Professional Documents
Culture Documents
اﻻﺑﺘﻜﺎر
ﻟﻢ ﺗﺘﺒﻠﻮر ﺷﺨﺼﻴﺘﻬﺎ وﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ
ﻧﻴﺮﻣﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﻣﺮاﺳﻠﺔ | @ | nermenali1اﻻﺛﻨﻴﻦ 30دﻳﺴﻤﺒﺮ 20:17 2019
/
ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﻤﻔﻜﺮ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﺟﻮن راﺳﻜﻴﻦ" ،ﺗﺨﻂ اﻷﻣﻢ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺳﻴﺮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻛﺘﺐ ،ﻛﺘﺎب ﻣﺂﺛﺮﻫﺎ ،ﻛﺘﺎب
أﻗﻮاﻟﻬﺎ ،وﻛﺘﺎب أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻔﻨﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻈﻬﺮ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺣﻈﻬﺎ وﺛﺮواﺗﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺗﻜﻮن أﻗﻮاﻟﻬﺎ اﻟﻤﺆﺛﺮة ﻧﺘﺎج
ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ﻗﻠﺔ ﻣﻦ أﻓﺮادﻫﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻓﻨﻮﻧﻬﺎ ،ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ ﺑﻤﻮاﻫﺐ وﻋﻄﺎﻳﺎ واﻧﺘﻤﺎء ﺟﻤﻴﻊ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ".
ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﻌﻤﺎرة ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن ﻛﻮﻧﻬﺎ اﻟﺤﺎﻣﻞ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻠﺤﻀﺎرة ،وﻓﻲ ﺧﻼل ﺳﻌﻴﻨﺎ ﻟﻔﻬﻢ
ﻋﺒﺮت ﻓﻨﻴﺎً ﻋﻦ أﺣﻮاﻟﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﺣﻀﺎرة ﻣﺎ ،ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ دراﺳﺔ ﻋﻤﺎرﺗﻬﺎ واﻷﻧﻤﺎط واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ واﻟﺘﻜﻮﻳﻨﺎت اﻟﺘﻲ ّ
واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻤﺆﺛﺮة ﻓﻲ ﺷﻜﻞ اﻟﺒﻨﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎخ وﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷرض ﺑﺘﻀﺎرﻳﺴﻬﺎ وﺗﺮﺑﺘﻬﺎ ،وﻣﺎ
وﺻﻮﻻ إﻟﻰ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻹﻧﺴﺎن ﻛﻤﻘﻴﺎس ﻫﺎم ﻓﻲ "اﻟﻤﻨﻈﻮر اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ"
ً ﺗﺤﺘﻮﻳﻪ ﻣﻦ ﺛﺮوات ،وﻧﻮع اﻟﻌﺒﺎدات وﺗﻨﻮﻋﻬﺎ،
اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻠﻤﺪن ﻣﻈﻬﺮاً ﻳﻌﻜﺲ ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ وأﺻﺎﻟﺔ ﺳﺎﻛﻨﻴﻬﺎ وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ.
ﻳﻤﺜﻞ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻤﺎرة ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﻄﺮز اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺧﻼل ﻓﺘﺮات زﻣﻨﻴﺔ وأﻣﺎﻛﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ
ُﻗ ّﺴﻤﺖ اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ إﻟﻰ ﻓﺘﺮات ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻫﺎﻣﺔ ﺿﻤﻦ ﺗﻌﺎﻗﺐ ﻛﺮوﻧﻮﻟﻮﺟﻲ ﻳﺒﺪأ ﺑﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻣﻊ ﻫﺠﺮة
اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ،ودوﻟﺔ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ ،وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ واﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﻤﺎرة
اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ اﻟﺤﻤﺪاﻧﻴﺔ ودوﻟﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ واﻷﻳﻮﺑﻴﻴﻦ واﻟﻤﻐﻮل
واﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻮن.
ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻓﻨﻴﺔ أﺻﻴﻠﺔ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن إﻧﻤﺎ ﻧﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺪﻧﻴﺎت
ﻣﺠﺎورة ،واﻟﺬي وﺻﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﺎرة ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺼﺮه ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻷواﺑﺪ ﻛﺎﻟﻘﺼﺮ اﻷﺑﻴﺾ وﻋﻤﺎرة ﺑﺼﺮى وﺗﺪﻣﺮ
ﻓﻲ اﻟﺸﺎم ،وﻗﺼﺮ اﻟﺨﻮرﻧﻖ واﻟﺴﺪﻳﺮ وﻋﻤﺎرة اﻟﺤﻀﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ،وﻗﺼﺮ ﻏﻤﺪان ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،وﻋﻤﺎرة اﻷﻧﺒﺎط ﻓﻲ
اﻟﺒﺘﺮاء ،وﻛﻨﺪا ﻓﻲ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب.
ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ ﺻﺪر اﻹﺳﻼم آﺛﺎر ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ واﺿﺤﺔ ،واﻗﺘﺼﺮت اﻟﻤﻨﺸﺂت ﻋﻠﻰ دار اﻟﺮﺳﻮل واﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻮي
اﻟﻤﺸﻴﺪة ﺟﺪراﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﻤﻐﻄﻰ ﺳﻘﻔﻪ ﺑﺴﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وﻗﺪ ﺷﻜﻞ "ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﺗﺼﻤﻴﻤﻪ" ﺣﺠﺮ
أﺳﺎس اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺼﺤﻨﻪ اﻟﻮاﺳﻊ وﺣﺮﻣﻪ ﻛﺠﺰءﻳﻦ أﺳﺎﺳﻴﻴﻦ ،وﺑﺄﺟﺰاﺋﻪ اﻟﻤﺘﻄﻮرة ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﺎﻟﻤﺌﺬﻧﺔ
واﻟﻤﺤﺮاب واﻟﻤﻨﺒﺮ.
واﺳﺘﻤﺮت اﻟﺤﺎل ﻫﻜﺬا ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻷول أﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ،ﺣﻴﺚ ﺑﻘﻴﺖ اﻟﻌﻤﺎرة ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮل
واﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺰﻫﺪ واﻟﺘﻘﺸﻒ ورﻓﺾ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺼﺮﺣﻴﺔ ،أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ
اﻷﻣﻮي ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺎرة اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن.
ﻟﻜﻦ وﺿﻮح اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ووﺻﻮﻟﻬﺎ ﻟﺸﻜﻠﻬﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ،ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﻋﻠﻰ أﻳﻪ ﺣﺎل ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،ﻋﺼﺮ
اﻻزدﻫﺎر واﻻﺳﺘﻘﺮار.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻣﻨﻔﺘﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻨﻮن اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺘﻬﺎ )ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم( ،أو
اﻟﺘﻲ ﺗﺰاﻣﻨﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﺎﻟﺴﺎﺳﺎﻧﻴﺔ واﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ،أو ﻓﻨﻮن اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ،ﻣﻦ ﺧﻼل دراﺳﺘﻬﺎ وﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ
وإﻋﺎدة ﻃﺮﺣﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺛﻮاﺑﺖ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻺﺳﻼم ،ﺣﻴﺚ اﻣﺘﺪت اﻟﻌﻤﺎرة
ﻃﻮﻳﻼ ﻟﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ 14
ً اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻣﺘﺪاداً ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎً واﺳﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻦ ﺷﺮﻗﺎً إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻏﺮﺑﺎً ،واﻣﺘﺪاداً زﻣﻨﻴﺎً
ﻗﺮﻧﺎً ،وﻗﺪ ﺳﺎﻫﻤﺖ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻓﻨﻮن اﻟﺤﻀﺎرات واﻷﻣﻢ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﻬﺎ ،ﻋﺪة ﻣﺆﺛﺮات ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻫﺬه
اﻟﻌﻤﺎرة ،ﻣﻨﻬﺎ اﺧﺘﻼف اﻟﻤﻨﺎخ وﻣﻮاد وأﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺒﻨﺎء ،واﻟﻨﻈﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ.
/
/
اﻧﻔﻮﻏﺮاﻓﻴﻚ ﻟﻠﻌﺼﻮر اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ )اﻧﺪﺑﻨﺪﻧﺖ ﻋﺮﺑﻴﺔ(
ﺗﻨﻮﻋﺖ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻛﺎﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﺠﻮاﻣﻊ ،واﻟﻤﺪﻧﻲ
ﻛﺪور اﻹﻣﺎرة واﻟﻘﺼﻮر ،واﻟﺘﺠﺎري ﻛﺎﻷﺳﻮاق واﻟﺨﺎﻧﺎت واﻟﺤﻤﺎﻣﺎت ،واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻛﺎﻟﻤﺪارس واﻟﺒﻴﻤﺎرﺳﺘﺎﻧﺎت ،واﻟﺤﺮﺑﻲ
ﻛﺎﻟﻘﻼع واﻟﺤﺼﻮن.
ﻓﺼﻤﻤﺖ أﻏﻠﺐ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮ واﺷﺘﺮﻛﺖ ﻫﺬه اﻷﺑﻨﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺑﺴﻤﺔ اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ واﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﺪاﺧﻞُ ،
اﻟﺪاﺧﻞ ،ﻣﻨﻔﺘﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻨﺎء ﻣﻔﺘﻮح ﺑﺪوره إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء )أرض اﻟﺪﻳﺎر( ،وﺣﺘﻰ ﻓﻲ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎء ،ﻛﺎن
ﻳﺴﻌﻰ اﻟﻤﻌﻤﺎر اﻟﻤﺴﻠﻢ إﻟﻰ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ أو وﺳﻂ اﻟﻤﺒﻨﻰ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻷﺿﺮﺣﺔ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻴﺔ ،وﻳﻘﻒ
ﺧﻠﻒ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ واﻹﻧﺸﺎﺋﻴﺔ وﺣﺘﻰ اﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ.
وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﻘﻄﺔ ،اﻧﻄﻠﻖ اﻟﻤﻌﻤﺎر ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻮاﺟﻬﺎت اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ وﺛﺮاﺋﻬﺎ ﻗﻴﺎﺳﺎً ﺑﺎﻟﻮاﺟﻬﺎت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
أﻗﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺟﻪ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺳﻤﺔ اﻟﻤﺮوﻧﺔ وﻗﺎﺑﻠﻴﺔ اﻟﺘﻮﺳﻊ واﻻﻣﺘﺪاد اﻷﻓﻘﻲ ،ﻣﻦ دون اﻹﺧﻼل
ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ وﺟﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﺒﻨﻰ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻨﻮع أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء واﻟﻘﻴﺸﺎﻧﻲ واﻟﺮﺧﺎم واﻵﺟﺮ واﻟﺠﺺ
واﻟﺨﺸﺐ.
وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﻤﻤﻴﺰة ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎﻟﻤﺪاﺧﻞ واﻟﺒﻮاﺑﺎت
واﻷﺑﻮاب واﻟﺸﺒﺎﺑﻴﻚ واﻟﻤﺸﺮﺑﻴﺎت ،واﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻛﺎﻷرﺿﻴﺎت واﻷﺳﻘﻒ واﻷﺛﺎث اﻟﺪاﺧﻠﻲ ووﺣﺪات اﻹﺿﺎءة واﻟﻨﻮاﻓﻴﺮ،
وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻛﺎﻟﻤﺤﺎرﻳﺐ واﻟﻤﻨﺎﺑﺮ واﻟﻤﺂذن ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻘﺮﻧﺼﺎت
واﻷﻋﻤﺪة واﻟﻌﻘﻮد واﻟﻘﺒﺎب.
ﻳﺘﺠﺴﺪ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺮوﺣﻲ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ أي ﻣﺪﻳﻨﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺈﻧﺸﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻧﻮاة ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻔﻮﻳﺔ،
ﻓﺎﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﻠﻌﺒﺎدة ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎﻫﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺔ وﻣﺮاﻛﺰ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وإدارﻳﺔ وأﻣﺎﻛﻦ ﻟﺘﺸﺎور
اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
وﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ "أول ﻧﺠﺎح ﻣﻌﻤﺎري ﻓﻲ اﻹﺳﻼم" ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺳﻮﻓﺎﺟﻴﻪ،
وﻫﻮ ﺣﻠﻘﺔ ﺗﺮﺑﻂ ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻌﻤﺎرة إﺳﻼﻣﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ
ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮره اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﺸﺎم ﺗﻘﺎﺳﻤﻮا ﻫﺬا اﻟﻤﻌﺒﺪ ﻣﻊ
اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ اﻟﺸﺎﻣﻴﻴﻦ ،إﻟﻰ أن اﺗﻔﻘﻮا أﺧﻴﺮاً ﻋﻠﻰ ﺟﻌﻠﻪ ﻣﺴﺠﺪاً .
وﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻟﻤﻌﻈﻢ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،ﻛﻤﺴﺠﺪ آﻣﺪ وﻣﺴﺠﺪ درﻋﺎ واﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﻠﺐ ،وﻣﺴﺠﺪ ﺣﺮان،
إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺳﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺰﺧﺮﻓﻴﻦ وﻣﻌﻤﺎرﻳﻦ ﺷﺎﻣﻴﻴﻦ ﺑﺸﻜﻞ رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن،
ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺳﻮﻓﺎﺟﻴﻪ ،ﻣﻮاﻓﻘﺎً ﻟﻄﺮاز اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﺗﺨﻄﻴﻂ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ
/
ﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺰﻳﺘﻮﻧﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ واﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻷواﺑﺪ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ
اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ.
وﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﻲ ﺑﻨﺎﻫﺎ اﻷﻣﻮﻳﻮن ﺧﺎرج ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻘﻴﺮوان وﻣﺌﺬﻧﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض
ﻣﺌﺬﻧﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺟﺎءت ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻷﺑﺮاج اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺪﺳﺔ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻣﻊ اﻟﻔﺎﺗﺤﻴﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺸﺎم ،وأﺧﺬت ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮاً ﻣﻦ أﻓﻜﺎر ﺟﺎﻣﻊ دﻣﺸﻖ ،ﺣﺘﻰ أن اﻟﻤﺤﺮاب ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻟﻤﻐﺮب
وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻘﻲ ﻣﺘﺠﻬﺎً ﻧﺤﻮ اﻟﺠﻨﻮب ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺷﺄن ﻣﺤﺎرﻳﺐ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﺎم ،ﻣﻊ أن اﻟﻘﺒﻠﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺠﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد.
وﻳﻌﺪ اﻟﻄﺮاز اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻃﺮز ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﺬي ﻳﺼﻨﻒ ﺑﺪوره إﻟﻰ اﻟﻄﺮاز اﻟﻨﺒﻮي
)ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺳﻮل( ،اﻟﻄﺮاز اﻷﻣﻮي )اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي( ،اﻟﻄﺮاز اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ )ﻣﺴﺠﺪ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن( ،اﻟﻄﺮاز اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ )ﺟﺎﻣﻊ
ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي( ،اﻟﻄﺮاز اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ )اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷزﻫﺮ( ،واﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ )ﺟﺎﻣﻊ ﻗﺮﻃﺒﺔ( ،وﺗﺸﺘﺮك ﻫﺬه اﻟﻄﺮز ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ
وﻣﺮوﻧﺔ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ وﺳﻬﻮﻟﺔ اﻟﺘﻮﺳﻊ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛﺜﺮة اﻷﻋﻤﺪة ،ووﺟﻮد اﻟﺴﻘﻮف اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺔ اﻟﻤﺴﺘﻨﺪة إﻟﻰ أﻋﻤﺪة
ﺗﺘﺼﻞ ﻣﻊ اﻟﺴﻘﻮف ﺑﺎﻟﻌﻘﻮد واﻷﻗﻮاس ،وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻜﺎن اﻟﻮﺿﻮء ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ.
أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﺤﻠﻴﺎت اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻓﻘﺪ درﺟﺖ اﻟﻌﺎدة ﻓﻲ أن ﻳﺰﺧﺮف اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﻮن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺜﻼث ﻃﺮق ،أوﻟﻬﺎ
اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﺳﺘﺨﺪام ﺻﻔﻮف ﻣﻦ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻟﻮان "ﺗﻘﻨﻴﺔ اﻷﺑﻠﻖ اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ" ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ
اﻟﺠﺰﺋﻴﺔ اﻟﻤﺮﻛﺰة ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻛﺎﻟﻤﺤﺮاب أو اﻟﻤﺪﺧﻞ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ )اﻟﻤﻘﺮﻧﺼﺎت( ،واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻫﻲ ﺗﺰﻳﻴﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻛﻠﻪ
ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﺤﺠﺮ اﻟﻤﺤﻔﻮر أو اﻟﺠﺺ اﻟﻤﺸﻐﻮل أو اﻟﻜﺴﻮة اﻟﺰﺧﺮﻓﻴﺔ.
ﻓﻜﺎﻧﺖ دور اﻹﻣﺎرة ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻼﺻﻘﺔ ﻟﻠﺠﺎﻣﻊ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺜﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل ودار اﻟﻘﻀﺎء ودﻳﻮان اﻟﻌﺎﻣﺔ
وأﺷﻬﺮﻫﺎ دار إﻣﺎرة اﻟﻜﻮﻓﺔ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻤﻬﺎ ،ﻣﺮﺑﻌﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﻔﻨﺎءات
وﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻄﺮاز اﻟﺤﻴﺮي )ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺮة ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﻤﻨﺎذرة ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم( اﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﺄﻧﻤﺎط ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺸﺘﺮك ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ
ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻓﺮاﻏﺎت ﺗﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاغ آﺧﺮ ﻧﺼﻒ ﻣﻐﻠﻖ ﻏﺎﻟﺒﺎً ،أﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎدة اﻟﺒﻨﺎء ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ
ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺟﺪاً ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺼﺐ واﻟﺒﺮدي ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺷﻴﺪت اﻟﺪور ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﻄﻴﻦ ،واﻵﺟﺮ واﻟﺠﺺ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮ
واﻟﺨﺸﺐ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻘﻴﻒ.
ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﻤﻴﺰة ﻟﻠﻘﺼﻮر ﺳﻤﺔ اﻟﻤﺤﻮرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﻘﺼﺮ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﻦ ﻣﺤﻮره اﻟﺮﺋﻴﺲ إﻟﻰ
اﺗﺠﺎه اﻟﻘﺒﻠﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺘﻨﺎﻇﺮ ﺣﻮل ﻣﺤﻮر واﺣﺪ رﺋﻴﺴﻲ أو أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﻮر ،ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﻘﺼﻮر ﺑﺄﻧﻬﺎ ذات ﺗﻘﺴﻴﻢ
ﺛﻼﺛﻲ أو رﺑﺎﻋﻲ ،ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﻮزﻳﻊ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت واﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻹدارﻳﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺘﻈﻢ ﻓﻀﺎءاﺗﻬﺎ ﺣﻮل ﻓﻨﺎءات ﻋﺪة
ﻓﻨﺎء ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ﺗﻠﻴﻪ ﻓﻨﺎءات ﻋﺎﻣﺔ ﺗﺘﻮزع ﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻹداري وﻓﻨﺎءات ﺧﺎﺻﺔ
ً ﻣﺘﺪرﺟﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﻤﻬﺎ وﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻬﺎ ،ﻓﻨﺠﺪ
/
ﺑﺎﻟﺠﺰء اﻟﺨﺎص واﻟﺴﻜﻨﻲ ،وذﻟﻚ ﺑﺘﺮاﺗﺒﻴﺔ وﺗﻌﺎﻗﺐ وﺗﺪرج ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎءات ،وﺑﺎﻧﺘﻘﺎل ﺗﺪرﻳﺠﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم إﻟﻰ ﺷﺒﻪ
اﻟﺨﺎص إﻟﻰ اﻟﺨﺎص ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻮر اﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺤﻘﻖ ﻟﻠﺠﺎﻧﺐ اﻟﻮﻇﻴﻔﻲ اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ واﻟﺮﻣﺰي اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﻬﻴﻤﻨﺔ
واﻷﻣﺎن واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﻌﺰل ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎم واﻟﺨﺎص )ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس واﻟﺨﻠﻴﻔﺔ(.
وﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻘﺼﻮر وﺳﻄﺎً ﻻزدﻫﺎر اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ واﻟﺘﺰﻳﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﻋﺖ أﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ ﺑﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺸﻴﺪ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻛﺎﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء
واﻟﻤﻮزاﻳﻴﻚ واﻟﺰﺟﺎج اﻟﻤﻠﻮن واﻟﺨﺸﺐ واﻟﺤﺠﺮ ،وﻗﺪ ﺑﺮع اﻟﻌﺮب واﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻘﺼﻮر ﻓﻲ اﻟﻌﻬﻮد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ،
وﻛﺎن أول ﻗﺼﺮ ﺷﻴﺪ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺎ ﻗﺼﺮ اﻟﺨﻀﺮاء ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺼﻮر اﻷﻣﻮﻳﺔ اﻟﺸﻬﻴﺮة ﻛﻘﺼﺮ اﻟﺤﻴﺮ اﻟﺸﺮﻗﻲ
واﻟﻐﺮﺑﻲ ،وﻗﺼﺮ اﻟﺮﺻﺎﻓﺔ وﻗﺼﺮ أﺳﻴﺲ.
اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ
ﺛﻤﺔ ﺟﺰء آﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﻮز أن ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ "اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ" ،وﺗﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﺨﺎﻧﺎت
واﻷﺳﻮاق اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﺪى اﻟﺘﺠﺎر وﻃﻼب اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﺠﺎج ﻷﺑﻨﻴﺔ ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﻌﺮض ﺗﺠﺎرﺗﻬﻢ وﻛﺬﻟﻚ
اﻟﻤﺄوى واﻷﻣﺎن وﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻃﻘﻮﺳﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ.
وﺷﻴﺪت اﻟﺨﺎﻧﺎت ﺧﺎرج اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻤﺤﻄﺎت ﻟﻼﺳﺘﺮاﺣﺔ واﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ،أو ﻋﻠﻰ ﺣﻮاﻓﻬﺎ وأﻃﺮاﻓﻬﺎ ،أو ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺪن ﺑﺨﺎﺻﺔ
دﻣﺸﻖ وﺣﻠﺐ ﻛﺨﺎن أﺳﻌﺪ ﺑﺎﺷﺎ وﺧﺎن ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﺎﺷﺎ وﺧﺎن اﻟﺤﺮﻳﺮ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،وﺧﺎن اﻟﻌﺰﻳﺰ وﺧﺎن اﻟﺠﻤﺮك ﻓﻲ ﺣﻠﺐ.
وﻛﺎن اﻟﺨﺎن ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻓﻲ ﻣﺨﻄﻄﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎري ﻣﻦ ﺻﺤﻦ ﺗﺘﻮﺳﻄﻪ ﺑﺮﻛﺔ ﻣﺎء ﻛﺒﻴﺮة ،وﻣﺴﺘﻮدﻋﺎت وﻣﺨﺎزن وﺣﻮاﻧﻴﺖ
ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﻦ ،وﻓﻲ اﻟﻄﻮاﺑﻖ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻏﺮف ﻟﻠﺴﻜﻦ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻨﺎء واﺳﻊ.
واﺷﺘﻬﺮت ﺑﺒﺎﺣﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺴﻘﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﻮد واﻟﻘﺒﺎب ،وواﺟﻬﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺰﺧﺮﻓﺔ وﻣﺪاﺧﻠﻬﺎ اﻟﻘﻮﺳﻴﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ وأﺑﻮاﺑﻬﺎ
اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﻤﺼﻔﺤﺔ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻨﺤﺎس.
وﺗﺬﻛﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺮاﺟﻊ أن أﻗﺪم ﺧﺎن أﻧﺸﺊ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺧﺎن أﺛﺮي ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﻴﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ،
وﺿﻊ ﻣﺨﻄﻄﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎر ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺛﺎﺑﺖ ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻪ اﻟﻴﻮم إﻻ ﺑﻮاﺑﺘﻪ اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻴﺪ ﺑﻨﺎؤﻫﺎ ﻓﻲ
ﻣﺘﺤﻒ دﻣﺸﻖ.
أﻣﺎ اﻷﺳﻮاق ﻓﺘﻤﻮﺿﻌﺖ داﺧﻞ اﻟﻤﺪن ،وﻛﺎﻧﺖ ُﺗﻜﻨﻰ ﺑﻨﻮع ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﺎ ﻛﺄﺳﻮاق اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻮراﻗﻴﻦ واﻟﺒﺰارﻳﻦ واﻟﺼﻔﺎرﻳﻦ
)ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺼﻔﺮ "ﻣﻌﺪن اﻟﻨﺤﺎس"( واﻟﺤﺮﻳﺮ وﻏﻴﺮﻫﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺘﺪرج ﻓﻲ ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﺎ اﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺬي ﻛﺎن
ﻳﺸﻜﻞ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺚ أﺳﻮاق اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻌﻄﺎرﻳﻦ وﻣﻦ ﺛﻢ أﺳﻮاق اﻷﻗﻤﺸﺔ واﻟﻤﺘﺎﺟﺮ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ،
إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ أﺳﻮاق ﺑﻴﻊ اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺧﺎﻧﺎت ﺣﻀﺮﻳﺔ ﺗﺮﺑﻂ ﻣﻊ اﻷﺳﻮاق.
واﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ﻇﺎﻫﺮة اﻟﺘﺴﻘﻴﻒ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﻤﻨﺎخ وﻣﻮاد اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ،ﻓﺎﺳﺘﺨﺪﻣﺖ
اﻷﻗﺒﻴﺔ اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻠﺐ ،وأﻗﺒﻴﺔ اﻵﺟﺮ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،واﻷﻗﺒﻴﺔ اﻟﻤﺴﻄﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة.
اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ
ﻇﻬﺮت اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎم اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻷوﻟﻰ
ﻣﺒﺎن ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﺑﻌﺪ
ٍ ﺑﺪورﻫﺎ ،وﻣﻊ ﺗﻌﺪد ﻓﺮوع اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وﻇﻬﻮر اﻟﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺔ ،ﺑﺪأ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺈﻧﺸﺎء
أن ﺿﺎق اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻦ ﺗﺄدﻳﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻏﺮاض اﻟﻤﻨﻮﻃﺔ ﺑﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻤﺪارس اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﻔﺎت ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ
ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻟﻬﺪف اﻟﺬي أﻧﺸﺌﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ،وﺻﻤﻤﺖ ﻣﻦ ﻛﺘﻠﺔ واﺣﺪة ﺑﻤﺪﺧﻞ واﺣﺪ وﻃﺎﺑﻘﻴﻦ ،اﻷول ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ
واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻠﺴﻜﻦ ،ﻣﺘﻮزﻋﺔ ﻏﺮف اﻟﻄﺎﺑﻘﻴﻦ ﺣﻮل ﺻﺤﻦ ﻣﻔﺘﻮح ﻟﻠﺴﻤﺎء ﺣﺎل أﻏﻠﺐ اﻷﺑﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ "اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻨﻮرﻳﺔ" ﻓﻲ دﻣﺸﻖ أول ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺎ.
/
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻄﻮر اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ ﻟﻠﻤﺪارس اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻹﺳﺮاف ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺰﺧﺎرف اﻟﻤﺘﺮﻓﺔ ﻓﻲ
اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ،واﻟﻤﺪاﺧﻞ اﻟﻔﺨﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻟﻤﺤﻔﻮر ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﻼﻃﺎت اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎﺋﻴﺔ اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ
اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،إﻻ أن ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻟﻤﺪارس اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﺷﻜﺎﻟﻪ ﺑﻘﻲ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺎً ،ﻓﻬﻲ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺎت ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ
وﺣﺠﺮات ﻟﻸﺳﺎﺗﺬة واﻟﻄﻼب وﻣﻦ ﻣﺼﻠﻰ وﻣﻴﻀﺂت ،وﻗﺪ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺿﺮﻳﺤﺎً ﻣﻘﺒﺒﺎً ﻟﻤﻨﺸﺊ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ إﻳﻮاﻧﺎً
ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء اﻟﻄﻠﻖ أﻳﺎم اﻟﺼﻴﻒ.
وﺗﻌﺪ اﻟﺒﻴﻤﺎرﺳﺘﺎﻧﺎت ﻣﻦ ﻣﻔﺎﺧﺮ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺸﻔﻴﺎت وﻣﺪارس ﻟﻠﻄﺐ ﻣﻌﺎً ،ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺷﺄن
اﻟﻤﺸﺎﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ،ﻓﺤﻤﻠﺖ وﻇﻴﻔﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺑﻮﻗﺖ واﺣﺪ.
وﺑﺮع ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎﻓﻲ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ أﻃﺒﺎء ﻛﺒﺎر ،أﻣﺜﺎل اﻟﻔﺎراﺑﻲ واﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ وأﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺮزاي ،ﻛﻤﺎ ﺑﺮز اﻟﻄﺒﻴﺐ اﺑﻦ
اﻟﻨﻔﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻤﺎرﺳﺘﺎن اﻟﻨﻮري ﻓﻲ دﻣﺸﻖ وأﺷﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻴﻪ ،ﻛﻤﺎ أﺷﺮف اﻟﻄﺒﻴﺐ اﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻮﻗﺎر ﻋﻠﻰ
اﻟﺒﻴﻤﺎرﺳﺘﺎن اﻟﻨﻮري ﻓﻲ ﺣﻠﺐ.
اﺗﺠﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﻮن ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ
وﻋﻨﺎﺻﺮ ،واﺗﺠﻬﻮا إﻟﻰ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﻮاد اﻹﻧﺸﺎﺋﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺤﺪﺛﺔ ،ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﺼﻠﺐ ﺛﻢ اﻟﺨﺮﺳﺎﻧﺔ اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ واﻟﺰﺟﺎج
واﻷﻟﻴﺎف اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻴﺔ وﻣﺸﺘﻘﺎت اﻟﺒﻼﺳﺘﻚ واﻟﻤﻮاد اﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،وﻣﺎ ﻧﺘﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺮأﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء،
وﻇﻬﻮر اﺗﺠﺎﻫﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻃﺮز اﻟﻌﻤﺎرة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻮارت أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻄﻨﻒ )اﻟﺪﻋﺎﺋﻢ اﻟﺒﺎرزة(
واﻟﺤﻠﻴﺎت واﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ.
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻌﻤﺎرة ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه ،ﻓﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ
اﺳﺘﻴﻌﺎب اﻷﻋﺪاد اﻟﻤﺘﺰاﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ،ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻗﺎﺻﺮة ﻋﻦ اﻟﺘﻮﺳﻊ اﻷﻓﻘﻲ واﻟﻌﻤﻮدي ،ﻓﻬﻲ ﻣﺤﺼﻮرة ﺑﺴﻮرﻫﺎ
وارﺗﻔﺎع أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ اﻟﻤﺤﺪود ،ﻓﺘﻐﻴﺮت ﻣﺴﻤﻴﺎت اﻷﺑﻨﻴﺔ وﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ وﺳﻤﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ،
وﺟﺎءت اﻟﺘﺼﺎﻣﻴﻢ ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻄﺮز اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻻ
ﺗﺘﻌﺎرض اﻟﻤﺒﺘﻜﺮات اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻊ اﻟﺘﺮاث ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺘﺼﺎﻣﻴﻢ ﺗﺨﻄﻂ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻌﻤﺎرﻳﻴﻦ ﻋﺮب أو ﻋﺒﺮ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ
ﺑﻤﻌﻤﺎرﻳﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻴﻴﻦ.
/