحد يتصور الن هضة العلمية واملنهجية يف احلضارة العربية اإلسالمية يف العصر العباسي دون أن
يتصور الصلة باليونان ،وترمجة أرسطو على وجه اخلصوص.
. 2املثالي والواقعي/املفيد واملمتع:
إن الفن عند أفالطون وأرسطو حماكاة للواقع أو الطبيعة ،لكنها عند أفالطون اختذت احلقيقة من عامل
املثل وهي حقيقة األشياء ،فهي تعرب عن مثل تنتمي إىل عامل خاص متعال عن الواقع ،ومن ثم فهي مفروضة
على الواقع من خارجه ،فأفالطون ــ كما يرى فؤاد زكريا ــ أراد من املثل أن تكون امنوذجاً من الثبات واألزلية
حيتذيه العقل يف فهمه للواقع املتغري .فعامل املثل هو الفكرة اجملردة اليت تسبق الوجود والوجود هو احملاكاة
احلسية هلا ،وإذا ما جئنا إىل الفن فإنا جنده حماكاة للوجود احلسي الذي هو بدوره حماكاة لعامل املثل أي
264
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
للفكر اجملرد فهو حماكاة للمحاكاة ،فالفن مرآة تعكس العامل املادي وليس الفكر ،والسطحي وليس
اجلوهري ،من هنا يصبح احتقار أفالطون للشعر مسبَّباً عن خلوه من املعرفة باحلقيقة ،وهي القيمة اجلوهرية
لديه للكالم ولكل أنواع الفن ،فالشعراء ــ فيما يرى ــ خياطبون العاطفة ،وقد طرد الشعراء بناء على هذ من
اجلمهورية الفاضلة.
وعلى الرغم من أن ارسطو فليسوفاً كأستاذه ،فإن نظرية احملاكاة لديه أصبحت قيمة فنية إبداعية من جهة،
و قيمة وظيفية معرفية وأخالقية من جهة أخرى وذلك ألنه ختلى عن تسلط عامل املثل ،فإمنا هي مفهوم فين
خاص مقصور على الفن ،وهي عنده فعل فين ألنها تؤدي متعة ،أما علة املتعة يف تفسري الفن من وجهة احملاكاة
فإن يعزوها إىل االلتذاذ باحملاكاة وااللتذاذ بالوزن واإليقاع وإليهما تعود نشأة الشعر ،كما تعود جاذبيته
للمتلقي ،لكن هذه املتعة تنطوي على الفائدة ،وقد نتج عن ذلك وظيفة أخالقية نفسية لدى أرسطو وهي ما
أمساه بــ "التطهري".
احملاكاة بني القواعد والتقليد:
. 1احملاكاة من وجهة قراءتها:
لقراءة نظرية احملاكاة وتداوهلا ،تاريخ هو فهمها الذي خيرجها من منط إىل آخر ومن نسق إىل سواه تبعا للموقع
النظري اجلديد الذي يعيد صوغها واستثمارها والتدليل بها وتعديلها لتكون قابلة لالستعمال مبا يطابق معنى
أعم ويالئم النشاطات األدبية والفنية املختلفة .هكذا تصبح نظرية احملاكاة ويف نسختها عند أرسطو حتديدا
منطقة تقاطع تلتقي وتفرتق عندها وجهات نظرية عديدة.
. 2احملاكاة عالقة خلف بسلف:
لقد انتقلت نظرية احملاكاة لدى الرومان ويف الكالسيكية اجلديدة من معنى التعريف لطبيعة األدب والفنون
األخرى إىل اإلشارة إىل عالقة عمل أدبي بعمل أدبي آخر حبسبانه منوذجا له .وهذا يعين أن إحالة احملاكاة إىل
داللة العالقة بني القدامى واحملدثني تكتسب مربرة نظرية باكتشاف صلة بني القدامى والواقع والعقل ،حبيث
يرتتب النتاج األدبي عليها ،ويصبح تالية هلا وليس للعالقة املباشرة مع الواقع أو الطبيعة .ويعود معنى احملاكاة
هذا -أول ما يعود إىل الشاعر الروماني هوراس 8 - 85( Horaceق.م) الذي أحال يف كتابه «فن الشعر»
نظرية أرسطو إىل أحكام يف النقد خارج منطقها التأليفي وجعلها مثال أعلى للنقد األدبي يف أوروبا .فهو يدعو
الشعراء إىل حماكاة شعراء اليونان ،وأن ينكبوا على آثارهم ليال ونهارا ،لقد ازدهر أدب الرومان بفضل
حماكاته ألدب اليونان .لذلك حتولت احملاكاة تقليد خلف لسلف
هذا املعنى الذي حييل النظرية األدبية من الكشف عن طبيعة األدب بالتوصيف للعالقة بينه وبني الواقع إىل
الكشف عنه بتوصيف العالقة بينه وبني مناذجه املنجزة ،هو ما يفتح النظرية على التاريخ األدبي والتقاليد،
فيصبح األدب نصوص يقلد بعضها بعضا .فليس اجلنس أو النوع نتيجة تفرد بل نتيجة تقليد و توارد و تكرار،
وهو نفسه مربر النظرية األدبية فلوال التشابه الذي جيمع مبعنى أو آخر -أنواع النتاج األدبي وأفراده أكثر من
االختالف الذي يباعد بينها ملا كان هناك معنى للنظرية األدبية.
265
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
266
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
نظرية التعبري:
النشأة والداللة واملدى
. 1املنبع الرومانسي:
نشأت نظرية التعبري يف النصف األول من القرن التاسع عشر يف أوربا مرافقة للمذهب الرومانسي وصانعة
لقاعدته املفاهيمية جتاه الفن على يد وليام وردزورث وصموئيل تيلور كولردج ،لكنها مضت إىل ملء ثغراتها
النظرية واكتساب مزيد من التماسك النظري والشمول والربهنة على القيمة بعد ذلك لدى الفيلسوف وعامل
النفس األمريكي أوجني فريون الذي وصف مؤرخ الفلسفة اجلمالية جريوم ستولنيتز ،كتابه علم اجلمال»
( )1878بأنه أول عرض منهجي هلا.
وقد تألقت نظرية التعبري عربياً منذ العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين ،على بروز مدارس التجديد
الشعري ،مثل مدرسيت الديوان» و «املهجر» اللتني اقتفتا الوجهة الرومانسية يف التصدي لتقليدية الكالسيكية
و ضيق معايريها وعمومها.
وحني نلقي اآلن نظرة إىل أبرز مفهوم نظري حتكم يف املمارسة النقدية األدبية يف الثقافة العربية منذ ذلك
احلني ،أي منذ العقود األوىل من القرن العشرين ،وإىل نهايته ،فإننا ال نكاد جند نظرية تضارع نفوذ نظرية
التعبري .فاملفهوم الذي أسسته لألدب عرب عالقته باالنفعال ،متداول لدى عامة من يتعاطى األدب وخاصتهم على
حد سواء .والفردية والصدق والوحدة العضوية والتأكيد على قيمة اخليال إىل جانب االنفعال ،واالعتقاد بامتياز
عبقرية األديب وإحساسه وقدراته التعبريية اليت تفرقه عن اإلنسان العادي ،ومن ثم أهمية شخصيته وفرديته
اليت ترب فهم اإلنتاج األدبي ومنهجية حتليله على اإلملام بسريته وحياته ،غدت مألوفة ومكرورة طوال القرن
العشرين وما تزال سارية وإن كانت على حنو أقل إىل اآلن.
. 2أهمية مقولة التعبري:
إن أهمية احلديث عنها اآلن مائلة بقوة من وجهني :أوهلما وجه عام يف الوعي حبداثة أي نظرية أو قدمها،
وحضورها أو غيابها ،ويكمن يف ضرورتها لفهم غريها من النظريات التالية هلا أو السابقة عليها وفق مبدأ
التعارض الثنائي بني الدوال ،أما الوجه الثاني فيبدو يف حضور نظرية التعبري ومعاصرتها بأشكال وصيغ
عديدة.
ويضاف إىل ذلك عودة بعض ما استلزمته نظرية التعبري كالتأكيد على شخصية املؤلف وسياقه التارخيي
والسريي يف بعض أطروحات ما بعد احلداثة وما بعد الكولونيالية ،كما يف دراسات التابع واألقليات ،وما
تلقاه الرومانسية إمجاال من تعظيم لدى معظم التفكيكيني األمريكيني السيما هارولد بلوم الذي ورث
تعظيمها ،فقد استعار النقد اجلديد من الرومانسية اإلحلاح املميز له على ما مساه الوحدة العضوية ،حيث أن
أبرز ما نادت به التعبريية هو الوحدة العضوية ،ونظرية التعبري نظريات خمتلفة و متنوعة وإن تشاركت يف أصل
واحد هو قيام عالقة بني اإلنتاج األدبي ومؤلفه.
. 3مرجعية القيمة املتجددة لنظرية التعبري:
267
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
يبدو أن ما لقيته نظرية التعبري من أهمية ونفاذ يف الزمن يعود إىل مكانة االنفعال فيها ومركزيته ،فاالنفعال
فردي ،وعلى هذه الفردية ميكن أن حتيل ما تضمنته نظرية التعبري من ثورة واحتجاج على الكالسيكية
اجلديدة اليت آلت بالنظرية األدبية والفنية إىل قيود يف األشكال واملوضوعات ،هكذا كانت نظرية التعبري
من هذه الوجهة املعنى التلقائي لنشدان احلرية والشغف بها والتشوف إليها.
هلذا كانت العالقة بني نظرية التعبري وبني احلرية يف الواقع االجتماعي ،مداراً الستمداد الشهادة على متثيلها
داللة العلة أو املعلول هلذا الواقع وذلك من الوجهتني املثالية والواقعية اللتني تتضادان يف حساب الرتتيب للواقع
على الفكر أو العكس .فنظرية التعبري ،لدى املؤرخني هلا من الوجهة الواقعية ،هي انعكاس للتغريات اجلذرية
اليت هزت اجملتمع األوربي بعد حدث الثورة الفرنسية ،وقد نشأت نظرية التعبري يف الفكر العربي ،فهي لدى
جابر عصفور مثال -املوازي ا لنظري للرومانسية العربية اليت كانت املوازي اإلبداعي للفكر الليربالي الذي
شاع ما بني احلربني العامليتني" .وهي هنا وهناك ،من الوجهة املثالية ،السبب الذي ولد احلرية يف الواقع،
فأصبحت داللته وأثره والشاهد عليه .ومن الوجهتني أصبحت نظرية التعبري الزم األدب اجلديد و موضوعاته
اجلديدة وما فيه من ثورة على القيود الكالسيكية واالرتهان إىل الزخرفة والصنعة والتقليد ،مثلما ملزوم ذلك
بالدرجة نفسها .إن مصطلح التعبري حيمل داللة ال تؤديها بدائله املستخدمة ،ألن نظرية التعبري كما سنرى ال
تنظر إىل االنفعال إال متجسداً يف تعبري.
املبادئ واألصول:
. 1ختلية وحتلية:
«التخلية قبل التحلية» أي نفي ما ليس صفة للشيء وختلية له مما مينع حترير مفهومها املراد قبل وصفه بهذا
املفهوم وتقريره له .السائر «وبضدها تتميز األشياء» فلن نفهم حق الفهم أي وجهة نظرية مثلما لن نفهم أي داللة
-ما مل نأخذها يف حساب التقابل مع غريه غريها أو االختالف عنه .وأول ما تنفيه نظرية التعبري العالقة بني
الشعر الذي سيغدو لديها منوذجا لألدب وللفن إمجاال ،وبني الواقع اخلارجي ،فالشعر ينتمي إىل داخل الشاعر
أي إىل انفعاله ،فالدافع األساسي للشعر هو يف داخل الشاعر يف االنفعاالت والرغبات اليت تنشد التعبري.
. 2االمتياز التعبريي للشاعر:
إن امتياز الشاعر وعبقريته لدى نظرية التعبري هو مدار تأكيد متكرر لدى روادها .وهو امتياز حييل على ما
يتمتع به من حساسية غري عادية ،ومن فاعلية ذهنية .فهو يتعاطف بدرجة أكثر من املعتاد مع موضوعات الطبيعة
وأحداث احلياة اإلنسانية ،ولديه قدرة غري عادية على النشاط الذهين التلقائي عامة وباألخص على نشاط
امللكتني العقليتني" :اخليال" و "الوهم" ،وهو امتياز بالقدرة على «احلدس» فيصبح الفن لديه حدساً واحلدس
ينبثق من أعماق الوجدان ،فنظرية التعبري تقوم على قاعدتني ،أو تطري جبناحني هما :االنفعال واخليال.
. 3بني وصف االنفعال والتعبري عنه:
يرتتب على هذه العضوية اليت يصنعها االنفعال يف العمل الفين بواسطة اخليال ،إزاحة التصور اآللي لإلبداع من
حيث هو داللة سطحية وداللة صنعة تفصل بني األديب وإنتاجه ،وبني الذات واملوضوع ،وبني اللفظ واملعنى.
268
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
وبذلك يتجلى فارق بني إثارة االنفعال أو وصفه وبني التعبري عنه .إن إثارة االنفعال أو وصفه -إذن -ليست من
الفن يف شيء ألنها يف األول حتيل الفن إىل وسيلة ،ويف الثاني تعمم االنفعال وال ختصصه وجتده وال جتسمه.
فالفنان خيرج مشاعره إىل حيز املوضوعية عرب وسيط موضوعي ،وفكرة الوسيط املوضوعي هذه ستؤدي إىل
نقلة للفكرة األولية للنظرية اليت بها وردزورث ،أعين التدفق التلقائي لالنفعال ،ولفكرة االحتاد بني الذات
واملوضوع عرب ما يسبغه اخليال من وحدة على العناصر ،لدي كولردج.
. 4اجلدة واإلبداعية:
اجلدة اإلبداعية هي القيمة اليت تنتج يف نظرية التعبري عن العالقة بني اإلبداع ومؤلفه من زاوية اليقني بفردية
املبدع وحريته.
ويضاعف قيمة اجلدة مدلول االنفعال واخليال الراسخني يف داللة الفردي فالوحدة العضوية داللة على احتاد
العناصر املكونة للعمل الفين احتاداً عضوياً حبيث تتغلغل الفكرة أو العاطفة يف كل جزء منه .ولذلك ال تغدو
العالقة بني املوضوع اجلمالي وبني داللته الشعورية عالقة عالمة وإمنا عالقة جتسد فالقصيدة أو اللوحة تُجسد
بوصفها موضوعاً مجالياً ،االنفعال حبيث ال ميكن أن حيصل املرء على التأثري نفسه الذي حتدثه األخبار عن
موضوعهما ،وال ما حيدثه أي عمل فين آخر ،أو جتربة شخصية.
ولذلك فإن جتربة الشاعر وإن كانت فردية مبعنى ما ،وذاتية مبعنى آخر ،فإنها ليست شخصية أي ال تتعلق
بذاته الضيقة وأموره الشخصية البحتة ،بل تنبع من أعماق ذاته ،فيكون هلا مدلول إنساني عام.
. 5من التعبري عن االنفعال إىل العدوى به:
على الرغم من أن مقولة االنفعال والتعبري عنه ظلت لب داللة الفن يف اجلهد النظري عند تولستوي ،فإن الفن
لديه ال يتعرف بالصلة باالنفعال والتعبري بل بالعدوى ،ذلك املصطلح الذي أصبح عالمة فارقة على نظريته،
ويعين به انتقال املشاعر واألحاسيس من املؤلف إىل غريه من الناس.
وقد استلزمت مقولة العدوى مثلما استلزم القول بالتعبري القول مبصطلح الصدق الفين ،وهو مصطلح أحل عليه
فريون مثلما أحل عليه تولستوي ،فاإلخالص -عند فريون -حيل حمل احلقيقة يف الفن» وما على الفنان الصادق
الشعور إال أن يستسلم النفعاله ،وسوف يصبح هذا االنفعال معدية ،وينهال عليه الثناء الذي يستحقه» .وصدقية
الفنان هي الشرط األساسي إلحداث العدوی ولوسم إنتاجه بسمة الفن احلقيقي ،وهناك أربعة أساليب جتتمع
يف املناقضة للصدق واملضادة له ،وأوهلا :االقتباس من النتاجات القدمية بإعادة صياغتها ،والثاني :التقليد
ويقصد به نقل تفاصيل الشيء الذي يتم تصويره أو التعبري عنه ،والثالث :إثارة الدهشة وهي التأثري على
األحاسيس اخلارجية بتصوير األشياء املريعة ،والرابع :التشويق ،ويعين تأليف األعمال حبيث جيب ختمينها
كما ختمن األحاجي.
269
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
270
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
األدب من عاطفية أن هيمنت الشعرية الغنائية على األدب وأصبحت -كما يقول أبرامز -منوذجه ،وللسبب
نفسه كان أكثر نتاج الرومانسية شعراً ،وكان ما أنتجته يف الدراما والسرد قليال وغري ذي أهمية.
وقد غدا النقد عند بندتو كروتشيه بناء على ذلك حبثا عن احملتوى العاطفي يف األعمال الفنية واألدبية .فإدراك
موضوعات الفن واجلمال اإلبداعي لديه هو عيان روحي أي إدراك هلا بوصفها حاالت نفسية ،وما يروقنا ويلذنا
يف أي عمل فين إمنا هو متثيله للمشاعر واحلاالت الوجدانية .وسواء كان العمل مسرحية أم قصة أم لوحة
تشكيلية أم مقطوعة موسيقية أم قصيدة فإن مدار القيمة يف كل منها هو غنائيتها أي عاطفيتها الفردية.
. 5استبدادية الشاعر:
ال بد أن نفهم الفردية فيما تطرحه نظرية التعبري مبا جيعل تلك الفردية استبداداً صارخاً .فإذا نظرنا إىل ما
ختص الشاعر به من امتيازات ،فإنها على حمور التعارض بينه الناقد تعليه يف مقابل إدناء منزلة الناقد ،وإىل
هذا االستبداد ميكن أن حنيل التناقض الذي يتجلى يف نظرية التعبري بني إطالق حرية الفرد ،هذا اإلطالق
الذي يدل على التفاؤل والنظر املستقبلي والتجديد ،وبني امتالء الرومانسية باحلزن والتشاؤم واحلنني إىل
املاضي .ويتصل بذلك متاما التناقض بني .ما رأيناه من حفاوتها باملظلومني والبؤساء واستمداد اإلهلام من
الطبقات الريفية الدنيا غري املهذبة وبني النفور من اجملتمع والعزلة عنه وعدم قدرة الرومانسيني على االنغماس
يف هل يب الواقع احلي مع عامة الناس .ومثله التناقض يف نظرية التعبري بني احلديث فيها عن وحدة العمل الفين،
على حنو ما تعمق ذلك كولردج ونيتشه ،وبني حصر االهتمام يف االنفعال والعاطفة الفردية.
. 6من نقد االنفعال إىل نقد العدوى به:
نظرية التعبري تصف مسار العبارة يف حركتها البسيطة واملتجانسة من الداخل إىل اخلارج وهناك ثالث جتليات
لنظرية التعبري:
تعبريية حماكية وهي تتعلق مبا يعيد انتاج الواقع ) 1
تعبريية ذاتية وهذه عالقتها حصرية بالشخصية ورؤيتها إىل العامل ) 2
تعبريية تداولية وهي متعلقة بتأويل ردود الفعل اليت حيتمل أن ينتجها املتلقي ) 3
نظرية االنعكاس:
املرجعية وبناء املفهوم:
. 1املرجعية املاركسية:
نظرية االنعكاس هي االسم األكثر بروزاً يف اطروحات االجتاه املاركسي ،ولقد بلغت تكاملها لدى
الفيلسوف والناقد اجملري جورج لوكاش ،وهي تدل على أن األدب انعكاس للواقع ،واالنعكاس يف املادية
اجلدلية ليس تفسرياً للفن فقط بل هو تفسري له يف ضوء نظرية املعرفة فيها ،اليت يرتتب الوعي فيها على الوجود
املادي ،ومن هنا جاءت مقولة االنعكاس ،فالوعي أو العقل ما هو إال انعكاس للمادة ،إال أن الفن وغريه من
اشكال الوعي متلك استقالالً نسبياً يُتيح هلا القدرة على العودة بالتأثري على الواقع.
271
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
272
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
القصة الواقعية يف القرن التاسع عشر .والنتيجة اليت استخلصا برخيت من ذلك هي أن لوكاش يتجاهل األساس
التارخيي للشكل.
. 2املعارضة الشمولية واألداتية:
لقد اتضح الرفض للواقعية ،وملزومها نظرية االنعكاس ،لدى مدرسة فرنكفورت ،وعلى رأسها :ماكس
هوركهامير وثيودور أدورنو ،وهربرت ماركوز الذين تبنوا فكراً نقدياً جتاه التنوير والفكر العقالني
والفلسفة االجتماعية ،ألن ناتج ذلك عملياً هو العقل األداتي واجملتمع الشمولي واالبتعاد عن اجلانب اإلنساني
يف اإلنسان.
لقد بدت مقاومة الفن واألدب للشمولية لدى أدورنو يف نفيه اتصال األدب اتصاالً مباشراً بالواقع ،فاالنفصال
بني الفن والواقع هو الذي يصنع وظيفة الفن وخصوصيته ،وذهب أدورنو إىل التأكيد على الصورة اجلمالية
للفن ،وقد أعجب أدورنو بالفن الطليعي احلداثي ،ألنه حيقق االستقاللية الذاتية عن الواقع.
أما هوركهامير فإن مقاومة الفن لديه للشمولية تبدو يف رؤيته إليه من حيث هو وسيلة خاصة لتجاوز الواقع،
فهو يرفض أن يكون األدب جمرد انعكاس للواقع باملعنى الذي ذهب إليه لوكاش ،كما قدم هربرت ماركوز
نقداً للنظرية اجلمالية املاركسية ،يكشف عن حماصرتها للعمل األدبي بالنفعية ،وهلذا أخذ من الرتكيز
على أهمية البعد اجلمالي يف حياة اإلنسان مداراً لنقده ملفهوم االنعكاس ،ومل يكن االنعكاس لدى ولرت
بنيامني وصفاً مطابقاً للشكل األدبي ،حيث وصف السينما والراديو والصحف والتصوير الفوتوغرايف
والتسجيالت الصوتية بأنها توسع ملكية قوى الفن ،فلم يعد االهتمام مقصوراً على موضوع العمل األدبي
فحسب بل امتد ليشمل وسائل إنتاجه أيضاً ،ومن هنا نستنتج أن العمل األدبي عند بنيامني ال يتحدد بانعكاس
عالقات البناء االجتماعي االقتصادي فيه فقط ،بل بعالقات إنتاجه وتداوله أيضاً.
حتويل الواقع ال مشابهته:
يشري إرنست إىل األشكال الفنية ليست جمرد أشكال ناب عة من الوعي الفردي وإمنا هي تعبري عن نظرة إىل
العامل حيددها اجملتمع ،فالظروف االجتماعية قلما جتد انعكاساً مباشراً هلا يف الفنون ،واألشكال اجلديدة
واألفكار الفنية اجلديدة ال تتطابق مع املضمون االجتماعي اجلديد تطابقاً كامالً .وهو يرى أنه الميكن أن
يكون هدف الفن وغايته أن يعيد متثيل الطبيعة.
ويتصور فيشر عالقة أخرى بني األدب والواقع وهي عالقة التحويل اليت يؤول إليها الواقع يف األدب "فالبد
للفنان حتى يكون فناناً أن ميلك التجربة ويتحكم فيها وحيوهلا إىل ذكرى ثم حيول الذكريات إىل تعبري ،أو
حيول املادة إىل شكل ...ينبغي أن يفهم القواعد واألشكال واخلدع واألساليب اليت ميكن بها ترويض الطبيعة
املتمردة وإخضاعها لسلطان الفن" إن فيشر مييز بني ما يصفه بــ"االستسالم الديونيسي" والعنصر "األبولوني".
273
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
مساءالت نقدية
. 1دعوى املوضوعية والطوباوية:
كان أبرز النقود املوجهة إىل النظرية األدبية يف الكاركسية ،ما اجته إىل مالحظة االحنياز املختبئ خلف
دعوى املوضوعية يف االنعكاس ،ولذك فإن رؤية التاريخ واجملتمع على ما هما عليه ــ فيما نقرأ لدى لوكاش ــ
ليس يف دائرة املمكن أال من منظور الواقعية االشرتاكية .وقد بدت مقولتا االنعكاس وااللتزام نوع من التوحيد
والدمج بني ما يف االنعكاس من نظرة آلية ترى يف الفن رد فعل سليب منعكساً عن األساس االقتصادي ،وما
يف الرومانسية من رؤية إىل الفن بوصفه إسقاطاً لعلم مثالي ودفعاً بالبشر إىل قيم جديدة .وهلذا فإن األدب يُقرأ
دائماً بقصد االكتشاف حقائق عامة عن العامل املادي الذي يستقل عنه ،وهكذا تبدو املناقشة لدور العقل من
تريي إجيلتون يرى أن اإلميان حيث هو تدخل خالق يف العامل وليس جمرد انعكاس له ،إال أن
بدور العقل والوعي هكذا ال يرتك أي جمال لالنعكاس .فاالستبصار املنبثق عن االلتفات إىل دور الوعي
اخلالق ،أخذ اجتاهاً بالرتكيز على مفاعيله يف تغيري صورة الواقع وحتويله وإعادة صياغته وليس االنعكاس
له أو التشابه معه واحملاكاة له .ومعنى ذلك أن القول باالنعكاس مثل القول بالواقعية ال يفسر األدب بقدر ما
يصف وجهة مذهبية ووظيفية فيه .فاألدب كيان ينشأ يف أتون صراع وحوار ومصاحل وخماوف ،فاالنعكاس
ومعه الواقعية االشرتاكية حيتشدان يف اجتاه تصور طوباوي وعرب فلسفة حمددة هي املادية اجلدلية والتارخيية.
. 2دعوى الواقع والواقعية:
تثري الواقعية إشكاالً يف التعريف بسبب نسبتها إىل الواقع ،إال أن للواقعية أدبياً مفهوماً خاصاً ورؤية للواقع
واألدب يف القرن التاسع عشر امليالدي ،فهي يف هذا املوقع التارخيي يف موقع الضد للرومانسية ترفض اخليالية
اجملنحة والذاتية واإلغراب وترفض األساطري وعامل األحالم واملصادفات واخلوارق وال تقف عند املثالي واجلميل
واخلري بل هي أقرب إىل رؤية الواقع وأكثر اتساعاً ،فالرواية الواقعية تقوم على غياب املؤلف عن روايته أي
انعدام مشاعره الشخصية وتدخله فيما يروي ،وقد غدت إحدى أبرز صفات الواقعية ماثلة من الوجهة التارخيية
فهي من حيث موضوعيتها تتطلب املقارنات التارخيية وتقديم صور التغيري يف اجملتمع ،واملوضوعية ال ت حتقق
يف األدب باملعنى االصطالحي هلا ،ويرتتب على ذلك أن اخلصائص اليت اجتمعت عليها الواقعية النقدية يف ضوء
مناخ تارخيي معني ليست مجاع طرق األدب وأشكاله كلها ،إنها مثل الواقعية االشرتاكية رهينة مذهبية
حمددة.
أطوار ماركسية أخرى:
لقد مضت اطروحات النظرية الواقعية واملاركسية إىل أطوار جديدة ميكن أن نرصدها يف اجتاهني بارزين:
البنيوية التوليدية اليت نهض بها لوسيان جولدمان وهو تلميذ لوكاش ،وهي وجهة جتمع بني . 1
البنيوية واملاركسية من حيث تشابههما يف جماوزة الفردية إىل العالقات واألنساق.
274
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اجتاه الدراسات الثقافية إىل كرستوفر كودويل ورميوند يليامز وغريهما وهو اجتاه ينظر . 2
إىل النظام االجتماعي بواسطة الثقافة ،فاإلنتاج الثقايف ليس فقط مشتقاً من نظام اجتماعي بل عنصر
يف تكوينه.
275
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فاألدب حني يغدو رهناً للرغبات وحني يرتبط بأي قيمة أخرى غري القيمة اجلمالية يصبح ملوثاً ومفارقاً للنقاء،
ولقد برز يف ضوء احلداثة وصف للعمل الفين واألدبي يستبدل التحفة بالوثيقة ،فالعمل يف نظرية التعبري كما
يف نظرية احملاكاة وثيقة ولذلك برز االهتمام بالعالقة اليت تصل بينه وبني موضوع التوثيق الذي يقع خارجه
وهو العامل اخلارجي يف احملاكاة وشخصية املؤلف يف نظرية التعبري ،أما يف نظرية اخللق فقد أصبح العمل
حتفة ألنه استحال إىل غاية يف ذاته ومل يبق وسيلة إىل ما هو خارجه.
املقوالت والتصورات:
. 1الغاية اجلمالية:
هناك متاس بني نظرية اخللق ونظرية التعبري يف دائرة التأكيد على احلرية اإلبداعية اليت صارت الفردية
والذاتية متكأها وومسها ،وهلذا مل يكن صدفة أن تعود عبارة "الفن للفن" اليت بدت مقولة أساسية يف
االجتاهات احلداثية يف النظرية األدبية ،فالداللة الشعرية داللة شكل ال معنى وصورة ال غرض ،والفن غاية
يف ذاته ،فالقصيدة ينبغي أن تكتب من أجل القصيدة ألن اهلدف هو اجلمال ،ومن هنا ننظر إىل الشعر بوصفه
شكالً وصورة وأنه ال شأن له باخلري واحلق وإمنا باجلمال ،وألن بو يفصل بني الشعر والشاعر أو بني العمل
الفين والعاطفة الذاتية واإلهلام.
. 2الفرادة واالبتكار:
يرى بشارل بودلري إن أول صفة للجمال يف الفن هي إثارته للدهشة ،وهي صفة تقرتن باتصاف الغرابة وتقدميه
ما هو مفاجئ وغري متو قع ،ولذلك ينبغي لديه أن يكون اجلمال غريباً ،إن اجلمال يرتبط بالبيئة اليت تنتجه
بقدر ما يرتبط بالفرد ،ونتيجة ذلك أن النقد ــ من بعد اجلمال ــ البد له أن يكون نسبياً.
ويتكرر لدى بودلري ما رأيناه عند ألن بو من الفصل بني الشعر والنزعة العاطفية الذاتية ،وإذا كان مؤدى
التجرد من الذاتية ــ الذي أصبح مسة للشعر احلديث ــ ينقض نظرية التعبري اليت تقوم على الذاتية ،فإن بودلري
ينقض ــ كما صنع الن بو ــ مقولة اإلهلام وذلك بتأكيده اللحظات اإلرادية الذهنية يف فعل اخللق األدبي.
لقد استوىل اجلمال على الفكرة النظرية للشعر عند الشعراء الرمزيني ،فقطعت الصلة بني الشعر والواقع،
وغدا اإلحياء هو اهلدف من األدب ،فمعنى القصيدة هو ما يكتنهه القاريء ،إنه نظر إىل الشعر يرتامى به إىل
قول ما ال يُقال وإىل الوصول به إىل اجملهول ،لذلك تعزز على أيدي الشعراء الرمزيني ويد بودلري موقع قصيدة
النثر حيث ال يتقيد الشاعر بوزن بل خيلق لكل قصيدة إيقاعاً خاصاً.
. 3القيمة اجلوهرية للشكل:
تصب اخلصائص املذهبية الرمزية يف نظرية اخللق من حيث إحالتها املفهوم األدبي إىل حبث مستمر عن لغة
جديدة غري مكررة وال مقلدة .ومل تكن مقالة برادلي "الشعر للشعر" إال امتداداً للتأكيد على اجلوهر
الشكلي ،اما مسألة األخالق واخلري فقد رأى برادلي أن علينا أال نضع الشعر وخري اإلنسان يف تضاد ،وهو
مييز بني املوضوع يف احلياة الواقعية وبني املوضوع يف الفن .وقد كانت الفكرة الفنية لدى الشاعر والناقد
276
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
اإلجنليزي توماس إرنست هومل شكلية تؤكد على قيمة الصورة وأهميتها ،فهي تستمد مادتها من املرئيات
حيث متسها كيمياء اخللق الشعري اليت تصنع منها كائنات إبداعية جديدة.
277
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
باللغة العلمية أو العادية ،فليس الشكل ذريعة ملعنى أو وسيلة إليه بل هو نفسه املعنى إذا ما قصدنا الداللة على
معنى أدبي أو فين.
التثمني والتقويم:
. 1مقام التثمني:
أول ما ميكن احتسابه لنظرية اخللق هو التأكيد على قيمة االبتكار واالبداع ،فاالبتكار يف األدب ال يعين
ابتكار موضوعات له ،وإمنا يعين ابتكار أشكال تضيف كائنات إبداعية إىل وعينا بالواقع وباألدب على
حد سواء .لكنها من حيث الت أكيد على الشكل تتيح للنقد األدبي ما يصونه عن االنطباعية ويعرب عن تشوفه
إىل العلمية ،وبذلك برز االختصاص النقدي األدبي كما برز االختصاص النظري األدبي مبا مل يربزا من قبل،
وال نبالغ إذا قلنا أن تفجر النظرية األدبية منذ النصف الثاني من القرن العشرين امليالدي هو قرين ارتكازها
على الشكل ،فالشكل يف النظرية األدبية هو الذي فتح آفاق ًا جديدة يف النظرية والنقد احلديث ،واملقولة
اليت صاغها روالن بارت "موت املؤلف" هي املدى األقصى الستغالل مفعول اجملاوزة لقصدية املؤلف.
. 2تفكيك وتركيب:
إن مقوالت نظرية اخللق ،تأتلف وختتلف ضمن إطار يسمها بهوية مائزة هلا يف قبال غريها من النظريات الوجهات
النقدية ،ولكنها ال تستقل بعديد من مقوالتها ومقوماتها اجلمالية وال حتتكرها ،فالتغريب هو الوجه اآلخر
ملقولة الغموض يف الرمزية ،ويف تراثنا النقدي العربي تأكيد على مجال الغموض ،وقد كانت مقولة الفن للفن
أو الشعر للشعر مذهباً شائعاً يف الشعر العربي ويف وصف القدامى له ،كما أن الغاية الشعرية اليت تقوم يف
نظرية اخللق على التحرر مبعانيه النفسية واالجتماعية العميقة ،هي وجه من الوجوه اليت يتسع هلا تأويل التطهري
الذي عرفناه لدى أرسطو ،ومثل ذلك مفهوم الوحدة اليت تؤكد عليها نظرية اخللق ،حيث كانت الوحدة
العضوية أبرز املقومات اجلمالية يف نظرية التعبري عند كولردج.
. 3التطرف الشكلي:
لقد استحال الفهم لألدب يف ظل التطرف يف مفهوم الشكل واستبداده إىل نوع من العدمية املتقارنة مع ما
أضفاه التطرف الشكلي عليه من اآللية .إن الفهم الشكلي لألدب ال يزيد لدى تودوروف عن إيضاح املفاهيم
اليت استحدثها هذا العامل أو ذاك من علماء اللسانيات ،أو هذا املنظر أو ذاك ،واملطلوب هو أن نصل على
معاني النصوص اليت ستقودنا إىل معرفة اإلنساني وهي املعرفة اليت تهم اجلميع ،وال خيفى ما تتضمنه نظرية
اخللق والشكلية من مركزية يف بنية الشكل أو يف مقولة االبتكار.
البنيوية
والدة املفهوم ومهاده املنهجي:
278
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
لقد مت طرحها بوصفها منهجاً أو طريقة معرفية لقراءة الظواهر اإلنسانية والثقافية ومنها األدب ،لقد ارتبطت
احملاكاة بالكالسيكية ،والتعبري بالرومانسية ،واالنعكاس بالواقعية ،واخللق باالجتاهات احلداثية
الطليعية ،أما البنيوية فهي تتوجه لقديم األدب وحديثه دون تفريق بينهما وال انتقاص ،وقد استخدمت حقول
املعرفة اجملاورة لألدب لتحليل األدب وقراءته مبا ال يرفد املعرفة به من حيث هو بنية مكتفية بنفسها ،أما
البنيوية فهي ختتلف عن ذلك ،فهي ال تستعري منظور معرفة غري أدبية لقراءة األدب ،وقد متيزت البنيوية باإلفادة
من علم اللغة يف الطموح إىل علم يتخذ األدي موضوعاً له.
االستمداد من الشكلية:
إن أبرز ما ميكن أن نتنبه إليه هو انشغال البنيوية بالشعر وتأثريه على صياغة مفاهيمها اجلمالية ،فهي حتيل
على الوظيفة اجلمالية اليت تنتج عن الرتكيز عن الرسالة نفسها ،فالبنيوية متيل إىل األدب الطليعي واملتحرر
من أسر املعاني احملكومة سلفاً ،وأنها ليست بال موقف من األدب.
مرجعية الدراسة للغة األدب:
إن أهم ما يف البنيوية هو تغيريها عادات التصور لألدب وتلقيه ،وقد انبثق هذا التصور من اطروحات دي سوسري
يف علم اللغة ،وأبرزها متييزه بني اللغة والكالم حيث اللغة أعم من الكالم ،فاللغة يف ضوء اطروحاته تكتسب
دوراً جباراً ،فالكلمات لديه عالمات تتكون من طرفني متصلني أوهلما الدال واآلخر املدلول ،فالكلمة يف
الكالم ال تكتسب مهناها من ذاتها بل من العالقات مع كلمات أخرى.
االنتساب املنهجي إىل فكرة البنية:
مل تكن البنيوية سوى وعي الستثمار علم اللغة إمجاالً يف سياق من التوافق مع جوانب من الشكلية الروسية
والنقد اجلديد والفلسفة الظواهرية واجلشطلت ،ليخرج من ذلك فكرة منهجية منسوبة إىل البنية اليت تبقى
دائماً جمردة ال ميكن مواجهتها يف شكل موضوع مباشر ،وقد ميز جان بياجيه البنية بثالث صفات( :الكلية
أو الشمول "فقوانني تضفي على الكل خصائص اجملموعة املغايرة خلصائص العناصر" ــ التحول "فال ميكن
تصور البنية دون قيامها على جمموعة من التحوالت" ــ الضبط الذاتي "فهي تضبط نفسها ويؤدي ذلك للحفاظ
عليها" ،وقد كانت البنيوية وجهة عقلية معادية للنزعة التجريبية.
عملية البنيوية والنموذج اللغوي:
الطموح العلمي/القواعد الثابتة:
إن اإلدراك لطموح البنيوية العلمي هو ما ينبين على هذه الصفة لديها ،من افرتاض قواعد ثابتة وأنظمة مستقرة
خلف التنوع والتغاير واالختالف ،هي قواعد البنية وأنظمتها اليت تأخذ البنيوية امسها من النسبة إليها ،فال
تصبح األعمال الفردية موضوعاً للدراسة البنيوية وإمنا األنظمة اليت تكمن خلفها ،فالبنيوية تسعى إىل جماوزة
هذه املظاهر إىل البنى العميقة والكامنة يف الفطرة اإلنسانية ،تلك البنى اليت تصل إىل قرار راسخ من وحدة
العقل اإلنساني وثباته .فرغم الفروق بني أقسام اجلنس البشري فإن العقل واحد ومتشابه يف كل مكان.
النموذج العلمي لدى البنيوية:
279
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هناك صفات جامعة منذ عرف اإلنسان األدب إال أن هذه الصفات تفتقد إىل النموذج الذي يصنع ثباتاً واستقرارًا
وراء االختالف والتنوع ،وهو ما امتلكته البنيوية ،وهذا النموذج هو النموذج اللغوي الذي يبدأ من تركيب
اجلملة من مسند ومسند إليه ،وال ينفصل منوذج بناء اجلملة هذا يف البنيوية عن األهمية اليت أولتها للفونولوجيا
اليت تتخذ العالقات بني األلفاظ أساساً لتحليلها ،وترى دائماً الوحدات الصوتية أجزاء من منظومة ما ،وتسعى
إىل اكتشاف قوانني عامة .إن البنيوية ترى الشكل واحملتوى من طبيعة واحدة وخيضعان للتحليل ذاته،
فاحملتوى يستمد واقعه من بنيته ،والشكل هو البنية اليت تؤلف حمتوى ال ينفصل عنها ،فالفصل بني اللغة
والفكر غري ممكن ،فاللغة متلك سلطة تصويرية متارس تأثريها على املتكلمني للغة ،فهي ليست جمرد
وسيلة لالتصال أو التفكري.
من التحليل الشكلي إىل التحليل البنيوي:
يصف شرتاوس األسطورة بأنها منط من أمناط القول ويسجل يف ذلك ثالث نتائج ،فال أسئلة عن علل أو أصول،
وإمنا حبث عن نسق االختالفات والتقابالت الكامن يف كل ممارسة ،وال خالف من هذه الزاوية بني حتليل
األسطورة وحتليل قصيدة شعرية أو رواية ...إنها مجيعاً لغة ،فما ذكره شرتاوس عن األسطورة يفضي به إىل
نتجيتني :األوىل أن األسطورة كائن لغوي مكونة من وحدات مؤلفة ،والثانية أن هذه الوحدات املؤلفة تستتبع
وجود الوحدات اليت تتدخل عادة يف بنية اللغة ،وهي الوحدات الصوتية والصرفية والداللية .فالوحدات اليت يتم
تقسيم األسطورة إليها تكشف عن تعارضات ثنائية ،كما هو شأن التعارضات اليت تكشف عنها الوحدات
اللغوية الصغرى ،ولذ لك كان منوذج التحليل اللغوي هو أداة البنيوية يف الكشف عن البنية األساسية للعقل
اإلنساني.
مفهوم العامل والتجريد لبنية النص:
يستحيل النموذج اللغوي للتحليل البنيوي لدى جرمياس إىل جتريد لبنية النص ،فنموذج جرمياس منوذجاً بنيوياً
وليس شكلياً كما كان صنيع بروب ،فجرمياس امتداداً بنيوي ًا لشرتاوس .إن مفهوم العامل هو ما ينتسب إليه
النموذج التحليلي ،فبدالً من دوائر الفعل السبعة يقرتح جرمياس ثالثة أزواج من العوامل املتقابلة هي( :الذات
مقابل املوضوع ــ املرسل مقابل املرسل إليه ــ املساعد مقابل املعارض) ،ويرى جرمياس أن العامل ال ينفرد بنوع
من الفعل ،والعامل ال ينحصر يف شخصية ،بل قد يكون ظرفاً أو فكرةً أو قيمة أو شيئاً.
جامع النص والتناص.
يقول جريار جينيت" :ليس النص هو موضوع الشعرية ،بل جامع النص ،أي جمموع اخلصائص العامة أو املتعالية
اليت ينتمي إليها كل نص على حدة" ،كما أن النظرية األجناسية عند جينيت تدفع بالبنيوية إىل التناص ،إن
موضوع الشعرية ليس النص يف حالته االنفرادية بل هو جامع النص ،إن موضوع الشعرية هو التعدية النصية أو
االستعالء النصي للنص ،وهو كل ما يضع النص يف عالقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى ،ويقسم جينيت
عالقات الت عدية النصية أو النص املتعالي إىل مخسة أمناط أوهلا التناص ،وثانيها امللحق النصي ،وثالثها املاورائية
النصية ،ورابعها االتساعية النصية ،وخامسها اجلامعية النصية.
280
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
281
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
البنيوية إىل إنطاق جوانب غري مفكر فيها والكشف عنها .وهذا ما جعل البنيوية حية ومستمرة باملعنى ،وأصبح
التعاطي جلوهر داللة البنية الثابتة فيها واملنغلقة على ذاتها شيئاً قدمياً.
من وجهة املديح:
لقد كانت خلخلة املركزية أكرب إجناز إنساني ثقايف فيما بعد البنيوية ،مما ال يسيغ أن نتغاضى عن دور
البنيوية يف الداللة علية وقيادة الفكر النظري إليه ،حني أحلت على حمو االختالف ،ومنه االختالف بني
الثقافات واحلضارات ،وقد ال يرتاح الكثريون إىل ما أحدثته البنيوية من اجتثاث االنطباعية جتاه معاني اجلمال
والسرور واملتعة ألنها عزفت عن أحكام القيمة اليت تنهال معربة عن مشاعر القاريء جتاه النصوص األدبية اليت
يقرأها .ولكن حسنة البنيوية يف خمالفة التجريبية وانتقاصها أمر واضح يف دعم الفروض العقلية وأولوية العقل
يف إنتاج املعرفة وقيادتها.
املوقف النقدي:
لقد واجهت البنيوية من خصومها اتهاماً مركزياً وهو إلغاء اإلنسان ،وذلك فيما تتكشف عنه البنيوية من
تضحية بالذات أو جماوزة هلا حلساب البنية ،وقد رد بعض البنيويني على هذا االتهام بأن الذات اليت اتهمت
البنيوية بقتلها أو إنكارها هي الذات الفردية ،وقد كانت علمية البنيوية يف شأن األدب هي حائط الصد هلا
الذي حرف مسارها وثبط همة احلماس هلا.
التفكيكية والتأسيس ملا بعد البنيوية:
التفكيكية هي املفتاح النظري املؤسس ملا بعد البنيوية ،وهي مترد على البنيوية ونقد جذري هلا ،فهي جتعل
نظرية القراءة نظرية للنص ،ونظرية النص نظرية للقراءة ،وهي تطوير للبنيوية وانفتاح بها على آفاق جديدة،
يقول راما ن سلدن" :ممثلوا ما بعد البنيوية هم بنيويون اكتشفوا خطأ طرائقهم على حنو مفاجيء" ،فلم تقف
التفكيكية عند مصادر البنيوية بل اضافت إليها مصادر أخرى من الفلسفة والبالغة ،وقد كانت اللغة والواقع
واملعنى واحلقيقة والذاتية ومن ثم النشاط األدبي والفلسفي هي احملاور املتصلة اليت اختذت منظوراً جديداً يف
التفكيكية ،وحني نأتي لألدب فإنه حبكم موقع الفهم للمعنى يصبح معناه مستقراً وموحداً ومتصالً مبؤلفه
والواقع الذي عرب عنه ،فال يتعدد معنى العمل األدبي بتعدد قراءه وال حيتوي على معانٍ تتناقض مع موضوعه
وتشق وحدته ،إال أن هذا ال تصور تزعزع يف تلك الطروحات الفلسفية والنظرية اليت شكلت جذوراً للتفكيكية
ودعامة مرجعية هلا.
بني كانت ونزعة احلداثة األدبية:
احلكم اجلمالي نافذة على غري املفهومي والعقالني :اخلصائص اليت ميز بها كانت احلكم . 1
اجلمالي ،تكشف عن وسائل إدراك له خارج مقاييس املعرفة العقالنية واملنطقية ،يقول كانت" :إذا
أردنا أن منيز شيئاً ما بأنه مجيل أو غري مجيل ،فإننا ال نرجع إىل التمثيل للموضوع بوسائل الفهم قياساً
على املعرفة ،وإمنا إىل وسائل اخليال" ،وهكذا خلص املعنى اجلمالي لدى كانت وامتاز خبصائصه
عن االحكام النفعية والغائية.
282
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أدب احلداثة وانتهاك العناصر العقالنية :لقد وجدت التفكيكية يف امتداح غموض األدب، . 2
والقول بتفوق الفن والشعر على اخلطاب املفهومي ،وإلغاء احلدود املعيارية بني األجناس األدبية،
والتأكيد على الشعري يف انتهاك العناصر العقالنية واجملاوزة للعادي واملضادة لالنسجام والتماسك ...
لدى النزعات احلداثية يف األدب منذ الرومانسيني ،ما ساعدها على متييز ألوان اخلطابات التسلطية
وانغالق النظام الرمزي يف اجملتمعات.
اهليجليون الشباب والتمرد على هيجل :هذا املظهر الذي يرفض من وجهة األدب الطليعي . 3
التماهي بني الذات واملوضوع ،وبني الفكر والوا قع ،هو رفض للفكرة اهليجلية القائلة بأن املعرفة
املطلقة تقتضي التماهي بني الذات واملوضوع ،وأن الواقعي هو العقالني .فإذا كانت التفكيكية تغرس
جذورها يف هذا الرفض فإنها تغرس جذورها يف فلسفة اهليجليني الشباب الذي متردوا على فلسفة
هيجل من هذا الوجه .فنجد يف التف كيكية وجهاً مشابهاً هلذا املنطق برفض التماهي بني الذات
واملوضوع ،فيستقل املوضوع عن سيطرة الذات ،وهذا الذي نبعت منه التفكيكية ،فالتفكيكية هي
اهليجلية الشابة.
نيتشه التفكيكيي األعظم:
اجملاز والصراع :نقض الوجود الثابت وأحادية التفسري :إن احلقيقة لدى نيتشه جمموعة . 1
استعارات وأوهام ،فالعامل موجود من خالل منظورات خمتلفة ،فليس هناك معرفة موضوعية ومطلقة
فلكل فرد منظوره للعامل ولكل عصر منظوره كذلك ،ولذلك فإن اللغة عنده جماز ،وكما نفى
نيتشه احلقيقة نفى األخالق ونفى العقل ،وهذه كلها تصورات صميمية يف التفكيك.
املوقف من الكتابة :مل يكن املوقف من الكتابة والتصور هلا عند نيتشه خارج موقفه من . 2
العقل واحلقيقة واللغة واملعنى ،فالكتابة لديه ديونيسوسية ،فأوصاف الفنون والكتابة األدبية يف
مرحلة ما بعد احلداثة تستحضر عند عديد الدارسني التفسري اليونيسي عن نيتشه وتتخذ من فلسفته
يف اجتاه التعددية مغرساً جلذور ما بعد احلداثة ،والعالقة بني التفكيكية وما بعد احلداثة هي عالقة
اقتضاء متبادل ،وإحالة مستمرة على منظور التعدد واالختالف الذي ينتهك مبدأ األصل.
تفكيك املتعارضات وتقويض الرتاتب :ال تنفصل عالقة التفكيك مبوقف نيتشه من . 3
املتعارضات عن دليل نيتشه على مسؤولية اجملاز يف تأسيس الرتاتب يف تلك التعارضات الثنائية.
والتفكيك الذي قام به نيتشه للرتاتب بني السبب ولنتيجة مثال واضح اإلشارة إىل التفكيك كما جتلى
من بعد عند دريدا .فمبدأ التعارض يقوم يف تأكيد األسبقية املنطقية والزمنية للسبب على النتيجة،
وني تشه يرى ان هذا املفهوم ليس معطى بل نشاط جمازي أي فعل لغة .وهكذا فإن ما نعيه من العامل
اخلارجي يأتي بعد وعينا بالتأثري الذي قد حدث لنا ،ثم نعتربه فيما بعد سبباً لذلك التأثري ،وبذلك
نعكس الرتتيب الزمين للسبب والنتيجة .ومن هنا نلمس بوضوح انتقال مثل هذه املمارسات النقدية جتاه
املفاهيم واملتعارضات عند نيتشه إىل النشاط التفكيكي لدى دريدا.
283
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
هورسل والظواهرية:
نقد العقل املثالي :تدين التفكيكية هلورسل والفلسفة الظواهرية ،ولقد كان هورسل . 1
يرفض التجريبية ،والسيكولوجية ،ووضعية العلوم الطبيعية ،ويقطع مع التصورات املثالية
ال كالسيكية ،ومن ثم ينفي إمكانية النظر إىل املوضوعات بوصفها أشياء يف ذاتها وإمنا أشياء
يفرتضها الوعي أو يقصدها ،فالقصدية يف الوعي عند هورسل جتعل املوضوع مرتبطاً بالذات.
املالمح الظواهرية يف التفكيك :إن هورسل يعمل ضمن تقليد التمركز املنطقي فيضع اللغة . 2
يف طور ثانوي بعد التحديد للوجود بوصفه حضوراً ....وعندما تضر الكتابة لتصل باملوضوعات املثالية
إىل االكتمال فإنها تفعل ذلك عرب الكتابة الصوتية؛ والكتابة الصوتية تثبت وتنقش وتسجل وجتسد
تلفظاً معداً من قبل ،ودريدا على عكس ذلك فاللغة لديه سابقة على الوجود.
األسئلة اهلايدجرية:
حتقق الوجود وظهوره :لقد محلت فلسفة هايدجير وجهة نقدية للميتافيزيقيا ،والنقد . 1
للميتافيزيقيا واحلضور نقد ميارسه هايدجير باسم اهلدم للتقاليد والبداهات ،ومصطلح هايدجير:
اهلدم أثري عند دريدا بالقدر الذي جعله يصنع مصطلحه املركزي التفكيك.
حركة الزمن واللغة وحقيقة الفن :يرى هايدجير أن الذات البشرية ال تكون دومنا ارتباط . 2
عملي مع غريها ،ونتيجة ذلك عنده أنه يقصي الذات اإلنسانية من موقع اهليمنة اخليالي ،فالفهم لديه
ال معيناً ينجزه الفرد ،بل هو جزء من بنية الوجود اإلنساني ،فالفهم يتم
ليس قضية إدراك معزول أو فع ً
يف الزمن اجملرد .فاللغة لدى هايدجير بيت الوجود ،فاحلياة من وجهة نظره تتحرك يف اللغة فال وجود
بشري من دون لغة ،وهو ينفي الفردية عن الفن أي ينفي مركزية الذات املؤلفة ووحدتها.
مدرسة فرانكفورت وتثوير األدب ضد الواقع:
النقد بوصفه فعالً حتريرياً :حني نعود إىل مدرسة فرانكفورت وخصوصاً جيلها املؤسس، . 1
فإن أكثر من عالمة تربهن على مرجعيتها للتفكيك .إنها نقد للعقل ،فاإلنسان كما الثقافة أو العلم
أو املفاهيم ،يستحيل إىل أداة تقمع اإلنسان واملعنى وتسجنهما يف أداتيهما ،وهذا هو العقل األداتي،
وهو عقل احلداثة والتنوير.
قلب الرتاتبات :هذا املنظور النقدي الذي اختطه هوركهامير وأدورنو ،كان جذرياً يف قلب . 2
الرتاتبات ،ونقد األصول واألولويات ،وهز العالقة الرتاتبية بني األساسي والثانوي ،واجلوهري
واهلامشي ،وهم يكشفان عن مقدار التسلط وأدواته اليت حتجب النظر.
نقض الذات املتعالية واملطلقة :لقد نقض رواد مدرسة فرانكفورت الذات املتعالية لدى . 3
كانت ،كما نقضو الذات اهليجلية ،فاهليجلية مصادرة لالختالف ،وخضوع الفن لدى هيجل
للفكرة ،وما رأته مدرسة فرانكفورت كان على خالف ذلك.
284
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
التمرد على مفاهيم الواقعية جتاه الفكر واألدب :إن أبرز ما نلحظه لدى أدورنو يف نظريته . 4
اجلمالية أنه ينفي توهم وجود عالقة مباشرة بني األدب والواقع ،وجيعل العالقة بينهما مبقتضى الداللة
الفنية األدبية اليت ختلق مسافة تباعد عن الواقع ،عالق غامضة وملتبسة وغري مباشرة .ولذل يرى أن
األعمال الفنية هي أشياء يف ذاتها.
العالقة بني مدرسة فرانكفورت والتفكيكية :إذا ما قارنا بني التصورات لدى رواد مدرسة . 5
فرانكفورت وبني التفكيكية فسنجدها لصيقة بها وملهمة هلا ،فمناقضة مدرسة فرانكفورت للذات
املتعالية عند كانت تندرج ضمن وجهة النقض للميتافيزيقيا يف التفكيكية ،واستقالل الفن عن الواقع
لدى ادورنو هو ما يضمن تطوره وحريته وحركته بعيدًا عن قيد الواقع ،وهو الطريق نفسه الذي سعت
فيه التفكيكية إىل نقض الرتاتب بني الواقع والفن .كم كان نقد هوركهامير وأدورنو للرتتبات بني
الثنائيات مبدأ رئيس وأولي لدى دريدا منذ أول كتاباته املؤسسة للتفكيكية.
فرويد وتفكيك وحدة الذات والرموز:
بنية النفس وبنية العالقة :لقد كانت مرجعية فرويد للنظرية األدبية احلديثة إمجاالً . 1
وللتفكيكية على وجه اخلصوص قائمة يف ريادته للتحليل السيكولوجي ،وأهمية فرويد لدى دريدا
تتجلى يف داللته على العالقة بني بنية النفس وبنية العالمة.
تفكيك الذات :مل تقتصر مرجعية فرويد للتفكيكية على ذلك بل ختطته إىل جانب . 2
جوهري ،له عالقته بداللة الكتابة وبداللة األثر وهذا اجلانب اجلوهري هو تفكيك الذات ،وهلذا
أصبح فرويد حاضراً يف تفاصيل املفهوم املهيمن لدى دريدا والتفكيكية ،وقد اختذ دريدا من اختالفية
الالوعي ركيزة.
قراءة األحالم وتفكيك الرموز :إن قراءة األحالم والرموز عند فرويد تكشف عن مصدر . 3
تلقى منه دريدا طريقة واقعية لفك الرموز ،ولقد كانت سرة احللم عند فرويد منطقة جاذبة لدريدا
سرعان ما تلقفها ليشري إىل حيث نستطيع أن حندد حلظة النص يف انتهاك القوانني اليت يؤسسها بوضوح
لنفسه؛ أي جعل النص يفكك نفسه بنفسه.
اللسانيات العامة واحلداثة النقدية لألدب:
سوسري واملبنى االختاليف للغة :ال تقل اطروحات سوسري أهمية يف مرجعية التفكيكية، . 1
وما يهمنا يف شأن العالقة بني سوسري والتفكيكية ،هو تقديم سوسري نقداً مليتافيزيقيا احلضور،
وملركزية الكلمة ،وهذا النقد هو وجهة التفكيكية وأساسها النظري ،فقد أكد سوسري أنه ال
يوجد يف اللغة صفات قائمة بذاتها وإمنا اختالفات ،ولو هذه الفرضية ملا كانت البنيوية وال
التفكيكية أيضاً.
الشكلية وانقالب العالقة بني الشكل واملضمون: . 2
تالقي البنيوية والتفكيكية وتنافرهما: . 3
285
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
أ -التفكيكية تصحيح بنيوي :إن ممثلوا ما بعد البنيوية هم بنيويون اكتشفوا خطأ طرائقهم
على حنو مفاجئ ،وهذا اخلطأ ــ من وجهة التفكيكية ــ هو حبث البنيوية عن الثابت فيما بني
االختالفات السطحية ،وأن املعنى يكمن يف وجود مركز واحد ،وذلك على عكس ما ذهبت
إلي التفكيكية.
ب -املبدأ البنيوي يف منظور جديد :تربز أهمية البنيوية للتفكيكية يف استعارة دريدا مبدأها يف
الفهم والتحليل ،وهو االعتماد على التقابل الثنائي بني املفاهيم( :الذات واملوضوع ،الطبيعة
والثقافة ،الذكر واألنثى ،اخلري والشر )...،فهذ التصور البنيوي الذي متت استعارته يف
التفكيكية ،ميثل قيم ة مرجعية يف التأسيس هلا ،وذلك بقيامها على تفكيك التقابل ونقض
الرتاتب ،ومل تقتصر إفادة التفكيكية من البنيوية يف إقامة املبنى النظري الذي وجدته جاهزاً
ملمارسة جهد عكسي لتفكيكه ،بل تعدت ذلك إىل فكرة البنية من حيث هي افرتاض وخيال
يقرتحه الدارس البنيوي للتفسري.
من وجهة التأويل النصوصي:
التأويل الصويف والكتابة الصوفية :يتشابه التأويل الالنهائي للنصوص يف التفكيكية مع . 1
التأويل الصويف للنص املقدس ،وقد نبع ذلك التشابه من عدم اإلميان بسر حمدد وقاطع يف النص؛ أي
اإلميان أن النص حامل يبث معاني جديدة باستمرار طبقاً ملوقف القاريْ وحلظته ،وتتشارك
التفكيكية مع التصوف يف االرتياب يف الفكر العقالني امليتافيزيقي ويف اإلدراك لقدرى اللغة على
اخللق ،كما تسري روح حتررية يف التصوف والتفكيك.
بني التصوف والسيميولوجيا والتفكيك :ال يقتصر تشابه التأويل الالنهائي للنصوص يف . 2
التفكيك مع التأويل الصويف ،بل يضاف إىل ذلك تشابه مع التأويل يف السيميولوجيا لدى شارل بريس.
فدريدا حييل على بريس يف شأن إشارته إىل منو الرموز وتطورها من عالمات أخرى ،وإذا كان النص
لدى الصوفية ممتلئ باملعنى فإن النص عند دريدا فقري.
مقارنة بني التفكيكية والسيميولوجيا :على الرغم من وجود التقارب بني التفكيكية . 3
زالسيميولوجيا يف شأن اإلحاالت الالمتناهية للمعنى ،فإن مبنى هذه اإلحاالت السيميولوجي ،كما
جتلت لدى برييس خيالف واقعها التفكيكي عند دريدا.
أ -مفهوم العالمة :بدا مفهوم العالمة موضع اختالف وتناقض بني السيميولوجيا والتفكيكية،
فالسيميوجليا تعرف العالمة بوصفها عالقة ثالثية ،لكن هذا املعنى التصنيفي للعالمة مرفوظ
جذري ًا من قبل التفكيكية ،فالنقطة الرئيسية لدى دريدا أن يفكك مفهوم العالمة.
ب -االختالف يف املوقف من املعنى :طبيعي أن يكون املعنى موضع تضاد حاسم بني التفكيكية
والسيميولوجيا فاملعنى عند برييس هو ضمن العالمة ،ويف املقابل تضع جورفيتش التفكيكية،
286
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
فهي تنفي أي معنى جوهري للنص ،وحتدد املعنى خارجه .إن املعنى لدى دريدا ليس حاضراً يف
النص ،إنه جيدد يف عملية ال نهائية من االختالف واإلرجاء.
ت -املوقف من الزمن وسؤال احلقيقة :يف التفكيكية ال يوجد منو كما ال يوجد احندار ألنه ال
يوجد مقارنة وال تقويم ،فعند دريدا ليس للحضور الفوري عالقة باملاضي أو املستقبل ،فكل
آن نقطة زمنية فارغة يف احلضور.
ث -التشابه واالختالف :وجود صدع بني السيميولوجيا والتفكيكية وهو صدع بني العقالنية اليت
متنح صفتها للسيميولوجيا وبني الالعقالنية اليت تصف بها التفكيكية ،فهذه الوجوه من
التقابل والتضاد واالختالف بني السيميولوجيا والتفكيكية ،ال تلغي مرجعية السيميولوجيا
للتفكيكية.
الذات بني الدال والواقع لدى ال كان:
لقد اجتمعت لدريدا لدى ال كان صيغة من التفاعل بني الدراسات اللسانية والسيميولوجية من جهة ،والتحليل
النفسي عند فرويد من جهة أخرى ،واألهمية اليت وجدها دريدا يف تلك املعرفة اليت أنتجها الكان ،تتعلق
حبرية الدال وانفصاله عن املدلول.
ُتعترب التفكيكية العمود الفقري لنظريات ما بعد احلداثة ،وقد ظهرت يف ظروف سياسية واجتماعية مضطربة
مر فيها العامل الغربي بعد احلرب العاملية الثانية وكانت هلا نتائج عديدة ،وهذا دعا العامل الغربي للنظر يف
الثوابت واملسلمات وذلك انتقل إىل احلقل األدبي حيث شككت التفكيكية يف وجود نص ثابت أو قراءة
ثابتة وأن النص ليس له مرجعية لذلك يكون للنص فيها قراءات ال نهائية فكل قراءة إساءة ملا قبلها لذلك يقول
دريدا رائد التفكيكية" :التفكيكية حركة بنائية وضد بنائية يف آن واحد" وقد ارتبطت التفكيكية
بالفلسفة والفالسفة وأشهرهم نيشه الذي يعترب األب الروحي للتفكيكية ،وهيدجر الذي يقول فيه دريدا أنه
هو أول من دق ناقوس فناء امليتافيزيقيا.
من مقوالت التفكيكية (نقد املركزية ـــ االختالف واالرجاء ـــ احلضور والغياب ـــ األثر ـــ اللعب احلر ـــ
التناص ـــ التشظي) ولقد قامت التفكيكية على أربع تيارات:
تيار هدمية نيتشه فعندما أعلن نيتشه موت اإلله هدم ذلك كل املرجعيات واملركزية ،وعلى . 1
خطاه مشى جاك دريدا فألغى مركزية اللغة ومرجعيتها
تيار الشك اهليدجري فدريدا يقول :أن هيجدر أول من قرع نواقيس نهاية امليتافيزيقيا فنقاط . 2
االلتقاء بينهما كنقد مركزية الفلسفية الغربية ونقطة الشك العدمي وغريها ،ولذلك انتقد دريدا
هيدجر لبقاء ارتباطه بشيء من املرجعية (املتيافيزيقيا)
تيار فرويد والالشعور حيث أثار دريدا عرب عدة نقاط منها تقويض الثنائيات ،وتأثر به أيضاً . 3
بتعامله مع املناطق الغائبة عند االنسان
تيار روالن بارت من خالل قراءة للنصوص األدبية كخيانة اللغة وموت املؤلف وحتليل النصوص. . 4
287
ملخص مراجع االختبار الشامل
تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب
سعيد بن رداد املالكي قسم اللغة العربية ــ مسار األدب
إن التفكيكية عملية تقويض مستمر للنص حتى أن التفكيكية نفسها قابلة للتفكيك ،ولقد انتقد دريدا
هيدجر بأنه بقي مسكون مبيتافيزيقيا احلضور ،وقد جعل احلضارة اليونانية مرجع للفلسفة دريدا يرفض أن
يكون املنهج التفكيكي منهج حتليلي ألن التحليل خيلق املرجعية اليت يرفضها دريدا ويقوضها .أطلق دريدا
على العقل والوعي مركزية اللوقوس (العقل) وهو املسؤول عن الوعي لذلك سعى دريدا لفك االرتباط بني
احلقيقة واللوقوس ،فدريدا أن تقويض العقل يكون عن تقويض الثنائية الضدية ألن هذه الثنائية تقوم تراتبية
قامعة وتعطي األفضلية لطرف دون آخر وتظهر الطرف اآلخر سليب غري مرغوب فيه ،فقلب دريدا هذه الثنائية
مبحو أفضلية الطرف األول حيث جعل الطرف الثاني صورة من صور الطرف األول.
مفاهيم دريدا اللغوية:
الكالم والكتابة :يفرتض الكتابة قبل الكالم ألن الكالم عدم والكتابة وجود . 1
املعنى :البنيويون يرون أن املعنى داخل النص ،أما التفكيكيون فريون أن املعنى متغري ويف توالد . 2
مستمر فالقارئ هو الذي حيدد املعنى
يؤمن مبوت املؤلف . 3
مركزية اللوقوس :كان التمركز حول املنطوق ،عندما نتعامل مع النص نتحرر من احلضور . 4
فال شيء خارج النص
إجراءات النقد التفكيكي:
البحث عن املتناقضات يف النص األدبي ألن التناقض هو معول هدم النص . 1
البحث عن املسكوت عنه يف النص األدبي . 2
الوقوف على كل ما هو هامشي يف النص األدبي . 3
االنتقادات للمنهج التفكيكي:
لقد هاجم عبدالعزيز محودة يف املرايا احملدبة حيث رفض استخدامنا كعرب ملنهج نقدي انتجه مناخ ثقايف
وفكر فلسفي مغاير
الغائها للمرجعية واملركزية وإقرارها بنظرية اللعب احلر للدالالت حيدث نوع من التشتت وعدم القدرة على
حتديد معنى النص
التشكيك يف اللغة وقدرتها على توصيل املعنى
تبنيها فكرة موت املؤلف (فمن منطلق حرية املتلقي يف التفكري انطقت التفكيكية النصوص مبا ليس فيها)
قطع الصلة بني األدب واجملتمع
استخدامها للتناص وتركيزها علية جعل النص أصداء للماضي
غموض املصطلحات وتداخلها
انتقد علماء اللسانيات دريدا على قوله بأن الكتابة غري مهابه وأنها قبل الكالم وأن اللغة تبين املفاهيم
288