You are on page 1of 5

‫د‪.

‬براهيمي آسية‬ ‫نظرية املوقع الزراعي‬ ‫احملاضرة اخلامسة‪:‬‬

‫ارتبط تطور النشاط الزراعي بتطور االستيطان البشري يف اجملتمعات القدمية وحتتل املسألة الزراعية مكانتها اإلسرتاتيجية‬
‫(السياسية واالقتصادية ) يف العمليات التنموية يف كافة الدول بغض النظر عن النظم السياسية واالقتصادية سواء كانت‬
‫متطورة أو انمية أو أقل تطورا ‪.‬من هذا املنطلق برزت العديد من النظرايت التخطيطية اليت تؤطر عمل النشاط الزراعي‬
‫حول املدن متخذة معايي عدة ‪ ،‬ومن أمهها تلك النظرايت اليت اهتمت بقياس احلد السعري للمحاصيل الزراعية وعالقته‬
‫بعامل املسافة عن السوق وتعد نظرية املوقع الزراعي من النظرايت االقتصادية املهمة اليت تناولت هذا املعيار‪.‬‬

‫أهداف نظرية املوقع الزراعي ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫ظهرت نظرية املوقع الزراعي يف القرن التاسع عشر على يد العامل األملاين ‪Johan Heinrich Von‬‬
‫‪ Thunen‬وحتديدا يف سنة ‪ 1826‬وتعترب أول حماولة لوضع نظرية علمية يف تنظيم املكان الذي ميارس فيه نشاط‬
‫اإلنسان ‪،‬وقد صاغ فون ثونن الذي عاش يف أملانيا خالل الفرتة(‪ )1850-1783‬نظريته كحصيلة ألربعني سنة من‬
‫اخلربة يف إدارة مزرعته القريبة من مدينة روستوك ‪.Rostock‬‬

‫وتدرس نظرية املوقع الزراعي أو نظرية الدولة املعزولة العالقة بني املنتجات الزراعية واألسواق ومدى أتثي بعد مسافة‬
‫املدينة عن األرض الزراعية على النشاط اإلقتصادي ‪،‬حيث انقش فون ثونن العالقة بني إختيار احملاصيل اليت تزرع يف‬
‫مكان ما مع توافر الظروف الطبيعية والبشرية إلنتاج هذه احملاصيل و السوق املستهلكة هلذه احملاصيل ومدى توفر هذه‬
‫احملاصيل لنفقات النقل لتصبح إقتصادية ابلنسبة للمنتجني ‪،‬وقد حاول فون ثونن بنظريته إبراز أثر كل من العوامل‬
‫ا لطبيعية والبشرية املختلفة يف توزيع أمناط إستغالل األرض وأنواع احملاصيل الزراعية اليت ميكن إنتاجها يف ضوء نفقات‬
‫نقلها إىل السوق‪.‬وميكن إجياز أهداف النظرية ابلنقاط اآلتية_‪:‬‬

‫‪ -‬توضيح اثر املوقع الزراعي ابلنسبة للسوق‪.‬‬


‫‪ -‬إدخال عوامل جديدة لتفسي التباين يف اإلنتاج الزراعي وكثافته‪.‬‬
‫‪ -‬إبراز كيفية االختالفات يف االستخدامات الزراعية ابلتباعد عن السوق‬
‫إفرتاضات النظرية ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫كغيه من العلماء قدم فون ثونن عدة افرتاضات لتحقيق نظريته يف حماولة منه لتدعيمها وجعلها نظرية رصينة غي قابلة‬
‫للنقض أو التشكيك وعلى النحو اآليت‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫د‪.‬براهيمي آسية‬ ‫نظرية املوقع الزراعي‬ ‫احملاضرة اخلامسة‪:‬‬
‫• افرتض أن هناك دولة ذات شكل دائري ومعزولة عن العامل (معزولة عن األقاليم اجملاورة ) تتوسطها مدينة و تقع‬
‫وسط أراضيها الزراعية و يصل إليها هنر صغي ومن هنا جاء اسم النظرية (الدولة املنعزلة)‬
‫• ‪.‬تعترب املدينة السوق الوحيد لتصريف فائض اإلنتاج الزراعي للمنطقة وىف املدينة يتبادل الفالح والتاجر السلع‬
‫الزراعية‪.‬‬
‫• افرتض جتانس اخلصائص الطبيعية والبشرية للمنطقة الزراعية احمليطة ابملدينة ومالئمتها لإلنتاج الزراعي(النبايت‬
‫واحليواين)يف العروض املعتدلة‬
‫• افرتضها سهل ال تضاريس فيه وتربته ومناخه وظروفه احليوية متجانسة وال توجد حواجز طبيعية تعوق احلركة عرب‬
‫السهول‬
‫• يسكن املنطقة مزارعون عقالنيون يرغبون يف احلصول على أقصى قدر ممكن من األرابح ‪ ،‬وميتلكون من اخلربة‬
‫اليت تؤهلهم لتعديل وتطوير األمناط الزراعية تبعا ملتطلبات السوق‬
‫• افرتاض وجود وسيلة وحيدة للنقل العرابت اليت جترها اخليول (وهي وسيلة النقل السائدة يف أوراب وقت صياغته‬
‫لنظريته) ‪.‬‬
‫• خيتلف دور املوقع اجلغرايف واملسافة بني السوق من جهة وبني كل مزرعة وأخرى من جهة أخرى مع حتمل‬
‫املزارع تكاليف النقل لذا افرتض تناسب تكلفة نقل احملاصيل مع املسافة اليت تقطعها‪.‬‬
‫ومن أهم املفاهيم األساسية اليت تعتمد عليها النظرية هو عائد املوقع اجلغرايف ويتم حسابه بتطبيق املعادلة التالية ‪:‬‬
‫الربح = قيمة البضاعة – (جمموع نفقات اإلنتاج ‪ +‬تكاليف النقل)‬
‫ويتم مبوجبها حتديد مقدار االرابح العائدة على املزارعني اليت غالبا ما تكون مرتفعة يف األراضي الزراعية القريبة من‬
‫السوق يف حني تقل هذه االرابح كلما ابتعدان عن السوق‪.‬‬
‫توزيع النطاقات الزراعية حول املدينة ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫حدد ثونن يف نظريته ستة نطاقات زراعية حتيط ابملدينة تبعا لنوع احملصول الزراعي وبعدها عن سوق املدينة حيث حدد (‬
‫‪ ٥٠‬ميال اي حوايل ‪ ٨٠‬كيلومرت )أبعد مسافة لألراضي الزراعية عن سوق املدينة ليكون اإلنتاج الزراعي فيها مرحبا ‪ ،‬واعترب‬
‫أن قيمة الربح الذي حيققه املزارع من بيع هذه احملاصيل الزراعية يعتمد على العناصراآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬تكلفة إنتاج احملصول الزراعي وتشمل تكلفة حراثة األرض وأجور املزارعني‬
‫ومصروفات املزرعة‪.‬‬
‫‪ -‬قيمة احملصول يف السوق وهو عنصر متغي وفق آلية العرض والطلب‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫د‪.‬براهيمي آسية‬ ‫نظرية املوقع الزراعي‬ ‫احملاضرة اخلامسة‪:‬‬
‫‪ -‬تكلفة النقل وتعتمد على متغيين وهي كمية احملصول وطول املسافة‪.‬‬
‫النطاق األول‪ :‬وهو النطاق األقرب للمدينة إذ ميثل نطاق االقتصاد احلر ويتم فيه إنتاج السلع الزراعية اليت ال تتحمل‬
‫النقل ملسافات طويلة نظرا لسرعة تلفها كاخلضروات واحلليب بكافة مشتقاته والزهور(الزراعة البستانية) ويعتمد مدى‬
‫اتساع هذا النطاق على مقدار احلجم السكاين للمدينة مبعىن أن مساحة هذا النطاق تتناسب طرداي مع احلجم السكاين‬
‫يف املدينة وحجم القدرة الشرائية للسكان فضال عن املستوى االجتماعي والثقايف السائد يف اجملتمع لذلك فان كثافة‬
‫االستثمار هنا عالية والعائدات مرتفعة‪.‬‬
‫النطاق الثاين ‪ :‬خيصص للغاابت اليت تعد مصدرا هاما لألخشاب اليت تعد ضرورية كوقود ويف أعمال البناء ‪،‬حيث كانت‬
‫األخشاب يف ذلك الوقت تعد مصدرا أساسيا للوقود يف أوائل القرن التاسع عشر ‪،‬فلم يكن الفحم أو البرتول قد ظهرا‬
‫كوسائل هامة للوقود وقتها‪.‬وقد كانت وجهة نظره يف أن تكون الغااب ت يف النطاق الثاين هو تكلفة نقلها املرتفعة ‪،‬فهي‬
‫كبية احلجم وثقيلة الوزن ‪،‬ونقلها يعتمد على العرابت اليت جترها اخليول ‪،‬ويف نفس الوقت هي ضرورية كوقود‬
‫النطاق الثالث‪:‬خيصص لزراعة احلبوب والربسيم والبطاطس ‪،‬وهذا النطاق حيقق احلاجة لغذاء اإلنسان واحليوان‬
‫الضروري‪،‬وأيخذ شكل الزراعة الكثيفة‪.‬‬
‫النطاق الرابع ‪:‬خيصص لزراعة أقل كثافة من الزراعة يف النطاق السابق ‪،‬حيث تزرع هنا احلبوب على فرتات تتخللها‬
‫فرتات أخرى ترتك فيها األرض بدون زراعة‪.‬‬
‫النطاق اخلامس ‪:‬‬
‫وتستغل أرضه يف زراعة احلبوب تبعا لنظام يعرف إبسم نظام احلقل الثالثي حيث تستخدم ثلث األرض يف احملاصيل‬
‫احلقلية والثلث اآلخر للمراعى وتربية املاشية الن هذه احليواانت تساق سيا على األقدام للسوق وال حتتاج إىل وسيلة‬
‫نقل األمر الذي يؤدي اىل اخنفاض تكلفة إنتاجها ‪ ،‬بينما ترتك ابقي األرض بورا طلبا للراحة و يتم ذلك يف نظام دوري‬
‫دقيق‪.‬‬
‫النطاق السادس ‪:‬وهو أبعد النطاقات عن املدينة يتميز ابستقالله وختصصه يف اإلنتاج احليواين فقط أي املراعي الطبيعية‬
‫اليت ترىب فيها املاشية ‪.‬‬
‫الشكل رقم (‪:)1‬توزيع النطاقات الزراعية حسب فون ثونن‬

‫‪3‬‬
‫د‪.‬براهيمي آسية‬ ‫نظرية املوقع الزراعي‬ ‫احملاضرة اخلامسة‪:‬‬

‫تقييم نظرية فون ثونن‪:‬‬ ‫‪-4‬‬


‫اإلجيابيات‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫يرى كل من رايند‪ Raind‬وهدسون ‪ Hudson‬ان اإلطار النظري لنموذج ثونن ال يزال حيظى ابألمهية العلمية خاصة‬
‫يف إمكانية املساعدة يف تقدير أمناط التوطن الزراعي وان النظرية مازالت ممكنة التطبيق وفق أطروحاهتا املعروفة خاصة يف‬
‫اجملتمعات اليت ال زالت متتلك وتستخدم وسائل إنتاج بسيطة تفي مبتطلبات الزراعة املعيشية وليس اإلنتاج الواسع وتستخدم‬
‫يف نقل الفائض من اإلنتاج اىل األسواق احمللية وسائط نقل تقليدية ‪.‬عليه ميكن إجياز االجيابيات اباليت‪:‬‬
‫‪ -‬وضوح اهلدف من النظرية األمر الذي أدى إىل اهتمام كثي من الدارسني بتطبيق نظريته يف الواقع سواء بتطبيق بعض‬
‫فرضياهتا اليت تتالءم ومعطيات املكان املراد دراسته أو من خالل إدخال التعديالت على بعض الفرضيات األخرى‬
‫لتتالءم مع واقع املنطقة املدروسة‪.‬‬
‫‪ -‬إدراكه ألمهية الدور الذي يقوم به املزارعني للمدينة لذا عمد من خالل النظرية أن يؤطر هلم حتقيق أكثر ربح ممكن ‪،‬‬
‫حيث أن املشكلة اليت أراد ثونن حلها هي البحث عن النمط الزراعي الذي يتناسب وطبيعة املنطقة اليت حددها وفق‬
‫آلية العالقة التبادلية بني عنصري املسافة والسوق‬
‫نقد النظرية ‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫جاهبت النظرية العديد من اآلراء الناقدة هلا فور ظهورها إذ يرى الكثي من العلماء أهنا ال تعدو كوهنا نظرية خيالية غي‬
‫ممكنة التطبيق وبعيدة عن الواقع ‪ ،‬ويعد ألكسندر ‪ Alexander‬من أكثر علماء اجلغرافيا اإلقتصادية إهتماما هبا حيث‬
‫متعن بدراسة النظرية وحتليل فرضياهتا ومن مث تعرض هلا ابلنقد يف جوانب عدة منها حتديد وسيلة النقل املستخدمة‬
‫وتكاليف النقل وحتديد التوزيع اجلغرايف للسلع سريعة التلف وموقعها ابلنسبة للسوق فضال عن التغي احلاصل يف مصادر‬
‫الطاقة إذ ال ميكن اعتماد العرابت كوسيلة لنقل املنتجات الزراعية يف ظل التطور التكنولوجي يف وسائط النقل كما مل‬
‫‪4‬‬
‫د‪.‬براهيمي آسية‬ ‫نظرية املوقع الزراعي‬ ‫احملاضرة اخلامسة‪:‬‬
‫يعد اخلشب املصدر الرئيس للطاقة يف ظل تنوع مصادر الطاقة أما لوش ‪ Losch‬فقد عارض النظرية بشدة حيث‬
‫إنصب انتقاده على احلتمية اليت حدد مبوجبها ثونن النطاقات الست كما عارض الشكل احللقي هلا مشيا اىل ان‬
‫هناك عوامل كثية تتدخل يف حتديد نوع احملاصيل الزراعية وكثافة زراعتها فضال عن التوزيع اجلغرايف هلا حول املدن لذا‬
‫خلص أن النظرية مضللة للباحثني وميكن إجياز االنتقادات اليت وجهت للنظرية اباليت‪:‬‬
‫‪ -‬ليس هناك دولة يف العامل دائرية الشكل أو منطقة منعزلة عن العامل وتتوسطها مدينة كما أن تعميم النتائج احملصلة‬
‫عن منوذج واحد من املدن األوربية على سائر املدن يف العامل سواء املتقدم منه أو النامي ال يعد أمرا منطقيا أو مقبوال‬
‫‪ -‬أمهلت النظرية دور العوامل الطبيعية وخصوصا الرتبة واملناخ وطبوغرافية السطح يف ترتيب التوزيع اجلغرايف للمحاصيل‬
‫الزراعية‪.‬‬
‫‪ -‬افرتاض ان العناصر املناخية وخصائص الرتبة متجانسة هو امر ال ميكن قبوله عند اتساع الرقعة الزراعية ‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ميكن ان تساعد الظروف املناخية علي منو الغاابت يف نطاق واحلشائش او املرعي يف نطاق اخر جماور رغم‬
‫إفرتاض فون ثونن جتانس الظروف ‪،‬كما أن فون ثونن ختيل أن خيصص النطاق الثاين للغاابت وكأن الغاابت من‬
‫صنع اإلنسان كأي حمصول زراعي ‪،‬كما أنه إفرتض أمهيتها كوقود ‪،‬وقد أصبح للوقود مصادر أخرى يف الوقت احلايل‬
‫‪ -‬اعتمدت النظرية علي ان املسافة هي احملدد االساسي لتكلفة النقل(العالقة بني املسافة وتكاليف النقل ليس‬
‫ابلضرورة أن تكون عالقة طردية)‪ ،‬مع ان هناك عوامل اخري هامة مثل ترتبط خبصائص احلمولة وقدرهتا علي حتمل‬
‫النقل ووسيلة النقل‬
‫‪ -‬مل تالمس النظرية الواقع ابفرتاضها وجود وسيلة نقل واحدة خاصة وان ثونن كان قريبا من ظهور الثورة الصناعية يف‬
‫أوراب‬

‫‪5‬‬

You might also like