Professional Documents
Culture Documents
تعتبر اإلدارة آلية أساسية لتنفيذ برامج الدولة وسياساتها العمومية في المجاالت
االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،كما تجسد وسيلة إلشباع حاجيات المواطن المتنوعة
وفق مبادئ و معايير تدبيرية معينة حددها الدستور من خالل الفصلين 154و
.(1)155
إن اعتماد المغرب على اإلدارة االلكترونية كآلية لتحديث المرفق العام و تحسين خدماته،
جاء تفاعال و ارتفاع الطلب على خدمات المرفق العام و تضاعف المعامالت االدارية و
ارتفاع وثيرتها و رغبة من الدولة المغربية في تجاوز القصور و االختالالت التي تنتجها
االدارة التقليدية “الورقية” ،فاإلدارة اإللكترونية باعتبارها عملية االنتقال من تقديم
الخدمات االدارية بالطرق التقليدية اليدوية الى طريقة الكترونية عن طريق استغالل ما
تتيحه التكنولوجيا الحديثة من وسائل و أدواة تهدف الستخدام أمثل للوقت و الجهد
والمال(.)2
ظهور االدارة االلكترونية بالمغرب ارتبط مع ادخال األنترنيت سنة 1995الذي واكبه
وضع اول برنامج لتكنولوجيا االعالم باإلدارات العمومية واحداث بوابة الكترونية
لوزارة االتصال وادارة الجمارك و الضرائب الغير المباشرة .تكرس هذا الظهور مع
صياغة استراتيجية المغرب االلكتروني سنة ،2001وصوال الى استراتيجية المغرب
الرقمي ما بين 2013-2009التي تهدف الى ادماج التكنولوجيا بشكل اوسع داخل
االدارات العمومية.
ويحظى الموضوع بأهمية بالغة و ذلك راجع لكون االدارة االلكترونية تشكل احدى أهم
محاور ورش اإلصالح اإلداري بالمغرب ،كما أن هذه الدراسة تتيح لنا قياس الدور
الفعلي الذي تلعبه اإلدارة االلكترونية في إصالح اإلدارة وتجديد المرفق العام.
دراسة هذا الموضوع تستوجب منا طرح اشكالية محورية تتمثل في :ما الغاية التي
نستهدفها من خالل اعتماد اإلدارة اإللكترونية؟ هل نريد فقط واجهة إلكترونية ،إدارة
رقمية وخدمات معلوماتية .أم نريدها قاطرة لمراجعة وضعية المرفق العام ومدخال
إلصالح الدولة واإلدارة.
البنيات أو الهياكل اإلدارية هي إطار تنظيمي محدد للوظائف و السلط و طرق تقسيمها
بين الموظفين ،و كذلك تأطير العالقات و تنسيق العالقات بين الوحدات االدارية ،فهو
بمثابة موجه و ضابط العالقات داخل اإلدارة وخارجها.
والمالحظ أنه بتطور وظائف االدارة وتعدد وتنوع احتياجات المرتفقين ،باتت تظهر
العديد من االشكاليات على مستوى بنية االدارة أهمها تضخم الهياكل وصعوبة التنسيق
بينها وكذلك تداخل اختصاصاتها ما يثقل كاهل االدارة ويخفض من مردوديتها ويرفع من
مصاريفها.
فاإلدارة االلكترونية يمكن أن تشكل آلية لتجاوز هذه المشاكل و خاصة بإعادة توزيع
االختصاصات و المسؤوليات و تنظيم العالقات التسلسلية داخل اإلدارة .هذه التغييرات
قد تكون بشكل رسمي معد له مسبقا ،أو عن طريق الممارسة و التطبيق .فالتكنولوجيا
يمكن ان ترسم عالقات افقية بدل العمودية بين مختلف اجزاء المنضومة ،بشكل تداخلي
دون حواجز او عوائق .كما انها ترفع من درجة التنسيق بين الوحدات االدارية و ذلك
من خالل وضع ابناك للمعلومات المشتركة يتم تبادلها بشكل سلس دون اتباع االجراءات
الورقية المعقدة وهذا ما يضفي الطابع المرن و الفعال لإلدارة االلكترونية (.)3
باإلضافة الى ذلك فاإلدارة االلكترونية تساعد على تبني سياسة علمية حديثة تتجاوز
أساليب العمل التقليدية التي تعتمد على أعداد كبيرة من الموظفين ،كما أنها تساعد على
الكشف عن الفائض في الوحدات االدارية ،كما تيسر عملية إحصاء الموظفين ،وتحديد
أماكن عملهم ومؤهالتهم ما يسهل توزيعهم والكشف عن الفائض الممكن.
كما أن الفعالية و المرونة و السرعة التي تطبع المعامالت االدارية االلكترونية سهلت
امكانية تجاوز مركزية القرار االداري ،حيث مكنت الوحدات االدارية من حرية أكبر في
التعامل .مع اإلبقاء على روابط االخبار و التفاعل مع المركز و فقا للوحة قيادة تتضمن
توجيهات وتوصيات ممارسة ذلك النشاط اإلداري وكذلك تؤمن تتبعا لمساره (.)4
تقدم االدارة االلكترونية إيجابيات عديدة ترتبط باألساس بتقليص الهياكل االدارية وجعلها
أكثر فعالية و نجاعة ،ما جعلها محط مقاومة من الموظفين أنفسهم الذين ينظرون إليها
كمهدد لوضعياتهم الوظيفية.
الفرع الثاني :تبسيط المساطر االدارية
إن من أهم اإلشكاليات التي تعاني منها اإلدارة المغربية تعقد المساطر و تعددها ،وهو
ما يضعف من فعالية المرفق و مردوديته وكذلك يضر بنظرة المرتفق لإلدارة.
وفي هذا السياق تظهر اإلدارة اإللكترونية كوسيلة فعالة لتبسيط المساطر و خلق
ديناميكية جديدة داخل اإلدارة العمومية مبنية على السرعة ،الشفافية والمردودية .وكذلك
المساهمة في تجاوز سلبيات اإلدارة الورقية التقليدية.
فإدخال اإلدارة اإللكترونية إلى المرفق يقلص من كمية النماذج الورقية و المستندات
والتوقيعات الواجب استيفاءها أثناء المعامالت اإلدارية .في المقابل تعوضها مستندات
إلكترونية مرتبطة ببنوك المعطيات ومواقع على الشبكة العنكبوتية.
هذه الخدمات المسافية – عن بعد – تشكل عامال مساعدا في اتخاذ القرار في أسرع
ممكن ،دون التقيد بمكان أو زمان محددين .كما أن المعلوميات تعمل على توحيد
المساطر عبر تبني مساطر نموذجية تتجاوز إشكالية التكرار وضياع الوقت ،فوضع
المساطر على الخط يساهم في تجاوز الطابع الورقي التقليدي الذي بات يشكل عائقا أمام
تقديم خدمات بجودة محترمة للمرتفق (.)5
إن الجودة في تقديم الخدمات للمرتفقين من المبادئ الدستورية التي تحكم المرفق
العمومي ،واإلدارة اإللكترونية تساهم في تفعيل هذا المبدأ عن طريق تجاوزاألخطاء
اليدوية الناتجة عن تأدية الموظف لمهامه بالطريقة الورقية التقليدية .هذه األخطاء الوقوع
فيها ناذر في حالة استعمال الوسائل التكنولوجية ،ألن المعطيات فيها مرتبطة بقاعدة
للبيانات مبرمجة بطريقة تلقائية و مضبوطة ،ما يساهم في الرفع المرتفقين في اإلدارات
التي يلجؤون إليها ،وبالتالي تجاوز عدم الرضى الذي يطبع العالقة بين المرفق و
المرتفق (.)6
يصح القول أن اإلدارة اإللكترونية تشكل عامال إيجابيا يرفع حجم التنسيق بين البنيات
اإلدارية وكذلك التقليص من المساطر و تقديم خدمات بجودة معقولة .لكن تفعيل هذا
الدور مرتبط بشكل وثيق بترسيخ ثقافة جديدة تحكم المرفق وتضبطه.
المطلب الثاني :االدارة اإللكترونية و ادخال ثقافة جديدة للمرفق العام
الفرع االول :اإلدارة االلكترونية وتخليق المرفق العام :
إن استعمال تكنولوجيا المعلومات االتصال باإلدارة العمومية متعددة ،جعلها تخطو خطى
كبيرة نحو تجسيد حياة إدارية أفضل من تلك التي كانت من قبل.
فما تشهده اإلدارة العمومية من تطور تكنولوجي ضخم ،يحمل بشائر مذهلة يكون لها
تأثير على مفهوم المرفق العام ،تماشيا مع النهج الرامي إلى تدعيم الشفافية بين اإلدارة
والمواطنين والتي تعد من السمات البارزة لإلدارة االلكترونية ( )7فعن طريقها يمكن
ألي متعامل مع هذا النظام أن يعلم بكافة األمور التي تتعلق بمعاملته بوضوح ،وكذا
المرحلة التي قطعتها عبر الدخول إلى الموقع اإللكتروني لإلدارة المتاح لكل ذي
مصلحة ،وليس هناك ما يجب إخفاؤه إال ما يتعلق بأسرار الدولة أو البيانات الخاصة
والسرية (.)8
هذا ويمكن لإلدارة االلكترونية إضفاء قدر من الشفافية على القرارات اإلدارية عن
طريق إشراك المواطنين في صياغة القرار اإلداري مما يسهل استيعابهم لقبول وتنفيذ
ذلك القرار إضافة إلى تمكين المواطنين من التفاعل مع اإلدارة واإلدالء بآرائهم وتقديم
مقترحاتهم ،وطرح استفساراتهم ،ويتعين على اإلدارة أن تأخذ هذه اآلراء بعين االعتبار
إن هي أرادت أن تواكب اهتمامات وطموحات المواطنين.
لهذا يجب على الدولة المغربية االستفادة من التجارب الرائدة واستغالل اإلمكانيات الهائلة
التي توفرها اإلدارة اإللكترونية بغية الحد من الفساد اإلداري ومن بين هذه اإلمكانات
إنشاء موقع الكتروني يكون الهدف منه تقديم معلومات عن عمليات الرشوة أو االبتزاز
التي يتعرض لها المواطنين ،مع إمكانية ذكر اسم اإلدارة ،والموظف ونوع العملية وقيمة
المبلغ المدفوع ،على أن يبقى صاحب الشكوى سريا.
ويالحظ أن اإلدارة اإللكترونية من شأنها إن تم تفعيلها خلق ثقافة مجتمعية جديدة تقوم
على أساس إيمان المواطن بحقه في االستفادة من خدمة معينة وفق شروط وإجراءات
واضحة ومحددة دون حاجة إلى وساطة أو محاباة (.)9
وهو ما يتطلب بدل جهود كبرى لتفعيل اإلدارة اإللكترونية وجعلها أداة فعلية للتحديث
اإلداري وتجاوز العراقيل التي تعاني منها ،مما سيساهم حتما في تحسين المر دودية
اإلدارية واالستجابة الحتياجات المواطن الذي يطمح إلى أن تكون إدارته ،إدارة فعالة
ومنتجة ومنفتحة (.)10
وبهذا تساعد اإلدارة اإللكترونية في القضاء على أجواء السرية والضبابية التي يمكن أن
تطبع عمل اإلدارات العمومية وتكريس ثقة أكبر بينهم وبين اإلدارة وبالتالي تحقيق
“اإلدارة المواطنة" (.)11
تعتبر الثقافة التنظيمية من المحددات الرئيسية لنجاح أو فشل المنظمات فهي بمثابة
العصب الرئيسي لها ،حيث تتمثل في مجموعة من القيم التنظيمية والمعتقدات والعادات
والتقاليد والمعايير التنظيمية التي تحدد وتضبط سلوك الموظفين لتحقيق أهداف التنظيم
(.)12
تأصيل هذا المفهوم يعود نظريات التدبير الحديثة التي باتت تعتمد في تسيير المرافق
العمومية.
إن اعتماد اإلدارة اإللكترونية يمكن أن يساهم في إدخال ثقافة جديدة لإلدارة تقوم أساسا
على تشجيع بمبادئ وقيم االبتكار واإلبداع واالنفتاح والمرونة ،فنحن أمام تغير في نمط
التسيير ينطلق من تحول طبيعة المهام ليصل إلى ظهور أساليب جديدة للتواصل.
كما أن االدارة االلكترونية تدخل مفاهيم جديدة للعمل االداري مرتبطة بمجال النظم
والبرامج ،و إللمام الموظف بهذه المفاهيم ينبغي علية أن ينسجم و يتأقلم و هذا المجال
التقني ويضبطه عن طريق الدورات التكوينية و التدريبات .وهذا اإلطار تلعب القيادة
دورا أساسيا في تحفيز الموظف على تبني هذه المتغيرات وترسيخ هذه األساليب
واالنماط.
هذا التأثير مرتبط بقابلية الموظف و قدرته على اإلنسجام مع هذه المتغيرات التنظيمية
وكذلك إقباله عليها و هنا تظهر أهمية التكوين المستمر للموظف ما يجعله قادرا على
التفاعل مع هذه التحوالت.
خاتمة :
تمثل تكنولوجيا المعلومات واالتصال رافعة أساسية لتحديث القطاع العمومي ،فأمام
محيط يعرف تحوالت متواصلة وإكراهات مختلفة ،تجد اإلدارة نفسها ،بكل مكوناتها،
مدعوة إلى التالؤم مع هذا السياق إلنجاح مشروع التغيير الذي تحدثه الوسائل
التكنولوجية في أفق إقرار إدارة الكترونية .قد تساهم في إحداث تغييرات ايجابية على
العالقة بين اإلدارة والمتعاملين معها.
وتجدر اإلشارة إلى أن االنتقال من اإلدارة التقليدية الى اإلدارة االلكترونية يرتبط دائما
بتهيئة الظروف والمناخ المالئم ،فأفضل سيناريو للوصول إلى تطبيق سليم إلستراتيجية
اإلدارة االلكترونية و تحقيق اآلثار والنتائج المنتظرة منها ال يتحقق في إدارة تشوبها
اختالالت بنيوية ،فاألجدر إصالح هذه االختالالت و استعمال المعلوميات كآلية للتجديد
والتطوير (.)13
كما أن استعمال اإلدارة اإللكترونية يجب أن يبنى على إنفاق معقلن و ذلك باستحضار
تكلفة هذه البرامج اإللكترونية مقابل األثر و الدور الذي تستهدفه.
الهوامش :
الفصلين 154و 155من دستور المملكة المغربية الصادر سنة .)1) 2011
الفصل 154
يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها ،واإلنصاف
في تغطية التراب الوطني ،واالستمرارية في أداء الخدمات.
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية ،وتخضع في تسييرها للمبادئ
والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور.
الفصل 155
يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم ،وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة.
لبنى الجيراري ،االدارة االلكترونية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية ))2
االقتصادية واالجتماعية ،اكدال –الرباط 2008-2007ص 10
))3
ذ سي محمد البقالي ” إدخال المعلوميات إلى إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ” اطروحة لنيل دبلوم )5
.الدراسات العليا المعمقة في المالية العامة ،تحت اشراف ذ رضوان بوجمعة سنة 2000-2001ص 45
حسن أهروش ،اإلدارة اإللكترونية في المغرب بين األبعاد اإلستراتيجية وهاجس الثقة الرقمية،رسالة لنيل دبلوم )7
الماستر ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سال
إيمان الوجدي ،دور اإلدارة الرقمية في التنمية اإلدارية ،الجهاز القضائي نموذجا رسالة لنيل دبلوم الماستر في )8
القانون العام ،وحدة القانون والعلوم اإلدارية للتنمية ص 29
محمد نبيل اسريفي،اإلدارة اإللكترونية بالمغرب ورهانات التنمية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في )9
القانون العام ،وحدة اإلدارة والتنمية ،جامعة عبد المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
طنجة ،السنة الجامعية 2007،ص152
آسية الحراق ،اإلدارة االلكترونية بالمغرب“ ،الصفقات العمومية نموذجا”،ط 1ص10) 42
اسين سعد غالب ،االدارة االلكترونية و آفاق تطبيقها العربية طبعة معهد االدارة العامة ،الرياض 1432ه 12) ،
ص 263-262
محاضرات ذ سي محمد البقالي مادة االدارة االلكترونية ،ماستر العلوم االدارية والمالية ،سنة 13) 2018-2017
.كلية الحقوق السويسي
الئحة المراجع :
حسن أهروش ،اإلدارة اإللكترونية في المغرب بين األبعاد اإلستراتيجية وهاجس الثقة الرقمية ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سال
إيمان الوجدي ،دور اإلدارة الرقمية في التنمية اإلدارية ،الجهاز القضائي نموذجا رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون العام ،وحدة القانون والعلوم اإلدارية للتنمية
كتب و محاضرات :
محاضرات ذ سي محمد البقالي مادة االدارة االلكترونية ،ماستر العلوم االدارية والمالية ،سنة 2018-2017كلية
الحقوق السويسي
ياسين سعد غالب ،االدارة االلكترونية و آفاق تطبيقها العربية طبعة معهد االدارة العامة ،الرياض 1432ه.
آسية الحراق ،اإلدارة االلكترونية بالمغرب“ ،الصفقات العمومية نموذجا”،الطبعة االولى 2015