You are on page 1of 4

‫ّ‬

‫الثانية– جغرافيا احملور ‪ :2‬تنظيم اجملاالت الريفية – الدّرس ‪ :1‬وظائف اجملال الريفي‬
‫املقدمة‪ :‬تعتني الجغرافيا ال ّريفيّة بدراسة املجال ال ّريفي كإطار سكني لل ّريفيني ولنشاطهم وعالقاتهم االجتماعيّة واإلنتاجيّة‪ .‬وقد شهد هذا املجال تحوّالت‬
‫متفاوتة م ّكنت من إدماجه يف االقتصادات الوطنيّة للبلدان املتقدّمة‪ ،‬عىل خالف أجزاء واسعة من العالم النّامي‪.‬‬

‫‪ https://gannouchi.blogspot.com   prof.gannouchi@gmail.com‬‬

‫األستاذ علي عزّوز القنّوشي‬


‫تخطيط الدّرس‬
‫‪ .1‬الوظيفة الفالحية للمجال الريفي وتحوّالتها يف العاملني املتقدم والنامي‬
‫‪ .2‬الوظيفة الصناعية والخدمية للمجال الريفي وتحوّالتها يف العاملني املتقدّم والنامي‬
‫‪ .3‬الوظائف االجتماعية للمجال الريفي وتحوّالتها يف العاملني املتقدّم والنّامي‬
‫‪ )1‬الوظيفة الفالحية للمجال الريفي وتحوّالتها يف العاملني املتقدم والنامي‬
‫أ– تعريف املجال الريفي‬
‫تدخل اإلنسان يف الوسط ال ّ‬
‫طبيعي عرب تهيئته ليتحوّل إىل إطار عيش للس ّكان‬ ‫طبيعي‪ .‬فهو مجا ٌل جغرايف ٌّ ظهر نتيجة ّ‬ ‫ال ّريف شكل من أشكال تنظيم املجال ال ّ‬
‫مؤسسات صناعيّة أو خدميّة مرتبطة باملدينة‪.‬‬‫ولنشاطهم املرتكز أساسا عىل إنتاج املواد الفالحيّة‪ ،‬أو إليواء ّ‬
‫ومن خصائص تهيئة املجال الريفي أنّها عمليّة إرادية وجماعيّة ومتواصلة‪.‬‬
‫[‪ ]1‬ال ّريف شكل من أشكال تنظيم املجال ال ّ‬
‫طبيعي‬

‫الوسط ال ّ‬
‫طبيعي‬

‫ّ‬
‫تدخل اإلنسان‬

‫مجال جغرايف‬
‫مجال ريفي‬ ‫مجال حرضي‬
‫ب– الوظيفة الفالحيّة للمجال ال ّريفي وأهدافها‬
‫طي املجال الريفي‪ 4,801‬مليار هك من األرايض‬ ‫يُمثّل إنتاج املواد الفالحيّة (املزروعات واملغروسات والدّواجن واملوايش) أه ّم الوظائف االقتصاديّة لل ّريف‪ .‬ويغ ّ‬
‫يوفر سوى ‪ %4,2‬من الناتج الداخيل الخام يف العالم (‪)2018‬؛ فهو‬ ‫أن القطاع الفالحي ال ّ‬‫املزروعة واملغروسة واملراعي أي ‪ ‬مساحة اليابسة سنة ‪ .2018‬ورغم ّ‬
‫يشغل أكثر من ‪ ‬العاملني يف العالم (‪ %26,8‬سنة ‪ .)2019‬وتض ّم األرياف حوايل ‪ ‬س ّكان العالم (‪ %43,8‬سنة ‪.)2020‬‬ ‫الزال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتستوجب هذه الوظيفة توفر جملة من العوامل األساسيّة‪ ،‬وهي األرض والفالح ورأس املال‪.‬‬
‫[‪ ]2‬دعائم اإلنتاج الفالحي‬
‫‪ ‬األرض‪ :‬وهي رأس املال العقاري للضيّعة‪ .‬وتتفاوت قيمتها التّجارية والكرائية حسب موقعها وجودة تربتها وتجهيزاتها‪.‬‬
‫(القارة واملوسميّة)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬اليد العاملة‪ :‬وتتكوّن من العمالة العائلية أو األجرية‬
‫‪ ‬رأس املال‪ :‬وينقسم إىل صنفني‪:‬‬
‫ّ‬
‫املخصصة للعمل وكذلك الغراسات‪.‬‬ ‫‪ -‬رأس املال الثّابت‪ :‬ويتكوّن من البناءات الفالحيّة واآلالت والتجهيزات املائية والحيوانات املنتجة أو‬
‫‪ -‬رأس املال املتحوّل‪ :‬ويض ّم البذور واملشاتل واألسمدة واملياه واألعالف واملبيدات واملواد البيطرية واملحروقات إضافة إىل األموال‪.‬‬
‫ج– تحوّالت الوظيفة الفالحية للمجال الريفي بالبلدان املتقدّمة والنامية‬
‫‪ ‬يف البلدان املتقدّمة‪ :‬شهدت الوظيفة الفالحيّة للمجال الريفي بالبلدان املتقدّمة تحوّالت هيكليّة ناجمة عن الثّورات الفالحية املتعاقبة وعن اعتماد الفالحة االنتاجوية‪.‬‬
‫[‪ ]3‬الثورات الفالحية املتعاقبة‬
‫برزت هذه الثورات من خالل توسيع املساحات الزراعية عرب الريّ واعتماد التداول الزراعي‪ ،‬باإلضافة إىل استعمال اآلالت واألسمدة واملبيدات‪ ،‬ث ّم تدعّ مت بظهور‬
‫التقانة البيولوجية (البيوتكنولوجيا) والزراعة دون تربة منذ أواخر القرن العرشين‪.‬‬
‫‪ ‬الثّورة األوىل التي ظهرت يف اململكة املتّحدة (بريطانيا) بداية من ‪ 1750‬وأرست نظام التّعاقب الزراعي [عرب إلغاء البور] وإنتشار الزراعات املعزرقة (مثل‬
‫اللّفت ُ‬
‫الس ّكري والبطاطا والذرة الصفراء)‪ ،‬والزراعات العلفيّة‪ ،‬ومن ث ّم إدماج تربية املوايش يف نظام ّ‬
‫الزراعات‪.‬‬
‫‪ ‬الثّورة الثانية التي تميّزت بها الواليات املتحدة األمريكية بعد ‪ ،1918‬قبل أن تمت ّد إىل األقطار األوروبية منذ ‪ .1950‬ومن أبرز مقوّماتها‪ :‬تألية العمل الفالحي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ُحسنة وذات إنتاجية مرتفعة‪ ،‬فضال عن االستعمال املُكثّف للواد‬ ‫عىل نطاق واسع وتوظيف األبحاث البيولوجية التي و ّفرت بذورا ومشاتل وفصائل حيوانية م ّ‬
‫وسمّ يت بـ«الفالحة اإلنتاجوية»‪.‬‬‫الكيميائية‪ .‬فتحوّلت بذاك الفالحة إىل نشاط شبه صناعي ُ‬
‫‪ ‬الثّورة الثّالثة التي تُميّز فالحة بعض األقطار املتقدّمة منذ تسعينات القرن املايض‪ .‬ومن خصائصها إعتماد املعلوماتية يف تسيري ّ‬
‫الضيعات‪ ،‬والتّقانة البيولوجية‪،‬‬
‫وتقنيات ّ‬
‫الزراعة املحمية‪ ،‬واملنتجات دون تربة يف إنتاج الباكورات وأزهار والفواكه‪.‬‬
‫[‪ ]4‬الفالحة اإلنتاجويّة‬
‫هي من ثمار الثّورات الفالحية املتعاقبة‪ .‬وتتميّز بضخامة إنتاجها وارتفاع مردودها‪ .‬وهي فالحة آلية جاهدة تعتمد تكثيف رأس املال‪ ،‬وتجميع القطع الفالحية‬
‫صلب ضيعات كربى‪ ،‬وتوظيف العلوم الفالحية‪ ،‬ممّ ا م ّكنها من تحقيق فوائض غذائية هامّ ة يقع تصديرها أو حتّى إتالفها حفاظا عىل األسعار املرتفعة‬ ‫املُشتّتة ُ‬
‫للمنتوجات يف األسواق‪.‬‬
‫ولنئ ّ‬
‫حققت أنماط االستغالل الحديثة إرتفاعا رسيعا يف اإلنتاجيّة‪ ،‬ويف حجم اإلنتاج‪ ،‬واندمجت كليّا يف االقتصاد الحرضي والتّسويقي؛ فقد أفرز األنموذج اإلنتاجوي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصعوبات الناجمة عن تضخم اإلنتاج وصعوبة التسويق بسبب املنافسة‪.‬‬ ‫السلبيات من بينها استنزاف املياه والتبة وتدهور األنظمة الببيئية‪ ،‬فضال عن ّ‬ ‫بعض ّ‬
‫[‪ ]5‬سلبيات الفالحة اإلنتاجويّة‬
‫تضخم حجم االستثمار وارتفاع أسعار التّجهيزات واألرايض‪ ،‬بينما إنهارت أسعار املنتوجات يف األسواق‪.‬‬‫ّ‬ ‫‪ ‬تقلّص مرابيح الف ّالحني بسبب‬
‫‪ ‬تراجع عدد النّشيطني يف القطاع الفالحي حيث ال تزيد نسبة االستخدام فيه عىل ‪ %4,5‬بدول االتحاد األوروبي و‪ %1,3‬بالواليات املتحدة األمريكية سنة‬
‫ّ‬
‫الزراعة حوايل ‪ ‬االستخدام اإلجمايل يف افريقيا (‪ %49,5‬سنة ‪.)2020‬‬ ‫‪( 2020‬مقابل ‪ %13,7‬و‪ %4,4‬عىل التوايل سنة ‪ .)1970‬ويف املقابل تش ّكل ّ‬
‫الكني واملستغلّني‪ .‬ففي فرنسا انخفض عدد ّ‬
‫الضيعات من‬ ‫واملتوسطة وتر ّكز األرايض بأيدي أقليّة من كبار امل ّ‬
‫ّ‬ ‫الضيعات الصغرية‬‫الّسيع لعدد ّ‬ ‫‪ ‬االنخفاض ّ‬
‫‪ 1,706‬مليون ضيعة (سنة ‪ )1966‬إىل ‪ 436‬ألف ضيعة (سنة ‪.)2016‬‬

‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫الثانية – جغرافيا احملور ‪ :2‬تنظيم اجملاالت الريفية – الدّرس ‪ :1‬وظائف اجملال الريفي‬

‫[‪ ]6‬مردود إنتاج القمح يف بعض مناطق العالم (‪ ( )2019-1961‬ألف هكتوغرام*‪/‬هكتار)‬


‫‪70‬‬

‫‪57,59‬‬
‫‪60‬‬

‫‪47‬‬
‫‪50‬‬

‫ألف هكتوغرام‪/‬هكتار‬
‫‪36,53‬‬
‫‪35,47‬‬

‫‪34,26‬‬
‫‪34,26‬‬
‫‪40‬‬

‫‪30,90‬‬

‫‪27,57‬‬
‫‪( 1961‬أقىص اليمني)‬
‫‪27‬‬

‫‪27‬‬
‫‪30‬‬

‫‪26‬‬

‫‪21,03‬‬
‫‪24‬‬
‫‪18,55‬‬

‫‪18,07‬‬
‫‪17,23‬‬
‫‪1980‬‬

‫‪16,12‬‬

‫‪18‬‬
‫‪18‬‬

‫‪13,26‬‬
‫‪13,15‬‬
‫‪20‬‬

‫‪11,57‬‬
‫‪11,36‬‬

‫‪10,99‬‬
‫‪10,89‬‬

‫‪9,82‬‬
‫‪2000‬‬

‫‪7,49‬‬

‫‪6,93‬‬
‫‪10‬‬
‫‪( 2019‬أقىص اليسار)‬
‫‪0‬‬
‫العالم‬ ‫أمريكا‬ ‫آسيا‬ ‫إفريقيا‬ ‫أسرتاليا‬ ‫أمريكا‬ ‫االتّحاد‬
‫الجنوبية‬ ‫وزيلندة‬ ‫الشمالية‬ ‫األوروبي‬
‫الجديدة‬
‫بعض مناطق العالم‬

‫* ‪ 1‬هكتوغرام = ‪ 0,1‬كلغ و‪ 1‬كلغ = ‪ 10‬هيكتوغرام‬ ‫مصدر البيانات‪ :‬احصائيات منظمة األمم املتحدة لألغذية والزراعة )‪)2021( (FAOSTAT‬‬

‫‪ ‬يف البلدان النّامية‪ :‬ساهم االستعمار يف ظهور ثنائية فالحيّة يف البلدان النّامية‪:‬‬
‫املؤسسات املتعدّدة الجنسيات (عرب‬ ‫لترصف املستوطنني (ا ُملعمّ رين)‪ ،‬وتض ّم ضيعات كبار الف ّالحني ّ‬
‫والرشكات الفالحيّة‪ ،‬بما يف ذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫الضيعات التي خضعت‬ ‫‪ ‬فالحة عرصيّة شملت ّ‬
‫القطرية)‪ .‬وهي فالحة إنتاجويّة باألساس‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومتوسطة املساحة‪ ،‬وتعتمد طرق عمل ووسائل إنتاج تقليدية‪ .‬لذلك يبقى مردودها ضعيفا وإنتاجها‬ ‫‪ ‬فالحية تقليديّة تشمل األغلبيّة من الف ّالحني‪ ،‬وتُمارس ضمن ضيعات صغرية‬
‫يوفر دخال كافيا للف ّالحني وأُرسهم‪.‬‬
‫متواضعا ال ّ‬

‫[‪ ]7‬خصائص النّشاط الفالحي بالبلدان النّامية‬


‫ّ‬
‫تتجىل يف‪:‬‬ ‫أن أوضاع الفالحة بها ما زالت تتّسم بقوّة تبايناتها التي‬ ‫للزراعة يف العالم (‪)%59,4‬؛ إال ّ ّ‬ ‫الصالحة ّ‬ ‫تمتلك البلدان النّامية مجاال زراعيّا شاسعا يمثّل أكثر من ‪ ‬املساحة ّ‬
‫املتوسطي‪ .‬وتتمتّع هذه املناطق بطاقات فالحيّة هامّ ة بفضل التنوّع‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬ظرف طبيعيّة غري متكافئة حيث تنتمي أغلب البلدان النّامية إىل النّطاق البيمداري وأطرافه مثل النّطاق‬
‫طبيعي يُعاني من معوقات للنّشاط الفالحي مثل‬ ‫لكن هذا الوسط ال ّ‬
‫الرطبة‪ّ .‬‬ ‫السهول وخصوبة األرايض (الطميية والربكانية)‪ ،‬ووفرة الوارد املائية يف املناطق ّ‬ ‫ا ُملناخي وامتداد ّ‬
‫والرفع من قدرته اإلنتاجيّة؛ فقد أدّى‬
‫ّ‬ ‫راعي‬ ‫ّ‬
‫الز‬ ‫املجال‬ ‫توسيع‬ ‫ت‬ ‫محاوال‬ ‫ورغم‬ ‫رة‪.‬‬ ‫املدمّ‬ ‫بيعية‬ ‫ّ‬
‫ط‬ ‫ال‬ ‫ارث‬‫و‬ ‫الك‬ ‫عن‬ ‫فضال‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫الت‬ ‫بعض‬ ‫وفقر‬ ‫اإلستوائية‪،‬‬ ‫املناطق‬ ‫يف‬ ‫الرطوبة املفرطة‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫الرديئة يف تملح ‪ 10‬ماليني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االستغالل العشوائي لألرايض إىل تدهور الوسط الطبيعي‪ ،‬حيث تهدّد التعرية ‪ 544‬مليون هكتار من أرايض البلدان النامية‪ ،‬وتسبّبت أنظمة الريّ ّ‬
‫طبيعيّة ‪ 16,1‬مليون هكتار سنويّا من مساحتها بسبب عمليات االجتثاث (اقتالع‬ ‫هكتار من األرايض سنويّا‪ ،‬بينما يزحف التّصحّ ر عىل ‪ 21‬مليون هكتار سنويّا‪ ،‬وتفقد الغابات ال ّ‬
‫األشجار) وتحويلها إىل مزارع حرجيّة (منتجة لألخشاب)‪.‬‬
‫الساحقة من الف ّالحني يف نسبة ضئيلة من املساحة‪.‬‬‫تترصف األغلبية ّ‬
‫ّ‬ ‫الكني واملستغلّني الفالحيني لقسم كبري من األرايض؛ فيما‬‫‪ ‬هياكل عقاريّة مختلّة تتمثّل يف احتكار أقليّة من امل ّ‬
‫التينية مثل املكسيك حيث يمتلك ‪ 10.000‬مزارع (يمثّلون ‪ %3,3‬من مجموع املستغلّني) ‪ 83‬مليون هكتار أي حوايل ‪ ‬األرايض القابلة‬ ‫وتصل ذروة هذا التّباين يف دول أمريكا ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزراعية وأكثر من ‪ ‬األرايض املروية (‪ )%69‬ويؤمّ نون حوايل ‪ ‬املنتوجات الغذائية املسوّقة (‪)%70‬؛ بينما يستغل أقل من ‪ ‬املزارعني (‪)%18‬‬ ‫لالستغالل (‪ )%43‬و‪ ‬املعدّات ّ‬
‫‪ %0,7‬فقط من األرايض ّ‬
‫الزراعيّة يف املكسيك‪.‬‬
‫وتنترش ظاهرة املُعدمني أو «الف ّالحني بدون أرض» حيث تبلغ نسبتهم ‪ %30‬يف أمريكا الالتينية والحوض الكراييبي و‪ %55‬يف الهند و‪ %39‬يف الربازيل و‪ %33‬يف املغرب األقىص‪.‬‬
‫وقامت عدّة دول مثل الجزائر ومرص وزمبيا والهند والبريو وكولومبيا بإصالحات زراعيّة بغرض مقاومة هذه التّباينات عرب توزيع األرايض املُنتزعة من امل ّ‬
‫الكني الكبار عىل‬
‫أن حصيلة هذه اإلصالحات كانت هزيلة‪.‬‬ ‫الف ّالحني املُعوزين وتأسيس تعاونيات (تعاضديات)‪ .‬إال ّ ّ‬
‫‪ ‬هيمنة االستغالل التّقليدي لألرض ومحدودية التّعصري حيث يعتمد االستغالل الفالحي لدى املجتمعات ال ّريفية التقليدية عىل استعمال وسائل وطرق بسيطة ومحليّة‬
‫كالسماد الحيواني والبور وقوى العمل البرشية والحيوانية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الكني مساحات شاسعة‪ .‬وقد تسبّب‬ ‫الساحقة من الف ّالحني أرايض صغرية الحجم؛ يف حني تحتكر أقليّة من كبار امل ّ‬‫الزراعية يف العالم النّامي بتفاوتها‪ ،‬حيث تمتلك األغلبية ّ‬
‫وتتميز امللكية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذا الوضع يف انتشار البطالة والفقر وتفاقم ظاهرة النزوح ال ّريفي ممّ ا دفع ببعض البلدان النامية إىل القيام بإصالحات زراعيّة أو «ثورات خرضاء»* تهدف إىل الح ّد من التباينات يف‬
‫السقوية وتقديم املساعدات املالية والفنيّة إىل صغار الف ّالحني‪.‬‬
‫السدود وتوسيع املساحات ّ‬
‫امللكية وإىل تعصري طرق ووسائل اإلنتاج الفالحي وبناء ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تحقق أهدافها كما هو الحال يف مرص التي تفاقم عجزها الغذائي؛ فإن البلدان التي طبّقت الثورة الخرضاء مثل الهند تمكنت من‬ ‫الزراعية محدودة ولم ّ‬ ‫ولنئ كانت نتائج اإلصالحات ّ‬
‫تحقيق أمنها الغذائي‪.‬‬

‫[‪ * ]8‬الثّورة الخرضاء‬


‫ظمة األمم املتحدة األغذية والزراعة )‪ (FAO‬عىل البلدان النّامية بني ‪ 1950‬و‪ 1970‬بهدف ال ّزيادة يف اإلنتاج الفالحي لتحقيق األمن الغذائي‪.‬‬ ‫هي جملة من اإلجراءات التي اقتحتها من ّ‬
‫وتقوم هذه الثّورة عىل اإلجراءات التالية‪:‬‬
‫(خاصة األر ّز) ذات املردود العايل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬استعمال أصناف من البذور‬
‫‪ ‬استخدام املبيدات واألدوية ملقاومة األمراض الفريوسية والحرشات‪.‬‬
‫‪ ‬توسيع املساحات السقوية‪.‬‬
‫‪ ‬تكثيف التألية (استعمال املعدّات اآللية)‬
‫وانطلقت هذه الثّورة يف املكسيك سنة ‪ 1951‬ث ّم تبعتها الفلبني سنة ‪ 1962‬وطبّقتها عدّة بلدان مثل ماليزيا وأندونيسيا والهند ‪...‬‬

‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫الثانية – جغرافيا احملور ‪ :2‬تنظيم اجملاالت الريفية – الدّرس ‪ :1‬وظائف اجملال الريفي‬
‫الصناعية والخدميّة للمجال الريفي وتحوّالتها يف العاملني املتقدم والنامي‬ ‫‪ )2‬الوظيفة ّ‬
‫الصناعية للمجال الريفي وتحوّالتها‬ ‫أ– الوظيفة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إىل جانب األنشطة الحرفيّة املتمركزة يف القرى منذ القِ َد ِم؛ ظهرت عدّة أنشطة تحويلية للمنتوجات الفالحيّة كمطاحن الحبوب‪ ،‬ومعارص الزيتون والخمور‪ ،‬ومصانع تحويل األخشاب والسكر‪،‬‬
‫الصناعية يف القرن الثّامن عرش امليالدي انترشت بالدّول املتقدّمة صناعات النّسيج والتّعدين والكيمياء عىل نطاق واسع‪ ،‬وذلك بسبب عدّة عوامل‪ ،‬من بينها‪:‬‬
‫والصوف‪ .‬ومع الثّورة ّ‬
‫ّ‬ ‫وغزل القطن‬
‫ّ‬
‫‪ ‬القرب من مصادر املواد األوّلية الفالحية واملنجمية والطاقية‬
‫والصناعات املرتبطة باألقطاب التّقانية (التكنولوجية) املتطوّ رة‬
‫ّ‬ ‫والصناعات الجوفضائية )‪(Aérospatiales‬‬ ‫ّ‬ ‫الصناعات إىل مساحات شاسعة مثل صناعة السيّارات‬ ‫‪ ‬حاجة بعض ّ‬
‫طاقة النووية ‪ )...‬عن مراكز االحتشاد الحرضي‪.‬‬ ‫طات إنتاج ال ّ‬ ‫الصناعات امللوّثة (مثل الصناعات الكيميائية ومح ّ‬ ‫‪ ‬رضورة إبعاد بعض ّ‬
‫للمؤسسات املنتصبة‪ ،‬فضال‬ ‫ّ‬ ‫التابيّة‪ ،‬عرب تقديم حوافز (تشجيعات)‬ ‫الصناعة يف بعض املناطق ال ّريفية‪ ،‬يف إطار مشاريع التّهيئة ّ‬‫الرامية إىل توطني ّ‬ ‫السياسة اإلراديّة لبعض الدّول ّ‬‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫عن انخفاض كلفة األرايض واألكرية‪.‬‬
‫تحرض األرياف وتنمية مواردها االقتصاديّة‪ ،‬ويف تغيري وظائفها والتكيبة املهنية‪-‬االجتماعية لس ّكانها‪ ،‬كما ساهمت يف الح ّد قوّة النّزوح ال ّريفي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وساهم إنتشار املنشآت ّ‬
‫الصناعية يف‬
‫طبيعي نتيجة التلوّ ث وزيادة املنافسة بني ّ‬
‫الصناعة والفالحة عىل اليد العاملة واملوارد املائية واألرايض‪.‬‬ ‫الصناعة يف األرياف‪ ،‬خ ّلف يف القابل‪ ،‬انعكاسات سلبية أهمّ ها تدهور املحيط ال ّ‬ ‫لكن انتشار ّ‬ ‫ّ‬
‫ب– الوظيفة الخدمية للمجال الريفي وتحوّالتها‬
‫يوفرها الجال ال ّريفي أكثر تنوّعا‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬ ‫أصبحت الخدمات التي ّ‬
‫‪ ‬الخدمات التّجارية كتجارة املواد الغذائية واملالبس واألثاث واألدوات الكتبية واملنزلية ومواد البناء‪ ،‬ومح ّالت بيع املعدّات الفالحية البسيطة واملدخالت اإلنتاجية (مثل األسمدة‬
‫واألدوية والبذور والوقود)‪ .‬وتُساهم األسواق األسبوعية يف تزويد الفالحني والعئالت الريفية بحاجياتهم من جهة‪ ،‬ويف ترويج منتوجهم الفالحي من جهة أخرى‪.‬‬
‫وتتمركز عىل أطراف املدن الكربى باألقطار املتقدّمة وببعض البلدان النامية (عىل غرار تونس) مساحات تجارية كربى ومح ّالت بيع بالجملة بسبب انخفاض كلفة االنتصاب وانسياب‬
‫حركة املرور إليها مقارنة بوسط املدن‪.‬‬
‫ّ‬
‫الصيانة املنزلية ‪ ،)...‬والبعض اآلخر موجّ ه للنشاط الفالحي‬ ‫‪ ‬الخمات غري التّجارية‪ :‬بعضها ُموجّ ه للعائالت ال ّريفية (مثل الخدات التعليمية والصحيّة والبؤريد والنقل وخدمات ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والسياحيّة‬ ‫طات االستشفائية‬ ‫والراقية مثل املح ّ‬ ‫ّ‬
‫املختصة ّ‬ ‫(مثل اإلرشاد وإصالح املعدّات ونقل املنتوجات والخدمات املالية ‪ .)...‬كما أصبحت األرياف موطنا لبعض الخدمات‬
‫والتفيهية‪ ،‬فضال عن املُر ّكبات الجامعيّة واألقطاب التّقانية واملطارات واملنشآت ال ّرياضية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬ظهرت مر ّكبات فالحية‪-‬صناعيّة [امللحق ‪ ]2‬نتيجة اندماج الضيعات الفالحية العرصية مع صناعة التجهيزات الفالحيّة والصناعات الغذائية وكذلك خدمات البحث العلمي الفالحي‬
‫والنّقل والتّسويق والبنوك والتأمينات واإلشهار ‪...‬‬
‫ّ‬
‫لكن هذه التحوّالت غري متكافئة مجاليّا‪ :‬فهي من ِسمَ ات أرياف البلدان املتقدّمة واملناطق القريبة من املدن الكربى يف بعض األقطار النامية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ )3‬الوظيفة االجتماعية للمجال الريفي وتحوّالتها يف العاملني املتقدم والنامي‬
‫السكنيّة للمجال ال ّريفي وتحوّالتها‬ ‫أ– الوظيفة ّ‬
‫الضاحويّة ممّ ا خلق حركة‬ ‫ظاهرة ّ‬ ‫خاصة يف أرياف العالم املتقدّم املُجاورة للمدن الكربى‪ ،‬وذلك بانتشار االقامات الثّانويّة ألهايل املدن‪ ،‬وبروز ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدعّ مت الوظيفة ّ‬
‫السكنيّة للمجال ال ّريفي‪،‬‬
‫السكن وتوطني العديد من املنشآت ّ‬
‫الصناعية‬ ‫هجريّة يومية بني ال ّريف حيث مكان اإلقامة واملدينة حيث مق ّر العمل‪ .‬وقد ساعد يف ذلك انشار وسائل النذقل العرصي وانخفاض كلفة ّ‬
‫والخدمية يف األرياف‪ ،‬فضال عن انخفاض معدّالت التلوّ ث مقارنة باملدن‪.‬‬
‫وتض ّم األرياف صنفني من ّ‬
‫السكن‪:‬‬
‫الضيعات الفالحيّة‪.‬‬ ‫‪ ‬سكن ريفي ُمشتّت داخل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ريفي مُجمّ ع يف شكل خطي أو مُتكتل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬سكن‬
‫لكن تدعّ م الوظيفة اإليوائية لألرياف لم يَحُ ْل دون بروز ظاهرة إخالء األرياف منذ القرن التّاسع عرش يف البلدان املتقدّمة‪ ،‬وعقب استقالل الدّول النّامية (منذ ستينات القرن املايض خ ّ‬
‫اصة)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فقد تق ّلصت نسبة الس ّكان ال ّريفيني إىل مجموع الس ّكان من الـ ‪ )%66,2( ‬سنة ‪ 1960‬إىل أق ّل من الـ ‪ )%43,8( ‬سنة ‪ %48,3[ 2020‬بالدول النّامية] وإىل الـ ‪ ‬بالدّول املتقدّمة‬
‫وتهرم الس ّكان ال ّريفيني وما رافقه من فتور (بطء) يف النم ّو الدّيمغرايف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )%20,9‬سنة ‪ ،2020‬وذلك بسبب حركة النّزوح ال ّريفي‬
‫ب– تحوّالت وظيفة التّشغيل باملجال ال ّريفي‬
‫لكن هذا التاجع حصل بشكل متفاوت بني البلدان النامية والبلدان املتقدّمة‪.‬‬ ‫شهدت الجاالت ال ّريفية تراجعا يف نسب النّشيطني بالفالحة من الـ ‪ ‬إىل ‪ ‬بني ‪ 1950‬و‪ّ .2020‬‬
‫الصناعة والخدمات‪ .‬ولكن رغم هذا التحوّل ال تزال ظاهرة النّزوح‬ ‫التاجع تحوّ ٌل يف التذركيبة املهنية لس ّكان األرياف بتنامي نسبة النّشيطني يف الوظائف غري الفالحية مثل ّ‬ ‫ويرافق هذا ّ‬
‫مؤّش االنجاب وانتشار البطالة والفقر بأرياف العالم النامي‪.‬‬ ‫ال ّريفي متواصلة يف بلدان العالم النامي بالخصوص نتيجة ارتفاع ّ‬

‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫الثانية – جغرافيا احملور ‪ :2‬تنظيم اجملاالت الريفية – الدّرس ‪ :1‬وظائف اجملال الريفي‬

‫‪4‬‬

You might also like