You are on page 1of 5

‫َمَق اِص ُد اْلَح ِّج‬

‫خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1434-12-6 /‬هـ‬

‫احلمد هلل ذي اجلالل واإلكرام ‪ ،‬فرض على عباده حج بيت اهلل احلرام ‪ ،‬ورَّتب على ذلك وافر األجر وجزيل‬
‫اإلنعام ‪ ،‬فمن حج هلل فلم يرفث ومل يفسق رجع كيوم ولدته أّم ه نقًيا من الذنوب واآلثام ‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫اهلل وحده ال شريك له امللُك العاَّل م ‪ ،‬وأشهد أنَّ حممدًا عبده ورسوله خري من صلى وحج وصام ؛ صلى‬ ‫إال ُ‬
‫اهلل وسَّلم عليه وعلى آله وصحبه الكرام ‪.‬‬
‫أَّم ا بعد أيها املؤمنون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعاىل ‪ ،‬وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلُم أَّن رَّبه يسمُعه ويراه ‪.‬‬
‫وتقوى اهلل جل وعال خري زاٍد يبِّلغ إىل رضوان اهلل ‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ { :‬و َتَز َّو ُد وا َفِإَّن َخْيَر الَّز اِد الَّتْقَو ى‬
‫َو اَّتُقوِن َيا ُأوِلي اَأْلْلَباِب} [البقرة‪. ]197:‬‬
‫أيها املؤمنون عباد اهلل ‪ :‬لقد شرع اهلل جَّل وعال عبادة احلج ‪ ،‬تلك العبادة العظيمة والطاعة اجلليلة شرعها جل‬
‫وعال ملقاصد عظيمة وحَك ٍم جليلة وأهداٍف نبيلة ينبغي على املسلم أن يعَيها ؛ ليعُظم أجره ‪ ،‬وليتَّم عمله ‪،‬‬
‫وليزيد بذلك ثوابه عند اهلل ‪ ،‬وليحقق بذلك ما ُش رع احلج ألجله من املقاصد العظيمة واألهداف النبيلة ‪.‬‬
‫‪ ‬أيها املؤمنون عباد اهلل ‪ :‬وإن أعظم ذلك وأجَّله على اإلطالق ‪ :‬حتقيق التوحيد وإخالص العبودية هلل‬
‫والرباءة من الشرك واخللوص منه ‪ ،‬بل إن هذا املقصد هو الغاية اليت خلق اهلل اخللق ألجلها وأوجدهم‬
‫لتحقيقها وعليها يقوم احلج وغريه من الطاعات ‪ ،‬ويف سياق ذكِر جابر رضي اهلل عنه حلجة النيب صلى اهلل‬
‫يب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بالتوحيد فقال ‪َ :‬لَّبْيَك الَّلُه َّم َلَّبْيَك ‪َ ،‬لَّبْيَك اَل َش ِر يَك‬
‫عليه وسلم قال ‪َ« :‬فَأَه َّل النَّ ُّ‬
‫َلَك َلَّبْيَك ‪ِ ،‬إَّن اَحْلْم َد َو الِّنْع َم َة َلَك َو اْلُم ْلَك ‪ ،‬اَل َش ِر يَك َلَك » ‪.‬‬
‫‪ ‬ومن مقاصد احلج عباد اهلل ‪ :‬حتقيق تقوى اهلل جل وعال ؛ ولذا تكررت الوصية بالتقوى يف آيات احلج من‬
‫س••ورة البق••رة وس••ورة احلج ؛ ففي أول آي••ة من آي••ات احلج يف س••ورة البق••رة ق••ال اهلل ع•َّز وج••ل‪َ{ :‬و اَّتُقوا َهَّللا‬
‫َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َش ِد يُد اْلِع َقاِب(‪ ،})196‬ويف اآلي ••ة ال ••يت تليه ••ا ق ••ال س ••بحانه‪َ{ :‬و َتَز َّو ُد وا َف ِإَّن َخ ْي َر ال‪َّ,‬ز اِد‬
‫الَّتْقَو ى َو اَّتُقوِن َيا ُأوِلي اَأْلْلَباِب (‪ ،})197‬ويف اآلية األخرية من هذه اآلي••ات ق••ال ج••ل يف عاله ‪َ{ :‬و اَّتُقوا‬
‫َهَّللا َو اْع َلُم وا َأَّنُك ْم ِإَلْيِه ُتْح َش ُروَن (‪ .})203‬ويف آي ••ات احلج يف س ••ورة احلج ق ••ال اهلل تع ••اىل ‪َ{ :‬ذ ِل َك َو َم ْن‬
‫ُيَع ِّظْم َش َع اِئَر ِهَّللا َفِإَّنَها ِم ْن َتْقَو ى اْلُقُلوِب (‪ ،})32‬مث قال بعدها بآيات ‪َ{ :‬لْن َيَناَل َهَّللا ُلُحوُمَها َو اَل ِد َم اُؤ َها‬
‫َو َلِكْن َيَناُلُه الَّتْقَو ى ِم ْنُك ْم } [احلج‪. ]37:‬‬
‫‪ ‬ومن مقاصد احلج عباد اهلل ‪ :‬إقامة ذكر اهلل جل وعال ؛ وقد تكررت الوصية بذكره جَّل يف عاله يف آيات‬
‫احلج يف سورة البق••رة ويف س••ورة احلج ‪ ،‬ق••ال اهلل س••بحانه وتع••اىل‪َ{ :‬لْيَس َع َلْيُك ْم ُجَناٌح َأْن َتْبَتُغ وا َفْض اًل ِم ْن‬
‫َر ِّبُك ْم َفِإَذ ا َأَفْض ُتْم ِم ْن َع َر َفاٍت َفاْذ ُك ُروا َهَّللا ِع ْنَد اْلَم ْش َع ِر اْلَح َر اِم َو اْذ ُك ُروُه َك َم ا َه َداُك ْم َو ِإْن ُكْنُتْم ِم ْن َقْبِل ِه‬
‫‪1‬‬
‫َلِم َن الَّض اِّليَن } [البقرة‪ ، ]198:‬مث قال اهلل جل وعال بعد ذلك ‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَض ْيُتْم َم َناِس َك ُك ْم َفاْذ ُك ُروا َهَّللا َك ِذ ْك ِر ُك ْم‬
‫آَباَء ُك ْم َأْو َأَشَّد ِذ ْك ًرا}[البق ••رة‪ ، ]200:‬مث قال اهلل عز وجل بع••د ذل••ك ‪َ{ :‬و اْذ ُك ُروا َهَّللا ِفي َأَّياٍم َم ْعُد وَداٍت }[البق ••رة‪:‬‬

‫‪ ، ]203‬ويف سورة احلج قال اهلل عَّز وجل‪َ﴿ :‬و َأِّذ ْن ِفي الَّناِس ِباْلَح ِّج َيْأُتوَك ِر َج ااًل َو َع َلى ُك ِّل َض اِم ٍر َيْأِتيَن‬
‫ِم ْن ُك ِّل َفٍّج َع ِم يٍق (‪ِ )27‬لَيْش َهُد وا َم َناِفَع َلُهْم َو َيْذ ُك ُروا اْس َم ِهَّللا ِفي َأَّياٍم َم ْع ُلوَم اٍت َع َلى َم ا َر َز َقُهْم ِم ْن َبِهيَم ِة‬
‫اَأْلْنَع اِم َفُك ُلوا ِم ْنَها َو َأْطِعُم وا اْلَباِئَس اْلَفِقيَر ﴾ [احلج‪ ، ]28-27:‬ويف املسند عن عائش•ة رض•ي اهلل عنه•ا أن الن•يب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ِ(( :‬إَمَّنا ُج ِعَل الَّطَو اُف ِباْلَبْيِت َو ِبالَّص َف ا َو ا ْر َو ِة َو َر ْم ُي اِجْلَم اِر ِإِل َقاَم ِة ِذْك ِر الَّل ِه َع َّز‬
‫َمل‬
‫َو َج َّل)) ‪.‬‬
‫‪ ‬ومن مقاصد احلج العظيمة ‪ :‬تعميق االستجابة هلل والطواعية ألمره جَّل يف عاله واالتب•اع هلدي الن•يب الك•رمي‬
‫علي ••ه الص ••الة والس ••الم ؛ وتأَّم لوا رع ••اكم اهلل يف تل ••ك الكلم ••ات العظيم ••ات ال ••يت يردده ••ا احلج ••اج عش ••رات‬
‫املرات ب• ••ل مئ• ••ات املرات يف س• ••ريهم إىل مك• ••ة ويف تنقالهتم بني املش• ••اعر « َلَّبْي َك الَّلُه َّم َلَّبْي َك ‪َ ،‬لَّبْي َك اَل‬
‫َش ِر يَك َل َك َلَّبْي َك ‪ِ ،‬إَّن اَحْلْم َد َو الِّنْع َم َة َل َك َو اْلُم ْل َك ‪ ،‬اَل َش ِر يَك َل َك » ؛ دع••اهم ج••ل وعال حلج بيت••ه احلرم‬
‫فاس• ••تجابوا هلذا الن• ••داء وأعلن• ••وا تل• ••بيتهم واس• ••تجابتهم بق• ••وهلم «َلَّبْي َك الَّلُه َّم َلَّبْي َك » أي اس• ••تجابٌة من بع• ••د‬
‫استجابة وامتثاٌل يتلوه امتثال ‪.‬‬
‫ويف ه ••ذا ‪-‬أيه ••ا املؤمن ••ون‪ -‬ع ••ربٌة عظيم ••ة وعظ •ٌة بالغ ••ة ؛ في ••ا من دع ••اه اهلل ع ••ز وج ••ل للحج فق ••ال‪َ« :‬لَّبْي َك الَّلُه َّم‬
‫َلَّبْي َك » لق••د دع••اك ج•َّل وعال إىل أمور هي أعظم من احلج وأج•ّل ومنه••ا الص••الة ال••يت هي أعظم أرك••ان اإلس••الم‬
‫بعد الشهادتني فما حالك مع الصالة ؟ وما حالك مع ف•رائض اإلس•الم األخ•رى؟ وما حال•ك مع جتُّنب الن•واهي‬
‫والبعد عن اآلثام ؟ هل لَّبيت النداء؟ هل استجبت ألمر اهلل جل وعال ؟ فكم يف احلج عباد اهلل من ع••ربة عظيم••ة‬
‫يف حتقي••ق االس••تجابة وتعمي••ق الطواعي••ة واالمتث••ال هلل ج••ل وعال واالقت••داء بالرس••ول الك••رمي علي••ه الص••الة والس••الم‬
‫القائل ((ِلَتْأُخ ُذ وا َعيِّن َم َناِس َكُك ْم )) ‪ ،‬وكما أن مناسك احلج ال ُتقبل إال باالتباع فإَّن أعمال املرء كلها وطاعاته‬
‫مجيعه••ا ال ُتقب••ل إال باالتب••اع كم••ا ق••ال علي••ه الص••الة والس••الم ‪َ(( :‬مْن َعِم َل َعَم اًل َلْيَس َعَلْي ِه َأْم ُر َنا َفُه َو َر ٌّد)) أي‬
‫مردود على صاحبه وغري مقبول منه ‪.‬‬
‫‪ ‬ومن مقاصد احلج العظيمة أيها املؤمن•ون ‪ :‬استش•عار مّن ة اهلل على عب•ده باهلداي•ة والتوفي•ق للطاع•ة والس•المة‬
‫من سبيل أهل الض••الل ‪ ،‬وق••د مر معن••ا ق••ول اهلل ج••ل وعال ‪َ{ :‬و اْذ ُك ُروُه َك َم ا َهَداُك ْم َو ِإْن ُكْنُتْم ِم ْن َقْبِلِه َلِم َن‬
‫الَّض اِّليَن } [البق••رة‪ ، ]198:‬ويف خامتة اآلي••ات الكرميات آي••ات احلج يف س••ورة احلج ق••ال اهلل ع••ز وج••ل‪َ{ :‬ك َذ ِلَك‬
‫َس َّخ َر َها َلُك ْم ِلُتَك ِّبُروا َهَّللا َع َلى َم ا َهَداُك ْم َو َبِّش ِر اْلُم ْح ِسِنيَن (‪. })37‬‬
‫‪ ‬أيه ••ا املؤمن ••ون عب ••اد اهلل ‪ :‬ومن مقاص ••د احلج العظيم ••ة تقوي ••ة اإلميان ؛ فكم يف احلج من جماالٍت متنوع ••ات‬
‫إلصالح النفوس وهتذيب القلوب وتقوية اإلميان وزيادة الصلة ب••الرمحن ج••ل وعال ‪ .‬أيه••ا املؤمن••ون ‪ :‬كم يف‬

‫‪2‬‬
‫احلج من دع••وات مس••تجابات ‪ ،‬وكم يف احلج من ص••دق إقب••ال على رب األرض والس••ماوات ‪ ،‬كم دمع••ة‬
‫يف احلج أريقت ‪ ،‬وكم من دع • • ••وة ص • • ••ادقة أجيبت ‪ ،‬وكم من خطيئ • • ••ة أقيلت ‪ ،‬وكم من رقب• • • •ٍة من الن • • ••ار‬
‫أعتقت ‪ ،‬وكم من ح ••اٍل يف احلج حتولت من س ••يء إىل حس ••ن ومن حس ••ن إىل أحس ••ن ؛ ف ••إن احلج فرص ••ة‬
‫عظيمة للتحول من حال التفريط واإلضاعة إىل حال االمتثال واالستجابة والطاعة ‪.‬‬
‫‪ ‬أيه • • ••ا املؤمن • • ••ون عب • • ••اد اهلل ‪ :‬ومن مقاص • • ••د احلج العظيم • • ••ة هتذيب األخالق والتم • • ••رين على اآلداب الكرمية‬
‫واألخالق الفاض• ••لة العظيم• ••ة {َفَم ْن َفَر َض ِفيِهَّن اْلَح َّج َفاَل َر َفَث َو اَل ُفُسوَق َو اَل ِج َداَل ِفي اْلَح ِّج َو َم ا َتْفَع ُلوا‬
‫ِم ْن َخْيٍر َيْع َلْم ُه ُهَّللا َو َتَز َّو ُد وا َفِإَّن َخْيَر الَّز اِد الَّتْقَو ى َو اَّتُقوِن َيا ُأوِلي اَأْلْلَباِب}[البقرة‪. ]197:‬‬
‫‪ ‬ومن مقاصد احلج العظيمة أيها املؤمنون ‪ :‬نيل الغفران والفوز بالرض••وان والعت••ق من الن••ريان ؛ ولق••د ثبت يف‬
‫َك ِم‬ ‫ِل ِه‬
‫الص••حيح عن نبين••ا الك••رمي ص•لى اهلل علي••ه وس••لم أن••ه ق••ال ‪َ(( :‬مْن َح َّج َّل َفَلْم َيْر ُفْث َو ْمَل َيْف ُس ْق َرَج َع َيْو‬
‫َو َلَد ْت ُه ُأُّم ُه)) أي بال ذنب وال خطيئ••ة ‪ ،‬وكم هلل ج••ل وعال يف احلج والس••يما يف عش••ية عرف••ة من عتق••اء من‬
‫النار ‪.‬‬

‫أيه••ا املؤمن••ون ‪ :‬إن احلج ُش رع ملقاص••د عظيم••ة وغاي••ات جليل••ة وأه••داف نبيل••ة ينبغي على املس••لم أن يعَيه••ا وأن‬
‫يستش•عرها ليعُظم حظ•ه ونص•يبه من ع•رب احلج ودروس•ه وعظاته ‪ ،‬وليحق•ق ب•ذلك ش•هود من•افع احلج اجلليل•ة ال•يت‬
‫دعا اهلل سبحانه وتعاىل عب••اده لش••هودها وحس••ن االنتف••اع منه••ا يف قول••ه ج••ل يف عاله‪َ { :‬و َأِّذ ْن ِفي الَّناِس ِباْلَح ِّج‬
‫َيْأُتوَك ِرَج ااًل َو َع َلى ُك ِّل َض اِم ٍر َيْأِتيَن ِم ْن ُك ِّل َفٍّج َع ِم يٍق (‪ِ )27‬لَيْش َهُد وا َم َناِفَع َلُهْم } [احلج‪ ]28-27:‬؛ فإن الالم هنا‬
‫الم التعليل أي أِّذن فيهم باحلج من أجل أن يشهدوا منافعه العظيمة وعرَب ه اجلليلة ودروسه املتنوعات ‪.‬‬
‫اللهم انفعن•ا هبدي كتاب•ك ‪ ،‬ووفقن•ا التب•اع س•نة نبي•ك ص•لوات اهلل وس•المه علي•ه ‪ ،‬وأص•لح لن•ا ش•أننا كل•ه ‪ ،‬وال‬
‫تكلنا إىل أنفسنا طرفة عني ‪.‬‬
‫أق ••ول ه ••ذا الق ••ول وأس ••تغفر اهلل يل ولكم ولس ••ائر املس ••لمني من ك ••ل ذنب فاس ••تغفروه يغف ••ر لكم إن ••ه ه ••و الغف ••ور‬
‫الرحيم ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫احلمد هلل كثريا ‪ ،‬أمحده سبحانه محد الشاكرين ‪ ،‬وأثين عليه ثناء الذاكرين ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫شريك له إله األولني واآلخرين ‪ ،‬وأشهد أَّن حممدًا عبده ورسوله سيد ولد آدم أمجعني ؛ صلى اهلل وسَّلم عليه‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أما بعد أيها املؤمنون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعاىل ‪ ،‬اتقوا اهلل عز وجل وراقبوه جل وعال يف أعمالكم كلها ؛ فإن‬
‫اهلل عَّز وجل يعلم السر وأخفى ‪ ،‬ويعلم خائنة األعني وما ختفي الصدور ‪.‬‬
‫أيها املؤمنون ‪ :‬يقول اهلل جل وعال يف خامتة آيات احلج يف سورة البقرة‪َ{ :‬و اْذ ُك ُروا َهَّللا ِفي َأَّياٍم َم ْعُد وَداٍت َفَم ْن‬
‫َتَع َّج َل ِفي َيْو َم ْيِن َفاَل ِإْثَم َع َلْيِه َو َم ْن َتَأَّخ َر َفاَل ِإْثَم َع َلْيِه ِلَمِن اَّتَقى َو اَّتُقوا َهَّللا َو اْع َلُم وا َأَّنُك ْم ِإَلْيِه ُتْح َش ُروَن (‬
‫‪ . })203‬أيها املؤمنون ‪ :‬إن عدم التعجل فيه فوائد عظيمة أمهها ‪:‬‬
‫‪ ‬أن ذلك فيه موافقة لعمل النيب صلوات اهلل وسالمه عليه ‪ ،‬فإنه صلى اهلل عليه وسلم تأخر ومل يتعَّج ل ‪.‬‬
‫‪ ‬والفائدة الثانية ‪ :‬أن ذلك أكثر عمال ‪ ،‬وإذا كثر العمل مع االتباع واإلخالص عظم الثواب واألجر عند‬
‫اهلل جل وعال ‪.‬‬
‫‪ ‬والفائدة الثالثة تتعلق بوضع احلج يف أيامنا هذه وما يشهده من زحام ومن إصالحات يف املطاف ؛ فإذا‬
‫تأخر املسلم فإن ذلك فيه مراعاة للتخفيف ومعاونة يف هذا الباب العظيم ‪ ،‬وإَّن املسلم ليؤجر أجًر ا عظيًم ا‬
‫يف مراعاته حلال حجاج بيت اهلل احلرام ختفيًف ا هلم وُبعدا عن تكثيف الزحام يف يوم النفر األول ‪.‬‬
‫ونسأل اهلل عز وجل بأمسائه احلسىن صفاته العليا وبأنه اهلل الذي ال إله إال هو أن ييسر حلجاج بيت اهلل حجهم‬
‫‪ ،‬اللهم يِّس ر هلم حجهم يا رب العاملني ‪ ،‬اللهم يِّس ر هلم حجهم يا رب العاملني ‪ ،‬وتقبل منهم أعماهلم أمجعني ‪،‬‬
‫اللهم وال تردهم خائبني ‪ ،‬اللهم اغفر هلم ذنوهبم وكِّفر عنهم سيئاهتم ‪ ،‬ومَّن علينا وعليهم بالعتق من النريان يا‬
‫رب العاملني ‪.‬‬
‫واعلموا أَّن أصدق احلديث كالم اهلل ‪ ،‬وخري اهلدى هدى حممٍد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وشَّر األمور حمدثاهتا ‪،‬‬
‫وكَّل حمدثٍة بدعة ‪ ،‬وكل بدعٍة ضاللة ‪ ،‬وعليكم باجلماعة فإَّن يد اهلل على اجلماعة ‪.‬‬
‫وصُّلوا وسِّلموا ‪-‬رعاكم اهلل‪ -‬على حممد ابن عبد اهلل كما أمركم اهلل بذلك يف كتابه فقال ‪ِ ﴿ :‬إَّن َهَّللا‬
‫َو َم اَل ِئَكَتُه ُيَص ُّلوَن َع َلى الَّنِبِّي َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َص ُّلوا َع َلْيِه َو َس ِّلُم وا َتْس ِليمًا﴾ [األحزاب‪ ، ]٥٦:‬وقال صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪َ(( :‬مْن َص َّلى َعَلَّي َص اَل ًة َص َّلى اهلل َعَلْيِه َهِبا َعْش ًر ا)) ‪.‬‬
‫اللهم صِّل على حممٍد وعلى آل حممد كما صَّليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إَّنك محيٌد جميد ‪ ،‬وبارك على‬
‫حممٍد وعلى آل حممد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إَّنك محيٌد جميد ‪ .‬وارَض اللهَّم عن اخللفاء‬

‫‪4‬‬
‫الراشدين األئمة املهديني ؛ أىب بكٍر الصديق ‪ ،‬وعمَر الفاروق ‪ ،‬وعثماَن ذي النورين ‪ ،‬وأيب احلسنني علي ‪،‬‬
‫وارض اللهَّم عن الصحابة أمجعني ‪ ،‬وعن التابعني ومن تبعهم بإحساٍن إىل يوم الدين ‪ ،‬وعَّنا معهم مبِّنك‬
‫وكرمك وإحسانك يا أكرم األكرمني ‪.‬‬
‫اللهم أعَّز اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬وأذَّل الشرك واملشركني ‪ ،‬ودِّم ر أعداء الدين ‪ ،‬اللهم انصر إخواننا املسلمني‬
‫املستضعفني يف كل مكان ‪ ،‬اللهم كن هلم ناصًر ا وُمِعينا وحافًظا ومؤِّيدا ‪ ،‬اللهم وعليك بأعداء الدين فإهنم ال‬
‫يعجزونك ‪ ،‬اللهم إَّنا جنعلك يف حنورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم ‪.‬‬
‫اللهم آِم َّنا يف أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬واجعل واليتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب‬
‫العاملني‪ .‬اللهم أعذنا واملسلمني من الفنت ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬اللهم من أرادنا أو أراد أمننا وإمياننا بسوٍء‬
‫فأشغله يف نفسه واجعل كيده يف حنره واجعل تدبريه تدمريه يا رب العاملني ‪.‬‬
‫اللهم وِّفق ويل أمرنا هلداك ‪ ،‬وأِعنه على رضاك ‪ ،‬اللهم سِّدده يف أقواله وأعماله ‪ ،‬اللهم وارزقه البطانة الصاحلة‬
‫الناصحة يا رب العاملني ‪ .‬اللهم وفق مجيع والة أمر املسلمني للعمل بكتابك وحتكيم شرعك يا رب العاملني ‪.‬‬
‫اللهم وِّل على املسلمني خيارهم واصرف عنهم شرارهم يا رب العاملني ‪.‬‬
‫اللهم آت نفوسنا تقواها ‪ ،‬زكها أنت خري من زكاها ‪ ،‬أنت ولُّيها وموالها ‪ .‬اللهم اغفر لنا ولوالدينا‬
‫وللمسلمني واملسلمات واملؤمنني واملؤمنات األحياء منهم واألموات ‪ .‬اللهم اغفر ذنوب املذنبني ‪ ،‬وتب على‬
‫التائبني ‪ ،‬واكتب الصحة والعافية والغنيمة واألجر املوفور للحجاج واملعتمرين ولعموم املسلمني يا رب العاملني‬
‫‪.‬‬
‫اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا اليت فيها معاشنا ‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا اليت فيها‬
‫معادنا ‪ ،‬واجعل احلياة زيادًة لنا يف كل خري ‪ ،‬واملوت راحًة لنا من كل شر ‪ .‬ربنا إَّنا ظلمنا أنفسنا وإن مل تغفر‬
‫لنا وترمحنا لنكونَّن من اخلاسرين ‪ .‬ربنا آتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار ‪.‬‬
‫عباد اهلل ‪ :‬اذكروا اهلل يذكركم ‪ ،‬واشكروه على نعمه يزدكم ‪ ،‬ولذكر اهلل أكرب ‪ ،‬واهلل يعلم ما تصنعون ‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like