You are on page 1of 22

‫املجلد‪ / 04‬الع ــدد‪ ،)2021( 02 :‬ص ‪182 -161‬‬ ‫مجلـة البحوث القـانونية واالقتصادية‬

‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف اإلستثنائية في الجزائر‪-‬قراءة في التعديل‬


‫الدستوري لسنة ‪-2020‬‬
‫‪Guarantees of the exercise of political freedoms during exceptional‬‬
‫‪circumstances in Algeria - read in the Constitutional Amendment of 2020 -‬‬

‫جميلة قدودو‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة بلحاج بوشعيب‪-‬عين تموشنت‪ ،‬الجزائر‬
‫‪guedoudou.cuat@gmail.com‬‬
‫تاريخ القبول للنشر‪2021/05/24 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2021/04/30 :‬‬

‫*******‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تقر معظم التشريعات الدولية والداخلية مجموعة من الضمانات ملمارسة الحقوق والحريات‬
‫العامة‪ ،‬أهمها وجود دستور الدولة كقيد على سلطانها‪ ،‬تنعكس هذه الضمانات في مبدأ سمو‬
‫الدستور والرقابة على دستورية القوانين في شقيها السياس ي كما القضائي‪ .‬تركز هذه الدراسة على‬
‫مجموعة الضوابط القانونية التي يمكن بواسطتها توفير حماية للحقوق والحريات‪ ،‬بحيث يتقرر‬
‫بطالن أي تصرف من السلطة مخالف لها‪ ،‬إال أن الدولة قد تمر بظروف استثنائية تدفعها للخروج‬
‫عن املشروعية العادية حماية للمصلحة العامة‪ ،‬مما قد يشكل تعد صارخ على الحقوق والحريات‬
‫العامة وأهمها الحريات السياسية‪ ،‬كل ذلك يؤدي بنا إلى التساؤل هل من ضمانات تكفل لنا ممارسة‬
‫حرياتنا السياسية في ظل هذه الظروف االستثنائية؟‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬ظروف استثنائية‪ ،‬حريات سياسية‪ ،‬ديمقراطية‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪Most international and internal legislation recognizes a set of guarantees‬‬
‫‪for the exercise of public rights and freedoms, the most important of which‬‬
‫‪is the existence of the State Constitution as a restriction on its authority,‬‬
‫‪reflected in the principle of the transcendence of the Constitution and the‬‬
‫‪control of the constitutionality of laws in both political and judicial aspects.‬‬
‫‪This study focuses on the set of legal controls by which rights and freedoms‬‬
‫‪can be protected, so that any act of power contrary to it is decided, but the‬‬
‫‪State may go through exceptional circumstances that would lead it out of‬‬
‫‪161‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫‪normal legitimacy to protect the public interest, which could constitute a‬‬
‫‪flagrant infringement on public rights and freedoms, the most important of‬‬
‫‪which is political freedoms,‬‬
‫‪all of which leads us to wonder whether there are guarantees that we will‬‬
‫?‪exercise our political freedoms under these exceptional circumstances‬‬
‫‪key words: Exceptional circumstances, political freedoms, democracy.‬‬
‫ّ‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫قال العالمة عبد الحميد ابن باديس‪« :‬حق اإلنسان في الحرية‪ ،‬كحقه في الحياة‪ ،‬ومقدار ما عنده من‬
‫حياة‪ ،‬هو مقدار ما عنده من حرية " (امليلي‪ .)1980 ،‬فالحرية‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬الحكم الراشد‪ ،‬حقوق‬
‫اإلنسان و حرياته العامة من أكثر املصطلحات جاذبية و تداوال في التجمعات السياسية و الخطابات‬
‫و املقاالت الصحفية و غيرها‪ ،‬فالحرية كانت والزالت سببا لتفجير العديد من الثورات الشعبية‪،‬‬
‫لهذا شغلت الحريات العامة حيزا كبيرا من الدراسات الوطنية والدولية بسبب االنتهاكات التي تلحق‬
‫بها نتيجة الحروب والتعسف في استعمال السلطة‪ ،‬أو بدعوى الحفاظ على النظام العام واستتباب‬
‫األمن وغيرها‪ ،‬لكنها لم تعرف هذا االهتمام من وجهة نظرية وعلمية إال من العقود األخيرة من القرن‬
‫األخير بالرغم من تطور النظرية الديمقراطية وممارستها ما يقارب القرنين من الزمن‪ ،‬فموضوعاتها‬
‫كانت في ظل مرحلة القانون الدولي التقليدي حكرا على القانون الداخلي‪ ،‬لتصبح بفعل التطورات‬
‫السريعة واملتالحقة التي شهدتها هذه املواضيع على الساحة الدولية محورا الهتمام القانون الدولي‬
‫املعاصر‪.‬‬
‫وقد ازداد الحديث اليوم عن الحريات العامة حتى كاد الدفاع عنها يعد شعيرة من الشعائر‪ ،‬إذ‬
‫أصبحت األحزاب واملؤسسات بل والدساتير الوطنية تعمل على إبرازها وتأكيدها‪ ،‬وأصبح مبدأ احترام‬
‫حقوق اإلنسان وحرياته األساسية أحد املعايير املهمة في تحديد العالقات واملعامالت الدولية وحتى‬
‫في قياس التطور السياس ي واالقتصادي للدول‪ ،‬فاملفهوم اكتسب عاملية جديدة ذات فعالية أكبر بعد‬
‫أن كان مجرد شعار تتضمنه مواثيق األمم املتحدة عقب الحرب العاملية الثانية‪ ،‬نظرا ملا عرفته تلك‬
‫الفترة من انتهاكات للحقوق والحريات‪.‬‬
‫واحتاللها مكانة هامة سواء في صلب الدساتير أو في إعالنات الحقوق ينطوي على أهمية بالغة‬
‫تقررت لها على مر األزمنة‪ ،‬وسبقها إلى ذلك اإلسالم الذي قرر للناس كافة املبادئ والقيم امللزمة‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪ ،‬ذلك ما يعد تكريسا لكرامة اإلنسان باعتبارها‬ ‫والثابتة التي اعتبرت طاعتها من طاعة هللا ّ‬
‫مصدر الحقوق األساسية كلها ودليل إنسانية اإلنسان التي تميزه عن سائر املخلوقات‪ .‬أما عن‬
‫الحريات السياسية موضوع ورقتنا البحثية فهي املرآة العاكسة ملدى ديمقراطية الدولة املجسدة فيها‬
‫‪162‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫كما أقرت معظم التشريعات الدولية والداخلية مجموعة من الضمانات ملمارسة الحقوق‬
‫والحريات العامة بصفة عامة والحريات السياسية بصفة خاصة‪ ،‬أهمها وجود دستور الدولة كقيد‬
‫على سلطانها‪ ،‬الفصل بين السلطات فالسلطة توقف السلطة‪ ،‬مبدأ تدرج القوانين ليؤكد على مبدأ‬
‫سمو الدستور‪ ،‬الرقابة على دستورية القوانين رقابة سياسية أو قضائية للتأكد من مدى مطابقة‬
‫العمل التشريعي والتنفيذي ألحكام الدستور‪ ،‬فعدم التطابق يعني اإللغاء‪.‬‬
‫ويقصد بالضمانات الدستورية مجموعة الضوابط القانونية الحامية للنصوص الدستورية من‬
‫االنتهاك ‪ ،‬أي مجموعة الوسائل واألساليب القانونية املتنوعة التي يمكن بواسطتها توفير حماية‬
‫للحقوق والحريات من أن يعتدى عليها‪ ،‬ومن مجموعة املبادئ املتعارف عليها في جميع الدول ذات‬
‫األنظمة الديمقراطية‪ ،‬أما عن الضمانات القضائية فال يختلف شخصين بأن دور القضاء في حماية‬
‫ّ‬
‫الحقوق والحريات لن يكون فعاال إال بتوفير ضمانات قانونية تتالءم مع املبادئ الدستورية والدولية‪،‬‬
‫وخلق آليات وطنية تتمثل أساسا في ضمان استقاللية القاض ي وتوفير األمن القضائي وتجسيد‬
‫االزدواجية القضائية ومبدأ التخصص بالعمل بمحاكم متخصصة‪ ،‬وإحداث هيئات قضائية عليا‬
‫تضمن توحيد ونزاهة وموضوعية الحكم‪ .‬فالقضاء هو حامي الحقوق والحريات وميزان العدالة في‬
‫الدولة‪.‬‬
‫كما ال يمكن نكران دور منظمات املجتمع املدني التي ال تهدف إلى الوصول إلى السلطة عكس‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬وإنما إلى املصلحة العامة واألمن االجتماعي بمختلف فروعه‪ ،‬وإذا ما تم االعتداء‬
‫على الحريات العامة أقرت الدول القانونية مجموعة من الحلول لجبر الضرر الناتج عن ذلك والتي‬
‫قد تصل إلى إلغاء التصرف املخالف للمشروعية‪ ،‬وهذا يتضح ببساطة في حالة الظروف‬
‫العادية‪ ،‬أما املشكل فيطرح في حالة الظروف االستثنائية ال سيما الحريات السياسية‪،‬‬
‫ونهدف من خالل ورقتنا البحثية هذه تسليط الضوء على مصير الضمانات القانونية التي وفرها‬
‫املؤسس الدستوري ملمارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية ومدى تحصينها من أي‬
‫انتهاك أو تعد من خالل االعتماد على املنهج الوصفي والتحليلي ملجموع النصوص الدستورية الواردة‬
‫في التعديل الدستوري لسنة ‪.2020‬‬
‫والسؤال الذي يطرح في هذا املوضوع ما موقف املؤسس الدستوري واملشرع الجزائري من‬
‫الحريات السياسية‪ ،‬وما مصيرها خالل الظروف االستثنائية التي قد تمربها البالد؟‪.‬‬
‫لإلجابة على هذا اإلشكال البد من التعرض للعناصرالتالية‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ /‬موقف املؤسس الدستوري الجزائري من الحريات السياسية‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫املبحث الثاني ‪ /‬تأثيرالظروف االستثنائية على الحريات السياسية وضماناتها في الجزائر‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬موقف املؤسس الدستوري الجزائري من الحريات السياسية‪.‬‬


‫شهدت معظم دول العالم ظاهرة التحول السياس ي خاصة الدول املنتمية إلى العالم الثالث التي‬
‫عرفت انتقاال من األنظمة الشمولية إلى التعددية السياسية بتداعياتها املتنوعة من حرية الرأي‬
‫والتعبير‪ ،‬الصحافة‪ ،‬الحرية النقابية والتحزب وحق املعارضة في ابداء الرأي للمصلحة العامة‪ ،‬هذا‬
‫ما سنوضحه من خالل العناصر التالية بعرض صورة الحريات العامة في التعديل الدستوري األخير‬
‫والحريات السياسية بصفة خاصة‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الصورة العامة للحريات العامة في الدستور الجزائري‪:‬‬
‫إن حياة اإلنسان الحقيقية تتجسد في حريته وكمال إنسانيته مرهونة بمدى تمتعه بحقوقه‪،‬‬
‫لهذا جسد املؤسس الدستوري الحريات العامة ورتبها في صورة نحاول شرحها فيما يلي من نقاط‬
‫الفرع األول‪ :‬قراءة موضوعية لتعداد الحريات العامة في الدستور الجزائري‪:‬‬
‫إذا كانت بعض الدول ال تفرق ضمن دساتيرها من الناحية التبويبية في معالجتها ملوضوع الحريات‬
‫بين ما يمكن أن يصاغ في شكل حريات‪ ،‬وما يمكن أن يصاغ في قالب حقوق كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للدستور السوفياتي سابقا‪ ،‬فإن دستور ‪ 1996‬قبل تعديل ‪ 2008‬قد اتخذ من الفصل الخامس من‬
‫الباب األول قسم رصدت فيه الواجبات التي تفرضها معاني املواطنة من قبيل اإلقرار بمبدأ املساواة‬
‫في دفع الضرائب وتحمل أعباء الدفاع عن الوحدة الوطنية‪ ،‬ليترك الفصل الرابع من خالل ‪ 30‬مادة‬
‫فصال خالصا ملوضوع الحريات العامة منظورا إليها كحقوق‪.‬‬
‫هذا و يتضح من خالل الدراسة املقارنة للنظامين الفرنس ي و الجزائري أن الدستور الفرنس ي‬
‫للجمهورية الخامسة قد اكتفى في باب بتعداد الحريات العامة لتبني التوطئة و الديباجة التي مهد بها‬
‫دستور الجمهورية الرابعة لعام ‪ ،1946‬و الذي يتخذ من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان و املواطن‬
‫لعام ‪ 1789‬أساسا له‪ ،‬و لعل اختالف املعايير التاريخية بين الجزائر و فرنسا جعل بالدنا تكتفي في‬
‫ديباجة دستور ‪ 1996‬باإلعراب عن تمسك الشعب الجزائري بمعاني الحرية‪ ،‬و ذلك بوصفه شعب‬
‫يؤمن بالعزة و الكرامة و يتبنى الحريات العامة‪ ،‬و هذا ما بقي في تعديل ‪ ،2016‬و تعديل ‪.2020‬‬
‫أما املوطن الذي عني فيه التعديل الدستوري الجزائري لسنة ‪2020‬بالدالالت الحقوقية ملعاني‬
‫الحريات العامة إنما كان في الباب الثاني الذي جاء تحت عنوان "الحقوق األساسية والحريات العامة‬
‫والواجبات" خصص الفصل األول للحقوق األساسية والحريات العامة ليمتد إلى ‪ 43‬مادة من املادة‬

‫‪164‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫‪ 76-34‬يتعرض فيها إلى أبرز الحريات التي تضمنها الدولة الجزائرية للمواطنين من رعاياها والرعايا‬
‫األجانب املقيمين على إقليمها‪.‬‬
‫ويتضح من خالل قراءة موضوعية للتعديل الدستوري لسنة ‪ ،2020‬أنه سكت في الفصل األول‬
‫من الباب الثاني عن وصف الحقوق والحريات على مستوى العنوان من حيث كونها حريات فردية أو‬
‫جماعية أو سياسية أو اقتصادية بل اكتفى بإضافة مصطلح األساسية كما أنه من الصواب من‬
‫الناحية املنهجية وإعماال ملبدأ االنتقال من العمومية إلى التخصيص هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫يعاب أيضا على التعديل أنه انتقل من الحريات الجماعية إلى الحريات الفردية دون أن ييهئ لذهن‬
‫القارئ هذا االنتقال‪.‬‬
‫ففي الوقت الذي يتحدث عن الحق في اكتساب الجنسية كحق شخص ي يثبت عالقة الوالء‬
‫بين املواطن ودولته في نطاق الحقوق السياسية في املادة ‪ ،36‬ثم حقوق شخصية فردية‪ ،‬فسرعان ما‬
‫يعود في املادة ‪ 37‬إلى تناول املساواة في الحقوق السياسية واالجتماعية الجماعية املكفولة في مجال‬
‫للمواطنين‪ ،‬أي االنتقال من املوضوعات السياسية إلى االقتصادية بطريقة غير مترابطة وغير‬
‫متوافقة‪.‬‬
‫لكن الجيد أنه أشار إلى األمن القانوني وسبل تحقيقه بضمان الوصول إلى تشريع الحقوق‬
‫والحريات ووضوحه واستقراره‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬تقسيم الحريات العامة في الدستور الجزائري‬
‫أصبحت الحريات العامة تتبوأ مكانا بارزا في صلب الدساتير وإعالنات الحقوق حتى أصبحت‬
‫قاعدة جوهرية وركيزة أساسية لكل تشريع أو نظام سياس ي كيفما كانت أسسه ومبادئه‪ ،‬ومهما‬
‫اختلفت مقاصده وأهدافه (الشرقاوي‪ ،)1979 ،‬إال أن دساتير الدول اختلفت في طريقة تقسيمها‬
‫لها‪ ،‬وفيما يخص الدستور الجزائري فاملوضوعات املتناولة إجماال فيه تدور حول أربع مسائل هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحريات السياسية‪ :‬والتي تعترف بضرورة إعمال املساواة بين املواطنين وحقهم في‬
‫الجنسية التي يعود أمر تحديدها إلى القانون وحده – املادة ‪ 36‬منه‪ -‬والحق في إنشاء األحزاب‬
‫السياسية ‪ -‬املادة ‪ 57‬منه ‪ ،-‬والذي يعتبر انقالبا على ما كان معمول به في دساتير سابقة التي كانت‬
‫دساتير أحادية ال تقبل النظام التعددي كحالة سياسية‪.‬‬
‫‪ -2‬الحريات االقتصادية‪ :‬كما أكد التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬على أهم ما جاء به‬
‫دستور ‪ 1996‬وتعديل ‪ 2016‬في الباب االقتصادي وهو فتح باب التجارة‪ ،‬وجعلها نشاطا حرا كمظهر‬
‫من مظاهر سياسة االنفتاح التي اعتمدتها الجزائر في السنوات األخيرة‪ ،‬بعد أن كانت التجارة‬
‫‪165‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫الخارجية حكرا على الدولة فقط‪ ،‬وقد اعتبرت املادة ‪ 61‬من الدستور التجارة والصناعة حرة في‬
‫ممارستها في حدود ما يسمح به القانون وأضاف االستثمار واملقاولة وأكد على جهد الدولة في حماية‬
‫املستهلكين وضمان أمنهم وسالمتهم وصحتهم وحقوقهم االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -3‬الحريات الكفيلة بضمان األمن القضائي‪ :‬يشمل هذا الصنف من الحريات على‬
‫بعض الحقوق التي يمكن أن توصف بالبعد الدفاعي وضمان فكرة املحاكمة العادلة (بودالي‪،‬‬
‫‪ ،)2011‬من حيث التأكيد على مبدأ املشروعية وقرينة البراءة وكذا إقرار الحق في التعويض عن‬
‫الخطأ القضائي‪ ،‬فضال عن الحد من التعسف الذي يمكن أن يتعرض له املواطن إبان مرحلة جمع‬
‫االستدالالت والتحريات األولية إذ قيد التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬اإليقاف للنظر ملدة ‪48‬‬
‫ساعة كأصل عام في املادة ‪.46-45‬‬
‫‪ -4‬الحريات ذات الطابع االجتماعي‪ :‬ما جاء به هذا الصنف من الحريات ال يزيد إال‬
‫تأكيدا على التحويل الذي عرفته املنظومة الدستورية بالجزائر‪ ،‬إذ أقرت صراحة الحق في العمل بل‬
‫وأحاطته بسياج منيع من الضمانات الليبرالية كالحق في تشكيل النقابات وحق ممارسة اإلضراب‪.‬‬
‫كما جاء في التعديل الدستوري ‪2020‬حقوق أخرى كالحق في التعليم والرعاية الصحية ولحق في‬
‫تأمين العيش الكريم للمواطنين العاجزين عن العمل من معوقين ومسنين‪ ،‬هذا وتجدر اإلشارة في‬
‫األخير إلى أنه فضال عن اإلملام بمسائل الحريات العامة فإن واضعي الدستور ‪ 1996‬ذكروا في الباب‬
‫السابع والخاص بأحكام تعديل الدستور ‪ 178-174‬أنه ال يجوز أن يمس أي تعديل دستوري لبعض‬
‫األمور هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الطابع الجمهوري للدولة‪.‬‬
‫‪ -2‬النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلسالم باعتباره دين الدولة‪.‬‬
‫‪ -4‬اللغة العربية باعتبارها لغة وطنية ورسمية‪.‬‬
‫‪ -5‬الحريات األساسية وحقوق اإلنسان واملواطن‪.‬‬
‫‪ -6‬سالمة التراب الوطني ووحدته‪.‬‬
‫وأكد على ذلك التعديل الدستوري لسنة ‪ 2016‬في املادة ‪ 212‬منه إال أنه أضاف‪:‬‬
‫‪-7‬العلم الوطني والنشيد الوطني باعتبارهما من رموز الثورة والجمهورية‪.‬‬
‫‪-8‬إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة فقط‪.‬‬
‫أما التعديل الدستوري األخير لسنة ‪ 2020‬فأضاف الطابع االجتماعي للدولة في النقطة ‪ 3‬قبل‬
‫اإلسالم باعتباره دين الدولة‪ ،‬تمازيغت كلغة وطنية ورسمية‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫لكن سنركز في ورقتنا البحثية هذه على الحريات السياسية التي اعتبرها اإلسالم حق األفراد في‬
‫املشاركة في سلطات الحكم‪ ،‬إنشاء‪ ،‬وإدارة‪ ،‬توجيه وتنفيذ كل ما يتعلق بأمور الدولة وشؤونها‬
‫(قريش ي‪.)2005/2004 ،‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الحريات السياسية في الدستور الجزائري‪:‬‬
‫يعد موضوع ممارسة الحريات السياسية ذا أهمية بالغة في نظام الحريات بصفة عامة‪ ،‬فإفساح‬
‫املجال للوصول إلى السلطة واملشاركة فيها يؤدي ال محالة إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية التي تحكم‬
‫التداول السلمي عليها بواسطة آليات دستورية‪ ،‬وهذا يحقق االستقرار السياس ي في الدولة وما يترتب‬
‫عليه من استقرار اقتصادي واجتماعي‪ ،‬وقد شهدت تطورا وتحوال جذريا عبر مختلف دساتير‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الحريات السياسية‬
‫بالنظر إلى التقسيمات املختلفة للحريات العامة ومع تباين وجهات النظر حول مدى اعتبار‬
‫الحرية السياسية صورة من ذلك التقسيم من عدمه‪ ،‬فنرى أنها ال تعد حرية باملعنى الفني الدقيق بل‬
‫ال تعدو أن تكون حق املواطنين في املساهمة في حكم الدولة وأو تلك التي تحكمها العالقة بين الحاكم‬
‫وا ملحكوم وتتصف بنشاط سياس ي كما يعتبرها البعض حرية حامية أي وسيلة فاعلة لحماية الحرية‬
‫الفردية إال أنه يقتصر التمتع بها على الوطنيين دون األجانب‪.‬‬
‫فالحرية السياسية تعتبر حق املواطن في املشاركة في شؤون الحكم والسلطة باملساهمة في‬
‫تكوين الهيئات الحاكمة عن طريق االنتخاب والترشيح أو باالشتراك معها في صنع القرارات ورسم‬
‫السياسات باالستفتاء وغيره من أوجه الديمقراطية كحق تكوين الجمعيات واألحزاب السياسية‬
‫والنقابات وغيرها‪ ،‬فيمكن القول أن الشعب يمتلك حريته السياسية إذا كان يحكم نفسه بنفسه‬
‫باختياره لحكامه بإرادة حرة واملساهمة في صنع القوانين وهذا بحق التصويت والترشح وتولي‬
‫الوظائف العامة‪...‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نماذج عن الحريات السياسية في الدستور الجزائري‬
‫إن تحقق التنمية واالستقرار داخل املجتمع وهي الغاية املنشودة في كل مجتمع منظم ال يكون‬
‫إال من خالل كفالة الحريات السياسية‪ ،‬وهي الحقوق التي يكتسبها الشخص شرعا ويساهم‬
‫بواسطتها في إدارة شؤون دولته أو في حكمها باعتباره من مواطنيها (الطعيمات‪ ،)2000 ،‬وعلى رأسها‬
‫حرية التحزب أو االنضمام إلى األحزاب السياسية (ديفرجيه‪ ،)2011 ،‬حرية اإلعالم وحرية إنشاء‬
‫الجمعيات واالنضمام إليها (رحموني‪.)2015 ،‬‬
‫‪167‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫أ‪-‬بالنسبة لحرية إنشاء الجمعيات‪:‬‬


‫نضمها في الجزائر القانون العضوي رقم ‪ 06/12‬بعد أن أقر املؤسس الدستوري في املادة ‪54‬‬
‫من التعديل الدستوري لسنة ‪" 2016‬حق إنشاء الجمعيات مضمون‪ ،‬تشجع الدولة ازدهار الحركة‬
‫الجمعوية‪ .‬يحدد القانون العضوي شروط وكيفيات إنشاء الجمعيات"‪ ،‬إال أن البعض انتقد تشديد‬
‫إجراءات تأسيس الجمعيات وممارسة نشاطها مثل اشتراط إذن مسبق من الحكومة في املادة ‪ 08‬من‬
‫قانون ‪ ،06/12‬لكن التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬قد صرح بإمكانية انشاء الجمعيات بمجرد‬
‫التصريح بدل أسلوب الترخيص في نص املادة ‪ 53‬بقولها «حق إنشاء الجمعيات مضمون‪ ،‬ويمارس‬
‫بمجرد التصريح به‪...‬كما وفر لها حماية دستورية تمثلت في آخر فقرة من املادة السابقة التي تقر‬
‫"‪...‬ال تحل الجمعيات إال بمقتض ى قرار قضائي"‬
‫ب‪-‬بالنسبة لحرية التحزب‪:‬‬
‫فالتجربة الجزائرية الحزبية (سويقات‪ ،‬العدد ‪ )4/2006‬قد شهدت تطورا جذريا من عهد‬
‫الحزب الواحد إلى تشجيع التعددية الحزبية و النقابية‪ ،‬إذ صرح املؤسس الدستوري في تعديله‬
‫األخير ‪-‬و لم يكن بنص مستحدث‪ -‬و إنما تم إضافة ما يؤكد على حرية إنشاء األحزاب في املادة ‪ 52‬من‬
‫دستور ‪ 2016‬و املادة ‪ 57‬من التعديل الدستوري لسنة ‪"2020‬حق إنشاء األحزاب السياسية معترف‬
‫به و مضمون" لكنه قيده حماية للمصلحة العامة بإلزامية احترام مجموعة من الضوابط و هي "‪..‬ال‬
‫يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات األساسية و القيم و املكونات األساسية للهوية الوطنية‪ ،‬و‬
‫الوحدة الوطنية‪ ،‬و أمن التراب الوطني و سالمته‪ ،‬و استقالل البالد و سيادة الشعب‪ ،‬و كذا الطابع‬
‫الديمقراطي و الجمهوري للدولة "‪،‬و ال استعمال ما سبق ذكره من معايير للدعاية الحزبية و أكد‬
‫على ضمان الدولة للمعاملة املنصفة بين كل األحزاب املعتمدة دون تمييز أو تفرقة و ال استعمال أي‬
‫نوع من العنف قد وضح و فصل نوعا ما املؤسس الدستوري في نص املادة السابقة بسبب انتقاد‬
‫الكثير الغموض وعدم الوضوح في القيود السابقة قبل ‪ ،2020‬مما من شأنه بروز تعسف إداري من‬
‫قبل السلطات التنفيذية في مراحل تأسيس ونشاط والرقابة على األحزاب السياسية (فاطمة‪،‬‬
‫‪.)2014‬‬
‫كما أن املؤسس الدستوري قد منع تأسيس األحزاب السياسية على معايير تمييزية أو اقصائية‬
‫لفئات معينة‪ ،‬حتى ال تمتاز األحزاب السياسية بالجهوية أو التعصب‪ ،‬بنصه في نفس املادة ‪..." 52‬ال‬
‫يجوز تأسيس األحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنس ي أو منهي أو جهوي‪،"...‬‬
‫وقد منح األحزاب السياسية ما تتطلبه املمارسة السياسية من حقوق أهمها حرية الرأي‪ ،‬التعبير‪،‬‬
‫االجتماع‪ ،‬وممارسة السلطة محليا ووطنيا من خالل التداول الديمقراطي‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫ج‪-‬حرية الرأي (التعبيرواالتصال) والصحافة‪:‬‬


‫يرجع أصل مفهوم حرية الرأي إلى عهد امللك وليام الثالث الذي جاء بعد الثورة بحيث صدر في‬
‫عهده قانون رسمي لحرية الكالم في البرملان‪ ،‬و اعتبر في فرنسا إعالن حقوق اإلنسان و املواطن لسنة‬
‫‪ 1789‬حرية الرأي جزء أساس ي من حقوق املواطن‪ ،‬أما في الو‪.‬م‪.‬أ‪ .‬فلم تطبق ما جاء في دستورها من‬
‫حرية الرأي و املساواة حيث كانت تعتبر آنذاك في فترة ما بين {‪}1776-1778‬معارضة الحكومة‬
‫الفدرالية جريمة يعاقب عليها القانون‪ ،‬فضال على أنه لم تكن هناك مساواة في حقوق حرية التعبير‬
‫بين البيض و السود‪ ،‬إذ يعتبر جون ستيوارت ميل (‪ )1806-1837‬من األوائل الذين نادوا بحرية‬
‫التعبير إذ قال‪" :‬حرية الرأي تشمل أي رأي مهما كان و لو في أشالئنا"‪ ،‬يقصد بها حق الشخص في‬
‫التعبير عن أفكاره و وجهات نظره الخاصة عن طريق الكالم أو الكتابة أو عمل فني‪ ،‬بشرط أن ال‬
‫يمثل مضمون األفكار أو طريقة نشرها خرقا للقوانين و أعراف الدولة‪ ،‬ويتفرع عن حرية الرأي حرية‬
‫وسائل التعبير و النشر من صحافة‪ ،‬مؤلفات‪ ،‬إذاعة مسموعة ومرئية‪ ،‬مسرح و سينما و غير ذلك‬
‫من الوسائل‪ ،‬و قد نصت املادة ‪ 19‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان على حرية الرأي بقولها ‪":‬لكل‬
‫شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق اآلراء دون أي تدخل‪ ،‬استقاء‪،‬‬
‫تلقي‪ ،‬إذاعة األنباء و األفكار دون تقيد بالحدود الجغرافية بأية وسيلة كانت"‪ ،‬كما جاء في املادة ‪11‬‬
‫من االتفاقية الدولية للحقوق املدنية و السياسية "لكل فرد الحق في اتخاذ اآلراء دون تدخل‪ ،‬لكل‬
‫فرد الحق في حرية التعبير‪ ،‬و هذا الحق يشمل حرية البحث عن املعلومات أو األفكار من أي نوع‬
‫واستالمها‪ ،‬ونقلها بغض النظر عن الحدود‪ ،‬وذلك إما شفاهية أو كتابية أو طباعة‪ ،‬وسواء كان ذلك‬
‫في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها"‪ ،‬هذا وأقرت نفس املادة إمكانية التقييد من هذه الحرية‬
‫باالستناد إلى القانون وذلك من أجل احترام الحقوق والسمعة واألخالق "‪ ،‬واملؤسس الدستوري‬
‫الجزائري نص على حرية الرأي مع حرية العقيدة في نفس النص في املادة ‪ 51‬من التعديل الدستوري‬
‫لسنة ‪.2020‬‬
‫كما نص على حرية الصحافة بكل أنواعها ونص عل عدم تقييدها بأي شكل من أشكال‬
‫الرقابة القبلية في املادة ‪ 54‬من التعديل الدستوري‪ ،‬لكن بشرط عدم مساسها بكرامة الغير‬
‫وحرياتهم وحقوقهم‪ ،‬كما أقر حماية للصحفيين بأن منع خضوع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة‬
‫للحرية‪.‬‬
‫وقد انتقد البعض القانون العضوي املتعلق باإلعالم على أنه اعتبر اإلعالم في املادة ‪ 02‬منه‬
‫نشاط البد من احترام في ممارسته العديد من الشروط التي حددها املشرع‪ ،‬وليس حقا للمواطن‬
‫‪169‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫والذي يمكنه من االطالع بكيفية كاملة وموضوعية على مستجدات مختلف مناحي الحياة‪ ،‬وهذه‬
‫الشروط اتسمت بعدم الدقة والغموض مثل احترام الهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع‬
‫والسيادة الوطنية والوحدة الوطنية‪ ،‬ومتطلبات أمن الدولة‪ ،‬واملصالح االقتصادية للبالد‪...‬‬
‫كما فرض قيودا على مبدأ حرية اإلصدار من خالل شكليات معززة وإجراءات اعتماد وغيرها‬
‫من الشروط‪ ،‬التي تثقل كاهل مسؤول النشرية‪ ،‬ومنح صالحيات واسعة لضبط الصحافة املكتوبة‪.‬‬
‫إال أنه تدارك هذا من خالل دستور الجزائر الجديدة ‪ 2020‬إذ نص صرحة على حرية‬
‫الصحافة املكتوبة والسمعية البصرية واإللكترونية كما كفل حماية لحرية تعبير وإبداع الصحفيين‬
‫وحتى متعاوني الصحافة واستقالليتهم ومنحهم الحق في انشاء الصحف والنشريات بمجرد التصريح‬
‫ومنع نه ائيا خضوع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية كما وال يمكن توقيف نشاط أي صحف أو‬
‫نشريات أو قنوات ‪..‬إال بمقتض ى قرار قضائي‪ ،‬ونرى في هذا ضمانات دستورية هامة لحرية التعبير‬
‫والصحافة في الجزائر تؤهلها ألن تكون سلطة رابعة و قوة ضاغطة شريطة استغاللها للمصلحة‬
‫العامة وملصلحة البالد‪.‬‬
‫د‪-‬حرية االجتماع‪:‬‬

‫قبل تحديد املقصود من حرية االجتماع ينبغي أوال تعريف التجمع وتسليط الضوء على بعض‬
‫املفاهيم كاملظاهرة والتجمهر‪ ،‬فالتجمع لغة من الجمع‪ ،‬اسم لجماعة الناس‪ ،‬وجمع املتفرق ضم‬
‫بعضه إلى بعض‪ ،‬فيقال تجمع القوم أي انضم بعضهم إلى بعض‪ ،‬اجتمعوا هنا وهناك‪ ،‬وانضم‬
‫ّ‬
‫وتألف‪ ،‬احتشد وتجمهر‪ ،‬تكتل‪ ،‬كما يقال جمع هللا القلوب أي ألفها‪ ،‬واألمر الجامع هو ما يجتمع‬
‫الناس ألجله‪ ،‬واإلجماع هو اتفاق الخاصة أو العامة على أمر من األمور‪ ،‬ويقال استجمع القوم‪:‬‬
‫تجمعوا من كل صوب‪ ،‬والجامع هو املسجد الجامع الذي تصلي فيه الجماعة‪.‬‬
‫وقد عرفه الفقيه هوريو‪" :‬االجتماع العام هو تجمع مؤقت لعدد من األفراد لتحقيق وحدتهم‬
‫أو التفكير معا"‪ ،‬ويؤيده في ذلك الفقيه بارتيليمي قائال‪« :‬االجتماع العام عبارة عن تجمع مؤقت لعدد‬
‫من األشخاص بناء على تدبير أو تنظيم سابق‪ ،‬بغية سماع وعرض األفكار أو تبادلها من أجل الدفاع‬
‫عن اآلراء أو املصالح املشتركة‪ ،‬كما عرفه مجلس الدولة الفرنس ي في قضية ‪ DELMOTTE‬سنة‬
‫‪ "1915‬االجتماع العام هو عبارة عن تجمع مؤقت يربط مجموعة من األفراد بهدف عرض اآلراء‬
‫واألفكار للتشاور من أجل الدفاع عن مصالحهم "‪.‬‬
‫بالتالي فحرية االجتماع هي تمكين األفراد من االجتماع فترة من الوقت ليعبروا عن آرائهم‬
‫باملناقشة أو تبادل الرأي أو الدفاع عن رأي معين وإقناع اآلخرين بالعمل به أو على سبيل التعليم‬

‫‪170‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫واملنفعة العامة (لعشب‪ ،)2001 ،‬ويعرف االجتماع على أنه ما يعقد من قبل جمع من الناس لغرض‬
‫عام وفي محل أو في مكان خاص يستطيع دخوله أشخاص بال إذن وبال دعوة شخصية‪.‬‬
‫أما املظاهرة فتعني حشد منظم يسير في امليادين أو الشوارع العامة لغرض عام‪ ،‬بخالف حرية‬
‫االجتماع فهي تمتع الفرد بالحق في االجتماع مع من يريد من األفراد اآلخرين في مكان معين و في‬
‫الوقت الذي يراه للتعبير عن اآلراء ووجهات النظر‪ ،‬سواء بالخطب أو الندوات أو املحاضرات أو‬
‫النقاشات‪ ،‬وتعني أيضا الحق في إصدار املنشورات و التوصيات الناتجة عن االجتماعات‪ ،‬وال تعتبر‬
‫محكمة النقض الفرنسية – حكمها في ‪ - 1903/03/01‬ومجلس الدولة الفرنس ي أيضا في‬
‫‪ - 1915/08/06‬التقاء مجموعة من الناس في مقهى على أنه اجتماع‪ ،‬ونصت عليه املادة ‪ 20‬من‬
‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان"‪ ،‬لكل شخص حرية االشتراك في تكوين جمعيات والجماعات‬
‫السلمية "‪ ،‬واملادة ‪ 11‬من االتفاقية األوروبية واملادة ‪ 15‬من االتفاقية األمريكية‪ ،‬كما نصت املادة ‪21‬‬
‫من االتفاقية الدولية للحقوق املدنية و السياسية على أنه "يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به‪،‬‬
‫و ال يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إال تلك التي تفرض طبقا للقانون ‪ ،‬وتشكل‬
‫تدابير ضرورية‪ ،‬في مجتمع ديمقراطي‪ ،‬لصيانة األمن القومي أو السالمة العامة أو النظام العام أو‬
‫حماية املصلحة العامة أو اآلداب العامة‪ ،‬أو حماية حقوق اآلخرين وحرياتهم "‪،‬وتجدر اإلشارة إلى أن‬
‫حرية االجتماع شأنها شأن الحقوق و الحريات األخرى ترد عليها بعض القيود أهمها‪:‬‬
‫وجوب الحصول على إجازة أو رخصة سابقة من السلطة اإلدارية املختصة‪ ،‬و حق هذه األخيرة‬
‫في تفريق االجتماع أو املظاهرة في حالة االبتعاد عن الهدف املسطر لها‪ ،‬أو حدوث حالة فوض ى أو إذا‬
‫ارتكب فيها أعمال إجرامية تخل باألمن و النظام العام‪ ،‬أو إذا تعرضت حياة األفراد و حرياتهم للخطر‬
‫(صوفي‪ ،‬العدد ‪ ،)2011/08‬و نصت سابقا املادة ‪ 41‬من دستور ‪ 1996‬على حرية االجتماع بعد إقرار‬
‫التعددية الحزبية و النقابية بالقول "حريات التعبير و إنشاء الجمعيات و االجتماع مضمونة‬
‫للمواطن "‪ ،‬و بعد التعديل جاء النص على هذه الحرية في املادة ‪ 48‬مع حرية التعبير و إنشاء‬
‫الجمعيات‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن قانون تكوين الجمعيات و األحزاب السياسية هو قانون عضوي‬
‫ويتفرع عن هذا الحق مباشرة الحقوق السياسية التي تمكن األفراد من املشاركة في الشؤون العامة‬
‫للدولة كالحق في الترشح و االنتخاب و االستفتاء (زغيب‪....)2004 ،‬‬
‫أما تعديل ‪ 2020‬فقد نص املؤسس الدستوري على حرية التعبير واالجتماع والتظاهر السلمي‬
‫في نفس املادة وخفف من إجراءاتها بأن سمح بممارسة هذه الحريات السياسية بمجرد التصريح‬
‫وليس بضرورة الترخيص‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫و يجدر التذكير أن نص املادة ‪ 49‬من تعديل ‪ 2016‬هو الذي قرر حرية التظاهر السلمي و التي‬
‫ينظمها القانون‪ ،‬وهو املصطلح الذي أضافه املؤسس الدستوري ليدخل ضمن ما يتفرع عن الحق في‬
‫التجمع من حريات سياسية ‪ ،‬أما التجمهر فهو تجمع جمهور من الناس في مكان عام أو طريق عمومي‬
‫سواء كان مسلح أو غير مسلح‪ ،‬بحيث يشكل هذا التجمع خطر على النظام العام‪ ،‬والفرق بينه وبين‬
‫املظاهرة أن هذه األخيرة سلمية وغير مسلحة وتقودها مجموعة من املواطنين للتعبير عن أراءها في‬
‫بعض املسائل االجتماعية أو السياسية‪ ،‬وال تعرقل الهدوء العمومي ألنها مرخصة من جهات مختصة‬
‫بعد التأكد من احترامها للقيود و الضوابط التي يفرضها القانون‪ ،‬أما التجمهر فقد يشكل جريمة‬
‫يعاقب عليها قانون العقوبات إذا لم يمتثل املتجمهرين لنداء السلطات العامة املختصة بالتفريق‪.‬‬
‫ه‪-‬حرية الترشح واالنتخاب‪:‬‬
‫حرية الترشح في االنتخابات من الحريات السياسية التي تعتبر حديثا عصب الديمقراطية‬
‫وأساس التعبير واملشاركة السياسية الشعبية وتعني ضمان حق االنتخاب لتولي وظائف أو مناصب‬
‫عليا يسمح القانون تقلدها بهذا النمط والسماح للمواطنين بإبداء رأيهم باالستفتاء‪ ،‬وتم النص عليها‬
‫في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في نص املادة ‪" 21‬لكل فرد الحق في االشتراك في إدارة الشؤون‬
‫العامة لبالده إما مباشرة و إما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا"‪ ،‬كما نصت عليه املادة ‪ 25‬من‬
‫العهد الدولي للحقوق املدنية والسياسية والتي جاء فيها " لكل مواطن الحق و الفرصة دون تمييز مما‬
‫ورد في املادة ‪ 2‬ودون قيود غير معقولة في ‪-‬أ‪ -‬أن يشارك في سير الحياة العامة إما مباشرة أو عن طريق‬
‫ممثلين مختارين بحرية‪-.‬ب‪ -‬أن ينتخب وأن ينتخب في انتخابات دورية أصلية وعامة وعلى أساس من‬
‫املساواة على أن تتم االنتخابات بطريق االقتراع السري وأن تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين"‬
‫وقد أقر بدوره املؤسس الدستوري في نص املادة ‪ 56‬من التعديل الدستوري ‪ 2020‬على حق‬
‫املواطن في االنتخاب أو أن ينتخب متى توافرت فيه الشروط القانونية وهذا يمكن املواطنين من‬
‫تجسيد الديمقراطية التشاركية في تسيير شؤون الدولة عن طريق هيئات منتخبة على مستوى‬
‫الالمركزية املحلية وحتى بالنسبة للهيئة التشريعية عن طريق انتخاب من يمثلوهم في البرملان وغيره‬
‫من مؤسسات الدولة‪( .‬فراجي ع‪)2019 ،.‬‬
‫من خالل استعراضنا املختصر ألهم الحريات السياسية نالحظ ارتباطها وتأثيرها املباشر‬
‫بالنظام العام‪ ،‬ال سيما األمن العام واستقرار الدولة ومؤسساتها لهذا قيد املؤسس الدستوري‬
‫واملشرع الجزائري ممارستها بعدة قيود و ضوابط البد من احترامها تحت طائلة عقوبات إدارية وأخرى‬
‫جزائية مثل ما هو منصوص عليه في قانون األحزاب السياسية‪ ،‬هذا في ظل الظروف العادية ‪ ،‬فما‬
‫بالك في ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬وهذا ما سنتعرض له في النقطة التالية ‪ :‬إال أن املشرع تدارك‬
‫‪172‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫سلبيات كثرة التقييد العتباره كبحا و تقييدا لهذه الحريات و قرر ضمانات أكبر ملمارستها و خفف‬
‫من إجراءاتها و أهمها استبدال إجراء الترخيص بإجراء التصريح فقط‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬تأثيرالظروف االستثنائية على الحريات السياسية وضماناتها في الجزائر‪:‬‬


‫إن التمسك بمبدأ املشروعية في جميع الظروف قد يؤدي إلى عرقلة نشاط اإلدارة وإصابتها‬
‫بالجمود كما قد يصل إلى حد تعريض أمن الدولة واستقرارها للخطر‪ ،‬والتأثير سلبا على النظام‬
‫العام وعلى سير املرافق العامة بانتظام واضطراد‪ ،‬إذ قد تمر البالد بظروف استثنائية وتكون‬
‫النصوص القانونية القائمة فيها عاجزة عن مجابهة هذه الظروف‪ ،‬وفي نفس الوقت اإلدارة مكلفة‬
‫بإيجاد حلول سريعة وفعالة‪ ،‬وال يمكنها التقيد املطلق بمبدأ املشروعية كما في الظروف العادية‪،‬‬
‫فتضطر إلى اتخاذ إجراءات غير عادية وغير مألوفة إلصالح الوضع‪.‬‬
‫وهذه االختصاصات االستثنائية ستمس ال محالة بحقوق وحريات األفراد مما يفرض على الدولة‬
‫بأجهزتها عبء بذل مجهود للحد من ذلك املساس‪ ،‬خاصة وأن فكرة الظروف االستثنائية غامضة‬
‫تجد تبريرها في فكرة املصلحة العامة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم الظروف االستثنائية‪:‬‬
‫قد ساهم القانون الدولي في تنظيم األنظمة القانونية للظروف االستثنائية بصفة جزئية مثل‬
‫االتفاقية األوروبية لحماية حقوق اإلنسان وحرياته األساسية في ‪ 1950-11-04‬في املادة ‪ ،15‬والتي‬
‫تشير إلى الحق في الخروج عن املشروعية العادية في حالة الخطر العام الذي يهدد حياة األمة‪ ،‬وكذا‬
‫عهد األمم املتحدة املتعلق بالحقوق املدنية والسياسية لسنة ‪ 1966‬الذي انظمت إليه الجزائر في‬
‫ماي ‪ 1989‬في املادة ‪ " 04‬يجوز للدول األطراف في االتفاقية الحالية في أوقات الطوارئ العامة التي‬
‫تهدد حياة األمة‪ ،‬والتي يعلن عن وجودها بصفة رسمية أن تتخذ من اإلجراءات ما يحلها من‬
‫االلتزامات طبقا لالتفاقية الحالية إلى املدى الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع"‪ ،‬فما املقصود‬
‫بهذه النظرية و ماهي شروط تطبيقها؟ هذا ما سنتعرض له في النقاط املوالية‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف نظرية الظروف االستثنائية‪:‬‬
‫أشار إلى النظرية أيضا امليثاق العربي لحقوق اإلنسان في ‪ 15‬سبتمبر ‪ 1994‬املادة ‪ .04‬لكن لم‬
‫يضع التشريع تعريفا مانعا للظروف االستثنائية بل ترك املسألة للفقه والقضاء والذي لم يكتفي‬
‫بوضع التعريف وإنما حدد حتى الشروط الواجب على اإلدارة احترامها أثناء اتخاذها لهذه اإلجراءات‬
‫االستثنائية‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫فإعماال ملبدأ املشروعية يتعين على اإلدارة االلتزام بالقانون في أي وقت وأيا كانت الظروف‪،‬‬
‫غير أن هذا املفهوم وإن كان صالحا في ظل ظروف وأزمة عادية يكون غير صالح في ظل ظروف وأزمة‬
‫استثنائية غير عادية‪ ،‬حيث قد يترتب على اإلصرار في تطبيق اإلجراءات العادية استفحال األزمة مما‬
‫يؤدي إلى انهيار الدولة أو على األقل تعريض سالمتها و أمنها ملخاطرة شديدة‪ ،‬و هذه الحاالت الطارئة‬
‫التي يتعرض لها املجتمع قد تكون بفعل اإلنسان كالحرب واالنقالب‪ ،‬أو كوارث طبيعية كالفيضانات‬
‫والزالزل وانتشار األوبئة‪ ،‬مما يهدد كيانه ويعرض تنظيمه السياس ي واالقتصادي ألخطار كبيرة‪ ،‬وكلها‬
‫ظروف تتصف بالفجائية وعدم التوقع ومن خصائصها الخطورة وعدم االستمرار‪ ،‬فهي بطبيعتها‬
‫مؤقتة فيما تحدثه من إخالل بالنظام العام (األخضر)‪ ،‬و في مثل هذه الظروف االستثنائية البد أن‬
‫توسع اإلدارة من اختصاصات عملها حتى وإن خرجت هذه االختصاصات الجديدة عن الضوابط‬
‫املقررة في القوانين املعمول بها‪ ،‬ألن هذه األخيرة لن تساعد اإلدارة في مواجهة تلك الظروف التي‬
‫تقتض ي سرعة التصرف حفاظا على سالمة البالد‪ ،‬ودرأ األخطار عنها ألجل الحفاظ على مفهوم دولة‬
‫القانون ‪.‬‬
‫ويرجع أصل النظرية إلى الحرب العاملية الثانية ‪ 1914‬بفرنسا‪ ،‬حيث وقعت ظروف هددت‬
‫كيان الدولة أدى باإلدارة إلى الخروج عن مبدأ املشروعية‪ ،‬وهذا ما أدى إلى املساس ببعض الحقوق‬
‫والحريات لألفراد الذين تقدموا بطعون أمام القضاء اإلداري لجبر الضرر الذي تسببت فيه اإلدارة‬
‫أثناء مجابهتها لهذه الظروف‪ ،‬فوجد القاض ي اإلداري تبرير لإلدارة هو املصلحة العامة‪ ،‬وأقر نظرية‬
‫سماها في البداية نظرية سلطات الحرب‪.‬‬
‫لكن القضاء الفرنس ي لم يقم بوضع تعريف جامع مانع للنظرية وال حتى وضع معيار لها وهذا‬
‫حتى ال يقيد نفسه وتبقى له االستقاللية في تكييف الظروف على أنها استثنائية أم ال‪.‬‬
‫جاهد الفقه من أجل تشييد نظرية عامة تحتوي فكرة املشروعية االستثنائية ‪ -‬مشروعية‬
‫األزمات ‪ -‬وذلك لكي يكون أساسا قانونيا ألي خروج عن الحدود التي تضعها القوانين الوضعية‬
‫القائمة‪ ،‬كما قد عرفها ‪ vedel‬بأنها "وضع غير عاد وخطير يحتم ضرورة التصرف على وجه السرعة‬
‫من أجل الحفاظ على املصلحة العامة نظرا لعدم إمكان إعمال القواعد العادية" وأيده ‪Birat et‬‬
‫‪.Odent‬‬
‫وفي هذا الشأن وألجل مجابهة هذه الظروف تتخير الدول الحلول التي ترى أنها أكثر مالئمة في‬
‫مواجهتها وفق أسلوبين‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫‪ -1‬أسلوب النظام األنجلوسكسوني –أسلوب التفويض التشريعي ‪:-‬‬


‫حيث ال تنظم سلفا حالة الطوارئ بقانون لكن هذا األسلوب يعطي للسلطة التنفيذية الحق‬
‫في التوجه إلى البرملان الستصدار قانون ينظم سلطات الضبط اإلداري في مثل هذه الظروف‪،‬‬
‫والوسائل التي يجوز لها استخدامها‪ ،‬كما لإلدارة أن تحد من الحريات بقدر أكبر عن املعتاد بفرض‬
‫قيود أشد وطأة من تلك املفروضة في الظروف العادية‪ ،‬مع خضوع كل تصرفاتها لرقابة القضاء‬
‫(الجبراني‪)2005 ،‬اإلداري طبعا حماية للحريات والحقوق‪.‬‬
‫‪-2‬أسلوب النظام الالتيني‪:‬‬
‫ويتضمن إقرار قوانين خاصة صادرة من السلطة التشريعية ملواجهة الظرف االستثنائي سابقة‬
‫على حدوثه‪ ،‬األمر الذي يمكن السلطة التنفيذية من مواجهتها فور حدوثها عن طريق إعالنها لحالة‬
‫الطوارئ‪ ،‬أو األحكام العرفية أو التعبئة العامة وتطبيق أحكام القانون بسرعة وفاعلية‪ ،‬إلزالة‬
‫الخطر الناجم عن هذه الظروف غير املتوقعة دون الحاجة للرجوع إلى البرملان الستصدار تشريع‬
‫بذلك (القحطاني‪ ،‬الضبط اإلداري سلطاته و حدوده‪.)2002 ،‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط تطبيق نظرية الظروف االستثنائية‪ -‬مشروعية األزمات –‬
‫كان للقضاء اإلداري في فرنسا دورا بارزا في تشييد النظرية كما رأينا‪ ،‬وذلك بوضع الضوابط‬
‫الدقيقة التي تكفل رقابة فعالة على عمل اإلدارة في إطار موازنة دقيقة بين اعتبارات املحافظة على‬
‫حقوق األفراد وحرياتهم‪ ،‬وبين سالمة الدولة وذلك بإلزامية توافر شروط وقيود معينة لتطبيق‬
‫النظرية وهذا نظرا لخطورة السلطات الواسعة التي تتمتع بها اإلدارة في ظل الظروف االستثنائية‬
‫يمكن إيجازها فيما يلي‪:‬‬
‫• وجود الظرف االستثنائي‪:‬‬
‫وعلى القضاء التأكد منه ومن التالزم ما بين ممارسة السلطات االستثنائية املستخدمة و الظرف‬
‫االستثنائي‪ ،‬أي البد من ارتباط تمتع اإلدارة بالسلطات الواسعة بالظرف االستثنائي‪ ،‬و ما نعنيه هنا‬
‫بالظرف االستثنائي هو وجود خطر جسيم حال يهدد أمن وسالمة ووجود الدولة‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫صعوبة تحديد معيار دقيق لجسامة الخطر فإنه على األقل يجب أن يخرج عن إطار املخاطر‬
‫املتوقعة أو املعتادة في حياة الدولة‪ ،‬فهو خطر غير مألوف من حيث النوع وكبير من حيث املدى‪ ،‬أما‬
‫املقصود بأن يكون الخطر حاال فهو أال يكون خطرا محتمال مستقبال‪ ،‬وأال يكون قد وقع وانتهى‪،‬‬
‫فالخطر الحال إذن هو الذي يكون بدأ فعال أو على وشك الوقوع دون أن يكون قد انتهى بعد بحيث‬
‫ال تجد اإلدارة أي فرصة للجوء إلى وسيلة أخرى ملواجهته (محمد‪.)2005 ،‬‬
‫‪175‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫تناسب اإلجراء االستثنائي املتخذ مع الظرف االستثنائي من حيث مداه‬ ‫•‬


‫وخطورته‪:‬‬
‫البد أن تكون اإلجراءات التي تتخذها اإلدارة في الظروف االستثنائية هي ما تستدعيه وتقتضيه‬
‫الضرورة القصوى وفي حدود هذه الضرورة‪.‬‬
‫• استحالة تطبيق واحترام قواعد املشروعية العادية مع هذه الظروف‪:‬‬
‫أي أن مواجهة هذه الظروف تكون غير مجدية بالطرق العادية‪ ،‬هذا يعني أنه إذا وجدت وسيلة‬
‫قانونية أو دستورية تستطيع اإلدارة اتخاذها في مواجهة املخاطر‪ ،‬فعليها ذلك دون الرجوع إلى نظرية‬
‫الظروف االستثنائية‪ ،‬إذ يصبح هذا أمرا يمكن االستغناء عنه‪.‬‬
‫• تعرض املصلحة العامة للخطر‪:‬‬
‫وأن تكون هذه املصلحة معتبرة حتى يمكن تبرير اإلجراءات االستثنائية‪ ،‬أي يجب أن يكون‬
‫التصرف الصادر من اإلدارة بمثابة اإلجابة على التزام مشروع وأساس مفروض عليها ملواجهة الظرف‬
‫االستثنائي‪ ،‬واملقصود بااللتزام هنا هو املحافظة على النظام العام وأمن وسالمة الدولة‪ ،‬ويتأكد‬
‫القاض ي من توافر الشروط السابقة فهذا يعني أنه قد نشأت مشروعية جديدة تسمى مشروعية‬
‫األزمات‪.‬‬
‫وأخيرا البد من إنهاء العمل بنظرية الظروف االستثنائية بمجرد زوال هذه الظروف التي دعت إلى‬
‫تطبيقها‪ ،‬وفق قاعدة توازي األشكال أي بنفس اإلجراءات املتبعة في إعالنها –املادة ‪"6/98‬تنتهي‬
‫الحالة االستثنائية حسب األشكال واإلجراءات السالفة الذكر التي أوجبت إعالنها‪"..‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬موقف املشرع الجزائري من نظرية الظروف االستثنائية ومصير الحريات‬
‫السياسية خاللها‪:‬‬
‫تنص املادة ‪ 97‬من التعديل الدستوري ‪ 2020‬على أنه من صالحيات رئيس الجمهورية في حالة‬
‫الضرورة امللحة‪ ،‬إعالن حالة الطوارئ أو الحصار بعد استشارة هيئات محددة ألجل استتباب األمن‪،‬‬
‫كما يقرر الحالة االستثنائية إن كانت الدولة مهددة بخطر داهم‪ ،‬وفي نفس الوقت أقر ضمانات‬
‫للحقوق والحريات لتفادي التعدي عليها قدر اإلمكان خالل هذه الظروف‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬موقف املؤسس الدستوري من نظرية الظروف االستثنائية‪:‬‬
‫نص التعديل الدستوري السابق لسنة ‪ 2016‬في مادته ‪ 105‬على أن االختصاص بإعالن حالة‬
‫الطوارئ أو الحصار ترجع لرئيس الجمهورية‪ ،‬بحيث يحدد مدتها بعد اجتماع املجلس األعلى لألمن‬
‫واستشارة رئيس مجلس األمة‪ ،‬و رئيس املجلس الشعبي الوطني و الوزير األول و رئيس املجلس‬
‫الدستوري‪ ،‬حتى يمكنه اتخاذ اإلجراءات و التدابير الالزمة الستتباب الوضع‪ ،‬على أن التشريع‬
‫‪176‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫الخاص بتنظيم مجابهة الطوارئ و حالة الحصار يتم تحديده بموجب قانون عضوي حسب ما‬
‫أكدته املادة ‪ 106‬من الدستور أعاله‪ ،‬إال أنه في املادة ‪ 97‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬فقد‬
‫حدد مدة قصوى لحالة الطوارئ أو الحصار قدرت بثالثون يوما و ال يمكن تمديدها إال بعد‬
‫موافقة البرملان املنعقد بغرفتيه املجتمعتين معا‪ .‬وهذا نظرا لخطورة اإلجراءات التي تترتب عن إعالن‬
‫هذه الحالة وقدر السلطة التقديرية التي تمنح للسلطات والتي من شأنها ال محالة املساس بالحريات‬
‫بصفة عامة والحريات السياسية بصفة خاصة‪ ،‬كما أضاف رئيس املحكمة الدستورية بدل رئيس‬
‫املجلس الدستوري‪.‬‬
‫لينص املؤسس الدستوري في املادة املوالية املادة ‪ 98‬على الظروف االستثنائية في مادة مستقلة‬
‫بنصه‪" :‬يقرر رئيس الجمهورية الحالة االستثنائية إذا كانت البالد مهددة بخطر داهم يوشك أن‬
‫يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقاللها أو سالمة ترابها ملدة أقصاها ‪ 60‬يوما‪-‬على عكس التعديل‬
‫السابق لسنة ‪ 2016‬الذي لم يحدد مدة لها‪ ،-‬وال يتخذ مثل هذا اإلجراء إال بعد استشارة رئيس‬
‫مجلس األمة‪ ،‬ورئيس املجلس الشعبي الوطني‪ ،‬ورئيس املحكمة الدستورية‪ ،‬واالستماع إلى املجلس‬
‫األعلى لألمن ومجلس الوزراء‪.‬‬
‫نالحظ أنه ال يستشير الوزير األول أو رئيس الحكومة كما في حالة الطوارئ أو الحصار‪ ،‬وال يمكننا‬
‫استنتاج الفرق بين املقصود بعبارة اجتماع املجلس األعلى لألمن في حالتي الحصار والطوارئ‪ ،‬وبين‬
‫عبارة االستماع ملجلس األعلى لألمن في حالة الظروف االستثنائية‪ ،‬كما أضاف استشارة أيضا مجلس‬
‫الوزراء أي يكتفي بالوزير األول في حالتي الحصار والطوارئ‪ ،‬بينما يستمع ملجلس الوزراء كامال في‬
‫حالة الظروف االستثنائية‪.‬‬
‫كما يوجه رئيس الجمهورية خطابا لألمة إلعالمه بالوضعية االستثنائية وال يمكنه بأي حال تمديدها‬
‫إال بعد موافقة أغلبية أعضاء غرفتي البرملان املجتمعتين معا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية‪:‬‬
‫نصت املادة ‪ 98‬من التعديل الدستوري على " ‪...‬يعرض رئيس الجمهورية بعد انقضاء مدة الحالة‬
‫االستثنائية القرارات التي اتخذها أثناءها على املحكمة الدستورية إلبداء الرأي بشأنها" وفي نظرنا‬
‫هذه ضمانة من الضمانات التي تكفل جبر الضرر الناتج عن التعدي على الحريات العامة خالل هذه‬
‫الظروف لكن اإلشكال فيما يترتب عن هذا الرأي وهل هو ملزم للسلطة التنفيذية أم ال‪.‬‬
‫إذ تخول الحالة االستثنائية لرئيس الجمهورية اتخاذ اإلجراءات االستثنائية التي تستوجبها‬
‫املحافظة على استقالل األمة واملؤسسات الدستورية في الجمهورية‪ ،‬ويجتمع البرملان وجوبا‪ ،‬وهذا‬
‫‪177‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫يعني أن الجزائر تتبع أسلوب النظام األنجلوسكسوني حيث تنتظر حدوث الظرف االستثنائي أو‬
‫وشوك وقوعه حتى تلجأ للبرملان الستصدار النص التشريعي الكفيل بمجابهتها‪ ،‬وهذا هو الهدف من‬
‫اجتماع البرملان وجوبا املنصوص عليها في الدستور‪.‬‬
‫وهذا يؤكد ال محالة تهديد وامكانية انتهاك الحقوق والحريات العامة لألفراد حماية للمصلحة‬
‫العامة واستقرار الدولة وأمن مؤسساتها ومن بين األمثلة على القيود التي سبق اتخاذها في الجزائر‬
‫على ممارسة الحريات السياسية في ظل الظروف االستثنائية ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬وضع قيود على حرية األشخاص في االجتماع واالنتقال واإلقامة واملرور في أماكن أو أوقات معينة‪.‬‬
‫‪-‬األمر بمراقبة الصحف والنشرات واملطبوعات واملحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية‬
‫واإلعالن قبل نشرها‪ ،‬وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وتوقيفها وإغالق أماكن طبعها‪ ،‬على أن تكون‬
‫الرقابة على الصحف واملجالت ووسائل اإلعالم مقصورة على األمور التي تتصل بالسالمة العامة‬
‫وأغراض األمن القومي‪.‬‬
‫‪-‬منع املظاهرات واإلضرابات‪ ،‬وكل ما يحتمل فيه اإلخالل بالنظام العام والطمأنينة العمومية‪.‬‬
‫مع أن الكثير من هذه القيود قد ترد خالل الظروف العادية أو حالة ظروف استثنائية لم يعلن عنها‬
‫بطريقة رسمية‪ ،‬مما يضطر بالقضاء اإلداري االستعجالي إلى اعتبار كل اإلضرابات التي قامت بها‬
‫جهات متعددة مثل األساتذة في قطاع التربية والتعليم واضراب األطباء املقيمين‪ ،‬اضراب طلبة‬
‫املدارس العليا لألساتذة رغم أن بعضها اتبع ما ينص عليه القانون من اجراءات ليعتبر اإلضراب‬
‫مشروعا‪ ،‬إال أن الهدف من ذلك هو حماية الدولة‪ ،‬أمنها واستقرارها ضد ما يهددها على حدودها‪،‬‬
‫نفس الغاية هدفت إلى تحقيقها السلطات ملجابهة جائحة كورونا كوفيد‪ ،19-‬فرغم أن الجميع اعتبر‬
‫مجموع اإلجراءات االستثنائية التي اتخذتها الدولة كبح وتعد على الحريات العامة والحريات‬
‫السياسية بالدرجة األولى إال أن كل ذلك يجد تبريره في املحافظة على املصلحة العامة‪.‬‬
‫إذ لجأت دول العالم إثر انتشار فيروس كورونا كوفيد‪ 19-‬إلى تطبيق إجراءات استثنائية وتدابير‬
‫احترازية وقيودا اجتماعية نجمت عنها آثارا وخيمة على كافة املجاالت كالفقر‪ ،‬البطالة‪ ،‬اإلفالس‪،‬‬
‫انعدام األمن الغذائي‪ ،‬تدهور قطاع التعليم‪...‬و هذا جعل العالم يقف يدا واحدة ليتضامن من أجل‬
‫التصدي لهذه الجائحة عن طريق األطر الدولية للتعاون االجتماعي املنصوص عليها في ميثاق األمم‬
‫املتحدة في الفصل التاسع في املواد ‪،60-55‬و إن شكلت هذه اإلجراءات حماية اجتماعية دولية من‬
‫ناحية إال أنها جسدت تقييدا و تعديا على الحقوق و الحريات العامة‪ ،‬و إن وجدت تبريرا لها في‬
‫املحافظة على املصلحة العامة‪ ،‬فمصر و املغرب و فرنسا أعلنت حالت الطوارئ الصحية‪ ،‬أما‬

‫‪178‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫الجزائر فأعلنت حالة الحجر الصحي و هذا بهدف الحفاظ على النظام العام‪ ،‬و هذا أثر بطبيعة‬
‫الحال على الحريات السياسية كذلك‪:‬‬
‫فبالنسبة لحرية الرأي والتعبير فقد اتخذت السلطة الجزائرية مجموعة من القرارات عن طريق‬
‫مراسيم تنفيذية من قبل الوزير األول صاحب االختصاص في مجال الضبط اإلداري وصلت ألكثر‬
‫من ‪ 22‬مرسوم تنفيذي اتخذت بموجبها تدابير وإجراءات الوقاية و مكافحة الفيروس‪ ،‬فالكثير رأى‬
‫أن فيروس كورونا قد ضيق الخناق على حرية التعبير حين استعملت لتكميم األصوات من قبل‬
‫األنظمة الحاكمة و فرض الرقابة على الصحافة و تقييد الوصول إلى املعلومة‪ ،‬فطالبت الصحافة‬
‫وغيرها من وسائل اإلعالم اتخاذ إجراءات أكثر شفافية على مستوى اإلفصاح عن البيانات‬
‫واملعلومات املتعلقة بأزمة تفش ي الفيروس‪ ،‬وعدم تقييد حرية التعبير الرقمي للمواطنين عبر وسائل‬
‫التواصل االجتماعي إذ اتهم العديد من األشخاص بإثارة البلبلة وزعزعة االستقرار بنشر اإلشاعات‬
‫واألكاذيب‪ ،‬و ال يمكن نكران أنه بالفعل هناك من فعل ذلك سواء من مواطني الدولة أو خارجها‪،‬‬
‫لكن سجلت أيضا اعتقاالت لصحفيين في بعض الدول و هم بصدد تغطية مواضيع متعلقة باألزمة‬
‫‪،‬بحجة الحرص على تفادي األخبار املزيفة املروجة عن طريق اإلنترنيت والتي خلقت أحيانا موجات‬
‫ذعر لدى املواطنين‪ ،‬فجرمت العديد من الدول نشر معلومات كاذبة حول مواضيع الصحة العامة‪.‬‬
‫وكذلك بالنسبة لحرية االجتماع‪ :‬وقد منعت عدة دول االحتجاجات ضد طريقة تسيير األزمة‬
‫بدعوى املخاوف بشأن التباعد االجتماعي أو استخدمت الوباء كمبرر لتفريق التجمعات املنتقدة‬
‫لسياسات الحكومة غير املتوقعة لفيروس كورونا‪.‬‬
‫إال أن هذا ال يعني إلغاء حق الجزائريين في ممارسة حرياتهم السياسية فالزالت الصحافة توصل‬
‫كل جديد للشعب‪ ،‬والزالت األحزاب السياسية تقوم بدورها املنوط بها قانونا‪ ،‬وكذا الجمعيات‬
‫وغيرها من الجماعات الضاغطة وحتى املجتمع املدني‪.‬‬
‫ويبقى القضاء اإلداري يبسط رقابته على أعمال اإلدارة العامة في ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬وهذا ما‬
‫استقر عليه القضاء اإلداري الفرنس ي‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫تلتزم الدول باملحافظة على مقوماتها من االنهيار والتعدي من الكوارث الطبيعية واألوبئة‬
‫والإستقرار السياس ي وغيرها‪ ،‬بولوج باب اإلجراءات االستثنائية التي تشكل مساسا ال محالة بالحقوق‬
‫والحريات العامة‪ ،‬لكن في هذا تغليب للمصلحة العامة على الخاصة وحفاظا على النظام العام ال‬

‫‪179‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫تعسفا شريطة املحافظة قدر اإلمكان على صيانة الحقوق والحريات العامة والسياسية منها بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬و هذا ما توثقه املادة ‪ 34‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬التي تنص على ترقية مبدأ‬
‫إلزامية احترام األحكام الدستورية املتعلقة بالحقوق األساسية و الحريات العامة و ضماناتها لجميع‬
‫السلطات و الهيئات العمومية و أن ال يتم تقييدها إال بموجب قانون و ألسباب مرتبطة بالنظام‬
‫العام و األمن و حماية حقوق و حريات أخرى كرسها الدستور و باألخص حماية حرية التظاهر‬
‫السلمي و حرية التعبير و حرية الصحافة‪.‬‬
‫وقد اتضح لنا اتساع صالحيات اإلدارة في حالة تطبيق نظرية الظروف االستثنائية وتأثيرها على‬
‫الحريات السياسية أكثر مما هو عليه في ظل الظروف العادية من تقييد‪ ،‬تحت طائلة الرقابة‬
‫القضائية التي تقر إما بإلغاء تصرف اإلدارة أو التعويض عنه وإما االثنان معا‪ ،‬وهذا حماية ألمن‬
‫الدولة واستقرارها والحفاظ على مؤسساتها‪.‬‬
‫ومجموع الجهود التي بذلت وال تزال من قبل الدول ملكافحة فيروس كوفيد‪ 19-‬تراعي الحرص‬
‫الكافي لحماية أكبر فئة ممكنة من البشر خاصة الضعيفة منها صحيا واقتصاديا‪ ،‬فبعد أن أغلق‬
‫العالم بموجب الحجر الصحي واتباع مؤسسات الدولة وإداراتها تدابير احترازية‪ ،‬كشف عن روح‬
‫املسؤولية والتضامن ألجل الحفاظ على وجود اإلنسان و سالمته‪ ،‬و سد الباب أما األضرار التي‬
‫تصيب مجموع العمال و غيرهم‪ ،‬حسب قدرا ت الدولة وإمكانياتها ال تخاد ما تستطيع من حلول لجبر‬
‫الضرر الناتج عن املساس بالحريات العامة بسبب اإلجراءات االستثنائية التي لم تتخذ تعسفا‪ ،‬وإنما‬
‫حماية للمصلحة العامة وحفاظا على النظام العام بكل عناصره التقليدية منها والحديثة‪.‬‬
‫وقد كفل التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬ممارسة املواطنين لحرياتهم السياسية و مساهمتهم في‬
‫تسيير شؤون الدولة بواسطتها كحق االنتخاب والترشح‪ ،‬حرية الرأي و التعبير‪ ،‬و مقارنة بالدساتير‬
‫السابقة الحظنا أن املؤسس الدستوري قد خفف كثيرا من القيود التي أوردها فيما سبق على‬
‫ممارسة الحريات السياسية فعلى سبيل املثال استبدل نظام الترخيص بأسلوب التصريح فقط مع‬
‫احترام الشروط و القوانين املنصوص عليها‪ ،‬كما أقر بأنه ال يمكن إلغاء أو وقف أي تصرف مرتبط‬
‫بممارسة الحريات السياسية إال بأمر قضائي مثل وقف الصحف أو الجمعيات‪...‬كما ألغى أي عقوبة‬
‫سالبة للحرية ضد الصحفيين و حتى معاوني الصحافة و كفل لهم االستقاللية و حرية التعبير‪...‬وهذا‬
‫في ظل الظروف العادية وحتى االستثنائية التي حدد مدتها و ربط تمديدها بموافقة البرملان وأخضع‬
‫كل القرارات املتخذة خاللها من السلطات لرقابة الحقة للمحكمة الدستورية وفي كل هذا ضمانات‬
‫دستورية ملمارسة هذه الحريات التي تعكس مدى ديمقراطية الدولة‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر‬
‫‪-‬قراءة في التعديل الدستوري لسنة ‪-2020‬‬

‫التوصيات‪:‬‬
‫‪-‬ضرورة اإلسراع في تعديل القوانين العضوية املتعلقة بتنظيم ممارسة الحريات السياسية كقانون‬
‫االنتخابات‪ ،‬قانون الجماعات املحلية بما يضمن فاعلية تجسيد سبل ممارسة الديمقراطية‬
‫التشاركية ومساهمة املواطنين في تسيير شؤون الدولة‪.‬‬
‫‪-‬تفعيل كل ما من شأنه إبعاد املال الفاسد عن السياسة وضمان وصول املنتخب املناسب للمكان‬
‫املناسب ليمثل منتخبيه أحسن تمثيل ويضمن إيصال صوتهم ألصحاب القرار وتلبية حاجياتهم‬
‫وآمالهم لجزائر جديدة‪.‬‬
‫‪-‬اإلسراع في تفعيل اآلليات الجديدة في التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬والتي من شأنها تجسيد‬
‫استقاللية تامة للقضاء كاستحداث املحكمة الدستورية باعتبار أن السلطة القضائية هي الضامن‬
‫والحارس للحقوق والحريات العامة والسياسية بصفة خاصة‪.‬‬
‫‪-‬مراعاة القضاء للظروف االستثنائية عند الفصل في كل املنازعات املتعلقة بممارسة حرية من‬
‫الحريات السياسية كقضايا الصحفيين مثال‪.‬‬
‫‪-‬تدعيم ثقافة التوعية السياسية في املؤسسات كلها وتضمينها في البرامج التربوية والتعليمية‪.‬‬
‫‪-‬تجسيد األمن القانوني في كل التشريعات املتعلقة بممارسة الحريات السياسية حتى ال يتفاجأ‬
‫املواطن بقرارات استثنائية وعقوبات وتكييفات خاطئة لتصرفات قام بها على أساس أنها حرية من‬
‫حرياته السياسية املضمونة ليجد نفسه أمام تهم تمس باألمن العام أو بالدولة وممتلكاتها‪...‬‬
‫‪-‬االهتمام أكثر بتطوير الوسائل التكنولوجية الحديثة وتعليمها للدور الكبير الذي عملته خالل‬
‫الجائحة بتنشيط ممارسة السياسة عن بعد كاالنتخاب اإللكتروني‪ ،‬مع مراعاة توسيع نطاق الحماية‬
‫الخاصة به‪.‬‬
‫‪-‬الحكومات ملزمة بحماية الحق في حرية التعبير الذي يشكل أساس التمتع الكامل بحرية التجمع‬
‫ويسمح بتقييدها في إطار القانون حماية لألمن القومي أو النظام العام‪ ،‬الصحة أو اآلداب العامة‪.‬‬

‫قائمة املراجع‪:‬‬
‫أوال ‪ /‬الكتب‪:‬‬
‫‪ -‬أندريه هوريو‪ ،1974 ،‬القانون الدستوري واملؤسسات السياسية‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة علي مقلد وآخرون‪ ،‬األهلية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ملحم‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬محاضرات في الحريات العامة‪ ،‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪-‬عماد ملوخية‪ ،2012 ،‬الحريات العامة‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫جميلة قدودو‬

‫‪-‬محفوظ لعشب‪ ،2001 ،‬التجربة الدستورية في الجزائر‪ ،‬املطبعة الحديثة للكتاب في الفنون املطبعية‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪-‬محمد عبيد القحطاني‪ ،2002 ،‬الضبط اإلداري‪ ،‬سلطاته وحدوده‪.‬‬
‫‪-‬موريس دي فرجيه‪ ،2011 ،‬األحزاب السياسية‪ ،‬ترجمة علي مقلد‪ ،‬عبد املحسن سعد‪ ،‬شركة أمل للنشر‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪-‬فاطمة مفتي‪ ،2014 ،‬رؤية تحليلية لقوانين الحريات العامة في الجزائر‪-‬األحزاب السياسية‪ ،‬الجمعيات واإلعالم‪،‬‬
‫دار بلقيس‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬هاني سليمان الطعيمات‪ ،2000 ،‬حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪-André POUILLE et Jean ROCHE,,2004 libertés publiques et droits de homme,14‬‬
‫‪Emme éd., Dalloz, France.‬‬
‫‪-Robert JACQUES,1982, liberté publique, Ed. Montchrestien, paris, 3eme éd.‬‬
‫ثانيا ‪ /‬األطروحات‪:‬‬
‫‪ -‬رحموني محمد‪ ،2015 ،‬تنظيم ممارسة حرية التجمع في القانون الجزائري‪ ،‬الجمعيات واألحزاب السياسية‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ ،‬قسم القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة تلمسان‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬ابراهيم سالم األخضر‪ ،‬الحريات العامة وحدود إجراءات الضبط اإلداري‪ ،‬رسالة ماجستير‪.‬‬
‫‪ -‬جالل مسعد‪ ،2002 ،‬مبدأ املنافسة الحرة في القانون الوضعي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون‪ ،‬فرع‬
‫قانون أعمال‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬مريم عروس‪ ،‬النظام القانوني للحريات العامة في الجزائر‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪.‬‬
‫‪-‬مريم جعفور‪ ،2013 ،‬دور املجلس الدستوري في حماية الحقوق والحريات األساسية‪ ،‬رسالة ماستر‪.‬‬
‫ثالثا ‪ /‬املقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬بن زحاف فيصل وعصمان ليلى‪ ،2020 ،‬الحماية االجتماعية الدولية من جائحة كوفيد‪ ،19-‬مجلة قانون العمل‬
‫والتشغيل‪ ،‬املجلد ‪ ،05‬العدد ‪.04‬‬
‫‪ -‬محمد صوفي‪ ،2011 ،‬املسؤولية عن مخاطر التجمهرات والتجمعات‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬العدد‬
‫‪.08‬‬
‫‪ -‬محمد عمارة‪ ،2012 ،‬املفهوم اإلسالمي للحرية‪ ،‬مجلة األزهر‪ ،‬عدد أكتوبر‪ ،‬الجزء ‪.11‬‬
‫‪-‬محمد بودالي‪ ،2011 ،‬الحقوق األساسية الخاصة بالخصومة املدنية‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬العدد‬
‫‪.08‬‬
‫‪-‬أحمد سويقات‪ ،2006 ،‬التجربة الحزبية في الجزائر‪ ،2004-1962:‬مجلة الباحث‪ ،‬عدد ‪.4‬‬
‫‪-‬فراجي عاشور‪ ،2019،‬مفهوم حرية الترشح لالنتخابات واختصاص املشرع الجزائري واملقارن بتنظيمها" مجلة‬
‫صوت القانون‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد‪190-177 ،1‬‬
‫رابعا ‪ /‬املحاضرات‪:‬‬
‫‪ -‬شهيدي محمد سليم‪ ،2007/2006 ،‬محاضرات في الحريات العامة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫جياللي ليابس بسيدي بلعباس‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪182‬‬

You might also like