You are on page 1of 6

‫الحلقة األولى من تدبرسورة ال عمران‬

‫لقد انزل هللا القرآن الكريم ليتدبره الناس ويفهمونه‪ ,‬وبالفهم الصحيح‬
‫الحكامه وتشريعاته ومواعظه‪ ,‬يستقيم العمل به وتطبيق ما فيه فتنتظم‬
‫للمسلم كافة مناحي حياته‪ ,‬فيسعد في الدنيا وفي االخرة ‪...‬‬

‫الحمد هلل رب العاملين‪ ,‬والصالة والسالم على سيد املرسلين وعلى اله‬
‫وصحبه اجمعين اما بعد‪:‬‬
‫قدم وفد من نصارى نجران الى النبي عليه الصالة والسالم وكان مؤلفا من‬
‫ستين رجال من اشر افهم بينهم العاقب وهواميرهم‪ ,‬والسيد االيهم وهوقائد‬
‫رحلتهم‪ ,‬وقد قدموا بعد ان تلقوا خطابا من رسول هللا صلى هللا عليه واله‬
‫وسلم‪ ,‬يدعوهم فيه الى االسالم او الجزية او الحرب‪ ,‬فلما وصل الوفد الى‬
‫املدينة دعاهم النبي عليه الصالة والسالم الى االسالم وتال عليهم القرآن‬
‫فامتنعوا النه لم يكن من هم الوفد وال من نيته ان يسلم او ان يفكر في‬
‫االسالم و انما اتى ليناظر ويجادل وقالوا كنا مسلمين قبلكم وهذه الجملة‬
‫صحيحة لوكان النصارى فعال متبعين لكتبهم االصلية دون تبديل وتحريف‬
‫وفي كتبهم البشارة برسولنا الكريم عليه الصالة والسالم وبيان عالمات‬
‫نبوته ‪ ,‬لذلك انكر النبي الصالة والسالم مقولتهم هذه وذكر لهم انهم‬
‫يحرفون دينهم وهذا التحريف يتنافى مع االسالم الن االسالم معناه ان يسلم‬
‫االنسان نفسه تماما هلل تعالى وينقاد بتشريعاته وقوانينه وال يلتفت‬
‫الهوائه الشخصية او مصلحته الخاصة‪ ,‬فقال لهم النبي عليه الصالة‬
‫والسالم يمنعكم من االسالم الثالث عبادتكم الصليب واكلكم لحم الخنزير‬
‫وزعمكم ان هلل ولدا فأخذوا يجادلون النبي عليه الصالة والسالم ويلقون‬
‫بالشبهات والنبي عليه الصالة والسالم يرد عليهم بما يوحى اليه فلما كثر‬
‫جدالهم دعاهم النبي عليه الصالة والسالم الى املباهلة بان يبتهل كل طرف‬
‫الى هللا عزوجل ان يجعل هللا لعنته على الطرف الكاذب فخافوا و ابوا فانزل‬
‫هللا تعالى صدر سورة ال عمران الى بضع وثمانين اية ردا عليهم ثم انتقلت‬
‫سورة ال عمران في شقها االخر الى الحديث عن انواع اخرى من التحديات‬
‫التي واجهتها االمة املسلمة بعد استقرارها في موطنها الجديد باملدينة‬
‫املنورة‪ ,‬وتلك التحديات مثلت قطاعا حيا من حياتها في املدينة‪ ,‬من بعد‬
‫غزوة بدرالى ما بعد غزوة احد‬
‫في غزوة بدر خاض املسلمون معركة حاسمة ضد عدوهم االول مشركو‬
‫قريش‪ ,‬وكان هذا النصر املؤزر للمسلمين بظروفه ومالبساته يعد انجازا‬
‫عظيما اقرب الى املعجزة من ثم اضطر رجل كعبد هللا ابن ابي ابن سنون‬
‫ان يتنازل عن كبريائه وكراهيته لالسالم لينظم منافقا لالمة املسلمة‪ ,‬وقال‬
‫قولته الشهيرة هذا امر قد توجه اي ظهرت له وجهة هو ماض فيها ال يرده‬
‫عنها احد‪ ,‬وهكذا بدأت بذرة النفاق في املدينة‪ ,‬قوم تظاهروا باالسالم لكنهم‬
‫كتموا الحقد والعداء لالسالم واملسلمين‪ ,‬وسعوا بخبث الى خلخلة الصف‬
‫االسالمي من الداخل وقد وجد هؤالء املنافقون حلفاء طبيعيين لهم في‬
‫املدينة وهم اليهود الذين ماتو كمدا النتصار املسلمين في غزوة بدر‬
‫و انطلقوا محاولين إللقاء الحيرة في قلوب املسلمين بنشر الشبهات‬
‫والشكوك في عقيدتهم‬
‫فهذا من جانب ‪,‬من جانب اخر لو نظرنا الى مكة املكرمة لوجدنا ان‬
‫املشركين هناك غاضبون فهزيمتهم في بدر منح نقاط قوة ملعسكر املدينة‬
‫والذي سيشكل خطرا على تجارة قريش ومكانتهم بل وعلى وجودهم‪.‬‬
‫ولذلك بدأوا يتأهبون لدفع هذا الخطر املاحق فكانت غزوة احد‪ ,‬هكذا‬
‫وجدت االمة املسلمة الوليدة نفسها محاطة باالعداء‪ ,‬فمشركوا مكة‬
‫يحاربونها بالسالح وشنوا عليها حربا عسكريا‪ ,‬واهل الكتاب يحاربونها‬
‫باللسان‪ ,‬وشنوا عليها حربا فكرية عقائديا واملنافقون يحاربونها من‬
‫الداخل وشنوا عليها حربا نفسية‬
‫في ظل كل هذه االجواء املشحونة نزلت سورة ال عمران‪ ,‬سورة ال عمران‬
‫سورة مدنية وعدد اياتها مئتان ‪.‬‬
‫نحن على موعد مع سورة زهراء سردها عظيم وفضلها جسيم قال النبي‬
‫عليه الصالة والسالم "اقرأوا القرآن فانه يأتي يوم القيامة شفيعا‬
‫الصحابه اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة ال عمران فانهما تأتيان يوم‬
‫القيامة كانهما غمامتان او كانهما غيايت او كأنهما فرقان من طير صواف‬
‫تحاجان عن اصحابهما "في الحديث يحث النبي عليه الصالة والسالم على‬
‫قراءة القرآن‪ ,‬وباالخص سورة البقرة وسورة ال عمران وسماهما‬
‫بالزهراوين اي السورتين املنيرتين ملا فيهما من احكام ومواعظ وملا فيهما من‬
‫شفاء الصدور وتنو ير القلوب وتكسير االجور الصحابهم وهما تأتيان يوم‬
‫القيامة في صورة سحابتين او غيايتين والغياية كل ما اظل االنسان فوق‬
‫رأسه او في صورة جماعتين طيور الباسطة اجنحتها متصل بعضها ببعض‬
‫كل ذلك ليقي قارئهما من حراملوقف‪ ,‬ومن كرب يوم القيامة‪ ,‬تجادالن عنه‬
‫بالشفاعة‪ ,‬اوعند السؤال اذا لم ينطق اللسان واطبقت الشفتان وضاعت‬
‫الحجج‪ ,‬سورة ال عمران يستطيع قارئها ان يستبين املحاور واملوضوعات‬
‫التي تناولتها السورة‪:‬‬
‫املحور االبرز من محاور سورة ال عمران كان توحيد هللا سبحانه‬ ‫❖‬

‫وتعالى وعرض االدلة والبراهين على وحدانيته سبحانه وتعالى و ابرازه‬


‫مظاهرقدرته ورحمته ووجوب افراده بالعبادة‪,‬‬
‫واملحور الثاني هو تحديد مفهوم الدين‪ ,‬الذي ارتباه هللا سبحانه‬ ‫❖‬

‫وتعالى لعباده وهو االسالم‪ ,‬االسالم هو االستسالم املطلق والكلي هلل‬


‫سبحانه وتعالى‪ ,‬وتحقيق هذا املنهج في جميع شؤون الحياة فاالسالم‬
‫عقيدة وشريعة وجسد وروح وقول وعمل وعبادة ومعاملة واخالق‬
‫وسلوك‪ ,‬هذا هو اإلسالم كما يريده هللا‪ ,‬وهذا هو الدين الذي دعا‬
‫اليه كل االنبياء السابقين‪ ,‬وال عبرة باالديان املحرفة‪ ,‬وان ادعى كهنتها‬
‫انه دين هللا‪.‬‬
‫نأتي الى املحور الثالث من محاور سورة ال عمران‪:,‬وهو مناظرة اهل‬ ‫❖‬

‫الكتاب‪ ,‬والرد على الشبهات التي اثاروها‪ ,‬من شبهات ماكرة‪ ,‬لخلخلة‬
‫عقيدة املسلمين‪ ,‬كما ذكرت السورة بعض قبائح اهل الكتاب‬
‫واوصافهم ومسالبهم‪ ,‬واملسالك الخبيثة التي سلكوها في حربهم على‬
‫الدعوة االسالمية‬
‫اما املحور الرابع من محاور سورة ال عمران فهو فضح املنافقين‬ ‫❖‬

‫‪,‬وهم قوم انضموا الى املجتمع املسلم باجساد بينما صدورهم كانت‬
‫مليئة بالحقد والعداء للمسلمين‪ ,‬يتربصون بهم الدو ائر ويتحينون‬
‫الفرص لضرب الصف املسلم‪ ,‬يحاربون املسلمين بالدس‬
‫والتشكيك وبث الشبهات وتدبير املناور فجاءت سورة ال عمران‬
‫لتكشف اهدافهم وتفضح اساليبهم في الحروب النفسية ‪,‬كما تجلى‬
‫ذلك في احداث غزوة احد ومن خالل هذه النقطة نصل الى‪:‬‬
‫املحور الخامس املحور الخامس واالبرز من محاور سورة ال عمران‬ ‫❖‬

‫وهو دروس وعبر من غزوة احد ان هزيمة املسلمين في غزوة احد‬


‫هزيمة عامرة لن تكسر املسلمين بل زادتهم قوة وثباتا انها هزيمة‬
‫جولة ال هزيمة معركة‪ ,‬ولذا كان ال بد من تلك الهزيمة لعل انتصار‬
‫املسلمين في غزوة بدر اوقع في نفوسهم ان الوضع الطبيعي لهم هو‬
‫النصردوما لكونهم موحدين بينما عدوهم من الكافرين ‪,‬غيران سنة‬
‫هللا تعالى في النصر والهزيمة ليست بهذه الدرجة من السطحية‪,‬‬
‫فالسنة االلهية لها مقتضياتها في‬
‫تكوين النفوس‬ ‫•‬

‫وتنظيم الصفوف‬ ‫•‬

‫واعداد العدة‬ ‫•‬

‫و اتباع املنهج‬ ‫•‬

‫والتزام الطاعة‬ ‫•‬

‫وسلوك النظام‪,‬‬ ‫•‬

‫وهذا ما اراد هللا تعالى ان يعلمهم اياه بالهزيمة في غزوة احد‪ ,‬على‬
‫النحو الذي تعرضه سورة ال عمران ع رضا حيا مؤثرا عميقا‪,‬‬
‫وتوجه في ظله ابلغ الدروس والعظات‬
‫وكان ختام سورة ال عمران بايات التفكر والتدبر فيملكوت‬ ‫❖‬

‫السماوات واالرض وما فيهما من اتقان و ابداع وعجائب واسرارتدل‬


‫على وجود الخالق الحكيم سبحانه‪ ,‬وفي هذه الحلقات من برنامج‬
‫خالصة التفسير سنواصل املسير‪ ,‬بتقديم تفسير هذه السورة‬
‫العظيمة تفسيرا موجزا يشمل بيان املعنى وسبب النزول وبعض‬
‫التدبرات والوقفات التربوية‬

‫و انصحك اخي املشاهد ان تجلب معك مصحفا و تتابع هذه‬


‫الحلقات من خالل النظرفي االيات‪ ,‬لتزيد منفعتك ان شاء هللا‬
‫نلقاكم في الحلقة القادمة باذن هللا تعالى‬

You might also like