Professional Documents
Culture Documents
أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
تاريخ نشر المقال6402/40/40 : تاريخ استقبال المقال 6402/03/40 :تاريخ قبول نشر المقال6402/40/04 :
ملخص:
يهدف هذا البحث الى تقصي خصائص الظاهرة التعليمية الفرنسية في الجزائر بوصفها نموذجا تعليميا جاء
ليعكس فلسفة خاصة جدا والوقوف على األهداف الحقيقية لهذه الظاهرة التي أقامتها إدارة االحتالل الفرنسي
في الجزائر وعالقتها مع األهداف العامة للسياسة الفرنسية مع محاولة إعطاء نوع من التفسير السوسيولوجي
لهذه الظاهرة.
الكلمات المفتاحية :السياسة التعليمية ،السياسة التعليمية الفرنسية ،األهداف ،الخصائص.
So as to know its real objectives which were applied by the French policy in
Algeria, as well as, its relation with the aims of the French policy which tried to
give a kind of sociological interpretation of this phenomenon.
Keywords: The Educational Policy, Educational policy and AFP The objectives,
.the characteristics
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
128
د .سميـــــر أبيش أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
مقـــدمــة:
تمثّل السياسة التعليمية التي أقامتها إدارة االحتالل الفرنسي في الجزائر أبرز مالمح السياسة الفرنسية
العامة والوجه اآلخر الذي يعكس فلسفة االستعمار الفرنسي في إخضاع الشعوب والقضاء على مقوماتها
وكياناتها االجتماعية وذلك بما تعكسه هذه السياسة التعليمية من خصائص ومميزات جعلت منها نموذجا
تعليميا فريدا قد ال يتكرر داخل أي مجتمع آخر ،هذا فضال عن جملة األهداف الحقيقية التي كانت إدارة
االحتالل الفرنسي تسعي للوصول إليها من وراء هذه السياسة ،فما هي أبرز خصائص هذه السياسة
التعليمية؟ وما هي أهدافها الحقيقية التي كانت تسعي إلى تحقيقها؟
-0تعريف السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر:
هي تلك اإلجراءات والتدابير المنتهجة من طرف اإلدارة الفرنسية في مجال تعليم أفراد المجتمع الجزائري
أو ما كانت تسميهم باألهالي وذلك في ما يتعلق بنوع التعليم المقدم لألهالي والمؤسسات المسئولة عن تقديم
هذا التعليم وبرامج ومناهج التعليم واألهداف المستهدفة.
والسياسة التعليمية الفرنسية هي جزء من السياسة العامة التي كانت تنتهجها اإلدارة الفرنسية بهدف
السيطرة على أفراد المجتمع الجزائري والوصول بهم إلى االندماج الفعلي والتام في الثقافة والمجتمع الفرنسي.
يؤديه النظام التربوي والتعليمي
ولقد كانت هذه السياسة نتيجة إلدراك خبراء االحتالل الفرنسي للدور الذي ّ
داخل أبنية المجتمع ،وإليمانهم بأن المدرسة أو النظام التعليمي هو الحقل األنسب واألجدر على صياغة و
نمدجة المجتمع بالشكل الذي يريدونه بوصفه أبرز مؤسسات التنشئة االجتماعية في صناعة الوعي والسيطرة
علي العقول ،ولقد ّبين الزعيم األلماني باسمارك ( بأنه من يسيطر على المدرسة يسيطر على المجتمع )
أما أحد الساسة األمريكان فقد أخبر بأن أول دفاعات أمريكا هي مناهجها التربوية.
وّ
وقد قامت إدارة االحتالل بتنفيذ سياسة تعليمية تتميز بخصائص معينة وترمي إلى تحقيق أهداف محددة
عبر عنها
تعكس فلسفة االستعمار الفرنسي في احتالل واخضاع المجتمعات اإلنسانية وهي الفلسفة التي ّ
أحد المفكرين بقوله :بأن االستعمار الفرنسي هو االستعمار الذي ال يكتفي باالستغالل وامتصاص العرق
والدم ،ولكنه يعمل على ابتالع شخصية الشعوب التي احتلها ،يبتلع ثقافتها ،تاريخها ،لغتها ،كيانها،
1
وذاتيتها.
-6خصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر:
تتميز السياسة التعليمية التي انتهجتها إدارة االحتالل الفرنسي في الجزائر بجملة من الخصائص
التي تجعل منها نموذجا تعليميا فريدا جدا في سياسات السيطرة على الشعوب والمجتمعات اإلنسانية ،ومن
جملة هذه الخصائص يمكن ذكر ما يلي :
أن السياسة
التّلميذ األوروبيين والتاّلميذ الجزائريين :حيث ّ
-0سياسة قائمة على التمييز الواضح بين ا
التعليمية التي أقامتها إدارة االحتالل الفرنسي في الجزائر كانت تقوم على التمييز القاطع بين طالب العلم
الفرنسيين والجزائريين ،ففي الوقت الذي كانت فيه مدارس األوروبيين تَ ُع ُّد طالبها وفق مسائل تعليمية متطورة
ومتنوعة بهدف تأهيلهم لتحصيل االختصاص العلمي ،كانت المدارس التي أنشأتها فرنسا خصيصا
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
129
د .سميـــــر أبيش أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
للجزائريين أشبه بمدارس محو األمية ،إذ لم تعمل سوى على إعداد الجزائريين للقيام بوظيفة هامشية سواء
2
في اإلدارة أو في المصانع ومزارع المستوطنين.
كما أنه في الوقت الذي كانت فيه مدارس األوروبيين تُبنى علي ما يوافق النظريات البيداغوجية وتجهّز
وينتقي لها أمهر األساتذة من فرنسا ويقدم لتالميذها مختلف
بمختلف الوسائل التقنية المساعدة على التعليم ُ
الخدمات االجتماعية كانت المدارس التي يرتادها أبناء الجزائريين عبارة عن مدارس أكواخ تفتقر إلى أبسط
الصحية ويدرس فيها معلمون أطلق عليهم اسم " ممرن " وهم في الحقيقة
ّ الوسائل التعليمية وشروط النظافة
أوتي بهم لتدريس األهالي.
عبارة عن جنود َ
أن السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر لم تكن تابعة
-6الطابع االستعماري للسياسة التعليمية :أي ّ
للسياسة التعليمية العامة في فرنسا بقدر ما كانت جزءا من سياستها االستعمارية ،واذا أردنا أن نلمس هذه
الخاصية فما علينا إالّ أن نلقي نظرة على تجربة المدارس اإلسالمية الثالث التي أقامتها في الجزائر
بوصفها العنوان األبرز للسياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر وذلك لطابعها الرسمي والتنظيمي إذا ما
قورنت بغيرها من التجارب ،فبالرغم من أن المراسيم والقرارات التي جاءت بهذه التجربة قد ّبينت أنها قامت
من أجل وضع حد للفوضى التي يتخبط فيها التعليم وللقيام بتوفير بعض الوظائف التي كانت تحتاجها
اإلدارة الفرنسية في تعاملها مع أفراد المجتمع الجزائري ،وهو ما يعني وجوب دخولها تحت مسؤولية سلطة
أن بنود المرسوم الذي أُنشأت من
مدنية وهي السلطة المسؤولة على مسائل التعليم وقضايا التربية ،إالّ ّ
خالله هذه المدارس قد أبرز بمجال ال يدعوا للشك البعد االستعماري لهذه المدارس من خالل دخولها تحت
سلطة وزير الحربية وليس وزير التعليم ،حيث أوضح المرسوم الرئاسي الموقع في 23سبتمبر 5511الذي
أنشأت بموجبه تجربة المدارس اإلسالمية تحت مادته الثانية أن الحاكم العام في الجزائر ملزم بتقديم تقرير
أن
لوزير الحربية وليس إلى وزير التعليم عن سير هذه المدارس وأما المادة السادسة من المرسوم فقد ّبينت ّ
يعينون من طرف وزير الحربية باقتراح من الحاكم العام أما وقّاف المدرسة مديرو وأساتذة المدارس العليا ّ
أن المدارس العليا توضع تحت رقابةيعين من طرف الجنرال قائد المنطقة ،وأما المادة الثامنة فقد ّبينت ّ
فإنه ّ
الضباط العاملون قادة المقاطعات وتمارس هذه الرقابة بواسطة المكاتب العربية ،كما بينت المادة التاسعة من
المرسوم أن المدارس تخضع لعملية تفتيش كل سنة من طرف أحد الضباط الفرنسيين الملحقين بالشؤون
العربية ،وبينت المادة العاشرة بأن المصارف الناتجة عن إنشاء هذه المدارس تتكفل بها ميزانية الحربية
ليدعم هذا
وحسب المادة الحادية عشر يتكفل وزير الحربية بتنفيذ المشروع ،وجاء قرار 51فيفريّ 5591
أن المدارس اإلسالمية للتعليم العالي تمارس تحت سلطة
البعد من خالل تأكيده في مادته األولى على ّ
الحاكم العام بواسطة قادة المقاطعات العسكرية من أجل المراقبة السياسية واإلدارية.
-3االنتقائية واالصطفاء االجتماعي :وقد كانت هذه الخاصية تدخل في معظم تفاصيل السياسية التعليمية
الفرنسية وتأخذ األشكال التالية:
-االنتقائية في االنتساب إلى مدارس التعليم الفرنسي :حيث لم تكن اإلدارة الفرنسية تسمح بقبول جميع
أفراد المجتمع الجزائري داخل مدارسها واّنما فقط ألولئك الذين أظهروا نوايا حسنة نحو االحتالل الفرنسي
وألولئك الذين كانوا يقومون بحماية المصالح الفرنسية في الجزائر (،ولقد صدر مرسوم إمبراطوري في 51
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
130
د .سميـــــر أبيش أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
تأسس بموجبه أول معهد عربي فرنسي ،وكان المعهد مخصصا في بدايته لمائة وخمسين مارس ّ 5119
طالبا ممنوحا من أبناء الضباط الفرنسيين والموظفين والرؤساء الجزائريين الذين خدموا ويخدمون القضية
الفرنسية وأبناء الجنود الذين ماتوا أو جرحوا في ميادين الحرب خدمة لفرنسا) ، 3ولم تسمح السلطات
الفرنسية بتقديم تعليم قد يكون مقبوال لباقي فئات المجتمع الجزائري إالّ بعد محاصرتها من طرف التّعليم
العربي الحر وكذلك بعد إدراكها لضرورة وجود جهاز إداري ينقل رسائلها ألفراد المجتمع الجزائري.
تقدم تعليما مربوطا
-االنتقائية في سياسة التوجيه المدرسي :لقد كانت السياسة االستعمارية في البداية ّ
بمطالب السوق التي يسيطر عليها الكولون وبعد تشبع هذه السوق ونمو الوعي لدى الفرد الجزائري الذي
أصبح ينافس من أجل تكوين رأسمال خاص به ومصدر رزق قار بعيدا عن تأثير ضغوط الكولون معتمدا
توجه التالميذ
في ذلك على الفرص التي يمكن أن يمنحه ّإياها نظام التعليم أصبحت السياسة التعليمية ّ
أن المدرسة تضم عدد من األقسام يناسب عدد
الجزائريين إلى دراسة شهادات ال تتطابق مع سوق العمل( إذ ّ
يوجه فيها إلى قسم صناعة الخشب علي وجه
الصناعات الموجودة غالبا في الوطن ،ولكن الطالب الجزائري ّ
يوجه الطالب األوروبي
الخصوص أي إلى صناعة غير مربحة ألن السوق مكتظ بمن يشتغل فيها ،بينما ّ
إلى الصناعات الميكانيكية التي لها رواج ) ،4وهو توجيه ليس من محض الصدف بل من أثر التّوجيه العام
للتعليم األهلي ،ألن هذا التعليم ليس موجها في مبدئه لتكوين أطر فنية في الوطن أو إنشاء قيادة صناعية
فيه.
-3أهداف السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر:
ال يختلف اثنان عن أهمية المدرسة بوصفها أهم مؤسسة اجتماعية يتم توظيفها من طرف اإلدارة أو
السلطة الحاكمة من أجل ترسيخ نموذجها داخل المجتمع ومن أجل قولبة هذا المجتمع على الشكل الذي
تريد وبالكيفية التي تريد.
ولقد سبق أن ّبينا أن السياسية التعليمية الفرنسية في الجزائر هي جزء من السياسة العامة التي
انتهجتها إدارة االحتالل الفرنسي من أجل إخضاع المجتمع الجزائري ولذلك كان لزاما أن تكون أهداف هذه
السياسة موصولة مباشرة بأهداف السياسة العامة وفي خدمتها.
النظام التعليمي أهم أدوات تحقيق مشروعها وسياستها
أن اإلدارة الفرنسية قد جعلت من ّ
ويمكن القول ّ
االستعمارية ،حيث ّأنه بعدما قامت باستعمار األرض وتهيئة الطريق جاء الدور على المدرسة للعمل من
أجل استعمار اإلنسان ونقله من نموذج ثقافي معين إلى نموذج ثقافي يختلف عنه تماما ولذلك كانت أهداف
هذا المدرسة مند البداية لخدمة هذا المشروع ،ولعلّه أفضل من يتكلم عن هذه األهداف هو المسؤول عن
التعليم سنة 5531في تصريح له بقوله :بأنه ( ليس من الكرم والجود في شيء أن ترغب الجامعة في نشر
العلم في القبائل بل دعونا نقولها كلمة صريحة ونطلقها داوية ،إن ذلك في صالح فرنسا وحدها وهو ما
نضعه دوما نصب أعيننا وقد أضفن إلى تعليمنا طابعا خاصا ،كما ساعد مدرسينا على اتباع طريقهم
ووسائلهم الخاصة ،كما أضفن في الوقت نفسه على برامجنا طابعها الراهن وأنه لمن األهمية بالمكان أن
نبث في أدهان األهالي فكرة رفيعة ونقية عن وطننا وذالك بتلقين تلميذنا دروسا عن عظمة فرنسا[ ]...إن
المدرسة األهلية في شكلها الراهن وبعملها المزدوج ،ليست أداة تجديد فحسب بل هي على وجه الخصوص
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
131
د .سميـــــر أبيش أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
أداة سلطة وسلطان ووسيلة نفوذ وسطوة وستخلق من رعيانا عظوا مفيدا جدا وساعدا مخلصا لفرنسا) 5وهو
أن ّأول هدف للسياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر هو:
الذي يجعلنا نقول ّ
-)0إخضاع المجتمع الجزائري والسيطرة عليه :حيث جاء في تقرير ألحد المسؤولين الفرنسيين مؤ ّكدا على
ومما ِ
يؤ ّكد أيضا على هذا الهدف ّ
6
هذا الهدف بقوله :أن بناء مدرسة أفضل من فيلقين إلقرار األمن،
للسياسة التعليمية ذلك الطابع العسكري الذي كانت تأخذه وقد سبقت اإلشارة إليه في خصائص السياسة
التعليمية من خالل دخول السياسة التعليمية تحت سلطة وزير الحربية وليس وزير التعليم.
-)6الوصول بالمجتمع الجزائري إلى االندماج التام :وهو القصد األكبر والهدف األسمى من وراء هذه
صرح أحد القساوسة الفرنسيين الذين كانوا يقومون بتنفيذ هذه السياسة بأنه( ليس الهدف من
السياسة وقد ّ
فتح المدارس الفرنسية في شمال إفريقيا هو أن نكون عقوال مثل عقول " فولتير " أو " مونتيسكيو " أو جان
إن الهدف هو أن نبدل لغة بلغة ودينا بدين وعادات بعادات ) 7وكتب ''األستاذ أحمد توفيق جاك روسو " ّ
المدني'' على أن الحركة النشطة في بناء المدارس وفتح أبوابها أمام أبناء البالد ،لم يكن المقصد منها يومئذ
االستجابة لصوت األمة بل كان المقصد منها حسب اعتراف كبار الساسة واألساتذة هو تقريب الجزائريين
من فرنسا بواسطة تعليمهم لغة الدولة المحتلة وآدابها وعلومها حتى يسهل ابتالعها ويسهل إدماجهم.8
السوق الفرنسية :حيث ّأنه من بين أهداف السياسة التعليمية
-)3هدف اقتصادي تمثال في تلبية مطالب ا
السوق الفرنسية ولذلك
تلبي حاجيات الطلب من هذه اليد داخل ّ الفرنسية في الجزائر هو خلق يد عاملة ّ
المقدم لل ّشعب الجزائري بحاجيات تراكم رأس المال( والمقصود منه تكوين قوة
ّ ربطوا كمية وطبيعة التعليم
عاملة مؤهلة لألعمال الزراعية وعلى أبعد تقدير تشجيع التعليم التقني) 9وقد برز هذا الهدف بشكل واضح
توجهوا
خالل فترة الحرب العالمية عندما أفرغت المصانع والمناجم والورشات الصناعية من العمال الذين ّ
يخص العنصر البشري بكل
ّ سبب عج از كبي ار للنظام االقتصادي الفرنسي في ما
إلى ساحات القتال وهو ما ّ
أنواعه ،لم يجد القائمون على هذا النظام من حل إالّ في تأهيل أبناء مستعمراتها من وراء البحار الذين
ش ّكلت الجزائر أهم هذه المستعمرات.
-)0تقسيم المجتمع الجزائري :وللوصول إلى هذا الهدف أعطت السياسة التعليمية الفرنسية األفضلية منه
ظم لمنطقة القبائل بقصد تقسيم الس ّكان الجزائريين ،10كما كانت هذه السياسة تعطى بعض
5153بشكل من ّ
الفرص التعليمية لفئة معينة فقط من أفراد المجتمع الجزائري في حين يتم ترك البقية من أفراد الشعب
الجزائري دون أي تعليم وذلك( لتصنع الفارق بين جنس متعلم وجنس أرغموه على األمية والجهل والفقر
11
ليقيموا بعد ذلك حدودا بين النموذجين نموذج المتعلمين ونموذج غير المتعلمين ).
-)0فرنسة المجتمع الجزائري :وقد أشرنا سابقا إلى أن السياسة العامة لالحتالل الفرنسي كانت سياسة
مترابطة ومتداخلة يخدم ويكمل كل فصل منها اآلخر ،فالتنصير للفرنسة وهما لإلدماج وهكذا ،وقد عبر
وزير التربية والتعليم ''دوكورسيل'' عن هذا الترابط بقوله (:ال يمكن للجزائر أن تكون فرنسية إال إذا كانت
مسيحية ) ،12ولقد استعملت إدارة االحتالل الفرنسي المدرسة والنظام التعليمي كأداة من أجل فرنسة المجتمع
الجزائري وقطعه عن جذوره ،من خالل قصر التعليم على اللغة الفرنسية دون سواها خاصة في المراحل
االبتدائية إضافة إلى فرنسة محتوى وبرامج هذا التعليم ،ولقد ذكر أحد تالميذ هذه المدارس التي أقامتها إدارة
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
132
د .سميـــــر أبيش أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
االحتالل الفرنسي في قريته بقولهّ (:أنه مع األيام اكتشفنا أن البرامج المقررة علينا من طرف اإلدارة الفرنسية
ليست هبة خيرية وانما كانت ترمي إلى تحقيق هدفين أحدهما تحطيم اللغة البربرية والعربية وتعويضها
بالفرنسية وتربية جيل كامل منقطع عن أصوله الثقافية والحضارية) ،13ولقد جعلت اإلدارة الفرنسية التعليم
فرنس يا بحتا حيث ذكر المؤرخ األستاذ أحمد توفيق المدني الذي عاصر هذه السياسة التعليمية( أن التعليم
كان وال يزال فرنسيا بحتا ال عربيا وال جزائريا فاللغة الفرنسية فيه هي لغة الوطن وبالد فرنسا هي الوطن
وتاريخ فرنسا فيه هو تاريخ الوطن ).14
-)2الوقوف في وجه األيديولوجيا المناهضة لفرنسا :وقد كتب المؤرخ الفرنسي أجرون عن الهدف من
تأسيس المدارس الفرنسية نقال عن المتصرف اإلداري لجرجرة( بأن هدفنا الحقيقي هو مكافحة شيوخ الزوايا
الذين يملكون سالحين خطرين ينشران بهما الدعاية المعادية لفرنسا هما اللغة العربية والتعليم القرآني).15
أن اإلدارة الفرنسية قد
-)2تكوين نخبة من الوكّلء الذين ينوبون عنها داخل المجتمع الجزائري :حيث ّ
أن المواجهة المباشرة مع أفراد المجتمع الجزائري لم يعد بإمكانها ضمان تحقيق األهداف االستعمارية
أدركت ّ
فعمدت إلى تكوين نخبة من داخل أفراد المجتمع الجزائري تحمل عنها هذا الهم ،ولذلك كتب الدكتور أحمد
بأن الهدف الذي كان يرمي إليه االستعمار من التعليم الفرنسي ،هو تكوين نخبة مزيفة من
طالب اإلبراهيمي ّ
المثقفين ،مقطوعة عن الجماهير الشعبية ،بحيث يشعر أولئك المثقفون بأنهم غرباء بين ذويهم ،فتنقطع
ويتشبهون بأسيادهم ويصابون بما سماه غوتي ( البوفارية العقائدية )
ّ صلتهم بأبناء البالد ويتنكرون للتقاليد
وهو نوع من التبعية الفكرية إذ يحاولون دائما أن يحتذوا حذو النموذج األجنبي وأن يتقمصوا شخصية
16
األجنبي-.
ويمكن القول أن السياسة التعليمية الفرنسية مع كل ما سبق ذكره وكنوع من التحليل السوسيولوجي أنها
كانت تسعى من وراء سياستها التعليمية إلى خلق موقف صراعي مع قيم المجتمع أي خلق نوع من الثقافة
المضادة داخل المجتمع كما يسميها روبيرت ميرتون وهي الثقافة التي تكون سببا في إحداث التغيرات
االجتماعية والثقافية وجبر المجتمع على النظر في ما هو قائم.
الخــــاتمــــة:
أن أهم النتائج التي يمكن استخالصها من أهداف وخصائص السياسة التعليمية
وعليه يمكن القول ّ
الفرنسية في الجزائر هو:
أن طغيان األغراض االستعمارية على السياسة التعليمية جعلها تبتعد عن ميادين التربية والتعليم ونشرّ -
المعرفة داخل المجتمع.
أن هذه السياسة التعليمية بعد قرن من االحتالل الفرنسي للجزائر لم تستطع القيام سوى بتوفير ثالث
ّ -
تقدمه بعض
تقدم تعليما ال يختلف في محتواه عن التعليم الذي كانت ّ
ثانويات لجميع أفراد المجتمع الجزائري ّ
أن مقارنة هذا العدد الضحل من الثانويات االصطفائية مع الزوايا بشهادة المنتسبين إليها ،إضافة إلى ّ
األعداد الكبيرة من المؤسسات التي كانت تقدم نوعا من التعليم الثانوي عند دخول االحتالل الفرنسي بشهادة
الفرنسيين أنفسهم يجرنا إلى القول بأن هذه السياسة التعليمية كانت سياسة سلبية بكل المقاييس على
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
133
د .سميـــــر أبيش أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
المجتمع الجزائري بحيث انتقل هذه المجتمع من وضع تنتشر فيه سبل المعرفة إلى وضع أصبح التعليم فيه
هزات عنيفة داخل البناء الجزائري.
مقصو ار على فئة معينة دون سواها وهو ما أحدث ّ
أن تجربة المدارس العربية الفرنسية التي أقامتها إدارة االحتالل الفرنسي كانت تشهد نموا بطيئا جدا نتيجة
ّ -
للتجاذبات التي كانت تعترضها بين العسكريين الساعين إلى استغاللها وتوظيفها وبين الكولون الرافضين
لها.
أن هذه السياسة التعليمية قد قوبلت بالرفض أيضا من طرف أفراد المجتمع الجزائري حيث كانوا الّ -
يحسون بارتياح أمام هذه السياسة التعليمية وعندما شعروا بأن مشروع التعليم الفرنسي يستهدف تدمير
ّ
ثقافتهم وادماجهم في ثقافة المستعمر الفرنسي اعتزلوا المدارس الفرنسية وأقبلوا نحو المساجد بحثا عن
المعرفة العربية اإلسالمية ولذلك لم تستقبل المدارس الرسمية اإلسالمية التي أنشأت بقسنطينة والمدية
وتلمسان سنة 5113إالّ عددا ضئيال من أبناء الجزائر بينما شهدت المساجد والزوايا إقباال متعاظما رأى
17
ضد السياسية الفرنسية التعليمية.
ردة فعل ّ
فيه المستشرقون الفرنسيون ّ
-وهكذا بقيت السياسة الفرنسية متأرجحة وفي صراع بين رغبة الجزائريين في تعليم عربي إسالمي ،ورغبة
المعمرين الذين ال يرضون
السلطات الفرنسية المركزية في تقديم نوع من التعليم لهدف خدمة مصالحها ،و ّ
18
بغير جهل األهالي وفقرهم بديال حتّى يمكن البقاء عليهم تحت السيطرة ألطول مدة ممكنة.
-ولذلك لم يصل عدد المقبولين في المدارس اإلسالمية أحد أبرز معالم السياسة الفرنسية في الجزائر عاما
قبل ميالد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أي سنة 5523سوى إلى 513تلميذا حسب الباحث الفرنسي
أجرون ،وأما المؤرخ الجزائري المهدي البوعبدلي فذكر أنه لم يتخرج من هذه المدارس إلى غاية سنة
19
5113سوى 51تلميذا.
وا ّن هذا العدد إذا ما قورن بعدد األطفال الذين هم في سن الدراسة ويوجدون خارج مقاعد الدراسة أو
أن هذا ال
األطفال الذين كان يحتضنهم التعليم العربي الحر فإن هذه السياسة تعد سياسة فاشلة بامتياز أو ّ
يعكس إالّ أهدافها الحقيقية الذي أنشأت من أجلها والتي لم تكن أبدا أهدافا تربوية ،ألن الحديث عن السياسة
التعليمية الف رنسية هو الحديث عن كبرياء فرنسا فهذه السياسة لم تكن سياسة جمعية تعتمد في تمويلها على
مجتمع مصادره باألساس معدومة على شاكلة تجربة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أو على تبرعات
المحسنين وانما هي سياسة كانت ترعاها أقوى قوة استعمارية في ذلك الزمان مما يجعل فرضية العامل
المنعزل غير مقبولة بتاتا.
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
134
د .سميـــــر أبيش أهداف وخصائص السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر
الهوامش:
1
-عبد اهلل ركيبي ،الفرانكفونية مشرقا ومغربا ،دار الكتاب العربي ،الجزائر ،3335 ،ص.51
2
-فراس محمد ،الفكر التحرري عند عبد الحميد بن باديس وأثره في استقّلل الجزائر ،رسالة ماجستير غير منشورة ،قسم
العلوم السياسية ،جامعة الشرق األوسط للدراسات العليا ،فلسطين ،3335 ،ص.93
3
-عبد القادر حلوش ،سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر ،دار األمة ،الجزائر ،3353 ،ص .19
4
-مالك بن نبي ،في مهب المعركة ،ط ،9دار الفكر ،دمشق ،3331 ،ص.21
5
-بسام العسلي ،عبد الحميد ابن باديس وبناء قاعدة الثورة الجزائرية ،دار الرائد ،الجزائر ،3353 ،ص .21
6
-عبد القادر حلوش ،مرجع سابق ،ص .21
7
-بسام العسلي ،مرجع سابق ،ص.19
8
-أحمد توفيق المدني ،هذه هي الجزائر ،عالم المعرفة ،الجزائر ،3355 ،ص .559
9
-عبد اللطيف بن أشنهو ،تكون التخلف في الجزائر ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،5595 ،ص.191
10
-نفس المرجع ،ص199
11
-سعيد عيادي ،البراديغم االسّلمي واعادة البناء الحضاري ،دار قرطبة ،الجزائر ،3335 ،ص .99
12
خديجة بقطاش ،الحركة التبشيرية الفرنسية في الجزائر ،0320-0334منشورات دحلب ،الجزائر ،3339 ،ص.99
13
-عمر أزراج ،قصة قصيدة ،الشروق لإلعالم والنشر ،الجزائر ،3353 ،ص .91
14
-أحمد توفيق المدني ،مرجع سابق ،ص.559
15
ائر ،3332 ،ص .335 -محمد العربي ولد خليفة ،المسألة الثقافية وقضايا اللسان والهوية ( ،د م ج ) ،الجز ّ
16
-أحمد طالب اإلبراهيمي ،من تصفية االستعمار الي الثورة الثقافية ،ترجمة حنفي بن عيسي ،الشركة الوطنية للنشر
والتوزيع ،الجزائر ،5513 ،ص .59
17
-عبد الكريم بوصفصاف ،الفكر العربي الحديث والمعاصر ،ج ،5دار مداد ،قسنطينة ،3335 ،ص.521
18
-بوفلجة غياث ،التربية والتكوين في الجزائر ،مخبر البحث في علم النفس وعلوم التربية ،وهران ،3333 ،ص.39
19
-علي ديدونة ،المنظومة التربوية في الجزائر بين األصالة واالستئصال ،دار بوزيد ،الجزائر ،3331 ،ص.551
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية – جامعة الشهيد حمة لخضر -الوادي العدد ،32سبتمبر .2017ص ص ()521-128
135