You are on page 1of 358

‫شرح دعاء صباح‬

‫شرح دعاء الصباح‬

‫تأليف‬
‫حاج مال هادي السبزواري‬

‫إرشاف الشيخ مصطفى آل مرهون‬


‫مؤسسة املصطفى| للتحقيق والنرش‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫(‪ )1‬احلمد هلل ا ّلذي مدَّ سري نوره يف املجايل واملوا ّد من َصباح اآلزال إىل‬
‫مساء اآلباد‪ ،‬كلمح بالبرص أو هو أقرب عنده‪ ،‬مع أنّه وراء ما ال يتناهى بام ال‬
‫ثم‬ ‫يتناهى عدّ ًة ومدّ ًة وشدّ ةً‪ّ .‬‬
‫جتّل ذا ُته بذاته لذاته‪ ،‬فرت ّدى برداء كربياء صفاته‪ّ ،‬‬

‫الراسمة ل ّلدائرة‪ ،‬وكنقطة رأس املخروط ّ‬


‫السائرة‬ ‫اجلوالة ّ‬ ‫ّ‬
‫كالشعلة ّ‬ ‫أن نوره‬
‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل ّ‬
‫فإن‬
‫الراسم للزّ مان؛ ّ‬
‫الراسمة للقطع ّية‪ ،‬وكاآلن الس ّيال ّ‬ ‫ّ‬
‫للخط‪ ،‬وكاحلركة التوسط ّية ّ‬ ‫الراسمة‬
‫ّ‬
‫فإن نوره وجهه‪ ،‬ووج ُه الواحد واحد‪ ،‬ويف كونه بسيط ًا مبسوط حميط‬ ‫نوره واحد بسيط؛ ّ‬
‫إذا أناااد دااادّ اي املراّاااا عااادّ اا‬ ‫وماااا الوجاااه إدّ واحاااد ًا ااا أ ّناااه‬
‫منه‪.‬‬
‫وأما‬
‫ود سوى‪ ،‬فظهور ذا ه لذا ه‪ّ .‬‬ ‫(‪ )2‬هذا يف مر بة األحد ّّة التي د اسم ود رسم ود‬
‫الصفاي فهو يف مر بة الواحد ّّة وظهور ذا ه بكسوة األسامء والصفاي‪ .‬ويف‬
‫الرت ّاي برااء ّ‬
‫والصفاي مع‬
‫هذه املر بة قال العرفاء «جاءي الكثرة كم شئد»‪ .‬أي كثري مفاهيم األسامء ّ‬
‫وحدة املصداق الذي هو ّ‬
‫الذاي‪.‬‬
‫الصامتة‬ ‫األديان ال ّثابتة ّ‬
‫الّلزمة لألسامء كامه ّياي احليواناي ّ‬ ‫ُ‬ ‫واملراا «بإزار صور أسامئه»‬
‫للس ّبوح القدّ وس‪ ،‬وماه ّية اإلنسان الكامل‬
‫للسميع البص املدرك اخلب ‪ ،‬وماه ّياي املّلئكة ّ‬
‫ّ‬
‫دسمه األدظم‪ ،‬أدني اسم اجلّللة‪ .‬وقس دليه مجيع األديان الثابتاي‪ .‬ولو كاند مفاهيم‬
‫أسامئه وصفا ه ماه ّية له‪ ،‬فكاند مفاهيم األديان له دزم املاه ّية‪ ،‬لكن د ماه ّية له بمعنى ما‬
‫ّقال يف جواب ما هو‪ ،‬ود هو إدّ هو‪ .‬منه‪.‬‬
‫تأزر بإزار عظمة ُصور أسامئه وآياته فسبحانه من عظيم ال يمكن للبرش إحصاء‬ ‫ّ‬
‫حص و ُأثن ِ َ فبإحصائه وإثنائه‪ ،‬ف و كام أثنى عّل نفسه اليديم؛ وال‬
‫ِ‬
‫ثنائه‪ ،‬وإن ُأ َ‬
‫جتّل بأسامئه التّنزهي ّية عّل مالئكة‬ ‫قوة إ ّال باهلل ّ‬
‫العّل العظيم؛ إن ّ‬ ‫حول وال ّ‬
‫الساموات فأنشؤوا يصدحون‪ :‬يا ُس ّبوح يا قدّ ُوس‪ ،‬يا من ال شبيه له وال نظري!‬
‫ّ‬
‫وجتّل بأسامئه التشبي ّية عّل أن ُفس العجاموات فجعلت تتذكّر‪ :‬يا ش يد ًا عّل ّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬
‫يشء‪ ،‬يا سميع يا بصري! فيد ّ‬
‫جتّل بجميع أسامئه احلسنى عّل هيكل التّوحيد‬
‫واملكرم بترشيف ﴿و َل َقد ك ََّر ْمنا﴾؛‬
‫ّ‬ ‫وجممع التفريد‪ ،‬املخ َّل ِع بخلعة ﴿إنّا َد َر ْضنا﴾‪،‬‬
‫فطفق يذكر بلسان وجوده األتم األكرم اسمه األعظم األفخم خصوص ًا اإلنسان‬
‫حممد|‬ ‫الكامل‪ ،‬منبع الفضائل والفواضل‪ ،‬وال س ّيام املنتجب من املنتخب‪ّ ،‬‬
‫ومشاع ِل أعالم اهلداية‪ ،‬لي ِ‬
‫وث‬ ‫ِ‬ ‫س ّيد العجم والعرب‪ ،‬شموس فلك الوالية‪،‬‬
‫ُ‬
‫الوغى وغ ُيوث النّدى‪ ،‬ووسائط فيض اهلل تبارك وتعاىل يف اآلخرة واألُوىل‪ ،‬س ّيام‬
‫َ‬
‫صاحب الوالية الكربى العّل العايل األعّل‪.‬‬
‫دي‬
‫(‪ )2‬وبعدُ ‪ :‬ييول العبد املحتاج إىل رمحة اهلل الباري‪ ،‬اهلادي بن امل ّ‬
‫السبزواري (غفر اهلل تعاىل هلام)‪ :‬ملّا كان الدّ عاء املش ور املوسوم بمفتاح الفالح‬
‫ّ‬
‫ومصباح النَّجاح‪ ،‬املنسوب إىل البارع الفائق‪ ،‬كالم اهلل النّاطق الذي كالمه‬

‫ّ‬
‫كل الفصول‪،‬‬ ‫(‪ )1‬وهو اإلنسان؛ أل ّنه النوع األخ الذي هو ّ‬
‫كل األنواع‪ ،‬وفصله األخ‬
‫ّ‬
‫وكل القوى واملباائ املقارنة مرتاكمة يف‬ ‫الصور؛ كيف‪،‬‬
‫كل ّ‬‫وصور ه النود ّية األخ ة ّ‬
‫صيص ّيته التي هي ُأ ّم القرى‪ ،‬وروحه ُأ ّم األقّلم‪ ،‬ونفسه الك ّلية ُأ ّم األلواح؟ منه‪.‬‬
‫الضم ‪ ،‬وهو سّلم اهلل دليه بفضائله وفواضله‪ ،‬مظهر‬
‫دام يف ّ‬
‫ألن الكّلم هو املعرب ّ‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫عرب ٍّ‬
‫وجمل جلامل اهلل وجّلله كام قيل‬ ‫وم ّ‬
‫وشارح ُ‬
‫باار صااحرا ااااّم‬ ‫مجااال خااوّ‬ ‫چااااو آام را فرسااااتااّم باااا ون‬
‫َ‬
‫شامخ الرتاكيب‪،‬‬ ‫فوق كالم املخلوق ودون كالم اخلالق‪ ،‬عا َيل األساليب‪،‬‬
‫ُمنطوي ًا يف مضامينه مطالب عالي ًة‪ُ ،‬‬
‫أثامُنا غالية‪ ،‬وما أدراك ماه ‪ ،‬جنّة عالية‪،‬‬
‫أُنار جاري ٌة‪ ،‬وجوار ساقية‪ ،‬وأزهار ذوات روائح زك ّية ذاكية‪،‬‬
‫ليس هلا ثانية‪ ،‬في ا ٌ‬
‫أطيب من املسك والعنرب والغالية‪ ،‬فاشية عّل احلارضة والبادية‪ ،‬ال خيفى شذاها‬
‫أردت أن‬
‫ُ‬ ‫إ ّال عّل اخلياشيم اجلاسية‪ ،‬واليلوب الياسية‪ ،‬والصدور الغليلة اليالية‪،‬‬
‫أرشحه رشح ًا يذلل صعابه‪ ،‬ويكشف نيابه‪ ،‬ويوضح إغالق لفظه ومعناه‪ ،‬و ُي ّبّي‬
‫تياعدت يف منازل تفسري ظاهره وتنزيله‪ ،‬بل استرشفت‬
‫ُ‬ ‫أعامق قرشه و َمغزاه‪ ،‬وما‬
‫روة ميام باطنه وتأويله؛ إذ التفسري بال تأويل كصباحة بال مالحة‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫إىل ذ َ‬
‫ك ََشبح بال روح‪.‬‬
‫وقد دعا له أرشف اخللق ألكرم أحبائه بيوله‪« :‬الله َّم َف ِّق ْه ُه يف الدِّ ّن‪ ،‬ودلم ُه‬
‫معنى وصور ًة من‬
‫ً‬ ‫التّأوّل»‪ .‬وأستمدُّ يف ذلك باطن ًا وظاهر ًا من جناهبم‪ ،‬وأقتبس‬
‫مشكاة أنوار خطاهبم؛ إذ عطاياهم ال حيمل إ ّال مطاياهم‪ ،‬ومآرهبم ال ِ‬
‫توقر إ ّال‬ ‫َ‬
‫كل ذلك بعون اهلل وحسن توفييه؛ إنَّه خري مو ّفق ومعّي‪.‬‬ ‫َمراكب م‪ّ .‬‬

‫حق محدك ملعبواك أن ّكون وجواك محد ًا له بأن ّص متخ ّلق ًا‬
‫األول‪ ،‬وهلذا ّ‬
‫وهو «آام» ّ‬
‫د إظهار فضائل املحموا وفواضله‪.‬‬ ‫بأخّلقه ورشح ًا لفضائله وفواضله‪ .‬واحلمد ليس إ ّ‬
‫واإلظهار الوجواي أبني وأقوى وأصدق من اإلظهار القويل‪ .‬واملعلول حدّ ناقص للع ّلة‪ ،‬كام‬
‫أن الع ّلة حدّ ّام للمعلول ّ‬
‫وكل منها مرآة لآلخر‪ .‬منه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الرؤّا التي حاكى املتخ ّيلة معاين بصور مناسبة دىل ظاهرها؟ ك ّ‬
‫ّل وحاشا دن‬ ‫(‪ )1‬وهل ّبقى ّ‬
‫والرائي د ّسكن ما مل ّعرب رؤّاه‪ ،‬والتأوّل بالنسبة إىل التّنزّل كالتّعب إىل قرش‬
‫ذلك! ّ‬
‫التّصوّر‪ .‬منه‪.‬‬
‫قال×‪:‬‬
‫الرحيم﴾‬
‫الر ْمحن َّ‬
‫﴿ب ْسم اهلل َّ‬
‫الصباح بنطق بلجه﴾‬
‫لسان ّ‬
‫َ‬ ‫الع‬
‫(‪ّ﴿ )3‬ا َمن َ‬

‫يف بعض النّسخ‪« :‬الل ّم يا من دلع»‪« .‬الل ّم» أصله «يا اهلل»‪ ،‬فامليم ِع ٌ‬
‫وض‬
‫عن «يا»؛ ولذا ال جيتمعان‪ .‬وقيل‪ :‬أصله «يا اهلل ُا ّمنا باخلري» أي اقصدنا به‪،‬‬
‫فخ ّفف بحذف النّداء ومتع ّليات الفعل واهلمزة‪.‬‬
‫يفصله األوصاف الت بعده‪ ،‬فيكون فيه إشار ٌة إىل‬ ‫أي تيدير‪ ،‬ف و ٌ‬
‫جممل ّ‬ ‫وعّل ّ‬
‫التّفصيل يف اإلمجال‪ ،‬واإلمجال يف التّفصيل‪ ،‬والكثرة يف الوحدة‪،‬‬ ‫ميا َم‬
‫والوحدة يف الكثرة‪.‬‬
‫و«اهلل» أصله «‪»‬؛ ملناسبة ّ‬
‫أن الدائرة أفضل األشكال وأصل ا ؛ وأنّه ال‬

‫ّ‬
‫اخلط‬ ‫(‪ّ )1‬أما إ ّ ا أفضل‪ ،‬فأل ّ ا واحدة بخّلف املض َّلع من األشكال؛ إذ فيه كثرة ّ‬
‫ألن فيه‬
‫وأما أصلها‪ ،‬ففيه فصيل‪ ،‬وبيانه اإلمجايل‬
‫والسطح والنقطة‪ ،‬بل اخلطوط والسطوح والنّقاط‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫واهلّليل ونحومها‪ ،‬وإذا وصل‬
‫ّ‬ ‫القويس‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أنّه إذا ق ّسم حميط الدائرة بأربع نقاط أو أكثر‪ ،‬حصل‬
‫ٍ‬
‫األربع بقطرّن‪ ،‬حصل أربع قوائم دند املركز‪ ،‬وإذا وصل الضلعان بخط مستقيم ّكون‬
‫و ر ًا‪ ،‬كان هنا مث ّلث متساوي األضّلع‪.‬‬
‫كل زاوّة ثلثي‬ ‫مارة باملركز‪ ،‬بحيث ّكون ّ‬‫بسد نقاط ووصلد بثّلثة خطوط ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإذا ُق ّسم‬
‫قائمة‪ ،‬حصل املسدّ س بعد أن وصل األضّلع بخطوط مستقيمة‪ ،‬وإذا وصل النقاط بخطوط‬
‫مارة باملركز حصل املر ّبع‪.‬‬
‫ّ‬
‫املجسمة فإذا ُااّر الدائرة دىل نفسها حصل الكرة‪ ،‬وإذا ثبد أحد ضلعي‬
‫ّ‬ ‫وأما األشكال‬
‫ّ‬
‫املثلث املذكور اائر ًا بالضلع اآلخر اىل أن داا إىل وضعه ّ‬
‫األول‪ ،‬حصل املخروط‪ ،‬وإذا‬
‫اخلط بالنّيطة‪ّ ،‬‬
‫وأن البدء واخلتم في ا واحد‪ .‬وقد تكتب‬ ‫ّ‬ ‫ُناية هلا؛ ّ‬
‫ألن تناه‬
‫بالدّ ائرتّي إشار ًة إىل اجلامل واجلالل‪ .‬وقد تكتب بدائرة واحدة إشار ًة إىل ّاّتاد‬
‫صفاته تعاىل‪.‬‬
‫الرسم‪ ،‬وأ ّما بحسب ال ّلفظ والنّطق‪ ،‬فألُنا‬
‫املناسبة بحسب ّ‬ ‫هذه ه‬
‫اجلارية عّل أنفاس احليوانات ك ّل ا سواء كانت أهل ّ‬
‫الذكر والعلم بالعلم‬
‫املسمى‬
‫ّ‬ ‫بالضمة إشارة إىل تر ّفع‬
‫ثم ُاعرب ّ‬
‫‪ ،‬أو ال‪ ،‬بل بالعلم البسيط‪ّ .‬‬ ‫الرتكيب‬
‫ثم تارة ُاشبِ َع إشار ًة إىل أنّه فوق التامم‪ ،‬وأنّه فوق ما ال يتناهى بام ال‬
‫تعاىل شأنه‪ّ .‬‬
‫يتناهى عدّ ًة ومدّ ًة وشدّ ة‪ ،‬فصار «هو» ﴿ ُق ْل ُه َو اهللُ َأ َحدٌ ﴾ ‪ ،‬وتارة ُاحلق الم‬
‫اخل ْل ُق َو ْاألَ ْم ُر﴾ ‪ّ ،‬‬
‫ثم‪ُ ،‬اشبع فتح‬ ‫االختصاص والتّمليك‪ ،‬فصار «له»‪ ،‬فـ﴿اَ َل ُه َْ‬
‫ثم ُاحلق الم التعريف‬ ‫ا ّلالم إشار ًة إىل ّ‬
‫أن من عنده الفتوح التّام‪ ،‬فصار «اله»‪ّ ،‬‬
‫الذايت ومعروفيته ملا سواه‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬أيف اهلل َش ٌّ‬
‫ك َفاطر‬ ‫تشخص َه ّ‬
‫إشارة إىل ّ‬

‫ُحركّد الدائرة طودً‪ ،‬حصل األسطوانة‪ ،‬وإذا ُح ّرك مر ّبعها املتساوي األضّلع طودً‪ ،‬حصل‬
‫املك ّعب‪ ،‬وللتفصيل موضع آخر‪ .‬منه‪.‬‬
‫عني‬
‫(‪ )1‬أي إ ّ ا ذاكرة هلل عاىل باسمه الذي هو هو‪ .‬و«هو» عب ٌ دن الوجوا البحد بّل ّ‬
‫وص ّفي ﴿ ُق ْل ُه َو اهللُ َأ َحدٌ ﴾‪ .‬وقد ُ‬
‫قلد‬
‫«هااااو»سااااد چااااو باااا ون روا‬ ‫ام چاااو فااارو رفاااد «هاااا»ساااد‬
‫هاااار نفسااااى هاااااى وهوسااااد‬ ‫ّعنااااااااااااى ازو ار مهااااااااااااه‬
‫منه‪.‬‬
‫وأن املعلوم ماذا‪ .‬والبسيط بخّلفه دىل‬
‫(‪ )2‬العلم الرتكيبي هو أن ّعلم‪ ،‬وّعلم أنه ّعلم‪ّ ،‬‬
‫قياس اجلهل البسيط واملركّب‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلخالص‪.1 :‬‬
‫(‪ )4‬األعراف‪.54 :‬‬
‫الس َام َواي َواألَ ْرض﴾ فصار «اهلل»‪.‬‬
‫َّ‬
‫أرسار ال ّتىص‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ويف هذا االسم األعظم‬
‫ألن ّ‬
‫كل واحد من ام أحد عشـر‪ ،‬والعدد روح واحلرف‬ ‫وكلمة «يا» ه «هو»؛ ّ‬
‫جسد‪ ،‬ف و سار يف مجيع األسامء املفتتحة هبا‪ ،‬وه الت يف الرتكيب األبتث خامتة‬
‫احلروف‪ ،‬فجعلت فاّتة األسامء الت ه مفاتيح الغيب‪ ،‬وفواتح األشياء‬
‫األول؛ كام ُاشري إىل هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأقدم ا‪ ،‬إشار ًة إىل ّ‬
‫األول هو اآلخر واآلخر هو ّ‬ ‫أن ّ‬
‫ف كام ّ‬
‫أن‬ ‫الدّ قيية يف ب ّينة الياء الت ه آخر احلروف اهلجائ ّية‪ ،‬فجاء آخرها األل ِ ُ‬
‫ّأوهلا األلِف‪.‬‬
‫ثم‪ّ ،‬‬
‫إن ُزبرها العـرشة الت ه املراتب اخلمس يف قوس النّزول واملراتب‬ ‫ّ‬
‫الصعود؛ ولذا تكتب بصورة قوسّي‪ .‬وجامع العشـرة الكاملة‬
‫اخلمس يف قوس ّ‬
‫وظاهرها العرش ُة الت ه رشح اإلنسان الكامل الذي‬
‫ُ‬ ‫هو اإلنسان؛ ُفزبر الياء‬
‫هو رشح االسم األعظم‪ ،‬بل هو عّي االسم األعظم‪ .‬ويف الوح اإلهل ‪:‬‬
‫والسّي حرف اإلنسان لكوُنا ميزان احلروف ملعادلة ُزبرها وب ّينت ا؛‬
‫﴿ّس﴾‪ّ ،‬‬

‫(‪ )1‬إبراهيم‪.10 :‬‬


‫السلسلة‬‫قسمد مخاس ّي ًا‪ ،‬وكذلك يف ّ‬
‫(‪ )2‬فإن جمايل اهلل عاىل من الّلّهوي إىل النّاسوي ّ‬
‫ّ‬
‫والكل منطوّة يف اإلنسان الكامل؛ فقوله عاىل ﴿ّس﴾؛ ّإما‬ ‫الصعواّة فتلك درشة كاملة‪،‬‬‫ّ‬
‫وإما مجلة مبتدأ وخرب‪ .‬منه‪.‬‬
‫بمفصل اإلنسان وجممله‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّمني‬
‫(‪ )3‬ومن هنا قيل‬
‫اول و آخااااار نامناااااد ااااا «آن»‬ ‫«سني» «انسان» چون كه خيزا از ميان‬
‫أن املرا ب العرش من الوجوا هو اإلنسان؛ أل ّ ا حدّ ه ورشحه‪ ،‬أو احلرفان‬
‫فمعنى ﴿ّس﴾ ّ‬
‫مقس ٌم هبام أي أقسم بالا«ّا» وهي «هو» زبر ًا وب ّينة‪ ،‬وبالا«سني» وهو اإلنسان الكامل‪ .‬واملراا‬
‫َ‬
‫ألن اإلنسان الكامل هو القرآن النّاطق التكوّني‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫«بالقرآن احلكيم» حينئذ القرآن التّدوّني؛ ّ‬
‫حيث إ ّن ك اال من ام س ّتون‪ .‬وهذا من خاص ّية هذا احلرف ّ‬
‫العّل؛ واإلنسان الكامل‬
‫مفصله‬
‫والعاملة ـ وملعادلة جممله مع ّ‬
‫ّ‬ ‫قوتيه ـ العالمة‬ ‫ُ‬
‫ميزان اهلل تعاىل؛ ملعادلة ّ‬
‫الذي هو العامل الكبري‪ .‬وقد ورد ّ‬
‫أن امليزان هو أمري املؤمنّي عّل×‪.‬‬
‫أليق ليكون تنبي ًا عّل أنّه تعاىل هو‬
‫و« َمن» موصوفة أو موصولة‪ ،‬والثاين ُ‬
‫والصفات عند الفطرة األُوىل ال ّت فطر الناس علي ا‪،‬‬
‫الصالت ّ‬ ‫املعروف بتلك ّ‬
‫فال تذهب العيول إىل غريه تعاىل‪ ،‬حتّى عيول الك ّفار كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َلئ ْن‬
‫َس َأ ْلت َُه ْم َم ْن َخ َل َق َّ‬
‫السامواي َو ْاألَ ْر َض َل َي ُقو ُل َّن اهللُ﴾ ‪ .‬وحّي قال اخلليل×‪:‬‬

‫والتأسيس خ من التأكيد‪ .‬منه‪.‬‬


‫(‪ )1‬إذ ّ‬
‫كل ماهو يف العامل الكب فهو فيه بنحو أدىل وأ م‬
‫«وفيك انطوى العامل األكرب»‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬ويف اإلنسان الكامل ماء ونار بأضعاف‬ ‫ففي العامل ماء ونار وسامء وساموي إىل‬
‫ومراي دينهام‪ ،‬فتارة فيه املحسوس ّ‬
‫بالذاي منهام‪،‬‬ ‫والصفراء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫مرة نظ مها من البلغم‬ ‫ففيه ّ‬
‫ّ‬
‫والكل‬ ‫بالذاي منهام‪ ،‬و ارة املعقول ّ‬
‫بالذاي منهام الذي هو حقيقة الكل‪،‬‬ ‫و ارة فيه املتخ ّيل ّ‬
‫رقائقه‪ ،‬وهو يف وجوا اإلنسان الكامل احلكيم امل ّطلع دىل احلقائق؛ وهلذا ّقال يف عرّف‬
‫والساموي‬
‫ّ‬ ‫السامء‬
‫ّ‬ ‫العيني»‪ .‬ونظ‬
‫ّ‬ ‫«احلكمة» «إ ّ ا ص ورة اإلنسان دامل ًا دقل ّي ًا مضاهي ًا للعامل‬
‫حسه وخياله‬ ‫وأما أديا ا‪ ،‬فهي املدركاي ّ‬
‫بالذاي منها يف ّ‬ ‫الروح البخاري ونجوم القوى‪ّ .‬‬ ‫فيه ّ‬
‫ودقله البسيط والتفصييل‪ ،‬وقس دليها الباقي‪.‬‬
‫فاإلنسان حمدوا والعامل حدّ ه‪ ،‬وهو متن والعامل رشحه‪ ،‬وهو ّ‬
‫لف والعامل نرشه؛ فمجمله إحدى‬
‫العلمي إحدى الكفتني ودقله‬
‫ّ‬ ‫األول دقله‬
‫أن يف اددتبار ّ‬
‫ومفصله األخرى‪ ،‬كام ّ‬‫ّ‬ ‫ك َّفتَي امليزان‬
‫العميل هو الكفة األخرى‪ .‬منه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّل خضع ّ‬
‫الكل اونه‪ ،‬وفطروا دىل‬ ‫وإن هنا كام ً‬
‫كل مفطور دىل العلم البسيط به‪ّ ،‬‬ ‫فإن ال ّ‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫طر ًا من جنابه‬
‫متحرك إليه‪ ،‬وداشق للكامل والفضائل والفواضل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والكل‬ ‫حم ّبته وطلبه‪ .‬كيف‪،‬‬
‫َّك كَاا ٌح إىل َر ِّب َك كَدْ َح ًا َف ُمّلقيه﴾؟ منه‪.‬‬ ‫﴿ َّا َأُّيا اإلن َْس ُ‬
‫ان إن َ‬
‫(‪ )3‬ليامن‪.25 :‬‬
‫الش ْمس م َن املَْ ْرشق َف ْأي هبا م َن املَْغْرب﴾ مل ينكره نمرود بل‬
‫﴿إ َّن اهللَ َّ ْأت ب َّ‬
‫بأن اليادر عّل ذلك ليس إ ّال هو‪.‬‬
‫ألن فطرته حاكمة ّ‬
‫ُهب َت؛ ّ‬
‫و«دلع لسـانه» و«أدلعـه»‪ :‬أخرجـه‪ .‬وتشـبيه الصـباح يف الـنفس بالشـخ‬
‫املتك ّلم استعارة مكن ّية‪ ،‬وإثبات ال ّلسان الذي هو من مالئامت املش ّبه بـه اسـتعارة‬
‫ختييل ّية‪ ،‬كام يف قوله‪:‬‬

‫الصباح»‪ :‬إ ّما ّ‬


‫الشمس عند طلوع ا‪ ،‬وإ ّما النور املرتفع عن‬ ‫واملراد بـ«لسان ّ‬
‫والفجر املستطيل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫االُفق قبل طلوع ا‪ ،‬وييال له‪ :‬عمو ُد الفجر‪،‬‬
‫أبلـج‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ـج‪ّ .‬‬
‫وكـل متّضـح‬ ‫كانبلج وتـب َّلج وأب َل َ‬
‫َ‬ ‫و«بلج» الصبح‪ :‬أضاء وأرشق‬
‫لج‪َ :‬طلِ َق الوجه‪ .‬وييال لنيـاوة مـا بـّي احلـاجبّي‪ :‬الـبلج‪ ،‬ومنـه قـول‬ ‫ٌ‬
‫ورجل َب ٌ‬
‫واجـب بـال َب َلج‪،‬‬
‫َ‬ ‫احلريري‪« :‬والذي ز ّين اجلبـاه بـال ّطرر‪ ،‬والعيـون بـاحلور‪ ،‬واحلَ‬
‫ِ‬
‫واملباس َم بال َف َلج» ‪.‬‬
‫حال من ال ِّلسان‪ .‬وإضافة النطق‬ ‫واملجرور ٌ‬
‫ُ‬ ‫والباء يف « ُنطق» للمالبسة‪ .‬واجلار‬
‫إىل التّب ّلج بيان ّية أو الم ّية‪ ،‬أو من قبيل « ُ َ‬
‫جلّي املاء» يف قوله‪:‬‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.258 :‬‬


‫(‪ )2‬خزانة األدب ‪ .401 :1‬إحياق احلق ‪.360 :19‬‬
‫(‪ )3‬ميامات احلريري‪/22 :1‬امليامة الرحبية (نسبة إىل رحبة مالك بن طوق)‪.‬‬
‫وأصيل ّ‬
‫كالذهب يف‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )4‬أي من باب إضافة املش ّبه به إىل املش ّبه‪ ،‬أي ماء كال ّلجبني يف ّ‬
‫الصفاء‪،‬‬
‫الصفرة‪ ،‬و ب ّلج كالنطق يف الكشف والتميز‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )5‬رشح األسامء احلسنى ‪ .4 :2‬الياموس املحيط ‪.8 :1‬‬
‫الضامئر الت‬
‫والضمري لـ«الصباح»‪ ،‬ويمكن أن يكون لـ«من دلع»‪ ،‬وكذا ّ‬
‫بعده‪ :‬بأن يكون اإلضافات من باب اإلضافة ألدنى مالبسة‪ ،‬وهو كون‬
‫املضافات معاليل اهلل تعاىل وامللك هلل‪ ،‬كيوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ود َأ ْد َل ُم ما يف‬
‫ك﴾ ‪ ،‬عّل أن يكون املراد هو النّفس الك ّلية‪ ،‬ال عّل أن يطلق النّفس عّل‬
‫َن ْفس َ‬
‫ذات اهلل تعاىل من باب صنعة املشاكلة‪ ،‬أو يكون اإلضافة هنا من إضافة املصدر‬
‫ُور‬ ‫احلّس بإرشاق اهلل املعنوي‪ّ ،‬‬
‫فإن ﴿اهللُ ن ُ‬ ‫إىل املفعول‪ ،‬أي بناطي ّيته ألجل إرشاقه ّ‬
‫السامواي َو ْاألَ ْرض﴾ نور ًا عين ّي ًا ق ّيوم ًا ّ‬
‫ميوم ًا لألنوار املجر ّدة الياهرة‪ .‬واألنوار‬ ‫َّ‬
‫اإلسف بد ّية الفلك ّية واألرض ّية واألنوار العرض ّية الشمس ّية واليمر ّية والنجوم ّية‬
‫ناطيات‬
‫ٌ‬ ‫داالت عليه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أظالل لنور اهلل احلييي العين ّ الي ّيوم ‪،‬‬ ‫والُّسج ّية‪ ،‬ك ُّل ا‬
‫ُّ‬
‫بتمجيده‪.‬‬

‫تَنويرٌ فتاحّي لِتأويل صباحي‬


‫ٍّ‬
‫تأويل هذه الفيرة أنّه تعـاىل أخـرج لسـان صـبح األزل مـن مطلـع مرتبـة‬
‫ال ّظ ــور واإلظ ــار‪ ،‬متن ّطي ـ ًا بــالنّطق التكــوين ‪ .‬وكلمــة «كــن» الوجود ّيــة‪،‬‬

‫(‪ )1‬املائدة‪.116 :‬‬


‫(‪ )2‬النور‪.35 :‬‬
‫(‪ )3‬وه األنوار املدبرة‪ ،‬و ُيراد هبا‪ :‬النفس الناطية‪ .‬مصنفات شيخ اإلرشاق ‪.147 :2‬‬
‫القديس املعروف‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )4‬هو مر بة املشار إليها بالكنز املخفي يف‬
‫احلقيقي د‬
‫ّ‬ ‫الرمحاين؛ وذلك ألن اإلاجاا‬
‫املقدّ س‪ ،‬والنّفس ّ‬ ‫(‪ )5‬هي الوجوا املنبسط‪ ،‬والفي‬
‫لكن أنحاؤه املضاف إىل املاه ّياي؛ وجواها‪،‬‬ ‫النسبي هو الوجوا املنسوب إىل اهلل‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫املعنى‬
‫باّتاا الوجوا واإلاجاا يف العدا الذي هو روح احلروف‪ .‬وهذا هو‬ ‫وانوجااها‪ ،‬ونور ذلك ّ‬
‫مواي َواألَ ْر َض إدّ ب ّ‬
‫احلق﴾‪.‬‬ ‫﴿و َما َخ َل ْقنَا َّ‬
‫الس َ‬ ‫املشار إليه ﴿ب َ‬
‫احل ِّق﴾ املخلوق به يف قوله عاىل َ‬
‫املنشعبة إىل كلامت عاليات ونازالت‪ ،‬ال تنفد وال تبيد ولو نفـد البحـار‪ ،‬املعربـة‬
‫الضمري املكنون املخزون‪.‬‬
‫عام يف ّ‬
‫ّ‬
‫املعنوي الي ّيوم ّ املذكور آنف ًا الذي تألأل به ماه ّيات‬
‫ّ‬ ‫«وتب ّل ُجه»‪ :‬إرشا ُقه‬
‫الصباح موافي ًا‬
‫األرواح واألشباح‪ ،‬واستصبحت هبذا اإلصباح‪ ،‬فيكون هذا ّ‬
‫لصبح األزل الذي أجاب به صاحب هذا الدّ عاء (عليه آالف التح ّية والثناء)‬
‫ّرش ُق من ُصبح األزل‬
‫ُور ُ‬ ‫َ‬
‫كميل بن زياد‪ ،‬حّي سأله عن احلييية بيوله×‪« :‬ن ٌ‬
‫مرشوح‬
‫ٌ‬ ‫ثار ُه» بعد أجوبة ُأخرى‪ .‬واحلديث‬
‫آ ُ‬ ‫لوح دىل هياكل التّوحيد‬
‫ف َي ُ‬
‫ور بّي أهل احلييية‪.‬‬
‫بالتفصيل مش ٌ‬
‫أن هلل تعاىل جت ّليات‪:‬‬
‫بيان ذلك ّ‬
‫ذات ‪ ،‬هو ّ‬
‫جتّل ذاته بذاته عّل ذاته؛ إذ مل يكن اسم وال رسم‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫جتل ٌ‬
‫صفات‪ ،‬هو ّ‬
‫جتّل ذاته يف أسامئه احلسنى‪ ،‬وصفاته العليا عّل وجه يستتبع‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬
‫وجتل‬
‫والصفات‬
‫ّ‬ ‫جت ّليه يف صور أسامئه وصفاته‪ ،‬أعن األعيان الثابتة الالزمة لألسامء‬

‫ديل× «إنّام ّقول ملا أراا كونه «كن» فيكون‪ ،‬د بصوي ّقرع‪ ،‬ود‬
‫و«بالفعل» يف كّلم ّ‬
‫بنداء ّسمع‪ ،‬وإنّام كّلمه سبحانه فعله»‪.‬‬
‫و«الكلامي العالياي» هي الت ّّاماي‪ ،‬وهي موجوااي دامل اجلمع‪ .‬و«النّازدي» هي‬
‫واألول دامل املعاين ا سواء كاند معاين مرسلة أو معاين‬
‫ّ‬ ‫موجوااي دامل الفرق وفرق الفرق‪.‬‬
‫الصور املشوبة باملا ّاة ا‬
‫الّصفة أو ّ‬
‫الصور ّ‬
‫الصورة ا سواء كاند ّ‬ ‫متع ّلقة ا واألخ ان دامل ّ‬
‫واجلميع معرباي دن الضم املكنون املخزون‪ .‬منه‪.‬‬
‫فإن‬
‫(‪ )1‬هياكل التوحيد هي املاه ّياي‪ ،‬واألوىل أن ّراا هبا النفوس الكل ّية اإلهل ّية‪ّ ،‬‬
‫املوجوااي األُخرى أش ّعتها وفضالتها؛ إذ هلا الوجوا ّ‬
‫الشامل‪ ،‬والوحدة اجلمعية‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رشح األسامء احلسنى ‪.5 :2‬‬
‫جتوز ًا عّل النعت‬
‫(‪ )3‬األوىل نصب ا وما بعدها من مثيالهتا عّل البدلية‪ ،‬وإن جاز الرفع ّ‬
‫املنيطع‪.‬‬
‫لزوم ًا غري ّ‬
‫متأخر يف الوجود‪ ،‬بل ه هناك موجودة بوجود األسامء املوجودة‬
‫األول‬
‫أن ّ‬ ‫يسمى باملرتبة الواحدية‪ ،‬كام ّ‬ ‫املسمى ّ‬
‫جل شأنه‪ .‬وهذا التجّل ّ‬ ‫ّ‬ ‫بوجود‬
‫يسمى باملرتبة األحد ّية‪.‬‬
‫ّ‬
‫جتّل ذاته بفعله‪ ،‬وهو الوجود االنبساط عّل ك ّل ماهيّة‬
‫أفعايل‪ ،‬هو ّ‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬
‫وجتل‬
‫ماه ّية من الدّ رة البيضاء إىل ذرة اهلباء‪ ،‬يف ّ‬
‫كل من اجلربوت وامللكوت والناسوت‬
‫محة الصفت ّية‪ ،‬وهذا‬
‫مسمى بالر ّ‬ ‫بالرمحة الفعل ّية‪ ،‬كام ّ‬
‫أن الثاين ّ‬ ‫مسمى ّ‬
‫بحسبه‪ .‬وهذا ّ‬
‫بالفيض امليدّ س‪ ،‬وذاك بالفيض األقدس ‪ .‬و«صبح األزل» يمكن أن يراد به‬
‫الثاين‪ ،‬كام يمكن أن يراد به الثالث‪.‬‬
‫الصورة‪ ،‬أو صباح‬
‫وبيان «النّطق» احلييي للص ّباح ـ سواء كان صباح عامل ّ‬
‫الظاهري ال ّلفظ إنّام يكون نطي ًا؛ لكونه وجود ًا كاشف ًا عن‬
‫ّ‬ ‫عامل املعنى ـ ّ‬
‫أن النّطق‬
‫الصوت معترب ًة فيه‪،‬‬
‫وجود ذهن ّ وهو عن وجود عين ٍّ ‪ ،‬ال لكون خصوص ّية ّ‬
‫حتّى لو مل يكن صوت ًا مل يكن نطي ًا‪ .‬وإنّام هذه باملواضعة؛ للتس يل‪ ،‬كام ّ‬
‫أن‬
‫كاشف ّيته عن وجود آخر ذهن باملواضعة‪ .‬وداللته بالوضع ال بال ّطبع‪ ،‬ولو كان‬

‫الرمحة بذاهتا منزّ هة دن التع ّيناي األسامئية‪ ،‬واملاه ّياي‬


‫(‪ )1‬التقدّس يف املوضعني لكون ّ‬
‫اإلمكانية‪ ،‬وإنّام أطلق يف الثاين صيغة التفضيل؛ ألنّه أ ّّن ظهور حقيقة الوجوا بمفاهيم‬
‫األسامء احلسنى ا كام يف مر بة الواحد ّّة ا من ظهورها بمفاهيم املاه ّياي اإلمكان ّية‪ ،‬كام يف‬
‫مر بة الفعل والفي املقدّ س‪ .‬واملاه ّياي واألديان الثابتة وإن كاند ّ‬
‫جمّلة يف املر بة الواحد ّّة‬
‫أّض ًا بالتّبع ا كام قلنا آنف ًا «دىل وجه ّستتبع» إىل آخر ا ّإد إ ا هناك موجواة بوجوا واحد‪،‬‬
‫بخّلفها يف مر بة الفعل‪ ،‬فإ ّ ا موجواة بمرا ب الوجوا املتك ّثرة‪.‬‬
‫بالرمحة الصفتية‪ ،‬وادُخرى ّ‬
‫بالرمحة الفعل ّية‪ ،‬وكو ام‬ ‫وقد ظهر منه وجه سمية‪ ،‬إحدامها ّ‬
‫«صبح ًا» لكو ام مقامي ال ّظهور‪ّ .‬‬
‫وأما مقام اخلفاء والكنز املخفي‪ ،‬فهو املر بة األحدّة التي‬
‫هي يب الغيوب الذي د اسم ود رسم له‪ .‬منه‪.‬‬
‫بال ّطبع ألكّد نطي ّيته‪ ،‬كام يف الوجودات الذهن ّية بالنّسبة إىل الوجودات العينيّة؛‬
‫ّفس‪« :‬ناطي ًة»‪ .‬وقيل شعر ًا‪:‬‬
‫نواطق»‪ ،‬والن ُ‬
‫َ‬ ‫العيول املدركة للك ّليات‪« :‬‬
‫ُ‬ ‫يسمى‬
‫ولذا ّ‬

‫‪.‬‬ ‫واألشاعرة ذهبوا إىل «الكلامت النفس ّية» ‪ ،‬ولكن ال وجه للتّخصي‬
‫فإذن‪ ،‬إن كان بدل الكيف ّيات املسموعة املوضوعة أشياء ُاخرى موضوعة‪ ،‬بحيث‬
‫الذهن‪ ،‬كان ُ‬
‫حاهلا‬ ‫ً‬
‫منشأ حلضور األشياء املدلولة يف ّ‬ ‫يكون حضور األشياء الدالة‬
‫حينئذ َ‬
‫حاهلا‪.‬‬
‫أن كل وجود له دالل ٌة ذاتيّ ٌة بوضع إهل ّ عّل ج ة‬ ‫إذا عرفت هذا‪ ،‬فاعرف ّ‬
‫نوران ّية ه «وجه اهلل» فيه‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬أ ّْنَام َُولوا َف َث َّم َو ْج ُه اهلل﴾ ‪ .‬وقال‬
‫ّ‬
‫فالدال‪ :‬ج ته‬ ‫ّي‪ :‬وجه من ر ّبه‪ ،‬ووجه من نفسه؛‬ ‫كل موجود ذو وج َ ِ‬ ‫املتأهلون‪ُّ :‬‬
‫ّ‬
‫الربان ّية‪ ،‬وتلك اجل ة النّورانيّة الر ّبان ّية يف عّي كوُنا‬
‫النفسية‪ ،‬واملدلول‪ :‬ج ت ُه ّ‬
‫د اهلل د ُ ّْت ُصوها﴾ ‪ ،‬و﴿ما‬
‫واحدة هلا شؤون غري متناهية‪َ ﴿ :‬وإ ْن َ ُعدوا ن ْع َم َ‬
‫كلامهتا‬
‫ُ‬ ‫امي اهلل﴾ ‪ .‬والوجودات بام ه مضافات إىل املاه ّيات‪:‬‬
‫نَفدَ ْي كَل ُ‬
‫مضافات إىل اهلل تعاىل‪ :‬كلامته وخطاباته‬ ‫وتسبيحاهتا ومتجيداهتا‪ ،‬وبام ه‬
‫املتع ّليات بأسامع ا ال ّثابتة كأعياُنا‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيت لألخطل‪ .‬التفسري الكبري ‪ .20 :1‬املستصفى‪.80 :‬‬


‫(‪ )2‬راجع رشح املواقف ‪.93 :8‬‬
‫(‪ )3‬البيرة‪.115 :‬‬
‫(‪ )4‬إبراهيم‪ .34 :‬النحل‪.18 :‬‬
‫(‪ )5‬ليامن‪.27 :‬‬
‫َس َح ق َط َع ال ّليل ا ُملظلم بغَياهب َ َل ْج ُلجه﴾‬
‫(‪َ ﴿ )4‬و َ َّ‬
‫«التُّّسيح»‪ :‬اإلرسال‪ .‬وتُّسيح املاشية إسامت ا‪ ،‬ومنه قوله‪:‬‬

‫فتشبيه «قطع ال ّليل» يف النّفس بيطع املوايش استعارة بالكناية‪ ،‬وإثبات‬


‫التُّّسيح هلا استعارة ختييلية‪ .‬وفيه إيامء إىل ُم َس َّخريت ا هلل تعاىل‪ ،‬وأ ُّنا متح ّركة‬
‫كتسخر قطيع الغنم‬‫ّ‬ ‫عاملة هلل تعاىل‪،‬‬ ‫بتحريك املالئكة املوكلة هبا‪ ،‬الت ه أيد ّ‬
‫للراع ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّح بإ ْحسان﴾ ‪.‬‬ ‫وأيض ًا التُّسيح‪ :‬التطليق‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬أ ْو َْْس ٌ‬
‫كمنرب ـ عّل املشط‪،‬‬ ‫الشعر وإرساله‪ ،‬ومنه‪ :‬إطالق امل ُِّسح ـ ِ‬ ‫حل َّ‬‫وأيض ًا ّ‬
‫َ‬
‫وحينئذ كان فيه تشبيه ال ّليل َّ‬
‫بالشعر‪.‬‬
‫الشـ ء‪ ،‬واملراد « ِبيطع ال ّليل»‪ :‬ساعا ُته‬ ‫اليطعة» بالكُّس‪ :‬ال ّطائفة من ّ‬ ‫و« ِ‬

‫اليار‪ ،‬اليابل لليسمة إىل غري‬


‫ّ‬ ‫الكم املتّصل الغري‬
‫ّ‬ ‫ودقائيه وثوانيه وهكذا؛ ألنّه‬
‫الن اية‪ .‬وأما « ِ‬
‫اليطع» كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬بق ْطع م َن ال َّل ْيل﴾ ‪ ،‬ف و خمصوص‬ ‫ّ‬

‫كالْسح‪ .‬وبعد هذا البيد قوله‬ ‫(‪ )1‬أي حلظ ًا َّ‬


‫آثاااااام‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫كااااال ذاك‬ ‫فاااااإذا دصاااااارة‬ ‫اااد مااااا بلااااب اماااارؤُ بشاااابابه‬
‫وبلغا ُ‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رشح األسامء احلسنى ‪.6 :2‬‬
‫(‪ )3‬البيرة‪.229 :‬‬
‫(‪ )4‬هود‪ .81 :‬احلجر‪.65 :‬‬
‫بظلمة آخر ال ّليل أو بيطعة من ّأوله إىل ُثلثه‪.‬‬
‫و«املظلم»‪ :‬من «أظلم»‪ ،‬بمعنى صار ذا ظلمة‪ ،‬كام يف قوهلم‪ :‬أغدَّ البعري‪ ،‬أي‬
‫صار ذا غدّ ة‪.‬‬
‫السواد من اخليل‪ ،‬وإظالم‬ ‫و«الغياهب»‪ :‬مجع الغي ب أي الظلمة‪ّ ،‬‬
‫والشديد ّ‬
‫الليل بمرور الشمس يف قوس الليل‪ ،‬ووقوع املخروط من ّ‬
‫ظل األرض فوق‬
‫األرض‪.‬‬
‫و«التّلجلج»‪ :‬الرت ّدد يف الكالم؛ لثيل لسان‪ ،‬أو دهشة وخشية‪ ،‬ومنه قوهلم‪:‬‬
‫احلق أبلج والباطل َجللج» ‪ ،‬أي احلق ظاهر والباطل غري مستييم بل مرت ّدد‪.‬‬
‫« ُ‬
‫جلة ال ّليل‪ :‬تر ّدد ظالمه‪.‬‬
‫وجلة البحر‪ :‬تر ّدد أمواجه‪ ،‬و ّ‬
‫و ُاضيف التّلجلج إىل الليل؛ ّ‬
‫ألن األشياء فيه غري متم ّيزة مثل كالم املتلجلج‪،‬‬
‫فكأنّه احليوان األبكم‪ ،‬والنّ ار هو احليوان الناطق‪.‬‬
‫والباء يف قوله×‪« :‬بغياهب» إما للمصاحبة متع ّلية بـ« ّ‬
‫رسح»‪ ،‬وإ ّما للسببية‬
‫جلة البحر‪ .‬والغياهب‪:‬‬ ‫متع ّلية بـ«املظلم»‪ .‬ويمكن عّل ّ‬
‫األول جعل التّلجلج من ّ‬
‫السواد تشبي ًا؛ فيكون أوفق بالتُّّسيح بمعنى اإلسامة‪.‬‬
‫اخليل الشديدة ّ‬

‫ملعاتٌ واشراقاتٌ لِتأويلِ الظّلمات‬


‫التأويل‪ :‬أن يراد «بيطع الليل»‪ :‬املاه ّيات املطلية واملوا ّد املختلفة بالنّوع‬
‫املجسمة الثانية أنفس ا‪ .‬و«ظلامهتا»‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الفلك ّية‪ ،‬واملا ّدة العنرص ّية االُوىل‪ ،‬واملادة‬
‫الذات ّية‪ ،‬وإمكاناهتا االستعداد ّية‪ .‬فف الفيرة االُوىل تك ّلم يف املنري‬ ‫إمكاناهتا ّ‬
‫ُ‬
‫واألنوار ا ّلت ه من ُصيع الفاعل‪ ،‬ويف الثانية تك ّلم يف املظلم والظلامت ا ّلت‬

‫(‪ )1‬اإلقبال باألعامل احلسنة ‪ ،33 :2‬الصحاح ‪ 300 :1‬ـ بلج‪.‬‬


‫ه من ناحية اليابل‪ ،‬حتّى يظ ر للناقد البصري‪ ،‬واملتو ّقد اخلبري أ ّن امللك هلل‬
‫ات‬ ‫كل نور‪ ،‬وظ ور ّ‬
‫كل ظ ور‪ .‬والفعل ّي ُ‬ ‫تعاىل‪ ،‬واألنوار من ُصيعه‪ ،‬وأنّه نو ُر ّ‬
‫والكامالت ك ٌّل ا طوار وعوار للموا ّد‪ ،‬وليس هلا يف ذواهتا إ ّال الفير واإلمكان؛‬
‫الّشء إىل فاعله بالوجوب والوجدان‪ ،‬وإىل قابله باإلمكان والفيدان‪.‬‬ ‫فإن نسبة ّ‬‫ّ‬
‫فإذا ُا ِخذت املاه ّيات واملوا ّد بـ«رشط ال»‪ ،‬ظ رت َميابح ا و َمساوهيا‪ّ ،‬‬
‫وأن‬
‫ِ‬
‫البياء والدّ وام لبارهيا‪ ،‬وأ ّن الثبات والفعل ّية تعودان إىل عامل ّ‬
‫الربوبيّة‪ ،‬وأن الدّ نيا‬
‫ونشأة الطبيعة دائر ٌة فانية‪ ،‬كام أ ُّنا متجدّ د ٌة حادثة‪.‬‬

‫للسالك كمقام وحيد الكث ‪ .‬فإذا نظري يف‬ ‫(‪ )1‬وهذا مقام كث الواحد‪ ،‬وهذا دزم ّ‬
‫أن دلمه وقدر ه وسائر كامد ه‬
‫القابيل وأرجعته إىل العنارص‪ ،‬رأّد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّل إىل مبدئه‬‫اإلنسان مث ً‬
‫وفعليا ه‪ ،‬سيام دلومه احلقيقية وقدر ه دىل أفعاله املحكمة ك ّلها من ٍ‬
‫واا آخر هو الوااي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األّمن‪ ،‬ولو كاند من املاء فهذا هو املاء يف احلوض‪ ،‬ولو كاند من األرض فها هي أرض‬
‫رباء‪ .‬وهكذا يف الباقي ليسد ّإد واسق وأموا ًا‪ ،‬وقس دليها كل ما رى من ُحلل‬
‫الكامدي األُوىل‪ُ ،‬‬
‫وحيل الكامدي الثانية يف مظاهر املاه ّياي واملواا من املفارقاي واملقارناي‬
‫والربزخ ّياي‬
‫مهاااااه أشااااايا مظااااااهر أساااااام‬ ‫مهاااااه أساااااام مظااااااهر ذا ناااااد‬
‫ونعم ما قال املولوي‬
‫وپااار وباااال‬
‫ّ‬ ‫روح پنهاااان كاااراه ّفر‬ ‫اان مهااى نااازا بااه خااوبى ومجااال‬
‫ّااك او روز از پر ااو ماان زّسااتى‬ ‫گوّاادك كاااى مذبلااه ااو كيسااتى‬
‫باااك ااا كااه ماان شااوم از ااو ااان‬ ‫نج وناازي ماى نجنجاد ار جهاان‬
‫شاااا وخناادانيم و بااس زّبااا شاادّم‬ ‫سبزه هاا گوّناد ماا سابز از خاواّم‬
‫را ببينااد چااون ماان بجااذرم‬ ‫خااوّ‬ ‫فصاال ابسااتان بجوّااد كاااى ُاماام‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪َ ﴿ )5‬وأ ْ َق َن ُصن َْع ال َف َلك الدَّ ّوار يف َمقااّر ََربجه﴾‬
‫الفلك َف َلك ًا تشبي ًا بفلكة املغزل يف الدَّ َوران‪ ،‬ويف أن يكون له‬
‫ُ‬ ‫إنّام ُس ِّم‬
‫بالرحى؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫سموه «آسامن» تشبي ًا له ّ‬
‫رس أيض ًا ّ‬
‫املنطية واملحور وال ُيطبان‪ .‬وال ُف ُ‬
‫الرحى‪ ،‬و«مان» كلمة التّشبيه‪ .‬واهلل ُسبحانه أتين ُصنع الفلك ذات ًا‬
‫«آس» بلغت م ّ‬
‫وصف ًة‪:‬‬
‫فألن ما ّدته أقوى من املا ّدة العنرص ّية‪ ،‬حيث إ ّن مادة الفلك خمالفة‬
‫اي؛ ّ‬ ‫ّأما ّ‬
‫الذ ُ‬
‫ونوع ّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫متخالفات بالنّوع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بالنّوع ملا ّدة العنارص‪ ،‬بل املواد العرش للعوامل العرشة‬
‫؛ فاملا ّدة العنرص ّية لضعف ا مشرتك ٌة بّي العنارص‪،‬‬ ‫واحدة من ا منحرص يف شخ‬
‫واملواليد ختلع صور ًة من ا وتلبس ُأخرى‪ .‬واملا ّدة الفلك ّية ّ‬
‫ليوهتا يتأبى ّ‬
‫كل نوع‬
‫ختّل سبي َل ا‪ .‬وصورته أحكم ّ‬
‫الصور؛ إذ ال تيبل‬ ‫من ا عن قبول غري صورهتا وال ّ‬
‫َ‬
‫والكون من يشء‪ ،‬والفسا َد إىل يشء‪ ،‬وإن قبل الوجو َد االخرتاع‬ ‫نيالب‬
‫َ‬ ‫اال‬
‫ك ّإد َو ْج َه ُه﴾ ‪،‬‬ ‫ف‪﴿ :‬كُل َ ْ‬
‫َشء َهال ٌ‬ ‫والفنا َء املحض وال ّطمس ّ‬
‫الرص َ‬
‫اي ب َيمينه﴾ ‪.‬‬
‫مواي َمطو ّّ ٌ‬
‫ُ‬ ‫الس‬
‫﴿ َو َّ‬

‫القهار‪،‬‬ ‫وّضمحل وجوااي ّ‬


‫الكل ّتد وجوا الواحد ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )1‬إذ يف القيامة الكربى ّتّلشى‬
‫وّعوا الوجوا إىل اهلل‪ ،‬وّسقط إضافة الوجوا إليها‪ ،‬فيقب حياة امللك حتّى «إَسافيل»‬
‫ّل دن الفلك‪ ،‬كام ّعوا وجوا ّ‬
‫كل القوى واملدارك بعد‬ ‫و«جربائيل» و«دزرائيل» و هم فض ً‬
‫وبدوها‪ ،‬كام أ ا اّتها ومرجعها‪ .‬منه‪.‬‬
‫فإن النفس أصلها ّ‬
‫خراب البدن إىل النّفس النّاطقة‪ّ ،‬‬
‫‪.88 :‬‬ ‫(‪ )2‬اليص‬
‫(‪ )3‬الزمر‪.67 :‬‬
‫ُّس والتّضا ّد لتفسد بحلول الضدّ و ُط ُر ِّو ِه يف موقع الضدّ اآلخر؛‬
‫وال تيبل ال َي َ‬
‫رض هناك‪ ،‬وال تركيب في ا؛ حتّى تدخل ّتت قاعدة « ّ‬
‫كل‬ ‫رش وال ّ‬‫ولذا ال َّ‬
‫مركّب ّ‬
‫ينحل»‪.‬‬
‫ألن نفوس األفالك‬ ‫ونفوسه أرشف النفوس األرض ّية من حيث ه أرض ّية؛ ّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫عيوهلا‬ ‫رهبم األعّل‪ ،‬ومن زمرة ﴿املُْدَ ِّب َراي َأ ْم ًرا﴾‪ ،‬كام أ ّن‬
‫مالئك ٌة مشتاقون لياء ّ‬
‫الصا َّفاي َص ًّفا﴾‪ .‬فليس الباعث‬ ‫عش ٌ‬
‫اق إهليّون‪ ،‬ومن زمرة ﴿ َّ‬ ‫مالئك ٌة ّ‬
‫ميربون‪ّ ،‬‬
‫عّل ّتريك تلك النّفوس أمر ًا ش و ّي ًا‪ ،‬أو غضب ّي ًا كجلب ُمالئم ّ‬
‫بدين‪ ،‬أو دفع‬
‫بدين؛ لرباءهتا عن ام‪ ،‬فوجو ُد الش وة والغضب في ا مع َط ٌل عبث؛ وال َ‬
‫نفع‬ ‫ُمنافر ّ‬
‫السافل ّ‬
‫بالذات‪ ،‬فتحري ُك ا ألجل أمر‬ ‫السوافل ّ‬
‫بالذات؛ إذ ال التفات للعايل إىل ّ‬ ‫ّ‬
‫الشأن‪ ،‬وهو التخ ّل ُق بأخالق املالئكة ّ‬
‫امليربّي من‬ ‫ِ‬
‫جليل ّ‬ ‫عيّل عظي ِم اخلطر‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫املستكملة األرض ّية يف‬ ‫العيول التسعة‪ ،‬كام أ ّن غرض النفوس اليدس ّية الناطية‬
‫حركاهتا العلم ّية والعمل ّية هو التخ ّل ُق بأخالق روح اليدس من العيل العارش‪.‬‬
‫السوائ ّية من املا ّدة ولواحي ا ـ‬
‫الربوب ّية‪ ،‬وأحكام ّ‬
‫والعيول ملا كانت من صيع ّ‬
‫ألُنا قدرة اهلل ومشيّة اهلل‪،‬‬‫ولو كانت املا ّدة بمعنى املتع ّلق‪ ،‬في ا مست لك ٌة ؛ ّ‬
‫عشاق ًا هلل‪،‬‬
‫وكاملعنى احلريف بالنّسبة إليه ـ كانت النفوس الفلك ّية يف احلييية ّ‬

‫(‪ )1‬ومن احلجب العظيمة املكان والزّ مان‪ ،‬وملزومه الذي هو احلركة‪ ،‬وهي مناط الغ ّّة‬
‫درف فيثا ورس احلركة بالغ ّّة؛ اذ ّؤكد ّّة احلوااي الكائنة مع دامل‬‫والسوائ ّية بحيث ّ‬
‫ّ‬
‫وكل هذه مر فعة دن دامل العقل‪ّ ،‬‬
‫فكل من العقول كأنّه‬ ‫حاق نفس األمر‪ّ .‬‬‫العقل الذي هو ّ‬
‫الصعوا ّّة‬
‫السلسلة ّ‬ ‫ّقول «من رآين فقد رأى اهلل» كام قال ذلك س ّيد العقول الكل ّية يف ّ‬
‫بخّلف املمكناي باإلمكان ادستعدااي‪ ،‬املتحجبة املشوبة بالتبادد املكاين‪ ،‬والتّاماي الزماين‪،‬‬
‫السوائية دليها البة‪،‬‬‫السيّلين‪ ،‬والو ول اهليودين؛ فا ّ ا من صقع املوا ّا‪ ،‬وأحكام ّ‬
‫والطبع ّ‬
‫جمرا الفقر إىل اهلل عاىل‪ .‬منه‪.‬‬
‫وان إمكا ا ّ‬
‫بتجرا دامل العقل دن املاه ّية‪ّ ،‬‬
‫س ّيام إن قلنا ّ‬
‫راجّي لياءه‪ ،‬متواجدين يف عشق مجاله وجالله؛ هذا بلسان؛ و ُن ّساك ًا إهل ّيّي‬
‫و ُع ّباد ًا ر ّبان ّيّي حول كعبة وصاله‪ ،‬هذا بلسان آخر‪ .‬قال املع ّلم الثاين‪« :‬ص ّلت‬
‫واملطر َهب َطالنه‪ ،‬وقد ّ‬
‫يصّل‬ ‫ُ‬ ‫بس َيالنه‪،‬‬
‫رججاُنا‪ ،‬واملا ُء َ‬
‫واألرض َب َ‬
‫ُ‬ ‫دوراُنا‪،‬‬
‫السامء َب َ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ْرب﴾ » ‪.‬‬‫له وال يشعر‪َ ﴿ :‬و َلذك ُْر اهلل أك َ ُ‬
‫ويف كون األفالك ذوات نفوس قوالن‪:‬‬
‫أحدمها أ ّن ّ‬
‫لكل كرة يف فلك نفس ًا‪.‬‬
‫والكوكب فيه كاآلالت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألفالك اجلزئيّة‬ ‫الكّل‪،‬‬ ‫وثانيهام ّ‬
‫أن النّفس للفلك ّ‬
‫وأُنا كاجلامدات‪،‬‬
‫وما ييال‪ :‬إنّه يستفاد من بعض األخبار أنّه ال حياة لألفالك‪ّ ،‬‬
‫حياهتا‬
‫ُ‬ ‫فليس كذلك‪ .‬ولو ّ‬
‫دل بظاهره لكان فيه إشار ٌة إىل ّأُنا بميتىض التّوحيد‬
‫رادهتا ُمست لك ٌة يف إرادته‪ ،‬وفع َل ا يف فعله‪،‬‬ ‫ُمست لك ٌة يف حياة اهلل تعاىل‪ ،‬كام ّ‬
‫أن إ َ‬
‫وأحكا ُم الظاهر غالب ٌة عّل أحكام املظ ر بخالف العنرص ّيات‪ ،‬فينعكس احلكم‬
‫هاهنا إ ّال أن تشابه الفلك واملَ َلك‪ ،‬فاحلكم احلكم‪ .‬وكفى يف ذلك ُ‬
‫قول س ّيد‬
‫املوحدين عّل بن احلسّي× خماطب ًا لل ِ الل‪َّ « :‬‬
‫السّل ُم َد َل َ‬
‫يك‬ ‫ّ‬ ‫الساجدين وزين‬ ‫ّ‬
‫ائب يف َف َلك ال ّت َقدّر» ‪ .‬ونِع َم ما قيل‪:‬‬ ‫لق املُ ُ‬
‫طيع الدّ ُ‬ ‫أُّيأ َ‬
‫اخل ُ‬ ‫َّ ُ‬

‫(‪ )1‬العنكبوت‪.45 :‬‬


‫(‪ )2‬احلكمة املتعالية يف األسفار األربعة ‪ ،278 :7‬املبدأ واملعاد‪ ،237 :‬ونيل طرفه فيط‪.‬‬
‫(‪ )3‬فليس هلا إدّ جملو ّّة حياة اهلل وإراا ه وقدر ه‪ ،‬اذ د إرااة هلا خمالفة إلراا ه‪ ،‬ود مش ّية هلا‬
‫وأمر اهلل عاىل إراا ه‪ ،‬و يه‬
‫ون﴾‪ُ ،‬‬ ‫ون اهللََّ َما َأ َم َر ُه ْم َو َّ ْف َع ُل َ‬
‫ون َما ُّ ْؤ َم ُر َ‬ ‫مش ّيته َ‬
‫﴿د َّ ْع ُص َ‬
‫كراهته‪ ،‬وكذا إراا ه أمره التكوّني؛ إذ هلا ارجاي‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الصحيفة السجادية اجلامعة‪/‬الدعاء‪ .110 :‬األمايل (الطويس) ‪ .1086 / 495 :‬بحار‬
‫األنوار ‪.4/379 :93 ،4/344 :92‬‬
‫أتم احلركات وأقد ُم ا وأدوم ا‪:‬‬ ‫الصف ُة‪ّ ،‬‬
‫فألن حركته ُّ‬ ‫وأما ّ‬ ‫ّ‬
‫والزيادة والنّيصان‬
‫الُّسعة والبطء ّ‬ ‫فألن ّ‬
‫كل حركة هناك ال تيبل ّ‬ ‫أتم؛ ّ‬
‫أ ّما إ ُّنا ُّ‬
‫كا ّلدائرة بخالف ّ‬
‫اخلط املستييم مث ً‬
‫ال‪.‬‬
‫للزمان الذي ال يتيدّ م عليه يشء تيدّ م ًا زمان ّي ًا‪،‬‬
‫فألُنا راسم ٌة ّ‬
‫وأ ّما إ ُّنا أقد ُم؛ ّ‬
‫والسابق عليه هو الباري وأسامؤه‪.‬‬
‫ّ‬
‫فألُنا رابطة احلوادث إىل اليديم‪ ،‬فال تنيطع إ ّال إذا انيطع‬
‫وأ ّما إ ُّنا أدو ُم؛ ّ‬
‫الفيض‪ ،‬وفيض اهلل ال ينيطع‪ ،‬وسي ُبه ال ينب ُّت‪ ،‬ونوره ال يأفل ‪ ،‬وقدرته ال ّ‬
‫متل‬

‫(‪ )1‬جامع الشتات‪ .58 :‬رشح األسامء احلسنى ‪ 47 :1‬و ج‪.8 :2‬‬
‫فإن نوره يف لسان اإلرشاق ّيني هو األنوار القاهرة مطلق ًا‪ ،‬واألنوار اإلسفهبد ّّة الفلك ّية‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫اإلسفهبدي الذي هو‬
‫ّ‬ ‫الذات‪ .‬والنور‬‫واألرض ّية‪ ،‬وهي نوره الفعيل ود أقول له؛ فكيف لنوره ّ‬
‫النّفس النّاطقة‪ ،‬قدّم بالزّ مان بادتبار ذا ه وباطن ذا ه دند األفّلطونيني‪ .‬وما ثبد قدَ مه‪ ،‬امتنع‬
‫ددمه‪ .‬ويف احلدّث «خلق األرواح قبل األجساا بأل َفي دام»‪[ .‬املسائل الْسوّة ‪ ،53‬معاين‬
‫ولعل األلف ر ْب طويل‪ ،‬د زماين‬ ‫ّ‬ ‫األخبار ‪ ،1/108‬مناقب آل أيب طالب ‪.]179 2‬‬
‫دريض‪ .‬ودندنا نوره حقيقة الوجوا اآلبية دن العدم‪ .‬ومن أسامئه احلسنى «ّا من له نور د‬
‫ّ‬
‫وريب ليس بآفل‪،‬‬
‫ني﴾‪ ،‬أي الكوكب آفل‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ّطفا»‪ .‬وقال عاىل دن خليله ﴿د أحب اآلفل َ‬
‫كل نور‪ّ ،‬ا نور ًا بعد ّ‬
‫كل نور‪،‬‬ ‫كل نور‪ّ ،‬ا نور ًا قبل ّ‬
‫فالكوكب ليس بريب‪ .‬ويف الدّ داء «ّا نور ّ‬
‫كل نور‪ّ ،‬ا نور ًا ليس كمثله نور»‪[ .‬املصباح (الكفعمي) ‪ .]253‬وقال العارف‬ ‫ّا نور ًا فوق ّ‬
‫وان معاااانى بااار قااارار و بااار اوام‬ ‫قر اااا بااار قر اااا رفاااد اى مهاااام‬
‫دكااس ماااه ودكااس اخاارت برقاارار‬ ‫شااد مباادّ ل آب اّاان جااو چنااد بااار‬
‫منه‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫تكل‪ .‬وأ ّن وضعه أجدى األشياء نفع ًا وأكثرها أثر ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن اهلل سبحانه جعل‬
‫وأوضاع ثوابته ٌّ‬
‫كل مع اآلخر‬ ‫ُ‬ ‫األمور األرض ّية منوط ًة باألوضاع ّ‬
‫السامو ّية‪،‬‬
‫الكروي أفضل‬
‫ّ‬ ‫وأن شكله أفضل األشكال ّ‬
‫فإن الشكل‬ ‫أدو ُم األوضاع وأثب ُت ا‪ّ .‬‬
‫َ‬
‫عامل الوحدة والبساطة‪ ،‬وبعدم انت اء‬ ‫األشكال حيث إنّه ببساطته ووحدته حياك‬
‫اخلط‪ ،‬وال ّ‬
‫خط بالفعل يف الكرة ـ حياك‬ ‫ّ‬ ‫سطحه ـ حيث إ ّن ُناية ّ‬
‫السطح ه‬
‫عد َم ُناية علم اهلل وقدرته وكلامته‪ .‬وباستواء نسبة مركز الكرة إىل مجيع أقطارها‪،‬‬
‫الرمحن إىل ّ‬
‫الكل‪.‬‬ ‫وكون ّ‬
‫كل موضع من حميط ا وسط ًا‪ ،‬حياك استوا َء نسبة ّ‬
‫بالصناعة إذا‬ ‫ُ‬
‫أصون عن الفساد؛ ولذا كان الفاعلون ّ‬ ‫وأيض ًا الشكل ال ُك ّ‬
‫روي‬
‫الضياع جعلوها كرات‪ .‬قال تبارك وتعاىل‪:‬‬
‫قصدوا صيانة مصنوعاهتم عن ّ‬
‫امء َس ْقف ًا َحم ُفوظ ًا﴾ ‪ ،‬وقال‪َ ﴿ :‬و َبنَينا َفو َقكُم َسبع ًا شداا ًا﴾ ‪.‬‬ ‫وج َع ْلنا َّ‬
‫الس َ‬ ‫﴿ َ‬
‫أعّل األيون؛ وأن كيفه ـ كميله وإرادته وعلمه ـ ّ‬
‫أجل الكيف ّيات؛‬ ‫ّ‬
‫وأن أينَه َ‬
‫الكميات وأمثل ا؛ إذ ال يسوغ عليه النّمو والذبول‬ ‫ّ‬ ‫أصح‬
‫ّ‬ ‫كمه املتّصل‬ ‫ّ‬
‫وأن ّ‬
‫احلق تعاىل ج َع َل ا‬
‫كل فلك وفلك ّ إذا ج َع َل ا اجلاعل ّ‬‫والتخلخل والتكاثف‪ ،‬بل ّ‬

‫ساميد «ثواباد»؛ هلاذا‪ ،‬ولابطء حركتهاا بالنسابة إىل السا ّياراي‪ .‬فااألفّلك‬
‫(‪ )1‬حتّى إ ّ ا ّ‬
‫والفلكياي بدّمومتها واّمومة أوضادها مظاهر اوام اهلل‪ ،‬و ذكر بألسنة وجوااهتا «ّا اائم‪،‬‬
‫ها من األسامء احلسنى التي هي جمايل ظهورها‪ .‬منه‪.‬‬ ‫حي‪ّ ،‬ا ق ّيوم» و‬
‫ّا قائم‪ّ ،‬ا ّ‬
‫(‪ )2‬وأّض ًا حياكي هبذا خ ّّة الوجوا؛ ألن الوجوا مطلق ًا خ وحسن‪ .‬وحياكي حسن صنيع‬
‫اهلل يف كل وجوا جمعول من حيث هو وجوا مرقوم بقلمه األدىل‪ .‬والوسط‪ ،‬هو الفاضل‪ ،‬كام‬
‫و﴿الص َّلة ا ْل ُو ْس َطى﴾ هي األفضل منها‪ .‬منه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قالوا «خ األمور أوسطها»‪،‬‬
‫(‪ )3‬األنبياء‪.32 :‬‬
‫(‪ )4‬النبأ‪.12 :‬‬
‫فارسية هنا‪.‬‬ ‫(‪ )5‬الظاهر أنه يريد هبا‪ :‬الرغبة أو اإلرادة‪ ،‬ف‬
‫وكثري من‬
‫ٌ‬ ‫الكميات‪ .‬وكيف ال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫متيدّ ر ًا بميداره ا ّلالئق به؛ وأيض ًا ُّ‬
‫كمه أعظم‬
‫كمه‬ ‫ال عن نفس األفالك؟ ّ‬
‫وأن َّ‬ ‫أضعاف أضعاف األرض‪ ،‬فض ً‬‫ُ‬ ‫الكواكب‬
‫والتسعة ُأصول‬
‫ّ‬ ‫فإن عدد األفالك تسعة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أكمل الكم ّيات املنفصلة‪ّ ،‬‬ ‫املنفصل‬
‫والتسع ُة عدد أرقام آدم هكذا ‪،441‬‬
‫ّ‬ ‫العدد؛ ولذا كان األرقام تسعة ال غري‪.‬‬
‫ومجع العدد من واحد إىل تسعة مخسة وأربعون وهو عدد آدم‪ ،‬وآدم هو النّوع‬
‫األخري ا ّلذي هو كامل األنواع‪ ،‬فالكامل للكامل‪.‬‬
‫أن عدد األفالك تسعة ال أكثر وال أ ّقل‪ ،‬ف و من ج التحييق احلييق‬
‫وأ ّما ّ‬
‫تفوه بعض العلامء بغري ذلك‪.‬‬
‫بال ّتصديق‪ ،‬وإن ّ‬
‫عّل بن سينا أنّه احتمل‬ ‫أ ّما يف جانب الكثرة فربام ينسب إىل ّ‬
‫الشيخ الرئيس أيب ّ‬
‫باطل؛ ألنّه إ ّما أن يكون ّ‬
‫كل واحد من ا‬ ‫كال يف فلك‪ ،‬لكنّه ٌ‬
‫أن يكون ال ّثوابت ا‬
‫متحرك ًا بذاته فيكون انيضاء حركة ِّ‬
‫الكل يف زمان واحد‪ ،‬وهومخسة وعرشون‬
‫ألف سنة ومئتن عّل سبيل االتّفاق‪ ،‬مع أنّه ال نظام يف االتفاقات‪ .‬وكيف‬
‫يتساوى ّ‬
‫الكل يف احلركة وه خمتلف ٌة عظ ًام وصغر ًا إلحاطة بعض ا ببعض‪،‬‬
‫نوع متّفق األفراد‪ ،‬بل ّ‬
‫كل‬ ‫وخمتلف ٌة نوع ًا؛ إذ األفالك والفلك ّيات ال يوجد في ا ٌ‬
‫متحرك ًا بالتّبع لفلك أعّل من ا ومل‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬وإ ّما أن يكون ّ‬
‫الكل‬ ‫نوع منحرص يف شخ‬
‫إىل‬ ‫يكن لذواهتا حرك ٌة ّ‬
‫بالذات‪ .‬وكيف يكون هذا‪ ،‬وما بالعرض البدّ أن ينت‬
‫ما ّ‬
‫بالذات كام يف حركات األفالك الثامنية من املرشق إىل املغرب بتبعيّة الفلك‬
‫األطلس؟‬

‫ّ‬
‫بالكل‪ ،‬ومل ّكن لذواهتا حركاي‬ ‫(‪ )1‬أي كون ّ‬
‫الكل متحركة احلركة البطيئة فلك أدىل حميط‬
‫ٍ‬
‫خاصة؛ إذ د اادي إىل القول بالتعدّ ا حينئذ‪ .‬والذي اداهم إىل القول بتعدّ ا األفّلك التسعة‬
‫ّ‬
‫وجدا م حركاي خمتلفة ذا ية؛ وأّض ًا فصل الفلك املأخوذ يف حدّ ه أنّه مبدأ ميل مستدّر‪.‬‬
‫السكون بالذاي‪ ،‬كام دن احلركة املستقيمة‪ ،‬وامليل املستقيم‪ .‬منه‪.‬‬
‫واحلركة املستدّرة آبية دن ّ‬
‫وأ ّما يف جانب الي ّلة‪ ،‬فيد احتمل املح ّيق الطويس‪ +‬أن تكون األفالك‬
‫ّترك ا هذه احلركة‪ ،‬وهذا أيض ًا ٌ‬
‫باطل؛ إذ‬ ‫ثامني ًة‪ ،‬وتكون احلركة ّ‬
‫الُّسيعة بنفس ّ‬
‫كل واحد‪ ،‬فال نفس‬ ‫ملجموع الثامنية وجو ٌد آخر يف اخلارج وراء وجود ّ‬ ‫ُ‬ ‫ليس‬
‫اخلاص َة‪ .‬وهل يكون‬ ‫ِ‬
‫احلركات‬ ‫كل واحد ا ّلت ُّت ِّر ُك ا‬ ‫ُأخرى له وراء نفس ّ‬
‫ّ‬
‫ال نفس ُأخرى وراء النفوس الثالث املتع ّلية هبا؟‬ ‫ملجموع رجل وفرس وثور مث ً‬
‫اجلسم‪ ،‬والفاعل املبارش للتحريك‬
‫َ‬ ‫املجرد ُة‬
‫ّ‬ ‫وأيض ًا كيف ُحي ّرك النفس الكل ّية‬
‫ُمطلي ًا هو الطبيعة؟ واحلركة اجلزئ ّية ال تستييم بالتّصور ّ‬
‫الكّل واإلرادة الكل ّية‬
‫كتصور جزئ خيا ّيل‪ ،‬وشوق خمصوص منبعث من‬
‫ّ‬ ‫جزئ‬ ‫خمص‬
‫من دون ّ‬
‫‪ ،‬فلم تتح ّيق احلركة‬ ‫خمص‬
‫بال ّ‬ ‫نفس منطبعة جزئ ّية‪ ،‬وإ ّال لزم التخصي‬
‫اجلزئ ّية‪.‬‬
‫والطبيعة والنّفس املنطبعة البدّ هلام من جسم تسـري وتنطبع فيه وراء‬
‫املخصصات‬‫ّ‬ ‫ألُنا َحم ٌّال لطبائع ا‪ ،‬ونفوس ا املنطبعة في ا‬
‫األجسام الثامنية؛ ّ‬
‫اخلاصة‪ .‬وال يمكن يف اجلسم البسيط اإلبداع حلول مبدأي مي َلّي‬ ‫ّ‬ ‫حلركاهتا‬
‫الكل‪ ،‬وفلك ّ‬
‫الكل‪.‬‬ ‫متضا َّدين‪ ،‬ونفسّي منطبعتّي‪ ،‬فثبت جسم تاسع هو جسم ّ‬

‫احلج‬
‫جمرا‪ ،‬واملجرا نسبته إىل اجلزئياي دىل السواء‪ ،‬فاإلنسان إذا أراا ّ‬ ‫(‪ )1‬فإن املدرك ّ‬
‫للكيل ّ‬
‫الرب أو‬
‫صور طرّق ّ‬ ‫الكيل إليه‪ ،‬وّنبعث منه امليل ّ‬
‫الكيل‪ ،‬ولو ّ‬ ‫ّتصور ّ‬
‫الذهاب ّ‬ ‫ّ‬ ‫مث ً‬
‫ّل فعاقلته‬
‫مها‪ ،‬فيحتاج‬ ‫خاصة و‬
‫خاص ومسافة ّ‬ ‫البحر كان كل ّي ًا أّض ًا‪ّ .‬‬
‫وأما الذهاب اجلزئي يف وقد ّ‬
‫ّتصور الوقد اخلاص واملسافة اخلاصة وبلد ًا‬
‫ّ‬ ‫وحمركة جزئية‬
‫ّ‬ ‫إىل قوى مدركة جزئ ّية‪،‬‬
‫مرجحاي خمصوصة‪،‬‬ ‫بلد ًا‪(.‬بلد بلد م) وخطوة خطوة‪ ،‬وّنبعث منها ميول ّ‬
‫خاصة‪ ،‬وخت ّيل ّ‬
‫تأي احلركاي اجلزئية من بني أمثاهلا وصنوفها‪.‬‬
‫ولود القوى اجلزئية ومدركاهتا اجلزئية‪ ،‬مل ّ‬
‫منه‪.‬‬
‫وبإبطال املبادئ واليوى يؤول أمر تلك النفس الكل ّية ا ّلت احتمل ا إىل العيل؛‬
‫هذا خلف هذا‪ .‬وقس إتيان صفات الفلك ا ّلت مل نذكرها عّل ا ّلت ذكرناها‪.‬‬

‫الزينة كام يف قوله تعاىل ﴿ َو َال َّ‬


‫َرب ْجن َرب َج اجلاهل ّية﴾ ‪.‬‬ ‫ربج» إظ ار ّ‬ ‫و«ال ّت ّ‬
‫وحيري من خطري ـ‬
‫ٌ‬ ‫قليل من كثري‪،‬‬ ‫ومجيع ما ذكرنا ـ مع أنّه بالنّسبة إىل ما مل نذكر ٌ‬
‫ميادير تزيّي الفلك بعناية احلكيم العزيز اليدير‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َلقد َج َع ْلنا يف‬
‫رّن﴾ ‪ ،‬وقال أيض ًا‪َ ﴿ :‬و َل َقدْ َز َّّنَا السامء الدنيا‬‫السامء ُب ُروج ًا َو َز َّّناها للنّاظ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وتبجيل شأُنا!‬ ‫السامء‬
‫تفخيم أمر ّ‬
‫ُ‬ ‫صابيح﴾ ‪ .‬وكم من آيات كثرية في ا‬ ‫َ‬ ‫ب َم‬
‫نعم‪ ،‬هو مظ ر ديمومة اهلل تعاىل وفعال ّيته وتربيته‪ ،‬وهو معدن ذكر اهلل والبيت‬
‫وضع‬
‫ئط؛ ما فيها َم ُ‬ ‫امء َو َح ٌّق َهلا ّ‬
‫أن ّ‬ ‫املعمور بعبادة اهلل‪ ،‬كام قال×‪« :‬أ َّطد ال َّس ُ‬
‫َقدَ م إ ّد َوفيه َم َل ُ‬
‫ك راك ٌع أو ساجدٌ » ‪.‬‬
‫التربج» إهيا ٌم؛ إذ له معنى قريب بمعونة إرداف الفلك‪ ،‬وهـو كونـه‬
‫ويف ذكر « ّ‬

‫(‪ )1‬األحزاب‪.33 :‬‬


‫(‪ )2‬احلجر‪.16 :‬‬
‫(‪ )3‬امللك‪.5 :‬‬
‫(‪ )4‬إذ مباائ احلركاي واألشواق‪ ،‬ومباائ اإلاراكاي سارّة ومنطبعة يف ّ‬
‫كل أجزائها‬
‫مسخراي بيد اهلل عاىل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والكل‬ ‫وجزئ ّياهتا‪ ،‬ومن ورائها املفارقاي املتع ّلقة واملرسلة‪،‬‬
‫ور ّب سجوا وركوع‬
‫سخرها له‪ُ .‬‬ ‫ٌ‬
‫حقيقة وصورة‪ ،‬فحقيقتهام إنقيااها و ّ‬ ‫ولركودها وسجواها‬
‫ّ‬
‫ولكل حقيقة‬ ‫فألن لكل معنى صورةً‪،‬‬ ‫صوري د انقياا فيهام فليسا حقي ّقيني‪ّ .‬‬
‫وأما صورهتا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وشبح‪ ،‬فذلك املعنى ملعنى امللك‪ ،‬وروحه وصور ه‬
‫ٌ‬ ‫وروح‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ورقيقة‬ ‫ٌ‬
‫حقيقة‬ ‫ً‬
‫رقيقة فلكل ملك‬
‫لصور ه؛ فلذلك املعنى مت ّثل يف دامل ّ‬
‫الصور الّصفة بصور مّلئكة راكعة وساجدة؛ فّل هتمل‬
‫شيئ ًا من العاملني‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )5‬عوايل الآليل ‪ .107 :4‬رشح ُنج البالغة ‪.94 :1‬‬
‫مر‪ ،‬و ُاريدَ به البعيد‪ .‬ولو قيل‪ّ :‬‬
‫إن املعن َيّي متساويان‬ ‫ومعنى بعيد وهو ما ّ‬
‫ً‬ ‫ذا برج‪،‬‬
‫ـديعيّي‬
‫ّ‬ ‫يف ال ُيـرب وال ُبعــد‪ ،‬كــان مــن بــاب حمتمــل الــوج َ ّي ّ‬
‫املســمى عنـد البـ‬
‫«بالتوجيه»‪.‬‬
‫الـرب ُوج»‬ ‫وبيان كون الفلك ذا بروج‪ :‬أ ّن منطية فلك ال ّثوابت ّ‬
‫املسامة «بمنطية ُ‬
‫ملّا كانت مياطعة ملنطية الفلك األعظم ّ‬
‫املسامة «بمعـدّ ل النّ ـار»‪ ،‬كانتـا ال حمالـة‬
‫مسـامتّي بنيطتـ ‪« :‬غايـة اليـرب»‪ ،‬وبنيطتـ ‪ّ « :‬‬
‫االّتـاد»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متّحدتَّي يف نيطتّي‬
‫وبنيطت «االعتدال»‪ .‬أحدمها‪ :‬نيطـة «االعتـدال الربيعـ »‪ ،‬واألُخـرى‪ :‬نيطـة‬
‫«االعتدال اخلريف »‪ .‬ومتباعـدتَّي أيضـ ًا بنيطتَـّي‪ ،‬مهـا نيطتـا‪« :‬غايـة البعـد»‪،‬‬
‫الصـيف ّ »‪ ،‬واألُخـرى‪،‬‬
‫تسمى أحدمها نيطـة «االنيـالب ّ‬
‫ونيطتا‪« :‬االنيالب»‪ّ .‬‬
‫َوي»‪.‬‬ ‫نيطة «االنيالب َّ‬
‫الشت ّ‬
‫الربوج أرباع ًا‪ ،‬ثم ّ‬
‫كل ربع انيسم‬ ‫وهبذه النَّياط األربع انيسمت منطية ُ‬
‫والتوسط بّي الغايتّي‬
‫ّ‬ ‫بحسب اليرب من غاية اليرب‪ ،‬واليرب من غاية البعد‪،‬‬
‫مارة‬
‫ست دوائر عظيمة ّ‬ ‫إىل أقسام ثالثة‪ ،‬واملجموع اثنا عرش قس ًام‪ّ .‬‬
‫ثم اعتربوا ّ‬
‫متر ك ٌّل من الدّ وائر عّل قطبَ منطية الربوج‪ .‬فجاء‬
‫عّل النياط االثنت عرشة‪ّ ،‬‬
‫الس ّت اثنت عرشة‬
‫بالسطوح الومهية النّفس األمر ّية للدّ وائر ّ‬‫مجيع األفالك ّ‬
‫حصة ُبرج ًا طو ُله ثالثون درجة‪ ،‬و ُعر ُضه مئة وثامنون درجة‬
‫كل ّ‬‫تسمى ّ‬
‫حصة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الشاميل‪ .‬والربوج ا ّلت إذا كان الشمس في ا‬
‫من اليطب اجلنويب إىل اليطب ّ‬
‫اخلاصة كانت الشمس يف شامل املعدّ ل‪ُ ،‬سميّت‪« :‬شامل ّية» وا ّلت إذا‬
‫ّ‬ ‫بحركت ا‬
‫سميت‪« :‬جنوب ّية»‪.‬‬
‫كانت في ا كانت يف جنوبه ّ‬
‫إعالمٌ َولَوِ ٌّي لتأويل مساوِيًّ‬
‫اتين صنُع فلك الوالية‪ ،‬فجعل لشمس الوصاية فيه اثن عرش برج ًا ه‬
‫األئمة االثنا عرش الذين هم عدد حروف «ال إله ّإال اهلل» ‪ ،‬وكذا عدد «حممد‬
‫السالم) بمنزلة‬
‫ووجود اإلمام اهلامم الثاين عرش (عليه وعّل آبائه ّ‬
‫رسول اهلل»‪ُ ،‬‬
‫برج احلوت ا ّلذي هو ثاين عرش بروج فلك عامل الظاهر ‪ .‬ومن هنا ظ ر ّ‬
‫رس ما‬
‫ورد يف األخبار‪« :‬إ ّن األرض قوم دىل احلوي» ‪.‬‬
‫وهنا تأويل آخر مأخوذ من حديث رشيف هو‪« :‬إ َّن اهلل عاىل َخ َلق اس ًام‬
‫صوي» احلديث‪ ،‬ذكرته يف رشح األسامء املعروفة باجلوشن‬
‫ُم َّ‬ ‫باحلرف‬
‫السامء بروج ًا»‪ ،‬من أراد‪،‬‬
‫الكبري عند رشح االسم الرشيف أعن ‪ّ« :‬ا من جعل يف ّ‬
‫فلريجع إليه‪.‬‬

‫السّلم دىل‪ ...‬ددا حروف د إله ّإد اهلل‬


‫الرضو ّّة « ّ‬
‫(‪ )1‬اقتباس من الزّ ّارة اجلوااّة للحرضة ّ‬
‫املتحركاي»‪ .‬وّوافقه ما‬
‫ّ‬ ‫الرقوم املس ّطراي»‪ .‬وفيها أّض ًا «هبم سكند السواكن ّ‬
‫وّتركد‬ ‫يف ّ‬
‫يف الزّارة اجلامعة املعروفة [بحار األنوار ‪ ،11/55 ،54 99‬باختّلف]‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رشح األسامء احلسنى ‪.11 :2‬‬
‫أن‬
‫(‪ )3‬أي األرض وسكّا ا قائمة دىل وجوا القائم الذي هو ثاين درش بروج الودّة‪ ،‬كام ّ‬
‫برج احلوي ثاين درش بروج الفلك‪ .‬ووجواه× ّقوم بالق ّيوم عاىل شأنه‪ ،‬ولود القائم‬
‫«لساخد األرض بأهلها» [الكايف ‪ ،17/534 1‬ادستنصار(الكراجكي) ‪ .]8‬وكأنّه‬
‫أن األئمة^ نور واحد [يف األمايل‬
‫شمس واحدة سائرة يف بروج الودّة‪ ،‬وقد ورا ّ‬
‫(الصدوق) ‪ 351/307‬قوله‘ «خلقد أنا وديل من نور واحد»]‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الصحيفة السجادية اجلامعة ‪/268‬الدعاء‪.132 :‬‬
‫(‪ )5‬احلكمة املتعالية ‪ .303 :8‬رشح األسامء احلسنى ‪ ،8 :1‬و ‪.11 :2‬‬
‫(‪َ ﴿ )6‬و َش ْع َش َع ض َ‬
‫ياء َّ‬
‫الشمس بنُور َ أججه﴾‬
‫«الشعشع» و«الشعشاع» و«الشعشعان»‪ :‬الطويل‪ .‬فمعنى شعشع هنا‪ :‬أطال‬
‫ّأجج»‪ .‬تل ّ ب النّار‪ ،‬كاألجيج‪ .‬وفيه‬
‫الضياء‪ ،‬وهو اخلطوط الشعاع ّية‪ .‬و«الت ّ‬
‫ومدّ ّ‬
‫إيامء إىل تشبيه ّ‬
‫الشمس بُّساج ملحفل العامل عّل سبيل «االستعارة بالكناية»‬
‫مس َساج ًا﴾ ‪ .‬ويف اصطالح مأخوذ‬ ‫و«التخييل ّية»‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َج َعلنا ّ‬
‫الش َ‬
‫اء َوال َق َم َر نُور ًا﴾ ‪،‬‬ ‫الرشيفة‪ ،‬وه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ج َع َل َّ‬
‫الش ْم َس ض َي ً‬ ‫من اآلية ّ‬
‫الضياء‬
‫الذايت‪ ،‬و«النّور» هو العاريض‪ .‬فاملعنى‪« :‬شعشع» ّ‬ ‫الضوء ّ‬
‫«الضيا ُء» هو ّ‬
‫احلّس‬
‫فإن النّور ّ‬ ‫الشمّس بنور ُمودع يف باطن ذلك الضياء من اهلل ِ‬
‫نور األنوار‪ّ ،‬‬
‫رقيية النّور احلييي املعنوي وآيته؛ أو «شعشع» من «شع َشع ُت ّ‬
‫الرشاب»‪ ،‬أي‬
‫مزج ُته‪ ،‬كيوله‪:‬‬

‫أي مزج ضياء ّ‬


‫الشمس اليائم بجرم ا بنور حيصل من تل ّ ب ذلك الضياء ‪،‬‬

‫اجا﴾ نوح‪.16 :‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬يف املصحف الرشيف‪َ ﴿ :‬و َج َع َل َّ‬
‫رس ً‬
‫الشم َس َ‬
‫(‪ )2‬يونس‪.5 :‬‬
‫(‪ )3‬فالعارض ّية املعتربة يف مفهوم النّور كونه دارّة وواّعة من اهلل عاىل شأنه «ودبدّ ّوم ًا أن‬
‫الشمس دارض ّية والعارض ّزول وإن كان هو يف نفسه‬ ‫ّر ّا الواائع»‪ .‬فإضافة نور الوجوا إىل ّ‬
‫أصّلً‪ ،‬وهي يف نفسها دارضة «من و و دارض ذاي وجواّم»‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رشح األسامء احلسنى ‪.11 :2‬‬
‫(‪ )5‬وذلك النّور شعادها العارض للمستن اي من سطوح األجسام املقابلة هلا‪ ،‬أو يف حكم‬
‫رب طلسمه دىل طرّقة‬
‫املقابل‪ .‬واملراا من «نور اهلل» يف املعطوف‪ ،‬نور الوجوا أو نور ّ‬
‫اإلرشاقيني‪ .‬منه‪.‬‬
‫الشمس وضيائ ا‪ ،‬وهو نور ّ‬
‫كل نور‪ .‬ويمكن أن‬ ‫أو بنور اهلل ا ّلذي كروح ّ‬
‫لتأجج ّ‬
‫تأججه» إىل « َمن» عّل سبيل اإلضافة ألدنى مالبسة‪ ،‬كام أرشنا‬
‫يرجع ضمري « ّ‬
‫إليه‪ .‬ومزج ُه حينئذ است ال ُكه ّتت نور اهلل الواحد الي ّ ار‪.‬‬
‫وقد ييال ‪«:‬الضوء» فرع النّور‪ .‬والنّور يطلق عّل ما للّشء يف نفسه كـالنّور‬
‫ّـور عـّل النّـور الغنـ ّ ‪،‬‬
‫اإلرشاقيـّي الن َ‬
‫ّ‬ ‫اليائم بنفس ّ‬
‫الشـمس‪ ،‬ويؤ ّيـده إطـالق‬
‫والعيول‪ ،‬والنّفوس‪.‬‬
‫النري‬
‫ثم إنّه× بعد ذكر الفلك أفرد ذكر الشمس ملزيد العناية به‪ ،‬فإنّه ّ‬
‫ّ‬
‫األعظم وقلب العامل‪ ،‬س ّيد الكواكب‪ ،‬آية نور اهلل الياهر؛ لي ره أنوار الكواكب‬
‫الصباح بإذن فالق اإلصباح‪،‬‬
‫املوجودة عند طلوعه‪ ،‬وهو فاعل النّ ار‪ ،‬وجاعل ّ‬
‫وقدرة جاعل الظلامت والنور الفتّاح الن ّفاح‪.‬‬

‫وَميضٌ قدُسِيٌّ لِتأويل شَمسيّ‬


‫رساج‬
‫ٌ‬ ‫الكل ا ّلذي هو ضيا ٌء َ‬
‫لعامل اجلربوت‪،‬‬ ‫عيل ّ‬
‫بالشمس ُ‬
‫التأويل‪ :‬أن يراد ّ‬
‫مصباح أيض ًا لعامل امللكوت‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ل ُي ّطان ذلك النّادي ُ‬
‫وس ّكان ذلك املحفل‪ ،‬بل هو‬
‫ألن النّفس الكل ّية الت ه رساج عامل امللكوت خليف ُة‬
‫ّاسوت؛ ّ‬
‫ونرباس لنشأة الن ُ‬
‫ٌ‬
‫الكل‪ ،‬واخلليفة بصفة املستخلف بل هو هو بوجه‪ ،‬وهو الشمس‪ ،‬وه‬ ‫عيل ّ‬
‫ّ‬
‫والظل ال‬ ‫اليمر‪ .‬وهذا الشمس ا ّلذي يف عامل املُلك أيض ًا ّ‬
‫ظل لذلك الشمس‪،‬‬
‫يباين ذا ّ‬
‫الظل من مجيع الوجوه؛ فجميع العوامل واملجايل ُمستضيئة بضيائه من‬

‫(‪ )1‬أّيد بنور اهلل لنور اهلل يف املوضعني‪ .‬منه‪.‬‬


‫الشمس‬ ‫الصوري د ّباّن ّ‬ ‫(‪ )2‬أي د ّباّنه بينونة دزلة‪ ،‬وإن باّنه بينونة صفة‪ ،‬فالقمر ّ‬
‫أن ّ‬
‫الكل د ّباّن‬ ‫الصور ّّة وهي د باّن املعنوّني‪ ،‬أدني النفس الكل ّية والعقل الكل ّيني‪ ،‬كام ّ‬
‫ّ‬
‫الساقة كام هو نور اهلل‪ ،‬وعلم ال ّلـه‪ ،‬وقدرة اهلل‪.‬‬
‫الصدّ ر إىل ّ‬
‫الصباح والليل والفلك والشمس «مراعاة النظري»‪ ،‬وبّي‬ ‫ويف اجلمع بّي ّ‬
‫التب ّلج وال ّظلمة والغي ب «طباق»‪ ،‬وكذا بّي النّطق والتلجلج «طباق» آخر‪.‬‬
‫وغري التّوصيف من نوع إىل نوع آخر‪ ،‬والتّعبري عن‬ ‫َوملا بدَّ َل× ّ‬
‫السياق‪ّ ،‬‬
‫سجع إىل سجع آخر‪ ،‬أعاد× ذكر املوصوف ّ‬
‫جل شأنه‪ ،‬وأبرز حرف النّداء‬
‫ثاني ًا فيال×‪:‬‬

‫احلق بينونة دزلة‪ .‬ون ْع َم ما قيل‬


‫هر كه اّاد او را ّقاني آن شامع اّاد‬ ‫گاار چرا ااى نااور شاامعى را كشاايد‬
‫اّااادن آخااار لقااااى اصااال شاااد‬ ‫مهچنني اا صاد چاراز أز نقال شاد‬
‫فإن النّور ك ّله حقيقة واحدة بسيطة د اختّلف فيه ّإد بالكامل‬ ‫ويف طرّقة اإلرشاق هذا أظهر؛ ّ‬
‫نودي بينها‪ ،‬درض ّي ًا كان النور أو جوهر ّّ ًا‪ ،‬مد ّبر ًا كان أو قاهر ًا‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والنّقص‪ ،‬ود اختّلف‬
‫(‪ّ﴿ )7‬ا َمن َا َّل َدىل ذا ه بذا ه﴾‬
‫هذه كلمة عل ّية صدرت من معدن الوالية‪ ،‬ومنبع املكاشفة‪ .‬نعم‪ ،‬أمثال هـذه‬
‫عـّل العـايل األعـّل‪،‬‬
‫الكلامت من مثل «كلمة اهلل العليـا» و«اآليـة الكـربى»‪ّ ،‬‬
‫ليست بعزيزة‪ .‬وبياُنا مع ضيق امليام بوجوده‪:‬‬

‫طريقة اإلهليني يف إثبات الواجب تعاىل‬


‫َّأوهلا‪ :‬أ ّن الطرق إىل اهلل تعاىل وإن كانت كثرية‪ ،‬بل بعدد أنفاس اخلالئق؛ ألنّه‬
‫مجة‪ ،‬وذو ج ات نوران ّية ال ُتعدُّ وال ُّتىص‪ ،‬لكن أرشف ال ُّطرق‬
‫تعاىل ذو فضائل ّ‬
‫املتأهلّي ا ّلذين يستش دون به ال‬
‫اإلهليّي‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬ ‫وأوثي ا وأخرصها طريية احلكامء‬
‫بغريه عليه‪ .‬وه طريية الوجود واملوجود من حيث هو موجود‪ ،‬وأ ّما الطرق‬
‫األُخرى ا ّلت يستش د في ا بغريه‪ ،‬فليست كذلك؛ فالطريية احل ّية اإلهل ّية بل‬
‫التأهل ّية أن ييال‪ :‬املوجود إن كان واجب ًا ف و املطلوب‪ ،‬وإ ّال استلزمه‪.‬‬
‫و فصي ُل ُه‪ّ :‬‬
‫إن املوجود من حيث هو موجود هو الوجود‪ ،‬لكن ال املف وم‬
‫العام البدهي ّ ا ّلذي هو حيثيّة طرد العدم واإلباء‪ ،‬عنه‪ ،‬وج ة ترتّب األثر‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬اقتباس من سورة التوبة‪.40 :‬‬


‫العام البدُّيي‬
‫ّ‬ ‫وأن الوجوا‬ ‫(‪ )2‬الفرق بني ال ّطرّقتني ّ‬
‫أن املتأهلني ّعتقدون أصالة الوجوا‪ّ ،‬‬
‫دنوان حلقيقة بسيطة مبسوطة نور ّّة‪ ،‬وّقولون إن كاند واجبة فهو املطلوب؛ فهم ناظرون‬‫ٌ‬
‫وأن له فرا ًا واجب الوجوا‪ ،‬وكونه‬
‫إىل حقيقة الوجوا‪ .‬واإلهل ّيون ناظرون إىل مفهوم الوجوا‪ّ ،‬‬
‫ألن وجه اليشء هو اليشء بوجه‪ .‬منه‪.‬‬
‫من قبيل ادستددل من ذا ه دىل ذا ه؛ ّ‬
‫وحمك ّ عنه به‪ .‬وقد ثبت يف الكتب احلكم ّية ّ‬
‫والذوقيّة التأهليّة‬ ‫معنون هذا املف وم َ‬
‫أن ملف ومه عموم ًا ال يكون يشء ّإال‬
‫كل ذي حييية‪ .‬وكام ّ‬ ‫أصالته‪ ،‬وأنّه حييية ّ‬
‫ويصدق هو عليه‪ ،‬كذلك حليييته سع ٌة ال ّ‬
‫يشذ يشء عن حيطت ا وال ثاين هلا‪.‬‬
‫ولذلك ال سبب هلا مطلي ًا‪ :‬ال سبب منه‪ ،‬وال سبب عنه‪ ،‬وال سبب فيه‪ ،‬وال‬
‫سبب به‪ ،‬وال سبب له؛ الستلزام وجودها هلا اخللف‪.‬‬
‫وكام أ ّن ملف ومه بداه ًة‪ ،‬كذلك حليييته شدّ َة نور ّية ّ‬
‫وقو َة ظ ور ال أظ ر من ا‬
‫الوجود احلييي إن كان واجب ًا ف و‬
‫ول‪ُ :‬‬‫وه الظاهر بذاهتا‪ ،‬املُظ رة لغريها؛ َفنَ ُي ُ‬
‫املطلوب‪ّ ،‬‬
‫وإال استلزمه‪ ،‬ال ألنّه إذا مل يكن واجب ًا كان ممكن ًا فيلزم إ ّما الدّ ور وإ ّما‬
‫الرفع ا ّلذي يف النظرة األُوىل وه محياء‪،‬‬
‫التّسلسل أو املطلوب‪ ،‬بل ألنّه يلزم من ّ‬
‫يتطرق إلي ا‬ ‫الوضع يف النظرة الثانية بال مؤونة زائدة؛ ّ‬
‫ألن حييية الوجود ال ّ‬
‫الضورتّي وال بمعنى جواز الطرفّي وال بمعنى تساوي‬ ‫ُ‬
‫اإلمكان بمعنى سلب ّ‬
‫رضوري‪ ،‬وسلبه عن‬
‫ّ‬ ‫النسبتّي بنا ًء عّل بطالن األولو ّية؛ ّ‬
‫ألن ثبوت الّشء لنفسه‬
‫يتطرق‬
‫نفسه حمال‪ .‬ونسبة الّشء إىل نفسه كيف تساوى نسبة نييضه إليه؟ وال ّ‬
‫املفروض احلييي ُة بيول مرسل‪ ،‬وك ّل حييية‬
‫َ‬ ‫إليه االفتيار والتع ّلق بوجود؛ ّ‬
‫ألن‬
‫جامع ٌة جلميع ما هو من سنخ ا‪ ،‬عر ّي ٌة بذاهتا ّ‬
‫عام هو من غرائب ا‪ ،‬وغرائب‬
‫الوجود ما هو من سنخ العدم‪ .‬وهبذه الطريية كام يثبت وجود واجب الوجود‬
‫ّ‬
‫بالذات يثبت توحيده‪.‬‬
‫فإن الوجود ا ّلذي‬ ‫ّ‬
‫نستدل يف هذا املن ج اليويم بغريه تعاىل عليه؛ ّ‬ ‫فانظر أنّا مل‬

‫ً‬
‫وحقيقة‪ ،‬فكيف د ّكون‬ ‫أن املاه ّية إذ ادترب معها الوجوا ص ذا ًا‬
‫(‪ )1‬إذ من املح ّققاي ّ‬
‫ٌ‬
‫حقيقة وبدونه ماه ّية؟! منه‪.‬‬ ‫املوجوا حقيقة‪ ،‬واملاه ّية به ص‬
‫ّ‬
‫نستدل به عّل الوجوب‪ ،‬ليس غريب ًا عنه‪ ،‬بل الوجود احلييي كاشف عن‬
‫ّ‬
‫ألن الشيئية‪ :‬إ ّما شيئ ّية وجود‪ ،‬وإ ّما شيئ ّية ماه ّية‪،‬‬ ‫الوجوب ّ‬
‫الذايت‪ ،‬بل هو هو‬
‫وال ثالث ‪ .‬وشيئية املاهية حيثية ذاهتا حيثية عد ِم اإلباء عن الوجود والعدم‪،‬‬
‫وال تليق هذه بساحة ِع ِّز َمن ال حيوم حو َله يش ٌء من أنحاء العدم ولو كان عدم ًا‬
‫تعمل ّي ًا‪ ،‬فبي شيئ ّية ُ‬
‫الوجود‪.‬‬ ‫عيل ّي ًا ّ‬
‫كل رشافة‪ ،‬ومعدن ّ‬
‫كل إنافة‪.‬‬ ‫ألن الوجود منبع ّ‬
‫وانظر إىل رشافت ا؛ ّ‬
‫نتمسك في ا ببطالن التسلسل‪ ،‬وال‬
‫وانظر إىل وثاقت ا وأخرصي ّت ا حيث مل ّ‬
‫يتطرق إلي ا املنوع ولو أثبتت امليدّ مات‬
‫بأخذ حدوث العامل‪ ،‬وال بغريمها ممّا ّ‬
‫املمنوعة ولكن يطول املسافة جدّ ًا‪ ،‬ومل ندَّ ِع الوجود ا ّلذي هو أبدَ ُه وأظ ر من ّ‬
‫كل‬
‫الذهن‪ ،‬يعرفه ّ‬
‫كل غب ّ وصب ّ ‪ ،‬و ُم َعنو ُنه ّأول‬ ‫فإن عنوانه ّأول األوائل يف ّ‬
‫يشء‪ّ ،‬‬
‫كل يشء ويفء‪ ،‬ومل ُنؤثِر عليه األخفياء‪ ،‬ومل‬ ‫األوائل يف اخلارج‪ ،‬وهو الظاهر يف ّ‬

‫احلقيقي ا وهو حقيقة الوجوا ا حقيقة مرسلة ّمتنع دليها العدم‪ .‬واحلقيقة‬
‫ّ‬ ‫ألن الوجوا‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫املرسلة التي ّمتنع دليها العدم واجبة الوجوا؛ فحقيقة الوجوا واجبة الوجوا‪ .‬فالوجوا‬
‫ألن األحكام ختتلف باختّلف العنواناي كام‬ ‫اليل‪ ،‬والوجوب ّ‬
‫الذات مدلول‪ .‬وهذا ّ‬ ‫احلقيقي ٌ‬
‫ّ‬
‫يف احلدوا واملحدوااي واألوساط واملوضوداي يف القياساي‪ .‬وإنام قلنا «ّمتنع دليها‬
‫السواا ود‬
‫ألن القابل اجتمع مع املقبول‪ ،‬واملقابل د ّقبل املقابل؛ فالبياض د ّقبل ّ‬
‫العدم»؛ ّ‬
‫احلقيقي د ّقبل‬
‫ّ‬ ‫العكس‪ ،‬إنّام القرطاس ّقبلهام دىل التّعاقب؛ وهلذا أثبتوا اهليوىل؛ إذ اد صال‬
‫والصورة النود ّية املائية د قبل اهلوائية‪ ،‬بل اهليوىل؛ فالوجوا د ّقبل‬
‫ادنفصال ود العكس؛ ّ‬
‫العدم ود العكس‪ ،‬بل املاه ّية هي القابلة املجتمعة معهام‪ .‬منه‪.‬‬
‫وأما اليشء املطلق فيندرج فيه شيئية العدم‪ ،‬كام ّقال‬
‫(‪ )2‬إذ املقسم هو اليشء املوجوا‪ّ .‬‬
‫اليشء ّإما واجب الوجوا‪ ،‬وإما ممكن الوجوا‪ ،‬وإما ممتنع الوجوا‪ .‬وكام ّقال اليشء إما‬
‫وجوا‪ ،‬وإما ددم‪ ،‬وإما ماهية‪ .‬منه‪.‬‬
‫نجعل ا أوساط ًا يف ُ‬
‫الربهان من احلدُ وث واإلمكان واحلركة ونحوها ممّا جعلت‬
‫يف الطرق األُخرى مفروغ ًا عن ا‪ ،‬مع خفاء ّت ّيي ا وتع ّيل ا ّإال باالكتساب‪،‬‬
‫والذهن يف العاقل واملعيول‪ ،‬يف إبراز أحكام ا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وبتوسط الوجود اخلارج ّ‬‫ّ‬
‫عّل بن أيب طالب’‪َ « :‬ألغ َ َك من‬ ‫الش داء احلُسّي بن ّ‬ ‫ومن كلامت س ّيد ّ‬
‫ّتتاج إىل َاليل‬
‫َ‬ ‫د َحتّى‬
‫ك؟ َمتى ْب َ‬‫ُون ُه َو املُظه ُر َل َ‬ ‫يس َل َ‬
‫ك َح ّتى َّك َ‬ ‫الظ ُهور ما َل َ‬
‫ني‬
‫يك؟ َدميد َد ٌ‬ ‫اآلثار ه َي ا َّلتي ُوص ُل إ َل َ‬
‫ُ‬ ‫َون‬ ‫َّدُ ل َد َل َ‬
‫يك؟ أو َمتى َب ُعدْ َي َحتّى ك َ‬
‫ك‬‫ْس ْي َصف َق ُة َدبد َمل َجتعل َل ُه من ُح َّب َ‬ ‫د َراك ود ُ‬
‫َزال َد َليها َرقيب ًا‪َ ،‬و َخ َ‬
‫نَصيب ًا» ‪.‬‬

‫طريقة املتكلمني يف إثبات الواجب تعاىل‬


‫ِ‬
‫املالل طريي ُة‬ ‫ثم من ال ّطرق األُخرى املش ورة ا ّلت نذكر بعض ا إمجاالً حذر ًا من‬
‫ّ‬
‫وكل حادث‬ ‫احلدوث للمتك ّلمّي‪ :‬وه أ ّن العامل حادث للدّ الئل الدا ّلة عليه‪ّ ،‬‬
‫البدّ له من ُحم ِدث غري حادث؛ دفع ًا للدّ ور والتّسلسل‪ ،‬وهو الواجب تعاىل‪ .‬فعند‬
‫كأُنا أظ ر‪ ،‬وكذا صفته ال ّت ه احلدوث‪،‬‬ ‫املتك ّلم‪َ ،‬‬
‫العامل ُ أي املاه ّيات اإلمكان ّية ّ‬

‫ه هو املمكناي‪ ،‬وهي شيئياي املاه ّياي اإلمكانية التي د أبى دان الوجاوا والعادم‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أن حيثية ذاهتا خالية دن الوجوا‪ ،‬كذلك خالية دن ال ّظهاور واإلظهاار بخاّلف حقيقاة‬
‫وكام ّ‬
‫حقيقي حيثية ذاهتا أ ّ ا الظاهرة ّ‬
‫بالذاي‪ ،‬املظهرة للغا ‪ .‬وواجاب الوجاوا‬ ‫ّ‬ ‫الوجوا‪ ،‬فإ ّ ا نور‬
‫السا َاام َواي‬ ‫عاااىل حقيقااة الوجااوا البحااد ود ماه ّيااة لااه‪ ،‬فااّل حيثيااة خفاااء فيااه ﴿اهللَُّ ُنا ُ‬
‫اور َّ‬
‫َو ْاألَ ْرض﴾‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلقبال باألعامل احلسنة‪( 660 :‬ط بريوت)‪ ،‬وفيه‪« :‬لغريك»‪ ،‬وليس فيه‪« :‬ال تراك»‪.‬‬
‫بحار األنوار ‪.226 :95 ،142 :64‬‬
‫وج َع َل ا مفروغ ًا عن ا‪َ ،‬‬
‫وأخ َذها شيئ ًا‬ ‫فرأى املاه ّيات ا ّلت شأُنا االختفاء‪َ ،‬‬
‫وأخ َذ احلدوث ا ّلذي من صفات اخللق‪ ،‬ومل يعرف الوجود‬ ‫موضوع ًا مس ّل ًام‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫وأحكام ا‪ ،‬وال نظر إىل‬ ‫بالذات و ُمظ ِ ر لتلك املاه ّيات‬ ‫احلييي ّ ا ّلذي هو ظاهر ّ‬
‫احلق تعاىل‪ ،‬بل يطلق عليه وهو مصداقه ‪،‬‬ ‫مف وم الوجود ا ّلذي ليس غريب ًا عن ّ‬
‫حق الوجود؛ فلم ي ِ‬
‫عدلوا ومل يضعوا‬ ‫واملوضوع ّية واملفروغ ّية والب ّين ّية مائ ّية وهل ّية ّ‬
‫َ‬
‫الّشء موضعه‪.‬‬

‫طريقة احلكماء يف إثبات الواجب تعاىل‬


‫ومن ا‪ ،‬طريية اإلمكان واملاه ّية لبعض احلكـامء‪ :‬وهـ أ ّن املاه ّيـة اإلمكانيـة‬
‫يـرتجح‬
‫ّ‬ ‫السواء‪ ،‬واملتساويان ما مل‬
‫املوجودة؛ الوجو ُد والعد ُم بالنّسبة إىل ذاهتا عّل ّ‬
‫املرجح إن كـان ممكنـ ًا كـان الكـالم فيـه‬
‫بمرجح منفصل مل ييع‪ .‬وذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫أحدمها‬
‫للــدور‬
‫ّ‬ ‫مــرجح واجــب با ّلــذات؛ دفعــ ًا‬
‫ّ‬ ‫األول‪ ،‬حتّــى ينت ــ إىل‬
‫كــالكالم يف ّ‬
‫والتسلسل‪.‬‬

‫طريقة الطبيعيني يف إثبات الواجب تعاىل‬


‫املتحرك البدّ له من حمرك‬
‫ّ‬ ‫ومن ا‪ ،‬طريية احلركة للحكامء الطبيع ّيّي‪ :‬وه أ ّن‬

‫فإن مفهوم الوجوا ليس دين ًا حلقيقة الوجوا؛ ألن لك‬


‫ات؛ ّ‬ ‫العريض د ّ‬
‫الذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )1‬أي مصداقه‬
‫احلقيقة دني أ ّ ا يف األديان‪ .‬وهذا املفهوم ليس ّإد يف األذهان؛ وهلذا ليس [يف النسخة‬
‫احلجرّة كلمة قرّبة منها يف الرسم‪ ،‬وليسد هي] جزء هلا أّض ًا؛ وللزوم ّ‬
‫الرتكيب يف لك‬
‫صحح اهلوهو ّّة‪ ،‬فهو ليس إدّ‬
‫ّ‬ ‫احلقيقة البسيطة ود ماه ّية مشرتكة ود هيوىل مشرتكة بينهام‬
‫وجه ًا من وجوهها ودنوان ًا درضي ًا من دنواناهتا؛ وهلذا ّقال هلذا املفهوم إنّه من املعقودي‬
‫الثانية؛ ألن لك احلقيقة البسيطة املبسوطة ليسد فرا ًا ذا ّي ًا له‪ .‬منه‪.‬‬
‫متحرك ًا ـ فالكالم‬
‫ّ‬ ‫املحرك ـ إن كان‬
‫يتحرك عن نفسه‪ .‬فذلك ّ‬
‫املتحرك ال ّ‬
‫ّ‬ ‫غريه؛ إذ‬
‫متحرك؛ دفع ًا للدّ ور وا ّلتسلسل‬
‫ّ‬ ‫حمرك غري‬
‫إىل ّ‬ ‫األول حتّى ينت‬
‫فيه كالكالم يف ّ‬
‫خاص كالفلك والنفس‬
‫ّ‬ ‫متحرك‬
‫ّ‬ ‫وهو الواجب با ّلذات‪ .‬وقد يستد ّلون عن‬
‫الناطية‪.‬‬
‫والكالم يف تفضيل الطريية احل ّية عّل هاتّي الطري َيت ِ‬
‫َّي كالكالم يف طريية‬
‫أهل الكالم‪ .‬نعم‪ ،‬كام أرشنا ّأوالً‪ ،‬هذه أيض ًا طرق إىل اهلل تعاىل‪ ،‬لكن أين ضياء‬
‫ّ‬
‫الشمس من ضوء ال ُِّّساج؟!‬
‫بأي دليل يستدل عليه ما مل يستودع من حول اهلل تعاىل‪ ،‬ومل‬ ‫وثانيها أ ّن العيل ّ‬
‫قوة اهلل‪ ،‬ومل يكتحل بنور اهلل سبحانه‪ ،‬مل يعرف شيئ ًا‪ .‬وهلل َد ُّر من قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يستَعر من ّ‬

‫وإىل هذا ينظر قول من قال يف «احلمد هلل»‪ :‬يراد «باحلمد»‪ ،‬اليدر املشرتك بّي‬
‫املبن ّ للمفعول واملبن للفاعل‪ ،‬أي املحمود ّية واحلامد ّية له‪ .‬ومعلو ٌم أنّه «ال‬
‫العّل العظيم»‪ .‬وهذا أحد وجوه قوله×‪َ « :‬ر ِّب د‬ ‫ّ‬ ‫قوة إ ّال باهلل‬ ‫حول وال ّ‬
‫وظاهر أنّه رشك خف ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يك» ‪ .‬أي من حيث أنا أنا وأنت أنت‪.‬‬ ‫ُأحيص َث ً‬
‫ناء َد َل َ‬
‫أثنيد َدىل‬
‫َ‬ ‫له‪ ،‬فكيف يكون التثنية ثنا ًء «أند كَام‬ ‫وإثبات وجود ميابل‬

‫(‪ )1‬احلكمة املتعالية ‪ 303 :7‬و ‪.8 :8‬‬


‫رب»‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلقبال باألعامل احلسنة ‪ .121 :1‬حلية األبرار ‪ ،130 :1‬وليس في ام‪ّ « :‬‬
‫(‪ )3‬فيلزم املحدوا ّّة يف ناحية احلق‪ ،‬وادستقّلل والغنى يف التّحقق والظهور يف جانب العبد‪،‬‬
‫إشارة‪ .‬ويف احلدّث «ا ّقوا فراسة املؤمن فإنّه ّنظر‬ ‫واحلقيقة كشف سبحاي اجلّلل من‬
‫بنور اهلل»‪[ .‬املحاسن ‪ ،1/131 1‬بصائر الدرجاي ‪ ،1/100‬باإلفراا‪،4/375 ،‬‬
‫نور وارد منك ُيثن عليك بحيث ال أكون يف البّي‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫نَفس َ‬
‫ك» أي ٌ‬

‫وقيل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ياس بِه َذ ٌ‬
‫نب‬ ‫وجو ُدك َذ ٌ‬
‫نب ال ُي ُ‬ ‫ُ‬
‫ِمن‬ ‫عرفت ر ّبك؟» قال‪« :‬بِ ِ‬
‫واردات ت َِر ُد عّل قلب‬ ‫َ‬ ‫عارف‪« :‬بِ َم‬
‫ٌ‬ ‫وس ِئل‬
‫ُ‬
‫فبيوة العيل من حيث هو عيل ال يمكن أن يتخطى إىل ما هو فوق‬ ‫ِ‬
‫عنده» ‪ّ .‬‬
‫عامل العيل واجلسم‪ ،‬بل بيدرة ُمستعارة من فِنائه وبعّي ناظرة ُمستدانة من جنابه؛‬
‫درك ويف ُدعاء أيب محزة الثاميل عن عّل‬ ‫درك البدّ أن يكون من سنخ املُ ِ‬
‫ألن املُ َ‬
‫ّ‬
‫أند» ‪ .‬وعن العارف الكامل الشيخ عبد‬ ‫بن احلُسّي’‪َ « :‬لود َ‬
‫أند مل أ َار ما َ‬
‫اهلل األنصاري‪:‬‬

‫الربوب ّية» [التفس األصفي‬


‫‪ ،11 ،10/377‬الكايف ‪ .]3/218 1‬و«العبواّة جوهرة كنهها ّ‬
‫ون﴾‪ .‬منه‪.‬‬ ‫﴿ويف َأ ْن ُفسك ُْم َأ َفّل ُ ْب ُ‬
‫ّص َ‬ ‫‪ ،1121 2‬شجرة طوبى ‪َ .]33 1‬‬
‫(‪ )1‬اإلقبال باألعامل احلسنة ‪ .121 :1‬حلية األبرار ‪.130 :1‬‬
‫ّ‬
‫للحالج‪ .‬املبدأ واملعاد‪ .140 :‬احلكمة املتعالية ‪.116 :2‬‬ ‫(‪ )2‬البيت‬
‫(‪ )3‬تفسري ابن العريب ‪ .116 :1‬تفسري اآللويس ‪.213 :17‬‬
‫(‪ )4‬بحر املعارف ‪ ،23 ،7 :2‬وفيه أن السائل هو ابن سينا‪ ،‬واملجيب هو الشيخ أبو سعيد أبو‬
‫اخلري‪ .‬ون ّ جوابه‪ :‬بواردات ترد عّل اليلب واللسان عاجز عن بياُنا‪ .‬تفسري حي ‪:13‬‬
‫‪ ،437 :14 ،316‬وفيه أن السائل هو الرازي واملجيب هو الشيخ نجم الدين‪.‬‬
‫جمرا ًا دقل ّي ًا‬
‫برزخي‪ ،‬وإن ّ‬
‫ّ‬ ‫فمجر ّا‬
‫ّ‬ ‫جمرا ًا برزخ ّي ًا ا‬
‫فحس‪ ،‬وإن خيال ّي ًا ا أي ّ‬
‫ّ‬ ‫حس ّي ًا‬
‫(‪ )5‬إن ّ‬
‫بالذاي‪ ،‬فالروح‬ ‫وإن فوق العقل ففوق العقل‪ ،‬بل العاقل متّحد باملعقول ّ‬
‫دقيل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فمجرا‬
‫ّ‬
‫ّتوجه ّص هو هو‪ .‬منه‪.‬‬
‫للطافته‪ ،‬إىل أي َشء ّ‬
‫(‪ )6‬مصباح املت ّجد‪ /582 :‬الدعاء‪.691 :‬‬
‫َوثال ُثها أ ّن هلل تعاىل يف نوع البرش مظاهر ومرائ هم املثل األعّل له تعاىل‬
‫أنسب‬
‫َ‬ ‫ى َ‬
‫احل َّق» ‪ ،‬وما‬ ‫وبي ّية اهلل‪ ،‬وتذكرة اهلل كام قال|‪« :‬من رآين َفقدَ رأ َ‬
‫بامليام قول م يار بن مرزويه الديلم ‪:‬‬

‫وخ َلفاء‬
‫وح َجج ًا عّل بر ّيته‪ُ ،‬‬
‫فنصب م منار ًا يف بالده‪ ،‬وأعالم ًا هدا ًة لعباده‪ُ ،‬‬
‫نفسه يف أعاظم أسامئه وأكابر آياته‪،‬‬‫رهيم َ‬ ‫عّل خلييته؛ ل ُي ِح ّق َّ‬
‫احلق بكلامته‪ ،‬و ُي َ‬
‫وهم األنبياء واألولياء (سالم اهلل علي م أمجعّي)‪ .‬وباحلييية هم العيول الكل ّية‬
‫أن ُأولئك‬
‫السلسلة النّزول ّية‪ ،‬وكام ّ‬
‫الصعود ّية‪ ،‬بإزاء العيول الكل ّية يف ّ‬
‫السلسلة ّ‬
‫يف ّ‬
‫العيول النتفاء اإلمكان االستعدادي واحلالة االنتظار ّية ـ وباجلملة‪ ،‬املا ّدة‬
‫ولواحي ا عن ا واختفاء إمكاُنا ّ‬
‫الذايت ّتت سطوع نور األزل‪ ،‬فلم ُيمكنه من‬

‫(‪ )1‬أو وحيده بنور مستعار منه وبعني مستوادة منه‪ .‬وبعبارة ُأخرى وحيده بالتّح ّقق به‬
‫املوحد منسلخ ًا دن الكثرة والتّشتد‪ ،‬ومعنى ّ‬
‫الكل واحد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وحيد ًا وجواّ ًا بأن ّص وجوا‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رشح العييدة الطحاوية‪ ،98 :‬تاج العروس ‪.303 :5‬‬
‫(‪ )3‬مسند أمحد ‪ .261 :2‬صحيح البخاري ‪.72 :8‬‬
‫(‪ )4‬مجيع دواوين الشعر العريب عّل مر العصور ‪/77 :24‬اليصيدة‪ ،60282 :‬وفيه‪:‬‬
‫«أصرب»‪ ،‬بدل‪« :‬أمحل» وهو الصحيح؛ ألن الفعل (محل) اليشتق تفضيله عّل زنة أفعل‪.‬‬
‫الربوب ّية باقية ببياء اهلل‪ ،‬موجودة بوجود اهلل‪ ،‬كذلك‬
‫الربوز ـ كانت من صيع ّ‬
‫الصاعدون لتخ ّلي م بأخالق اهلل‪ ،‬ونضوهم جالبيب األبدان‪،‬‬
‫هؤالء العيول ّ‬
‫ومتكّن م يف ميام خلع النواسيت ‪ .‬وإىل كون هؤالء العيول مكافئّي ألولئك‪،‬‬
‫يشري كالم الشيخ اإلرشاق يف حكمة األرشاق‪« :‬والكامل من املد ّبرات‪ ،‬أي‬
‫األنوار اإلسف بد ّية اإلنسانية بعد املفارقة تلحق باليواهر ـ أي بالعيول ـ فيزداد‬
‫عدد اليدّ يسّي‪ ،‬أي عدد العيول من األنوار الكاملة املدّ برة إىل غري النّ اية» ‪.‬‬
‫املجردة إنّام هو اال ّّتاد‬
‫ّ‬ ‫وقال يف موضع آخر يف أ ّن اال ّّتاد الذي بّي األنوار‬
‫العيّل ال اجلرم ‪« :‬وكام أ ّن النّور اإلسف بد ملّا كان له تع ّل ُق بالربزخ‪ ،‬وكانت‬
‫فتوهم أنّه في ا وإن مل يكن في ا‪ .‬فاألنوار املد ّبرة إذا فارقت من‬
‫الصيصية َمظ ره‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫وكثرة عالقت ا العشي ّية مع ا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ونور األنوار‬ ‫ِ‬
‫األنوار الياهرة العالية‬ ‫شدّ ة قرهبا من‬
‫يتوهم أ ُّنا ه ‪ ،‬فيصري األنوار الياهرة العالية َمظاهر للمد ّبرات‪ ،‬كام كانت‬
‫ّ‬
‫األبدان مظاهر هلا قبل» انت ى‪.‬‬
‫الصادرة من بعض العرفاء‪ .‬واحلاصل أ ُّنـم^‬
‫رس بعض الشطح ّيات ّ‬
‫وهذا ّ‬

‫انقطاع دن‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬أي خلع األبدان أوائله‪ .‬وهي أن كون بطرّق األحوال أن ّكون للعقل‬
‫أن صاحب‬
‫النظري‪ .‬ومعلوم ّ‬
‫ّ‬ ‫اجلزئياي وا ّصال بالكل ّياي بنحو ملكة اد ّصال العلمي للعقل‬
‫هذه امللكة دند اد ّصال كأنّه طارح للبدن‪ ،‬راف ٌ ألحكامه‪ ،‬وكأنّه خيلو من البدن‪ .‬ومتى‬
‫وجه إىل أحكام البدن كأنّه ّمأل منها‪ .‬وهلذّن اخلأل واملأل مرا ب‪.‬‬
‫ّ‬
‫احلر ّّة‬
‫والعميل ا كليهام ا بالفعل وّكون له ّ‬
‫ّ‬ ‫نظري‬
‫ّ‬ ‫والتّمكّن يف هذا املقام أن ّكون يف العقلني ال‬
‫الروحان ّيني‪ ،‬بل بأخّلق اهلل عاىل وّكون ا ّصاله بحقيقة‬ ‫دن األكوان وّتخ ّلق بأخّلق ّ‬
‫الوجوا مقام ًا وملكة له‪ .‬وهذا معنى كون خلع البدن ملكة للمتأ ّله‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلكمة املتعالية ‪ .166 :7‬رشح األسامء احلسنى ‪.15 :2‬‬
‫(‪ )3‬رشح األسامء احلسنى ‪.15 :2‬‬
‫يف العائدات‪ ،‬كالعيول يف الباديات‪ ،‬بل هـم أعـّل من ـا‪ ،‬كـام قـال بعـض أوالد‬
‫ورة َ‬
‫ذاق ماان َحاادائقنا‬ ‫الصااا ُق َ‬
‫خــتم م وســ ّيدهم‪َ « :‬و ُر ْو ُح القاادُ س يف َجنااان ّ‬
‫ُور َة» ‪.‬‬
‫الباك َ‬
‫د» ‪ ،‬ونِع َم ما قال‬
‫دحرت ْق ُ‬
‫َ‬ ‫نوي أنم َل ًة‬
‫وقال جربئيل× ليلة املعراج‪« :‬لو َا ُ‬
‫املولوي‪:‬‬

‫الشيخ الع ّطار‪:‬‬


‫وقال ّ‬

‫فمن عرف م فيد عرف اهلل‪ ،‬ومن ج ل م فيد ج ل اهلل‪ ،‬ومن أح ّب م فيد‬
‫أحب اهلل‪ ،‬ومن أبغض م فيد أبغض اهلل‪ ،‬كام قال‪:‬‬
‫ّ‬

‫قلد‪ :‬العيول مطلي ًا مل تكن ذات اهلل تعاىل‪ ،‬فكيف يكون فيام ذكرتم داللة‬
‫إن َ‬
‫الذات عّل ّ‬
‫الذات؟‬ ‫ّ‬
‫ق ُل ُ‬
‫د أ ُّنا وإن مل تكن ذات اهلل‪ ،‬لكنّ ا باقية ببياء اهلل ‪ ،‬موجودة بوجود اهلل‬

‫(‪ )1‬مشارق أنوار الييّي‪ .247 :‬بحار األنوار ‪ 265 :26‬و ‪.378 :75‬‬
‫(‪ )2‬التفسري الكبري ‪ .234 :2‬تفسري ابن العريب ‪.148 :2‬‬
‫(‪ )3‬احلكمة املتعالية يف األسفار األربعة ‪ 434 :4‬و ‪.275 :7‬‬
‫(‪ )4‬احلكمة املتعالية يف األسفار األربعة ‪ 434 :4‬و ‪.275 :7‬‬
‫(‪ )5‬احلكمة املتعالية يف األسفار األربعة ‪.324 :7 ،283 :5‬‬
‫اإلمكاين سوى اهلل‪ ،‬لكن سوائ ّيتها مستهلكة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ّ )6‬عني أ ّ ا وإن كاند بادتبار جهة نقصها‬
‫تعاىل‪ ،‬ال بوجودات عّل حيال أنفس ا‪ ،‬وال نفس ّية هلا؛ إنّام ه كاملعاين احلرفيّة‬
‫غري مستي ّلة باملف وم ّية‪ ،‬كام قيل‪:‬‬

‫املسمى‬
‫ّ‬ ‫املسمى‪ .‬واالسم عّي‬
‫ّ‬ ‫ميام ظ ور األسامء احلُسنى للكنز املخف ّ‬ ‫ف‬
‫من وجه وغريه من وجه‪.‬‬
‫وأيض ًا‪ ،‬داللت ا عّل ذات اهلل باعتبار محل ا أعباء صفات اهلل تعاىل‪ ،‬ال باعتبار‬
‫الصفات‪ .‬فباحلييية صفاته د ّلت عّل‬
‫نفس احلامل واملظ ر املست لك ّتت أنوار ّ‬
‫ذاته وال حكم وال داللة لنفس احلامل؛ ألنّه لكامل ر ّقته ولطافته ال لون له يف‬
‫نفسه فانصبغ بصبغة صفات اهلل‪ ،‬كاملاه ّية واهليوىل املب متَّي الفانيتّي يف الوجود‬
‫الش ادة حيث كانت فاني ًة يف ُّ‬
‫الص َور املرئ ّية في ا‪ ،‬فال‬ ‫والصورة‪ ،‬وكاملرآة يف عامل َّ‬
‫ّ‬

‫ظل اهلل‪ ،‬وال ّظل ظهور ذي‬


‫ونقصها كقطرة مداا يف بحر ماء دذب فراي د اّة له‪ .‬وهو ّ‬
‫ال ّظ ّل‪ ،‬وهلذا قال عاىل ﴿ َأ َمل ْ ََر إ َىل َر ِّب َك َك ْي َ‬
‫ف َمدَّ ال ِّظ َّل﴾‪ ،‬ومل ّقل «إىل ّ‬
‫ظل ر ّبك» فهي فانية‬
‫دن أنفسها‪ ،‬باقية باهلل؛ فباحلقيقة ا ّلد ذاي اهلل دىل ذاي اهلل‪.‬‬
‫شااد لباااس هسااتيم ّكباااره شااق‬ ‫فانى از خوّشام مان وبااقى باه حاق‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬احلكمة املتعالية يف األسفار األربعة ‪ 41 :3‬و ‪.251 :5‬‬
‫رجح الشيخ حميي الدّن األدرايب نظر مرآ ّية األشياء له عاىل دىل نظر مرآ يته‬
‫(‪ )2‬ومن هنا َّ‬
‫الصور‪ .‬فإذا جعلد األشياء مرائي هلل عاىل مل ّظهر‬
‫املرئي من ّ‬
‫ّ‬ ‫عاىل هلا؛ فإن املرآة مستورة يف‬
‫يف نظر هذا النّاظر إدّ هو د هي‪.‬‬
‫ودندي أنّه إذا ُأرّد بمرآ يته عاىل من ّّته ا كام هي قوله «أنري اّاجي الغسق» ا ودامل ّيته‬
‫وأن يف نشأة دلمه ّ‬
‫كل َشء‪ ،‬دكس الرتجيح‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ني َُهل ْم َأن َُّه‬
‫﴿سنُرُّي ْم آ َّا نَا يف ْاآل َفاق َويف َأن ُفسه ْم َحتَّى َّ َت َب َّ َ‬ ‫وإىل مرآ ية األشياء أش بقوله عاىل َ‬
‫ٍ‬
‫﴿أ َو َمل ْ َّكْف ب َر ِّب َك َأ َّن ُه َد َىل ك ُِّل َ ْ‬
‫َشء َشهيدٌ ﴾‪ .‬منه‪.‬‬ ‫احلق﴾‪ ،‬وإىل مرآ يته عاىل أش بقوله َ‬
‫َْ‬
‫والصفات وإن كانت‬
‫ّ‬ ‫الصور في ا من بروزها‪.‬‬
‫يرى نفس ا؛ إذ ال يمكن بروز ّ‬
‫الذات املتعالية‪ ،‬لكنّ ا بحسب الوجود عّي الذات؛ ّ‬
‫فدل‬ ‫بحسب املف وم غري ّ‬
‫ثم صفاته عّل أفعاله‪.‬‬
‫ثم عّل صفاته ‪ّ ،‬‬
‫ذاته عّل ذاته‪ّ ،‬‬
‫ووجـود‬
‫ووجود لفظـ ّ ‪ُ ،‬‬
‫ووجود ذهن ّ ‪ُ ،‬‬
‫وجود عين ّ ‪ُ ،‬‬ ‫َوراب ُعها ّ‬
‫أن الّشء له ُ‬
‫وعيّل ‪ .‬ومجيع هذه الوجـودات‬
‫ّ‬ ‫حّس وخيا ّيل وومه ّ‬
‫ّ‬ ‫كتب ّ ‪ .‬والوجود الذهن‬

‫ها؛‬ ‫(‪ )1‬فإن حقيقة الوجوا الدّ الة دىل الوجوب دل دىل احلياة والعلم واإلرااة والقدرة و‬
‫إذ مرجع حقائقها إىل الوجوا احلقيقي‪ّ .‬‬
‫وّدل صفا ه دىل أفعاله كوحد ه وبساطته‪ .‬ومبدديته‬
‫ذلك‪.‬‬ ‫والتكوّن إىل‬ ‫ّ‬
‫دل دىل دامل اإلبداع‪ .‬ومتام ّية وجواه العميم دىل اوام الفي‬
‫و ّملا رجعد حقائق ّ‬
‫الصفاي إىل الوجوا‪ ،‬كاند مثله يف ّ‬
‫كل بحسبه؛ ففي األجسام ضعيفة‬
‫كوجواها كام قال عاىل (وإن من َشء إدّ ّسبح بحمده ولكن د ّفقهون سبيحهم)‪ ،‬بناء‬
‫املجرااي قو ّّة كوجواها‪.‬‬
‫دىل قراءة (ّفقهون) بياء الغيبة؛ ويف ّ‬
‫أن الوجوا سنخ واحد‪،‬‬
‫الصفاي‪ّ ،‬‬
‫أن الوجوا يف أ ّّة مر بة كاند دني ّ‬ ‫والذي أراه الي ً‬
‫ّل دىل ّ‬
‫وكنوع فارا‪.‬‬
‫ويف النفوس النّاطقة التي هي أانى املفارقاي يف ادبتداء‪ ،‬وجواها دني دلمها بذاهتا؛ ألنّه‬
‫حضوري‪ ،‬ودني إرااهتا ودشقها لذاهتا ولقواها و وابع ذاهتا‪ ،‬ودني حياهتا وقدرهتا دىل‬
‫ّ‬
‫ذلك‪ .‬منه‪.‬‬ ‫انبعاث القوى‪ ،‬ودني نور ّّتها‪ ،‬ودني ك ّلمها وناطق ّيتها إىل‬
‫(‪ )2‬وهو قسامن‬
‫أحدمها‪ ،‬وجواه يف العقل التفصييل الذي ّقال له «القلب» لوقوع التعاقب فيه‪.‬‬
‫السامء‬
‫بقوة أحسن اخلالقني‪ .‬وفيه ّ‬ ‫وثانيهام‪ ،‬وجواه يف العقل البسيط ّ‬
‫اخلّلق للتّفاصيل ّ‬
‫ها من املتخالفاي موجواة بوجوا واحد‪ ،‬وهو كمقام صالح‬ ‫واألرض واملاء والنّار و‬
‫مها باحلقيقة د‬ ‫األضداا يف الوجوا‪ّ ،‬‬
‫وكل واحد منها يف العقل كام يف اخليال سامء وأرض و‬
‫حمفوف‬
‫ٌ‬ ‫ألن ما يف العامل‬
‫أحق بإطّلق أسامئها دليها مم ّا يف دامل الطبيعة؛ ّ‬
‫باملجاز‪ ،‬بل هي ّ‬
‫وممنو بأددام وظلامي وسيّلن واثور‪ ،‬بخّلف ما يف دقلك‬
‫ّ‬ ‫بعوارض أجانب و رائب دنها‪،‬‬
‫أطوار ال ّّشء وظ ورا ُته‪ ،‬وذلـك الشــ ء أصـ ُل ا املحفـو ‪ ،‬وسـنخ ا البـاق ‪.‬‬
‫ه بوجه وليست ه ه بوجه‪.‬‬ ‫واألداين إذا جعلت آالت حلا األعايل‪ ،‬ف‬
‫فالوجود الكتب كصورة زيد املكتوبة عّل لوح مث ً‬
‫ال‪ ،‬إذا جعل آلة حلا‬
‫وجوده الذهن أو العين ال يباين ام‪ .‬كيف‪ ،‬ولو با َينَ ام مل َي ِ‬
‫ُّس أحكام نسبت إليه‬
‫بالكتب من كونه ح ّي ًا أو م ّيت ًا‪ ،‬أو صحيح ًا أو مريض ًا‪ ،‬أو غري ذلك إليه ‪ ،‬والتّايل‬
‫باطل؟ وإذا كان هذا هكذا ـ والوجود الكتب واللفظ أبعد من العين ؛‬
‫ّ‬
‫وألن داللت ام عليه بالوضع ال بالطبع ـ فام ظنّك بالوجود‬ ‫الختالف ماه ّياهتا‬
‫الصور الذهن ّية املطابية‬
‫الذهن ‪ ،‬إذا جعل آلة حلا الوجود العين وال س ّيام يف ّ‬
‫والرسوم والوجود والرباهّي‪.‬‬
‫النفس األمر َية بوجدان احلدود ّ‬
‫وباجلملة‪« ،‬ما هو» و«هل هو» و«مل هو» كام هو شأن احلكيم‪ ،‬فإ ّن داللته‬
‫بال ّطبع عّل الوجود العين واشرتاك ام يف املاهيّة؛ إذ األشياء ّتصل بامه ّياهتا يف‬
‫والذايت ال خيتلف وال يتخ ّلف؛ فالشمس الذهن إذا جعل مرآة ملالحظة‬
‫الذهن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الشمس العين ف و هو بوجه‪ ،‬ويُّسي األحكام منه إليه؛ وإذا أخذ مستي اال‬
‫املسمى» ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكل حكمه‪ .‬وهذا أحد وجوه قوهلم‪« :‬االسم عّي‬ ‫فليس هو هو‪،‬‬
‫أي حتّى اللفظ ّ والكتب ‪.‬‬
‫واحلق عندنا أنّه هو هو بوجه‪ ،‬أي مأخوذ ًا «ال برشط»‪ .‬وليس هو بوجـه‪ ،‬أي‬
‫ّ‬

‫إن النّفس ّملا‬


‫فإ ّ ا حقائق األشياء ورصفها وكذا ما يف اخليال أاوم وأبسط مم ّا يف املا ّاة‪ّ ،‬إد ّ‬
‫كاند شدّدة ادلتفاي إىل اخلارج‪ ،‬وجعلتها مرآة ال ّلحاظ جلزئياي ماا ّّة د ملحوظاي‬
‫بالذاي وحسبتها شيئاي ماه ّياي‪ ،‬راءي مفهوماي ضعيفة‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬الظاهر زيادهتا إن كانت متعلية بالفعل «نسبت»‪ ،‬أو ه ‪ :‬مما إليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬بحار األنوار ‪ ،159 :4‬مرآة العيول ‪ ،305 ،287 :1‬تفسري الثعلب ‪.6 :1‬‬
‫مأخوذ ًا بـ«رشط ال»؛ ومن هنـا يظ ـر ّ‬
‫رس احـرتام األسـامء املكتوبـة هلل وللنبـ‬
‫واألئمة^‪.‬‬
‫الصور العيل ّية ا ّلت جيعل ا العارف والعامل به والذاكر‬
‫عرفت هذا فنيول‪ّ :‬‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫عنوانات ذاته وصفاته‪ ،‬ه ه بوجه‪ ،‬وليست ه ه بوجه؛ فاملعرفة به‬ ‫ِ‬ ‫له‬
‫يصح في ا السلب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يستحق وال‬
‫ّ‬ ‫بالعنوانات املطابية معرفت ُه ومعرفة صفاته‪ ،‬وال‬
‫الذاكر له بأسامئه احلُسنى ال ّلفظ ّية‪ ،‬ومعاني ا الشاخمة ا ّلت ُترفع درجة‬
‫وكذا تذكّر ّ‬
‫ا ّلذاكر بتد ّبرها‪ ،‬تذ ّكر ًا بال شائبة خلط وغلط‪ .‬وذلك باعتبار الوجه ّ‬
‫األول‪،‬‬
‫األويل ا ّلذايت‪ .‬وال يسلب عن‬ ‫وبضميمة أ ّن ّ‬
‫كل مف وم يصدق عّل نفسه باحلمل ّ‬
‫نفسه؛ فمف وم الوجوب وجوب‪ ،‬ومف وم اإلمكان إمكان‪ ،‬ومف وم االمتناع‬
‫امتناع‪ ،‬وليس مف وم الوجوب بذاته إمكان ًا أو ممكن ًا‪ ،‬وقس عليه‪.‬‬
‫وما ييال‪ :‬إنه سبحانه ال ُيك َتنَ ُه‪ ،‬وال حياط باألد ّلة العيل ّية‪ ،‬وكذا النيل ّية مثل‬
‫قول موالنا باقر العلوم×‪« :‬ك َُّل ما َم َّيزمتُ ُو ُه بأوهامكم يف أ َا ِّق َمعانيه‪َ ،‬ف ُه َو‬
‫مراو ٌا إ َليكم» ‪ ،‬فذلك باعتبار الوجه الثاين‪ ،‬أي أخذ عنواناته‬ ‫ُ‬ ‫وق مث ُلكُم‪،‬‬
‫َخم ُل ٌ‬
‫فإُنا حينئذ كيف ّيات ذهنية جمعوالت‬
‫الذهن ّية بـ«رشط ال»‪ ،‬وفيط ومعنونات‪ّ ،‬‬
‫األول‪ ،‬فإن‬
‫الشائع بخالف الوجه ّ‬ ‫ذهنك‪ ،‬وخمرتعات خاطرك‪ ،‬وممكنات باحلمل ّ‬
‫ٌ‬
‫عنوان فان‬ ‫ال ا ّلذي يف ّ‬
‫الذهن‬ ‫فالشمس مث ً‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الذهن مستغرق يف املُّسي إليه احلكم؛‬
‫عنون ا ّلذي هو ّ‬
‫الشمس العين ‪ ،‬وال وجود للعنوان بام هو عنوان بنفسه‪،‬‬ ‫يف املُ َ‬
‫ال عن كونه كيف ًا أو غريه‪ .‬وهكذا يف الشمس ال ّلفظ والكتب إذا جعال‬
‫فض ً‬
‫للشمس ّ‬
‫الذهن ‪ ،‬فالثالثة ظ ورات للشمس العين وأطوار له‪ ،‬والوجود‬ ‫عنوانّي ّ‬

‫(‪ )1‬الفصول امل مة ‪ .163 :1‬بحار األنوار ‪.293 :66‬‬


‫منف ّ عن ا‪ .‬فليست حينئذ كيف ّيات مبرصة ومسموعة ونفسان ّية‪ ،‬بل جواهر‬
‫بجوهر ّيته ‪ ،‬وموجودات بوجوده‪.‬‬
‫والرابع مع اشرتاك ام يف بعض املبادئ ـ وهو‬ ‫ثم ّ‬
‫إن الفرق بّي البيان الثالث ّ‬ ‫ّ‬
‫واملسمى بوجه ـ غري خف ّ ؛ ألنّه أين األسامء واألوصاف ّ‬
‫الذهن ّية‬ ‫ّ‬ ‫ّاّتاد االسم‬
‫احلسنى‬ ‫َحن األسامء ُ‬
‫األئمة^‪« :‬ن ُ‬
‫ّ‬ ‫من األسامء الوجود ّية ا ّلت ورد في ا عن‬
‫ّل إ ّد ب َمعر َفتنا» ؟ وأين الوجوه والعنوانات ّ‬
‫الذهن ّية؟‬ ‫ا ّلذّن د َّق َب ُل اهلل َد َم ً‬
‫وأنّى وج ُه اهلل ا ّلذي‪﴿ :‬أّنَام َُو ّل ُوا َف َث َّم َوج ُه اهلل﴾ ؟‬

‫(‪ )1‬مع كو ا كيفياي يف نظر آخر؛ ومن هذا ظهر معنى قولنا «العقول الكل ّية موجواة‬
‫بوجوا اهلل باقية ببقاء اهلل»‪ .‬واستصعب فهمه بع ٌ من العلامء وقال «ّلزم أن كون هذه‬
‫للر ّا دىل صدر املتأهلني‪+‬‬ ‫واجبة الوجوا بالذاي»‪ .‬والعجب أنّه مل ّفهم هذا‪ ،‬و صدّ ى ّ‬
‫حيث ّقول إ ّ ا ٌ‬
‫باقية ببقاء اهلل د بإبقائه‪ ،‬ح ّية بحياة اهلل د بإحيائه؛ أل ّ ا من صقع الرب‪ ،‬إنام‬
‫أن هذا َشء‬‫واحلي باإلحياء ما سواها من املمكناي واملوجوااي الطبيع ّية‪ ،‬مع ّ‬ ‫ّ‬ ‫الباقي باإلبقاء‬
‫ّقل وجوا املمكناي بادنتساب إىل‬ ‫فإن من ْ‬ ‫ّقوله كث من أهل النّظر والبحث فيام سواها؛ ّ‬
‫ّقل إ ّ ا موجواة بوجوا اهلل عاىل‪ .‬منه‪.‬‬ ‫وجوا اهلل عاىل‪ ،‬وإن وجوا زّد إله زّد‪ْ ،‬‬
‫(‪ )2‬الكايف ‪ .144 :1‬املحتض‪.229 :‬‬
‫(‪ )3‬البيرة‪.155 :‬‬
‫(‪َ ﴿ )8‬و َ نَ َّز َه َدن ُجمان ََسة َخم ُلوقا ه﴾‬
‫السابية‪ ،‬سيّام عّل الوجه ا ّلرابع‪ ،‬التّشبي َه‪ ،‬صار امليام ميام‬
‫ملّا أوهم الفيرة ّ‬
‫التّنزيه واإلجالل؛ ألنّه تعاىل خارج عن احلدّ ي َن‪ :‬حدِّ التّشبيه‪ ،‬وحدِّ التّنزيه‪ .‬قال‬
‫يع ال َبص ُ ﴾ ‪.‬‬ ‫السم ُ‬
‫َش ٌء َو ُه َو َّ‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬ل َ‬
‫يس َكم ْثله َ ْ‬
‫و«املجانسة»‪ :‬اال ّّتا ُد يف اجلنس‪ ،‬ومن املعلومات تنزهيه تعاىل عن ذلك؛ إذ لو‬
‫ميره أ ّن اجلنس‬
‫املتيررات يف ّ‬
‫ّ‬ ‫شاركت ُه فيه خملوقا ُته ـ ومن‬
‫جنس َ‬
‫ٌ‬ ‫كان له تعاىل‬
‫لتحصله وتع ُّينه ـ كان له فصل‪ ،‬فيلزم أن يكون له‬
‫ُّ‬ ‫ماه ّي ٌة مب مة‪ ،‬والفصل ع ّلة‬
‫تعاىل ماه ّية‪ .‬وقد برهن يف ميامه أن ال ماه ّية له سوى اإلن ّية‪ .‬وأيض ًا يلزم أن‬
‫وتيرره‪ ،‬وهو أشدّ حمذور ًا من‬ ‫يكون مركّب ًا‪ ،‬فيلزم احلاجة يف أصل قوام ّ‬
‫الذات ّ‬
‫احلاجة يف الوجود؛ ّ‬
‫ألن جتوهر ذاته ليس سوى ذينك اجلوهرين واإلمكان؛ إذ‬

‫الّصف ّ‬
‫كل مافرضته ثاني ًا هلا؛ فهو هي د‬ ‫ثان له‪ ،‬وحقيقة الوجوا ّ‬ ‫ألن مثل ا ّليشء ٍ‬ ‫(‪ّ )1‬‬
‫فإن‬ ‫ها‪ .‬وأّض ًا‪ ،‬ما د ماه ّية له كل ّية د مثل له ولو ذهن ًا‪ .‬ويف اآلّة ٌ‬
‫مجع بني التّنزّه والتّشبيه ّ‬
‫السمع‬
‫ألن ّ‬
‫الكل؛ واإلثباي صفة شبيه ّ‬ ‫أي َشء كان ولو مثل دقل ّ‬ ‫النفي نزّه سلب مثل ّية ّ‬
‫والبّص ونحومها ا وباجلملة‪ ،‬اإلاراك للجزئياي املحسوسة بل املوهومة ا متح ّقق يف‬
‫املعرف بالّلّم املفيدة‬
‫ّل دن ه‪ ،‬فإنّه مظهر هلذه األسامء‪ ،‬بل أثبتد بصيب املسند َّ‬ ‫احليوان‪ ،‬فض ً‬
‫للقّص دىل املسند إليه نحو زّدٌ األم ‪ .‬وذلك النّفي مل ّتح ّقق يف َشء‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشورى‪.11 :‬‬
‫ألن الوجوا دارض املاه ّية‪ ،‬وّؤكّد‬ ‫ٌ‬
‫حاجة يف مقام العارض؛ ّ‬ ‫ألن احلاجة يف الوجوا‬‫(‪ّ )3‬‬
‫ألن ماهيته املفروضة فادلة لوجواه‪.‬‬ ‫األشد ّّة دىل القول بأصالة املاه ّية ويف الواجب ّ‬
‫بالذاي؛ ّ‬
‫كام ألزموا أنّه لو كان له ماه ّي ٌة لزم قدّ مها بالوجوا دىل وجواه‪ .‬ويف الكّلم عرّ دىل‬
‫كل ممكن زوج تركيب ّ ‪ ،‬كذلك ّ‬
‫كل مركّب ممكن‪ ،‬ال من باب انعكاس‬ ‫أن ّ‬
‫كام ّ‬
‫املوجبة الكل ّية كنفس ا‪ ،‬بل من باب مربهن ّية ّ‬
‫كل من الياعدتّي ‪ ،‬هذا خلف‪.‬‬
‫واجبات‪ ،‬فيلزم تعدد الواجب‪ ،‬وأيض ًا يلزم اخللف إذ ال‬
‫ٌ‬ ‫ثم األجزاء إ ّما‬
‫ّ‬
‫عالقة بّي الواجبات با ّلذات ‪ ،‬فال تركيب يؤ ّدي إىل الوحدة‪ ،‬فيكون ّ‬
‫كل واحد‬
‫بسيط ًا وقد فرض واجب ًا واحد ًا مركّب ًا؛ وإ ّما ممكنات فاملحتاج إىل املمكن أمكن‪.‬‬
‫وأيض ًا‪ ،‬يلزم مساواة الواجب واملمكن يف الوجود ؛ ّ‬
‫ألن اجلنس والفصل‬
‫متّحدان يف الوجود بميتىض احلمل‪ ،‬فوجود فصله بعينه وجود جنسه ا ّلذي هو‬
‫جنس املمكنات تعاىل عنه‪.‬‬
‫وأيض ًا‪ ،‬لو كان له تعاىل ٌ‬
‫جنس‪ ،‬فجنسه‪:‬‬
‫ميوم ًا؛ ّ‬
‫ألن حاجة اجلنس إىل الفصل يف‬ ‫ّإما الوجوا؛ فيلزم قلب امليسم ّ‬
‫الوجود‪ ،‬والفرض أ ّن الوجود قوام هذا اجلنس بخالف األجناس يف املواضع‬
‫األُخرى؛ ّ‬
‫ألن ماه ّياهتا غري إن ّياهتا‪ ،‬فمفيد وجودها غري مفيد قوام ا‪.‬‬
‫منز ٌه‬
‫عزه ّ‬
‫الوجوا‪ ،‬وغري الوجود إ ّما العدم‪ ،‬وإ ّما املاه ّية‪ ،‬وساحة ّ‬ ‫وإما‬
‫ّ‬

‫القائلني بأصالة املاه ّية حيث حّص املحذور يف احلاجة يف الوجوا مع أ ّ ا أّض ًا لزم؛‬ ‫بع‬
‫ألن الوجوا حمتاج إىل القوام‪ ،‬والقوام إىل األجزاء‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫بكل جزء‪ ،‬والتع ّلق هو اإلمكان‪ ،‬وأّض ًا جائز العدم يف مر بة‬
‫فإن املركّب متع ّلق القوام ّ‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫ّ‬
‫كل جزء‪ ،‬والوجوا بعدها‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬إذ العّلقة ّإما بكون بعضها د ّلة وبعضها معلودً‪ ،‬وإما بكو ا منتهية إىل د ّلة‪ ،‬وكّلمها‬
‫ّنايف الوجوب ّ‬
‫الذات‪ .‬منه‪.‬‬
‫األول؛ أي لو كان له جنس مشارك مع املمكن‪ ،‬لزم املساواة كام قلنا الذي هو‬
‫رجوع إىل ّ‬
‫ٌ‬ ‫(‪)3‬‬
‫ألن اجلنس والفصل‬
‫وأما دىل قدّر كون األجزاء ممكناي‪ ،‬لزم املساواة ّ‬
‫جنس املمكناي؛ ّ‬
‫والنّوع متّحدة يف الوجوا‪ .‬منه‪.‬‬
‫عن ام مجيع ًا‪.‬‬
‫ويمكن أن ُيراد «باملجانسة» معناها اللغوي‪ ،‬فيطلق عّل النّوع لغ ًة‪ .‬وييال‬
‫عّل ما يطلق عّل اليليل والكثري‪ ،‬كاملاء يطلق عّل اليطرة وعّل ماء البحر‪.‬‬
‫كل من ا خيت ّ يف‬ ‫ٌّ‬ ‫واألوىل أن يراد هبا ما يشمل مجيع أقسام ّ‬
‫االّتاد ا ّلت‬
‫ّ‬
‫االّتاد بّي شي َئّي يف ج ة‬ ‫االصطالح باسم‪ ،‬وهو اليدر املشرتك بين ا‪ ،‬أعن‬
‫جامعة‪ ،‬فيشمل «املامثلة» وه ّاّتاد ّ‬
‫الشيئّي يف املاهيّة والزم ا‪ ،‬و«املجانسة‬
‫ّ‬
‫االّتاد‬ ‫الكم‪ ،‬و«املشاهبة» وه‬ ‫ّ‬
‫االّتاد يف ّ‬ ‫مرت‪ ،‬و«املساواة» وه‬‫اخلاصة» وقد ّ‬
‫ّ‬
‫االّتاد يف‬ ‫يف الكيف‪ ،‬و«املناسبة» وه االّتاد يف اإلضافة ‪ ،‬و«املوازاة» وه‬
‫الوضع‪ ،‬و«املحاذاة» وه االّتاد يف األَين‪ ،‬وكذا «اهلوهو ّية» ا ّلت ه تعبري عن‬
‫«احلمل» يف االصطالح وهو ّ‬
‫االّتاد يف الوجود ونحو ذلك‪.‬‬
‫ألن‬ ‫وج َّل َد ْن ُم َ‬
‫ّل َء َمة َك ْيف َيا ه»؛ ّ‬ ‫وأفرد «املشاهبة» كام يأيت يف قوله×‪َ « :‬‬
‫أصح األعراض وجود ًا وأشم ُل ا‪ ،‬ح ّتى إ ّن بعض علوم املجردات عند‬ ‫ّ‬ ‫الكيف ّية‬
‫بعض احلكامء كيف ّيات‪.‬‬
‫واحلاصل أنّه كام ال مثل وندَّ جلنابه األقدس‪َ ﴿ :‬فّل َجت َع ُلوا هلل َأ ْندَ ا َا ًا َو َأ ْنت ُْم‬
‫اذي‬
‫وازي وال ُحم َ‬ ‫ساوي وال ُم َ‬ ‫َ‬ ‫ون﴾ ‪ ،‬كذلك ال ُجمانِ َس وال ُمشابِ َه وال ُم‬ ‫َ َع َل ُم َ‬
‫والكم والوضع‬ ‫ب له تعاىل؛ النتفاء املاه ّية النوع ّية واجلنس ّية والكيف‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫وال ُمناس َ‬
‫ألن له حييية الوجود‬ ‫واألين واإلضافة امليول ّية عنه‪ ،‬بل ال رشيك له يف الوجود؛ ّ‬

‫والر ّبان إىل‬


‫(‪ )1‬كام ّقول احلكامء نسبة النفس النّاطقة إىل صيص ّيتها نسبة امللك إىل املدّنة‪ّ ،‬‬
‫وأما املناسباي التي ذكرها القوم‬
‫السفينة‪ ،‬وكام ليس هلل عاىل ُمماثل‪ ،‬كذلك ليس له مناسب‪ّ .‬‬
‫فسيأت وجهها بعد أسطر‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيرة‪.22 :‬‬
‫وهو املوجود يف نفسه بنفسه لنفسه‪ ،‬ولغريه من حييية الوجود رساهبا‪.‬‬
‫علمت أن ال مناسب له تعاىل فاملناسبات ا ّلت ذكرها ّ‬
‫الصوفية‪ :‬كالتّمثيل‬ ‫َ‬ ‫وإذ‬
‫وبالشعلة اجلّوالة وا ّلدائرة‪ ،‬وبالواحد والعدد ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بالبحر واملوج واحلباب‪،‬‬
‫وبالعاكس والعكس‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬واحلكامء‪ :‬كالتمثيل باحلركة التوسطيّة‬
‫والزمان‪ ،‬وبالعيل البسيط اإلمجايل والع ُيول‬
‫واحلركة اليطع ّية‪ ،‬وباآلن الس ّيال ّ‬
‫امليرب من وجه ا ّلذي هو ظ ٌ‬
‫ور منه وفان‬ ‫التفصيل ّية وأمثاهلا‪ ،‬امليصود من ا ُ‬
‫املثال ِّ‬
‫فيه‪ ،‬ال املناسب ا ّلذي يكون شيئ ًا عّل حياله؛ ف و متعال عن املثل ال عن املثال‪،‬‬
‫بل له األمثال العليا‪ ،‬كام أثبت نفسه ِ‬
‫لنفسه بيوله‪َ ﴿ :‬م َث ُل نُوره كَم ْشكَاة ف َيها‬ ‫ُ‬
‫اجة﴾اآلية ‪ .‬واملثل األعّل له تعاىل هو اإلنسان الكامل‪.‬‬
‫اح يف ز َُج َ‬
‫اح امل ْص َب ُ‬
‫م ْص َب ٌ‬
‫و«املجانسة» ـ بفتح النّون‪ ،‬وقد ّ‬
‫يشك يف فتح العّي وكُّسها ـ‪ :‬من املفاعلة‬

‫ّقومها إدّ الواحد؛ فادثنان‬


‫إن األدداا مع ك ّثرها و باّنها واختّلف آثارها‪ ،‬ليس ّ‬
‫(‪ )1‬حيث ّ‬
‫ليس إدّ الواحد والواحد وكذا األلف وما فوقه وما ّتته بخّلف األنواع األُخرى‪ ،‬فاإلنسان‬
‫مقومه إدّ حقيقة‬ ‫نفس وبدن‪ ،‬والبيد سقف وجدران‪ ،‬وقس دليهام؛ فكذا ّ‬
‫كل وجوا ليس ّ‬
‫الوجوا‪ ،‬وكذا مبدئ األدداا وراسمها ليس إدّ الواحد‪ ،‬وكذا دا ّاها ومفن ّيها ليس إدّ‬
‫الواحد‪ .‬منه‪.‬‬
‫والسلسلة الطولية العروج ّية‬
‫السلسلة الطولية النزول ّية ّ‬
‫(‪ )2‬أي نقطة الوجوا السائرة يف ّ‬
‫والسلسلة العرض ّية الزّمان ّية‪ .‬والراسمة بس ها انبساط ًا مثلها مثل احلركة التوسط ّية؛ حيث‬
‫ّ‬
‫السيّلن يف نسبها دند موافاهتاحدوا املسافة‪ ،‬وإ ّ ا رسم‬
‫إ ّ ا واحدة بسيطة ثابتة والتكثر و ّ‬
‫وأما العقل‬ ‫ّل واحد ًا ذا أجزاء‪ ،‬وكذا اآلن الس ّيال البسيط ّ‬
‫الراسم للزّ مان‪ّ .‬‬ ‫أمر ًا ممتد ًا متّص ً‬
‫كل الوجوااي‬‫السابق العنائي‪ ،‬وانطواء ّ‬ ‫البسيط ّ‬
‫اخلّلق للعقول التفصيل ّية‪ ،‬فهو مثال لعلمه ّ‬
‫يف ذلك الوجوا بنحو أدىل واملاه ّياي ّتد األسامء احلسنى وموجوا ّّتها بوجوا واحد‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬النور‪.35 :‬‬
‫ا ّلت ه مصدر «فا َع َل» و ُيرشدك إىل فتح ا بعالوة ضبط الفتح يف كلامت‬
‫الفصحاء املعربة‪ ،‬مثل «املساواة» و«املعاطاة» و«امل اباة» و«املباراة» ونحوها‪ ،‬فإ ّن‬
‫تيلب ألِف ًا إذا كان ما قبل ا مفتوح ًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الياء‬
‫(‪َ ﴿ )9‬و َّ‬
‫جل َدن ُمّل َء َمة كيف ّيا ه﴾‬
‫«املالءمة»‪ :‬املوافية‪ .‬و«الكيف ّية»‪ :‬ما ييال يف جواب «كيف هو؟»‪ ،‬كام أ ّن‬
‫«الكم ّية» ما ييال يف جواب «كم هو؟»‪ ،‬و«املاه ّية» ما ييال يف جواب «ما هو؟»‪.‬‬
‫قارة ال تيتيض قسم ًة وال نسب ًة‪ .‬وأقسا ُمه كثرية‬
‫ورسم احلكامء «الكيف» بأنّه هيئ ٌة ّ‬
‫كام هو ميتىض اجلمع املضاف‪ .‬وأقسا ُمه األول ّية أربعة‪:‬‬
‫املحسوسة» املنشعبة بحسب املشاعر اخلمسة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫«الكيف ّيات‬
‫والغم ونحوها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫«والنفسان ّية» كاإلرادة واليدرة واجلبن والشجاعة والفرح‬
‫وباجلملة مجيع حاالت النّفس و َم َلكاهتا‪.‬‬
‫و«االستعداد ّية»‪.‬‬
‫بالكم»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املختصة‬
‫ّ‬ ‫و«‬
‫وك ّل ا مرشوح ٌة يف موضعه‪.‬‬
‫وضمري «كيف ّياته» يمكن أن يعود إىل املخلوق ا ّلذي هو مفرد «خملوقاته»‪،‬‬
‫واألَوىل ّأال يفكّك الضمري ويرجع إىل كلمة « َمن »‪ ،‬واإلضافة ملالبسة املعلول ّية‬
‫جل جناب قدسه عن أن جيامعه الكيف ّيات؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫واململوك ّية هلل تعاىل‪ .‬وإنّام ّ‬
‫اليوة هو املا ّدة‪،‬‬
‫قوته‪ ،‬وحامل ّ‬
‫العرض ليس يف ميام وجود موضوعه‪ ،‬وإنّام فيه ّ‬
‫الصورة‪ ،‬واملركّب من ام جسم؛ تعاىل عن اجلسم ّية ع ّلو ًا‬
‫واملا ّدة ال وجود هلا بدون ّ‬
‫كبري ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬الواردة يف صدر الدعاء يف قوله×‪« :‬يا من دلع‪.»...‬‬


‫وأيض ًا‪ ،‬لو كان له كيف ّية؛ فإ ّما حادثة‪ ،‬فيكون هو تعاىل ّ‬
‫حمل احلوادث‪ ،‬وإ ّما‬
‫وص ُ‬
‫ف بالكَيف‪ ،‬وكيف‬ ‫إن اهلل د ُّ َ‬
‫قديمة فيلزم تعدّ د اليدماء‪ .‬ويف احلديث‪َّ « :‬‬
‫صار كَيف ًا؟» ‪ .‬ليس املراد من‬
‫َ‬ ‫أص ُف ُه بالكَيف َو ُه َو ا ّلذي َك َّي َ‬
‫ف الك َ‬
‫َيف حتى‬
‫قوله×‪« :‬ك ّيف الكيف» اجلعل الرتكيب ّ ؛ لوضوح حمال ّيته‪ ،‬بل إنّه أوجد‬
‫كل يشء نفسه باحلمل ّ‬
‫الشائع‪ .‬ويف‬ ‫عرب به؛ إذ بالوجود يصري ّ‬
‫الكيف ولكن ّ‬
‫أي من وصفه بكيف ّية فيد ثنّاه‪ .‬ويف آخر‪:‬‬ ‫حديث آخر‪« :‬ما َو َّحدَ ُه َمن َك َّي َف ُه »‬
‫ف بخلقه؟» ‪ ،‬ولكن‬ ‫وص ُ‬ ‫َيف‪ ،‬والكيف َخم ُل ٌ‬
‫وق‪َ ،‬واهلل د ُّ َ‬ ‫ف َر ّيب بالك ُ‬
‫َيف أص ُ‬‫«ك َ‬
‫الضيق‬ ‫الصادق×‪ :‬أ َل ُه كيف ّية؟ قال×‪« :‬د؛ أل ّن الكَيف َّي َة َج َه ُة ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُسئل ّ‬
‫ألن َمن نَفا ُه َف َقد‬
‫جهة التَّعطيل َوالتَشبيه؛ َّ‬ ‫روج َدن َ‬ ‫َواإلحا َطة‪َ ،‬ولكن د ُبدَّ م َن ُ‬
‫اخل ُ‬
‫ُودني‬ ‫أنك ََر ُربوب َّي َت ُه وأبطَ َل ُه‪َ ،‬و َمن َش َّب َه ُه بغ ه َف َقد أ َث َب َت ُه بص َفة املَخ ُل َ‬
‫وقني املصن َ‬

‫(‪ )1‬الفصول امل مة ‪.184 :1‬‬


‫(‪ )2‬الكايف ‪ .12 / 103 :1‬التوحيد‪.18 / 61 :‬‬
‫جمعولة بالذاي باجلعل البسيط‪ ،‬فض ً‬
‫ّل دن اجلعل املركّب‪ ،‬فام جعل‬ ‫فإن املاه ّية‬
‫(‪ّ )3‬‬
‫املشمس مشمس ًا‪ ،‬بل ما جعل ماه ّية املشمس ّإد بالعرض جلعل وجواه؛ ففاض من اجلادل‬
‫ثم صدق نفس لك‬ ‫ثم ماه ّيته تبعه يف اجلعل والتح ّقق بالعرض‪ّ ،‬‬ ‫احلق وجواه ّ‬
‫بالذاي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الصدق إاجاب واملوجبة ستددي وجوا املوضوع‪،‬‬
‫املاه ّية دىل نفسها بالعرض د بالذاي؛ ألن ّ‬
‫واملر بة خالية دن الوجوا‪ ،‬فّل صلح لإلاجاب‪ ،‬كاملعدوم بام هو معدوم‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي من وصفه بصفة زائدة؛ ألنّه إذا كاند الصفة زائدة دىل ذا ه كاند كيف ّية‪ ،‬فيكون‬
‫ديل× «فمن وصفه فقد قرنه‪ ،‬ومن قرنه فقد ثناه» [ ج البّل ة‪/‬اخلطبة ‪،1‬‬ ‫موافق ًا لقول ّ‬
‫وفيه وصف اهلل]‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ُ )5‬نج البالغة‪/‬اخلطبة‪.186 :‬‬
‫(‪ )6‬بصائر الدرجات‪ .1 / 521 :‬التوحيد‪.1 / 310 :‬‬
‫أن َل ُه كَيف َّية د َّستَحقها‬
‫ون الر ُبوب ِّي َة‪َ ،‬ولكن د ُبدَّ من إثباي َّ‬ ‫ا َّلذ َ‬
‫ّن د َّستَحق َ‬
‫َ ُ ُه‪َ ،‬ود ُّشار ُك ُه فيها‪ ،‬ود ُحي ُ‬
‫اط هبا‪َ ،‬ود َّع َل ُمها َ ُ ُه» ‪.‬‬
‫أ ُقول‪ :‬هذا احلديث مثل فيرة الدّ عاء‪ ،‬إشارة إىل ّ‬
‫أن له تعاىل صفات ه عّي‬
‫ذاته‪ ،‬وليس له معان وأحوال زائدة قديمة خالف ًا لألشاعرة‪ ،‬وال حادثة خالف ًا‬
‫الصفاي َدن ُه؛ ل َشها َاة ك ُِّل ص َفة‬
‫َفي ِّ‬ ‫عّل×‪« :‬ك ُ‬
‫َامل اإلخّلص ن ُ‬ ‫للكرام ّية‪ .‬قال ّ‬
‫ّ‬
‫الص َفة‪َ ،‬ف َم ْن وصفه َفقد َق َر َن ُة‪،‬‬ ‫املوصوف‪َ ،‬ول َشها َاة ك ُِّل َم ُ‬
‫وصوف أ َّن ُه َ ُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أ َّ ا َ ُ‬
‫وم ْن َق َر َن ُة َف َقد َثنّا ُه» ‪.‬‬
‫َ‬

‫معاين يف ذا ه‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ معنى قائ ًام بذا ه؛ إذ د‬ ‫(‪ )1‬أي له ٌ‬
‫صفة هي دني ذا ه‪ .‬ومعلوم أ ّ ا مل كن‬
‫َ‬
‫العنواين الذي هو دني‬
‫ّ‬ ‫الصفة دىل الوصف‬ ‫سوى رصّح ذا ه‪ ،‬بل هذا مثل ما ّقال ّ‬
‫الصفة دني الذاي كث ُ اآلّاي‪،‬‬ ‫املوصوف‪ ،‬ومثل الصفة النفس ّية يف لسان املتك ّلمني‪ .‬وكون ّ‬
‫للصورة اجلسم ّية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والكيل لنفس الكل ّية‪ ،‬واملتّصل ّ‬ ‫للصورة العلم ّية‪،‬‬ ‫كاملعلوم بالذاي ّ‬
‫واملضاف لإلضافة‪ ،‬واملتقدّ م واملتأخر ألجزاء الزّ مان‪ ،‬واملوجوا للوجوا احلقيقي‪ ،‬إىل‬
‫ذلك من املوارا‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الكايف ‪.6 / 86 :1‬‬
‫(‪ُ )3‬نج البالغة‪/‬اخلطبة‪.1 :‬‬
‫(‪ّ﴿ )10‬ا َم ْن َق ُر َب من َخواطر الظنُون﴾‬
‫اخلاطر»‪ :‬ما يرد عّل اليلب من اخلطاب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السلوك «‬
‫عند أهل الطريية وأرباب ّ‬
‫أو الوارد ا ّلذي ال ّ‬
‫تعمل للعبد فيه‪ .‬وما كان خطاب ًا ف و عّل أربعة أقسام‪:‬‬
‫ويسمى «نير اخلاطر» وال خيطئ أبد ًا‪ .‬وقد يعرف‬
‫ّ‬ ‫اين‪ ،‬وهو ّأول اخلواطر‪،‬‬
‫َر ّب ّ‬
‫باليوة والتّس ّلط وعدم االندفاع‪.‬‬
‫ّ‬
‫كي‪ ،‬وهو الباعث عّل مندوب أو مفروض‪ .‬وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫كل ما فيه صالح‪،‬‬ ‫وم َل ّ‬
‫َ‬
‫ويسمى «إهلام ًا»‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويسمى «هاجس ًا»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ونفساين‪ ،‬وهو ما فيه ّ‬
‫حظ للنفس‪،‬‬ ‫ّ‬
‫يطان َي ِعدُ ُك ُم‬
‫الش ُ‬‫احلق‪ .‬قال اهلل تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫وشيطاين‪ ،‬وهو ما يدعو إىل خمالفة ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حشاء﴾ ‪ .‬وقال النّب ّ |‪َّ « :‬مل ُة َّ‬ ‫ير ويا ُم ُر ُكم بِال َف‬
‫حل ِّق‪...‬‬ ‫َذيب با َ‬
‫الشيطان تك ٌ‬ ‫ال َف َ‬
‫َوإيعا ٌد بِ َّ ِ‬
‫الرش»‬
‫الرشع؛ فام فيه قرب ٌة ف و من ّ‬
‫األولّي‪ ،‬وما‬ ‫سمى «وسواس ًا»‪ّ ،‬‬
‫ويعري بميزان ّ‬ ‫و ُي ّ‬
‫فيه كراه ٌة أو خمالفة رشع ًا ف و من اآلخرين‪.‬‬
‫األولّي‪ ،‬وما هو‬
‫ويشتبه يف املباحات‪ :‬فام هو أقرب إىل خمالفة النّفس ف و من ّ‬
‫الصايف اليلب‬
‫والصادق ّ‬
‫ّ‬ ‫أقرب إىل اهلوى وموافية النّفس ف و من اآلخرين‪.‬‬
‫احلق‪ ،‬س ل عليه الفرق بين ا بتيسري اهلل وتوفييه‪ ،‬كذا قيل‪.‬‬
‫احلارض مع ّ‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.268 :‬‬


‫(‪ )2‬األصول الستة عرش‪ ،160 :‬وفيه‪« :‬من ملة الشيطان‪ ،»...‬مستدرك وسائل الشيعة ‪:11‬‬
‫‪.13261 / 360‬‬
‫الراجح‪ ،‬وقد يراد به الييّي كيوله تعاىل‪:‬‬ ‫و«الظ ُّن»‪ :‬يراد به‪ :‬االعتياد ّ‬
‫رهب ْم﴾ وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ف َظ َّن ْ‬
‫أن َل ْن نَقد َر َدليه﴾ ‪ ،‬كام‬ ‫﴿ َّ ُظن َ‬
‫ون ا َّ ُم ُمّل ُقوا ِّ‬
‫ذكر املح ّيق الع ّالمة شيخنا الب ائ & يف احلديث ّ‬
‫السابع عرش من كتابه‬
‫ِ‬
‫فأخربين عن قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬وذا‬ ‫درك يا أباحلسن‪،‬‬
‫األربعّي‪ :‬فيال املأ ُمون‪ :‬هلل ّ‬
‫الرضا×‪« :‬ذلك ُّون ُُس‬ ‫ب ُمغاضب ًا َف َظ َّن أن َل َن نقد َر َد َليه﴾‪ .‬فيال ّ‬ ‫النون إذ َذ َه َ‬
‫لن‬
‫أن ْ‬ ‫ب ُمغاضب ًا لقومه َف َظ َّن‪ ،‬بمعنى استَي َق َن‪ ،‬أن َ‬
‫لن نَقد َر َد َليه ْ‬ ‫بن َمتّى× َذ َه َ‬ ‫ُ‬
‫ُضيق َد َليه رز َق ُه» احلديث ‪.‬‬
‫ن َ‬
‫و َقد ُييال‪ :‬إنه من األضداد‪ ،‬فيطلق عّل ّ‬
‫الراجح واملرجوح‪ .‬وعّل الثاين محل‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬إن َن ُظن إ ّد َظنّ ًا﴾ ‪ ،‬و﴿إ َّن ال َظ َّن د ُّغْني م َن َ‬
‫احل ِّق َشيئ ًا﴾ ‪،‬‬
‫إثم﴾ ‪.‬‬‫إن َبع َ ال َظ ِّن ٌ‬
‫و﴿ َّ‬
‫أقول املراد «بالظ ّن»‪ ،‬هنا‪ :‬العلم واإلدراك املطلق من باب عموم املجاز‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬
‫عرب عنه «بالظ ّن» لوج ّي‪:‬‬
‫عموم االشرتاك‪ ،‬أو تسمية العام باسم اخلاص‪ .‬وإنّام ّ‬
‫ّأيس باحلديث اليديس قال تعاىل‪« :‬أنَا دند َظ ِّن دبدي يب» ‪ ،‬ولذا‬
‫أحدمها الت ّ‬
‫قيل‪« :‬فل ُيحسن العبدُ ظنَّه بر ّبه» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.46 :‬‬


‫(‪ )2‬األنبياء‪.87 :‬‬
‫األئمة‪ .90 :‬االحتجاج ‪.221 :2‬‬ ‫(‪ )3‬املصدر غري متو ّفر لدينا‪ ،‬انظرخصائ‬
‫(‪ )4‬اجلاثية‪.32 :‬‬
‫(‪ )5‬النجم‪.28 :‬‬
‫(‪ )6‬احلجرات‪.12 :‬‬
‫(‪ )7‬الفيه املنسوب لإلمام الرضا×‪ .361 :‬املجموع ‪.108 :5‬‬
‫(‪ )8‬تيسري الكريم الرمحن‪ .868 :‬رشح األسامء احلسنى ‪.21 :2‬‬
‫تسمى «بال ّظنون»؛‬
‫وثانيهام أ ّن العلوم من حيث ه مضافة إلينا‪ ،‬ينبغ أن ّ‬
‫لشباهت ا هبا‪ ،‬س ّيام ما يتع ّلق من ا باملبدأ‪ ،‬فإ ّن العيل وإن أمكنه اكتناه األشياء إ ّال‬
‫حق الييّي بام ه‬
‫إنّه ال يمكنه اكتناه واجب الوجود‪ ،‬وإنّام ه إييانات‪ ،‬بل ّ‬
‫مضافة إىل اهلل املليى‪ .‬ويف التعبري «بالظ ّن» عن ال ّظان ا ّلذي هو العيل إشارة إىل‬
‫« ّاّتاد العاقل باملعيول» عّل ما هو مذهب بعض املح ّييّي‪ .‬وليست اإلضافة من‬
‫قبيل «جرد قطيفة» و«أخالق ثياب»‪ ،‬س ّيام عّل نسخة «خطرات الظنون»‪ ،‬وال‬
‫بيان ّية‪ ،‬بل الم ّية وفي ًا ليوله‪« :‬مالحظة العيون»‪.‬‬
‫ّ‬
‫واّتاا العاقل واملعقول معناه الصحيح احلييق بالتّصديق أمران‪:‬‬
‫لذات ال بالعرض ظ ور وإرشاق من العاقل‪ .‬بال جتاف‬ ‫أن املعيول با ّ‬
‫أحدمها ّ‬
‫وره وإرشاقه املعنوي ال يباينه ﴿ َو َقدْ َخ َل َقك ُْم َأ ْطوار ًا﴾ ‪.‬‬
‫لذاته من ميامه‪ ،‬وظ ُ‬
‫شأن‪،‬‬ ‫شأن من شؤون العاقل‪ ،‬وللعاقل يف ّ‬
‫كل شأن من شؤونه ٌ‬ ‫فكل معيول ٌ‬
‫جمايل إرشاق‬ ‫ولذاته شأن ليس للشؤون فيه شأن‪ .‬فاملعيوالت مفاهيم ا‬
‫النفس‪ ،‬ووجودها فيض النفس املنبسط عّل ك ٍّل بحسبه‪ ،‬كام ّ‬
‫أن وجود املفاهيم‬
‫واملاه ّيات اإلمكان ّية يف اخلارج إرشاق اهلل وفيض اهلل املنبسط عّل ّ‬
‫كل بحسبه‪:‬‬
‫السمواي َواألرض﴾ ‪.‬‬
‫ُور َّ‬
‫﴿اهلل ن ُ‬

‫(‪ )1‬نوح‪.14 :‬‬


‫(‪ )2‬إشارة إىل أنّه كام ليس املراا املعقول بالعرض‪ ،‬بل املراا هو املعقول ّ‬
‫بالذاي‪ .‬كذلك ليس‬
‫املراا ماه ّية املعقول ّ‬
‫بالذاي ومفهومه‪ ،‬بل وجواه؛ فوجواه ظهور العاقل ود ّتّحد بامه ّيته‪،‬‬
‫قر ُر املاه ّياي منفكّة دن الوجوا ٌ‬
‫حمال؛ فلها وجوا‪ ،‬ووجواها وجوا‬ ‫بل د ماه ّية للنّفس‪ .‬و ّ‬
‫النفس‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬النور‪.35 :‬‬
‫كل معيول با ّلذات بنحو‬
‫لوجود ّ‬
‫جامع ُ‬
‫ٌ‬ ‫وثانيهام أ ّن العاقل يف ميامه ّ‬
‫الشامخ‬
‫أعّل وأبسط‪ ،‬ف و ميام رتي ا وه ميام فتيه‪ ،‬وهو ميام إمجاهلا وه ميام‬
‫تفصيله‪ ،‬ف و كاملحدود وه كاحلدّ ‪ ،‬وهو كالعيل البسيط وه كالعيول‬
‫التفصيل ّية‪.‬‬
‫واضح‪ ،‬فإ ُّنا خطاباته وكلامته مع‬
‫ٌ‬ ‫ثم ّ‬
‫إن قرب احلق تعاىل من اخلواطر الر ّبان ّية‬ ‫ّ‬
‫املجردات‬
‫ّ‬ ‫قلوب أرباب اليلوب‪ ،‬وكالم املتك ّلم وال س ّيام الكلامت التا ّمات‬
‫مأخوذ ًة «ال برشط»‪ ،‬ال يباينه‪ .‬وأ ّما قربه من اخلواطر األخرى ـ س ّيام املَ َلك ّية ـ‬
‫فألن وجود تلك اخلواطر مضاف إىل اهلل تعاىل بالوجوب؛ ّ‬
‫فإن نسبة الّشء إىل‬ ‫ّ‬
‫فاعله بالوجوب‪ ،‬وإىل قابله باإلمكان‪ .‬وأيض ًا‪ ،‬نسبة حييية الوجود إىل الوجود‬
‫وبالذات‪ ،‬وإلي ا ثاني ًا‬ ‫ّ‬ ‫الرصف باحلييية وإىل املاه ّية باملجاز‪ .‬وأيض ًا‪ ،‬إليه ّأوالً‬
‫ّ‬
‫أّد اهلل‬‫أّد َشيئ ًا إ ّد َو َر ُ‬
‫عّل×‪« :‬ما َر ُ‬ ‫وبالعرض؛ ولذا قال أمري املؤمنّي ّ‬
‫َقب َل ُه» ‪.‬‬
‫وهذا اليرب ليس قرب يشء من يشء‪ ،‬وإنّام هو قرب يشء بحييية الشيئ ّية‬
‫من يفء من حيث هو يفء‪.‬‬
‫ثم إ ّن كون الوجود برش ًا رشه‪ ،‬حتّى وجود ّ‬
‫الشيطان والشيطاين‪ ،‬ووجود‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬املراا هبا الكلامي العقل ّية مثل الكل ّياي العقل ّية التي هي كلامي العقل البسيط التي هبا‬
‫أن العقل البسيط ّتّحد‬
‫ص النّفس ناطقة بالفعل‪ ،‬بل بوجه كلامي العقل الف ّعال‪ .‬والتّوفيق ّ‬
‫بالعقل الف ّعال‪ .‬منه‪.‬‬
‫لسان اهلل‪ ،‬وكّلمه بوجه كّلم اهلل‪ .‬منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ألن امللك كالعقل الف ّعال‪،‬‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫(‪ )3‬رشح ُاصول الكايف ‪ ،83 :3‬التفسري الكبري ‪ .158 :32‬تفسري البيضاوي ‪.542 :5‬‬
‫(‪ )4‬أي د مؤ ّثر يف الوجوا إدّ اهلل‪ .‬والوجوا يف ا ّّة ماه ّية كاند هو املجعول ّ‬
‫بالذاي للجادل‬
‫أن هذا فعل ّ‬
‫الشيطان أو النفس‪ ،‬مم ّا ّقول املرشكون؟ أل ّ ام‬ ‫احلق؛ فأّن ما ّقول أهل الدّ ّن من ّ‬
‫النفس ال ّل ّوامة واأل ّمارة‪ ،‬والنفساين من اهلل ـ إذ إله ّ‬
‫الكل واحد‪ ،‬واليول بالثنو ّية‪،‬‬
‫واليول باألقانيم الثالثة‪ ،‬واليول بالتخميس من بعض األقدمّي‪ ،‬ك ُّل ا ٌ‬
‫باطل‬
‫ون خ ٌ أم اهلل الواحدُ ال َق ّهار﴾ ـ ال ينايف كون بعض اخلواطر‬
‫َفر ُق َ‬
‫رباب ُمت ِّ‬
‫﴿أأ ٌ‬
‫الشيطان ومن النفس‪.‬‬ ‫من ّ‬
‫وحدودها ونيائص ا من ام؛‬ ‫وتسميت ا «وساوس» و«هواجس»؛ ّ‬
‫ألن ماه ّيت ا ُ‬
‫السنخيّة بّي الع ّلة واملعلول معتربة؛ فالوجود معلول الوجود‪ ،‬والعدم معلول‬ ‫إذ ّ‬
‫بات لِل َّط ِي َ‬
‫بّي‬ ‫العدم‪ ،‬واملاه ّية معلول املاه ّية‪ ،‬كالزم املاه ّية من حيث ه ؛ فالطِ ّي ُ‬
‫بيثّي ‪ ،‬واحلكم للعنرص الغالب‪ .‬فالجتالب العدم يف النظام‬ ‫لخ َ‬‫بيثات ل ِ َ‬
‫َواخلَ ُ‬
‫ا ّ‬
‫لكّل والنظام اجلزئ إىل هذه اآلثار‪ ،‬واست الك الوجود في ا بحيث إ ُّنا تكاد أن‬
‫تلتحق باألعدام ‪ ،‬أو باملاه ّيات املطلية الغري املعترب في ا الوجود ال يليق إ ّال‬

‫خملوقان هلل‪ ،‬وهم ّقولون بقدم هذه الفوادل ا أي «النور» و«الظلمة»‪ ،‬أو «ّزاان» و«أهرمن»‬
‫مم ّا ّقول به ال ّثنوي؛ أو األب وادبن وروح القدس‪ ،‬مم ّا ّقول به بع النّصارى ا د ما ّقال‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬واملصداق واحد؛‬ ‫من ُاقنوم الوجوا و ُاقنوم احلياة و ُاقنوم العلم؛ إذ التك ّثر يف املفاهيم‬
‫أو الباري عاىل والنفس واهليوىل والدّ هر واخلأل‪ ،‬مم ّا ّقول به «احلرنان ّيون» وّقولون بقدمها‪.‬‬
‫املوحدّن الوجوا ك ّلة من صقع اهلل‪ّ ،‬‬
‫وأما املاهية‬ ‫وأرااوا بالدّ هر واخلأل الزمان واملكان‪ .‬ودند ّ‬
‫فغ جمعولة ّ‬
‫بالذاي ركيبي ًا ا ّفاق ًا‪ ،‬وبسيط ًا دىل التحقيق‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.39 :‬‬
‫ات لِل َّط ِّيبِّيَ‬ ‫ون لِل َخبِي َث ِ‬
‫ات َوال َّط ِّي َب ُ‬ ‫اخلبِي ُث َ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )2‬مستفاد من قوله تعاىل‪﴿ :‬اخلبِي َث ُ ِ‬
‫ات لل َخبِيثّيَ َو َ‬ ‫َ‬
‫ون لِل َّطيب ِ‬
‫ات﴾‪ .‬النور‪.26 :‬‬ ‫َوال َّط ِّي ُب َ ِّ َ‬
‫فإن الْسقة جتلب فقد املال والتشوّ وددم الطمأنينة‪ ،‬والزّ نى اختّلط األنساب وددم‬ ‫(‪ّ )3‬‬
‫والكل جالب ددم الكامدي‬ ‫ّ‬ ‫ربية األودا وددم املح ّبة‪ ،‬وال ّلواط ددم النّسل‪ ،‬إىل ذلك‪.‬‬
‫العالية واخل اي احلقيق ّية للنّفس الناطقة القدس ّية‪ .‬فهذه األددام والعدم ّياي دبدّ أن ستند‬
‫ٌ‬
‫وقاّة حلقيقة الوجوا دن‬ ‫فإن املاه ّية جنّة‪ ،‬واهليوىل‬
‫إىل مثلها‪ ،‬والنقائص رجع إىل ماه ّياهتا؛ ّ‬
‫الُّساب ّية‪ ،‬وال يستشعر ذلك الغافل املحجوب أو‬
‫باالنتساب إىل املبادئ املحدودة ّ‬
‫املُ ِ‬
‫رشك‪ ،‬باجل ة الوجود ّية النوران ّية ا ّلت من اهلل في ا حتّى ال ّ‬
‫يسمى وسواس ًا أو‬
‫واخلسة والتّفاضل بسبب االستشعار وعدمه؛ فاخلري بيديه‬
‫ّ‬ ‫هاجس ًا‪ّ .‬‬
‫والرشافة‬
‫والرش ليس إليه ولو كان‬
‫ٌّ‬ ‫ولو كان وجود ًا مست لك ًا يف النّاقصات والسيئات‪،‬‬
‫يف الكامالت واحلسنات‪ .‬فله احلمد‪ ،‬ومن جيد خري ًا يف‬ ‫احلدود والتّعينات‬
‫رش ًا فال يلو ّمن إ ّال نفسه‪ .‬ويف الدّ عاء‪« :‬إليه َّ ُ‬
‫رجع‬ ‫نفسه فليحمد اهلل‪ ،‬ومن جيد ّ‬
‫َدواقب ال َّثناء»‪ .‬ويف الكتاب اإلهل ّ ‪﴿ :‬ما َأصا َب َ‬
‫ك م ْن َح َسنَة َفم َن اهلل َو ما‬
‫بن آ َا َم‪ ،‬أنَا أوىل‬
‫ك﴾ ‪ .‬ويف احلديث اليديس ‪ّ« :‬ا َ‬ ‫َأصا َب َ‬
‫ك م ْن َس ِّيئَة َفم ْن َن ْفس َ‬
‫ند أوىل بس ّيئا َ‬
‫ك منّي» ‪.‬‬ ‫َك م َ‬
‫نك‪َ ،‬وأ َ‬ ‫ب َح َسنا َ‬

‫والرش إليها‪ .‬ويف إمهال شيئية املاه ّية إبطال كث من األحكام احل ّقة واحلكمة‬
‫ّ‬ ‫استناا النّقص‬
‫أن يف هذه اآلثار النّاقصة جهة ظلامن ّية وجهة نوارن ّية‪ ،‬فكذلك يف مبااُّيا‬
‫والرشّعة‪ .‬فكام ّ‬
‫فالنقص للنّقص والكامل للكامل‪ ،‬والوجوا والنّور أّنام ّت ّققا‬
‫ُ‬ ‫املحدواة جهاي نقص وظلمة‪،‬‬
‫ونور ا من اهلل نور األنوار‪َ َ ،‬هب َر برهانُه‪ .‬منه‪.‬‬
‫ا من حيث إ ّ ام وجوا ٌ‬
‫ّ‬
‫الكل‪ ،‬ليس منسوب ًا إىل اهلل‬ ‫التعني الذي هو اإلمكان يف الكامل الذي هو دقل‬ ‫ّ‬ ‫فإن‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫بالذاي؛ أل ّ ا حيثية ددم اإلباء دن‬‫ي‪ .‬ود ماه ّية جمعولة ّ‬ ‫باملعلول ّية وإدّ لزم اإلمكان الغ ّ‬
‫والصّلة حسنة‪ ،‬لكن‬ ‫ّ‬ ‫الوجوا والعدم بخّلف وجواه ا ّلذي هو حيث ّية اإلباء دن العدم‪.‬‬
‫قارة وحركاي متشابكة‬ ‫ّ‬ ‫جمعولة بالذاي‪ ،‬ود ّليق من حيث إ ّ ا أصواي‬ ‫ماه ّيتها‬
‫ٍ‬
‫باألددام والقوى أن ّستند إىل اهلل باملعلول ّية إدّ بواسطة مباا هي نفوسنا وقوانا؛ و ّأما سنخ‬
‫ونور‪ ،‬فهو بيدّه ومنسوب إليه‪ .‬منه‪.‬‬ ‫الوجوا الذي هو خ وفعل ّية ٌ‬
‫(‪ )2‬النساء‪.79 :‬‬
‫فألن الوجوا وإن كان جمعودً ّ‬
‫بالذاي‬ ‫(‪ )3‬إنّام استعمل فيه صيغة «أوىل» ّأما يف احلسناي؛ ّ‬
‫والتعني وإن كانتا من الوسائط ّإد‬
‫ّ‬ ‫فألن املاه ّية‬
‫السيئاي؛ ّ‬ ‫وأما يف ّ‬‫هلل‪ ،‬لكن قد ّكون بواسطة؛ ّ‬
‫أ ّ ام جمعولتان بالعرض‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الكايف ‪ .157 :1‬التوحيد‪.338 :‬‬
‫الوجودي يف ّ‬
‫كل‬ ‫وليعمم اخلري واحلسنة حتّى يشمال اجل َة النّورانيّة والوجه ُ‬
‫َّ‬
‫الرش‬
‫وليعمم ّ‬
‫َّ‬ ‫يشء؛ فإ ُّنام من اهلل‪ ،‬كام قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬قل ك ٌُّل من دند اهلل﴾ ‪.‬‬
‫والس ّيئة حتّى يشمال اجل َة الظلامن ّية والوج َه العدم ّ وشيئيّ َة املاهيّة؛ ّ‬
‫فإُنا من‬
‫النّفس والشيطان‪.‬‬

‫(‪ )1‬النساء‪.78 :‬‬


‫ّلح َظة ال ُع ُيون﴾‬
‫(‪َ ﴿ )11‬و َب ُعدَ َدن ُم َ‬
‫ّملا استفيد من قربه تعاىل من «خواطر الظنون» بالبيان املذكور‪ :‬مش ودي ُت ُه‬
‫واخلواص ا ّلذين هم أهل اهلل املعبود ـ ولع ّله أوهم الرؤية البرص ّية‬
‫ّ‬ ‫ألهل الش ود‬
‫ـ أردفه هبذه الفيرة‪.‬‬
‫واملراد «بال ُبعد»‪ :‬ال ُبعدُ العيّل بميتىض الربهان‪ ،‬ال البعد ا ّلذي قد جيامع‬
‫األمكان‪ .‬ففيه ر ٌّد عّل املش ِّب ة ا ّلذين ييولون بصحة رؤيته يف اجل ة واملكان دنيا‬
‫وعيبى؛ لكونه عندهم جس ًام (تعاىل عن ذلك ع ّلوا كبري ًا)‪ ،‬وعّل األشاعرة ا ّلذين‬
‫منزه ًا عن اجل ة واملكان‪.‬‬
‫بصحة رؤيته يف اآلخرة َّ‬
‫ّ‬ ‫قالوا‬
‫الرؤية؛ فذهب املعتزل ُة إىل‬
‫وقد طال التشاجر بّي املعتزلة واألشاعرة يف مسألة ّ‬
‫االمتناع دنيا وآخرةً‪ ،‬واألشاعر ُة إىل اجلواز آخر ًة؛ فيالوا‪ :‬إنّه تعاىل ُيرى‪،‬‬
‫وحرر بعض‬
‫ّ‬ ‫وينكشف لعباده املؤمنّي يف اآلخرة انكشاف البدر املرئ ‪.‬‬
‫متأخرهيم ّ‬
‫حمل النّزاع بأنه ال نزاع للنّافّي يف جواز االنكشاف التا ّم العلم ‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬
‫للمثبتّي يف امتناع ارتسام صورة من املرئ يف العّي‪ ،‬أو اتّصال الشعاع اخلارج‬
‫من العّي باملرئ ‪ ،‬وإنَّام ّ‬
‫حمل النّزاع أنّا إذا عرفنا الشمس مث ً‬
‫ال بحدّ أو رسم كان‬
‫وغمضنا العّي كان نوع ًا آخر من املعرفة فوق‬
‫أبرصناها َ‬ ‫نوع ًا من املعرفة‪ّ ،‬‬
‫ثم إذا َ‬
‫األو َلّي نسم ّيه‬
‫ثم إذا فتحنا العّي حصل نوع آخر من اإلدراك فوق ّ‬ ‫األول‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الرؤية‪ .‬وال تتع ّلق يف الدّ نيا إ ّال بام هو يف ج ة ومكان‪ ،‬فمثل هذه احلالة‬
‫منزه ًا‬ ‫تصح أن تيع بدون امليابلة واجل ة‪ ،‬وأن تتع ّلق ّ‬
‫باحلق املتعال ّ‬ ‫اإلدراك ّية‪ ،‬هل ّ‬
‫َ‬
‫الفرييّي من‬ ‫عن اجل ة واملكان أم ال؟ والكتب الكالم ّية مشحونة بذكر حجج‬
‫أراد فليطالع ا‪.‬‬
‫أن مراد حم ّيي األشاعرة من الرؤية هو ش ود احل ّق ّ‬
‫باحلق بعّي الييّي‪،‬‬ ‫َواحلَ ّق ّ‬
‫مر يف بعض وجوه قوله×‪ّ« :‬ا من ّ‬
‫ال دىل ذا ه بذا ه» ‪.‬‬ ‫حق الييّي كام ّ‬
‫أو ّ‬
‫وهو ُجم َم ٌع عليه للعرفاء الشاخمّي‪ ،‬والعيالء واملتك ّلمّي‪ ،‬بل مجيع إرسال ّ‬
‫الرسل‪،‬‬
‫املكملّي إنّام هو لاليصال إىل هذه ال ُبغية‬
‫ّ‬ ‫وإنزال الكتب‪ ،‬وإرشاد الكاملّي‬
‫اإلنس إ ّد‬ ‫العظمى‪ ،‬والغبطة الكربى‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وما َخ َل ُ‬
‫قد اجل َّن َو َ‬
‫لق لكَي ُا ْد َرف» ‪ .‬والفالسفة قالوا‪:‬‬ ‫د َ‬
‫اخل َ‬ ‫ل َيعبدون﴾ ‪ ،‬ويف اليديس‪َ « :‬خل َق ُ‬
‫الفلسفة ه التش ّبه باإلله‪ ،‬والتخ ّل ُق بأخالق اهلل عل ًام وعم ً‬
‫ال‪ .‬وجعلوا أخرية‬
‫الش ود واملعرفة؛ ّ‬
‫فإن العمل هتذيب الظاهر‪ ،‬وهتذيب‬ ‫مراتب العمل أيض ًا ّ‬
‫فُّسوا الفناء بأن يرى ويشاهد ِّ‬
‫كل قدرة‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬
‫والتحّل بالفضائل‪ ،‬والفناء‪ّ .‬‬ ‫الباطن‪،‬‬
‫وكل علم مست لك ًا يف علمه تعاىل‪ ،‬بل ّ‬
‫كل وجود‬ ‫مستغرق ًة يف قدرة اهلل تعاىل‪ِّ ،‬‬
‫ِ‬
‫وكامل وجود مست لك ًا يف وجوده‪.‬‬
‫املفُّسون‬
‫فُّس ّ‬ ‫فانظر إىل جعل م غاية العمل ه املعرفة ّ‬
‫والش ود؛ ولذا ّ‬

‫(‪ )1‬رشح املياصد ‪.111-110 :2‬‬


‫(‪ )2‬التوحيد‪ .35 :‬األمايل (املفيد)‪ ،254 :‬تفسري البحر املديد ‪ ،156 :6‬الكشف والبيان‬
‫‪ ،325 :12‬وغريها كثري‪.‬‬
‫(‪ )3‬الذاريات‪.56 :‬‬
‫(‪ )4‬عوايل الآليل ‪ .55 :1‬بحار األنوار ‪.199 :84‬‬
‫للحق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألن الع ّلة الغائ ّية لإلاجاا هي املعرفة‪ ،‬وص ورة النّفس النّطق ّية القدس ّية مرآ ًة‬
‫(‪ّ )5‬‬
‫بحيث كون املرآة فانية يف املرئي كام هو شأن املرآة والعمل إنّام هو صقيل هلا‪ ،‬ومقدّ مة‬
‫أن أصعبه وأ عبه ّتّفق‬
‫وصيل‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫للمعرفة‪ .‬فوجوب املعرفة أصايل‪ ،‬ووجوب العمل ّ‬
‫﴿ل َي ْع ُبدُ ون﴾ بيوهلم‪« :‬ليعرفون» ‪.‬‬
‫وكام أ ّن املعرفة الش ود ّية ه الغبطة العظمى‪ ،‬فاحلرمان عن ا هو الغبن‬
‫كام أخرب عن سوء عاقبة املحرومّي‪َ ﴿ :‬ك ّّل‬ ‫وسم ناب األر َقش‬
‫ّ‬ ‫األفحش‪،‬‬
‫ملحجو ُبون﴾ ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إ َّ ُم َدن َر ِّهبم َّومئذ ُ‬
‫عّل×‪َ « :‬ف بن يا إهل َو َس ِّيدي َو َم َ‬
‫والي َو َر ّيب َص َرب ُت‬ ‫ويف دعاء كميل عن ّ‬
‫صرب َعّل فِ ِ‬ ‫عّل َعذابِ َك‪َ ،‬فك َ‬
‫راق َك؟»‬ ‫َيف أ ِ ُ‬
‫ويف مناجاة الشيخ عبد اهلل األنصاري‪« :+‬إهلى چون آتش فراق داشتى با‬
‫آتش دوزخ چه كار داشتى» ‪.‬‬
‫وقوهلم يف ّترير ّ‬
‫حمل النزاع‪« :‬فمثل تلك احلالة اإلدراك ّية» ـ إىل آخره‪ ،‬ينادي‬
‫بذلك؛ فإنّه يكون من باب « ُخذ الغايات و َدع املبادئ»‪ ،‬وبذلك فليتصالح‬
‫املجوز عند املعتزلة حيمل عّل العلم‬
‫َّ‬ ‫الفئتان؛ فإ ّن اإلنكشاف التا ّم العلم‬

‫الصامد‪ .‬وإذ د معرفة فّل‬


‫القوة النّظر ّّة‪ ،‬واحليوان ّ‬
‫للحيوان النّاطق الناقص فطرة بحسب ّ‬
‫العون دىل قوّة املعرفة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وزن له دند اهلل‪ ،‬لكن مزاولة األدامل احلسنة واألخّلق املرض ّية نعم‬
‫واألخص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اخلاص‬
‫ّ‬ ‫ب﴾ أي كلمة التوحيد‬ ‫و روّة أشجارها الط ّيبة ﴿إ َل ْيه َّ ْص َعدُ ا ْل َكل ُم ال َّط ِّي ُ‬
‫املسولة من مدّ دي‬ ‫﴿وا ْل َع َم ُل َّ‬
‫الصال ُح َّ ْر َف ُع ُه﴾‪ ،‬فإنا نرى القاضني أوطار النفس ّ‬ ‫ودلم األسامء َ‬
‫اجف ُأصول أشجارها‪ ،‬واحلق يف اجلمع‪ .‬منه‪.‬‬
‫العلم واملعرفة د ّنمو معارفهم‪ ،‬بل ّكاا ّ‬
‫(‪ )1‬الذاريات‪.56 :‬‬
‫(‪ )2‬تفسري السلم ‪.278 :2‬‬
‫(‪ )3‬الياموس املحيط ‪.275 :2‬‬
‫(‪ )4‬األر َقش‪ :‬ح ّية ّ‬
‫منيطة بسواد وبياض‪.‬‬
‫(‪ )5‬املطففّي‪.15 :‬‬
‫(‪ )6‬مصباح املت ّجد‪ .847 :‬املصباح (الكفعم ) ‪.558 :‬‬
‫(‪ )7‬رشح األسامء احلسنى ‪ 30 :1‬و ‪.23 :2‬‬
‫احلصويل‪.‬‬
‫احلضوري‪ ،‬وال ييترص عّل ُ‬
‫ّ‬
‫الش ود والعلم اإلرشاق ّ احلضوري‪،‬‬ ‫قلد إذا كان املراد با ّلرؤية ه‬
‫إن َ‬
‫طلب احلاصل له؟ وكيف ُأ َ‬
‫جيب بـ﴿ َلن‬ ‫ُ‬ ‫ب موسى× الرؤية وهو‬ ‫فكيف َط َل َ‬
‫ََراين﴾ ؟‬
‫ٌ‬
‫حاصل ألكثر األولياء‪ ،‬وألكثر األنبياء ـ‬ ‫قلت‪ :‬الرؤية والش ود ـ عّل وجه‬
‫ُ‬
‫عاد ُته و َديدَ ُنه‪ ،‬وإنّام طلب ا ّلرؤية عّل وجه اقتضاه ميام اخلامت ّية‪.‬‬
‫وبوجه آخر أقول‪ :‬لط ّالب احلق ـ ّ‬
‫جل شأنه ـ مراتب‪:‬‬
‫َفم ُنهم َمن يراه بأن يشاهد ّ‬
‫الكل مظاهر أسامئه‪ ،‬وجمايل صفاته‪ ،‬وهذا ميامه‪،‬‬
‫ولكن يطلب أن يراه بأن يشاهد أسامئه وصفاته‪ ،‬ويست لك يف نظر ش وده‬
‫السميع البصري‪ ،‬واملَ َلك َجمّل ُ‬
‫الس ّبوح‬ ‫احليوان مظ ر املُدرك ّ‬
‫َ‬ ‫املظاهر‪ ،‬فريى‬
‫واإلنسان مظ ر اسم اجلاللة‪ ،‬وهكذا‪ .‬ولكن يطلب ميام ًا أشمخ‬
‫َ‬ ‫ال ُيدّ وس‪،‬‬
‫الس ّبوح اليدّ وس من غري أن يرى‬
‫السميع البصري ُ‬
‫وأعّل منه وهو أن يرى املدرك ّ‬
‫احليوان واملَ َل َك‪ ،‬أو يرى اهلل ّ‬
‫جل جالله من غري أن يرى اإلنسان‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫احليوان‪،‬‬ ‫ميع البصري ال‬
‫الس َ‬
‫َوم ُنهم من هو يف امليام الثاين ـ أعن يرى ّ‬
‫وس ال امل َلك‪ ،‬واهلل تعاىل ال اإل َ‬
‫نسان الكامل ـ ولكن يطلب ميام ًا‬ ‫وح ال ُيدّ َ‬
‫والس ّب َ‬
‫ُ‬
‫والصفات؛ ّ‬
‫ألن «كامل‬ ‫ّ‬ ‫املسمى واملوصوف‪ ،‬ال األسامء‬
‫ّ‬ ‫أشمخ منه وهو أن يرى‬
‫الصفاي» كام هو املأثور عن صاحب هذا الدّ عاء‪ ،‬فييال له‪ :‬لن‬ ‫اإلخّلص نفي ّ‬
‫التجّل ّ‬
‫كل ما هو‬ ‫ّ‬ ‫نار هذا‬‫تراين؛ إذ ال يرى ذاتَه كام هو هو إ ّال هو‪ ،‬ويتالشى عند ِ‬
‫ميرب‪ ،‬وال نب ٌّ مرسل‪ ،‬وال ُأولو العزم وال آدم وال‬ ‫ٌ‬
‫ملك ّ‬ ‫سوى ذاته‪ ،‬فال يبي‬

‫(‪ )1‬األعراف‪.143 :‬‬


‫وهو ح ّ ‪ ،‬أي بحياته‬ ‫خاتم‪ ،‬وييال‪ :‬إ ّن يف التّورية أنّه ال يراين ابن آدم‬
‫وقريب من هذا ما ورد أنّه‪« :‬ال ييوم الييامة وعّل‬
‫ٌ‬ ‫اإلمكان ّية وبإنّيته املحدودة‪.‬‬
‫وجه األرض من ييول‪ :‬اهلل اهلل»‪.‬‬
‫بام هو مشاهد‬ ‫األشاعرة الرؤي َة باآلخرة باعتبار ّ‬
‫أن الكامل‬ ‫وختصي‬
‫خروي‪ ،‬وإن كان ببدنه بعد يف الدّ نيا؛ أو باعتبار أ ّن أعذب أنحاء‬
‫ٌّ‬ ‫لألمور الباطنة ُا‬
‫يتيُّس يف‬
‫الش ود وأحالها وأخلص ا عن الشوائب‪ ،‬وأصفاها وأمثل ا وأسناها ّ‬
‫ّص َك ال َيو َم َحدّدُ ﴾ ‪ ،‬وكام‬
‫نك طا َء َك َف َب َ ُ‬
‫اآلخرة‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬فك ََشفنا َد َ‬
‫ف‬‫قال النّاطق ـ بكلمة‪« :‬مل أدبدْ َر َّب ًا َمل أ َره» ‪ ،‬واملُبدي بمخزونه‪َ « :‬لو كُش َ‬

‫(‪ّ )1‬أما العقل البسيط املكتحل بنور اهلل‪ ،‬فهو ليس ابن آام‪ ،‬كام قيل‬
‫باااأبوت‬
‫ّ‬ ‫فااايل فياااه معناااى شااااهد‬ ‫وإين وإن كناااد ابااان آام صاااورة‬
‫ّ‬
‫[ فس كنز الدقائق ‪ ،76 1‬والبيد دبن الفارض]‬
‫األبوة احليطة والكل ّية بحسب الوجوا دىل األبدان البرشّة والنواسيد اإلنسية‪.‬‬
‫واملراا هبذه ّ‬
‫منه‪.‬‬
‫وأما‬
‫خاص‪ ،‬وواقع يف جهة سفىل‪ّ .‬‬
‫خاص‪ ،‬ومكان ّ‬
‫فإن صور ه وهم أنّه حمدوا يف زمان ّ‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫جمرا دن اجلهاي واألحياز واألوقاي‪« ،‬فأّنُه» اجلربوي‪ ،‬و«متاه» الدّ هر‬
‫معناه فعقله البسيط ّ‬
‫مورخ ًا بتارّخ خمصوص‪ ،‬بل واحد من كل ّيا ه العقل ّية‪ ،‬وجهه حميط‬‫األّمن األدىل وليس ّ‬
‫وزماين كام رشحنا يف موضع آخر‪ .‬وهو إرشاق واحدٌ من‬
‫ّ‬ ‫وضعي‬
‫ّ‬ ‫برقائقه املثال ّية والطبيع ّية‬
‫هذا النور اإلسفهبد‪ ،‬بل العقل البسيط بام هو دارف بالوجوا احلقيقي وأحكامه متّصل به‪،‬‬
‫ومتمكّن يف هذا العرفان واد ّصال فيام وراء نشأت الدّ نيا واآلخرة‪ ،‬وليس يف املتى ود يف‬
‫الدّ هر‪ ،‬وقد قال القدماء «نسبة الثابد إىل الثابد َسمد» [بحار األنوار ‪ ،236 54‬وفيه‬
‫«ظرفها الْسمد»‪ ،‬رشح املقاصد ‪ ،291 1‬وفيه «هو الْسمد»]‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬ق‪.22 :‬‬
‫(‪ )4‬أي اليران الناطق‪ ،‬وهو أمري املؤمنّي×‪.‬‬
‫(‪ )5‬الكايف ‪ .98 :1‬التوحيد‪ ،109 :‬وفي ام‪« :‬ما كنت أعبد‪.»...‬‬
‫طاء ما ازااي َّقين ًا» ـ عند الش ادة‪ُ « :‬ف ُ‬
‫زي برب الكَع َبة» ‪.‬‬ ‫الغ ُ‬
‫ألُنا ال تعيل‬ ‫الرؤية البرص ّية‪ ،‬فال ينبغ للعاقل أن يتو ّقف يف ُحمال ّيت ا؛ ّ‬
‫وأ ّما ّ‬
‫بال مكان وج ة‪ ،‬وبدون ميابلة ومواج ة‪ ،‬وتأثري اليوى اجلسامن ّية وتأ ّث ِرها‬
‫بمشاركة الوضع‪ّ ،‬‬
‫وكل ذلك من لوازم اجلسم ّية‪ .‬واألشاعرة أيض ًا متحاشون‬
‫ربأ من م‪.‬‬ ‫أرص من م عّل الرؤية البرص ّية فنحن نت ّ‬
‫عن ا‪ ،‬ومن ّ‬
‫وما ح ّيينا إنّام هو تفسري وتأويل للرؤية والنّظر الوار َدين يف كالم اهلل تعاىل‬
‫ِ‬
‫وأوليائه‪ ،‬وبذل ج دنا إنّام هو فيه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ورسوله‬
‫ثم إ ّن بّي « َق ُر َب» و« َب ُعدَ » تضا ّد ًا‪ ،‬كام أ ّن بّي «الظنون» و«العيون» إهيام‬
‫ّ‬
‫التضا ّد ‪.‬‬

‫(‪ )1‬التحفة السنية (خمطوط) ‪ ،7 :‬رشح أصول الكايف ‪.173 :3‬‬


‫اليرآن‪ .64 :‬مناقب آل أيب طالب ‪.385 :1‬‬ ‫(‪ )2‬خصائ‬
‫حق واقع‪ ،‬كام ورد عن أمري‬
‫(‪ )3‬هذا اإلهيام ناشئ من كون الظن منه الباطل‪ ،‬والرؤية بالعّي ٌّ‬
‫احلق والباطل ّإال أربع أصابع»‪ ،‬ومجع أصابعه‬‫املؤمنّي× من قوله‪« :‬أما إنه ليس بّي ّ‬
‫األربعة ووضع ا بّي ُاذنه× وعينه‪ ،‬ثم قال‪« :‬الباطل أن تيول‪ :‬سمعت‪ ،‬واحلق أن تيول‪:‬‬
‫رأيت»‪ُ .‬نج البالغة‪/‬الكالم‪.141 :‬‬
‫ُون﴾‬ ‫كان َق َ‬
‫بل أن َّك َ‬ ‫(‪َ ﴿ )12‬و َدل َم ب َام َ‬
‫بام كان يف املايض‪ ،‬بل املعنى‪ :‬هو تعاىل عامل بالكائن‬ ‫ليس امليصود التّخصي‬
‫قبل كونه؛ سواء كان «ما كان»‪ ،‬أو «ما يكون يف احلال»‪ ،‬أو «يف االستيبال»؛ ّ‬
‫ألن‬
‫الزمان‪ ،‬بل امليصود بالكون ما‬ ‫األفعال املنسوبة إليه ّ‬
‫جل شأنه منسلخة من ّ‬
‫يرادف الوجود؛ ليشمل املبدعات واملخرتعات واملكونات‪ ،‬كام يف الدّ عاء‪ّ« :‬ا‬
‫َينان» ‪ ،‬ال الكون امليابل لإلبداع واالخرتاع يف‬
‫كائ ُن‪ّ ،‬ا ُمك َِّو ُن‪ّ ،‬ا كينون‪ّ ،‬ا ك ُ‬
‫بعض االصطالحات حيث ييال‪ :‬عامل الكون‪ ،‬وعامل الكيان‪ ،‬ويراد عامل الطبيعة‬
‫اضو ّي ُة باعتبار الكينونة يف العلم قبل أن يكون‪.‬‬
‫فحسب‪ ،‬أو امل ّ‬
‫الرشيفة داللة عّل مطلبني‪:‬‬
‫ويف هذه الفيرة ّ‬
‫أحدمها‪ :‬أنّه تعاىل عامل بجميع ما سواه لعموم املوصول‪.‬‬
‫وثانيهام‪ :‬أ ّن علمه هبا سابق عّل وجودها‪.‬‬
‫َّأما املَ َطلب َّ‬
‫األو ُل‪ ،‬فالربهان الدّ ال عليه‪ ،‬املعتـرب عنـد املح ّييـّي مـن احلكـامء‬
‫أن ذاته ع ّلة جلميـع مـا سـواه ‪ ،‬وذاتـه عـامل بذاتـه‪ ،‬والعلـم بالع ّلـة‬
‫واملتك ّلمّي ّ‬

‫(‪ )1‬رشح األسامء احلسنى ‪.25 :2‬‬


‫اإلهلي بقوله عاىل َ‬
‫﴿أ َد َّ ْع َل ُم َم ْن َخ َل َق َو ُه َو‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )2‬قد ُأش إىل هذا الربهان يف الكتاب احلكيم‬
‫﴿و ُه َو‬‫َ‬ ‫ال دىل أنّه د ّلة ملا سواه‪ .‬وقوله‬ ‫﴿م ْن َخ َل َق﴾ ّ‬ ‫َ‬ ‫يف َْ‬
‫اخلب ُ ﴾‪ .‬فقوله عاىل‬ ‫ال َّلط ُ‬
‫﴿اخلب ُ ﴾ ادلة دىل أنّه‬ ‫جمرا دن املا ّاة مطلق ًا ودن املاه ّية‪ .‬ويف َْ‬ ‫ال َّلط ُ‬
‫يف﴾ فيه إشارة إىل أنّه ّ‬
‫جمرا دامل بذا ه‪ ،‬وقد دلم ّأودً ّ‬
‫أن ذا ه د ّلة ملا سواه‪ ،‬والعلم بالع ّلة‬ ‫دامل بذا ه؛ ألنّه جمرا‪ّ ،‬‬
‫وكل ّ‬
‫قرر؛ فثبد أنّة دامل باألشياء مجيع ًا‪ .‬منه‪.‬‬
‫مستلزم للعلم باملعلول‪ ،‬كام ّ‬
‫ُمستلزم للعلم باملعلول‪:‬‬
‫فألن الع ّلة املؤ ّثرة املُستي ّلة جيب أن يسدّ مجيع‬
‫ّأما أ ّن ذا ه د ّلة جلميع ما سواه‪ّ ،‬‬
‫أنحاء عدم املعلول‪ ،‬وال يتأتّى ذلك بالعلل اإلمكان ّية؛ ّ‬
‫ألن من مجلة أنحاء عد ِم‬
‫معلوهلا انعدا ُمه بانعدام ا‪ ،‬وال يمكن ا سدّ انعدام نفس ا‪ ،‬فجميع املمكنات ـ‬
‫ولو كانت غري متناهية ـ يف حكم ممكن واحد يف جواز طريان العدم علي ا‪.‬‬
‫يتمشى إ ّال من الع ّلة الوجوب ّية؛ فواجب الوجود با ّلذات مبدأ‬
‫فالسد املذكور ال ّ‬
‫ّ‬
‫سلسلة املمكنات‪ ،‬وسا ّد خ ّلة املحتاجات‪.‬‬
‫جمرد عامل بذاته‪ ،‬كام‬
‫كل ّ‬‫جمرد‪ ،‬وثبت يف ميامه أ ّن ّ‬
‫ان ذا ه دامل بذا ه؛ فألنّه ّ‬
‫وأما ّ‬
‫ّ‬
‫جمـرد‪ .‬وأيضـ ًا هـو معطـ وجـود العـاملّي بـذواهتم كـالنّفوس‬ ‫أ ّن ّ‬
‫كل عاقل ّ‬
‫أحق به‪.‬‬
‫والعيول‪ ،‬ومعط الكامل ّ‬
‫فألن املراد من العلم بالع ّلة‬
‫ّ‬ ‫وأما أ ّن العلم بالع ّلة ُمستلزم للعلم باملعلول؛‬
‫ّ‬
‫العلم بحيث ّية وج ة هبا تكون الع ّلة ع ّل ًة‪ ،‬كالعلم ّ‬
‫بالصور النّوع ّية النّار ّية‪ ،‬فإ ّن‬
‫ّ‬
‫املسخنة ال بصورته اجلسم ّية أو بام ّدته‪ .‬وتلك‬ ‫اليوة‬ ‫النّار ع ّلة ّ‬
‫للسخونة بتلك ّ‬
‫عّي ذات الع ّلة كام إذا‬
‫احليث ّية قد تكون ضميمة زائدة كام ذكر‪ ،‬وقد تكون َ‬
‫بال‬ ‫اليوة قائمة بذاهتا ال بام ّدة‪ .‬ويف واجب الوجود عّي ذاته‬
‫فرضت تلك ّ‬

‫ألن دلمهم بذواهتم دني وجوا‬


‫(‪ )1‬ومعطي دلمهم بذواهتم‪ ،‬وإنّام اكتفينا بمعطي الوجوا؛ ّ‬
‫الرضا(دليه آدف التح ّية وال ّثنا) «قد دلم ُأولو األلباب ّ‬
‫أن ما هنالك د‬ ‫ذواهتم‪ .‬وقد قال ّ‬
‫وأن هاهنا دل ًام فعل ّي ًا‬ ‫ّعلم إدّ بام هاهنا»‪ .‬مثل أن نعلم ّ‬
‫أن هاهنا دل ًام بسيط ًا كالعقل البسيط‪ّ ،‬‬
‫للمجرا بذا ه‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ونحو ذلك فأثبتناها للمبدأ‪ ،‬فكذا العلم احلضوري‬
‫ّعرب دنها باخلصوص ّية فيه عاىل حقائق أسامئه‪ ،‬أو النّحو األدىل فيه من‬
‫(‪ )2‬و لك احليث ّية قد ّ‬
‫كل وجوا‪ ،‬أو الوجوا املنبسط الذي هو كلمة «كُن»‬ ‫ّ‬
‫أن وجود حيث ّية الع ّلية يف اخلارج ال‬
‫فرض؛ إذ ال صفة فيه إ ّال رصيح ذاته‪ .‬فكام ّ‬
‫وجداُنا العلم حضور ًا أو حصوالً وإ ّال‬ ‫ُ‬ ‫يتخ ّلف عنه وجود املعلول‪ ،‬كذلك‬
‫فال ع ّل ّية وال معلول ّية‪ ،‬هذا خلف؛ فثبت أ ّنه تعاىل كام أنّه عامل بذاته‪ ،‬عامل بام عدا‬
‫ألن ّ‬
‫الكل معلوالته‪.‬‬ ‫جمرداته وما ّدياته ـ ّ‬
‫ذاته ـ كل ّياته وجزئ ّياته‪ّ ،‬‬
‫ثم ملّا كان ع ّلوه تعاىل وجمده بذاته‪ ،‬كان العلم ا ّلذي هو كامل ذاته علمه بذاته‬
‫ّ‬
‫ال‪ ،‬وهو بعينه علمه بام عدا ذاته إمجاالً ‪ .‬وإىل هنا اتّفق ّ‬
‫املشاؤون‬ ‫تفصي ً‬
‫واإلرشاق ّيون‪ ،‬وبعد ذلك اختلفوا؛ فيال املشاؤون‪ :‬علمه الت ّفصيّل بام سواه‬
‫ضوري‪ ،‬أي وجودها‬
‫ّ‬ ‫ور قائمة بذاته تعاىل‪ .‬وقال اإلرشاق ّيون‪ُ :‬ح‬
‫ُحصو ّيل‪ ،‬أي ُص ٌ‬
‫واحلق هو ال ّثاين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫علمه هبا‪.‬‬
‫يت يف ميام‬ ‫وأما املَط َل ُ‬
‫ب الثاين‪ ،‬فنيول‪ :‬علمه تعاىل له مرتبتان‪ :‬علم عنائ ٌّ ذا ّ‬ ‫ّ‬
‫فعّل يف ميام ال ّظ ور والفعل‪:‬‬
‫وعلم ّ‬
‫ٌ‬ ‫اخلفاء والغيب املطلق؛‬

‫ّ‬
‫وكل إىل ذلك اجلامل ّش ُ‬
‫ألن‬
‫أن العلم بحقائق األسامء مستلزم للعلم بمظاهرها‪ ،‬وكذا العلم بالنّحو األدىل؛ ّ‬
‫ومعلوم ّ‬
‫احلقيقي ذلك‬
‫ّ‬ ‫ألن كلمتّه فعله وإاجااه‪ ،‬وإاجااه‬
‫شيئية اليشء بتاممه‪ .‬ومثله الكّلم يف الكلمة؛ ّ‬
‫الوجوا املنبسط والعلم به مستلزم للعلم ّ‬
‫بكل ما هي مشمود ه‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬إنّام كان إمجادً؛ ّ‬
‫ألن اليشء الواحد األحد د ّمكن أن حيكي دن الكث دندهم‪ ،‬فصورة‬
‫ها‪ .‬ودندنا‬ ‫الشمس د ّمكن أن حيكي ّإد دن ّ‬
‫الشمس‪ ،‬د دن القمر واحلجر واملدر و‬ ‫ّ‬
‫ألن وحدة ذلك الوجوا‬
‫ليس كذلك‪ ،‬بل دلم إمجايل بام دداه‪ ،‬يف دني الكشف التفصييل؛ ّ‬
‫الكل بكثرهتا‪ ،‬فّل ّ‬
‫ّشذ دنه‬ ‫ّ‬ ‫الواجب وحدة ح ّقة حقيق ّية د ددا ّّة‪ ،‬وهو بوحد ه ّوازي‬
‫ٌ‬
‫حيثية‬ ‫ألن املاه ّية لوازم أسامئه متأخرة يف الوجوا‪ ،‬والنّور‬
‫وجوا‪ ،‬ود ّعزب دنه ماه ّية؛ ّ‬
‫واإلظهار‪ .‬وك ّلام كان النّور أشدّ وأمجع‪ ،‬كان ال ّظهور واإلظهار أ ّم‪ ،‬فكان‬
‫ُ‬ ‫ذا ُ ُه ال ّظ ُ‬
‫هور‬
‫التفصيل أ ّم وأظهر‪ .‬منه‪.‬‬
‫فادُوىل ميام التفصيل يف اإلمجال‪ ،‬وهو ما قال احلكامء ّ‬
‫الراسخون فيه‪ :‬إ ّن‬
‫بسيط احلييية ّ‬
‫كل األشياء بنحو أعّل‪ ،‬وليس بّشء من ا‪.‬‬
‫األرض﴾ ‪ ،‬وفيه‬
‫السامواي َو ْ‬ ‫وال ّثان ّية ميام اإلمجال يف التّفصيل‪﴿ :‬اهللُ ُ‬
‫نور ّ‬
‫الوجود يف األعيان‬
‫ُ‬ ‫قال احلكامء اإلهل ّيون‪ :‬صفحة نفس األمر وصحيفة عامل‬
‫بالنّسبة إليه تعاىل كصفحة األذهان بالنّسبة إلينا ‪.‬‬
‫سابق عّل ّ‬
‫كل‬ ‫علم ٌ‬ ‫فف االُوىل وجدان ذلك البسيط ّ‬
‫كل وجود بنحو أعاله ٌ‬
‫وأي حضور أشدّ من حضور‬
‫للمجرد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫مرتبة‪ ،‬فإ ّن العلم ّ‬
‫بالّشء هو ُحضوره‬
‫للمجرد املنطوي يف حضور ذاته لذاته؟ فإ ّن علمه بذاته‬
‫ّ‬ ‫النّحو األعّل من الّشء‬
‫عّل وجه يستتبع علمه بام عدا ذاته‪ .‬واالستتباع واالستلزام هنا عّل التّحييق‬
‫من قبيل امللزوم والالزم الغري ّ‬
‫املتأخر يف الوجود‪ ،‬كام يف مفاهيم أسامئه وصفاته‬
‫بالنّسبة إىل وجود ذاته‪ ،‬وصور أسامئه وصفاته من املاه ّيات واألعيان الثابتات‬
‫كذلك بالنّسبة إىل وجود ذاته‪ .‬ف و ـ تعاىل عن املثل والتّشبيه ـ كمرآة في ا صور‬
‫مجيع األشياء‪ ،‬إذا كانت عاملة بذاهتا حارضة ذاهتا لذاهتا‪.‬‬
‫الفعّل ال ّثانوي أيض ًا علم سابق؛ ّ‬
‫ألن وجود األشياء بام هو‬ ‫ّ‬ ‫ثم يف ميام العلم‬
‫ّ‬
‫مضاف إلي ا معلوم اهلل وهو بام هو مضاف إىل اهلل علمه‪ .‬ومعلوم أ ّن إضافته إىل‬

‫(‪ )1‬النور‪.35 :‬‬


‫(‪ )2‬س ّيام إذا كاند ما يف صفحة األذهان قو ّّة كام يف النّوم واإل امء ونحومها‪ ،‬ويف أرباب‬
‫الكامل من أصحاب الكراماي وأرباب اإلنذاراي ما هو أقوى من هذه املوجوااي الطبيع ّية‬
‫بكث ‪ .‬وباجلملة‪ ،‬مجيع ما راه يف منامك ا مث ً‬
‫ّل مم ّا لذك و ؤملك‪ ،‬وختاطبه وخياطبك ا دلومك‬
‫احلضور ّّة؛ قو ّّة كاند أو ضعيفة‪ ،‬فهكذا ما يف صحيفة نفس األمر بالنسبة إليه عاىل‪ .‬منه‪.‬‬
‫ألن النحو األدىل من املوجوااي فيه بنحو ادنطواء‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي يف العلم العنائي؛ ّ‬
‫اهلل سابية سبي ًا ذات ّي ًا أزل ّي ًا عّل إضافته إىل ماه ّياهتا اإلمكان ّية‪ ،‬وهو بام هو معلو ٌم‬
‫علم صفة فعل ّية هلل ليس في ا‬ ‫ليس صف ًة هلل تعاىل ‪ ،‬وفيه ّ‬
‫التغري والتّغاير‪ ،‬وبام هو ٌ‬
‫مرنا إ ّد واحدَ ٌة﴾ ‪ ،‬وال في ا ّ‬
‫تغري كام قال احلكامء‪:‬‬ ‫تك ّثر‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وما أ ُ‬
‫والزمان ّيات بالنّسبة إليه تعاىل كاآلن‪ ،‬واألمكنة واملكان ّيات بالنسبة إليه‬
‫األزمنة ّ‬
‫ٍ‬
‫كالنيطة؛ فال دثور وال زوال ‪﴿ :‬ما دندَ كُم َّن َفدُ َوما دندَ اهلل باق﴾ ‪ ،‬وال م ّ‬
‫يض‬
‫ِ‬
‫باح َوال َمسا ٌء» ‪ ،‬بل هذا هكذا‬‫يس عندَ َر ّيب َص ٌ‬‫وال حال وال استيبال لديه « َل َ‬
‫ميريب حضته فض ً‬
‫ال عن جنابه األقدس‪ ،‬بل عنوان الوجود ـ إذا تذكّرت‬ ‫عند ّ‬
‫أحكامه املذكورة يف العلم اإلهل ـ يرشدك إىل ما ذكرنا‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن عنوان‬
‫للمتبرص‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الوجوب‪ .‬ويف العلم مباحث رشيفة‪ ،‬ولكن فيام ذكرنا ُغني ٌة‬
‫ُ‬

‫دلم‬ ‫معلوم ا ليس ً‬


‫صفة لنفسك‪ ،‬ولكن بام هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أن احلجر الذي يف ذهنك ا بام هو‬
‫(‪ )1‬وهذا كام ّ‬
‫أن العلم واملعلوم ّ‬
‫بالذاي واحد‪.‬‬ ‫العلم به صفتك‪ ،‬مع ّ‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫صفة هلا‪ .‬والكفر ليس صفتك‬
‫أن الصورة العلم ّية بام هي وجو ٌا دلم‪ ،‬ووجواها من النّفس بام هي ماه ّية معلومة‪،‬‬‫والْس فيه ّ‬
‫ّ‬
‫واملاه ّية ظلمة وليسد دل ًام ونور ًا‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬اليمر‪.50 :‬‬
‫(‪ )3‬إن قلد اثور هذا النّباي أو احليوان من املحسوساي واملحسوس من البدُّي ّياي‪.‬‬
‫ااثر وزائل هو النباي واحليوان د الوجوا‪ .‬والثابد الباقي إنّام هو الوجوا بام هو‬
‫قلد ما هو ٌ‬
‫ُ‬
‫وجوا‪ ،‬وبام هو مضاف هلل عاىل‪ ،‬وهذا ما قلنا «بل دنوان الوجوا» إىل آخره‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬النحل‪.96 :‬‬
‫(‪ )5‬رشح األسامء احلسنى ‪.26 :2‬‬
‫الضياء ّدور معها حيثام ااري‪ ،‬ود طلوع ود‬ ‫(‪ )6‬بل األمر هكذا بالنسبة إىل ّ‬
‫الشمس؛ إذ ّ‬
‫روب دندها‪ ،‬فكيف بالنّسبة إىل شمس احلقيقة؟! منه‪.‬‬
‫(‪ّ﴿ )13‬ا َمن أر َقدَ ين يف مهاا أمنه َوأمانه﴾‬
‫وسكون‬
‫«أرقدين»‪ :‬أنا َمن ‪ .‬و«األم ُن»‪ :‬ضدّ «اخلوف»‪ ،‬وهو اطمينان اليلب ُ‬
‫النّفس‪ .‬و«األمان» احلراسة والكالءة‪ .‬و ّملا َجم َّدَ ُه× تعاىل بذكر طائفة من‬
‫َبار َك ُ‬
‫اسم‬ ‫الفضائل بعض ا ثبوت ّية مجال ّية وبعض ا سلب ّية جاللية‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬‬
‫اجلّلل واإلكْرام﴾ ‪ ،‬رشع يف تعظيمه بذكر بعض ُأ ّم ات الفواضل؛‬ ‫ك ذي َ‬ ‫َر ِّب َ‬
‫املضة‪.‬‬
‫بعض ا من باب جلب املنفعة‪ ،‬وبعض ا من باب دفع ّ‬
‫ومن ُأ ّم ات جوالب املنفعة‪ :‬األم ُن واألمان‪ ،‬كام قدّ م عّل اإليامن يف دعاء‬
‫ك» ‪ .‬وإضافة امل ِ اد ـ وهو‬ ‫ّامن ب َ‬
‫من َواإل َ‬ ‫آخر‪ ،‬وهو‪« :‬الله َّم ّإين أسأ ُل َ‬
‫ك األ َ‬
‫الفراش وامل د ـ إليه من قبيل إضافة املش ّبه به إىل املش ّبه مثل « ُجلّي املاء»‪،‬‬
‫و«ذهب األصيل»‪ .‬والفيرة من باب التمثيل لرأفته وشفيته؛ فإنّه أشفق بك من‬
‫ؤخر ُأخرى»‪،‬‬ ‫األُ ّم الشفيية؛ ف و كالتمثيل املركّب يف قوهلم‪« :‬أراك ُتيدَّ م ِرج ً‬
‫ال و ُت ِّ‬
‫فيد م ّثل رأفته وعطوفته بعباده بحال ُأ ٍّم شفيية‪ ،‬أو أب رحيم عطوف ُينيم الولد‬
‫يف امل د ُمراقب ًا ُحمارس ًا له‪ ،‬من غري أن يكون يف املفردات جماز‪ .‬وعليه محل كثري من‬
‫مح ُن َد َىل ا ْل َع ْرك ْاست ََوى﴾ و﴿ َو َّ‬
‫الس َامء‬ ‫الر ْ َ‬
‫متشاهبات اليرآن مثل قوله تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫َاها ب َأ ّْ ٍد﴾ ‪ ،‬وغري ذلك‪ .‬وقد قال احلكامء‪ :‬إ ّن النّاس للتخييل والتمثيل‬ ‫َبنَ ْين َ‬

‫(‪ )1‬الرمحن‪.78 :‬‬


‫(‪ )2‬الكايف ‪ ،25/587 :2‬وقريب منه يف اإلقبال باألعامل احلسنة ‪.227 :2‬‬
‫(‪ )3‬طه‪.5 :‬‬
‫(‪ )4‬الذاريات‪.47 :‬‬
‫رجح بعض م كثري ًا من اليياسات الشعر ّية عّل كثري‬
‫أطوع من م للتّصديق‪ ،‬بل ّ‬
‫من اخلطاب ّيات‪.‬‬
‫ومن ُأ ّم ات اجلوالب‪ :‬الييظة‪ ،‬كام قال× تليين ًا‪:‬‬
‫(‪َ ﴿ )14‬وأّ َق َظني إىل ما َمن ََحني به م ْن منَنه َو ْ‬
‫إحسانه﴾‬
‫عّل به منذ‬
‫التوجه إىل ما جاد ّ‬
‫ّ‬ ‫رصت شديد‬
‫ُ‬ ‫أي ن ّب ن عن ِسنة الغفلة حتّى‬
‫ووازنت بّي طاعايت اليليلة ومننه الكثرية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بت‬
‫ّأول عمري من عطاياه‪ ،‬فحاس ُ‬
‫وسواين بعد ختمري طينت‬
‫ّ‬ ‫اجلمة الغفرية‪َ .‬و َح ّسن تربيت بأن عدّ لن‬
‫وتفضالته ّ‬
‫ُّ‬
‫بيديه املباركتّي ـ اجلامل ّية واجلاللية ـ ونفخ في ا من روحه‪ .‬وأهلمن مصاحل‬
‫كنت يف الظلامت الثالث وبعده‪ ،‬وأليى يف قلب األُ ّم من رمحته وعطوفته‪.‬‬
‫حّي ُ‬
‫أن الرمحة من عنده‪ ،‬ملَا سلب من ا ّ‬
‫الراحة والدّ عة لالشتغال بحضانت ‪،‬‬ ‫ولو ال ّ‬
‫مج ًا غفري ًا وعدد ًا من األسباب خطري ًا‬
‫وملا آثرتن عّل نفس ا‪ .‬وهكذا َوكَل َع َّّل ّ‬
‫بلغت أشدّ ي‪ ،‬فو ّفين ملعرفته واإليامن به؛ عل ًام وإييان ًا‬
‫ُ‬ ‫حلفظ وكالءيت‪ ،‬حتّى‬
‫وش ود ًا وعيان ًا‪ ،‬حتّى ن ّوه باسم يف املأل األعّل‪ ،‬كام يف دعاء أيب محزة‪َ « :‬فيا َمن‬

‫مخري طينة آام بيدي أربعني صباح ًا» [دوايل الآليل ‪4‬‬
‫(‪ )1‬اقتباس من احلدّث القديس « ُ‬
‫‪ ،138/98‬فس ابن العريب ‪ .]180 2‬وهذا التخم باليدّن جعله مظهر ًا لصفاي اهلل‬
‫التّنزُّيية والتشبيه ّية أو لصفتَي ال ّلطف والقهر؛ ّ‬
‫فإن نورك ونارك كليهام منك‪ .‬و َن ْع َم ما قيل‬
‫خلد و اوزخ دكس لطف وقهر وسد‬ ‫طاداااد روحانياااان از هبااار وساااد‬
‫فإن و ّفقك اهلل عاىل‪ ،‬وأصلحد نفسك بالعلم والعمل هلل‪ ،‬واألخّلق احلسنة‪ ،‬جعلتها مظهر‬
‫صفاي ال ّلطف‪ .‬وإن خذلك وأفسدهتا بمزاولة اجلهادي واألدامل النار ّّة‪ ،‬واألخّلق الرذّلة‬
‫التي ك ّلها ن ان كامنة حمرقة والنار مظهر القهر‪ ،‬جعلتها مظهر صفاي القهر‪.‬‬
‫وااؤك منااااااك ومااااااا شااااااعر‬ ‫اواؤك فيااااااك ومااااااا بصااااااار‬
‫[ فس اآللويس ‪]79 1‬‬
‫و ّفقنا اهلل لإلصّلح‪ .‬منه‪.‬‬
‫َر ّباين يف نعمه َصغ ًا َون ََّو َه باسمي كَب ًا» ‪.‬‬
‫فوجدت طاعايت يف جنب نعمه وآالئه كيطرة يف بحر جل ّ ‪ ،‬بل ال‬
‫ُ‬ ‫وباجلملة‪،‬‬
‫ألن ال ّطاعة أيض ًا بتوفييه وبحوله ّ‬
‫وقوته كام قال تبارك وتعاىل‪:‬‬ ‫شيئ ًا يف احلييية؛ ّ‬
‫ّ‬
‫فالكل من‬ ‫إسّلمكُم َبل اهلل َّ ُمن َدليكُم ان َهداكُم لّلّامن﴾ ؛‬
‫َ‬ ‫﴿ ُقل د متَ ُنوا َد َ َّىل‬
‫ِمنَنِه وإحسانه‪ .‬و«املِنن» مجع «املنّة» بالكُّس أي النّعمة‪ .‬وامل ّن‪ :‬العطاء‪ ،‬وكثري ًا ما‬
‫يرد بمعنى اإلحسان‪ ،‬ومن ام مأخوذ اسمه تعاىل «املنّان»‪ .‬وأ ّما «املنّان» بمعنى‬
‫ا ّلذي ال ُيعط شيئ ًا إ ّال م ّن به‪ ،‬واعتدّ ه عّل من أعطاه‪ ،‬فال يطلق عليه تعاىل؛ ألنّه‬
‫الس ّجاد ّية‪« :‬يا َمن ال‬
‫جل شأنه‪ .‬ويف األدعية ّ‬‫ال عن اخلالق ّ‬ ‫مذموم يف اخللق فض ً‬
‫نان» ‪ .‬وأ ّما قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬بل اهلل َّ ُمن َدليكُم﴾‪ ،‬ف و من‬‫ي َكدِّ ر َعطاياه باالمتِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫باب صنعة املشاكلة‪ ،‬وأنّه لو جاز عليه االمتنان لكان له املنّة علينا‪ ،‬ال لنا عليه‪.‬‬
‫ثم يف قوله‪« :‬أرقدين» و«أييظن » طباق‪.‬‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬رشح األسامء احلسنى ‪.27 :2‬‬


‫(‪ )2‬احلجرات‪.17 :‬‬
‫(‪ )3‬الصحيفة السجادية الكاملة‪.71 :‬‬
‫َف َأك َّ‬
‫ُف السوء َدنّي ب َيده َو ُسلطانه﴾‬ ‫(‪َ ﴿ )15‬وك َّ‬
‫أي بيدرته وسلطنته‪ .‬قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و َمن ُقت َل َمظلوم ًا َف َقد َج َعلنا لول ّيه‬
‫ُسلطان ًا﴾ ‪.‬‬
‫السوء» إستعار ٌة بالكناية‪ ،‬واستعارة ختييل ّية‪ ،‬وجناس شبه‬
‫ف ّ‬ ‫َف أ ُك ّ‬
‫ويف «ك َ‬
‫يتوهم أ ّن « ّ‬
‫كف‬ ‫األكف واليد» إهيام التّناسب‪ .‬وربام ّ‬
‫ّ‬ ‫االشتياق‪ ،‬ويف اجلمع بّي «‬
‫‪ ،‬وهو خطأ؛ فإ ّن ال ّلفظّي‬ ‫املحرف أو اجلناس النّاق‬
‫ّ‬ ‫السوء» من اجلناس‬
‫أكف ّ‬
‫ّ‬
‫إن اتّفيا يف أنواع احلروف وأعدادها وهيئاهتا وترتيب ا فاجلناس في ام تا ٌّم‪ ،‬وإن‬
‫والربد يف قوهلم‪:‬‬
‫كالربد َ‬
‫اختلفا يف اهليئة مع االتّفاق يف البواق فاجلناس ُحم ّرف ُ‬
‫الزائد حصل اجلناس‬
‫الربد»‪ ،‬وإن اختلفا يف العدد بحيث إذا حذف ّ‬
‫الربد ُجنّة َ‬
‫« ُ‬
‫الزائد إ ّال ما قد‬
‫سم ناقص ًا؛ فالبدّ ّأال يبيى تفاوت بعد حذف ّ‬ ‫التّام‪ ،‬فاجلناس ّ‬
‫يتّفق من التفاوت بالتشديد والتخفيف فال عربة به‪ ،‬كام قالوا‪ :‬إ ّن احلرف املشدّ د‬
‫الساق * إ َىل َر ِّب َ‬
‫ك‬ ‫كاملخ ّفف يف مجيع أقسام اجلناس مثل‪َ ﴿ :‬وا ْل َت َّفد َّ‬
‫الس ُ‬
‫اق ب َّ‬
‫اق﴾ ‪.‬‬ ‫َّ ْو َمئ ٍذ املَْ َس ُ‬
‫أن قوله× ليس من ام‪ ،‬نعم هو من جناس شبه االشتياق‪ ،‬كام‬ ‫ومعلو ٌم ّ‬
‫[نعتنا] ‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪﴿ :‬ا ّثا َق ْلت ُْم إىل األرض أ َرضيتُم باحليوة الدنيا﴾ ‪ .‬كام‬

‫(‪ )1‬اإلرساء‪.33 :‬‬


‫(‪ )2‬الييامة‪.30-29 :‬‬
‫(‪ )3‬كلمة غري ميروءة يف النسخة احلجرية‪ ،‬والظاهر ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )4‬التوبة‪.38 :‬‬
‫أنّه من اجلناس املزدوج أيض ًا كاآلية الرشيفة‪.‬‬
‫واعلم ّ‬
‫أن أكثر فيرات هذا الدّ عاء املبارك من باب التسجيع بثالثة أسجاع‪،‬‬
‫الذي هو أكمل من التّسجيع بسج َعّي‪ ،‬وبعض ا من التّسجيع بأربعة أسجاع‬
‫كالفيرات األُ َول‪ ،‬وقوله×‪:‬‬
‫ليك يف ال َّليل األَل َيل﴾‬
‫(‪َ ﴿ )16‬ص َّل الله َّم َد َىل الدَّ ليل إ َ‬
‫الصالة» ملزيد االهتامم بشأُنا؛ فإ ّن البالغة‪ :‬مطابية الكالم مليتىض‬
‫تيديم « ّ‬
‫احلال ‪ ،‬وميتضيات األحوال خمتلفة‪ ،‬فلفظ اجلاللة وإن كان يف نفسه ييتيض‬
‫التيديم با ّلذكر‪ ،‬إ ّال إ ّن امليام اقتىض زيادة االهتامم ّ‬
‫بالصالة عّل وسائط فيض اهلل‬
‫ـ دام فيضه ـ فيدّ مت عليه‪ .‬و[آثر] من بّي أوصافه| وصف الداللة؛‬
‫ليناسب ميام االعتصام‪ ،‬وليشعر مف وم الوصف بالعل ّية‪.‬‬
‫وتوصيف «ال ّليل» بـ«األليل» للمبالغة‪ ،‬كيوهلم‪ّ « :‬‬
‫ظل ظليل»‪ ،‬و«عرب‬
‫عرباء»‪ ،‬و«داهية دهياء»‪ ،‬ونحوها‪ .‬واستعري الليل استعارة ّتييي ّية لظلمة الكفر‪،‬‬
‫ِ‬
‫الرسل‪ ،‬وانطواء بساط‬ ‫ورسوم اجلاهليّة؛ فإنّه| ُبع َث عّل حّي فرتة من ّ‬
‫االجت اد من العيل النظري والعيل العمّل‪ ،‬واندراس احلكمة‪ ،‬وانطامس‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫والتعبري عن ا «بال ّليل األليل» كتعبري صاحب الدّ عاء (عليه آالف التح ّية‬
‫والثناء) يف بعض خطبه الرشيفة «بالظلمة» وهو قوله×‪« :‬بنَا اهتدّتُم يف‬
‫ال ّظلامء‪َ ،‬و َسنَّمت ُُم [ذروة] العلياء‪َ ،‬وبنا أ ْف َجر ُم َدن ِّ‬
‫الْسار» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإليضاح يف علوم البالغة‪ ،13 :‬اخلالصة يف علوم البالغة‪.2 :‬‬


‫(‪ )2‬يف النسخة احلجرية‪« :‬أوثر»‪ ،‬وما أثبتناه هو املطابق لسياقات الرصف العريب يف قلب‬
‫اهلمزة‪.‬‬
‫رش القرون قرن طوي فيه بساط ادجتهاا يف املعارف اإلهلية‪ ،‬وخ ها ما بسط فيه‬
‫فإن ّ‬
‫(‪ّ )3‬‬
‫ذلك‪ ،‬كام قال احلرضة اخلتم ّية| «خ القرون قرين»‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ُ )4‬نج البالغة ‪/‬اخلطبة‪ ،4 :‬عيون احلكم واملواعظ‪.196 :‬‬
‫وقولــه (صــلوات اهلل عليــه)‪ « :‬ساانمتم [ذروة] العلياااء»‪َ :‬ركبِــتم ســنا َم ا‪.‬‬
‫«أفجاار م»‪ :‬رصتــم ذوي فجــر ‪ ،‬مــن بــاب «أغــدّ البعــري» أي صــار ذا ُغــدّ ة‪.‬‬
‫الُّسار» الليلتان ال ّلتان ُيسرت في ام اليمر يف آخر الش ر‪ ،‬ومها من ليايل املَحـاق‪،‬‬
‫و« ّ‬
‫ومنه قول الشاعر ‪:‬‬

‫وترك العطف يف « ّ‬
‫صل»؛ لكامل االنيطاع بّي اجلملتّي‪ ،‬امليتيض للفصل‪.‬‬
‫األتم يف عرض احلاجة لدى‬
‫ّ‬ ‫ثم ملا كانت الطريية األقوم‪ ،‬والوترية األمجل‬
‫ّ‬
‫مجد أ ّوالً ع ُّلو شأنه‪ ،‬و ُي َّ‬
‫بجل ُس ُم ّو‬ ‫الغن ّ املغن األكرم األجود األعظم أن ُي َّ‬
‫مكانه‪ ،‬وبعد إجراء شطر من الفضائل عليه وإهداء شكر ِعظة من الفواضل‬
‫وجماوريه؛ لييع عرضه‬
‫يربيه‪ ،‬وأفضل أو ّدائه ُ‬
‫فليتوسل بذيل أكرم أح ّبائه و ُم َّ‬
‫ّ‬ ‫لديه‪،‬‬
‫َمو َق َع اليبول‪ ،‬ويظفر بنيل املأمول‪ ،‬اشتغل× بذكر طائفة من مجائله وفضائله‬
‫حممد وآله‪ .‬هذا عّل وفق‬
‫قواده ودالئله‪ّ ،‬‬
‫بالصالة عّل أكرم وسائله‪ ،‬وأرشف ّ‬
‫ّ‬
‫السرية الفاضلة‪ ،‬والسنّة العادلة‪ ،‬والعادة اجل ّيدة الكاملة‪ ،‬وأ ّما بحسب العيل‪،‬‬
‫ّ‬
‫فليعلم أن ال ربط للحادث باليديم إ ّال بواسطة‪ ،‬وللممكن بالواجب إ ّال برابطة‬
‫حظ من اجلانبّي‪ ،‬متمكّنة يف احلدّ املشرتك بّي ال ّطرفّي‪ .‬ومن ّ‬
‫ثم‬ ‫برزخ ّية ذات ٍّ‬
‫اشت رت كيف ّية ربط املعلول احلادث بالع ّلة اليديمة «بالدّ اء العياء»؛ ّ‬
‫ألُنا أعيت‬

‫(‪ )1‬قال ابن أيب احلديد‪« :‬أي دخلتم يف الفجر»‪ .‬رشح ُنج البالغة ‪.207 :1‬‬
‫(‪ )2‬ائتلق و ألق التمع‪ .‬و«اخلّص» وسط اإلنسان‪ .‬و«اهليف» فيه الد ّقة‪ .‬واملعنى ّ‬
‫أن البدر‬
‫مكتسب من هلب وجهه ادلتامع والْسار‪ ،‬مستع من استتار خّصه ادنمحاق‪ .‬وفيه مبالغة‬
‫يف ا ّقة خّصه‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رشح األسامء احلسنى ‪.29 :2‬‬
‫عيول العيالء املتفكّرين حيث إنه ال جيوز خت ّلف املعلول عن الع ّلة التا ّمة‬
‫خصوص ًا املبدأ التا ّم الغن ّ الذي ال حيتاج إىل معاون‪ ،‬أو آلة‪ ،‬أو ُمعدٍّ ‪ ،‬أو رشط‬
‫حتّى انتظار وقت‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫واإلشكال يف موضعّي‪:‬‬
‫يتوجه عّل احلكيم واملتك ّلم كلي ام‪.‬‬
‫أحدمها‪ :‬ربط احلوادث اليوم ّية‪ ،‬وهذا ّ‬
‫وكيف ّية ربط ا باليديم تعاىل شأنه ّ‬
‫أن احلركة املستديرة الفلك ّية أقدم وأبيى وأدوم‬
‫من احلركات املستييمة‪ ،‬والكائنات العنرص ّية‪ .‬وتلك احلركة الفلكية كسائر‬
‫التوسط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احلركات املستييمة تنشعب إىل حركة بمعنى اليطع‪ ،‬وإىل حركة بمعنى‬
‫التوسط»‬ ‫وقد ح ّيق يف موضعه أ ّن «اليطع» أمر ممتّد منيسم‪ ،‬راسم ّ‬
‫للزمان‪ ،‬و« ّ‬
‫التغري يف نسبته إىل‬
‫مر بسيط حمفو دائم يف مجيع حدود احلركة‪ ،‬ثابت بذاته‪ ،‬إنّام ّ‬
‫أ ٌ‬
‫حدود املسافة‪ ،‬وهو بإزاء اآلن الس ّيال‪ .‬فع ّلة ّ‬
‫كل حادث يف َ‬
‫عامل الكون جمموع‬
‫أمرين‪:‬‬

‫(‪ )1‬إذ مع جواز التخ ّلف كيف حيكم دليها بكو ا د ّلة ّامة بالفعل‪ ،‬ودليه بكونه معلودً؟‬
‫ّ‬
‫فأقل ما ّعترب يف احلكم املصاافة واملوافاة مع أ ّ ا حاصلة يف املصاحبة اد ّفاقية‪ .‬ويف العل ّية‬
‫؛ إذ املقدور ّّة‬ ‫ّعترب ال ّلزوم ود ّتفاوي املحال ّية بتبدّل التخ ّلف بالتخليف كام فعل البع‬
‫مرشوطة باإلمكان‪ .‬منه‪.‬‬
‫ألن احلكيم املح ّقق كام ّقول بأصل القدرة هلل‪ّ ،‬قول بعموم القدرة‪ ،‬وأنّه د مؤ ّثر يف‬ ‫(‪ّ )2‬‬
‫وأن لغ ه ليس ّإد اإلدداا ووساطة الفي ‪ .‬ولو أطلق الفادل دىل ه‬ ‫الوجوا ّإد اهلل‪ّ ،‬‬
‫القوة وحموضة الفعل‪ ،‬د‬ ‫ّل طبيعي ًا‪ ،‬أي مبدأ احلركة التي هي أمر بني رصافة ّ‬ ‫عاىل كان فاد ً‬
‫ّل إهل ّي ًا‪ ،‬أي مبدأ الوجوا والفعل ّية‪ .‬واألشعري ّقول احلوااث ذواهتا وأفعاهلا مجيع ًا أفعال‬‫فاد ً‬
‫املعتزيل‪ ،‬فهو وإن‬
‫ّ‬ ‫اهلل‪ ،‬وليس للعبد يف أفعاله ّإد جملو ّّة فعل اهلل‪ ،‬وليس له القدرة املؤ ّثرة‪ّ .‬‬
‫وأما‬
‫إن ذاي العبد خلقه اهلل عاىل وهو حااث‪ .‬وأما اإلمام ّية‬ ‫قال بخالقية العبد ألدامله ّإد ّ‬
‫فيقولون باألمر بني األمرّن‪ ،‬وسيأت ّتقيقه إن شاء اهلل‪ .‬منه‪.‬‬
‫أصل ثابت قديم وهو قدرة اهلل ونور اهلل وكلمة اهلل وأمر اهلل‪:‬‬
‫ِعبارا ُتنا َشتّى وحسنُك ِ‬
‫واحدٌ‬ ‫َ ُ‬
‫ويشء حادث جديد شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬هو جزء من تلك احلركة اليطع ّية‪ ،‬هو رشط‬
‫تأثري ذلك األصل اليديم‪ ،‬فبذلك اجلزء يسند إليه احلادث الكوين‪.‬‬
‫التوسط؛ ّ‬
‫ألن الثابت‬ ‫ّ‬ ‫وأ ّما إسناد نفس احلركة إىل اهلل تعاىل‪ ،‬فباعتبار جنبة‬
‫منسوب إىل الثابت كام ّ‬
‫أن احلادث منسوب إىل احلادث‪ .‬هذا عند أكثر احلكامء‪،‬‬
‫بأن الطبيعة الفلك ّية متجدّ دة ذات ًا بنحو جتدّ د‬
‫وعند بعض حم ّييي م كيف ّية الربط ّ‬
‫باعتبار مراتب ا املتجدّ دة مسند‬ ‫عيّل بسيط دائم عند اهلل‪ ،‬ف‬
‫األمثال‪ .‬وهلا وجه ّ‬
‫النوري‬
‫ّ‬ ‫إلي ا للحوادث الكون ّية‪ ،‬وباعتبار وج ا العيّل البسيط الدّ ائم‪ ،‬ومثاهلا‬
‫احلق اليديم‪.‬‬
‫اليائم‪ ،‬مستند ٌة إىل ّ‬
‫وثاين املوضعني‪ :‬كيف ّية ربط كل ّية العامل احلادث إىل اليديم تعاىل شأنه‪ ،‬وهذا‬
‫يتوجه ويرد عّل املتك ّلم اليائل بانيطاع‬
‫ّ‬ ‫هو املوصوف «بالدّ اء العياء»‪ ،‬وهو‬
‫وبالزمان املوهوم‪ ،‬ال عّل احلكيم اليائل بعدم انيطاع الفيض‪ ،‬لك ّن‬ ‫ّ‬ ‫الفيض‪،‬‬
‫املستفيض منيطع‪ ،‬وأ ّن نور اهلل تعاىل ليس بآفِل‪ ،‬إنّام املُستنري داثر زائل‪ ،‬وأ ّن‬
‫اجلواد ال يمسك‪ ،‬بل هو «باسط اليدين بالعط ّية»‪ ،‬إنّام املُستجاد نافد بائد‪.‬‬
‫أن اليول باحلدُ وث قول فحل ورأي ٌ‬
‫جزل هو قائد العيول ودليل م عّل‬ ‫اعلم ّ‬
‫بأن َمناط احلاجة إىل الع ّلة هو احلدوث‪ ،‬ولكن برشط‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬ال س ّيام اليائل ّ‬
‫ّأال يصري اليائل ُمستح ّي ًا ألن ُييال فيه‪:‬‬

‫يشري‪ .‬رشح املواقف ‪،94 :8‬‬


‫ُ‬ ‫(‪ )1‬صدر بيت جم ول قائله‪ ،‬وعجزه‪ :‬وكل إىل ذاك اجلامل‬
‫تفسري اآللويس ‪.169 :12‬‬
‫َح ِف َ‬
‫ظت َشيئ ًا َوغابت َع َ‬
‫نك أشيا ٌء‬
‫ّ‬
‫وأال يصل عثري احلدوث من ُمثريه إىل ذيل جالل ُمنريه‪ ،‬فيجمع ـ كام أرشنا‬
‫إليه ـ بّي حدوث املُستفيضات وعدم انيطاع فيض اهلل تعاىل‪.‬‬
‫عم نواله‪ ،‬ودام إفضاله وصفاته من جوده وتك ّلمه‪ ،‬ومجيع‬
‫احلق ـ ّ‬
‫وباجلملة‪ُّ ،‬‬
‫ك إ ّد‬ ‫حادث داثر‪﴿ :‬كُل َ ْ‬
‫َشء هال ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واخللق وما من ناحيته‬
‫ُ‬ ‫قديم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ما من صيعه ـ‬
‫َو ْج َه ُه﴾ ‪﴿ ،‬ما دنْدَ ك ُْم َّنْ َفدُ َو ما دنْدَ اهلل باق﴾ ‪.‬‬
‫وهذا التّوفيق إنّام يو َّفق له من ييول باحلدوث الدّ هري ا ّلذي هو مسبوق ّية‬
‫السلسلة الطول ّية النزوليّة ا ّلت أوعية‬ ‫وجود العامل بالعدم الواقع ّ ّ‬
‫الذي يف ّ‬

‫(‪ )1‬أوائل املياالت‪ .266 :‬عمدة الياري ‪.79 :3‬‬


‫‪.88 :‬‬ ‫(‪ )2‬اليص‬
‫(‪ )3‬النحل‪.96 :‬‬
‫﴿ما َخ ْل ُقك ُْم َو َد َب ْع ُثك ُْم إ َّد َكنَ ْف ٍ‬
‫س‬ ‫(‪ )4‬الدّ هر وداء الثابتاي‪ ،‬والعامل إنسان كب واحد َ‬
‫ألن املجموع‬ ‫الطبيعي الذي هو إبدادي؛ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َواحدَ ٍة﴾‪ّ ،‬إد إنّه إذا رشحته كان جمموع العامل‬
‫املأخوذ من املا ّاي وماا ه‪ ،‬والزّ ماين وزمانه‪ ،‬واملكاين ومكانه ا وهكذا ا د ما ّاة له ود زمان‬
‫ود مكان ود جهة ود وضع له واقع ًا يف الدّ هر األّْس األسفل لكنّه مسبوق بالدّ هر األّْس‬
‫ّ‬
‫والكل مسبوق بالدّ هر األّمن األسفل واألدىل اللذّن مها وداء‬ ‫األدىل‪ ،‬وهو وداء دامل املثال‪،‬‬
‫النّفوس والعقول الكل ّيتني‪.‬‬
‫إن العدم ليس أمر حياذّه كالوجوا واملوجوا‪ّ ،‬إد ّ‬
‫إن له منشأ انتزاع وار سام يف الذهن‪،‬‬ ‫ثم ّ‬‫ّ‬
‫الذهن ّإد إن‬
‫كل اورة ولوازمها راسم ددم لتاليها يف ّ‬
‫السلسلة العرض ّية ّ‬
‫وكام أن املجوااي يف ّ‬
‫وجواها وددمها كليهام زمان ّيان‪ .‬كذلك ّ‬
‫كل دامل من العوامل الطول ّية راسم ددم لتاليها‪ .‬وكام‬
‫الراسمة هلا‬
‫ألن الوجوااي ّ‬
‫واقعي‪ ،‬كذلك هناك؛ وذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫أن األددام املقابلة للوجوااي هنا‬
‫ّ‬
‫واقع ّية يف كلتا السلسلتني بخّلف العدم الغ املقابل الذي ّقال له «العدم املجامع»‬
‫كا«ليسية املاهية» يف مر بة ذاهتا مع كو ا حمفوفة بالوجوا‪ .‬وليس هذا «سبق ًا دل ّي ًا» كام ّ‬
‫ظن؛‬
‫وجودها الدّ هر ال «العدم ا ّلذايت» فيط‪ .‬وهذا هو مذهب الس ّيد املحيق الدّ اماد‬
‫( ّبوأه اهلل تعاىل يف أعّل ع ّليّي)‪ ،‬وقد رشحناه يف رشح األسامء وغريه عند رشح‬
‫الزماين‪ ،‬والتجدّ د‬
‫فلريجع إليه من أراد‪ ،‬أو ييول باحلدوث ّ‬
‫اسمه تعاىل‪« :‬اليديم» َ‬
‫َ‬
‫والعامل‬ ‫ا ّلذايت بنا ٌء عّل سيالن الطبيعة يف ّ‬
‫الكل ذات ًا وصف ًة‪ّ ،‬‬
‫وأن احلادث حوادث‬
‫السابق وال ّالحق‪ ،‬وهو مذهب صدر ّ‬
‫املتأهلّي‬ ‫عوامل‪ّ ،‬‬
‫كل من ا حمفوف بالعدمّي ّ‬
‫وروح رمسه)‪.‬‬
‫(قدّ س اهلل تعاىل نفسه‪ّ ،‬‬
‫إذا عرفت هذا‪ ،‬فاعلم أنّه هكذا جرت سنّة اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و َلن َجتدَ ل ُسنَّة اهلل‬
‫السائرين إىل اهلل تعاىل‪ ،‬الطالبّي له ِمن جالس بّي‬ ‫َبدّ ً‬
‫ّل﴾ ‪ .‬فالبدّ للحادثّي ّ‬
‫احلق‪ ،‬أي‬ ‫ثم يف ّ‬ ‫احلق‪ّ ،‬‬‫لق إىل ّ‬ ‫حظ من اجلانبّي‪ ،‬ومسافر من اخلَ ِ‬
‫احلدّ ين ذي ّ‬
‫ّ‬
‫ويدهلم‬ ‫احلق إىل اخللق لييودهم إليه‬ ‫التخ ّلق بأخالق اهلل ُخلي ًا بعد ُخلق‪ّ ،‬‬
‫ثم من ّ‬
‫ليتأزر بإزار اجلربوت‪ ،‬ويرت ّدى برداء ال ّالهوت‪،‬‬ ‫عليه‪ ،‬فليك ُن بباطنه عيل ّ‬
‫الكل؛ َ‬
‫اليوة الر ّبان ّية‪ ،‬و ُيعط احلوادث الكيان ّية‪ .‬وقد ذكرنا ّ‬
‫أن العيول يف‬ ‫ويستمدّ من ّ‬

‫السبق يف املر بة العقل ّية‪،‬‬ ‫السبق ّ ّ‬


‫العيل»؛ ألنّه ّ‬ ‫انسّلخي» بخّلف « ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن هذا سبق «انفكاكي‪،‬‬
‫ّ‬
‫كسبق حركة اليد دىل حركة املفتاح‪ ،‬فليس ّإد حكم العقل بتخ ّلل «الفاء»‪.‬‬
‫هري حاصل‪ ،‬ولو مل نقل بالع ّلية فيام بني هذه العوامل‪ ،‬كام د ّقول‬
‫وأّض ًا‪ ،‬هذا السبق الدّ ّ‬
‫األشعري بالعل ّية مطلق ًا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأّض ًا‪ ،‬احلدوث ليس ّإد املسبوق ّية للوجوا بالعدم‪ ،‬فإن كان بالعدم «املجامع» كان حدوث ًا‬
‫ذا ّي ًا‪ ،‬وإن كان بالعدم «املقابل الزّ ماين» كان حدوث ًا زماني ًا‪ ،‬وإن كان بالعدم «املقابل الدهري»‬
‫الع ّلة فبادتبار العدم الّلّزم‬
‫فْس باملسبوقية بالغ ‪ ،‬و ُارّد من الغ‬
‫كان حدوث ًا اهر ّّ ًا‪ .‬ولو ّ‬
‫وإد فاحلدوث مطلق ًا هو الوجوا بعد العدم‪ ،‬كام ّ‬
‫أن البقاء هو الوجوا بعد الوجوا‪.‬‬ ‫للمعلول ّ‬
‫فهذا إمجال من فصيل يف هذا املقام‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬األحزاب‪.62 :‬‬
‫ون﴾‬
‫َعو ُا َ‬
‫سلسلة العائدات بإزاء العيول يف سلسلة الباديات ﴿كَام َبدَ أكُم ُ‬
‫َحن إ ّد‬
‫ون الّلحقون» ‪ .‬وبظاهره إنسان ًا طبيع ّي ًا حلم ّي ًا‪﴿ :‬إن ن ُ‬ ‫الساب ُق َ‬
‫َحن ّ‬
‫«ن ُ‬
‫سو َن﴾ ‪،‬‬ ‫رش مثلكُم﴾ ‪َ ﴿ ،‬ولو َج َعلنا ُه َم َلك ًا َجل َعلنا ُه َر ُج ً‬
‫ّل ولَ َلبسنا َدليه ما َّ ْلب ُ‬ ‫َب ُ‬
‫ونِع َم ما قيل‪« :‬در برش روپوش آمد آفتاب» ‪ .‬فباعتبار صورته جيانسك ّأهيا‬
‫اإلنسان البرشي‪ ،‬وباعتبار معناه يوصلك إىل أصلك ا َملنّس املذهول عنه‪ ،‬يا آدم‬
‫الرتايب! ولواله‪ ،‬فكام قيل‪:‬‬

‫وقال السان الغيب‪:‬‬

‫(‪ )1‬االعراف‪.29 :‬‬


‫السابقون اهر ًا‪ ،‬الّلّحقون زمان ًا ولو كان بحسب الكينونة العقل ّية الصاددة؛ أل ّن‬
‫(‪ )2‬أي ّ‬
‫أن وداء األبدان الطبيع ّية الس ّيالة هو‬ ‫ٌ‬
‫دقول بسيط ٌة هو الدّ هر‪ ،‬كام ّ‬ ‫وداء العقول بام هي‬
‫الزّمان‪.‬‬
‫وج ٌه آخر نحن السابقون زمان ًا بام نحن دقول مضافة متجلببة بجّلبيب األبدان دلهيا بام‬
‫هي متجلببة بأبدان هلا خصوص ّياي ُأخرى بنا؛ وذلك بادتبار الودّة الكربى املطلقة‪،‬‬
‫وكل ّية وجواهم‪ ،‬وجامع ّية وحدهتم كام هو مدلول قوله عاىل «وإن من شيعته إلبراهيم»‪،‬‬
‫وقول النبي| «ولو كان موسى ح ّي ًا‪ ،‬ما وسعه إدّ ا ّبادي» و«آا ُم من اونه ّتد لوائي‬
‫ّوم القيامة» وأخبار ُاخرى‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬احلكمة املتعالية يف األسفار العيلية األربعة ‪.351 :9‬‬
‫(‪ )4‬إبراهيم‪.11 :‬‬
‫(‪ )5‬األنعام‪.9 :‬‬
‫(‪ )6‬احلكمة املتعالية ‪ .313 :3‬رشح األسامء احلسنى ‪.30 :2‬‬
‫(‪ )7‬احلكمة املتعالية ‪ .275 :7‬رشح األسامء احلسنى ‪.31 :2‬‬
‫وقال املولوي املعنوي‪:‬‬

‫حممـد وآلـه أحكـم‬ ‫ّ‬


‫وجـل رشع يف التّصـلية عـّل ّ‬ ‫عز‬
‫فلذلك بعد التّثنية هلل ّ‬
‫الروابط‪ ،‬وأو َثق العرا‪ ،‬وأطول ِ‬
‫احلبال هلل املتعال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬

‫تنويرٌ وَتشعيلٌ لِتأويلِ الدّليلِ‬


‫أن له| داللة عّل اهلل تعاىل بكلامته العل ّية دالل ًة لفظ ّي ًة‪ ،‬كذلك له‬
‫كام ّ‬
‫ال دالل ٌة عيل ّية عّل ذاته وصفته وفعله تعاىل‪ ،‬كام‬
‫السن ّ ذات ًا وصف ًة وفع ً‬ ‫بوجوده ّ‬
‫ى َ‬
‫احل َّق» ‪.‬‬ ‫قال|‪َ « :‬من َرآين َف َقد َرأ َ‬
‫عّل (صلوات اهلل وسالمه عليه) « َمعر َفتي بالنوران ّية َمعر َف ُة اهلل» ‪.‬‬
‫وقال ُّ‬
‫وهذه الداللة يف ليل تع ّينه البرشى‪ ،‬وظلمة الكثرة‪ ،‬وغسق اإلمكان‪.‬‬

‫(‪ )1‬األسامء احلسنى ‪.31 :2‬‬


‫(‪ )2‬احلكمة املتعالية ‪ .258 :2‬رشح األسامء احلسنى ‪.31 :2‬‬
‫(‪ )3‬الصحيح أن ييال‪« :‬الثناء عّل اهلل‪ »...‬ال التثنية له‪ ،‬لكنه& اختارها للتيابل مع‬
‫«التصلية»‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ .72 :8‬صحيح مسلم ‪.54 :7‬‬
‫األح ّباء‪ ،‬من‬ ‫ً‬
‫إجابة دستدداء بع‬ ‫ّوراين يف رسالة دىل حدة‬
‫رشحد هذا احلدّث الن ّ‬
‫ُ‬ ‫(‪ )5‬قد‬
‫شاء فليطالعها‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )6‬احلكمة املتعالية ‪ .260 :2‬بحار األنوار ‪.1 :26‬‬
‫استِشهادٌ مِن ُخطَب عَلَويَّة إلنِارَةِ لَيلِ زَمانِ اجلاهِلِيّةِ‬
‫ث اهلل ُسبحا َن ُه ُحممد ًا| إلنجاز‬
‫قال× يف بعض خطب ُنج البالغة‪َ « :‬ب َع َ‬
‫ور ًة سام ُ ُه‪َ ،‬كرّ ًام ميّل ُا ُه‪،‬‬ ‫شه َ‬ ‫ددَ ه‪ ،‬وإمتام ُن ُب َّو ه‪ ،‬مأ ُخوذ ًا َد َىل النَّب ّي َ‬
‫ني ميثا ُق ُه‪َ ،‬م ُ‬
‫وأه ُل األرض ّوم ٍ‬
‫َرشةٌ‪َ ،‬و َطرائ ُق َمت ََشتِّت ٌة‪َ ،‬ب َ‬
‫ني ُم َش ِّبه هلل‬ ‫أهواء ُمنْت َ‬
‫ٌ‬ ‫ئذ م َل ٌل ُمت َف ِّر َق ٌة‪َ ،‬و‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الضّل َلة‪َ ،‬وأ ْن َق َذ ُهم‬
‫فهداهم به م َن َّ‬
‫ُ‬ ‫ه‪،‬‬ ‫بخَ لقه‪ ،‬أو ُملحد يف ْاسمه‪ ،‬أو ُمش إىل‬
‫بمكانه م َن َ‬
‫اجلها َلة» ‪.‬‬
‫أن ُحم َّمد ًا‬ ‫وقال يف خطبة ُأخرى منه بعد احلمد ّ‬
‫والش ادة بالتّوحيد‪ْ « :‬‬
‫وأش َهدُ َّ‬
‫رس َل ُه بالدِّ ّن املَش ُهور‪َ ،‬وال َع َلم املَأ ُثور‪ ،‬والكتاب املَس ُطور‪ ،‬والنور‬
‫ورسو ُل ُه‪ ،‬أ َ‬
‫َدبدُ ُه َ‬
‫احتجاج ًا‬ ‫والضياء ال ّّلمع‪َ ،‬واألمر ّ‬
‫الصااع؛ إزا َح ًة للش َبهاي‪َ ،‬و ْ‬ ‫ِّ‬ ‫الساطع‪،‬‬
‫ّ‬
‫ّاس يف فتَن ا َ‬
‫نجذ َم فيها َح ُ‬
‫بل‬ ‫بالب ِّيناي‪َ ،‬و َّتذّر ًا باآلّاي‪َ ،‬وختوّف ًا ل َ‬
‫لم ُثّلي‪َ ،‬والن ُ‬
‫األم ُر‪َ ،‬و َ‬
‫ضاق‬ ‫َّد ْ‬ ‫د َسواري اليقني‪َ ،‬واخ َت َل َ‬
‫ف الن َّْج ُر‪َ ،‬و ََشت َ‬ ‫الدِّ ّن‪َ ،‬و َ َز ْد َز َد ْ‬
‫ُّص‬ ‫املخْ َر ُج‪َ ،‬و َدمي ا َمل ْصدَ ُر‪َ .‬ف ْا ُهلدى خام ٌل‪ ،‬وال َعمى شام ٌل‪ُ ،‬ديص َّ‬
‫الر ْمح ُن‪َ ،‬ون َ‬
‫د ُس ُب ُل ُه‪،‬‬
‫رس ْ‬ ‫اإلّامن‪َ ،‬فا ْ َار ْي َا ُ‬
‫دائم ُه‪ ،‬و َ نَك ََّر ْي َمعامل ُه‪ ،‬و َا َ‬ ‫ُ‬ ‫يطان‪َ ،‬و ُخذ َل‬
‫الش ُ‬‫ّ‬
‫يطان َف َسلكُوا َمسال َك ُه‪َ ،‬و َو َر ُاوا َمناه َل ُه‪ ،‬هبم َ‬
‫ساري‬ ‫الش َ‬ ‫د ُُ‬
‫رش ُك ُه‪ .‬أطا ُدوا َّ‬ ‫و َد َف ْ‬
‫أدّلم ُه‪َ ،‬وقا َم لوائه‪ ،‬يف فتن ااستهم بأخفافها‪ ،‬ووطئتهم بأظّلفها‪ ،‬وقامد دىل‬
‫ُ‬
‫ُون‪ ،‬يف َخ اار‪َ ،‬و َ ِّ‬
‫رش ج ان‪،‬‬ ‫ون مفتُون َ‬ ‫حائرو َن جاه ُل َ‬
‫ُ‬ ‫ائهون‬‫سنابكها‪ ،‬فهم فيها ُ‬
‫بأرض داملُها ُم َ‬
‫لج ٌم‪َ ،‬وجاه ُلها ُمك َْر ٌم» ‪.‬‬ ‫َوم ُه ْم ُس ُهو ٌا‪ ،‬وكُح ُل ُهم ُا ُم ٌ‬
‫وع ْ‬ ‫ن ُ‬
‫يسمون‬
‫ّ‬ ‫قوله×‪« :‬وال َع َل ُم املأثور»‪ :‬معجزات النب ّ |‪ .‬واملتك ّلمون‬
‫الصادع»‪ :‬الظاهر ّ‬
‫اجلّل‪ .‬قال‬ ‫املعجزات «أعالم ًا»‪ .‬و«ال َع َل ُم» ما هيتدى به‪ .‬و« ّ‬

‫(‪ُ )1‬نج البالغة‪/‬اخلطبة‪.1 :‬‬


‫(‪ُ )2‬نج البالغة ‪/‬اخلطبة‪.2 :‬‬
‫فضمة‪ :‬العيوبات‪ ،‬مجع «مثلة»‬
‫ّ‬ ‫ُؤمر﴾ ‪ .‬و«املَ ُثالت» بفتحة‬ ‫اصدَ ُع بام َ‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬ف ْ‬
‫السواري»‬ ‫هم ا َمل ُث ُ‬
‫ّلي﴾ ‪ .‬و«انجذم»‪ :‬انيطع‪ .‬و« ّ‬ ‫د من َقبل ُ‬‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َقد َخ َل ْ‬
‫أي الدّ عامة‪ .‬و«النجر»‪ :‬األصل ومنه «النّجار»‪ .‬و«اُنارت»‪:‬‬
‫السارية‪ّ :‬‬
‫مجع ّ‬
‫الرشاك‪ :‬الطرائق‪ .‬و«األخفاف» لإلبل و«األظالف»‬
‫الرشك» مجع َّ‬
‫تساقطت‪ .‬و« ُّ ُ‬
‫للبير‪ ،‬واملَعز‪ .‬و«خري دار»‪ :‬مكّة‪ .‬و« ّ‬
‫رش جريان»‪ :‬قريش‪ .‬وهذا كالم النب ّ |‬
‫رش ج ان» ‪ .‬و«نوم م س ود»‪ ،‬مثل أن ييال‪ُ :‬جو ُدهم‬ ‫ند يف َخ اار َو َ ِّ‬
‫قال‪ُ « :‬ك ُ‬
‫بالس ود‬
‫حممد| النّوم جلادوا عليه ّ‬ ‫رش»‪ ،‬أي لو استامح م ّ‬ ‫ُبخل» و«خريهم ّ‬
‫وقس عليه اآلخر‪ ،‬فيجازون اإلحسان باإلساءة‪ .‬وهذا نظري ما يف علم‬ ‫ِعوض ًا له‪ِ ،‬‬

‫البديع من االستثناء عن املدح بام يشبه ّ‬


‫الذ ّم أو بالعكس‪ ،‬أو من اليول باملوجب‬
‫كيوله‪:‬‬

‫وبعدمها‪:‬‬

‫ِ‬
‫و«عاملُ ا ُم َ‬
‫لجم» أي خوف ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬احلجر‪.94 :‬‬


‫(‪ )2‬الرعد‪.6 :‬‬
‫(‪ )3‬رشح ُنج البالغة ‪.137 :1‬‬
‫(‪ )4‬طبيات املفُّسين‪ ،70 :‬تاريخ اإلسالم ‪ ،271 :32‬لسان امليزان ‪.249 :4‬‬
‫املفُّسين‪.70 :‬‬
‫(‪ )5‬طبيات ّ‬
‫الرشف األ ْط َول﴾‬
‫ك ب َح ْبل َّ َ‬ ‫(‪َ ﴿ )17‬واملْاسك َم ْن ْ‬
‫أسباب َ‬
‫السبب» ـ لغة ـ ‪ :‬احلبل‪ .‬وفيه إشار ٌة إىل وقوع النّفوس النّاطية باعتبار نزوهلا‬
‫« ّ‬
‫ب‬
‫السابية يف النّشأة العالية العلم ّية يف غيابة ُج ِّ‬
‫السافلّي بعد كينونت ا ّ‬ ‫إىل أسفل ّ‬
‫فلتتمسك بحبل اهلل املتّي ا ّلذي أدىل به لعروج يوسف‬ ‫ّ‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وج نّام املا ّدة‪،‬‬
‫ومتسكه (سالم اهلل عليه) «بأطول حبال‬
‫ب‪ّ .‬‬ ‫ب إىل سامء احلُ ّ‬
‫النّفس من ذلك اجلُ ّ‬
‫بالتمسك به‪ .‬وحييية ذلك احلبل اليرآن املجيد ا ّلذي‬
‫ّ‬ ‫الرشف» الستخالص ُأ ّمته‬
‫هو حييية العروة الوثيى ا ّلت ال انفصام هلا‪ ،‬أو رشيعته ّ‬
‫الغراء‪ ،‬وطرييته املثّل‪،‬‬
‫َّك َل َعىل ُخ ُلق‬
‫كام قال تعاىل‪﴿ :‬إ َّن هذا ال ُقرآن َُّيدي ل َّلتي ه َي أ ْق َو ُم﴾ ‪ ،‬وقال‪﴿ :‬إن َ‬
‫الرشّ َع ُة أقوايل‪ ،‬وال َّطرّ َق ُة أفعايل» ‪ ،‬وأطول ّية‬ ‫َدظيم﴾ ‪ ،‬وقال|‪َّ « :‬‬
‫كناية عن سعة‬ ‫دينه| معلوم ٌة لبيائه إىل يوم الدين‪ ،‬وأ ّما أطول ّية قرآنه ف‬
‫السامو ّية للعلوم واملعارف‪ ،‬وكونه معجزة‬
‫باعه وأمجع ّيته من سائر الكتب ّ‬
‫دوُنا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ونعم ما قيل‬


‫خوا رسن صرب اساد بار حكام إلاه‬ ‫ّوسف ُحسانى واّان داامل چاو چااه‬
‫وزرسن افل مشو بيجه شاده اساد‬ ‫ّوساافا آمااد رساان ار زن او اسااد‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلرساء‪.9 :‬‬
‫(‪ )3‬اليلم‪.4 :‬‬
‫(‪ )4‬عوايل الآليل ‪ 124 :4‬ـ ‪.212 / 125‬‬
‫ّل مع كربها‪ ،‬أحكام وآااب‪ ،‬كام قال اهلل عاىل ﴿ َودنْدَ ُه ُم الت َّْو َرا ُة ف َيها‬‫فإن التوراة مث ً‬
‫(‪ّ )5‬‬
‫حكم اهلل»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُحك ُْم اهلل﴾ املائدة ‪ .43‬منه‪ ،‬ويف النسخة احلجرّة «أنزلنا التّوراة فيها‬
‫ثم يف الكالم استعارة ّتييي ّية؛ من حيث التشبيه باحلبل‪ ،‬ووص ُفه بال ّطول‬ ‫ّ‬
‫الرشف»‪ :‬وجو ُده امليدّ س ا ّلذي هو‬
‫ترشيح‪ .‬و ُيعج ُبن أن يكون املراد بـ «حبل َّ‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫برزخ بّي الوجوب واإلمكان ‪ ،‬وهو حبل اهلل املتّي املتين غاية اإلتيان من باب‬
‫«التجريد» املصطلح لعلامء البالغة‪ ،‬نحو‪« :‬يل من فالن صديق محيم»‪ ،‬فيكون من‬
‫قبيل قول الشاعر‪:‬‬

‫بكف اجلواد وهو نفسه‪ ،‬بل ال ماسك أمسك من الّشء بنفسه‬


‫ّ‬ ‫أي يرشب‬
‫المتناع انفكاك الّشء عن نفسه‪.‬‬

‫ّ‬
‫الكل الذي هو دندك اإلن ّية‪ ،‬بل د ماه ّية له دند‬ ‫ألن روحان ّيته| دقل‬ ‫(‪ )1‬وذلك ّ‬
‫الرضور ني أو جواز ال ّطرفني أو ساوي الطرفني بناء‬
‫املح ّققني‪ .‬واإلمكان الذي هو سلب ّ‬
‫وأما اإلمكان بمعنى الفقر والتع ّلق‪ ،‬فالوجوا موصوف‬
‫دىل بطّلن األولو ّّة وصف املاه ّية‪ّ .‬‬
‫العقيل بالنّسبة إىل‬
‫ّ‬ ‫والتقوم باجلادل‪ ،‬والوجوا املفارقي‬
‫ّ‬ ‫فإن الوجوا املجعول دني التع ّلق‬
‫به؛ ّ‬
‫الوجوا األقدس كاملعنى احلريف د استقّلل يف التح ّقق ود يف ال ّظهور والنور ّّة ّإد به‪ ،‬كام د‬
‫احلريف‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫استقّلل يف املفهوم ّية للمعنى‬
‫(‪ )2‬خمترص املعاين‪ .277 :‬خزانه األدب ‪.486 :10‬‬
‫روة الكاهل األ ْد َبل﴾‬ ‫(‪﴿ )18‬والنّاصع َ‬
‫احل َسب يف ذ َ‬
‫‪.‬‬ ‫«الناصع»‪ :‬اخلال ُ من ّ‬
‫كل يشء‪« ،‬ن ََص َع» كـ«منع» نصا َع ًة ونصوع ًا‪ :‬خل‬
‫واألمر نصوع ًا‪ :‬وضح‪ .‬ولو ُنه‪ :‬اشتدّ ُ‬
‫بياضه‪ .‬و«احلسب» ما َي ُعدّ ه اإلنسان من‬ ‫ُ‬
‫مفاخر آبائه‪ ،‬وهو مأخوذ من «احلساب»‪ ،‬وقال يف الياموس‪« :‬واحلسب ما تعدّ ه‬
‫من مفاخر آبائك‪ ،‬أو املال‪ ،‬أو الدّ ين‪ ،‬أو الكرم‪ ،‬أو الرشف يف الفعل‪ ،‬أو الفعال‬
‫الرشف الثابت يف اآلباء‪ ،‬أو البال‪ ،‬أو احلسب والكرم قد يكونان ملن‬
‫الصالح‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫والرشف واملجد ال يكون إ ّال هبم» انت ى‪.‬‬
‫ال آباء له رشفاء‪ّ ،‬‬
‫وال خيفى أنّه بجميع معانيه كالنّاصع يناسب امليام إ ّال املال‪ .‬لكنّه أيض ًا‬
‫الترصف‬
‫ّ‬ ‫ذن ألُ ّمته‬
‫فالكل له|‪َ ،‬أ َ‬
‫ّ‬ ‫بحسب الظاهر‪ ،‬وأ ّما بحسب الباطن‪،‬‬
‫ال منه ورمح ًة‪ .‬والفرق ا ّلذي أبداه أخري ًا مل يكن عّل سبيل التباين‪.‬‬
‫تفض ً‬
‫ّ‬
‫وباجلملة‪ ،‬مفاخره ال توصف‪ ،‬ومآثره ال ُتك َتنَف‪ ،‬س ّيام الدين ّية والبال ّية‬
‫وشق اليمر‪ ،‬وينبوع املاء من بّي‬
‫وحنّي اجلذع‪ّ ،‬‬ ‫حلصا‪َ ،‬‬‫والفعال ّية‪ ،‬من ا تسبيح ا َ‬
‫الضب‪ ،‬وشفاء َر َم ِد ابن‬
‫ّ‬ ‫أصابعه‪ ،‬وشكاية الناقة‪ ،‬وش ادة الشاة املشو ّية‪ ،‬وتكلم‬
‫ظل له‪ ،‬وسامع‬ ‫وظل الغامم‪ ،‬ورؤيته| من خلفه‪ ،‬وكونه ال ّ‬ ‫عمه برييه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الصوت نائ ًام‪ ،‬والعلم بأل ِسنَة احليوانات‪ ،‬وأنّه ال وقع للدنيا يف قلبه أص ً‬
‫ال ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬الياموس املحيط ‪.54 :1‬‬


‫َّك َل َعىل ُخ ُل ٍق َدظيمٍ﴾ (القلم ‪،)4‬‬
‫(‪ )2‬وأمثال هذه‪ ،‬وأخّلقه التي قال عاىل فيها ﴿إن َ‬
‫كل آّة مع كونه|جامع ًا‬ ‫الكمل دىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل شهوا هلا التفضيل دند‬‫وشهواه الذي فوق ّ‬
‫ّ‬
‫للكل‪ .‬منه‪.‬‬
‫وكان مع أهل ا يف غاية الرت ّفع‪ ،‬ومع أهل الفير واملسكنة يف غاية التّواضع‪ ،‬وكان‬
‫عدوه ّ‬
‫قط‪ ،‬إىل غري‬ ‫يف أعّل مراتب الفصاحة‪ ،‬ومل ييدم عّل قبيح ّ‬
‫قط‪ ،‬ومل يف ّر من ّ‬
‫ذلك من مفاخره ا ّلت ال ّتىص‪.‬‬
‫السابية مراعاة النظري‬
‫الرشف» املذكور يف الفيرة ّ‬
‫ويف اجلمع بّي «احلسب» و« ّ‬
‫كام يف «الكاهل» و«اليدم» يف الفيرة ال ّالحية‪.‬‬
‫الّشء بالكُّس‪ :‬أعاله‪ .‬و«الكاهل»‪ :‬ميدّ م أعّل ال َّظ ر ممّـا يـّل ال ُعنُـق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وذر َوة ّ‬
‫سـت فِ َيـر‪ ،‬أو مـا بـّي الكتفـّي‪ ،‬أو َمو ِصـل العنـق‬ ‫وهو ال ُّثلـث األعـّل‪ .‬وفيـه ّ‬
‫والصلب‪ .‬و«األعبل»‪ :‬الغليظ األبيض‪ ،‬وباعتبار البياض املعتـرب فيـه ُبنِـ َ عـّل‬ ‫ُّ‬
‫الصفة املش ّب ة من ال ّلون عّل «أف َعل»‪ .‬ولو لوحظ ّ‬
‫جمرد الغلـظ‬ ‫وزن «أف َعل»؛ ّ‬
‫ألن ّ‬
‫وصعب‪ ،‬كيول ّ‬
‫الشاعر‪:‬‬ ‫والضخامة‪ ،‬بن عّل « َفعل» َ‬
‫كضخم َ‬ ‫ّ‬
‫رض‬ ‫ُجؤ ُج ٌؤ َد ْب ٌل َو َمت ٌْن ُ َ‬
‫خم ٌ‬
‫كل يشء‪ ،‬وه هباء مجع كـ«جبال»‪.‬‬‫الضخم من ّ‬ ‫قال يف الياموس‪« :‬العبل‪ّ :‬‬
‫َ‬
‫غلظ‬ ‫َرص‪ :‬ضخم‪ ،‬وكـ« َف ِر َح» ف و عبل ككتف‪ ،‬و َ‬
‫أعبل‪:‬‬ ‫و َع َبل كـ«ك َُر َم» ون َ َ‬
‫كون حسبه يف ذروة الكاهل األعبل‪ ،‬كناي ٌة‬
‫وابيض» انت ى‪ .‬وكو ُنه|‪ ،‬أو ُ‬ ‫ّ‬
‫الرماد»‪ ،‬أي جواد‪ .‬ويف اخللوص‬
‫عن جمده ورشفه وكرم أصله مثل‪« :‬فالن كثري ّ‬
‫والوضوح‪ ،‬وشدّ ة البياض املدلول علي ا بالنّصوع‪ ،‬وكون احلسب يف كذا عّل‬
‫أحد الوج ّي‪ ،‬و«تشبيه املعيول باملحسوس» تأكيدٌ ومبالغة يف ظ ور حسبه‬
‫العايل‪ ،‬وأنّه كنار عّل َع َلم‪ ،‬وأنه بمكان ال إمكان ألحد يف إنكاره واليدح فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الياموس املحيط ‪ -129 :3‬عبل‪.‬‬


‫(‪ )2‬الياموس املحيط ‪11 :4‬ـ عبل‪.‬‬
‫إشراقُ نُور َو َلوِي لِتأويلِ َحسَب مُصطفويّ‬
‫الرشيف مفاخر آبائه ا ّلروحان ّيّي من العيول‬
‫تأويله أنّه| يعدّ بوجوده ّ‬
‫ذروة كاهل حييية‬ ‫املجردين‪ ،‬واألنوار اليواهر األعلّي ِ‬
‫اليدِّ يسّي‪ .‬وميامه ِ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫العيل الف ّعال الواقع يف‬ ‫مر؛ فكام كان روحان ّية األنبياء واألولياء‬
‫الروح األمّي كام ّ‬
‫ّ‬
‫عيل ّ‬
‫الكل‬ ‫السلسلة الطول ّية‪ ،‬كذلك روحان ّية اخلاتَم| ُ‬
‫املرتبة العارشة من ّ‬
‫ا ّلذي هو األصل املحفو يف مجيع العيول‪.‬‬
‫امليررة يف ف ّن الربوبيات من احلكمة‬ ‫فإذن‪ ،‬مجيع صفات عيل ّ‬
‫الكل وأحكامه ّ‬ ‫ْ‬
‫مفاخر احلضة اخلتم ّية‪.‬‬
‫ُ‬
‫الصاقورة ذاق من حدائي م الباكورة‪ ،‬كام‬
‫نعم‪َ ،‬من كان ُروح اليدس يف جنان ّ‬
‫قال بعض أوالده ال ّطاهرة‪ ،‬ال َغرو يف حسبه من أمثال هذه املفاخرة‪.‬‬

‫تأييدٌ َوتَوفيِقٌ‬
‫الصالة عليه‪ ،‬تعود إليه‪ ،‬أم إىل املُ ّ‬
‫صّل؟‬ ‫ومن هنا يو ّفق بّي اليولّي‪ :‬هل غاية ّ‬
‫الكل‪ ،‬وعيل ّ‬
‫الكل ال حالة له‬ ‫استشعرت أ ّن روحان ّيته| عيل ّ‬
‫َ‬ ‫فإنّك متى‬
‫أن اهلل تعاىل قد أعطاه من ع ّلو الدّ رجة‪ ،‬ورفع املنزلة ما ال ُي ّ‬
‫تصور‬ ‫علمت ّ‬
‫َ‬ ‫منتظرةً‪،‬‬

‫(‪ )1‬ددّ ه مفاخر العقول ال ّطول ّية التي يف ّ‬


‫السلسلة النّزولية خت ّلقه وا صافه بأخّلق ّ‬
‫الروحانّيني‪،‬‬
‫أخّلق اهلل عاىل‪ .‬بل املقاماي ثّلث التع ّلق‪ ،‬والتخ ّلق‪ ،‬والتح ّقق‪ .‬وهو| يف‬
‫ُ‬ ‫وأخّلقهم‬
‫واملتأخرّن من ّقول ّ‬
‫باّتاا النّفس‬ ‫ّ‬ ‫أدىل مرا ب مقام التّح ّقق‪ .‬ومن حم ّققي احلكامء املتقدمني‬
‫والروح اخلتمي‬
‫الناطقة بالعقل الف ّعال بعد ادستكامل‪ ،‬فكيف حال النّفس الكل ّية اإلهل ّية‪ّ ،‬‬
‫الرسل الذّن هم ساااي األنبياء الذّن هم‬ ‫الذي هو س ّيد ُأويل العزم الذّن هم ساااي ّ‬
‫ساااي اخللق كام قال| «أنّا س ّيد ولد آام و د فخر» بحار األنوار ‪.21 / 325 16‬‬
‫منه‪.‬‬
‫ملمكن‪ ،‬وأنّه ختم الكامل‪ ،‬وبلغ ُقصيا مراتب اجلامل واجلالل بغناء الغن ّ املتعال‪.‬‬
‫و ّملا كانت ُأ ّمته كأوراق وأغصان من شجرة طوبى وجوده‪ ،‬كان العود إىل املُ ّ‬
‫صّل‬
‫ال عن األغصان‪ .‬وهلذه الك ّلية‬
‫عود ًا إليه|؛ إذ األوراق من صيع الشجرة فض ً‬
‫والسعة‪ ،‬حيث يسترصخ األنبياء يف الييامة بيوهلم‪« :‬وانفيس!»‪ ،‬ييول هو|‪:‬‬
‫«وا ُأ ّمتي! »‪.‬‬
‫وكيف ال يكون ُأ ّمته عنده كنفسه اليدُ س ّية‪ ،‬وهو لأليتام أشفق من األب‬
‫الرؤوف‪ ،‬وألُوالت املسكنة من‬ ‫أرأف من الولد ّ‬
‫ُ‬ ‫الشفيق‪ ،‬وللش ّيوخ العجزة‬
‫الرحيم‪ ،‬ويرىض هلم ما يرىض لنفسه‪ ،‬بل ُيؤثِر كثري ًا‬
‫الزوج ّ‬
‫األرامل أرحم من ّ‬
‫الفتوة‪ ،‬ف و كأنّه ّ‬
‫الكل؟‬ ‫عّل نفسه‪ ،‬كام هو ميتىض ميام ّ‬
‫املسامة باجلامعة‬ ‫وقد ورد عن بعض أوالده الطاهرة يف ح ّي م^ يف ّ‬
‫الزيارة ّ‬
‫رّن‪َ ،‬وأسامؤُ كُم يف ْ‬
‫األسامء‪َ ،‬وأجسا ُاكُم يف األجساا‪،‬‬ ‫كركُم يف ّ‬
‫الذاك َ‬ ‫الكبرية‪« :‬ذ ُ‬
‫األرواح‪َ ،‬وأن ُفسكُم يف الن ُ‬
‫فوس‪َ ،‬وآثاركُم يف اآلثار» ‪.‬‬ ‫رواحكُم يف َ‬
‫وأ ُ‬

‫ّل دن ُأممهم وأشيادهم‪ .‬وكيف د ّكون له ّ‬


‫السعة‪ ،‬ومن‬ ‫(‪ )1‬ومن ُأ ّمته األئمة ّ‬
‫والساااي فض ً‬
‫ألقابه دقل ّ‬
‫الكل‪ ،‬بل الوجوا املنسبط الذي هو وجه اهلل‪ ،‬والرمحة الواسعة‪ ،‬و ذلك من‬
‫األسامء احلقيقة املحمد ّّة دند أهل احلقيقة؟ منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬من ال حيضه الفييه ‪ .616 :2‬هتذيب األحكام ‪.100 :6‬‬
‫(‪َ ﴿ )19‬وال ّثابد ال َقدَ م دىل زَحاليفها يف الز ََّمن األَ ّول﴾‬
‫الزحاليف»‪ :‬مجع ال ّزحلوفة‪ ،‬وه مكان منحدر مملس‪ .‬ويف جممع البحرين ـ‬ ‫« ّ‬
‫ِ‬
‫زحاليف ا‬ ‫بعد ذكر معناها قال ـ‪ :‬و«منه يف وصف النب ّ |‪ :‬الثابِت اليد ِم عّل‬
‫ذكر؛ ملعلوم ّيت ا‪.‬‬ ‫والضمري للدّ نيا وإن مل ِ‬
‫جير هلا ٌ‬ ‫األو ِل‪ ،‬أي قبل ّ‬
‫النبوة‪ّ .‬‬ ‫يف ال ّز َم ِن ّ‬
‫ويف الكالم استعارة» انت ى‪.‬‬
‫أ ُقول األظ ر أن يرجع الضمري إىل «اليدم»‪ ،‬كام ييال‪َ « :‬م ّ‬
‫زال األقدام»‪ .‬وقد‬
‫قيل‪ :‬ك ّلام كان من األعضاء زوجّي ففيه تأنيث‪ .‬و َلي َت ِشعري كيف مل يتف ّطن له‬
‫مع ظ وره؟‬
‫املزال ا ّلت‬
‫ّ‬ ‫وكلمة «يف» متع ّلية بـ«زحاليف ا»‪ ،‬أي هو| ثابت اليدم يف‬
‫كانت يف أوائل اإلسالم يف إعالن كلمة اهلل‪ ،‬وإحياء دينه؛ إذ مل ينضج بعد‪ ،‬وإ ّال‬
‫النبوة كام أمره ر ّبه بيوله‪﴿ :‬فاستَق ْم كَام ُام َ‬
‫ري﴾‬ ‫ّتمل أعباء ّ‬
‫فثبات قدمه يف ّ‬
‫ذّن َامنُوا بال َقول الثابد يف َ‬
‫احليوة الدنيا َويف‬ ‫د اهلل ا َّل َ‬
‫ليس مو ّقت ًا‪ ،‬قال تعاىل‪َ ُّ ﴿ :‬ث ِّب ُ‬
‫ب ال ُق ُلوب َواألبصار‪َ ،‬ص ّل َدىل ُحم َّمد َوآله األطهار‪،‬‬ ‫اآلخ َرة﴾ ‪« .‬الله َّم ّا ُم َق ّل َ‬
‫ك واّن نب ّيك‪ ،‬ود ُز ْز َقلبي َبعدَ إ ْذ َهدَ ّْتَني‪َ ،‬و َه ْ‬
‫ب يل من‬ ‫د قلبي َدىل اّن َ‬ ‫و َث َّب ْ‬
‫اب» ‪.‬‬
‫الوه ُ‬
‫َد ّ‬ ‫َلدُ نك َر ْ َ‬
‫مح ًة إنّك ان َ‬

‫(‪ )1‬جممع البحرين ‪ 251 :3‬ـ زحلف‪.‬‬


‫(‪ )2‬هود‪.112 :‬‬
‫(‪ )3‬إبراهيم‪.27 :‬‬
‫(‪ )4‬مصباح املت جد‪.47 :‬‬
‫أو متع ّلي ٌة «بال ّثابت» وذلك بوجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن يكون من باب اليياس األَولوي؛ فإنّه| إذا كان ثابت اليدم‬
‫يف َبدو اإلسالم‪ ،‬كان كذلك بعده وحّي نضجه بطريق َأوىل‪ ،‬كداللة قوله تعاىل‪:‬‬
‫ف﴾ ‪ ،‬عّل مثل‪« :‬ال ت ِ‬
‫َض ُهبام» ‪.‬‬ ‫﴿د َ ُق ْل َُهلام ُا ٍّ‬
‫األول‪ :‬مع د األزل يوم « َأ َل ْس ُ‬
‫د ب َر ِّبك ُْم» وهو‬ ‫بالزمن ّ‬
‫وثانيهام أن يكون املراد ّ‬
‫الزحاليف منذ ع د األزل‪ ،‬وقد‬ ‫أقر؛ فاملعنى‪ّ :‬‬
‫أن ثبات قدمه| عّل ّ‬ ‫ّأول من ّ‬
‫األول‪ ،‬فظ ر فيام ال يزال ما قىض يف األزل‪ ،‬وبرز يف العّي‬
‫طبق اآلخر عّل ّ‬
‫والكون ما كمن يف العلم والثبوت‪.‬‬

‫تََلوِيحٌ لَوحيٌّ َوتَعلِيمٌ قَلَميٌّ لتأويلِ ثَباتِ قَدَم خاتَميّ‬


‫الزحاليف العمل ّية‪ ،‬كـان ثابـت قـدم الـذهن يف‬
‫كام كان| ثابت اليدم يف ّ‬
‫الزحاليف العلم ّية؛ إذ قبلته بّي املشـرق واملغـرب ‪ ،‬وشـجر ُة زيتونـة وجـوده‬
‫حر نار‬
‫املبارك ال رشق ّية وال غرب ّية‪ .‬فجمع بّي الوحدة والكثرة بحيث ال يصيبك ّ‬

‫(‪ )1‬أي احلرف «يف» يف قوله×‪« :‬يف الزمن األول»‪.‬‬


‫(‪ )2‬اإلرساء‪.23 :‬‬
‫فإن ّ‬
‫لكل َشء زمان ًا‪ ،‬أو اجري جمراه؛ فاجلاري جمراه يف احلق عاىل وصفا ه وأفعاله هو‬ ‫(‪ّ )3‬‬
‫املتحركة هو الزّ مان‪ ،‬ويف‬
‫ّ‬ ‫الْسمد‪ ،‬ويف املفارقاي النّور ّّة هو الدّ هر بمرا به‪ ،‬ويف األشياء‬
‫ّ‬
‫كالروح‪ ،‬والزّ مان كاجلسد‪ .‬فنسبة‬
‫فالْسمد كروح ال ّروح‪ ،‬والدّ هر ّ‬ ‫اآلن ّياي ظرف الزّ مان‪ّ .‬‬
‫األودية وما اجري جمراها نسبة ذوُّيا‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي مرشق الوحدة ومغرب الكثرة بخّلف اليهوا؛ إذ قبلتهم املغرب‪ ،‬والنصارى؛ إذ‬
‫قبلتهم املرشق؛ ولذلك لب دىل ُأولئك مراداة كثرة اآلااب واألحكام‪ ،‬ودىل هؤدء‬
‫الرهبان ّية‪ .‬منه‪.‬‬
‫الوحدة واخللوة و ّ‬
‫الوحدة‪ ،‬وال برد زم ريـر الكثـرة‪ ،‬وال تشــريك الرتكيـب‪ .‬ومجـع بـّي ال ّتنزيـه‬
‫والتّشبيه بحيث ال ييربك أنو َثة التّشبيه‪ ،‬وال ُذ ُكورة التّنزيه‪ ،‬وال ُخنُوثة الرتكيب‪،‬‬
‫األول حينئذ؛ إ ّما النشـأة‬
‫الزمن ّ‬ ‫ُ‬
‫وتأويل ّ‬ ‫الراسخون يف العلم‪.‬‬
‫بل عّل وجه يعرفه ّ‬
‫السابية سبي ًا رسمد ّي ًا أو دهر ّي ًا‪ ،‬وإ ّما زمان قبل البعثة بـأن يكـون مـن‬
‫ّ‬ ‫العلم ّية‬
‫أن املح ّييّي من اإلمام ّية ييولون بعصمته| عل ًام‬
‫باب مف وم املوافية‪ .‬وسيأيت ّ‬
‫وعم ً‬
‫ال قبل البعثة وبعدها‪.‬‬
‫ثم ّ‬
‫إن «الثابت اليدم» و«النّاصع احلسب» من صنعة «املامثلة» كيوله تعاىل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫اط املُست َ‬
‫َقيم﴾ ‪.‬‬ ‫الّص َ‬
‫ّنامها ِّ‬ ‫تاب املُست َ‬
‫َبني * َو َهدَ ُ‬ ‫﴿ َوآ ُ‬
‫ينامها الك َ‬

‫فكل َشء كان أودً يف‬


‫(‪ )1‬من العناّة والقلم وال ّلوح املحفوظ‪ ،‬ولوح املحو واإلثباي‪ّ .‬‬
‫العلم‪ ،‬وجاء منه إىل العني كام قيل‬
‫ّافتااااه كائناااااي از ااااو وجااااوا‬ ‫اى گشاااااااه ار خزاناااااه جاااااوا‬
‫فااارز از ّصااه هاااى بااوا ونبااوا‬ ‫ساااااهلا بااااا ااااو بااااوام آسااااواه‬
‫ااا هوّاادا شااوى بااه يااب وشااهوا‬ ‫خواساااتى آورى باااه داااني از دلااام‬
‫هاار كااه ار مااا مجااال اّااد آسااوا‬ ‫ماااا شااادّم آّناااه مجاااال اااو را‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الصافات‪ 117 :‬ـ ‪.118‬‬
‫ّن األخيار‪ ،‬املُص َط َف َ‬
‫ني األبرار﴾‬ ‫(‪َ ﴿ )20‬و َدىل اله ال ّطاهر َ‬
‫الرجل‪ :‬أه ُلـه وأقار ُبـ ُه‪ُ ،‬خـ ّ اسـتعامله بـذوي األرشاف‪ُ .‬‬
‫وآل النبـ ّ‬ ‫(آل) ّ‬
‫اخلتم ـ | عرت ُتــه الطــاهرة‪ ،‬أهـ ُـل بيــت العصــمة‪ .‬ويف اليـ ُ‬
‫ـاموس‪« :‬آل اهلل‬
‫صحت نسبته الباطن ّية إىل باطنه وهـو عيـل‬‫وكل من ّ‬ ‫ولياؤه» انت ى‪ٌّ .‬‬ ‫ورسوله أ ُ‬
‫لامن ِمنّا أهل البي ِ‬
‫ت» ‪ .‬و«ال ّطاهرين»‬ ‫ّ‬
‫الكل‪ ،‬ف و من آله باطن ًا‪ ،‬ومن هنا ورد‪َ « :‬س ُ‬
‫َ‬
‫إىل آخره‪ ،‬إشار ٌة إىل عصمت م^‪.‬‬
‫و ّملا اشت ر عند اإلمام ّية ّ‬
‫أن خمالفي م ال ييولون بعصمة األنبياء وغريهم‪،‬‬
‫يتوهم أ ُّنم ييو ُلون بصدور اخلطأ عن م ـ ّ‬
‫أي خطأ كان‪ ،‬وعّل أ ّية حالة‬ ‫ور ّبام ّ‬
‫كانوا‪ ،‬واحلال ّأُنم قالوا بوجوب العصمة فيام يتع ّلق باالعتياد والتبليغ‬
‫ٌ‬
‫تفصيل‬ ‫والفتوى‪ ،‬وأ ّما فيام يتع ّلق بأفعاهلم وأحواهلم ففيه اختالف م‪ ،‬وفيه أيض ًا‬
‫الس و‬
‫الصغرية والكبرية‪ ،‬وبحسب قبل ّية البعثة وبعد ّيت ا‪ ،‬وبحسب ّ‬
‫بحسب ّ‬
‫بأن العصمة؛ ماه ؟ وفيمن ه ؟ ويف كم ه ؟‬ ‫والعمد ـ فالبدّ من تفصيل ّ‬
‫عم ه ؟ وومل ه ؟‬
‫ومتى ه ؟ و ّ‬
‫كيف ّي ٌة روحان ّية يمتنع هبا صدور اخلطأ عن صاحب ا؛ لعلمه‬ ‫األو ُل ف‬
‫ّأما َّ‬
‫بمثالب املعايص ومناقب الطاعات‪ ،‬فال ينايف إمكانه ّ‬
‫الذايت‪.‬‬

‫(‪ )1‬الياموس املحيط ‪ 53 :3‬ـ آل‪ ،‬ني ً‬


‫ال عن العّي‪.‬‬
‫(‪ )2‬املحاسن ‪ .143 :1‬النارصيات‪.329 :‬‬
‫املصحح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )3‬الرتقيم أوالً وثاني ًا و‪ ...‬من‬
‫يف املالئكة واألنبياء واألوصياء االثن عرش‪ .‬واملتك ّلمون‬ ‫وأما ال ّثاين ف‬
‫ّ‬
‫ا ّلذين قالوا‪ :‬إ ّن املالئكة أجسام لطيفة ييدرون عّل أفعال شا ّقة‪ ،‬يتشكّلون‬
‫الش وة والغضب‪،‬‬ ‫بأشكال خمتلفة سوى الكلب واخلنزير‪ ،‬وفي م دواع‬
‫جيوزون علي م الش وة والغضب واملعصية‪ ،‬فيد اختلفوا يف عصمت م‪ .‬واآليات‬
‫ّ‬
‫ون * د َّسبقو َن ُه بال َقول‬
‫الكثرية الواردة يف مدح م مثل قوله تعاىل‪﴿ :‬دبا ٌا ُمك َْر ُم َ‬
‫عم ُل ُو َن﴾ إىل قوله‪َ ﴿ :‬و ُهم من َخشيَته ُمشف ُق َ‬
‫ون﴾ ‪ ،‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫َو ُهم بأمره َّ َ‬
‫ون‬
‫َكرب َ‬‫رو َن﴾ ‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬د َّست ُ‬ ‫ؤم ُ‬ ‫ون َر َّ ُهبم من َفوقهم َوّ ْف َع ُل َ‬
‫ون ما ُّ َ‬ ‫﴿ َخيا ُف َ‬
‫السنَّة‬
‫ون﴾ ‪ .‬وكذا ُّ‬ ‫رت َ‬ ‫ون ال َل َ‬
‫يل َوالنّهار د َّ َف ُ ُ‬ ‫َدن دبا َا ه َود َّستحْس ُو َن * ُّ َس ِّب ُح َ‬
‫دا ّل ٌة عّل عصمت م‪.‬‬
‫وعمدة ُش َبه املُخالفّي اثنتان‪:‬‬
‫واجلواب‪ :‬أنّه‬
‫ُ‬ ‫إحدامها‪ :‬االستثناء يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ف َس َجدَ ُوا إ ّد إبليس﴾ ‪.‬‬
‫مبن ّ عّل التغليب‪ ،‬أو االستثناء منيطع ‪.‬‬
‫مؤولة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قصة هاروت وماروت املذكورة يف اليرآن‪ ،‬وه‬
‫وثانيتهام‪ّ :‬‬
‫وعند احلكامء اليائلّي بتجر ّدهم ال ريب يف عصمت م‪ ،‬وأ ّما األوصياء االثنا‬
‫وجوب عصمت م عّل‬
‫ُ‬ ‫عرش‪ ،‬فمن رضور ّيات مذهب اإلمام ّية االثن عرش ّية‬

‫(‪ )1‬األنبياء‪ 26 :‬ـ ‪.28‬‬


‫(‪ )2‬النحل‪.5 :‬‬
‫(‪ )3‬االنبياء‪ 19 :‬ـ ‪.20‬‬
‫(‪ )4‬البيرة‪.34 :‬‬
‫(‪ )5‬أي أن املستثنى من غري جنس املستثنى منه‪.‬‬
‫﴿ما‬
‫الصايف للعّلّمة الكاَش‪ +‬يف ذّل فس آّة َ‬
‫القصة بتفصيلها و أوّلها مذكور ٌة يف ّ‬ ‫(‪ّ )6‬‬
‫وي‪ ﴾...‬يف سورة البقرة‪ ،‬منه‪.‬‬ ‫ُأنْز َل َد َىل امل َلك َْني ب َباب َل َه ُار َ‬
‫وي َو َم ُار َ‬
‫الوجه ا ّلذي سيأيت‪.‬‬
‫ث فجميع األُمة متفيون عّل وجوب عصمة األنبياء^ فيام يتع ّلق‬
‫وأما ال ّثال ُ‬
‫ّ‬
‫باالعتياد وأ ُّنم معصومون عن الكفر‪ ،‬إ ّال اخلوارج (خذهلم اهلل) فإ ّن صدور‬
‫الذنب عن األنبياء^‪ .‬وأ ّما الكفر من‬ ‫وجيوزون صدور ّ‬
‫ّ‬ ‫كفر‬
‫الذنب عندهم ٌ‬ ‫ّ‬
‫حيث االعتياد الباطل‪ ،‬فالظاهر ّأُنم أيض ًا مل ييولوا به‪ .‬وأيض ًا ال خالف بّي‬
‫األُ ّمة يف وجوب عصمت م فيام يتع ّلق بالتبليغ وعدم جواز اخلطأ فيه؛ ال عمد ًا‪،‬‬
‫وال س و ًا وإ ّال مل َ‬
‫يبق االعتامد عّل يشء من الرشائع‪.‬‬
‫وال خالف أيض ًا بين م يف وجوب عصمت م عن اخلطأ فيام يتع ّلق بالفتوى‬
‫الس و خالف ما‪ .‬نعم‪ ،‬اختالف األُ ّمة ـ كام أرشنا إليه ـ يف ميام رابع‪،‬‬
‫عمد ًا‪ ،‬ويف ّ‬
‫الصغرية والكبرية علي م‪.‬‬ ‫فجوز احلشو ّية تَعمد ّ‬‫وهو ما يتع ّلق بأفعامل وأحواهلم‪ّ ،‬‬
‫وأكثر املعتزلة تعمدّ الصغرية برشط أ ّال تكون خسيسة كُّسقة ال ّليمة‪ ،‬وتطفيف‬
‫احل ّبة‪ .‬واحلنابل ُة صدور الذنب عّل سبيل اخلطأ يف التأويل ‪ .‬ومجاعة صدور‬
‫الذنب مطلي ًا‪ ،‬لكن س و ًا ال عمد ًا‪ ،‬و ّأُنم يعاقبون عليه؛ ّ‬
‫ألن علوم م أكمل‪،‬‬
‫ّ‬
‫التحفظ واملراقبة‪ .‬ومج ُ ور األشاعرة صدور الصغرية‬ ‫فكان الواجب علي م‬
‫س و ًا ال عمد ًا‪ ،‬ال الكبرية‪ .‬وإمام احلرمّي من األشاعرة‪ ،‬وأبو هاشم من املعتزلة‪:‬‬
‫واحلق غري ذلك ك ّله‪ ،‬وهو مذهب اإلماميّة كام يأيت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صدور الصغرية ولو عمد ًا‪.‬‬
‫غفري من املعتزلة العصمة خمصوص ٌة‬
‫ٌ‬ ‫وجم‬
‫ٌّ‬ ‫الرابع فعند أكثر األشاعرة‬
‫وأما ّ‬
‫ّ‬
‫بزمان البعثة وال جيب قبل ا‪.‬‬

‫﴿ودَ َ ْق َر َبا َهاذه َّ‬


‫الش َج َرةَ﴾‪ ،‬دىل الشجرة‬ ‫إن «آام»× محل قوله عاىل َ‬
‫(‪ )1‬مثل ما قيل ّ‬
‫الشخص ّية‪ ،‬د النود ّية‪ .‬منه‪.‬‬
‫الصغرية ـ عمدمها وس ومها ـ فيد‬
‫وأما اخلام ُس أي العصمة عن الكبرية أو ّ‬
‫ّ‬
‫معارش اإلماميّة ـ وجوب العصمة يف‬
‫َ‬ ‫سمعت تفصيل أقواهلم‪ .‬واحلَ ُّق عندنا ـ‬
‫َ‬
‫املالئكة واألنبياء واألوصياء (سالم اهلل علي م امجعّي) يف متام العمر مطلي ًا‪،‬‬
‫سواء كان فيام يتع ّلق باالعتياد‪ ،‬أو فيام يتع ّلق بالتبليغ‪ ،‬أو فيام يتع ّلق بالفتوى‪ ،‬أو‬
‫فيام يتع ّلق باألحوال واألفعال صغائر كانت أو كبائر‪ ،‬وال جيوز ّ‬
‫الس و والنسيان‬
‫علي م‪.‬‬
‫تيرر عند املح ّييّي من أهل‬
‫الساا ُس ا أي الدليل عليه ـ ف و أنّه قد ّ‬
‫وأ ّما ّ‬
‫وأن «ال ُّلطف» عّل اهلل‬
‫الوجوب عّل اهلل كالوجوب من اهلل‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫صحة‬
‫ّ‬ ‫الكالم‬
‫شك ّ‬
‫أن العصمة‬ ‫واجب‪ ،‬ومن هنا وجب عّل اهلل بعث النّب ونصب اإلمام‪ .‬وال ّ‬
‫خل يف ال ّلطف‪ ،‬وأدعى وأج ُ‬
‫لب يف االتّباع‪ ،‬وأبعد من تن ّفر‬ ‫عّل الوجه املذكور أد ُ‬
‫اخلُ ُلي ّية كاخللي ّية‪ ،‬فإنّه أيض ًا‬ ‫تنزه م عن العيوب والنّيائ‬
‫الطباع؛ وهلذا جيب ّ‬
‫يف ال ّلطف أدخل‪ ،‬وال ّطباع له أقبل‪ ،‬فال جيوز عّل احلكيم اإلخالل به‪.‬‬
‫ثم إ ّن العصمة عّل الوجه ّ‬
‫امليرر عند اإلمام ّية من املمكنات الوقوع ّية‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬
‫أن ُاصول املعجزات والكرامات بكامل اليوى‬
‫تيرر يف املعيول ّ‬
‫س ّيام أنّه قد ّ‬
‫واليوة املدركة‬
‫ّ‬ ‫اليوة املدركة للكل ّيات‪،‬‬
‫الثالث النفسان ّية وقوهتا ورشف ا‪ّ :‬‬
‫العاملة؛ فيعلم مجيع العلوم أو أكثرها بتأييد اهلل تعاىل ال بتع ّلم‬
‫للجزئ ّيات‪ ،‬واليوة ّ‬
‫برشي‪ ،‬ويرى مالئكة اهلل‪ ،‬ويسمع كالم اهلل‪ ،‬ويطيعه ما ّدة الكائنات بإذن اهلل‪،‬‬
‫رض عريض‪ ،‬ومن ا يتفاوت درجات ّ‬
‫الكل‪ ﴿ :‬لك‬ ‫وقوهتا ورشف ا َع ٌ‬
‫ّ‬ ‫ولكامهلا‬

‫وقوة شدّ ة ومتام ّية‬ ‫ّ‬


‫ولكل كامل ّ‬ ‫ألن القوى باإلمجال ثّلث‪،‬‬
‫(‪ )1‬األقسام سعة باإلمجال؛ ّ‬
‫ورشف؛ فهذه سعة‪ .‬منه‪.‬‬
‫﴾ ‪.‬‬ ‫الر ُس ُل َف َّض ْلنا َب ْع َض ُهم َدىل َب ْع‬
‫فكامل املدركة للعقل ّياي أن تكون شديدة احلدس كثريته؛ فيكون أغلب‬

‫مدركاهتا حدس ّيات ال فكر ّيات ‪َ ،‬لدُ ّن ّيات ال تعليم ّيات‪َّ ﴿ :‬كا ُا زَّتُها ُّ ْ‬
‫ض ُء‬
‫الروح‬‫نار﴾ ‪ ،‬وتكون شديدة االتّصال باألرواح اليدس ّية‪ ،‬س ّيام ّ‬ ‫َو َلو َمل ْ مت ْ َس ْس ُه ٌ‬
‫مر ًة بعد ُاوىل‬
‫األمّي املكّي عند ذي العرش‪ ،‬كثرية املراجعة إىل حظرية اليدس ّ‬
‫وقوهتا أن تكون وافي ًة با َ‬
‫جلانبّي‪ ،‬جالسة بّي احلدّ ين ـ‬ ‫وكر ًة بعد ُاخرى‪ّ .‬‬
‫َ‬
‫شأن َعن ِ‬
‫شأن‪ ،‬ال كالعيول الضعيفة إذا ركنت‬ ‫املحسوس واملعيول ـ ال يش َغ ُل ا ٌ‬
‫ُ‬
‫إىل جانب ذهلت عن اآلخر‪ ،‬ورشف ا ُح ّر ّيت ا عن عالئق األكوان‪ ،‬وتر ّفع ا عن‬
‫ّ‬
‫رق احلدثان وأرس اليوى‪.‬‬
‫وكامل املدركة للجزئياي أن تكون منيادة للعاقلة‪ ،‬غري مزامحة هلا يف إدراك ا‬
‫وقوهتا ‪ ،‬أن تكون شديدة‬
‫احلس ّية ّ‬
‫احليائق العيل ّية‪ ،‬غري منجذبة إىل اجلزئ ّيات ّ‬
‫االقتدار عّل التّصوير والتّمثيل‪ ،‬س ّيام املتخ ّيلة ا ّلت من طبع ا املحاكاة ؛ فحّي‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.253 :‬‬


‫ظفر باملباائ‬
‫(‪ )2‬الفكر حركة أي من املطالب إىل املباائ‪ ،‬ومن املباائ إىل املطالب‪ .‬واحلدس ٌ‬
‫افعة بّل فحص‪ ،‬فاحلركة الثانية يف احلدس مفقواة‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬النور‪.35 :‬‬
‫النبوي بحيث ّشاّعه القوى املدركة باجلزئية يف الذهاب إىل العامل‬
‫ّ‬ ‫(‪ )4‬فيكون الروح القديس‬
‫ّقظان ومل‬
‫َ‬ ‫دختّلس القوى مع كونه‬ ‫العلوي؛ وهلذا كان ّعرض للنبي| شبه الغ‬
‫ّشغله شأن دن شأن‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )5‬فقد ّتاكي احلقائق بصور مناسبة ّتتاج إىل التّأوّل‪ ،‬فهو كرؤّا ّتتاج إىل التعب ‪ ،‬وقد د‬
‫ّكون كذلك‪ .‬منه‪.‬‬
‫الروح اليدّ يس بعامل ال ّالهوت وعامل اجلربوت ويتل ّيى احليائق باملكاملة‬ ‫يتصل ّ‬
‫احليييية من حييية املَ َلك ا ّلت ه اآلية الكربى كام قال تعاىل‪﴿ :‬و َل َقدْ راى م ْن‬
‫جربائيل َو َقد َط َب َق اخلاف َق ْني» يتّصل‬
‫َ‬ ‫رأّد‬
‫آّاي َر ِّبه الكُربى﴾ وقال|‪ُ « :‬‬
‫رقييته برقيية امللك ‪ ،‬ويتمثّل له حييية ذلك امللك ّ‬
‫املجرد وذاته‪ ،‬بصورة مليحة‬
‫تكون أصبح أهل زمانه وأملح م‪ ،‬وحيائق الوح واملكاملات احلييي ّية واملعاين‬
‫املجردة املتل ّياة من عامل اجلربوت وال ّالهوت بصور كلامت مسموعة فصيحة‬
‫ّ‬
‫بليغة ه قوالب تلك املعنى‪ ،‬ورقائق تلك احليائق‪ ،‬أو بصور أرقام منيوشة يف‬
‫اليديس بحييية روح األمّي‪ ،‬وتل ّي‬
‫ّ‬ ‫الروح‬
‫ألواح كذلك‪ ،‬فعند اتّصال حييية ّ‬
‫احليائق يتعدّ ى التأثري من العيل إىل اليوى الباطنة‪ ،‬ويتم ّثل يف اخليال‪ ،‬ومن ا إىل‬
‫احلس املشرتك كمرآة ذات‬
‫ّ‬ ‫السمع والبرص؛ وذلك ّ‬
‫ألن‬ ‫احلواس ال ّظاهرة‪ ،‬س ّيام ّ‬
‫ّ‬
‫املدرك إليه‪ ،‬ف و‬
‫وج ّي‪ :‬له وج ٌه إىل الظاهر‪ ،‬وله وج ٌه إىل الباطن‪ ،‬فإذا انت ى َ‬

‫(‪ )1‬هي إلقاء احلقائق الكل ّية ونيلها باد ّصال احلقيقي بروح القدس والعقل ّ‬
‫الكيل‪ .‬وهذا هو‬
‫حق نطق نفس النّاطقة إاراكها‬
‫املقربني‪ ،‬وكذا ّ‬
‫حق املكاملة من اهلل عاىل ومّلئكته مع دبااه ّ‬
‫ّ‬
‫الك ّلياي‪ ،‬وهي الكلامي الت ّّاماي بالنّسبة إىل املسموداي اجلزئ ّية‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬النجم‪.18 :‬‬
‫(‪ )3‬املبدأ واملعاد‪ .301 :‬رشح األسامء احلسنى ‪.38 :2‬‬
‫(‪ )4‬وهي حمسوسة مشاهدة قو ّّة‪ ،‬وكاند يف نب ّينا| بصورة «احية الكلبي»؛ ألنّه كان‬
‫صبيح ًا مليح ًا‪ّ ،‬إد إنّه كان طبيع ّي ًا مشوب ًا بظلمة املا ّاة بخّلف ما كان ّراه|‪ ،‬فإنّة كان‬
‫نور ّّ ًا صورّ ًا رصف ًا دن خمالطة املا ّاة الظلامنية‪ ،‬رقيقة حقيقة «جربئيل» ومت ّثله هلا الوجوا‬
‫الرابطي إليه اون احلارضّن معه‪ .‬والصورة الطبيع ّية لدحية صعد من املشادر الظاهرة‪ .‬إىل‬ ‫ّ‬
‫الباطن‪ ،‬وهذه الرقيقة نزل من الباطن إىل املشادر الظاهرة‪ ،‬وهكذا الكّلم يف كلام ه املسمودة‬
‫والّصافة والنّزول من الباطن‪ .‬منه‪.‬‬
‫يف النّور ّّة ّ‬
‫مشاهدٌ حمسوس؛ سواء انت ى إليه من الظاهر‪ ،‬أو من الباطن‪ .‬فسامع كالم‬
‫َ‬
‫ثم ُيع َيل‪ ،‬وسامع كالم اهلل‬
‫ثم ُيتخ َّيل ّ‬
‫حي َّس املدرك‪ّ ،‬‬
‫املخلوق ورؤية كتابه بأن ُ َ‬
‫ثم حيس‪ ،‬ومن هنا قيل‪:‬‬
‫ثم يتخ ّيل‪ّ ،‬‬
‫درك معيوهلام‪ّ ،‬‬
‫ورؤية كتابه بأن ُي َ‬

‫واملدرك كمراء متحاذية متعاكسة‪ ،‬وليس ذلك التم ّثل ّ‬


‫جمرد صورة خيال ّية كام‬ ‫َ‬
‫املشائ ّية ـ من ا ّلذين مل يبلغوا إىل ميام الفوز باحلُسنيّي‪،‬‬
‫بعض من املتفلسفة ّ‬
‫زعمه ٌ‬
‫الصور ّية واملعنو ّية‪ ،‬ومل يمكن م تصحيح اإلنذارات‪ ،‬مع‬
‫واجلمع بّي الغايتّي‪ّ :‬‬
‫يتم إ ّال بمعرفة‬
‫سموا أنفس م حكامء عاملّي باحليائق‪ ،‬والعلم باحليائق ال ّ‬
‫ّأُنم ّ‬
‫واملسموع ُة والنّفحات املشمومة‬
‫ُ‬ ‫احليائق والرقائق مجع ًا‪ ،‬بل هذه ّ‬
‫الصور املرئ ّية‬
‫الصور الطبيع ّية الكائنة‪ ،‬بل من‬
‫أتم بكثري من ّ‬
‫ونحوها يف اخلارج ّية واليوام‪ُّ ،‬‬
‫حر ّيت ا عن ر ّقية اإللف‬
‫الصور املنطبعة يف النّفس املنطبعة الفلكية‪ .‬ورش ُف ا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫باملحسوسات اجلُزئ ّية الدّ ائرة ا ّلت ال بياء هلا؛ ّ‬
‫ألن بناءها عّل شفا جرف هار‪.‬‬
‫العاملة ‪ ،‬أن تكون اليدرة مست لك ًة يف قدرة اهلل النّافذة‪ ،‬كامل ِّيت بّي‬
‫وكامل ّ‬

‫(‪ )1‬احلكمة املتعالية ‪ .108 :8‬رشح األسامء احلسنى ‪.38 :2‬‬


‫َش ٍء‬ ‫كل قدرة مستهلكة يف قدر ه‪ ،‬كام هو مفاا قوله عاىل َ‬
‫﴿أ َّن ُه َديل ك ُِّل َ ْ‬ ‫(‪ )2‬وإذا كان ّ‬
‫قوة إدّ باهلل العيل العظيم»؛‬ ‫(فصلد ‪ )39‬ومفاا الكلمة العل ّية‪ ،‬أدني «د حول ود ّ‬ ‫دّر﴾ ّ‬‫َق ٌ‬
‫املقربني‪ ،‬واملباائ املقارنة من القوى وال ّطبائع‪ ،‬مظاهر‬ ‫ألن ّ‬
‫كل املباائ املفارقة من املّلئكة ّ‬
‫ون إ َّد َأن‬ ‫﴿و َما ََش ُ‬
‫اء َ‬ ‫قدر ه‪ .‬وإذا كان ّ‬
‫كل إرااة مستهلكة يف إراا ه‪ ،‬كام هو مفاا قوله عاىل َ‬
‫اء اهللَُّ َرب ا ْل َعا َمل َ‬
‫ني﴾ (اإلنسان ‪ ،)30‬ومفاا الكلمة النبو ّّة أدني «ما شاء اهلل كان وما مل‬ ‫َّ َش َ‬
‫ألن الوجوا املنبسط مش ّيته «خلق األشياء‬ ‫ّشأ مل ّكن» (بحار األنوار ‪)10 / 394 70‬؛ ّ‬
‫باملش ّية واملش ّية بنفسها» (رشح األسامء احلسنى ‪ ،)77 2‬فام حدسك بالقدرة واإلرااة النبو ّّة‬
‫اليديس‬
‫ّ‬ ‫وقوهتا أن يكون ا ّلروح‬‫الغسال‪ ،‬و«اإلرادة» يف إرادته الثاقبة‪ّ .‬‬
‫َيدّ ي ّ‬
‫تصوره‪ ،‬وتطيعه ما ّدة الكائنات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بمجرد‬
‫ّ‬ ‫تصوره به‪ ،‬وقع‬
‫ّ‬ ‫كل ما تع ّلق‬‫بحيث ّ‬
‫كترصفه يف بدنه‪ .‬ورش ُف ا‪ ،‬ط ارهتا فطر ًة وعم ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فيترصف في ا‬
‫ّ‬
‫قوت ُه الع ّالمة كذا وكذا‪ّ ،‬‬
‫وقوته‬ ‫اليديس ّ‬
‫ّ‬ ‫وح‬
‫الر ُ‬
‫عرفت هذا‪ ،‬فنيول‪ :‬إذا كان ّ‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫العاملة ذيت وذيت‪ ،‬فال َغر َو يف‬ ‫احلساسة واخليال ّية كيت ًا وكيت ًا‪ّ ،‬‬
‫وقوته ّ‬ ‫الدّ راكة ّ‬
‫عصمته عن اخلطأ وأن يسدّ ده روح اليدس دائ ًام إىل ّ‬
‫الصواب‪ .‬كيف‪ ،‬وهو‬
‫ألن ّ‬
‫الكل‬ ‫صاحب النّفس ال ّالهوت ّية‪ ،‬بل اخلطأ والعصيان من ال ّطوارئ املع ّللة؛ ّ‬
‫من معدن العصمة وال ّط ارة‪ ،‬إ ّال إ ّن األكثر أخلدوا إىل األرض‪ ،‬واتّبعوا‬
‫أهواءهم عرض ًا وقُّس ًا؟‬
‫ال ـ ّثالث املــذكورة ق ّلــام يتّفــق‪ ،‬والتخ ّلــق بــاألخالق‬ ‫وصــاحب اخلصــائ‬
‫السبحان ّية ّ‬
‫شذ أن يرتزق‪ ،‬ولكنّه أمر مض ُبوط واجب الوقوع‪.‬‬ ‫ّ‬

‫والولوّة؛ ألن ألرباهبا ادستشعار بادستهّلك املذكور‪ ،‬وهم يف مقام الفناء يف اهلل والبقاء به‪،‬‬
‫هم من ذوي األنانية‪ .‬منه‪.‬‬ ‫بخّلف‬
‫ألن وجوا العقل الف ّعال مث ً‬
‫ّل يف دامل اإلبداع وجو ُا‬ ‫(‪ )1‬إشارة إىل الكينونة السابقة العقل ّية؛ ّ‬
‫النفس الناطقة؛ إذ د اختّلف يف مرا ب الوجوا وارجاي النّور احلقيقي البسيطني ّإد‬
‫ّل دن‬ ‫ّجسم فض ً‬
‫التجرا والت ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلضايف‪ ،‬وإذ اجوز اختّلف نوع واحد يف‬
‫ّ‬ ‫بالكامل والنّقص‬
‫الرقيقة‬ ‫ُ‬
‫كينونة الفرع‪ ،‬وكينونة احلقيقة كينونة ّ‬ ‫ادختّلف يف اإلرسال والتع ّلق‪ ،‬فكينونة األصل‬
‫هناك‪ ،‬كام ّأت‪ .‬منه‪.‬‬
‫الرمحة َوال َفّلح﴾‬
‫الصباح ب َمفا يح َّ‬
‫ّع ّ‬‫(‪َ ﴿ )21‬وافتَح الله َّم َلنا َمصار َ‬
‫ينضامن مجيع ًا‪ ،‬مدخل ام واحد؛ ف ام‬
‫ّ‬ ‫املرصاعان يف األبواب‪ :‬بابان منصوبان‬
‫الرمحة» فيه تعاىل ليست ر ّقة اليلب؛ ّ‬
‫ألُنا انفعال‪ ،‬وهو‬ ‫كمرصاعّي يف بيت‪ ،‬و« ّ‬
‫كل ماهية بحسب ا‪ ،‬وعّل ّ‬
‫كل ما ّدة‬ ‫الوجود املنبسط عّل ّ‬
‫ُ‬ ‫تعاىل ف ّعال مطلق‪ ،‬بل ه‬
‫بيدرها؛ فرمحته الواسعة يف العيل ٌ‬
‫عيل‪ ،‬ويف النّفس نفس‪ ،‬ويف ال ّطبع طبع‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬جرى حارض الوقت عّل لسان اليلم‪:‬‬

‫الصبح استعارة تبعيّة‪.‬‬


‫و«الفالح»‪ :‬الفوز والنجاة‪ .‬استعري الفتح للدخول يف ّ‬
‫وذكر املصاريع واملفاتيح ترشيح ًا‪.‬‬
‫السجع عّل ما قال ابن األثري‪« :‬ما تساوت قرائنه‪ ،‬نحو قوله‬ ‫ّ‬ ‫إن ق ُل َت‪ :‬أحس ُن‬
‫الس َ‬ ‫ِ‬
‫ثم‪ ،‬ما طالت قرين ُته‬ ‫ائل َفال تَن َ ر﴾ ّ‬ ‫يم َفال تَي ر * َوأ َّما ّ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬أ َّما ال َيت َ‬
‫ال ّثانية نحو‪ُ ﴿ :‬خ ُذوه َف ُّغلوه * ُثم اجل ِحيم ص ّلوه * ُثم يف ِس ِ‬
‫لس َلة َذر ُع ا َسب ُع َ‬
‫ون‬ ‫ّ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِذراع ًا فأس ُل ُكو ُه﴾ ‪. »...‬‬
‫قلد‪ :‬هذه ُت َعدُّ فير ًة واحدة خامتت ا «الفالح»‪ .‬وقد أوثر املرصاع من مطلق‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬رشح األسامء احلسنى ‪.39 :2‬‬


‫(‪ )2‬الضحى‪.10 :‬‬
‫(‪ )3‬احلاقة‪ 30 :‬ـ ‪.32‬‬
‫(‪ )4‬رشح األسامء احلسنى ‪.39 :2‬‬
‫اخلاص‪ ،‬وهو س ّيال‪ّ ،‬‬
‫وكل ممتدّ ـ‬ ‫ّ‬ ‫الصباح هو الوضع الفلك‬ ‫الباب؛ ّ‬
‫ألن باب ّ‬
‫متيض‬
‫ٍّ‬ ‫فكل وضع مركّب من‬ ‫متجز إىل غري النّ اية؛ ّ‬
‫ٍّ‬ ‫قار ًا كان‪ ،‬أو غري ّ‬
‫قار ـ‬ ‫ّ‬
‫مترصم ومتجدّ د‪ .‬وأيض ًا مركّب من الوجود واملاه ّية‪ ،‬وكذا ماه ّيته من‬
‫ومتكون و ّ‬
‫ّ‬
‫الرب؛ ولذا ذكر‬
‫اجلنس والفصل‪ ،‬ووجو ُد ُه من وجه يّل املاه ّية‪ ،‬ووجه يّل ّ‬
‫املصاريع بصيغة اجلمع‪.‬‬

‫طَوالِع وَلوائِح لِتأوِيلِ مَصارِع ومَفاتح‬


‫الظاهري لنا‬
‫ّ‬ ‫وكام ُيسأل من عناية الفتّاح الرحيم َفت َح مصاريع ّ‬
‫الصباح‬
‫بمفاتيح رمحته‪ ،‬فليسأل َفت َح مصاريع ّ‬
‫الصباح الباطن بالفتوحات الر ّبان ّية بنا ًء‬
‫ومعنوي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫عّل تأويل الفيرة الرشيفة‪ .‬وذلك أيض ًا قسامن‪ُ :‬ص ّ‬
‫وري‪،‬‬
‫وري‪ ،‬فظ ور البوارق وال ّلوائح وال ّلوامع من األنوار ا ّلت تظ ر‬
‫الص ّ‬‫ّأما ّ‬
‫سامة هبذه األسام يف اصطالح العرفاء‪ .‬وقد ذكر‬ ‫للس ّالك إىل جنابه األقدس‪ ،‬امل ّ‬
‫ُّ‬
‫الس روردي‪ +‬يف أواخر كتاب (حكمة‬
‫ش اب الدين ّ‬ ‫الشيخ اإلرشاق‬
‫اإلرشاق) عرشة أنواع من النّور يرشق عّل إخوان التجريد‪ ،‬من أراد تفصيل ا‬
‫ومتيزها فليطالع من هناك‪.‬‬
‫استير عّل ألسنَت م تسمية ّ‬
‫كل من أقسام «الفتح»‬ ‫ّ‬ ‫املعنوي‪ ،‬فليعلم أن قد‬
‫ّ‬ ‫وأما‬
‫ّ‬
‫باسم كـ«الفتح اليريب»‪ ،‬و«الفتح املبّي»‪ ،‬و«الفتح املطلق»‪:‬‬
‫فاألول ما انفتح عّل العبد من ميام اليلب وظ ور صفاته وكامالته عند‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬حكمة اإلرشاق‪.252 :‬‬


‫(‪ )2‬القلب هو ال ّلطيفة املدركة للكل ّياي واجلزئ ّياي‪ ،‬والنفس هي املدركة للجزئياي‪ ،‬كام ّ‬
‫أن‬
‫الروح هي اللطيفة املدركة للكل ّياي‪ .‬وليس املراا بإاراك الكل ّياي إاراك النّظرّاي والعلوم‬
‫ّ‬
‫احلق‪،‬‬
‫السري من اخللق إىل ّ‬
‫والرتق إىل منازل اليلب يف حدود ّ‬
‫قطع منازل النّفس ّ‬
‫تح َقر ٌ‬
‫ّب﴾ ‪.‬‬ ‫َّص م َن اهلل َو َف ٌ‬
‫وهذا هو املشار إليه بيوله تعاىل‪﴿ :‬ن ٌ‬
‫و«الفتح املبّي»‪ ،‬هو ما انفتح عّل العبد من ميام الوالية‪ ،‬وجتل ّيات أنوار‬
‫احلق‪ ،‬وهو‬
‫السري يف ّ‬
‫األسامء اإلهل ّية املفنية لصفات اليلب وكامالته‪ .‬وهذا يف ميام ّ‬
‫فر َل َ‬
‫ك اهلل ما َ َقدَّ َم من‬ ‫املشار إليه بيوله تعاىل‪﴿ :‬إنّا َفتَحنا َل َ‬
‫ك فتح ًا ُمبين ًا * ل َيغ َ‬
‫الصفات النّفسان ّية واليلب ّية‪.‬‬ ‫َذنب َ‬
‫ك َوما أ َخ َّر﴾ ‪ ،‬أي من ّ‬

‫املتع ّلقة بالعمل‪ ،‬بل ما ّشمل العمل ّياي مثل أن ّزور العبد الصالح هلل‪ ،‬وّعوا‬ ‫الّصفة‬
‫ّ‬
‫هلل‪ ،‬د للتّشهي‪ ،‬وّتع ّلم العلم هلل د للجاه‪ ،‬وهكذا‪ .‬فإن كان قد ّعمل لغاّة كلية‬ ‫املرّ‬
‫الروح‪ .‬ومنازل النفس بوجه‬
‫دقل ّية وقد ّعمل لغاّة جزئية ومه ّية‪ ،‬فهو يف مقام القلب‪ ،‬د ّ‬
‫والتهور‪ ،‬واجلربزة‪ ،‬والبّلهة‪ .‬وها ان‬
‫ّ‬ ‫ثامنية الرشه‪ ،‬واخلموا‪ ،‬والتقت ‪ ،‬والتّبذّر‪ ،‬واجلبن‪،‬‬
‫األخ ان دىل ما يف «الشفاء» إفراط الفكر و فرّطه يف كث طرق جلب املنافع الدنيو ّّة‪،‬‬
‫و قليلها يف الغاّة‪.‬‬
‫والسخاوة‬‫ّ‬ ‫اخلاصة من الع ّفة‬
‫ّ‬ ‫ومنازل القلب باإلمجال األربعة التي هي أركان العدالة‬
‫والشجادة واحلكمة؛ ففتح أبواهبا «الفتح القرّب» وجتل ّياي األسامء املفنية لصفاي القلب‬
‫الشجاع» الذي هو من األسامء اخللق ّية بأسامء اهلل‬ ‫هي أن ّص العبد من البددء فيبدّ ل اسم « ّ‬
‫السخي» ّبدّ ل باسم القايض احلوائج واملغيث واملنعم‬ ‫ّ‬ ‫من القاار واملقتدر والقاهر ونحوها‪ .‬و«‬
‫ونحوها‪ ،‬وقس دليه الباقي‪.‬‬
‫فالعبد احلقيقي ّنبغي أن ّتخ ّلق بأخّلق اهلل عاىل‪ ،‬ونفي صفا ه يف صفا ه وذا ه يف ذا ه كام يف‬
‫«الفتح املطلق» ودند ذلك رأّد الناس ّمحقون يف نور اهلل دند طلوع شمس احلقيقة وذوب‬
‫املجازاي‪ ،‬فإن ّ‬
‫الكل باألمر والنّهي التكوّني ممتثلون ﴿ َف َس ِّب ْح ب َح ْمد َر ِّب َك﴾ (النّص ‪)3‬‬
‫أي س ّبح بتسبيحه لنفسه «أند كام أثنيد دىل نفسك» (املقنعة ‪« ،)227‬واستغفره» أي ّط‬
‫اجلم الغف » والتّوب‬ ‫وجواك ّتد سطوع نوره‪ .‬والغفر السرت كام قال العرب «جاؤوا ّ‬
‫األوب‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬الصف‪.13 :‬‬
‫(‪ )2‬الفتح‪.10 :‬‬
‫و«الفتح املطلق» ـ وهو أعّل الفتوحات وأكمل ا ـ‪ :‬ما انفتح عّل العبد من‬
‫جتّل ا ّلذات األحد ّية‪ ،‬واالستغراق يف عّي اجلمع بفناء الرسوم ك ّل ا‪ ،‬وهو املشار‬
‫ّ‬
‫احلق إىل‬
‫السري من ّ‬ ‫َّص اهلل َوال َف ُ‬
‫تح﴾ ‪ .‬وقد يستتبع ّ‬ ‫جاء ن ُ‬
‫إليه بيوله تعاىل‪﴿ :‬إذا َ‬
‫اخللق‪ ،‬وهو ميام «البياء يف الفناء»‪ّ ،‬‬
‫فكل طلوع بعد غروب عن ُافق صباح؛ ومن‬
‫الروح ـ وه‬
‫وسموا ُناية ميام ّ‬
‫ّ‬ ‫هنا س ّموا ُناية ميام اليلب بـ«األُفق املبّي»‪،‬‬
‫احلضة الواحد ّية ـ بـ«األفق األعّل»‪.‬‬
‫واملرصاعان بحسب هذا التأويل‪ ،‬العلم والعمل‪ .‬واجلمع ّية باالعتبار املذكور‬
‫أو باعتبار املوارد ‪.‬‬

‫(‪ )1‬النرص‪.1 :‬‬


‫باب ذو مّصادني دظيم‪ ،‬وكذا لألدظم األدظم‪،‬‬
‫للسواا األدظم الذي هو القلب ٌ‬
‫(‪ )2‬إذ ّ‬
‫ولألدظم األدظم األدظم‪ .‬منه‪.‬‬
‫أفضل خ َلع اهلدا َّة َو َّ‬
‫الصّلح﴾‬ ‫(‪َ ﴿ )22‬وأ ْلب ْسني الله َّم من َ‬
‫ترشيح‪ .‬و«اهلداية» قد جت ء‬ ‫«ألبِسن » استعارة تبعية‪ .‬و« ِ‬
‫اخل َلع»‪ :‬مجع اخللعة‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫بد﴾ ‪،‬‬
‫بمعنى اإليصال إىل املطلوب‪ ،‬نحو قوله تعاىل‪﴿ :‬إنَّك د َهتدي َمن أح َب َ‬
‫وقد جي ء بمعنى إراءة الطريق‪ ،‬نحو قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َهدَ ّنا ُه النّجدّن﴾ ‪.‬‬
‫والظاهر ّأُنا حييي ٌة يف اإلراءة‪ٌ ،‬‬
‫جماز يف اإليصال‪ ،‬واالشرتاك خالف األصل‪.‬‬

‫‪.56 :‬‬ ‫(‪ )1‬اليص‬


‫(‪ )2‬البلد‪.10 :‬‬
‫رشب َجناين َّنابيع ُ‬
‫اخل ُشوع﴾‬ ‫(‪﴿ )23‬وا رس الله َّم لع َظ َمت َ‬
‫ك يف ْ‬
‫بات الشجر يف األرض‪ .‬و«الرشب»‪ :‬املَور ُد‪َ ،‬‬
‫وجمرى املياه‪ ،‬ومنه‬ ‫«الغرس»‪ :‬إن ُ‬
‫الشفعة الرشك ُة يف ِ‬
‫الرشب‪ ،‬واملَجاز‪ .‬و«اجلَنان»‪ :‬اليلب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ما ييال يف الفيه‪ :‬رشط‬
‫يفرق بين ام‬
‫و«الينابيع»‪ :‬مجع الينبوع‪ ،‬وهو العّي‪ .‬و«اخلشوع»‪ :‬اخلضوع‪ .‬وقد َّ‬
‫الصوت والبرص نحو‪َ ﴿ :‬و َخ َش َعد‬
‫واخلشوع يف ّ‬
‫َ‬ ‫اخلضوع يستعمل يف البدن‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫بأن‬
‫واي َل ّلر َمحن﴾ ‪.‬‬
‫األص ُ‬
‫ْ‬
‫ولع ّلك قول‪ :‬الغرس يناسب الشجر‪ ،‬مثل أن ييال‪ :‬شجرات اخلشوع‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ليس كذلك‪:‬‬
‫جمردة‪.‬‬ ‫ّأما ّأودً‪ّ ،‬‬
‫فألن «اغرس» استعارة مطلية‪ ،‬ال ترشحيّة‪ ،‬وال ّ‬
‫وأما ثاني ًا‪ ،‬فيمكن أن يكون «اغرس» مشت ّي ًا اشتياق ًا جعل ّي ًا كـ«استحجر»‬
‫ّ‬
‫و«استونق» ونحومها‪ ،‬من «الغرس» بمعنى العّي‪ .‬ويف الياموس‪« :‬وبئر غرس‬
‫سل| منها‪. »... »...‬‬ ‫رس من ُد ُيون َ‬
‫اجلنَّة‪َ ،‬و َ‬ ‫باملدينة‪ ،‬ومنه حديث‪ٌ « :‬‬
‫رأيت نسخة صحيح ًة في ا بدل «اغرس»‪« :‬اغرز»‪ ،‬وه‬
‫وبعدما كتبت ذلك ُ‬
‫الراء امل ملة عّل املعجمة‪ ،‬كانت من «غرزت الّشء باإلبرة‬
‫إن كانت بتيديم ّ‬

‫(‪ )1‬طه‪.108 :‬‬


‫(‪ )2‬مرآة العيول ‪ ،322 :13‬بحار األنوار ‪ .305 :78‬رشح ُاصول الكايف ‪ ،145 :6‬مجع‬
‫اجلوامع (اجلامع الكبري)‪/‬باب الباء املوقدة‪ ،‬ح ‪ ،2‬جامع األحاديث‪/‬باب الباء املوحدة‪ ،‬ح‬
‫‪ ،10281‬وليس يف األخريين قوله‪« :‬وغسل‘ من ا»‪.‬‬
‫(‪ )3‬الياموس املحيط ‪ 234 :2‬ـ غرس‪.‬‬
‫ونحوها»‪ ،‬وإن كانت بتيديم املعجمة عّل امل ملة‪ ،‬كانت من باب اإلفعال‪.‬‬
‫زر»‬
‫يث يغ ُ‬ ‫لم َي ِع ُّز َح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫حيث ينَدُ ُر‪َ ،‬والع ُ‬ ‫الّشء َي ِع ُّز‬
‫والغزارة‪ :‬الكثرة‪ ،‬ومنه قوله‪ّ « :‬‬
‫لكل كبري عين ًا كان‬ ‫ثم استعري ّ‬ ‫أصح‪ .‬و«عظم» الّشء‪ ،‬أصله‪ :‬كرب عظمه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا‬
‫جمرد ًا كان أو ما ّدي ًا؛ فيوله‪« :‬لعظمتك» متع ّلق باخلشوع‪.‬‬
‫معنى‪ّ ،‬‬
‫أو ً‬

‫تأويلٌ جَنانيّ لِ ُخشُوع سُبحانيّ‬


‫أعّل مراتب خشوع اجلنان ا ّلذي هو عرش ّ‬
‫الرمحن‪ :‬فناء العرش يف ذي‬
‫فإن من العروش اليلب ّية ما ينزل ويظ ر فيه ذو العرش بحسبه‪﴿ :‬أنز ََل‬
‫العرش؛ ّ‬
‫ماء َفسا َلد أوا َّ ٌة ب َقدَ رها﴾ ‪ .‬ومن ا ما هو للطافته وهيولو ّيته يف‬
‫السامء َ‬
‫م َن َّ‬
‫تصور بصورة ذي العرش‪ ،‬وال حكم له يف نفسه‪،‬‬ ‫جنب صورة صفاته اجلامل ّية ّ‬
‫وليس لذي العرش صورة إ ّال صفاته اجلامل ّية واجلالل ّية‪ ،‬وأرباب اليلوب قد‬
‫ُامروا بيوله|‪َ َ « :‬خت ّل ُقوا بأخّلق اهلل» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرعد‪.17 :‬‬


‫(‪ )2‬بحار األنوار ‪ .129 :58‬رشح ُأصول الكايف ‪.372 :9‬‬
‫تك من آماقي َز َفراي الد ُموع﴾‬
‫(‪﴿ )24‬وأ ْجر الله َّم هليب َ‬
‫«اهليبة»‪ :‬اخلشية‪ .‬و«اآلماق»‪ :‬مجع املوق‪ ،‬وهو مؤخر العّي ممّا يّل األنف‪ ،‬كام‬
‫الزفرة‪ ،‬أي النّ َفس‬ ‫أن «ال ّلحا »‪ :‬طرف ا ا ّلذي يّل األ ُذن‪ .‬و« ّ‬
‫الزفرات»‪ :‬مجع ّ‬ ‫ّ‬
‫املمدود ُحزن ًا‪ .‬وقد زفر يزفر زفر ًا‪ ،‬وزفري ًا‪ :‬أخرج َن َفسه بعد َمدّ ه إ ّياه‪ .‬وأصل‬
‫اليرب‪ :‬زوافر‪ .‬ويف‬ ‫اليربة‪ ،‬ومنه ييال لإلماء اللوايت حيملن ِ‬ ‫الزفرة ـ بالكُّسـ‪ِ :‬‬

‫السلوك‪« :‬اهليبة»‪ ،‬وميابل ا‪« :‬األُنس» للمنت ّي يعن هيبة الي ر‬


‫اصطالح اهل ّ‬
‫عند مبادئ جت ّّل ا ّلذات‪ ،‬وطمس رسم العبد‪ .‬و«األُنس»‪ :‬هو األُنس بنور مجال‬
‫ا ّلذات‪ ،‬واضمحالل ّ‬
‫الر ُسوم بالكل ّية يف عّي اجلمع األحد ّية‪ .‬ومها فوق اليبض‬
‫والبسط اللذين مها يف ميام اليلب‪ ،‬كام مها أيض ًا فوق اخلوف ّ‬
‫والرجاء اللذين مها‬
‫يف ميام النّفس‪ .‬لك ّن املراد باهليبة هاهنا‪« :‬اخلوف» كام هو الظاهر‪ ،‬لكن يف التعبري‬
‫عنه هبا دقيية‪ ،‬وه أنّه ه بوجه‪ ،‬فإ ّن العوامل متطابية‪ ،‬مث ً‬
‫ال الغضب يف ميام‬
‫اجلسم‪ :‬غليان دم اليلب‪ ،‬وهو بعينه يف ميام النّفس كيف ّية نفسان ّية‪ ،‬وه بعين ا‬
‫يف ميام العيل‪ :‬الي ُر‪ ،‬ويف ميام أشمخ هو صفة اهلل الواحد الي ّ ار‪ ،‬فتكون نور ًا‬
‫أق ر ‪ ،‬ووجود ًا أهبر‪ ،‬ينطمس عنده ّ‬
‫كل األنوار‪ ،‬وينمحق لديه مجيع‬
‫الوجودات‪.‬‬

‫احلقيقي ّ‬
‫كل األنوار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ّ )1‬عني ضب اهلل عاىل ليس ّإد قهره‪ .‬وحقيقة قهره باهرّة نوره‬
‫كل الوجوااي‪ ،‬وإنمحاقها بوجواه‪ ،‬وليس معناه فيه ليان ام؛ لتنزهه دن‬ ‫وشامل ّي ُة وجواه ّ‬
‫الصفاي النفسان ّية‬
‫التشفي؛ أل ا من ّ‬
‫ّ‬ ‫التجسم والرتكيب‪ ،‬ود إرااة انتقام بتحصيل‬
‫ّ‬
‫دلو ًا كب ًا‪ .‬منه‪.‬‬
‫وادنفعادي‪ ،‬عاىل دن ذلك ّ‬
‫(‪َ ﴿ )25‬وأ ِّاب الله َّم َن َز َق ُ‬
‫اخلرق منّي بأز َّمة ال ُق ُ‬
‫نوع﴾‬
‫الوثوب‪ ،‬ييال‪ :‬نزق الفرس كـ«سمع» و«نرص» و«رضب» نزق ًا‬ ‫ُ‬ ‫«النَّزق»‪:‬‬
‫ونزوق ًا‪ :‬نزا أو تيدّ م خ ّفة ووثب‪ .‬وناقة نِزاق ـ ككتاب ـ‪ :‬رسيعة‪ .‬و«اخلُرق»‪:‬‬
‫رق ُش ْؤ ٌم» ‪.‬‬ ‫من ُ‬
‫واخل ُ‬ ‫فق ُّ ٌ‬
‫الر ُ‬
‫الرفق‪ ،‬واجل ل واحلمق‪ ،‬ويف احلديث‪ِّ « :‬‬ ‫ضدّ ّ‬
‫و«األز ّمة» مجع زمام‪ ،‬وهو ميود الدّ ا ّبة‪ .‬وقد ش ّبه اجل ل والطيش من اإلنسان يف‬
‫النّفس با ّلدا ّبة من باب االستعارة بالكناية‪ .‬وأثبت الوثوب ونحوه له من باب‬
‫الينوع‪ ،‬فف احلديث‪« :‬ال َقنا َد ُة كَن ٌز د‬
‫ُ‬ ‫االستعارة التخييل ّية‪ .‬ونِع َم ّ‬
‫الزما ُم‬
‫َّن َفدُ » ‪َ « ،‬د َّز َمن َقنَع‪َ ،‬ذ َّل َمن َط َمع» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكايف ‪ .119 :2‬مشكاة األنوار‪.316 :‬‬


‫(‪ )2‬رشح ُنج البالغة ‪ .155 :2‬مشكاة األنوار‪.233 :‬‬
‫(‪ )3‬رشح ُنج البالغة ‪ .50 :19‬الن اية البن األثري ‪.114 :4‬‬
‫السال ُ‬
‫ك يب‬ ‫مح ُة م َ‬
‫نك ب ُح ْسن التَّوفيق‪َ ،‬ف َمن ّ‬ ‫إن َمل ْ َبتَدئْني َّ‬
‫الر َ‬ ‫(‪﴿ )26‬إهلي ْ‬
‫يك يف واضح ال َّطرّق؟!﴾‬
‫إ َل َ‬
‫«التّوفيق»‪ :‬توجي ُه األسباب نحو املطلوب اخلري‪ .‬ملّا صار امليام ميام األُنس‬
‫السابية‪ ،‬س ّيام ما ّ‬
‫دل عّل الفواضل بالنّسبة إىل الدّ اع كاإلرقاد‬ ‫بعد ذكر الفيرات ّ‬
‫والكف املذكورات‪ ،‬أضاف ا ّلداع إهله إىل نفسه‪ ،‬وهذه اإلضافة‬
‫ّ‬ ‫واإلييا‬
‫ترشيف ّية‪ ،‬وفي ا من االبت اج وااللتذاذ ما ال خيفى عّل املح ّبّي‪ .‬وبمثل هذه‬
‫يك َلعنَتي إىل َّوم‬
‫إن َد َل َ‬
‫اإلضافة أسكر إبليس ال ّلعّي حيث قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫الدّ ّن﴾ ‪.‬‬
‫جمازي من باب اإلسناد إىل املفعول له‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫الرمحة إسنا ٌد‬
‫وإسناد االبتداء إىل ّ‬
‫السالك»‪ .‬و«الباء» بعده لل ّتعدية‪.‬‬
‫حصويل‪ .‬وكلمة « َمن» استف ام ّية مبتدأ‪ ،‬خربه « ّ‬
‫بالرمحة» رمحته ا ّلت‬
‫الصفة إىل املوصوف‪ .‬واملراد « ّ‬
‫و«واضح الطريق» من إضافة ّ‬
‫مر بعض‬ ‫كل يشء‪ ،‬ونور وج ه ا ّلذي أضاء به ّ‬
‫كل َيشء َ‬
‫ويفء‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وسعت ّ‬
‫نعوته‪.‬‬
‫وامليصود‪ :‬أنّه تعاىل و ّيل التّوفيق‪ ،‬ومس ّبب األسباب‪ ،‬ولوال توفييه وتسبيبه مل‬
‫والس ُ‬
‫لوك نحوه؛ فله احلمد عّل توفيق احلمد‪ ،‬وهو املُبتدئ بالنّعم‬ ‫يمكنّا معرف ُته‪ُّ ،‬‬
‫قبل استحياق ا ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ص‪.78 :‬‬


‫(‪ )2‬يف الدّ داء «ّا مبتدئ ًا بالنّعم قبل استحقاقها»؛ ّ‬
‫ألن استحقاق املوا ّا وقابل ّيتها فرع الوجوا‬
‫السلوك عّي ما إليه ‪ّ ،‬‬
‫وأن فاّتة كتاب‬ ‫وفيه إشار ٌة إىل ّ‬
‫أن ما منه يف هذا ُّ‬
‫الكون عّي اخلامتة‪ّ « :‬أول الفكر آخر العمل» ‪ .‬وقد ثبت يف مباحث الغايات‬
‫أن الع ّلة الغائ ّية يف ّ‬
‫كل فعل تعود إىل الفاعل‬ ‫ا ّلت ه أرشف أجزاء احلكمة ّ‬
‫باآلخرة‪:‬‬
‫الكّل لفاعل الفواعل؛ فألنّه ال غرض آخر يع ّلل فعله سوى‬
‫ّأما يف الفعل ّ‬
‫ذاته‪ ،‬وال جيوز االستكامل عّل ذاته‪.‬‬
‫من‬ ‫ال‪ ،‬وذاته كاملة غاية‪ ،‬والنّاق‬ ‫ّ‬
‫فألن ذاته ناقصة فاع ً‬ ‫وأما يف فعل غريه؛‬
‫ّ‬
‫ناقص ًا من ذلك الكامل‪ ،‬وال‬ ‫يشء وكامله ليسا مباينّي‪ ،‬وإ ّال مل يكن الناق‬
‫مؤخرة عين ًا‪ ،‬ميدّ م ٌة ذهن ًا‪ ،‬وه ع ّلة‬
‫‪ .‬وأيض ًا الغاية ّ‬ ‫الكامل كام ً‬
‫ال لذلك النّاق‬
‫فاعل ّية الفاعل‪ ،‬واألشياء ّتصل بأنفس ا يف ّ‬
‫الذهن‪ ،‬فالر ّيان يطلب الر ّيان‪،‬‬
‫الري مث ً‬
‫ال بنفس طالب‬ ‫ّ‬ ‫والشبعان يبتغ الشبعان‪ ،‬وهكذا؛ إذ ما مل ييم ُصورة‬
‫الري‪ ،‬ومل حيط به ُخرب ًا مل يمكنه ال ّطلب‪ ،‬وما مل يكن للامء نحو ُ‬
‫وجود ووجدان‬ ‫ّ‬

‫وأما قوهلم «العط ّياي‬ ‫أجل نعمة‪ ،‬وهو سيبه ودط ّيته‪ ،‬ولوده مل ّظهر ما ّاة ود قابل ّية‪ّ .‬‬ ‫الذي ّ‬
‫د َأ ْوا َّ ٌة ب َقدَ ر َها﴾‪ ،‬ففي‬
‫اء َف َسا َل ْ‬ ‫بقدر القابل ّياي» مقتنص ًا من قوله عاىل َ‬
‫﴿أ ْنزَ َل م َن َّ‬
‫الس َامء َم ً‬
‫السائل بحسب قوابل األبدان‪ ،‬ويف الكامدي الثانية الفائضة دىل‬ ‫ماء حياة النّفوس ّ‬
‫املوضوداي بقدرها‪ .‬والوجوا بحسب قابل ّياي األديان الثابتة يف نشآي العلم الّل جمعولة بّل‬
‫والصفاي واملاهياي اإلمكان ّية مطلق ًا جمعولة ددتبار ّّتها‪ .‬منه‪.‬‬
‫جمعول ّية األسامء ّ‬
‫(‪ )1‬أي ما هو منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي ما هو إليه‪.‬‬
‫ّ‬
‫املحيق‬ ‫(‪ )3‬كشف املراد يف رشح جتريد االعتياد‪/198 :‬املسألة‪/14 :‬هـ‪ ،2 :‬رسائل‬
‫الكرك ‪ ،160 :‬التفسري الكبري ‪.298 :9‬‬
‫قرر املاه ّية منفك ًّة دن كا ّفة‬
‫فإن ّ‬
‫(‪ )4‬إذ د ّمكن أن ّقال للامء يف النفس شيئ ّية ماه ّية فقط؛ ّ‬
‫ري‪ ،‬واملاء كذلك؛ سواء كاند صورة خيال ّية أو‬ ‫الري يف احلقيقية ّ‬
‫باطل‪ ،‬وصورة ّ‬ ‫الوجوااي ٌ‬
‫ونشأة بروز يف األذهان‪ ،‬مل يمكن طلب املاء‪ .‬قال ابن الفارض‪:‬‬

‫خـري حمـض‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫املوج ـة نحـو املطلـوب ا ّلـذي هـو‬
‫وباجلملة‪ ،‬مـن األسـباب ّ‬
‫معروف ّي ُته‪ ،‬ومعروف ّية الّشء ه هو‪ .‬وكيف ال يكون من األسـباب‪ ،‬بـل رأسـ ا‬
‫وسنام ا؟ ومن املعلومات ّ‬
‫أن طلب املج ُ ول املطلق حمال‪ ،‬ومطلوب ّية الّشء عـّل‬
‫حسب معروف ّية ذاته‪ ،‬وكامالت ذاته‪ ،‬وبيدر االلتذاذ به‪.‬‬
‫َامل املَعر َفة‬
‫عّل× يف بعض خطبه الرشيفة‪« :‬أ َّو ُل الدِّ ّن َمعر َف ُة اهلل‪َ ،‬وك ُ‬
‫قال ّ‬
‫ّلص َل ُه‪َ ،‬وك ُ‬
‫َامل‬ ‫التَّصدّق به‪َ ،‬وك ُ‬
‫َامل التّصدّق به َوحيدُ ُه‪َ ،‬وكَامل التَّوحيد ادخ ُ‬
‫املوصوف‪َ ،‬و َشها َاة‬ ‫ُ‬ ‫الصفاي َدن ُه؛ ل َشها َاة ك ُِّل ص َفة أ ّ ا َ ُ‬ ‫اإلخّلص َل ُه ن ُ‬
‫َفي ِّ‬
‫الص َفة‪َ .‬ف َمن َو َص َف ُه َسبحا َن ُه َف َقد َق َر َن ُه‪َ ،‬و َمن َق َر َن ُه َف َقد َثنّا ُه‪،‬‬ ‫ك ُِّل َم َ‬
‫وصوف أ َّن ُه َ ُ ِّ‬
‫شار إ َليه َف َقد َحدَّ ُه‪َ ،‬و َمن َحدَّ ُه‬
‫َو َمن َثنّا ُه‪َ ،‬ف َقد َجزّا ُه‪َ ،‬و َمن َجزّا ُه‪َ ،‬ف َقد َجه َل ُه‪َ ،‬و َم ْن أ َ‬
‫أخىل من ُه» ‪ .‬صدق‬ ‫قال َدّل َم؟ َف َقد ْ‬ ‫فيم؟ َف َقد َض َّم َن ُة‪َ .‬و َمن َ‬
‫قال َ‬ ‫َف َقد َددَّ ُه‪َ .‬و َمن َ‬
‫و ّيل اهلل×‪.‬‬

‫ألن الصورة املاا ّّة حمفوفة‬ ‫أحق بإطّلق اسمه من املاا ّّة؛ ّ‬
‫الصورة العقل ّية لليشء ّ‬ ‫دقلية‪ ،‬بل ّ‬
‫ممنوة بأجانب و رائب من حقيقته‪ ،‬بخّلف العقل ّية؛ لّصافتها‪ .‬وهي واخليال ّي ُة نور ّّ ٌة‬ ‫باملا ّاة‪ّ ،‬‬
‫باقية بخّلف املاا ّّة الطبيع ّية‪ ،‬فإ ّ ا ظلامن ّية معلومة بالعرض‪ ،‬ااثرة؛ إذ ال ّطبع مطلق ًا‬
‫دلمية ٌ‬
‫ٌ‬
‫متجدّ اة بالذاي‪ .‬منه سلمه اهلل عاىل‪.‬‬
‫(‪ )1‬ديوان ابن فارض‪( 179 :‬حرف امليم)‪ .‬رشح األسامء احلسنى ‪.42 :2‬‬
‫(‪ُ )2‬نج البالغة ‪ .15 :1‬االحتجاج ‪.296 :1‬‬
‫ُك لقائد األ َمل َواملُنى‪َ ،‬ف َمن املُ ُ‬
‫قيل َد َثرات من‬ ‫(‪﴿ )27‬وإ ْن أس َل َمتْني أنا َ‬
‫َك َبواي اهلوى؟﴾‬
‫التأين»‪ .‬و«اليائد»‪:‬‬
‫كأُنا قلب « ّ‬
‫أسلمتن »‪ :‬خذلتن ‪« .‬األناة»‪ :‬احللم والوقار‪ّ ،‬‬
‫الرجل‬
‫من «اليود» نييض السوق؛ فإنّه من أمام وهذا من خلف ‪ .‬و«قاد» ّ‬
‫جره من َخلفه‪ .‬و«األمل»‪ :‬الرجاء‪ ،‬كاملُنية واألُمنية‪ .‬و« َمن»‪:‬‬
‫البعري واقتاده‪ّ :‬‬
‫كسابيت ا ‪ .‬و«اإلقالة»‪ :‬اإلزالة والفسخ‪ ،‬ومنه‪ :‬إقالة البيع‪ .‬ويف احلديث‪َ « :‬من‬
‫القيامة» ‪ .‬و«العثرات»‪ :‬الكبوات‪ ،‬فكلمة « ِمن»‬
‫َ‬ ‫أقال ناام ًا َ‬
‫أقال اهلل َد َثر َ ُه َّو َم‬ ‫َ‬
‫االنكباب عّل الوجه‪ .‬و«اهلوى»‪ :‬ش و ُة‬
‫ُ‬ ‫بيان ّية‪ ،‬ييال‪ :‬عثر‪ ،‬أي كبا‪ .‬والكبو ُة‪:‬‬
‫النّفس األ ّمارة أو ال ّلوامة‪ ،‬ومها املراد باليائد‪ .‬وباصطالح «احلكيم» هو الوهم؛‬
‫الرجاء واألمل ونحومها من مدركات الوهم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ألن ّ‬
‫ويف «األناة» إشعار باستغراب؛ بنا ًء عّل ّ‬
‫أن له تعاىل الغنا ُء عن الطاعة وعدم‬
‫إن ال ّطا َد َة َُْس َك‪َ ،‬واملَعص َي ُة د‬
‫االستضار باملعص ّية‪ ،‬كام يف الدّ عاء‪« :‬اللهم َّ‬
‫الرامحني» ‪.‬‬ ‫أرح َم ّ‬ ‫ب يل ما َّ ُْس َك‪ ،‬وا فر يل ما د َّ ُرض َك ّا َ‬
‫َُرض َك؛ َف َه َ‬
‫واإلسناد إلي ا كسابيه‪ ،‬أي لو خ ّليتن يا إهل ونفّس اخلائنة اجلانية‪ ،‬وومه‬

‫(‪ )1‬أي أن قائد اليوم يكون أمام م‪ ،‬وسائي م يكون وراءهم‪.‬‬


‫استف امية مبتدأ‪ ،‬واملييل‪ :‬خربه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬يف قوله×‪« :‬فمن السالك؟»‪ ،‬ف‬
‫(‪ )3‬مكارم األخالق (الطرباين)‪ ،60/72 :‬آداب الصحبة‪.67/88 :‬‬
‫(‪ )4‬روضة الواعظّي‪ 329 :‬ـ ‪ ،330‬بحار األنوار ‪.450 :97 ،121 ،5/93 ،5/92 :91‬‬
‫كام؟ عّل ما هو ميتىض اجلمع‬ ‫فمن يزيل آثار ز ّاليت ّ‬
‫اجلمة الكثرية ّ ً‬ ‫املؤ ّملة املرجية‪َ ،‬‬
‫الراسخة كيف ًا؛ ّ‬
‫ألن إم ال العظيم الصبور‬ ‫املضاف املفيد للعموم‪ ،‬واملحكمة‪ّ :‬‬
‫الرذيلة‪ ،‬وجتوهرت العادات الس ّيئة‬
‫مديد موفور؛ فإذا استحكمت امللكات ّ‬
‫صارت طبيع ًة ثانية خمالفة للفطرة االُوىل اإلسالم ّية‪ .‬وا ّلذايت ال يتبدّ ل‪ ،‬والنّفس‬
‫موضوع بسيط‪ ،‬وال ضدّ له « ُخل ُقتم لل َبقاء د لل َفناء» فاستحياق خذالنه تعاىل‬
‫بئس اليرين‪ ،‬وتوفييه نعم الرفيق املعّي‪.‬‬

‫(‪ )1‬غرر احلكم‪/‬احلكمة‪.2291 :‬‬


‫الشيطان‪َ ،‬ف َقد َو َك َلني‬ ‫إن َخ َذ َلني ن ُ‬
‫ُّصك دندَ ُحم َار َبة النّفس َو ّ‬ ‫(‪﴿ )28‬و ْ‬
‫خذدنك إىل َح ْي ُ‬
‫ث النصب واحل ْرمان﴾‬
‫الن»‪ :‬خالف التوفيق‪ ،‬وإضافة «املحاربة» إىل «النّفس» و« ّ‬
‫الشيطان» من‬ ‫« ِ‬
‫اخلذ ُ‬
‫إضافة املصدر إىل املفعول‪ ،‬أي حماربت إ ّيامها‪« .‬فيد وكلن » إىل آخره‪ :‬أي فيد‬
‫طرحن إىل مكان التّعب واحلرمان‪ .‬و«النّفس» تطلق عّل ذات الّشء‪ ،‬وتطلق‬
‫عّل كامل ّأو َل جلسم طبيع ّ آ ٍّيل‪ ،‬فتنيسم إىل نفس سامو ّية وأرضيّة‪ ،‬واألرضية إىل‬
‫الصورة النوع ّية املعدن ّية وال ّطبيعية‪.‬‬
‫نفس نبات ّية وحيوانية وإنسانية‪ ،‬فتيابل ّ‬
‫وتطلق عّل جوهر جم ّرد يف ذاته دون فعله عن املا ّدة‪ ،‬فتيابل العيل املفارق يف ذاته‬
‫السبع»‬
‫وفعله عن املادة‪ ،‬وتطلق يف اصطالح العارفّي عّل واحدة من «اللطائف ّ‬
‫من اإلنسان‪ ،‬املتداولة عندهم‪ ،‬وه األبطن السبعة هلذه اآلية الكربى؛ من‬
‫والُّس‪ ،‬واخلف ّ ‪ ،‬واألخفى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والروح‪،‬‬
‫الطبع‪ ،‬والنّفس ‪ ،‬واليلب‪ّ ،‬‬

‫الروح‪ ،‬و رمجانه‬ ‫(‪ )1‬وقد حيذف ال ّطبع وّضاف العقل بعد القلب‪ .‬وّقال ّ‬
‫إن العقل لسان ّ‬
‫مر يف احلاشية السابقة دىل «الفتح» وأقسامه عارّف النفس والقلب‬ ‫ّ‬
‫الدال دليه‪ .‬وقد ّ‬
‫األم وهو‬
‫ميال اىل ّ‬ ‫والروح أب ًا‪ ،‬والقلب ولد ًا‪ .‬فمن القلب ما هو ٌ‬
‫والروح‪ .‬وقد اجعل النفس ّأم ًا ّ‬
‫ّ‬
‫القلب املنكوس‪ ،‬ومنه ما هو متخ ّلق بأخّلق األب ٍّ‬
‫مرتق إليه‪ ،‬ومنه ما هو مرت ّاا بينهام إىل ما‬
‫شاء اهلل‪.‬‬
‫ار ّّ ًا‪،‬‬
‫زجاجة وكوكب ًا ّ‬
‫ً‬ ‫ويف بع وجوه أوّل آّة النّور جعل النفس مشكاةً‪ ،‬والقلب‬
‫وح هو العقل البسيط‬ ‫والر ُ‬
‫التفصييل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫العقل‬ ‫القلب هو‬
‫ُ‬ ‫والروح مصباح ًا‪ .‬وبلسان احلكيم‬
‫اإلمجايل‪.‬‬
‫ّ‬
‫اخلفي» هو اد ّصال‬
‫ّ‬ ‫فالْس» هو اد ّصال بالعقل الف ّعال‪ ،‬و«‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وأما اللطائف الثّلث األخر‪ّ « ،‬‬
‫ّ‬
‫والسبب فيه‬
‫احليواين املتداول يف لسان احلكيم‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫بالروح البخاري‬
‫وفُّسوها ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أن َرحى الش وة والغضب‪ ،‬والفرح والغم‪ ،‬واخلوف والرجاء‪ ،‬ونحوها يدور‬
‫عّل ذلك الروح البخاري‪ ،‬وزيادته ونيصانه‪ ،‬وتكدّ ره وإرشاقه‪ ،‬فتيابل ال ّلطائف‬
‫االُخر‪ ،‬وتيابل العيل العمّل‪ ،‬فييال‪ :‬هذا ميتىض النّفس‪ ،‬وذاك ميتىض العيل‪.‬‬
‫وهذا يسري يف منازل النّفس‪ ،‬وذاك يسري يف منازل اليلب‪.‬‬
‫مر يف «الفتح» ما يوافيه‪ .‬وتطلق عندهم تأس ّي ًا بكتاب اهلل وسنّة نب ّيه عّل‬
‫وقد ّ‬
‫ّفس» «ا ُملل مة» و«املُطمئنّة» وا َ‬
‫لعيل‬ ‫«النّفس األ ّمارة» و«ال ّلوامة»‪ ،‬فتيابل «الن َ‬
‫ّفس الناطية يف اصطالح احلكيم تطلق عّل مجيع‬ ‫بي ِ‬
‫سميه‪ :‬النظري والعمّل‪ .‬والن ُ‬ ‫َ‬
‫السبع» املذكورة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫«ال ّلطائف‬
‫إذا عرفت هذا‪ ،‬فالنّفس يف قول الدّ اع ‪« :‬دند حماربة النّفس والشيطان» يراد‬
‫هبا املعنى األخري‪.‬‬
‫عّل× أقسام النّفس ببعض املعاين املذكورة ‪،‬‬ ‫ويف حديث كميل‪ ،‬عن ّ‬
‫سألت موالنا أمري املؤمنّي عل ّي ًا (صلوات اهلل عليه) َف ُي ُ‬
‫لت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تيمن ًا‪ ،‬قال‪:‬‬‫نذكره ّ‬
‫ك؟»‪.‬‬‫أي األن ُفس ُرّدُ أن ُا َد ِّر َف َ‬ ‫ُاريدُ أن ُت َع ّر َفن نَفّس‪ .‬قال×‪ّ« :‬ا ك َُم ُ‬
‫يل‪َ ،‬و ّ‬
‫قلت‪ :‬يا موالي‪ ،‬هل ه إ ّال نفس واحدة؟ قال×‪ّ« :‬ا ك َُم ُ‬
‫يل‪ ،‬إنَّام ه َي أر َب َع ٌة‬ ‫ُ‬
‫النّامي ُة النَّبا ّي ُة‪َ ،‬واحل ّس َي ُة َ‬
‫احليوان ّي ُة‪َ ،‬والنّاط َق ُة ال ُقدْ س َّي ُة‪ ،‬والكُل ّي ُة اإلهل ّي ُة‪َ .‬ولك ٍُّل من‬
‫هذه َمخ ُس ُقوى‪َ ،‬وخاص َّيتان‬

‫ّ‬
‫الكل بمعنى مجلة العقول الكل ّية‪ ،‬و«األخفى» ا وهو مقام احلقيقة املحمد ّّة ا هو‬ ‫بعقل‬
‫الّصف‪ ،‬واملحق‬ ‫الطمس ّ‬‫ّ‬ ‫اد ّصال بالفي املقدّ س‪ ،‬والوجوا املنبسط‪ ،‬ومر بة املشيئة يف‬
‫املح بالفناء البحد‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬بادتبار التع ّلق الباطني‪ ،‬أو الظاهري‪ .‬منه‪.‬‬
‫آيل‪ .‬منه‪.‬‬
‫طبيعي ّ‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬أي النّفس بمعنى كامل ّأول جلسم‬
‫فالنّام َي ُة النَّبا َّي ُة َهلا مخس ُقوى جا َذب ٌة‪َ ،‬وماس َك ٌة‪َ ،‬وهاض َم ٌة‪َ ،‬وااف َع ٌة‪ُ ،‬‬
‫ومر ِّبي ٌة‪.‬‬
‫قصان‪ ،‬وانْبعا ُثها م َن الكَبد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َو َهلا خاصيتَّان الزّّا َا ُة والن‬
‫وق‪َ ،‬وملَ ٌس‪َ .‬وهلا‬
‫ّص‪َ ،‬و َش ٌّم‪َ ،‬و َذ ٌ‬ ‫واحلس َّي ُة َ‬
‫احليوان ّي ُة هلا َمخ ُس ُقوى َس ٌ‬
‫مع‪َ ،‬و َب َ ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ب‪ ،‬وانبعاثها م َن ال َق ْلب‪.‬‬ ‫خاص َّيتان َّ‬
‫الش ْهو ُة والغ ََض ُ‬
‫َباه ٌة‪ ،‬ولَ َ‬
‫يس‬ ‫كر‪َ ،‬وذك ٌْر‪ ،‬ود ْل ٌم‪ ،‬وح ْل ٌم‪َ ،‬ون َ‬‫والنّاط َق ُة ال ُقدس ّية َهلا َمخ ُس ُقوى ف ٌ‬
‫نبعاث َوه َي أش َب ُه األشياء بالن ُفوس املَ َلك ّية‪َ .‬و َهلا خاص ّيتان الن َ‬
‫َّزاه ُة واحل َ‬
‫كمة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫َهلا ا‬
‫ني‬ ‫والكُل ِّي ُة اإلهل َّي ُة َهلا ُمخ ُس ُقوى بقاء يف فناء‪ ،‬ون ٌ‬
‫َعيم يف شقاء‪َ ،‬ود ٌّز يف ُذل‪َ ،‬و ً‬
‫َّسليم ‪َ .‬وهذه ا َّلتي َمبدَ ؤها م َن‬
‫الرضا والت ُ‬‫رب يف َبّلء‪َ .‬و َهلا خاصيتّان ّ‬ ‫يف فقر‪َ ،‬و َص ٌ‬
‫د فيه م ْن ُروحي﴾ ‪َ ،‬‬
‫وقال عاىل ﴿ َّا‬ ‫اهلل‪َ ،‬وإل َيه َ ُعو ُا‪َ .‬‬
‫قال اهلل َعاىل ﴿ َو َن َفخْ ُ‬
‫والعقل َو َس ُط‬
‫ُ‬ ‫أ َّّت َُها النَّ ْف ُس ا ُمل َ‬
‫طمئنَّ ُة * ا ْرجعي إ َىل ر ِّبك َراض َي ًة َم ْرض َّي ًة﴾ ‪.‬‬
‫الك ُّل» ‪.‬‬

‫التعرض للغاذّة بظاهره ّكون شاهد ًا ملن د اجعلها مغاّر ًة للهاضمة كام هو قول‬‫(‪ )1‬ددم ّ‬
‫بع األط ّباء‪ .‬واملحق ّقون ذهبوا إىل املغاّرة كام ّ‬
‫قرر‪ .‬لكنّي أقول أارجها× يف «املر ّبية»‬
‫واملنمية‪ ،‬ومعلوم أن التنمية فرع التّغذّة‪ ،‬أو يف النفس النبا ّية التي هذه اخلمس‬
‫ّ‬ ‫فتشمل الغاذّة‬
‫املصورة التي جعلد من رؤساء القوى النبا ية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قواها‪ ،‬كام أارج× فيها «املو َّلدة»‪ّ .‬‬
‫وأما‬
‫الشعور كام‬ ‫فاحلق دند املح ّققني إنتفاؤها لبطّلن إسناا األفعال العجبية املتقنة إىل ّ‬
‫قوة ددّمة ّ‬ ‫ّ‬
‫أبطلها «الغزايل» و«املحقق الطويس»‪ +‬العزّز‪ .‬منه‪.‬‬
‫ألن‬
‫خاصيتي احلس ّية احليوان ّية؛ ّ‬
‫الرضا املذكور يف ّ‬
‫ّ‬ ‫الرضا بقرّنة إراافه بالتسليم‪،‬‬
‫(‪ )2‬هذا ّ‬
‫الرضا‬
‫الرضا باب اهلل األدظم»‪ .‬وهو مقام شامخ‪ ،‬وذلك هو ّ‬
‫هذا هو الرضا الذي قالوا فيه « ّ‬
‫باجلزئياي الدائرة‪ ،‬وّساوق الشهوة احليوانية‪ .‬والقرّنة إراافه بالغضب‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬احلجر‪.29 :‬‬
‫(‪ )4‬الفجر‪ 27 :‬ـ ‪.28‬‬
‫(‪ )5‬جممع البحرين ‪ ،349 :4‬الفوائد الرضوية‪.125 ،121 :‬‬
‫اليوة املنمية‪ .‬وقوله×‪« :‬وانبعاثها من القلب»‪ ،‬أي‬
‫ّ‬ ‫قوله×‪« :‬مرب ّية»‪ ،‬ه‬
‫ّأوالً وبا ّلذات‪ .‬وهذا ال يدفع قول احلكيم وتسميته إ ّياها قوى ِدماغ ّية؛ ّ‬
‫ألن‬
‫ثم يصعد يف‬‫الروح البخاري ينبعث من التجويف األيُّس من اليلب ّأوالً‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ويصري‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيعتدل‬ ‫الرشايّي إىل الدِّ ماغ‪ ،‬فيربد بالرت ّدد يف جتاويفه‪،‬‬
‫َمسلك بعض َّ‬
‫مطايا اليوى الدّ ماغ ّية‪.‬‬
‫بـاليوة‬
‫ّ‬ ‫املسـمى‬
‫ّ‬ ‫الذكر»‪ ،‬و«العلم» متع ّلية بالعيل النظـري‬ ‫ّ‬
‫ولعل «الفكر»‪ ،‬و« ّ‬
‫العالمة للنّاطية‪ ،‬فتكون إشارة إىل العيـل بامللكـة‪ ،‬والعيـل بالفعـل‪ ،‬والعيـل‬
‫العاملـة‬
‫املسـمى بـاليوة ّ‬
‫ّ‬ ‫املستفاد‪ .‬و«احللم» و«النّباهة» متع ّليـان بالعيـل العمـّل‬
‫للناطية‪ ،‬فتكون إحدامها «احلال»‪ ،‬و[االُخرى] «امللكـة» يف العمـل الصـالح‪.‬‬
‫ومناسبة «احللم» إنّـام هـ مـع «امللكـة» باعتبـار الثبـات واالسـتيامة والطاقـة‬
‫الرابعـة؛ أل ّن االحكـام تابعـة للعنرصـ‬
‫للعامل‪ .‬وأ ّما «احلدس» فيليـق بـالنّفس ّ‬
‫الغالب‪ ،‬واحلدس في ا غالبة ال يف الثالثة‪ .‬ويمكن أن يكون «النباهـة» إشـار ًة إىل‬
‫احلدس املغلوب للفكر يف الثالثة‪.‬‬
‫الرشيفة‪ :‬ه ا ّلت في ا «احلكمـة»‬
‫احلرية ا ّلت ييال يف النّفس ّ‬
‫ّ‬ ‫و«النّزاهة» ه‬
‫و«احلر ّية»‪ .‬وقوله× يف «الكل ّية اإلهل ّية»‪« :‬بياء يف فناء» ــ إىل آخـره‪ ،‬يمكـن أن‬
‫يكون «يف» للتّعليل‪ ،‬وال خيفى وج ه‪ ،‬وأن يكون للظرف ّية‪ ،‬من قبيل كون الباطن‬

‫(‪ )1‬أي الفكر إشارة إىل العقل بامللكة؛ إذ فيه البدُّيياي التي ّنتقل منها إىل النظرّاي بالفكر‪.‬‬
‫و« ّ‬
‫الذكر» إشارة إىل العقل بالفعل؛ إذ فيه ملكة ف ّعالة للمعقودي بّل ّ‬
‫جتشم كسب جدّد‪.‬‬
‫حقيقي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فهذه امللكة ذاكرة وذكر حكيم‪ .‬و«العلم» إشارة إىل العقل املستفاا؛ ألنّه دلم‬
‫ومشاهدة للحقائق‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف النسخة احلجرية‪ :‬اآلخر‪.‬‬
‫يف ال ّظاهر‪ّ ،‬‬
‫والروح يف اجلسد‪ .‬ومـن أمثـال العرفـاء‪« :‬إذا جـاوز ّ‬
‫الشــ ء حـدّ ه‬
‫انعكس ضدّ ه»‪.‬‬
‫ّ‬
‫الكل» متثيل لكون العيل مركز ًا‪ ،‬وه دوائر‪،‬‬ ‫وقوله×‪« :‬والعقل وسط‬
‫لكن اع َلم ّ‬
‫أن األمر يف املركز والدّ ائرة املعنو ّيّي يف اإلحاطة عّل عكس حال‬
‫ّ‬
‫الكّل ـ إن رزقك اهلل تعاىل ـ هو‬ ‫احلس ّيتّي‪ ،‬فذلك العيل‬
‫ّ‬ ‫املركز والدّ ائرة‬
‫األصل املحفو هلذه‪.‬‬
‫وروي أيض ًا عن أمري املؤمنّي (صلوات اهلل عليه) أنّه سأله أعرا ٌّ‬
‫يب عن‬
‫أي األنفس سأل؟»‪ .‬فيال‪ :‬يا موالي‪ ،‬هل النّفس أن ُفس‬
‫النّفس‪ ،‬فيال×‪ّ « :‬‬
‫َفس نام َي ٌة نَبا َّي ٌة‪َ ،‬وح ِّس َّي ٌة َحيوان َّي ٌة‪َ ،‬وناط َق ٌة ُقدْ س َّي ٌة‪َ ،‬وإهل َّي ٌة‬
‫عديدة؟ فيال×‪« :‬ن ٌ‬
‫ُك ّل ّي ٌة َم َلكُو ّي ٌة»‪ .‬قال‪ :‬يا موالي‪ ،‬ما النّامية النّبات ّية؟ قال×‪ُ « :‬ق َّو ٌة أص ُلها ال ّط ُ‬
‫باّع‬
‫دو إاجااها دندَ َمس َقط النط َفة‪َ ،‬م ّقرها ال َكبدُ ‪ ،‬ما َّا ُهتا من َلطائف‬ ‫األر َب ُع ‪َ ،‬ب ُ‬
‫قد‬ ‫ّلف املُت ََو ّلداي‪َ ،‬فإذا َ‬
‫فار ْ‬ ‫األ ذ ّّة‪ ،‬فع ُلها الن ُمو والزِّّااة‪َ ،‬س َب ُ‬
‫ب افرتاقها اخت ُ‬
‫دا َا ْي إىل ما م ْن ُه بدَ ي َدو َا ُمماز ََجة‪ ،‬د َدو َا ُجم َاو َرة»‪.‬‬
‫فيال‪ :‬يا موالي‪ ،‬ما النّفس احليوانيّة؟ قال× « ُق َّو ٌة َف َلك َّي ٌة َو َح َ‬
‫رار ٌة َرّز َّّ ٌة‪،‬‬
‫واحلرك ُة والظ ُ‬
‫لم‬ ‫األفّلك‪َ ،‬بدُ و إاجااها دندَ الود َاة اجلسامن َّية‪ ،‬ف ْع ُلها احليا ُة َ‬
‫ُ‬ ‫أص ُلها‬
‫ختّلف‬
‫ُ‬ ‫الش َهواي الد َن َيو ِّّة‪َ ،‬م َقرها ال َق ُ‬
‫لب‪َ ،‬س َبب افرتاقها ا‬ ‫ساب َّ‬ ‫َوال َغ َلب ُة َواكت ُ‬
‫جماو َرة‪َ ،‬ف َتنْ َعد ُم‬
‫ازَجة د َدو َا َ‬
‫د دا َا ْي إىل ما من ُه َبدَ ْي َد ْو َا ُمم َ‬ ‫املُتَو ّلداي‪ ،‬فإذا فار َق ْ‬
‫ور ُهتا‪ ،‬و َّب ُط ُل فع ُلها َو ُوجو ُاها‪َ ،‬و َّ َضمحل ُركي ُبها»‪.‬‬
‫ُص َ‬

‫حق اإلحاطة؛ أل ّ ا كنقطة مركز راسمة بس ها مثل اخلط واخلط‬ ‫(‪ )1‬أي املركز املعنوي ٌ‬
‫حميط ّ‬
‫الوجوب‬
‫ُ‬ ‫كخط ُأاّر دىل نفسه؛ فيحصل اائرة‪ّ .‬‬
‫ثم العقل أّض ًا كدائرة مركزه‬ ‫ّ‬ ‫املعنوي‪،‬‬
‫الذات‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫دهو َّي ٌة‪ ،‬بدَ ُو إاجااها دندَ‬ ‫َ‬
‫فيال‪ :‬ما النّفس النّاطية اليدس ّية؟ قال×‪ُ « :‬ق َّو ٌة ُ‬
‫يداي العقل َّي ُة‪ ،‬ف ْع ُلها‬ ‫الوألاة الدنيو ِّّة ‪َ ،‬م َق ٌّرها ال ُع ُلو َم َ‬
‫احلقيق َّي ُة‪َ ،‬مواا َها ال ّتأّ ُ‬ ‫َ‬
‫د دا َا ْي إىل ما‬ ‫ب فراقها َ َّتلل اآلدي اجلسامن َّية‪َ ،‬فإذا فار َق ْ‬ ‫الربان ّية‪َ ،‬س َب ُ‬
‫ف َّ‬‫املعار ُ‬
‫دي َدوا ُجم َاو َرة د دو َا ُممازجة»‪.‬‬
‫من ُه َب ْ‬
‫دهو َ َّي ٌة‪َ ،‬و َج َ‬
‫وهر ٌة‬ ‫فيال‪ :‬ما النّفس اإلهل ّية امللكوت ّية الكّل ّية؟ فيال×‪ُ « :‬ق َّو ٌة ُ‬
‫د‪َ ،‬وإليه َا ّلد َوأشاري‪،‬‬ ‫َبسي َط ٌة َح َّي ٌة بال ّذاي‪ ،‬أص ُلها ال َع ُ‬
‫قل‪ ،‬من ُه بدَ ْي و َدن ُه َا َد ْ‬
‫َعو ُا بالكَامل‪.‬‬
‫ااي‪ ،‬وإليها ُ‬ ‫د‪َ ،‬ومنها َبدَ ي املَ ُ‬
‫وجو ُ‬ ‫شاهب ْ‬ ‫َودو ُاها إ َليه إذا ك ْ‬
‫َملد َو َ َ‬
‫ذاي ال ُعليا‪َ ،‬و َش َجر ُة ُطوبى‪َ ،‬وسدر ُة املُنتَهى‪َ ،‬و َجنَّ ُة املاوى‪َ .‬من َد َر َفها َمل‬
‫َوه َي ُ‬
‫شق أ َبد ًا‪َ ،‬و َمن َجه َلها َض َّل َو َوى»‪.‬‬
‫َّ َ‬
‫ار ٌ‬
‫اك‪ُ ،‬حميط باألشياء َدن َمجيع‬ ‫وه ٌر َّ‬
‫السائل‪ :‬ما العيل؟ قال×‪َ « :‬ج َ‬
‫فيال ّ‬
‫وجوااي‪َ ،‬و اّ ُة املطالب» ‪.‬‬ ‫بل كَونه‪َ ،‬ف ُه َو د َّل ُة ل َ‬
‫لم ُ‬ ‫اليشء َق َ‬
‫فب ّ‬‫جهاهتا‪ ،‬دار ٌ‬
‫صدق و ّيل اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫إشكال عّل قواعد أرباب العلوم‬ ‫مقرها العلوم احلقيق ّية» فيه‬
‫قوله×‪ّ « :‬‬
‫ميرها دون‬
‫أن العلم كيف ّية نفسان ّية‪ ،‬فالنّفس ّ‬ ‫ميره ّ‬
‫احلييي ّية؛ إذ قد ُق ّرر يف ّ‬
‫العكس؛ فلكالمه× بيانان‪:‬‬
‫دمها‪ :‬أن يكون إشار ًة إىل ّاّتاد العاقل واملعيول عّل نحو أرشنا إليه سابي ًا‪،‬‬
‫أح ُ‬
‫َ‬
‫أن النفس يف ميام ذاهتا البسيطة جامعة جلميع ما هو معيول ّ‬
‫بالذات هلا‬ ‫وهو ّ‬

‫(‪ّ )1‬ستنبط منه حق ّية كون النّفس جسامن ّية احلدوث‪ ،‬روحان ّية البقاء‪ ،‬حيث قال «بدو‬
‫إاجااها» ومل ّقل «بدو ع ّلقها»‪ .‬وأّض ًا ّستنبط من قوله «فعلها املعارف ّ‬
‫الربان ّية» أن اإلاراك‬
‫بالفعال ّية‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬مر آنف ًا‪.‬‬
‫بنحو أعّل‪ ،‬كام ّأُنا جامعة جلميع قواها بنحو بسيط ومصداق واحد‪:‬‬

‫املفصلة‪،‬‬
‫فكيف ما يف عامل نفس النّفس؟ فالنّفس ميام إمجال تلك املعيوالت ّ‬
‫ور هلا بال جتاف عن ميام ا‬ ‫ٌ‬
‫إرشاق من ا‪ ،‬وظ ٌ‬ ‫عيّل‬
‫ّ‬ ‫كّل‬ ‫ونحو أعالها‪ّ .‬‬
‫وكل ّ‬
‫ٌ‬
‫حميط‬ ‫نور بسيط‬
‫عيّل ٌ‬
‫ٍّ‬ ‫كّل‬
‫كل ٍّ‬‫أن ّ‬
‫الذايت‪ ،‬وميام تفصيل ورشح للنّفس‪ ،‬كام ّ‬
‫ّ‬
‫باألفراد غري املتناهية‪ ،‬املوضوعة لليض ّية احلييي ّية‪ ،‬متّحدٌ هبا‪ .‬وهو ه بال جتاف‬
‫فالكّل العيّل لعظمة وجوده البسيط؛ يسع رداء شموله َّ‬
‫كل رقائيه؛‬ ‫ّ‬ ‫أيض ًا؛‬
‫كّل بعد ذلك مل ينل ذات النّفس أمر ًا‬ ‫ولذلك ّ‬
‫كل ما تناله بيواها من جزئ ّيات ّ‬
‫جديد ًا إ ّال ما هو من باب غرائب الطبيعة وأجانب ا‪ .‬وكذا الكالم يف كل ّيات‬
‫ّ‬
‫الكّل‬ ‫تلك الغرائب حتّى يؤول إىل االنضاممات اجلزئيّة االعتبار ّية‪ .‬وأ ّما‬
‫ّتصل ا‬ ‫الطبيع ‪ ،‬ف و أيض ًا ُ‬
‫نفس مف وم‪ ،‬وشيئ ّية ماه ّية متّحدة؛ إلهبام ا وعدم ّ‬
‫مع احلييية‪ ،‬والرقائق حممولة مواطاة علي ام؛ فالنّفس تظ ر بصورة ك ّل ّ‬
‫معرف يف‬

‫(‪ )1‬إرشاد األذهان ‪ .172 :1‬التعجب‪.60 :‬‬


‫ّ‬
‫معدل‪ ،‬خليفة لألنوار‬ ‫منضجع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حمرق‪،‬‬ ‫ّل خفيف مطلق ًا‪ ،‬وأنه‬
‫أن النّار مث ً‬
‫(‪ )2‬فإذا دلمد ّ‬
‫ذلك من أحكامه‪ ،‬ورأّته يف احلال‪ ،‬ومل ره يف املايض وادستقبال‬ ‫العلو ّّة يف اإلنارة‪ ،‬إىل‬
‫ه‬ ‫الذات املشرتك بني ما يف احلال و‬
‫ّ‬ ‫فإن متام‬
‫فقد أاركد حقيقته‪ ،‬ونلد ما هو أصل ذا ه؛ ّ‬
‫أاركد حقيقته التي يف األصقاع واجلهاي‪ ،‬بحيث مل‬
‫َ‬ ‫واحد‪ .‬وكذا إذا رأّته يف موضع فقر‪،‬‬
‫ّبق من متام ذا ه َشء‪ .‬نعم مل َر انتسابه إىل هذا وذاك من أنّه هل نضج هذا العجني‪ ،‬أو ددل‬
‫َ‬
‫هذا املركّب‪ ،‬أو أنار لك البقعة أم د؟ وهذه مطالب القوى اجلزئية ومطلوب ّيتها بمدخل ّية‬
‫البدن‪ّ ،‬‬
‫وكل ما هو مطلوبيته ومر وبيته بمدخلية البدن‪ ،‬فإذا رفضد البدن‪ ،‬زالد مر وبيته‪.‬‬
‫البدن والغنى دنه‬ ‫بخّلف ما هو مطلوب رصّح العقل وأدىل املدارك‪ ،‬فإنّه ّقوى بعد رف‬
‫ودام هو من صقعه مكتفي ًا بذا ه وباطن ذا ه‪ .‬واملعرفة بذر املشاهدة‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫احلدود‪ ،‬ووسط يف الرباهّي وينري املطالب‪.‬‬
‫وثانيهام‪ :‬أن يكون رشح ًا ليوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬قل الر ُ‬
‫وح مان أمار َر ّيب﴾ أي مـن‬
‫مر‬ ‫الذكر ّ‬
‫أن أ َ‬ ‫عامل األمر ال من عامل اخللق‪ ،‬كالبدن‪ .‬ومعلوم عند أويل األمر وأهل ّ‬
‫اهلل علم اهلل ومشيئ ُة اهلل‪ ،‬بـل الـنّفس إن كانـت مـن ّ‬
‫الرابعـة كانـت كسـابيت ا‬
‫احلسنى‪ ،‬والحيت ا املثّل‪ ،‬نفس أمر اهلل‪ ،‬ومشيئة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقوله×‪« :‬موا ّاها التأّيداي العقل ّية»‪ ،‬لفظ «املا ّدة» ُاطليت مشاكلة‬
‫معرب «مايه»‪ .‬فإ ّن ّ‬
‫املجردات احلييي ّية «ما هو» في ا «مل هو»‪ .‬ومن‬ ‫للسابيتّي‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫قبيل الثاين ما أطلق صدر الدّ ين اليونوي ‪ +‬املا ّد َة عّل وجود املمكن‪،‬‬
‫والصور َة عّل ماه ّيته‪.‬‬
‫ّ‬
‫تصديق تلميح ًا ليول احلكامء اإلهل ّيـّي حيـث ييولـون‪ُ :‬‬
‫درك‬ ‫ٌ‬ ‫ويف كالمه×‬
‫احليائق وحفظ ا باالتّصال بالعيل الف ّعـال‪ ،‬وإنّـه خزانـة الـنّفس النّاطيـة‪ .‬قـال‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬د َّل َم ُه َشدّدُ ا ْل ُقوى﴾ ‪ .‬وذلك ّ‬
‫ألن العيل الف ّعال مع وحدته وبسـاطته‬
‫التجرد‪ ،‬أو واجد لوجودها بنحـو‬
‫ّ‬ ‫جامع جلميع صور احليائق بنحو‬
‫ٌ‬ ‫َّي به‪،‬‬ ‫ال ّالئيت ِ‬
‫يتوجـه إليـه ويفـيض علـي ام صـور ًا مثـل‬
‫أحق‪ .‬والنّاطيـة ّ‬
‫أعّل وأرشف‪ ،‬وهو ّ‬

‫(‪ )1‬كذا بعطف الفعل عّل االسم‪.‬‬


‫(‪ )2‬اإلرساء‪.85 :‬‬
‫ه‪ .‬ودىل قول بع‬ ‫احلريف‪ ،‬د هو ود‬
‫ّ‬ ‫ألن الرابعة فانية يف اهلل‪ ،‬باقية به‪ ،‬فهي كاملعنى‬
‫(‪ّ )3‬‬
‫الكيل الذي هو‬
‫ّ‬ ‫املحق ّقني إنه د ماهية للنّفس الناطقة فض ً‬
‫ّل دن النّفس الكل ّية اإلهل ّية‪ ،‬والعقل‬
‫اورها وختمها‪ ،‬فهي نفس الوجوا الذي هو كلمة «ك ُْن»‪ ،‬وأمر اهلل التّكوّني؛ فكلمة «من» يف‬
‫قوله عاىل ﴿م ْن َأ ْمر َر ِّيب﴾ (اإلَساء ‪ )85‬دىل ما ذكر فيام قبل الرتقي للتبعي ‪ ،‬وفيام بعده‬
‫للتّبيني‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬النجم‪.5 :‬‬
‫الصور‪ ،‬أو يتّحد به‬
‫وتكرر يف ّ‬
‫ّ‬ ‫الصور ا ّلت هناك بال تعدّ د‬
‫صوره‪ ،‬أو يشاهد نفس ّ‬
‫ويفنى فيه بال تعدّ د يف املوضع‪:‬‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ّاس فِيام ي ِ‬
‫عش ُي َ‬ ‫َولِلن ِ‬
‫ون َمذاه ٌ‬ ‫َ‬
‫أعذب وأحّل؛ فإ ّن له وجود ًا لنفسه‪ ،‬ووجود ًا لنا‪ ،‬أي وجود ًا نفس ّي ًا‬
‫ُ‬ ‫واألخري‬
‫الرابط ؛ فال يلزم ما أورده الشيخ أبو‬ ‫ووجود ًا رابط ّي ًا‪ .‬ونحن نتّحد بوجوده ّ‬
‫ُ‬
‫جتزي العيل الف ّعال‪ ،‬وإ ّما العلم‬ ‫ّ‬
‫باالّتاد بأنّه يلزم إ ّما ّ‬ ‫عّل بن سينا عّل اليائل‬
‫كل واحد ممّن ّاّتد به كل ما يعلمه اآلخر ممّن ّاّتد‬
‫بكل ما يعلمه‪ ،‬فيلزم أن يعلم ّ‬
‫ّ‬
‫أيض ًا به‪.‬‬
‫بأن تعجّي هذا الرتياق‪ ،‬وختمري هذا ال ّطّي ـ‬
‫ويف استعامل لفظ املا ّدة اومأ× ّ‬
‫أي طينة النّفس الثالثة ـ من عل ّيّي العلوم العيل ّية غري املتع ّلية بالعمل كاحلكمة‬
‫النظرية أو املتع ّلية به كاحلكمة العمل ّية مجيع ًا‪ ،‬بل اليدرة أيض ًا املس َّببة عن العمل‬
‫املتع ّلق للثانية‪ ،‬كام قال× يف ُاوىل خاص ّيت الثالثة‪« :‬النّزاهة» يف حديث كميل‪.‬‬
‫وإنّام قال×‪« :‬بعوا ممازجة» يف األُول َيّي و«بعوا جماورة» يف ال ّثالثة‪ ،‬ومل ّ‬
‫يتعرض‬

‫(‪ )1‬وفيات األعيان ‪ .466 :4‬بحار األنوار ‪.118 :106‬‬


‫(‪ )2‬وأّض ًا ليس وحد ه وحدة ددا ّّة ا أي حمدواة ا‪ ،‬بل له وحدة ح ّقة ظل ّية لوحدة ّ‬
‫احلق‬
‫ّل بالفعل‪ّ ،‬اّتدي بوجه من وجوهه‬ ‫وكل نفس صاري دق ً‬ ‫عاىل؛ فله وجوه وارجاي‪ّ .‬‬
‫وارجة من ارجا ه‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رشح اإلشارات والتنبي ات ‪.294 :3‬‬
‫(‪ )4‬هذا بيان للع ّليني‪ .‬و«الطينة» أحد أسامء املااة‪ .‬واملراا أ ّن ما ّاة النّفس التي صاري دق ً‬
‫ّل‬
‫أن ما ّاة النفس التي صاري جه ً‬
‫ّل‬ ‫بالفعل‪ ،‬وطينته هي امللكاي احلميدة العلم ّية والعمل ّية‪ ،‬كام ّ‬
‫سجني اجلهادي املركّبة‪ ،‬واألخّلق‬
‫بالفعل هي امللكاي الرذّلة‪ ،‬وهي طينته اخلبيثة من ّ‬
‫الرا ّّة‪ .‬منه‪.‬‬
‫ألن االُوليّي جسامنيتان‪ ،‬وجودمها عّي الوجود‬
‫الرابعة؛ ّ‬
‫لكيفية العود يف ّ‬
‫ألن ّ‬
‫املحل ليس غريب ًا عن ام‪.‬‬ ‫للمحل‪ ،‬فمامزجة ّ‬
‫املحل ممازجت ام؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫جترد اخليال وإن كان ح ّي ًا‪،‬‬
‫وما قال صدر املتأهلّي صاحب (األسفار)‪ +‬من ّ‬
‫صوري وتش ّبح تيدّ ري‪ ،‬فعوده كتامزج‬ ‫ّ‬ ‫جترده‬ ‫ال يدفعه كالمه×؛ ّ‬
‫ألن ّ‬
‫األجسام الطبيع ّية بوجه‪ ،‬مع ّ‬
‫أن عوده وحرشه يف احليوانات تبع ّ ال استياليل‪،‬‬
‫ُ‬
‫االستيالل؛ باعتبار جنبته الناطية‪.‬‬ ‫ويف اإلنسان‬
‫جمردة وال س ّيام إذا صارت عي ً‬
‫ال بالفعل‪ ،‬فتعود إىل ما بدأت‬ ‫ّ‬ ‫وأما ال ّثالثة‪ ،‬ف‬
‫ّ‬
‫منه بطريق املجاورة ال املامزجة؛ إذ الوضع واحل ّيز‪ ،‬والفصل والوصل‪ ،‬وأمثال‬
‫اليرب‬
‫ُ‬ ‫جمردة عن ا‪ ،‬لك ّن املراد باملجاورة‪:‬‬
‫ذلك من توابع املا ّدة‪ ،‬والفرض ّأُنا ّ‬
‫املعنوي املعن به‪ :‬التخ ُّلق بأخالق ّ‬
‫الروحان ّيّي اليد ّيسّي‪ ،‬وغلبة أحكام هؤالء‬
‫علي ا‪.‬‬
‫لسوائ ّية يف‬ ‫كالعيول الك ّلية من صيع ّ‬
‫الربوب ّية‪ ،‬وأحكام ا ّ‬ ‫الرابعة‪ ،‬ف‬
‫وأما ّ‬
‫ّ‬
‫عّل (صلوات اهلل وسالمه عليه)‪َ « :‬معر َفتي‬
‫نظر ش ودها مست لكة‪ ،‬كام قال ّ‬
‫ّ‬
‫املستيل باملف ومية؛ فال‬ ‫بالن ُّوران َّية َمعر َف ُة اهلل» ‪ .‬وه كاملعنى احلريف غري‬
‫موضوع ّية هلا عّل حياهلا‪ ،‬فال توصف باملجاورة هبذا الوجه‪ ،‬إنّام التوصيف هبا‬
‫وأمثاهلا باعتبار ِ‬
‫أخذها بـ«رشط ال»‪ ،‬واعتبار نفس املاه ّية العيل ّية أو النفسيّة‬
‫نضوة باطن ًا املَ ّ‬
‫كسوة ظاهر ًا‪.‬‬ ‫ونفس املا ّدة املَ ّ‬
‫املعرب عنه عند‬ ‫قوة دهو ّية»‪ :‬ال ّالهوت‪ :‬ميام األسامء و ّ‬
‫الصفات ّ‬ ‫قوله×‪ّ « :‬‬
‫ليوة إلي ا باعتبار التخ ّلق بأخالق‬
‫العرفاء بـ«مرتبة الواحد ّية» ـ وانتساب هذه ا ّ‬

‫(‪ )1‬بحار األنوار ‪.7 ،2 :26 ،1/1 :26‬‬


‫املكسوة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املنضو عن ا جلباهبا‪ ،‬وه فيام ييابل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬يريد‪:‬‬
‫اهلل تعاىل ـ وجوهرة بسيطة؛ إذ ال أجزاء خارج ّية وال ميدار ّية هلا‪ .‬وماه ّيت ا‬
‫الكّل ا ّلذي هو أصل ا‪ ،‬وليس هلا املا ّدة بمعنى املتع ّلق أيض ًا؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫مند ّكة كالعيل ّ‬
‫البدن كجلباب له‪ ،‬ولذا كانت ح ّية ّ‬
‫بالذات‪ ،‬واحل ّ بالعرض إنّام هو اجلسم‬
‫كركُم يف ّ‬
‫الذاكرّن‪َ ،‬وأسامؤُ كُم يف‬ ‫ئمتنا «ذ ُ‬
‫الطبيع ‪ .‬ويف زيارة مأثورة يف أ ّ‬
‫رواحكم يف األرواح‪ ،‬وأن ُفسكم يف النُفوس‬
‫األسامء‪َ ،‬وأجسا ُاكُم يف األجساا‪َ ،‬وأ ُ‬
‫وآثارك ُْم يف اآلثار» ‪.‬‬
‫ُ‬
‫الكّل ا ّلذي هو من صيع ال ّال ُهوت‪ ،‬وهو املظ ر‬
‫«أصلها العقل»‪ ،‬أي العيل ّ‬
‫األعظم لصفات اهلل بمظ رية فانية فنا ًء تا ّم ًا يف ّ‬
‫جتّل الظاهر‪.‬‬
‫أي»‪ ،‬صيغة «بدأت» ك ّلام وقعت يف هذا احلديث الرشيف م موزة‬
‫«منْ ُه َبدَ ْ‬
‫بيرينة امليابلة بالعود ‪ ،‬وبعض ا يف بعض النسخ جاء منيوص ًا‪ ،‬واألول أظ ر‪.‬‬
‫ألُنا لسان العيل‪.‬‬
‫د» ّ‬‫و« َدنْ ُه َا َد ْ‬
‫د» فروع ا وأش ّعت ا‪.‬‬ ‫و«إ َل ْيه َا َّل ْ‬
‫و« َد ْو ُاها إ َل ْيه» إذ أكملت ﴿كَام َبدَ َأك ُْم َ ُعو ُا َ‬
‫ون﴾ وعوده إىل اهلل‪ ،‬والعائد‬
‫إىل العائد إىل يشء عائد إىل ذلك الّشء بعّي عوده‪ .‬ومن ا بدأت املوجودات؛‬
‫األول‬ ‫ألن الغرض‪ّ :‬أُنا صارت بالفعل‪ ،‬واتّصلت بأصل ا ا ّلذي هو ّ‬
‫الصادر ّ‬ ‫ّ‬
‫املصدر للجميع‪ ،‬وواسطة الوجود‪ ،‬ورابطة للخلق باملعبود‪ .‬ويف املأثورة‬
‫املذكورة يف األئمة^‪« :‬بكُم َفت ََح اهلل َوبكُم َخيت ُم» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬من ال حيضه الفييه ‪ ،3213/616 :2‬هتذيب األحكام ‪.177/100 :6‬‬


‫(‪ )2‬كذا العبارة يف النسخة احلجرية‪ ،‬وه غري تأ ّم َر؛ إذ ال جواب للرشط‪.‬‬
‫(‪ )3‬األعراف‪.29 :‬‬
‫(‪ )4‬أي يف الزيارة اجلامعة الكبرية‪.‬‬
‫د َ‬
‫األشياء ألجل َ‬
‫ك‪َ ،‬و َخلقتُك ألجيل» ‪.‬‬ ‫بن آ َا َم‪َ ،‬خ َل َق ُ‬
‫ويف اليديس‪ّ« :‬ا َ‬
‫حلمدُ هلل ا َّلذي َخ َل َق اإلنسان‪،‬‬
‫الرئيس ابن سينا‪« :‬ا َ‬
‫ويف خطبة رسالة للشيخ ّ‬
‫ِ‬
‫األكوان»‪.‬‬ ‫و َخ َل َق ِمن ُفضا َلتِ ِه ِ‬
‫سائر‬ ‫َ‬
‫وقال الشيخ أبو طالب املك ‪ +‬يف كتاب (قوت اليلوب)‪« :‬إ ّن األفالك‬
‫تدور بأنفاس بن آدم»‪.‬‬
‫احلق)‪« :‬احلَمدُ هلل ا ّلذي‬ ‫وقال الشيخ حمي الدّ ين يف افتتاح كتاب (سبحة ّ‬
‫فاس ِه‬
‫ترشيف ًا وتَنوهي ًا بأن ِ‬ ‫ِ‬
‫الكام َل ُم َع ِّلم املَ َل َك‪َ ،‬وأدار ُسبحا َن ُه وتعاىل َ ِ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫َج َع َل‬
‫ال َف َل َك»‪.‬‬
‫الشيخ فريد الدّ ين الع ّطار النيشابوري ‪:+‬‬ ‫ونِعم ما قال ّ‬

‫إىل أن قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬رسائل ّ‬
‫املحيق الكرك ‪.162 :‬‬
‫العامل ظ ّله‪،‬‬
‫ألن اإلنسان الكامل «هيكل التوحيد» وجامع اجلوامع؛ فامللك العّلّم وامللك ّ‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫فحسه وشوقه و ضبه وّترّكه‬ ‫املتحرك باإلرااة؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫احلساس‬ ‫كام هو ّ‬
‫ظل اهلل‪ .‬واحليوان فصله ّ‬
‫وّتركه كلها ظّلل قواه‪ ،‬وكأ ّ ا مصابيح يف مراّا انعكسد من مصباح أصل؛ ألن قواه‬
‫ّ‬
‫ممسوسة بنور العقل‪ ،‬بخّلف ُقوى احليوان؛ فإنه مأخوذة با«رشط د»‪ .‬وهذا كام ورا يف‬
‫أحااّث أئمتنا أنّه «خلقد طينتنا من دل ّيني‪ ،‬وخلقد طينة شيعتنا من فاضل طينتنا»؛ وذلك‬
‫ألن دقائد شيعتهم احل ّقة وأخّلقهم وأدامهلم وهي طينة نفوسهم أشعة دقائد أئمتهم‬ ‫ّ‬
‫وأضّلل أخّلقهم وأدامهلم يف األئمة‪ّ ،‬‬
‫كالشمس وما يف الشيعة كالقمر‪ .‬منه‪.‬‬
‫درجات أقصاها الدّ رجة اخلتم ّية‪ ،‬واحلييية املحمد ّية؛‬
‫ٌ‬ ‫وألُوىل املرتبة ّ‬
‫الرابعة‬
‫ف و| كعاكس‪.‬‬
‫ـوس بعلــوم م وعصــمت م وط ــارهتم لــه بعلمــه‬
‫وس ـكّان اجلــربوت عكـ ٌ‬
‫ُ‬
‫وح ّـراس‬
‫عكوس له بيدرتـه‪ ،‬فإنّـه يـد اهلل‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫وعصمته‪ ،‬و ُق ّطان امللكوت بيدرهتم‬
‫عكوس له بديمومة نوره ا ّلذي‬
‫ٌ‬ ‫الساموات ون َِّرياهتا بديمومت م ورفعت م وتربيت م‬
‫ّ‬
‫هو ّأول ما خلق‪ ،‬ورفعه منزلته الت جـاء في ـا‪« :‬لاودك ملاا خلقاد األفاّلك»‪،‬‬
‫ـب بــ«رمحـة‬ ‫وتربيته الت كان بحسـب ا نب ّيـ ًا وآدم بـّي املـاء وال ّطـّي‪ ،‬ومن ـا ُل ِّي َ‬
‫الرسالة»‪ .‬وصدر ُاويل العزم ّية يف نشأة‬ ‫ِ‬
‫النبوة» و«نادي ّ‬ ‫للعاملّي»‪ ،‬و«ج ّال ُس حمفل ّ‬
‫بنبوته ورسـالته‪ ،‬و ُاويل عزم ّيتـه وختم ّيتـه في ـا ‪ ،‬وهكـذا‬
‫عكوس له ّ‬
‫ٌ‬ ‫النّاسوت‬
‫حيوان عامل الكيان من النّاسوت‪ ،‬و َمن يف درجته ونباته ومعدنه إىل بسائطه ك ّل ـا‬
‫عكوس ميامات برش ّيته (صلوات اهلل وتسليامته وبركاته عليه وآله)‪.‬‬
‫ُ‬
‫ذاي ا ْل ُع ْليا» ـ هكذا يف نسخ َرأينا ـ وهو من باب حذف‬
‫قوله×‪َ « :‬وه َي ُ‬
‫املوصوف‪ ،‬أي صاحبة املنزلة العليا‪ ،‬أو صاحبة صفات اهلل العليا يف ميام التخ ّلق‬

‫السلسلة ال ّطولية نزودً وصعوا ًا فقط؛ حيث‬ ‫(‪ )1‬هذه اخلتم ّية فسيحة جدّ ًا‪ ،‬وليسد بحسب ّ‬
‫السلسلة العرض ّية‬‫الكيل الذي هو جامع فعل ّياي مجيع ما اونه‪ ،‬بل بحسب ّ‬ ‫نذكر أنّه العقل ّ‬
‫الرمحة الواسعة كام‬ ‫أّض ًا‪ ،‬فإنّة إذا كان احلقيقة املحمدّ ّّة هي الوجوا املنبسط الذي هو ّ‬
‫ّل للامضني والغابرّن من‬ ‫أنه| مل ّقب با«رمحة للعاملني»‪ ،‬كان نوره لكل ّيته وسعته شام ً‬
‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬واألولياء الوارثني من ُأ ّمته املرحومة‪ ،‬كام قال| «آام ومن اونه ّتد‬
‫لوائي ّوم القيامة»[دوايل الآليل ‪ ،198/41 4‬بحار األنوار ‪ ،]1/402 16‬فدولته احل ّقة‬
‫وأشعته؛ لكل ّيته‪ ،‬وكونه رمحة اهلل‬‫الكرّمة باقية د زول‪ ،‬فكل من اجيء بعده من شيعته ّ‬
‫ديل الذي هوحسنة من حسناي املرسلني ا َإلبراهيم‪ .‬منه‪.‬‬ ‫أن من شيعته ا ٍّ‬‫الواسعة‪ ،‬كام ّ‬
‫هبا‪« .‬وشجرة طوبى» ه باعتبار اتّصاهلا باحلييية العيل ّية ا ّلت ه كثرية‬
‫التجل ّيات‪ ،‬والعيول ك ّل ا كأغصانه‪ ،‬والنفوس السعيدة كأوراقه وأزهاره‪.‬‬
‫و«سدرة املنتهى» ه باعتبار اتّصاهلا با ّلالهوت‪ ،‬فإ ّن «سدرة املنت ى» يف‬
‫لسان العرفاء الكاملّي ه الربزخ ّية الكربى ا ّلت ينت ى إلي ا مسري ال ُك َّمل‪،‬‬
‫وأعامهلم وعلوم م‪ ،‬وه ُناية املراتب األسامئ ّية ا ّلت ال تعلوها رتبة‪.‬‬
‫الصفات ا ّلت ه التجل ّيات األسامئ ّية والتخ ّليات‬ ‫و«جنّة املأوى» أي جنّة ّ‬
‫وجه ذلك يف بيان ربط احلادث‬
‫مر ُ‬
‫ّشق» إىل آخره‪ ،‬قد ّ‬
‫َ‬ ‫الصفاتية‪« ،‬من درفها مل‬
‫ّ‬
‫باليديم‪ ،‬والصالة عّل وجه النب ّ الكريم‪.‬‬
‫«حميط باألشياء»‪ ،‬قد يطلق العيل الكّّل وعيل ّ‬
‫الكل ويراد‪ :‬مجلة العيول‬
‫كأُنا فروعه وجتل ّياته‪ ،‬وقد‬
‫العيّل املحفو في ا ّ‬
‫ّ‬ ‫الطول ّية والعرض ّية‪ ،‬بل أصل ا‬
‫األول ا ّلذي بإزاء النّفس ا ّلت للفلك األقىص ا ّلذي قد ييال له‪:‬‬
‫يطلق عّل العيل ّ‬
‫أي‬ ‫ّ‬
‫الكل‪ .‬وعّل ّ‬ ‫ِ‬
‫ونفس‬ ‫النّفس الك ّلية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الكل‪ .‬وقس عليه إطال َق‬ ‫جسم‬
‫التّيديرين‪ ،‬فإحاطة العيل ّ‬
‫الكّل بجميع العيول‪ ،‬ومجيع النفوس‪ ،‬بل بجميع‬
‫األشياء مربهنة؛ ألنّه جامع فعل ّيات األشياء من حيث ه فعل ّيات‪ ،‬وموضع‬
‫الكتب العيل ّية احلكم ّية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بسطه‬
‫الشيطان‪ ،‬ف و عند املتك ّلمّي‪ :‬جسم‬
‫هذا أنموذج من كتاب النّفس‪ ،‬وأ ّما ّ‬
‫لطيف رشير‪ ،‬قادر عّل التشكّل بأشكال خمتلفة‪ ،‬كأصله ا ّلذي هو اجل ّن أو امللك‬
‫أنواع متخالفة‪ .‬وعند‬
‫ٌ‬ ‫عّل االختالف‪ .‬وال ّثالثة ـ مع جسم ّيت م عند أكثرهم ـ‬

‫لكل القوى ادنفعال ّية‪،‬‬ ‫أن اهليوىل األُوىل التي أثبتها ّ‬


‫املشاؤون من احلكامء جامع ٌة ّ‬ ‫(‪ )1‬كام ّ‬
‫الضعف‬ ‫قوة يف ّ‬
‫كل ما ّاة من شعبها‪ ،‬هذا من ّ‬ ‫إن ّ‬
‫كل ّ‬ ‫وادستعداااي وال ّظلامي‪ ،‬بحيث ّ‬
‫والسخافة‪ ،‬ويف العقل من ّ‬
‫الشدة والتامم ّية‪ .‬منه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫املحصل)‪« :‬ك ّل م ٌ‬
‫نوع‬ ‫ّ‬ ‫املُعتزلة عّل ما نيل املح ّيق الطويس‪ +‬عن م يف (نيد‬
‫واحد‪ ،‬وختالف م باألفعال؛ فا ّلذين ال يفعلون إ ّال اخلري ف م املالئكة‪ ،‬وا ّلذين ال‬
‫الشياطّي‪ ،‬وا ّلذين يفعلون تارة هذا وتارة ذاك‪ ،‬ف م اجل ّن؛‬ ‫الرش ف م ّ‬‫يفعلون إ ّال ّ‬
‫ولذلك عدّ إبليس تار ًة يف املالئكة‪ ،‬وتار ًة يف اجل ّن» ‪.‬‬
‫باجلن‬
‫ّ‬ ‫وقال الع ّالمة التّفتازاين يف (رشح املياصد)‪« :‬واليائلون من الفالسفة‬
‫ترصف وتأثري يف عامل األجسام‬ ‫والشياطّي‪ ،‬زعموا أ ّن اجل ّن جواهر ّ‬
‫جمردة هلا ّ‬ ‫ّ‬
‫العنرص ّية من غري تع ّلق هبا تع ّل َق النّفوس البرش ّية بأبداُنا‪ ،‬وا ّ‬
‫لشياطّي ه اليوى‬
‫ورصف ا عن‬ ‫املتخي ّلة يف أفراد اإلنسان من حيث استيالئ ا عّل ّ‬
‫اليوة العيلية‪َ ،‬‬
‫الش وات وال ّلذات احلس ّية‬
‫جانب اليدس‪ ،‬واكتساب الكامالت العيل ّية إىل اتّباع ّ‬
‫والومه ّية‪ .‬ومن م من زعم ّ‬
‫أن النّفوس البرش ّية بعد مفارقت ا عن األبدان‪ ،‬وقطع‬
‫العالقة من ا‪ ،‬إن كانت خرية مطيعة للدّ واع العيل ّية ف م اجل ّن‪ ،‬وإن كانت‬
‫الضاللة واالُنامك يف الغواية‪ ،‬ف م‬
‫الرشور واليبائح‪ُ ،‬معينة عّل ّ‬
‫رشيرة باعثة عّل ّ‬
‫الشياطّي‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬فاليول بوجود املالئكة واجل ّن والشياطّي ممّا انعيد عليه إمجاع‬
‫وحك مشاهدة اجل ّن عن‬
‫اآلراء‪ ،‬ونطق به كالم اهلل تعاىل‪ ،‬وكالم األنبياء^‪ُ .‬‬
‫كثري من العيالء‪ ،‬وأرباب املكاشفات من األولياء؛ فال وجه إلنكاره‪ ،‬كام ال‬
‫سبيل إىل إثباته باألد ّلة العيل ّية» انت ى‪.‬‬
‫الرزاق ال ّالهيج بعد نيل هذا الكالم يف بعض كتبه‬
‫وقال املح ّيق عبد ّ‬

‫املحصل)‪.230 :‬‬ ‫(‪ )1‬نيد املحصل(تلخي‬


‫(‪ )2‬رشح املياصد ‪.366 :3‬‬
‫الفارس ّية‪« :‬املغايرة بّي َ‬
‫قويل احلكامء يف كالمه باعتبار اليول ّ‬
‫بالشياطّي‪ ،‬ال اليول‬
‫باجل ّن ‪.‬‬
‫ألن اجل ّن عّل كال اليو َلّي وإن كانت جواهر ّ‬
‫جمردة‪،‬‬ ‫أقو ُل ليس كذلك؛ ّ‬
‫جمردة كالنّفس متع ّلية‪ ،‬وإذا قطع‬
‫جمردة من رأس‪ ،‬ويف ال ّثاين ّ‬
‫األول ّ‬
‫لكنّ ا يف ّ‬
‫فتجردها جتر ّد بعد التع ّلق ‪ .‬وأيض ًا‪ ،‬يف ّ‬
‫األول خمالفة بالنّوع للنّفس‬ ‫ّ‬ ‫تع ّلي ا‬
‫اإلنسان ّية بخالف ا يف ال ّثاين‪.‬‬
‫احلق يف املَ َلك ما يف (اليبسات) للس ّيد املح ّيق الدّ اماد ‪ ،‬قال‪ّ « :‬‬
‫احلق ما‬ ‫ثم إ ّن ّ‬
‫ّ‬
‫املحصلون من علامء اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫الصناعة‪ ،‬واملَ َ َر ُة‬
‫عليه احلكام ُء اإلهل ّيون من رشكاء ّ‬
‫وب‪ ،‬وقبائل وطبيات روحان ّية وهيوالنيّة‪ ،‬وقدسان ّية‬
‫ورض ٌ‬
‫وب ُ‬ ‫ّ‬
‫أن املالئكة ش ُع ٌ‬
‫وجسامن ّية‪ ،‬وعلو ّية وسفل ّية‪ ،‬وسامو ّية وأرض ّية؛ فاألعّل طبي ًة‪ :‬ا ّلذين طعا ُم م‬
‫الكروب ّيون من اجلواهر العيل ّية‬
‫ّ‬ ‫الروحان ّيون‬
‫ورشاهبم التيديس‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫التّسبيح‪،‬‬
‫روح اليدس النازل بأنوار الوح ‪ ،‬والنّافث‬
‫بطبيات أنواع ا وأنوارها‪ .‬ومن م ُ‬
‫السامو ّية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّفوس النّاطية املفارقة ّ‬ ‫يف أرواع ُاويل ّ‬
‫اليوة اليدس ّية بإذن اهلل تعاىل؛ والن‬
‫والصور الطبيع ّية النوعيّة‬
‫الدراكة والف ّعالة‪ّ ،‬‬
‫السامو ّية واليوى ّ‬
‫النفوس املنطبعة ّ‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬
‫لكل جرم‬ ‫وإن ّ‬ ‫والطبائع اجلوهر ّية‪ ،‬وأرباب األنواع للمركّبات العنرص ّية‪ّ .‬‬
‫ساموي‪ ،‬بل ّ‬
‫لكل درجة فلك ّية‪ ،‬وكذلك طبيعة ُاسطيس ّية‪ ،‬ملك ًا روحان ّي ًا متول ّي ًا‬ ‫ّ‬
‫ك إ ّد‬
‫للتّدبري‪ ،‬وقائ ًام باألمر‪ .‬وييول اليرآن احلكيم‪َ ﴿ :‬وما َّع َل ُم ُجنُو َا َر ِّب َ‬

‫(‪ )1‬رشح األسامء احلسنى ‪.51 :2‬‬


‫(‪ )2‬أي باألبدان الطبيع ّية‪ ،‬واجوز أن اجتمع مع التع ّلق بالفعل باألبدان املثال ّية ّ‬
‫دمن ّقول‬
‫منهم با«دامل املثال»‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬اليبسات‪/‬اليبس التاسع‪.401 :‬‬
‫وضع‬ ‫امء‪َ ،‬و َح ٌق َهلا أن َّ‬
‫ئط؛ ما فيها َم ُ‬ ‫ُه َو﴾ ‪ ،‬ويف احلديث عنه|‪« :‬أ َّطد َّ‬
‫الس ُ‬
‫وراكع»‪ »...‬انت ى‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َقدَ م إ ّد َوفيه َم َل ٌ‬
‫ك ساجدٌ‬
‫املنوعة‪ ،‬والطبائع ـ وباجلملة‬
‫واملحركة‪ ،‬والصور ّ‬
‫ّ‬ ‫الدراك َة‬
‫وعدُّ اليوم اليوى ّ‬
‫ّ‬
‫كاملتأهلّي عباد اهلل‬ ‫املبادئ امليارنة كاملفارفة ـ مالئك ًة وج ُه أ ُّنم إهل ّيون‪ ،‬وهم‬
‫املخلصون‪ ،‬وخادم اليضاء اإلهل ‪ ،‬كام ييال‪ :‬إن الطبيب خادم الطبيعة‪ ،‬فامتلؤوا‬
‫من نور اهلل‪ ،‬ومل ينظروا إ ّال إىل وجه اهلل‪ ،‬وهو ّ‬
‫قرة أعين م‪ ،‬ونصب نواظرهم‪.‬‬
‫وللمبادئ ـ بل ّ‬
‫لكل يشء ـ ج ٌة نوران ّية ه أق ُر وأهبر‪ ،‬وج ٌة ظلامن ّية ه‬
‫كل يشء متع ّلي ًا بعرش‬
‫مي ورة مب ورة يف الواقع ويف نظرهم وش ودهم‪ ،‬فريون َّ‬
‫علم اهلل‪ ،‬واملبادىء مظاهر درجات قدرة من هو رفيع الدّ رجات ذو العرش ال‬
‫قوة إ ّال به‪ .‬فيتبدّ ل نظرهم ويبدّ ل‪ ،‬فريوُنا مالئك ًة‪ ،‬بل‬
‫إله إ ّال هو‪ ،‬وال حول وال ّ‬
‫هناك نظر آخر أشمخ ‪ ،‬وهو النّظر الفنائ ‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن سيوط اإلضافة عن املوا ّد‬
‫واملاه ّيات الكثرية‪ ،‬والتع ّلق واإلضافة إىل الواحد األحد إضافة إرشاق ّية جيعل ا‬
‫ريب ّمني» ‪.‬‬
‫عاملة‪ ،‬بل يدَ ين‪ ،‬بل يد واحدة له «كلتا ّدي ّ‬
‫واحدة كأيد ّ‬

‫(‪ )1‬املدثر‪.31 :‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء ‪.269 :6‬‬
‫(‪ )3‬خرب املبتدأ «عدُّ »‪.‬‬
‫بسيطة ذاي ارجاي‬‫ٌ‬ ‫أن الوجوا حقيقة واحدة‬
‫(‪ )4‬أ ّّد ه األذواق‪ ،‬وسادده الربهان‪ ،‬وهو ّ‬
‫اخلاصني‪ ،‬وليسد حقائق متباّنة؛ إذ د‬
‫ّ‬ ‫متفاضلة‪ ،‬د اختّلف بني مرا بها ّإد بالكامل والنّقص‬
‫شخص الوجوا بذا ه‬
‫فاوي بالفصول؛ إذ د ركيب يف الوجوا‪ ،‬ود دوارض رّبة؛ ألن ّ‬
‫وما به ادمتياز فيه دني ما به ادشرتاك؛ فهو سنخ واحد‪ ،‬كنوع واحد‪ ،‬وأصل حمفوظ فارا يف‬
‫أثر ذلك األصل‪ ،‬فّل مؤ ّثر يف الوجوا ّإد اهلل‪ .‬منه‪.‬‬ ‫املرا ب‪ّ ،‬‬
‫فكل اآلثار التي يف املرا ب ُ‬
‫(‪ )5‬األسامء والصفات ‪ ،141 :2‬التوحيد (حممد بن إسحاق بن خزيمة) ‪ ،161 :1‬معارج‬
‫وال معنى فيه تعاىل إ ّال رصيح ذاته‪ّ ،‬‬
‫وكل كامالته عّي ذاته‪ ،‬ومن هنا ورد يف‬
‫ّك َل ُه َود َوزّر» ‪.‬‬
‫أسامئه احلسنى‪ّ« :‬ا َمن د َرش َ‬
‫ويف اليرآن املجيد‪ُ ﴿ :‬ه َو ا َّلذي ُّ َص ِّو ُركُم يف األرحام﴾ ‪﴿ ،‬اهلل َّت ّ‬
‫َوف األن ُف َس‬
‫كم َة﴾ ‪.‬‬ ‫ني َموهتا﴾ ‪﴿ ،‬ا ّ َق ُو اهلل و ُّ َع ِّل ْمك ُُم اهلل﴾ ‪َ ﴿ ،‬و ُّع ِّل ُم ُه ُم الك َ‬
‫تاب َواحل َ‬ ‫ح َ‬
‫وهلذا فيام نحن فيه طوى نرص مالئكته «عند حماربة النّفس ّ‬
‫والشيطان» يف‬
‫نرصه تعاىل‪ ،‬وهذا ميام عدم رؤية األسباب وقطع ا‪ ،‬وإليه ُأشري يف دعاء كميل‪:‬‬
‫ك َوأ ْسامئك أن َجت َع َل أوقات يف ا ّل َل َ‬
‫يل‬ ‫ك وأ ْد َظم صفا َ‬‫ك َو ُقدس َ‬ ‫«أسأ ُل َ‬
‫ك ب َح ِّق َ‬
‫وصو َل ًة‪ ،‬وأداميل دندَ َك َمق ُبو َل ًة‪َ ،‬حتّى ُ‬
‫َكون‬ ‫دمت َ‬
‫ك َم ُ‬ ‫عمورةً‪َ ،‬وبخ َ‬ ‫َوالنَّهار بذك َ‬
‫رك َم ُ‬
‫ك ََس َمد ًا» ‪.‬‬ ‫أداميل وأورااي كُلها ورا ًا واحد ًا َوحايل يف خ َ‬
‫دمت َ‬
‫ك إ ّد ُه َو﴾ ‪ُ ﴿ ،‬ق ْل‬
‫األول قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وما َّعلم ُجنُو َا ر ِّب َ‬
‫ومن امليام ّ‬
‫ك املوي ا ّلذي ُوكِّل بكُم﴾ ‪َ ﴿ ،‬د َّلم ُه َشدّدُ ال ُقوى﴾ ‪ .‬ويف هذا‬ ‫ّتَو ّفاك ُْم َم َل ُ‬

‫اليبول ‪.352 :1‬‬


‫(‪ )1‬املينعة‪ .412 :‬مصباح املت جد‪.228 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.6 :‬‬
‫(‪ )3‬الزمر‪.42 :‬‬
‫(‪ )4‬البيرة‪.282 :‬‬
‫(‪ )5‬اجلمعة‪.2 :‬‬
‫(‪ )6‬مصباح املت جد‪.849 :‬‬
‫(‪ )7‬املدثر‪.31 :‬‬
‫(‪ )8‬السجدة‪.11 :‬‬
‫(‪ )9‬النجم‪.5 :‬‬
‫النظر مبارش التّصوير إرسافيل وجنوده‪ ،‬وهذا ميام «أبى اهلل أن جيري االُمور إ ّال‬
‫بأسباهبا» ‪.‬‬

‫بيانٌ تَفصيليٌّ‬
‫ّ‬
‫والشيطان‪ ،‬واإلهلام والوسواس‪ ،‬وكيف ّية‬ ‫الت ّف ُ‬
‫صيل يف بيان وجود امللك‬
‫املحاربة والتّطارد بّي جنودمها يف معركة وجود اآلدم يستدع تأسيس ُأ ُصول‬
‫وراء ما سمعت‪:‬‬
‫الصور‬ ‫األو ُل‪ :‬أن عامل ّ‬
‫الصورة غري منحرص يف هذا العامل الطبيع ‪ ،‬بل ّ‬ ‫األص ُل َّ‬
‫َ‬
‫قسامن‪:‬‬
‫الزائلة‪.‬‬
‫ور قائمة باملوا ّد العنرص ّية الدّ اثرة ّ‬
‫ُص ٌ‬
‫ور غري قائمة هبا‪.‬‬
‫وص ٌ‬
‫ُ‬
‫وهذه ُأصول تلك‪ ،‬وهذه دائمة موجودة قبل تلك وبعدها ال دثور وال زوال‬
‫الصور األُصول ممّا اتفق عليه‬
‫حمل هلا‪ ،‬أو حم ّل ا بسيط غري داثر‪ .‬وهذه ّ‬
‫في ا؛ إذ ال ّ‬
‫اإلرشاقيون واملشاؤون‪ ،‬إ ّال إ ُّنا قائمة بذواهتا عند اإلرشاق ّيّي‪ ،‬وه عامل املثال‬
‫الذر‪،‬‬ ‫اليائل به العرفاء أيض ًا‪ ،‬وصدّ ق به الرشع األنور‪ ،‬وبه ّ‬
‫يتم عامل الربزخ وعامل ّ‬
‫وقائمة بالنّفس املنطبعة الفلك ّية عند ّ‬
‫املشائّي‪ ،‬وصور اخليال وصور املرائ عند‬
‫الس روردي عن عامل املثال‪.‬‬ ‫الشيخ اإلرشاق ش اب الدّ ين ّ‬
‫ول هذه‬‫األصل ال ّثاين‪ :‬أ ّن للنّفس اإلنسان ّية يف ذاهتا مشاعر عرشة ه ُا ُص ُ‬
‫ُ‬
‫وألن ّ‬
‫كل ما يف‬ ‫ّ‬ ‫املشاعر اجلسد ّية لتطابق العوامل الثالثة‪ :‬ال ّطبع واخليال والعيل‪،‬‬

‫(‪ )1‬الكايف ‪ .7 / 183 :1‬بصائر الدرجات‪ ،26 :‬وفي ام‪« :‬أبى اهلل أن جيري األشياء إالّ‬
‫باألسباب»‪.‬‬
‫العامل األدنى فله ٌ‬
‫مثال يف العامل األعّل‪ ،‬بل يف عامل مثاهلا مئة مشاعر ؛ ّ‬
‫ألن‬
‫العرشة ا ّلت يف عامل الطبع يضب يف العرشة ا ّلت يف املثال‪ ،‬فف ّ‬
‫كل واحد من‬
‫هناك برص وسمع‬ ‫أن البرص ا ّلت‬
‫العرشة املثال ّية متام العرشة الطبيع ّية‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫ثم يف‬
‫وشم إىل آخره‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫هناك سمع وبرص‬ ‫السمع ال ّت‬
‫ّ‬ ‫وشم إىل آخره‪ ،‬وكذا‬
‫ّ‬
‫عامل عيل ا ألف مشعر ألوسع ّية ذلك العامل من ام‪ ،‬وذلك عّل سبيل رضب املئة‬
‫يف العرشة العيل ّية باملعنى املذكور‪.‬‬
‫ث‪ :‬أ ّن النّفس اإلنسان ّية ذات وج ّي‪:‬‬ ‫ُ‬
‫األصل ال ّثال ُ‬
‫وجه إىل اجلنبة العالية والنّاحية امليدّ سة‪ ،‬وهو بابه الدّ اخّل إىل عامل امللكوت‪.‬‬

‫(‪ )1‬كذا بجمع متييز العدد مئة‪ ،‬فاألوىل مث ً‬


‫ال أن ييال‪ :‬مئة شعور‪ ،‬أو مشعر كام استعمله بعدُ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا‪ ،‬واألوىل كوُنا‪ :‬الذي ّإال مع تيدير‪ّ :‬‬
‫حاسة‪.‬‬
‫(‪ )3‬كذا‪ ،‬واألوىل كوُنا‪ :‬الذي ّإال مع تيدير‪ّ :‬‬
‫حاسة‪.‬‬
‫شم ُاخرى‪،‬‬
‫سمع ُاخرى ود ّ‬
‫ٌ‬ ‫قلد إذا كان البّص التي هناك سمع ًا‪ ،‬فّل ّكون هناك‬
‫(‪ )4‬إن ّ‬
‫وكذا يف الباقي‪.‬‬
‫الطبيعي‪ ،‬والطبيعي ام اخللقة ودىل‬
‫ّ‬ ‫ألن اإلنسان املثايل أصل اإلنسان‬
‫قلد ليس كذلك؛ ّ‬ ‫ُ‬
‫فاملثايل أ م وأقوم‪ ،‬ففيه متام األدضاء كالعني واألُذن و مها‪ ،‬وكذلك‬
‫ّ‬ ‫أحسن قوّم؛‬
‫ألن ذلك العامل أ ّم وحدة‬
‫كل العرش انطوى»؛ ّ‬‫قوة كل جارحة ّ‬ ‫بحسبها تعدّ ا القوى «ويف ّ‬
‫ومجع ّية من داملنا هذا‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )5‬إذ من أمت ّية دامل العقل د صحة سلب لفعل ّية َشء من دوامل اونه‪ ،‬ففيه ّ‬
‫كل العرشة؛ ففي‬
‫بكل املبّصاي‪ ،‬ففي بّصه ّ‬
‫كل‬ ‫حضوري ّ‬
‫ّ‬ ‫دينه فعل ّية األدني؛ ويف أذنه فعل ّية اآلذان‪ ،‬وله دلم‬
‫حضوري بكل املسموداي‪ ،‬ففي سمعه ّ‬
‫كل األسامع‪ ،‬وهكذا‪ .‬فإذا كان‬ ‫ّ‬ ‫األبصار؛ وله دلم‬
‫بمقتىض طابق العوامل يف دامل العقل املشادر العرشة‪ ،‬ويف ّ‬
‫كل منها املئة املثال ّية‪ ،‬كاند ألف ًا‪،‬‬
‫واملفاهيم الصاا ّقة كث ة بّل‬
‫ُ‬ ‫ومع كو ا ألف ًا واحدٌ بسيط؛ لكونه دامل اجلمع‪ ،‬والوجوا واحدٌ ‪،‬‬
‫صحة سلب‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫السافلة‪ ،‬وهو بابه اخلارج إىل عامل امللك‪ّ ،‬‬
‫وكل من امللكوت‬ ‫ووجه إىل اجلنبة ّ‬
‫املختصة‪ .‬والنّفس تتأ ّثر من ا بنحو «اخلطرة»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وامللك ممّا يؤ ّثر يف النّفس آثاره‬
‫و«احلال» و«امللكة» حتّى تبلغ إىل ميام االستيامة والتمكّن‪ ،‬فتنخرط إ ّما يف‬
‫سلك املالئكة بل تصري أعّل من م‪ ،‬أو تلتحق بحزب ّ‬
‫الشياطّي بل تصري أدنى‬
‫والرعايا بطوره وطرزه؛‬ ‫من م‪ .‬وملّا كان األصل ّ‬
‫والسلطان كذلك‪ ،‬وكان الفرع ّ‬
‫احلس املشرتك أيض ًا ذا وج ّي‪ ،‬ف و كمرآة ذات‬
‫إذ األثر يشابه صفة مؤ ّثره‪ ،‬كان ّ‬
‫وج ّي‪ :‬وجه إىل اخلارج‪ ،‬ووجه إىل ا ّلداخل‪ .‬فكام ينطبع يف وج ه اخلارج ّ‬
‫كل‬
‫ما ينتيش يف املشاعر الظاهرة‪ ،‬كذلك ينطبع يف وج ه الدّ اخّل من الباطن رقائق‬
‫الصور اخليال ّية يشاهده‬ ‫احليائق‪ ،‬وحكايات املعاين‪ّ ،‬‬
‫وكل ما يركّبه املتخ ّيلة من ّ‬
‫ثم حيفظ ذلك املركّب اخليال ا ّلذي هو خزانته كام كان حافظ ًا‬
‫بوج ه الدّ اخّل‪ّ ،‬‬
‫للبسائط‪.‬‬
‫احلس املشرتك من الدّ اخل قو ّي ًا‪ ،‬كان ش ود ًا؛ ألنّه إذا‬
‫ّ‬ ‫وإذا كان مدركات‬
‫وصل املدرك إليه كان مشاهدة‪ ،‬وال فرق يف الوصول أنّه صعد إليه أو نزل‪ ،‬وأنّه‬
‫جترد الطبائع أو مت ّثل احليائق‪.‬‬
‫ّ‬
‫األولية قسامن‪ :‬صوري‪ ،‬ومعنوي‪.‬‬
‫ابع «الكشف» باليسمة ّ‬
‫الر ُ‬ ‫ُ‬
‫األصل ّ‬
‫وري قسم ًة ثاني ًة‬
‫الص ّ‬
‫ري‪ ،‬ما حيصل بطريق احلواس اخلمس‪ .‬وينيسم ُّ‬
‫والصو ّ‬

‫(‪ )1‬وإن شئد درب دن هذه األربعة باخلطرة‪ ،‬والتع ّلق‪ ،‬والتخ ّلق‪ ،‬والتح ّقق؛ فتنخرط إما يف‬
‫ُاولئك؛ ّ‬
‫وإما يف هؤدء‪ .‬وّناسبه ما قيل‬
‫آن ناادا مااى اان كااه از باااد رسااد‬ ‫هااار نااادائى كاااو ااارا بااااد كشاااد‬
‫بانااغ وليااد ان كااه او ماارام ارا‬ ‫هاار نااداّى كااو اارا حاارص آورا‬
‫منه‪.‬‬
‫بحسب املحسوسات اخلمسة‪:‬‬
‫فام ّكون بطرّق اإلبصار‪ ،‬كرؤية املكاشف ُصور األرواح عند مت ّثل ا‪.‬‬
‫السامع‪ ،‬كسامع النب ّ | كلامت فصيح ًة بليغة‪ ،‬ومنه ما‬
‫وما ّكون بطرّق ّ‬
‫يسمى «نير ًا يف األسامع» احلاصل للمكاشفّي‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن‬ ‫ّ‬
‫كالتنشق بالنّفحات اإلهل ّية كام قال النب ّ |‪َّ « :‬‬ ‫الشم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وما يكون بطريق‬
‫تعر ُضوا َهلا» ‪.‬‬‫هلل يف أ ّّام َاهركُم َن َفحاي‪ ،‬أد َف َّ‬
‫محن ِمن ق َب ِل ال َي َم ِن» ‪.‬‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال|‪ّ « :‬إين أجدُ َن َف َس َّ‬
‫يااد دناادُ َر ّيب ُّطع ُمنااي‬
‫الــذوق‪ ،‬كيولــه|‪« :‬أب ُ‬ ‫ومــا يكــون بطريــق ّ‬
‫َو َّ ْسقيني» ‪.‬‬
‫وما يكون بطريق ال ّلمس‪ ،‬كيوله|‪َ « :‬و َض َع اهلل عاىل ك ّفه َب َ‬
‫ني كت َف َّي‪،‬‬
‫ني َث َّ‬
‫دّي» ‪.‬‬ ‫َف َو َجدْ ُي َبر َاها َب َ‬
‫وهذه املكاشفات قد تنفرد وقد جتتمع ‪ ،‬وك ّل ا جتل ّيات أسامئ ّية‪ .‬فإذا ّ‬
‫جتّل اهلل‬

‫(‪ )1‬التوحيد‪ .330 :‬أمايل املفيد‪.206 :‬‬


‫(‪ )2‬اإليضاح‪ .14 :‬كشف اخلفاء ‪.659 / 217 :1‬‬
‫(‪ )3‬كتاب املوطأ ‪ّ .301 :1‬تفة الفي اء ‪.344 :1‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد ‪ .368 :1‬سنن الدارم ‪.126 :2‬‬
‫املعنوي دن‬
‫ّ‬ ‫املعنوي كام يف األنبياء والكاملني‪ ،‬وقد ّنفرا‬
‫ّ‬ ‫الصوري مع‬
‫ّ‬ ‫(‪ )5‬وكذا قد اجتمع‬
‫ألن صوّر احلقائق بكثرة األمثلة وإن كان من‬
‫الصوري كام يف كث من العلامء باحلقائق؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫العوايل إدّ إنه أّن اد صال بالكل ّياي واد ّصال باجلزئياي؟! وّتح ّقق شبهته يف الكامل‪،‬‬
‫الرقائق؟ نعم‪ ،‬دبدّ منه لصاحب الدّ دوة‪ ،‬وأرباب الدّ ولة احل ّقة‪،‬‬
‫وأّن معرفة احلقائق وإاراك ّ‬
‫باحلق مشفود ًا بذلك‪ ،‬فاجلامع له السيدواة‬
‫ّ‬ ‫بمجراه‪ ،‬بل للتخ ّلق والتح ّقق‬
‫ّ‬ ‫لكن جمدهم ليس‬
‫العظمى؛ ألنّة ذو الرئاستني‪ .‬منه‪.‬‬
‫السالك املرتاض باسمه «البصري» يرى ما ال يرى غريه‪ ،‬وإذا ّ‬
‫جتّل عليه‬ ‫تعاىل عّل ّ‬
‫السميع» يسمع ما ال يسمعون‪ .‬وهذه املسموعات‪ ،‬وهذه املبرصات‬
‫باسمه « ّ‬
‫ك ّل ا هورقليائية ح ّية عيان ّية ‪ ،‬ويصري املشاعر الظاهرة تابع ًة منطوية ّتت تلك‬
‫املشاعر النور ّية املذكورة يف األصل الثاين‪ ،‬فإ ُّنا صارت بالفعل‪ ،‬وبارز ًة بعد ما‬
‫باليوة وكامنة‪ ،‬وكذا الش ودات الثالثة الباقية عن جتل ّيات اسمه تعاىل‬
‫ّ‬ ‫كانت‬
‫الرشع مل ُيطلق عليه تعاىل «الشا ّم» و« ّ‬
‫الذائق»‬ ‫درك»؛ إذ بميتىض التوقيف ّ‬ ‫«املُ ِ‬
‫التجسم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و«ال ّالمس»؛ لئ ّال يوهم‬
‫السلوك‬
‫الصوري قد تتعلق باألمور الدّ نيو ّية وال مباالة ألهل ّ‬
‫وأنواع الكشف ّ‬
‫الرؤيا حيتاج إىل‬
‫أن ّ‬‫املعربة عندهم‪ .‬وكام ّ‬
‫ّ‬ ‫هبا‪ ،‬وقد يتع ّلق باالُمور االُخرو ّية وه‬
‫التّعبري كثري ًا ّما‪ ،‬كذلك ّ‬
‫الصور املش ودة الكشف ّية يف الييظة حيتاج إىل التأويل‪،‬‬
‫املكمل إن مل يف م نفسه املراد‪ ،‬س ّيام ما يتع ّلق بآفات النّفس‬
‫فليعرض عّل الكامل ّ‬
‫اهلمة؛ ّ‬
‫لئال ييف وال ييع يف رشك غنج‬ ‫َ‬
‫ييظان عايل ّ‬ ‫السالك‬
‫وعاهاهتا‪ .‬وليكن ّ‬

‫ّتوهم من د خربة له‪ .‬وك ّلها صور ّّة رصفة وليسد ماا ّّة ّ‬
‫وإد‬ ‫بمجرا التخ ّيل‪ ،‬كام ّ‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬أي د‬
‫الصور‬
‫ألن املحسوساي من البدُّي ّياي‪ ،‬ود سنخ ّية هلم مع لك ّ‬
‫احلس؛ ّ‬ ‫لصاافها ّ‬
‫كل سليم ّ‬
‫الّصفة بخّلف مشادر األنبياء واألولياء^؛ فلها السنخ ّية‬
‫ّ‬
‫حس مهچو ماس‬ ‫زر َسخ واّن ّ‬
‫حاس آن چوز ّ‬
‫حسى هسد جاز اّان پانج ّ‬ ‫پنج ّ‬
‫صااحد آن حااس بجوئيااد از حبيااب‬
‫ّ‬ ‫احد اّاان حااس بجوئيااد از طيااب‬
‫صا ّ‬
‫منه‪.‬‬
‫تيْس اليقظة ّإد بمعرفة اهلل‪ ،‬فمن ذا الذي درفه ورام منه بددً؟ كيف‪ّ ،‬‬
‫وكل مجال‬ ‫(‪ )2‬ود ّ‬
‫وجّلل ظل مجاله وجّلله؟ وإذا مل ّكن دارف ًا به‪ ،‬ومل ّكن ّقظان به‪ ،‬كان حمتجب ًا بالدّ ار‬
‫والرّاض والنّعم‪ ،‬دن صاحبها‬
‫ّ‬
‫متنّاااا كنناااد از خااادا جاااز خااادا‬ ‫خاااّلف طرّقاااد باااوا كاوليااااا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصور و َدالهلا‪ ،‬فمن ُاويل اهل َمم العالية َمن ال يلتفت إىل الكونّي ّ‬
‫الصوريّي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وقر ُة عين م الفناء يف جنابه‪ ،‬واملحو يف‬
‫وخيلع النعلّي للوفود عّل فناء باب اهلل‪ّ ،‬‬
‫أجل اهلل آلي﴾ ‪ .‬ونعم ما قيل‪:‬‬ ‫قاء اهلل َف َّ‬
‫إن َ‬ ‫رجو ل َ‬
‫مشاهدة مجاله‪َ ﴿ :‬من كان َّ ُ‬

‫واملعنوي‪ :‬ظ ور املعاين الغيب ّية واحليائق العين ّية ومعرفة الك ّليات ُ‬
‫الوجود ّية‬ ‫ّ‬
‫املجردة عل ًام ُحضور ّي ًا‪ ،‬وهو من جت ّليات اسم اهلل «العليم احلكيم» ‪ .‬وهو أيض ًا‬
‫ّ‬
‫والُّس واخلف ّ‬
‫ينيسم بحسب املراتب السن ّية للنّفس النّاطية من اليلب والروح ّ‬
‫أي ميام يكون من هذه امليامات‪ ،‬يكون كشفه بحسبه‬
‫واألخفى‪ .‬واملكاشف يف ّ‬
‫يف النور ّية وشدّ ة الظ ور‪ ،‬و ُيدعى كشفه بأسام خمتلفة؛ فف ميام بـ«احلدس»‪،‬‬
‫ويف ميام بـ«اإلهلام»‪ ،‬ويف ميام بـ«النّور اليديس»‪ ،‬ويف ميام بـ«املشاهدة اليلب ّية»‪،‬‬
‫الروح ّية»‪ ،‬وقس عليه الباق ‪.‬‬
‫ويف ميام بـ«املشاهدة ّ‬
‫مر ـ عند قوله×‪ّ« :‬ا َمن‬
‫اخلامس اخلواطر‪ :‬ما خيطر بالبال‪ .‬وقد ّ‬
‫ُ‬ ‫األصل‬
‫تيسيم اخلواطر إىل أربعة‪ .‬واآلن نيول‪ :‬اخلواطر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َق ُر َب من َخواطر الظنونِ» ـ‬
‫والرغبات‪ ،‬وه تصري بالتّصديق بالفوائد والثمرات‪:‬‬
‫ه مبادئ اإلرشاق ّ‬

‫السعدي» معروفة‪ ،‬فليعترب‪ .‬منه‬


‫والقصة املنظومة يف «أّاز» من الشيخ « ّ‬
‫ّ‬
‫(‪ )1‬العنكبوت‪.5 :‬‬
‫يش ٍء ِّم ْن د ْلمه إدَّ ب َام‬ ‫﴿ودَ ُحيي ُط َ‬
‫ون ب َ ْ‬ ‫(‪ )2‬أي ّعلم بعلم اهلل وحكمته ونوره‪ ،‬كام قال عاىل َ‬
‫احلكمة التي هي العلم بمفاهيم األشياء مثل أن‬ ‫َشاء﴾ (البقرة ‪ .)255‬وهذه احلكمة‬
‫ذلك من إاراك‬ ‫مكمل النفوس‪ ،‬إىل‬
‫جمرا‪ ،‬د حالة منتظرة له‪ّ ،‬‬
‫أن العقل موجوا ّ‬
‫ّعلم ّ‬
‫وأما املعترب يف هذه احلكمة التأهل ّية‪ ،‬فهو أن ّتخ ّلق وّتح ّقق به‪.‬‬
‫مفاهيم أحكام ذا ه وصفا ه‪ّ .‬‬
‫ّتصل معرفة إن ّيته وماه ّيته‪ ،‬وقس دليه‪ .‬منه‪.‬‬
‫وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫حمركات ومبادئ للحركات يف‬
‫عزمات‪ ،‬وقصود‪ ،‬وإرادات‪ ،‬وه تصري ّ‬
‫ثم هذه اخلواطر حادثات‪ّ ،‬‬
‫وكل حادث‬ ‫العضالت‪ :‬وحينئذ يتح ّيق األفعال‪ّ .‬‬
‫البدّ له من سبب‪ ،‬وم ام خيتلف احلوادث ّ‬
‫دل عّل اختالف األسباب‪ ،‬لك ّن‬
‫االختالف إن كان شخص ّي ًا كان باعتبار املادة ولواحي ا‪ ،‬وإن كان نوع ّي ًا كان‬
‫باعتبار اختالف الفواعل‪ .‬وملا كان اختالف اخلواطر نوع ّي ًا بحسب أنواع‬
‫والرشور‪ ،‬كان اختالف مبادهيا ذات ّي ًا؛ فم ام رأيت استنارة فضاء البيت‬
‫اخلريات ّ‬
‫والسيف بانظالم الدّ خان‪ ،‬علمت ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫وحيطانه بنور النّار واسوداد احليطان‬
‫سبب االستنارة غري سبب االسوداد؛ فكذلك ألنوار بيت اليلب وظلامته سببان‬
‫خمتلفان‪.‬‬
‫سمى «نير اخلاطر» و«إهلام ًا»‪ ،‬واخلاطر املذموم ّ‬
‫يسمى‬ ‫فنفس اخلاطر املحمود ُي ّ‬
‫يسمى « َم َلك ًا»‪ ،‬وسبب الوسواس ّ‬
‫يسمى‬ ‫«وسواس ًا» و«هاجس ًا»‪ ،‬وسبب إالهلام ّ‬
‫«نفس ًا»‪ .‬وال ّلطف اإلهل ا ّلذي به يت ّيأ اليلب ليبول اخلاطر املحمود ّ‬
‫يسمى‬
‫يسمى «خذالن ًا»؛ فالوسوس ُة مثالً‬
‫«توفيي ًا»‪ ،‬وما به يت ّيأ ليبول اخلاطر املذموم ّ‬
‫ال ميابل ا َمل َلك‪ ،‬واخلذالن ميابل التوفيق‪ ،‬وإليه‬
‫ضدّ اإلهلام‪ ،‬والشيطان مث ً‬
‫كل ضدٍّ ندٍّ ‪ّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫َوجني﴾ ‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫اإلشارة بيوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ومن ك ُِّل ََشء َخ َلقنا ز َ‬
‫مماثل من وجه‪ .‬وهو اهلل الوتر ال َفرد ا ّلذي ال ضدّ وال ندّ ‪ ،‬وال خمالف له‪،‬‬
‫ميابل ٌ‬
‫املتجّل يف ّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬ ‫بل هو خالق األضداد واألنداد‪ ،‬واملخالفات وامليابالت‪ ،‬وهو‬
‫املجايل واملاه ّيات‪.‬‬
‫وري‬
‫جمر ّد روحاين‪ ،‬ومن ُه ُص ّ‬ ‫إذا مت ّ د هذه األُ ُصول‪ ،‬فاع َلم ّ‬
‫أن ا َمل َلك منه َ‬

‫(‪ )1‬الذاريات‪.49 :‬‬


‫وداخّل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫جسامين‪ّ ،‬‬
‫وكل من ام خارج ّ‬ ‫ّ‬
‫املجردة‪ ،‬والنفوس الكل ّية‪.‬‬
‫اخلارجي‪ ،‬كالعيول ّ‬
‫ّ‬ ‫روحاين‬
‫ّ‬ ‫فا ّل‬
‫والروحاين الدّ اخيل‪ ،‬كالعيل النّظري‪ ،‬والعيل العمّل‪ ،‬س ّيام ال ّلذان بالفعل‬
‫ّ‬
‫يربه ّ‬
‫أن امللك وامللكة ما ّدهتام احلرفيّة‬ ‫وامللكات النور ّية العلم ّية والعمل ّية‪ ،‬و ُي ّ‬
‫ّفس عّل اخلري‪.‬‬ ‫كم َلك يدّ ل الن َ‬
‫حق َ‬ ‫واحدة‪ ،‬بل ّ‬
‫كل اعتياد ّ‬
‫اخلارجي‪ ،‬مثل املالئكة اجلسامنيّة ا ّلذين هم ُأولو أجن ِ َحة‪ .‬وقد أثبته‬
‫ّ‬ ‫واجلسام ّين‬
‫النّيل‪ ،‬وال امتناع يف العيل‪.‬‬
‫واجلسامين الدّ اخيل‪ ،‬مثل اليوى اجلسامنيّة‪ ،‬ولكن باعتبار وجوه ا النّوران ّية‬
‫ّ‬
‫مر ّأُنا ـ‬ ‫إىل اهلل تعاىل‪ .‬وبعبارة ُاخرى‪ :‬اليوى والطبائع الدّ هر ّية ال ّ‬
‫الزمان ّية‪ ،‬وقد ّ‬

‫وكل صفة إذا صاري ملكة راسخة متجوهرة‪،‬‬ ‫(‪ )1‬ا َمل َلك من ا ُمل ْلك وله املالك ّية والتّس ّلط‪ّ .‬‬
‫الشخص بحيث ّقدر دىل آثارها بسهولة‪ .‬فإذا كاند نور ّّة سدّ اه اائ ًام إىل‬ ‫ملكد بال ّ‬
‫﴿د َل ْي َها َم َّلئك ٌَة َّل ٌظ شدَ ا ٌا َد َّ ْع ُص َ‬
‫ون اهللََّ َما‬ ‫الصواب‪ ،‬وإذا كاند ظلامن ّية قواه إىل النار َ‬ ‫ّ‬
‫نميل ددوه إىل‬ ‫ّل كروح ّ‬ ‫ون﴾ (التحرّم ‪ .)6‬فملكة احلرص مث ً‬ ‫َأ َم َر ُه ْم َو َّ ْف َع ُل َ‬
‫ون َما ُّ ْؤ َم ُر َ‬
‫تجسم و تش ّبح بصور النّامل يف الربزخ والنشأة‬
‫األفعال النمل ّية يف دامل الطبيعة والدّ نيا‪ ،‬و ّ‬
‫األخرى‪ .‬أد رى س ّلطها دليه من ااخل بحيث إ ا د ّوازُّيا س ّلط أفواج من خارج دليه‪،‬‬
‫وقس دليها مّلئكة الرمحة‪ .‬وامللكاي النّورّة ومبدئيتها ألفعال هب ّية و ظليلها لصور حور ّّة‬
‫مها يف الربزخ واألخرى‪ ،‬و س ّلطها دليه و سدُّيا دىل األقوال احلكم ّية‪ ،‬وجواة‬ ‫و لامن ّية و‬
‫﴿دن ا ْل َيمني َو َدن‬
‫مقربني َ‬
‫والعميل كملكني ّ‬
‫ّ‬ ‫النظري‬
‫ّ‬ ‫األفعال العدلية‪ .‬فالعقّلن البسيطان‬
‫الكيل الف ّعال ّميل دليهام كام يف احلدّث «وروح القدس‬
‫ّ‬ ‫الش َامل َقعيدٌ ﴾ (ق ‪ .)17‬والعقل‬
‫ِّ‬
‫للصواب‬ ‫يط﴾ (الربوج ‪« ،)20‬وأند مسداا ّ‬ ‫﴿واهللَُّ من َو َرائهم حم ٌ‬
‫الصواب»‪َ ،‬‬
‫ّسد ّانا إىل ّ‬
‫بمنك»‪ ،‬كام يف الدّ داء‪ .‬وملك ّيتها إنام هي بادتبار جهاهتا النوران ّية‪ ،‬وكون وجواا ه مظاهر‬
‫القدرة وإن كاند يف جهة القهر‪ .‬واخلّلف يف كون أصل [‪ ]...‬من امللك أو من اجلن‪ّ ،‬مكن‬
‫وفيقه هبذا‪ .‬منه‪.‬‬
‫عاملة هلل تعاىل‪ ،‬ودرجات فاعليته‪.‬‬ ‫بنظر ّ‬
‫أدق وأنور ـ أيد ّ‬
‫وري الغري املا ّدي‪ ،‬ف و مثل رقائق احليائق‪ ،‬ومت ّثالت عامل املعنـى ممّـا‬
‫الص ّ‬
‫وأما ّ‬
‫ّ‬
‫الصـور املثال ّيـة ال ّلطيفـة‪ّ ،‬‬
‫والصـبيحة املليحـة بميتضــى‬ ‫يظ ر للمكاشفّي مـن ّ‬
‫احلـس املشـرتك مـن م‪ ،‬أو خياطبوُنـا وخيـاطب م‬
‫ّ‬ ‫األُ ُصول ّ‬
‫السـالفة‪ ،‬فيشـاهدها‬
‫بكلامت بليغة فصيحة‪.‬‬
‫النبوة بأن يتّصل حييية النب ّ | بحييية املَ َلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واجلمع من خصائ‬
‫اإلقليمّي‪ ،‬وتت ّليى‬
‫َ‬ ‫وه حييية روح اليدس ا ّلت تطبق اخلاف َيّي‪ ،‬بل تسع‬
‫الصور ّية برقيية املَ َلك‪،‬‬ ‫العيّل ّ‬
‫الكّل كالمه التّا ّم العيّل‪ ،‬ويتّصل قواه ّ‬ ‫ّ‬ ‫بسمعه‬
‫بحسه ُصورته الب ّية ا ّلت ه أصبح أهل زمانه‪ ،‬ويسمع كلامته اجلزئ ّية‬
‫فريى ّ‬
‫ا ّلت ه أبلغ الكلامت وأفصح ا‪ .‬وهكذا مجيع مشاعره تنال املكشوفات‬
‫أن شدة االنكشاف له فوق االنكشافات ا ّلت‬
‫الصور ّية االُخرى‪ ،‬هذا مع ّ‬
‫ّ‬
‫أتم وأكمل من هذه اخلارج ّيات‪.‬‬ ‫لآلخرين‪ّ ،‬‬
‫وأن خارج ّيته عّل نحو ّ‬
‫وري‪ ،‬وخارج ّ ‪ ،‬وداخّل‪:‬‬ ‫وص ّ‬ ‫ومعنوي‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫والشيطان‪ ،‬أيض ًا جسامين‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّيل‪ ،‬وال امتناع يف العيل؛ بنا ًء عّل أنّه ﴿م َن ْ‬
‫اجل ِّن َف َف َس َق َد ْن‬ ‫فاجلسامين أثب َت ُه الن ُ‬
‫َأ ْمر َر ِّبه﴾ ‪ ،‬فيمك ُن أن يتح ّيق يف األجسام مركّبات يغلب علي ا اخلفيفان ذوات‬

‫مها من‬ ‫(‪ )1‬أي اجلمع بني شهوا حقيقة ا َمل َلك وارك صور ه املليحة وكلام ه الفصيحة و‬
‫النبوة‪.‬‬
‫الصورّاي امللك ّية من حصائص ّ‬
‫ّ‬
‫الصور املثال ّية اللطيفة مما ّظهر للمكاشفني فليس من صور املّلئكة وارك‬
‫وأما ما ذكرنا من ّ‬
‫ّ‬
‫الصور يف الكشف الصور ّّة واكتساء احلقائق بكسوة الرقائق لصاحب الدّ ولة احل ّقة إنام هو‬
‫ّ‬
‫الصورة فيتنزّ ل مقامهم اذ د ّمكنهم نيل احلقائق إدّ يف كسوة الرقائق‪ .‬منه‪.‬‬
‫إلرشاا اهل ّ‬
‫(‪ )2‬الكهف ‪.50‬‬
‫ِ‬
‫أمزجة قابلة للحياة والشعور‪ ،‬متشكّلة باألشكال املختلفة بسبب التّخلخل‬
‫والتّكاثف‪ ،‬وغري ذلك من األحكام‪.‬‬
‫واملعنوي اخلارجي‪ ،‬مثل اجل ل ّ‬
‫الكّل املأثور يف أحاديث العيل واجل ل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ومثل كل ّية املاه ّيات اإلمكان ّية؛ وذلك ّ‬
‫ألن املاه ّيات َمثار الكثرة‪ ،‬وعلي ا يدور‬
‫تيديس‪ ،‬فإذن‪ ،‬قد‬
‫ٌ‬ ‫السوائ ّية‪ .‬قال الس ّيد املح ّيق الدّ اماد (يف التّيديسات)‪« :‬‬
‫رحى ِّ‬
‫عاد األمر ك ّله إىل إقليم اهلل‪ ،‬ورجع الوجو ُد ك ّله إىل صيع اهلل ؛ فاش د ّ‬
‫أن‬
‫احلق الشخص الي ّيوم الواجب ّ‬
‫بالذات‪ .‬أليس ال‬ ‫احلق هو اهلل الواحد ّ‬
‫املوجود ّ‬
‫ُيعنى بالوجود إ ّال ما هو منشأ انتزاع الوجود‪ ،‬ومصداقه ومطابيه ّ‬
‫بالذات‪ ،‬وأن‬
‫متيررة‬
‫ّ‬ ‫عام سواه باالستناد إليه عّل ّ‬
‫أن «ه » حّي ما ه‬ ‫انتزع مف وم الوجود ّ‬
‫موجودة بالفعل من ج ة ذلك االستناد‪ ،‬باطلة املاه ّيات‪ ،‬هالكة اإلن ّيات بال ّليس‬
‫والسلب البسيط يف حدّ أنفس ا‪ ،‬بحسب حلا ذواهتا بام ه ه ؟‬
‫الساذج‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫بالذات هو احلييية‪ّ ،‬‬
‫والذات واهلو ّية عّل‬ ‫فإذن قد استبان أن الييوم الواجب ّ‬
‫الوجود‪ ،‬بحسب لغة‬
‫ُ‬ ‫التيرر‪ ،‬وذوات جماز ّية يف‬
‫احلييية‪ ،‬وما سواه جمازات يف ّ‬

‫الصور املثال ّية اللطيفة مما ّظهر للمكاشفني فليس من صور املّلئكة وارك‬
‫وأما ما ذكرنا من ّ‬
‫ّ‬
‫الصور يف الكشف الصور ّّة واكتساء احلقائق بكسوة الرقائق لصاحب الدّ ولة احل ّقة إنام هو‬
‫ّ‬
‫الصورة فيتنزّ ل مقامهم اذ د ّمكنهم نيل احلقائق إدّ يف كسوة الرقائق‪ .‬منه‪.‬‬
‫إلرشاا اهل ّ‬
‫ألن املاه ّياي اإلمكان ّية حيث ّية ذواهتا حيث ّية ددم اإلباء دن الوجوا والعدم‪،‬‬
‫(‪ )1‬وذلك ّ‬
‫ألن حيث ّية الوجوا حيث ّي ُة اإلباء دن العدم‪ ،‬وواجب الوجوا‬
‫وبالوجوا ص واجبة بالغ ‪ّ ،‬‬
‫الّصفة البسيطة‬‫احلق هو اهلل الواحد ألنّه حقيقة الوجوا ّ‬ ‫بالذاي ممتنع العدم‪ ،‬فاملوجوا ّ‬
‫وسامه ذوق التأ ُله بمنشأ انتزاع املوجوا ّّة؛ ّ‬
‫ألن ذا ه بذا ه منشأ‬ ‫املبسوطة املمتنعة العدم ّ‬
‫بالذاي ّ‬
‫انتزاع املوجوا ّّة املصدر ّّة حيث أن ذا ه حقيقة الوجوا وذواي املمكناي منشأ ادنتزاع‬
‫ألجل ادنتساب إليها‪ .‬منه‪.‬‬
‫والربهان‪ ،‬وإن شاع‬ ‫احلكمة احل ّية اخلالصة ا ّلت واضع ا احلدس والفح‬
‫إطالق احلييية واملوجود ّية علي ا حييي ًة بحسب وضع ال ّلغة اللسان ّية‪ّ .‬‬
‫ولعل هذه‬
‫املعرفة كنه الكفر بالطاغوت وحييية اإليامن باهلل يف التّنزيل احلكيم الكريم؛ إذ‬
‫ك بال ُع ْر َوة‬ ‫عز من قائل‪َ ﴿ :‬ف َمن َّك ُفر بالطا ُوي َو ُّؤمن باهلل َف َقد است َ‬
‫َمس َ‬ ‫قال ّ‬
‫كل عامل اإلمكان بنظام اجلمّل‬ ‫الو ْثقى د انْفصام َهلا﴾ ‪ّ .‬‬
‫فلعل «الطاغوت» ُّ‬ ‫ُ‬
‫ا ّلذي هو صنم اهلالك بطباع اجلواز ا ّلذي هو صنم البطالن‪ ،‬و﴿ال ُع ْر َوة ُ‬
‫الو ْثقى﴾‬
‫ا ّلذي ال يعرتيه قواصم ّ‬
‫الشكوك يف ظلامت األوهام من‬ ‫احلق اخلال‬
‫نور الييّي ّ‬
‫ُ‬
‫حوله‪ ،‬وال يأتيه الباطل من بّي يديه وال من خلفه‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم برموز‬
‫خطابه وأرسار وحيه»‪ .‬انت ى‪.‬‬
‫واملعنوي الداخيل‪ ،‬مثل الوهم الغالط املغالط‪ ،‬حتى إ ّن بعض الفالسفة قرص‬
‫«الشيطان» عليه‪ ،‬وهو وهم‪.‬‬
‫والصوري‪ ،‬مثل ما يظ ر للم ِ‬
‫كاشف يف رياضاته ومراقباته من مظاهر اجل ل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الشيطان‪ ،‬كمن خيالف النفس فيم ّثل له ويرى يف املراقبة أنّه يرم‬
‫ورقائق حييية ّ‬
‫احلجر عّل كلب جاثم رؤية حس ّية واقع ّية‪.‬‬

‫إستِنتاجٌ مِن إنهاج‬


‫فاملحاربــة واملطــاردة يف معركــة وجــود اآلدم ـ قائم ـ ٌة بــّي ُجنــدَ ي املَ َلــك‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.256 :‬‬


‫منصة ال ّظهور‪ ،‬وّؤمن وّوقن بحقيقة الوجوا التّي‬
‫(‪ )2‬أي من ّسرت املاه ّياي وّمحقها دن ّ‬
‫ٌ‬
‫أصل حمفوظ‬ ‫هي النّور احلقيقي وال ّظهور التحقيقي‪ ،‬فقد استمسك بنور اليقني بام هو‬
‫للمجوااي كرباط هو ناظم الآليل‪ ،‬وداصمها دن التّناثر وادنفصام‪ .‬منه‪.‬‬
‫والشيطان إىل أن ينفتح ألحدمها فيتمكن ويستوطن؛ وذلـك ّ‬
‫ألن أرشف البيـاع‬ ‫ّ‬
‫إنّام هو قلب املؤمن‪ ،‬فال جتد ديار ًا عـامر ًة وال رياضـ ًا نـارض ًة إ ّال وقلـب املـؤمن‬
‫أرشف من ا‪ ،‬بل قلـب املـؤمن كـاملرآة إذا صـفا يـرتاءى فيـه ّ‬
‫كـل مـا يف الـدّ يار‬
‫الصـّي يف جـودة التّصـويرات‪،‬‬
‫قصة بذل ج د أهل ّ‬
‫سمعت ّ‬
‫َ‬ ‫والرياض‪ .‬ولع ّلك‬
‫ّ‬
‫أتـم يف‬
‫الصـور بنحـو ّ‬
‫الروم يف ّتسّي التصييالت‪ ،‬وإراءة ّ‬
‫واستفراغ ُوسع أهل ّ‬
‫ألُنـا‬
‫اليوابل املصيولة بعد رفع احلواجز املسدولة‪ ،‬بل قلب املؤمن فوق املـرآة؛ ّ‬
‫ّتتجــب باحلُ ُجــب املعرتضــة يف البــّي‪ ،‬وهــو ال حيتجــب بالعنــارص واألفــالك‬
‫الســافلّي مـن العــامل‬
‫والكـريس والعـرش‪ .‬فمــع سـيوط اإلنســان يف أسـفل ّ‬
‫املجـردة إىل عـامل‬
‫ّ‬ ‫العنرصي‪ ،‬ينفذ نور قلبه من أقطار األجسام‪ ،‬ومراتب العـوامل‬
‫والصفات اإلهل ّية‪ ،‬ويشاهدها بحسب ج ـده‪ ،‬بـل قلـب املـؤمن عـرش‬ ‫األسامء ّ‬
‫الرمحن‪ ،‬وبيت اهلل املَلِك املَنّان‪ .‬وإذا كان اليلب أرشف البياع كان الئي ًا باملُلوك‪.‬‬
‫ّ‬
‫تنازع وختاصم‪ ،‬وتشاجر وتياو ٌم بّي‬‫ٌ‬ ‫وما من مملكة وسيعة معمورة إ ّال وفي ا‬
‫كل من م اآلخرين يف ال ّظفر هبا‪ ،‬ولكن أحد املَلِكّي هنا كامء احلياة‬ ‫امللوك‪ ،‬ويغبط ّ‬

‫وأما اإلنسان امللكوت‪ ،‬فهو فوقها‪ ،‬بل‬


‫(‪ )1‬أي البرشي الطبيعي ساقط حمتجب هبذه الكراي‪ّ .‬‬
‫وأما اإلنسان‬
‫الّصفة واملثل املعلقة مع هذا العامل الطبيعي‪ّ .‬‬
‫الصور ّ‬
‫ّ‬ ‫يف باطنها؛ إذ د وضع لعامل‬
‫اجلربوت فهو متّصل ا ّصادً دقل ّي ًا بعامل املوجوااي البسيطة املحيطة‪ ،‬واملفارقاي املحضة‬
‫وأما الّلّهوت فهو حميط‬
‫املحيطة باجلزئياي سواء كاند جزئياي امللكوي أو النّاسوي؛ ّ‬
‫احلقيقي‪ .‬وصفا ه بالعلم هبا والعرفان كمن قو ّه العّلّمة اائ ًام يف‬
‫ّ‬ ‫بالثّلثة متّصل بالوجوا‬
‫والْسّان فلكون نظره‬ ‫الط ان إىل هذه العوامل إىل أوج الّلّهوي‪ .‬ومن مل ّصدّ ق هبذا ال ّط ان ّ‬
‫قارص ًا؛ فيحّص اإلنسان يف نفسه‪ ،‬ويف الكامل دىل هذا اإلنسان ال ّل ّ‬
‫محي البرشي‪ ،‬وّراه‬
‫اه ْم َأن ُف َس ُه ْم﴾ (احلرش ‪ .)19‬منه‪.‬‬ ‫السافلني ﴿ن َُسوا اهللََّ َف َأ َ‬
‫نس ُ‬ ‫جامد ًا واقع ًا يف أسفل ّ‬
‫كالُّساب‪ ،‬أو أحدمها كالنّور واآلخر يف ال ّظفر هبا‪ ،‬ولكن أحد املَلِكّي‬
‫واآلخر ّ‬
‫كالُّساب‪ ،‬أو أحدمها كالنّور واآلخر كال ّظالم‪ ،‬ومعلو ٌم‬ ‫هنا كامء احلياة واآلخر ّ‬
‫املجردين‬ ‫ّ‬ ‫أن له فيه البوار واالنعدام‪ ،‬ويف العيول‬‫أنّه للظالم بالنّور قوام‪ ،‬كام ّ‬
‫الظاهر أقوى وأشدّ فعليّ ًة من املظ ر‪ ،‬ويف اجل ل واألبال ِ َس ِة‬
‫ُ‬ ‫امليربّي‪،‬‬
‫واملالئكة ّ‬
‫املظ ُر أقوى من الظاهر؛ لتعجّي ذواهتم اخلبيثة من ال ّظالم واألعدام ‪،‬‬
‫والوه يف اليدرة قد‬
‫الوهن يف الوجود‪َ ،‬‬
‫الوجود‪ .‬ومع هذا َ‬ ‫واحلدود ونيائ‬
‫فتحوا أكثر اليلوب وملكوها واستعبدوها‪ ،‬واسرت ّقوا ُقراءها‪ ،‬وأرسوا أهل ا‪،‬‬
‫ألن هؤالء األكثرين َديدَ ُنم قضاء َو َط ِر النّفس‪ ،‬وإنجاح مطالب ا‬
‫ووقع ما وقع؛ ّ‬
‫ومآرهبا‪ ،‬وتبعيّة حظوظ ا وهواجس ا‪ ،‬وإذا اتّبعوا اهلواجس تطرق الوساوس‪،‬‬
‫ونِع َم ما قيل‪:‬‬

‫ضياءٌ وَإحِياءٌ‬
‫إن خاطر اهلوى يبتدي ّأوالً فيدعوه إىل ّ‬
‫الرش‪،‬‬ ‫صاحب إحياء العلوم‪ّ « :‬‬
‫ُ‬ ‫قال‬

‫(‪ )1‬وال ّظلمة ددم النّور‪ ،‬و قابلها معه قابل العدم وامللكة‪ ،‬فذاي أرباب اجلهل جممع أددام؛‬
‫من ددم العلم باهلل‪ ،‬وددم العلم باليوم اآلخر‪ ،‬وددم العلم بآّاي اهلل؛ إذ مل ّعرف النفس‬
‫الرضا وددم التّسليم‪ ،‬وددم األخّلق احلميدة‪ ،‬والرذّلة رجع إىل األددام؛‬
‫اإلنسان ّية‪ ،‬وددم ّ‬
‫الصاحلة دبدّ أن كون مشفودة باملعرفة‪.‬‬
‫وددم األدامل الصاحلة «إنّام األدامل بالنّ ّياي» والن ّية ّ‬
‫وأما مظهر نفسها‪ ،‬فله فعل ّياي من اجلسم والقوى وال ّطبائع‬ ‫ّ‬
‫وآن نمك انادر شاد وكال پااك شاد‬ ‫اّن به خاك اندر شد وكل خااك شاد‬
‫منه‪.‬‬
‫فيلحيه خاطر اإليامن فيدعوه إىل اخلري‪ ،‬فينبعث النّفس بش وهتا إىل نرصة خاطر‬
‫وّتسن التمتّع‪ ،‬فينبعث العيل إىل خاطر اخلري‪ ،‬ويدفع يف‬
‫ّ‬ ‫فتيوي الش وة‪،‬‬
‫الرش ّ‬
‫والسبع يف‬
‫وجه الش وة‪ ،‬ويي ّبح فعل ا‪ ،‬وينسب ا إىل اجل ل‪ ،‬ويش ّب ا بالب يمة ّ‬
‫الرش‪ ،‬وق ّلة اكرتاث ا بالعواقب‪ ،‬ويميل النّفس إىل نصح العيل‪،‬‬ ‫هتجم ا عّل ّ‬
‫الزهد‬
‫وييوي داع اهلوى‪ ،‬فييول‪ :‬ما هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشيطان َمحل ًة عّل العيل‪،‬‬
‫فيحمل ّ‬
‫ومل َ متتنع عن هواك فتؤذي نفسك؟ وهل ترى أحد ًا من أهل عرصك‬ ‫البارد؟ ِ‬

‫خيالف هواه‪ ،‬أو ترك عزيمته؟ أفترتك مال ّذ الدّ نيا هلم يستمتعون من ا‪ ،‬وّتجر‬
‫عّل نفسك حتّى تبيى حمروم ًا مطعون ًا يضحك عليك أهل ّ‬
‫الزمان؟ تريد أن تزيد‬
‫منصبك عّل فالن بن فالن‪ ،‬وقد فعلوا مثل ما اشت يت ومل يمنعوا؟ أما ترى‬
‫رش ًا المتنع عنه؟‬ ‫ِ‬
‫العامل الفالين ليس حيرتز عن فعل ذلك‪ ،‬ولوال كان ّ‬
‫الشيطان‪ ،‬وينيلب إليه‪ ،‬فيحمل املَ َل ُك محل ًة عّل الشيطان‬
‫فيميل النّفس إىل ّ‬
‫وييول‪ :‬هل لك إ ّال من اتّبع ّ‬
‫لذة احلال‪ ،‬ونّس العاقبة؟ أفتينع ّ‬
‫بلذة يسرية‬
‫وترتك اجلنّة ونعيم ا أبد اآلباد‪ ،‬أو تستثيل َأمل ّ‬
‫الصرب عن ش وة وال تستثيل أمل‬
‫أتغرت بغفلة النّاس عن أنفس م واتّباع م اهلوى‪ ،‬ومساعدهتم للش ّيطان‪،‬‬
‫النّار؟ ّ‬
‫أن عذاب النّار ال خي ّفف بمعصية غريك؟ فعند ذلك يميل النّفس إىل قول‬
‫مع ّ‬
‫املَ َلك‪ ،‬فال يزال مر ّدد ًا بّي اجلندَ ي ِن‪ ،‬متجاذب ًا إىل اجلانبّي‪ ،‬إىل أن يغلب عّل‬
‫اليلب من هو َأوىل به؛ فإن غلب عّل اليلب ّ‬
‫الصفات الشيطان ّية‪ ،‬غلب ّ‬
‫الشيطان‬
‫وأجرى عّل جوارحه سوابق اليدر ماهو سبب ُبعده عن اهلل تعاىل؛ وإن غلب‬
‫الشيطان‪ ،‬وظ رت ال ّطاعة عّل‬
‫اليلب إىل إغواء ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يصغ‬ ‫الصفات امللك ّية مل‬
‫عليه ّ‬

‫(‪ )1‬هل لك االّ من اتّبع‪ :‬هل انت األكمن اتّبع(هامش ن‪ ،‬نسخة بدل)‪.‬‬
‫ب املُؤمن َب َ‬
‫ني إص َب َعني من أصابع‬ ‫جوارحه بموجب ما سبق من اليضاء‪ ،‬و« َق َل ُ‬
‫الرمحن» ‪.‬‬
‫َّ‬
‫َصدّق باحلق‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ويف احلديث‪« :‬يف ال َقلب ملُاَّتان ملُاَّ ٌة م َن املَ َلك إّعا ٌا باخل َو‬
‫لحق» احلديث‪.‬‬
‫ب ل ِّ‬ ‫َوملُاَّ ٌة م َن ال َعدُ ّو إّعا ٌا َ ِّ‬
‫بالرش و كُذّ ٌ‬

‫(‪ )1‬عوايل الآليل ‪ ،138/36 :4 ،69/23 :1‬وباختالف فيه عن األمايل (املرتىض) ‪،1 :2‬‬
‫علل الرشائع‪ ،74/604 :‬بحار األنوار ‪.48 :72 ،53 ،35 :67‬‬
‫(‪ )2‬بحار األنوار ‪ ،39 :67‬وباختالف فيه عن االُصول الستة عرش‪ ،160 :‬بحار األنوار ‪:6‬‬
‫‪.249 :68 ،50 :67 ،19‬‬
‫ُك إ ّد من َح ُ‬
‫يث اآلمال﴾‬ ‫(‪﴿ )29‬إهلي‪ ،‬أ راين ما أ يت َ‬
‫والرمحة؛ ّ‬
‫ألن محل ا عّل معناها احلييي‬ ‫«اهلمزة» للت ّيرير طلب ًا للعطوفة ّ‬
‫الو َله‬
‫متعذر‪ ،‬أو من باب جتاهل العارف ا ّلذي هو من املح ّسنات البديع ّية؛ لنكتة َ‬
‫ّ‬
‫املتحُّس هبام شيئ ًا‪ .‬واجلملة املنفيّة يف‬
‫ّ‬ ‫وأُنام بلغا حدّ ًا ال يعرف الدّ اع‬
‫والدَّ هشة ّ‬
‫العلم ّية‪ ،‬ويف موضع احلال إن‬ ‫موضع املفعول الثاين لـ«تراين» إن كان من «رأى» ِ‬

‫كان من «رأى» البرص ّية‪.‬‬


‫ك إ ّد حني َ‬
‫باددَ ْني ُذنُويب من اار‬ ‫قد بأطراف حبال َ‬
‫(‪﴿ )30‬أم َدل ُ‬
‫الوصال﴾‬
‫«عليت» أي اعتصمت‪ ،‬عطف عّل «أتيتك»‪ ،‬فيدخل «ما» النافية عليه‪ ،‬و ُايت‬
‫بصيغة اجلمع يف «األطراف» و«احلبال»؛ تنبي ًا عّل كثرة الوسائل واألسباب‬
‫مفرغ‪ ،‬أي ما أتيت من مكان إ ّال‬
‫واملراق إىل اهلل تعاىل‪ .‬واالستثناء يف املوضعّي ّ‬
‫الفيرتَّي «مراعاة‬
‫َ‬ ‫من مكان اآلمال‪ ،‬وما عليت هبا حين ًا إ ّال حّي كذا؛ فف‬
‫النظري» من حيث تناسب املكان والزمان‪ ،‬حتّى ييال ّأُنام توءمان‪.‬‬
‫الصغرية والكبرية‪ ،‬والتّرشيع ّية والتّكوين ّية ا ّلت ه‬
‫أعم من ّ‬ ‫الذنوب» ّ‬ ‫و« ّ‬
‫النّيائ ال ّالزمة من املاه ّية واملادة والتع ّلق هبام‪ .‬ومن أكرب الكبائر ما هو املشار‬
‫إليه يف قوله‪:‬‬
‫قاس به َذ ٌ‬
‫نب‬ ‫ُو ُجو ُا َك َذ ٌ‬
‫نب د ُّ ُ‬
‫ّ‬
‫الكل منشأ املباعدة عن دار الوصال‪ .‬و«اار الوصال» أعم من دار‬ ‫فإ ّن‬
‫الوصال ا ّلت خلفك‪ ،‬وكنت أنت وأمثالك في ا منذ الع د اليديم ـ ولكوُنا‬
‫أخ َذ من َبني ا َا َم من ُظ ُهورهم‬
‫عرب عنه بـ«ال َّظ ر» يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وَإذ َ‬ ‫خلف ًا؛ ّ‬
‫كم قا ُلوا بىل﴾ ـ ِ‬
‫ودار الوصال ا ّلت‬ ‫شهدَ ُهم َدىل أن ُفسهم أ َل ْس ُ‬
‫د ب َر ِّب ُ‬ ‫ُذ ِّر َّّت َُهم وأ َ‬

‫(‪ )1‬دالئل الصدق‪ ،227 :‬الكنى واأللياب ‪ ،158 :2‬البحر املديد ‪:5 ،90 :4 ،158 :1‬‬
‫‪ ،65 :6 ،32‬تفسري ابن عريب ‪.251 :2 ،163 ،116 :1‬‬
‫(‪ )2‬األعراف‪.172 :‬‬
‫احلق‬
‫وللسري يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلق رشيع ًة وطريي ًة‪،‬‬
‫للسري من اخللق إىل ّ‬ ‫قدّ امك إن ُوف ّي َت ّ‬
‫قاء اهلل فإ َّن أ َج َل اهلل آلي﴾ ‪َّ ﴿ ،‬‬
‫إن إىل ر ِّب َ‬
‫ك‬ ‫رجو ل َ‬
‫كان َّ ُ‬ ‫خت ّلي ًا ّ‬
‫وّتيي ًا‪َ ﴿ :‬من َ‬
‫ك الرجعى﴾ ‪ ،‬ودار الوصال ا ّلتى بّي يديك إن َ‬
‫كنت‬ ‫املُنتَهى﴾ ‪َّ ﴿ ،‬‬
‫إن إىل َر ِّب َ‬
‫ذا حضور وش ود النّور بنور النّور‪َ ﴿ :‬أ َدْ إ َّ ُم يف م ْرّة م ْن لقاء ِّ‬
‫رهبم أد إنَّه بك ُِّل‬
‫َفام‬ ‫فد لك ُِّل ََشء‬
‫َعر َ‬ ‫يط﴾ ‪َ ﴿ ،‬ويف أن ُفسكُم أ َفّل ُبّص َ‬
‫ون﴾ ‪َّ « ،‬‬ ‫ََشء ُحم ٌ‬
‫دني د راك!» ‪ ...‬إىل غري ذلك من النيول املتكاثرة‬ ‫د ٌ‬ ‫ك ََش ٌء‪َ ،‬دم َي ْ‬ ‫َجه َل َ‬
‫املتضافرة‪ ،‬وه والعيل والربهان ّ‬
‫والذوق والوجدان يف هذا املعنى متعاضد ٌة‬
‫متظاهرة‪ُ ،‬يعينك عّل ف م املطلب النظر البرشط الئ ‪ ،‬وإرجاع جنبة األمر‬
‫والروح إىل أصل ا‪ ،‬وإرجاع جنبة اخللق واجلسم إىل أصل ا يف اإلنسان‪ ،‬كام قال‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬العنكبوت‪.5 :‬‬


‫(‪ )2‬النجم‪.42 :‬‬
‫(‪ )3‬العلق‪.8 :‬‬
‫معطوفة عّل سابيتي ا‪.‬‬ ‫(‪ )4‬أي وأعم كذلك من دار الوصال الت بّي يديك‪ ،‬ف‬
‫(‪ )5‬فصلت‪.54 :‬‬
‫(‪ )6‬الذاريات‪.21 :‬‬
‫(‪ )7‬هذه الفقراي اقتباس‪ ،‬أي رصي معروف ًا ّ‬
‫لكل َشء‪ ،‬معرف ّيته وجوا ّّة بنفس وجوا ذلك‬
‫ّل هلا دلم بذاهتا حضور ًا وبغ ها حصودً‪.‬‬ ‫ألن معرف ّيته ّ‬
‫لكل بحسبه؛ فالدّ ّكة مث ً‬ ‫اليشء ّ‬
‫قوم ًا وجوا ّّ ًا؛ فإاراكها وجواها‪،‬‬
‫متقوم بالوجوا املطلق احلقيقي ّ‬
‫وجواها ووجوا ها ّ‬
‫مقومها ودشقه ومحده و سبيحه‪.‬‬
‫ودشقها بوجواها وا بهاجها وار ضائها له إاراك ّ‬
‫اااا نكناااد رو باااه ساااوى آساااامن‬ ‫قطاااارة آبااااى نخااااورا ماكيااااان‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )8‬بحار األنوار ‪.226 :95 ،142 :64‬‬
‫عّل×‪« :‬ما دبن آ َا َم َوال َفخر؟ أ َّو ُل ُه ُن َطف ٌة َقذ َر ٌة‪َ ،‬وآخ ُر ُه جي َف ٌة َقذر ٌة» ‪.‬‬
‫س ّيدنا ّ‬
‫ال‪َ ،‬ل َو َجد َت مجيع‬
‫والرتاب البسيطّي مث ً‬
‫فإذا نظرت إىل اإلنسان نظرك إىل املاء ّ‬
‫ما فيه من حلل العلم وحّل اليدرة وغريمها ك اال من الطواري والعواري ‪ّ ،‬‬
‫ثم‬
‫تشفع هذا النّظر بالنّظر النّوراين بأن ترى يف ّ‬
‫كل يشء من اجل تّي اللتّي تركّب‬
‫من ام ج ة النّوران ّية واخلري ّية بأن تنتبه باملسألة البدهي ّية اليائلة ّ‬
‫بأن الوجود خري‬
‫يف ّ‬
‫كل يشء بام هو وجود ال جزء له‬ ‫أينام ّت ّيق‪ ،‬وتستشعر ّ‬
‫بأن الوجود احلييي‬
‫ال‪ ،‬حتّى يكون جزء منه يف يشء‪ ،‬وجزء آخر منه يف آخر‪ ،‬بل هو بتاممه ا ّلذي‬
‫أص ً‬
‫بكم‬ ‫ال بعض له يف ّ‬
‫كل يشء‪ ،‬وليس بجسم حتّى يكون له األجزاء اخلارج ّية‪ ،‬وال ٍّ‬

‫(‪ُ )1‬نج البالغة‪/‬احلكمة‪ ،454 :‬عيون املواعظ واحلكم‪ ،479 :‬وفي ام‪« :‬أوله نطفة‪ ،‬وآخره‬
‫جيفة‪ ،‬ال يرزق نفسه‪ ،‬وال يدفع حتفه»‪.‬‬
‫جمرا العنارص واألخّلط‬
‫(‪ّ )2‬عني اذا أخذي اإلنسان الطبيعي‪ ،‬وهو البدن با«رشط د»‪ ،‬أي ّ‬
‫دواري‬
‫َ‬ ‫أن ّ‬
‫كل ما فيه من العلوم احلقيق ّية‪ ،‬واحلكم الشاخمة‪ ،‬والقدر العجبية‬ ‫ونحوها‪ ،‬وجدي ّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬ودلمد أن يف العنارص امل ّيتة من جتيل‬ ‫وواائع من اهلل عاىل‪ ،‬واستغربد واستعجبد‬
‫َ‬
‫وأن شأن القابل ليس ّإد صحح الوروا ولو كاند هذه العجائب من املاء الذي‬ ‫اهلل شيئ ًا‪ّ ،‬‬
‫[هو] أحد ُاصول هذا اإلنسان‪ ،‬فهذا املاء الذي يف اخلارج من أخوا ه ماء ولو كان من األرض‬
‫أرض يف اخلارج‪ ،‬وليسد إدّ دطّلء من هذه احللل واحليل‪ْ ،‬‬
‫وقس دليه‪.‬‬ ‫التي فيه‪ ،‬فها هي ٌ‬
‫نعم‪« ،‬از كوزه مهان برون راوا كه ار اوسد»‪ ،‬وله امللك وله احلمد‬
‫منه‪.‬‬
‫جتااااىل كاااارا ار آفاااااق وانفااااس‬ ‫بااارون زا خيماااه زاقلااايم قااادّ س‬
‫(‪ )3‬أي أضف إىل النظرّن نظر ًا آخر ّ‬
‫تبّص إن شاء اهلل فالق الكثرة‪ ،‬لق الوحدة بأن عرف‬
‫دام هو‬
‫وجمرا ّ‬
‫لكل ما هو سنخه‪ّ ،‬‬ ‫جامع ّ‬
‫ٌ‬ ‫أن د َم ْيز يف رصف اليشء‪ ،‬فّصف الوجوا الذي هو‬
‫رّبه ا و رّب الوجوا ليس إ ّ‬
‫د العدم ا د ثاين له‪ ،‬ود جزء له‪ ،‬ومل ّتخ ّلل يف حقيقة املوجوا‬
‫ها مل تباّن بينونة دزلة‪ .‬منه‪.‬‬ ‫ها‪ ،‬وما مل ّتخ ّلل يف حقيقة‬
‫حتّى يكون له األجزاء امليدار ّية‪ ،‬وال بامه ّية مطلي ًا حتّى يكون له جنس وفصل‪،‬‬
‫تغري له بام هو وجود‪ .‬فالوجود ا ّلذي يف املاضيات عّي‬ ‫ّ‬
‫وأن الوجود احلييي ال ّ‬
‫الزمان واحلركة والوجود ليس هبام؛‬
‫التغري يف ّ‬
‫ّ‬ ‫الوجود ا ّلذي يف الغابرات‪ ،‬إنّام‬
‫الذي هو حييي ٌة بسيطة نور ّية عّي حيث ّية الوجوب‪ ،‬ال‬
‫بأن حيث ّية الوجود ّ‬
‫فتف ّطن ّ‬
‫ّأُنا مساوقة هلا أو كاشفة عن ا‪ ،‬الل ّم إ ّال باعتبار املف وم‪ ،‬وقد سبق يف بيان‬
‫قوله×‪ّ« :‬ا َمن َا َّل َدىل ذا ه بذا ه»‪.‬‬
‫الذنب» ا ّلذي [هو] منشأ املباعدة عن دار الوصال هذه إنّام عمدته اجل ل‬
‫و« ّ‬
‫ثم تشتّت اخلواطر وفتور‬
‫بعلوم أهل اهلل‪ ،‬واإلعراض عن علم الطريية واحلييية‪ّ ،‬‬
‫العزيمة والتّلوين‪ .‬وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫كل ما هو منشأ الغفلة‪.‬‬
‫السابية لألرواح ‪ ،‬ال بنحو اجلزئ ّية‬
‫األول‪ ،‬ف و الكينونة ّ‬
‫وأ ّما «الوصال» ّ‬

‫ُتصور دىل وجوه‬


‫ّ‬ ‫أن الكينونة السابقة هلا‬
‫(‪ )1‬ادلم ّ‬
‫السلسلة الطول ّية‬ ‫أحدها الكينونة السابقة العلم ّية والقلم ّية وال ّلوح ّية كام ّ‬
‫فصلناه‪ .‬وهذا يف ّ‬
‫النزول ّية‪.‬‬
‫وثانيها الكينونة العقلية يف السلسلة العرض ّية للعقول بالفعل‪ ،‬واملستفااة‪ ،‬إذ هلا ّاّتاا يف مقام‬
‫املشخص هلا يف لك املر بة‪ ،‬وإن كان هلا ك ّثر يف مقام اإلضافة إىل دامل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلّتاا بالعقل الف ّعال‬
‫َس ًا‪ ،‬ومع اخلا م|» جهر ًا‬
‫كند مع مجيع األنبياء ّ‬
‫ديل× « ُ‬
‫الصورة‪ .‬وإىل هذا ّش قول ّ‬
‫ّ‬
‫ألن دقيدهتم احل ّقة واحدة‪ ،‬وخلقهم العدل‪،‬‬
‫والرجعاي»‪ .‬وذلك ّ‬
‫الكراي ّ‬
‫وقوله× «يل ّ‬
‫إن من رأي دل ّي ًا‪ ،‬فقد رأى أويل‬
‫احلق؛ فباطن ذاهتم واحد؛ وهلذا ورا « ّ‬
‫وقبيلتهم احلقيقة هي ّ‬
‫العزم من الرسل»‪ .‬ومضمون هذا ونحوه مأثور‪.‬‬
‫السلسلة العرض ّية‬
‫صوري يف ّ‬
‫ّ‬ ‫وهذان الوجهان كّلمها حق‪ ،‬والثاين وإن كان بحسب التع ّلق ال‬
‫لكنّه بحسب الباطن يف ال ّطول‪.‬‬
‫السلسلة العرض ّية دىل سبيل النقل إىل النّواسيد‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫باطل؛‬ ‫وثالثها‪ ،‬الكينونة النّفس ّية يف ّ‬
‫املحررة يف‬
‫ّ‬ ‫والتّك ّثر عّل ما ينسب إىل أتباع أفالطون؛ فإنّه مستلزم للمحاذير‬
‫كتب أهل احلكمة‪ ،‬بل عّل ما هو مغزى مرام أفالطون اليائل بيدم النفس‪ ،‬وهو‬
‫الكينونة العلم ّية‪ ،‬والكينونة العيل ّية الكل ّية‪ ،‬والكينونة النفسيّة الكل ّية؛ ّ‬
‫ألن‬
‫الوجود أصيل‪ ،‬وأنّه ميول بالتشكيك‪ّ ،‬‬
‫وأن احلييية ه الرقيية بنحو أعّل‪،‬‬
‫والرقيية ه احلييية بنحو أضعف‪ ،‬والع ّلة حدٌّ تام وجودي للمعلول‪ ،‬واملعلول‬
‫ّ‬
‫بالضورة‪ ،‬وشيئيّة الّشء‬ ‫وجودي للع ّلة‪ ،‬ومعط الكامل ّ‬
‫أحق به ّ‬ ‫حدٌّ ناق‬
‫بتاممه حييية الشيئ ّية‪ ،‬إىل غري ذلك من قواعد احلكمة املتعالية‪.‬‬
‫فإ َذن‪ ،‬يمكن أن يكون أفراد حييية واحدة متفاوت ًة يف التع ّلق واملفارقة‪،‬‬
‫والصور ّية‪ .‬فكينونة العيل املفارق يف امليام ّ‬
‫الشامخ‬ ‫ّ‬ ‫والتجرد واملاد ّية‪ ،‬واملعنو ّية‬
‫ّ‬
‫والش ادة كينون ُة ذات النّفس‪ ،‬وإن مل يكن‬
‫اجلربويت قبل أن خيلق عامل اخللق ّ‬
‫ومترغ ا يف‬ ‫كينونة النّفس من حيث ه نفس‪ ،‬كام ّ‬
‫أن كينونة النّفس يف عامل الكون ّ‬
‫نفس إرشاق‬
‫ٌ‬ ‫الرتاب وتعفري خدها كينون ُة العيل هاهنا‪ ،‬فإ ّن النفس من حيث ه‬
‫ّ‬
‫العيل ٍّ‬
‫وجتل منه بحسب ظرفيّة اليابل‪ .‬وهذا معنى اهلبوط والنزول يف النّفس‬

‫ألن التناسخ حمال‪ .‬منه‪.‬‬


‫وإما كث ة‬
‫(‪ )1‬إذ قالوا لو كاند النّفوس موجواة قبل األبدان‪ ،‬كاند ّإما واحدة‪ّ ،‬‬
‫فإما بعد التع ّلق واحد ٌة أّض ًا فيكون نفس زّد بعينها نفس ه‪ ،‬فيعلم‬
‫فإن كاند واحدةً‪ّ ،‬‬
‫املجرا‪.‬‬
‫وإما كث ة فيلزم جتزّة ّ‬ ‫ّ‬
‫كل ما ّعلمه األخرى وهو باطل‪ّ ،‬‬
‫التجرا‪ .‬وما ّاة النفس‬
‫ّ‬ ‫وإن كاند كث ة‪ ،‬فتكثر نوع واحد باملا ّاة ولواحقها‪ ،‬ود ما ّاة يف دامل‬
‫هي البدن‪ ،‬فإن كاند قبل هذه األبدان يف أبدان ُاخرى لزم التناسخ وهو حمال‪ .‬فهذه لزم إذا‬
‫كاند النفوس بام هي نفوس‪ ،‬وبام هي كث ة قدّمة ود ّلزم َشء من هذه إذا كاند الكينونة‬
‫فصلناه‪ .‬منه‪.‬‬
‫العقل ّية والعلم ّية بنحو الوحدة هي الكينونة السابقة للنّفس‪ ،‬كام ّ‬
‫َددُ ٌّو﴾ ‪ .‬ومن كلامت الشيخ‬ ‫والعيل كام قال تعاىل‪﴿ :‬اهب ُطوا َب ُ‬
‫عضكُم لبع‬
‫الرئيس‪:+‬‬

‫املجر ِد احلرك ُة األين ّية‪ ،‬والتّجايف عن امليام ّ‬


‫الذايت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومعلوم أنّه ال جيوز عّل‬
‫العنوي باحلييية العيل ّية العالية فطر ًة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الص ُعود ف و االتّصال‬
‫ومثله معنى ّ‬
‫الذايت؛ إذ لوالها ملا ُاضيف الوجود إلي ا‪ ،‬ومل‬
‫والذنب هناك املاه ّية واإلمكان ّ‬
‫ّ‬
‫حيصل املباعدة؛ ّ‬
‫ألن مناط السوائ ّية شيئ ّية املاه ّية‪ ،‬ورحى االمتياز يف العيول‬
‫الكل ّية املفارقة ا ّلت ه أوائل سلسلة املبادئ تدُ ور علي ا‪ .‬وأيض ًا ذنب تع ّلق‬
‫ال قائ ًام بّي يدي اهلل‪.‬‬
‫الصورة بعدما كانت عي ً‬
‫والتوجه إىل عامل ّ‬
‫ّ‬ ‫النّفس بالبدن‬
‫ذنوب تكوين ّية ال ترشيع ّية؛ إذ مل يكن تكليف ترشيع بعدُ ‪ ،‬وهذا تأويل‬
‫ٌ‬ ‫وهذه‬
‫خطيئة آدم× املوجبة إلخراجه عن اجلنّة‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.36 :‬‬


‫(‪ )2‬ومن هذه القصيدة العين ّية قوله‬
‫ألفاااد جمااااورة اخلاااراب البل َقاااع‬ ‫أ َن َفااد ومااا أنَسااد وملااا واصاالد‬
‫ومنها‬
‫ومنااااااازدً بفراقهااااااا مل قنااااااع‬ ‫وأظنهاااا نسااايد دهاااوا ًا بااااحلمى‬
‫السابقة‪ ،‬ولكن بام هي واحدة وحد ًة دقل ّي ًة كل ّي ًة‪ ،‬ويف‬
‫فهذه وأمثاهلا إشار ٌة إىل كينونة النفس ّ‬
‫فإن «الشيخ» ّقدح فيه‪ ،‬وّقول بحدوث‬ ‫النشآي العلم ّية‪ ،‬د بام هي نفوس متعدّ اة جزئ ّية؛ ّ‬
‫النفس بام هي نفس بحدوث البدن‪ ،‬فكيف ّتأ ّى له أن ّقول «وأ ّظنها نسيد» إىل آخره‪ ،‬أو‬
‫الرومي»‬
‫ّ‬ ‫«هبطد»؟ وقس دليه ما يف كلامي العرفاء كقول «العارف‬
‫بااى َس وبااى پااا ُباادّم آن َس مهااه‬ ‫متّحااد بااواّم وّااك جااوهر مهااه‬
‫ذلك مم ّا د حيىص‪ .‬منه‪.‬‬ ‫و‬
‫األول‬
‫َوج ٌه آ َخر للوصال ّ‬
‫إ ّن للامه ّيات الت ييال هلا «األعيان الثابتات» يف عرف العرفاء أكوان ًا سابيات‬
‫وبرزات يف مراتب كامنات‪:‬‬
‫وثبوهتا تابعة ألسامئه احلسنى‪ ،‬وصفاته‬
‫ُ‬ ‫ورها يف علم اهلل‪،‬‬
‫فأ َّول ُبروزها ظ ُ‬
‫العليا املوجودة بوجود واحد بسيط مل يكن فيه ج ٌة وج ة‪ ،‬ويش ٌء ويش ٌء‪ ،‬وهو‬
‫نوره‪.‬‬
‫وجود ذات اهلل َهب َر ُ‬
‫َوثاين ُبروزها يف قلمه األعّل بنحو واحد مجع دون الوحدة احل ّية احلييي ّية‬
‫ا ّلت [ه ] خلالق اللوح واليلم‪ ،‬كجمع ّية احلروف املتك ّثرة املتخالفة يف مداد‬
‫رأس اليلم اجلسامين بّي إصب َع الكاتب البرشي‪.‬‬
‫وهكذا هلا ظ ورات يف ال ّلوح املحفو إىل لوح املحو واإلثبات والنفس‬
‫ّغري لتغري اليابل صف ًة بل ذات ًا بنحو جتدّ د‬
‫املنطبعة الفلك ّية بنحو التّغاير‪ ،‬والت ّ‬
‫ثم يظ ر يف عامل العّي ولوح اليدر العين ‪ ،‬وهو نشأة الفراق وعامل‬
‫األمثال‪ّ ،‬‬

‫األول كان الكّلم يف النّفوس واألرواح ويف كينونتها‬ ‫أن يف ّ‬ ‫(‪ )1‬الفرق بني الوجهني ّ‬
‫السابقة العلم ّية يف مجيع األشياء‪ ،‬وأّض ًا يف شيئ ّية‬
‫الكّلم يف الكينونة ّ‬
‫ُ‬ ‫الوجوا ّّة‪ ،‬ويف هذا الوجه‬
‫ماه ّياهتا فقط‪ .‬منه‪.‬‬
‫أن مجيع احلروف الكتب ّية مع اختّلف أشكاهلا منطوّة بنحو الوحدة والبساطة يف‬ ‫(‪ )2‬فكام ّ‬
‫نقطة مداا رأس القلم‪ ،‬فكذلك احلروف التكوّن ّية بأديا ا ثابتة بوجوا واحد للقلم األدىل‬
‫الرباين‪ ،‬ثم ك ّثري منه األرقام يف‬ ‫للمصور ّ‬
‫ّ‬ ‫وحاين الذي بني إصبعي اجلامل واجلّلل‬ ‫ّ‬ ‫الر‬
‫ّ‬
‫املكرمة الطول ّية‪ ،‬ويف صحائف األديان العرض ّية‪ ،‬فا«قاف» القدرة نزّ لد وصاري‬ ‫الصحف ّ‬ ‫ّ‬
‫«قاف» القلم‪ ،‬وقاف القلم صاري القلب‪ ،‬فظهري قاف القرآن املجيد قال عاىل «ق‬
‫والقرآن املجيد»‪.‬‬
‫هاازاران نقاا باار لااوح داادم زا‬ ‫چااو «قاااف» قاادر ام باار قلاام زا‬
‫منه‪.‬‬
‫ألن عامل املُثل املع ّلية وصور النفس املنطبعة الفلك ّية ا ّلت‬
‫الفرق بل فرق الفرق؛ ّ‬
‫فوق ام دور‬ ‫للفلك بإزاء اخليال من ا عامل التيدّ ر والتش ّبح والنشآت ا ّلت‬
‫ألُنا ُاوالت وحدة مجع ّية‪ ،‬والس ّيام األقالم وقلم األقالم‪ّ ،‬‬
‫فإُنا من‬ ‫الوصال؛ ّ‬
‫مر‪.‬‬
‫الربوب ّية‪ ،‬باقية ببياء اهلل‪ ،‬موجودة بوجوده كام ّ‬
‫صيع ّ‬
‫الكّل ا ّلذي ّ‬
‫مر يف‬ ‫وأ ّما الوصال ا ّلذي قدامك وأمامك‪ ،‬ف و ّ‬
‫االّتاد بالعيل ّ‬
‫شطر من أحكامه‪ ،‬والتخ ّلق بأخالق اهلل‬
‫ٌ‬ ‫كالم س ّيد األولياء عّل× وقد مىض‬
‫الصفات» والتح ّيق به‪ ،‬وذن ُبه املب ِّعد عن َروحِ‬ ‫تعاىل املعرب [عنه] بـ«جنّة ّ‬
‫الرشك‬ ‫ورش ِك ِّ‬‫الوقوع يف َحبائل «جنّة األعامل»‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الوصال ‪ .‬ورحيان ال ِّلياء‪:‬‬
‫السوااء‬ ‫الرشك يف ُأ َّمتي أخفى من َابيب النّم َلة ّ‬
‫اخلف ّ ‪ ،‬قال النّب |‪« :‬ابيب ِّ‬
‫الص ّامء يف ال ّلي َلة ال ّظلامء» ‪ .‬ويف بعض النّسخ‪« :‬املَلساء» بدل‪:‬‬ ‫َد َىل َّ‬
‫الصخر َة َ‬
‫الص ّمآء»‪.‬‬
‫« َّ‬

‫(‪ )1‬ددّ ه ذنب ًا من باب «حسناي األبرار سيئاي ّ‬


‫املقربني» وادكتفاء به من باب القياس‬
‫األو َل ّ‬
‫وي؛ فإنّه إذا كان هذا ذنب ًا مب ّعد ًا‪[ ،‬فا]كيف كون األدامل الباطلة والرشك ّ‬
‫اجليل؟ منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رشح ُاصول الكايف ‪.47 :8‬‬
‫(‪ )3‬التحفة السنية (خمطوط)‪.78 :‬‬
‫ئس املَط َّي ُة ا ّلتي امتطأ ْي نفيس من َهواها؛ َفواه ًا ملا َس َّولد َهلا‬
‫(‪َ ﴿ )31‬فب َ‬
‫ُظنُو ُ ا َو ُمناها!»‬
‫«املط ّية»‪ :‬الدابة متطو يف سريها‪ ،‬أي جتدّ يف سريها‪« .‬امتطأت»‪ :‬أي ّاختذت‬
‫ركب َمجوح هيوي براكبه‬
‫نفّس هواها مط ّية تذهب حيث ما شاء اهلوى‪ .‬وهو َم ٌ‬
‫رأّد َمن ّاخت ََذ أ َهل ُه َهوا ُه﴾ ‪ ،‬ويف‬
‫إىل اهلاوية‪ .‬وإن عبدته ـ كام يف اآلية‪﴿ :‬أ َف َ‬
‫احلديث‪« :‬أب َغ ُ إله ُدبدَ يف األرض َاهل َوى» ـ فال وفاء هلذا اإلله املتّخذ‬
‫ّفس ر ّبه ّ‬
‫الذي هو ذو الع د والوفاء بلوازم الربوبية‬ ‫واملعبود املج ُعول‪ ،‬فلتعبد الن ُ‬
‫الذر‪ ،‬فكيف إذا مل تنكث الع د‬
‫واملولوية‪ ،‬وإن نيضت ميثاقه الذي واثيته يف عامل ّ‬
‫وامليثاق؟‬
‫التعجب من ُحسن يشء‪ ،‬وكلمة‬
‫ّ‬ ‫وكلمة «واه ًا» ـ ويرتك تنوينه ـ تيال عند‬
‫تل ّ ف أيض ًا‪ ،‬وقيل‪ :‬عند التّوجع ييال «آه ًا»‪ ،‬ولو قرص اليائل ف ذه الفيرة‬
‫الرشيفة ر ّد عليه‪ .‬ويف «هواها» و«واها» جناس «شبه االشتياق» و«املزدوج»؛‬
‫سمى اجلناس «مزدوج ًا»‪ .‬وال تتومه ّن أنّه‬ ‫املتجانس ِ‬
‫ّي اآلخر ّ‬ ‫َ‬ ‫فإنّه إذا ويل أحد‬
‫«جناس ميلوب»؛ إذ يف اجلناس امليلوب البدّ يف املتجانسّي من ّ‬
‫االّتاد يف نوع‬
‫الرتتيب فحسب‪ ،‬كام يف الدّ عاء‪:‬‬
‫احلروف وعددها وهيئاهتا‪ ،‬والتخالف يف ّ‬

‫ّ‬
‫مظان الدعاء الرشيف‪« :‬امتطت»‪.‬‬ ‫(‪ )1‬كذا باهلمز يف النسخة احلجرية‪ ،‬وما يف‬
‫(‪ )2‬اجلاثية‪.23 :‬‬
‫(‪ )3‬رشح ُنج البالغة ‪.332 :2‬‬
‫ثم إ ّن فيه‬
‫اسرت َدورا نا‪ ،‬وآم ْن رودا نا» ‪ ،‬و«هوا» و«واها» ليسا كذلك‪ّ .‬‬
‫«الله َّم ُ‬
‫ثم يعاد يف‬ ‫صنعة «املسلسل» أيض ًا‪ ،‬وه ّ‬
‫أن يؤتى بلفظ يف آخر بيت أو فيرة ّ‬
‫صباح‬
‫ٌ‬ ‫ّأول آخر أو ُاخرى يلياُنام‪ ،‬كيوله تعاىل‪﴿ :‬مثل نُوره كَمشكوة فيها م‬
‫ي﴾ ‪ .‬وفيام نحن فيه‪ ،‬وإن مل يعد‬ ‫جاج ُة كَا َّ ا كَوك ٌ‬
‫َب ُا ّر ٌ‬ ‫ُجاجة الز َ‬
‫صباح يف ز َ‬
‫ُ‬ ‫امل‬
‫التغري اليليل كام يف «ر ّد‬
‫ّ‬ ‫بام ّدته وصورته بل بامدته فيط‪ ،‬إ ّال إنه ال ّ‬
‫يض عندي‬
‫الصدر»؛ حيث إ ّن الر ّد إ ّما بلفظه وإ ّما بمجانسه ولو كان «جناس‬
‫العجز عّل ّ‬
‫شبه االشتياق»‪.‬‬
‫سولت له نفسه» كذا‪ :‬ز ّينت‪ ،‬فاملفعول حمذوف‪ ،‬أي‬
‫وكلمة «ما» مصدر ّية‪ّ « .‬‬
‫سولت ظنوُنا ومناها هلا علوم ا وأعامهلا‪ .‬وحيتمل أن يكون «ظنوُنا» و«مناها»‬
‫ّ‬
‫كالمها متع ّليّي بالعمل‪ ،‬بأن يراد بال ّظنون‪ :‬العلوم املتع ّلية بكيف ّية األعامل‪.‬‬

‫(‪ )1‬بحار األنوار ‪ ،192 :20‬إعانة الطالبّي ‪ .251 :1‬وقد ورد يف بعض املصادر «عورتنا»‪،‬‬
‫و«روعتنا»‪ ،‬انظر التبيان يف تفسري اليرآن ‪ ،320 :8‬ويف بعض ا «عوراين»‪ ،‬و«روعاين»‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫بحار األنوار ‪ ،234 :94‬مسند أمحد ‪ ،25 :2‬سبل السالم ‪ ،221 :4‬ويف بعض ا‪« :‬عوريت»‪،‬‬
‫و«روعت »‪ ،‬انظر‪ :‬مكارم األخالق‪ ،101 :‬مفتاح الفالح‪ ،121 :‬وغريها كثري يف املوارد‬
‫األربعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومن صنعة املسلسل‪ ،‬نحو قول «ابن الفارض» من ائ ّيته‬
‫فاان مااا مل اجااتىل فيااك صااورت‬
‫َ‬ ‫ومل‬ ‫فلااام هتاااوين ماااا مل كااان ّيف فانيااا ًا‬
‫ومن هذه الصنعة مثل قول «العارف الرومي» يف الفارس ّية‬
‫شااد داادا چااون ساااّه هاااى كنجااره‬ ‫چااون بااه صااوري آمااد آن نااور َسه‬
‫ااا روا فاارق از ميااان اّاان فرّااق‬ ‫كنكاااره وّاااران كنياااد از منجنياااق‬
‫اآلخر‬ ‫منه‪ ،‬وبيد ابن الفارض بعضهم رواه بجزم «ّتجىل» وإن ّ‬
‫أخل اجلزم بالوزن‪ ،‬والبع‬
‫رواه اون حذف حرف الع ّلة؛ مراداة للوزن وإن ّ‬
‫أخل بالنحو فيه‪ ،‬ود رضورة يف البني‪.‬‬
‫(‪ )3‬النور‪.35 :‬‬
‫وكيف ّية تسويل ام‪ :‬أن يرياها اجلزئ ّيات بصورة الكل ّيات‪ ،‬والدّ اثرات بصورة‬
‫كالُّساب مغ ّيا ًة بالغايات‬
‫َّ‬ ‫الباقيات‪ ،‬واألفعال املغ ّياة بالغايات الومه ّية ا ّلت ه‬
‫العيل ّية املحكمة الباقيات‪ .‬واألُمنية وطول األمل يرهيا األعدا َء ُ‬
‫بصورة األح ّباء‪،‬‬
‫عدوه الواقع ويسميه أوالد ًا وأقارب وزوج ًة‪ ،‬وينسى قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫فيأخذ ّ‬
‫﴿ َّو َم َّفر املَ ُ‬
‫رء من أخيه * َو ُا ِّمه َوأبيه * وصاح َبته َو َبنيه﴾ ‪ ،‬وقول املعصوم‪:‬‬
‫املال ل َب ْعل زَوجتهم‪َ ،‬ولزوجاي أبنائهم‪ ،‬وألزواج َبناهتم َبعد‬ ‫«إنَّام ّدَّ خ ُرون َ‬
‫مهم»‪.‬‬‫عمر ُه ل ُ ِّبيهم َو ُّك ِّل ُ‬ ‫يطيل األ َمل و َّ ُ‬
‫سأل اهلل أن ُّ ِّ‬ ‫َموهتم‪َ ،‬ف ُ‬
‫وال ّظنون قد ُتز ِّين و ُتري هواجس النّفس بصور الرشع ّيات‪ ،‬مثل أنّه ترتع يف‬
‫مراتب الب ائم‪ ،‬وتييض وطر نفسه‪ ،‬ويتش ّب ُث بيوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬قل َمن َح َّر َم زّنَ َة اهلل‬
‫وحيب األوالد ح ّب ًا حيوان ّي ًا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الرزق﴾ ‪،‬‬ ‫خر َج لعبااه والطَّ ّيباي م َن ِّ‬
‫ا ّلتي أ َ‬
‫ويتمسك بيوله تعاىل‪﴿ :‬إنَّام أموالك ُُم َوأود ُاكُم فتن ٌة وإ ّن اهلل دندَ ُه ٌ‬
‫اجر‬ ‫ّ‬
‫ظيم﴾ ‪.‬‬
‫َد ٌ‬
‫واألوىل أن يرجع «تسويل الظنّون» إىل النظر ّيات من العلوم غري املتع ّلية‬

‫ُ‬
‫وكشف الغطاء؛ فينكشف للمرء‬ ‫ألن ذلك اليوم ّوم الربوز‬
‫(‪ )1‬إنّام كان الفرار من هؤدء؛ ّ‬
‫أ ّ م أدظم شا ل له دن اهلل عاىل‪ ،‬وأنّه هبم صار حمتجب ًا دنه عاىل‬
‫زخااوا بيجانااه خوّشاااوند خااوانى‬ ‫را فرزنااد خااوانى‬ ‫داادوى خااوّ‬
‫حساااواى را لقاااب كاااراى باااراار‬ ‫اااااى ناقصااااى را ناااام خاااواهر‬
‫منه‪.‬‬
‫عدو ًا لكم فاحذروهم﴾‪.‬‬ ‫(‪ )2‬عبس‪ 34 :‬ـ ‪ ،36‬بل قوله ّ‬
‫جل شأنه‪﴿ :‬إن من أزواجكم ّ‬
‫التغابن‪ ،14 :‬ف و أرصح يف املطلوب‪.‬‬
‫(‪ )3‬االعراف‪.32 :‬‬
‫(‪ )4‬التغابن‪.15 :‬‬
‫األول فمثل تسويل تنزيه‬
‫مر‪ ،‬وأ ّما ّ‬
‫بالعمل‪ ،‬و«املنى» إىل العمل ّيات‪ .‬أ ّما الثاين فيد ّ‬
‫الصفات التشبي ّية‬
‫املبدأ لكثري من احلكامء‪ ،‬وفيه ويف املعاد ليليل من م‪ ،‬وتسويل ّ‬
‫يف املبدأ للمش ّب ة‪ ،‬واالقتصار عّل املُجازاة ّ‬
‫الصور ّية يف املعاد ألكثر املليّي‪ ،‬س ّيام‬
‫واحلق أنّه تعاىل خارج عن احلدّ ين‪ :‬حدِّ التّشبيه‪ ،‬وحدِّ التّعطيل‪ ،‬كام‬
‫ّ‬ ‫املش ّب ة‪.‬‬
‫عليه العرفاء الشاخمون‪ ،‬واحلكامء ّ‬
‫املتأهلون‪ ،‬ونطق به اليرآن احلكيم بيوله تعاىل‪:‬‬
‫اجلمة‬
‫ومثل تسويل املعارف ّ‬ ‫ُ‬ ‫ميع وال َبص ُ ﴾ ‪.‬‬
‫الس ُ‬ ‫﴿ َل َ‬
‫يس كَمثله ََش ٌء َو ُه َو َّ‬
‫بيوة‬ ‫ّ‬
‫وأدق املعاين؛ ألنّه ال يعرف اهلل ّ‬ ‫باملبدأ واملعاد‪ ،‬وإن كانت يف أعّل املراتب‬
‫مر‪.‬‬
‫العيل من حيث هو‪ ،‬وإنّام يعرف بنور منه بام هو هو كام ّ‬

‫وأما مقابل ادقتصار دىل املجازاة‬


‫(‪ )1‬هذا إحقاق ملقابل القول بالتّنزّه اخلايل دن اجلميع؛ ّ‬
‫احلق هو اجلمع بني ا ُملجازا ني ّ‬
‫الروحان ّية‪،‬‬ ‫أن ّ‬‫الصور ّّة املعتقدة لكث من القرش ّّني‪ ،‬فهو ّ‬
‫فان اإلنسان «هيكل التوحيد»‪ ،‬ووجوا جامع بني املدارك اجلزئ ّية وأدىل املدارك‪،‬‬
‫والصور ّّة؛ ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ولكل منها ُ‬
‫اّة ليق هبا‬
‫قو ٌة قتّص دىل ادكتساء بالسندُ س واإلستربق‪.‬‬
‫ف ّ‬
‫مقروءة‪ ،‬والظاهر ما أثبتناه] التّْس ُبل با ّلّلهوي‪.‬‬ ‫وقو ٌة [مهها] [كلمة‬
‫والسلسبيل‪.‬‬
‫وقو ٌة هلا شهوة النّهمة من احلّلوي ّ‬
‫قوهتا كأهل اجلربوي بالتسبيح والتّهليل‪.‬‬
‫وقو ٌة ُ‬
‫ّ‬
‫هذا يف ُقوى شخص واحد وأّض ًا للناس طبقاي ثّلث أدىل وأوسط وأانى؛ فغاّاي‬
‫واملتوسطني‪ .‬ويف الدّ داء «ّا نعيمي وجنّتي»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األدلني والبالغني ليسد مثل اّاي األانني‬
‫[بحار األنوار ‪ .]148 91‬وإنّام مل نذكر هذا القابل؛ ألنّا ذكرناه قبيل ذلك‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشورى‪.11 :‬‬
‫الْسّان إىل دامل اخللق‪ .‬فمن له احلق‬
‫ألن العقل له الط ان إىل سامء دامل األمر‪ ،‬واحلس له ّ‬
‫(‪ّ )3‬‬
‫ألن ا ُمل َ‬
‫درك د بدّ أن ّكون‬ ‫واألمر وفوقهام‪ ،‬د ّمكن إاراكه هبذه املدارك ا أدّلها وأاناها ا ّ‬
‫من سنخ ا ُملدرك‪ ،‬وذان سنخ لذّنك‪ ،‬فبنُوره ُّدرك نوره كام يف الدّ داء «بك درفتُك»‪[ ،‬بحار‬
‫األنوار ‪ .] 82 ،39 95 ،190 91‬كام سبق‪ .‬منه‪.‬‬
‫ويدخل يف «تسويل الظنون» مجيع أصناف املغالطة املرشوحة يف كتب أهل‬
‫العلم‪ :‬كإهيام االنعكاس‪ ،‬واملصادرة‪ ،‬واشرتاك اللفظ‪ ،‬وأخذ ما بالعرض مكان‬
‫بالذات‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬وسوء التأليف‪ ،‬وغريها؛ فإ ّن من االُمور ما هو ّ‬
‫حق ومنه‬ ‫ما ّ‬
‫املسمى باإلنسان ما هو إ ٌ‬
‫نسان حييي ‪ ،‬ومنه ما هو‬ ‫ّ‬ ‫ما هو مش َّب ٌه به‪ .‬وكام ّ‬
‫أن من‬
‫املسمى‬
‫ّ‬ ‫فض ٌة‪ ،‬ومنه ما هو م َّ‬
‫فضض‪ ،‬كذلك من‬ ‫شبح اإلنسان‪ ،‬ومن اجلامد ما هو ّ‬
‫ومزور‪ .‬ومن‬
‫ِّ‬ ‫مموه‬
‫باحلكيم أو العامل من هو مربهن باحلييية‪ ،‬ومنه [من] هو ِّ‬
‫حق‪ ،‬ومنه ما هو سفسط ٌّ أو ُمشاغب ٌّ ‪ ،‬وهو قياس يرى أنّه موافق‬
‫اليياس ما هو ٌّ‬
‫احلق وليس كذلك‪ ،‬وموافق للمش ُ ور ونتيجته توافق‬
‫للحق ونتيجته توافق ّ‬
‫ّ‬
‫املش ور وليس كذلك‪.‬‬
‫باحلق موجبة للرتويج‪ ،‬وهلذه املشاهبة والرتويج أسباب‬
‫ّ‬ ‫وال بدّ من مشاهبة‬
‫سمى هذه «موازين الشيطان» ‪ ،‬كام ّ‬
‫أن‬ ‫كثرية مرشوحة يف ف ّن املغالطة‪ .‬وت ّ‬
‫«ميزان التالزم» و«ميزان التعاند» و«ميزان التّعادل» بأقسامه الثالثة‪ :‬األكرب‬
‫سولة املُش َّب ة‬
‫الرمحن»‪ .‬فمن موازين الشيطان املُ ِّ‬
‫واألوسط واألصغر «موازين ّ‬
‫احلق قول نمرود عّل ما حكى اهلل عنه‪﴿ :‬أنَا‬
‫بميزان التّعادل األكرب من موازين ّ‬
‫الرب‪ .‬أو من املش ّبه بميزان‬
‫ّ‬ ‫يد﴾ ‪ّ ،‬‬
‫وكل من ُحيي و ُيميت ف و‬ ‫ُاحيي َو ُام ُ‬

‫(‪ )1‬يف النسخة احلجرية‪« :‬ما»‪ ،‬وال وجه من الوجوه املذكورة الستعامهلا يف العموم وارد هنا‪.‬‬
‫الرمحن فهي مخسة واملجموع ثامنية درش‬ ‫وأما موازّن ّ‬‫الشيطان ثّلثة درش‪ّ ،‬‬ ‫(‪ )2‬مجلة موازّن ّ‬
‫الكل؛ سواء كاند أحكام ذواهتا‬ ‫بعدا املوزوناي من العوامل الثامنية درش ألف ًا؛ إذ ّوزن هبا ّ‬
‫وجواهرها‪ ،‬أو صفاهتا وأدراضها‪ .‬وقد بسطنا الكّلم يف املوازّن يف «رشح األسامء» [رشح‬
‫األسامء احلسنى ‪ ]152 1‬دند الكّلم دىل ادسم املبارك «ّا من يف امليزان قضاؤه» [املصباح‬
‫(الكفعمي) ‪ ،252‬بحار األنوار ‪ .]389 91‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيرة‪.258 :‬‬
‫األوسط؛ إن ُق ِّرر هكذا‪« :‬أنّا ُاحي و ُاميت‪ ،‬واهلل حيي ويميت»‪ ،‬ومثله‪﴿ :‬هذا‬
‫ْرب﴾ ‪ ،‬واإلله هو األكرب بنا ًء عّل زعم قوم اخلليل‪ .‬وهكذا يف ّ‬
‫كل‬ ‫َ‬
‫َر ِّيب هذا أك َ ُ‬
‫موضع اشرتك شيئان يف وصف واحد‪ .‬والفساد يف اجلميع من باب سوء‬
‫أن ّ‬
‫كل‬ ‫احلق‪ ،‬وهو ّ‬
‫التأليف‪ ،‬وفساد الصورة دون املا ّدة‪ .‬واجلميع ُمش َّب ة بميزان ّ‬
‫شيئّي وصف أحدمها بوصف يسلب ذلك الوصف عن اآلخر‪ ،‬ف ام متباينان‪،‬‬
‫مسلوب أحدمها عن اآلخر‪ ،‬كيول اخلليل× عّل ما حكى اهلل تعاىل عنه‪:‬‬
‫وريب ليس بآفل»‪.‬‬
‫«الكوكب آفل ّ‬

‫(‪ )1‬األنعام‪.78 :‬‬


‫(‪َ ﴿ )32‬و َ َب ًا َهلا ُجلرأهتا َدىل َس ِّيدها َو َمودها﴾‬
‫ألن ّ‬
‫كل عبد جيُّس عّل مواله‬ ‫وهالك ًا و َمل َعن ًة هلا؛ ّ‬
‫« َت ّب ًا َهلا» أي َخسار ًا هلا‪َ ،‬‬
‫ألن العبد ك ٌَّل عّل مواله ا ّلذي هو و ّيل النّعمة له‪ ،‬وال يملك‬
‫مستحق للملعنة؛ ّ‬
‫ّ‬
‫شيئ ًا؛ فح ّيه عظيم لديه‪ ،‬و َمنُّه جسيم عليه‪ .‬وال يملك املوىل وجو َده وتوابع‬
‫يترصف يف باله‪ ،‬إنّام له املالك ّية اإلضاف ّية ا ّلت من ميولة اإلضافة‬ ‫ِ‬
‫وجوده‪ ،‬وال‬
‫ّ‬
‫واملوىل‬ ‫الترصف يف ُامور غريبة عنه؛ وأ ّما الس ّيد احلييي‬
‫ّ‬ ‫االعتبار ّية‪ ،‬وله‬
‫جل ُسلطانه‪ ،‬ف و ما ُلك ُملك الوجود وكامالته وآثاره‪ ،‬ويف قبضته‬
‫ّ‬ ‫التحييي‬
‫تيويمية‪ ،‬وهم ال يملكون عنده‬ ‫ّ‬ ‫ضامئر عبيده‪ ،‬وإضافته إلي م إضافة إرشاق ّية‬
‫األول ‪ :‬ال هو إ ّال هو‪ ،‬ويف ال ّثاين‪ :‬ال إله‬ ‫وجود ًا وال صف ًة وال فع ً‬
‫ال‪ .‬فف امليام ّ‬

‫الصدق دىل‬
‫التشخص وهو منع ّ‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬طبيق األذكار الثّلثة دىل املقاماي ال ّثّلث ّ‬
‫أن اهلو ّّة هي‬
‫ثم‬
‫مبهم بذاهتا اائر بني الكل ّية واجلزئ ّية‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫ألن كل ماه ّية ٌ‬
‫والتشخص هو الوجوا؛ ّ‬‫ّ‬ ‫الكثرة‪،‬‬
‫كم أو كيف أو وضع‬ ‫إهبامها بانضامم ماهية ُاخرى ا من ّ‬
‫بني هذا الفرا وذاك وذلك‪ .‬ود ُّر َف ُع ُ‬
‫كيل‬
‫ضم ّ‬
‫ّل دن ّ‬ ‫طبيعي إىل كيل طبيعي د ّفيد التشخ َص فض ً‬ ‫ّ‬ ‫ضم ّ‬
‫كيل‬ ‫ألن ّ‬
‫أو ها ا إليها؛ ّ‬
‫احلقيقي معها‪ّ .‬‬
‫وكل مر بة من الوجوا احلقيقي كام أ ا حيث ّية‬ ‫ّ‬ ‫دقيل إليها‪ ،‬إدّ أن ّعترب الوجوا‬
‫راجع إىل‬
‫ٌ‬ ‫الصدق دىل الكثرة‪ .‬والوجوا مطلق ًا‬ ‫طرا العدم‪ ،‬كذلك حيث ّية طرا ّ‬
‫الرشكة‪ ،‬ومنع ّ‬
‫ألن حقيقة الوجوا ذا ه وظهوره‪ .‬واجلادل هو الوجوا وجمعوله الوجوا‪.‬‬
‫اهلل؛ ّ‬
‫مقوم كل وجوا‪ .‬ودند بعضهم بادنتساب‬
‫التشخص بالفادل؛ ألنّه ّ‬
‫ّ‬ ‫احلكامء‬ ‫ودند بع‬
‫أن الوجوا داا إىل صقع اهلل‪ ،‬ود‬ ‫أن الوجوا راجع إليه ا كام نقلنا دن التّقدّساي ّ‬ ‫إليه‪ ،‬فكام ّ‬
‫حقيقي يف احلقيقة ّإد وجواه ا كذلك د هو ّّة إدّ هو ّّته‪ .‬وقد جعل هذه الكلمة ال ّط ّيبة‬
‫ّ‬ ‫وجوا‬
‫فاّتة كتاب التقدّساي‪.‬‬
‫قوة إ ّال باهلل ّ‬
‫العّل العظيم‪.‬‬ ‫إ ّال اهلل‪ ،‬ويف الثالث‪ :‬ال حول وال ّ‬
‫فت ّب ًا فظيع ًا ملجرتئ عّل هذا الس ّيد‪ ،‬وتعس ًا شنيع ًا جلسور عّل هذا املوىل؛ ّ‬
‫ألن‬
‫األول وكام َله ال ّثاين و ُغن َيته و ُقنَيته من هذا املوىل الكبري‪،‬‬
‫ذات هذا العبد وكام َل ُه ّ‬
‫نعم املوىل ونعم النّصري‪ .‬وهذه «العبود ّية» ه ا ّلت كانت «جوهر ًة كن ُ ا‬
‫الربوب ّية»‪ ،‬وأقىص مراتب ا ا ّلت خلتم األنبياء قدّ مت يف التش دّ عّل ّ‬
‫الرسالة‪ .‬ومن‬ ‫ّ‬
‫كلامت مشايخ العرفاء‪« :‬إذا جاوز الّشء حدّ ه انعكس ضدّ ه» ‪.‬‬

‫و ّملا كان «اهلل» اس ًام للذاي املستجمعة جلميع ّ‬


‫الصفاي اجلامل ّية واجلّلل ّية‪ ،‬ناسب ال ّثاين لل ّثاين‪،‬‬
‫وهو وحيد الصفة‪ .‬و ّملا كان «احلول» معناه احلركة‪« ،‬والقوة» مبدأ التأث والتغي و شمل‬
‫امللكاي املس ّببة دن احلركاي واألفعال‪ ،‬ناسب ال ّثالث للثالث‪ ،‬وهو وحيد األفعال‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬مرآة العيول ‪ ،150 :12‬وقد نسبه إىل أيب حامد الغزايل‪.‬‬
‫محت َ‬
‫ك ب َيد َرجائي﴾‬ ‫باب َر ْ َ‬
‫د َ‬ ‫(‪﴿ )32‬إهلي َق َر ْد ُ‬
‫ملّا ذكر الدّ اع طائف ًة من فضائح أعامله‪ ،‬وعدّ ِع َض ًة من فظائع أحواله‬
‫وعظائم أهواله‪ ،‬اضطرب اضطراب ًا شديد ًا‪ ،‬ودهش وجتلبب لباس اخلوف من‬
‫والسلطان اجلليل ا ّلذي هو أشدّ بأس ًا وأعظم‬
‫ّ‬ ‫جساراته لدى الس ّيد العظيم‬
‫ال‪ ،‬ويأخذه اليأس والينوط أخذ ًا وبي ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬فكاد أن يرجع كئيب ًا كلي ً‬
‫تنكي ً‬
‫فاستشعر رمح َته ا ّلت وسعت ّ‬
‫كل يشء؛ وإ ّن العبد ينبغ أن يكون يف ميام‬
‫الرجاء‪ ،‬بحيث لو أتى بذنوب ال ّثيلّي مل يينط من رمحة اهلل وإن كان يف ميام‬
‫ّ‬
‫اخلوف أيض ًا‪ ،‬بحيث لو أتى بحسناهتم مل يأمن من مكر اهلل‪ ،‬لكن قال تعاىل‬
‫ترجي ًة وتبشري ًا لعبادة‪﴿ :‬د َ ْقنَ ُطوا من َر ْ َ‬
‫محة اهلل﴾ ‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬إنَّه د َّ ْيئس من‬
‫َروح اهلل إ ّد القو ُم الكاف َ‬
‫رون﴾ ‪ ،‬ويف ُدعاء أيب محزة ال ُثاميل الواردة عن س ّيد‬
‫عّل بن احلسّي’ يف أسحار رمضان‪« :‬إهلي‪َ ،‬لو َق َر ْنتَني باألصفاا‪،‬‬ ‫العابدين ّ‬
‫ون العباا‪َ ،‬وأ َم ْر َي يب‬ ‫األشهاا‪ ،‬و َا َل ْل َ‬
‫د َدىل َفضائحي ُد ُي َ‬ ‫ك من َبني ْ‬
‫َو َمنَعتَني َسي َب َ‬
‫رص ْف ُ‬
‫د َوج َه‬ ‫ني األبرار‪ ،‬ما َق َط ُ‬
‫عد َرجائي منَك‪َ ،‬وما َ َ‬ ‫لد َبيني َو َب َ‬
‫إىل النّار‪َ ،‬و ُح َ‬
‫ّك دندي‪،‬‬ ‫ك َدن َق ْلبي‪ .‬أنا د أنسى أّاا َ‬ ‫نك‪َ ،‬ود َخ َر َج ُحب َ‬ ‫أمييل لل َعفو َد َ‬

‫(‪ )1‬العضة ـ بالضاد ـ‪ :‬اليطعة من الّشء‪ .‬العّي ‪ 125 :1‬ـ عضو‪ ،‬جممع البحرين ‪،200 :3‬‬
‫‪ 201‬ـ عضة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الزمر‪.53 :‬‬
‫(‪ )3‬يوسف‪.87 :‬‬
‫َو َس َ‬
‫رتك َد َ َّيل يف اار الدنيا» ‪.‬‬
‫عّل الباقر× أنّه‬
‫ونيل الغزايل يف (اإلحياء) عن اإلمام أيب جعفر حممد بن ّ‬
‫عز ّ‬
‫وجل‬ ‫كان ييول ألصحابه‪« :‬أنتم أهل العراق تيولون‪ :‬أرجى آية يف كتاب اهلل ّ‬
‫باد َي ا َّل ِذي َن أرس ُفوا َعّل أن ُف ِس ِ م ال تَينَ ُطوا ِمن َرمح ِة اهلل﴾ ‪،‬‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬يا ِع ِ‬

‫ونحن أهل البيت نيول‪ :‬أرجى آية يف كتاب اهلل قوله ُسبحانه‪َ ﴿ :‬و َل َس َ‬
‫وف‬
‫أن النب ّ ال يرىض وواحدٌ من ُأ ّمته يف النّار‪.‬‬ ‫ُيعطِ َ‬
‫يك ر ُّب َك َف َرتىض﴾ ‪ »...‬أراد ّ‬
‫الصايف) للفيض (رمحة اهلل عليه)‪ :‬يف احلديث‪« :‬أرجى آية يف كتاب اهلل‬
‫ويف ( ّ‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬وما أصاب ُكم ِمن م ِصيبة َفبِام كَسب َت ِ‬
‫ايدي ُكم َو َيع ُفو َعن‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كَثري﴾ ‪. »...‬‬
‫وقال الشيخ أبو عّل الطربيس يف (جممع البيان) يف تفسري هذه اآلية‪ :‬روي عن‬
‫عّل× أنّه قال‪« :‬قال رسول اهلل| « َخ ُ آّة يف كتاب اهلل هذه اآلّ ُة‪ّ .‬ا َديل‬
‫ّ‬
‫ما من َخدك ُدوا‪َ ،‬ود نَك َبة َقدَ م إ ّد بذنب‪َ ،‬وما َد َفا اهلل َدن ُه يف الدنيا‪َ ،‬فهو أ َ‬
‫كر ُم‬
‫ب َد َليه يف الدنيا‪َ ،‬ف ُه َو أددَ ُل من أن ُّثنِّي َدىل دبده» ‪.‬‬ ‫من أن َّ ُعو َا فيه‪َ ،‬وما دا َق َ‬

‫(‪ )1‬بحار األنوار ‪.88 :95 ،163 ،101 :91‬‬


‫(‪ )2‬الزمر‪.53 :‬‬
‫(‪ )3‬الضحى‪.5 :‬‬
‫(‪ )4‬إحياء علوم الدين ‪.48 :6‬‬
‫(‪ )5‬الشورى‪.30 :‬‬
‫ال َة َط َر َ ِيف النَّ َ ِ‬
‫ار َوزُ َل ًفا ِّم َن ال َّلي ِل إِ َّن‬ ‫ِ‬
‫﴿و َأق ِم َّ‬
‫الص َ‬ ‫(‪ )6‬الصايف ‪ ،476 :2‬وفيه أُنا قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ف‬ ‫َات﴾‪ .‬هود‪ ،114 :‬ويف ج ‪ 341 :5‬وج ‪ 502 :7‬منه أُنا‪َ ﴿ :‬و َل َسو َ‬ ‫َات يذ ِهبن السيئ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ ِّ‬ ‫احل َسن ُ‬ ‫َ‬
‫يك َر ُّب َك َف َرت َىض﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُيعط َ‬
‫(‪ )7‬جممع البيان ‪.47 :9‬‬
‫خاص وإن خرج خمرج العموم؛ ملا يلحق من‬
‫ّ‬ ‫وقال أهل التحييق‪« :‬إ ّن ذلك‬
‫واألئمة‬
‫ّ‬ ‫مصائب األطفال واملجانّي‪ ،‬و َمن ال ذنب له من األنبياء واملؤمنّي‬
‫الصرب‬ ‫يمتحنون باملصائب وإن كانوا معصومّي من ّ‬
‫الذ ُنوب ملا حيصل هلم عّل ّ‬
‫علي ا من الثواب» انت ى‪.‬‬
‫بالنّسبة إىل األنبياء‬ ‫ال التخصي‬ ‫التخص‬
‫ّ‬ ‫أن اآلية من باب‬ ‫أ ُق ُ‬
‫ول‪ :‬التحييق ّ‬
‫واألئمة^؛ إذ ال مصيبة من حيث ه مصيبة بالنّسبة إلي م‪ .‬واحلكم يف اآلية‬
‫ّ‬
‫مع ّل ٌق عّل هذا العنوان ‪ ،‬وهم (سالم اهلل علي م) حيمدون اهلل عّل بالياه‬
‫ومصائبه‪ ،‬كام يشكرونه عّل نعامئه‪.‬‬
‫الرجاء‪،‬‬ ‫وباجلملة‪ ،‬ملّا استرشف الدّ اع تلك ّ‬
‫الرمحة الواسعة‪ ،‬وممدوح ّية هذا ّ‬
‫قردد باب رمحتك بيد‬
‫ُ‬ ‫ومذموم ّي َة ال ُينوط‪ ،‬تبدّ ل وحشته باألُنس‪ ،‬فيال‪« :‬‬
‫بأن املناص من هذه األُ ُسود واخلالص من هذه األُخدود‪ :‬النّار‬ ‫ثم تن ّبه ّ‬
‫رجائي»‪ّ ،‬‬
‫ذات الوقود ليس إ ّال االلتجاء باملَلِك الودود؛ ألنّه العزيز امليتدر ا ّلذي ال‬

‫سميد هبا؛ أل ّ ا صيب قلب صاحبها‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أي دنوان املصيبة‪ .‬واملصيبة من «أصاب»‪ّ ،‬‬
‫واألئمة د صيب البّلّا قلوهبم‪ ،‬ود ؤ ّثر يف مقام أفئدهتم‪ .‬واهتاممهم وا تاممهم يف املوارا‬
‫الصور ّّة‪ ،‬ورداّة ال ّظواهر‪ .‬كيف‪ ،‬وّقال ّنبغي ّ‬
‫للسالك إذا وصل إليه بّلء‬ ‫من باب اآلااب ّ‬
‫أن ّشكر وّبتهج‪ ،‬وإن د ّقدر فينبغي أن ّرىض بأن ّكون يف مقام استواء النسبة‪ ،‬وإن د‬
‫كفر يف الطرّقة؛ واألئمة سااة أهل السلوك‬
‫ّطق‪ ،‬فّلبدّ أن ّصرب دليه‪ .‬واون هذا املقام ٌ‬
‫وقااهتم‪ ،‬ويف األادية املأثورة دنهم «نحمدك دىل بّلئك كام نشكرك دىل نعامئك» وقد قيل‬
‫انتقاااام اااو زجاااان حمباااوب ااار‬ ‫اى جفااااان وزراحااااد خااااوبرت‬
‫بااا طاارب اار از نااواى ناااى و چنااغ‬ ‫آن جفا كه و كنى ار خشام و جناغ‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا‪ ،‬ولألوىل كوُنا‪ :‬إىل امللك‪.‬‬
‫ألن ّ‬
‫الكل ملكته‪ ،‬وال ير ّد حكومته وال‬ ‫َملجأ وال َم رب وال منجى منه إ ّال إليه؛ ّ‬
‫ك‪َ ،‬وبر َ‬
‫ضاك من‬ ‫ُيد َفع إ ّال برمحته عيوب ُت ُه‪ ،‬كام يف الدّ عاء ‪« :‬أ ُدو ُذ ب َعفو َك من دقاب َ‬
‫نك» ‪.‬‬ ‫ك‪َ ...‬وأ ُدو ُذ ب َ‬
‫كم َ‬ ‫َسخَ ط َ‬
‫قّس‪،‬‬
‫ونيل أنّه ذكر عند أمري املؤمنّي× قول أفالطون اإلهل ‪« :‬األفالك ّ‬
‫املفر؟»‪.‬‬
‫الرام ‪ ،‬فأين ّ‬
‫واحلوادث س ام‪ ،‬واإلنسان هدف‪ ،‬واهلل تعاىل هو ّ‬
‫فيال×‪َ « :‬ف ِّ‬
‫فر ُوا إىل اهلل» فيال الدّ اع ‪:‬‬

‫الصفات‪ ،‬والثالثة إىل‬


‫(‪ )1‬الفقرة األوىل إشارة إىل التوحيد األفعايل‪ ،‬والثانية إىل التوحيد ّ‬
‫التوحيد ّ‬
‫الذات‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الكايف ‪ ،5679/470 :3‬هتذيب األحكام ‪ ،419/185 :3‬بحار األنوار ‪،88 :94‬‬
‫‪.417 :95‬‬
‫(‪ )3‬مل نعثر عليه ّإال يف تفسري اآللويس ‪/468 :7‬تفسري قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َأ َذقنَا الن َ‬
‫َّاس َرمح ًَة‬
‫رس ُع َمك ًرا إِ َّن ُر ُس َلنَا َيك ُت ُب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾‬ ‫ون َما َمتكُ ُر َ‬ ‫رضاء َم َّست ُ م إ َذا َهلُم َّمك ٌر يف آ َياتنَا ُق ِل اهللُّ َأ َ‬
‫ِّمن َبعد َ َّ‬
‫دون أن يتطرق إىل أنه ذكر عند أمري املؤمنّي×؛ وبالتايل ف و مل يذكر جوابه×‪.‬‬
‫د إ َل َ‬
‫يك دجئ ًا من َف ْرط أهوائي﴾‬ ‫(‪َ ﴿ )34‬و َه َر ْب ُ‬
‫السموم‪ ،‬وسفين ُة النّجاة‬
‫ياق األعظم جلميع ّ‬ ‫الرت ُ‬
‫ثم أهلم الدّ اع بام هو ّ‬‫ّ‬
‫ونريان َع َل ِم اهلداية يف أودية اهلُموم‪ ،‬وهو التّش ّبت‬
‫ُ‬ ‫للمنغمسّي يف بحار الغموم‪،‬‬
‫أح ّباء اهلل‬ ‫بحبال اهلل املتينة‪ ،‬واالستظ ار بجبال اهلل ّ‬
‫الشاخمة املكينة‪ ،‬وه‬
‫وأد ّالؤه‪ ،‬وأولياء اهلل وأو ّداؤه‪ ،‬ا ّلذين ح ّب م مفرتضة ‪ ،‬وطاعت م واجبة‪،‬‬
‫يعصمون َمن أوى إلي م‪ ،‬وينيذون من تع ّلق ب ُعرا مواالهتم؛ فإ ُّنم ـ كام ّ‬
‫مر ـ‬ ‫ُ‬
‫رت من املجت دين إىل حضة اجلواد‬
‫وقواد البائس املع ّ‬
‫روابط احلوادث باليديم‪ّ ،‬‬
‫الكريم‪ ،‬وهم ش داء دار الفناء‪ ،‬وشفعاء دار البياء؛ ولذا يف دعاء التش ّ د تيول‬
‫ّأوالً‪َ « :‬ق ِّر ْب َوسي َلتَه» أي يف الدّ نيا‪ّ ،‬‬
‫ثم تيول‪« :‬وا ْر ُز ْقنا شفا َدتَه» أي يف العيبى‪.‬‬
‫وصور ُة تيريب‬ ‫فالشفاعة هناك ّ‬
‫ظل اعتصامك هاهنا بمواالته ومواالة أوليائه‪ُ ،‬‬
‫وسيلته ا ّلت وفيت له هاهنا‪ ،‬فيال‪:‬‬

‫(‪ )1‬كذا؛ مراعاة للنظري‪ ،‬مع أن األوىل فيه التذكري‪.‬‬


‫ك أنام َل َودئي﴾‬
‫لقد بأطراف حبال َ‬
‫(‪َ ﴿ )35‬و َد ُ‬
‫«األنامل» مجع األنملة ـ بتثليث امليم واهلمزة ـ ففي ا تسع لغات‪ ،‬وه ال ّت‬
‫في ا الظفر‪ .‬ويف الكالم جماز مرسل من حيث إطالق «األنامل» عّل األيدي‬
‫االستعارة بالكناية واالستعارة التخييل ّية‪.‬‬ ‫بعالقة اجلزئيّة والكل ّية بعالوة‬
‫«ودئي» أي حم ّبت ‪ ،‬ومنه قول النّب ّ | يف عّل×‪« :‬الله َّم وال َمن وادُه‪،‬‬
‫َوداا َمن دااا ُه» ‪.‬‬

‫املوضوع له‬ ‫فإن املجاز هو الكلمة املستعملة يف‬


‫(‪ )1‬أي يف الكّلم نودان من املجاز؛ ّ‬
‫ٌ‬
‫مرسل‪ .‬وقد‬ ‫لعّلقة فإن كاند العّلقة هي املشاهبة‪ ،‬فاستعارة‪ ،‬وإن كاند ها فمجازٌ‬
‫الكل باسم جزئه ودكسه‪ ،‬و سمية السبب باسم‬‫ضبط ذلك الغ يف مخسة ودرشّن‪ ،‬كتسمية ّ‬
‫ذلك‪ ،‬كام هو‬ ‫املس ّبب ودسكه‪ ،‬و سمية اليشء باسم ما ّؤول‪ ،‬أو باسم ما كان‪ ،‬إىل‬
‫مرشوح يف موضعه‪ .‬منه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫(‪ )2‬كذا‪.‬‬
‫(‪ )3‬األمايل (الصدوق)‪ ،2/50 :‬مسند أمحد ‪ ،347 :5 ،119 :1‬فضائل الصحابة (ابن‬
‫حنبل)‪ ،14 :‬سنن ابن ماجة ‪ ،116/43 :1‬املستدرك عّل الصحيحّي ‪.110 :3‬‬
‫كان من َز َليل َوخطائي﴾‬
‫(‪﴿ )36‬فاص َفح الله َّم َد ّام َ‬
‫عام وقع‪،‬‬
‫الصفح إذا استعمل بكلمة « َعن» كان معناه العفو‪ ،‬و«كان» تامة أي ّ‬
‫ّ‬
‫عام كان أجرمته»؛ فـ«كان» ناقصة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكلمة «من» بيان ّية‪ .‬ويف بعض النسخ‪ّ « :‬‬
‫الزلل» ـ حمركة ـ‪ :‬مصدر «زللت»‪ ،‬أي زليت يف‬
‫منوي‪ .‬و« ّ‬
‫ّ‬ ‫واسمه ضمري ّ‬
‫الشأن‬
‫طّي ونحوه‪.‬‬
‫(‪﴿ )37‬وأق ْلني الله َّم َ ْ‬
‫رص َد َة َراائي﴾‬
‫الرداء ـ‬
‫طرح عّل األرض‪ .‬فسيوط ّ‬
‫الرص َعة»‪ :‬ال ّ‬
‫«أقلن »‪ ،‬أي جتاوز عنّ ‪ .‬و« َّ‬
‫جتمل النفس الناطية بالع ّفة‬
‫ّ‬ ‫الرجل ـ كناية عن ني‬
‫جتمل ّ‬ ‫حيث إ ّن ّ‬
‫الرداء ممّا به ّ‬
‫ّ‬
‫والشجاعة واحلكمة ‪.‬‬
‫فالرصع‬
‫للمرة ‪ ،‬وال يناسب ميام االستغاثة‪ّ ،‬‬ ‫قلت‪َ « :‬رصعة» ـ بالفتح ـ ّ‬
‫إن َ‬
‫ألُنا للنّوع‪ ،‬كام يف ا َمل َثل‪« :‬سوء االستمساك‬
‫الرصعة ـ بالكُّس ـ ّ‬
‫أنسب‪ ،‬وبعده ِّ‬
‫الرصعة» ‪.‬‬
‫خري من حسن ِّ‬
‫قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫كالرحم‪.‬‬
‫الرصع» ّ‬ ‫َأودً‪ :‬لع ّله من بناء أصل املصدر‪ ،‬كـ« ّ‬
‫الرمحة»‪ ،‬وال ينافيه « ّ‬
‫ِ‬
‫وثاني ًا‪ :‬أنّه مل َ قلتم‪ :‬إن ّ‬
‫املرة ال تناسب امليام؟ إذ جيوز أن يعرتف بكثرة‬
‫التجمل الباطن للنّفس الناطية بعد اإلرصار‬
‫ّ‬ ‫املعايص‪ ،‬ويكون سيوط رداء‬
‫مرة واحدة؛ ملكان حلمه تعاىل وأناته‪ .‬ور ّبام يصدر عن اإلنسان‬
‫والتكرار البليغّي ّ‬

‫اخلواص هي مرك ّبة من هذه‪ .‬وقد ر َّبع بازاّاا‬


‫ّ‬ ‫فان العدالة دند‬
‫(‪ )1‬هذه أجزاء العدالة؛ ّ‬
‫ألن السخاوة مندرجة يف الشجادة إذ البخيل جبان‬ ‫السخاوة‪ ،‬وقد ث ّلث كام يف « ّ‬
‫الشفاء» ّ‬ ‫ّ‬
‫وحيذر من فواي املال‪ ،‬والفقر يف املال‪ .‬منه‪.‬‬
‫األول‪.‬‬
‫أعم من ّ‬
‫ّ‬ ‫املرة‪ ،‬وليس هو بالكُّس فيكون لل يئة الت ه‬
‫(‪ )2‬أي مصدر ّ‬
‫(‪ )3‬اإلمتاع واملؤانسة‪ ،200 :‬العيد الفريد ‪ ،287 :1‬مج رة األمثال ‪ .125 ،121 :1‬رشح‬
‫ُاصول الكايف ‪ ،161 :11‬بحار األنوار ‪ ،349 :84‬ترتيب إصالح املنطق‪ 223 :‬ـ الرصعة‪،‬‬
‫الصحاح ‪ 1243 :3‬ـ رصع‪.‬‬
‫جم غفري من العصيان‪ ،‬وال خيلو قلبه بعدُ عن وميض حييا به‪ ،‬وال س ّيام يف‬ ‫ّ‬
‫الصغائر‪ ،‬أو الكبائر مع التوبات املنيوضة‪ .‬ويف بعض النّسخ زيادة كلمة « ِمن»‬
‫فالرصعة ه الع ّلة املعروفة‪،‬‬
‫قبل «الرصعة»‪ ،‬و«دائ » بدل «ردائ »؛ وحينئذ ّ‬
‫واملعنى‪ :‬خ ِّلصن من َم َريض املعنوي الذي ّ‬
‫كالرصع‪.‬‬
‫ورجائي‪َ ،‬وأند َمط ُلويب‪َ ،‬و ا َّ ُة‬
‫(‪﴿ )38‬فإنّك َس ّيدي َو َمودي‪َ ،‬و ُمعتَمدي َ‬
‫ُمناي يف ُمن َق َلبي َومثواي﴾‬
‫«منقلبي»‪ :‬مرجع ومآيل‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإنّا إىل ر ِّبنا ملَُنقل ُبون﴾ مساوق ًا‬
‫مور﴾‪ .‬و«املثوى»‪ :‬املنزل‪ ،‬من «ثوى املكان‪،‬‬ ‫ليوله تعاىل‪﴿ :‬أد إىل اهلل َص ُ ادُ ُ‬
‫وبه يثوي َثوا ًء و ُثوي ًا‪ّ ،‬‬
‫بالض ّم»‪ .‬وأثوى‪ :‬أطال اإلقامة به‪ ،‬أو نزل‪ ،‬كام يف‬
‫(الياموس) ‪ .‬وذلك املنزل هو ميعد الصدق ﴿دندَ مل ٍ‬
‫يك م ْقتَد ٍر﴾ ‪ .‬وطول‬ ‫َ‬
‫اإلقامة به معلوم عند ُأويل األلباب؛ ألنّكم خليتم للبياء ال للفناء‪ .‬وذلك املثوى‬
‫هو املنزل األصّل‪ ،‬وهذه املعابر وامليابر منازل الغربة واألمكنة العارضة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الزخرف‪.14 :‬‬


‫(‪ )2‬الياموس املحيط ‪ 403 :3‬ـ ثوى‪.‬‬
‫(‪ )3‬اليمر‪.55 :‬‬
‫ألن اإلنسان مسافر إىل اهلل‪ ،‬فّلبدّ له من العبور دنها إىل‬
‫الصور معابر؛ ّ‬
‫(‪ )4‬إنّام كاند دوامل ّ‬
‫ديل»×‬‫ألن النفس إن كاند جاهلة كاند ميتة كام قال « ّ‬ ‫دامل النّور‪ .‬وإنّام كاند مقابر‪ّ ،‬‬
‫ّاس مو ى وأهل العلم أحياء»‬
‫«الن ُ‬
‫[الشجرة الطوبى ‪ ،388 2‬الدر املختار رشح نوّر األبصار ‪.]44 1‬‬
‫الربزخي‪ ،‬بخّلف ما إذا‬
‫ّ‬ ‫الطبيعي أو جسده‬
‫ّ‬ ‫والبدن حينئذ كان قرب ًا ظلامن ّي ًا؛ سواء كان بدنه‬
‫حينئذ كروضة خرضاء بل كان‬‫ٍ‬ ‫كاند النفس ح ّي ًة بحياة اإلّامن والعلم واملعرفة؛ ّ‬
‫فان البدن‬
‫مزاره يف دامل اجلربوي إذا صار بالفعل جوهره الّلّهوي‪ .‬وقد قال العارف‬
‫منراه را زاّشاان حيااي اساد وناام‬ ‫هااني‪ ،‬كااه إَسافياال وقتنااد أوليااا‬
‫باار جهااد زاوزاشااان اناادر كفاان‬ ‫جا ااااى ماااراه انااادر گاااور ااان‬
‫منه‪.‬‬
‫تسمى قيامة؛ لييامكم عند اهلل عّل خالف ما يف الدنيا والربزخ؛‬
‫والييامة ّ‬
‫الصورة‪ .‬أال ترون قيامكم عند‬
‫لييامكم عند املا ّدة واملاهية‪ ،‬وباجلملة‪ ،‬عند عامل ّ‬
‫أبدانكم‪ ،‬وإخالدكم إلي ا بحيث تكاد إنكم رصتم إ ّياها‪ ،‬بل رصتم عين ا بال‬
‫شك‪ ،‬بدون ختلل «يكاد» و«يوشك» يف نظر ش ود ُج ّلكم؟‬
‫ّ‬
‫وال أجرتئ أن أقول‪« :‬ك ّلكم»؛ ملكان «ضنائن اهلل» ا ّلذين قال تعاىل يف‬
‫املجردة ا ّلت ه من عامل أمر‬
‫ّ‬ ‫ح ّي م‪« :‬أوليائي ّتد قبايب» ‪ ،‬فنسيتم أنفسكم‬
‫اهلل‪ ،‬وروح اهلل بال ج ة ووضع وأين وك َّم‪ ،‬وزعمتم أنّكم ُسكّان اجل ة السفل ّية‪،‬‬
‫وممسوحون بمساحة كذا‪ ،‬ك ذه األحجام ا ّلت‬
‫ُ‬ ‫و ُق ّطان املكان‪ ،‬ورهان ّ‬
‫الزمان‪،‬‬
‫والسالسل‪ ،‬وتكون ك ّل هذه صفات هذه اهلياكل‪ .‬وهذه‬
‫ّ‬ ‫كاألغالل‬ ‫ه‬
‫كمدرات منبوذة يف بيداء شعاع بيضاء أرواحكم اليدس ّية‪ ،‬وساحة بال مساحة‬
‫فيفاء ضياء شموس نفوسكم النطي ّية؛ كام قال أرسطاطاليس‪« :‬البدن يف النّفس‪،‬‬
‫والغربان‪ ،‬واحلرشات‬‫ِ‬ ‫ال النفس يف البدن»‪ .‬فأنتم غرباء أ َويتم كالبومات‬
‫الرتبان‪ .‬فت ّب ًا لعيولكم املنح ّطة‪ ،‬وتعس ًا‬
‫والدّ يدان إىل هذه الك وف والبيادر من ِّ‬
‫هلمتكم املنب ّثة‪﴿ :‬إ ّثا َقلتُم إىل األرض أ َرضيتُم باحليوة الدنيا م َن اآلخ َرة﴾ ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وشمروا‬
‫ّ‬ ‫فاُنضوا وانت زوا‪ ،‬ومن جمالسة هذه الديدان تأنّفوا‪ ،‬واشمئ ّزوا‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر البحر املديد ‪ ،291 :2‬قال‪ :‬ورد في م اخلرب‪ّ « :‬‬


‫إن اهلل ضنائن من خليه ألبس م النور‬
‫الساطع‪ ،‬وغذاهم يف رمحته»‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسري النيسابوري ‪ ،114 :7 ،348 :6 ،419 :5 ،159 :2‬فصوص احلكم‪،110 :‬‬
‫‪ ،148‬التعريفات‪ ،75 :‬إحياء علوم الدين ‪.455 :6‬‬
‫(‪ )3‬التوبة‪.38 :‬‬
‫الرتبان تفلحوا‪ ،‬وجتدوا ملوك ًا ّ‬
‫متوجّي من قدُ س اهلل‬ ‫أذيالكم‪ ،‬وفتّشوا يف هذه ِّ‬
‫تعاىل بمك ّللة التّيجان‪ .‬وقال آخر‪:‬‬

‫وقال آخر‪:‬‬

‫ويف كونه تعاىل مطلوب اإلنسان وغاية ُمناه إشارة إىل ّ‬


‫أن العاقل فض ً‬
‫ال عن‬
‫املحب ال ُيؤثِ ُر غريه تعاىل عليه ولو كان َجنَّ ًة‪ ،‬فضالً عن الدّ نيا‪ .‬ويف اليديس قال‬
‫ّ‬
‫ألجيل» ‪ ،‬ومل ييل‪ :‬خليتك‬ ‫ُك َ‬ ‫ك َو َخلقت َ‬ ‫شياء ألجل َ‬
‫قد األ َ‬‫بن آ َا َم‪َ ،‬خ َل ُ‬
‫تعاىل‪ّ« :‬ا َ‬
‫ألجل اجلنّة مث ً‬
‫ال‪ .‬ومن أرسار إخراج آدم من اجلنّة أنّه غار تعاىل أن يميل إىل‬
‫اجلنّة ‪.‬‬
‫وأيض ًا هو تعاىل مطلوبه؛ ألنّه ال أكمل و َ‬
‫أمجل من اإلنسان سوى احلق تعاىل‬
‫احلق؛ فإ ّن املطلوب من حيث هو مطلوب أرفع من‬
‫حتّى يكون مطلوبه دون ّ‬
‫السافل‪.‬‬ ‫الطالب من حيث هو طالب؛ إذ العايل ال يلتفت ّ‬
‫بالذات إىل ّ‬

‫ون﴾‬ ‫﴿ويف َأن ُفسك ُْم َأ َف َّل ُ ْب ُ‬


‫ّص َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬أي ادرفوا أنفسكم عرفوا ر ّبكم‪ .‬قال اهلل عاىل‬
‫(الذارّاي ‪ .)21‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬اليائل هو فريد الدين الع ّطار‪ .‬ديوان العطار‪.416 :‬‬
‫(‪ )3‬رسائل ّ‬
‫املحيق الداماد‪.162 :‬‬
‫وجل‪ .‬ومن مقادي الع ّطار النيسابوري‬
‫ّ‬ ‫(‪ )4‬فإنّه د أحد أ َ ُ من اهلل دزّ‬
‫َس فاااروا آرا باااه چيااازى اون ماااا‬ ‫هركااه ار هاار او جهااان باا ون مااا‬
‫از اوسد اساد‬ ‫زان كه نتوان زا به‬ ‫مااا زوال آرّاام بااروى هاار چااه هسااد‬
‫منه‪.‬‬
‫أعم ممّا يف العيبى‪ ،‬فيكون املنيلب أيض ًا‬
‫خر‪ :‬أن يراد باملنيلب واملثوى‪ّ :‬‬
‫وج ٌه آ ُ‬
‫تيرر أ ّن اسم املحل من الثالث املزيد عّل وزن اسم املفعول‬ ‫ّ‬
‫املحل‪ .‬وقد ّ‬ ‫اسم‬
‫منه‪ ،‬أو كالمها مصدر ميم ّ ‪ ،‬أي أنت مطلويب وغاية ُمناي يف ّ‬
‫كل حركت‬
‫حمل حركت وسكوين‪ ،‬مل أجعل ا إ ّال وسيلة وصالك‪ ،‬ومل ّ‬
‫أتيرب‬ ‫وسكوين‪ ،‬أو ّ‬
‫هبا إ ّال لنيل ش ود مجالك‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬فأنت قصد ضمريي‪ ،‬وكل أسامئك؛ إذ املباحات بالن ّية تبدّ ل‬
‫باحلسنات‪ .‬هذا بحسب التّرشيع؛ وأ ّما بحسب التّكوين ّ‬
‫فكل مطلوب إنّام هو‬
‫الّشء بفعل ّيته ال بنيصه‪ ،‬واخلري‬
‫بجنبته اخلري ّية وج ته النور ّية ُيطلب‪ .‬وشيئيّة ّ‬
‫ك أ ّد َ ْع ُبدُ وا‬
‫والنّور والفعل ّية تعود إىل صيع اهلل‪ ،‬واحلمد وامللك هلل‪َ ﴿ :‬و َقىض َرب َ‬
‫إ ّد إ ّّا ُه﴾ ‪ ،‬وإليه يرجع عواقب الثناء يف اآلخرة واألُوىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلرساء‪.23 :‬‬


‫إليك م َن الذنُوب هارب ًا﴾‬
‫َطر ُا مسكين ًا الت ََجأ َ‬ ‫(‪﴿ )39‬إهلي‪ ،‬ك َ‬
‫َيف ُ‬
‫متوس ً‬
‫ال ُبعراه‬ ‫ّ‬ ‫ملّا قرع الدّ اع باب رمحته الواسعة راجي ًا منه‪ ،‬هارب ًا الجئ ًا إليه‪،‬‬
‫الوثيية‪ ،‬طالب ًا منه العفو والتّجاوز‪ُ ،‬مستأنس ًا متو ِّدد ًا‪ ،‬واحتمل ال ّطرد واخليبة من‬
‫سوء قابلية طارئة عّل نفسه‪ ،‬وقصور باع عارض لشخصه‪ ،‬استأنس ثاني ًا‬
‫متعجب ًا من أنّه كيف يطرد املسكّي املستجري َمن‬
‫ِّ‬ ‫باستئناسه‪ُ ،‬مضيف ًا إهله إىل نفسه‪،‬‬
‫هو املجري اليدير ا ّلذي بابه مفتوح للدّ اخلّي‪ ،‬وسبيله واضح للمنيبّي‪ ،‬وت َ‬
‫َعاهد‬
‫بد إليه‬ ‫قربد إليه ذراد ًا‪ ،‬ومن قرب إ ّيل ذراد ًا َّ‬
‫قر ُ‬ ‫أنّه‪َ « :‬م ْن َ َق َّر َب إ َّيل شرب ًا ّ‬
‫باد ًا‪ ،‬ومن أ اين َم ْشي ًا أ ي ُت ُه َه ْر َو َل ًة» ؟‬
‫و«املسكّي» هو الفيري‪ ،‬وإن قلنا بالفرق ف نا مها واحد‪ ،‬كام قيل‪ :‬الفيري‬
‫واملسكّي كالظرف واجلار واملجرور‪ ،‬إذا اجتمعا افرتقا‪ ،‬وإذا افرتقا اجتمعا‪ ،‬وكام‬
‫الفقر فخري» ‪.‬‬
‫افتخر| بالفير وقال‪ُ « :‬‬
‫سأل يف املناجاة املسكنة وقال‪« :‬الله َّم أحيني مسكين ًا‪َ ،‬‬
‫وأمتْني مسكين ًا‪،‬‬
‫ُمرة املَساكني» ‪ .‬والفيري احلييي َمن ال يملك فع ً‬
‫ال وال صف ًة وال‬ ‫واح ُ ْ‬
‫رشين يف ز َ‬ ‫ْ‬
‫أن املُلك هلل الواحد الي ّ ار‪.‬‬
‫وجود ًا‪ ،‬ويش د ّ‬
‫األول‪ :‬ما عرفتَه‪ ،‬وال ّثاين ضيق‬
‫ظلامين مذموم‪ّ .‬‬
‫ٌّ‬ ‫نوراين حممود‪ ،‬ومنه‬
‫ٌّ‬ ‫والفير منه‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء ‪ ،68 :7‬صحيح البخاري ‪.171 :8‬‬


‫(‪ )2‬بحار األنوار ‪.49 ،30 :69‬‬
‫(‪ )3‬الدرر املنتثرة يف األحاديث املشت رة‪ ،‬هامش الفتاوي احلديثة‪.88 :‬‬
‫الفقر أن‬
‫ُ‬ ‫والرضا‪ ،‬بل مع الكفران‪ ،‬كام قال×‪« :‬كاا‬
‫املعيشة مع عدم الصرب ّ‬
‫ُون كُفر ًا» ‪.‬‬
‫َّك َ‬
‫وأيض ًا حاجة املمكن إلمكانه ال ّالزم ملاهيته‪ ،‬وقد ورد عنه×‪ُ « :‬‬
‫الفقر َسوا ُا‬
‫ارّن» ‪.‬‬
‫الوجه يف الدِّ َ‬
‫وفيه وجوه‪:‬‬
‫الفير املذموم‪ ،‬وهو حاجة املمكن املذكورة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالفير‪ُ :‬‬ ‫ِمن ا‪ :‬أن يكون املراد‬
‫وصحو وجه اهلل‬ ‫حمو وجه النفس املوهوم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ومن ا‪ :‬أن يراد بسواد الوجه‪ُ :‬‬
‫املعلوم‪.‬‬
‫ومن ا‪ :‬أن يراد بسواد الوجه‪ :‬حمو وجه اهلل؛ إذ يف الفناء املحض ال وجود‬
‫للسالك‪ ،‬حتّى ييال‪ :‬لوجوده وج ٌه إىل ماه ّيته‪ ،‬ووج ٌه إىل ر ّبه؛ فإنّه إذا بزغ نور‬
‫ّ‬
‫شمس احلييية اضمح ّلت ظلامت املجازات‪ ،‬كام إذا طلع شمس عامل ّ‬
‫الش ادة‬
‫بداية‬ ‫انطمس الظالم وال ِّظالل‪ .‬ومن هنا ورد عن املشايخ‪ُ« :‬ناية الفير‬

‫(‪ )1‬الدرر املنتثرة يف األحاديث املشت رة‪.192 :‬‬


‫(‪ )2‬بحار األنوار ‪.30 :69‬‬
‫والذهني‬
‫ّ‬ ‫العيني‬
‫ّ‬ ‫ّعم الفقر أفعال الفق وصفا ه وذا ه‪ ،‬فيكون يف وجواها وظهورها‬
‫(‪ )3‬بأن ّ‬
‫قوم ًا وجوا ّّ ًا أشدّ من‬ ‫فق ًا إىل اهلل‪ .‬كيف‪ ،‬والوجوا أّنام كان‪ ،‬وكيفام كان ّ‬
‫متقوم بالوجوب ّ‬
‫قوم شيئ ّية املاه ّية بشيئ ّية ماه ّية دلل قوامها؟ فكام ختلية املاه ّية من ذا ّياهتا اجلنس ّية والفصل ّية‬
‫الوجواي‬ ‫مقومه‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫وهم كاذب د ّبقي حينئذ ماه ّية نود ّية‪ ،‬كذلك ختلية شيئ ّية الوجوا دن ّ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫منطو‬ ‫أي موطن كان‬ ‫كل َشء وظهوره يف ّ‬ ‫تصور؛ فوجوا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذي هو اليشء بحقيقة الشيئية د‬
‫َّاس َأنت ُُم ا ْل ُف َق َراء إ َىل اهللَّ َواهللَُّ ُه َو ا ْلغَني﴾ (فاطر‬
‫الغني وظهوره ﴿ َّا َأ َُّيا الن ُ‬
‫ّ‬ ‫يف وجوا اهلل‬
‫‪ .)15‬منه‪.‬‬
‫الغناء» ؛ ألنّه «إذا جاوز الّشء حدّ ه انعكس ضدّ ه»‪ .‬ويمكن أن حيمل‬
‫ّكون كفر ًا» عليه‪ ،‬أي كاد أن يكون سرت ًا حمض ًا بأن‬
‫َ‬ ‫الفقر أن‬
‫ُ‬ ‫قوله×‪« :‬كاا‬
‫احلق الغن ّ ش ود ًا أيض ًا ‪ .‬أو‬
‫يصري وجود الفيري عدم ًا حمض ًا يف جنب وجود ّ‬
‫يتفوه الفيري بالشطح ّيات الت ترتاءى يف ظاهر الرشيعة ّأُنا كفر لو مل‬
‫كاد أن ّ‬
‫ؤول‪.‬‬ ‫ُي َّ‬
‫السوا ُد األعظم كام ورد‪َ « :‬دليكُم بال َسواا‬ ‫ِ‬
‫َومن ا‪ :‬أن يراد بسواد الوجه‪ّ :‬‬
‫األَ ْد َظم » ‪ ،‬و«بالوجه» الوجو ُد املطلق املنبسط ا ّلذي هو فير املاه ّيات إليه‬
‫تعاىل‪ ،‬ورب ُط ا به‪ .‬فالفيري البدّ أن يكون متمكنّ ًا يف هذا السواد األعظم‪.‬‬
‫ولكون اخلاتم| متمكّن ًا فيه‪ ،‬أطلق عليه احلييية املحمد ّية؛ فإضافة «سواد‬

‫(‪ )1‬إييا اهلمم رشح متن احلكم‪ ،185 :‬البحر املديد ‪/416 :2‬تفسري اآلية‪ 60 :‬من سورة‬
‫التصوف»‪ ،‬بدل‪« :‬بداية الغنى»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التوبة‪ ،‬وفي ام‪« :‬بداية‬
‫(‪ )2‬جامع األخبار‪ ،817/300 :‬عوايل الآليل ‪.184/179 :2 ،40/39 :1‬‬
‫أن الوضع دبدّ أن ّوافق ال ّطبع‪ ،‬أي كام ّ‬
‫أن الواقع كذلك ا كام‬ ‫(‪ )3‬كلمة «أّض ًا» إشارة إىل ّ‬
‫وإد كان‬ ‫احلقيقي ّ‬
‫ّ‬ ‫حررنا يف احلاشية السابقة التقوم بالق ّيوم عاىل ا كذلك يف نظر شهوا الفق‬
‫ّ‬
‫املمنوون باحتجاب األنان ّية‬
‫ّ‬ ‫جهّلً‪ ،‬كام هو حال َ‬
‫اجل َهلة وال َغ َفلة املبت َلون بتغطية الوهم‪،‬‬
‫اخلفي‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الْساب ّية ّ‬
‫والرشك‬
‫صححناه وفق مصادره‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف النسخة احلجرية‪ :‬بسواد‪ ،‬وقد ّ‬
‫(‪ )5‬كام قال الشبسرتي يف گلشن راز‪ ،‬ذيل اجلواب عن السؤال الثاين‪:‬‬
‫ســـواد اعظـــم آمـــد يب كـــم وبـــيش‬ ‫ســـواد الوجـــه يف الـــدّ ارين درويـــش‬

‫(‪ُ )6‬نج البالغة‪/‬الكالم‪ ،66 :‬وفيه‪« :‬وعليكم هبذا السواد األعظم»‪ .‬بحار األنوار ‪:33‬‬
‫‪ ،604/374‬اجلامع ألحكام اليرآن ‪.74 :14‬‬
‫(‪ )7‬يف النسخة احلجرية‪ :‬وأن‪ ،‬وقد حذفنا الواو؛ لعدم صحة موقع ا؛ إذ مع ا يصبح‬
‫التأويل املصدري‪ :‬البد ومن متكّن ا‪ ،‬وهو خطل‪ ،‬والصواب‪ :‬البدّ من متكّن ا‪.‬‬
‫السواد األعظم ا ّلذي هو وجه اهلل‪﴿ :‬أّنَام َُو ّل ُوا َف َث َّم‬
‫الوجه» بيانية‪ ،‬أي الفير هو ّ‬
‫َوج ُه اهلل﴾ ‪.‬‬
‫بتحمل أعباء املالمة عّل الكاهل‬
‫ّ‬ ‫َو ِمن ا‪ :‬أن يراد بسواد الوجه‪ :‬تسويدُ الظاهر‬
‫وم َة دئم﴾ ‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬‫ون َل َ‬
‫حب اهلل تعاىل‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ود َخيا ُف َ‬
‫يف ّ‬

‫نور ا ّلذات كام‬ ‫َو ِمن ا‪ :‬أن يراد بسواد الوجه‪ُ :‬نور ّ‬
‫الذات؛ فإ ّن الن َ‬
‫ّور األسود ُ‬
‫قيل‪:‬‬

‫من التّلوين ورسخ يف‬ ‫السالك إذا وصل إىل هذا النّور خل‬
‫أن ّ‬‫والسبب ّ‬
‫ّ‬
‫السواد ال ييبل لون ًا آخر‪ .‬وعند بعض م‪ :‬نور ّ‬
‫الذات نور‬ ‫أن ّ‬‫ميام التمكّي‪ ،‬كام ّ‬
‫السواد» أيض ًا إشارة إىل هذه؛ ّ‬
‫فإن ماء‬ ‫أخض‪ .‬إشارة إىل احلياة األبد ّية‪ ،‬ويف « ّ‬
‫احلياة يف ال ّظلامت‪.‬‬
‫السالكون يف‬ ‫وباجلملة‪ ،‬تأويل هذه الكلامت ّ‬
‫أن العوامل متطابية‪ ،‬وما يراه ّ‬
‫مكاشفاهتم ومراقباهتم بمنزلة ما يراه النائمون يف رؤياهم‪ .‬وكام أ ُّنا ّتتاج إىل‬
‫الصور ّية‪ .‬وكام‬
‫التّعبري‪ ،‬كذلك ما يراه املكاشف حيتاج إىل التأويل من مكاشفاته ّ‬
‫الرؤيا بصورة رشب ال ّلبن‪ ،‬كذلك ّتاك‬
‫ينال العاقلة العلم‪ ،‬وحاكاه املتخل ّية يف ّ‬
‫الصور ّية بصورة‬
‫والرسوخ يف ميام التمكّي عند املكاشفة ّ‬
‫اخلالص من التلوين‪ّ ،‬‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.115 :‬‬


‫(‪ )2‬املائدة‪.56 :‬‬
‫(‪ )3‬البيت للشيخ حممود الشبسرتي يف (گلشن راز)‪ ،‬ذيل اجلواب عن السؤال الثاين‪.‬‬
‫كاملعرب فال هيمل‬ ‫ّ‬ ‫واملؤول‬
‫ّ‬ ‫النّور األسود أو األخض‪ .‬فليظفر اإلنسان باملآل‪،‬‬
‫الصورة وال املعنى‪ ،‬وال يكون ُم ِ‬
‫فرط ًا وال ُم َف ِّرط ًا‪.‬‬ ‫اإلنسان شيئ ًا من ال ّطرفّي؛ ال ّ‬
‫الرشاد‪.‬‬
‫وهذا باب واسع نافع يف النب ّوات واملعاد‪ ،‬واهلل هيدي إىل سبيل ِّ‬
‫َو ِمن ا‪ :‬أن يراد بسواد الوجه‪ :‬شأمة وجه اليلب وهباؤه‪ ،‬كشأمة الوجه‬
‫الظاهر؛ فإ ُّنا هباؤه وزينته‪.‬‬
‫َو ِمن ا‪ :‬أن يراد بسواد الوجه‪ :‬سواد العّي؛ فإ ّن سواد العّي يف الوجه‬
‫للسالكّي‪.‬‬
‫وقرة العّي ّ‬
‫بالواسطة‪ ،‬فالفير نور العّي ّ‬
‫فعّل هذين الوج ّي كان الكالم من باب التشبيه املحذوف األداة ‪ ،‬فالفير‬
‫األول‪ ،‬حممول عّل الفير املحمود النّوري‪.‬‬
‫عّل مجيع هذه الوجوه غري الوجه ّ‬

‫درب‬
‫معرب ماهر يف التّعب كام ّ‬ ‫ُ‬
‫فيعرضه دىل ّ‬ ‫ّعرب مل ّسكن قلبه؛‬
‫أن ما ّراه النّائم ما مل ّ‬
‫(‪ )1‬فكام ّ‬
‫الرخاء و«البقراي العجاف» بسني القحط والغّلء؛‬ ‫السامن» بسني ّ‬‫يف القرآن «البقراي ّ‬
‫مؤول ماهر يف احلكمة واملعرفة‪ ،‬فكذلك ّ‬
‫كل‬ ‫وري دىل ّ‬‫الص ّ‬
‫السالك املكاشف ّ‬ ‫فليعرض ما ّراه ّ‬
‫املطهر د بدّ أن ّفحص دن أوّله ومآله‪ ،‬ود‬
‫ّ‬ ‫ما ورا من احلقائق يف كسوة األمثلة يف ّ‬
‫الرشع‬
‫ّسكن القلب باإلخّلا إىل ظاهره‪ .‬فليجمع الرجل احلكيم بني األوضاع الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي التشبيه املؤكَّد امليابل للمرسل الذي تذكر فيه األداة‪.‬‬
‫ك سادي ًا﴾‬ ‫َيف ُ َخت ِّيب ُم َ‬
‫سرتشد ًا َق َصدَ إىل َجناب َ‬ ‫(‪﴿ )40‬أ ْم ك َ‬
‫«أم» منيطعة‪ .‬و«كيف» استف ام ّية‪ .‬و«اخليبة»‪ :‬املحروم ّية‪ .‬و«اجلناب» ـ‬
‫السع » إيام ٌء إىل حذف مضاف‪ ،‬أي إىل فناء بيتك‬ ‫ِ‬
‫بالفتح والكُّس ـ‪ :‬الفناء‪ .‬ويف « ّ‬
‫للكل‪ .‬والن َُّس ُخ ا ّلت رأينا‪« :‬ساعي ًا» بالياء املثناة من‬
‫ا ّلذي هو الكعبة امليصودة ّ‬
‫ّتت فيكون من املوازنة كيوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ونَامر ُق َمص ُفوفة * َوزَرايب َمب ُثو َثة﴾ ‪،‬‬
‫وقوله‪:‬‬

‫ويف بعض النّسخ‪« :‬ضاقي ًا» ـ ّ‬


‫بالضاد املعجمة‪ ،‬والياف‪ ،‬والياء املثنّاة من ّتت‬
‫أن «ساغب ًا» ـ بالغّي املعجمة‪ ،‬والباء‬
‫ـ من «ضييت داره»‪ ،‬أي قربت‪ .‬وظنّ ّ‬
‫املوحدة ـ أنسب لفظ ًا‪ ،‬واملعنى ليس بأدون من ّ‬
‫األول‪ ،‬ولنظام هذا الدّ عاء املبارك‬ ‫ّ‬
‫أشدّ ا ّطراد ًا؛ من حيث التسجيع‪ّ ،‬‬
‫ثم من حيث التسجيع بثالثة أسجاع أو أكثر‬
‫ا ّلذي هو سياق أكثر فيراته؛ فيكون يف اليولّي‪ :‬أعن ‪« :‬قصد إىل جنابك ساغب ًا»‬
‫حرف‪.‬‬ ‫و«ورد إىل حياضك شارب ًا» ترصيع ‪ ،‬ولع ّله كان يف األصل هكذا‪ّ ،‬‬
‫ثم ّ‬
‫والرتصيع أوىل من املوازنة‪ ،‬واملعنى أيض ًا غري ميدوح‪ .‬ويف‬
‫لسجع ّ‬ ‫ومعلوم ّ‬
‫أن ا ّ‬

‫(‪ )1‬الغاشية‪ 15 :‬ـ ‪.16‬‬


‫(‪ )2‬الرتصيع‪ :‬أكثره يف الشعر‪ ،‬ويأيت يف النثر‪ ،‬وهو أن ُي ّ‬
‫توخى تصيري مياطع األجزاء يف‬
‫البيت عّل سجع من جنس واحد يف الترصيف‪ .‬أو هو ميابلة كل لفظة من صدر البيت‪ ،‬أو‬
‫وروهيا‪ ،‬وهو مأخوذ من ميابلة ترصيع العيد‪ .‬انظر‪ :‬العمدة يف حماسن‬
‫ّ‬ ‫فيرة النثرة عّل وزُنا‬
‫الشعر وآدابه‪ ،71 :‬البديع يف نيد الشعر‪ ،25 :‬خزانة األدب ‪.409 :2‬‬
‫الياموس‪« :‬سغب ـ كفرح‪ ،‬ونرص ـ سغب ًا وسغاب ًة وسغوب ًا ومسغب ًة‪ :‬جاع‪ ،‬أو ال‬
‫يكون إ ّال مع تعب‪ ،‬ف و ساغب وسغبان وسغب وه سغباء ومجع ا سغاب»‪.‬‬
‫وأيض ًا فيه مراعاة النظري؛ لتناسب «السغب»‪ ،‬و«ال ّظمأ»‪.‬‬
‫ك شارب ًا﴾‬ ‫َيف َُرا َظمآن ًا َ‬
‫ور َا إىل حياض َ‬ ‫(‪﴿ )41‬أم ك َ‬
‫«الظمآن» كالظم ‪ :‬صفة مش ّب ة من «ظ َمأ» ـ ك َف َرح ـ أي عطش أو أشدّ‬
‫للرشب‪ ،‬ال يتو ّقع‬
‫العطش‪ .‬و«احلياض»‪ :‬مجع احلوض‪« .‬شارب ًا» أي مريد ًا ّ‬
‫الترصف في ا أزيد من ذلك؛ تأد ّب ًا‪ ،‬وإ ّال فأنت صاحب َطمطام اجلود‪ ،‬وباذل‬
‫ّ‬
‫قميام الوجود‪ .‬وقد قيل يف خملوق منك‪:‬‬

‫قلت يف قتيل سيفك املبارك‪« :‬أنا ِد َي ُت ُه» ‪ ،‬فال تزيدك كثرة العطاء إ ّال‬‫وقد َ‬
‫حياضك‪ ،‬بل أو َصلتَه رضوانَك‬ ‫َ‬ ‫جود ًا وكرم ًا‪ ،‬فلو كان للوارد ظرف ّية م ّلكتَه‬
‫ال عن رياضك‪ .‬والتّعبري عن اإلرادة بالفعل باب واسع كيوله‬ ‫ولياءك‪ ،‬فض ً‬
‫وهكُم﴾ ‪.‬‬ ‫الصلوة َفأ س ُلوا َو ُج َ‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬وإذا ُقمتُم ا َىل َّ‬

‫(‪ )1‬البيت أليب متام يمدح به املعتصم مغالي ًا‪ُ .‬ناية اإلرب يف فنون األدب‪ ،308 :‬ربيع‬
‫األبرار ‪ ، 382 :1‬وذكر أنه يف مدح كعب‪ .‬ونسبته بعض املصادر إىل غري املادح يف غري‬
‫املمدوحّي‪ ،‬انظر‪ :‬طبيات الشعراء‪ ،348 :‬زهر اآلداب وثمر األلباب‪ ،241 :‬وغريمها‪.‬‬
‫(‪ )2‬اشارة إىل حديث قديس‪.‬‬
‫(‪ )3‬املائدة‪.6 :‬‬
‫رتد ٌة يف َضنك املُ ُحول﴾‬ ‫(‪َ ﴿ )42‬ك ّّل‪َ ،‬وح ُ‬
‫ياض َ‬
‫ك ُم ْ َ‬
‫أي حاشاك عن ذلك‪ ،‬وحياضك ممتلئة يف وقت ضيق اليحط‪ .‬و«املحل»‪:‬‬
‫وحمول‪:‬‬
‫وحمول ُ‬
‫وحملة َ‬
‫وأرض َحمل َ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ومكان ماحل‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وزمان‬ ‫اجلدب‪ ،‬وانيطاع املطر‪.‬‬
‫أي ذوات جدب‪.‬‬
‫وس ُحب أمطار النفوس‬
‫أن املراد بحياضه‪ :‬ينابيع ماء حياة الوجود‪ُ ،‬‬ ‫والت ُ‬
‫ّأوّل‪ّ :‬‬
‫من السامو ّية واألرضيّة‪ .‬وتلك الينابيع مراتب علمه‪ ،‬ودرجات قدرته‪ ،‬وأقالمه‬
‫َزل إ ّد ب َقدَ ر‬
‫إن م ْن ََشء إ ّد دندَ نا َخزائنُ ُه َوما ُنن ُ‬
‫وألواحه العالية‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫َمع ُلوم﴾ ؛ فعلمه غري متناه حيط ًة‪ ،‬وقدرته غري متناهية عموم ًا وشدّ ة‪ ،‬وفيضه ال‬
‫ينيطع‪ ،‬وكلامته ال تنفد وال تبيد ‪ ،‬كام قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬ق ْل َلو كان ال َب ْح ُر مداا ًا‬
‫ّ‬
‫والكل‬ ‫امي َر ّيب َو َلو جئنا بمثله َمدَ ا ًا﴾ ‪،‬‬ ‫حر َق َ‬
‫بل أن َن َفدَ كَل ُ‬ ‫لكَلامي َر ّيب َلنَفدَ ال َب ُ‬
‫ِ‬
‫املحول»‪:‬‬ ‫مغرتف من هذا البحر املحيط‪ ،‬وال يني منه يشء؛ وحينئذ « ُ‬
‫ضنك‬

‫(‪ )1‬احلجر‪.41 :‬‬


‫ٍ‬
‫(‪ )2‬أي كلام ه التكوّن ّية‪ ،‬كام يف القرآن ﴿بكَل َمة ِّمنْ ُه ْاس ُم ُه ا َْملس ُ‬
‫يح﴾ (آل دمران ‪ .)45‬ومن‬
‫كلامي‪ ،‬فهو عاىل‬
‫ٌ‬ ‫أن الوجوااي ك ّلها‬
‫مر ّ‬
‫ّاماي» وقد ّ‬
‫الكلامي الت ُ‬
‫ُ‬ ‫املأثوراي دن األئمة «نحن‬
‫اائ ًام متك ّلم د اجوز دليه ّ‬
‫الصمد‪ .‬و«البحر» بحر املوا ّا‪ .‬و«املداا» اإلمكان وادستعداا د‬
‫متناهية‬ ‫متناهي القدرة يف الفعال‪ ،‬ومااة املواا‬ ‫نظّلمهام‪ .‬وإنّام «د نفد»؛ ألنّه عاىل‬
‫َنس ْخ م ْن آ َّ ٍة َأ ْو نُنس َها ن َْأي‬
‫﴿ما ن َ‬
‫القوة والقابل ّية يف ادنفعال؛ فيفي الكلامي دىل اد ّصال َ‬
‫ّ‬
‫ب َخ ْ ٍ ِّمن َْها َأ ْو م ْثل َها﴾ (البقرة ‪ .)106‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الك ف‪.109 :‬‬
‫ُخ ُّلو املاه ّيات يف ذواهتا‪ ،‬وعري املواد يف جواهرها ولو يف حال تل ّبس ا بامء حياة‬
‫الص َور والنّفوس‪ ،‬فلم يكن هلا إ ّال التّصحح والت ّيؤ‬
‫الوجود ‪ ،‬واكتسائ ا حلل ُّ‬
‫واليبول‪ .‬ولو مل يكن هلا من األعدام وال َفيد والبؤس إ ّال هذا‪ ،‬لكفى يف «ضنك‬
‫املحول»‪ .‬كيف‪ ،‬وبعد ر ّد األمانة إىل أهل ا‪ ،‬وعود العوائد والفوائد إىل مالك ا‪،‬‬
‫مر وأدهى؟‬
‫أمر اجلدب والغال أ ّ‬
‫كان ُ‬

‫ذرة‪ ،‬وال ينفد‬


‫من خزائنه ّ‬ ‫وهو تعاىل يف ّ‬
‫كل حال عّل حالة واحدة ال يني‬
‫ينزل الفيض من الف ّياض بحيث ال‬ ‫من حياضه قطر ٌة؛ ّ‬
‫ألن اإلفاضة معناها‪ :‬أن ّ‬
‫ألن املُفيض هو حييية‬
‫عنه يشء‪ ،‬وإذا رجع إليه ال يزيد عليه يشء؛ ّ‬ ‫يني‬
‫الّشء‪ ،‬واملستفيض هو الف ء‪ ،‬ويفء الّشء من حيث هو يفء ليس شيئ ًا عّل‬
‫مشحون‪ ،‬وكل ظمآن منه ر ّيا ٌن‪ ،‬وخمزنه األوفر‬
‫ٌ‬ ‫حياله؛ فحوضه الكوثر أبد ًا‬
‫مكنون‪ّ ،‬‬
‫وكل غرثان منه شبعان‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫رسمدٌ‬

‫(‪ )1‬إذ يف حال التل ّبس مل ّّص الوجوا دين ًا ود جزء ًا هلا‪ ،‬ومر بة ذاهتا خالية دنه‪ .‬وكذا الكّلم‬
‫والصور بقيد املوا ّا داطلة مظلمة موحشة «ّا‬
‫والصور والنّفوس؛ فلود النفوس ّ‬
‫يف املواا ّ‬
‫والنفوس نور اهلل عاىل‪ .‬منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املتهجد ‪،]910/85‬‬
‫ّ‬ ‫نور املستوحشني يف الظلم» [مصباح‬
‫(‪ )2‬ذكره كذا يف رشح األسامء احلسنى ‪ ،70 :2 ،249 :1‬أيض ًا‪ ،‬واملصادر كل ا تذكرة‬
‫بصورة‪« :‬وما املال واألهلون ّإال ودائع» انظر مثالً‪ :‬معاين األخبار‪ ،5/195 :‬االستذكار ‪:3‬‬
‫‪ ،82‬رشح ُنج البالغة ‪.290 :19‬‬
‫فتو ٌح لل ّط َلب َو ُ‬
‫الو ُول﴾‬ ‫(‪َ ﴿ )43‬وبا َب ُك َم ُ‬
‫وغل ِ‬
‫يغل وغوالً‪ :‬دخل‪ .‬ومفتوح ّية بابه يف ميا َمّي‪:‬‬
‫أن ّ‬
‫الكل مستغرقة يف‬ ‫أحدُ ُمها‪ :‬ميام االستنفاع بنعمه وآالئه ونواله‪ .‬ومعلوم ّ‬
‫َ‬
‫بحر أفضاله‪ ،‬فالعامل كمحافل ومبان مش ّيدة‪ ،‬والشمس واليمر والنجوم‬
‫نضدة‪ ،‬وأنواع النبات والفواكه بأغذيت ا وأرشبت ا‪ ،‬واحليوانات‬
‫كمصابيح م ّ‬
‫بلحوم ا وألباُنا وغريها موائد‪ ،‬وذوات النّفوس اآلدم ّية علي ا قواعد الجتالب‬
‫الفوائد والعوائد‪ .‬ولو مل يكن إ ّال املاء لتربيد الكبد‪ ،‬وإ ّال اهلواء لرتويح اليلب‬
‫أعذب لكم‬
‫ُ‬ ‫لكفى‪ .‬كيف‪ ،‬واألغذية اهلنيئة‪ ،‬واألرشبة املريئة ا ّلت سلبت أفئدتكم‬
‫وأحّل؟‬
‫الربان ّية‪ .‬وظاهر ّ‬
‫أن نصب عالئم صفاته‪،‬‬ ‫وثاني ام‪ :‬ميام االستشعار باملعارف ّ‬
‫احلجة‪ ،‬وكملت الكلمة‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬سنُر ُُّيم آّا نا‬
‫ودالئل ذاته بمرتبة متّت ّ‬
‫ني َُهل ْم أ َّن ُه احلق أ َو َمل َّكْف بر ِّب َ‬
‫ك ا َّن ُه َدىل ك ُِّل ََشء‬ ‫يف اآلفاق َويف أن ُفسهم َحتّى َّ َت َب َّ َ‬
‫َشهيدٌ ﴾ ‪.‬‬

‫وال س ّيام اآليات الكربيات‪ ،‬واحلجج الب ّينات ا ّلت من عرف ا فيد عرف‬

‫(‪ )1‬فصلت‪.53 :‬‬


‫(‪ )2‬البيت أليب العتاهية‪ :‬األنوار الزاهية يف ديوان ايب العتاهية‪ ،70 :‬جوامع اجلامع ‪،430 :3‬‬
‫تاريخ بغداد ‪.252 :6‬‬
‫الصورة اإلنسان ّية أكرب حجة هلل دىل خلقه»‪[ ،‬جامع‬
‫(‪ )3‬ويف احلدّث دن «الصااق×» « ّ‬
‫أن ما هناك د ّعلم إدّ بام هاهنا»‪،‬‬
‫السعاااي ‪ .]18 1‬ودن «الرضا» «قد دلم ُاولو ادلباب ّ‬
‫الّشء حدّ ه انعكس‬
‫اهلل‪ ،‬وبميتىض الياعدة العرفان ّية اليائلة بأنّه‪« :‬إذا جاوز َّ‬
‫ضدّ ه»‪ .‬وقد تكاثرت اآليات وتوافرت الكرامات بحدّ ييول الغافل‪ :‬أين أين؟‬
‫وعند أرباب الش ود ليس ممّا سوى أثر يف البّي‪ ،‬أومل َتر إىل النّحل ومسدّ ساته‪،‬‬
‫وإىل العنكبوت ومثلثاته‪ ،‬وإىل الطبع وتشكيالته‪ّ ،‬‬
‫وكل ذلك بإحياء اهلل وإهلاماته‪،‬‬
‫بل ّ‬
‫الكل من الدُّ ّرة إىل َّ‬
‫الذ ّرة جمايل قدرته‪ ،‬ومراتب علمه؟‬
‫يت هبا إ ّال‬
‫قال الس ّيد املح ّيق الداماد يف (اليبسات)‪« :‬ما من معجزة فعل ّية مأ ّ‬
‫ويف أفاعيل اهلل تعاىل ِقب َلنا من جنس ا أكرب وأهبر من ا‪ ،‬وأينق وأعجب‪ ،‬وأحكم‬
‫وسالم ًا عّل إبراهيم‪َ ،‬‬
‫وخل ُق‬ ‫أعظم من جعل ا برد ًا َ‬
‫ُ‬ ‫وأتين؛ َف َخ ُ‬
‫لق النّار مث ً‬
‫ال‬
‫احلس‬
‫ّ‬ ‫شق اليمر يف‬
‫أعظم من ّ‬
‫ُ‬ ‫واحلس املشرتك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشمس واليمر واجلليد ّية‬
‫املشرتك ‪.‬‬

‫[إلزام الناصب ‪ ،57 1‬اون نسبة ألحد]‪ .‬قال اهلل عاىل «هو احلى العليم القدّر املرّد‬
‫احلي العامل‬ ‫السميع البص » إىل آخر األسامء احلسنى‪ .‬واإلنسان الكامل مظهره األدظم‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ّ‬
‫السامع البارص‪ ،‬إىل آخر األسامء؛ فانّة متع ّلم ع ّل ًام وجوا ّّ ًا جلميع األسامء َ‬
‫﴿و َد َّل َم آ َا َم‬ ‫القاار ّ‬
‫الذاي املستجمعة جلميع الكامدي‪ ،‬وهو‬ ‫ّدل دىل ّ‬ ‫األَ ْس َامء ُك َّل َها﴾ (البقرة ‪ ،)31‬فوجواه ّ‬
‫حجة دىل منكر خالقه برشط أن ّعرف هذا اهليكل للتوحيد‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫فان خ البيانني هو البيان اجلامع بني األوضاع‪،‬‬
‫(‪ )1‬إشارة إىل اجلمع بني العقل والنّقل؛ ّ‬
‫احلس املشرتك الذي هو كمرآة ذاي وجهني كان أمر ًا‬
‫فالسوق من دامل الباطن إذا نزّ ل إىل ّ‬ ‫ّ‬
‫إن إحساس هذه بوجهه إىل‬ ‫احلس املشرتك‪ ،‬إدّ ّ‬
‫احلاس هلذه املحسوساي أّض ًا هو ّ‬
‫ّ‬ ‫واقع ّي ًا؛ ّ‬
‫ألن‬
‫اخلارج وإحساس ذلك بوجهه إىل الدّ اخل‪ ،‬وكّلمها مشاهدة‪.‬‬
‫فالراؤون حيث صفد مشادرهم صفا املدرك يف ح ّقهم دن ال ّظلامي‪ ،‬ورؤّة ّ‬
‫الصايف رؤّة‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫قوة‪ ،‬و بدل وجوا‪ ،‬رائني جلّللة‬
‫ه فيه د ‪ ،‬إذ شيئ ّية اليشء بصور ه د بام ّا ه؛ لكو ا ّ‬
‫الشهامة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فيبدهلم لك ّ‬ ‫والصفاي والوجوا‪،‬‬‫ّ‬ ‫النبي| و ابع ّيتهم يف األدامل‬
‫ّ‬ ‫وجوا‬
‫وّص ون بالفعل يف املشادر األخرى يف اجلملة بحسبهم‪ .‬منه‪.‬‬
‫ولو تدبر متدبر يف خلق معدّ ل النّ ار‪ِ ،‬‬
‫ومنطية الربوج متياطعّي عّل احلدّ ة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجع ِل مركز َّ‬
‫الشمس مالزم ًا لسطح منطية‬ ‫واالنفراج‪ ،‬ال عّل زوايا قوائم‪َ ،‬‬
‫الصنع وغرائب‬
‫اخلاصة‪ ،‬وما يف ذلك من استلزام بدائع ُّ‬
‫ّ‬ ‫الربوج يف حركت ا‬
‫التدبري‪ ،‬واستتباع فيوض اخلريات ورواشح الربكات يف آفاق نظام العامل‬
‫العنرصي‪َ ،‬لدَ هشته احلري ُة‪ ،‬وطفق ّ‬
‫خير مب ور ًا يف عيله‪َ ،‬مغش ّي ًا عليه يف ّ‬
‫حسه‪،‬‬
‫عز سلطانه»‬
‫وصنع ما من صنائعه ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وذلك إن هو إ ّال ٌ‬
‫فعل ما من أفاعيله سبحانه‪،‬‬
‫انت ى‪.‬‬
‫ألُنم ينظرون إىل‬
‫وباجلملة‪ ،‬عدم إدراك النّاس آيات اهلل تعاىل وب ّيناته؛ ّ‬
‫احلس‪ ،‬وال ينظرون ن َظر العيل‪ ،‬وال يتفكّرون يف خلق ّ‬
‫الساموات‬ ‫ّ‬ ‫األشياء نظر‬
‫واألرض‪ ،‬وال يرجعون املركّبات إىل ُأصوهلم البسيطة وموا ّدهم العر ّية عن احلُ ّ‬
‫ّل‬
‫واحلُ ّلل بذواهتا‪ ،‬وال يأخذون األجناس واألنواع بـ«رشط ال» بالنّسبة إىل‬
‫واملشخصات‪ ،‬حتّى يروا ّ‬
‫الكل يف اليوابل طواري‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫الفصول واملصنّفات‬
‫حضة الفاعل عواري‪.‬‬
‫مر‪ ،‬ينبغ أن ينظر اإلنسان إىل صنائع اهلل نظر مستغرب نشأ‪ ،‬ومل ينظر‬
‫وكام ّ‬
‫إلي ا حتّى بلغ أشدّ ه‪ ،‬وعند هذا رأى آيات ر ّبه الصغرى كربى‪ ،‬فكيف الكربى؟‬
‫وال آية من آيات اهلل تعاىل أكرب من اإلنسان‪ ،‬وال اسم له سبحانه أعظم منه‪ ،‬س ّيام‬
‫وكل صفة منه عجيبة‪ ،‬وذاته ُاعجوبة‬ ‫وكل فعل منه غريب‪ّ ،‬‬ ‫اإلنسان الكامل‪ّ ،‬‬
‫واملدركّي أمثال‪،‬‬
‫َ‬ ‫ألن ِ‬
‫املدركّي‬ ‫أعجب العجائب‪ ،‬وال يدرك غرابته و ُاعجوب ّيته؛ ّ‬
‫أن نوعه منحرص يف فرد وال س ّيام ّ‬
‫أن ذلك‬ ‫يعز حيث يندر»‪ ،‬فلو فرض ّ‬ ‫و«الّشء ّ‬
‫ال ليىض منه آخر العجب بالنّسبة إىل األنواع األُخر‪ ،‬وكان‬
‫الفرد كان إنسان ًا كام ً‬
‫ّ‬
‫كل فعل منه غريب ًا غاية الغرابة‪ ،‬حتّى زراعته وحياكته‪ .‬وكم من أمر غيب ّ ال‬
‫الزرع‪،‬‬
‫الزرع متى ينبت‪ ،‬وما هذا ّ‬ ‫الزارع‪ ،‬مثل ّ‬
‫أن بذر ّ‬ ‫خيرب به الدّ هيان ّ‬ ‫تعدّ‬
‫وكيف هو‪ ،‬وكم هو‪ ،‬ومتى يبيض‪ ،‬وإن كان يف ّ‬
‫الشمس كيف نشوءه‪ ،‬ويف ج ة‬
‫خالفه كيف يكون‪ ،‬وهكذا «فعلل وتفعلل»‪ .‬هذا فيمن يعدّ ه النّاس داني ًا عامي ًا‪،‬‬
‫ويف احلاش ّية األُخرى ـ أعن من يعرتف ّ‬
‫الكل بكامله ك َّل ال ّلسان عن نعوته ـ‪:‬‬

‫رب‬ ‫رب النّوع‪ ،‬كام ّ‬


‫أن اإلنسان مع فرض االنحصار املذكور كأنّه ّ‬ ‫ف و كأنّه ّ‬
‫اجلنس‪.‬‬
‫وقال الشيخ رئيس احلكامء يف آخر إهل ّيات ّ‬
‫الشفاء ‪« :‬ورؤوس هذه‬
‫الفضائل‪ :‬ع ّفة وحكمة وشجاعة وجمموع ا العدالة‪ ،‬وه خارجة عن الفضيلة‬
‫النظر ّية‪ .‬ومن اجتمعت له مع ا احلكمة النظر ّية فيد سعد‪ ،‬ومن فاز مع ذلك‬
‫باخلواص النبو ّية كاد أن يصري ر ّب ًا إنسان ّي ًا‪ ،‬وكاد أن ّ‬
‫حيل عبادته بعد اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وهو سلطان العامل األريض وخليفة اهلل [في ا]» انت ى كالمه وكتابه‪.‬‬
‫احلس صاروا يتعج ّبون ـ كام قال الشيخ ا ّلرئيس ـ عن‬
‫ّ‬ ‫ولكون النّاس أهل‬
‫يتعجبوا من جذب النّفس هذا اهليكل‬
‫ّ‬ ‫جذب املغناطيس مثياالً من احلديد‪ ،‬ومل‬
‫ال‪ ،‬و َعدو ًا‬
‫الثييل‪ ،‬وّتريكه ميمن ًة وميُّس ًة‪ ،‬وقدّ ام ًا وخلف ًا‪ ،‬وتص ّعد ًا وتس ّف ً‬
‫وه َوين ًا‪ ،‬وهو كالكرة ّتت صوجلان قدرتنا بحول اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬كذا‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشفاء األهليات‪.455 :‬‬
‫أند اّ ُة السؤل َو ا َّ ُة ُ‬
‫املأمول﴾‬ ‫(‪َ ﴿ )44‬و َ‬
‫ك ّا ُموسى﴾ ‪ .‬قد‬ ‫يد ُسؤ َل َ‬
‫السؤل»‪ :‬املسؤول ‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬لقد أو َ‬
‫« ُّ‬
‫السابق أنّه تعاىل مطلوب اإلنسان س ّيام الكامل منه‪ ،‬وغاي ُة مناه‪ .‬وقد‬
‫خرج من ّ‬
‫خرج عن هذه الفيرة املباركة أنّه تعاىل مطلوب ّ‬
‫الكل وذلك لوجوه‪:‬‬
‫منها قوله تعاىل‪﴿ :‬ما َخل ُقكُم َود َبعثُكُم إ ّد كنَفس واحدَ ة﴾ ‪.‬‬
‫مطلوب اإلنسان الكامل ومعرو ُفه‪ ،‬واإلنسان الكامل‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪ :‬أنّه تعاىل‬
‫مطلوب ّ‬
‫الكل‪ ،‬فإنّه مركز تدور اجلميع عليه‪ ،‬وكنز خمف يطلبون معرفته‪.‬‬
‫الوجود‪ ،‬وهلذا م ام تغرز إبرة عّل نملة تنيبض‬
‫ب ُ‬ ‫أن ّ‬
‫كل موجود حي ّ‬ ‫ومنها‪ّ ،‬‬
‫وحيب الفردان ّية‪ ،‬كام قال تعاىل‪﴿ :‬كُل حزب بام َلدَ ُّيم‬
‫ّ‬ ‫وهترب خوف ًا من العدم‪،‬‬
‫ِِ‬
‫حيب احلياة والعلم‬‫ون﴾ ‪ ،‬ويطلب مظ ر ّية َمن َلي َس كَمثله يش ٌء‪ ،‬وكذا ّ‬ ‫َفر ُح َ‬
‫واليدرة والغناء وغريها من توابع الوجود‪ ،‬والوجو ُد وتوابعه من اهلل ‪ ،‬وبه‬

‫(‪ )1‬أي الّشء الذي ييع يف سياق السؤال ويكون مطلوب السائل‪ ،‬وليس هو الذي ُيسأل‬
‫من أجل ّتييق املطلوب‪ ،‬فاهلل تعاىل هو غاية ما يطلبه املؤمن‪.‬‬
‫(‪ )2‬طه‪.36 :‬‬
‫(‪ )3‬ليامن‪.28 :‬‬
‫(‪ )4‬الروم‪.32 :‬‬
‫أي َشء كان ا كام هو حكم ّ‬
‫كل‬ ‫الّصف اجلامع لسنخ وجوا ّ‬ ‫(‪ )5‬أي ابتدأ منه ألنّه الوجوا ّ‬
‫سابق دىل مشوئه‪ ،‬والبسيط مقدّ م دىل املركب‪« ،‬كان اهلل ومل ّكن‬
‫كل َشء ا ٌ‬ ‫رصف‪ ،‬ورصف ّ‬
‫معه َشء»‬
‫وإليه؛ ولذا قال بعض احلكامء‪« :‬البدّ أن يكون يف الوجود وجو ٌد ّ‬
‫بالذات » ‪.‬‬
‫بالذات‪ ،‬ويف اإلرادة إرادة ّ‬
‫بالذات‪ ،‬حتّى تكون هذه يف يشء ال‬ ‫علم ّ‬‫ويف العلم ٌ‬
‫وكل طالب يطلب شيئ ًا آخر فذلك اآلخر من ج ة النّوران ّية ُيط َل ُ‬
‫ب‪،‬‬ ‫بالذات‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫وه وجه اهلل ونور اهلل‪ ،‬فف احلييية هو املطلوب ولك ّن أكثرهم ال يشعرون‪.‬‬
‫واملز ّية باالستشعار‪ ،‬والفضل ألُويل األيدي واألبصار‪.‬‬
‫َو ِمن ا‪ّ :‬‬
‫أن احلركة يف األجسام واجلسامن ّيات معلومة مشاهدة‪ ،‬جوهر ّية أو‬
‫عرض ّية‪ ،‬كيف ّية أو كم ّية‪ ،‬وضع ّية أو أين ّية؛ ويف النّفوس أيض ًا مكشوفة جتوهر ًا أو‬
‫تك ّيف ًا يف احلاالت واملَ َلكات‪ .‬واحلركة طلب طبيع أو نفساين‪ ،‬وال ّطل ُ‬
‫ب البدّ له‬

‫الس َام َواي َو ْاألَ ْر َض‬


‫﴿ما َخ َل ْقنَا َّ‬
‫أن كل موجوا به موجوا‪ ،‬كام قال عاىل َ‬
‫وقولنا «به»‪ ،‬معناه ّ‬
‫املقدّ س ا وهو الوجوا املنبسط الذي به‬ ‫َو َما َب ْين َُه َام إ َّد ب َْ‬
‫احل ِّق﴾ (األحقاف ‪ .)3‬والفي‬
‫باحلق املخلوق به»؛ أخذ ًا من‬
‫ّسمى دند قوم « ّ‬
‫كل بحسبه‪ّ ،‬‬ ‫كل موجوا ا ممكن‪ .‬ويف ّ‬ ‫وجوا ّ‬
‫هذه اآلّة الرشّفة‪.‬‬
‫أن يف ادبتداء كان وجوا‬
‫وقولنا «وإليه» إشارة إىل قوهلم «التوحيد إسقاط اإلضافة» فكام ّ‬
‫وأن إليه املنتهى»‪.‬‬
‫فإن العارض ّزول «إن إىل اهلل الرجعى ّ‬
‫رصف بسيط‪ ،‬كذلك يف ادنتهاء؛ ّ‬
‫منه‪.‬‬
‫حلويل له بالقابل ولو كان دروض ًا‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬أي د قيام صدوري له بام فوقه وبالفادل‪ ،‬ود قيام‬
‫دقل ّي ًا بامه ّية ّتليل ّية يف ادتبار العقل؛ إذ د ثاين له‪ ،‬كام قال «الشيخ» يف إهل ّياي الشفاء‬
‫أن حقيقة الوجوا املطلق بمعنى الواسع املحيط لو‬
‫«املوجوا املطلق د مبدأ له»‪ .‬ومعنى كّلمه ّ‬
‫كان له مبدأ‪ ،‬كان موجوا ًا؛ ألن مبدأ املوجوا موجو ٌا‪ ،‬فام فرضته موجوا ًا مطلق ًا‪ ،‬مل ّكن‬
‫موجوا ًا مطلق ًا واملوجوا احلقيقي هو الوجوا‪ ،‬والعلم ّ‬
‫بالذاي هو العلم احلضوري لذاي‬
‫املجرا دن املاه ّية‪ ،‬فض ً‬
‫ّل دن املحل‪ ،‬بذا ه واإلرااة بالذاي ابتهاج الذاي بالذاي‪ .‬منه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )2‬اليائل هو أبو نرص الفارايب يف الفصوص‪ ،‬الف ّ ‪.18 :‬‬
‫ومطلوب ّ‬
‫كل األجسام الفلكية هو العيول‪ ،‬ومعشوق العيول هو‬ ‫ُ‬ ‫من مطلوب‪،‬‬
‫اهلل‪ ،‬ومطلوب مجيع األجسام العنرص ّية ـ بسائط ا ومرك ّباهتا؛ معدن ًا كانت‪ ،‬أو‬
‫نبات ًا‪ ،‬أو حيوان ًا ـ هو اإلنسان‪ ،‬فيطوفون حول هذه الكعبة امليصودة‪ ،‬ويفدون‬
‫ثم االُناس مطلوب ّ‬
‫كل دان من م‪ :‬عالي م‪،‬‬ ‫وييربون له قربان ًا كام ّ‬
‫مر‪ّ .‬‬ ‫أنفس م‪ّ ،‬‬
‫رهبم األعّل؛ فإنّك ترى طالب العلم‬ ‫ومطلوب ّ‬
‫كل عال‪ :‬أعّل منه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬إىل ّ‬ ‫ُ‬
‫الرسم ّ يرجو أن ينال طرف ًا من علم األدب‪ ،‬فإذا نال‪ ،‬يريد أن يبلغ كامله‪ ،‬وإذا‬
‫حيب أن يكون متك ّل ًام عامل ًا‬
‫بلغ‪ ،‬يشتاق أن يصري فيي ا عامل ًا بالفروع‪ ،‬وإذا صار‪ّ ،‬‬
‫املشائ ّية‪ ،‬وإذا علم‪ ،‬يتخ ّطى يف‬
‫باألصول‪ ،‬وإذا كان‪ ،‬يطلب أن يعلم حكمة ّ‬
‫اإلرشاق والتأ ُّله‪ ،‬وإذا تأ َّله‪ ،‬ييصد أن يتو ّغل يف التأ ّله‪ ،‬وإذا تو ّغل‪ ،‬يعشق التمكّن‬
‫ّ‬
‫فالكل متواجدون يف عشق مجاله‪ ،‬ولواله جلاز الوقوف عّل‬ ‫حق الييّي‪.‬‬
‫يف ميام ّ‬
‫مرتبة من املراتب‪ ،‬واطمأنّوا بمطلب من املطالب‪ ،‬وليس كذلك‪﴿ :‬أد بذكر اهلل‬
‫َطمئن ال ُق ُل ُ‬
‫وب﴾ ‪.‬‬ ‫َ‬

‫وكل الفصول‪ ،‬وكامدهتا مشمولة لفصله‬ ‫كل األنواع ّ‬ ‫(‪ )1‬ألنّه النوع األخ املشتمل دىل ّ‬
‫إن كل نوع بصدا‬‫الكل من فضالة طينته‪ .‬ولو سلكنا مسلك اإلرشاق ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫األخ ‪ ،‬كام مىض ّ‬
‫ألن نسبة األرباب إىل األرباب نسبة‬
‫برب النّوع‪ ،‬كان هو املطلوب؛ ّ‬ ‫ادستكامل حتّى ّتّصل ّ‬
‫األصنام إىل األصنام دندهم‪ ،‬ومطلوبه هو اهلل عاىل‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرعد‪.28 :‬‬
‫(‪﴿ )45‬إهلي هذه أز َّم ُة نَفيس َد َقلتُها بعقال َمش َّيت َك﴾‬
‫«أز ّمة» مجع «زمام» وهو ميـود الدا ّبـة‪ .‬وعيـل البعـري‪ :‬شـدّ ذراعـه بكتفـه‪.‬‬
‫الرضـا والتسـليم‬ ‫ُ‬
‫والعيال ما به يشدّ ‪ .‬وهذه من باب االسـتعارات‪ .‬وامليصـود‪ّ :‬‬
‫والرضـا‬
‫وقوتـه‪ .‬واملشـية واإلراد ُة ّ‬ ‫ّ‬
‫والتسـخر بحـول اهلل ّ‬ ‫عند مش ّية اهلل النّافـذة‪،‬‬
‫واملح ّبة والعشق وامليل واالبت اج ونحوها‪ ،‬واحدة‪:‬‬
‫ذاهب‬
‫ٌ‬ ‫وللنّاس فيام َّعش ُق َ‬
‫ون َم‬
‫وبّي املش ّية واإلرادة فرق باعتبارين‪:‬‬
‫أ َحدُ مها أ ّن املش ّية بالنّسبة إىل شيئ ّية الّشء أي ماه ّيته‪ ،‬واإلرادة بالنسبة إىل‬
‫وجوده‪.‬‬
‫وثانيهام أ ّن املش ّية كلية بخالف اإلرادة‪ ،‬فميلك ّ‬
‫الكّل إىل احلج مشيتك‪،‬‬
‫وميلك إىل منازله املخصوصة وخطواتك املعيّنة املنطوي فيه إرادتك اجلزئ ّية‬
‫إياها فرد ًا فرد ًا يف أوقاهتا املخصوصة‪ .‬واإلرادة ّ‬
‫أعم من امليل الكّل‪ ،‬وهذه امليول‬
‫اجلزئ ّية املرهونة بأوقاهتا‪.‬‬
‫وهبذين االعتبارين يذكر أحدمها يف ميابل اآلخر كام ورد أنّه تعاىل‪« :‬علم‬
‫وشاء وأراد»‪.‬‬
‫إن املش ّية واإلرادة عند بعض املتك ِّلمّي‪ :‬اعتياد املنفعة‪ ،‬وعند بعض آخر‪:‬‬
‫ثم ّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫الشوق‬ ‫فسم ا من النظائر‬ ‫ميل تبعه‪ .‬واحلق ّ‬
‫أن املشيّة فينا‪ ،‬أو اإلرادة‪ ،‬أو ما شئت ِّ‬
‫املتأكّد الذي هو عييب داع هو العلم بمالئم يف الفعل‪ ،‬وباصطالح‪ :‬هو اليصد‬
‫ِ‬
‫املتعيب للعلم التصوري بالفعل‬ ‫ِ‬
‫للميل‬ ‫املتعيب للجز ِم املتع ّي ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫املتع ّي ُ‬
‫ب للعز ِم‬
‫‪ ،‬وهو عّي علمه‬ ‫وللعلم التصديي بالدّ اع ‪ .‬وفيه تعاىل ه عّي الدّ اع‬
‫الفعّل بنظام اخلري يف الفعل‪ ،‬وهو عّي ذاته املتعالية‪.‬‬

‫بيان ذلك‬
‫نتصوره ّأوالً‪ّ ،‬‬
‫ثم نصدّ ق بفائدته تصديي ًا‬ ‫ّ‬ ‫إ ّن شاكلتنا فيام قصدنا فِع َله‪ ،‬أنّا‬
‫أن فيه صالح ًا ومنفع ًة أو حممد ًة ومنيب ًة‪ ،‬وباجلملة‪ ،‬خري ًا‬
‫ظن ّي ًا أو ختيل ّي ًا أو ييين ّي ًا ّ‬
‫من اخلريات باليياس إىل جوهر ذاتنا‪ ،‬أو إىل قوة من قوانا‪ ،‬فينبعث من ذلك‬
‫اليوة الشوق ّية‪،‬‬
‫اهتزت ّ‬
‫من الرتدد‪ .‬فإذا ّ‬ ‫شوق إليه ونجزم أن نفعله ونخل‬
‫ثم أ ّال يفسخ العزيمة‪ ،‬وصار قصد ًا‪،‬‬
‫الشوق‪ ،‬وصار َعزم ًا وإمجاع ًا‪ّ ،‬‬
‫وتأكَّد ّ‬
‫اليو ُة املنبثّة يف العضالت‪ ،‬وهنالك يتحرك األعصاب واألعضاء‬ ‫ُح ِّركت ّ‬
‫[األولية] ‪ ،‬فذلك الشوق املتأكّد البالغ إىل العزم‪ .‬واليصد «إراد ٌة»‪ ،‬وما يف‬
‫اليوة املنب ّثة «قدرة»‪ ،‬وذلك التصديق بالفائدة هو «الدّ اع »‪ ،‬وذلك التصور‬
‫ّ‬
‫واجلزم بالفعل هو «العلم»‪ .‬ف ذه مبادئ الفعل فينا أرباب احلاجات‪ ،‬وأ ّما يف‬

‫ألن‬
‫املفهومي‪ .‬وانّام ادترب اخل ّّة؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫الوجواي بني هذه إدّ التغاّر‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬إذ د اجوز فيه التّغاّر‬
‫أي مورا كان دبدّ أن ّكون العلم بالع ّلة الغائية التي هي ثمرة الفعل‪،‬‬
‫الدادي دىل الفعل يف ّ‬
‫فيكون يف الفعل حمبوب ّية ومراا ّّة‪ ،‬فيتح ّقق اإلرااة والرضاء بالفعل‪ .‬وفيه عاىل ثمرة شجرة‬
‫احلضوري‬
‫ّ‬ ‫الكيل‪ ،‬والع ّلة الغائية له ذا ُه األقدس األكمل‪ ،‬وهو بذا ه دني العلم‬
‫الوجوا الفعيل ّ‬
‫ألن كل وجوا خ ‪ ،‬فكيف‬ ‫أن فعله الذي هو الوجوا املنبسط خ ؛ ّ‬ ‫بخ ّّة الفعل من جهة ّ‬
‫الشامل؟ ومن جهة ثمر ه التي هي أهبى ال ّثمراي وأسناها‪ ،‬وأمجلها واج ّلها‪.‬‬
‫الوجوا املنبسط ّ‬
‫واألفعال أفضليتها دور دىل أفضل ّية ثمرهتا‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف النسخة احلجرية‪« :‬األووية»‪ ،‬والظاهر ما أثبتناه‪.‬‬
‫فعّل‪ ،‬وقدرته نافذةٌ‪ ،‬فكام ذكرنا من ّ‬
‫أن الداع‬ ‫ٌّ‬ ‫الصمد الغن الذي علمه‬ ‫ّ‬
‫واإلرادة واليدرة عّي علمه العنائ ‪ ،‬وهو عّي ذاته الغن ‪.‬‬
‫تصور الفعل‪ ،‬واعتياد أنّه‬
‫وكام أنّه يرتتب فينا شوق اليوة الباعثة عّل نفس ّ‬
‫نافع لنا من غري أن يتخ ّلل بّي علمنا وشوقنا ٌ‬
‫شوق آخر وإراد ٌة ُاخرى‪ ،‬بل العلم‬
‫فعّل بالنسبة إىل ّ‬
‫الشوق‪ ،‬كذلك يرتتب اإلفاضة عّل نفس علمه بنظام اخلري يف‬ ‫ّ‬
‫ثم إ ّن إرادة الفعل منطوي ٌة يف إرادته‬ ‫العامل من دون خت ّلل شوق و ّ‬
‫مهة زائدَ ين‪ّ .‬‬
‫عّي ذاته‪ ،‬كام ذكرنا؛ فإ ّن اإلرادة ه العشق واملحبة‪ .‬ومن‬
‫ذاته‪ ،‬وإرادت ُه ذاته ُ‬
‫السافل‪ ،‬فإرادته آلثاره ألجل‬ ‫امليررات يف حم ّله أن ال التفات ّ‬
‫بالذات للعايل إىل ّ‬ ‫ّ‬
‫كل مجيل‪ ،‬وأهبى من ّ‬
‫كل َهب ّ ‪،‬‬ ‫أمجل من ّ‬
‫أجل مبت ج بذاته؛ لكونه َ‬ ‫أنّه تعاىل ّ‬
‫أتم العلوم؛ لكونه حضوري ًا بالغري‪ ،‬فكيف بذاته ال‬
‫وعلمه بذلك اجلامل والب اء ّ‬
‫حصول ّي ًا‪ ،‬وفعل ّي ًا ال انفعالي ًا‪ ،‬وتفصيلي ًا ال إمجال ّي ًا؟‬
‫قوة إهلية بسيطة جامعة ّ‬
‫لكل اليوى‬ ‫والذات العاملة فوق ّ‬
‫كل ذي علم؛ ألنّه ّ‬ ‫ّ‬
‫اليوة العاقلة بالفعل‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن‬ ‫ّ‬
‫الكّل‪ ،‬فضالً عن ّ‬ ‫واملدارك‪ ،‬وفوق العيل‬
‫وأمر أمت ّية االبت اج والعشق يدور عّل هذه ال ّثالثة‪ ،‬وإذا ابت ج‬
‫املدارك اجلزئية‪ُ .‬‬
‫آثاره‪ ،‬وإذ ليس موجو ٌد ينافيه‬‫أحب َ‬
‫َّ‬ ‫أحب شيئ ًا‬
‫َّ‬ ‫بذاته ابت ج بآثاره؛ ّ‬
‫ألن من‬
‫ألن الكل معاليله‪ ،‬وناشئة من قلمه األعّل‪ ،‬واملعلول يالئم ع ّلته‪ ،‬فال‬
‫وينافره؛ ّ‬
‫موجود إ ّال وهو متع ِّل ُق مش ّيته ‪.‬‬

‫(‪ )1‬وكيف ّدخل َشء يف ُملكه بدون مش ّيته وإراا ه؟ وقد ورا «ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما مل ّشأ‬
‫مل ّكن»‪.‬‬
‫كيف‪ ،‬والوجوا مطلق ًا مش ّيته؟ منه‪.‬‬
‫كأُنم مل يمكن م فيه إرادة الذات للذات‪،‬‬
‫وبعض األخبار ّيّي من املعارصين ّ‬
‫كل موضع متع َّلق إرادة املريدين‬
‫أن يف ّ‬
‫وحرصوا تعلق اإلرادة بالفعل‪ ،‬ومل يدروا ّ‬
‫وحيب ويعشق نفس ذاته‪ ،‬ويريد الكتابة‬
‫ّ‬ ‫ّأوالً وبالذات ُ‬
‫ذواهتم؛ فالكاتب يريد‬
‫بالعرض؛ إلرادة ذاته‪ ،‬وقس عليه‪.‬‬
‫حمبوب‬
‫ٌ‬ ‫قال صدر املتأهلّي‪« :+‬اإلرادة رفيق الوجود‪ ،‬والوجود يف كل يشء‬
‫حمبوب لذاته‬
‫ٌ‬ ‫لذيذ‪ ،‬والزيادة عليه أيض ًا لذيذ ٌة؛ فالكامل من مجيع الوجوه‬ ‫ٌ‬
‫ومريدٌ لذاته بالذات‪ ،‬وملِا يتبع ذاتَه من اخلريات الالزمة بالعرض‪ .‬وأ ّما الناق‬
‫بوجه‪ ،‬ف و أيض ًا حمبوب لذاته الشتامله عّل رضب من الوجود‪ ،‬ومريدٌ ملِا يكمل‬
‫املسمى باإلرادة أو املح ّبة أو‬
‫ّ‬ ‫ذاته بالذات‪ ،‬وملِا يتبع ذاته بالعرض‪ .‬فثبت أ ّن هذا‬
‫يسمى يف‬
‫العشق أو امليل أو غري ذلك سار كالوجود يف مجيع األشياء‪ ،‬لكن ر ّبام ال ّ‬
‫بعض ا هبذا االسم بجريان العادة واالصطالح عّل غريه أو خلفاء معناه عند‬

‫(‪ )1‬ففي قوله «حمبوب» إشارة إىل أنّه إرااة بمعنى املراا ّّة‪ ،‬ويف قوله «لذا ه» ادلة دىل أنّه‬
‫إرااة بمعنى املرّدة‪ ،‬وهو وجوا بحد؛ فالوجوا مساوق مع اإلرااة بكّل املعنيني‪ .‬منه‪.‬‬
‫متقوم بالوجوب‪ .‬منه‪.‬‬ ‫وكل وجوا ّ‬ ‫متقوم بالعوايل‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ّقوم ذا ه‪ّ ،‬‬
‫وكل سافل‬ ‫(‪ )2‬أي داشق ملا ّ‬
‫ألن أكثر األذهان مستغرقة يف املفاهيم‪ ،‬ود ّتخ ّطون إىل دامل احلقائق‪ .‬ثم من‬
‫(‪ )3‬وذلك ّ‬
‫احلقائق د ّلتفتون إدّ إىل وجوا األدراض إذا سمعوا الصفاي‪ ،‬فيسهل دليهم أن ّدركوا‬
‫الصورة الذهن ّية احلاصلة‪ ،‬ومن اإلرااة امليل القائم بالنّفس وهكذا‪ ،‬وّصعب دليهم‬
‫من العلم ّ‬
‫أن وجوا النفس الناطقة ا مث ً‬
‫ّل ا دني دلمه بذا ه‪ ،‬ودني إراا ه‪ ،‬ودشقه لذا ه‪ .‬فإذا‬ ‫أن ّعرفوا ّ‬
‫قلد بدل قولك «إن النفس متع ّلقة بالبدن» دلم متع ّلق‪ ،‬أو دشق‪ ،‬أو إرااة ومش ّية‪ّ ،‬صعب‬
‫إن‬
‫البدُّيي‪ .‬فإذا قيل ّ‬
‫ّ‬ ‫األمر هكذا‪ ،‬فليتفتون إىل املفهوم‬
‫ُ‬ ‫دليهم فهمه‪ ،‬بل يف الوجوا واإلاجاا‬
‫اهلل عاىل وجو ٌا‪ ،‬ربام ّذهب إىل املفهوم؛ أو ّقال له اإلاجاا‪ّ ،‬ذهب إىل اإلضافة املقول ّية‪،‬‬
‫واحلال أن اإلاجاا احلقيقي الذي به ُّوجدُ اليشء هو حقيقة الوجوا املنبسط الذي هو إضافته‬
‫يسمى‬ ‫اجلم ور‪ ،‬كام ّ‬
‫أن الصور اجلرميّة عندنا إحدى مراتب العلم‪ ،‬ولكن ال ّ‬
‫بالعلم إ ّال صورة جمردة عن ممازجة األعدام والظلامت» ‪ .‬هذا كالمه بأدنى‬
‫أن اإلرادة عّي‬ ‫أن االرادة تتع ّلق ّأوالً ّ‬
‫بالذات‪ ،‬وظ ر أيض ًا ّ‬ ‫اختصار‪ ،‬فظ ر ّ‬
‫الذات الواجبة‪ ،‬بل عّي كل وجود‪ ،‬كيف بالوجوب الذي هو بحت الوجود؟!‬
‫واملخالف يف هذا رئيس املحدثّي أبو جعفر حممد بن يعيوب الكلين ‪،+‬‬
‫واحتج أيض ًا عّل ّ‬
‫أن اإلرادة زائدة عّل ذاته تعاىل‬ ‫ّ‬ ‫نظر ًا إىل ظاهر بعض األخبار ‪.‬‬
‫يصح أن تكون عّي علمه سبحانه؛ فإنّه سبحانه يعلم ّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن إرادة اهلل تعاىل ال‬
‫رش ًا‪ ،‬وال ظل ًام‪ ،‬وال كفر ًا‪ ،‬وال شيئ ًا من‬ ‫يشء‪ ،‬وال يريد ّ‬
‫كل يشء؛ إذ ال يريد ّ‬
‫أمر‬ ‫اليبيح أو اآلثام‪ .‬فعلمه تعاىل متعلق ّ‬
‫بكل يشء‪ ،‬وال كذلك إرادته؛ فإرادته ٌ‬
‫أمر آخر وراء ذاته ‪.‬‬
‫آخر وراء علمه‪ ،‬وعلمه عّي ذاته‪ ،‬فإرادته ٌ‬
‫وهذه شب ة قد استوثي ا يف الكايف‪ ،‬وليست وثيي ًة‪ ،‬وينحسم ما ّدهتـا بتحييـق‬
‫عـام دخـل فـي ام بالـذات‪ ،‬وعـام نسـب إلـي ام‬
‫ّ‬ ‫مسألة اخلري والشـر‪ ،‬والفحـ‬

‫اإلرشاق ّية‪.‬‬
‫احلق وجو ٌا بّل ماه ّية» أنّه مفهوم‬
‫إن ّ‬‫وهم «اإلمام الرازي» من قول احلكامء « ّ‬ ‫ومن هنا ّ‬
‫إن مفهوم الوجوا بدُّيي‪ ،‬وحقيقة الواجب‬ ‫الوجوا البدُّيي دندهم‪ ،‬فقال ر ّا ًا دليهم « ّ‬
‫معلومة»‪.‬‬
‫وأن األشياء‬
‫وقال «العّلّمة الدّ واين» يف بيان أن حقيقة الواجب عاىل هو حقيقة الوجوا‪ّ ،‬‬
‫إن كث ًا منهم وقعوا يف اهلرج واملرج من استامع قول احلكامء «إنّه وجوا‬
‫منتسباي إليها « ّ‬
‫املفهومي املطلق»‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ألن ذهنهم ذهب إىل الوجوا‬
‫بحد‪ ،‬أو وجوا مطلق»؛ وذلك ّ‬
‫ٌ‬
‫(‪ )1‬األسفار ‪.340 :6‬‬
‫(‪ )2‬الكايف ‪ 108 :1‬ـ ‪.110‬‬
‫(‪ )3‬الكايف ‪ 111 :1‬ـ ‪.112‬‬
‫بالعرض‪ ،‬وإرجاع ام إىل الوجود والعدم ‪ .‬وسنتكّلم يف هذا الرشح الـوجيز إن‬
‫ساعَدَ نا التّوفيق‪.‬‬
‫أن اإلرادة فيه تعاىل عّي العلم فكيف يتفاوت املتع ّلق؟‬
‫علمت ّ‬
‫َ‬ ‫وأيض ًا قد‬
‫منيوض بالعلم واليدرة؛ إذ العلم يتع ّلق ّ‬
‫بكل يشء حتى‬ ‫ٌ‬ ‫حتجاجه‬
‫ُ‬ ‫وأيض ًا ا‬
‫املمتنعات‪ ،‬واليدرة ال تتعلق هبا كام قال املتك ّلمون‪ :‬إ ّن معلومات اهلل أكثر من‬
‫ميدوراته‪.‬‬
‫وأيض ًا له تعاىل إرادة إمجال ّية وإرادة تفصيلية‪ ،‬واألُوىل يف احلييية إمجال ّية من‬
‫األول‪ ،‬والثانية‬
‫الصادر ّ‬
‫وجه وتفصيلية من وجه‪ ،‬وه إرادته تعاىل بالنسبة إىل ّ‬
‫بالنسبة إىل ّ‬
‫الكل؛ فإ ّن ك اال يف مرتبته ووقته مرا ُده سبحانه ولو بالوسائط‪ ،‬فإ ّن ما‬
‫األول من لوازمه املرتبة‪ ،‬وإرادة امللزوم إرادة الالزم‪ .‬وحييية ذلك‬
‫الصادر ّ‬
‫عدا ّ‬
‫األول ـ لبساطته ـ جامع ًا حليائق ما دونه‪ ،‬فإرادة ّ‬
‫الكل‬ ‫ورسه كون الصادر ّ‬ ‫ّ‬
‫تسمى «أوامر اهلل»‬
‫منطوية يف إرادته‪ .‬واإلرادة التفصيلية بالنسبة إىل األشياء ّ‬

‫الرش‪ .‬وإذا مل ّتع ّلق‬ ‫ٌ‬


‫وباطل رصف؛ وهلذا د ّراا ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫نفي حم‬
‫ددم ٌ‬ ‫(‪ )1‬ومعلوم ان العدم بام هو ٌ‬
‫اإلرااة به لكونه د شيئ ًا‪ ،‬فلم ّتع ّلق به العلم هلذا بعينه وإن لوحظ وجواه الفريض‪ ،‬وكونه‬
‫فصح هبذا ال ّلحاظ ع ّلق‬
‫ّ‬ ‫ليصح ع ّلق العلم به‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مفهوم ًا صااق ًا دىل نفسه باحلمل ّ‬
‫األو ّيل‬
‫أي وجوا كان ا ولو فرض ًا ا بدون إراا ه ومش ّيته‬
‫اإلرااة؛ إذ د ّكون َشء يف صقع الوجوا ّ‬
‫ون إ َّد َأن َّ َشاء اهللُ﴾(اإلنسان ‪ )30‬وهذا أّض ًا من موارا ما ذكرنا من ددم‬
‫﴿ َو َما ََشاؤُ َ‬
‫وأن التّفاوي بادتبار املفاهيم؛ فحكم حقيقة العلم واإلرااة يف الواجب‬
‫ادلتفاي إىل احلقائق‪ّ ،‬‬
‫بالذاي عاىل شأنه واحدٌ ‪ .‬منه‪.‬‬
‫أن العلم والقدرة كليهام دني ذاي اهلل عاىل ولو دند صاحب هذا ادحتجاج‪.‬‬ ‫ُ‬
‫واحلال ّ‬ ‫(‪ )2‬أي‬
‫منه‪.‬‬
‫مها‬ ‫بالصّلة والزكاة و‬ ‫(‪ )3‬أي دند املتك ّلمني ّ‬
‫سمى إراا ه «أمر ًا كوّن ّي ًا‪ ،‬وأمره ّ‬
‫«إرااة»‪ .‬منه‪.‬‬
‫الترشيع ّية والتكوين ّية‪ ،‬وكذا حكم الكراهة املنطوية يف كراهة عدم الصادر‬
‫والض إنّام ه يف اإلرادة التفصيلية ـ وه ليست عّي‬
‫ّ‬ ‫والرش‬
‫ّ‬ ‫األول؛ فاملعصية‬
‫ّ‬
‫األول اإلمجالية بالنسبة إىل‬
‫ذاته تعاىل ـ ال يف اإلرادة التفصيلية بالنسبة إىل الصادر ّ‬
‫ما عداه‪.‬‬
‫ثم إ ّن تلك أيض ًا‪ ،‬يف األوامر الترشيعية فيط؛ إذ يف األوامر التكوين ّية ا ّلت‬
‫ّ‬
‫املسخرات ال سبيل إ ّال إىل الطاعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بواسطة العيول والنفوس الفلكية والطبائع‬
‫وقال السيد املحيق الداماد ‪ +‬يف دفع الشب ة‪« :‬كون اإلرادة احل ّية اإلهل ّية غري‬
‫بالرش بالذات‪ ،‬ال يصادم كون إرادة اخلري عّي العلم الذي هو بعينه مرتبة‬
‫ّ‬ ‫متع ّلية‬
‫ذاته احل ّية األحدية‪ .‬فإرادة اخلري وزاُنا باإلضافة إىل صفة العلم وزان ّ‬
‫السمع‬
‫الذات احل ّية الواجبة الت ه بعين ا العلم‬
‫والبرص من صفات الذات‪ ،‬ومها عّي ّ‬
‫لكل يشء‪ ،‬والبرص‬ ‫لكل مسموع ال ّ‬‫سمع ّ‬
‫ٌ‬ ‫بكل يشء‪ّ ،‬ثم ّ‬
‫السمع‬ ‫التا ّم املحيط ّ‬
‫كل مبرص ال بالنسبة إىل ّ‬
‫كل يشء‪ ،‬فكذلك اإلرادة احل ّية‪ .‬فذاته‬ ‫برص باليياس إىل ّ‬
‫ٌ‬
‫وسمع بالنسبة إىل ّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫علم بكل يشء ممكن‪ ،‬وإراد ٌة ّ‬
‫لكل خري ممكن‪،‬‬ ‫سبحانه ٌ‬
‫كل يشء مبرص‪ ،‬وقدر ٌة باليياس إىل ّ‬
‫كل يشء‬ ‫وبرص باليياس إىل ّ‬
‫ٌ‬ ‫يشء مسموع‪،‬‬
‫ميدور عليه‪.‬‬
‫والرشور الواقعة يف نظام الوجود سواء علي ا أكانت يف هذه النشأة األُوىل أم‬

‫ألن دلمه‬
‫(‪ )1‬إنّام كان سمعه وبّصه دني العلم التّام وليس بأمر زائد دىل ذا ه ودلمه؛ ّ‬
‫بكل َشء‪ .‬ومن مجلة احلارضاي بوجواها وأديا ا املبّصاي واملسموداي‪.‬‬ ‫حضوري ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫فالكل مدركة له بأديا ا‬ ‫وباجلملة‪ ،‬املدركاي ّ‬
‫الشاملة للخمسة‪ ،‬وللمتخ ّيّلي‪ ،‬واملوهوماي؛‬
‫واجلزئي َ‬
‫﴿د َّ ْعزُ ُب َدنْ ُه م ْث َق ُال‬ ‫ّ‬ ‫واملجرااي؛ فهو عاىل ّعلم ّ‬
‫الكيل‬ ‫ّ‬ ‫وأشخاصها كاملعقودي‬
‫َذ َّر ٍة﴾ (سبأ ‪ .)3‬منه‪.‬‬
‫بالذات‪ ،‬بل وميض ّيتة ّ‬
‫بالذات‪ ،‬إنّام ه‬ ‫يف تلك النشأة اآلخرة ليست ه مراد ًة ّ‬
‫داخلة يف اليضاء بالعرض من حيث إ ُّنا لوازم اخلريات العظيمة الواجبة‬
‫الصدور عن احلكيم احلق واخلري املطلق» انت ى‪.‬‬
‫األئمة ال ّطاهرين (سالم اهلل علي م‬
‫إن قلد فام تصنع باألحاديث املرو ّية عن ّ‬
‫وأُنام حادثتان‬ ‫أمجعّي) الدّ ا ّلة عّل ّ‬
‫أن املش ّية واإلرادة من صفات الفعل‪ّ ،‬‬
‫بحدوث الفعل حسب ما نيله حممد بن يعيوب الكلين (ريض اهلل عنه) يف‬
‫(الكايف) والصدوق ابن بابوية اليم (ريض اهلل عنه) يف كتاب (التوحيد)‬
‫الرضا×) ‪.‬‬
‫و(عيون أخبار ّ‬
‫للحق سبحانه إراد ٌة ح ّية حيييية‪ ،‬وإراد ٌة ح ّية ظل ّية‪ ،‬وإراد ٌة مصدر ّية‬
‫ّ‬ ‫قلد‪:‬‬
‫عنوان ّية‪:‬‬
‫ابت اج ذاته بذاته سبحانه؛ إذ مل يكن اسم وال رسم‪ ،‬وه‬ ‫ّأما األُوىل‪ ،‬ف‬
‫املسمى‬
‫ّ‬ ‫عّي ذاته‪ .‬وكذا يف ميام ظ وره بأسامئه احلسنى املستتبعة لألعيان الثابتة‬
‫ّ‬
‫املتأخرة يف‬ ‫باملرتبة الواحد ّية‪ ،‬واألسامء احلسنى والصفات العليا ولوازم ا غري‬
‫الوجود‪ ،‬ك ُّل ا مفاهيم موجودة بوجود ّ‬
‫الذات بال تعدّ د يف الوجود أص ً‬
‫ال‪ ،‬وذلك‬

‫(‪ )1‬اليبسات‪ 325 :‬ـ ‪.326‬‬


‫(‪ )2‬الكايف ‪.109 :1‬‬
‫(‪ )3‬التوحيد‪.146 :‬‬
‫(‪ )4‬عيون أخبار الرضا ‪.109 :1‬‬
‫(‪ )5‬وذلك ألن ذا ه حقيقة الوجوا بّل ماه ّية‪ .‬والوجوا قد ب ّينا لك وأوضحناه بوجوا النّفس‬
‫والرضا‪ ،‬والعشق وادبتهاج‪ .‬و ّملا كان وجواه أ َّم الوجوااي وأمجلها‪،‬‬
‫الناطقة أنّه دني اإلرااة ّ‬
‫املسمى يف‬
‫ّ‬ ‫كان ادبتهاج فيه أ ّم ادبتهاجاي وأكملها‪ ،‬وبعده مر بة الوجوا املنبسط‬
‫األحااّث أّض ًا «باملش ّية» كام ّأت بعد أسطر‪ .‬منه‪.‬‬
‫يسمى باصطالح بعض العرفاء‬
‫الظ ور عّل األعيان الثابتة بثبوت امللزوم ّ‬
‫بالفيض األقدس‪ ،‬وهذا أيض ًا مش ّية صفتية عّي ّ‬
‫الذات‪.‬‬
‫وال ّثانية ـ أعن اإلرادة احل ّية الظل ّية ـ ه يف ميام فيضه امليدّ س‪ ،‬والوجود‬
‫كل بحسبه‪ ،‬وه إرادة فعلية ّ‬
‫لكل ماه ّية ماه ّية من العيول‬ ‫اإلضايف الذي يف ٍّ‬
‫املشية الفعلية املشار إلي ا‬ ‫والنّفوس والطبائع والبسائط واملركبات‪ ،‬وه‬
‫إن اهلل خلق األشياء باملش ّية‪ ،‬و[خلق] املشيّة بنفسها» ‪ .‬وما حكم‬
‫بيوله×‪ّ « :‬‬
‫ٌ‬
‫حادث بحدوث الفعل‪ ،‬إنّام هو هذه‪ ،‬ولكن من‬ ‫عليه أنّه من صفات الفعل‪ ،‬وأنّه‬
‫حيث إضافت ا إىل املمكنات ال من حيث ه وجه اهلل الباق ؛ فإ ُّنا من هذه‬
‫احليثية ليست شيئ ًا عّل حياهلا‪ ،‬بل ه كاحلال عند املعتزيل‪ ،‬أو كاملعنى احلريف‬
‫ليست موضوع ًا حلكم من احلدوث أو اليدم‪.‬‬
‫ّأما ال ّثالثة‪ ،‬فمعلوم ّأُنا مف وم زائد عنواين‪ .‬وأيض ًا قد قرع سمعك حديث‬
‫اإلرادة اإلمجال ّية والتفصيل ّية‪ ،‬فتذكّر‪.‬‬
‫وأجاب الس ّيد املحيق الداماد (أعّل اهلل ميامه) ّ‬
‫بأن «اإلرادة قد تطلق ويراد‬
‫هبا‪ :‬األمر املصدري‪ ،‬أعن اإلحداث واإلجياد‪ .‬وقد يراد هبا‪ :‬احلاصل باملصدر‪،‬‬
‫أعن الفعل احلادث املتجدّ د‪ .‬وكام ّ‬
‫أن لعلمه تعاىل باألشياء مراتب‪ ،‬وأخري ُة‬
‫وصدورها عنه منكشف ًة غري حمتجبة‪ ،‬ف‬
‫ُ‬ ‫مراتبه وجو ُد املوجودات اخلارجية‪،‬‬

‫(‪ )1‬خمترص بصائر الدرجات‪ ،141 :‬وباختالف فيه يف الكايف ‪ ،4/110 :1‬التوحيد‪:‬‬
‫‪ ،8/388 ،19/148‬بحار األنوار ‪.56 :54 ،20/146 ،20/145 :4‬‬
‫(‪ )2‬وأّض ًا معلوم أ ّ ا أّض ًا صفته؛ ألنّه مبدأ انتزادها‪ ،‬كام ّ‬
‫أن إضافا ه وسلو َب ُه صفا ُه‬
‫كأبو ه ومالك ّيته وسلب العلم‬
‫ّ‬ ‫اإلضافية والسلب ّية‪ .‬واإلنسان إضافا ه ادنتزاد ّية وسلوبه‬
‫مها من املعقودي الثانية من صفا ه‪ .‬منه‪.‬‬ ‫والكتابة دنه صفا ه‪ ،‬بل الكل ّية والنود ّية و‬
‫ومعلومات له باعتبار‪ ،‬ومعلوم ّي ُت ا‬
‫ٌ‬ ‫بذواهتا وهو ّياهتا املرتبطة إليه علو ٌم له بوجه‪،‬‬
‫له عّي ذواهتا‪ ،‬ال عامل ّيته تعاىل إ ّياها عّي ذواهتا‪ ،‬وإنّام ه عّي ذاته امليدسة ـ‬
‫فالعلم بمعنى العامل ّية عّي ذاته وهو قديم‪ ،‬وبمعنى املعلوم ّية عّي هذه املمكنات‬
‫وهو حادث ـ فكذلك إلرادته سبحانه مراتب‪ ،‬وأخرية املراتب ه بعين ا ذوات‬
‫املوجودات املتيررة بالفعل وإنّام ه عّي اإلرادة بمعنى مراد ّيت ا له تعاىل ال‬
‫‪ ،‬عّي ذاته‬ ‫بمعنى مريد ّيته إ ّياها وما به فعل ّية اإلرادة والرضا ومبدأ التخصي‬
‫احلية‪ .‬وهذا أقوى يف االختيار ممّا أن يكون انبعاث الرضا بالفعل عن أمر زائد‬
‫عّل عّي ذات الفاعل» ‪ .‬انت ى حاصل ما أفاده‪.‬‬
‫رس عظـيم نشـري‬
‫وصدر املتأهلّي ‪ +‬بعدما نيل هذا احلاصل‪ ،‬قال‪« :‬هاهنـا ّ‬
‫إليه إشار ًة ّما‪ :‬وه أنّه يمكـن للعـارف البصـري أن حيكـم ّ‬
‫بـأن وجـود األشـياء‬
‫اخلارجية من مراتب علمه تعاىل وإرادتـه‪ ،‬بمعنـى عامل ّيتـه ومريد ّيتـه‪ ،‬ال بمعنـى‬
‫معلوم ّيتــه ومراد ّيتــه فيــط‪ .‬وهــذا ممــا يمكــن ّتصـيله للواقــف عــّل األُصــول‬
‫السالفة» انت ى‪.‬‬

‫أن الدادي له دىل الفعل هو ذا ه احل ّقة‪ ،‬د أمر آخر وإدّ لزم ادستكامل‪ ،‬وهو دليه‬
‫(‪ّ )1‬عني ّ‬
‫‪ ،‬فانّه الوجوا املطلق املنبسط‪.‬‬ ‫حمال‪ .‬مع أنّه أّض ًا ااخل يف الفعل؛ ّ‬
‫ألن فعله املطلق د ّتب ّع‬
‫صة ألجل الدّ ادي‪ .‬والقدرة فينا حالة‬‫خمص ٌ‬ ‫ٌ‬
‫صفة ّ‬ ‫ألن اإلرااة‬
‫ودرب دنه بمبدأ التخصيص؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫ّتخصص أحدمها‪ .‬وإنّام كان‬
‫ّ‬ ‫إمكانية استوائ ّية بالنّسبة إىل وقوع الفعل ود وقوده‪ ،‬وباإلرااة‬
‫ف هو الفادل‬
‫الّص ُ‬
‫أقوى يف األختيار ألن كل فادل بالدادي‪ ،‬مسخر لذلك الدادي‪ .‬واملختار ّ‬
‫للكل‪ ،‬كام أنّه الع ّلة‬
‫ّ‬ ‫اا ٍع ّقهره‪ ،‬وهو الواجب الوجوا الذي هو الع ّلة الغائية‬ ‫لذا ه من‬
‫الفادل ّية ّ‬
‫للكل‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬اليبسات‪ ،326 :‬وانظر ايض ًا‪ :‬األسفار ‪.352 :6‬‬
‫(‪ )3‬األسفار ‪.354 :6‬‬
‫ثم من األحاديث يف هذا الباب كام يف (الكايف)‪ :‬صحيح صفوان بن حييى‬
‫ّ‬
‫قلت أليب احلسن×‪ :‬أخربين عن اإلرادة من اهلل ومن اخللق‪ .‬قال‪ :‬فيال‪:‬‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫الضم ُ ‪ ،‬و َما َّ ْبدُ و َبعدَ َ‬
‫ذلك هلم م َن الفعل‪َ .‬و ّأما م َن اهلل عاىل‪،‬‬ ‫«اإلرا َا ُة م َن َْ‬
‫اخل ْلق َّ‬
‫فاي‬
‫الص ُ‬ ‫ذلك؛ ألنّه د َّروي ود َُّيم ود ّتفكّر‪ .‬وهذه ّ‬ ‫إحدا ُثه د َ ُ َ‬
‫فإرا َا ُ ُه ْ‬
‫ذلك‪ُ ُّ ،‬‬
‫قول َل ُه‬ ‫الفعل د ُ َ‬‫ُ‬ ‫َمنْف ّي ٌة َدن ُه‪َ ،‬وهي ص ُ‬
‫فاي اخللق‪ ،‬فإرا َا ُة اهلل َعاىل‬
‫ُون بّل لَ ْفظ َود ُن ْطق بلسان ود َّ‬
‫مهة َود َ َفكّر َود َك ْي َ‬
‫ف لذلك‪ ،‬كَام أنّه‬ ‫«ك ُْن»‪َ ،‬ف َيك ُ‬
‫ف َل ُه» ‪.‬‬‫د َك ْي َ‬
‫رسه العزيز) ‪« :‬الضمري‪ :‬هو تصور الفعل‪ ،‬وما يبدو بعد‬ ‫قال الس ّيد (قدّ س ّ‬
‫يوة‬ ‫ذلك اعتياد النفع فيه؛ ختيل ّي ًا‪ ،‬أوظن ّي ًا‪ ،‬أو تعيل ّي ًا‪ّ ،‬‬
‫ثم انبعاث الشوق من ال ّ‬
‫الشوق واشتداده إىل حيث يصري إمجاع ًا‪ .‬فتلك مبادئ األفعال‬
‫ثم تأ ّكد ّ‬
‫الشوقية‪ّ ،‬‬
‫اختيار‬
‫ٌ‬ ‫االختيارية فينا‪ ،‬واهلل سبحانه متيدّ س عن ذلك‪ ،‬فنفس علمه السابق‬
‫ومش ّية ألفعاله وال إرادة وال مش ّية هناك وراء نفس الذات‪.‬‬
‫الزنديق ا ّلذي سأل‬
‫ومن ا ما روي يف (الكايف) عن هشام بن احلكم يف حديث ّ‬
‫وسخ ٌط؟ فيال أبو عبد اهلل‪:‬‬
‫أبا عبد اهلل‪ ،‬وكان من سؤاله أن قال له‪ :‬فله رضا ُ‬
‫دخ ُل‬ ‫الرضا ٌ‬
‫حال َّ ُ‬ ‫أن ّ‬ ‫لك ّ‬‫لوقني؛ َوذ َ‬
‫َ‬ ‫ذلك َدىل ما ُّوجدُ م َن ا َْملخْ‬
‫لكن َل ْي َس َ‬
‫«نعم‪ْ ،‬‬
‫ف ُمعتم ٌل ُم َرك ٌ‬
‫َّب‪ ،‬لألشياء فيه‬ ‫أج َو ٌ‬
‫وق ْ‬ ‫ألن املَخْ ُل َ‬
‫َد َليه فين ُق ُل ُه م ْن حال إىل حال؛ ّ‬
‫ي‬
‫واحد ّ‬ ‫دي ّ‬
‫الذاي‪َ ،‬‬ ‫َمدْ َخ ٌل‪ ،‬وخال ُقنا د َمدْ َخ َل لألشياء فيه؛ ألنِّه واحدٌ واح ّ‬
‫َداخ ُله َف ُي َه ِّي َج ُه و َّن ُق َله م ْن‬
‫َشء َّت َ‬ ‫وسخَ ُط ُه دقا ُب ُه‪ ،‬من‬
‫املعنى‪ ،‬فرضاه ثوابه‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬الكايف ‪ ،3/109 :21‬التوحيد‪.157 :‬‬


‫(‪ )2‬اليبسات‪.328 :‬‬
‫تاجني» ‪.‬‬
‫َ‬ ‫جزّن ا ُمل ْح‬
‫َ‬ ‫قني ال َعا‬
‫لو َ‬‫ألن ذلك م ْن ص َفة املَخْ ُ‬
‫حال إىل حال؛ ّ‬
‫والصدوق (ريض اهلل عنه) رواه بعينه يف كتاب (التوحيد) وفيه‪« :‬إ ّن ّ‬
‫الرضا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والغضب َدخ ٌال َيد ُخ ُل َع َليه‪َ ،‬وخال ُينا ال َمد َخ َل لألشياء فيه؛ أل َّن ُه واحدٌ واح ّ‬
‫دي‬
‫ِ‬
‫دي ا َملعنى» ‪.‬‬ ‫ا ّلذات‪ ،‬واح ّ‬
‫أقول‪ :‬رضاه الذي هو ثوابه‪ ،‬وإرادته الت ه إحداثه وفعله مها املشية‬
‫الصفت ّية ال ّلتان مها رضاء ّ‬
‫الذات‬ ‫الفعل ّية الت قد مىض ذكرها‪ ،‬ال الذات ّية وال ّ‬
‫وبالصفات يف واحديته‪ ،‬وذلك بيرينة امليابلة‪ ،‬فإ ّن الرضاء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالذات يف أحد ّيته‪،‬‬
‫الذي هو يف املخلوق «حال» و«ضمري» مع توابعه تدخل عليه إرادة الفعل‬
‫ال لرضائه بذاته؛ فإ ّن رضا املخلوق بذاته لذاته ليس حاالً يدخل‬
‫والرضا به تط ّف ً‬
‫ّ‬
‫عليه‪ ،‬بل يصحبه منذ وجد‪ ،‬كام يف العيول املجردة‪ ،‬فال تزيد عّل ذاهتا الوجود‬
‫أجوف»‪ ،‬إنّام كان‬
‫ٌ‬ ‫ألن املخلوق‬
‫وإن زادت عّل ذاهتا املاهية‪ .‬وقوله×‪ّ « :‬‬
‫أجوف؛ ّ‬
‫ألن ما هو ذاته ماهيّة خالية يف ذاهتا عن الوجود فض ً‬
‫ال عن توابعه‪ ،‬وإن‬
‫خلوها عن‬ ‫جعلت ما هو ذاته نفس املادة الت ح ّظ ا ّ‬
‫اليوة االستعدادية‪ ،‬فمعلوم ّ‬
‫ّ‬
‫ومعتل‪ ،‬وما‬ ‫األول وال ّثاين‪ ،‬فاملمكن من حيث ذاته أجوف وكذا ناق‬
‫الكامل ّ‬
‫فيه ك ُّل ا أمان ٌة وعارية من الصحيح واملضاعف أعن حييية الوجود‪.‬‬
‫الصمد»؛ ألنّه بسيط‬
‫ووصف املخلوق بـ«األجوف» يف ميابل نعت احلق بـ« ّ‬
‫الصمد‪ :‬ما ال جوف له؛ ألنّه من‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وتأويل‬ ‫كل الوجود وك ّله الوجود‪.‬‬
‫احلييية‪ّ ،‬‬
‫كالتعمل يف لسان احلكامء‬
‫ّ‬ ‫الصمت‪ .‬و«معتمل» من االعتامل‪ :‬وهو شدّ ة العمل‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬الكايف ‪ ،6/110 :1‬التوحيد‪.3/247 :‬‬


‫(‪ )2‬التوحيد‪.248 :‬‬
‫املستعمل يف املاه ّية اإلمكان ّية؛ ّ‬
‫ألن «زيادة املباين تدل عّل زيادة املعاين»‪ .‬وفيه‬
‫بتعمل العيل كام أشار عّل× يف «حديث‬ ‫إشارة لطيفة إىل أ ّن املمكن موجود ّ‬
‫وصحو املَع ُلوم» ‪ ،‬وقوله×‪َ « :‬فرضا ُه َثواب ُه»‬
‫املوهوم َ‬
‫احلييية» بيوله‪« :‬حمو ُ‬
‫أعم من ال ّثواب الذي هو مثل املح ّبة‪ ،‬كام قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬حيب ُه ُم ُ‬
‫وحي ّبو َن ُه﴾ ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الزخمرشي أ ّن حم ّبته تعاىل‬ ‫أعم من الرضا ّ‬
‫الذايت أو الفعّل‪ ،‬وليس كام زعم ّ‬ ‫ورضاه ّ‬
‫لعباده كناية عن إيصال الثواب‪ ،‬بل حممولة عّل حييية املح ّبة‪ .‬ولوال املحبة ـ وال‬
‫يت نظام‬ ‫يتكون آدم‪ .‬ولو تف ّط َ‬
‫نت لرأ َ‬ ‫َ‬
‫العامل‪ ،‬ومل ّ‬ ‫س ّيام املح ّبة اإلهل ّية ـ النطمس‬
‫العامل م ّتسي ًا باملح ّبة والشوق والعشق‪ .‬ويف النظرة االُوىل وإن تراءى مدخلية‬
‫َ‬
‫اخلوف يف التنظيم‪ ،‬لكن يف النظرة الثانية ينكشف ّ‬
‫أن األصل هو املح ّبة‪ ،‬واخلوف‬
‫خاد ٌم هلا‪ ،‬وكأنّه ملك له رؤوس بعدد اخلالئق خيدم املح ّبة والعشق‪ .‬وقد حكموا‬
‫بُّسيان العشق‪ ،‬وهو يف عّي رسيانه واحد بسيط بإسياط اإلضافات‪ ،‬ف و‬
‫الساري العاري‪ ،‬واملنجمد اجلاري عّل الدراري والذراري‪.‬‬

‫ألن املمكن املح هو املاه ّية اإلمكان ّية التي يف ذاهتا ليسد موجواة‪ ،‬ود هو ّّة ود‬ ‫(‪ّ )1‬‬
‫اء ُه َمل ْ َاجدْ ُه‬ ‫حي َس ُب ُه ال َّظ ْم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َْس ٍ‬
‫اء َحت َّٰى إ َذا َج َ‬
‫آن َم ً‬ ‫اب بقي َعة َ ْ‬ ‫ذلك‪ ،‬بل املمكن ﴿ك َ َ‬ ‫واحدة‪ ،‬ود‬
‫َش ْيئًا َو َو َجدَ اهللََّ دنْدَ ُه َف َو َّفا ُه ح َسا َب ُه﴾ (النور ‪ .)39‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رشح األسامء احلسنى ‪.66 :1‬‬
‫(‪ )3‬الكايف ‪.110 :1‬‬
‫(‪ )4‬املائدة‪.54 :‬‬
‫أهوائي املُض َّل ُة‬ ‫محت َ‬
‫ك‪َ ،‬وهذه ْ‬ ‫(‪َ ﴿ )46‬وهذه أدباء ذنُويب َا َر ُأهتا ب َرأ َفت َ‬
‫ك َو َر َ‬
‫ك َو َدفو َك﴾‬
‫َوكَلتُها إىل َجناب ُلطف َ‬
‫«أدباء» مجع ِ‬
‫العبء ـ بالكُّسـ بمعنى احلمل والثيل من أي يشء كان‪.‬‬
‫أرق من «الرمحة» وال تكاد تيطع يف الكراهة‪،‬‬ ‫«ارأهتا»‪ :‬دفعت ا‪ .‬و«الرأفة» ُّ‬
‫والرمحة قد تيطع للمصلحة‪ ،‬كذا قال بعض أهل ال ّلغة‪ .‬و«األهواء» ـ بيرينة‬
‫التوصيف «باملُ ِض َّلة»‪ ،‬وبيرينة امليابلة للنّفس يف قوله‪« :‬وهذه أز َّم ُة َن ْفيس» ـ املراد‬
‫الرشع‬ ‫ِ‬
‫واالنحراف عن ّ‬ ‫ِ‬
‫خمالفة احلق‬ ‫هبا‪ :‬الوساوس الشيطانية الداع ّي ُة إىل‬
‫ناس َب ا‬
‫حظوط للنفس وإن َ‬ ‫ٌ‬ ‫اهلواجس النفسانية الت في ا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وارتكاب املحظور‪ ،‬ال‬
‫لفظ «اهلوى»‪ ،‬إ ّال إ ّن املراد‪ :‬اهلوى املشفوع باإلغواء‪ .‬وقد مر يف «اخلواطر» ما‬ ‫ُ‬
‫يوضح امليام‪.‬‬
‫«وكلتها» ـ بالتّخفيف ـ من «و ّكل» األمر إىل اهلل «يكل»‪ :‬استسلم إليه‪.‬‬
‫وامليصود ـ كام أرشنا سابي ًا ـ‪ :‬االعتصا ُم بحول اهلل تعاىل وقوته‪.‬‬
‫ويف األداء بصيغ التكلم يف امليامات الثالثة إشار ٌة إىل أ ّن الروح اإلنساين من‬
‫الرب‪ ،‬ومن معدن السطوة واليدرة‪ ،‬استذ ّلته جمالسة الدّ يدان‪ ،‬والتّلويث‬
‫عامل أمر ّ‬
‫وتفرد يف عزائمه املتشتتة؛‬
‫وتوحد يف قواه‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫بالرتبان‪ .‬وإ ّال فإن اجتمع يف نفسه‪،‬‬
‫ّ‬
‫مهه واحد ًا‪ ،‬وأوراده ِورد ًا واحد ًا‪ ،‬وكان يف خدمة اهلل رسمد ًا‪ ،‬نفذت‬
‫بحيث كان ّ‬
‫عّل×‪:‬‬ ‫مهته كام قال×‪َّ « :‬دُ اهلل َم َع َ‬
‫اجلام َدة وقدر ه نافذة» ‪ .‬وقال ّ‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬أي مع مجعية القوى‪ ،‬و بدّ ل شتتها بالتوحد‪ ،‬وص ورة اإلراااي للمراااي اجلزئية‬
‫املتفرقة إراا ًة واحد ًة ملراا واحد‪ ،‬ومطلوب فارا‪ ،‬هو منتهى املطالب‪ ،‬كام قيل‬
‫ّ‬
‫ّكدل و ّاك قبلاه و ّاك روى بااك‬ ‫از ّكى گو و از اوئى ّكساوى بااك‬
‫احلقيقي‪ ،‬وّص كاملمسوس؛ إذ د ّرّد ّإد ما‬ ‫ّ‬ ‫وّكون حينئذ قدرة اهلل نافذة يف قدرة العبد‬
‫الغسال‪ ،‬وإرااة اهلل ف ّعالة‪ .‬منه‪.‬‬
‫أراا اهلل عاىل‪ ،‬وصار كامل ّيد بني ّدي ّ‬
‫(‪ )2‬رشح األسامء احلسنى ‪.80 :2‬‬
‫وي‪ ،‬أطعني‬
‫ويف احلديث اليديس‪ّ« :‬ابن آام‪ ،‬خلقتك للبقاء وأنَا َح ٌّي د أ ُم ُ‬
‫يتك أج َع ُلك مثيل ح ّي ًا د متوي» ‪.‬‬
‫َ‬ ‫دام‬
‫فيام أمر ُك‪َ ،‬وانتَه ّ‬
‫وورد عن النب اخلتم | يف صفة أهل اجلنّة أنّه «يأيت إلي م املَ َلك‪ ،‬فإذا‬
‫ناو َهلم كِتاب ًا من عند اهلل بعد أن ُيس ّلم َع َلي ِ م ِمن اهلل‪ .‬فإ َذن يف‬
‫َد َخ َل َع َلي ِ م َ‬
‫موت إىل احل الي ّيوم الذي ال يموت‪ .‬أ ّما‬ ‫الكتاب‪ِ :‬م َن احل ّ الي ّيوم ا ّلذي ال َي ُ‬
‫تيول للّشء‪ُ « :‬كن»‬‫أقول ل ّلّشء‪ُ « :‬كن» فـ«يكون»‪ ،‬وقد جعل ُتك اليوم ُ‬ ‫بعد‪ ،‬فإ ّين ُ‬
‫فـ«ي ُكون»»‪.‬‬
‫واملراد من املثل ّية‪ :‬املثا ّلي ُة والتخ ّل ُق بأخالق اهلل ليس كمثله يشء وله املَ َثل‬
‫احلي الق ّيوم» هذا عّل دأب العرب يف مكاتباهتم‬‫ّ‬ ‫األعّل‪ .‬وقوله×‪« :‬من‬
‫فيكتبون يف أول املراسلة‪ :‬من حممد بن عّل إىل عّل بن أمحد مث ً‬
‫ال‪ .‬ثم املراد من‬
‫ال ّثاين‪ :‬احل ّ بحياة األول‪ ،‬والييوم بييوم ّيته‪ ،‬ال الذي يكون شيئ ًا بحيال نفسه؛ إذ‬
‫ال ترشيك يف أمر اهلل الواحد الي ّ ار‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪« :‬تيول للّشء‪ :‬كن فيكون»‪ ،‬بل قبل موتك الطبيع لو ُبدِّ ل‬
‫وخرجت من ُذ ِّل « ُكن» بأن ترت ّقى من ميام‬
‫َ‬ ‫وجودك الكوين إىل وجودك األمري‬
‫طيت التّرصف وحيصل لك ميام «كن»؛ فإ ّن العارف‬ ‫يكون إىل نفس «كن» ألُع َ‬
‫مترصف يف املواد‬
‫ّ‬ ‫أصناف؛ فمن عارف عامل باحليائق فحسب‪ ،‬ومن عارف‬
‫خاصة مظ ر لليدرة وليس له العلم التفصيّل باحليائق‪ ،‬ومن عارف ذي‬
‫الرئاست ِ‬
‫َّي عامل مترصف مع ًا‪ ،‬له السيدودة العظمى‪ّ .‬‬
‫لكن الكل بإذن اهلل ليس له‬
‫من األمر يشء‪.‬‬

‫عّل×‪.103 :‬‬
‫(‪ )1‬الديوان املنسوب اىل اإلمام ّ‬
‫(‪ )2‬رشح األسامء احلسنى ‪.80 :2‬‬
‫ّلمة يف‬ ‫(‪﴿ )47‬فاج َعل الله َّم َصباحي هذا نازدً َد َ َّيل بضياء اهلدى‪َ ،‬و ّ‬
‫بالس َ‬
‫الدّ ّن َوالدنيا﴾‬
‫ُ‬
‫وأصل «الدّ ين»‪:‬‬ ‫«هذا» بدل من «صباحي»‪ .‬والباء يف «ضياء» للمصاحبة‪.‬‬
‫اجلزا ُء كام ييول‪« :‬كام تدين تدان»‪ ،‬وقول الشاعر‪:‬‬

‫املستحق هبام اجلزاء كام قال سبحانه‪« .‬يف دين‬


‫ّ‬ ‫يعرب به عن اإليامن والطاعة‬
‫ثم ّ‬‫ّ‬
‫امللك» أي يف طاعته‪ .‬و«الدّ نيا» مؤنث أدنى من الدّ نّو أو الدناءة‪ ،‬أي الدار الت‬
‫هلا زيادة ُقرب إلينا بالنسبة إىل اآلخرة من حيث إنّا دنيو ّيون وحس ّيون‬
‫ِ‬
‫فالعلم عبادي الوجود علم ما بعد الطبيعة؛ أو هلا دناءة‬ ‫وطبيع ّيون‪ ،‬ومن هنا‬
‫بالنسبة إىل اآلخرة‪.‬‬
‫ثم قد يراد به‪ :‬احلياة الطبيعية‪ ،‬وهو املراد هاهنا‪ .‬وقد يراد به‪ :‬حدود األشياء‬
‫ّ‬
‫َان‬
‫وإنّياهتا‪ .‬وهبذا املعنى الدنيا ملعونة مطرودة‪ ،‬وهبذا املعنى قال تعاىل‪َ ﴿ :‬من ك َ‬

‫(‪ )1‬أمثال احلديث (ابن ّ‬


‫خالد)‪ ،24 :‬رشح ُنج البالغة (ابن أيب احلديد) ‪:19 ،40 :17‬‬
‫الرش»‪.‬‬
‫رصح ّ‬ ‫‪ ،221‬وفي ام‪ّ « :‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ املاه ّياي اإلمكانية بام هي ماه ّياي واألددام والتّع ّيناي‪ .‬وال ّلعن ال ّطرا‬ ‫(‪ )2‬ألنّه‬
‫الرمحة الواسعة؛ فكأن معنى اآلّة من ُّرا دامل‬ ‫ومعلوم بعدها دن الوجوا الذي هو ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وال ُبعد‪.‬‬
‫الكثرة واأللوان واجلزئياي من التع ّيناي واملاه ّياي‪ ،‬نؤ ه منها‪ .‬وك ّلها عب ونصب وكدٌّ‬
‫رث الدنيا ُن ْؤ ه منها﴾ ‪ ،‬وإ ّال فنجد كثري ًا من ط ّالب الدنيا حمرومّي من ا‬
‫ُّرّد َح َ‬
‫إن ُاريدَ بالدنيا‪ :‬املال واجلاه‪ .‬وقريب من هذا أن يراد منه‪ :‬اجلزئيات الداثرة‬
‫الزائلة الت ال بياء وال وفاء هلا‪.‬‬
‫الصباح» إىل صبح األزل الذي أرشنا سابي ًا إليه‪ ،‬فاملراد‬
‫ثم إن ّأولنا « َّ‬
‫باهلذ ّية ‪ُ :‬‬
‫كامل اليرب‪َ َّ ﴿ :‬رو َن ُه َبعيد ًا َونَرا ُه قرّب ًا﴾ ‪ ،‬وبالـ«ضياء»‪ :‬نور‬
‫احلضة الواحدية‪ ،‬وضياء اهلوية األحدية‪ ،‬و«باهلدى»‪ :‬اإليصال إىل املطلوب ال‬
‫اإلراءة‪ ،‬وبـ«الدّن» بجزئه اإليامين‪ :‬اإليامن العياين‪ ،‬والش ود العرفاين‪ ،‬كإيامن‬
‫بالُّساج ‪ ،‬وإيامن احلديدة املحامة بالنار‪ ،‬ال اإليامن الربهاين فض ً‬
‫ال عن‬ ‫الفراش َّ‬
‫التيليدي‪ ،‬أو االعتيادي اإلمجايل‪ .‬وبجزئه العمّل‪ :‬العبود ّية ا ّلت ه «جوهرة‬
‫كن ا الربوبية»‪ .‬وبـ«الدنيا»‪ :‬السفر من احلق إىل اخللق‪ ،‬أو األعيان الثابتة‬
‫ال ّالزمة لألسامء من حيث ه صور علمية للمعلومات الناسوتية‪.‬‬

‫ولدٌّ ‪ .‬و«العامل» أّض ًا ما سوى اهلل عاىل‪ ،‬وما سوى يف حقيقة «ليس» إدّ املاه ّياي اإلمكانية بام‬
‫الرب‪ .‬منه‪.‬‬
‫فإن الوجوا احلقيقي من صقع ّ‬ ‫هي شيئ ّياي املاهياي والْساباي ُ‬
‫واحلباباي؛ ّ‬
‫(‪ )1‬الشورى‪.20 :‬‬
‫(‪ )2‬أي اإلشارة‪.‬‬
‫(‪ )3‬املعارج‪.7 :‬‬
‫أقسام فمن فراك يف صحن‬ ‫ٌ‬ ‫فإن إّامن الفراك به‬
‫الْساج؛ ّ‬
‫(‪ )4‬أي الفراك املمسوس بنار ّ‬
‫الدار ّرى ضوء ًا منه يف الدهليز د نفسه‪ ،‬ومن فراك ّرى نفسه يف فناء البيد‪ ،‬ومن فراك‬
‫الْساج إذ َ َ‬
‫رض َب نفسه وألقا ُه دليها وا ّصف‬ ‫مسته نار ّ‬
‫ّراه يف ااخل البيد‪ ،‬ومن فراك ّ‬
‫بصفاهتا‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪َ ﴿ )48‬و َمسائي ُجنَّ ًة من كَيد العدا‪َ ،‬ووقاّ ًة من ُم ْراّاي اهلوى﴾‬
‫تعييب «مسائي» لـ«صباحي» من صنعة «مراعاة النظري»‪ .‬والـ« ُجنّة»‪:‬‬
‫العدو‪ .‬والـ«وقاّة»‪ :‬الصيانة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫الرتس‪ .‬والـ«كيد»‪ :‬املكر‪ .‬و«العدا»‪ :‬مجع‬
‫ُّ‬
‫يطلق عّل ما به يصان‪ ،‬وهو املراد هاهنا‪ .‬و«املُردي»‪ :‬املُ ِ لك‪ ،‬وفيه إشارة إىل‬
‫واخلالص من األعداء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املناص‬
‫ُ‬ ‫حكم ُظ َلم ال ّليايل؛ إذ بإتيان ال ّليل حيصل كثري ًا ما‬
‫وتأيت‬ ‫وحيصل الوقاية من األهواء املُ ِ لكات؛ الرتفاع معظم ّ‬
‫الشواغل واملوانع‪ّ ،‬‬
‫اخللوة مع احلبيب والنجوى معه بيلب كئيب‪.‬‬
‫و ُم لكات اهلـوى كثـرية مشــروحة يف علـم هتـذيب األخـالق‪ ،‬و ُأ ّم اهتـا‪:‬‬
‫الشـجاعة» و«احلكمـة»‪،‬‬ ‫الستة للرؤساء الثالثة التـ هـ «الع ّفـة» و« ّ‬
‫األطراف ّ‬
‫وجمموع ــا «العدالــة»‪ .‬وتلــك األطــراف‪« :‬الش ــره» و«اخلمــود»‪ ،‬و«اجلــبن»‬
‫ٌ‬
‫وثاّلث‬ ‫ٌ‬
‫ثاّلث منجيااي‪،‬‬ ‫و«الت ور»‪ ،‬و«اجلربزة» و«البالهـة»‪ .‬ويف احلـديث‪« :‬‬
‫الرضاا والغضاب‪ ،‬والقصادُ يف الغناى والفقار‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العدل يف ِّ‬ ‫ُمهلكاي فاملنجياي‬
‫وإدجااب‬
‫ُ‬ ‫وهاوى متباع‪،‬‬
‫ً‬ ‫شح مطاع‪،‬‬
‫الْس والعّلنية؛ وامللهكاي ٌّ‬
‫وخشية اهلل يف ّ‬
‫الشح» و«اإلعجاب» «لل وى» لشدّ ة االعتناء هبام‪ ،‬وإ ّال‬
‫املرء بنفسه» ‪ .‬وميابلة « ّ‬
‫ِّ‬
‫املسخر للنفوس‪ ،‬وهو اإلله املتّخـذ‪ ،‬وأبغـض‬ ‫ف ام من ُجنود اهلوى‪ .‬واهلوى هو‬
‫إله ُعبِد يف األرض‪.‬‬

‫(‪ )1‬احلكايات (الشيخ املفيد)‪ ،98 :‬مشكاة األنوار‪ ،242 :‬معدن اجلواهر (الكراجك )‪:‬‬
‫‪ ،32‬باختالف عن ا يف ترتيب ألفا احلديث الرشيف‪.‬‬
‫فلنؤول املساء بـ‪:‬غروب أنوار الوجود ّتت سطوع نور‬
‫ِّ‬ ‫الصباح‪،‬‬
‫وإذا ّأولنا ّ‬
‫األحد‪ ،‬آخر يوم اجلمع حّي ظ ور مجع اجلمع‪ ،‬واجتنان اجلنان ّتت ُجنَّة « َجنَّة‬
‫الصفات»‪ ،‬وّتصينه بحصن قاهرية نور الذات عن كيد ظلمة الكثرات واألهواء‬
‫املرديات؛ فإنّه إذا ظ رت احلييية بطلت رسوم اخلليفة‪.‬‬
‫ويناسب التأوي َلّي لفظ «امللك» فيام بعد‪.‬‬

‫ألن ا ُمللك بحسب التأوّل ُم ُلك الوجوا املنبسط‪ .‬وأّض ًا‪ ،‬امللك هو السلطنة‪ ،‬وما ذكر‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫سلطنة حقيق ّية بحسب الباطن‪ .‬منه‪.‬‬
‫َشاء﴾‬
‫(‪﴿ )49‬إنَّك قاا ٌر َدىل ما ُ‬
‫إن» يف موضع التعليل ملا قبل‪ .‬و«اليدرة» عند املتك ِّلمّي‪ :‬صحة صدور‬
‫« ّ‬
‫الفعل والرتك ‪ .‬وعند احلكامء هذا التعريف خمصوص بيدرة احليوان؛ ألن‬
‫إمكان‪ ،‬واإلمكان ـ ذات ّي ًا كان أو وقوع ّي ًا ـ ال يليق بجناب واجب الوجود‬
‫ٌ‬ ‫الصحة‬
‫ّ‬
‫بالذات ا ّلذي هو واجب الوجود من مجيع اجل ات‪ .‬فالتعريف الشامل عندهم‪:‬‬
‫ّ‬
‫«كون الفاعل بحيث إن شاء َف َع َل‪ ،‬وإن َمل يشأ مل َيفعل»‪ .‬وصدق الرشطية ال‬
‫ينايف وجوب امليدّ م وال امتناعه؛ فإ ُّنا تتألف من صادقّي‪ ،‬ومن كاذبّي‪ ،‬ومن‬
‫صادق وكاذب‪ .‬فاملعترب يف «اليدرة»‪ :‬ميارنة الفعل للعلم واملشية‪ ،‬وال يعترب‬
‫واقع‬ ‫باطل‪ ،‬وحدو ُثه‬ ‫حدوث الفعل في ا‪ ،‬وال ينايف دوامه مع ا‪ِ .‬‬
‫وقدَ ُم العامل ٌ‬
‫ٌ‬
‫أن «اليدرة» استدعت ذلك؛ فإ ّن األنوار الياهرة صادرة عن نور‬ ‫بدليل آخر‪ ،‬ال ّ‬
‫األنوار هبر برهانه‪ ،‬باليدرة واالختيار مع ديمومت ا بدوام اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬رشح ُاصول الكايف ‪ ،269 :3‬التفسري الكبري ‪.476 :2‬‬
‫قرر‬
‫(‪ )2‬أي د توهم أن الرشط ّساوق اإلمكان‪ ،‬وّرجع إليه؛ فوقعوا فيام هربوا دنه؛ إذ قد ّ‬
‫أن الرشط ّية تأ ّلف من واج َب ْني ا كاملش ّية والفادل ّية يف الواجب بالذاي‪ ،‬بل د معنى‬
‫يف امليزان ّ‬
‫يف ذا ه سوى رصّح ذا ه ا ومن ممتن َع ْني‪ ،‬كسلبهام دن ذا ه‪ .‬والوجوب ّ‬
‫الذات وادمتناع الذات‬
‫ّصاامان اإلمكان‪ ،‬وقد اجتمعا مع الرشط‪ ،‬واخل دليهام أااة الرشط‪ ،‬فالرشط ّية واد ّصال‬
‫صااقة يف القض ّية األوىل ّعني إن شاء فعل‪ ،‬كام أن احلم ّليت َْني بعد رفع أااة الرشط صااقتان‬
‫الصوااق‪ .‬ولذا ّذكر قض ّية استثنائية بعد الرشطيتني‪ .‬وّقال لكنّه شاء‬ ‫ُ‬
‫أصدق ّ‬ ‫ألن الوجوب‬
‫لكن املحليتني‬
‫ففعل‪ ،‬وكذا الرشط ّية واد ّصال صااقة يف الثانية نعني إن مل ّشأ مل ّفعل‪ّ .‬‬
‫أكذب الكواذب‪ .‬منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ألن املمتنع‬
‫الباقيتني بعد رفع األااة كاذبتان؛ ّ‬
‫وما ُيسنِدُ ه بعض املجرتئّي ـ مم ّن ييول بالتخمّي ـ إىل الفالسفة من اليول‬
‫باإلجياب‪ ،‬إن هو إ ّال فِرية بال ِمرية؛ حاشاهم عن ذلك‪ ،‬بل هو تعاىل قدر ٌة ك ّله‪،‬‬
‫بعض‪ ،‬بل بمعنى ّ‬
‫أن ذاته بذاته بال حيثية تيييدية أو تعليل ّية‪،‬‬ ‫اختيار ك ّله؛ ال ّ‬
‫كل له ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫مصداق حلمل قادر خمتار‪ ،‬كام يف سائر الصفات احليييية املحضة‪ ،‬واحليييية‬
‫ألُنا عّي‬
‫ذوات اإلضافة‪ ،‬فله عندهم قدرة قديمة بل واجبة الوجود بذاهتا؛ ّ‬
‫الذات املتعالية‪ .‬فاليدرة فينا كيفي ٌة نفسانية‪ ،‬ويف العيول جواهر مفارقة عن املادة‬
‫ألُنا وإن مل تكن عّي ماه ّيت ا‪ ،‬لكنّ ا عّي وجودها‪ ،‬تدوم بدوام وجودها؛‬ ‫رأس ًا؛ ّ‬
‫اجلاعل‪ ،‬ج َع َل ا قادرةً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إذ ال حالة منتظرة‪ ،‬وال كامل مرت َّقب هلا؛ فإ ُّنا إذا َج َع َل ا‬
‫ثم جعل ا قادر ًة‪.‬‬
‫ال أنّه جعل وجودها ّ‬
‫كامالهتا كوجودها زائد ٌة عّل ماهيت ا املختفية ّتت سطوع نور املبدأ‬
‫ُ‬ ‫نعم‪،‬‬
‫الواجب الوجود‪ ،‬مل تتمكّن من بروز ظلمة العدم‪ ،‬وغسق ختلية الكامل‪ ،‬واستواء‬
‫الطرفّي يف وعاء من َأوعية الواقع كام يف األجسام واجلسامنيات‪ ،‬ويف الواجب‬
‫وعّي ذاته بيول‬
‫ُ‬ ‫بالذات واجب ٌة بالذات وفوق اجلوهر ّية‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن العرضية‪،‬‬
‫مطلق؛ إذ ال ماهيّة له وراء اإلن ّية حتّى يمكن أن ييال‪ :‬قدرته عّي شيئية وجوده‪،‬‬
‫بـ‬ ‫تفوه بعض من الفالسفة باملوجب ّية‪ ،‬أراد‪ :‬أنّه تعاىل ِ‬
‫موج ٌ‬ ‫ال عّي ماهيته‪ .‬ولو ّ‬
‫عّل صيغة الفاعل ـ بمعنى أنّه يسدّ مجيع أنحاء عدم املعلول ‪ ،‬ويوجبه فيوجده؛‬
‫ف إىل‬
‫فح ّر َ‬
‫حمفوف بالضورتّي‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫إذ «الّشء ما مل جيب مل يوجد»‪ ،‬بل كل ممكن‬

‫ب‪،‬‬‫(‪ )1‬إذ األولو ّّة ا ذا ٌية كاند أو ّّة‪ ،‬كافية أو كافية ا كلها باطلة‪ ،‬فهو عاىل موج ٌ‬
‫دىل صيغة الفادل‪ .‬ولو ُقرئ دىل صيغة املفعول‪ ،‬كان معناه حمكوم ًا دليه بإاجاب فعله‪،‬‬
‫فاملوجب بمعنى ذا إاجاب بالنسبة إىل فعله‪ .‬وباب اإلفعال كث ًا ما جاء هبذا املعنى‪.‬‬
‫أن باب التوجيه واسع وإدّ فاألوىل أن ّقرأ بكْس اجليم‪ .‬منه‪.‬‬
‫واملقصوا ّ‬
‫ويتفوه بأمثال ذلك؟‬
‫ّ‬ ‫املوجب‪ ،‬عّل صيغة املفعول‪ .‬وكيف يكون اإلنسان حكي ًام‬
‫َ‬
‫فت ّب ًا حلكمته‪ ،‬وتعس ًا لفلسفته‪ ،‬الل ّم إ ّال أن يكون دهر ّي ًا‪ ،‬أو طباع ّي ًا (خذله اهلل‬
‫تعاىل)‪.‬‬
‫َشاء َو ُذل‬
‫َشاء‪َ ،‬و عز َم ْن ُ‬ ‫لك َمن َشا ُء‪ ،‬و َنز ُع املُ َ‬
‫لك َممَّن ُ‬ ‫(‪ُ ﴿ )50‬ؤت املُ َ‬
‫َشاء﴾‬
‫َمن ُ‬
‫يف اجلم ور‪ .‬وقد‬ ‫بضم امليم ـ‪ :‬السلطنة والترصف باألمر والن‬
‫ّ‬ ‫«املُلك» ـ‬
‫لك اآلدم ّيّي»‪ ،‬وال ييال‪ُ « :‬‬
‫ملك‬ ‫ييال‪ :‬خيت بسياسة الناطيّي‪ ،‬فييال‪ُ « :‬م ُ‬
‫الرمحن إىل ّ‬
‫الكل عّل السواء‪،‬‬ ‫األشياء»‪ .‬وهذه العمومات إنّام ه ألجل ّ‬
‫أن نسبة ّ‬
‫وأن هذه األفعال ـ من حيث إ ُّنا أفعا ُله‪ ،‬وصادر ٌة من قلمه األعّل‪ ،‬ومكتوبة بيده‬
‫ّ‬
‫املباركة يف ألواح املاه ّيات واملوا ّد واألعيان الثابتات الت ه صور أسامئه‬
‫اخل ﴾ ‪.‬‬‫خريات‪ ،‬كام أشار إليه باختتام ا بيوله تعاىل‪﴿ :‬ب َيد َك َ‬
‫ٌ‬ ‫احلسنى‪ ،‬ـ ك ُّل ا‬
‫ومن هنا قال أهل الكشف والعرفان‪ :‬إ ّن اليرب الذي حصل ليونس (عّل نبينا‬
‫[وآله]‪ ،‬وعليه السالم) يف بطن احلوت مل حيصل له قبل ذلك وال بعده مثله‪ ،‬حتى‬
‫جعلوا التيام احلوت معراج ًا له×‪ .‬ونيلوا عن النب | أنّه قال‪« :‬د‬
‫السامء‪ ،‬ومعراجه إىل املاء» ‪ .‬وقد‬
‫فضلوين دىل ّونس بن َمتّى؛ فإ ّن معراجي إىل ّ‬
‫ّ‬
‫قالوا‪« :‬الطرق إىل اهلل بعدد أنفاس اخلالئق» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬آل عمران‪.27 :‬‬


‫(‪ )2‬بحار األنوار ‪ ،505 :30‬الصورام امل رقة‪ ،65 :‬وغريمها كثري‪ ،‬وليس يف اجلميع ذيل‬
‫احلديث‪ ،‬لكنه موجود يف جامع الشيات‪.148 ،147 :‬‬
‫(‪ )3‬بحار األنوار ‪ ،137 :64‬مرآة العيول ‪ ،59 :7‬تفسري اآللويس ‪،160 :14 ،396 :1‬‬
‫‪.109 :27‬‬
‫ويرشدك إىل هذا ّ‬
‫أن كل صنعة وحرفة قد ورد من أئمة الدّ ين في ا مدح؛‬
‫مفضل‪ ،‬واآلخر‬ ‫فإيتاء امللك ونزعه مث ً‬
‫ال باإلضافة إلينا بام نحن برش أحدمها ّ‬
‫مفضل عليه؛ وأما مها من اجل ة امليدّ سة الت أرشنا إلي ا‪ ،‬فال‪﴿ :‬ما َرى يف‬
‫ّ‬
‫َفاوي﴾ ‪.‬‬
‫الرمحن من ُ‬
‫َخلق َّ‬
‫وإن م ْن دبااي َمن د ُّصلح ُه إ ّد الغنى‪ ،‬لو َ َ‬
‫رص ْفت ُه إىل‬ ‫ويف احلديث اليديس‪ّ « :‬‬
‫ذلك‬ ‫ك‪ .‬وإ ّن من دبااي َمن د ُّصحله إ ّد الفقر‪ ،‬لو َ َ‬
‫رص ْفتُه إىل‬ ‫ذلك َهل َل َ‬
‫َهل َل َ‬
‫ك» ‪.‬‬
‫ويف اآلثار‪ :‬فإ ّن جابر بن عبد اهلل األنصاري ا ّلذي من أكابر الصحابة عاده يف‬
‫عّل الباقر× فسأله عن حاله‪ ،‬فيال جابر‪ :‬أعيش والشيب‬ ‫مرضه يوم ًا ّ‬
‫حممدُ بن ّ‬
‫أحب إ ّيل من ّ‬
‫الشباب‪ ،‬واملرض من الصحة‪ ،‬واملوت من احلياة‪ .‬فيال الباقر×‪:‬‬ ‫ّ‬
‫إيل‪ ،‬وإن أمرضني فاملرض أحب‪،‬‬
‫ب َّ‬‫أح ُ‬ ‫« ّأما أنَا؛ فإن ش ّيبني اهلل عاىل ّ‬
‫فالشيب َ‬

‫(‪ )1‬وحقيقة لك اجلهة حقيقة الوجوا التي هي اجلهة النّوران ّية من اجلهتني ال ّلتني قال احلكامء‬
‫كل ممكن موجوا جهتني نوران ّية‪ ،‬وظلامن ّية‪ .‬فالنوران ّية وجه اهلل عاىل‪،‬‬ ‫إن يف ّ‬ ‫ّ‬
‫املتأهلون ّ‬
‫وال ّظلامن ّية وجه النفس‪ ،‬وهي املاه ّية اإلمكانية‪ .‬فال ُقرب والعروج مها اد صال بحقيقة الوجوا‬
‫َاستَق ْم ك ََام ُأم ْر َي﴾ (هوا ‪ .)112‬منه‪.‬‬‫ا ّصادً حقيق ّي ًا بنحو التمكّن وادستقامة ﴿ئ ْ‬
‫اإلضايف املصدري هو‬
‫ّ‬ ‫احلقيقي د‬
‫ّ‬ ‫الرمحن‪ .‬ولع ّلك سمعد من ّ‬
‫أن اإلاجاا‬ ‫(‪ )2‬أي يف خالق ّية ّ‬
‫احلق املخلوق به» يف اصطّلح آخذ ًا من اآلّة الرشّفة َ‬
‫﴿ما‬ ‫الوجوا املنبسط؛ وهلذا ّقال له « ّ‬
‫احل ِّق﴾ (األحقاف ‪)3‬؛ وذلك الوجوا واحدٌ د‬ ‫الس َام َواي َو ْاألَ ْر َض َو َما َب ْين َُه َام إ َّد ب َْ‬
‫َخ َل ْقنَا َّ‬
‫﴿و َما َأ ْم ُرنَا إ َّد َواحدَ ةٌ﴾ (القمر‬
‫ّتك ّثر إدّ بتكثر املوضوداي‪ ،‬وهو «أمر» اهلل الواحد كام قال َ‬
‫‪ .)50‬منه‪.‬‬
‫(‪ )3‬امللك‪.3 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الكايف ‪ ،8/352 :2‬مشكاة األنوار‪ ،537 :‬اجلامع ألحكام اليرآن ‪ ،28 :6‬تفسري‬
‫الثعلب ‪.318 :8‬‬
‫أحياين َ‬
‫فاحليا ُة»‪ .‬ف َي َّبل اجلابر‬ ‫وإن أما ني فا َمل ْو ُي‪ْ ،‬‬
‫وإن ْ‬ ‫فالصحة‪ْ ،‬‬
‫وإن َص َّح َحني ّ‬
‫ْ‬
‫أخربين بأنّك « ّلقي من أوداي‬
‫وج ه× وقال‪ :‬صدق رسول اهلل| حيث َ َ‬
‫من ّبقر العلم بقر ًا‪ ،‬كام ّبقر ال َّث ُ‬
‫ور األرض» ‪ .‬وهلذا يسمى باقر علوم األولّي‬
‫واآلخرين‪ .‬فجابر (ريض اهلل عنه) كان يف «ميام الصرب» وهو× أخربه عن‬
‫«ميام الرضا» ‪.‬‬
‫وجه آخر أن ُيراد « ؤت املُلك من شاء» عّل مـا يشـاء املُـؤتى لـه‪ ،‬وهكـذا؛‬
‫ال ما يليـق بـه وبحسـب قابليتـه‪ِ ،‬‬
‫فمـن‬ ‫وذلك بميتىض عدله‪ ،‬فإنّه تعاىل يعط ك ً‬
‫رجل أعطاه من املال سعة‪ ،‬وإن كانت بالتشـويش مشـفعة‪ ،‬ومـن رجـل أعطـاه‬
‫سعادة الفير والضعة‪ ،‬ولكن ميرون ًة بالطمأنينة والدّ عة‪ ،‬ومن رجل أعطاه امللك‬
‫والسلطان‪ ،‬ومن رجل خ ّلعه بترشيف العلم والعرفان‪ ،‬وما يطلب من احلديد ال‬
‫ُّ‬
‫يتأتّى من َّ‬
‫الذ َهب‪ ،‬وما ّ‬
‫يتمشى من عود الطيب ال يسـتتم مـن عـود اخلشـب‪،‬‬
‫مرغـوب‬
‫ٌ‬ ‫مطلوب‪ ،‬والتعويج يف الدال‬
‫ٌ‬ ‫وبالعكس يف امليامّي‪ .‬والتيويم يف األلف‬
‫«ابروى تو گر راست ُبدى كج بودى»‪ .‬كل ذلك عّل طبق استدعاء لسان قابل ّيـة‬
‫ماهيته‪ ،‬وسؤال عينه الثابت الكـامن يف شـيئيته‪ ،‬وهـو تعـاىل يضـع ّ‬
‫كـل وجـود‬
‫موضعه‪ ،‬ويعط ّ‬
‫كل ذي حق ح َّيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬مل يذكره كتاب وال مصدر من مصادرنا املعتربة وغريها‪ ،‬وعليه فلم ينيله سوى الشارح‬
‫يف كتابه هذا ويف كتاب رشح األسامء احلسنى‪.‬‬
‫﴿ور ْض ٌ‬
‫وان م َن‬ ‫الرضا هو مقام ادستواء َ‬
‫مقام التفضيل والرتجيح‪ ،‬ومقام ّ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )2‬فمقام الصرب‬
‫والرضا باب اهلل األدظم‪ .‬منه‪.‬‬‫ْرب﴾ (التوبة ‪ّ )72‬‬ ‫َ‬
‫اهللَّ أك َ ُ‬
‫شتم»؛ فحصل ّتريف أو تصحيف يف املفردة‪،‬‬ ‫(‪ )3‬كذا‪ ،‬والظاهر أُنا‪ُ « :‬ي ّ‬
‫تنشق»‪ ،‬أو « ُي ُّ‬
‫والثانية أقرب مراعاة للنظري يف «يستتم» بعدها‪.‬‬
‫أن للامهيات أكوان ًا سابي ًة وبرزات يف نشآت علم ّية كام ّ‬
‫مر‪،‬‬ ‫واحلاصل‪ّ ،‬‬
‫وه مواطن بروز ذاتياهتا وقابل ّياهتا‪ ،‬وهبا تستييم أسؤلة أل ِسنَة حاالهتا‪ ،‬وه‬
‫املسامة عند احلكامء «باألذهان العالية»‪ .‬وذلك الربوز كظ ور مصنوعات الصناع‬
‫ّ‬
‫املبتكرين وامل ندسّي بامهياهتا قبل وجوداهتا يف أذهاُنم‪ ،‬وأيض ًا كأسؤلة املواد‬
‫باستعداداهتا يف هذا العامل ميبوالهتا ‪ ،‬وتعيّي ّ‬
‫كل من ا صورهتا؛ إذ الصورة يف‬

‫وجه ْني‬
‫(‪ )1‬وهبذه البياناي ّدفع اإلشكال من َ‬
‫أن األشياء حيث مل كن موجواة مل كن هلا قابل ّية وكيف ّكون هلا‬ ‫أحدمها إشكال ّ‬
‫بأن لألشياء أكوان ًا سابقة يف‬
‫فرع ثبوي املثبد له»؟ واف ُعه‪ّ ،‬‬
‫أسؤلة؛ إذ «ثبوي َشء ليشء ُ‬
‫الذ ّر؛ فهي وإن مل كن موجواة بوجوااي أنفسها‪،‬‬ ‫دلم اهلل‪ ،‬ويف أقّلمه وألواحه‪ ،‬ويف دامل ّ‬
‫لكنّها موجواة ط ّفّلً؛ لوجوا اهلل عاىل‪ ،‬ولوجوا القلم وال ّلوح‪ .‬والوجوا ٌ‬
‫نور حيث ّية ذا ه‬
‫ال ّظهور واإلظهار‪.‬‬
‫والسؤال بأنّه كيف ّكون ماه ّية اليشء نفسه؟ وكيف ّسأل نفس اليشء‬
‫وثانيهام اإلشكال ّ‬
‫النواقص؟ واف ُعه وح ّله ّ‬
‫بأن شيئية ماه ّية اليشء كيف د كون معتربة يف ذاي اليشء‪ ،‬وهي‬
‫ّسمى ذا ًا وذا ّي ًا دند أهل العلم‬
‫ما ّقال يف جواب «ما هو؟»‪ ،‬أي «ما» احلقيقية‪ ،‬وما ّ‬
‫هو شيئية ماه ّيته؛ أل ا املتساوّة‬ ‫باحلقائق كيف د ّعدّ نفس اليشء؟ بل املمكن املح‬
‫الضعيف بالنسبة‪ ،‬أو ماه ّية‬
‫النّسبة إىل الوجوا والعدم‪ .‬وسؤال ماه ّية العرض الوجوا ّ‬
‫أن ّ‬
‫لكل‬ ‫القار إنّام هو قابليتها وهت ّيؤها لوجواه‪ .‬ومعلوم ّ‬
‫ّ‬ ‫احلركة الوجوا النّاقص‬
‫ما لصاحبتها وما أوفق نفس ّية املاه ّية وقابل ّيتها بنفس ّية‬ ‫ماه ّية استعداا ًا لوجوا ّ‬
‫خاص‬
‫فان ما ّاة اليشء نفس اليشء أّض ًا‪ّ ،‬إد إ ا‬ ‫للصورة املخصوصة؛ ّ‬
‫ما ّاة اليشء واستعدااها ّ‬
‫سمى ما ّاة اإلنسان إنساناً يف القرآن‬ ‫الصورة؟ وقد ّ‬ ‫هو بوجه ضعيف د ّبلب إىل ارجة ّ‬
‫ُورا﴾ (اإلنسان‬ ‫﴿ه ْل َأ َى َد َىل ْاإلن َْسان ح ٌ‬
‫ني م َن الدَّ ْهر َمل ْ َّك ُْن َش ْيئًا َم ْذك ً‬ ‫كقوله عاىل َ‬
‫‪ )76‬دىل بع الوجوه فأسؤلة املوا ّا استعداااهتا املخصوصة لصورها املخصوصة‬
‫بألسنة أنفسها‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا يف النسخة احلجرية‪.‬‬
‫عّل الفاعل‬ ‫خمص‬
‫بال ّ‬ ‫تع ّين ا وتشكّل ا حمتاجة إىل املادة ل ّئال يلزم التخصي‬
‫احلكيم املتساوي النسبة إىل ّ‬
‫الكل؛ فامدة احلنظل يطلب نفس ا املرارة‪ ،‬ومادة‬
‫وحيب ذاهتا احلالوة‪ ،‬وقس عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السكر يرغب‬
‫قصب ُّ‬
‫ِ‬
‫استدعت َّ‬
‫الشياوة‪،‬‬ ‫فال غر َو أن ييرع سمعك ّ‬
‫أن ماه ّية الشيطان يف علم األزل‬
‫السعادة‪ ،‬وهكذا املاه ّيات األُخر‪ .‬واملاه ّيات غري‬ ‫ِ‬
‫وماه ّية املَ َلك هناك استدعت َّ‬
‫جمعولة باجلعل الرتكيب ‪ ،‬بل وال باجلعل البسيط إ ّال بالعرض‪ ،‬كام حيق يف‬
‫سلب الّشء عن نفسه‪ ،‬بل‬
‫َ‬ ‫موضعه؛ فاجلاعل جعل الشيطان شيطان ًا الستلزامه‬
‫جعله موجود ًا؛ وهلذا ورد يف اآلثار‪« :‬السعيد سعيد يف األزل‪ ،‬والشقي شقي مل‬
‫والشقي َشق ٌّي يف َبطن ُأ ّمه» ‪ ،‬إذا‬
‫السعيدُ َسعيدٌ يف َبطن ُأ ّمه‪ّ ،‬‬
‫ّزل» ‪ .‬وأيض ًا‪ّ « :‬‬
‫جعل بطن األ ّم‪ :‬أ ُّم الكتاب‪ ،‬و ُأ ّم األقالم ونحومها‪ ،‬وإذا جعل البطن‪ :‬الكمون يف‬
‫استعداد املوا ّد كان كام يف باب التنظري باملوا ّد الذي ذكرنا يف تعيّي الصورة‪ ،‬وإذا‬
‫جعل احلياة العنرص ّية الدن ّيوية باعتبار ختمري الطينة ـ أي امللكات العلم ّية‬
‫مخرت وفرغ عنه بالنسبة إىل اهلل تعاىل كام ورد‪ّ « :‬‬
‫جف‬ ‫والعمل ّية؛ ّ‬
‫ألن طينتنا وإن ّ‬
‫القلم بام هو كائن إىل ّوم القيامة» ‪.‬‬
‫لكن بالنّسبة إلينا ونحن زمان ّيون‪ ،‬ختمر شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬وآن ًا فآن ًا من ع ّل َيّي الذي‬
‫سجّي ا ّلذي هو امللكات ّ‬
‫الرذيلة‪ ،‬كام سئل عنه×‪:‬‬ ‫هو امللكات احلميدة‪ ،‬أو من ّ‬
‫أنَح ُن يف أمر فرغ‪ ،‬أم يف أمر ُمستَأنَف؟ فيال‪« :‬يف أمر فرز‪َ ،‬ويف أمر ُمستَأنَف» ـ‬

‫(‪ )1‬رشح ُاصول الكايف ‪ ،258 :19‬وفيه‪« :‬يف األزل»‪ ،‬بدل‪« :‬مل يزل»‪.‬‬
‫(‪ )2‬التوحيد‪ ،3/356 :‬وفيه‪« :‬الشي من شي يف بطن امه‪ ،‬والسعيد من سعد يف بطن‬
‫ُا ّمه»‪ ،‬وهو بنصه يف رشح ُاصول الكايف ‪.258 :19 ،458 :1‬‬
‫(‪ )3‬رشح ُاصول الكايف ‪.24 :12‬‬
‫(‪ )4‬مل يوروه مصدر معترب وال غريه من مصادرنا‪ ،‬أو مصادر غرينا‪.‬‬
‫فاملوضوعان السعيد والشي األُخرويان‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ َّ ﴿ :‬‬
‫وم ّأت د ُك َّل ُم‬
‫َفس إ ّد بإذنه َف ُ‬
‫منهم َشقي َو َسعيدٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫ن ٌ‬
‫إن قلت ‪ :‬هذا فيام سوى هذا الوجه ينايف قوله×‪ّ « :‬‬
‫كل َمولوا ُّولد دىل‬
‫فطرة اإلسّلم إ ّد إ ّن أبوّه ُُّي ِّواانه و ُّ َم ِّجسانه َو َّن َِّّصانه» ‪.‬‬
‫والسعيد‬ ‫قلد‪ّ :‬‬
‫كل مولود يولد عّل الفطرة روح ًا وصور ًة باجل ة النوران ّية‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫سعيد يف بطن ُأ ّمه‪ ،‬وكذا ّ‬
‫الشي ّ جسد ًا أو مادة ‪ .‬وإذا جعلنا بطن األ ّم النشأة‬

‫األم‬
‫أن بطن ّ‬ ‫(‪ )1‬جواب الرشط الذي هو قولنا «وإذا جعل» إىل آخره‪ .‬أي إذا جعل وادتقد ّ‬
‫أن العنارص ُا ّمهاي أربعة؛ فالسعيد‬
‫هو احلياة العنّص ّّة التي هلا يف دامل العنارص بمناسبة ّ‬
‫الشقي‪ ،‬مها ال ّلذان يف اآلخرة وّوم الربوز‪ ،‬واملحمودن مها ّ‬
‫اللذان‬ ‫ّ‬ ‫املوضوع يف احلدّث‪ ،‬وكذا‬
‫كانا يف الدنيا وّوم الكمون دن أبصار أهلها بام هم أهلها‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬هود‪.105 :‬‬
‫األم قبل الوداة ُم ْسل ًام‬ ‫(‪ )3‬وضيحه أنه ُدل َم من قوله× « ّ‬
‫كل مولوا» أنّه كان يف بطن ّ‬
‫وسعيد ًا‪ّ ،‬‬
‫وأن الشعوب والتوزّع حصّل بعد املصاحبة مع القرناء السوء‪ ،‬وقد ُدل َم من‬
‫قي ا وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫الشعب والتوزّع ا كانا قبل‬ ‫السعيد ّ‬
‫والش ّ‬ ‫أن ّ‬
‫قوله× يف احلدّث اآلخر ّ‬
‫الوداة حني كو ام يف بطن ُا ّمهام‪ ،‬فكيف التّوفيق؟ وقد ذكرنا كيف ّيته بقولنا « ُ‬
‫قلد» إىل آخره‪.‬‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬التبيان يف تفسري اليرآن ‪ ،37 :8‬جممع البيان ‪ ،51 :8‬باختالف عن ام‪.‬‬
‫قي‪ ،‬والكثرة حصل باألبدان واستعداا موا ّاها يف‬ ‫والش ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالسعيد‪،‬‬
‫أن التوزّع ّ‬ ‫(‪ّ )5‬عني ّ‬
‫س َواحدَ ٍة﴾ (الزمر ‪)6‬‬
‫﴿خ َل َقكُم ِّمن َّن ْف ٍ‬
‫َ‬ ‫والروح فطر ُ ُه التّوحيد‬
‫للصور املتفنّنة‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫األرحام‬
‫﴿و َما َأ ْم ُرنَا إ َّد َواحدَ ةٌ﴾ (القمر ‪ ،)50‬أي ّإد كلمة واحدة‪.‬‬
‫كيف‪ ،‬وهو أمر اهلل‪ ،‬وكلمة اهلل َ‬
‫ويف املقاطع صاري ُلطفية وقهر ّّة‪ ،‬وحيث كاند لك الكلمة النفس ّية نفس ًا رمحاني ًا‪ ،‬كاند‬
‫والصورة يف قولنا «روح ًا وصور ًة» ما به اليشء بالفعل‪ .‬منه‪.‬‬
‫واحدةً‪ّ .‬‬
‫فإن نشأ َة العلم نشأ ُة الوحدة‬ ‫ٍ‬
‫(‪ )6‬أي التوزّع والكثرة حينئذ ليس ّإد بحسب املفهوم؛ ّ‬
‫بحسب الوجوا‪ ،‬د الكثرة إدّ بحسب املفهوم؛ وهلذا ّقال هلا «مقام صالح األضداا»‪.‬‬
‫العلمية مولود يولد عّل الفطرة وجود ًا‪ ،‬والسعيد سعيد ماهيّ ًة ومف وم ًا‪ .‬وكذا‬
‫األويل ليس فاقد ًا لنفسه‪ ،‬وليس‬
‫الشي شي ماه ّي ًة ومف وم ًا‪ ،‬كل من ام باحلمل ّ‬
‫مف وم أحدمها هو املف وم من اآلخر؛ فإ ّن املفاهيم يف أ ّية نشأة كانت فطرهتا‬
‫وذاتي ا االختالف‪ .‬والوجود ـ أ ّية مرتبة منه ذا ُته وجب ّلته الوحدة واالتّفاق ـ‪ :‬ما‬
‫به االمتياز فيه عّي ما به االشرتاك‪ ،‬به استمساك املاه ّيات الت ه مثار الكثرة‬
‫واملخالفة‪ .‬ف و ج ة ارتباط ا ونظم ا‪ ،‬وبه ال انفصام هلا‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬قد ظ ر لك أ ّن اختالف الوجودات مرتبة يف العّي‪ ،‬واختالف‬
‫قبول املاه ّيات ملراتب الوجود امليول بالتشكيك فيه عّل طبق اختالف املاه ّيات‬
‫بحسب املف وم يف العلم‪ .‬وهذا معنى اختالف الطينة يف األزل كام هو عن‬
‫مسطور‪ ،‬وهو ميتىض العدل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مأثور‪ ،‬ويف املثنوي املعنوي للمولوي‬
‫ٌ‬ ‫األئمة^‬
‫ويمكن التوفيق بّي هذا اليول التحييي الربهاين والذوق الوجداين‪ ،‬وبّي‬
‫اليول بالتسوية يف الطينة باعتبار الوجود واملاه ّية‪ ،‬وال س ّيام يف ميام اجلمع‪.‬‬
‫كلامت أنيية وفي ًا‬
‫ٌ‬ ‫ولصدر ّ‬
‫املتأهلّي حممد بن إبراهيم الشريازي (قدس اهلل روحه)‬
‫ملذاق العرفاء الشاخمّي يف بيان «العدل»‪ ،‬وبيان األكوان السابية للامهيات‬
‫واختالف ا يف اليابليات‪ ،‬ال بأس بذكرها تبيين ًا للمرام‪ ،‬وإن كان دأ ُبنا يف هذا‬
‫عز ّ‬
‫وجل ال ّ‬
‫يويل‬ ‫الرشح عّل االختصار‪ ،‬فيال‪ +‬يف (مفاتيح الغيب)‪« :‬إ ّن اهلل ّ‬
‫أحد ًا إ ّال ما تو ّاله طبع ًا وإرادةً‪ .‬وهذا عدل منه ورمحة‪ ،‬وقد ورد‪« :‬إ ّن اهلل عاىل‬

‫﴿شهدَ اهللُّ َأ َّن ُه دَ إ َل َه إدَّ‬


‫والوجوا أّنام كان كاشف دن الوجوب‪ ،‬وناطق باحلق والتّوحيد َ‬
‫أن األشياء يف دقلك البسيط مفاهيمها خمتلفة كوجوا‬ ‫ُه َو﴾ (آل دمران ‪ .)18‬وهذا كام ّ‬
‫فإن‬
‫والسواا املعقولني‪ .‬وباجلملة‪ ،‬مجيع ما دقلته‪ّ ،‬‬
‫اإلنسان املعقول والفرس املعقول والبياض ّ‬
‫ّ‬
‫الكل موجواة بوجوا دقلك البسيط الواحد‪ .‬منه‪.‬‬
‫خلق [اخللق ك ّله] يف ظلمة‪ ،‬ثم قال ليخرت ك ٌّل منكم لنفسه صورة أخ ُلق ُه دليها‪،‬‬
‫رب اخلقني َخلق ًا‬
‫ثم َص َّو َرناكُم﴾ ؛ فمنهم َمن قال ّ‬
‫وهو قوله ﴿خلقناكم ّ‬
‫قبيح ًا أبعدَ ما ّكون يف التناسب‪ ،‬وأو َله يف التنافر حتى د ّكون مثيل يف القبح‬
‫ب‬‫أح َّ‬
‫وكل من ام َ‬ ‫والبعد دن اددتدال أحدٌ ‪ ،‬ومنهم َم ْن قال خّلف ذلك» ‪ٌّ ،‬‬
‫كل األُمم الت ت َي َّو َم هبا‬
‫حب الفردانية فطرة اهلل السار ّية يف ّ‬
‫التفرد؛ فإ ّن ّ‬
‫لنفسه ُّ‬
‫معروف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫كل يشء‪ ،‬فخ َل َق اهلل ك اال عّل ما اختاره لنفسه‪ ،‬فتحت ّ‬
‫كل منكر‬ ‫وجود ّ‬
‫يويل ك اال ما‬
‫الرمحة الت وسعت كل يشء‪ ،‬فإ ّن اهلل ّ‬ ‫وقبل ّ‬
‫كل لعنة رمح ٌة‪ ،‬وه ّ‬
‫ني َل ُه ُاهلدى نُو ِّله ما‬
‫سو َل من َبعد ما َ َب َّ َ‬
‫الر ُ‬ ‫ّ‬
‫توىل‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َمن ُّشاقق َّ‬
‫ٌّ‬
‫شاك‪َ ،‬فل َيت ُل قوله‬ ‫ََو ّىل ون ُْصله َج َّهن ََم َوسا َء ْي َمص ًا﴾ ‪ .‬فإن ّ‬
‫شك يف ذلك‬
‫السمواي َواألرض َواجلبال َفأ ْ َ‬
‫بني أن‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬إنّا َد َرضنا األما َن َة َدىل َّ‬
‫حيم ْلنَها﴾ ‪ ...‬اآلية؛ ل َيع َلم ّ‬
‫أن اهلل تعاىل ال حيمل أحد ًا شيئ ًا ق ر ًا وقُّس ًا‪ ،‬بل‬ ‫َْ‬
‫يعرضه ّأوالً‪ ،‬فإن تو ّاله و ّاله‪ ،‬وإ ّال فال‪ .‬وهذا من رمحة اهلل وعدلِه‪.‬‬
‫تويل الّشء ما تو ّاله عدالً حيث ال يكون ذلك ّ‬
‫التويل عن رشد‬ ‫د ّقال‪ :‬ليس ّ‬
‫ورض بج له‬
‫ّ‬ ‫وبصرية‪ ،‬فإ ّن السفيه قد خيتار لنفسه ما هو ّ‬
‫رش بالنسبة إليه‪،‬‬
‫وسفاهته؛ فالعدل والشفية عليه من ُعه إ ّياه‪.‬‬

‫(‪ )1‬األعراف‪.11 :‬‬


‫(‪ )2‬مل يورده مصدر معترب وال غريه عندنا وال عند غرينا ّإال كتاب العيائد اإلسالمية (مركز‬
‫ال عن األسفار نفسه؛ ولذا فيد قدّ رنا منت ى‬‫املصطفى للدراسات اإلسالمية) ‪ ،23 :1‬ني ً‬
‫احلديث بعد استظ ار كون ما بعده من كالم الشريازي ال من الكالم املنسوب إىل‬
‫التصوف عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلمام×؛ لغلبة لغة أهل‬
‫(‪ )3‬النساء‪.115 :‬‬
‫(‪ )4‬األحزاب‪.72 :‬‬
‫ذايت ال حيكم عليه باخلري‬
‫أمر ّ‬ ‫ألنّا نقول‪ :‬هذا ّ‬
‫التويل والتوجيه الذي كالمنا فيه ٌ‬
‫ألن ما خيتاره السفيه إنّام ُي َعدُّ رش ًا باليياس إليه؛ ألنّه مناف‬
‫والرش‪ ،‬بل هو قبل ام؛ ّ‬
‫ّ‬
‫لذاته بعد وجوده ‪ ،‬فلذاته اقتضاء ّأو ٌل متع ّل ٌق بنييض هذه السفاهة‪ ،‬فذلك هو‬
‫رش ًا باليياس» إليه‪ .‬وأ ّما االقتضاء ّ‬
‫األول الذي‬ ‫يسمى ذلك « ّ‬
‫الذي أوجب أن ّ‬
‫بالرش؛ ألنّه مل يكن قبله اقتضاء يكون هذا بخالفه‬
‫كالمنا فيه‪ ،‬فال يمكن وصفه ّ‬
‫رش‪ ،‬بل هو االقتضاء الذي جعل اخلري خري ًا؛ ّ‬
‫ألن اخلري لّشء ليس‬ ‫ف بأنّه ّ‬
‫فيوص َ‬
‫َ‬
‫إ ّال ما ييتضيه ذاته‪ .‬والتو ّيل الذي كالمنا فيه هو االستدعاء الذايت األزيل‪،‬‬
‫والسؤال الوجودي الفطري الذي تسأله الذات املطيعة السامعة ليول‪ُ « :‬كن»‪،‬‬
‫ّ‬
‫عزوجل غن ّ عن العاملّي‪ ،‬فكأنّه قال‬ ‫وقوله « ُكن» ليس أمر قُّس وق ر؛ ّ‬
‫ألن اهلل‬
‫لر ّبه‪ :‬ائ َذن يل أن أدخل يف عدلك وهو الوجود‪ ،‬فيال اهلل تعاىل‪ُ « :‬كن»‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬أين للمعدوم لسان يسأل به؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أ ّن ّ‬
‫لكل موجود قبل وجوده الظ وري أطوار ًا من الكون‪،‬‬
‫إن اهلل َخ َل َق َ‬
‫اخل ْل َق يف‬ ‫ولألشياء مواطن ومكامن أشار| إىل بعض ا بيوله‪ّ « :‬‬
‫ُ‬
‫والنون‪ :‬الدوا ُة‪ ،‬والدواة جممع سواد‬ ‫ُظلمة» ‪ ،‬ولع ّل ا املشار إلي ا بـ«النون» ‪،‬‬

‫ألن ذلك الوجوا الذي ّظهر به سؤاله‬ ‫الرش هو ددم وجوا؛ وإذ د وجوا ّ‬
‫لليشء بعد؛ ّ‬ ‫(‪ )1‬إذ ّ ّ‬
‫للمرئي هبا وليس‬
‫ّ‬ ‫واستحقاقه هو وجوا اهلل ووجوا قلمه ولوحه ووجوا املرآة ليس وجوا ًا‬
‫للمرئي هبا هناك إدّ شيئ ّية املاه ّية؛ ّ‬
‫وأما وجواه فهو الوجوا اخلاص به فيام د ّزال وهو حااث‬ ‫ّ‬
‫وليس يف األزل فالعلم به يف األزل‪ ،‬واملعلوم فيام د ّزال‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتوحات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪61‬؛ جامع األرسار لآلمّل‪ ،‬ص ‪.260‬‬
‫ألن النون إشارة إىل اإلمكان‪ ،‬وهو الظلمة؛‬ ‫(‪ )3‬أي ّ‬
‫لعل الظلمة هي املشار إليها هبا؛ وذلك ّ‬
‫ألنّه سلب الرضور ني‪ ،‬والنّور هو الوجوا ورضور ه‪ .‬ويف «النون» نونان نون الزبر‪ ،‬ونون‬
‫ات‪ ،‬واألخرى نون اإلمكان ادستعدااي؛ ففيه سبك ظلمة‬ ‫الب ّينة‪ .‬وإحدامها نون اإلمكان ّ‬
‫الذ ّ‬
‫املداد‪ ،‬واهلل أعلم بأرساره‪.‬‬
‫املعرب عنه «بالشيئ ّية» دون الوجود‪ ،‬ليس عن سؤال‬
‫نعم‪ ،‬ذلك اخللق وهو َّ‬
‫من م وال بأمر يلييه إلي م‪ ،‬وهو بحسب صفاته وأسامئه ُمش ِّي ُئ األشياء‪ ،‬كام هو‬
‫بحسب فعله ووجوده ُموجد املوجودات‪ ،‬و ُمظِ ر اهلو ّيات‪ .‬فشيئ ّية األشياء‬
‫برمحة الصفة ال برمحة الفعل‪ ،‬وصفات اهلل ال تع ّلل» هذا كالمه ( ُرفع ميامه)‬
‫بأدنى اختصار‪.‬‬
‫رب اخلين َخلي ًا‬
‫ّتاشيت بعدُ عن قوله‪« :+‬فمن م من قال‪ّ :‬‬
‫َ‬ ‫إنّك ّ‬
‫إن‬
‫قبيح ًا»‪ ،‬إىل آخره‪ ،‬مع أنّه سدَّ ثغوره بالسؤال واجلواب بيوله‪« :‬ال ييال‪ :‬ليس‬
‫السابق باملوا ّد املختلفة يف هذا َ‬
‫العامل؛ فامد ُة‬ ‫التنظري ّ‬
‫َ‬ ‫تويل الّشء» ـ إىل آخره‪ ،‬فتذكّر‬
‫رب اخلين َخلي ًا حسن ًا عّل أحسن تيويم»‪ ،‬وماد ُة النّسناس‬
‫الناس تيول‪ّ « :‬‬
‫رب‪ ،‬اخلين َخلي ًا قبيح ًا»‪ .‬ولو طلب ماد ُة الناس صور َة النّسناس أو‬
‫تيول‪ّ « :‬‬
‫باالنعكاس‪ ،‬النتفى أحد النّوعّي عن ُملك اهلل‪ .‬ومن متامية العامل وجود األنواع‬

‫من ظلمة‪ ،‬فيناسب الدّ واة التي هي جممع املداا األسوا الذي ّشبه ال ّظلمة‪ .‬وأّض ًا شكل النون‬
‫بأم اخلطوط ّشبه شكل الدّ واة فكأن أوّل «النون» يف قوله عاىل ﴿ن َوا ْل َق َلم﴾‬‫يف الكتب ّ‬
‫(القلم ‪ ،)1‬هو دامل اإلمكان‪ .‬وكذا أوّل ال ّظلمة يف احلدّث‪ .‬وحامل اإلمكان ّاودً هو‬
‫املاه ّياي التي يف العلم‪ ،‬وثاني ًا يف العني‪.‬‬
‫ان «الواو» التي يف قلب «النون» واو «الوجوب»‪ .‬والوا أّض ًا فيها واوان إحدامها‪ ،‬واو‬
‫ثم ّ‬
‫بالرضور َني‪ .‬ويف‬
‫َ‬ ‫حمفوف‬
‫ٌ‬ ‫الوجوب السابق‪ ،‬واألخرى واو الوجوب الّلّحق؛ إذ كل ممكن‬
‫قلبهام «األلف» التي هي حرف الذاي األقدس‪ .‬ويف «جعل الواو» قلب ًا هناك‪ .‬و«األلف» قلب ًا‬
‫وأن الوجوب دني الذاي األقدس‪.‬‬
‫هنا‪ ،‬إشارة إىل أن الوجوب هو البدّ الّلّزم لعامل اإلمكان‪ّ ،‬‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬مفاتيح الغيب‪.303 :‬‬
‫الناقصة أيض ًا فيه ‪ ،‬كام قال العرفاء الشاخمون‪.‬‬
‫قلد‪ :‬ال قبيح‪ ،‬وال ناق كام قلت‪ :‬إ ّن التعويج يف الدّ ال مرغوب‪.‬‬ ‫إن َ‬ ‫ْ‬
‫كنت يف ذلك امليام حاالً وميام ًا‪ ،‬فال كالم وال سؤال بـ« ِمل َ؟»؛ فال‬ ‫قلد‪ :‬إن َ‬
‫وشوك ًا‪ ،‬وت ُ‬
‫َلوك‬ ‫الورد ذا َشوكَة دون َشوكِ ِه؟ وإذا ترى َورد ًا َ‬ ‫ِ‬
‫اعرتاض بأنّه مل َ كان َ‬
‫بد غباو ًة ونَوك ًا ‪،‬‬‫بّي ِحليي َك طلب ال ِّلم َلوك ًا ‪ ،‬فام ذكر هو جوابك‪ ،‬فاقبل وال ُت ِ‬
‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫ال ّأول ّي ًا ال يستلزم أن حيمل علي ا‬ ‫أن كون ّ‬
‫كل ماه ّية صادقة عّل نفس ا مح ً‬ ‫مع ّ‬
‫ال شائع ًا‪.‬‬
‫مح ً‬

‫ألن الوجوا النّاقص خ من العدم‪ .‬والنّقص له إطّلقان‬


‫(‪ّ )1‬‬
‫بمنضم‬ ‫ّ‬
‫ّنحل‬ ‫أحدمها فقد وجوا نازل شدة وجوا ٍ‬
‫دال‪ .‬ومتاميته كأن ذلك الوجوا العايل‬
‫ّ‬
‫إليه وضميمه‪ ،‬والنازل فاقد لك الضميمة‪ ،‬والنقص هبذا املعنى ددم‪.‬‬
‫احلقيقي أو النّور له مرا ب متفاو ة‬
‫ّ‬ ‫وثانيهام نفس الوجوا النازل‪ ،‬كام ّقال إن املوجوا‬
‫بالكامل والنقص؛ فهذا اصطّلح دىل أن نقول لوجوا نازل إنّه ناقص‪ ،‬كوجوا دامل الفرق‬
‫رش ًا‪ ،‬بل مثل أن ّقال وجوا الكنيفة ناقص بالنسبة إىل‬
‫بالنّسبة إىل دامل اجلمع‪ .‬وليس هذا ّ‬
‫املحفل العايل‬
‫بد به نسابد باشاد اّان را هام بادان‬ ‫پااس بااد مطلااق نباشااد ار جهااان‬
‫منه‪.‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬ال ّلوك‪ :‬إدارة الّشء يف الفم‪ ،‬ويف اخلرب قال|‪« :‬ويل ملن الك ا بّي حل َييه ومل يتد ّبرها»‪.‬‬
‫جممع البحرين‪.‬‬
‫(‪ )3‬النوك‪ :‬احلُمق‪ .‬ومنه‪ ،‬قوهلم‪« :‬النوك ليس له دواء»(جممع البحرين ‪ 296 :5‬ـ نوك)‪.‬‬
‫(‪﴿ )51‬ب َيد َك َ‬
‫اخل ُ ﴾‬
‫ويتم به قسطه من الكامل؛ سواء كان كامله‬
‫ّ‬ ‫يتشوقه كل يشء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫«اخلري»‪ :‬ما‬
‫األول‪ ،‬أو كامله الثاين‪ .‬وبعبارة ُأخرى‪ :‬بحسب رضورياته وفرائضه‪ ،‬أو بحسب‬
‫ّ‬
‫الرش‪َ :‬فيدُ ذات ّ‬
‫الّشء‪ ،‬أو فيدُ كامله‪ .‬فاخلري هو الوجود‬ ‫أن ّ‬ ‫متمامته ونوافله‪ ،‬كام ّ‬
‫ّ‬
‫الرش؛ فال تتومه ّن ّ‬
‫أن مف وم‬ ‫والرش هو العدم والعدم هو ّ‬‫ّ‬ ‫والوجود هو اخلري‪،‬‬
‫الرش بيد مبدأ آخر رشير‪ ،‬كام ييول الثنوي‪ :‬إ ّن خريات‬
‫قوله‪« :‬بيدك اخل » أن ّ‬
‫اخلري إ ّال اخلري‪ ،‬والرشور مبدؤها‬
‫العامل مبدؤها «يزدان»‪ ،‬وال يليق بوجوده ِّ‬
‫الرشير‪.‬‬
‫«أهرمن» ّ‬
‫ويف دعاء االفتتاح‪« :‬اخل ب َيدَ ّك ّ‬
‫والرش ليس إليك» ؛ وذلك ألنّا نيول يف‬
‫دفع تومهك‪ :‬إ ّن الرش ملّا كان عدم ِ‬
‫ذات أو عدم كامل ذات مل يفتير إىل مبدأ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن املجعول والفائض‬ ‫موجود‪ ،‬وملّا تيرر عند حميي أرباب العلوم احليييية ّ‬
‫بالذات عن اجلاعل احلق تعاىل هو الوجود‪ ،‬ومطلق الوجود كان خري ًا‪ّ ،‬ت ّيق ّ‬
‫أن‬
‫فيضه وسي ُبه‪ .‬ولكون حييية‬ ‫اخلرية‪ّ ،‬‬
‫وأن الوجود بيول مطلق ُ‬ ‫مطلق اخلري بيده ّ‬
‫السالم‪،‬‬ ‫الوجود نور ًا وفعلية وخري ًا‪ ،‬كان هلا ِّ‬
‫السنخية مع حييية الوجوب اخلري ّ‬
‫للصدور عن املبدأ‬
‫بل حيثية الوجود كاشفة عن حيثيّة الوجوب‪ ،‬فصلحت ّ‬
‫َفر ُق َ‬
‫ون َخ ٌ أم اهلل الواحدُ‬ ‫أرباب ُمت ِّ‬
‫ٌ‬ ‫الواجب الوجود‪ ،‬الواحد األحد‪﴿ .‬أ‬

‫(‪ ) 1‬وهم من الشارح؛ فلم ترد هذه الفيرة يف دعاء االفتتاح وال يف غريه من األدعية‪ ،‬بل كتبنا‬
‫احلديثية كل ا‪ ،‬وقد وردت يف كتب بعض َاهل السنة املتأخرين أعرضنا عن ذكرها‪.‬‬
‫رش‪ ،‬ليست جمعول ًة إ ّال بالعرض‪،‬‬
‫ال َق ّه ُار﴾ ‪ .‬واملاهيّة حيث إ ُّنا ال خري وال ّ‬
‫وبذاهتا ال جمعول ٌة وال ال جمعولة‪ .‬هذا‪ ،‬مع أنّه أردف بيوله تعاىل بال فصل‪﴿ :‬إن َ‬
‫َّك‬
‫التوهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َش ٍء َقد ٌّر﴾ ؛ فال جمال لذلك‬
‫َد َ َىل ك ُِّل َ ْ‬
‫نفّس‪ ،‬وإ ّما إضايف‪ .‬واإلضايف إ ّما طويل‪ ،‬وإ ّما عريض‪ .‬والكل بيد‬
‫ثم اخلري إما ّ‬ ‫ّ‬
‫اهلل املباركة‪.‬‬
‫النفيس‪ ،‬ف و أ ّن كل موجود بام هـو موجـود ف ـو يف نفسـه خـري ووجـود‬
‫ّأما ّ‬
‫ملاه ّيته خري مالئم‪ ،‬مع قطـع النظـر عـن ميايسـته إىل األغيـار؛ حيـث إ ّن ذلـك‬
‫الوجود طرد العدم عن تلك املاه ّية‪ ،‬وهو الالئق هبا‪ ،‬املرت ّقب عن ا ال غريه‪.‬‬
‫كل معلول مالئم‬ ‫وأن ّ‬
‫وأما اإلضايف الطويل‪ ،‬ف و عند ميايسته إىل ع ّلته‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫املصور ّ‬
‫كل ماه ّية‬ ‫ِّ‬ ‫لع ّلته حتى ينت إىل اليلم األعّل خلالق ال ّلوح‪ ،‬واليلم‬
‫أي يشء كان‪ ،‬وكيفام كان‪ ،‬ال‬
‫ومادة بام يليق هبام‪ .‬وال شك أنّه هبذا النظر خري ّ‬

‫(‪ )1‬يوسف‪.39 :‬‬


‫(‪ )2‬آل عمران‪.26 :‬‬
‫رش ًا لع ّلته‪ ،‬لكان مستددي ًا لعدمها‪ ،‬وليس كذلك؟ ّ‬
‫ألن وجوا‬ ‫(‪ )3‬كيف؟ ولو كان املعلول ّ‬
‫املعلول مستد ٍع لوجوا د ّلته‪ ،‬وكاشف دن وجواها‪ .‬ولو كاند الع ّلة ّ‬
‫رش ًا‪ ،‬لكاند مقتضية‬
‫ألن ما هو الع ّلة بالفعل مقت ٍ موجب لوجوا املعلول‪ ،‬د‬
‫لعدمه‪ ،‬وهذا خّلف الواقع؛ ّ‬
‫ّتمكّن من العدم أصّلً‪ ،‬ود ّتخ ّلف دن الع ّلة املستجمعة للرشائط‪ .‬وإذا مل ّكن أحدها مؤ ّاّ ًا‬
‫والقلم الذي بيد احلكيم العليم‬
‫ُ‬ ‫إىل ددم اآلخر‪ ،‬مل ّتح ّقق ّ‬
‫رش ّّة ألحدمها بالنّسبة إىل اآلخر‬
‫الرش والرش ّّة بام مها وجوا‬
‫القدّر د ّكتب ّ‬
‫آنچااااه او كاااارا آن چنااااان باّااااد‬ ‫أى دزّااااز أز حكاااايم بااااد ناّااااد‬
‫نااااازنني مجلااااه نااااازنني بينااااد‬ ‫اّااااده پاااااك اّاااان چنااااني بينااااد‬
‫منه‪.‬‬
‫كتاب‬ ‫جور يف مش ّيته‪ ،‬وال حيف يف قلمه‪﴿ :‬ن وال َق َلم َوما َّس ُط ُر َ‬
‫ون﴾ ‪ٌ ﴿ ،‬‬
‫ُأحك َمد اّا ُ ُه َث ّم ُف ِّص َلد﴾ ‪:‬‬

‫والعوامل مظاهر أسامئه احلسنى وجمايل صفاته العليا‪.‬‬


‫وأ ّما اإلضايف ال َعريض‪ ،‬ف و عند ميايسته إىل ما يف َعرضه من املعاليل االُخرى‬
‫املكافئة له من االُمور املنتفعة به‪ ،‬وه أكثر بكثري من األشياء املستضة به‪ .‬وما‬
‫الرش عدم ًا؛ فلتؤخذ الفيرة سالبة‬ ‫أن « ّ‬
‫الرش ليس إليك»‪ ،‬إنّام هو لكون ّ‬ ‫يف الدعاء‪ّ :‬‬
‫بسيطة‪ ،‬ال موجبة سالب َة املحمول‪.‬‬
‫الرش لـيس مـن‬
‫وقولنا‪ :‬اخلري هو الوجود والوجود هو اخلري‪ ،‬وكذا يف جانب ّ‬
‫حـق حم َّيـق عـّل حـدة‪ ،‬ال‬ ‫باب انعكاس املوجبة الكل ّية كنفس ا‪ ،‬بـل ٌّ‬
‫كـل مـن ام ّ‬
‫بالربهان‪ ،‬بل بالبداهة؛ فإ ّن احلق عند املح ّييّي أ ّن مسألة «الوجود خري» بدهييـة‪،‬‬
‫وما ذكروا من األمثلة ُمن ِّبه علي ا‪ ،‬وكذا عكس ا ومسألة ميابله‪ .‬ومـع ذلـك قـد‬
‫ِ‬
‫كـامل ذات‪،‬‬ ‫الرش ال ذات له باحلييية‪ ،‬بل إ ّمـا عـد ُم ذات‪ ،‬أو عـد ُم‬ ‫برهن عّل ّ‬
‫أن ّ‬
‫وأ ّن الوجــود خــري‪ .‬والربهــان مــذكور يف (رشح حكمــة اإلرشاق) للع ّالمــة‬
‫املتأهلّي‪ ،+‬وهو أنّه لو كان وجوديـ ًا‬
‫الشريازي‪ ،‬ويف (األسفار األربعة) لصدر ّ‬
‫رش ًا لنفسـه وإ ّال مل يوجـد؛‬
‫رش ًا لغريه‪ .‬ال جائز أن يكون ّ‬
‫رش ًا لنفسه‪ ،‬أو ّ‬
‫لكان إ ّما ّ‬
‫ألن نفس الّشء ال ييتيض عدم نفسه أو كاملِه‪ .‬ولو اقتىض الّشء عدم بعـض مـا‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬اليلم‪.1 :‬‬


‫(‪ )2‬هود‪.1 :‬‬
‫(‪ )3‬البيت للعارف حممود الشبسرتي‪ .‬گلشن راز‪.26 :‬‬
‫َله من الكامالت‪ ،‬لكان ّ‬
‫الرش هو ذلك العدم‪ ،‬ال هو نفسه‪.‬‬
‫ثم كيف يكون الّشء ميتضي ًا لعدم كامالته‪ ،‬مع كون مجيع املوجودات طالبة‬
‫ّ‬
‫رش ًا لغريه؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫لكامالهتا كام اقتضته العناية اإلهلية؟ وال جائز أيض ًا أن يكون ّ‬
‫رش ًا لغريه‪ :‬إ ّما أن يكون ألنّه يعدم ذلك الغري‪ ،‬أو يعدم بعض كامالته‪ ،‬أو‬
‫كونه ّ‬
‫الرش إ ّال عدم ذلك الّشء‪ ،‬أو عدم كامله‪ ،‬ال‬
‫األو َلّي‪ ،‬ليس ّ‬
‫ألنّه يعدم شيئ ًا‪ .‬فعّل ّ‬
‫رش له؛ فإ ّن‬
‫رش ًا ملا فرض أنّه ٌّ‬
‫نفس األمر الوجودي املعدوم‪ ،‬وعّل األخري مل يكن ّ‬
‫العلم الضوري حاصل ّ‬
‫بأن كل ما ال يوجب عد َم يشء أو عدم كامل له‪ ،‬فإنّه ال‬
‫الرش الذي فرضناه أمر ًا‬
‫تضره به‪ .‬وإذا مل يكن ّ‬
‫ّ‬ ‫يكون ّرش ًا لذلك الّشء؛ لعدم‬
‫رش ًا‪ ،‬وما يلزم من فرض وجوده رفعه‬
‫رش ًا لغريه‪ ،‬مل يكن ّ‬
‫رش ًا لنفسه وال ّ‬
‫وجودي ًا ّ‬
‫فليس بموجود‪.‬‬
‫وأ ّما املُن ِّبه‪ ،‬فمثل أنّا نرى الناس يستعملون لفظ ّ‬
‫الرش يف موضعّي‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬مثل العمى‪ ،‬والفير‪ ،‬واجل ل البسيط‪ ،‬واملوت‪ ،‬ونحوها‪ .‬ومعلوم‬
‫ّأُنا من األعدام‪.‬‬
‫وثانيهام‪ :‬مثـل الـربد ِ‬
‫املفسـد للـثامر‪ ،‬واليتـل‪ ،‬والســرقة‪ ،‬واجل ـل املركـب‪،‬‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫وعام نسب إليه‬ ‫الرش هنا ّ‬
‫بالذات‪ّ ،‬‬ ‫عام دخل يف مف وم ّ‬
‫وإذا فحصنا وبحثنا ّ‬
‫للرش هنا أيض ًا إ ّال العدم؛ فإ ّن الربد مث ً‬
‫ال ليس من‬ ‫بالعرض‪ ،‬ظ ر أنّه مل يبق ّ‬

‫رش ًا‪ ،‬إنّام ّ‬


‫الرش ددم‬ ‫السارق وحركا ه وإاراكا ه ليسد ّ‬ ‫الْسقة مث ً‬
‫ّل من حيث قدرة ّ‬ ‫(‪ )1‬وكذا ّ‬
‫والْسقة يف‬
‫ّ‬ ‫رش ًا يف التكوّن ّياي‪،‬‬
‫وأما سمية الربا ّ‬
‫الطمأنينة وادنتظام ألهل املدّنة‪ّ .‬‬
‫التكليفياي بام مها وجواّان‪ ،‬فهي من باب سمية ا ّليشء باسم جماوره‪ ،‬مثل «جرى‬
‫فإن الوجوا ّ‬
‫أجل من أن ّكون سبب‬ ‫السبب باسم املس ّبب؛ ّ‬
‫امليزاب»‪ ،‬د من باب سمية ّ‬
‫ُ‬
‫حيث إنّه كيف ّية ملموسة وجودية معطية لليوام واملتانة‪ ،‬وحمينة للحرارة‬
‫الرش فيدان ال ّثامر مث ً‬
‫ال حالت ا الالئية‬ ‫رش ًا‪ ،‬إنّام ّ‬
‫الغريزية‪ ،‬وغري ذلك من اخلريات ّ‬
‫هبا‪ ،‬والفيد عدم‪ِ .‬‬
‫وقس عليه نظائره‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫والرش‪ ،‬وبه دفع املع ّلـم ّ‬
‫األول‬ ‫ّ‬ ‫وقد جرت عادة اليو ِم بتخميس اليسمة للخري‬

‫شب ة الثنوية وتفاخر به‪ :‬وهو أ ّن الّشء بحسب احتامل العيل‪ :‬خري حمض‪ ،‬و ٌّ‬
‫رش‬
‫رشه غالـب عـّل خـريه‪ ،‬ومـا يتسـاوى‬
‫رشه‪ ،‬ومـا ّ‬
‫غالب عـّل ّ‬
‫ٌ‬ ‫حمض‪ ،‬وما خريه‬
‫ورشه فلـو‬
‫الرش املحض ليس بموجود‪ .‬وأ ّما ما يتساوى خريه ّ‬
‫أن ّ‬ ‫طرفاه‪ .‬وظاهر ّ‬
‫غالب لـو كـان‬
‫ٌ‬ ‫رشه‬
‫مرجح‪ .‬وكذا ما ّ‬
‫الرتجيح بال ِّ‬
‫ُ‬ ‫كان موجود ًا عن احلكيم‪ ،‬لزم‬
‫موجود ًا عنه‪ ،‬لزم ترجيح املرجوح‪ .‬فبي أن ما وجد عنه إ ّما اخلري املحض‪ ،‬وإ ّما‬
‫اخلري الغالب‪:‬‬
‫األول‪ ،‬فكــالعيول الك ّليــة؛ إذ ال حالــة منتظــرة هلــا‪ ،‬ويتلوهــا النفــوس‬
‫ّأمااا ّ‬
‫ألُنا وإن كانـت ُاوالت حـاالت منتظـرة إ ّال إ ُّنـا مسـتكفية بـذواهتا‬
‫الساموية؛ ّ‬
‫وميوم ذواهتا‪ ،‬غري ممنوعـة عـن كامالهتـا‪ .‬ومثل ـا العيـول بالفعـل احلاصـلة يف‬
‫ّ‬
‫سلسلة الصعود‪ ،‬كعيول األنبياء واألولياء‪.‬‬
‫الكمل من اإلنسان من حيث إ ُّنا عيول كاملة من هذا‬
‫ّ‬ ‫وباجلملة‪ ،‬عيول‬
‫اليسم‪ ،‬بل األجسام السامو ّية من هذا اليسم؛ لعدم التضا ّد والتفاسد في ا‪ ،‬وعدم‬
‫جواز اليُّس علي ا‪ ،‬فال رش ّية في ا بمعنى َفيد الذات‪ ،‬أو َفيد كامل الذات‪ .‬وإن‬

‫الْسقة منه ّي ًا دنها وجمتنب ًا دنها إدّ ّ‬


‫إن‬ ‫العدم‪ ،‬بل سبب العدم ددم‪ .‬ودىل أي قدّر كان ّ‬
‫الرش بالذاي‬
‫أن ّ‬ ‫والرش بالعرض حتى ُّعلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرش بالذاي‬
‫دام هو ّ‬
‫املنظور هو البحث والفحص ّ‬
‫هو العدم‪ .‬منه‪.‬‬
‫الرشي ُة ع َلي ا أو عّل غريها فليس باملعنى املتعارف‪ ،‬وهو الذي ذكرنا ‪،‬‬
‫أطلق ّ‬
‫لكل وجود معلول بالنسبة إىل ع ّلته‪.‬‬
‫الذات َّييّي ّ‬
‫واليصور ّ‬ ‫بل بمعنى الني‬
‫وأما ال ّثاين‪ :‬فكاملوجودات الكائنة الت يعرض هلا يف عامل التّضا ّد والتّزاحم‬
‫ّ‬
‫ودار اليُّس فسا ٌد أو منع عن بلوغ الكامل‪ .‬ف ذا أيض ًا ينبغ وجوده من ذلك‬ ‫ِ‬
‫رشه اليليل ٌ‬
‫ترك خلري‬ ‫املبدأ الذي هو فاعل اخلريات؛ ّ‬
‫ألن تركيب إجياده ألجل ّ‬
‫رش كثري‪ .‬فالنار ُ‬
‫كامهلا اإلحراق وفي ا‬ ‫الرش اليليل ٌّ‬ ‫ُ‬
‫وترك اخلري الكثري ألجل ّ‬ ‫كثري‪،‬‬
‫مجة‪ ،‬فإ ّن األنواع الكثرية ال يمكن وجودها حدوث ًا وبيا ًء بدوُنا‪ ،‬وكامالهتا‬
‫منافع ّ‬
‫ثوب سعيد‪ .‬فالعناية اإلهل ّية ال‬
‫األولوية والثانوية منوطة هبا‪ ،‬وقد يتفق ّأُنا ّترق َ‬
‫الرش اليليل‪ ،‬مع أنّه لو قيس‬ ‫ِ‬
‫ألجل ذلك ّ‬ ‫يمكن أن ترتك تلك اخلريات الكثرية‬
‫السعيد بالنار إىل ميدار انتفاعه َ‬
‫طول عمره هبا‪ ،‬مل يكن‬ ‫ميدار استضار ذلك ّ‬
‫بين ام نسب ٌة يعتدّ هبا‪ ،‬فكيف إذا قيس إىل مجيع املنتفعّي هبا؟ ثم إ ّن هذا ّ‬
‫الرش‬
‫ييض وميدّ ر‬
‫الرش جمعول أو َم ّ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫جمعول بالعرض‪ ،‬ومعنى قوهلم‪ :‬إ ّن‬ ‫اليليل‬
‫بالعرض‪ ،‬شيئان‪:‬‬
‫أن أعدام املَ َلكات‬ ‫الرش عد ٌم‪ ،‬فال جعل يتع ّلق به ّ‬
‫بالذات‪ ،‬كام ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫أحدمها‪ّ :‬‬
‫جمعولة بالعرض مللكاهتا‪ .‬واالنتزاعيات جع ُل ا بمعنى جعل منشأ انتزاع ا؛ إذ‬
‫ال ّ‬
‫بالذات‪.‬‬ ‫ليس ألنفس ا ما حياذهيا؛ حتّى يستدع جع ً‬

‫والساموّاي إدّ العدم‬


‫السامواي ّ‬
‫(‪ )1‬أي ددم الذاي أو ددم كامل الذاي‪ ،‬إذ د ددم يف ّ‬
‫وإما بادتبار‬ ‫فان العدم املقابل ّإما بادتبار حلول الضدّ يف ّ‬
‫حمل الضدّ فّل ضا ّا فيها؛ ّ‬ ‫املجامع؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫انحّلل الرتكيب فّل ركيب فيها‪ ،‬كام يف املواليد الثّلثة وإن كان الثاين راجع ًا إىل ّ‬
‫األول؛ ّ‬
‫الفصل ضدّ الوصل‪ ،‬وادفرتاق ضدّ ادجتامع يف األكوان األربعة‪ .‬وأّض ًا ما مل ّغلب إحدى‬
‫ّ‬
‫ّنحل املركب يف املواليد‪ .‬منه‪.‬‬ ‫الكيف ّياي املتضا ّاة دىل األخرى مل‬
‫وثانيهام‪ :‬أ ّن النّار ا ّلت ه موجود من املوجودات ـ وييال‪ :‬إ ُّنا ٌّ‬
‫رش‪ ،‬ف‬
‫خري‪ ،‬وألجل‬
‫ٌ‬ ‫رش ورشير ـ فإ ّن اجلاعل جعل ا بام ه‬
‫ّ‬ ‫جمعولة بالعرض بام ه‬
‫ماست‬ ‫السعيد مث ً‬
‫ال‪ ،‬لكن كوُنا بحيث إذا َّ‬ ‫االنتفاع هبا‪ ،‬ال ألجل أن حيرق ثوب ّ‬
‫بدن حيوان ُتؤذيه الز ٌم لوجودها‪ ،‬ولكوُنا بحيث يرتتّب علي ا كامالهتا وخرياهتا‬
‫الالئية هبا‪ ،‬وال ّالزم مستند إىل نفس امللزوم بالذات‪ ،‬وإىل جاعل امللزوم‬
‫بالعرض‪ ،‬وإرادة اجلاعل تعليت بنفس امللزوم‪ ،‬وه بعين ا تعليت برشورها‬
‫الالزمة له بالعرض‪.‬‬
‫الشب ة‪ ،‬والثّاين مذاق أرسطو‪.‬‬
‫واملعنى األول يناسب مذاق أفالطون يف دفع ّ‬
‫والرش اإلضاف َّيّي هو‬
‫ّ‬ ‫املخص باخلري‬
‫ّ‬ ‫ثم إ ّن املذكور من التيسيم غري‬
‫ّ‬
‫خصصه باإلضاف َّيّي‪ ،‬فيال يف‬‫املش ور يف كتب اليوم‪ ،‬والسيد املحيق الداماد ّ‬
‫الرش يف ماهيته عدم وجود‪ ،‬أو عدم كامل ّما‬ ‫أن ّ‬ ‫استتب ّ‬
‫ّ‬ ‫اليبسات‪« :‬فإ َذن قد‬
‫ملوجود‪ ،‬من حيث إ ّن ذلك العدم غري الئق به يف نفس األمر‪ ،‬أو غري مؤ ّثر عنده‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإن املوجودات ليست من حيث ه موجودات وال من حيث ه أجزاء نظام‬
‫الرش ّية بالعرض؛ إذ ليست إىل‬
‫يصح أن يدخل يف ّ‬
‫ّ‬ ‫الوجود برشور أص ً‬
‫ال‪ ،‬إنّام‬
‫خصوص ّيات األشياء العادمة لكامالهتا من حيث ه مؤ ّدية إىل تلك األعدام‪.‬‬

‫أن الوهم ا الذي هو شيطان‬ ‫وأما املثال من التكليف ّياي‪ ،‬فهو ّ‬


‫(‪ )1‬هذا مثال من التكّوّن ّياي‪ّ ،‬‬
‫واملحركة والطبيع ّية‬
‫ّ‬ ‫ااخيل‪ ،‬ومل ّسجد آلام الذي هو العقل‪ ،‬وقد سجد له ّ‬
‫كل القوى املدركة‬ ‫ّ‬
‫و ها كاألدضاء ا جعله اجلادل إلاراك املعاين اجلزئية من حم ّبة األقارب واألصدقاء‪،‬‬
‫واملّلئامي اجلزئ ّية‪ ،‬ودداوة األدداء‪ ،‬واملنافراي اجلزئ ّية‪ ،‬واخلوف من الوقوع يف املهالك‪ ،‬إىل‬
‫رش ورشّر‪ ،‬أي من‬ ‫والكيل‪ ،‬ومل اجعله من حيث هو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذلك من اخل اي للنظام اجلزئي‬
‫الرزق‬ ‫رض بالدّ ّن‪ ،‬أو خياف من فقد ّ‬
‫حيب الباطل وَساب الدّ نيا والدّ اثراي التي ّ‬ ‫حيث هو ّ‬
‫دند إرااة العقل إدانة املسكني‪ ،‬أو خياف من املبيد باملقابر ونحو ذلك‪ .‬منه‪.‬‬
‫فإ َذن‪ ،‬إنّام رشور العامل ُا ٌ‬
‫مور إضافية مييسة إىل آحاد أشخاص مع ّينة بحسب‬
‫خصوصياهتا مفصولة عن النظام الوحداين املتسق امللتئم من األشياء‬ ‫حلا‬
‫أن أحد ًا أحاط‬
‫ال‪ ،‬فلو ّ‬
‫رش أص ً‬ ‫مجيع ا‪ .‬وأ ّما يف حدّ أنفس ا وباليياس إىل ّ‬
‫الكل فال ّ‬
‫بجملة نظام الوجود‪ ،‬والحظ مجيع األسباب املتأد ّية إىل املس ّببات عّل الرتتيب‬
‫كل يشء عّل الوجه ا ّلذي ينبغ‬
‫النازل من مبدأ الكل طوالً وعرض ًا رأى ّ‬
‫رش ًا عّل احلييية بوجه‬
‫للوجود والكامل الذي يبتغيه النظام‪ ،‬فلم َير يف الوجود ّ‬
‫من الوجوه أص ً‬
‫ال‪ ،‬فليعلم‪.‬‬

‫وميض‬
‫الرشية اإلضافية بالعرض بحسب اليياس إىل شخص ّيات‬ ‫ّ‬ ‫فإذا اعتربت‬
‫اآلحاد بخصوصياهتا‪ ،‬فاعلمن أ ّن األشياء بحسب اعتبار وجود ّ‬
‫الرش بالعرض‬
‫ِ‬
‫ربئ وجودها من كل ج ة عن‬‫وعدمه‪ ،‬ينيسم باليسمة العيلية إىل ُامور ُت ّ‬

‫(‪ )1‬فاألشخاص النّاقصة إذا قيسد إىل أشخاص كاملة راءي رشّرة‪ ،‬وكذا اذا أخذي‬
‫وأما إذا لوحظد يف حدّ أنفسها‪ ،‬وأ ّ ا وجوااي‪ ،‬والوجوا‬ ‫مفصولة دن أجزاء النّظام ّ‬
‫الكيل‪ّ .‬‬
‫خ ‪ ،‬وأ ّ ا أصحاب أوهام‪ ،‬ومل ّتو ّقع من الوهم ما ّرت ّقب من العقل بالفعل‪ ،‬كام إذا مل ّقس‬
‫الصبي إىل البالب ومل ّرت ّقب من ومهه ّإد اّة ومه ّية د دقل ّية ولوحظد متّصلة بأجزاء‬
‫اإلنسان الكب ‪ ،‬وأ ّ ا يف عم النّظام من الواجباي‪ .‬وكان النّظر واسع ًا واقع ًا دىل النّظام‬
‫الكيل كاند يف اّة احلسن‪ ،‬وهذا مثل اإلنسان الصغ إذا نظري إىل ُظفره أو شعره مفصودً‬
‫الكل وأ ّ ام ليسا مم ّا حي ّلهام احلياة وجدهتام ناقصني‪ ،‬بخّلف ما إذا نظري إىل ّ‬
‫الكل ورأّتهام‬ ‫دن ّ‬
‫مفصولني‪ ،‬وفقط‪ .‬وكذا إذا نظري إىل املطبخ أو املربز مفصودً‪ ،‬أو نظري إىل‬ ‫متّصلني‬
‫جمموع العامرة مفصودً‪ ،‬أو نظري إىل جمموع العامرة العالية التي مها من مشمودهتا الرضور ّّة‬
‫مر‪ .‬منه‪.‬‬
‫وأ ّ ام لو مل ّكونا فيها كاند ناقصة كام ّ‬
‫يتعرى وجودها عن ذلك‬ ‫الرش واخللل والفساد مطلي ًا‪ ،‬و ُأمور ال ّ‬
‫استيجاب ّ‬
‫رأس ًا‪ ،‬وال يمكن أن توجد تامة الكامل املبتغى من ا إ ّال ويلزم ا أن يكون يف‬
‫رش ّما باليياس إىل بعض األشياء عند ازدحامات‬
‫الوجود بحيث يعرض من ا ٌّ‬
‫املتحركات و ُمصاكاهتا‪ ،‬و ُامور رش ّية عّل اإلطالق تكون‬
‫ّ‬ ‫احلركات‪ ،‬ومصادمات‬
‫أي يشء‬
‫يستض بوجودها ـ ّ‬
‫ّ‬ ‫رش ّيت ا بالعرض يف الوجود باليياس إىل كل يشء‬
‫كان ـ وال ينتفع به يشء من األشياء أص ً‬
‫ال‪ ،‬وإنّام خري ّيت ا بحسب وجودها يف‬
‫أنفس ا ال باإلضافة إىل يشء ممّا يف نظام ّ‬
‫الكل غريها»‪.‬‬
‫قسم اليسم ال ّثاين إىل ما يغلب فيه ّ‬
‫الرشية اإلضافية‪ ،‬وما يتساوى‪،‬‬ ‫ثم بعدما ّ‬
‫ّ‬
‫األول موجود كالعيول حيث ال يزاحم موجود ًا ّما من‬
‫أن ّ‬ ‫وفرع ّ‬ ‫وما ّ‬
‫ييل ويندر‪ّ .‬‬
‫ال‪ ،‬وكذا ما يغلب‬‫يستض بوجودها يشء من األشياء أص ً‬ ‫ّ‬ ‫املوجودات‪ ،‬وال‬
‫خري ّيته عّل رش ّيته كالنار وأمثاهلا‪ .‬وأما ال ّثالثة الباقية‪ ،‬ف مجيع ًا من أقسام‬
‫اخلري ّ‬
‫بالذات‪ ،‬الف ّياض بالعناية‪ ،‬الف ّعال باحلكمة‬ ‫الرشور‪ ،‬يمتنع صدورها عن ِّ‬
‫ّ‬
‫بالذات هو عد ُم الكامل املبتغى‪،‬‬ ‫التامة‪ ،‬قال‪« :‬فإ َذن‪ ،‬قد ت ّلخ أ ّن ّ‬
‫الرش احلييي‬
‫وال يصح استناده إ ّال إىل عدم الع ّلة ال غري‪ .‬وهذا أصل به أبطل أفالطون‬

‫أن‬
‫ظن ّ‬ ‫للرشور‪ّ ،‬‬
‫حيث ّ‬ ‫ثنوي ّقول بمبدأّن موجواّن أحدمها للخ اي‪ ،‬واآلخر ّ‬ ‫ألن ال ّ‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫وان اخل املح د ّفعل ّإد اخل ؛ فعنده الرشور صاارة دن مبدأ‬ ‫الرشور موجوااي‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫الرش ددم والسنخ ّية معتربة بني الع ّلة واملعلول؛ فع ّلة الوجوا‬
‫موجوا آخر‪ .‬وحيث ُح ّقق أن ّ‬
‫للرش الذي هو ددم‪،‬‬ ‫وجو ٌا ودلة املاه ّية ماه ّي ٌة ود ّلة العدم ٌ‬
‫ددم فّل حاجة إىل مبدأ موجوا ّ‬
‫ومذهب «أفّلطون» أدىل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واخل قاطبة صاار دن املبدأ املوجوا الذي هو «ّزاان» والنّور‪.‬‬
‫الرش ددم د الوجوا كام يف مرشب «أرسطو» إدّ‬
‫أن ّ‬‫ألن التحقيق ّ‬
‫ومرش ُبه أدذب وأحىل؛ ّ‬
‫رش قليل‪ ،‬واملبدأ املوجوا الذي‬ ‫بالعرض؛ فإنّه ّقول إنّه وجوا ّإد ّ‬
‫إن فيه خ اي كث ة مع ّ‬
‫رش كث ؛ وإنّه‬
‫الرش القليل ٌّ‬
‫هو «ّزاان» ّوجدها د حمالة؛ إذ رك اخل اي الكث ة ألجل ّ‬
‫الرش بالعرض مضاف ًا إىل بعض ما يف نظام الوجود هو‬
‫اإلهل شب ة الثنو ّية‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫رشيته الطفيفة االتفاقية‬
‫الوجود املستلزم النسالخ موجود ّما عن كامله بالفعل ّ‬
‫باإلضافة إىل أشخاص جزئ ّية يف ُاوييات يسرية من لوازم خرييته العظيمة الثابتة‬
‫املستمرة باليياس إىل نظام ّ‬
‫الكل‪ ،‬وباإلضافة إىل أكثر ما يف النّظام عّل االتّصال‬ ‫ّ‬
‫الرشور يف اليضاء‬ ‫َ‬
‫دخول ّ‬ ‫واال ّطراد‪ .‬وهذا أصل عليه ّفرع أرسطاطاليس املع ِّلم‬
‫األول اإلهل بالعرض» انت ى‪.‬‬

‫ألن اإلضافة وإن كاند ادتبارّة إدّ ا ّ ا ثبو ّية إدّ أن‬
‫الرش إضافة؛ ّ‬
‫إن ّ‬ ‫أدذب أّض ًا مم ّا ّقال ّ‬
‫ُ‬
‫رش بالعرض‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّقال ا ّ ا ٌ‬
‫(‪ )1‬الطفيف‪ :‬اليليل‪.‬‬
‫(‪ )2‬اليبسات‪ 432 :‬ـ ‪.435‬‬
‫َش ٍء َقد ٌّر﴾‬
‫َّك َد َ َىل ك ُِّل َ ْ‬
‫(‪﴿ )52‬إن َ‬
‫دل قوله‪« :‬إنّك قادر عّل ما تشاء» عّل أصل اليدرة‪ّ ،‬‬
‫دل هذا عّل عموم‬ ‫كام ّ‬
‫اليدرة‪ ،‬فإ ّن متعلق اليدرة يف األول «ما شاء اهلل»‪ ،‬ويف الثاين « ّ‬
‫كل يشء‪ :‬ما شاء‬
‫اهلل‪ ،‬وما شاء غريه»‪.‬‬
‫واملخالف يف عموم اليدرة من ملل غري اإلسالم‪ :‬ال ّثنوي ُة اليائلون بمبدأين‬ ‫ُ‬
‫والرش مها َيزدان وأه ِر َمن‪ ،‬واملانو ّي ُة والديصانية اليائلون بالنّور والظلمة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للخري‬
‫كل َمن ييول من‬ ‫ُّ‬ ‫للرشور‪ .‬ويف مرتبت م ضمري ًا‬ ‫األول للخريات وال ّثاين ّ‬
‫اإلسالم ّيّي بمبدأين مستي َّلّي وإن مل ّ‬
‫يسم ام هبذه األسامء‪ ،‬ولذا قال النب |‪:‬‬
‫األمة» ‪.‬‬
‫«القدرّة جموس هذه ّ‬
‫والنّصارى اليائلون بالتثليت واألقانيم الثالثة ‪ ،‬واحلرنان ّيون ـ وهم طائفة‬
‫من أقدم املتفلسفة ـ اليائلون بالتخميس‪ .‬واليدماء اخلمسة اثنان ح ّيان فاعالن‬

‫حمتاج إىل الع ّلة يف‬ ‫وأن املعلول‬


‫(‪ )1‬كاملعتزلة القائلني بأنّا خالقوا أداملنا دىل ادستقّلل‪ّ ،‬‬
‫وأن لنا القدرة املستق ّلة‪ .‬بخّلف األشعري؛ فإنّه ّقول إنّه ليس لنا ّإد جملو ّّة صنع اهلل‬
‫البقاء‪ّ ،‬‬
‫عاىل‪ ،‬وأنّه ليس لنا من األمر َشء‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬التوحيد‪.1/55 :‬‬
‫(‪ )3‬أي ُاقنوم األب‪ ،‬و ُاقنوم ادبن و ُاقنوم روح القدس‪َ .‬‬
‫ودنَوا هبا الوجو َا والعلم واحلياةَ‪،‬‬
‫دربوا دن ُاقنوم الوجوا ب ُاقنوم األب‪ ،‬وهكذا‪ .‬ولكن هذا أّض ًا ٌ‬
‫باطل؛ أل م وإن أرااوا‬ ‫وقد ّ‬
‫كل منها دني األخرى‬‫إن صفة الواجب عاىل دني ذا ه وليسد ه‪ ،‬وكذا ّ‬ ‫ٍ‬
‫صفاي ثّلث ًا‪ ،‬إدّ ّ‬
‫ها‪ .‬منه‪.‬‬ ‫وليسد‬
‫مها البارئ والنفس‪ ،‬واثنان ليسا ح َّيّي فاع َلّي وال منفع َلّي مها الدّ هر واخلالء‪،‬‬
‫ال ولكنّه منفعل هو اهليوىل‪ّ .‬‬
‫ولعل مرادهم بالدّ هر‪ :‬الزمان‪،‬‬ ‫وواحد ليس ح ّي ًا فاع ً‬
‫وباخلالء‪ :‬املكان‪ ،‬والتعبري عن املكان ـ وهو البعد املفطور ـ باخلالء يف ِ‬
‫ألسنَت م‬ ‫ُ‬
‫كثري‪.‬‬
‫واملخالف فيه من فرق املسلمّي‪ :‬املعتزل ُة اليائلون بالتفويض‪ ،‬فيالوا‪ :‬إ ّن اهلل‬
‫وفوض إلي م االختيار‪ ،‬ف م مستي ّلون‬
‫تعاىل أوجد العباد‪ ،‬وأقدرهم عّل أفعاهلم ّ‬
‫بإجياد تلك األفعال عّل وفق مش ّيت م‪ ،‬وطبق قدرهتم‪ .‬والنَّ ّظام ييول‪« :‬إنه ال‬
‫ييدر عّل اليبيح » ‪ .‬والبلخ ييول‪« :‬إنّه تعاىل ال ييدر عّل مثل فعل العبد؛‬
‫ّ‬
‫ألن ميدور العبد إ ّما طاعة أو سفه أو عبث‪ ،‬وذلك عّل اهلل حمال» ‪ .‬وأبو عّل‬
‫اجلُ ّبائ وأبو هاشم‪ ،‬ييوالن‪« :‬إنّه تعاىل قادر عّل مثل ميدور العبد‪ ،‬وليس بيادر‬
‫عّل نفس ميدور العبد‪ .‬وهؤالء املسلمون ينادون من مكان بعيد‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن‬
‫ُاولئك املرشكّي‪.‬‬
‫الراسخّي يف العلم والعرفان‪ ،‬وهو «األمر بّي‬
‫والتّحييق يف امليام‪ :‬مذهب ّ‬
‫األمرين» من اجلرب والتفويض املأثور من أئمتنا املعصومّي (سالم اهلل علي م) ‪،‬‬

‫رش الذي ذكرنا أنّه العدم‪ ،‬والعدم‬


‫كالرش بام هو ّ‬
‫ّ‬ ‫بأن القبيح بام هو قبيح‬
‫(‪ّ )1‬مكن وجيه قوله ّ‬
‫السلب إىل األوصاف‬
‫ّتوجه ّ‬
‫ّ‬ ‫البلخي» بأنّه‬
‫ّ‬ ‫د حيتاج إىل الفادل املوجوا‪ .‬وكذا وجيه قول «‬
‫نفس وجوا فعل العبد فهو من اهلل عاىل؛ وكذا من ّقول د ّقدر دىل نفس‬
‫وأما ُ‬
‫العنوان ّية‪ّ ،‬‬
‫مقدور العبد‪ّ ،‬مكن وجيهه‪ ،‬فتدَّ بر‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬عنه يف النافع يوم احلرش يف رشح الباب احلادي عرش‪ ،36 :‬كشف املراد يف رشح جتريد‬
‫االعتياد‪ ،396 :‬املواقف ‪.78 :2‬‬
‫(‪ )3‬عنه يف قواعد املرام (ابن ميثم البحراين)‪ ،97 :‬املواقف ‪.78 :2‬‬
‫(‪ )4‬انظر الكايف ‪ ،13/16 :1‬االعتيادات يف دين اإلمامية‪ ،5/29 :‬التوحيد‪.206 :‬‬
‫ّ‬
‫يتخط إىل‬ ‫وهو أن يعلم توحيد األفعال من توحيد ّ‬
‫الذات‪ ،‬ال كاألشعري الذي مل‬
‫ميام توحيد الذات‪ ،‬ويدّ ع التص ُّلب يف ميام توحيد األفعال‪ ،‬ويثبت للعباد‬
‫اليدرة الكاسبة‪ ،‬وهلل تعاىل اليدرة املؤ ّثرة‪ .‬فليعرف أنه كام ال وجود وال حييية‬
‫وميوم ا‪ ،‬وحييية ّ‬
‫كل حييية‪ ،‬وهو ّية‬ ‫ّ‬ ‫وال هو ّية وال ظ ور إ ّال وقيوم الوجودات‬
‫كريس إرشاقه ساموات األرواح‪ ،‬وأرايض‬
‫ّ‬ ‫كل «هو»‪ ،‬ونور ّ‬
‫كل نور‪ ،‬الواسع‬ ‫ّ‬
‫األشباح ٌ‬
‫حميط هبا‪ ،‬وه منه وبه وإليه‪ ،‬الكإحاطة يشء بّشء‪ ،‬بل كإحاطة يشء‬
‫بف ء‪ .‬وهو األصل املحفو لكل وجود حييي ‪ ،‬والسنخ الباق هلا‪ ،‬كام ّ‬
‫أن‬
‫النفس اإلنسانية هو األصل املحفو جلميع ال َّلطائف ا ّلسبع اإلنسانية‪ ،‬ال أنّه‬
‫جمموع ا وإ ّال لزم الرتكيب‪ ،‬وال أنّه واحد من ا ـ وإن كان عالي ًا ـ وإ ّال لزم‬
‫التحدّ يد‪:‬‬

‫كذلك ال شأن لّشء‪ ،‬وال فعل له إ ّال وهلل تعاىل معه شأن‪ ،‬وله يف فعله فعل‪،‬‬
‫ونعم ما قيل‪:‬‬

‫وكل املبادئ حتى امليارنات كالطبائع والكيفيات الفعلية جمايل قدرته‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العّل‬ ‫الواح ِد ال َي ّ ِ‬
‫ار‪ ،‬وال حول وال ق ّوة إ ّال باهلل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ومنازل فاعليته‪ِ :‬‬
‫إن احلُ ُكم إ ّال هلل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫العظيم‪:‬‬

‫(‪ )1‬البيت للشارح يف رشح منظومة يف احلكمة‪.309 :‬‬


‫(‪ )2‬رشح ُنج البالغة ‪.60 :1‬‬
‫نور اهلل باعتبار وج ه إىل اهلل وعلمه علم‬
‫َ‬ ‫فكام ّ‬
‫أن وجود زيد ـ مع كونه‬
‫ون ب َيشء م ْن د ْلمه إ ّد بام َ‬
‫شاء﴾ ‪َ ﴿ ،‬وما‬ ‫اهلل ومش ّيته مش ّية اهلل ﴿ َود ُحيي ُط َ‬
‫شاؤون إ ّد أن ّشآء اهلل﴾ ‪ ،‬والتوحيد إسياط اإلضافات وإن كان له تعاىل علم‬
‫شأن ـ كذلك فعل زيد مع كونه فع َله ُ‬
‫فعل اهلل‪.‬‬ ‫للشؤون في ا ٌ‬
‫ومشيّة وشأ ٌن ليس ّ‬

‫احلقيقي بجهته النّوران ّية مضاف إليه عاىل ّأودً‪ ،‬وإىل املاه ّياي ثاني ًا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن الوجوا‬
‫(‪ّ )1‬عني ّ‬
‫السعة‪ ،‬والقيد‬
‫الّصف‪ ،‬واملقيد دن املطلق‪ ،‬س ّيام اإلطّلق بمعنى ّ‬
‫واملشوب د خيلو من ّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫والشوب بمعنى العدم‬
‫اااو وجاااوا مطلاااق و هساااتى ماااا‬ ‫ماااااا دااااادمهائيم و هساااااتيهانام‬
‫حق اإلّقان والعيان بوجوا‬ ‫أهل ّ‬
‫الشهوا د ّوقنون ّ‬ ‫أن‬
‫«ّعني هستى نامها»‪ .‬ود خيفي ّ‬
‫السامء‪ ،‬ولو خت ّطى إىل دامل‬
‫اهلل‪ ،‬فإنّه إذا كان هذا وجوا زّد‪ ،‬وذاك وجوا دمرو‪ ،‬وذلك وجوا ّ‬
‫امللكوي واجلربوي؛ ّ‬
‫فكل وجوا هناك أّض ًا لصاحبه من حقائق املّلئكة ورقائقهم‪ .‬وهكذا‬
‫يف كل َشء‪ ،‬فكيف ّوقن بوجوا اهلل عاىل؟ إدّ أن ّقول قليد ًا لألخيار؛ وذلك ّ‬
‫ألن الوجوا‬
‫بكل َشء كإحاطة َشء بفيء‪ ،‬د كإحاطة َشء بيشء‬ ‫الّلّئق بجنابه هو الوجوا املحيط ّ‬
‫يط﴾ (فصلد‬‫َش ٍء حم ٌ‬ ‫﴿أ َد إ َّ ُ ْم يف م ْر َّ ٍة ِّمن ِّل َقاء َر ِّهب ْم﴾ (فصلد ‪َ ،)54‬‬
‫﴿أ َد إ َّن ُه بك ُِّل َ ْ‬
‫َ‬
‫احلق عاىل بعينه‪ ،‬وكذا اثر ّ‬
‫كل دلم وقدرة ومش ّية بالنّسبة إىل دلمه‬ ‫أثر ّ‬ ‫‪ّ .)54‬‬
‫فكل اثر لوجوا ُ‬
‫أن دند أهل اجلهل والغفلة [أنه] ليس منه عاىل ّإد اسم‬ ‫وقدر ه ومش ّيته ّ‬
‫الشامّلي؛ فكام ّ‬
‫ّبق مم ّا سواه إدّ اسم ورسم‬ ‫ورسم‪ ،‬كذلك دند أهل ّ‬
‫الشهوا‪ ،‬واملوجوا بحقيقة الوجوا مل َ‬
‫﴿إ ْن ه َي إ َّد َأ ْس َامء﴾ (النجم ‪ ... )23‬اآلّة‬
‫وان هسد كه نيسد مى نُامّد بطلاب‬ ‫آن نيسد كه هسد مى نُامّد‪ ،‬بجاذار‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف األصل احلجري بعده‪ :‬وجود زيد‪ ،‬وه زائدة ّإال أن يراد تعريف الضمري يف «كونه»‬
‫هبا‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيرة‪.255 :‬‬
‫(‪ )4‬اإلنسان‪.30 :‬‬
‫وهذا «أمر بّي األمرين» بنحو البساطة بال شائبة تركيب من اجلرب والتّفويض‪،‬‬
‫بل هو اختيار حمض يف عّي كونه تسخري ًا رصف ًا‪:‬‬

‫وهذه املسألة شديدة االحتياج إىل املسألة احلية البدهيية الت مضت‪ ،‬أعن‬
‫خري‪ ،‬بحيث يكون خريية الوجود حالك وميامك‪ ،‬فيعينك عّل معرفة‬
‫الوجود ٌ‬
‫َّك َد َ َىل‬ ‫مسألتنا هذه‪ .‬ولشدّ ة ُلصوق ا هبا أردف قو َله‪« :‬ب َيد َك َْ‬
‫اخل ُ » بيوله‪﴿ :‬إن َ‬
‫ك ُِّل َ ٍ‬
‫بسطنا الكالم‬ ‫َشء َقد ٌّر﴾‪ .‬والبسط يف امليام يستدع جماالً أوسع‪ ،‬ولع ّلنا َ‬ ‫ْ‬
‫فيه يف (رشح األسامء) املعروفة بـ(اجلوشن الكبري)‪.‬‬

‫(‪ )1‬يتيمة الدهر ‪ .305 :3‬سري أعالم النبالء ‪.513 :16‬‬


‫(‪ )2‬رشح األسامء احلسنى ‪.92 :2‬‬
‫َّهار يف ال َّليل﴾‬ ‫(‪ُ ﴿ )53‬ول ُج ال َّل َ‬
‫يل يف النَّهار َو ُول ُج الن َ‬
‫من النّ ار يف ال ّليل حسب‬ ‫من ال ّليل يف الن ار‪ ،‬وما ني‬ ‫أي يدخل ما ني‬
‫مصالح َد ّبرها يف ذلك‪ .‬وإنّام قدم إيالج ال ّليل يف الن ار عّل عكسه؛ ّ‬
‫ألن النّ ار‬
‫ّور وجو ٌد‪ ،‬والظلم َة عد ٌم‪ .‬وأيض ًا‬
‫قاهر عّل الليل كالنّور عّل الظلمة؛ حيث إ ّن الن َ‬
‫ٌ‬
‫أن الربوج من ا شاملية ومن ا جنوب ّية‪ .‬وملّا كان ّ‬
‫الشمس‬ ‫الرشح ّ‬
‫مر يف أوائل ّ‬
‫قد ّ‬
‫س ّيد الكواكب‪ ،‬واملعترب من تأثريه‪ ،‬بل تأثري الكواكب االُخرى ما يف ّ‬
‫الشامل؛ ّ‬
‫ألن‬
‫املعمورات فيه‪ ،‬وكانت احلركة اخلاصة ّ‬
‫بالشمس من املغرب إىل املرشق‪ ،‬وكذا‬
‫حركة فلك الثوابت الذي يالزم الشمس يف حركته منطيته‪ ،‬جعلوا ابتداء الربوج‬
‫من املغرب‪ ،‬ومن الربوج الشاملية‪ ،‬وهو برج احلمل‪ .‬فـ[من] عند سري الشمس‬
‫من نيطة «االعتدال الربيع » رشوع يف إيالج الليل يف النّ ار‪ ،‬كام أنّه من عند‬
‫السري من نيطة «االعتدال اخلريف » رشوع يف العكس‪.‬‬
‫وإنّام ُاويت بصيغة املضارع الدالة عّل االستمرار التجدّ دي؛ ّ‬
‫ألن هذا أمر‬
‫مستمر ثابت أبد ًا‪ ،‬وال سكون يف الفلك والفلك ‪ ،‬ومدارات حركة ّ‬
‫الشمس يف‬ ‫ّ‬
‫األيام وال ّليايل خمتلفة‪﴿ :‬ولن جتدَ لسنّة اهلل َبدّ ً‬
‫ّل﴾ ‪.‬‬
‫هذا هو ظاهر الكالم‪ ،‬وأ ّما باطنه‪ ،‬فرياد بالن ار‪ :‬الوجود‪ ،‬وبالليل‪ :‬املاهية‪،‬‬
‫فـ﴿ ُّول ُج ال َّل ْي َل يف الن ََّهار﴾ ‪ ،‬أي متحق وتفنى املاهيّة يف الوجود‪ ،‬كام يفنى ال َظ ّل‬
‫غب االدهلا ّم‪َ ﴿ .‬و ُّول ُج الن ََّه َار يف ال َّل ْيل﴾‪ ،‬أي‬ ‫وال ّظالم ّتت سطوع ّ‬
‫الشمس ّ‬

‫(‪ )1‬األحزاب‪.62 :‬‬


‫(‪ )2‬ليامن‪.29 :‬‬
‫يتغ ّطى بغطاء ّ‬
‫التعّي‪.‬‬
‫املســامة عنــد اإلرشاقــّي بــاألنوار‬
‫ّ‬ ‫ويــراد أيضــ ًا بالنّ ــار‪ :‬األنــوار املــد ّبرة‬
‫والصـيايص البدن ّيـة‪ .‬واإليـالج نظـري مـا‬ ‫اإلسف بد ّية‪ ،‬وبال ّل ِ‬
‫يل‪ :‬املوا ُّد الظلامن ّية‪ّ ،‬‬
‫ذكر‪.‬‬
‫تنور األجسام باألنوار املد ّبرة‪ ،‬بل صريورهتا إ ّياها‪ ،‬وتع ّلق األنوار املد ّبرة‬ ‫أو ّ‬
‫ت َإىل الن ِ‬
‫ُّور‬ ‫اإلسف بدية باألجسام‪﴿ :‬اهلل و ِيل ا َّل ِذين آمنُوا ُخي ِرج م ِمن ال ُّظ ُلام ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫ت ُأو َلئِ َك‬
‫ُّور َإىل ال ُّظ ُلام ِ‬
‫َ‬ ‫وُنم ِم َن الن ِ‬
‫وت ُخير ُج َ ُ‬ ‫َوا َّل ِذي َن َك َف ُروا أول ِ َي ُ‬
‫اؤ ُه ُم ال َّطا ُغ ُ ِ‬
‫الح‬
‫الص ُ‬ ‫ب وال َع َم ُل ّ‬
‫ِ‬
‫ون﴾ ‪﴿،‬إليه َيص َعد الكَل ُم ال ّط ِّي ُ‬ ‫اب الن َِّار ُهم فِي َ ا َخالِدُ َ‬‫أص َح ُ‬
‫ك﴾ ‪.‬‬ ‫ير َفعه﴾ ‪﴿،‬يا أي ُت ا ا ّلنفس ا ُملطمئنّ ُة ار ِجع إىل رب ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬
‫وقس عّل إرادة األنوار الذاتية إرادة األنوار الصفاتية‪ ،‬كنور العلم واملعرفة‪،‬‬
‫ونور األعامل الصاحلة‪ ،‬واألخالق احلسنة‪ ،‬ونور الوالية والنبوة‪ ،‬والظلامت‬
‫امليابلة هلا‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.257 :‬‬


‫(‪ )2‬فاطر‪.10 :‬‬
‫(‪ )3‬الفجر‪.28 :‬‬
‫احلي﴾‬
‫د م َن ٍّ‬ ‫من امل ِّيد َو ُخت ُ‬
‫رج امل ِّي َ‬ ‫(‪َ ﴿ )54‬و ُختر ُج َّ‬
‫احلي َ‬
‫املحسنات‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫هاتان اجلملتان من صنعة «العكس والتبديل» الت‬
‫البديع ّية‪ ،‬كسابيتي ام‪ .‬وإطال ُق ام يشمل خروج املؤمن من الكافر وبالعكس‪،‬‬
‫وخروج العامل من اجلاهل وبالعكس‪ ،‬بل خروج احل ّ بالذات ا ّلذي هو النّفس‬
‫من احل بالعرض املي ِ‬
‫ت بالذات ا ّلذي هو البدن‪ ،‬وبالعكس؛ فإ ّن ّ‬
‫تنزل النفس إىل‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫ميام البدن بوجه كتكاثف اهلواء الصايف بشدّ ة الربد‪ ،‬وصريورته غي ًام رقيي ًا‬
‫كالصور املثالية‪ ،‬أو غليظ ًا كالصور املادية‪ ،‬وترفعه إىل ميام ا كخالفه‪ ،‬ولكن يف‬
‫النّفس بال جتاف عن امليام‪.‬‬

‫(‪ )1‬خرب احلرف املش ّبه‪.‬‬


‫(‪َ ﴿ )55‬و َر ُز ُق َمن ُ‬
‫َشاء ب َغ حساب﴾‬
‫كامللوك‪ .‬ولو جعلنا معنى قوله تعاىل‪﴿ :‬ب َغ حساب﴾ بغري ُناية‪ ،‬و«الرزق»‬
‫أعم من املَ َلك ـ الذي طعامه الت ليل ورشابه‬
‫احلّس واملعنوي‪ ،‬واملرتزق ّ‬
‫أعم من ّ‬
‫ّ‬
‫عم من ال ّطبيع والنّفساين الذي خلق للبياء ال‬
‫ثم اإلنسان أ ّ‬
‫التسبيح ـ واإلنسان‪ّ ،‬‬
‫املجردون من م‬
‫ّ‬ ‫َشاء﴾ هم‬
‫ُ‬ ‫املجردة عيل ّي ًا أو مثالي ًا‪ ،‬فـ﴿ َمن‬
‫ّ‬ ‫للفناء‪ ،‬ومداركه‬
‫امليربّي‪ ،‬والعيول اليدّ يسّي سابيّي أو الحيّي‪ ،‬فإ ّن هلم ش ود ًا‬ ‫س ّيام املالئكة ّ‬
‫وسيي ًا إثر سي ‪ ،‬كام قيل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ب عشق‪َ ،‬‬ ‫بعد ش ود‪ ،‬وعشي ًا غ َّ‬

‫بل موا ّد األفالك املتوارد علي ا وضع بعد وضع‪ ،‬وموا ّد العنارص املتناوب‬
‫علي ا صورة بعد صورة داخل ٌة يف املرتزقّي بغري حساب بحسب التأويل‪.‬‬

‫(‪ )1‬جواب احلرف «لو»‪.‬‬


‫(‪ )2‬اليائل هو بو يزيد البسطام ‪.‬‬
‫ند﴾‬
‫(‪﴿ )56‬د إل َه أ َ‬
‫أي ال معبود إ ّال أنت‪ .‬ويلزمه أن ال واجب بل ال موجود حييي ّي ًا إ ّال أنت‪.‬‬
‫بيان ذلك‪ :‬إ ّن لكل موجود ـ حتّى األمور الت تستحيرها ـ نصيب ًا من‬
‫املعبودية؛ لكونه حمتاج ًا إليه يف النظام الكّل‪ ،‬فللمحتاج تذ ّل ٌل له‪ ،‬ولذلك كثري‬
‫من األشياء ا ُّخت َذت أصنام ًا ّ‬
‫كالشمس واليمر والنّجوم‪ ،‬والنّار واملاء‪ ،‬وأمثاهلا‬
‫ح ّتى الكلب واخلنزير؛ جسامنية كانت أو غريها‪ ،‬نحو «كلب الغضب» و«خنزير‬
‫دهدْ إلَيك ُْم ّا‬ ‫رأّد َمن َّاخت َذ َ‬
‫إهل َه َهوا ُه﴾ وقال‪﴿ :‬أ َمل أ َ‬ ‫الش وة»‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬أ َف َ‬
‫تذ ّلل له وعبد‪.‬‬ ‫َبني آ َام أ ّد َعبدُ وا ّ‬
‫الشيطان﴾ ‪ ،‬بل هبذا االعتبار ال يشء إ ّال وقد ّ‬
‫فعند طلوع نور احلييية ‪ ،‬واكتحال بصرية اليلب بنور وارد منه‪ ،‬ينكشف أن ال‬

‫(‪ )1‬اجلاثية‪.23 :‬‬


‫(‪ )2‬يس‪.6 :‬‬
‫الرابطي به‪ ،‬وّقول‬
‫(‪ )3‬بأن ّفتح دني القلب وحيصل للنّور وجواه ّ‬
‫ااى وصاااورة‬ ‫فشااااهد ُه يف كا ّ‬
‫اال معنا ً‬ ‫جتااىل يل املحبااوب ماان ّ‬
‫كاال وجهااة‬ ‫ّ‬
‫استَق ْم ك ََام ُأم ْر َي﴾ (هوا ‪.)112‬‬
‫ومتكّن يف مقام ادستقامة التي أمر هبا اهلل عاىل بقوله ﴿ َف ْ‬
‫وإن ّ‬
‫كل معبوا‬ ‫وقولنا «باطل مضمحل ما خّل وجهه الكرّم» اقتباس من الدداء املبارك « ّ‬
‫ّ‬
‫مضمحل ما خّل وجهك الكرّم»‬ ‫مم ّا اون درشك إىل قرار أرضك السابعة السفىل باطل‬
‫املتهجد ‪ ،332/220‬املصباح (الكفعمي) ‪ ،73‬مفتاح الفّلح ‪ ،61‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫[مصباح‬
‫املعروف بدداء احلرّق‪ ].‬فعند هذا ّظهر أن د ملجأ ود منجى ود َمهرب ود مرجتى منه إدّ‬
‫إليه‪ ،‬وقيل‬
‫كااه بااه هاار سااو كااه اّااده بجشاااّد‬ ‫دااااارف حااااق شااااناس را باّااااد‬
‫جااااز شااااهوا خااااداى نجزّنااااد‬ ‫ار حاااااواّج خاااااداى را بيناااااد‬
‫منه‪.‬‬
‫معبود وال متذ َّلل إليه يف الوجود إ ّال هو‪ّ ،‬‬
‫وأن مجيع ما عداه من املجازات باطل‬
‫ّ‬
‫مضمحل ما خال وج ه الكريم؛ فإ ّن كل موجود له ج تان‪:‬‬
‫ج ٌة نورانية‪ ،‬وه وجه اهلل الباق ‪﴿ :‬فأ َّنَام َُو ّل ُوا َف َث َّم َوج ُه اهلل﴾ ‪.‬‬
‫وج ٌة ظلامنية‪ ،‬وه حدّ ه وتعينّه وماهيّته‪ ،‬و﴿إ ّ ا ك ََْساب بقي َعة َحي َس ُب ُه‬
‫ماء َحتّى إذا جاء ُه َمل ْ َاجدْ ُه شيئ ًا َو َو َجد اهلل دندَ ه فو ّفي ُه حسا َب ُه﴾ ‪.‬‬
‫ال ّظ َام ُن ً‬
‫الشمس مبدأ للخريات ا ّلت ال ُت َعدُّ وال‬
‫ُ‬ ‫فالتذ ّلل ييع له بج ته النورانية مث ً‬
‫ال‬
‫ُّتىص باعتبار وجوده ووجوبه ونورا ّيته وف ّعال ّيته ومرغوب ّيته ألجل هذه‪ ،‬ال‬
‫باعتبار ماه ّيته وإمكانه وظلمته الذات ّية وانفعاالته املا ّد ّية؛ إذ ليس ملاه ّيته ومادته‬
‫إال املظ ر ّية واملجلو ّية‪.‬‬
‫وإيثار كلمة «أنت» الت للحضور؛ ّ‬
‫ألن هنا ميامات‪:‬‬
‫ففي مقام ال َيرى الذاكر يف نفسه وال يف غريه إ ّال ّ‬
‫الُّساب ّية والفير والفاقة‬
‫ِ‬
‫وكامل الوجود‬ ‫والعبودية املحضة‪ ،‬وأ ّن ماه ّية العبد وما يف يدها من الوجود‬
‫ملوالها‪ ،‬وحينئذ ييول‪ّ« :‬ا هو‪ّ ،‬ا من ُهو‪ّ ،‬ا من د إله إ ّد هو» ‪.‬‬
‫احلق حييية الوجود‪ ،‬وهو احلارض الش يد عّل كل يشء‪،‬‬
‫أن ّ‬‫ويف ميام َيرى ّ‬
‫وهو املحيط ِّ‬
‫بكل الوجودات واملاه ّيات‪ ،‬وبه خرجت املاه ّيات عن استواء‬
‫الوجود والعدم‪ ،‬وصارت واجبة بالغري‪ ،‬أحد ّية الوجه‪ ،‬وأنّه مل يكن املواد‬
‫كالعنارص إ ّال ظلامت وغواسي ًا‪ ،‬وبالنّور احل ّ العليم اليدير املريد ّ‬
‫السميع‬
‫البصري صارت متنّور ًة ح ّي ًة عاملة قادرة‪ ...‬إىل آخره‪ ،‬بحيث إ ّن مظاهر املاه ّيات‪،‬‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.115 :‬‬


‫(‪ )2‬النور‪.39 :‬‬
‫(‪ )3‬التوحيد‪ ،89 :‬التفسري الكبري ‪ ،151 :1‬باختالف عنه‪.‬‬
‫وجمايل املواد فاني ٌة ّتت قاهرية صفاته وباهر ّية أسامئه‪ ،‬بل أق رية ذاته‪ ،‬فنا َء املرآة‬
‫نت إ ّال‬ ‫ّتت ظ ور الصور املرئية في ا‪ ،‬وحينئذ ييول‪« :‬ال إل َه إ ّال َ‬
‫أنت‪ ،‬بل ال أ َ‬
‫نت»‪.‬‬
‫أ َ‬
‫ومن املأثورات عن املعصومّي^‪« :‬ال أرى إ ّال َوج َ َك‪َ ،‬وال أس َم ُع إ ّال‬
‫صؤت َ‬
‫َك» ‪ ،‬ومن هنا وقع االلتفات من الغيبة إىل اخلطاب يف فاّتة الكتاب‪ ،‬إيام ًء‬
‫أن اليارئ ينبغ أن يكون حا ُله هكذا‪ ،‬ولذا كان ِمن أسامئ ا سورة «تعليم‬ ‫إىل ّ‬
‫املسألة»‪.‬‬
‫إعلم‪ ،‬أنّه ينبغ أن ينظر ا ّلذاكر عند النف يف هذه الكلمة الطيبة أو يف «ال إله‬
‫إ ّال اهلل» إىل األشياء ـ أعن املاه ّيات بعنوان الُّساب ّية ـ ويراها باطل ًة بذواهتا‪:‬‬
‫كل يشء ما َخال اهلل ٌ‬
‫باطل‬ ‫أال ّ‬

‫(‪ )1‬بحار األنوار ‪ ،209 :54‬الدّ ر املنثور ‪ ،6 :5‬وقد نسباها لعزير×‪.‬‬


‫(‪ )2‬أل ّ ا ادتبار ّّة حمضة ذاهتا حيث ّية ددم اإلباء دن العدم ويف حال الوجوا أّض ًا مل ّّص‬
‫خلوها الذات‪ .‬ويف اإلثباي ّنظر إىل الوجوا احلق‬
‫الوجوا دينها ود جزئها‪ ،‬بل باقية دىل ّ‬
‫بعنوان أنّه حق حميط‪ ،‬وبحر مبسوط وسيع د اّة له؛ فاملاهياي اإلمكان ّية والتّع ّيناي‬
‫اددتبار ّّة كحبب دليه‪ ،‬او كأ ربة دىل ما قيل‬
‫گفاد از اّان ارّاا برانجياز آن باار‬ ‫ااا جااااروّى باااه اساااتم آن نجاااار‬
‫فمرااه باملكنسة [أي كلمة جاروّي الواراة يف البيد أدّله] «د» النافية‪ ،‬و«باملعطي» إ ّّاها‬
‫ادُستاذ الذي هو من أهل الذكر‪ ،‬و«بالبحر» حقيقة الوجوا‪ ،‬و«بالغبار» املاه ّياي‬
‫اإلمكانية‪ .‬والوجوا ّتكثر بتكثر املاه ّياي وّعرضه التباّن والتقابل وادختّلف هبا‪ ،‬فاذا‬
‫اسقطتها دنه بكلمة النفي‪ ،‬ونظري إىل حقيقة الوجوا بكلمة اإلثباي‪ ،‬ومتكّند فيه كام قال‬
‫الذاك َراي﴾‬‫ّن اهللََّ كَث ً ا َو َّ‬
‫﴿وال َّذاكر َ‬
‫﴿وا ْذك ُُروا اهللََّ كَث ً ا﴾ (اجلمعة ‪ )10‬وقال َ‬
‫اهلل عاىل َ‬
‫اخلاص‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(األحزاب ‪ ،)35‬حصل التوحيد‬
‫(‪ )3‬بحار األنوار ‪ ،12/267 :22‬سنن الرتمذي ‪ ،140 :5‬وفيه‪ :‬عن النب | قال‪:‬‬
‫كلمة َلبيد‪« :‬أال ّ‬
‫كل يشء‪.»...‬‬ ‫ُ‬ ‫«أشعر كلمة تكلمت هبا العرب‬
‫حميط‪ ،‬حم ِّي ُق احليائق‪ّ ،‬‬
‫مذوت‬ ‫ويف اإلثبات إىل الوجود احلق بعنوان أنّه ّح ّق‪ٌ ،‬‬
‫الس َام َواي َواألَ ْر َض َو َما َب ْين َُه َام إدَّ ب َْ‬
‫احل ِّق﴾ ‪ ،‬وأنّه نور‬ ‫الذوات‪َ ﴿ :‬و َما َخ َل ْقنَا َّ‬
‫الوجودات أشدَّ من اني ار أنوار‬
‫ُ‬ ‫ظاهر با ّلذات‪ ،‬اني رت ّتت سطوة نوره‬
‫الكواكب ّتت سطوع نور الشمس يف النّ ار‪ ،‬بل ال نسبة بوجه بّي الي َ رين‪.‬‬
‫ونعم ما قال صاحب (سلسلة الذهب)‪:+‬‬

‫(‪ )1‬احلجر‪ 85 :‬واألحياف‪.3 :‬‬


‫(‪ )2‬اليصيدة لعبد الرمحن اجلام ‪ .‬سلسلة الذهب‪ 18 :‬ـ ‪.19‬‬
‫له َّم َوب َحمد َك﴾‬
‫َك ا ّل ُ‬
‫(‪ُ ﴿ )57‬سبحان َ‬
‫مترصف الزم اإلضافة‪ ،‬أي ُاس ّبحك تسبيح ًا‪ .‬واحلال‬
‫ّ‬ ‫مصدر غري‬
‫ٌ‬ ‫«سبحان»‬
‫أ ّن ذلك التسبيح ميرون بحمدك‪ ،‬أو احلال ّأين مشغول بحمدك‪ ،‬واألَوىل أن‬
‫للسبب ّية‪ .‬و«احلمد» مصدر مضاف إىل الفاعل‪ ،‬واملفعول حمذوف‪،‬‬
‫تكون «الباء» ّ‬
‫أو بالعكس‪ :‬أي احلال أ ّن ذلك التسبيح بسبب محدك نفسك‪ ،‬أي تسبيح‬
‫ور ّتت محدك‬
‫ور ّتت تسبيحك لنفسك‪ ،‬ومحدي مب ٌ‬
‫وقوتك ومي ٌ‬
‫بحولك ّ‬
‫وثناؤنا‬
‫ُ‬ ‫إ ّياك ‪ .‬أنت كام أثنيت عّل نفسك‪ ،‬ونحن ال ُنحص ثنا ًء َعليك‪ ،‬كيف‬
‫عاري ٌة من جنابك‪ ،‬ووديعة لدينا من حضتك؟‬
‫وال بدّ يوم ًا أن ُي َّرد الودائع‬
‫ّسبيح» يؤول إىل «احلمد»‪ ،‬واحلمد يؤول إىل التّسبيح‪ ،‬فكأنّه قيل‪:‬‬
‫و«الت ُ‬
‫سبحانك وبتسبيحك‪ ،‬ومحد ًا لك وبحمدك‪ .‬وإليه يشري قوله تعاىل‪ْ ﴿ :‬‬
‫وإن م ْن‬

‫املقدّ س؛ إذ احلمد إظهار فضائل‬ ‫(‪ )1‬محده لنفسه هو الوجوا املنبسط الذي ّقال له الفي‬
‫املحموا وفواضله‪ ،‬وهذا الوجوا إظهار أسامئه وصفا ه دىل رؤوس األشهاا‪ ،‬وإدراب ما يف‬
‫الرمحاين مقاطع املجايل واملواا‪ .‬ومحده أّض ًا جت ّليه باسم اجلّللة دىل‬
‫الضم املكنون بالنفس ّ‬
‫اإلنسان الكامل‪ ،‬وإظهار فضائله وفواضله يف وجواه‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬عجز بيت صدره‪:‬‬
‫وما املال واألهلون ّإال وديعة‬
‫معاين األخبار‪ ،5/194 :‬االستذكار (ابن عبد الرب)‪.82 :3 :‬‬
‫وال بــــــــــــد ُيومــــــــــــ ًا‪...‬‬ ‫ومــا الــروح يف اجلــثامن إالّ ودائــع‬
‫ََشء إ ّد ّس ِّبح ب َح ْمده﴾ ‪ ،‬أي يس ّبح بتسبيحه تعاىل لنفسه‪ .‬وهذا املعنى قصد‬
‫من قال معنى قوله تعاىل‪ْ ﴿ :‬‬
‫احلاَ ْمدُ هلل﴾ ‪ّ :‬‬
‫أن احلامدية واملحمودية له‪ ،‬بنا ًء عّل‬
‫استعامل املصدر يف اليدر املشرتك بّي املبن للفاعل واملبن للمفعول‪ .‬وما ذكرنا‬
‫ريب ال َعظيم وب َح ْمده»‪ ،‬ويف ذكر‬
‫حان ّ َّ‬
‫الركوع‪ُ « :‬س ْب َ‬
‫يف هذا امليام جار يف ذكر ّ‬
‫ريب األ ْدىل َوب َح ْمده»‪ ،‬فف اجلمع بّي التسبيح والتحميد‪ ،‬بل‬
‫السجود‪« :‬سبحان ّ َ‬
‫ّ‬
‫اخلواص من‬
‫ّ‬ ‫بينه والتوحيد ـ عّل ما ذكرنا يف الفيرة السابية ـ إشار ٌة إىل طريق‬
‫املوحدين من اجلمع بّي التنزيه والتشبيه كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ليس كمثله َُشء‬
‫ِّ‬
‫عرفت اهلل بجمعه بّي األضداد» ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫السميع ال َبص ﴾ ‪« .‬‬
‫وهو ّ‬ ‫ُ‬
‫َرت بِ ُشعاع‬ ‫وكاجلمع بّي الظ ور واخلفاء‪« :‬يا من َخ ِف من َفر ِ‬
‫ط ُظ ُ ِ‬
‫وره‪ ،‬واست َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫علوه» ‪،‬‬‫ُنو ِره» ‪ ،‬ومجعه بّي العلو والدنو‪« :‬يا َمن َعال يف ُد ُن ِّوه‪ ،‬يا من دنا يف ّ‬
‫ومجعه بّي ال ُبعد واليرب‪« :‬يا َمن َب ُعدَ َفال ُيرى‪ُ ،‬‬
‫وقر َب فش د النّجوى» ‪،‬‬

‫(‪ )1‬اإلرساء‪.44 :‬‬


‫(‪ )2‬الفاّتة‪.2 :‬‬
‫السميع البص »‪،‬‬
‫وأما « ّ‬ ‫(‪ )3‬إذ دمومه ّشمل التّنزّه دن العقل ّ‬
‫الكيل والنفس الكل ّية اإلهلية‪ّ .‬‬
‫أن املسند‬
‫فجميع العوامل احليوان ّية مظاهرمها وقد حّصا فيه عاىل؛ إذ قد ثبد يف دلم املعاين ّ‬
‫األول واآلخر والظاهر والباطن وهو ّ‬
‫بكل‬ ‫املعرف بالّلّم مقصور دىل املسند إليه‪ .‬ومثله هو ّ‬
‫ّ‬
‫َشء دليم‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشورى‪.11 :‬‬
‫(‪ )5‬من كلامت أيب سعيد اخلراز‪ .‬الفتوحات املكية ‪.325 :4‬‬
‫(‪ )6‬رشح األسامء احلسنى ‪.96 :2‬‬
‫(‪ )7‬دعاء اجلوشن الكبري‪ ،‬فصل ‪.83‬‬
‫(‪ )8‬مصباح املت ّجد‪( ،690/579 :‬دعاء االفتتاح)‪ ،‬اإلقبال باألعامل احلسنة ‪.140 :1‬‬
‫ومجعه بّي الدّ خول يف األشياء واخلروج عن ا داخل يف األشياء ال باملامزجة‪،‬‬
‫وخارج عن األشياء ال باملزائلة‪ ،‬داخل يف األشياء ال كدخول يشء يف يشء‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وخارج عن ا ال ُ‬
‫كخروج يشء عن يشء وقس عليه‪ .‬فإ ّياك من برودة التّشبيه‪،‬‬
‫ومن حرارة التّنزيه‪ ،‬وعليك باجلمع ولكن ال بنحو الرتكيب واملزج‪ ،‬ونعم ما‬
‫قيل ‪:‬‬

‫(‪ )1‬الفصوص‪.70 :‬‬


‫(‪ )2‬رشح فصوص احلكم‪.511 :‬‬
‫قدر َك َفّل َخيا ُفك؟﴾‬
‫عرف َ‬
‫(‪َ ﴿ )58‬من ذا َّ ُ‬
‫يف بعض النسخ « ُقدْ َر َ‬
‫َك»‪ .‬و« َمن» استف امية‪ ،‬و«ذا» موصولة‪ ،‬وحيتمل أن‬
‫تكون ملغا ًة بتيديرها مركبة مع «من»؛ فيصريان اس ًام واحد ًا من أسامء‬
‫االستف امية‪ ،‬نحو‪« :‬من ذا رأيت؟»‪ .‬أو بتيديرها زائدة بّي « َمن» ومدخوهلا‪.‬‬
‫ويظ ر ثمرة االحتام َلّي يف البدل من اسم االستف ام‪ ،‬فإنّك إذا قلت‪« :‬من ذا‬
‫رأيت أزيد ًا أم عمر ًا؟» فعّل اإللغاء ينصب البدل؛ ّ‬
‫ألن اسم االستف ام مفعول‬
‫ميدم‪ ،‬وعّل املوصولية يرفع؛ ألن «من ذا» متبدأ وخرب‪ .‬واح ُتمل الوج ان يف‬
‫َك ماذا ُّنف ُقون ُقل ال َعفو﴾ وقس عليه قوله×‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪َّ ﴿ :‬سألون َ‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.219 :‬‬


‫(‪َ ﴿ )59‬و َمن ذا َّع َل ُم ما أ َ‬
‫ند َفّل َُّيا ُب َك؟﴾‬
‫قلت‪« :‬ما» سؤال عن ّ‬
‫الذات والذاتيات‪ ،‬وذاته تعاىل ال تكتنه‪ ،‬فال يليق‬ ‫إن َ‬
‫بمن «هو هو»‪« :‬ما هو؟»‪ ،‬و«ما أنت؟»‪ .‬ولذا ملّا سأل فرعون عنه تعاىل بيوله‪:‬‬
‫﴿ َوما َرب ا ْلعاملَ َ‬
‫ني﴾ ‪ ،‬أجاب موسى× بالعوارض تنبي ًا عّل أ ّن «ما هو»‬
‫إن‬
‫ليس موقعه «هو»‪ ،‬وإن غب الذي كفر‪ ،‬ومل يتفطن بام أوما وأشعر فيال‪َّ ﴿ :‬‬
‫َر ُسو َلك ُُم ا ّلذي ُأرس َل ا َليك ُْم ملَ ْجنُون﴾ نظر ًا إىل أنّه سأل عن الذايت‪ ،‬وأجاب‬
‫اجلواب السؤال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫موسى× بالعريض‪ ،‬فلم يطابق‬
‫قلد‪:‬‬
‫ُ‬
‫ّأما ّأودً‪ ،‬فكون «ما هو» غري الئق بجنابه؛ لكون «ما هو» سؤاالً عن شيئية‬
‫املاهية من النوع واجلنس واحلدّ ‪ ،‬ويش ٌء من ا ال يليق بجناب قدسه؛ لكونه‬
‫وجود ًا رصف ًا ونور ًا حمض ًا ال ماهيّة له‪ ،‬وأ ّما «ما هو» الذي هو مأخذ املاهيّة‬

‫(‪ )1‬الشعراء‪.23 :‬‬


‫(‪ )2‬الشعراء‪.27 :‬‬
‫(‪ )3‬مل ِ‬
‫ُنتد إىل خربه يف العبارة الواقعة يف سياقه‪.‬‬
‫أن للامه ّية معنيني‬
‫(‪ )4‬ادلم‪ّ ،‬‬
‫التام‪ .‬وهذا ليس للواجب‬ ‫ّ‬ ‫أحدمها ما ّقال يف جواب «ماهو»‪ ،‬وهو النّوع واجلنس واحلدّ‬
‫بالذاي‪.‬‬
‫أدم؛ إذ ّطلق دىل الوجوب والوجوا أّض ًا؛ أل ّ ام ما به‬
‫والثاين ما به اليشء «هو هو»‪ ،‬وهذا ّ‬
‫ا ّليشء الذي هو الوجوا والوجوب «هو هو»‪ ،‬وانّام كان «ما هو» مأخذ املاه ّية؛ ّ‬
‫ألن املاه ّية‬
‫أصلها «ما هو» و«الياء» للنسبة و«التاء» دّلمة النقل‪ .‬منه‪.‬‬
‫واجب له‪ ،‬وهو عّي وجوده وهويته‪ ،‬لكن ال‬
‫ٌ‬ ‫بمعنى ما به الّشء هو هو‪ ،‬ف و‬
‫يعلم بالعلم احلصويل؛ إذ ليس لذاته املتعالية وجود ذهن لنا‪ ،‬إنّام يعلم بالعلم‬
‫احلضوري بفناء العامل به عن ذاته وعن علمه‪.‬‬

‫وأما ثاني ًا‪ ،‬فنيول‪ :‬املراد أنّه ال يعلم ُ‬


‫غريه أنّه «ما هو»‪ ،‬فإن علم بنور وارد منه‬ ‫ّ‬
‫نوره‪ ،‬فكان البصري به طر ُفه‪.‬‬
‫تنزلنا عن ذلك امليام‪ ،‬قلنا‪ :‬إ ّن «ما» بمعنى ّ‬
‫أي يشء يف عرضه‪،‬‬ ‫ّأما ثالث ًا‪ ،‬فلو ّ‬
‫وللتكلم يف مفاهيم صفاته جمال رحب‪.‬‬
‫تنزلنا أيض ًا‪ ،‬قلنـا‪« :‬مـا» هاهنـا هـ «مـا الشـارحة»‪ ،‬ال «مـا‬
‫وأما رابع ًا‪ ،‬فلو ّ‬
‫ّ‬
‫احلييييــة»‪ ،‬أي مــن ذا يعلــم رشح لفــظ اجلاللــة وال هيــاب؟ وحينئــذ فــالتعبري‬
‫مـر بيانـه‪.‬‬
‫املسمى بوجه‪ ،‬لكن عينه بوجه كام ّ‬
‫ّ‬ ‫بـ«أنت»؛ ّ‬
‫ألن االسم وإن كان غري‬
‫واستعامل لفظ «اهليبة» هنا‪ ،‬و«اخلوف» يف الفيرة األُوىل يؤ ّيـد اجلـوابّي ّ‬
‫األو َلـّي‬
‫التنزل‪.‬‬
‫قبل ّ‬
‫فمعنى «فّل ُّيابك»‪ :‬فال يفنى فيك؛ ّ‬
‫ألن «اخلوف» و«الرجاء» ألهل البدايات‬
‫الســالكّي إىل اهلل تعــاىل‪ ،‬و«اليــبض» و«البســط» للمتوســطّي‪ ،‬و«اهليبــة»‬
‫مــن ّ‬
‫و«األنس» للمنت ّي‪ ،‬فف عرفان قـدره وصـفته اسـتعمل لفـظ «اخلـوف»‪ ،‬ويف‬

‫(‪ )1‬ن عم‪ ،‬ملفاهيم صفا ه وجوا ذهني اجعل هذه املفاهيم مرائي حلاظه بوجهه‪ ،‬مثل مفهوم‬
‫الوجوا والوجوب والنّور واحلياة والعلم ونظائرها‪ ،‬كام ّلحظ حقيقة الوجوا بمفهومه‬
‫ووحد ه وهو ّّته احلقيقتني بمفهومهام‪ .‬منه‪.‬‬
‫بمقومه الوجواي‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬كام ّعلم النفس ذاهتا بالعلم احلضوري‪ ،‬وهو دلم حضوري‬
‫فان معرفة النفس أّض ًا صعبة «من‬
‫رب حضوري كّل حضور؛ ّ‬
‫احلضوري له مرا ب؛ إذ ّ‬
‫درف نفسه فقد درف ر ّبه» [مصباح الرشّعة ‪ .]14‬منه‪.‬‬
‫عرفان ذاته وما به هويته استعمل لفظ «اهليبة» وه هيبته املحق يف احلييية عنـد‬
‫لامء﴾ ‪ ،‬بل قد قـرأ بعضـ م‬ ‫طمس رسوم اخلليية‪﴿ :‬إنّام َ ْ‬
‫خي َشى اهلل م ْن دبااه ال ُع ُ‬
‫برفع «اهلل» ونصب «العلامء»؛ ولع ّله بنـاء عـّل اخلشـية التيديريـة مـن تـدقيي م‬
‫والذهن املترصف الو ّقاد‪ ،‬وال يعبـأ‬
‫ألُنم أصحاب الكياسة‪ّ ،‬‬
‫ونيدهم وتزييف م؛ ّ‬
‫يتفوه هبا بعض العارفّي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الش َطح ّيات الت‬ ‫بغريهم من اجل َ َلة أو من ّ‬
‫تفوه م من ّ‬

‫(‪ )1‬فاطر‪.28 :‬‬


‫ك ْالف َر َق﴾‬ ‫(‪﴿ )60‬أ َّل ْف َ‬
‫د ب ُقدْ َر َ‬
‫«التأليف»‪ :‬مجع األجزاء مع الرتتيب‪ ،‬أو مجع األجزاء مع املناسبة؛ ألنه من‬
‫الفرقة»‪ :‬الطائفة من الناس‪ .‬وظاهر تأليفه الفرق واضح؛ وأ ّما‬ ‫األُلفة‪ .‬و« ِ‬

‫تأويله ‪ ،‬ف و أنّه تعاىل أ ّلف فِ َرق النّفوس الناطية‪ ،‬وه األنايس امللكوت ّيون مع‬

‫الرئيس «أيب دىل بن سينا» قوله متّص ً‬


‫ّل بام نقلنا يف احلاشية‬ ‫(‪ )1‬ومن القصيدة العين ّية للشيخ ّ‬
‫داان ماايم مركزهااا بااذاي األجاارع‬ ‫ح ّتاااى إذا ا ّصااالد هبااااء هبوطهاااا‬
‫اخلضااااع‬
‫باااني املعاااامل والطلاااول ّ‬ ‫دلقااد هبااا ثاااء الثقياال فأصاابحد‬
‫وقوله «بذاي األجرع» ّإما متع ّلق با«ا صلد»‪ ،‬أي أرض ذاي حزونة‪ .‬واملراا با«هاء» هذا‬
‫العامل املا ّاي‪ .‬واألوىل أن ّكون متع ّلق ًا «بمركزها»‪ .‬و«الباء» يف قوله «بذاي» للظرف ّية؛ ألن‬
‫«األجرع» هو املكان الواسع‪ .‬واملراا هبا األرض البيضاء الواسعة التي هي يف دامل العقل‪.‬‬
‫ويف كّلمه إشاراي إىل لطائف منها أنه أشار إىل أ ّ ا صاري آام بسبب هبوطها بعدما كاند‬
‫فإن ددا «اهلاء» و«امليم» ددا‬
‫السابق هو وجواها العقيل والعلمي؛ ّ‬ ‫ألن وجواها ّ‬‫دقل ّي ًا؛ ّ‬
‫﴿حيب ُه ْم َو ُحيبو َن ُه﴾ (املائدة ‪.)54‬‬
‫«آام»‪ ،‬وهو املراا من « ُهم» يف قوله عاىل ُ‬
‫فإن «اهلاء» من احلروف احللق ّية‪،‬‬
‫ومنها أنّه اشارة إىل جامع ّيتها ملرا ب الغيوب والشهااة؛ ّ‬
‫أن الكلمة‬ ‫و«امليم» من الشفو ّّة؛ فأخذ ّأول احلروف وآخرها‪ ،‬وظاهرها وباطنها إّامء إىل ّ‬
‫وأن النّفس‬
‫وكل الكلامي و«جامع اجلوامع»‪ّ ،‬‬‫التّامة اآلامية وجوا جامع‪ ،‬و«هيكل التّوحيد»‪ّ ،‬‬
‫الناطقة آّة كربى ظاهر ٌة يف بطو ا‪ ،‬وباطنة يف ظهورها‪ ،‬كذا اآلّة كام يف قوله بعد املطلع‬
‫وهاااي التاااي سااافري ومل تربقاااع‬ ‫حمجوباااة دااان كا ّ‬
‫اال مقلاااة داااارف‬
‫السلطنة‪ .‬و«اهلاء» إشارة إىل إضافتها بادتبار‬
‫بالضم ا‪ ،‬وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫أن «امليم» إشارة إىل ا ُمللك ا‬
‫ومنها ّ‬
‫الرسالة الن وز ّّة ا حرف‬
‫فإن «اهلاء» ا كام قال هذا الشيخ يف ّ‬
‫باطن ذاهتا ونشأهتا العلم ّية؛ ّ‬
‫ألن جمايل نوره وظهوره وإضافته اإلرشاق ّية مخسة من الّلّهوي‪،‬‬
‫إضافته عاىل‪ ،‬وذلك ّ‬
‫واجلربوي‪ ،‬وامللكوي األدىل‪ ،‬وامللكوي األسفل‪ ،‬والناسوي‪.‬‬
‫َ‬
‫وأولئك من واد وهؤالء من‬ ‫األبدان الطبيعية البرشية وه األنايس الناسوت ّيون‪،‬‬
‫واد‪ ،‬و ُاولئك أصل م أمر اهلل‪ ،‬وروح اهلل‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َن َفخْ ُ‬
‫د فيه م ْن‬
‫ُروحي﴾ ‪ .‬وكانوا سكّان اجلربوت‪ ،‬بل ال ّالهوت قبل نزوهلم إىل عامل األضداد‬
‫َددُ ٌّو﴾ ‪ ،‬ومل‬ ‫حّي مل ييرع سمع م خطاب‪﴿ :‬اهب ُطوا َب ْع ُضك ُْم ل َب ْع‬
‫لني﴾ ‪ .‬وهؤالء أصل م عامل اخللق‪،‬‬ ‫[يطرق م] عتاب‪ُ ﴿ :‬ث َّم َر َا ْانا ُه أس َف َل ساف َ‬
‫وعامل الغواسق‪ ،‬وهم ديدان عامل العنارص‪ ،‬كام قال احلكامء اإلهليون ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫أوقع قدرته التا ّمة بين ام تآلف ًا وتعاشي ًا‪ ،‬بحيث حيسب الروح نفسه هذه املدرة‬
‫املنبوذة يف هذه اهلاوية الطبيع ّية‪ ،‬وييول‪ :‬أنا البدن الوضع املكاين الزماين‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من لوازم الطبيعة‪ ،‬ويتأ ّثر وينفعل من سوء مزاج البدن‪ّ ،‬‬
‫وتفرق ا ّتصاله‪ ،‬كام‬
‫يُّسى أحوال الروح من حياته وشعوره وقدرته ونحوها إليه‪ .‬بل ر ّبام يشتدّ‬
‫الُّساية بحيث يبرص البدن من خلفه وال ّ‬
‫ظل له‬ ‫ِّ‬

‫أن «دلوق الثاء ال ّثقيل هبا» إشارة إىل ّ‬


‫أن و وهلا يف اهلبوط و ول يف الكثرة؛ فاخلمسة‬ ‫ومنها ّ‬
‫اهلاء والنون والثاء روحها واحدة‪ ،‬والتّفاوي بالرت ّفع والتنزّ ل؛‬
‫فإن َ‬ ‫ثاء؛ ّ‬
‫ص مخسمئة‪ .‬واهلاء ٌ‬
‫متوسطة‪ ،‬ويف النّاسوي قو ّّة‪ .‬منه‪.‬‬
‫فالنّفس يف اجلربوي كثرهتا ضعيفة‪ ،‬ويف امللكوي ّ‬
‫(‪ )1‬احلجر‪.29 :‬‬
‫(‪ )2‬البيرة‪.36 :‬‬
‫(‪ )3‬يف النسخة احلجرية‪« :‬يطرذهم»‪.‬‬
‫(‪ )4‬التّي‪.5 :‬‬
‫(‪ )5‬احلكمة املتعالية يف األسفار العيلية األربعة ‪/729 :8‬اهلامش‪ ،1 :‬للمصنف‬
‫الشريازي&‪.‬‬
‫(‪ )6‬هلذا وجوه‬
‫النوري دىل جسمه‬
‫ّ‬ ‫منها أنّه من باب التغليب‪ ،‬فيغلب حكم روحه األدظم‪ ،‬وكذا جسده‬
‫وجسمه كقطرة مداا يف بحر‬
‫ُ‬ ‫حضوري ّ‬
‫بكل مدرك ومعلوم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العنّصي‪ ،‬وهو ك ّله نور ودلم‬
‫ّ‬
‫حق خاتم الرسل|‪ :‬ونعم ما قيل‪:‬‬
‫كام أثر يف ّ‬

‫ومن تأويل تأليف الفرق‪ :‬االئتالف احلاصل بيدرته وعنايته بّي العنارص‬
‫املتضا ّدة املتداعية إىل االفرتاق‪ ،‬املتاميلة إىل أحيازها الطبيعية؛ ليكُّس َسورة معاداة‬
‫ثم ينجرب كُّسها بإيصاهلا إىل حضة باب األبواب؛ ليكتّس‬
‫كيف ّياهتا املتعاندة‪ّ ،‬‬
‫خلعة اخلالفة‪ ،‬ويرتدي رداء التع ّلم بحيائق األسامء‪ ،‬والتخ ّلق بأخالق اهلل جل‬
‫ان َف َق َال َهلا َول ْ َ‬
‫أل ْرض ائْت َيا‬ ‫جالله‪ ،‬كام قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬ث َّم ْاست ََوى إ َىل َّ‬
‫الس َامء َوه َي ُا َخ ٌ‬

‫دظيم فراي‪ ،‬د ّعلم ُفسحته ّإد اهلل‬


‫گل چو شوا قرّن ُگل گ ا ارناغ وباوى او‬ ‫چوب نباي مى شاوا از اثار مصااحبد‬
‫الّصفة‪ ،‬أحكام‬ ‫أن شيئ ّية اليشء بصور ه وما به فعل ّيته‪ّ ،‬‬
‫فكل ما هو أحكام الصورة ّ‬ ‫ومنها ّ‬
‫الصورة املاا ّّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشاخص دند الزّ وال‪ ،‬د ّ‬
‫ظل له يف خط ادستواء‪ ،‬وهو|‬ ‫أن ّ‬ ‫و أوّل أنّه «د ّ‬
‫ظل له» ّ‬
‫ساكن ادستواء احلقيقي‪ ،‬قبلته بني املرشق واملغرب‪ ،‬شأنه الوحدة يف الكثرة والكثرة يف‬
‫وخلقه الوسط‪ ،‬و ُ‬
‫﴿أ َّم ًة َو َسط ًا ِّل َتكُونُو ْا ﴾ (البقرة ‪ .)143‬وإذا كان هذا حالكم‪،‬‬ ‫الوحدة‪ُ ،‬‬
‫التوسط بني‬
‫ّ‬ ‫وخلقه‪ ،‬وكان دىل ُخ ُلق دظيم كام يف القرآن؟ َفعد ُله الذي هو‬
‫فكيف كان َخلقه ُ‬
‫احلقيقي‪ ،‬فّل ّ‬
‫ظل‬ ‫ّ‬ ‫الشاخص املنتصب يف اائرة ادستواء‬ ‫األطراف املعروف خ ُ ددل‪ ،‬وهو ّ‬
‫له‪ ،‬ود ظلمة فيه‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )1‬مل نعثر عليه عند غري الشارح‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلكمة املتعالية يف األسفار العيلية األربعة ‪/347 :9‬اهلامش‪ ،2 :‬من املصنف‬
‫الشريازي&‪.‬‬
‫عّل×‬ ‫َط ْو ًدا َأ ْو ك َْر ًها َقا َلتَا َأ َ ْينَا َطائع َ‬
‫ني﴾ ‪ .‬وإىل هذا التأليف واالئتالف يشري ّ‬
‫داء‪ ،‬بّل َرو َّّة أ َ‬
‫جاهلا‪َ ،‬ود‬ ‫نشاء‪ ،‬وابتدأهم ابت ً‬
‫يف خطبة ُنج البالغة‪« :‬أنشأ اخللق إ ً‬
‫ألوقاهتا‪َ ،‬وألء َم‬
‫األشياء ْ‬ ‫أجال ْ‬ ‫َ ْجتربة ْاستَفا َاها‪َ ،‬ود َمه َامة نَفس ْ‬
‫اض َط َر َب فيها‪َ .‬‬
‫باحها‪ ،‬دامل ًا هبا َق َ‬
‫بل ا ْبتدائها‪ُ ،‬حميطاً‬ ‫أش َ‬‫خم َت َلفاهتا‪َ ،‬و ََّر َز َرائزَها‪َ ،‬وألز ََمها ْ‬
‫ني ُ ْ‬
‫َب ْ َ‬
‫ب ُحدُ واها َوانْتهائها‪ ،‬دارف ًا ب َقرائنها ْ‬
‫وأحنائها» ‪.‬‬
‫الشـرح‪َ :‬‬
‫أجاهلـا‪ ،‬مـن اجلـوالن‪ .‬قولـه× «ود مهاماة» إىل آخـره‪ ،‬ر ّد عـّل‬
‫املجوس والثنوية اليائلّي «باهلاممة»‪ .‬نيل ابن أيب احلديد يف رشحه عـن الثنويـة‪:‬‬
‫«إ ّن النور األعظم اضطربت عزائمه وإرادته يف غـزو الظلمـة واإلغـارة علي ـا‪،‬‬
‫فخرجت من ذاته قطعة ـ وه «اهلاممة» املضطربة يف نفسه ـ فخالطت الظلمة‪،‬‬

‫(‪ )1‬فصلت‪.11 :‬‬


‫(‪ُ )2‬نج البالغة‪/‬اخلطبة‪.1 :‬‬
‫نور ادسفهبد‬
‫حقيقة الوجوا‪ .‬وباهلاممة والقطعة ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫لعل مرااهم بالنّور األدظم‬‫(‪ّ )3‬‬
‫﴿و َن َف ْخ ُ‬
‫د فيه من روحي﴾‬ ‫اإلنساين‪ .‬وخروجها من ذا ه‪ ،‬أنّه أمر اهلل وروح اهلل كام قال عاىل َ‬
‫الصيايص ونفوسها احليوان ّية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فتجىل النور األدظم بالنور اإلسفهبد دىل ّ‬ ‫(احلجر ‪.)29‬‬
‫واقتطادها دن النور األدظم إخّلاها إىل التع ّلق بالبدن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وخمالطتها الظلمة ع ّل ُقها‪.‬‬
‫الصور املاا ّّة‪ ،‬وهباممة الظلمة القوى احليوان ّية‬ ‫ولعل مرااهم بالظلمة اجلهل ّ‬
‫الكيل‪ ،‬ودامل ّ‬ ‫ّ‬
‫نورها‬‫ومزج النّور األدظم إ ّّاها بأجزائه بدّ ُهلا و ُ‬
‫ُ‬ ‫واقتطادها من ال ّظلمة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والنّبا ّية و مها‪.‬‬
‫وإسّلمها دىل ّدّه اللتني مها العقل النظري‪ ،‬والعقل العميل‪ ،‬كام‬ ‫ُ‬ ‫بنور العقل بالفعل‪،‬‬
‫القوة‬
‫قال| «شيطاين أسلم دىل ّدي» [ فس ابن العريب ‪ ]186 2 ،281 1‬وص ورة ّ‬
‫الغضب ّية كلب ًا مع ّل ًام بعدما كان دقور ًا هراش ًا‪ ،‬والقوة ّ‬
‫الشهو ّّة خنزّر ًا مؤ ّاب ًا بعدما كان رشه ًا‬
‫منهوم ًا‪ .‬وهذا كقوهلم اآلخر ّ‬
‫إن الظلمة حارصي النّور وحبسته مدّ ة‪ ،‬ثم أمدّ ه وأ ّّد ه‬
‫املّلئكة‪ ،‬فاستظهر دىل «أهرمن» الذي هو الظلمة‪ ،‬فقهر الظلمة إد إنه أمهلها إىل أجل‬
‫وانحصاره س ّل ُط القوى احليوان ّية‬
‫ُ‬ ‫مرضوب‪ .‬فالنور هو اإلسفهبد‪ ،‬وا َملحبس هو البدن‪،‬‬
‫غازية هلا‪ ،‬فاقتطعت ا الظلمة عن النور األعظم‪ ،‬وحالت بين ـا وبينـه‪ .‬وخرجـت‬
‫مهامة الظلمة غازيـة للنـور األعظـم‪ ،‬فاقتطعت ـا النـور األعظـم عـن الظلمـة‪،‬‬
‫ومزج ا بأجزائه وامتزجـت مهامـة النـور بـأجزاء الظلمـة أيضـ ًا‪ .‬ثـم مازالـت‬
‫اهلَام َمتان تتياربان وتتدانيان‪ ،‬ومها ممتزجان بأجزاء هذا وهذا‪ ،‬حتـى ابتنـ مـن ام‬
‫هذا العامل املحسوس‪ .‬وهلم يف «اهلاممة» كـالم مشـ ور‪ ،‬وهـ لفظـة اصـطلحوا‬
‫علي ا» ـ انت ى‪.‬‬
‫أج َل األشياء»‪ ،‬وإجا ُلت ا وتأجي ُل ا‬
‫وقوله× «أجال األشياء» ُروي بدله‪َّ « :‬‬
‫معنى‪ .‬وقوله×‪َّ « :‬رز رائزها» مثل قوهلم^‪ّ « :‬‬
‫كيف الكيف» ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متياربان‬
‫حممول عّل اجلعل البسيط‪ ،‬أي أوجد الكيف‪ ،‬ال اجلعل املركب‪ .‬وقوله×‪:‬‬
‫«وألزمها أشباحها»‪ ،‬قال ابن أيب احلديد يف رشحه‪« :‬الضمري املنصوب يف‬
‫«ألزمها» عائد إىل الغرائز‪ ،‬أي ألزم الغرائز أشباح ا يف أشخاص ا‪ ،‬مجع شبح‪.‬‬
‫فالشجاع ال يكون جبان ًا‪ ،‬والبخيل‬
‫ألن ك اال مطبوع عّل غريزة الزمة‪ّ ،‬‬
‫وهذا حق؛ ّ‬
‫ال يكون جواد ًا‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫كل الغرائز الزمة ال تنتيل» انت ى‪.‬‬
‫أقول‪ :‬األَوىل أن يكون «أسناخ ا» ـ بالسّي امل ملة والنون واخلاء املعجمة ـ‬

‫وو و ُله يف إاراك اجلزئياي من حيث هي جزئياي؛ وإمداا املّلئكة إّاه‪ ،‬أّيدُ‬
‫و ها دليه‪ُ ،‬‬
‫بقاء القوى إىل‬
‫ُ‬ ‫القوة إىل الفعل‪ .‬واإلمهال‬
‫احلق املتعال بإخراجه من ّ‬
‫العقل الف ّعال‪ ،‬و وفيق ّ‬
‫العريض الذي د‬
‫ّ‬ ‫ألن ظاهره النور‬
‫اّة ادستكامل كام شاء اهلل عاىل‪ .‬وإنّام ر ّاه وأبطله×؛ ّ‬
‫شعور له‪ ،‬والظلمة ددم ملكة هذا النّور‪ ،‬وأنّه ّنايف التوحيد ودموم القدرة‪ ،‬وأنّه د مؤ ّثر يف‬
‫كل نور‪ .‬منه‪.‬‬ ‫الوجوا إدّ اهلل‪ ،‬وهو القاهر الباهر‪ُ ،‬‬
‫نور ّ‬
‫(‪ )1‬رشح ُنج البالغة ‪.82 :1‬‬
‫(‪ )2‬الكايف ‪ ،3/138 :1‬التوحيد‪.18/61 :‬‬
‫(‪ )3‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫السنخ بمعنى األصل‪ ،‬والضمري راجع ًا إىل األشياء مطلي ًا‪ ،‬أي أبيى ُاصوهلا؛‬
‫مجع ّ‬
‫ألن األنواع حمفوظة بتعاقب أشخاص ا‪ ،‬أو أرجع ا إىل ُاصوهلا‪ ،‬وه العيول‬
‫ّ‬
‫الت يف الطبية املتكافئة‪ ،‬كام ّأُنا راجعة إىل أصل االُصول‪ ،‬وهو اهلل سبحانه‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬دارف ًا بقرائنها وأحنائها»‪« ،‬اليرائن» مجع قرونة‪ ،‬وه نفس الشـ ء‪،‬‬
‫و«األحناء» ـ مجع ِحنو ـ‪ :‬اجلوانـب‪ ،‬أي أنّـه سـبحانه عـارف بـذوات األشـياء‬
‫وحيائي ا‪ ،‬وبج اهتا وعوارض ا‪.‬‬
‫ك ال َف َل َق﴾‬
‫محت َ‬ ‫(‪﴿ )61‬و َف َل ْق َ‬
‫د ب َر َ‬
‫ُ‬
‫والوصل يف اجلملة‬ ‫وأبنت الفجر‪.‬‬
‫َ‬ ‫شييت برمحتك الواسعة الظلمة‪،‬‬
‫َ‬ ‫أي‬
‫حمسن للوصل بين ام‪ .‬وفصل تلك‬ ‫ُ‬
‫والفصل هنا‪ :‬تضا ّدمها تناسب جامع ِّ‬ ‫السابية‪،‬‬
‫للتوسط بّي الكامل‬
‫ّ‬ ‫عن سابيت ا؛ لكامل االنيطاع بين ام‪ ،‬ووصل هذه هبا؛‬
‫واال ّتصال واالنيطاع‪.‬‬

‫نكتةٌ تأويليّةٌ‬
‫إذا أ ّلف مؤ ِّلف اليلوب بّي فِ َر ِق اإلسالم بالتو ّدد والتّصالح‪ ،‬كام قال تعاىل‪:‬‬
‫رب واليسط كام قال‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿إ َّن َام املُؤمن َ‬
‫إخ َو ٌة﴾ ‪ ،‬بل بين م و[بّي] ف َرق الكفر بال ِّ‬ ‫ُون ْ‬
‫ذّن َمل ْ ُّقا ُلوك ُْم يف الدّ ّن َ‬
‫ومل ُخير ُجوك ُْم من اّارك ُْم‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬د َّنهاكُم اهلل َدن ا ّل َ‬
‫انفلق صبح حسن النظام‬ ‫ب املُ ْقس َ‬
‫طني﴾‬ ‫وه ْم و ُقس ُطوا إ َليه ْم ّ‬
‫إن اهلل ُحي ّ‬ ‫أن ََرب ُ‬
‫ْ‬
‫العباد‪ .‬وإذا أ ّلف فرق‬ ‫قرة عّي خ ّل‬ ‫ِ‬
‫يف املعاش واملعاد‪ ،‬ونور التوحيد الذي هو ّ‬
‫بأن أخذ اليبضات‬ ‫العنارص بجمع املزاج واالمتزاج يف مراتب األربعّي‬

‫(‪ )1‬احلجرات‪.10 :‬‬


‫(‪ )2‬املمتحنة‪.8 :‬‬
‫والْس يف‬
‫ّ‬ ‫(‪ )3‬وهذا البيان الذي ذكرناه يف ختم طينة اإلنسان ومزاج بدنه ونفسه هو األصل‬
‫أث هذا العدا الرشّف‪ ،‬وادتباره يف مواضع كث ة‪ ،‬كقوله| «من أخلص هلل أربعني‬
‫صباح ًا جري ّنابيع احلكمة من قلبه دىل لسانه»‪[ .‬ديون أخبار الرضا× ‪،321/74 2‬‬
‫بحار األنوار ‪ ]10/242 67‬منه‪.‬‬
‫ودورها أربع‬
‫العرش الت تسع من ا من الفلكيات‪ ،‬وواحدة من العنارص‪ّ ،‬‬
‫تدويرات من الدورة اجلامدية والنبات ّية واحليوان ّية واإلنسانية‪ ،‬انفلق في ا صبح‬
‫وجود ال ّلطيفة الروحان ّية الت ه أمر ر ّباين ّ‬
‫ورس سبحاين‪.‬‬
‫وإذا أ ّلف فِ َر َق اإلنسان املَ َلك وامللكويت بجمع التع ّلق والتّعاشق بين ام‪،‬‬
‫انفلق صبح وجود «هيكل التوحيد»‪ ،‬وفجر َجممع التفريد املتخ ّلع بخلعة‬
‫اخلالفة‪ ،‬واملؤمتن عّل كنز األمانة‪ ،‬واجلمع م ام اشتدّ بازدياد العلوم اإلهل ّية‪،‬‬
‫وأرصح‪.‬‬
‫َ‬ ‫واألعامل الصاحلة رشيع ًة وطريي ًة‪ ،‬صار الفلق َ‬
‫أبّي‬
‫وارتفاع شمس احلييية يف قّس الوالية والنبوة والرسالة و ُاويل العزميّة‬
‫واخلتمية أزيد وأوضح‪.‬‬
‫بجمع العلم البسيط هلم باملنزل الوسيط‬ ‫وإذا أ ّلف َفر َق طرق ِ‬
‫الف َرق‬
‫والياف املحيط‪ ،‬كام ّ‬
‫أن ُناية مجيع أقطار الياف وه مركز الياف واحدة‪ ،‬بل‬

‫الشوق ّ‬
‫والشهوة من فلك الزهرة‪ ،‬وأخذ الغضب والقهر‬ ‫(‪ )1‬املراا باألخذ من الفلك أخذ ّ‬
‫من فلك املرّخ‪ ،‬وأخذ العلم واإلاراك من فلك املشرتي‪ ،‬وأخذ ادستقامة والتمكّن من فلك‬
‫وقس دليه‪ .‬وكث من األحوال‬
‫الشمس‪ْ ،‬‬ ‫كل بحسبه من فلك ّ‬ ‫الزّ حل‪ ،‬وأخذ طلب اجلاه يف ّ‬
‫والقدرة دىل األفعال اجيء من الفلك األطلس‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬العلم البسيط باملنزل الوسيط دلمهم بحقيقة الوجوا الّصف؛ اذ د ميز يف رصف‬
‫احليس‬
‫ّ‬ ‫اليشء‪ ،‬والعاقل له ّاّتا ٌا باملعقول‪ ،‬واملعقول د نثلم وحد ه بكثرة العواقل‪ ،‬فالنور‬
‫الّصف ساقط اإلضافة دن املوضوداي واجلهاي واألوقاي و ها‪ ،‬جامع بجميع ما هو‬ ‫ّ‬
‫أي دقل وقع دق ً‬
‫ّل‬ ‫ّتكرر يف ّ‬
‫سنخه‪ ،‬وفاقدٌ ملا هو من أجانبه و رائبه‪ ،‬فهو واحد د ّثنّى ود ّ‬
‫ّل ف ّعادً كان‪ّ ،‬‬
‫وإد كان مشوب ًا بالغرائب‪ ،‬هذا خلف‪ .‬وهكذا يف‬ ‫بسيط ًا‪ ،‬إنساني ًا كان أو دق ً‬
‫الّصف املوصول إليه للواصلني‪ .‬والغرّب هنا‪ ،‬العدم‬
‫احلقيقي الذي هو حقيقة الوجوا ّ‬
‫ّ‬ ‫النّور‬
‫واملاه ّية التي د أبى دن الوجوا والعدم‪ .‬والقاف املحيط القدرة‪ ،‬والقلم األدىل‪ ،‬وقلب‬
‫ادنسان الكامل‪ .‬منه‪.‬‬
‫حييية أقطار الياف ليست إ ّال مركزها؛ ألنّه بسيالنه راسم ا‪ ،‬انفلق صبح‬
‫الُّساج؛ فيد طلع‬ ‫ِ‬
‫وتنور به َدياج غواسق رسوم اخلليية؛ «أطف ِّ‬ ‫احلييية‪ّ ،‬‬
‫لكل َف َل ِق ُد ً‬
‫جى َغ َس ٌق انمحى وانمحق بِ َر ّب الفلق‪،‬‬ ‫ثم ملّا كان ّ‬
‫الصبح» ‪ّ .‬‬
‫ع ّيبة× بيوله‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف نور الرباهّي ‪« :223 :1‬أطفئ املصباح؛ فيد أضاء الصباح»‪.‬‬
‫(‪َ ﴿ )62‬وأن َْر َي بك ََرم َ‬
‫ك َاّاج ّي الغ ََسق﴾‬
‫رت‪ .‬ودياج الليل‪ :‬حنادسه‪ .‬والغسق‪ :‬ظلمة ّأول الليل‪.‬‬
‫أنرت‪ ،‬أي ّنو َ‬
‫َ‬
‫ادلم أ ّن النور هو ال ّظـاهر بالـذات‪ ،‬املُظ ـر للغـري‪ .‬وهـو ّ‬
‫حســ صـوري‪،‬‬
‫وحييي معنوي‪:‬‬
‫ألن مجيع املرئ ّيات‬ ‫ِ‬
‫الكيفيات املبرصة أ ّوالً وبا ّلذات؛ ّ‬ ‫واحليس الصوري من‬
‫ّ‬
‫بالبرص تدرك بتوسطه‪.‬‬
‫واحلقيقي املعنوي لسان اإلرشاقيّي فيه خمتلف‪:‬‬
‫املجردات إىل األنوار احلسيّة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فالنّور يف لسان اإلرشاقيني األقدمني يطلق عّل‬
‫َ‬
‫العيول‬ ‫الواجب الوجود با ّلذات» بنور األنوار‪ ،‬والنور الغن ّ ‪ ،‬و«‬
‫َ‬ ‫فيسمون «‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫العيول الكلية العرضية» املد ّعوة‬ ‫الكل ّية الطولية» باألنوار الياهرة األعلّي‪ ،‬و«‬
‫بلساُنم بأرباب األصنام وأرباب الطلسامت وغري ذلك باألنوار الياهرة‬
‫النفوس اجلزئية اإلنسان ّية» باألنوار‬
‫َ‬ ‫النفوس الكل ّية الفلك ّية» و«‬
‫َ‬ ‫األدنّي‪ ،‬و«‬
‫ِ‬
‫باألنوار العرضية‪ ،‬وإىل هنا اختتم‬ ‫اإلسف بدية واألنوار املد ّبرة‪ ،‬واألنوار احلسية‬
‫النور عندهم‪.‬‬
‫يسموُنا بالغواسق‪ ،‬والظلامت‪ .‬واألعراض األُخرى غري‬
‫واجلواهر االُخرى ّ‬
‫والُّسج ّية ونحوها باهليئات الغاسية‪.‬‬
‫األنوار احلس ّيه الشمس ّية واليمر ّية ُّ ُ‬
‫وأما يف لسان إرشاقية اإلسّلم (ضاعف اهلل أنوارهم)‪ ،‬فالنور هو الوجود عّل‬
‫ّ‬
‫متأصلة‪ ،‬وه نور بجميع مراتب ا‪ ،‬والرسم‬
‫ّ‬ ‫اإلطالق؛ ّ‬
‫فإن الوجود حييية‬
‫املذكور ـ أعن الظاهر بالذات‪ ،‬املُظ ِ ر للغري‪ ،‬الذي هو املاهيات ـ ح ُّي ُه وإن‬
‫احلّس أيض ًا‪ ،‬إ ّال إ ّن لنور الوجود امتيازات تؤكّد نوريت ا‬
‫ّ‬ ‫صدق عّل النّور‬
‫وظ ورها وإظ ارها‪:‬‬
‫احلّس قائم بغريه‪ ،‬ونور الوجود قائم بذاته؛ ألنّه أرفع من أن‬ ‫منها ّ‬
‫أن النور ّ‬
‫يكون له قيام وعروض للامه ّيات‪ ،‬حتّى ملراتبه النازلة كالوجودات املاد ّية‪ ،‬بل‬
‫ألن املاهيات اعتبارية دون االنتساب كام ّ‬
‫أن الوجود فوق‬ ‫وال انتساب للغري إليه؛ ّ‬
‫االنتساب ‪ ،‬خالف ًا لطائفة ييولون‪ :‬إ ّن الوجود احلييي حييية واحدة بسيطة‬
‫واملاهيات موجودات‪ ،‬بمعنى ّأُنا منتسبات إىل الوجود‪ ،‬ال ّأُنا قام‬
‫ُ‬ ‫قائمة بذاهتا‪،‬‬
‫هبا الوجود‪ .‬فالوجود عندهم أيض ًا نور بذاته لذاته؛ إ ّال إ ّن حيثية الظلمة أيض ًا‬
‫متأصلة‪ ،‬وهذا غري سائغ يف ُسنّة ُاولئك الكبار ُأويل األيدي واألبصار‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومنها ّ‬
‫أن النّور احلسـ يظ ر بـه املبصــرات فيـط ونـور الوجـود يظ ـر بـه‬
‫املبرصات واملسـموعات واملـذوقات واملشـمومات وامللموسـات واملتخـ ّيالت‬
‫احلس والعيل‪.‬‬
‫واملوهومات واملعيوالت وما وراء ّ‬
‫احلّس انبسط عّل الظواهر من السطوح واأللوان واألشكال‪،‬‬ ‫ومنها ّ‬
‫أن النور ّ‬
‫ونور الوجود نفذ يف بواطن املستنريات‪ ،‬بحيث مل ُيب ِق املستنريات الت ه‬
‫املاهيات يف العّي‪ ،‬بل جعل ا بتامم ا أعّي األنوار ؛ ّ‬
‫فإن املاهيات ـ لُّساب ّيت ا ـ‬

‫الّصف؛ إذ د ميز يف رصف اليشء؛ فّل ثاين له حتّى ّنسب إليه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أي حقيقة الوجوا ّ‬
‫للحق إىل َشء‪ ،‬وحيثام ّتح ّقق وّوضع‬ ‫ّ‬ ‫فحيثام كان وجوا احلق عاىل د وجوا لغ ه‪ ،‬فّل نسبة‬
‫مقومه كام قال عاىل ملوسى× «ّا موسى أنا بدك الّلزم» [مل‬ ‫وجوا لغ ه فّلبدّ من وجوا ّ‬
‫نعثر دليه يف احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة ‪/147 4 ،160 2‬اهلام ‪،2‬‬
‫للمصنف الش ازي&]‪ ،‬فّل نسبته له إىل َشء‪ ،‬واألشياء منتسباي إليه‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي أدينها وجوا ًا وّت ّقق ًا؛ إذ د ّت ّقق للامهية ّإد بتح ّقق الوجوا؛ وهلذا ركيبهام ّاّت ّ‬
‫ااي‪.‬‬
‫ولو كان هلا ّت ّقق ه‪ ،‬كان الرتكيب انضاممي ًا‪ّ .‬‬
‫وأما نفس شيئ ّية املاه ّية‪ ،‬فّل ّص دني شيئ ّية‬
‫تركيب ا مع الوجودات ّاّتادي كرتكيب اجلنس والفصل يف البسائط اخلارجية‬
‫بوجه ال اقرتاين‪.‬‬
‫احلّس ال شعور له‪ ،‬ونور الوجود ـ كاألنوار الياهرة واملد ّبرة ـ‬ ‫ومنها ّ‬
‫أن النور ّ‬
‫ك ّل ا عيالء أحياء ناطيون‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن نور األنوار‪.‬‬
‫احلّس له ُا ٌ‬
‫فول وله ثان يف الوجود وله ميابل‪ ،‬ونور الوجود‬ ‫ّ‬ ‫ومنها أن النور‬
‫ليس له ُا ٌ‬
‫فول وال ثان وال ميابل؛ إذ ليس له الوحدة العددية‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬النور يف هذا املرشب األعذب األحّل ُيط َل ُق عّل ما يطلق عليه عند‬
‫األولّي‪ ،‬وعّل أشياء ُاخر كوجودات األعراض غري النور احلسـّ ‪ ،‬وعّل‬
‫ّ‬
‫وجودات اجلواهر املركبة والبسيطة الطبيعية حتّى وجود اهليوىل الت أثبت ا‬
‫املح ّييون‪ ،‬والظلمة والغسق ليست إ ّال املاه ّيات السـراب ّية؛ فالوجود نور‪،‬‬
‫والوجوب نور عّل نور‪.‬‬
‫علمـت قشــر الفيـرة و ُل َّب ـا‪،‬‬
‫َ‬ ‫علمت باللسانّي والنّـورين والغسـيّي‪،‬‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫الساامواي‬ ‫ُااور ّ‬
‫وعلمــت معنــى قولــه تعــاىل ‪﴿ :‬اهلل ن ُ‬
‫َ‬ ‫وتنزيل ــا وتأويل ــا‪،‬‬

‫متحصل‬
‫ّ‬ ‫ومتحصل‪ ،‬فمعناه «د‬‫ّ‬ ‫متحصل‬‫ّ‬ ‫إن ركيبهام ركيب د‬ ‫الوجوا أصّلً‪ .‬وما ّقال ّ‬
‫متحصل شيئية املاه ّية»؛ ألنّه د َشء حم ‪ ،‬ود ّتّحد الّلَش املح مع‬ ‫ّ‬ ‫الوجوا»‪ ،‬د «د‬
‫اليشء‪ ،‬وشيئ ّية املاه ّية هي التي ّكفي؛ لكو ا منفوذ ًا فيها لنور اهلل‪ ،‬وموسع ًا دليها لرمحة اهلل‬
‫كل َشء رمحته» [يف املصباح‬ ‫كل َشء نوره» و«وسعد ّ‬ ‫كام يف القرآن واألادية أنّه «نفذ يف ّ‬
‫ٍ‬
‫َشء﴾ األدراف ‪« ]»156‬وأحاط‬ ‫د ك َُّل َ ْ‬ ‫محتي َوس َع ْ‬ ‫﴿و َر ْ َ‬
‫‪ 565‬من ادائهم^ «وقلد َ‬
‫ٍ‬ ‫﴿و َأ َّن اهللََّ َقدْ َأ َح َ‬
‫َشء د ْل ًام﴾ الطّلق ‪ّ ، ]12‬‬
‫فان‬ ‫اط بك ُِّل َ ْ‬ ‫رمحة ودل ًام» [قال عاىل َ‬ ‫بكل َشء ً‬
‫نفس شيئية الوجوا نور ورمحة ودلم‪ .‬منه‪.‬‬
‫اجلوهري كالنّ ّ اي اجلسم ّية‪ ،‬بل‬
‫ّ‬ ‫العريض‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫احليس‬ ‫(‪ )1‬فليس املراا بالنّور يف اآلّة النور ّ‬
‫الساري‪ ،‬واحلمل الذي هو‬ ‫واحلق أن ّراا به نور الوجوا ّ‬ ‫ّ‬ ‫األنوار القواهر‪ ،‬واألنوار املد ّبرة‪.‬‬
‫أن الوجوا املنبسط ظهور الوجوا الذي هو يب الغيوب‪ ،‬والكنز املخفي‪.‬‬ ‫اهلوهوّة بادتبار ّ‬
‫ووجهه‪ ،‬ومقام معروف ّيته‪ ،‬واألنوار القاهرة واملد ّبرة والعرض ّية من صقعه‪ .‬منه‪.‬‬
‫واألرض﴾ ‪ ،‬وأنّه هو مرجع هذه الفيرة‪.‬‬
‫ْ‬
‫وأشار× بلفظ «الكرم»هنا‪ ،‬وبلفظ «ال ّلطف» يف «الفلق» عّل ما يف بعض‬
‫النسخ‪« :‬وفلقد بلطفك الفلق» إىل ّ‬
‫أن فعله تعاىل حمض اجلود والكرم واللطف‬
‫والعناية‪ ،‬بال غرض يف فعله سوى ذاته ّ‬
‫فإن «الكرم» وما ييوم ميامه إفاد ُة ما‬
‫ينبغ ال لعوض وال لغرض‪ ،‬إذ لو كان لعوض لكان ُمستعيض ًا ُمعام ً‬
‫ال‪ ،‬ال‬
‫ال‪ .‬وليس العوض منحرص ًا يف العّي بل‬ ‫ِ‬
‫مستكم ً‬ ‫كري ًام‪ .‬ولو كان لغرض لكان‬
‫والتوصل‬
‫ّ‬ ‫الرذيلة‪،‬‬ ‫من املذ ّمة‪ ،‬والت ّ‬
‫ّخّل من ّ‬ ‫يشمل مثل ال ّثناء واملدح‪ ،‬والتخ ّل‬
‫إىل أن يكون عّل األحسن‪.‬‬
‫وقال املعتزلة‪ :‬الغاية يف اإلجياد‪ ،‬والدّ اع خلالق العباد عليه إيصال النفع إىل‬
‫الغري ‪ .‬وهو باطل؛ ألنّه هل ذلك اإليصال أوىل لليادر املختار من عدمه‪ ،‬أم ال‬
‫يلزم عليه يف‬ ‫بحيث إنّه لو مل يوصل‪ ،‬كان كام أوصل بال تفاوت‪ ،‬وبال ني‬
‫الرتك؟ فإن كان الثاين‪ ،‬فكيف يريد أحدمها ويرتك اآلخر مع تساوهيام بالنسبة‬
‫ّ‬
‫األول‪ ،‬فالفاعل استفاد‬
‫مرجح‪ .‬وإن كان ّ‬
‫إليه؛ إذ يستحيل الرتجيح من غري ِّ‬
‫بفعله َأولو ّية واستكمل (تعاىل عن ذلك)‪.‬‬
‫وأّض ًا إذا كان وصف النافعية له عرض ّي ًا‪ ،‬كان مع ّل ً‬
‫ال‪ ،‬بخالف ما إذا كان‬
‫يت ال يع ّلل‪.‬‬ ‫فإن ّ‬
‫الذا ّ‬ ‫ذات ّي ًا‪ّ ،‬‬
‫وأّض ًا ذلك اإليصال إ ّما معنى مصدري ومعنى نسب ‪ ،‬ف و ٌ‬
‫أمر اعتباري ال‬
‫واجب؛ فيتعدّ د‬
‫ٌ‬ ‫يكون غاي ًة لإلجياد‪ ،‬وإ ّما أن حياذيه ٌ‬
‫أمر يف اخلارج ف و إ ّما‬
‫الواجب تعاىل‪ ،‬وإ ّما ممك ٌن فننيل الكالم إىل غايته؛ فيتسلسل‪ ،‬وإ ّما عّي ذات‬

‫(‪ )1‬املائدة‪.15 :‬‬


‫(‪ )2‬مل يذكره أحد سوى الشارح يف رشحه لألسامء‪ ،‬ويف هذا الكتاب‪.‬‬
‫الواجب الواحد‪ ،‬ف و احلق املطلق فيكون من قبيل قول اليائل يف ممدوحه‪:‬‬

‫وأي نفع أغبط من ذلك‪ ،‬ولكن مل خيطر ذلك ّأهيا املعتزيل ببالك‪ .‬وهذا مراد‬
‫ّ‬
‫احلق‪:‬‬
‫من قال عن ّ‬

‫تأسي ًا بكالم اهلل يف الكتاب‬


‫وكذا الكالم يف املعرفة لو جعلت ا غاي ًة لإلجياد ّ‬
‫د اجل َّن واإلن َْس إ ّد ل َيع ُبدُ ون﴾ بناء عّل تفسريه «باملعرفة»‪،‬‬ ‫املجيد‪﴿ :‬وما َخ َل ْق ُ‬
‫ف» ‪ّ ،‬‬
‫فإن املعرفة املبن ّية للفاعل ـ أي‬ ‫اخل ْل َق ل َك ْي ُأ ْد َر َ‬
‫قد َْ‬
‫ويف اليديس‪َ « :‬فخَ ْل ُ‬
‫عارف ّية الغري إياه ـ مع ّللة مغ ّياة ال ييف الكالم عندها‪ ،‬واملبنيّة للمفعول ـ أي‬
‫معنى مصدر ّي ًا نسب ّي ًا ال يكون غاي ًة لإلجياد كام ّ‬
‫مر‪ ،‬وإن‬ ‫ً‬ ‫معروف ّيته للغري ـ إن كانت‬
‫ألن صفاته ك ّل ا عّي ذاته ‪،‬‬
‫كانت حييية وكانت غريه تعاىل مل تكن معروف ّيته ّ‬
‫ِ‬
‫الوجود ليست‬ ‫أن ثمرة إنشاء شجرة‬‫احلق املطلوب؛ فظ ر ّ‬
‫وإن كانت عينه ف و ّ‬
‫إ ّال هو‪.‬‬
‫متأخر ًة عنه وال تكون حاصلة وإ ّال يلزم‬ ‫قلت‪ :‬غاية الفعل البدّ ّ‬
‫أن تكون ِّ‬ ‫فإن َ‬
‫ّتصيل احلاصل‪.‬‬

‫(‪ )1‬رشح ُنج البالغة ‪.3 :1‬‬


‫(‪ )2‬الذاريات‪.56 :‬‬
‫(‪ )3‬رشح ُاصول الكايف ‪ ،92 ،24 :1‬تفسري أيب السعود ‪.145 :8 ،130 :2‬‬
‫أن املعروف ّية صفته ومجيع صفا ه دني ذا ه‪ ،‬فمعنون الوصف العنوانى الذي هو‬ ‫(‪ّ )4‬عني ّ‬
‫املعروف واملعلوم بالعلم احلضوري كمعنون العامل ونحوه دني ذا ه‪ ،‬فهو الع ّلة الغائ ّية لوجوا‬
‫الفعل ّ‬
‫الكيل والنظام اجلميل الذي هو اإلنسان الكب ‪ .‬منه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬غاية اإلجياد ليست وجوده النفّس بذاته لذاته ليلزم ّتصيل احلاصل‪،‬‬
‫بل وجوده الرابط لنا وظ وره علينا‪ ،‬ولكن «بال نحن» كام قيل‪ُ « :‬كنّا بِنا‪ ،‬فغبنا‬
‫ّ‬
‫والتأخر هنا‬ ‫َّعنا‪ ،‬وبيينا بال نحن» وهذا الوجود والظ ور ليس غريه والتيدّ م‬
‫ليسا زمان َّيّي‪ ،‬بل هذا ّ‬
‫التأخر حيثية ذاته عّي حيثية التيدّ م عّل الفعل اإلطالق ‪.‬‬
‫ان األشاعرة أيض ًا ييولون‪ :‬أفعال اهلل غري معل ّلة باألغراض‪ ،‬ولكن‬
‫واعلم ّ‬
‫والزنج من احلور؟! ّ‬
‫فإن احلكامء اإلهل ّيّي ييولون‪ :‬ال‬ ‫أين الظلمة من النّور؟! ّ‬
‫أن فعله بال غاية مطلي ًا‪ ،‬كيف؟! ّ‬
‫وكل فعل ال‬ ‫غاية يف ُصنعه وفعله ورا َء ذاته‪ ،‬ال ّ‬
‫غاية له يكون ناقص ًا مع ّطال وعبث ًا‪ ،‬واهلل سبحانه ّ‬
‫أجل من أن يصدر عنه فعل بال‬
‫دام‬ ‫وينزلون قوله تعاىل‪﴿ :‬د ُّسئ َُل ّ‬
‫حكمة؛ وهؤالء ييولون ال غاية لفعله أصال ِّ‬
‫فان معناه‬ ‫وهم ُّسئَلو َن﴾ ‪ ،‬عّل هذا‪ .‬وهو ّتريف الكلم عن مواضع ا‪ّ ،‬‬ ‫َّف َع ُل ُ‬
‫﴿ َد ُّ ْسأَ ُل َد َّام َّ ْف َع ُل﴾؛ ألنّه ذايت ال يع ّلل؛ أو ّ‬
‫ألن غاية فعله األخرية ال ُتك َتنَ ُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألُنا ذاته؛ أوال ُيسأل عن ّمل ّية اختالفه؛ ألنّه عّل طبق قابلية اليوابل؛ فال ُيسأل‪ :‬مل َ‬ ‫ّ‬
‫والسوا ُد سواد ًا؟ ّ‬
‫فإن‬ ‫ّ‬ ‫والبياض بياض ًا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والنفس نفس ًا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العيل عي ً‬ ‫ُج َعل‬
‫أن املاهية نفس ا أيض ًا غري‬ ‫ال تركيبي ًا‪ ،‬كام ّ‬ ‫اختالف املاه ّيات ذايت غري جمعول جع ً‬
‫ال بسيط ًا؛ أو ﴿ َد ُّ ْسأَ ُل َد َّام َّ ْف َع ُل﴾؛ الستواء‬‫ال تركيب ّي ًا‪ ،‬بل وال جع ً‬
‫جمعولة جع ً‬

‫(‪ )1‬االنبياء‪.23 :‬‬


‫السواا‬
‫أن اختّلف وجوا ّ‬
‫ذات مثل ّ‬
‫(‪ )2‬فاختّلف الوجوا باختّلف املاهياي‪ ،‬واختّلفها ّ‬
‫ذات؛ إذ دىل القول بجعل املاه ّية نفسها‬‫والبياض باختّلف ماه ّيتهام‪ ،‬واختّلف ماه ّيتهام ّ‬
‫ي﴾‬‫جمعولة د اختّلف ماهية مع ماهية‪ .‬وقوله عاىل ﴿ما َرى يف َخ ْلق الرمحن من َ َفاو ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(امللك ‪ ،)3‬أي يف املجعول بالذاي الذي هو الوجوا‪ ،‬د فاوي إدّ بالعرض بع ًا للامه ّياي‪.‬‬
‫منه‪.‬‬
‫الر ْمح ُن َد َىل ا ْل َع ْرك ْاستَوى﴾ ‪ ،‬أعن البدّ ّأال يرى ّ‬
‫رش ًا‪ ،‬فال‬ ‫نسبته إىل الكل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ألن االستيامة واالنحناء‬‫عوج ًا؛ ّ‬ ‫ف مستيي ًام‪ ،‬وا ّل َ‬
‫دال منحني ًا ُم َ‬ ‫ُيسأل مل جعل األل ِ َ‬
‫مر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قلمه األعّل‪ ،‬كام ّ‬ ‫كلي ام مالئ ٌم َ‬
‫َرجع إىل أصل امليصود‪ ،‬وهو أنّه تعاىل أنشأ الوجود بذاته لذاته‪ ،‬وأنّه‬ ‫ولن ِ‬

‫مبت ج بذاته‪ ،‬وإن ابت ج بغريه فمن حيث أنّه أثر ذاته‪ ،‬فال يرىض إ ّال بذاته‪ ،‬وال‬
‫حيب إ ّال ذاته‪ .‬وهلذا‪ ،‬ملّا قرئ عند بعض املشايخ قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬حيبهم‬ ‫ّ‬
‫حيب إ ّال نفسه‪ ،‬وإن الداع والغرض له عّل‬
‫وحيبو َن ُه﴾ ‪ ،‬قال‪ :‬يف احلييية ال ّ‬
‫ُ‬
‫الفعل ليس إ ّال ذاته‪ ،‬وعلمه بذاته هو عّي ذاته ‪.‬‬
‫فنيول‪ :‬الفاعل لغرض زائد عّل ذاته فاقدٌ بذاته ذلك الغرض‪ ،‬وجيعل الفعل‬
‫ذريع ًة لنيله‪ .‬والواجب الوجود الغن لو كان كذلك‪ ،‬لزم فيه ال َفيدُ والفير‪.‬‬
‫وأيض ًا الغرض هو ا ّلذي يدعو الفاعل عّل الفعل‪ ،‬ويي ره ويسخره‪،‬‬
‫ِ‬
‫فاعلية الفاعل» ‪ .‬وما‬ ‫ولواله مل يفعل؛ ولذا قال احلكامء‪« :‬الع ّلة الغائية ع ّل ُة‬
‫ِّ‬
‫املسخر للكل ويي ر الياهر فوق عباده؟‬ ‫الذي يسخر‬
‫الزائد والغرض ال ّالحق البدّ أن يكون له جلو ٌة يف نظر‬
‫ّ‬ ‫وأيض ًا‪ ،‬الدّ اع‬
‫اج‪ ،‬وما ا ّلذي له جلوة وهباء يف نظر الفاعل الذي هو أمجل من‬
‫الفاعل وله ابت ٌ‬

‫(‪ )1‬طه‪.6 :‬‬


‫(‪ )2‬املائدة‪.54 :‬‬
‫(‪ )3‬نسبه يف تفسري النيسابوري ‪ ،245 :2‬ونفحات األزهار ‪ 130 :14‬أليب سعيد املي ن ‪.‬‬
‫الفادل‪ ،‬وّقهره دىل الفعل‪ ،‬فليس من ذا ه بذا ه‪،‬‬ ‫(‪ )4‬فذلك الغرض والدّ ادي الزائد‬
‫مضطر يف صورة خمتار‪ .‬منه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ومن هنا قيل اإلنسان‬
‫(‪ )5‬مل يذكره ّإالمن ّ‬
‫تأخر عن زمان الشارح‪.‬‬
‫عكس من هباء‬
‫ٌ‬ ‫كل مجيل وأجل من كل جليل الذي ُّ‬
‫كل جالل ومجال وكامل‬
‫حيصله‬‫ورشح من بحر كامله‪ ،‬حتى يريد أن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وظل من شمس جالله‪،‬‬ ‫مجاله‪ٌّ ،‬‬
‫يتصور أفضل ممّا‬
‫ّ‬ ‫بذلك الفعل الكّل؛ البت اجه به واجتذابه إليه‪ ،‬وإ ّال لزم أن‬
‫عليه الواجب فمنظوره ومعشوقه ال يكون إ ّال ذاته تعاىل؟ ولذا قال احلكامء‪:‬‬
‫العايل ال يلتفت إىل السافل بالذات إ ّال بالعرض‪ .‬ونعم ما قال الشيخ الرئيس أبو‬
‫أن إنسان ًا عرف الكامل الذي هو واجب الوجود الذي هو فوق‬
‫عّل بن سينا‪« :‬لو ّ‬
‫التامم‪ ،‬ثم فرض أنّه من ّظم العوامل عّل مثاله‪ ،‬كان غرضه الواجب الوجود ‪ ،‬فإذا‬
‫كان الواجب هو الفاعل ف و الغرض لذاته يف فعله‪.‬‬
‫ثم إ ّن يف اليرآن املجيد ترصحيات هبذا املعنى‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪﴿ :‬أ ّد إىل اهلل‬
‫ّ‬
‫ك املُْنتَهى﴾ ‪ ،‬و﴿ ُه َو‬
‫إن إىل َر ِّب َ‬
‫ون﴾ ‪ ،‬و﴿ َّ‬ ‫ور﴾ و﴿إنّا إ َليه راج ُع َ‬ ‫ادم ُ‬
‫َص ُ ُ‬
‫األو ُل َو ْاآلخ ُر َوال ّظاه ُر َوا ْلباط ُن﴾ ‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫األرض‬
‫َ‬ ‫إن قلد‪ :‬يف اآليات ترصحيات بخالف ذلك أيض ًا مثل‪ :‬أن َخ َل َق‬

‫فان نظيم العوامل فعل‪ ،‬والفعل مطلوب ّيته للفادل إنّام هي بالعرض‪ ،‬وهو كمقدّ مة‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫وص ّيل‪ .‬والغرض من ذلك الفعل مطلوب ّيته ّ‬
‫بالذاي‪ ،‬وهو كَذي‬ ‫الواجب التكليفي له وجوب ّ‬
‫أصايل‪ ،‬وهذا الفعل لكل ّيته ومتام ّيته دبدّ أن ّكون له رض و اّة أكمل‬
‫ّ‬ ‫املقدّ مة له وجوب‬
‫ّ‬
‫وأجل من واجب الوجوا الذي هو فوق التّامم‪ ،‬فهو الغاّة‬ ‫وأ م‪ ،‬ود أ ّم وأكمل‪ ،‬ود أمجل‬
‫والغرض الذي ّنبغي أن ّنال هبذه األفعال‪ .‬فالع ّلة الفادل ّية يف الواقع إذا كاند هي الواجب‬
‫فهو أّض ًا الع ّلة الغائ ّية لفعله‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشورى‪.53 :‬‬
‫(‪ )3‬البيرة‪.156 :‬‬
‫(‪ )4‬النجم‪.42 :‬‬
‫(‪ )5‬احلديد‪.3 :‬‬
‫والشمس لتكون رساج ًا ملحفلكم ‪ ،‬وغري ذلك لغري‬
‫َ‬ ‫لتكون فراش ًا لكم ‪،‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قلد‪ :‬هذه غايات وسطية ال أخرية‪ ،‬وبال َعرض ال بالذات‪ ،‬وأ ّما الغاية‬
‫ُ‬
‫بالذات إلجياد مجيع املمكنات‪ ،‬فليست إ ّال الذات‪ ،‬وهو منت ى ّ‬
‫الرغبات‪ ،‬وغاية‬
‫األشواق والطلبات‪.‬‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل اآلية‪ 22 :‬من سورة البيرة‪.‬‬


‫(‪ )2‬إشارة إىل اآلية‪ 61 :‬من سورة الفرقان‪ ،‬واآلية‪ 16 :‬من سورة نوح‪.‬‬
‫الصياخيد َد ْذب ًا َو ُاجاج ًا﴾‬
‫(‪َ ﴿ )63‬وأ ْر َي امليا َه م َن الص ِّم َّ‬
‫أصم‪ ،‬اي الصلب املصمت‪.‬‬
‫الصم»‪ :‬مجع ّ‬
‫أسلت‪ .‬و« َ‬
‫َ‬ ‫ري»‪ ،‬أي‬
‫«أ َ‬
‫و«الصياخيد»‪ :‬مجع صيخود‪ ،‬أي ّ‬
‫الشديد‪ .‬واملوصوف هنا حمذوف‪ ،‬أي من‬
‫الص ُخور ّ‬
‫الص ِّم الصياخيد‪ .‬واملراد‪ :‬العيون والينوات‪ .‬و«العذب» من الطعام‬ ‫ُّ‬
‫كل مستساغ‪ ،‬وييال‪« :‬ماء ُاجاج»‪ ،‬أي ملح ُّ‬
‫مر‪.‬‬ ‫والرشاب‪ّ :‬‬
‫د م َن املُعّصاي ما ًء َث ّجاج ًا﴾‬
‫(‪َ ﴿ )64‬وأن َز ْل َ‬
‫ثم تعرصه‬ ‫السحائب الت تعرص باملطر‪ّ ،‬‬
‫كأن السحاب حيمل املاء‪ّ ،‬‬ ‫أي من ّ‬
‫الرياح‪ ،‬فيسيل املاء كام يسيل بعرص ال َّثوب‪ .‬و«الثج»‪ :‬السيالن و«ثج»‪ ،‬أي سال‪،‬‬
‫احلج العج وال ّثج» ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أفضل ّ‬ ‫وثجه‪ :‬أساله‪ ،‬ويف احلديث‪« :‬‬
‫اثتج‪ ،‬وتثجثج)‪ّ ،‬‬
‫كـ( ّ‬
‫ماء ثجاج ًا»‪ .‬أي‬
‫والثج‪ :‬إسالة دم اهلَدي ‪ .‬و« ً‬‫ّ‬ ‫الصوت بالتلبية‬‫فالعج‪ :‬رفع ّ‬
‫ّ‬
‫َص ّباب ًا َد ّفاع ًا يف انصبابه‪ .‬وهذه الفيرة من باب االقتباس‪ ،‬وال بأس يف االقتباس‬
‫فإن ما يف اآلية‪َ ﴿ :‬و َأن َز ْلنَا﴾ ولذا عدّ وا من االقتباس مثل قول‬
‫بتغيري يسري؛ ّ‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫وطريق الطبيع ّيّي يف املاء النابع من األرض أ ّن األبخرة احلاصلة من تسخّي‬


‫الشمس بحول اهلل تعاىل وقوته يف العامل ما تكثرت من ا واحتبست يف جوف‬
‫األرض‪ ،‬قد ينشق األرض من ا‪ ،‬وجيري املياه ما وصلت إلي ا مدد األبخرة‬
‫املتكاثفة الصائرة ما ًء‪ .‬ويف املاء املنزل من السامء أنّه أصعد اهلل تعاىل األبخرة من‬
‫ييو‬
‫الزم رير ّية بعنايته‪ .‬فإن مل َ‬
‫البحار واألرض الرطبة‪ ،‬وأوصل ا إىل الطبية َّ‬

‫(‪ )1‬جممع البيان ‪ ،238 :10‬املصنّف (ابن أيب شيبة) ‪ ،12/464 :4‬مسند أيب يعّل ‪:9‬‬
‫‪ ،5085/19‬ختريج األحاديث واآلثار ‪.1448/143 :4‬‬
‫ثج‪ 184 :3 ،‬ـ عجج‪.‬‬
‫(‪ )2‬الن اية يف غريب احلديث واألثر ‪ 207 :1‬ـ ّ‬
‫(‪ )3‬النبأ‪.14 :‬‬
‫(‪ )4‬اإليضاح يف علوم البالغة‪ 383 :‬ـ باب التضمّي‪ ،‬خزانة األدب ‪.456 :2‬‬
‫التربيد تنعيد سحاب ًا ماطر ًا‪ ،‬وإن قوي انجمد البخار؛ فإن كان االنجامد بعد‬
‫اجتامع أجزاء البخار وتشكل اليطرات من ا‪ ،‬صار َب َرد ًا‪ ،‬وإن كان قبله كان ثلج ًا‪.‬‬
‫الزم رير‪ ،‬ومع عدم وصوله ـ لي َّلة حرارته املوجبة‬
‫هذا مع وصول البخار إىل َّ‬
‫للصعود ـ فإن كان كثري ًا‪ ،‬فيد يعيد وهو السحاب املاطر‪ ،‬وقد ال يعيد وهو‬
‫ّ‬
‫«الضباب»‪ ،‬وإن كان يسري ًا فمع اجلمود بربد الليل «صييع»‪ ،‬ومع عدمه «طل»‪.‬‬
‫والنسبة بّي الطل والصييع كالنسبة بّي املطر والثلج‪.‬‬
‫احلاممات وصعودها إىل سيوف ا ونزوهلا قطرات بعد‬
‫والتأ ّمل يف أبخرة ّ‬
‫اجلو‪ ،‬بل التد ُّبر فيام يرتفع من أرض‬
‫بردها‪ ،‬نعم العون عّل إدراك بعض كائنات ّ‬
‫معدة اإلنسان ـ من األبخرة بتسخّي احلرارة الغريز ّية ونحوها ـ إىل زم رير‬
‫ثم ينزل منه يف ُث ُيب وج ه يعّي عليه‪ ،‬كسائر اآليات األنفس ّية عّل‬
‫دماغه‪ّ ،‬‬
‫اآليات اآلفاقيّة‪.‬‬

‫ذيل‬
‫لع ّلك تو ّفق للتوفيق بّي هذه الطريية‪ ،‬وبّي طريية امل ّ‬
‫ترشعة‪ :‬أ ُّنا بفعل‬
‫املالئكة‪ ،‬وبّي طريق ّ‬
‫املتأهلّي‪ :‬أ ُّنا بفعل اهلل وقدرته‪ ،‬كام أسندها هنا األفعال إىل‬
‫كنت يف ميام رؤية صفاته تعاىل يف املظاهر‪ ،‬وأنّه ال‬
‫اهلل تعاىل؛ وذلك ألنّك إن َ‬
‫ال إ ّال بحسب ال ّظ ور‪ ،‬فال ّثاين‪ .‬وإن َ‬
‫كنت يف ميام رؤية‬ ‫تك ُّثر يف مش ّيته وقدرته مث ً‬

‫واحلنَك‪ .‬والدّ ماز أبر ُا األدضاء؛ ألنّه ّ‬


‫حمل احلركاي‬ ‫ب هي العينان واملنخران َ‬ ‫(‪ )1‬الث ُق ُ‬
‫حارّن؛‬
‫ّل حيرتق‪ .‬وأما القلب والكبد فليكونا ّ‬‫مسخنة جم ّففة‪ ،‬فليكن بارا ًا؛ لئ ّ‬
‫ّ‬ ‫الفكر ّّة‪ ،‬وهي‬
‫كون‬ ‫احلار الغرّزي‪ ،‬والكبد ّ‬
‫حمل ّ‬ ‫ّ‬ ‫كون الروح البخاري الذي هو جوهر‬ ‫ألن القلب ّ‬
‫حمل ّ‬
‫ومعلوم لزوم احلرارة هلام‪ .‬منه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫احلار الذي هو الدم‪،‬‬
‫اخللط ّ‬
‫أفعاله‪ ،‬وإثبات وسائط جوده‪ ،‬وتبديل اجل ات الظلامنية لليوى وال ّطبائع‬
‫مر ما أوضح امليصود‪ ،‬فتذكّر‪.‬‬
‫فاألول ‪ .‬وقد ّ‬
‫ّ‬ ‫باجل ات النوران ّية‪،‬‬

‫علمٌ إهلي لتأويل مياهي‬


‫املفيضة للخريات والكامالت‪ ،‬وتلك‬ ‫السامء هو اجل ات الفاعلية‬
‫ماء ّ‬
‫اجل ات ه اليوى الفعلية‪ ،‬واإلرشاقات العيل ّية‪ .‬وماء األرض ه اجل ات‬
‫اليابل ّية من اليوى االنفعالية؛ سواء كانت اجل ات حسن الت يؤ وعذبه أو سوء‬
‫االستعداد واجاجه؛ فإن اليابل ّيات ذاتية‪ ،‬فإذا نبع مياه االستعدادات غري املتناهية‬
‫وانضم إىل مياه تأثريات‬
‫ّ‬ ‫شيئ ًا فشيئ ًا من أرض اليابل غري املتناه يف االنفعال‪،‬‬
‫غري متناهية تنزل من سامء قدرة فاعل غري متناه يف الف ّعالية عدّ ًة و ُمدّ ًة وشدّ ًة‪.‬‬
‫فليستمر نزول الربكات‪ ،‬وينفتح باب اخلريات إىل غري الن اية‪ ،‬وخيرج حبوب‬
‫ّ‬
‫املو ّلدات‪ ،‬ولبوب املجردات بمحض ال ُّلطف والعناية‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ف َفت َْحنا‬
‫األرض ُد ُيون ًا فال َت َقى املا َء َدىل أمر َقد‬
‫َ‬ ‫السامء بامء ُمن َْهمر * َو َف َّجرنَا‬
‫واب َّ‬
‫أ ْب َ‬
‫ُقد َر﴾ ‪ ،‬أي التيى ماء الفواعل العلو ّية وماء اليوابل السفل ّية‪.‬‬

‫نتعرض لطرّق احلكامء الطبيع ّيني من اإلسناا إىل القوى وال ّطبائع؛ ألنّه ليس طرّق ًا‬ ‫(‪ )1‬إنّام مل ّ‬
‫آخر وراءمها يف احلقيقة‪ ،‬بل هذان روح وروح روح له‪ .‬منه‪.‬‬
‫فإن القوى الفعل ّية ا وهي القوى‪ ،‬وال ّطبائع‪ ،‬واإلرشاقاي العقل ّية‪،‬‬ ‫(‪ )2‬أي فادل ّية اهلل عاىل؛ ّ‬
‫رمحة ودل ًام‪،‬‬
‫بكل َشء ً‬ ‫وهي النّفوس ا ك ّلها ارجاي قدر ه الفعل ّية‪ ،‬ومش ّيته ودلمه «أحاط ّ‬
‫ون إ َّد َأن َّ َشاء‬
‫و﴿و َما ََشاؤُ َ‬
‫َ‬ ‫يش ٍء ِّم ْن د ْلمه إدَّ ب َام َشاء﴾ (البقرة ‪،)255‬‬ ‫و﴿دَ ُحيي ُط َ‬
‫ون ب َ ْ‬
‫قوة إدّ باهلل‬ ‫اهللَُّ﴾ (اإلنسان ‪ ،)30‬و﴿إ َّنه د َىل ك ُِّل َ ٍ‬
‫(فصلد ‪ )39‬و«د حول ود ّ‬ ‫َشء َقد ٌّر﴾ ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫العيل العظيم»‪ .‬ود مؤثر يف الوجوا إدّ اهلل‪ ،‬ود فاوي يف ادستناا إىل اهلل يف احلقيقة بني قوى‬ ‫ّ‬
‫الشادرة‪ ،‬كالنّفوس‪ ،‬بل هذا أوىل؛ أل ّ ا أكمل‪ .‬منه‪.‬‬ ‫الشعور واملباائ ّ‬ ‫ددّمة ّ‬
‫(‪ )3‬اليمر‪ 11 :‬ـ ‪.12‬‬
‫قلد‪ِ :‬مل َ َمل يذكر× ال ّثمرات‪ ،‬كام يف اآلية‪﴿ :‬لنُخْ َرج به َح ّب ًا َونَبا ًا *‬
‫إن َ‬‫ْ‬
‫َو َجنّاي ألفاف ًا﴾ ؟‬
‫قلد‪ :‬لوجوه‪:‬‬
‫ُ‬
‫أحدها‪ :‬أنّه من باب داللة امللزوم عّل ال ّالزم‪ّ ،‬‬
‫والسبب عّل املس َّبب‪ ،‬ففاعل‬
‫امللزوم فاعل ال ّالزم‪ ،‬وآيت السبب آيت املس ّبب‪.‬‬
‫وثانيها أنّه إشارة إىل ضيق نطاق البيان عن اإلحاطة هبا‪.‬‬
‫وثالثها أنّه ليذهب ذهن الفطن العارف إىل غاية اليصوى‪ ،‬وال َّثمرة األخرية‪،‬‬
‫وه ش ود الذات ومعروف ّيته عّل النّ ج ا ّلذي ّ‬
‫قررنا قبيل ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬النبأ‪.16 :‬‬


‫(‪ )2‬أي العارفية واملعروف ّية دىل ج حق اليقني‪ ،‬كام يف احلدّدة املحامة املتّصفة بصفاي النار‪.‬‬
‫منه‪.‬‬
‫مس َوال َق َم َر للرب َّّة َساج ًا َو ّهاج ًا﴾‬ ‫لد َّ‬
‫الش َ‬ ‫(‪َ ﴿ )65‬و َج َع َ‬
‫وهج الن ُّار‪،‬‬
‫ربى بمعنى الرتاب‪ .‬و«الوهج»‪ :‬االتّياد‪ ،‬و َ‬
‫«الرب ّّة»‪ :‬اخللق‪ ،‬من ال ُ‬
‫والوهاج‪ :‬الو ّقاد املشتعل بالنور العظيم‪ّ .‬‬
‫خص ام‬ ‫ّ‬ ‫هتج وهج ًا ووهجان ًا‪ :‬اتّيدت‪.‬‬
‫بالذكر يف عداد النّعم العظام؛ ّ‬
‫ألن الشمس سلطان الكواكب بل العامل اجلسامين‪،‬‬
‫والصور‬
‫ّ‬ ‫راسمة للنّ ار بضوئ ا ع ّلة لألمزجة املستعدّ ة إلضافة النّفوس‬
‫بمجرد امليدار‪ ،‬بل با ّلشدّ ة‬
‫ّ‬ ‫واألعراض بتسخين ا‪ .‬وما ازدادت عّل الكواكب‬
‫والكيف ّية؛ ّ‬
‫فإن ما يرتاءى من الثوابت وباق الس ّيارات ميدار جمموع ا أكرب من‬
‫الشمس بام ال يتيايس وال ترسم الن ار‪.‬‬
‫والنري األصغر أيض ًا خليفة‪ ،‬واخلليفة بصفات املستخلف بيدر ظرفيته؛‬
‫ّ‬
‫وه َيامن جالله‬
‫وأنارمها‪ ،‬ويف عشق مجاله َ‬
‫َ‬ ‫فسبحانه من صانع قديم أنشأمها‬
‫كرمها وأدارمها‪.‬‬
‫أس َ‬
‫واألصح ثبوته؛ ألنّه وإن كان كثري‬
‫ّ‬ ‫الوهاج» مفيود‪،‬‬
‫ويف بعض النسخ لفظ « ّ‬
‫الشمس من اخلريات والنعم العا ّمة جلميع الكائنات كأوضاعه‬ ‫من أحوال ّ‬
‫ونظراته وغريها‪ ،‬إ ّال إ ّن ّ‬
‫حره أيض ًا من النّعم العا ّمة [الذي] يتلو الضوء يف‬
‫اخلريية‪ ،‬فالبدّ أن ي ِ‬
‫شعر به أيض ًا‪ ،‬كام يف اآلية؛ إذ الوهج كام قال مياتل‪ :‬جيمع‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ألن الضوء مطلوب ّ‬
‫للكل‬ ‫واحلر ‪ .‬وإنّام قلنا‪« :‬يتلو»؛ إذ ليس يف مرتبته؛ ّ‬‫ّ‬ ‫النور‬

‫(‪ )1‬يف النسخة احلجرية‪« :‬الت » ّ‬


‫وحيه ما أثبتناه؛ ألنه يعود عّل «احلر» كام توم به عبارته‬
‫بعد‪« :‬إذ ليس يف مرتبته‪ ...‬بخالف احلر»‪.‬‬
‫(‪ )2‬جممع البيان ‪.240 :10‬‬
‫الُّساج» ومل ُيث ّن؛ ألن املراد‪ :‬كل واحد‬
‫احلر‪ .‬وإنّام أفرد « ّ‬ ‫يف ّ‬
‫كل األوقات بخالف ّ‬
‫من ام‪.‬‬

‫نكتةٌ لطيفةٌ‬
‫ليس اخلليفة شيئ ًا عّل حياله‪ ،‬فال وجود له إ ّال ظ ور وجود املستخلف‪ ،‬وكذا‬
‫وآثاره ظ ور آثاره‪ .‬فمن ال ي ّطلع عّل األوضاع ّ‬
‫السامو ّية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫صفا ُته ظ ور صفاته‪،‬‬
‫ِ‬
‫العامل ُ باألوضاع‬ ‫واليواعد اإلهليّة يظ ّن أ ّن لليمر نور ًا وظ ور ًا استيالل ّي ًا‪ ،‬وأ ّما‬
‫واليواعد‪ ،‬فال يرى إ ّال ظ ور الشمس وضياءها يف ال ّليل والنّ ار‪ ،‬ال يف اليمر‬
‫خاصة‪ ،‬بل يف كل ثابت وس ّيار‪ .‬وليس يف هذا املحفل إ ّال رساج واحد وال أنوار‬
‫ّ‬
‫نور فار ٌد‪ ،‬وال يعلم هذا إ ّال البصري الناقد‪ .‬فكام يأبى النظام إهلَّي كذلك‬
‫اهلل إ ّال ٌ‬
‫رساجّي‪.‬‬
‫َ‬ ‫يأبى‬

‫أن الشمس فعل النّهار‪ ،‬كذلك فعل الليل املقمر‪ ،‬وإن أسندَ خلقية الكتان ورث ّي ُت ُه‬‫(‪ )1‬فكام ّ‬
‫إىل القمر فباحلقيقة مسندة إىل الشمس‪ ،‬وإن كان مسند ًا إىل القمر أّض ًا‪ ،‬ألن اإلسناا إىل القابل‬
‫ان قابل الوجوا هو املاه ّية اددتبار ّّة التي د َشء هلا إدّ‬
‫أّض ًا َشء وهو األمر بني األمرّن إدّ ّ‬
‫احلقيقي بحسب التحقيق‪ .‬منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شيئية املاه ّية وهي فانية يف الوجوا‬
‫(‪ )2‬قد اشتهر دكس هذا كام قيل «أبى النّظام شمسني فكيف د ّأبى إهلني» وانّام دكسناه إذ‬
‫ّل دىل اإلباء دن َساجني؛ إذ د فاوي إدّ يف‬
‫الْساج فجعلنا اإلباء دن اإلهلني الي ً‬
‫الكّلم يف ّ‬
‫املظهر‬
‫هر كه اّاد او را ّقاني آن شامع اّاد‬ ‫گاار چرا ااى نااور شاامعى را كشاايد‬
‫اّااادن آخااار لقااااى اصااال شاااد‬ ‫مهچنااني ااا صااد چااراز ارنقاال شااد‬
‫منه‪.‬‬
‫اكليل تاجي لتأويل سراجي‬
‫احلس‪ ،‬كذلك جعل‬
‫احلسيّي رساج عامل ّ‬
‫كام جعل اهلل تعاىل الشمس واليمر ّ‬
‫الشمس واليمر احلييي ّيّي رساج ّ‬
‫كل العوامل‪ ،‬ومها يف تأويل العيل ّ‬
‫الكّل والنّفس‬
‫الكل ّية‪ ،‬ومها واسطة إيصال نور الوجود‪ ،‬وضوء الفعل ّية إىل املاه ّيات واملوا ّد‪.‬‬
‫ولوالمها لبييت ّ‬
‫الكل يف ظلمة العدم وغسق البطالن‪ ،‬بل مها هلل تعاىل اليدان‬
‫اللتان أز ّمة األمور يف قبضت ام؛ فإ ُّنام جامعان هلا بنحو أعّل وأتّم‪ ،‬وبمصداق‬
‫واحد بسيط‪ .‬وه واجدة هلام‪ ،‬حاكية كامالهتام بنحو الضعف والتشتّت؛ ف ام‬
‫لف الوجودات والفعليات الت ه فيام دوُنام‪ ،‬وهذه نرشمها‪ ،‬ومها رتي ا وه‬
‫ّ‬
‫فتي ام‪ ،‬ومها إمجاهلا وه تفصيل ام‪ ،‬ومها متن ا وه رشح ام‪ ،‬إىل غري ذلك من‬
‫الرشيعة والطريية‬
‫العبارات‪ .‬ويف تأويل‪ :‬النب والو ّيل‪ ،‬ومها واسطة إيصال أنوار ّ‬
‫إىل أهل العامل‪ ،‬ولوالمها لساخت األرض بأهل ا‪ .‬قال اهلل تعاىل يف موضع من‬
‫ني * َ ُّْيدي به اهلل َمن ا َّ َب َع‬ ‫َاب ُمب ٌ‬
‫ُور َوكت ٌ‬ ‫اءك ُْم م َن اهلل ن ٌ‬ ‫كتابه املجيد‪َ ﴿ :‬قدْ َج َ‬
‫رصاط‬ ‫خير ُج ُه ْم م َن الظ ُل َامي َإىل النور بإ ْذنه َو َ ُّْيدُّي ْم َإىل َ‬ ‫ر ْض َوا َن ُه ُس ُب َل َّ‬
‫السّلم َو ُ ْ‬
‫ُم ْستَقيم﴾ ‪.‬‬
‫ان م ْن َر ِّبك ُْم َوأن َز ْلنَا إ َل ْيك ُْم‬ ‫َّاس َقدْ َج َ‬
‫اءك ُْم ُب ْر َه ٌ‬ ‫أُّيا الن ُ‬
‫آخر‪َّ ﴿ :‬ا َ‬
‫ويف موضع َ‬
‫نُور ًا ُمبين ًا﴾ ‪.‬‬
‫ون َخب ٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫آخر‪َ ﴿ :‬فآمنُوا باهلل َو َر ُسوله َوالنور ا َّلذي أن َز ْلنَا َواهلل ب َام َ ْع َم ُل َ‬
‫ويف َ‬
‫اني‬
‫ُور ُه ْم َّ ْس َعى َب ْ َ‬
‫ّن َآمانُوا َم َع ُه ن ُ‬ ‫خيزي اهلل النَّب َّي َوا َّلذ َ‬
‫ويف آخر‪ْ َّ ﴿ :‬و َم د ُ ْ‬

‫(‪ )1‬املائدة‪ 15 :‬ـ ‪.16‬‬


‫(‪ )2‬النساء‪.174 :‬‬
‫(‪ )3‬التغابن‪.8 :‬‬
‫َّك َد َىل ك ُِّل َ ْ‬
‫َشء‬ ‫ُورنَا َوا ْف ْر لَانَا إن َ‬
‫ون ر َّبانَا أمتْ ْم َلانَا ن َ‬
‫أ ّْدُّي ْم َوبأ ّْ َام ْم َّا ُقو ُل َ‬
‫َقد ٌّر﴾ ‪.‬‬
‫إىل غري ذلك من اآليات‪.‬‬
‫احلق‪ ،‬ف ام (سالم اهلل علي ام) كام ن ََّورا هذا العامل َ بتسنّي ُسنَن‬
‫سألت ّ‬
‫َ‬ ‫وإن‬
‫الس َري العادلة‪ ،‬والعادات اجل ِّيدة‬
‫السن ّية‪ ،‬وتينّي اليوانّي املتينة العل ّية‪ ،‬وتأسيس ِّ‬
‫قلوب أهل العامل بروحان ّيت ام إهدا ًء وإرشاد ًا من طريق‬
‫َ‬ ‫الفاضلة‪ ،‬كذلك ن ََّورا‬
‫مر ّ‬
‫أن العيل‬ ‫التعيل عّل التحييق ّ‬
‫باّتاد العيل بالعيل الفعال‪ .‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الباطن‪ ،‬فإ ّن‬
‫املسمى بروح اليدس «يف جنان الصاغورة ذاق من حدائي م الباكورة» ‪.‬‬
‫ّ‬
‫والفرق بّي ال ّتأوي َلّي‪ ،‬مع قرهبام من وجوه‪ ،‬وشدّ ة تناسب ام من طرق ّ‬
‫أن املراد‬
‫السلسلة النزول ّية‪ ،‬ومن سلسلة‬ ‫األول‪ :‬مامها يف ّ‬
‫بالعيل والنفس الكل َّيّي يف ّ‬
‫املبادئ والعلل ووسائط جود األول عّل عامل الطبيعة‪ ،‬ويف ال ّثاين‪ :‬مامها يف‬
‫السلسلة الصعودية‪ ،‬ومن سلسلة الغايات وروابط الكثرات بالواحد الي ّ ار‪،‬‬
‫وخمرج ال ّظلامت إىل النّور بيوة العزيز اجلبار‪ .‬وه العيول والنفوس الت‬
‫ُ‬
‫وكأُنم ـ وهم يف جالبيب أبداُنم ـ‬
‫ّ‬ ‫تصري فعل ّية وفعالة بعد حركات جوهر ّية‪،‬‬

‫(‪ )1‬التحريم‪.8 :‬‬


‫(‪ )2‬من شيعتهم وأش ّعتهم ف ّلام كان لوجوامها كل ّية وسعة‪ ،‬كان روحان ّيتهام العقل ّ‬
‫الكيل‪،‬‬
‫القوة إىل الفعل با ُملخرج الذي هو العقل ّ‬
‫الكيل‬ ‫والنفس الكل ّية فخروج العقول اجلزئ ّية من ّ‬
‫خروج باحلقيقة بروحان ّيتهام‪ ،‬فهام ّأودً َساج القلوب التي هي ّ‬
‫السواا األدظم‪ ،‬واار اخلّلقة‪،‬‬
‫الصيايص والقرى‪ .‬منه‪.‬‬ ‫و ُا ّم القرى‪ّ ،‬‬
‫ثم َساج حواليها من ّ‬
‫(‪ )3‬يف املصدر‪ :‬الصاقورة‪ ،‬كام يف اهلامش الالحق‪.‬‬
‫نصه عن العسكري×‪« :‬فالكليم ُالبِس حلة‬
‫(‪ )4‬يف بحار األنوار ‪ 50/265 :26‬ما ّ‬
‫االصطفاء ملا ع دنا منه الوفاء‪ ،‬وروح اليدس يف جنان الصاقورة‪»...‬‬
‫قد نضوها‪ ،‬بل عيول أولياء َخلع النواسيت حاالً أو م َلك ًة‪ ،‬ونفوس كل ّية إهليّة‪،‬‬
‫عّل× ‪ .‬ولكون هؤالء العيول والنّفوس‬ ‫مر يف حديث ّ‬ ‫وجواهر الهوتية‪ ،‬كام ّ‬
‫الصعود كيوس بحذاء‬ ‫السري دور ّي ًا ال استيام ّي ًا‪ ،‬ومراتب ّ‬
‫غري ُاولئك‪ ،‬كان ّ‬
‫مراتب قوس النزول‪ ،‬فكام كان هناك عيول ونفوس ومثال‪ ،‬كذلك ها هنا ـ مثالً‬
‫ـ املثال ا ّلذي يف قوس النزول كان عامل ّ‬
‫الذر‪ ،‬ومرور األرواح عليه قبل ورودها‬
‫عّل عامل الطبيعة‪ .‬واملثال الذي يف قوس الصعود يكون عامل الربزخ‪ ،‬ومرور‬
‫جتسم‬
‫األرواح عليه بعد نزوهلا إىل عامل الطبيعة‪ ،‬وكثري من صور الربزخ من باب ّ‬
‫حيم ُل َد ْر َك َر ِّب َ‬
‫ك َف ْو َق ُه ْم‬ ‫األعامل بخالف صور ّ‬
‫الذ ّرات‪ .‬ومن هنا قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َ ْ‬
‫عرش اهلل هو الوجود املنبسط‪ ،‬وحاملوه حيائق‬ ‫َّ ْو َمائذ َث َامنا َي ٌة﴾ فف وجه ُ‬
‫جربئيل و ميكائيل وإرسافيل وعزرائيل؛ فكون احلاملّي ثامنية باعتبار هؤالء‬
‫األربعة الذين هم مبادئ السلسلة النّزولية‪ ،‬وهؤالء األربعة الذين هم يف خواتم‬
‫السلسلة الصعود ّية‪ .‬وهذا مثل أن ييال باصطالح احلكيم‪ :‬العيل الف ّعال له‬
‫مكمل النّفوس الناطية‪ ،‬وعيل‬‫مرتبتان‪ :‬عيل ف ّعال َبد ِوي له وجود يف نفسه ّ‬
‫ف ّعال َعو ِد ّي هو غاية حركات النفس الناطية يف جتوهرها ّ‬
‫واّتادها به باعتبار‬
‫قال احلكامء‬ ‫فكأن اجلواهر املجردة ذات ًا وفع ً‬
‫ال‪ ،‬الت‬ ‫ّ‬ ‫هلا‪.‬‬ ‫وجوده الرابط‬
‫ّ‬
‫املشاؤون يف تعيّي عددها‪ :‬إ ُّنا عرشة‪ ،‬ع ّين ا الرشع باألربعة املذكورة من ج ات‬
‫الصور‬ ‫كل ّيات ُامور عظيمة‪ ،‬أعن إفاضة احلياة‪ ،‬والعلم ‪ّ ،‬‬
‫والرزق‪ ،‬وقبض ّ‬

‫(‪ )1‬انظر الفوائد الرضوية‪.121 ،111 :‬‬


‫(‪ )2‬احلاقة‪.17 :‬‬
‫مر أنّه يف احلقيقة د مؤثر يف الوجوا إدّ اهلل إدّ إنّه دند مّلحظة املرا ب د بدّ من النّظر‬
‫(‪ )3‬قد ّ‬
‫إىل الوسائط إلّصال فيضه‬
‫ثم باعتبار ال َبد ِو واخلتم ع ّين ا بالثامن ّية كام ذكرنا‪.‬‬
‫واألرواح‪ّ .‬‬
‫املسمّي‬
‫ّ‬ ‫قلد‪ :‬يف م من بعض األخبار أ ّن محلة العرش غري هؤالء‬
‫إن َ‬‫ْ‬
‫املذكورين‪.‬‬
‫ال من هو املم ّثل‬
‫قلد‪ :‬املغايرة من باب مغايرة احلييية والرقيية‪ ،‬فجربئيل مث ً‬
‫ُ‬
‫بصورة دحية الكلب ‪ ،‬وحامل العرش هو احلييية املجردة؛ أو تلك احليائق‬
‫أركان العرش والرقائق حاملوه؛ أو العرش هناك غري الوجود املنبسط‪.‬‬

‫الصور‪ ،‬وله‬
‫والصورة التي ّكون هبا اليشء بالفعل‪ ،‬وبيده ّ‬
‫فإَسافيل واسطة إلفاضة احلياة‪ّ ،‬‬
‫واملصور للخيالياي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املصور للعقول التفصيل ّية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أدوان وجنوا‪ ،‬ومنها العقل البسيط‬
‫واملصور لصور النّبا اي‪.‬‬
‫ّ‬
‫وجربئيل واسطة إلفاضة العلم دىل قلوب األنبياء واألولياء واحلكامء والعلامء‪ ،‬ومن أدوانه‬
‫العقول النظرّة املعلمة حتّى تّصل بأصلها‪.‬‬
‫وميكائيل واسطة إلّصال أرزاق اخللق‪ ،‬ومن جنواه املوكّلون دىل النباي واحليوان بتحصيل‬
‫التغذّة والتنّمية‪.‬‬
‫القابضة خلالص احلقائق‪ ،‬النازدة‬ ‫ُ‬ ‫القوة‬
‫ودزرائيل لقب األرواح دن األبدان‪ ،‬ومن أدوانه ّ‬
‫للعوارض الغرّبة من املعقودي ألخذ رصفها ول ّبها‪ ،‬وطرح ُقشورها‪ ،‬ومن جنواه القوى‬
‫َنس ْخ م ْن آ َّ ٍة َأ ْو نُنس َها ن َْأي ب َخ ْ ٍ‬
‫﴿ما ن َ‬
‫اخلالقة دن املوا ّا صورها السابقة دكتساء الّلّحقة َ‬
‫ِّمن َْها َأ ْو م ْثل َها﴾ (البقرة ‪ .)106‬منه‪.‬‬
‫فيام ابتَدَ ْأ َي به ُلغُوب ًا َود دّلج ًا﴾‬
‫(‪﴿ )66‬من َ أن متُ ار َس َ‬
‫«املامرسة»‪ :‬املزاولة‪ .‬و«لغوب»‪ :‬اإلعياء‪ .‬و«العالج»‪ :‬املزاولة واملداواة‪ .‬وفيه‬
‫األر َض َو َما َبا ْين َُه َام يف ستَّة‬ ‫الرشيفة‪َ ﴿ :‬و َلا َقدْ َخ َلا ْقنَا َّ‬
‫الس َام َواي َو ْ‬ ‫تلميح إىل اآلية ّ‬
‫أ َّّام َو َما َم َّسنَا م ْن ُلاغُوب﴾ ‪.‬‬
‫يمسه لغوب وإعياء‪ ،‬واإلفاضة واإلنارة واإلجادة ونظائرها ذات ّية له‬
‫وكيف ّ‬
‫وتعب؛ لكونه‬
‫ٌ‬ ‫ب‬
‫يت ال ييع له إعياء ون ََص ٌ‬
‫تعاىل؟ ويف حصول الذايت من ذي الذا ّ‬
‫مالئ ًام له‪ .‬وأيض ًا اإلعياء من صفات اجلسم‪ ،‬وال ّ‬
‫كل جسم كالفلك‪ ،‬بل اجلسم‬
‫احلس‬
‫ّ‬ ‫كل ذي مزاج‪ ،‬بل ذو مبدأ‬‫كل مركّب‪ ،‬بل ذو مزاج‪ ،‬وال ّ‬
‫املركب‪ ،‬وال ّ‬
‫التجسم وعوارضه‪ .‬ويف‬
‫ّ‬ ‫التجسم‪ ،‬ولوازم‬
‫ّ‬ ‫واحلركة؛ واهلل تعاىل ّ‬
‫أجل وأرفع من‬
‫د» واالبتداع‪ :‬إخراج الّشء من «ال ّليس» إىل «األيس»‬
‫بعض النّسخ‪« :‬فيام ابتدَ ْد َ‬
‫دفعة واحدة رسمد ّية ال دهر ّي ًة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن الزمانية واآلنية‪﴿ :‬إنّام أ ُمر ُه إذا أرا َا‬
‫ول َل ُه كُن َف َيكُون﴾ ‪ .‬وليس ذلك اليول منه تعاىل قوالً تدرجي ّي ًا‬ ‫َشيئ ًا أن َّ ُق َ‬
‫قر ُع‬
‫بصوي ُّ َ‬
‫فيكون د َ‬
‫ُ‬ ‫زمان ّي ًا‪ ،‬كام قال عّل×‪« :‬إنّام َّ ُق ُ‬
‫ول ملا أرا َا كَو َن ُه «ك ُْن»‪،‬‬
‫ود بنداء ُّ ْس َمع‪ ،‬إنّام كّلمه ُسبحانه فع ُله» ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ق‪.38 :‬‬


‫(‪ )2‬يس‪.82 :‬‬
‫(‪ُ )3‬نج البالغة‪/‬اخلطبة‪.186 :‬‬
‫َوحدَ بالع ِّز َوا ْل َبقاء﴾‬
‫(‪َ ﴿ )67‬فيا َم ْن َّ‬
‫الزمان‪،‬‬ ‫بيا ًء رسمدي ًا‪ ،‬ال دهر ّي ًا‪ ،‬وال زمان ّي ًا؛ ّ‬
‫فإن وعاء املوجودات الس ّيالة هو ّ‬
‫املجردة ـ كالعيول املفارقة ـ هو الدّ هر‪ ،‬واجلاري جمرى‬
‫ّ‬ ‫ووعاء املوجودات‬
‫الُّسمد‪.‬‬
‫مدي هو ّ‬
‫الُّس ّ‬
‫الوعاء للوجود الواجب ّ‬
‫متجز‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫والبياء الزماين ممتدّ س ّيال‬
‫متجز‪ ،‬إ ّال إ ّن الباق به ماه ّيته ال بياء هلا‬
‫ٍّ‬ ‫والبياء الدهري غري ممتدّ وال س ّيال‬
‫ودع ا‪.‬‬ ‫عريها وم ِ‬
‫يف ذاهتا‪ ،‬إنّام هو عارية وديعة في ا‪ ،‬وإنّام ه باقية ببياء ُم ِ‬
‫ُ‬
‫تجز‪ ،‬وال عارض‪ ،‬وال عاريـة‪،‬‬
‫والبياء الُّسمدي بياء بسيط غري س ّيال‪ ،‬وال ُم ٍّ‬
‫يتطرق إليه‬
‫وليس الباق به ذات له البياء‪ ،‬بل هو نفس البياء اليائم بالذات‪ ،‬وال ّ‬
‫ّيضـ والتصــ ّرم ا ّلـذي ّ‬
‫للزمـان‬ ‫الزوال بوجه من الوجوه؛ ال بنحو التّجدّ د والت ّ‬
‫ّ‬
‫الزوال من حيث تركيب مادة ذلك الباق‬
‫والزمان ّيات املمتدّ ات والس ّياالت‪ ،‬وال ّ‬
‫ّ‬
‫الزوال من حيث‬
‫من املتضا ّدات امل ّياالت إىل أحيازها الطبيع ّية كام يف املواليد‪ ،‬وال ّ‬
‫االنيالب كام يف االُ ّم ـات‪ ،‬وال ّ‬
‫الـزوال مـن حيـث التبـدّ ل بتجـدّ د‬ ‫َ‬ ‫قبول ما ّدته‬
‫الـزوال مـن‬
‫األمثال وجتدّ د األوضاع واألحوال كام يف األفالك والفلكيات‪ ،‬وال ّ‬
‫ـم ‪،‬‬
‫حيــث حلــول ضــده يف موضــوعه كــام يف األعــراض؛ لرباءتــه عــن الكـ ّ‬

‫قار‪ .‬واألخ له‬ ‫ّل كان‪ ،‬أو منفصّلً‪ .‬واملتّصل قار ًا كان‪ ،‬أو‬ ‫الكم؛ متّص ً‬
‫(‪ )1‬أي مطلق ّ‬
‫لف‬‫اخص خصوص ّية باملقام‪ ،‬أي مقام التنزّ ه دن الزّ وال بنحو التجدّ ا الزّ ماين‪ .‬ويف الكّلم ّ‬
‫ّ‬
‫مر من أن كل ندّ ضدّ ‪ ،‬وكل ضدّ‬ ‫ونرش دىل سبيل الرت يب ّإد يف اآلخر‪ ،‬أو ّإد أن ّراا هبا ما ّ‬
‫ندّ ‪ .‬منه‪.‬‬
‫والرتكيب‪ ،‬واملادة‪ ،‬والتجدد‪ ،‬واملعاين‪ ،‬واألحوال‪ ،‬واألنداد واألضداد‪.‬‬
‫وإذ ال ماه ّية له‪ ،‬فال يتطرق إليه الزوال من حيث قبول املاه ّية العدم يف ذاهتا‪،‬‬
‫كاملفارقات عن املواد‪ ،‬الباقيات يف وعاء الدهر؛ فإ ُّنا وإن كانت باقي ًة ثابتة عّل‬
‫حالة واحدة ال بنحو املمتدّ ات الس ّيالة ـ إذ ال حالة منتظرة هلا‪ ،‬بل يف التمثيل‬
‫قواعد خمروطات أنوارها ا ّلت يف هذا العامل‪ ،‬وه إرشاقاهتا الت يف أصنام ا‬
‫املتشوقة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الطبيع ّية‪ ،‬وطلسامهتا الناسوت ّية ثابتات من غري تبدّ ل إ ّال يف اليوابل‬
‫يمر بحذائه قوابل من‬‫ال عن رؤوس تلك املخروطات من النور‪ ،‬كُّساج ّ‬ ‫فض ً‬
‫كُّساج يتجدّ د عّل ِمُّسجته‬
‫مكمن غيب ‪ ،‬فتستيضء بضيائه عّل التّناوب‪ ،‬أو ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫الزيت والفتيلة بحيث لن ينطف َئ أبد ًا‪ ،‬ـ إ ّال إ ُّنا غري باقيات‪ ،‬بل زائالت يف مرتبة‬
‫الُّسمد ويف مرتبة الوجود الُّسمدي‪ ،‬وزائالت يف‬
‫ماه ّياهتا‪ ،‬بل غري باقيات يف ّ‬
‫الرصف‪ ،‬وال َّطمس املحض‪.‬‬‫األبد‪ ،‬ويف مرتبة الوجود األبدي بالفناء ّ‬
‫وإذا كان أصل الوجود حييية بسيطة ال جزء هلا مطلي ًا ـ ال أجزاء ّتليلية‪،‬‬
‫وال أجزاء خارج ّية‪ ،‬وال ميدارية‪ ،‬وال حيائق وال أفراد متباينة هلا‪ ،‬والضدّ‬
‫الزوال والعدم وإ ّال‬
‫متيومة ذاهتا هبا‪ ،‬وال تيبل ّ‬
‫والندّ ‪ ،‬وال ميابل وال ماهيّة‪ّ ،‬‬
‫انيلبت ماه ّية‪ ،‬هذا خلف ـ كانت باقية غري زائلة‪ ،‬بل العامل الداثر الزائل ماه ّياته‬
‫بالصور النوع ّية الس ّيالة ذات ًا وأعراض ًا يف الدّ ثور‬
‫املصورة ّ‬
‫ّ‬ ‫الطبيع ّية‪ ،‬وموا ّده‬
‫‪ .‬كيف؟‬ ‫والزوال‪ ،‬ال وجوده احلييي الذي هو بام هو هو موضوع العلم االهل‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬ففي األزل «كان اهلل ومل ّكن معه َشء» ودموم «َشء» ّشمل املفارقاي‪ .‬ويف اآلّة‬
‫﴿ َِّملن ا ُْمل ْل ُك ا ْل َي ْو َم هللَّ ا ْل َواحد ا ْل َق َّهار﴾ ( افر ‪ .)16‬منه‪.‬‬
‫جسم واقع يف التغ ّ‬
‫ٌ‬ ‫كل موجوا وإن كان جس ًام أو جسامن ّي ًا‪ ،‬فهو كام أنّه بام هو‬ ‫(‪ )2‬إذ ّ‬
‫مقدار أو دد ٌا موضوع «العلم الرّايض»‪ ،‬فهو بام‬
‫ٌ‬ ‫متقدر أو‬
‫ٌ‬ ‫موضوع «العلم الطبيعي» وبام هو‬
‫وهو وجه اهلل الباق بعد فناء كل يشء وهو الوجه الذي قال يف الكتاب اإلهل‬
‫يف حيه‪َ ﴿ :‬فأّنَام َُو ّل ُوا َف َّث َم َو ْج ُه اهلل﴾‪ :‬وإذا كان الوجود ح ّظه من البياء هكذا‪،‬‬
‫وأي‬
‫فام حدسك يف الوجوب؟ فإنّه وراء ما ال يتناهى بام ال يتناهى يف البياء‪ّ ،‬‬
‫كامل كان‪.‬‬

‫هو وجو ٌا وموجوا بام هو موجوا موضوع «العلم اإلهلي»‪ .‬والوجوا بام هو وجوا د اثور‬
‫ود زوال فيه‪ ،‬بل املاه ّياي الطبيع ّية شأ ا الدثور والزّ وال؛ فاحلركة ااثر ٌة زائلة‪ ،‬والزّ مان‬
‫ّل كائن فاسد‪ .‬وباجلملة‪ ،‬العامل ا وهو ما سوى اهلل‪ ،‬وهي املاهياي‬ ‫متق ٍّ متجدّ ا‪ ،‬واملاء مث ً‬
‫باطل‪ ،‬د وجو ُاها بام هو وجو ٌا؛ فإنّه نور اهلل وظهوره ووجهه‪ .‬منه‪.‬‬‫زائل ٌ‬‫اإلمكانية ا ٌ‬
‫(‪َ ﴿ )68‬و َق َه َر دبا َاه باملوي َوال َفناء﴾‬
‫مل يذكر× مطلق اخللق؛ ألنّه إذا كان العباد مي ورين هلل تعاىل هبام ‪ ،‬فباق‬
‫ّ‬
‫فالكل‬ ‫ون﴾‬
‫اخلالدُ َ‬ ‫اخللق بطريق َأوىل‪ ،‬كام قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬أ َفإ ْن م َّ‬
‫د َف ُه ُم ْ‬
‫للزوال؛ من حلول الضدّ يف موضوع الضدّ‬ ‫َمطارح األسباب ا ّلت ذكرناها ّ‬
‫اآلخر‪ ،‬وانحالل الرتكيب‪ ،‬واالنتيال ّ‬
‫الذايت‪ ،‬ونحوها‪ .‬و«املوت» لإلنسان‪،‬‬
‫امليربّي‪ ،‬والعيول اليدِّ يسّي‪ .‬وكذا يف اإلنسان املوت‬
‫و«الفناء» للمالئكة ّ‬
‫لألبدان‪ ،‬والفناء لنفوس ا وعيوهلا؛ ّ‬
‫فإن لإلنسان نشآت ثالث‪ :‬اجلسم والنفس‬
‫والعيل‪ ،‬وقيامات ثالث‪ :‬صغرى ووسطى وكربى؛ فانّه إذا انتيلت النفس من‬
‫هذه النشأة قبض من ا الوجود الطبيع ال الوجود الربزخ أو االُخروي‬
‫الصوري‪ ،‬فل ا هناك أيض ًا أنان ّية ومالك ّية وجود‪َ ﴿ :‬من كان يف هذه أ ْدمى َف ُه َو يف‬
‫ّ‬
‫اآلخ َرة أدمى﴾ فمن مل حيصل هاهنا له بذر البصرية مل حيصل له هناك حصاد‪،‬‬
‫ولذا قالوا‪« :‬املعرفة بذر املشاهدة» ‪ .‬وأسباب انتياالهتا يف ّ‬
‫كل موضع مسامة‬
‫باسم‪:‬‬

‫(‪ )1‬أي املوت والفناء‪.‬‬


‫(‪ )2‬األنبياء‪.34 :‬‬
‫(‪ )3‬االرساء‪.72 :‬‬
‫(‪ )4‬رشح ُاصول الكايف ‪/175 :3‬حاشية عّل الكتاب‪ ،‬احلكمة املتعالية يف األسفار العيلية‬
‫األربعة ‪ ،266 :6 ،124 :5 ،387 :4‬املبدأ واملعاد‪ ،477 :‬مصباح البالغة ‪.219 :2‬‬
‫كاملوي لالنتيال من نشأة اجلسم الطبيع إىل نشأة النفس‪.‬‬
‫ونفخة الفزع لالنتيال من نشأة النّفس إىل نشأة العيل أخذ ًا من قوله تعاىل‪:‬‬
‫السمواي واألرض إ ّد َمن شا َء اهلل ّ‬
‫وكل‬ ‫﴿ َو َّ ْو َم ُّن َف ُح يف الصور َف َفزَع َمن يف ّ‬
‫أ و ُه ااخرّن﴾ ‪ .‬واالستثناء بالنسبة إىل من ّتيق بمضمون «مو وا قبل أن‬

‫(‪ُ )1‬قرئ «يف َ‬


‫الص َور» ا بفتح الواو يف املوضعني [أي هنا‪ ،‬ويف اآلّة ‪ 68‬من سورة الزمر] ا‬
‫الّصفة الربزخ ّية واألخرو ّّة‪ ،‬د الدّ نيو ّّة املشوبة‬
‫والصور هي الص َور َّ‬
‫ُ‬ ‫فيكون مجع «صورة»‪.‬‬
‫باهليوىل‪.‬‬
‫بالروح الذي هو «أمر اهلل»‪ ،‬و«كلمة‬ ‫الصور الدنيو ّّة ا هو التجيل دليها ّ‬
‫و«النفخ» ا كام يف ّ‬
‫د فيه من روحي﴾‬ ‫﴿و َن َف ْخ ُ‬
‫حق آام× وأوداه َ‬ ‫اهلل»‪ ،‬و«روح اهلل»‪ ،‬كام قال عاىل يف ّ‬
‫حق ديسى× ﴿ َفنَ َف ْخنَا فيه من روحنَا﴾ (التحرّم ‪.)12‬‬
‫(احلجر ‪ .)29‬ويف ّ‬
‫وإنّام أضفنا «أوداه»؛ لقوله عاىل قبله‬
‫ان من َص ْل َص ٍ‬ ‫ّأودً َ‬
‫ال﴾ (احلجر ‪.)26‬‬ ‫نس َ‬ ‫﴿و َل َقدْ َخ َل ْقنَا اإل َ‬
‫﴿وإ ْذ َق َال َرب َك ل ْل َمّلَئكَة إ ِّين َخال ٌق َب َ ً‬
‫رش ًا﴾ (احلجر ‪.)28‬‬ ‫وثاني ًا َ‬
‫وحاصل مضمون اآلّة السابقة أنّه بعدما كان متجل ّي ًا بالروح دىل ّ‬
‫الصور الدنيو ّّة‪ّ ،‬كون‬
‫الصور ادُخروّة‪ ،‬فيّلحظ اإلنسان الكب بجميع أجزائه مجلة كشخص واحد‪،‬‬ ‫متجل ّي ًا دىل ّ‬
‫س َواحدَ ٍة﴾ (لقامن ‪ .)28‬وّّلحظ بدّ ل جتليه‬
‫﴿ما َخ ْل ُقك ُْم َو َد َب ْع ُثك ُْم إ َّد َكنَ ْف ٍ‬
‫كام قال عاىل َّ‬
‫الّصفة األخرو ّّة‪ ،‬كام قال عاىل‬
‫بالتجيل الروحي دىل الصور ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصور املاا ّّة‬ ‫الروحي دن ّ‬
‫ّ‬
‫ون﴾ (الزمر ‪ ،)68‬أي ّسقط إضافة اإلحياء دن ّ‬
‫الكل‬ ‫﴿نُف َخ فيه ُأ ْخ َرى َفإ َذا ُهم ق َي ٌام َّن ُظ ُر َ‬
‫الدنيو ّّة إذا لوحظد يف ال ّطول‪ ،‬وّبدّ ل بإضافة اإلما ة‪ ،‬وحيصل إضافة اإلحياء إىل ّ‬
‫الصور‬
‫األخروّة‪.‬‬
‫والنفخة الصورّة يف الظاهر أّض ًا نفختان نفخة طفىء النّار‪ ،‬ونفخة شعلها‪ ،‬وهكذا النفخة‬
‫الروح ّية يف الباطن‪ .‬منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬النمل‪.87 :‬‬
‫قبل‬ ‫القهار﴾‬ ‫متو وا» ‪ ،‬وسمع قوله تعاىل‪﴿ :‬ملَن املُ ُ‬
‫لك ال َيوم هلل الواحد ّ‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫ونفخة الصعق لالنتيال من نشأة العيل إىل ميام رجوع األمر ك ِّله إىل اهلل‬
‫اخ يف الصور َف َصع َق َم ْن يف َّ‬
‫الس َام َواي‬ ‫الواحد الي ّ ار أخذ ًا من قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ونُف َ‬
‫األرض إ ّد َم ْن َش َ‬
‫اء اهلل﴾ ‪ .‬واملستثنى يف اآلية َمن مات قبل أن يموت‪،‬‬ ‫َو َم ْن يف ْ‬
‫وسمع نداء‪﴿ :‬ملَن املُ ْل ُ‬
‫ك اليوم هلل الواحد ال َق ّهار﴾ قبل الييامة الكربى‪.‬‬
‫ويف األفالك أيض ًا يستعمل «الفناء» ال «املوت»؛ فارجتاع ا إىل اهلل الواحد‬
‫الي ار بأنّه يتوارد علي ا شيئ ًا فشيئ ًا وجو ٌد‪ّ ،‬‬
‫ثم وجو ٌد عّل سبيل جتدّ د األمثال عّل‬
‫األول ا ّلذي كان مظ ر الت ّ‬
‫ّجّل والتّيويم يصري‬ ‫األول ّ‬
‫والذات ّ‬ ‫االتّصال‪ .‬فالوجود ّ‬
‫مورد اليبض والتسليم‪ ،‬ثم يصل النوبة إىل الثاين‪ ،‬وهكذا يف كل حّي‪ .‬فذات‬
‫َان َّ ْر ُجو ل َقاء اهللَّ َفإ َّن َأ َج َل اهللَّ‬
‫ورجوع‪َ ﴿ :‬من ك َ‬
‫ٌ‬ ‫الفلك ذوات‪ ،‬ولكل ذات َبد ٌو‬
‫األتم‪ ،‬والتغيري األعظم يف مجيع العامل‪ ،‬فينييض مدّ ة‬ ‫َآل ٍ‬
‫ي﴾ إىل أن ييع التبدّ ل‬
‫ّ‬
‫دورة من األدوار واألكوار‪ ،‬وه مخسون ألف سنة‪ ،‬كام قال تعاىل‪ْ َ ﴿ :‬ع ُر ُج‬
‫ني أ ْل َ‬
‫ف َسنَة﴾ ‪ ،‬فريجع تلك املدّ ة‬ ‫املَّلئ َك ُة َوالر ُ‬
‫وح إ َل ْيه يف َّ ْوم ك َ‬
‫َان م ْقدَ ُار ُه َمخْس َ‬
‫مجيع النسب واألوضاع ولوازم ا إىل ما كانت أ ّوالً؛ ليوله تعاىل‪ّ ﴿ :‬‬
‫والسامء ذاي‬
‫الرجع﴾ ‪.‬‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬رشح ُاصول الكايف ‪ 355 :11‬ناسب ًا إياه إىل املعصوم× ونسبه إىل الـ«الييل» يف ‪:6‬‬
‫‪ ،106 :12 ،152‬بحار األنوار ‪.59 :69 ،317 :66‬‬
‫(‪ )2‬غافر‪.16 :‬‬
‫(‪ )3‬الزمر‪.68 :‬‬
‫(‪ )4‬املعارج‪.4 :‬‬
‫(‪ )5‬الطارق‪.11 :‬‬
‫اليوة إىل الفعل‪ ،‬وتبدّ ُهلا الذا ّ‬
‫يت‪،‬‬ ‫وهكذا قياس خروج النفوس الفلكية من ّ‬
‫وإبداؤها‪ ،‬وقبض ا وتسليم ا‪ ،‬والتحا ُق ا بالعيول‪ ،‬وصعودها من عامل الغرور‬
‫إىل عامل النّور‪ ،‬ال كام قيل‪ :‬إ ّن النفوس الفلكية بعدما كملت التحيت بعامل العيل‪،‬‬
‫وتع ّليت باألفالك‪ :‬بدهلا من النفوس األرض ّية ما ارتفعت من عامل الغرور‪،‬‬
‫ٌ‬
‫تناسخ ُحمال‪ .‬وهذا اليول منيول يف (رشح حكمة اإلرشاق)‪.‬‬ ‫وهكذا؛ ألنّه‬
‫ثم إنّه كام أ ّن ّ‬
‫لكل موجود َخلي ًا و َبعث ًا‪ ،‬كذلك للعامل الكبري‪﴿ :‬ما َخل ُقك ُْم ود‬ ‫ّ‬
‫قامد‬
‫ْ‬ ‫َبعثُك ُْم إ ّد َك َن ْفس واحدَ ة﴾ ‪ ،‬وكام أ ّن له قيامة وساعة‪َ « :‬من َ‬
‫ماي َف َقد‬
‫قيامتُه» ‪ ،‬كذلك للعامل‪ ،‬إ ّال إن نسبته إىل ّ‬
‫الساعات الصغريات نسبة اليوم إىل‬ ‫َ‬
‫الساعة‪ ،‬وأهل التحييق‬
‫والسنة لأل ّيام‪ .‬وأهل احلجاب يامرون يف ّ‬
‫َّ‬ ‫الساعات‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألُنم يطلبوُنا من مستيبل السلسلة العرضية‪،‬‬
‫يعلمون أ ُّنا احلق‪ ،‬ويروُنا قريبة؛ ّ‬
‫وه يف السلسلة الطولية وباطن العامل‪ .‬فكام أن املبادئ ليست يف عرض العامل‪،‬‬
‫يتوجه إىل غاية ه الفناء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كذلك الغايات‪ ،‬بل ه ه ؛ فكام أ ّن ّ‬
‫كل واحد‬
‫كذلك ّ‬
‫الكل؛ إذ ليس له وجود غري وجود كل فرد فرد‪ .‬قال بعض العرفاء‪« :‬كام‬
‫اآلدم إذا عرض له املوت وخرجت روحه من البدن قامت‬ ‫أ ّن ّ‬
‫الشخ‬
‫قيامته‪ ،‬وعند ذلك انفطرت سامؤه الت ه ا ّم دماغه‪ ،‬وانترشت كواكبه الت ه‬
‫وكورت شمسه الت ه قلبه‬
‫حواسه‪ِّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫قواه املدركة‪ ،‬وانكدرت نجومه الت ه‬
‫ّت‬
‫ومنبع أنوار قواه وحرارته الغريزية‪ ،‬وتزلزلت أرضه الت ه بدنه‪ ،‬ودك ُ‬
‫املحركة‪ ،‬ف كذا قياس‬
‫ّ‬ ‫جباله الت ه عظامه‪ ،‬وحرشت وحوشه الت ه قواه‬

‫(‪ )1‬ليامن‪.28 :‬‬


‫(‪ )2‬بحار األنوار ‪ ،67 :70 ،7 :58‬ختريج األحاديث واآلثار ‪.436 :1‬‬
‫موت اإلنسان الكبري ـ أعن مجلة العامل اجلسامين ـ الذي هو حيوان مطيع هلل‬
‫وطبع واحد سار يف‬
‫ٌ‬ ‫متحرك باإلرادة‪ ،‬وله بدن واحد هو جرم ّ‬
‫الكل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعاىل‪،‬‬
‫اجلميع هو طبيعة ّ‬
‫الكل‪ ،‬ونفس واحدة كل ّية مشتملة عّل مجيع النّفوس‪ ،‬وروح‬
‫كّل مشتمل عّل مجيع العيول‪ ،‬وهو العرش املعنوي يستوى عليه الرمحن» انت ى‪.‬‬
‫والتوجه الغريزي‬
‫ّ‬ ‫وباجلملة‪« ،‬املوت» و«الفناء» من لوازم احلركة ِ‬
‫اجلبِ ّلية‪،‬‬
‫للكل إىل اهلل‪َ ﴿ :‬فلك ُّل و ْج َه ٌة ُهو ُمو ّليها﴾ ‪ ،‬و﴿ما من اا ّبة إ ّد ُهو آخ ٌذ‬
‫إىل غاية‬ ‫بناص َيتها﴾ ‪ّ ،‬‬
‫وإن للطبائع غايات‪ ،‬ولغاياهتا غايات إىل أن ينت‬
‫الغايات‪.‬‬
‫التوجه‬
‫ّ‬ ‫وميتىض احلكمة والعناية إيصال ّ‬
‫كل ممكن لغاية‪ ،‬و(هذه احلركة وهذا‬
‫ك كَدح ًا‬
‫ّك كاا ٌح إىل َر ِّب َ‬
‫اإلنسان إن َ‬
‫ُ‬ ‫أُّيا‬
‫وهذا اإليصال) يف اإلنسان أظ ر‪ّ﴿ :‬ا َ‬
‫فمّلقيه﴾ ‪ ،‬س ّيام الكامل منه؛ فانّه باب األبواب‪ ،‬والكل قاصد عتبته‪ّ« :‬ابن‬
‫وخلقتك ألجيل» ‪ .‬ومن هنا ظ ر حييية ما قال‬
‫لك‪َ ،‬‬ ‫آام‪َ ،‬خل ْق ُ‬
‫د األشياء أل ْج َ‬
‫متوجه إليه بال ّطوع‬
‫ّ‬ ‫بعض أهل التحييق‪ :‬إ ّن املوت مطلوب باالختيار‪ ،‬واإلنسان‬
‫والرغبة‪ .‬أي الرغبة الفطر ّية‪ ،‬وال ّطوع ّ‬
‫اجلبّل‪ ،‬واالختيار العيّل‪ ،‬ال الرغبة اخليالية‬ ‫ّ‬
‫ارش وجود اإلنسان هو اخليال والوهم‪،‬‬ ‫والومهية‪ .‬ولكن أنت تعلم أنّه ليس َرش ِ‬
‫ّ‬
‫رشحت وجود‬
‫َ‬ ‫الر َغبات واألشواق هو ّ‬
‫الشوق احليواين‪ ،‬بل إذا‬ ‫وال حذافري َّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬كانت ه بعض مراتبه الدّ انية‪ ،‬وإن كانت ه أيض ًا بصدد االستكامل‬

‫(‪ )1‬البيرة‪.148 :‬‬


‫(‪ )2‬هود‪.56 :‬‬
‫(‪ )3‬االنشياق‪.6 :‬‬
‫(‪ )4‬رسائل الكرك ‪ ،164 :3‬اجلواهر السنية يف األحاديث اليدسية‪.361 :‬‬
‫ميْس ملا خلق له»‬
‫والبلوغ إىل غاية ّما‪ ،‬والتبدل من حال إىل حال‪ ،‬ولكن «كل ّ‬
‫أيض ًا طالبة للموت من حيث ال تشعر‪ .‬ومن هنا قال تعاىل‪َ ﴿ :‬فت ََمنَّوا‬ ‫ف‬
‫املوي﴾ ‪.‬‬
‫َ‬
‫ألبن أيب طالب آن َُس باملوي م َن ال ّطفل َبثَدْ ي ُا ّمه» ‪.‬‬
‫وقال عّل×‪« :‬واهلل ُ‬
‫وظ ر أيض ًا وجه إطالق ّ‬
‫قرة عّي العارفّي عّل «الفناء»‪ .‬والفناء له مراتب‬
‫ثالث‪ :‬املحو‪ ،‬والطمس‪ ،‬واملحق‪:‬‬
‫فاملحو أن ُيرى ّ‬
‫كل فعل مست لك ًا يف فعله تعاىل الواحد‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وما‬
‫قوة إ ّد باهلل ال ّعيل العظيم»‪.‬‬ ‫أ ْم ُرنا إ ّد واحدَ ٌة﴾ ‪ ،‬فييول كام ّ‬
‫مر‪« :‬د حول ود ّ‬
‫والطمس أن ُيرى كل صفة كاملية مي ورة مب ورة يف صفته‪ ،‬واألسامء احلسنى‬
‫كل ا هلل‪ ،‬والعظمة له‪ ،‬واحلمد له؛ إذ الفضائل له أينام وقعت‪ .‬ويف الدّ عاء‪« :‬إليه‬
‫ب ال ّثناء» فييول‪« :‬د اله إ ّد اهلل»‪.‬‬
‫رج ُع َدواق ُ‬
‫َّ َ‬
‫واملحق أن ُيشاهد كل وجود منطوي ًا يف وجوده؛ فإنه الوجود ِّ‬
‫الرصف‪،‬‬
‫والوجوب البحت‪ ،‬واملوجود يف نفسه لنفسه‪ّ .‬‬
‫وكل ذات منمحية عند ذاته‪ ،‬فإنّه‬
‫اليائم بالذات‪ ،‬والي ّيوم عّل اإلطالق‪ّ ،‬‬
‫وكل هو ّية متالشي ٌة يف هو ّيته؛ فإنّه هو‬

‫(‪ )1‬رشح ُاصول الكايف ‪ ،357 :11 ،230 :10‬بحار األنوار ‪ ،282 :4‬مسند أمحد ‪،6 :1‬‬
‫صحيح البخاري ‪ ،215 :8‬صحيح مسلم ‪ ،48 :8‬سنن الرتمذي ‪.352 :4‬‬
‫(‪ )2‬اجلمعة‪.6 :‬‬
‫(‪ُ )3‬نج البالغة‪/‬اخلطبة‪.5 :‬‬
‫(‪ )4‬اليمر‪.50 :‬‬
‫(‪ )5‬الفتوحات املكية ‪ ،398 ،286 :4 ،33 :2‬رشح فصوص احلكم‪ ،510 :‬ومل يورداه عّل‬
‫أنه دعاء‪.‬‬
‫هو إ ّد ُهو» ‪.‬‬
‫املطلق‪ ،‬وهو ّية كل «هو»‪ ،‬فييول‪ّ« :‬ا ُهو‪ّ ،‬ا َمن ُه َو‪ّ ،‬ا َم ْن د َ‬
‫ويف ّ‬
‫كل ميام من امليامات ال ّثالثة‪ ،‬والتّوحيدات الثالثة ينطق بكلامت‬
‫التوحيد املذكورات؛ لسان ًا‪ ،‬وحاالً‪ ،‬وميام ًا‪ .‬وبعبارة ُاخرى‪ :‬تَع ُّلي ًا‪َ ،‬‬
‫وخت ُّلي ًا‪،‬‬
‫ري﴾ ‪.‬‬ ‫استَق ْم كَام ُأم َ‬ ‫َ‬
‫وّت ُّيي ًا‪ .‬وبعبارة ُاخرى‪ :‬فطر ًة‪ ،‬وحاالً‪ ،‬واستيام ًة‪َ ﴿ :‬ف ْ‬
‫قال سلطان املتك ّلمّي واملح ّييّي نصري امللة والدين العالمـة الطـويس‪ +‬يف‬
‫(رشح اإلشارات) ـ يف ذيـل رشح قـول الشـيخ‪« :‬العرفـان مبتـدأ مـن تفريـق‪،‬‬
‫مجـع صـفات احلـق ل ِ ّ‬
‫لـذات‪ ،‬املريـدة‬ ‫ونَفض وترك ورفض‪ ،‬ممعـن يف مجـع هـو ُ‬
‫ثم وقوف» هبذه العبارة ـ‪« :‬إ ّن العارف إذا انيطـع عـن‬
‫للصدق‪ ،‬منته إىل واحد‪ّ ،‬‬
‫ـاحلق‪ ،‬رأى كـ ّـل قــدرة مســتغرق ًة يف قدرتــه املتعليــة بجميــع‬
‫نفســه‪ ،‬واتّصــل بـ ّ‬
‫امليــدورات‪ ،‬وكـ ّـل علــم مســتغرق ًا يف علمــه الــذي ال يعــزب عنــه يشء مــن‬
‫يتـأبى علي ـا يشء مـن‬
‫ّ‬ ‫املوجودات‪ ،‬وكل إرادة مستغرقة يف إرادته ال ّت متتنع أن‬
‫املمكنات‪ ،‬بل كل وجود‪ ،‬وكل كامل وجود‪ ،‬ف و صادر عنه‪ ،‬فـائض مـن لدنـه‪،‬‬
‫احلق حينئذ برصه ا ّلذي به يبرص‪ ،‬وسمعه الذي به يسمع‪ ،‬وقدرته التـ هبـا‬
‫صار ّ‬
‫يفعل‪ ،‬وعلمه الذي به يعلم‪ ،‬ووجوده الذي بـه يوجـد؛ فصـار العـارف حينئـذ‬
‫متخ ِّلي ًا بأخالق اهلل باحلييية؛ ف ذا معنى قوله‪« :‬العرفان ممعـن يف مجـع صـفات‪،‬‬
‫ه صفات احلق للذات املريدة بالصدق» ‪ .‬انت ى كالمه‪ُ ،‬رفع ميامه‪.‬‬
‫واخلاصة‪« :‬إ ّن‬
‫ّ‬ ‫ويف كالمه‪ +‬اقتباس من احلديث اليديس املش ور بّي العا ّمة‬

‫(‪ )1‬التوحيد‪ ،2/89 :‬مكارم األخالق‪ ،346 :‬بحار األنوار ‪:90 ،11/242 :58‬‬
‫‪ ،3/232‬وليس في ا مجيع ا‪« :‬يا من هو»‪.‬‬
‫(‪ )2‬هود‪.112 :‬‬
‫(‪ )3‬رشح اإلشارات والتنبي ات ‪.389 :3‬‬
‫العبدَ َل َي َت َق َر ُب ّإيل بالنّوافل حتّى [ ُاح ّبه] ‪ ،‬فإذا أ ْح َب ْبتُه ك ُ‬
‫ُند» ‪ .‬وهذا «الفناء»‬
‫هتذيب‬ ‫هو الذي جعله احلكامء واملتك ّلمون رابعة مراتب العيل العمّل‪ ،‬وه‬
‫الظاهر‪ ،‬وهتذيب الباطن‪ ،‬والتحّل بالفضائل‪ .‬وبعبارة ُاخرى‪ :‬التجلية ـ باجليم ـ‬
‫والتخلية ـ باخلاء املعجمعة ـ والتحلية‪ ،‬باحلاء امل ملة‪.‬‬

‫(‪ )1‬من املصدر‪ ،‬ويف النسخة احلجرية‪« :‬أحببته»‪.‬‬


‫(‪ )2‬التفسري األصفى ‪ ،146 :1‬التفسري الصايف ‪ ،327 :1‬وليس في ام‪« :‬فإذا أحببته كنت»‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫والعبارة هنا ناقصة؛ إذ ُحذف من ا خرب الفعل الناق‬
‫(‪ )3‬أي املراتب الثالثة السابية للفناء‪.‬‬
‫(‪َ ﴿ )69‬ص َّل َدىل ُ َ‬
‫حم َّمد َواله األ قياء‪َ ،‬واستَم ْع ندائي‪َ ،‬واستَجب ُادائي‪،‬‬
‫َو َحق ّق بفضل َك أ َميل َو َرجائي﴾‬
‫فالعام‬
‫ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫خاص‪ ،‬وتيوى أخ ّ‬
‫ّ‬ ‫«التيوى» له مراتب‪ :‬تيوى عا ّم‪ ،‬وتيوى‬
‫ِ‬
‫واخلاص عن املح ّلالت إ ّال عن قدر الضورة‪ ،‬واألخ ّ‬
‫ّ‬ ‫املحرمات‪،‬‬
‫احلمية عن ّ‬
‫وحممد| وآل ُه هم املتّيون‬
‫ّ‬ ‫عام سوى اهلل تعاىل‪،‬‬
‫عن الكونّي‪ .‬وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫ملحمد|وبّي املطالب‬
‫ّ‬ ‫‪ .‬ويف التلفيق بّي طلب الرمحة‬ ‫بالتّيوى األخ‬
‫حق‬ ‫االُخرى تعليم طريق املسألة؛ فإ ّن الدعاء يف ّ‬
‫حق الغري يستجاب‪ ،‬س ّيام يف ّ‬
‫الغراء ـ أ ّن‬
‫قرر يف الفيه ـ وهو رشيعة اهلل ّ‬
‫زبدة الكونّي‪ ،‬ونخبة العاملّي‪ .‬وقد ّ‬
‫تبعيض الصفية ال جيوز؛ فال يرد بكرمه وج ِ‬
‫وده املسأالت املشفوعة بالصالة عّل‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ‬
‫حممد وآله (صلوات اهلل علي م)‪ ،‬بل ييبل اجلميع بفضله‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر مصباح الرشيعة‪ 38 :‬ـ باب التيوى‪ ،‬عن اإلمام الصادق×‪ ،‬وفيه‪« :‬تيوى خاص‬
‫اخلاص»‪ ،‬و«تيوى اخلاص»‪ ،‬و«تيوى العام» بالتعريف يف املواضع الثالثة‪ ،‬وباختالف يف‬
‫رشح ا‪.‬‬
‫الرض‪َ ،‬واملأمول﴾‬
‫(‪ّ﴿ )70‬ا َخ َ َمن ُادي لكَشف ِّ‬
‫أهم من جلب املنفعة‪.‬‬
‫املضة ّ‬
‫ّ‬ ‫الرض» عّل «املأمول»؛ ّ‬
‫ألن دفع‬ ‫قدّ م «كشف ّ ّ‬
‫واألهم وصيغة التفضيل من باب تفضيل يشء عّل يفء‪ ،‬ال من باب تفضيل يشء‬
‫ّ‬
‫عّل يشء؛ ّ‬
‫ألن األثر ليس شيئأ عّل حياله‪ ،‬ومبدأ املبادئ هو الّشء بحييية‬
‫الشيئية‪ ،‬والفضائل والفواضل ك ّل ا منه‪ ،‬وبه‪ ،‬وإليه‪ .‬ونسبت ا إليه بالوجوب‬
‫تيرر يف العلوم العيلية‬
‫والوجدان‪ ،‬ونسبت ا إىل غريه باإلمكان والفيدان؛ إذ قد َّ‬
‫أ ّن نسبة ّ‬
‫الّشء إىل فاعله بالوجوب‪ ،‬وإىل قابله باإلمكان‪ .‬فإذا نظرت إىل األشياء‬
‫ليست إ ّال املاه ّيات العاريات‪ ،‬واملوا ّد العاطالت‪:‬‬ ‫أنفس ا‪ ،‬ف‬
‫بطريف النّييض عن ا‪،‬‬‫َ‬ ‫فاملاه ّياي ليس هلا يف ذواهتا إ ّال اإلمكان‪ ،‬وإذا سئل‬
‫فليس اجلواب إ ّال اخللو عن ام كلي ام‪ ،‬وعدم اقتضاء ذواهتا شيئ ًا من ام مجيع ًا‪.‬‬
‫الّشء من حيث‬ ‫وأما املوا ّا‪ ،‬فليس هلا يف ذواهتا إ ّال اليوة واالستعداد‪ّ ،‬‬
‫وقوة ّ‬ ‫ّ‬
‫الّشء ليست بّشء‪ ،‬فكل احلسن واإلحسان‪ ،‬ومجيع احلّل واحللل‪،‬‬
‫قوة ّ‬
‫ه ّ‬
‫والفعلية والنور من الكامالت األُوىل والثانية من العواري والطواري في ا‬
‫وعلي ا من اهلل مالك املُلك‪ ،‬بل نفس ذواهتا كذلك‪ .‬فالفير نفذ إىل ُختوم ذواهتا‪،‬‬
‫ّاس أنت ُُم ال ُف ُ‬
‫قراء إىل اهلل َواهلل ُه َو‬ ‫أُّيا الن ُ‬ ‫فض ً‬
‫ال عن صفاهتا وأفعاهلا‪ّ﴿ :‬ا ُ‬
‫ا َلغن ّي﴾ ‪.‬‬
‫العنرصي ـ كام سريجع ـ‬
‫ّ‬ ‫أرجعت اإلنسان الطبيع مث ً‬
‫ال إىل أصله‬ ‫َ‬ ‫فإذا‬

‫(‪ )1‬فاطر‪.15 :‬‬


‫فلحظ َت ُه فيط وبـ«رشط ال»‪ ،‬رأيتَه مصداق ًا ليول ّ‬
‫عّل×‪« :‬ما دبن ا َام والفخر!‬
‫ّأو ُل ُه نطف ٌة قذرة وآخره جيف ٌة َقذ َر ٌة» ‪ .‬فأنَا وأنت وهو من املمكنات‪َ ،‬لسنا إ ّال‬
‫هذا و«إليه يرجع عواقب ال ّثناء»‪ ،‬و«اخلري بيديه»‪ ،‬و«الرش ليس إليه»‪ .‬فلو ا ّدعينا‬
‫ال مأموالً من حيث نحن نحن‪ ،‬فيد‬ ‫رض ًا‪ ،‬أو أنلنا آم ً‬
‫مستض ُ ّ‬
‫ٍّ‬ ‫أنّا دفعنا عن‬
‫استسمنّا ذوي ورم ‪ .‬و َلسنا إ ّال جمايل قدرته‪ ،‬ومظاهر صفته‪ ،‬له امللك وله‬
‫احلمد‪ ،‬وال حول وال قوة إ ّال به‪ .‬هي ات َمن ال يملك لنفسه نفع ًا وال ّ‬
‫رض ًا وال‬
‫حياة وال نشور ًا‪ ،‬كيف يمكنه جلب النفع لغريه‪ ،‬أو دفع ُّ ِّ‬
‫الض عن غريه؟ وما‬
‫قال احلكامء‪ :‬إ ّن كل كائن مركب من العنارص األربعة‪ ،‬وه أصله معّي يف‬
‫أن َخ َل َقك ُْم م ْن َُراب ُث َّم إ َذا أ ْنت ُْم َب َ ٌ‬
‫رش‬ ‫علم التوحيد‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وم ْن آ َّا ه ْ‬
‫ون﴾ ‪.‬‬‫َرش َ‬
‫َنت ُ‬
‫وهذه مسألة جزئية من احلكمة‪ ،‬وهذا ثمرها‪ ،‬فام قولك يف املسائل امل ّمة‬
‫االُخرى من ا؟ فاعرف قدرها‪ ،‬وأغ ِل َم َ رها‪ ،‬واطلب العلم من امل د إىل ال ّلحد‪،‬‬
‫وت َخ ْ ًا كَث ًا﴾ ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وقال تعاىل يف الكتاب احلكيم‪َ ﴿ :‬و َم ْن ُّ ْؤ َي احلك َْم َة َف َقدْ أ َ‬
‫كل يشء إىل أصله‪ :‬قابِ َله إىل أصله‬ ‫الك إىل اهلل َّ‬ ‫ِ‬
‫وباجلملة‪َ ،‬فل ُريجع ّ‬
‫الس ُ‬

‫(‪ُ )1‬نج البالغة‪/‬احلكمة‪.454 :‬‬


‫(‪ )2‬إشارة إىل املثل اليائل‪« :‬استسمنت ذا ورم»‪ .‬صبح األعشى ‪ ،530 :1‬زهر األكم يف‬
‫األمثال واحلكم‪ ،333 :‬وقد ورد يف بيت شعر للمتن ّب وهو‪:‬‬
‫نــــادى بــــه لؤمــــه استســــمنت ذا ور ِم‬ ‫مــن ظــن غــري نظــام امللــك ذا كــرم‬
‫معجم االُدباء ‪ ،258 :2‬خزانة األدب ‪.301 ،299 ،214 :1‬‬
‫(‪ )3‬خرب االسم املوصول (ما) يف قوله‪ :‬وما قال احلكامء‪. ...‬‬
‫(‪ )4‬البيرة‪.269 :‬‬
‫(‪ )5‬البيرة‪.269 :‬‬
‫حق ح ّيه‪،‬‬
‫كل ذي ّ‬ ‫اخلسيس اليابّل‪ ،‬وميبو َله إىل أصله الرشيف الفاعّل‪ ،‬ولي ِ‬
‫عط ّ‬ ‫ُ‬
‫كل يشء موضع َه؛ حتى يكون عدالً قوي ًام‪ ،‬وعّل الرصاط مستيي ًام؛‬
‫وليضع ّ‬
‫الساموات واألرض‪ .‬وحيكى أ ّن الغالم املسمى بأياز مع كامل‬ ‫فبالعدل قامت ّ‬
‫تيربِه عند مواله املجازي وهو السلطان حممود الغزنوي‪ ،‬كان حافظ ًا يف املدة‬ ‫ُّ‬
‫ث اخلَلِ ِق يف أ ّيام مسكنته يف بيت ُمغ َلق‪ ،‬وكان‬
‫الر ّ‬ ‫الطويلة نَع َلي ِه البال َي ِ‬
‫ّي‪ ،‬وجلبابه َّ‬
‫مر ًة وينظر فيه؛ رمز ًا إىل أ ّن العبد احلييي وإن بلغ من عناية‬‫كل يوم يدخل فيه ّ‬ ‫ّ‬
‫املوىل احلييي ما بلغ ينبغ ّأال يدع شيمة العبود ّية‪ ،‬وال ّ‬
‫يتفوه بام َي ُعدّ ه أهل اهلل‬
‫من ّ‬
‫الشطحيات ما بييت من وجوده شمة‪ .‬ونعم ما قيل‪:‬‬

‫ومن بديع إشارات كالمه× إىل هذا امليام أنّه قال×‪ّ« :‬ا خ من ُاد َي‬
‫الرض» وإن مل نصدّ ق بذلك الدعاء فيام سواه‪ ،‬ومل ييل‪« :‬يا خري من‬
‫ِّ‬ ‫لكشف‬
‫ألطف إشاراته×!‬‫َ‬ ‫يكشف الض»‪ ،‬فام َّ‬
‫أدق عباراته! وما‬
‫حاجتي﴾‬
‫د َ‬ ‫ك أ ْن َز ْل ُ‬
‫(‪﴿ )71‬لك ُِّل ُدْس َو ُّْس‪ ،‬ب َ‬
‫قال عيسى بن عمرو‪ّ :‬‬
‫وكل اسم عّل ثالثة أحرف‪ّ :‬أوله مضمو ٌم‪ ،‬وأوسطه‬
‫ور ُحم‪،‬‬ ‫ساك ٌن فمن العرب من يثيله‪ ،‬ومن م َمن خي ّففه‪ ،‬مثل ُعُّس و ُع ُُّس‪ُ ،‬‬
‫ورحم ُ‬
‫كل من ا‪« .‬بك انزلد»‪ُ ،‬أي بك وحدك‪ ،‬ال بك‬
‫وح ُلم‪ ،‬بضمتّي يف الثاين ّ‬
‫وحلم ُ‬
‫ُ‬
‫وبغريك؛ فيكون قرص إفراد ‪ ،‬أو بك ال بغريك َبدَ لك‪ ،‬فيكون قرص قلب‪.‬‬
‫والكالم إ ّما من باب حذف املضاف ـ أي دفع ُعُّس‪ ،‬وجلب ُيُّس ـ وإ ّما ال‬
‫مطلب س ل‬
‫ٌ‬ ‫مطلب صعب املنال‪ ،‬وبالـ«ايْس»‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫حذف‪ .‬واملراد بالـ«اعْس»‪:‬‬
‫والُّس األسنى من إنزال احلاجات ببابه‪ ،‬وإناخة‬ ‫ّ‬ ‫املنال‪ .‬والغرض األقىص‬
‫رواحل املطالب بِفنائه كثر ُة تذكُّره تعاىل‪ ،‬كام قال تعاىل‪﴿ :‬واذكُروا اهلل كَث ًا﴾ ؛‬
‫للصور املجردة العيل ّية‪ ،‬كام ّ‬
‫ان املوا ّد اجلسامن ّية ما ّدة‬ ‫فإ ّن اليلب املعنوي كامدة ّ‬
‫ان‬ ‫احلسية‪ ،‬واملا ّدة أينام كانت ال قوام هلا إ ّال ّ‬
‫بالصورة‪ .‬وكام ّ‬ ‫للصور الوضعية ّ‬
‫ّ‬
‫الذكر عّي املذكور ّ‬
‫بالذات؛ فإذا كان اإلنسان‬ ‫بالذات‪ ،‬كذلك ّ‬
‫العلم عّي املعلوم ّ‬
‫متذكّر ًا لغري اهلل تعاىل‪ ،‬كان صور األغيار صورة ليلبه‪ ،‬كام قيل‪:‬‬

‫بل بناء عّل ّاّتاد العامل باملعلوم كان عّي ّ‬


‫الصور املعلومة ّ‬
‫بالذات‪ ،‬وإذا كان‬

‫(‪ )1‬بتيديم ما ّ‬
‫حيه التأخري‪.‬‬
‫(‪ )2‬اجلمعة‪.10 :‬‬
‫(‪ )3‬البيت ملحي الدين العريب‪ ،‬احلكمة املتعالية يف األسفار العيلية األربعة ‪ ،343 :9‬تاريخ‬
‫اإلسالم ‪.377 :46‬‬
‫متذكر ًا هلل تعاىل‪﴿ :‬وهلل األسامء ُ‬
‫احلسنى فا ْا ُدو ُه هبا َو َذ ُروا ا ّلذّن ُّلحدُ َ‬
‫ون يف‬
‫أ ْسامئه﴾ ‪ ،‬كان أسامؤه احلسنى‪ ،‬وصفاته العليا صور قلبه‪ .‬وشتّان بّي قلب‬
‫صور ُته نيوش اجلامد والنبات واحليوان وغريها من صور عامل اإلمكان‪ ،‬وبّي‬
‫قلب صور ُته نيش األسامء والصفات ِ‬
‫للملك املَنّان‪ ،‬أين الرتاب ّ‬
‫ورب األرباب؟‬ ‫َ‬
‫نة‬

‫وهلذا ُأ ِم َر موسى× أن يطلب من جناب اليدس ّ‬


‫كل ما حيتاج إليه حتى‬
‫ِملح طعامه؛ إذ ّ‬
‫كل ما جيلب إىل جنابه‪ ،‬ف و مطلوب حسن وإن كان للحسن‬
‫عرض عريض؛ فاألذكار هلا املطلوب ّية املطلية‪ ،‬واملسأالت باعتبار أ ُّنا وسائل‬ ‫ٌ‬
‫اإلنسان؛ للتّخلق بأخالق اهلل الغن السبحان‪ ،‬ال‬‫ُ‬ ‫الذكر مطلوبة‪ ،‬وإ ّال ُ‬
‫فخلق‬ ‫ّ‬
‫والر ِّقية لألكوان؛ فاإلنسان يف الدّ عاء واملسألة من اهلل تعاىل يبتغ أن‬
‫للحاجة ِّ‬
‫ينظر من طرف خف إىل ِصيع الر ّبوب ّية‪ ،‬وتذكُّره احلييي ‪ ،‬وجيعل الدّ عاء واملسألة‬
‫ذريع ًة وميدمة له‪ ،‬ال أن يتذكّره من باب امليدّ مة والذريعة ليضاء احلاجة‪ .‬وأين‬
‫َ َ‬
‫احلاجة أ َحب َ ّ‬
‫إيل‬ ‫هذا الغنى من ذلك الغنى؟ وهلذا ورد من املعصوم×‪َ « :‬ف ُ‬
‫وي‬
‫اجة» ‪ .‬واألدعية املأثورة لدرك املطالب ونيل املآرب إنّام الغرض‬ ‫م ْن َط َلب ْ‬
‫احل َ‬
‫الوطر‪ ،‬وهو أ ّم املطالب‪ ،‬وأصل‬
‫ُ‬ ‫الو َط َر حتّى ُييىض‬
‫األهم من ا ما ذكر‪َ .‬ول َيد ُع َ‬
‫ّ‬
‫وسن ّ املواهب‪ ،‬كام أشار إليه× بيوله‪:‬‬
‫املآرب‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬األعراف‪.180 :‬‬


‫(‪ )2‬مل يذكره سوى املصنف يف هذا املورد‪ ،‬ويف رشح األسامء احلسنى ‪.114 :2‬‬
‫َرّم﴾‬
‫َرّم ّا ك ُ‬ ‫ك خائب ًا ّا ك ُ‬
‫َرّم ّا ك ُ‬ ‫(‪َ ﴿ )72‬فّل ُر َّاين م ْن َسن ِّي َمواهب َ‬
‫وهو التكريم باخلالفة عن الكريم‪.‬‬

‫حم َّمد وآله»‪.‬‬ ‫« ّ‬


‫وصىل اهلل َدىل ُ َ‬
‫قد وقع الفراغ من تأليفه سابع عرش من رمضان املبارك من ش ور سنة سبع‬
‫وستّي ومئتّي بعد األلف (‪ 1267‬هـ)‪.‬‬

‫قم املقدسة‬
‫مصطفى آل مرهون‬
‫‪ 1432‬ها‬
‫فهرس احملتويات‬
‫بنطق تب ُّل ِج ِه﴾ ‪11 ..............................‬‬
‫الصباح ِ‬ ‫َ‬
‫لسان ّ‬ ‫دلع‬
‫(‪﴿ )3‬يا َمن َ‬
‫فتاح لِتأويل صباح ٍّ ‪16 ...........................................‬‬ ‫َنوير ّ‬ ‫ت ٌ‬
‫ب َت َلج ُل ِج ِه﴾‪21 .........................‬‬ ‫رس َح ِق َط َع ال ّل ِ‬
‫يل املُظلِ ِم بِ َغ ِ‬
‫ياه ِ‬ ‫(‪َ ﴿ )4‬و َ َّ‬
‫تأويل ال ّظلامت‪22 ......................................‬‬ ‫وارشاقات ل ِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ملعات‬
‫ٌ‬
‫َرب ِجه﴾ ‪25 ........................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪َ ﴿ )5‬وأت َي َن ُصن َع ال َف َلك الدَّ ّو ِار يف َميادير ت َ ُّ‬
‫سامو اي ‪34 ...........................................‬‬ ‫إعال ٌم َو َل ِو ٌّي لتأويل ِ‬
‫َأج ِج ِه﴾‪35 ...............................‬‬ ‫مس بِنُ ِ‬
‫ور ت ُّ‬ ‫(‪َ ﴿ )6‬و َشع َش َع ِضيا َء َّ‬
‫الش ِ‬
‫ميض قدُ ِ ِ‬
‫مّس ‪36 ..........................................‬‬‫يس لتأويل َش ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫َو ٌ‬
‫(‪﴿ )7‬يا َمن َد َّل َعّل ذاتِ ِه بِذاتِ ِه﴾‪39 ...........................................‬‬
‫طريية اإلهليّي يف إثبات الواجب تعاىل ‪39 .................................‬‬
‫طريية املتكلمّي يف إثبات الواجب تعاىل ‪42 ...............................‬‬
‫طريية احلكامء يف إثبات الواجب تعاىل ‪43 .................................‬‬
‫طريية الطبيعيّي يف إثبات الواجب تعاىل ‪43 ...............................‬‬
‫(‪َ ﴿ )8‬و َتن ََّز َه َعن ُجمان ََس ِة َخم ُلوقاتِ ِه﴾ ‪55 ........................................‬‬
‫جل َعن ُمال َء َم ِة كيفيّاتِ ِه﴾ ‪61 .........................................‬‬ ‫(‪َ ﴿ )9‬و َّ‬
‫ون﴾ ‪65 ..................................‬‬‫(‪﴿ )10‬يا من َقرب ِمن َخواطِ ِر ال ُّظنُ ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ون﴾‪73 .......................................‬‬ ‫(‪﴿ )11‬وبعدَ َعن مالح َظ ِة العي ِ‬
‫ُُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََُ‬
‫ون﴾‪79 ......................................‬‬ ‫كان َق َبل أن َي ُك َ‬ ‫(‪َ ﴿ )12‬و َعلِ َم بِ َام َ‬
‫اد ِأمنِه َوأمانِ ِه﴾‪85 .................................‬‬ ‫(‪﴿ )13‬يا من أر َقدَ ين يف ِم ِ‬
‫َ‬
‫(‪َ ﴿ )14‬وأي َي َظن إىل ما َمن ََحن بِ ِه ِمن ِمنَن ِ ِه َوإحسانِ ِه﴾ ‪87 ......................‬‬
‫وء َعنّ بِ َي ِد ِه َو ُسلطانِ ِه﴾ ‪89 ...........................‬‬ ‫ف الس ِ‬
‫َف َأ ُك َّ ُّ‬‫(‪َ ﴿ )15‬وك َّ‬
‫يل األَل َي ِل﴾ ‪91 ......................‬‬ ‫ليك يف ال َّل ِ‬‫ليل إ َ‬ ‫(‪َ ﴿ )16‬ص َّل الل َّم َع َّل الدَّ ِ‬
‫ليل‪98 ...........................................‬‬ ‫تأويل الدّ ِ‬‫تشعيل ل ِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫تنوير َو‬
‫ٌ‬
‫اجلاهلِ ّي ِة ‪99 ....................‬‬
‫ِ‬ ‫يل َز ِ‬
‫مان‬ ‫استِش ا ٌد ِمن ُخ َطب َع َلو َّية إلنِ َار ِة َل ِ‬
‫ف األط َو ِل﴾ ‪101....................‬‬ ‫الرش ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(‪َ ﴿ )17‬واملاسك َمن أسبابِ َك بِ َحب ِل َّ َ‬
‫الكاه ِل األع َب ِل﴾ ‪103......................‬‬ ‫ِ‬ ‫رو ِة‬ ‫ّاصع احلس ِ ِ‬
‫ب يف ذ َ‬ ‫ََ‬
‫(‪﴿ )18‬والن ِ‬

‫صطفوي ‪105...........................‬‬ ‫ّ‬ ‫تأويل َح َسب ُم‬ ‫إرشاق ُنور َو َل ِوي ل ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫َوفي ٌق ‪105.........................................................‬‬ ‫تأييدٌ َوت ِ‬
‫الز َمن األَ ّول﴾‪107....................‬‬ ‫ت ال َيدَ ِم عّل َز ِ‬
‫حاليف ا ِيف َّ‬ ‫(‪﴿ )19‬وال ّثابِ ِ‬
‫َ‬
‫لتأويل َث ِ‬ ‫ِ‬
‫خامت ّ ‪108...................‬‬‫بات َقدَ م َ‬ ‫ِ‬ ‫يم َق َلم ٌّ‬
‫يح َلوح ٌّ َوتَعل ٌ‬ ‫َت َل ِو ٌ‬
‫ِ‬
‫األبرار﴾ ‪111..................‬‬ ‫ِ‬
‫األخيار‪ ،‬املُص َط َف َ‬
‫ّي‬ ‫اه ِري َن‬ ‫(‪﴿ )20‬و َعّل ِ‬
‫اله ال ّط ِ‬
‫َ‬
‫صاريع الصباح بِمفاتِيحِ الر ِ‬
‫محة َوال َفالحِ ﴾ ‪119.......‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫(‪َ ﴿ )21‬واف َتحِ الل َّم َلنا َم ِ َ ّ‬
‫صارع و َمفاتح ‪120................................‬‬ ‫يل َم ِ‬ ‫لوائح ل ِ ِ‬
‫تأو ِ‬ ‫َطوالِع و ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫(‪﴿ )22‬وألبِسن الل م ِمن َ ِ‬
‫الصالح﴾ ‪123................‬‬ ‫أفض ِل خ َل ِع اهلدا َية َو َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ب َجناين َينابيع اخلُ ُشو ِع﴾ ‪125..........‬‬‫س الل َّم لِع َظ َمتِ َك يف ِرش ِ‬ ‫واغر ِ‬‫(‪ِ ﴿ )23‬‬
‫بحاين‪126..........................................‬‬ ‫ّ‬ ‫ناين ِخلُ ُشوع ُس‬ ‫ٌ‬
‫تأويل َج ّ‬
‫تك ِمن آماق َز َف ِ‬
‫رات الدُّ ُمو ِع﴾ ‪127...................‬‬ ‫(‪﴿ )24‬وأج ِر الل َّم ِهليبِ َ‬
‫بأز َّم ِة ال ُي ُنو ِع﴾ ‪129......................‬‬
‫رق ِمنّ ِ‬
‫ب الل م ن ََز َق اخلُ ِ‬
‫َّ‬ ‫(‪َ ﴿ )25‬وأ ِّد ِ‬
‫السال ِ ُك يب إ َل َ‬
‫يك يف‬ ‫َّوفيق‪َ ،‬ف َم ِن ّ‬ ‫مح ُة ِم َ‬
‫نك بِ ُحس ِن الت ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪﴿ )26‬إهل إن َمل تَبتَدئن َّ‬
‫الر َ‬
‫ريق؟!﴾‪131......................................................‬‬ ‫ِ‬
‫واضحِ ال َّط ِ‬
‫ييل َع َثرايت ِمن َكبو ِ‬
‫ات‬ ‫(‪﴿ )27‬وإن أس َلمتن أنا ُت َك ل ِ ِ‬
‫يائد األ َم ِل َواملُنى‪َ ،‬ف َم ِن املُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلوى؟﴾ ‪135...............................................................‬‬
‫يطان‪َ ،‬ف َيد َو َك َلن ِخذالنك‬
‫الش ِ‬‫رصك ِعندَ ُحم َار َب ِة النّفس َو ّ‬
‫(‪﴿ )28‬وإن َخ َذ َلن ُن ُ‬
‫مان﴾ ‪137............................................‬‬ ‫النصب ِ‬
‫واحلر ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل َحي ُث‬
‫َفصيّل‪155..........................................................‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫بيان ت‬
‫نتاج ِمن إُناج ‪165....................................................‬‬ ‫إست ٌ‬
‫ِ‬

‫إحيا ٌء‪167.........................................................‬‬ ‫ضياء و ِ‬


‫ٌ َ‬
‫ِ‬
‫اآلمال﴾‪171.......................‬‬ ‫(‪﴿ )29‬إهل ‪ ،‬أتراين ما أتي ُت َك ّإال ِمن َح ُ‬
‫يث‬
‫الوصال﴾ ‪173....‬‬‫ِ‬ ‫باعدَ تن ُذ ُنويب ِمن ِ‬
‫دار‬ ‫بأطراف ِحبال ِ َك ّإال حّي َ‬
‫ِ‬ ‫(‪﴿ )30‬أم َعلِ ُ‬
‫يت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪َ ﴿ )31‬فبِ َ‬
‫ئس املَط َّي ُة ا ّلت امتطأت نفّس من َهواها؛ َفواه ًا ملا َس َّولت َهلا ُظنُ ُ‬
‫وُنا‬
‫َو ُمناها!» ‪181................................................................‬‬
‫رأهتا َعّل َس ِّي ِدها َو َموالها﴾‪187.............................‬‬
‫(‪َ ﴿ )32‬و َت َب ًا َهلا ِجل ِ‬
‫ُ‬
‫محتِ َك بِ َي ِد َرجائ ﴾ ‪189............................‬‬ ‫(‪﴿ )32‬إهل َق َرع ُت َ‬
‫باب َر َ‬
‫ط أهوائ ﴾ ‪193...........................‬‬ ‫الجئ ًا ِمن َفر ِ‬
‫يك ِ‬ ‫(‪َ ﴿ )34‬و َه َرب ُت إ َل َ‬
‫أنام َل َوالئ ﴾ ‪195..........................‬‬ ‫أطراف ِحبال ِ َك ِ‬
‫ِ‬ ‫ليت بِ‬
‫(‪َ ﴿ )35‬و َع ُ‬
‫كان ِمن َز َلّل َوخطائ ﴾‪197........................‬‬ ‫(‪﴿ )36‬فاص َفحِ الل َّم َع ّام َ‬
‫وأقلن الل َّم َرص َع َة َردائ ﴾ ‪199....................................‬‬ ‫(‪ِ ﴿ )37‬‬

‫ورجائ ‪َ ،‬وأنت َمط ُلويب‪َ ،‬وغا َي ُة ُمناي‬ ‫ِ‬


‫(‪﴿ )38‬فإنّك َس ّيدي َو َموالي‪َ ،‬و ُمعتَمدي َ‬
‫يف ُمن َي َلب َومثواي﴾ ‪201.....................................................‬‬
‫وب ِ‬
‫هارب ًا﴾ ‪205..........‬‬ ‫إليك ِم َن ُّ‬
‫الذ ُن ِ‬ ‫َطر ُد ِمسكِين ًا الت ََجأ َ‬
‫َيف ت ُ‬‫(‪﴿ )39‬إهل ‪ ،‬ك َ‬
‫سرت ِشد ًا َقصدَ إىل جنابِ َك ِ‬
‫ساعي ًا﴾ ‪211.................‬‬ ‫خت ِّيب ُم َ‬ ‫َيف ُ َ‬
‫(‪﴿ )40‬أم ك َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ياض َك ِ‬
‫شارب ًا﴾ ‪213......................‬‬ ‫َيف تَرد َظمآن ًا ورد إىل ِح ِ‬
‫َ َ‬ ‫(‪﴿ )41‬أم ك َ ُ ُّ‬
‫نك املُ ُح ِو ِل﴾ ‪215........................‬‬ ‫ياض َك مرتع ٌة يف َض ِ‬ ‫(‪﴿ )42‬ك َّال‪َ ،‬و ِح ُ‬
‫ُ َ‬
‫ول﴾‪217................................‬‬ ‫الو ُغ ِ‬ ‫ب َو ُ‬ ‫فتو ٌح لِل ّط َل ِ‬ ‫(‪َ ﴿ )43‬وبا َب ُك َم ُ‬
‫ول﴾ ‪221...............................‬‬ ‫ؤل َو ُِنا َي ُة املأم ِ‬ ‫أنت غاي ُة الس ِ‬ ‫(‪َ ﴿ )44‬و َ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫يال َم ِش َّيتِ َك﴾ ‪225......................‬‬ ‫هذ ِه ِأزم ُة نَفّس َع َيل ُت ا بِ ِع ِ‬
‫َّ‬
‫(‪﴿ )45‬إهل ِ‬

‫هذ ِه أهوائ املُ ِض َّل ُة َوكَل ُت ا‬


‫محتِ َك‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫هذ ِه أعباء ذ ُنويب َد َر ُأهتا بِ َرأ َفتِ َك َو َر َ‬ ‫(‪﴿ )46‬و ِ‬
‫َ‬
‫فو َك﴾ ‪239..............................................‬‬ ‫طف َك َو َع ِ‬ ‫ناب ُل ِ‬ ‫إىل َج ِ‬
‫ِ‬ ‫(‪﴿ )47‬فاج َع ِل الل َّم َصباح هذا ِ‬
‫بالسال َمة يف الدّ ين‬ ‫نازالً َع َ َّّل بِضياء اهلدى‪َ ،‬و ّ‬
‫َوالدُّ نيا﴾ ‪241................................................................‬‬
‫يات اهلوى﴾ ‪243..........‬‬ ‫العدا‪ ،‬و ِوقاي ًة ِمن مر ِد ِ‬ ‫َيد ِ‬ ‫(‪﴿ )48‬ومسائ جنَّ ًة ِمن ك ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫قاد ٌر َعّل ما تَشا ُء﴾‪245..........................................‬‬ ‫(‪﴿ )49‬إنَّك ِ‬

‫تع ُّز َمن تَشا ُء َو ُت ِذ ُّل َمن‬


‫لك َممن تَشاء‪ ،‬و ِ‬
‫ُ َ‬ ‫لك َمن تَشا ُء‪ ،‬وت ِ‬
‫َنز ُع املُ َ َّ‬ ‫(‪ُ ﴿ )50‬تؤيت املُ َ‬
‫تَشا ُء﴾ ‪249..................................................................‬‬
‫(‪﴿ )51‬بِ َي ِد َك اخلَ ُري﴾ ‪261....................................................‬‬
‫وميض ‪268..............................................................‬‬
‫َّك َع َ َّل ُك ِّل َيشء َق ِد ٌير﴾ ‪271........................................‬‬ ‫(‪﴿ )52‬إِن َ‬
‫يل﴾‪277......................‬‬‫ار َو ُتول ِ ُج النَّ َار ِيف ال َّل ِ‬
‫(‪ُ ﴿ )53‬تول ِ ُج ال َّل َيل ِيف النَّ ِ‬
‫رج امل ِّي َت ِم َن احل ٍّ ﴾‪279....................‬‬ ‫ِ‬
‫(‪َ ﴿ )54‬و ُخت ِر ُج احل َّ م َن امل ِّيت َو ُخت ُ‬
‫َرز ُق َمن تَشا ُء بِ َغ ِري ِحساب﴾ ‪281..................................‬‬
‫(‪َ ﴿ )55‬وت ُ‬
‫نت﴾ ‪283....................................................‬‬ ‫(‪﴿ )56‬ال إل َه أ َ‬
‫َك ا ّلل م وبِح ِ‬
‫مد َك﴾‪287......................................‬‬ ‫(‪ُ ﴿ )57‬سبحان َ ُ َّ َ َ‬
‫قدر َك َفال َخيا ُفك؟﴾ ‪291................................‬‬
‫عرف َ‬
‫(‪َ ﴿ )58‬من ذا َي ُ‬
‫أنت َفال َهيا ُب َك؟﴾‪293................................‬‬ ‫(‪َ ﴿ )59‬و َمن ذا َيع َل ُم ما َ‬
‫(‪﴿ )60‬أ َّلف َت بِ ُيد َرتِ َك ا ِلف َر َق﴾ ‪297..........................................‬‬
‫محتِ َك ال َف َل َق﴾ ‪303.........................................‬‬ ‫(‪﴿ )61‬و َف َلي َت بِ َر َ‬
‫نكت ٌة تأويل ّي ٌة ‪303..........................................................‬‬
‫(‪َ ﴿ )62‬وأنَر َت بِكَر ِم َك َد ِ‬
‫ياج ّ ال َغ َس ِق﴾ ‪307.................................‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ياخيد َعذب ًا َو ُاجاج ًا﴾‪317.................‬‬ ‫الص‬ ‫ِ ِ‬
‫الص ِّم َّ‬
‫(‪َ ﴿ )63‬وأُنر َت امليا َه م َن ُّ‬
‫أنزل َت ِم َن املُعرصات ما ًء َث ّجاج ًا﴾ ‪319..............................‬‬ ‫(‪َ ﴿ )64‬و َ‬
‫ذيل‪320..................................................................‬‬
‫علم إهل لتأويل مياه ‪321...............................................‬‬ ‫ٌ‬
‫مس َوال َي َم َر لِلرب َّية ِرساج ًا َو ّهاج ًا﴾ ‪323..................‬‬ ‫لت َّ‬
‫الش َ‬ ‫(‪َ ﴿ )65‬و َج َع َ‬
‫نكت ٌة لطيف ٌة ‪324...........................................................‬‬
‫اكليل تاج لتأويل رساج ‪325..........................................‬‬
‫فيام ابتَدَ أ َت بِه ُل ُغوب ًا َوال ِعالج ًا﴾ ‪329...............‬‬
‫ار َس َ‬ ‫(‪ِ ﴿ )66‬من َغ ِري أن ُمت ِ‬
‫العز والب ِ‬‫ِ‬
‫ياء﴾ ‪331.....................................‬‬ ‫َوحدَ بِ ِّ َ َ‬ ‫(‪َ ﴿ )67‬فيا َمن ت َّ‬
‫ناء﴾ ‪335.....................................‬‬ ‫املوت وال َف ِ‬
‫(‪﴿ )68‬و َق ر ِعباده بِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫َجب ُدعائ ‪َ ،‬و َح ِي ّق‬
‫(‪َ ﴿ )69‬ص َّل َعّل ُحمَمد َوال ِ ِه األتيياء‪َ ،‬واست َِمع ندائ ‪َ ،‬واست ِ‬
‫َّ‬
‫بِفضلِ َك أ َمّل َو َرجائ ﴾ ‪343.................................................‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫املأمول﴾ ‪345........................‬‬ ‫(‪﴿ )70‬يا َخ َري َمن ُدع لكَشف ُّ ِّ‬
‫الض‪َ ،‬و‬
‫ِ‬
‫حاجت ﴾ ‪349...........................‬‬ ‫(‪﴿ )71‬ل ُك ِّل ُعُّس َو ُيُّس‪ ،‬بِ َك أن َزل ُت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َريم﴾‪351........‬‬
‫َريم يا ك ُ‬ ‫(‪َ ﴿ )72‬فال ُتر َّدين من َسن ِّ َمواهبِ َك خائب ًا يا ك ُ‬
‫َريم يا ك ُ‬
‫وصّل اهلل َعّل ُحم َ َّمد وآل ِ ِه»‪351.............................................. .‬‬
‫« ّ‬
‫ف رس املحتويات ‪353....................................................‬‬

You might also like