You are on page 1of 6

‫العدد‪20 :‬‬ ‫املجلد‪20 :‬‬ ‫جسور املعرفة)‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫واقع مناهج تعليمية اللغة العربية‬


‫‪The reality of language teaching curricula‬‬

‫الدكتور‪ :‬محمد حمداني‬


‫‪hamdanimed84@gmail.com‬‬
‫املركز الجامعي غيليزان (الجزائر)‬
‫باحث بجامعة حسيبة بن بوعلي –الشلف (الجزائر)‬

‫تاريخ النشر‪9302/30/30 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪9302/30/92:‬‬ ‫تاريخ إلارسال‪9302/39/00 :‬‬


‫ملخص‪:‬‬
‫ظلت السياسة التربوية اللغوية والى وقت قريب في بالدنا اسيرة الفلسفة التربوية التقليدية الهادفة الى التلقين اللغوي مع اهمال انعكاس‬
‫ذلك على جانب الاستعمال الوظيفي الاجرائي للغة‪ ،‬إذ ان املعلومات اللغوية التي كانت تلقن لألطفال لم تكن ذات فائدة عملية في حياتهم خارج‬
‫املدرسة ولم تتح الفرصة لهم لتطبيق ما تعلموه من مادة لغوية في املواقف التي يقتضيها تفاعلهم مع بيئتهم الاجتماعية مادام هذا التفاعل‬
‫يحدث بلغة عامية (امازيغية ‪.‬عربية‪ .‬عامية) تسيطر على الاتصال العفوي اليومي عند الجزائريين‪ ،‬مؤثرة بذلك في محدودية استعمال اللغة‬
‫املعيارية‪ ،‬وعليه فإلى اي مدى نجح الطرح التربوي الجديد املبني على الكفاءات في توظيف البنائية كنظرية تعليمية تقوم على تحويل املعرفة من‬
‫جهة وعلى وظيفتها من جهة اخرى ؟هذا ما سنحاول الاجابة عليه من خالل هذه املداخلة املتواضعة للوقوف على واقع تعليمية اللغة العربية في‬
‫مدرستنا الجزائرية ‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬السياسة التربوية اللغوية؛ املعلومات اللغوية؛ الكفاءات؛ البنائية؛ املدرسة‪.‬‬
‫‪ABSTRACT : Until recently, linguistic and educational policy in our country remained the captive of the traditional‬‬
‫‪educational philosophy of linguistic indoctrination, neglecting the reflection on procedural functional use of language.‬‬
‫‪The linguistic information that was given to children was not practical in their lives outside the school and they had no‬‬
‫‪opportunity to apply What they learned from the linguistic material in the situations required by their interaction with‬‬
‫‪their social environment as long as this interaction occurs in a common language (Amazigh, Arab. common) control the‬‬
‫‪spontaneous daily communication among Algerians, affecting the limited use of the standard language, so the To what‬‬
‫‪extent has the new educational approach based on competencies succeeded in employing constructivism as an‬‬
‫‪educational theory based on the transformation of knowledge on the one hand and its function on the other? , This I can‬‬
‫‪answer him through this humble intervention to find out the reality of teaching Arabic in our Algerian school.‬‬
‫‪Intervention: The reality of language education in the light of reforms in school and university.‬‬
‫‪Kew Words: linguistic and educational policy; linguistic information; competencies; constructivism; the school‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن أرز تغيير عرفته مناهج تعليم اللغات في الجزائر جاءت به املدرسة ألاساسية والذي مس ألاطوار‬
‫الثالثة ألاولى من التعليم العام‪ ،‬لكن هذا التغيير ورغم ما كان مرجوا منه من تطبيق للمعارف واملهارات‬
‫اللغوية املكتسبة باملدرسة في الحياة العملية‪ ،‬لم يتم إال في إطار النظام التربوي التقليدي وفي فلسفته (‪،)1‬‬
‫وبذلك ظل املتعلم الجزائري وبعد أكثر من أربعين سنة من قيام املدرسة الجزائرية غير قادر على التكلم بلغة‬
‫معيارية في الاتصال مع غيره والتفاهم معه حسب ما تتطلبه املواقف الحياتية داخل املجتمع‪ ،‬باعتبار أن‬
‫ّ‬
‫أسمى وظيفة تبتغيها اللغة هي التواصل مع آلاخر‪.‬‬
‫إن املطلع إلى النصوص التي نظمت تعليمية اللغات باملدرسة الجزائرية يصادف عبارات تصف طريقة‬
‫جديدة في تعليم اللغة العربية‪ ،‬كـ "الحوار " و " املحادثة " و " الاتصال الشفوي " و " لغة شفوية بسيطة "حيث‬

‫جوان ‪9102‬‬ ‫‪615‬‬


‫العدد‪20 :‬‬ ‫املجلد‪20 :‬‬ ‫جسور املعرفة)‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫تقوم هذه الطريقة على مبدأ الاستعمال الشفوي للغة املعيارية املتعلمة ـ ونعني العربية الفصيحة على وجه‬
‫التحديد ـ باالتصال الشفوي في مواقف مطابقة للمواقف التي يحياها املتعلمون يوميا‪.‬‬
‫هذا ما عبر عنه حين حدد الهدف من دراسة التعبير في مناهج السنة الثالثة ابتدائي بقدرة التالميذ على‬
‫فهم الحوار البسيط الذي يجري حولهم وعلى املساهمة فيه بلغة عربية صحيحة (‪.)2‬‬
‫لكن ورغم أن التعليمية تظهر أن املدرسة ألاساسية كانت صريحة في تحديد أهدافها إلى أقص ى‬
‫الحدود‪ ،‬إال أنها اعتنقت مناهج بعيدة عن الواقع اللغوي في الجزائر‪ ،‬حيث ال يتسنى لها الانسجام معه‪،‬‬
‫فتحولت املدرسة الجزائرية إلى حلبة صراع بين لغة التعليم املكتوبة واللغة العامية الشفوية وبالتالي عجزت‬
‫عن القضاء على الحاجز بين اللغتين ـ لغة التعليم ولغة التواصل اليومي ـ عندما نس ي املنهجيون الجزائريون‬
‫الواقع اللغوي الذي يحكم التواصل اليومي في واقع املجتمع الجزائري‪ ،‬فجعلوا من لغة املدرسة محدودة‬
‫الاستعمال داخل املحيط املدرس ي‪ ،‬وأضحت اللغة العربية مادة يبرز فيها التلميذ قدرته وتفوقه فقط على‬
‫ورقة الامتحان باستذكار ما اكتسبه من مادة لغوية‪ ،‬وال مجال أمامه الستخدام قدرات ومهارات شفوية خارج‬
‫القسم‪ ،‬فبمجرد مغادرته املدرسة يصطدم بواقع لغوي ال يتيح له الفرصة الستخدام التراكيب اللغوية التي‬
‫اكتسبها من املدرسة‪ ،‬وبالتالي أهمل الغرض ألاساس ي من تعلم اللغة‪ ،‬واملتمثل أساسا في إقدار التالميذ على‬
‫أن يتخذوها وسيلة للتفاهم والتخاطب أثناء تفاعلهم مع من يحيطون بهم‪ ،‬وأن يتصل استعمالها بحاجات‬
‫التالميذ وبمواقف الحياة التي تطالبهم باستخدامها ‪.‬‬
‫هذا عن لغتنا العربية التي يمكن أن نعتبرها لغة أما مادامت أولى اللهجات التي يكتسبها معظم ألاطفال‬
‫الجزائريين في املحيط العائلي متفرعة عنها ‪.‬‬
‫وبما أن املنهج ذو حساسية للتطورات التي تحصل في مجاالت العلوم والتقنية والتحوالت الاقتصادية‪،‬‬
‫فكان من الواجب أن يتم التطوير وفق معطيات موضوعية وأسس علمية‪ ،‬فمن أبرز ألاسس التي انبنت عليها‬
‫معظم استراتيجيات التطوير التربوية الحديثة التخطيط‪ ،‬الذي يكون بصيغة مراحل متتابعة‪ ،‬مع إخضاع كل‬
‫مرح ــلة إلى عملية تقويم مستمر وبالتالي تسهل عمليات التنفيذ والتعديل والتغيير والتحسين ‪.‬‬
‫كما يجب أن يستند على دراسة عملية للمتعلم من أجل إلقاء الضوء على ميوله وحاجاته وقدراته‬
‫واتجاهاته واستعداداته وطبيعة تفاعله مع بيئته ‪،‬هذه البيئة التي يجب أن تدرس دراسة علمية توضح لنا‬
‫احتياجاتها وإمكاناتها ومدى مالءمتها لتنفيذ املنهاج بصيغته املتطورة إضافة إلى عامل التجريب الذي يلعب‬
‫دورا رئيسا في عملية تطوير املنهاج على أساس علمي ‪.‬‬
‫تنفيذ مناهجهم‪ ،‬وكثيرا ما فشلت املناهج وضاع الجهد والوقت واملال‪ ،‬مع أنه باإلمكان تجنب كل‬
‫ذلك بأن يتم التنفيذ بتجربة على عينات كأن تكون مدارس وأقسام على أن تكون هذه العينات ممثلة أحسن‬
‫(‪.)3‬‬
‫تمثيل للمجتمع ألاصلي‬
‫وعليه يصعب كثيرا أن ندرج طرائق تعليم اللغة العربية في املدرسة ألاساسية ضمن نظرية من نظريات‬
‫تعليم اللغات وأكثر ما يمكن قوله أنها طرق تعتمد على الحفظ والتلقين حيث أن بعض أهداف تعليم اللغــة‬
‫قد صيغت وفق املكتسبات اللسانية املستحدثة ومبادئ علم النفس التربوي لكنها لم تكيف بما يناسب‬

‫جوان ‪9102‬‬ ‫‪616‬‬


‫العدد‪20 :‬‬ ‫املجلد‪20 :‬‬ ‫جسور املعرفة)‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫مقتضيات الواقع اللغـوي بالجزائر‪ ،‬أو بعبارة أخرى نقول أن املدرسة ألاساسية أدركت ما يجب أن يعلم من‬
‫اللغة لكنــها أهملت كيفيــة التعليم(‪.)4‬‬
‫إن الطفل الجزائري عندما يبلغ سن دخول املدرسة يكون قادرا على التعبير والتواصل المتالكه رصيدا‬
‫لغويا لكن هذا الرصيد يبدو ناقصا ومحرفا في عرف املنهجيين الجزائريين ألامر الذي جعلهم ينتهجون طريقة‬
‫جديدة في تعليم لغة التخاطب تتمثل في الطريقة الجديدة " هيا نتحدث " التي تتلخص أهدافها في تصحيح‬
‫لغة ألاطفال وتنظيمها بغرض إكسابهم القدرة على التعبير والتخاطب وتدريبهم على الاستعمال العفوي‬
‫والصحيح للغة‪.‬‬
‫كما نجد أسبابا هامة تدخل بقوة ضمن تحجر التعليم ألاساس ي‪ ،‬كالنظرة السلبية والتشاؤمية للمعلم‪،‬‬
‫حيث أنه مجبر على إلقاء درسه وفق مذكرة مؤلفة من املعهد التربوي الوطني ثم عليها برمجة وتوقيت كالم‬
‫املعلم وحركاته مسبقا‪ ،‬وذلك يعني أنه يجب على كافة املعلمين في الوطن الجزائر ي ـ على اختالف بنياتهم ـ أن‬
‫ينطقوا بنفس الكلمة ويقوموا بنفس الحركة وأن يصمتوا في نفس الوقت معا‪ ،‬وفعال إذا نظرنا إلى هذه‬
‫املذكرة نجد عمودا مخصصا للحركات التي يجب على املعلم تأديتها‪ ،‬وعمودا آخر مخصصا ملا يجب أن‬
‫ينطق‪.)5‬‬
‫" فما جدوى معلم محروم حتى من تحضير مذكرته وفق ما يناسب مستوى تالمذته وخصائص بيئته‪،‬‬
‫وماذا يبقى لديه من مثل أعلى إذا أوقفنا عنده نمو الشعور بضرورة البحث والحاجة إلى الاستعالم والتزويد‬
‫(‪)6‬‬
‫بالوثائق والتساؤل عن نجاعة أداء واجبه ‪ ،‬وباختصار إذا حرم من الخصال التي تغرس فيه حب مهنته‬
‫"إن تحقيق أهداف اللغة املرسومة للتعليم ألاساس ي وتنفيذ برامجه ال يتحقق إال باملعلم املكون تكوينا‬
‫يكفل له أداء مهمته بكفاءة‪ ،‬لكن غالبية املعلمين قد وظفوا في مرحلة سابقة بمستوى شهادة التعليم‬
‫املتوسط أو الثالثة ثانوي دون أي تكوين‪ ،‬وذلك استجابة لحاجة تزايد التالميذ‪ ،‬حيث تبقى الخبرة املكتسبة‬
‫(‪)7‬‬
‫لديهم ومهما تراكمت غير كافية لسد الثغرات الناجمة عن عدم تكوينهم "‬
‫إن النظرة التحليلية ملنهجية تعليم اللغة باملدرسة ألاساسية تكشف لنا أنها اعتمدت النظرية‬
‫السلوكية (‪)8‬كمرجعية لها‪ ،‬فاالكتساب اللغوي من املنظور السلوكي يقوم على الاشتراط‪ ،‬لذا احتوت هذه‬
‫الطريقة على أسئلة (مثير ) وأجوبة (استجابة)‪ ،‬وعلى الطفل أن يعيد ما يقوله املعلم باملحاكاة والحفظ‬
‫ليحدث التعزيز وبالتالي أهملت هذه املنهجية املتعلم ودور قدراته في تعليم اللغة‪.‬‬
‫أما عن التماريـن فقد استعملت هذه املنهجية التماريـن البنيوية التي تدرس النصوص من خـالل‬
‫مخطط يعيـد تنظيـمها(‪ ،)9‬حيث يستغل املتعلم البنى التي تعلمها في ظروف متنوعة تختلف عما شاهده‬
‫وسمعه أثناء الدرس وهذا ما جعل تعابير ألاطفال نمطية محددة(‪ ،)10‬ال يحق للتلميذ من خاللها إلابداع‬
‫والارتجال ‪.‬‬
‫إن نتاج هذه املنهجية بعد عشرين سنة من التطبيق ولد جيال من املتعلمين يحملون نموذجا واحدا‬
‫من العادات اللغوية تتميز باالفتقار للطالقة والاسترسال في التعبير وتشتمل على تراكيب لغوية محدودة‪ ،‬بينما‬
‫قد نلمس عند هذا الجيل قدرة لغوية أثناء التحرير (الكتابة )‪ ،‬حيث اعتمدت هذه املنهجية تمارين إلانشاء‬

‫جوان ‪9102‬‬ ‫‪617‬‬


‫العدد‪20 :‬‬ ‫املجلد‪20 :‬‬ ‫جسور املعرفة)‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫في تقييم املستوى اللغوي لتالميذ الطور الثاني وأهملت الجانب املنطوق في اللغة بعدم تحديد مقاييس‬
‫تقييمه وتوجيهه وتنميته‪ ،‬وهذا ما يخالف املبدأ ألاول في تعليم اللغة‪ ،‬إذ أن الكفاية اللغوية تتبدى في‬
‫املهارات الشفوية التي تعول أساسا على ألاداء املنطوق قبل أن تتبدى في املهارات الكتابية ‪.‬‬
‫هذا عن الجانب اللغوي‪ ،‬أما عن الجانب النفس ي‪ ،‬فقد ورثت املدرسة ألاساسية صفات نفسية‬
‫سلبية ناتجة عن عدم تمحور مناهجها على املتعلم الذي يعتبر أساس العملية التعليمية‪ ،‬حيث أجبرته على‬
‫فقدان الثقة في النفس والركون إلى املألوف والخضوع للتبعية‪ ،‬ألامر الذي جعل قدرته اللغوية تنبني على‬
‫(‪)11‬‬
‫التقليد والتذكر ال غير‬
‫إذن بعد تدني املستوى اللغوي للطلبة املتخرجين من املدرسة ألاساسية بشكل يثير ألاسف وعدم‬
‫الرضا‪ ،‬وبعد تردد الشكاوي على ألسنة وأولياء أمور التالميذ‪ ،‬وبعد الاطالع على نتائج البحوث امليدانية‬
‫اللسانية التي أشارت إلى عدم صالحية بعض جوانب املنهج املتمثلة في الكتب الدراسية وطرائق التدريس‪،‬‬
‫كثرت الدعوات امللحة العتماد أنموج جديد لتعليمية اللغة العربية في منظومتنا التربوية يكون على صلة‬
‫ومواكبا ملا استجد من نظريات في ألابحاث اللسانية والنفسية والتربوية‪ ،‬على أن يتم التوفيق بين هذه‬
‫النظريات وتطبيقاتها بتكييف موضوعي حتى تتناسب نتائجها مع حقائق ووقائع تأدية اللغة العربية في‬
‫املجتمع الجزائر ي‪.‬‬
‫وهكذا وبعد طول انتظار‪ ،‬وتلبية لتلك الدعوات تم الشروع في تنفيذ مناهج جديدة لتعليم اللغات‬
‫بمدارسنا تعتمد على املقاربة بالكفاءات كأسلوب في التعليم حيث تم تطبيقها تدريجيا بدءا من السنة ألاولى‬
‫ابتدائي‪ ،‬والتي ستصل السنة القادمة نهاية مرحلة التعليم الابتدائي املتوج بالسنة الخامسة ابتدائي عوضا‬
‫عن السنة السادسة أساس ي في النظام القديم ‪.‬‬
‫ولقد جاءت هذه املناهج الجديدة استجابة ملا فرضته التربية العصرية من تغيير في طبيعة الهدف‬
‫التعليمي املنبثق عنها‪ ،‬حيث ضمنته مجموعة من السلوكيات العقلية التي يسلكها املتعلم ويتدرب عليها حتى‬
‫تساهم في تشكيــل فكره‪ ،‬ألامر الذي استوجب تخطيط مناهج لتعليم اللغات تبنى على وصف اللغة كوسيلة‬
‫إجرائية لتنمية قدرات املتعلم قصد اكتساب املهارات اللغوية‪" ،‬واستعمالها بكيفية وظيفية تقتض ي إلافادة‬
‫املتواصلة من التجارب والخبرات العلمية التي لها صلة مباشرة ومالزمة في ذاتها للجوانب الفكرية والعضوية‬
‫والنفسية والاجتماعية لألداء الفعلي للكالم "(‪.)12‬‬
‫وعليه‪ ،‬وحتى نبين إن كانت مناهج املقاربة بالكفاءات تجسد فعال طموح وغاية التربية العصرية‬
‫من تعليم اللغة‪ ،‬علينا تتبع مدى مالءمتها لواقع تأدية اللغة العربية في البيئة الجزائرية بين املدرسة واملجتمع‪.‬‬
‫ألاسس التي يؤكد عليها أسلوب املقاربة بالكفاءات في تنفيذ مناهج التعليم ‪:‬‬
‫يقوم أسلوب املقاربة بالكفاءات من التعليم على أساس مهارة حل املشكالت حيث يوضع املتعلم أمام‬
‫مشكلة معينة ليتم توجيهه ملواجهتها بخطوات الحل العلمي واملنهجي للمشكلة‪ ،‬حيث يمكن تحديد هذه‬
‫الخطوات كالتالي ‪ " :‬الشعور باملشكلة ـ جمع املعلومات املتصلة باملشكلة ـ فرض الفرضيات واختيار أكثرها‬
‫احتماال ـ اختيار الفروض املحتملة ـ الوصول إلى حل املشكلة ـ تعميم النتائج "(‪.)13‬‬

‫جوان ‪9102‬‬ ‫‪618‬‬


‫العدد‪20 :‬‬ ‫املجلد‪20 :‬‬ ‫جسور املعرفة)‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫أما عن تطبيق هذه املهارات في تنفيذ مناهج تعليم اللغة العربية للمبتدئين‪ ،‬فيتم بوضع املتعلم في‬
‫وضعيات القراءة والكتابة‪ ،‬بمنطق البحث عن حل املشكالت‪ ،‬حيث يشعر بتجاوز العقبات باستقاللية ـ دون‬
‫مساعدة املعلم ـ تؤدي إلى الاعتماد على النفس والثقة بها‪ ،‬وهو شرط ضروري لرفع كفاءة الفرد اللغوية‪ ،‬هذه‬
‫الكفاءة التي ينبغي أن تشكل مكسبا كامنا في املتعلم بحيث يلجأ للبرهنة عليها باملمارسة الفعلية عند الحاجة‬
‫إليها‪ ،‬والتي تعتبر في الوقت نفسه هدفا سلوكيا واقعيا ـ يتحقق في املتعلم بعد التعامل مع املشكلة ـوال‬
‫يكتسبها الفرد إال إذا احتوت على ما يمكن ترجمته إلى عمليات تعليمية‪ ،‬إذ أن قيمة ألاهداف ال تحدد‬
‫بنواحيها اللغوية والنظريــة بقدر ما تحدد بسهولة التطبيق والانسجام مع الواقع ( ‪. ) 14‬‬
‫كما استخدم أسلوب املقاربة بالكفاءات طريقة املشروع البيداغوجي كأداة يتعلم بها التلميذ وهو يعمل‬
‫بنشاط في إطار ألافواج‪ ،‬إذ يقوم بإنجازات لغوية يمزج فيها بين تعلماته النظرية واملمارسة والتطبيق لتنمية‬
‫كفاءة واحدة أو أكثر (‪.)15‬‬
‫على أن تكون املشاريع ذات داللة ترتبط بالواقع ومستوحاة منه‪ ،‬ذلك أن الغاية من طريقة املشروع أن‬
‫تكون املدرسة أنموذجا ملجتمع مصغر ييهئ املتعلمين ـ ألاطفال ـ ليقوموا بأدوار فعالة في تطوير املجتمع ألاكبر‪،‬‬
‫حيث يعرف ألاستاذ سيتفون " املشـروع بأنه " عمال مؤسسا على مشكلــة يراد القيام به في وضعـه الطبيعي‬
‫"(‪. )16‬‬
‫من هنا فإن أسلوب املقاربة بالكفاءات يوظف املشروع كطريقة في التدريس حتى يروض املتعلم من‬
‫أول ألامر على حل املشكالت املدرسية بالتدرب على ممارسة اللغة املعيارية حسب املواقف التي يحددها‬
‫تعامله مع زمالئه داخل الفوج‪ ،‬ليتدرج منها إلى توظيف تلك اللغة في مواجهة املشكالت العامة واملسائل‬
‫الاجتماعية والاقتصادية حيث يتعاون ألافراد والجماعات على حلها ‪.‬‬
‫وعليه فإن هذا ألاسلوب غير من طبيعة الهدف التعليمي‪ ،‬فأصبح يقوم على الانتقال إلايجابي ألثر‬
‫التعلم‪ ،‬فإذا لم ينتقل التعلم من أوضاع مدرسية معينة إلى أوضاع أخرى‪ ،‬مدرسية أم غير مدرسية‪ ،‬فلن‬
‫يحقق هذا التعلم أهدافه التي وضع من أجلها‪ ،‬ألن انتقال التعلم ـ تحويل املعرفة ـ هو هدف الكثير من‬
‫املساعي والجهود التربوية من أجل إعداد املتعلمين للحياة خارج املدرسة ومساعدتهم على تطبيق ماتعلموه من‬
‫معارف وقواعد ومهارات واتجاهات في التعامل مع آلاخرين‪ ،‬وتفسير الظواهر التي تحيط بهم‪ ،‬والتكيف مع‬
‫البيئة الطبيعية والاجتماعية بكل عناصرها * وتعقيداتها(‪.)17‬‬
‫إن الكفاءة في مفهومها التربوي تعني " القدرات املكتسبة لتحمل بعض الوظائف أو التكليف ببعض‬
‫ألاعمال‪ ،‬ويتحقق ذلك باملعرفة املؤكدة بردود ألافعال الناتجة عن التعلم "(‪ ،)18‬أما املقاربة فتمثل إجراءا‬
‫تحليليا يعتمد التدرج استعانت به التربية في تسطير املناهج التي تجعل املتعلم يحوي جانبا من الذاتية ‪،‬لكنها‬
‫ذاتية واعية باالستعانة باملراقبة الثابتة واملستمرة عن طريق معايير موضوعية "(‪.)19‬‬
‫إن دعوة البيداغوجيين الجزائريين إلى اعتماد هذه املناهج الجديدة في تعليم اللغة باملرحلة الابتدائية‬
‫سيفرض على املدرسة الجزائرية تحديا كبيرا يتطلب تغييرا جذريا في كل العناصر املشكلة للمناهج‪ ،‬كالكتب‬
‫واملقررات وطرائق التدريس‪ ،‬مادامت مناهج املقاربة بالكفاءات تحمل رؤية جديدة لتعليم اللغة التقوم على‬

‫جوان ‪9102‬‬ ‫‪619‬‬


‫العدد‪20 :‬‬ ‫املجلد‪20 :‬‬ ‫جسور املعرفة)‪(Djoussour El-maaréfa‬‬

‫اكتساب املتعلم ملعارف عن اللغة املعيارية املراد تعلمها كما حدث مع املدرسة ألاساسية بل في كيفية تطبيق‬
‫تلك املعارف في إلانتاجات اللغوية التي تفرضها املواقف الحيوية أثناء تفاعل املتعلم داخلها (‪ )20‬وهذا الهدف‬
‫الذي ستسعى املدرسة الجزائرية إلى بلوغه بتنفيذ مناهج املقاربة بالكفاءات القائمة أساسا على سد الثغرات‬
‫املسجلة على برامج املدرسة ألاساسية ‪.‬‬
‫‪ .0‬قائمة املراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬جون دو بوا وآخرون ‪ :‬معجم اللسانيات‪ ،‬مكتبة الروس‪ ،‬باريس ‪.1791‬‬
‫‪ .2‬صالح بلعيد‪ :‬دروس في اللسانيات التطبيقية‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر ‪. 2222‬‬
‫‪ .1‬صالح عبد العزيز ‪ :‬التربية وطرق التدريس‪ ،‬ص ‪ ،121‬نقال عن محمد مزيان وآحرون‪ ،‬قراءات في طرائق التدريس‪.‬‬
‫‪ .1‬عبد الرحمان الحاج صالح ‪ :‬أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرس ي اللغة العربية‪ ،‬مجلة اللسانيات‪ ،‬العدد ‪ 1791/1791 ،1‬جامعة‬
‫الجزائر ‪.‬‬
‫‪ .5‬عبد الرزاق الصالحين الطشاني ‪ :‬طرق التدريس العامة‪ ،‬منشورات جامعة عمر املختار‪ ،‬ط‪ ،21‬البيضاء‪ ،‬ليبيا‪.1771 ،‬‬
‫‪ .6‬عبد الفتاح حسن البجة ‪ :‬أصول تدريس العربية بين النظرية واملمارسة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪،21‬عمان (ألاردن)‬
‫‪ .9‬محمد مزيان وآخرون ‪ :‬قراءات في طرائق التدريس‪ ،‬مطابع عمار قرفي‪ ،‬ط‪، 21‬باتنة ‪.1771‬‬
‫‪ .1‬مديرية التعليم ألاساس ي ‪ :‬مناهج التعليم ألاساس ي للطور ألاول‪.‬‬
‫‪ .7‬مديرية التعليم ألاساس ي‪ :‬الوثيقة املرافقة ملناهج السنة ألاولى ابتدائي‪.‬‬
‫‪ .12‬مليكة بودالية قريفو ‪:‬املدرسة الجزائرية من ابن باديس إلى بافلوف‪ ،‬املؤسسة الجزائرية للطباعة‪.1717 ،‬‬
‫;‪11. Paul foulquie : dictionnaire de la lauge pidagogique‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ - 1‬ينظر صالح بلعيد‪ :‬دروس في اللسانيات التطبيقية‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر ‪ ،2222‬ص‪. 29‬‬
‫‪ -2‬مديرية التعليم ألاساس ي ‪ :‬مناهج التعليم ألاساس ي للطور ألاول ‪،‬ص‪. 57‬‬
‫‪ -3‬أبو طاتب محمد سعيد و رشراش أنيس عبد الخالق ‪ :‬علم التربية التطبيقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،221‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪ -4‬عبد الرحمان الحاج صالح ‪ :‬أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرس ي اللغة العربية‪ ،‬مجلة اللسانيات‪ ،‬العدد ‪ 1791/1791 ،1‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ 5‬ينظر مالحق آخر هذا البحث ‪.‬‬
‫‪ -6‬مليكة بودالية قريفو ‪:‬املدرسة الجزائرية من ابن باديس إلى بافلوف‪ ،‬املؤسسة الجزائرية للطباعة‪ ،1717 ،‬ص‪. 11‬‬
‫‪ -7‬حفيظة تازورتي ‪ :‬اكتساب اللغة العربية عند الطفل الجزائري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،122‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪ 8‬السلوكية نظرية لسانية تستنبط مبادئها من علم النفس‪ ،‬حيث تعتبر اللغة عادة تكتسب باملثير والاستجابة‬
‫‪ - 9‬جون دو بوا وآخرون ‪ :‬معجم اللسانيات‪ ،‬مكتبة الروس‪ ،‬باريس ‪، 1791‬ص‪.152‬‬
‫‪ -10‬ينظر حفيظة تازؤرتي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 112‬‬
‫‪ -11‬محمد مزيان وآخرون ‪ :‬قراءات في طرائق التدريس‪ ،‬مطابع عمار قرفي‪ ،‬ط‪، 21‬باتنة ‪، 1771‬ص‪ ،151‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ -12‬أحمد حساني ‪ :‬مباحث في اللسانيات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 13‬محمد مزيان وآخرون ‪ :‬قراءات في طرائق التدريس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 11‬‬
‫‪ - 14‬مديرية التعليم ألاساس ي‪ :‬الوثيقة املرافقة ملناهج السنة ألاولى ابتدائي‪ ،‬ص‪ ،21‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪ - 15‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 16‬نفسه‪.‬‬
‫‪ -17‬ينظر عبد الفتاح حسن البجة ‪ :‬أصول تدريس العربية بين النظرية واملمارسة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪، 21‬عمان (ألاردن)‪،‬ص‪19‬‬
‫‪18‬‬
‫‪- Paul foulquie : dictionnaire de la lauge pidagogique; p86‬‬
‫‪19‬‬
‫‪-Ibid, p 86.‬‬
‫‪ -20‬مخلوف عامر ‪ :‬تدريس اللغة العربية وآدابها‪ ،‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪ ،11‬بتصرف‬

‫جوان ‪9102‬‬ ‫‪620‬‬

You might also like