You are on page 1of 11

203-392 :‫الصفحات‬ ISS N : 2588-1566 ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬

3032 :‫ السنة‬09 :‫ العدد‬00 :‫املجلد‬

‫التخطيط اللغوي في الجزائر وعالقته باألمن االجتماعي‬


‫وصف للواقع ورغبة في المأمول‬
Linguistic planning in Algeria, and its relationship to social security
A description of reality and a desire for hope

1
*‫ياسين سرايعية‬
‫ الجزائر‬. ‫ سوق أهراس‬- ‫جامعة محمد الشريف مساعدية‬
seraiaia_yassine@yahoo.com

3032/00/32 :‫تاريخ القبول‬ 2021 /04/27 :‫تاريخ إلارسال‬

:‫امللخص‬
‫تقص ي إلاصالحات التي أحدثتها الدولة الجزائرية على مستوى املنظومة التعليمية التعلمية‬ ّ ‫تتغيأ هذه الورقة البحثية‬
‫والتربوية منذ الاستقالل ومازالت تحدثها إلى آلان لتمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكين تعميم استعمال اللغة العربية على مستوى الهيئات‬
‫) رغبة في التحرر‬....،‫ وفي مجال الدين وإلاعالم ووثائق الهيئات إلادارية‬،‫الرسمي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ( املؤسسات املدرسية والجامعية‬
.‫من هيمنة الفرنسية املوروثة عن الاستعمار‬
‫ومن زاوية تالية يقارب هذا البحث انتهاج الدولة لسياسة لغوية صارمة ووضعها لهيئات رسمية تراقب وتتابع وتشرف‬
،‫ وأساليب وأدوات تمكين اللغة العربية من التداول‬،‫على عملية التخطيط اللغوي وعالقته بالسياسة اللغوية املنتهجة‬
،‫ بمشكلة الصراع بين املدافعين عن اللغة العربية واملدافعين عن اللغة الفرنسية‬-‫وتالطمها – الهيئات الرسمية‬
.‫ من املجتمع الجزائري‬%03 ‫ومستعملي اللهجات املحلية التي تشكل‬
.‫ التعليم‬،‫ العامية‬،‫ الفصحى‬،‫ ألامن الاجتماعي‬،‫ السياسة اللغوية‬،‫ التخطيط اللغوي‬:‫املفتاحية‬ ‫الكلمات‬
Abstract :

This project neglects the research paper that examines the reforms that the Algerian state
has brought about in the educational, educational and educational system since
independence and is still speaking it up to date to enable the generalization of the use of
the Arabic language at the level of official bodies (school and university institutions, in the
field of religion, media and administrative bodies documents, ....) Desire to break free from
French domination inherited from colonialism.
From a following angle, this research approximates the state’s adoption of a strict
linguistic policy and its establishment of official bodies that monitor, follow up and
supervise the linguistic planning process and its relationship to the adopted language
policy, methods and tools for enabling the Arabic language to circulate, and its collision -
the official bodies - with the problem of conflict between defenders of the Arabic language
and defenders of the French language And the users of the local dialects that make up 30%
of the Algerian society.

Keywords: Linguistic planning, language policy, social security, formal, colloquial,


teaching.

.‫ ياسين سرايعية‬:‫المؤلف المرسل‬ *1


293
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ّإن الحديث عن اللغة هو الحديث عن الوعاء الحاوي للثقافة والرؤية التي ّ‬
‫تحدد نواميس‬
‫العالم‪ ،‬وهي تعبير عن جوهر فكر إلانسان وأحاسيسه ومشاعره وعالقته بمجتمعه‪ ،‬فهي خاصية‬
‫إنسانية محضة بها ّ‬
‫يحقق إلانسان ذاته وحضارته وتواصله مع غيره‪ ،‬وتعكس روحه ونمط تفكيره‬
‫وسمات الشعوب الناطقة بها‪ ،‬فقد أوضح فرانسيس بيكون (‪ )Francis Bacon‬في القرن السابع عشر‬
‫أننا "نستطيع أن نستكشف دالئل ملموسة ألخالق وعقول الشعوب من خالل لغتهم"(‪ )1‬لذلك اعتبر‬
‫(‪)2‬‬
‫كونديالك (‪ )Etienne Bonnot de Condillac‬أن جميع الدالئل تعبر عن لغة إلانسان الناطق بها‪.‬‬
‫عد اليونانيون أن من يتحدث بغير لغتهم‬ ‫املميز بين الشعوب‪ ،‬فقد ّ‬‫لذلك ظلت اللغة تلعب دور ّ‬
‫هم البربر‪ ،‬واستخدم اليهود لغتهم باعتبارها الحاوي لطقوسهم الدينية في ألاندلس‪ ،‬واستخدم‬
‫أطباؤهم العربية للتعبير عن املصطلحات الطبية في بولندا بدل الالتينية التي كان يستخدمها‬
‫املسيحيون‪ ،‬كما يخبر التلمود أن اليونانية استخدمت للغناء‪ ،‬والالتينية للحروب والسريانية للرثاء‬
‫ويفسر كل هذا سعي كل أمة الحفاظ على لغتها التي ّ‬
‫تحقق لها التميز‬ ‫ّ‬ ‫والعبرية لالستعمال اليومي‪،‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫إلاثني والديني‪ ،‬ويقود هذا إلى الحفاظ على الهوية التي ّ‬
‫تنمي إلاحساس باالنتماء القومي‪.‬‬
‫وحتى تبقى اللغة ذاك الوعاء الحافظ للهوية‪ ،‬والشعور باالنتماء وتحقيق الوحدة الاجتماعية‪،‬‬
‫وألاصالة الثقافية‪ ،‬وتبقى متوارثة يتوارثها ألاجيال جيال عن جيل‪ ،‬وتمكين حبهم لها وتحسيسهم‬
‫بالغيرة تجاهها‪ ،‬ومقارعة من يحاول إلاساءة إليها‪ ،‬تعكف كل ألامم على تأطير خبراء مختصين في‬
‫إنجاح وتمكين سياسة لغوية متميزة‪ ،‬وفق تخطيط لغوي مدروس‪ ،‬يشارك فيه مختصون من‬
‫معقدا خاصة في تلك البلدان التي عانت من التبعية‬ ‫ميادين مختلفة‪ ،‬وقد يصير العمل هنا ّ‬
‫الكولونيالية‪ ،‬وتحوي خريطتها الجغرافية إثنيات متعددة ولهجات مختلفة‪ ،‬ومن هذه البلدان نجد‬
‫ألنها دولة فتية مستقلة حديثا تتنوع لهجات أفرادها من‬ ‫الجزائر التي ال تنفصل عن هذه البلدان‪ّ ،‬‬
‫عربية وأمازيغية ودوارج‪ ،‬وتتعامل إداريا بالعربية وشارعيا بالعامية لذلك انبرت السلطة السياسية‬
‫في وضع سياسة لغوية لتحديد الاختيارات الكبرى املتمثلة في عالقة اللغة باملجتمع(‪ )4‬وتطبيقها‪،‬‬
‫وهذا ما يدعى بالتخطيط اللغوي منذ الاستقالل إلى الزمن الحاضر ‪.‬‬
‫‪ -2‬السياسات اللغوية في الجزائر بعد الاستقالل وإشكالية ألامن الاجتماعي‪:‬‬
‫‪ -2-2‬التوصيف‪:‬‬
‫يرز ِح املجتمع الجزائري تحت وطأة الاستعمار الفرنس ي الذي انتهج سياسة لغوية لطمس معالم‬
‫لغته‪ ،‬وإحالل لغة املستعمر ّأدى هذا إلى تغيير واقعه اللغوي منذ ‪ 0303‬إلى ‪ ،0691‬ففرضت عليه‬
‫إلادارة الفرنسية واقعا لغويا جديدا ال ينسجم مع تفكيره وحضارته ومعتقده‪ ،‬فأجبر مكرها على‬
‫تمثل هذا املشهد اللغوي املاكر‪ ،‬ذلك أن فرنسا انتهجت سياسة لغوية سميت بالسياسة‬
‫‪294‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫الفرانكفونية لفرنسا‪ ،‬حيث تمثلت في الدفاع عن اللغة الفرنسية في هياكل الدولة مما ّأدى إلى عدم‬
‫ترقية لغات الدول التابعة لهيمنتها وعدم تشجيعها‪ )5(.‬وبقي هذا الوضع على ما هو عليه حيث اتبع‬
‫فيه املستعمر سياسة لغوية سعى بموجبها سحق اللغة العربية واللغات املحلية التي ال تستطيع‬
‫ّ‬
‫مزاحمة اللغة الرسمية ‪ /‬الفرنسية‪ ،‬ف ّأدى هذا إلى تجلي فرق تدافع عن اللغة التي يجب اعتمادها‬
‫في البالد بشكل رسمي‪ ،‬فأنتج شرخا فكريا وثقافيا وسياسيا معقدا‪ ،‬مما ّأدى إلى التراجع عن محاربة‬
‫(‪)6‬‬ ‫ّ‬
‫اللغة الفرنسية وهذا ما مكن بقاؤها مسيطرة إلى الزمن الراهن‪.‬‬
‫وإذا ما تتبعنا كرونولوجيا محطات إلاصالح اللغوي في الجزائر الهادفة إلى تطوير الوضع اللغوي‬
‫وتخليصه من براثن اللغة الكولونيالية‪ ،‬ندرك ّأنها كانت إما تدعو إلى استكمال تحرير البالد من‬
‫يشده الحنين لإلبقاء عليها زاعما ّأنها لغة عصرية تعكس‬ ‫تبعات هيمنة الفرنسية‪ ،‬أو ّأن بعضها كان ّ‬
‫التطوير الثقافي لألمة وحاملة له‪ ،‬وأهم إلاجراءات التي حاول أصحابها رسم سياسة لغوية جديدة‬
‫منذ الاستقالل تمثلت في املراحل آلاتية‪:‬‬
‫‪ -0‬قرار (‪ )96-96‬املتضمن تعريب السنة ألاولى من التعليم ابتدائي‪ ،‬وعربت السنة الثانية جزئيا عام‬
‫‪. ... 93-96‬‬
‫‪ -1‬إلاجراء الخاص بتنفيذ قرار ‪ 19‬أفريل‪ 0693‬الذي ينص على إجبارية معرفة وتمثل اللغة العربية‪،‬‬
‫ويفرض هذا القرار على الجزائريين عماال وموظفين ضرورة تعلم مستوى معين من العربية‪ ،‬وتعريب‬
‫إدارة الوظائف العامة وربط الترقية داخل املؤسسات بتعليم اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -0‬تمثل مضمون القرار الصادر ‪ 0660‬تعريب ثلثي املعارف التي يتلقاها التالميذ باللغة العربية‬
‫وبقي هذا إلاجراء ساريا إلى غاية ‪. 0636‬‬
‫‪ -6‬تمثلت هذه املرحلة بصدور إلاجراء الخاص بتطبيق التعليم ألاساس ي املتمثل في صدور ألامر‬
‫‪09‬أفريل‪ 0669‬املتضمن ترقية اللغة العربية وجعلها لغة تعليم كل املواد‪ ،‬وإلاطار التنظيمي‬
‫تؤصل الروح الوطنية والشعور باالنتماء للدين إلاسالمي‪،‬‬ ‫والتكويني لها‪ ،‬والتأسيس لسياسة تربوية ّ‬
‫ِ‬
‫ويبين هذا ألامر دور اللغة ألاجنبية باعتبارها لغة مساعدة للغة الرسمية ‪/‬‬ ‫والهوية الثقافية‪ّ ،‬‬
‫العربية‪ ،‬ويدرج تعليم الفرنسية في الصف الرابع‪ ،‬وأبقى هذا القرار على ضمان الحق في التعليم‬
‫(‪)7‬‬
‫ومجانيته ‪.‬‬
‫وينص هذا القرار بااللتجاء إلى تعريب املدرسة الجزائرية مرحليا‪ ،‬واختيار اللغة العربية باعتبارها‬
‫لغة تعليم منصوص عليها قانونيا إلى جانب تعليم اللغات ألاجنبية بكل أطيافها‪ ،‬فلم تعد الفرنسية‬
‫ضمنيا اللغة ألاولى أو الثانية بل صارت لغة إلى جانب اللغات ألاجنبية ألاخرى‪ ،‬وهذا يدل على تعزيز‬
‫مكانة اللغة العربية ‪.‬‬
‫وتدرج تعريب املواد التعليمية في املدرسة الجزائرية من الصف الابتدائي إلى الصف الثانوي وفق‬ ‫ّ‬
‫مراحل مدروسة بداية من قرار ترسيم اللغة العربية في كل املستويات‪ ،‬ثم تعريب الصف الابتدائي‬
‫إلى أن صدر القرار الثالث القاض ي بتعريب املواد الاجتماعية في جميع املستويات‪ ،‬وبعده صدر القرار‬
‫الحاسم القاض ي بتعريب ثلث ألاقسام العلمية في جميع املراحل تعريبا كامال‪ ،‬ولوحظ هنا وجود‬
‫‪295‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫نظامين موازيين أحدهما يعنى بتعليم املواد ابتداء من الابتدائي إلى الثانوي بالعربية وآخر موازيا له‬
‫يعنى بتعليم املواد باللغة الفرنسية‪ ،‬وتسمى هذه ألاقسام باألقسام املزدوجة‪ ،‬وبعدها صدر القرار‬
‫الخامس القاض ي بتلقين كل التالميذ باللغة العربية‪ ،‬إلى أن غطت املدرسة ألاساسية املؤسسات‬
‫التعليمية الجزائرية كلها سنة ‪ّ 0633‬‬
‫فعمم التعليم بالعربية في املدرسة ألاساسية والثانوية والتعليم‬
‫الجامعي‪.‬‬
‫أما مرحلة إلاصالح الحقيقي فابتدأت سنة ‪ ،1336/1330‬وكان خاصا بإصالح املنظومة التربوية‬
‫اعتمدت مناهج املقاربة بالكفاءات‪ ،‬لكن الحكم على نجاحه من عدمه متوقف على املقارنة‬ ‫أين ُ‬
‫باملناهج السابقة‪ ،‬وهذا ال يخفي الارتجالية في تنفيذ القرارات وتطبيق إلامالءات بما تمليه الخلفيات‬
‫إلايديولوجية سواء التابعة لإلدارة املسؤولة على جلب املشروع والترويج له‪ ،‬أو الجبهة الداخلية‬
‫املتمثلة في تشكيلة املجتمع املدني الساعية لتجسيد نزواتها أو الجهة التي تقف موقف الوسط بين‬
‫هذه وتلك‪.‬‬
‫ودليل التسرع والارتجالية وعدم الاحتكام لقانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي زكاه نواب‬
‫ولكنه ُج ِّمد مرات عديدة بل ألاخطر من هذا هو إقرار رئيس حكومة سيد أحمد غزالي‬ ‫ألامة ‪ّ 0660‬‬
‫بعدم صالحيته و عدم مواكبته ملتطلبات العصر فجمدوه‪ .‬وإذا ما عدنا إلى بداية ألالفية الثانية‪،‬‬
‫فيبرر هذا التسرع هو عدم التماش ي مع متطلبات ألامة وبرمجة اللغة ألاجنبية في السنة الثانية‬ ‫ّ‬
‫ابتدائي‪ ،‬ثم تراجعوا عنها في املوسم املوالي لها‪ ،‬ليس هذا فحسب بل حتى محتوى الدروس لم يكن‬
‫مواكبا ملتطلبات السيادة الوطنية فبددت أموال ضخمة لطبع الكتب ثم سحبوا بعضها لعدم‬
‫وألدل على ذلك حذف مقطع من النشيد‬ ‫ّ‬ ‫خضوعها للمعايير التربوية وعدم مالءمتها القيم الوطنية‬
‫(‪)8‬‬
‫الوطني ثم استدراكه فيما بعد‪.‬‬
‫كما أن إنشاء املدارس الخاصة كان له ألاثر السلبي جدا على مستوى تحصيل التالميذ خاصة‬
‫بالنسبة للغة ألام ‪ /‬العربية‪ ،‬فالتجأ أصحابها إلى التركيز على اللغات ألاجنبية فاضمحل التحصيل‬
‫باللغة ألام وركز ألاغلب على اللغة الفرنسية بالذات التي تراجع مردودها في بيتها ‪ /‬فرنسا وعدم‬
‫مالءمتها ملختلف ألابحاث العلمية عامليا‪.‬‬
‫عدة قرارات تدفع بجهود التعريب إلى ألامام منذ ‪ 0660‬إلى‬ ‫أما في مجال التعليم العالي فصد ت ّ‬
‫ر‬
‫بداية الثمانينات نحو توحيد كل التخصصات باللغة العربية‪ ،‬فلم يعد يوجد فرع بالعربية وآخر‬
‫بالفرنسية‪ ،‬والبداية كانت بتعريب إلادارة واملراسالت ذات الصبغة السياسية‪ ،‬والشروع في تعريب‬
‫املطبقة في املدرسة العليا لإلدارة‪ ،‬لكن كل هذه الاجتهادات وألامريات ظلت تراوح مكانها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫البرامج‬
‫وظلت الجامعة ب ين أخذ وجذب وعطاء مع إشكالية التعريب‪ ،‬وظلت كما يذكر البعض بمثابة تلك‬
‫القلعة املحصنة التي يمنع فيها منعا باتا ولوج العربية إلى أدراجها‪ ،‬وقد ذكر عبد املجيد مزيان أحد‬
‫رواد الفكر الجزائري ووزير الثقافة سابقا بأن املدرسة بصورتها الحالية ال يمكنها أن تؤدي ألاداء‬
‫الجيد والتأثير إلايجابي في املحيط‪ ،‬فاملتعلم هو فريسة املحيط الذي ينتمي إليه‪ّ ،‬‬
‫ألن املربي لم يتكون‬

‫‪296‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫على كيفية الاستعمال اللغوي و توظيفه في يومياته املختلفة بل ّ‬


‫تمرن على مهارة واحدة وهي‬
‫الحفظ‪ ،‬فهو بعيد كل البعد عن النظريات التعليمية التعلمية املعاصرة‪.‬‬
‫‪ -3-2‬املأمول‪:‬‬
‫إشكالية السياسة اللغوية املتبعة وعالقتها باألمن الاجتماعي ال تتحملها املدرسة لوحدها بل‬
‫املجتمع أيضا له دخل في تعميق هذا املأزق الذي تعيشه العربية‪ )9(،‬ألن لغة املدرسة التي يتلقاها‬
‫فإنهاال تجد صدى في املجتمع الذي ال يروم‬ ‫املتعلم باللغة العربية فلو سلمنا فرضا ّأنها جيدة ّ‬
‫الحديث بها‪ ،‬ولم يستطع أن يتمثلها باعتبارها أداة لبناء الفكر وتنمية املشاعر والوجدان‪ ،‬وتربية‬
‫املتعلم على الذوق الجمالي‪ ،‬وزرع القيم في النفوس‪ ،‬فاملجتمع يتحدث بالدارجة ويروم اللغة‬
‫ألاجنبية‪ ،‬ويفكر بالعربية ويتواصل بلهجات محلية مختلفة‪ ،‬لذا وجب أن يكون حوار بناء يشمل كل‬
‫أطياف املجتمع يجمع كل الخبراء املختصين في بناء سياسة لغوية راشدة تراعى فيها كل الثوابت‬
‫واملتغيرات الاجتماعية‪ ،‬ومن هنا يأتي الحديث عن السياسة اللغوية وما هو التخطيط اللغوي‬
‫الواجب اتباعه لتحقيق املقا بة بين هذه إلاشكاليات ّ‬
‫املعقدة في الجزائر؟‬ ‫ر‬
‫‪ - 3‬التخطيط اللغوي واملشكالت اللغوية في الجزائر ومستلزمات ألامن الاجتماعي‪:‬‬
‫يبدأ التخطيط اللغوي بتعيين املشكل اللغوي وتحديد املحيطات املجتمعية التي تتطلب تخطيطا‬
‫لغويا مدروسا وإيجاد املعالجة املالئمة التي تبدو أنها ألافضل‪ ،‬وبالتالي فالتخطيط ّ‬
‫يحدد اللغة املراد‬
‫التخطيط لها‪ ،‬أما السياسة اللغوية فتضع في اعتباراتها كل املتغيرات الاجتماعية وقراءة السياسة‬
‫الواجب تنفيذها ألي تخطيط لغوي‪ ،‬وعليه فالسياسية اللغوية هي جزء ال يتجزأ من سياسة البالد‬
‫التربوية والثقافية‪.‬‬
‫ويذكر لويس كالفي ‪ )10( Louis-Jean Calvet‬أن مشكل التعريب في الجزائر ظهر ببروز التناقضات‬
‫الداخلية للدولة الاشتراكية التي كانت سياستها الداخلية تدفع بها نحو الشرق(‪ )11‬فسار إلاصالح كما‬
‫سلف الذكر بخطى حثيثة ّ‬
‫مياال في البداية إلى التعليم الديني ‪ ،0696‬والتعليم ألاصلي ‪ ،0669‬وتاله‬
‫قرار تعريب إلادارة كما سلف الذكر‪ ،‬لكن هذه السياسة املنتهجة في التعريب ظلت تعيقها مشاكل‬
‫عدة منها‪:‬‬
‫‪ -2-3‬مشكل العامية‪:‬‬
‫‪ -2-2-3‬التوصيف‪:‬‬
‫ّ‬
‫يذكر لويس كالفي أنه دار جدال عنيف عام ‪ 0690‬حول ألاغاني التي تبثها إذاعة الجزائر‪ ،‬وعيب‬
‫عليها أنها مؤداة بلغة عربية كالسيكية ‪ /‬مثل أغاني املرحوم محمد بوليفة‪ ،‬ونورة وغيرهما ‪ ...‬وأغاني‬
‫شعبية بكل ألوانها كانت تؤدى باللغة العربية الفصيحة أو اللغة الثالثة الواقعة بين الفصحى‬
‫والعامية‪ ،‬وكان الالتجاء الكبير إلى ألاغاني بالدارجة وعملوا على الترويج لها وتنميتها‪ ،‬وفي تقدير‬
‫أصحاب هذا التوجه ّأن هذا يتالءم مع املتطلبات الذوقية للمجتمع‪ ،‬وهذا املبرر كما يذكر البعض‬
‫ّ‬
‫ليس عذرا‪ ،‬فإذا سلمنا بأن الناس ال يتكلمون كلهم باللغة الفصحى فلماذا نجد إقباال كبيرا على‬

‫‪297‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫مشاهدة ومتابعة وعشق املسلسالت املكسيكية والتركية املدبلجة إلى العربية الفصحى؟ ألم تقدم‬
‫كوليمة على موائد العائالت وأخص هنا الجزائرية حيث صار يتابعها الصغير والكبير والرجل واملرأة‬
‫وألاعجمي واملعرب‪ ،‬أال يتابع ألاطفال الرسوم املتحركة بالعربية الفصحى وهم مازالوا بعد لم يدخلوا‬
‫املدرسة‪ ،‬بماذا نبرر حيازة مسلسل افتح يا سمسم على الجوائز الكبرى ومشاهدة واسعة بسبب‬
‫تقديمه بالفصحى‪ ،‬وقد طلب ألامريكان دراسة لذلك وسخروا أموالا ضخمة ألجل تقديمه بالعامية‬
‫واستعملوا عمالءهم لتنفيذ ذلك‪ .‬إذن فاإلشكالية كما يذكر البروفيسور أحمد عزوز ليست في‬
‫الفصحى بل في الذين يستقبلونها والذين ال يرغبون في تعليمها وتعلمها‪ )12(.‬ويرى مصطفى ألاشرف‬
‫أن اللغة أداة طيعة للتفاهم في املجتمع‪ ،‬ووسيلة ممتازة تكتمل بها الثقافة الوطنية‪ّ ،‬‬
‫ألنها تهتم‬
‫بالتعبير الشفاهي الذي يحقق التواصل بين الناس لذا ال يجوز الانتقاص من شأنها وغير جائز‬
‫اعتبارها لغة غير صالحة للتدريس والتعليم(‪ )13‬وكان مبرر دعاة العامية ّأنها اللغة التي يتحدث بها‬
‫ألن بها تنسج القصص‬ ‫وتعبر عن واقع مجتمعه‪ُ ،‬وتط ّو ُر خياله وإد اكه ّ‬‫الطفل لحظة ميالده‪ّ ،‬‬
‫ر‬
‫والحكايات الخيالية وألاسطورية والعجائبية ‪.‬‬
‫ويتساءل نذير محمد مكتبي في تساؤل موجه لدعاة العامية‪ ،‬إذا كانت العامية قادرة على تبليغ‬
‫أفكار وتحقيق التواصل بين الناس فلماذا ال يصبغوا بها أفكارهم وحبك أسلوبهم وسبك متونهم‬
‫للتعبير عن متطلبات ومقتضيات الفكر والعلم‪ ،‬ولو أرادوا ذلك لوجدوا أنفسهم أمام لغة غثة ال‬
‫(‪)14‬‬
‫ترقى ملستوى لغة القرآن‪.‬‬
‫والحقيقة أن العامية موجودة في كل بلدان العالم‪ ،‬بل عندنا نحن ال توجد عامية واحدة بل‬
‫توجد كما يصطلح عليها البروفيسور صالح بلعيد – دوارج ‪ -‬حيث يعتبرها نتاج تطور طبيعي مساير‬
‫لتطور املجتمعات العربية‪ ،‬ويرى ّأنها خروج تعسفي عن قواعد الفصحى‪ ،‬وقد تكون الدارجة لغة‬
‫التوحيد للسان املجتمعي ويرى ّأنها – الدوارج – ال تشكل أية عائق للعربية الفصحى ّ‬
‫ألنها ال يمكن‬
‫أن تكون لغة علم وال لغة ثقافة وال لغة تعليم‪ ،‬فأهميتها ال تعدو أن تكون اتصالية بين أطياف‬
‫ّ‬
‫املجتمع الواحد ليس إال‪.‬‬
‫ويعزز قوله بظهور لغة أخرى ال هي لغة دارجة وال هي لغة عامية‪ ،‬بل هي لغة التواصل‬
‫التلفزيوني وإلاداري واملؤسساتي‪ ،‬دائرة بين الناس في مخاطباتهم اليومية ويستعملها ألاساتذة في‬
‫مناقشاتهم للمذكرات وألاطروحات وفي تقديم املحاضرات مع التسامح بورود بعض ألاغالط‬
‫النحوية وتسمى هذه اللغة باللغة الثالثة وتتجلى باألكثر في لغة إلاعالم(‪ )15‬ويسميها نهاد املوس ى‬
‫باللغة العربية الوسطى(‪ ،)16‬ويقع فيها املزج بين الفصيح والعامية‪ ،‬وهي عربية املتخاطبين بلهجات‬
‫عربية مختلفة‪ ،‬لكن السؤال الذي يطرح ملاذا ال يطرح إشكال العامية والفصحى في الشعوب‬
‫ألاخرى‪ ،‬فنجد كونوفشيوس ‪ Confucius‬حكيم الصين الذي ربط إصالح اللغة بإصالح أحوال‬
‫البالد‪ ،‬وبرر ذلك بقوله "إذا لم تكن اللغة سليمة فما يقال ليس هو املقصود‪ ،‬فما يستحق إلانجاز‬
‫(‪)17‬‬
‫لم ينجز وإذا لم ينجز ما يستحق إلانجاز فإن ألاخالق والفنون يحل بها الانحطاط"‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫فالعامية تحيل على التنوع وأيضا التشتت في داللة ألالفاظ وما تؤديه من فعل‪ ،‬لذلك عندما‬
‫سألت أليس همبتي دمبتي ‪ Humpty Dumpty‬ال أعلم ما تعنيه كلمة "عظمة" أجابها ‪ :‬إن ذلك‬
‫جدال يسهل دحضة اعترضت أ ِليس‪ :‬لكن عظمة ال تعني جدالا يسهل دحضة‪ ،‬فأجابها همبتي هازئا‬
‫‪18‬‬
‫فإنها تعني تماما ما أرغب فيه أن تعنيه من دون زيادة أو نقصان‪.‬‬ ‫عندما أستخدم أنا كلم ــة ما ّ‬
‫(لويس كارول ‪ :‬أليس في بالد العجائب وعبر املرأة )‬
‫ويذكر عبد القادر الفاس ي الفهري أن هناك هويات تتداخل في الهوية الواحدة وتلعب اللغة‬
‫مبرر الهويات الثقافية وارتقاء لغة ‪ /‬لهجة عن لغة أخرى‬ ‫العربية لحام بينها‪ ،‬لذا فإن الحديث عن ّ‬
‫أو إحالل العربية الثالثة محل العربية الفصحى ألن فيها تعقيدات كثيرة فهذا مبرر واه وال شأن له‪،‬‬
‫فليخسأ كل من يتطاول على الفصحى التي امتزجت فيها الهوية الوطنية بالهوية إلاسالمية‪ ،‬ولو‬
‫(‪)19‬‬
‫وضعت آليات لتفعيل الهوية املسلمة ألصبح املسلمون أكبر قوة في العالم‪.‬‬
‫والدعوة إلى العامية ليست مسألة جديدة على الجزائريين ألنها مثلت مشروعا ثقافيا منذ‬
‫ّ‬ ‫احتالل فرنسا الجزائر‪ ،‬حيث أنشأ املستعمر جريدة ّ‬
‫سماها املبشر وظلت حتى سنة ‪ 0616‬تعمل على‬
‫وتروج للغة ركيكة وهجينةـ منها ما ورد في هذا املقطع‪ " :‬اعلموا يا مسلمين‬ ‫إفساد اللسان العربي‪ّ ،‬‬
‫أرشدكم هللا العظيم ‪ ،‬سلطان ‪ ...‬نصره هللا ‪ ،‬اتفق برأيه وقوع هذا املبشر مختص لفائدتكم يرض‬
‫(‪)20‬‬
‫لكم ما يرضا لنفسه (اللغة والحياة) " ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فهذا املقطع حتى وإن سلمنا أنه ينتمي إلى اللغة الثالثة فإن لغته مهترئة وأسلوبه ركيك وال صلة‬
‫له باألسلوب العربي‪ ،‬ومن يتبنى هذا املشروع ال شك وأن حنينه إلى ما فعلته فرنسا من جهود‬
‫تدميرية كثيرة مازال يراوده ‪.‬‬
‫‪ -3-2-3‬املأمول‪:‬‬
‫وعليه فإن الدعوة إلى لغة تمزج بين العامية والفصحى وإحالل العامية مكان الفصحى أحيانا‬
‫فهذا ليس من ضرب املنطق(‪ )21‬فكيف ننسب لغة واسعة لها تاريخها العريق وتسمى بلغة أهل‬
‫الجنة واللغة ألاولى التي تحدث بها آدم عليه السالم‪ ،‬وأثنى عليها القرآن الكريم وامتدحها حجاجيا‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لغة دقيقة في معانيها وفي كلماتها حيث ال تسمح باستعمال كلمة‬
‫مكان كلمة أخرى‪ ،‬واستطاعت استيعاب النص القرآني الذي أنزل للناس أجمعين بلهجة محلية أو‬
‫لغة ممزوجة فيها أطياف كثيرة من كلمات دخيلة عن اللغة العربية أليس هذا من صنيع ولهم‬
‫صـر نادي ألاوزبكية وسالمة موس ى ‪ ...،‬وغيرهم كثير‬‫سبيتا ‪ ،‬ووليام ويلكوكس ‪ُ W. Willcocks‬من ّ‬
‫فلننتبه‪.‬‬
‫‪ -3-3‬مشكلة اللهجات املحلية‪:‬‬
‫‪-2-3-3‬التوصيف‪:‬‬
‫إلاشكال آلاخر الذي يثيره لويس كالفي هو مشكل القبائلية‪ ،‬فمن الصعب أن تعرف عدد‬
‫الجزائريين الذي يتحدثون بالقبائلية وتمثل بالنسبة إليهم لغتهم ألام‪ ،‬وقدرها بنسبة ‪ ،% 03‬ويذكر‬

‫‪299‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫أنهم يعارضون التعريب ‪-‬والكالم لصاحبه‪ -‬منذ الاستقالل باسم الدفاع عن لغتهم وثقافتهم‪ ،‬وهؤالء‬
‫يذكر البعض أن ألامر وصل بهم إلى أن دفعهم إلى إبقاء الفرنسية لغة رسمية ثم املطالبة‬
‫باالستعمال الرسمي في الهيئات الرسمية باللغات الشعبية‪ ،‬أي إدارج الدارجة والبربرية في املدرسة‬
‫والجامعة الجزائرية‪ ،‬وقد استعملت السلطات غالبا القوة لصد املظاهرات التي كانت تنظم في هذه‬
‫املناطق ‪ /‬ألامازيغية‪ ،‬وقد ُم ِنع مولود معمري من إلقاء محاضرة حول الشعر القبائلي وغيرها من‬
‫املمارسات التعسفية‪.‬‬
‫ويذكر أن بلدان املغرب العربي لها ماض مشترك ومشكل مشترك (أصل بربري والبحث عن‬
‫كيفية انتقال اللهجة املحلية إلى تعليم اللغة بالعربية) وسعت إلى تنسيق سياستها اللغوية‪ ،‬غير أن‬
‫صراعها الجيوسياس ي لم يشفع لها أن تتزود بهئيات مشتركة للتعريب ‪.‬‬
‫وفي إشارته إلى التخطيط اللغوي واللغة ألامازيغية ب َّين صالح بلعيد أن ألامازيغيات ينحصر‬
‫التواصل بها في فضاءات جغرافية ضيقة‪ ،‬وهي مهجورة عدا في منطقة القبائل وفي ألامازيغيات‬
‫أبعاد إثنية وعرقية محضة‪ ،‬ويقف ضد فكرة‬ ‫ٌ‬ ‫ألاخرى كالترقية والشاوية وامليزابية والشلحية‪ ،‬ولها‬
‫ّ‬
‫تمزيغ املجتمع الجزائري املراد به فرنسته ألنه يجتث املتعلم من كل أصوله ويعيدنا إلى الزمن الغابر‬
‫كأننا بلد بال تاريخ‪ .‬ويثور على أولئك الذين يثيرون النعرات بارتكاب الحماقات وإشعال الفتنة‬
‫داخل املجتمع الواحد‪ .‬فقد لعب العرب ألامازيغ دورا بارزا في الفتوحات إلاسالمية (طارق بن زياد ‪،‬‬
‫وعباس بن فرناس ‪ ،‬ويحي بن معط ‪ ،‬وأرزقي الشرفاوي ‪ ،‬والورتالني ‪ ،‬وعبد الحميد بن باديس ‪) ...‬‬
‫وغيرهم في تحقيق الوحدة إلاسالمية بين كل ألاطياف‪.‬‬
‫‪ -3-3-3‬املأمول‪:‬‬
‫إن التماسك الاجتماعي الصحيح الذي يحقق ألامن الاجتماعي يقتض ي أن تؤسس مراكز ّتدرس‬
‫حال اللسان ألامازيغي وأهميته في ترقية املجتمع‪ ،‬دون املساس بالعربية كلغة وإلاسالم كدين‪ ،‬ودون‬
‫دحض ألامازيغية باسم الدين ودون الترويج للفرنسية باسم املعرفة‪ ،‬فاألبحاث تؤكد تذيل‬
‫(‪)22‬‬
‫الفرنسية في منشورات البحث العلمي وال تحقق إال نسبة ‪ % 0‬من املنشورات العاملية‪.‬‬
‫ويذكر عبد القادر الفاس ي الفهري أن هذا التعدد في الهويات واللهجات وإلاثنيات ليس مبررا‬
‫للتفرقة والتشرذم‪ ،‬ففرنسا تضم مختلف ألاجناس وألاعراق ولكنها توحدت بلغتها‪ ،‬وللغة العربية‬
‫ألنها امتزجت فيها الهوية اللغوية بالهوية إلاسالمية فجل الذين نشروا العربية ور ّوجوا‬ ‫ميزة خاصة ّ‬
‫لها لم يكونوا مسلمين (سيبويه ‪ ،‬والخليل بن أحمد الفراهيدي ‪ )...‬وأدخلوا علوم امللل ألاخرى‬
‫(الهنود‪ ،‬والفرس‪ )...‬إلى إلاسالم ‪ ،‬والش يء نفسه قد يصدق على ألامازيغ ‪.‬‬
‫فاألمازيغيات لها وظيفيات والهويات كذلك لها وظيفيات‪ ،‬فمنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو‬
‫سياس ي ومنها ما هو ثقافي‪ ..‬ولو وضعت آليات لتفعيل الهوية املسلمة ألصبح املسلمون من أكبر‬
‫(‪)23‬‬
‫القوى في العالم‪.‬‬
‫وعليه عندما نتحدث عن التعدد ليس شرطا أن يكون في الهويات بل قد يكون في اللسان‬
‫الواحد‪ ،‬وهذا حادث في الجزائر فهو تنوع من بيئة إلى بيئة ومن جغرافيا إلى أخرى‪ ،‬فاإلقرار بالتعدد‬
‫‪300‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫ضروري ولكن يجب أن يكون في إطار التوحد وضمن مشروع املجتمع الواحد لتحقيق ألامن‬
‫الاجتماعي ‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫بعد هذه الجولة التي قدمناها في هذه الورقة البحثية حول مسألة التخطيط اللغوي وعالقته‬
‫باألمن الاجتماعي نخلص إلى النتائج والاقتراحات آلاتية‪:‬‬
‫‪ -0‬يجب أن نعلم أن السياسة اللغوية موجودة عند كل ألامم‪ ،‬بل هي عملية لصيقة بكل‬
‫إصالح أو تغيير سياس ي واقتصادي واجتماعي‪ ،‬ألن الاهتمام باللغة وتمكين لغة دون أخرى والحفاظ‬
‫على لغة على حساب لغات أخرى والوعي بالتنوع والتناغم إلايجابي داخل مجتمع ما يجب أن يكون‬
‫في ضوء وحدة ألامة وتماسكها‪.‬‬
‫‪ -1‬فالصلة بين املشاكل الدينية واللغوية واللغات املنتهجة مرتبطة بالتخطيط اللغوي‪ ،‬ولكنها‬
‫من ناحية أخرى قد تبين أهمية املسألة اللغوية في عالقتها باألمن الاجتماعي طاملا أن التخطيط‬
‫اللغوي هو وليد اللسانيات الاجتماعية‪ ،‬ويعني بدراسة عالقة اللغة باملجتمع ‪.‬‬
‫‪ -0‬ويجب – كما يذكر صالح بلعيد‪ -‬أن يبعث التخطيط اللغوي املنشود في أجيالنا وعيا لغويا‬
‫يستوعب مكانة اللغة ألام‪ ،‬وأثرها في أصالة املجتمع كالسواحلية في تنزانيا مثال‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -6‬يجب أن يكون مسهما في تحقيق وحدة املنظومة الاجتماعية‪ ،‬وأن يكون متطلعا نحو آلافاق‬
‫بعيدا عن كل مراهنة على املاض ي الجاف والعقيم‪ ،‬بل يجب أن يكون فاحصا وناقدا َّ‬
‫وبناء لكل‬
‫سياسة لغوية واجتماعية تحترم مبدأ الاختالف‪ ،‬وتوجيه الجهود لبناء مجتمع يحترم الاتجاهات‬
‫ومتحديا لكل الجبهات التي تفرقه بصورة عقالنية‪ .‬إن التخطيط اللغوي يجب أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫إلايجابية‬
‫ذاته مشروع مجتمع ونهضة أمة‪.‬‬

‫إلاحاات‪:‬‬

‫‪ -1‬دويتشر‪ ،‬غاي دي ‪ : 1306 ،‬عبر منظار اللغة ‪ ،‬لم يبدو العالم مختلفا بلغات أخرى ؟ عالم املعرفة ‪ ،‬ع ‪ ،616‬املجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون وآلاداب ‪ ،‬الكويت‪ ، ،‬ص ‪. 06‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 06‬‬
‫‪ -3‬جوزيف‪ ،‬وجون ‪ ،1336 ،‬اللغة والهوية ‪ ،‬قومية ‪ ،‬أثنية ‪ ،‬دينية ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد النور خراقي ‪ ،‬عالم املعرفة ‪ ،‬ع ‪ ، 061‬أغسطس ‪،‬‬
‫الكويت‪ ،،‬ص ‪. 3-6‬‬
‫‪ -4‬جان كالفي‪ ،‬لويس‪ ، 1336 ، ،‬السياسات اللغوية ‪ ،‬ترجمة محمد يحياتن‪ ،‬منشورات الاختالف‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشـرون ‪،‬‬
‫ط‪ ، 0‬الجزائر – لبنان ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.011-009‬‬
‫‪ -6‬فضيل‪ ،‬عبد القادر‪ ،1301 ، ،‬املشهد اللغوي في البيئة الجزائرية بعد الاستقالل ‪ ،‬الوضع الحالي واملألول ‪ ،‬ضمن أهمية‬
‫التخطيط اللغوي ‪ ،‬اللغات ووظائفها ‪ ،‬منشورات املجلس ألاعلى للغة العربية ‪،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪. 036-030‬‬
‫‪ -7‬النظام التربوي الجزائري ‪1331 ،‬املركز الوطني لتوزيع الوثائق التربوية ‪ ،‬الجزائر‪ ، ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ -8‬بوهادي‪ ،‬عابد ‪ ،‬عابد‪ ،1306 ،‬تحديات اللغة العربية‪ ،‬مجلة اللغة العربية‪ ،‬املجلس ألاعلى للغة العربية‪ ،‬ع ‪، 01‬الجزائر‪ ،‬ص‬
‫‪.036-030‬‬

‫‪301‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫‪ -9‬املرجع نفسه‪. 1301 ،‬‬


‫‪ -10‬جان كالفي‪ ،‬لويس‪ (Louis-Jean Calvet) ،‬هو لساني فرنس ي‪ ،‬أستاذ اللسانيات الاجتماعية جامعة "بروفانس" الفرنسية‪.‬‬
‫‪ -11‬كالفي‪ ،‬لويس‪ ،‬السياسات اللغوية ‪ ،‬ص ‪. 016-013‬‬
‫‪ -12‬عزوز‪ ،‬أحمد‪ ،1333 ،‬التواصل بالعامية بين ألاثر في التفكير والعجز عن التعبير ‪ ،‬الفصحى وعاميتها ‪ ،‬أعمال الندوة الدولية التي‬
‫نظمت بالتع ــاون مع وزارة الثقافة ‪ 36-36 :‬يونيو ‪ ، 1336‬املجلس ألاعلى للغة العربية‪،‬ط‪ ،0‬الجزائر‪ ،‬ص ‪. 030-139‬‬
‫‪ -13‬ألاشرف‪ ،‬مصطفى‪ ،0630 ،‬الجزائر ‪ :‬ألامة واملجتمع ‪ ،‬ترجمة د‪ .‬حنفي بن عيس ى ‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ص‬
‫‪.601‬‬
‫‪ -14‬نذير محمد مكتبي‪ ،‬نذير‪ ،0660 ،‬الفصحى في مواجهة التحديات ‪ ،‬دار البشائر إلاسالمية للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬ط‪، 0‬بيروت‪،‬‬
‫ص ‪. 096‬‬
‫‪ -15‬بلعيد‪ ،‬صالح‪ ،1301 ،‬التخطيط اللغوي‪ -‬الضرورة واملعاصرة ‪ -‬أهمية التخطيط اللغوي ‪ ،‬اللغات ووظائفها ‪ ،‬املجلس ألاعلى‬
‫للغة العربية ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ص ‪. 069-166‬‬
‫ّ‬
‫وأكاديمي‪ .‬من اعماله‪:‬‬ ‫ولساني‪ ،‬وتربو ّي‪ ،‬وإدار ّي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -16‬هو نهاد ياسين محمود املوس ى‪ ،‬نحو ّي‪،‬‬
‫‪ -‬في تاريخ العربية"‪ ،‬دراسة‪( ،‬د‪.‬ن)‪ّ ،‬‬
‫عمان‪.0669 ،‬‬
‫‪ -‬في تاريخ العربية‪ ..‬أبحاث في الصورة التاريخية للنحو العربي"‪ ،‬دراسة‪ ،‬املؤسسة الصحفية ألاردنية (الرأي)‪ّ ،‬‬
‫عمان‪.0669 ،‬‬
‫‪ -‬نظرية في النحو العربي"‪ ،‬دراسة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪.0633 ،‬‬
‫‪ -‬مقدمة في تعليم اللغة العربية"‪ ،‬دراسة‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬الرياض‪.0636 ،‬‬
‫‪ -‬النحت في اللغة العربية"‪ ،‬دراسة‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬الرياض‪.0636 ،‬‬
‫‪ -17‬عبيد‪ ،‬عبد اللطيف‪ ،1301 ،‬حاجة الوطن العربي إلى سياسة لغوية جادة‪ ،‬أهميـة التخطيط اللغوي‪ ،‬اللغات ووظائفها‪ ،‬املجلس‬
‫ألاعلى للغة العربية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ -18‬دويتشر‪ ،‬غاي دويتشر‪ ،‬عبر منظار اللغة ‪ ،‬لم يبدو العالم مختلفا بلغات أخرى ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫‪ -19‬الفاس ي الفهري‪ ،‬عبد الق ــادر‪ ،1336 ،‬حوار اللغة ‪ ،‬إعداد حافظ اسماعيلي العلوي ‪ ،‬منشورات زاوية‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،0‬ص ‪. 031‬‬
‫‪ -20‬بن حمزة‪ ،‬مصطفى‪ ،1306 ،‬الدعوة إلى العامية – املسار وألاهداف – مركز الدراسات والبحوث إلانسانية والاجتماعية‬
‫بوجدة‪ ،‬سلسلة دفاتر املركز ‪ ،3‬ص ‪. 09-06‬‬
‫‪ -21‬املرجع نفسه ‪. 69 ،‬‬
‫‪ -22‬بلعيد‪ ،‬صالح ‪ ،‬التخطيط اللغوي الضرورة املعاصرة ‪ ،‬أهمية التخطيط اللغوي ‪ ،‬ص ‪.166-169‬‬
‫‪ -23‬الفاس ي الفهري‪ ،‬عبد ‪ ،‬حوار اللغة ‪ ،‬ص ‪. 030-033‬‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ ‬ألاشرف‪ ،‬مصطفى‪ ،0630 ،‬ألامة واملجتمع‪ ،‬ترجمة د‪ .‬حنفي بن عيس ى‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ ‬أهمية التخطيط اللغوي‪ ،‬اللغات ووظائفها‪ ،‬منشورات املجلس ألاعلى للغة العربية‪ ،‬الجزائر‪. 1301،‬‬
‫‪ ‬أعمال الندوة الدولية التي نظمت بالتع ــاون مع وزارة الثقافة ‪ 36-36 :‬يونيو ‪ ، 1336‬املجلس ألاعلى للغة العربية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫ط‪.1333 ،0‬‬
‫‪ ‬أعمال الندوة الوطنية املنعقدة يومي ‪ 6-6‬محرم ‪ 03-36‬أفريل‪ ، 1333 ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ ‬جوزيف‪ ،‬جون ‪ ،1336 ،‬اللغة والهوية ‪ ،‬قومية ‪ ،‬أثنية ‪ ،‬دينية ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد النور خراقي ‪ ،‬عالم املعرفة ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ع ‪،061‬‬
‫أغسطس ‪.‬‬
‫‪ ‬بن حمزة‪ ،‬مصطفى‪ ،1306 ،‬الدعوة إلى العامية – املسار وألاهداف – مركز الدراسات والبحوث إلانسانية والاجتماعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة‬
‫بوجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬سلسلة دفاتر املركز ‪.3‬‬
‫‪ ‬جان كالفي‪ ،‬لويس‪ ،1336 ،‬السياسات اللغوية ‪ ،‬ترجمة محمد يحياتن‪ ،‬منشورات الاختالف‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناش ـ ـ ــرون‪،‬‬
‫ط‪ ،0‬الجزائر‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫الصفحات‪203-392 :‬‬ ‫‪ISS N : 2588-1566‬‬ ‫مجلة اللسانيات التطبيقية‬
‫املجلد‪ 00 :‬العدد‪ 09 :‬السنة‪3032 :‬‬

‫‪ ‬دويتشر‪ ،‬غاي‪ ،1306 ،‬عبر منظار اللغة ‪ ،‬لم يبدو العالم مختلفا بلغات أخرى ؟ عالم املعرفة ‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون وآلاداب ‪ ،‬الكويت‪ ،‬ج ‪ ، 616‬أكتوبر ‪.‬‬
‫‪ ‬الفاس ي الفهري‪ ،‬عبد الق ــادر‪ ،1336 ،‬حوار اللغة ‪ ،‬إعداد حافظ اسماعيلي العلوي ‪ ،‬منشورات زاوية‪ ،‬املغرب ‪ ،‬ط‪. 0‬‬
‫‪ ‬النظام التربوي الجزائري‪ ،‬املركز الوطني لتوزيع الوثائق التربوية ‪.1331 ،‬‬

‫‪303‬‬

You might also like