You are on page 1of 4

‫اإلشكالية‪ :2‬فلسفة العلوم‬

‫إعداد‬ ‫املشكلة‪ :1‬فلسفة الرياضيات‬


‫الدكتور‪ :‬بكيري عبد هللا‬
‫مقالة ‪ :1‬هل أصل املفاهيم الرياضية العقل أم التجربة؟‬
‫‪:‬مالحظة‪ :‬قد تطرح أسئلة هذا املقال بصيغ مختلفة مثل‬
‫هل املعاني الرياضية فطرية أم مستمدة من الواقع الحسي؟‬ ‫‪‬‬
‫طرح املشكلة‪:‬‬
‫تعتبر العلوم الرياض‪4‬ية من أكم‪4‬ل العل‪4‬وم ال‪4‬تي توص‪4‬ل إليه‪4‬ا االنس‪4‬ان وأكثره‪4‬ا تجري‪4‬دا‪ ،‬والرياض‪4‬يات في تعري‪4‬ف أه‪4‬ل االختص‪4‬اص تل‪4‬ك‬
‫الص‪44‬ناعة العقلي‪44‬ة املج‪44‬ردة ال‪44‬تي ت‪44‬درس ن‪44‬وعين من املق‪44‬ادير الكمي‪44‬ة‪ :‬الكم املتص‪44‬ل وه‪44‬و في لغ‪44‬ة الرياض‪44‬يين الهندس‪44‬ة‪ ،‬والكم املنفص‪44‬ل‬
‫وه‪44 4‬و الج‪44 4‬بر‪ ،‬ورغم االتف‪44 4‬اق على مفهومه‪44 4‬ا وأهميته‪44 4‬ا إال أن مص‪44 4‬در املف‪44 4‬اهيم واملع‪44 4‬اني الرياض‪44 4‬ية كان مح‪44 4‬ل اختالف بين املفك‪44 4‬رين‬
‫والفالس‪44‬فة‪ ،‬حيث انقس‪44‬موا إلى اتج‪44‬اهين‪ :‬االتج‪44‬اه العقلي ال‪44‬ذي اعت‪44‬بر أن مص‪44‬در الرياض‪44‬يات ه‪44‬و العق‪44‬ل‪ ،‬واالتج‪44‬اه الحسي ال‪44‬ذي أك‪44‬د‬
‫أن مص‪44‬در الرياض‪44‬يات ه‪44‬و التجرب‪44‬ة الحس‪44‬ية‪ ،‬وفي ظ‪44‬ل ه‪44‬ذا االختالف نتس‪44‬اءل‪ :‬ه‪44‬ل يرت‪44‬د أص‪44‬ل املف‪44‬اهيم الرياض‪44‬ية إلى العق‪44‬ل أم إلى‬
‫التجربة؟ وهل املعاني الرياضية فطرية أم مستمدة من الواقع الحسي؟‬
‫محاولة حل املشكلة‪:‬‬
‫عرض القضية ونقدها‪:‬‬
‫ي‪44‬رى أنص‪44‬ار املذهب العقلي وعلى رأس‪44‬هم أفالط‪44‬ون‪ ،‬ديكارت‪ ،‬كان‪44‬ط‪ ..‬أن أص‪44‬ل املف‪44‬اهيم الرياض‪44‬ية ه‪44‬و العق‪44‬ل فالرياض‪44‬يات مث‪44‬ل كل‬
‫املعارف اإلنسانية مستمدة من العقل ال التجربة ألن العقل عندهم يولد مزودا بمبادئ وأفكار فطرية منها املعاني الرياضية‪.‬‬
‫حيث أكد الفيلسوف اليوناني أفالطون على أن مصدر املفاهيم الرياضية العقل‪ ،‬فهي مستمدة من ع‪4‬الم املث‪4‬ل‪ ،‬حيث قس‪4‬م الع‪4‬الم‬
‫إلى قسمين‪ :‬عالم املحسوسات‪ :‬وهو عالم حسي نسبي ناقص متغير‪ ،‬وعالم املثل‪ :‬وهو عالم عقلي مطلق كامل ثابت‪.‬‬
‫يؤك‪4‬د أفالط‪4‬ون أن املعرف‪4‬ة الحس‪4‬ية نسبية حيث يق‪4‬ول‪" :‬إن االقتص‪4‬ار على ش‪4‬هادة الح‪4‬واس ي‪4‬ؤدي إلى نت‪4‬ائج غ‪4‬ير صحيحة"‪ ،‬ومن‪4‬ه ال‬
‫يمكن أن تكون مص ‪44‬درا للحق ‪44‬ائق الرياض ‪44‬ية اليقيني ‪44‬ة واملطلق ‪44‬ة‪ ،‬أم ‪44‬ا املعرف ‪44‬ة الحقيقي ‪44‬ة الكامل ‪44‬ة فهي املعرف ‪44‬ة العقلي ‪44‬ة املس ‪44‬تمدة من‬
‫عالم الحقيقة املطلقة‪ ،‬أي عالم املثل‪.‬‬
‫إن الرياضيات العقلي‪4‬ة املطلق‪4‬ة موج‪4‬ودة في ع‪4‬الم املث‪4‬ل‪ ،‬أم‪4‬ا اإلنس‪4‬ان فيعيش في ع‪4‬الم املحسوس‪4‬ات‪ ،‬وإدراك‪4‬ه للمع‪4‬اني الرياض‪4‬ية يتم‬
‫بواس‪44‬طة الت‪44‬ذكر‪ ،‬ف‪44‬النفس قب‪44‬ل اتص‪44‬الها بالب‪44‬دن كانت تعيش في ع‪44‬الم املث‪44‬ل حيث ع‪44‬رفت كل املع‪44‬اني املطلق‪44‬ة‪ ،‬وحين ن‪44‬زلت إلى ع‪44‬الم‬
‫املحسوسات واتصلت بالجسد نسيت‪ ،‬وكل ما عليها فعله التذكر من جديد‪ ،‬يقول أفالطون‪" :‬املعرفة تذكر والجهل نسيان"‪.‬‬
‫ولكي تت‪44‬ذكر تحت‪44‬اج إلى اس‪44‬تعمال العق‪44‬ل‪ ،‬إذن فوس‪44‬يلة املعرف‪44‬ة الصحيحة ه‪44‬و العق‪44‬ل‪ ،‬والرياض‪44‬يات عن‪44‬ده كاملث‪44‬ل أزلي‪44‬ة وثابت‪44‬ة‪ ،‬ب‪44‬ل‬
‫وإنها تتميز بالثبات املطلق‪ ،‬وما دامت كذلك فإنه‪4‬ا عقلي‪4‬ة املص‪4‬در‪ ،‬ذل‪4‬ك أنه‪4‬ا ال تختل‪4‬ف من ف‪4‬رد إلى آخ‪4‬ر على نح‪4‬و م‪4‬ا تختل‪4‬ف الخ‪4‬برة‬
‫الحسية من فرد إلى آخ‪4‬ر بحس‪4‬ب ق‪4‬درتهم على اإلدراك‪. ،‬فمثال الب‪4‬ديهيات مح‪4‬ل اتف‪4‬اق بين الن‪4‬اس‪ ،‬ومن أمثلته‪4‬ا‪" :‬إذا أض‪4‬يفت كمي‪4‬ات‬
‫متساوية إلى متساويات كانت النتائج متساوية"‪" ،‬الكل أكبر من الجزء" فهذه القضايا نقبلها دون أن نبرهن على صحتها ‪ ،‬وم‪44‬ا دامت‬
‫كذلك فهي متفقة بين البشر ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ك ‪44‬ذلك أك ‪44‬د الفيلس ‪44‬وف الفرنسي روني @@ه ديكارت أن مص ‪44‬در الرياض ‪44‬يات العق ‪44‬ل‪ ،‬وذل ‪44‬ك باعتب ‪44‬اره أع ‪44‬دل األش ‪44‬ياء توزع ‪44‬ا بين الن ‪44‬اس‪،‬‬
‫وباعتبار أن املعرفة الحسية كثيرا ما تكون خاطئة‪ ،‬وغ‪4‬ير كافي‪4‬ة في ذاته‪4‬ا‪ ،‬ومن‪4‬ه ف‪4‬إن االقتص‪4‬ار على ش‪4‬هادة الح‪4‬واس ي‪4‬ؤدي إلى نت‪4‬ائج‬
‫خاطئ‪44‬ة له‪44‬ذا اعت‪44‬بر ديكارت أن األفكار الحاص‪44‬لة عن طري‪44‬ق الح‪44‬واس ال قيم‪44‬ة له‪44‬ا في بن‪44‬اء ص‪44‬رح مع‪44‬رفي دقي‪44‬ق‪ ،‬ألن الح‪44‬واس خادع‪44‬ة‪،‬‬
‫وباعتبار الرياضيات واحدة من املعارف التي أثبتت لنفس‪4‬ها الدق‪4‬ة واليقيني‪4‬ة فإن‪4‬ه من املس‪4‬تحيل أن تكون من مص‪4‬در حسي‪ ،‬ب‪4‬ل من‬
‫مص‪44‬در عقلي‪ ،‬فهي أفكار فطري‪44‬ة تتم‪44‬يز بالبداه‪44‬ة والوض‪44‬وح‪ ،‬أودعه‪44‬ا هللا فين‪44‬ا من‪44‬ذ البداي‪44‬ة‪ ،‬كفك‪44‬رة هللا في ح‪44‬د ذاته‪44‬ا‪ ،‬يق‪44‬ول ديكارت‪:‬‬
‫"إن هللا ه‪44‬و ال‪44‬ذي وض‪44‬ع الحق‪44‬ائق الرياض‪44‬ية ال‪44‬تي نعتبره‪44‬ا ثابت‪44‬ة‪ ،‬وال‪44‬تي تتعل‪44‬ق ب‪44‬ه بالكلي‪44‬ة‪،‬كم‪44‬ا تتعل‪44‬ق ب‪44‬ه الخالئ‪44‬ق جميع‪44‬ا‪ ،‬فه‪44‬و ال‪44‬ذي‬
‫وضع هذه القوانين في الطبيعة كامللك الذي يضع القوانين في مملكته" ‪.‬‬
‫أم ‪44‬ا الفيلس ‪44‬وف األملاني إيمانوي @@ل كان @@ط فيؤك ‪44‬د أن أص ‪44‬ل الرياض ‪44‬يات ه ‪44‬و العق ‪44‬ل‪ ،‬من خالل برهنت ‪44‬ه أن املكان والزم ‪44‬ان مفهوم ‪44‬ان‬
‫قبلي ‪44 4‬ان مج ‪44 4‬ردان وش ‪44 4‬رطان للعالق ‪44 4‬ات ال ‪44 4‬تي تق ‪44 4‬وم بين املحسوس ‪44 4‬ات‪ ،‬ومجم ‪44 4‬ل ه ‪44 4‬ذا البره ‪44 4‬ان أن املكان والزم ‪44 4‬ان ش ‪44 4‬رطان أولي ‪44 4‬ان‬
‫وض ‪44‬روريان لظه ‪44‬ور األش ‪44‬ياء ‪ ،‬وال ‪44‬دليل على ذل ‪44‬ك أن ‪44‬ه يس ‪44‬تحيل علين ‪44‬ا تص ‪44‬ور أش ‪44‬ياء ليس ‪44‬ت في مكان وال في زم ‪44‬ان‪ ،‬وه ‪44‬ذا يع ‪44‬ني قبلي ‪44‬ة‬
‫املكان والزمان حيث يقول كانط ‪":‬املكان والزمان قبليان يشكالن إطارين قبليين لكل الحدوس الحسية"‬
‫فقولنا‪ :‬الطاولة ذات ل‪4‬ون وش‪4‬كل معين يتض‪4‬من الق‪4‬ول أنه‪4‬ا في مكان وزم‪4‬ان م‪4‬ا‪ ،‬فليس من الض‪4‬روري حين إدراكي للطاول‪4‬ة أن أدرك‬
‫كل صفاتها الحسية‪ ،‬لكن من الضروري أن أدرك اإلطار املكاني والزماني للطاول‪4‬ة‪ ،‬فالطاول‪4‬ة الالمكاني‪4‬ة واالزماني‪4‬ة ليس‪4‬ت موض‪4‬وع‬
‫إدراكي الحسي‪ ،‬فاملكان والزمان مدركان عقليان بهما تكون الرياضيات ممكنة وتكون أولية يقينية؛ فالحساب هو علم الزم‪44‬ان ألن‬
‫العدد يتكون من وحدات الزمان املتعاقبة‪ ،‬والهندسة هي علم املكان فالعلم الرياضي يتأسس على هاتين الصورتين القبليتين‪ ،‬ف‪44‬إن‬
‫لم يكن املكان والزم‪4‬ان ص‪44‬ورتين أولي‪4‬تين كانت املق‪4‬ادير الرياض‪44‬ية تجربي‪4‬ة‪ ،‬فتص‪4‬بح ب‪44‬ذلك قض‪4‬اياها نسبية متغ‪44‬يرة‪ ،‬مم‪44‬ا ينفي الق‪4‬ول‬
‫باليقين والضرورة‪.‬‬
‫نق@د‪ :‬رغم أن‪4‬ه ال يمكنن‪4‬ا إنكار الط‪4‬ابع التجري‪4‬دي للرياض‪4‬يات وإعتماده‪4‬ا بش‪4‬كل كب‪4‬ير على العق‪4‬ل لكن أن نجع‪4‬ل من العق‪4‬ل مص‪4‬درها‬
‫الوحي ‪44‬د فه ‪44‬ذا يوقعن ‪44‬ا في جمل ‪44‬ة من التناقض ‪44‬ات‪ ،‬حيث ي ‪44‬ترتب على ه ‪44‬دا ال ‪44‬رأي أن املف ‪44‬اهيم الرياض ‪44‬ية نش ‪44‬أت دفع ‪44‬ة واح ‪44‬دة وه ‪44‬ذا م ‪44‬ا‬
‫يكذبه إستقراء تاريخ الرياضيات‪ ،‬فإنكار دور التجربة في عملية البرهان الرياضي غير مبرر ألن‪4‬ه ل‪4‬و كانت أفكار فطري‪4‬ة موج‪4‬ودة في‬
‫العقل لوجدناها عند جميع الناس دون الحاج‪4‬ة إلى تعلمه‪4‬ا‪ ،‬ف‪4‬الواقع يثبت أن الطف‪4‬ل ال ي‪4‬دركها بطابعه‪4‬ا املج‪4‬رد إال من خالل ربطه‪4‬ا‬
‫ب‪4‬الواقع فلوكان مص‪4‬در املف‪4‬اهيم الرياض‪4‬ية ه‪4‬و العق‪4‬ل‪ ،‬فلم‪4‬اذا ال نج‪4‬دها كم‪4‬ا هي بطابعه‪4‬ا التجري‪4‬دي عن‪4‬د الطف‪4‬ل الص‪4‬غير واإلنس‪4‬ان‬
‫الب ‪44‬دائي باعتب ‪44‬ار أن العق ‪44‬ل أع ‪44‬دل األش ‪44‬ياء توزع ‪44‬ا بين الن ‪44‬اس؟ في حين يؤك ‪44‬د (علم النفس) أن الطف ‪44‬ل الص ‪44‬غير يتعلم الحس ‪44‬اب عن‬
‫طري ‪44‬ق اإلس ‪44‬تعانة بأص ‪44‬ابعه ع ‪44‬ادة يق ‪44‬ول محم ‪44‬ود اليعق ‪44‬وبي‪" :‬إن الطف ‪44‬ل يم ‪44‬زج بين الع ‪44‬دد واالش ‪44‬ياء املع ‪44‬دودة‪ ،‬وال يص ‪44‬ل إلى مفه ‪44‬وم‬
‫العدد املجرد إلى عن طريق العمل الحسي"‪.‬‬
‫عرض نقيض القضية ونقدها‪:‬‬
‫ي‪4‬رى أنص‪4‬ار املذهب التجري‪4‬بي ومن بينهم ج‪4‬ون ل‪4‬وك‪ ،‬دافي‪4‬دهيوم‪ ،‬ج‪4‬ون ستيوارت مي‪4‬ل‪ ..‬أن أص‪4‬ل املف‪4‬اهيم الرياض‪4‬ية تجري‪4‬بي حسي‬
‫شأنها شأن كل املعارف اإلنسانية التي ال يمكن لإلنسان إكتس‪4‬ابها إال من خالل ربطه‪4‬ا ب‪4‬الواقع الحسي فنحن ننتق‪4‬ل في عملي‪4‬ة التعلم‬
‫من املحس‪44‬وس إلى املج‪44‬رد‪ ،‬ومن البس‪44‬يط إلى املعق‪44‬د وه‪44‬ذا ينطب‪44‬ق على الرياض‪44‬يات فنس‪44‬تخدم األش‪44‬ياء للدالل ‪44‬ة على الع‪44‬دد والش‪44‬كل‪،‬‬
‫وينطل‪44‬ق التجريبيون من مس‪44‬لمة أساس‪44‬ية مفاده‪44‬ا‪ :‬أن العق‪44‬ل يول‪44‬د فارغ‪44‬ا‪ ،‬والتجرب‪44‬ة هي من ت‪44‬زوده بمختل‪44‬ف املف‪44‬اهيم واملع‪44‬ارف بم‪44‬ا‬
‫فيها املفاهيم الرياضية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫حيث يؤك ‪44‬د ج @@ون ل @@وك أن العق ‪44‬ل مج ‪44‬رد ص ‪44‬فحة بيض ‪44‬اء تكتب عليه ‪44‬ا التجرب ‪44‬ة م ‪44‬ا تش ‪44‬اء من مب ‪44‬ادئ ومف ‪44‬اهيم وأفكار‪ ،‬ومن بينه ‪44‬ا‬
‫املف ‪44‬اهيم الرياض ‪44‬ية يق ‪44‬ول في ه ‪44‬ذا ل ‪44‬وك‪" :‬ليس في العق ‪44‬ل شيء جدي ‪44‬د إال وق ‪44‬د س ‪44‬بق وج ‪44‬وده في الحس أوال"‪ ،‬ويق ‪44‬ول دافي @@د هي @@وم‪:‬‬
‫"اليوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة‪".‬‬
‫كم‪44‬ا ي‪44‬رفض ل‪44‬وك نظري‪44‬ة األفكار الفطري‪44‬ة فل‪44‬و كانت الرياض‪44‬يات أفكار فطري‪44‬ة تول‪44‬د معن‪44‬ا لكانت عن‪44‬د الجمي‪44‬ع وملا لج‪44‬أ اإلنس‪44‬ان إلى‬
‫إكتسابها وتعلمها‪ ،‬لكن الواقع يثبت أن هناك تفاوت في فهم وإكتساب املفاهيم الرياض‪4‬ية مم‪4‬ا يع‪4‬ني أن التجرب‪4‬ة الحس‪4‬ية هي أس‪4‬اس‬
‫إكتس‪44‬اب املف‪44‬اهيم الرياض‪44‬ية ل‪44‬ذلك يق‪44‬ول ل‪44‬وك‪" :‬ل‪44‬و كان الن‪44‬اس يول‪44‬دون وهم م‪44‬زودون بأفكار فطري‪44‬ة لتس‪44‬اوو في املعرف‪44‬ة‪ ".‬و يق‪44‬ول‬
‫هيوم‪" :‬كل ما أعرفه قد استمديته من التجربة‪".‬‬
‫إن املمارس‪44‬ة الحس‪44‬ية تتح‪44‬ول إلى مفه‪44‬وم مج‪44‬رد‪ ،‬فاألش‪44‬كال الطبيعي‪44‬ة أوحت لإلنس‪44‬ان باألش‪44‬كال الهندس‪44‬ية‪ ،‬واألص‪44‬ابع أوحت بفك‪44‬رة‬
‫الع‪44‬دد والحس‪44‬اب‪ ،‬حيث يؤك‪44‬د ج@@ون ستيوارت مي@@ل أن األش‪44‬كال الهندس‪44‬ية ال‪44‬تي تعتم‪44‬دها الرياض‪44‬يات مس‪44‬توحاة من الواق‪44‬ع الحسي‬
‫مث‪44‬ل النق‪44‬اط من النج‪44‬وم‪ ،‬ال‪44‬دائرة من الش‪44‬مس و املثلث من الجب‪44‬ال‪ ...‬حيث يق‪44‬ول‪" :‬إن النق‪44‬اط والخط‪44‬وط وال‪44‬دوائر ال‪44‬تي يحمله‪44‬ا كل‬
‫واحد منا في ذهنه مجرد نسخ من تلك التي عرفها في التجربة الحسية"‬
‫ومن الناحي ‪44‬ة التاريخي ‪44‬ة ف ‪44‬إن املرحل ‪44‬ة االول للرياض ‪44‬يات كانت حس ‪44‬ية خالص ‪44‬ة "لرياض ‪44‬يات العملي ‪44‬ة" فق ‪44‬د ارتبطت الرياض ‪44‬يات عن ‪44‬د‬
‫الفراعن ‪44‬ة والب ‪44‬ابليين باملمارس ‪44‬ات العملي ‪44‬ة‪ ،‬حيث ظه ‪44‬رت الهندس ‪44‬ة عن ‪44‬د الفراعن ‪44‬ة وارتبطت بظ ‪44‬اهرة طبيعي ‪44‬ة هي فيض ‪44‬ان نه ‪44‬ر الني ‪44‬ل‬
‫الذي كان يؤدي إلى إتالف الحدود بين األراضي وإعادة تقسيمها استلزم على الفراعنة تعلم قواع‪4‬د حس‪4‬اب املس‪4‬احات "نظ‪4‬ام مسح‬
‫األراضي" وله‪44‬ذا عن‪44‬د فحص املدلول اللغ‪44‬وي لكلم‪44‬ة هندس‪44‬ة باللف‪44‬ظ الالتي‪44‬ني(جيوم‪44‬تري) نج‪44‬دها تع‪44‬ني قي‪44‬اس األراضي أم‪44‬ا الحس‪44‬اب‬
‫فق ‪44‬د ظه ‪44‬ر خدم ‪44‬ة للمع ‪44‬امالت التجاري ‪44‬ة والزراع ‪44‬ة "معرف ‪44‬ة م ‪44‬واقيت ال ‪44‬ري واملالح ‪44‬ة"‪ ،‬حيث أن الش ‪44‬عوب البدائي ‪44‬ة كانت تعتم ‪44‬د على‬
‫أس ‪44‬اليب حس ‪44‬ية في عملي ‪44‬ة الحس ‪44‬اب مث ‪44‬ل (الحصى والعي ‪44‬دان) وق ‪44‬د إس ‪44‬توحوا فك ‪44‬رة الع ‪44‬دد من تن ‪44‬وع األش ‪44‬ياء املوج ‪44‬ودة في الطبيع ‪44‬ة‬
‫لذلك يقال‪" :‬إلكتشاف العدد البد من أشياء تعد‪".‬‬
‫كم‪44‬ا أثبت علم النفس أن الطف‪44‬ل في مرحلت‪44‬ه التعليمي‪44‬ة األولى يكون ع‪44‬اجزا عن إستيعاب املف‪44‬اهيم الرياض‪44‬ية في ص‪44‬يغتها املج‪44‬ردة فال‬
‫يستطيع القيام بالعمليات الرياضية إال من خالل ربطها بالواقع كما يلجأ إلى اإلعتماد على أساليب حسية كالقريصات والخشيبات‬
‫وأصابع اليد لتعلم املعاني الرياضية‪.‬‬
‫نق@@د‪ :‬حقيق‪44‬ة أن الرياض‪44‬يات له‪44‬ا ب‪44‬دايات حس‪44‬ية وأن اإلنس‪44‬ان يلج‪44‬أ إلى الح‪44‬واس إلكتس‪44‬ابها إال أن أنص‪44‬ار املذهب التجري‪44‬بي ب‪44‬الغوا في‬
‫ردهم املف ‪44‬اهيم الرياض ‪44‬ية إلى التجرب ‪44‬ة فق ‪44‬ط ألن ه ‪44‬ذا إنكار ل ‪44‬دور العق ‪44‬ل ال ‪44‬ذي يعت ‪44‬بر م ‪44‬يزة إنس ‪44‬انية فري ‪44‬دة‪ ،‬فل ‪44‬و كانت الح ‪44‬واس هي‬
‫مصدر املفاهيم الرياضية لكان بوسع الحيوانات هي األخرى إكتسابها ألنها تمتل‪4‬ك ح‪4‬واس‪ ،‬كم‪4‬ا أن‪4‬ه ليس لكل مفه‪4‬وم رياضي مقاب‪4‬ل‬
‫حسي في الواقع فالواقع يثبت وجود الكثير من املفاهيم مثل املاالنهاية واألعداد السالبة واملركبة وغيرها ليس لها مقابل حسي‪.‬‬
‫التركيب‪:‬‬
‫يمكنن‪44 4‬ا التوفي‪44 4‬ق بين املوقفين ب‪44 4‬القول أن الرياض‪44 4‬يات له‪44 4‬ا مص‪44 4‬دران عقلي و تجري‪44 4‬بي فبعض مفاهيمه‪44 4‬ا من إب‪44 4‬داع العق‪44 4‬ل وح‪44 4‬ده و‬
‫بعضها اآلخر مستوحى من الطبيعة وبعض‪4‬ها اآلخ‪4‬ر يعتم‪4‬د على كليهم‪4‬ا مع‪4‬ا‪ ،‬وه‪4‬ذا م‪4‬ا نج‪4‬ده في الرياض‪4‬يات التحليلي‪4‬ة ال‪4‬تي جمعت بين‬
‫مي‪44‬داني الرياض‪44‬يات"الج‪44‬بر والهندس‪44‬ة"‪ ,‬فالرياض‪44‬يات علم عقلي مج‪44‬رد لكن ه‪44‬ذا التجري‪44‬د لم يح‪44‬دث دفع‪44‬ة واح‪44‬دة ب‪44‬ل س‪44‬بقته مرحل‪44‬ة‬
‫حس‪44‬ية‪ ،‬وعم‪44‬ل عقلي‪ ،‬فالرياض‪44‬يات هي نت‪44‬اج تكام‪44‬ل بين العق‪44‬ل والح‪44‬واس يق‪44‬ول بوانكاري‪44‬ه‪" :‬ل‪44‬وال األجس‪44‬ام املوج‪44‬ودة في الطبيع‪44‬ة ملا‬
‫وج ‪44‬د علم الهندس ‪44‬ة‪ ,‬ولكن الطبيع ‪44‬ة ب ‪44‬دون عق ‪44‬ل مس ‪44‬لط عليه ‪44‬ا ال مع ‪44‬نى له ‪44‬ا"‪ ،‬إن ه ‪44‬ذا التكام ‪44‬ل ي ‪44‬برره اس ‪44‬تحالة الفص ‪44‬ل داخ ‪44‬ل ال ‪44‬ذات‬
‫اإلنس ‪44‬انية بين عم ‪44‬ل الح ‪44‬واس وعم ‪44‬ل العق ‪44‬ل‪ ،‬فهم ‪44‬ا متكامالن ومت ‪44‬داخالن‪ ،‬فالنش ‪44‬اط ال ‪44‬ذهني مس ‪44‬تمد من الص ‪44‬ور الحس ‪44‬ية‪ ،‬والص ‪44‬ور‬
‫الحسية مسبوقة دائما بنشاط ذهني‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫حل املشكلة‪:‬‬
‫يلزم التأكيد مما سبق ذكره أن االختالف في نظرة الفالس‪4‬فة واملفك‪4‬رين ح‪4‬ول أص‪4‬ل الرياض‪4‬يات‪ ،‬وتض‪4‬ارب آرائهم وم‪4‬واقفهم ح‪4‬ول‬
‫تل ‪44‬ك املش ‪44‬كلة‪ ،‬ال ينقص من قيم ‪44‬ة أبح ‪44‬اثهم‪ ،‬ذل ‪44‬ك أن ه ‪44‬ذا االختالف يع ‪44‬بر بالدرج ‪44‬ة األولى على م ‪44‬دى حيوي ‪44‬ة الفك ‪44‬ر البش ‪44‬ري وم ‪44‬دى‬
‫قابلته للتنوع والتطور‪ ,‬وعليه نستنتج أن الرياضيات أصلها عقلي وتجري‪4‬بي مع‪4‬ا‪ ،‬فهي محص‪4‬لة تكاملهم‪4‬ا وه‪4‬ذا ه‪4‬و ش‪4‬أن كل املع‪4‬ارف‬
‫اإلنس ‪44‬انية ال ‪44‬تي تش ‪44‬ترط ه ‪44‬ذا التفاع ‪44‬ل والتكام ‪44‬ل بين العق ‪44‬ل والتجرب ‪44‬ة يق ‪44‬ول غ ‪44‬ونزيث‪" :‬ليس ‪44‬ت هن ‪44‬اك معرف ‪44‬ة تجريبي ‪44‬ة خالص ‪44‬ة‪ ,‬وال‬
‫معرف‪44‬ة عقلي‪44‬ة خالص‪44‬ة‪ ,‬ب‪44‬ل كل م‪44‬ا هن‪44‬اك أن أح‪44‬د الج‪44‬انبين العقلي أو التجري‪44‬بي ق‪44‬د يطغى على اآلخ‪44‬ر دون أن يلغي‪44‬ه تمام‪44‬ا‪ ".‬إن كون‬
‫الرياضيات علما عقليا مغرق‪4‬ا في التجري‪4‬د ال ينفي مس‪4‬اهمة التجرب‪4‬ة الحس‪4‬ية في نش‪4‬أتها في تكام‪4‬ل منطقي وواقعي م‪4‬ع العم‪4‬ل ال‪4‬ذهني‪،‬‬
‫يقول بياجي‪" :‬إن املعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا‪ ،‬وإن التجربة ضرورية لعملية التشكل والتكوين‪".‬‬

‫‪4‬‬

You might also like