Professional Documents
Culture Documents
تحليل نص
تحليل نص
1
ك 44ذلك أك 44د الفيلس 44وف الفرنسي روني @@ه ديكارت أن مص 44در الرياض 44يات العق 44ل ،وذل 44ك باعتب 44اره أع 44دل األش 44ياء توزع 44ا بين الن 44اس،
وباعتبار أن املعرفة الحسية كثيرا ما تكون خاطئة ،وغ4ير كافي4ة في ذاته4ا ،ومن4ه ف4إن االقتص4ار على ش4هادة الح4واس ي4ؤدي إلى نت4ائج
خاطئ44ة له44ذا اعت44بر ديكارت أن األفكار الحاص44لة عن طري44ق الح44واس ال قيم44ة له44ا في بن44اء ص44رح مع44رفي دقي44ق ،ألن الح44واس خادع44ة،
وباعتبار الرياضيات واحدة من املعارف التي أثبتت لنفس4ها الدق4ة واليقيني4ة فإن4ه من املس4تحيل أن تكون من مص4در حسي ،ب4ل من
مص44در عقلي ،فهي أفكار فطري44ة تتم44يز بالبداه44ة والوض44وح ،أودعه44ا هللا فين44ا من44ذ البداي44ة ،كفك44رة هللا في ح44د ذاته44ا ،يق44ول ديكارت:
"إن هللا ه44و ال44ذي وض44ع الحق44ائق الرياض44ية ال44تي نعتبره44ا ثابت44ة ،وال44تي تتعل44ق ب44ه بالكلي44ة،كم44ا تتعل44ق ب44ه الخالئ44ق جميع44ا ،فه44و ال44ذي
وضع هذه القوانين في الطبيعة كامللك الذي يضع القوانين في مملكته" .
أم 44ا الفيلس 44وف األملاني إيمانوي @@ل كان @@ط فيؤك 44د أن أص 44ل الرياض 44يات ه 44و العق 44ل ،من خالل برهنت 44ه أن املكان والزم 44ان مفهوم 44ان
قبلي 44 4ان مج 44 4ردان وش 44 4رطان للعالق 44 4ات ال 44 4تي تق 44 4وم بين املحسوس 44 4ات ،ومجم 44 4ل ه 44 4ذا البره 44 4ان أن املكان والزم 44 4ان ش 44 4رطان أولي 44 4ان
وض 44روريان لظه 44ور األش 44ياء ،وال 44دليل على ذل 44ك أن 44ه يس 44تحيل علين 44ا تص 44ور أش 44ياء ليس 44ت في مكان وال في زم 44ان ،وه 44ذا يع 44ني قبلي 44ة
املكان والزمان حيث يقول كانط ":املكان والزمان قبليان يشكالن إطارين قبليين لكل الحدوس الحسية"
فقولنا :الطاولة ذات ل4ون وش4كل معين يتض4من الق4ول أنه4ا في مكان وزم4ان م4ا ،فليس من الض4روري حين إدراكي للطاول4ة أن أدرك
كل صفاتها الحسية ،لكن من الضروري أن أدرك اإلطار املكاني والزماني للطاول4ة ،فالطاول4ة الالمكاني4ة واالزماني4ة ليس4ت موض4وع
إدراكي الحسي ،فاملكان والزمان مدركان عقليان بهما تكون الرياضيات ممكنة وتكون أولية يقينية؛ فالحساب هو علم الزم44ان ألن
العدد يتكون من وحدات الزمان املتعاقبة ،والهندسة هي علم املكان فالعلم الرياضي يتأسس على هاتين الصورتين القبليتين ،ف44إن
لم يكن املكان والزم4ان ص44ورتين أولي4تين كانت املق4ادير الرياض44ية تجربي4ة ،فتص4بح ب44ذلك قض4اياها نسبية متغ44يرة ،مم44ا ينفي الق4ول
باليقين والضرورة.
نق@د :رغم أن4ه ال يمكنن4ا إنكار الط4ابع التجري4دي للرياض4يات وإعتماده4ا بش4كل كب4ير على العق4ل لكن أن نجع4ل من العق4ل مص4درها
الوحي 44د فه 44ذا يوقعن 44ا في جمل 44ة من التناقض 44ات ،حيث ي 44ترتب على ه 44دا ال 44رأي أن املف 44اهيم الرياض 44ية نش 44أت دفع 44ة واح 44دة وه 44ذا م 44ا
يكذبه إستقراء تاريخ الرياضيات ،فإنكار دور التجربة في عملية البرهان الرياضي غير مبرر ألن4ه ل4و كانت أفكار فطري4ة موج4ودة في
العقل لوجدناها عند جميع الناس دون الحاج4ة إلى تعلمه4ا ،ف4الواقع يثبت أن الطف4ل ال ي4دركها بطابعه4ا املج4رد إال من خالل ربطه4ا
ب4الواقع فلوكان مص4در املف4اهيم الرياض4ية ه4و العق4ل ،فلم4اذا ال نج4دها كم4ا هي بطابعه4ا التجري4دي عن4د الطف4ل الص4غير واإلنس4ان
الب 44دائي باعتب 44ار أن العق 44ل أع 44دل األش 44ياء توزع 44ا بين الن 44اس؟ في حين يؤك 44د (علم النفس) أن الطف 44ل الص 44غير يتعلم الحس 44اب عن
طري 44ق اإلس 44تعانة بأص 44ابعه ع 44ادة يق 44ول محم 44ود اليعق 44وبي" :إن الطف 44ل يم 44زج بين الع 44دد واالش 44ياء املع 44دودة ،وال يص 44ل إلى مفه 44وم
العدد املجرد إلى عن طريق العمل الحسي".
عرض نقيض القضية ونقدها:
ي4رى أنص4ار املذهب التجري4بي ومن بينهم ج4ون ل4وك ،دافي4دهيوم ،ج4ون ستيوارت مي4ل ..أن أص4ل املف4اهيم الرياض4ية تجري4بي حسي
شأنها شأن كل املعارف اإلنسانية التي ال يمكن لإلنسان إكتس4ابها إال من خالل ربطه4ا ب4الواقع الحسي فنحن ننتق4ل في عملي4ة التعلم
من املحس44وس إلى املج44رد ،ومن البس44يط إلى املعق44د وه44ذا ينطب44ق على الرياض44يات فنس44تخدم األش44ياء للدالل 44ة على الع44دد والش44كل،
وينطل44ق التجريبيون من مس44لمة أساس44ية مفاده44ا :أن العق44ل يول44د فارغ44ا ،والتجرب44ة هي من ت44زوده بمختل44ف املف44اهيم واملع44ارف بم44ا
فيها املفاهيم الرياضية.
2
حيث يؤك 44د ج @@ون ل @@وك أن العق 44ل مج 44رد ص 44فحة بيض 44اء تكتب عليه 44ا التجرب 44ة م 44ا تش 44اء من مب 44ادئ ومف 44اهيم وأفكار ،ومن بينه 44ا
املف 44اهيم الرياض 44ية يق 44ول في ه 44ذا ل 44وك" :ليس في العق 44ل شيء جدي 44د إال وق 44د س 44بق وج 44وده في الحس أوال" ،ويق 44ول دافي @@د هي @@وم:
"اليوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة".
كم44ا ي44رفض ل44وك نظري44ة األفكار الفطري44ة فل44و كانت الرياض44يات أفكار فطري44ة تول44د معن44ا لكانت عن44د الجمي44ع وملا لج44أ اإلنس44ان إلى
إكتسابها وتعلمها ،لكن الواقع يثبت أن هناك تفاوت في فهم وإكتساب املفاهيم الرياض4ية مم4ا يع4ني أن التجرب4ة الحس4ية هي أس4اس
إكتس44اب املف44اهيم الرياض44ية ل44ذلك يق44ول ل44وك" :ل44و كان الن44اس يول44دون وهم م44زودون بأفكار فطري44ة لتس44اوو في املعرف44ة ".و يق44ول
هيوم" :كل ما أعرفه قد استمديته من التجربة".
إن املمارس44ة الحس44ية تتح44ول إلى مفه44وم مج44رد ،فاألش44كال الطبيعي44ة أوحت لإلنس44ان باألش44كال الهندس44ية ،واألص44ابع أوحت بفك44رة
الع44دد والحس44اب ،حيث يؤك44د ج@@ون ستيوارت مي@@ل أن األش44كال الهندس44ية ال44تي تعتم44دها الرياض44يات مس44توحاة من الواق44ع الحسي
مث44ل النق44اط من النج44وم ،ال44دائرة من الش44مس و املثلث من الجب44ال ...حيث يق44ول" :إن النق44اط والخط44وط وال44دوائر ال44تي يحمله44ا كل
واحد منا في ذهنه مجرد نسخ من تلك التي عرفها في التجربة الحسية"
ومن الناحي 44ة التاريخي 44ة ف 44إن املرحل 44ة االول للرياض 44يات كانت حس 44ية خالص 44ة "لرياض 44يات العملي 44ة" فق 44د ارتبطت الرياض 44يات عن 44د
الفراعن 44ة والب 44ابليين باملمارس 44ات العملي 44ة ،حيث ظه 44رت الهندس 44ة عن 44د الفراعن 44ة وارتبطت بظ 44اهرة طبيعي 44ة هي فيض 44ان نه 44ر الني 44ل
الذي كان يؤدي إلى إتالف الحدود بين األراضي وإعادة تقسيمها استلزم على الفراعنة تعلم قواع4د حس4اب املس4احات "نظ4ام مسح
األراضي" وله44ذا عن44د فحص املدلول اللغ44وي لكلم44ة هندس44ة باللف44ظ الالتي44ني(جيوم44تري) نج44دها تع44ني قي44اس األراضي أم44ا الحس44اب
فق 44د ظه 44ر خدم 44ة للمع 44امالت التجاري 44ة والزراع 44ة "معرف 44ة م 44واقيت ال 44ري واملالح 44ة" ،حيث أن الش 44عوب البدائي 44ة كانت تعتم 44د على
أس 44اليب حس 44ية في عملي 44ة الحس 44اب مث 44ل (الحصى والعي 44دان) وق 44د إس 44توحوا فك 44رة الع 44دد من تن 44وع األش 44ياء املوج 44ودة في الطبيع 44ة
لذلك يقال" :إلكتشاف العدد البد من أشياء تعد".
كم44ا أثبت علم النفس أن الطف44ل في مرحلت44ه التعليمي44ة األولى يكون ع44اجزا عن إستيعاب املف44اهيم الرياض44ية في ص44يغتها املج44ردة فال
يستطيع القيام بالعمليات الرياضية إال من خالل ربطها بالواقع كما يلجأ إلى اإلعتماد على أساليب حسية كالقريصات والخشيبات
وأصابع اليد لتعلم املعاني الرياضية.
نق@@د :حقيق44ة أن الرياض44يات له44ا ب44دايات حس44ية وأن اإلنس44ان يلج44أ إلى الح44واس إلكتس44ابها إال أن أنص44ار املذهب التجري44بي ب44الغوا في
ردهم املف 44اهيم الرياض 44ية إلى التجرب 44ة فق 44ط ألن ه 44ذا إنكار ل 44دور العق 44ل ال 44ذي يعت 44بر م 44يزة إنس 44انية فري 44دة ،فل 44و كانت الح 44واس هي
مصدر املفاهيم الرياضية لكان بوسع الحيوانات هي األخرى إكتسابها ألنها تمتل4ك ح4واس ،كم4ا أن4ه ليس لكل مفه4وم رياضي مقاب4ل
حسي في الواقع فالواقع يثبت وجود الكثير من املفاهيم مثل املاالنهاية واألعداد السالبة واملركبة وغيرها ليس لها مقابل حسي.
التركيب:
يمكنن44 4ا التوفي44 4ق بين املوقفين ب44 4القول أن الرياض44 4يات له44 4ا مص44 4دران عقلي و تجري44 4بي فبعض مفاهيمه44 4ا من إب44 4داع العق44 4ل وح44 4ده و
بعضها اآلخر مستوحى من الطبيعة وبعض4ها اآلخ4ر يعتم4د على كليهم4ا مع4ا ،وه4ذا م4ا نج4ده في الرياض4يات التحليلي4ة ال4تي جمعت بين
مي44داني الرياض44يات"الج44بر والهندس44ة" ,فالرياض44يات علم عقلي مج44رد لكن ه44ذا التجري44د لم يح44دث دفع44ة واح44دة ب44ل س44بقته مرحل44ة
حس44ية ،وعم44ل عقلي ،فالرياض44يات هي نت44اج تكام44ل بين العق44ل والح44واس يق44ول بوانكاري44ه" :ل44وال األجس44ام املوج44ودة في الطبيع44ة ملا
وج 44د علم الهندس 44ة ,ولكن الطبيع 44ة ب 44دون عق 44ل مس 44لط عليه 44ا ال مع 44نى له 44ا" ،إن ه 44ذا التكام 44ل ي 44برره اس 44تحالة الفص 44ل داخ 44ل ال 44ذات
اإلنس 44انية بين عم 44ل الح 44واس وعم 44ل العق 44ل ،فهم 44ا متكامالن ومت 44داخالن ،فالنش 44اط ال 44ذهني مس 44تمد من الص 44ور الحس 44ية ،والص 44ور
الحسية مسبوقة دائما بنشاط ذهني.
3
حل املشكلة:
يلزم التأكيد مما سبق ذكره أن االختالف في نظرة الفالس4فة واملفك4رين ح4ول أص4ل الرياض4يات ،وتض4ارب آرائهم وم4واقفهم ح4ول
تل 44ك املش 44كلة ،ال ينقص من قيم 44ة أبح 44اثهم ،ذل 44ك أن ه 44ذا االختالف يع 44بر بالدرج 44ة األولى على م 44دى حيوي 44ة الفك 44ر البش 44ري وم 44دى
قابلته للتنوع والتطور ,وعليه نستنتج أن الرياضيات أصلها عقلي وتجري4بي مع4ا ،فهي محص4لة تكاملهم4ا وه4ذا ه4و ش4أن كل املع4ارف
اإلنس 44انية ال 44تي تش 44ترط ه 44ذا التفاع 44ل والتكام 44ل بين العق 44ل والتجرب 44ة يق 44ول غ 44ونزيث" :ليس 44ت هن 44اك معرف 44ة تجريبي 44ة خالص 44ة ,وال
معرف44ة عقلي44ة خالص44ة ,ب44ل كل م44ا هن44اك أن أح44د الج44انبين العقلي أو التجري44بي ق44د يطغى على اآلخ44ر دون أن يلغي44ه تمام44ا ".إن كون
الرياضيات علما عقليا مغرق4ا في التجري4د ال ينفي مس4اهمة التجرب4ة الحس4ية في نش4أتها في تكام4ل منطقي وواقعي م4ع العم4ل ال4ذهني،
يقول بياجي" :إن املعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا ،وإن التجربة ضرورية لعملية التشكل والتكوين".
4