‫السنة الثالثة ‪-‬المجموعة األولى ‪ -‬مقياس العقود الخاصة‬

‫األستاذ‪ :‬فياللي علي‬

‫األستاذة‪ :‬عمروش فوزية‬
‫تابع لمحاضرات السداسي الثاني ‪-‬التأمينات الشخصية‪-‬‬

‫احملاضرة الثالثة‬

‫‪1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الضمان المستقل‬

‫الضمان المستقل هو نوع من التأمينات الشخصية‪ ،‬فغايته هي ‪-‬على غرار الكفالة ‪ -‬الوفاء بدين في ذمة المدين‬
‫ولم يوف به‪ .‬وأما عن ظهور الضمان المستقل فهو نتيجة لتطور التجارة الخارجية وكذا المعامالت التجارية الداخلية‬
‫التي أصبحت ال تتماشى مع نظام الكفالة الذي يتطلب آجال طويلة لمطالبة الكفيل‪ ،‬إذ يجب الرجوع أوال على المدين‬
‫والتنفيذ عليه و اثبات عسره‪ ،‬ناهيك عن مختلف الدفوع التي قد يتمسك بها الكفيل تجاه الدائن‪ ،‬وقد يقتضي األمر اللجوء‬
‫إلى المحاكم‪.‬‬
‫إن التجارة سواء الداخلية أو الخارجية تقتضي السرعة واالئتمان ومن ثم كان البد من البحث عن وسيلة جديدة‬
‫توفّر للمعامالت التجارية السرعة التي تتطلب بساطة اإلجراءات واالئتمان الذي يٌمكن المتعاملين التجار من الحصول‬
‫على مستحقاتهم في آجالها دون انتظار ودون مصاريف إضافية‪ .‬ولعل ما يلبي هذه االنشغاالت هو التخلص من الطابع‬
‫التبعي لاللتزام الكفيل‪ ،‬وذلك بفصل عال قة الكفالة عن عالقة المديونية التي تستند إليها‪ .2‬وهكذا تصور الممارسون‪-‬‬
‫المهنيون‪ -‬التأمينات الشخصية في صيغتها الجديدة‪ ،‬فهي مستقلة‪ ،‬ويتعين تسديد الضمان ألول طلب من المستفيد منها‪،‬‬
‫على أن ال يكون بحاجة إلى إثبات إخالل المدين األصلي بالتزامه‪.‬‬
‫ظهر الضمان المستقل في بدابة األمر في إطار الممارسات التجارية الدولية‪ ،‬حيث حل محل الوديعة النقدية‪،‬‬
‫التي كان يشترطها المستوردون‪ 3‬كضمان لتنفيذ المصدّرون اللتزاماتهم‪ ،‬فبدل تقديم هذه الوديعة النقدية التي تبقى‬
‫مجمدة لمدّة طويلة مما يسبب خسارة للملتزم ب ها‪ ،‬تدخلت البنوك كضامن لصالح عمالئها‪ ،‬من خالل التزامها بدفع مبلغ‬
‫نقدي لصالح الدائن بمجرد تقديمه طلب بذلك دون شرط أو قيد‪ ،‬فليس له أن يتمسك بأي دفع كأن يكون التزامه تصرفا‬
‫مجردا‪.‬‬
‫إن ظهور وازدهار هذا الضمان الجديد في مجال التجارة الخارجية يستند إلى عدّة عوامل‪ ،‬منها تعقيد المعامالت‬
‫التجارية الدولية‪ ،‬واختالف القوانين التي قد تخضع لها‪ ،‬ناهيك عن عدم الثقة في المتعاملين األجانب وكذا أنظمتهم‬
‫القانونية التي قد ال تتضمن تأمينات كافية‪ .‬وعليه وبعد تطور مثل هذه الضمانات في التجارة الدولية قامت غرفة التجارة‬

‫‪ -1‬يسمى أيضا بخطاب الضمان والضمان ألول طلب‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪http://excerpts.numilog.com/books/9782711123353.pdfN°7.‬‬
‫تماني جميلة‪ ،‬الضمان المستقل‪ ،‬المجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‪ ،2013 ،‬العدد األول‪ ،‬ص ‪.450-399‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬
‫الدولية سنة ‪ 1992‬بوضع قواعد موحدة للضمانات العقدية‪ ،URDG4‬تلتها اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة الكفاالت المستقلة‬
‫وخطابات االعتماد الضامنة المؤرخة في ‪ 11‬ديسمبر ‪.51995‬‬
‫كان قبول فكرة الضمان المستقل في القوانين الداخلية متفاوتا‪ ،‬السيما بين القوانين التي تعتمد االلتزامات‬
‫المجردة (تجاهل ركن السبب) على غرار القانون األلماني‪ ،‬والقوانين التي تشترط السبب كركن في العقد‪ -‬السببيين‪-‬‬
‫على غرار القانون الفرنسي قبل تعديل ‪ .2016‬وهكذا انتقل الضمان المستقل في وقت الحق إلى المعامالت الداخلية‪،‬‬
‫حيث كرسته بعض الدول في تشريعاتها على غرار القانون المدني الفرنسي الذي أدرج بموجب األمر الصادر في ‪23‬‬

‫مارس ‪ 2006‬مادة جديدة تحمل رقم ‪ 2321‬تتناول الضمان المستقل‪ ،‬مع العلم أن االجتهاد القضائي الفرنسي سبق له‬
‫وأن اعترف بالضمان المستقل كنظام قانوني قائم بذاته وهو يختلف كل االختالف عن الكفالة من خالل عدّة قرارات‬
‫كان أولها القرار الصادر عن الغرفة التجارية بتاريخ ‪ 20‬ديسمبر ‪ 1982‬في الطعن بالنقض رقم ‪ ،12579-81‬وقد جاء‬
‫فيه لقد ثبت للمجلس القضائي أن البنك ‪ Paribas‬تعهد نحو شركة ‪ Creusot Loire‬أن تدفع ألول طلب‪ ،‬وقررت على‬
‫حق أن هذا االلتزام ال يعد كفالة‪ ،‬وإنما ضمان مستقل‪ .6‬أما بعض تشريعات الدول األخرى كالجزائر فتجاهلت هذا‬
‫الوضع‪ ،‬غير أن هذا الموقف السلبي لم يمنع من وجود الضمان المستقل ال سيما في الممارسات المصرفية‪ ،7‬مع العلم‬
‫أن الضمان المستقل قوامه الحرية العقدية‪ 8‬التي تتبع ما يخدم مصالحها مع مراعاة مقتضيات النظام العام واآلداب‬
‫العامة فقط‪.‬‬
‫بعد تناول مفهوم الضمان المستقل أوما يسمى أيضا بالضمان ألول طلب أو خطاب الضمان (ف‪ ،)1‬نبحث‬
‫في أحكام الضمان (ف ‪)2‬‬
‫الفرع األول‪ -‬مفهوم الضمان المستقل أو الضمان ألول طلب‬
‫يقتضي الضمان المستقل وجود عالقة ثالثية‪ ،‬العالقة األولى وهي العالقة االقتصادية األساسية تجمع‬
‫بين المدين والدائن‪ ،‬والعالقة الثانية تجمع بين الضامن ‪ -‬أي البنك‪ -‬والمدين الذي يسمى في إطار هذه العالقة الثانية‬

‫‪4‬‬
‫‪https://www.investopedia.com/terms/u/urdg.asp‬‬
‫‪5‬‬
‫‪https://uncitral.un.org/sites/uncitral.un.org/files/media-documents/uncitral/ar/guarantees-a.pdf‬‬
‫‪6‬‬
‫‪« Attendu qu’en restituant à la demande de la banque son véritable fondement juridique, la Cour d’appel qui relève que‬‬
‫‪Paribas s’est engagée envers la société Creusot Loire à la payer à la première demande, a relevé décidé a bon droit que‬‬
‫‪cet engagement ne constituait pas un cautionnement mais une garantie autonome, ce qui interdisait à la Banque de se‬‬
‫‪prévaloir, en l’état, des exceptions que la société S… pouvait opposer à la société creusot Loire, tenant à l’inexécution du‬‬
‫‪contrat‬‬ ‫‪les‬‬ ‫‪unissant.. »,‬‬ ‫‪Cass.‬‬ ‫‪Com‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪décembre‬‬ ‫‪1982,‬‬ ‫‪Pourvoi‬‬ ‫‪n°81-12579.‬‬
‫‪https://www.legifrance.gouv.fr/affichJuriJudi.do?idTexte=JURITEXT000007010595‬‬
‫راجع أكثر تفاصيل بشأن االجتهاد القضائي الفرنسي‪ ،‬تماني جميلة‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 7‬راجع صبرينة بلغيث‪ ،‬الطبيعة القانونية لخطاب الضمان البنكي‪ ،‬مقال‪ ،‬مجلة النيبراس للدارسة القانونية‪ ،‬مجلد ‪ ،4‬العدد‪ ،1‬ماس ‪ ،2019‬ص‪- 38-24‬‬
‫‪/file:///C:/Users/filal_iv5xegm/Downloads‬الطبيعة‪20%‬القانونية‪20%‬لخطاب‪20%‬الضمان‪20%‬البنكي‪pdf.‬‬
‫‪Voir également S. Benmessaoud : « Notre droit national ne connait pas juridiquement parlant, cette institution. En effet, ni‬‬
‫‪le code civil ni le code de commerce ne la prévoit dans leurs articles. Par contre on peut la trouver dans les pratiques‬‬
‫‪bancaires et commerciales et celles relatives aux conclusions des contrats de marchés public ». Les garanties des crédits‬‬
‫‪bancaires – étude comparée, Magister Oran, file:///C:/Users/filal_iv5xegm/Downloads/TH4014%20(1).pdf‬‬
‫ترى سهام عكوش أن‪ :‬المشرع نص عليه ‪-‬أي خطاب الضمان المصرفي‪ -‬بموجب األمر رقم ‪ 03-11‬المتعلق بالنقد والقرض ‪ 3‬في المادة ‪ 68‬فقرة واحد منه ‪"...4‬‬
‫استقالل خطاب الضمان الدولي المصرفي عن عقد األساس‪ ،‬مقال‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬عدد ‪ 49‬جوان ‪ ،2018‬المجلد ب‪ ،‬ص‪ .‬ص‪،356-345‬‬
‫‪-file:///C:/Users/filal_iv5xegm/Downloads/2771‬نص‪20%‬المقال‪pdf.)1(20%20180909-10-1-5601-‬‬
‫ويبدوا أن النص المشار إليه أي المادة ‪ 1-68‬من اآلمر ‪- 11-03‬وليس ‪-03-11‬تناول عملية القرض ولم يذكر اطالقا خطاب الضمان المصرفي وإنما ذكر بعض‬
‫الضمان االحتياطي‪ ،‬الكفالة أو الضمان‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪- S. Benmessaoud, op. cit. p 72.‬‬
‫‪2‬‬
‫"باآلمر"‪ ،‬والعالقة الثالثة تجمع بين الضامن والدائن الذي يسمى في هذه العالقة "بالمستفيد"‪ .‬يطلب المدين بصفته‬
‫اآلمر في هذه العالقة ‪-‬الثانية‪ -‬من الضامن أن يلتزم بدفع مبلغ للدائن ‪-‬في العالقة األساسية األولى‪ -‬لمجرد طلب من‬
‫هذا األخير‪ .‬وبموجب العالقة الثالثة يتعهد الضامن تجاه الدائن المستفيد بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لمجرد أن يطلب‬
‫منه ذلك‪ .‬تلكم هي الظروف التي ينشأ عنها عمليا الضمان المستقل‪ .‬غير أن هذه العالقات الثالث تبقى مستقلة عن‬
‫بعضها البعض‪ ،‬ولعل هذا ما يبرر تغيّر تسميات األطراف من عالقة ألخرى كما أسلفنا القول‪ .‬ولما كان الضمان‬
‫المستقل ينصرف إلى العالقة األخيرة أي تلك التي تربط بين الضامن والمستفيد فكيف يمكن تعريفها (‪ )1‬وماهي‬
‫الخصائص التي تجعلها مستقلة عن العالقتين األخريين (‪.)2‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -1‬تعريف الضمان المستقل‬
‫هناك تعريفات تشريعية للضمان المستقل (‪ )1.1‬وأخرى فقهية استخلصها الفقه من الممارسات السيما‬
‫المصرفية وهذا بالنسبة للقوانين التي لم تكرس الضمان المستقل تشريعا (‪.)1.2‬‬
‫‪ -1.1‬التعريفات التشريعية‬
‫عرفت المادة‪ 1- 2321‬مدني فرنسي الضمان المستقل على أنه االلتزام الذي يتعهد بموجبه الضامن‪ ،‬مراعاة‬
‫اللتزام اكتتبه الغير‪ ،‬بدفع مبلغ إما عند الطلب األول أو وفقًا للشروط المتفق عليها‪ .10‬وعرفت المادة ‪ 287‬تجاري‬
‫عراقي خطاب الضمان ‪-‬الضمان المستقل‪ -‬على أنه‪ ... :‬تعهد يصدر من مصرف بناء على طلب أحد المتعاملين‬
‫معه(اآلمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر (المستفيد) دون قيد أو شرط"‪ .‬وتنص المادة ‪ 382‬تجاري‬
‫كوتي‪ " :‬خطاب الضمان يصدر من البنك بناء على طلب عميل له(اآلمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص أخر‬
‫(المستفيد) دون قيد أو شرط إذا طلب منه ذلك خالل المدة المعينة في الخطاب‪ ،‬ويوضح الضمان الغرض الذي صدر‬
‫من أجله‪ ".‬كما عرف المشرع المصري في المادة ‪ 1-355‬من قانون التجارة‪ " :‬خطاب الضمان تعهد مكتوب يصدر‬
‫عن البنك بناء على طلب شخص (يسمى اآلمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر (يسمى المستفيد) إذا‬
‫طلب منه ذلك خالل المدّة المعينة في الخطاب ودون اعتداد بأي معارضة"‪ .‬وعرفته المادة ‪ 1001‬مكرر ‪ 60‬من‬
‫المشروع التمهيدي لتعديل القانون المدني‪ " :‬الضمان المستقل تعهد يلتزم بمقتضاه شخص يسمى الضامن‪ ،‬بدفع مبلغ‬
‫إلى المستفيد سواء عند أول طلب أو حسب الطرق المتفق عليها‪ ،‬وذلك تنفيذا اللتزام من الغير يسمى اآلمر"‪.‬‬
‫أجمعت هذا التعاريف على أن الضمان المستقل أو خطاب الضمان أو الضمان ألول طلب‪ -‬هو‪:‬‬
‫‪ -‬التزام أو تعهد من شخص بصفته ضامنا وهو ‪-‬عادة‪ -‬بنك أو مصرف‪،‬‬
‫‪ -‬بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص يدعى المستفيد (وهذا محل االلتزام)‪ .‬صحيح أن المادة ‪1- 2321‬‬
‫فرنسي لم تذكر المستفيد‪ ،‬غير أن هذا أمر بدهيي لكون التعهد يقتضي دائما دائنا أو مستفيدا قد يكون معينا أو قابال‬
‫للتعيين‪.‬‬

‫‪ - 9‬ويسمي أيضا بخطاب الضمان وبالضمان العقدي‪ ،‬أو اآللي‪ ،‬أو المجرد‪ .‬والضمان ألول طلب‬
‫‪10‬‬
‫‪Art 2321 C. Civ. Fr « La garantie autonome est l’engagement par lequel le garant s’oblige, en considération d’une obligation‬‬
‫» … ‪souscrite par un tiers, à verser une somme à première demande, soit suivant les modalités convenues‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬على أن ينفذ هذا االلتزام لمجرد الطلب األول من المستفيد أو وفق الشروط المتفق عليها‪ .‬ينفّذ االلتزام لمجرد‬
‫الطلب أي نكتفي بالطلب فقط دون الخوض في االعتبارات األخرى‪ ،‬كأن يكون الدين مستحقا أو غير مستحق‪ ،‬صحيحا‬
‫أو باطال ‪...‬الخ‪ .‬وهذا ما أكده تعريف القانون التجاري العراقي وكذا الكويتي بإضافة تعبير "دون شرط أو قيد"‪ .‬يظهر‬
‫من تعريف المادة ‪ 1-2321‬مدني فرنسي‪ ،‬أن الوفاء بالتعهد يكون ألول طلب أو وفق الشروط المتفق عليها‪ ،‬والتي‬
‫تتعلق بكفية المطالبة بالتنفيذ وال عالقة لها بالعالقة التي تربط المدين أو اآلمر بالدائن أو المستفيد‪ ،‬وال عالقة لها بعالقة‬
‫الضا من بالمستفيد أو عالقة الضامن باألمر‪ .‬هذه العناصر الثالثة تتعلق بالعالقة التي تقوم بين الضامن والمستفيد وهي‬
‫جوهر الضمان المستقل أو خطاب الضمان ألول طلب‪.‬‬
‫غير أن التعاريف التشريعية السالفة الذكر‪ ،‬لم تتجاهل العالقة األساسية الموجودة بين الدائن والمدين والتي‬
‫هي محل الضمان المستقل ولكن لما كان الغرض من الضمان المستقل أو خطاب الضمان هو فصل العالقتين فأشارت‬
‫هذا التعاريف للعالقة ما بين الدائن والمدين بصفة غير مباشرة أو عرضية‪ ،‬فهي ال تأثر على عالقة الضمان‪ .‬فأشارت‬
‫المادة ‪ 2321‬مدني فرنسي إلى التزام سابق اكتتبه الغير‪ ،‬وأما المادة ‪ 287‬تجاري عراقي وكذا المادة ‪ 382‬كويتي‬
‫فذكرتا أن هذا التعهد تم بطلب اآلمر أي المدين في العالقة األساسية‪ ،‬والذي يعد من الغير‪ ،‬فهو ليس طرفا في الضمان‬
‫المستقل‪.‬‬
‫‪ -1.2‬التعريفات الفقهية‬
‫من بين التعريفات الفقهية للضمان المستقل أنه‪ ... ":‬تعهد يلتزم بمقتضاه الضامن‪ ،‬بناء على طلب اآلمر بدفع‬
‫مبلغ معين بمجرد طلب المستفيد أو وفقا للطرق المتفق عليها وذلك خالل مدة معينة ودون االحتجاج بأي دفع مستمد‬
‫من العقد المضمون"‪ ،11‬أو ‪ ..." :‬التعهد الذي بمقتضاه يلتزم الضامن‪ ،‬بعد طلب مكتوب من الغير‪ ،‬بدفع مبلغ نقدي‬
‫للمستفيد‪ ،‬إما في الطلب ا ألول‪ ،‬أو تبعا للطرق المتفق عليها‪ ،‬ضمانا للتنفيذ الحسن لعقد أصلي"‪ ،12‬أو هو‪" :‬عالقة‬
‫قانونية فيما بين البنك والمستفيد يترتب عليها التزامات على عاتق البنك بدفع مبلغ من النقود عند أول طلب خالل مدّة‬
‫محدودة"‪ 13‬أو هو ‪ ":‬تعهد نهائي يصدر من البنك بناء على طلب عميله (ويسمى العميل اآلمر) بدفع مبلغ نقدي معين‬
‫أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من البنك خالل مدّة محددة ودون يتوقف على شرط آخر"‪ .14‬أو هو‬
‫التزام يقبل بموجبه الضامن‪ ،‬بنا ًء على طلب ال رجعة فيه من اآلمر وبناء على طلب بسيط من أن يدفع كمدين رئيسي‬
‫مبلغًا من المال لمستفيد معين‪ ،‬وفقًا للشروط واألحكام المنصوص عليها في الضمان‪ ،‬مع تنازله مقدما ً عن ممارسة أي‬
‫رقابة خارجية على شروط تنفيذ التزامه‪.15‬‬

‫‪ - 11‬جميلة تماني‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.450-399‬‬

‫‪ - 12‬بناسي شوقي‪ ،‬أحكام عقد الرهن الرسمي في القانون المدني الجزائري ‪ -‬دراسة مقارنة بأحكام الفقه اإلسالمي والقوانين الوضعية ‪-‬الفرنسي والمصري‪ ،‬دار‬
‫هومه‪ ،2008 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ - 13‬محمود الكيالني‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الكفاالت المصرفية وخطابات الضمان‪ ،‬دار النشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،1992 ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ - 14‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬النهضة العربية‪ ،‬مصر‪ ،1988 ،‬ص ‪.378‬‬
‫‪15‬‬
‫‪« La garantie à première demande est un engagement, par lequel le garant, à la requête irrévocable du donneur d’ordre,‬‬
‫‪accepte de payer en qualité de débiteur principal, sur simple demande, une somme d’argent à un bénéficiaire désigné, dans‬‬
‫‪les termes et conditions stipulés dans la garantie, en renonçant par avance à exercer tout contrôle externe sur les conditions‬‬
‫‪de mise en jeu de son engagement » . J. Pierre Mattout, Droit bancaire international, Banque éditeur, 3éme ed , cité par‬‬
‫‪Me Boudiaf Boudjemaa, Les garanties à première demande https://www.boudiaf-avocats.com/blog.php/2008/02/28/15-‬‬
‫‪les-garanties-premire-demande.htm‬‬
‫‪4‬‬
‫تتمحور هذه التعاريف الفقهية حول فكرة رئيسية وهو أن الضمان المستقل هو التزام أو تعهد يلتزم بموجبه‬
‫الضامن‪ ،‬بطلب من اآلمر بدفع مبلغ نقدي معين للمستفيد ألول طلب‪ ،‬غير أن بعضها ذكر بعض التوضيحات من باب‬
‫الدّقة و ليس من باب اإلضافة‪ .‬فأشار التعريف األخير إلى بعض العناصر منها وصف طلب اآلمر بأنه ال رجعة فيه‪،‬‬
‫فهذا تحصيل حاصل‪ ،‬ونفس الشيء بالنسبة إلضافة صفة المدين الرئيسي‪ ،‬فالضمان المستقل يقتضي ذلك وجوبا‪ .‬ونفس‬
‫الشيء أيضا بالنسبة للعنصر المتعلق بتنازل الضامن مقدما عن ممارسة أي رقابة خارجية على شروط تنفيذ االلتزام‪،‬‬
‫فالمقصود بالطلب األول هو المراقبة الشكلية للطلب فقط‪ ،‬مع العلم أن التزام الضامن هو التزام مجرد‪.‬‬
‫هناك من ض ّمن التعريف عنصرا يتعلق بتقديم الطلب خالل مدّة معينة‪ ،‬في حين أن هذا شرط من شروط تقديم‬
‫الطلب األول وليس عنصرا من عناصر التعريف‪ ،‬فلما كان التعريف يتم من خالل مصطلحات قانونية دقيقة فال نرى‬
‫فائدة من تكرار المعنى‪.‬‬
‫‪ -2‬خصائص الضمان المستقل‬
‫يشترك الضمان المستقبل أو خطاب الضمان مع الكفالة كونهما من التأمينات الشخصية‪ ،‬غير أنه إذا كانت‬
‫الكفالة تتميز بطابعها التبعي للدين األصلي ‪-‬عالقة المديونية المكفولة‪ ،-‬فيكون مصير الكفالة مرهون بمصير الدين‬
‫المكفول‪ ،‬فإن الضمان المستقل يتميز بخاصية أساسية مناقضة تماما للكفالة‪ ،16‬وهي استقالليته عن عالقة المديونية‬
‫(‪ )2.1‬األمر الذي يحول دون تمكين الضامن ‪-‬على خالف الكفيل – من التمسك بأي دفع كان قصد التخلص من التزامه‬
‫(‪.)2.2‬‬
‫‪ -2.1‬الخاصية األولى ‪ -‬استقاللية التزام الضامن‬
‫بعد استعراض المقصود بخاصية استقاللية التزام الضمان (‪ )2.1.1‬نبحث في الحدود التي ترد عليها (‪.)2.1.2‬‬
‫‪-2.1.1‬المقصود باالستقاللية‬
‫تقتضي استقاللية الضمان أن يكون له محال مستقال (‪ )2.1.1.1‬وأن ينفذ االلتزام ألول طلب (‪.)2.1.1.2‬‬
‫‪ -2.1.1.1‬استقاللية محل الضمان المستقل‬
‫ال شك أن سلطان اإلرادة يلعب دورا في انشاء الضمان المستقل‪ ،‬غير أنه ال يكفي أن يتفق المعنيون على ذلك‬
‫لفظا‪ ،17‬بل البد أن تنصرف ارادتهم ا فعال إلى إنشاء ضمان يكون له محال مستقال عن محل العقد األساسي وكذا عن‬
‫محل العالقة ما بين العميل ‪-‬اآلمر‪ -‬والبنك – الضامن‪ -‬ال شك أن الضمان المستقل يستمد وجوده من العقد األساسي‬
‫كون الضمان يسعي إلى ضمان تنفيذ هذا العقد‪ ،‬غير أنه بعد انعقاد الضمان المستقل يصبح هذا األخير مستقال عن العقد‬
‫األساسي من حيث وجوده‪ ،‬محله‪ ،‬تنفيذه وانقضائه‪.‬‬
‫إن محل الضمان المستقل هو التزام أصلي وليس التزام تبعي كالكفالة‪ ،‬وعليه يحدّد محله بصفة مستقلة عن‬
‫العقد األساسي‪ ،‬ويكون ذلك في خالل بنود التعهد‪ ،‬ويصبح الضامن مدينا أصليا‪ ،‬فهو ال يلتزم بصفته نائبا أو وكيال عن‬

‫‪،53‬‬ ‫ص‬ ‫الجزائر‪،‬‬ ‫ماجستير‪،‬‬ ‫القرض‪،‬‬ ‫ضمانات‬ ‫رحيمة‪،‬‬ ‫شلغوم‬ ‫‪-16‬‬

‫‪http://193.194.83.98/jspui/bitstream/1635/8590/1/CHELGHOUM_RAHIMA.pdf‬‬
‫‪ - 17‬اعتبرت محكمة النقض أن تدوين عبارة ضمان ألول طلب ال يعد ضمان مستقل طالما التزم بتسديد دين في ذمة المدين ‪Com. 13.12/1994 ; Dalloz 195‬‬
‫‪p.209.‬‬
‫‪5‬‬
‫عميله أو اآلمر‪ ،‬بل يلتزم باسمه ولحسابه الخاص‪ ،‬وعليه ليس لعالقته باألمر أو بالعالقة التي تجمع هذا األخير بالمستفيد‬
‫أي أثر على التزام الضامن تجاه المستفيد‪ .18‬جاء في المادة ‪ 3‬من اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بالكفاالت المستقلة‬
‫وخطابات االعتماد الضامنة بشأن‪" ،‬استقالل التعهد" ما يلي‪ :‬ألغراض هذه االتفاقية يكون التعهد مستقال عندما ال يكون‬
‫التزام الكفيل المصدر تجاه المستفيد‪ :‬أ‪ -‬مرهون بوجود معاملة أصلية أو صالحياتها أو بأي تعهد آخر‪ ...‬أو ب‪ -‬خاضعا‬
‫لشرط أو حكم غير وارد في نص التعهد‪ ،‬أو بأي فعل أو واقعة مستقبلية غير مؤكدة الوقوع عدا تقديم المستندات‪ ،‬أو‬
‫أي فعل أو واقعة أخرى من هذا القبيل تدخل في نطاق عمليات الكفيل المصدر"‪ .19‬وتنص المادة ‪ 1001‬مكرر ‪ 63‬من‬
‫المشروع التمهيدي‪ " :‬ال يتبع الضمان المستقل االلتزام المضمون‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق على خالف ذلك‪".‬‬
‫‪ -2.1.1.2‬تنفيذ التعهد ألول طلب‬
‫إن استقاللية محل الضمان تجعل التزام الضامن باتا ال رجعة فيه‪ ،‬خال من كل قيد أو شرط‪ ،‬فهو التزام ينفذ‬
‫ألول طلب‪ ،‬بمعنى أن الضامن لمجرد وصول طلب الدفع يقوم بالدفع للمستفيد‪ ،‬فليس له أن يتحقق من أي شيء آخر‬
‫غير الجانب الشكلي فقط‪ .‬فإذا تضمن التعهد شروطا أخرى (الضمان المبرر)‪ ،‬فإن هذا ال يسمح للضامن باالمتناع عن‬
‫الوفاء متمسكا بانعدام الشروط‪ ،‬فالمقصود بذلك هو التحقق من توفر الجانب الشكلي لتلك الشروط‪ ،‬ال غير‪ .‬كل هذا‬
‫بطبيعة الحال إذا تقدم المستفيد بطلب التسديد في األجل المحدد لسريان الضمان المستقل‪.‬‬
‫‪ -2.1.2‬حدود مبدأ استقاللية الضمان المستقل‬
‫تعد استقاللية التزام الضا من حماية للمستفيد‪ ،‬حيث بموجب هذه الخاصية ال يمكن للضامن أن يتملص من‬
‫التزامه‪ ،‬غير أن هناك حدودا لهذه الحماية السيما في حالة صدور غش أو تعسف ال شك في داللته من قبل المستفيد‪.‬‬
‫وقد نصت في هذا الشأن الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 2321‬مدني فرنسي ال يلزم الكفيل في حالة تعسف المستفيد أو غشه‬
‫الواضح أو تواطأه مع اآلمر‪ .20‬وهذا ما أشارت إليه أيضا المادة ‪1001‬مكرر ‪ 65‬من المشروع التمهيدي‪ ":‬يتحلل‬
‫الضامن من التزامه في حالة تعسف المستفيد أو غشه الواضح"‪.‬‬
‫كما تنص اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بالكفاالت المستقلة وخطابات االعتماد الضامنة‪ ،21‬في مادتها ‪19‬‬
‫المعنونة " االستثناء من التزام السداد‪ ":‬إذا كان من البين والواضح‪ :‬أ‪ -‬أن المستند المقدم أيا كان موزر أو قد جرى‬
‫تزيفه‪ ،‬أو‪ ..‬ب‪ -‬أن السداد لم يكن مستحقا على األسس الواردة في المطالبة والمستندات الداعمة‪ ،‬أو ‪...‬ج‪ -‬أن المطالبة‪،‬‬
‫بنوع حكم التعهد وغرضه‪ ،‬ليس لها أساس يمكن تصوره‪ ،‬فإن الكفيل المصدر متصرفا بحسن النية‪ ،‬يكون له الحق‬
‫إزاء المستفيد في أن يمتنع عن السداد‪."...‬‬

‫‪ -‬راجع في استقاللية محل الضمان‪ ،‬راضية أمقران‪ ،‬خطابات الضمان المصرفية وموقف الشريعة منها‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬ص ‪ 28‬وما‬ ‫‪18‬‬

‫بعدها‪.‬‬
‫‪http://biblio.univalger.dz/jspui/bitstream/123456789/13432/1/AMOKRANE_RADIA.pdf‬‬
‫‪19‬‬
‫‪- https://uncitral.un.org/sites/uncitral.un.org/files/media-documents/uncitral/ar/guarantees-a.pdf‬‬
‫‪20‬‬
‫‪« Le garant n’est pas tenu en cas d'abus ou de fraude manifestes du bénéficiaire ou de collusion de celui-ci avec le‬‬
‫» ‪donneur d’ordre‬‬
‫‪21‬‬
‫‪https://uncitral.un.org/sites/uncitral.un.org/files/media-documents/uncitral/ar/guarantees-a.pdf‬‬
‫‪6‬‬
‫إ ّن االعتراف للضامن بحق التمسك قانونا بالغش ومن ثم امتناعه عن تسديد مبلغ الضمان ليس باألمر الهين‬
‫أو بالبسيط‪ ،‬كونه تراجع عن مبدأ استقاللية الضمان الذي يعد الخاصية األساسية في الضمان المستقل‪ ،‬فهي التي كانت‬
‫وراء ابداع هذا النوع من الضمان‪ .‬غير أنه في مقابل ذلك ال يمكن حماية المستفيد الذي لجأ إلى الغش والحيل‪ .‬وبالنظر‬
‫إلى هذه االعتبارات وبالنسبة للنصوص القانونية التي لم تتعرض لمسألة الغش‪ ،‬انتهى الفقهاء وكذا االجتهادات‬
‫القضائية‪ 22‬بشأن هذه المسألة إلى أراء متفاوتة‪ ،‬فهناك من اعتمد على تفسير واسع للغش الذي يمتنع معه الضامن من‬
‫الوفاء‪ ،‬حيث ال يقتصر الغش على استعمال الطرق االحتيالية بغرض اصدار الضمان‪ ،‬بل يشمل أيضا كل ما يؤدي‬
‫إلى استفادة المستفيد من فائدة غير مشروعة بدون أساس قانوني‪ ،‬وكذا اإلضرار بالغير‪ .‬وهناك من اعتمد تفسيرا ضيقا‬
‫للغش فيستبعد التعسف في استعمال الحق‪ ،‬وهذا باعتبار أن األمر يتعلق بحالة استثنائية‪ ،‬من المفروض أن تكون‬
‫مستبعدة بالنسبة للضمان المستقل ال سي ما بالنظر إلى احترافية الضامن وكذا مجال التعامل‪ .‬ويشترط على العموم أن‬
‫يكون الغش واضحا ثابتا ال نزاع فيه وأن يصدر من المستفيد أو ممن له مصلحة في ذلك‪.‬‬
‫‪ -2.2‬الخاصية الثانية – عدم نفاذ الدفوع في الضمان المستقل‬
‫تنص المادة ‪ 2321‬الفقرة ‪ 3‬مدني فرنسي ال يمكن للضامن أن يتمسك بأي دفع يتعلق بااللتزام المضمون‪ .23‬كما‬
‫جاء في المادة ‪ 290‬تجاري عراقي‪ :‬ال يجوز للمصرف أن يرفض األداء للمستفيد لسبب يرجع إلى عالقة المصرف‬
‫باآلمر أو المستفيد أو عالقة اآلمر بالمستفيد‪ ".‬ونصت المادة ‪ 385‬تجاري كويتي‪ ":‬ال يجوز للبنك أن يرفض الوفاء‬
‫للمستفيد لسبب يرجع إلى عالقة البنك باآلمر أو عالقة اآلمر بالمستفيد" والمادة ‪ 358‬تجارة مصري‪ ":‬ال يجوز للبنك‬
‫أن يمتنع عن الوفاء للمستفيد لسبب يرجع إلى عالقة بالبنك باآلمر أو إلى عالقة اآلمر بالمستفيد"‪ .‬وتنص المادة‪1001‬‬
‫مكرر ‪ 64‬من المشروع التمهيدي‪ ":‬ال يجوز للضامن التمسك بالدفوع المتعلقة بااللتزام المضمون"‪.‬‬
‫يفهم من هذه األحكام أن التزام الضامن – المصرف أو البنك‪ -‬هو التزام مجرد‪ ،‬ومن ثم ال يمكن للضامن أن‬
‫يتمسك في مواجهة المستفيد – لإلفالت أو التهرب من الوفاء ‪ -‬بأي دفع يتعلق بااللتزام محل الضمان ‪-‬كأن يكون باطال‬
‫جرد التزام الضامن بالتسديد ألول طلب حماية فعالة ت ٌمكن المستفيد‬
‫أو قابال لإلبطال‪ ،‬أو سقط بالتقادم ‪...‬إلخ‪ .-‬ويمثل ت ّ‬
‫من الحصول فعال على المبلغ الذي التزم به الضامن‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ -‬أحكام الضمان المستقل‬
‫تنصرف أحكام الضمان المستقل إلى مسألة إصداره أو إنشائه (‪ )1‬فأثاره (‪ ،)2‬فانقضائه (‪.)3‬‬
‫‪ -1‬اصدار الضمان المستقل (أو انعقاده)‬
‫ال شك وال خال ف في أن الضمان المستقل هو تعهد أو التزام ينشأ عن تصرف قانوني‪ ،‬غير أن التصرفات‬
‫القانونية نوعان‪ :‬العقد أي التصرف القانوني الذي ينعقد عند التقاء االيجاب بالقبول‪ ،‬والتصرف باإلرادة المنفردة أو‬
‫االلتزام باإلرادة المنفردة الذي ينشأ بإرادة شخص واحد‪ .‬تستعمل عبارة إصدار الضمان المستقبل إذا كان تصرفا‬
‫بإرادة‪ ،‬بينما تستعمل عبارة انعقاد أو إنشاء الضمان المستقل إذا تم ذلك بموجب عقد‪.‬‬

‫‪،81‬‬ ‫ص‬ ‫السابق‪،‬‬ ‫المرجع‬ ‫يعيش‪،‬‬ ‫شوقي‬ ‫قيصر‪،‬‬ ‫الرحمان‬ ‫عبد‬ ‫راجع‬ ‫‪-22‬‬
‫‪https://repository.najah.edu/bitstream/handle/20.500.11888/14032/Rahman%20Yaish.PDF?sequence=1&isAllowed=y‬‬
‫‪23‬‬
‫‪Art 2321-3. C. Civ. Fr « Le garant ne peut opposer aucune exception tenant à l’obligation garantie ».‬‬
‫‪7‬‬
‫يرى البعض أن الضمان المستقل هو تصرف بإرادة منفردة‪ ،‬إذ يلزم البنك أو الضامن بخطاب الضمان لمجرد‬
‫وصوله إلى علم المستفيد‪ ،‬دون حاجة إلى قبول المستفيد‪ ،‬فهو التزام نهائي ال يتوقف على قبول المستفيد من عدمه‪.24‬‬
‫وهناك رأي ثاني على غرار القانون الفرنسي يرى أن تعهد الضامن ينشأ اتفاقيا أو بموجب عقد‪ .‬والحقيقة أن مردّ هذه‬
‫كرست نظام التعبير عن اإلرادة الظاهرة وفي‬
‫الخالفات هو نوعية النظام القانوني المعتمد في كل بلد‪ .25‬فالدول التي ّ‬
‫مقدمتها القانون المدني األلماني تكتفي بالتصرف باإلرادة المنفردة‪ .‬أما البلدان التي بقيت تعتمد نظام اإلرادة الباطنة‪،‬‬
‫على غرار فرنسا فال ينشأ الضمان المستقل إال من خالل اتفاق‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ويبدو من جهة أخرى أن هناك أيضا‬
‫فرقا بين الدولة التي كرست تشريعيا الضمان المستقل فقد تفصل في المسألة بصفة واضحة كأن تشترط العقد كمصدر‬
‫للضمان المستقل‪ ،‬أو تكتفي بالتصرف باإلرادة المنفردة‪ .‬أما بالنسبة للبلدان التي يكون فيها الضمان المستقل مجرد‬
‫ممارسات على غرار القانون الجزائري‪ ،‬ولما كانت هذه الممارسة تستند على الحرية العقدية‪ ،‬فيبدوا لي أن العبرة‬
‫تكون بما هو مع مول به السيما في المجال البنكي‪ .‬وقد استخلصت من هذا الممارسة بالنسبة للبنوك الجزائرية أن‬
‫سد في وثيقة على شكل مطبوعة قد تختلف من بنك إلى آخر موقّعة من البنك أي الضامن فقط‪،‬‬
‫الضمان المستقل يج ّ‬
‫فهي عندئذ تصرف بإرادة منفردة‪ .‬وقد جاء في المادة ‪ 1001‬مكرر ‪ 62‬من المشروع التمهيدي‪ ":‬يجب إبرام الضمان‬
‫المستقل كتابة‪ ،‬مع ذكر البيانات اآلتية تحت طائلة البطالن‪- :‬ذكر تسمية الضمان المستقل‪- ،‬هوية اآلمر‪ - ،‬هوية‬
‫المستفيد‪-‬هوية الضامن‪ - ،‬االلتزام الذي تقرر من أجله الضمان‪- ،‬المبلغ األقصى للضمان‪ ،-‬تاريخ انتهاء الضمان‪- ،‬‬
‫شروط الضمان‪ ".‬ولما كان الضمان المستقل تصرف قانوني فال بد أن تتوفر فيه أركان التصرفات القانونية وفقا‬
‫للقواعد العامة‪ ،‬من أهلية‪ ،‬ورضا خال من كل العيوب ومحل ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لركن الشكلية فقد اشارت إليه بعض التعاريف‪ ،‬فنرى أنه لما كانت الحرية العقدية هي أساس‬
‫الضمان المستقل‪ ،‬ولما كان المبدأ هو الرضائية فال يشترط ركن الشكلية إال بموجب نص قانوني أو اتفاق مسبق‪.‬‬
‫لقد أسلفت القول أن ما هو جاري بالنسبة للجزائر والمتمثل في مطبوعة ممضية من قبل البنك فمرده إرادة‬
‫كرس نظام التعبير عن اإلرادة (المادتين ‪ 60- 59‬مدني) وكذا االلتزام باإلرادة المنفردة‬
‫البنك نفسه‪ ،‬طالما أن المشرع ّ‬
‫(‪ 123‬مكرر مدني)‪ .‬إضافة إلى ذلك فإن الضمان المستقل هو أداة مستخدمة من قبل المهنيين (تقضي المادة ‪1001‬‬

‫مكرر ‪ 61‬من المشروع التمهيدي‪ ":‬يجوز للشخص الطبيعي‪ ،‬تحت طائلة البطالن‪ ،‬في غير إطار مهنته التعهد بالضمان‬
‫المستقل") الذين يحرصون كل الحرص على فعالية تصرفاتهم ويتوخون كل احتجاج أو نزاع قد يطرأ‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعلهم يجسدون الضمان المستقل في وثيقة واضحة بعيدة عن كل لبس أو غموض وتوفر لها وسيلة الكتابة لإلثبات‬
‫السيما إذا كان قيمة الضمان تفوق ‪ 100.000‬د ج (المادة ‪ 333‬مدني)‪.‬‬
‫تتضمن على العموم وثيقة الضمان المستقل البيانات التالية‪ :‬عنوان االلتزام " ضمان ألول طلب"‪ ،‬بيانات‬
‫اآلمر‪ ،‬بيانات المستفيد‪ ،‬مبلغ الضمان‪ ،‬تاريخ اإلصدار‪ ،‬مدّة الصالحية‪ ،‬صيغة الضمان " يتعهد – اسم البنك أو الشخص‬
‫أو الهيئة‪ -‬بموجب هذا أن يضع تحت تصرفكم مبلغ ‪ .....‬بشأن ‪ ........‬ونقبل بسداد هذا المبلغ إليكم عند أول مطالبة‬

‫‪ - 24‬عبد الرحمان قيصر شوقي يعيش‪ ،‬مدى االلتزام القانوني للبنك في خطاب الضمان‪ ،‬ماجستير‪ ،‬جامعة النجاح‪ ،2018 ،‬ص ‪،34‬‬
‫‪https://repository.najah.edu/bitstream/handle/20.500.11888/14032/Rahman%20Yaish.PDF?sequence=1&isAllowed=y‬‬
‫‪25‬‬
‫‪A. Prum, Les garanties à première demande, Litec, http://excerpts.numilog.com/books/9782711123353.pdf‬‬
‫‪8‬‬
‫به بغض النظر عن أي معارضة قد يدعيها المذكور أعاله‪ .‬ويسري مفعول هذا الضمان لغاية ‪ ......‬وبانقضاء هذا‬
‫التاريخ وعدم صدور إخطار بأية مطالبة بمقتضى هذا الضمان إلى البنك أو عدم استالم البنك لهذا االخطار في هذا‬
‫التاريخ أو قبله‪ ،‬يصبح هذا الضمان الغيا وباطال"‪ .‬تتبع هذه البيانات بمكان وتاريخ اإلصدار وتوقيع الضامن‪ .‬الجدير‬
‫بالذكر أن كثيرا ما يطلب المستفيد صياغة معينة (راجع نموذج ونماذج أخرى‪)26‬‬
‫‪ -2‬أثار الضمان المستقل‬
‫يرتب إصدار الضمان المستقل أثارا بين الضامن (البنك) والمستفيد(الدائن) (‪ ،)2.1‬وبين العميل (اآلمر)‬
‫والضامن (‪ )2.2‬وبين اآلمر والمستفيد (‪.)2.3‬‬
‫‪ -2.1‬أثار الضمان المستقل بين الضامن(البنك) والمستفيد‬
‫تترتب هذه األثار مباشرة عن العالقة التي تربط الضامن بالمستفيد بموجب الضمان المستقل فيتحمل المستفيد‬
‫التزاما تقديم طلب الدفع للضامن (‪ ،)2.1.1‬الذي يتعين عليه تسديد مبلغ الضمان (‪)2.1.2‬‬
‫‪-2.1.1‬تقديم الطلب الدفع‬
‫يتعين على المستفيد عند ما يريد اقتضاء مبلغ الضمان المستقيل تقديم طلب إلى الضامن‪ ،‬وذلك وفق الشروط‬
‫المتفق عليها‪ ،‬قد يقدم الطلب من المستفيد شخصيا إلى البنك‪ ،‬أو عن طريق رسالة بسيطة أو موصى عليها‪ .‬ويجب‬
‫تقديم الطلب خالل مدّة صالحية الضمان المستقل‪.‬‬
‫يتعين على الضامن ‪-‬البنك‪ -‬فحص طلب الدفع الذي تقدم به المستفيد على أن يكون ذلك الفحص فحصا شكليا‬
‫أو ظاهريا‪ ،‬يتأكد من خالله البنك من توافر الطلب على البيانات التي وردت في الضمان المستقل‪ ،‬على أن يكون ذلك‬
‫وفق عناية الرجل الحريص مع واجب إخطار المستفيد في حالة وجود نقص فيما هو مطلوب‪.‬‬
‫مالحظة – يمكن تمديد صالحية الضمان المستقل على أن يتم ذلك باتفاق المعنيين‪ ،‬وقبل نهاية صالحية الضمان‬
‫مح ّل التجديد‪.‬‬
‫‪ -2.1.2‬دفع مبلغ الضمان المستقل‬
‫يعتبر دفع مبلغ الضمان من أهم التزامات الضامن‪ ،‬بل هو التزامه الرئيسي‪ ،‬الذي يصبح مستحق األداء لمجرد‬
‫تقديم المستفيد طلبا بذلك على النحو الذي سبق ذكره‪ ،‬أي بعد التحقق من مطابقة الطلب لمحتوى الضمان المستقل‪ .‬ولما‬
‫كان ال يحق للضامن أن يحتج أو يتسمك بأي دفع فما عليه إل االقيام بتسديد المبلغ‪ ،‬فينقضي الضمان وتبرء ذمة الضامن‪.‬‬
‫كما يحل الضامن بموجب المادة ‪ 1001‬مكرر ‪ ": 66‬محل المستفيد في الحقوق التي كانت له على اآلمر وله حق الرجوع‬
‫الشخصي المذكور في المادة ‪ 1001‬مكرر ‪ 51‬من هذا القانون‪ .‬تتعلق هذه المادة بحق الكفيل في الرجوع على المدين‬
‫بالدعوى الشخصية أي المادة ‪ 671‬مدني‪.‬‬
‫استثناء يحق للضامن االمتناع عن الوفاء في حالة الغش الواضح وحالة انتهاء مدّة صالحية الضمان‪ .‬ويمكن‬
‫في هذه الحالة األخيرة إصدار ضمان مستقل جديد‪.‬‬

‫‪/ https://www.mohamah.net/law26‬صيغة‪-‬و‪-‬نموذج‪-‬عام‪-‬لخطاب‪-‬ضمان‪-‬بنكي‪/‬‬
‫‪file:///C:/Users/filal_iv5xegm/Downloads/191024_2019-034_Modele_Commun_GRD-F_Annexe_5.pdf‬‬
‫‪9‬‬
 ‫‪ -2.2‬العميل – اآلمر‪ -‬والبنك – الضامن‪-‬‬
‫للتذكر لم يلتزم الضامن نحو المستفيد من الضمان إال بطلب من العميل‪ ،‬فيكون للضامن حق الرجوع على‬
‫العميل بما دفعه للمستفيد من مبلغ الضمان‪ ،‬باإلضافة إلى المصاريف وكذا العمولة‪ .‬تحدد االلتزامات بين الطرفين‬
‫بموجد عقد االعتماد بالضمان الذي يربطهما والذي أبرم قبل إصدار الضمان المستقل‪.‬‬
‫أما إذا انقضى الضمان المستقل دون الوفاء‪ ،‬حيث انتهت صالحيته دون تقديم طلب من المستفيد أو لحالة غش‪،‬‬
‫فال يرجع الضامن على العميل إال بالمصاريف والعمولة ما لم يكن هناك اتفاق بينهما على خالف ذلك‪ .‬ولما كان العميل‬
‫يلزم ‪-‬عادة‪ -‬عند طلب اعتماد بالضمان بتقديم غطاء للضمان المستقل‪ ،‬بمعني ضمانات في مقابل التزام البنك نحو‬
‫المستفيد فبمجرد قيام البنك بالدفع للمستفيد يصبح دائنا للعميل ويمكنه استراد من هذا األخير ما دفعه للمستفيد‪.‬‬
‫‪ -2.3‬عالقة العميل – المدين‪ -‬مع المستفيد ‪-‬الدائن‪-‬‬
‫تخضع هذه العالقة إلى العقد األساسي الذي يربط المدين ‪ -‬العميل‪ -‬والدائن ‪-‬المستفيد‪ ،-‬فإذا تبين بعد وفاء‬
‫الضامن بمبلغ الضمان المستقل‪ ،‬أن الدائن ما كان ليستحق الوفاء يحق للمدين الرجوع عليه‪ ،‬على أن يتحمل عبء‬
‫اثبات ما يدعيه‪.‬‬
‫‪ -3‬انقضاء الضمان المستقل‬
‫ينقضي الضمان المستقل بالوفاء (‪ )3.1‬وقد ينقضي بدون وفاء (‪.)3.2‬‬
‫‪ -3.1‬انقضاء الضمان بالوفاء‬
‫ينقضي الضمان بمجرد قيام الضامن بتنفيذ بالتزامه‪ ،‬أي تسديده مبلغ الضمان للمستفيد‪ ،‬ينقضي الضمان‬
‫المستقل‪.‬‬
‫‪ -3.2‬انقضاء بدون وفاء‬
‫قد ينقضي الضامن المستقل بدون الوفاء ال سيما في األحوال التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا لم يقدم المستفيد طلبا للضامن بتسديد المبلغ المضمون‪،‬‬
‫‪ -‬إذا انتهت صالحية الضمان المستقل بدون وفاء‪،‬‬
‫‪ -‬إذا استرجع الضامن الضمان المستقل من المستفيد بعد ما قام العميل بتسديد الدين محل الضمان‪،‬‬
‫‪ -‬تقادم الضمان المستقل‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬خطاب النوايا‬
‫عرفت المادة ‪ 1001‬مكرر ‪ 67‬من المشروع التمهيدي‪ ":‬خطاب النوايا هو تعهد بقيام بعمل أو باالمتناع‬
‫ّ‬
‫عن عمل يهدف إلى دعم المدين في تنفيذ التزامه‪ ...‬تقوم مسؤولية المتعهد في حالة عدم تنفيذ تعهده"‪ .27‬يتمثل التزام‬
‫المتعهد في مساعي غير متناهية يقوم بها لدى المدين‪ ،‬تدعم هذا األخير وتشجعه على تنفيذ التزامه‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪-Art 2322 C Civ Fr « La lettre d’intention est l’engagement de faire ou de ne pas faire ayant pour objet le soutien apporté‬‬
‫‪à un débiteur dans l’exécution de son obligation envers son créancier ».‬‬
‫‪10‬‬
‫خطاب النوايا هو تقنية أو وسيلة ذات أصل أنجلوسكسوني‪ ،‬كانت تستعمل قديما في مجال األعمال من قبل‬
‫الشركة األم لتمكين الشركات التابعة لها من الحصول على القروض‪ .‬يستند خطاب النوايا إلى ممارسة أنجلو سكسونية‬
‫تسمى ‪confort letter‬وهو ضمان تعويضي‪ ،‬حيث يلتزم المتعهد تجاه الدائن بتشجيع وتدعيم تنفيذ االلتزامات النقدية‬
‫التي يتحملها مدينه‪ ،‬وإن لم يفعل يدفع تعويضا للدائن‪.‬‬
‫خطاب الضمان هو صورة من صور التأمينات الخاصة‪ ،‬فيتميز عن الكفالة كونه يفتقر للطابع التبعي‪ ،‬إذ ال‬
‫يتبع التعهد التزام المدين‪ ،‬ويتميز أيضا عن الضمان المستقل‪ ،‬كون غايته ليست دفع مبلغ من المال‪ ،‬وإنما يلتزم المتعهد‬
‫بالقيام بعمل أو باالمتناع عن عمل من شأنه جعل المدين ينفذ ما التزم به‪ .‬يكون خطاب النوايا بحسب عبارات التعهد‬
‫التزاما بتحقيق غاية‪ ،‬كأن يلتزم المتعهد بشيء معين كتنفيذ المدين التزامه‪ ،‬أو ببذل عناية كأن يشجع المتعهد المدين‬
‫على تنفيذ التزامه‪ ،‬وما لم يوف المدين بالتزامه يحق للدائن المطالبة بضمان المتعهد وذلك بحسب طبيعة التعهد الذي‬
‫التزم به‪ .‬وإذا تحققت مسؤولية المتعهد يتحصل الدائن على تعويضات‪.‬‬

‫‪11‬‬