Professional Documents
Culture Documents
جميلة قدودو
كلية الحقوق ،جامعة بلحاج بوشعيب-عين تموشنت ،الجزائر
guedoudou.cuat@gmail.com
تاريخ القبول للنشر2021/05/24 : تاريخ االستالم2021/04/30 :
*******
ملخص:
تقر معظم التشريعات الدولية والداخلية مجموعة من الضمانات ملمارسة الحقوق والحريات
العامة ،أهمها وجود دستور الدولة كقيد على سلطانها ،تنعكس هذه الضمانات في مبدأ سمو
الدستور والرقابة على دستورية القوانين في شقيها السياس ي كما القضائي .تركز هذه الدراسة على
مجموعة الضوابط القانونية التي يمكن بواسطتها توفير حماية للحقوق والحريات ،بحيث يتقرر
بطالن أي تصرف من السلطة مخالف لها ،إال أن الدولة قد تمر بظروف استثنائية تدفعها للخروج
عن املشروعية العادية حماية للمصلحة العامة ،مما قد يشكل تعد صارخ على الحقوق والحريات
العامة وأهمها الحريات السياسية ،كل ذلك يؤدي بنا إلى التساؤل هل من ضمانات تكفل لنا ممارسة
حرياتنا السياسية في ظل هذه الظروف االستثنائية؟
الكلمات املفتاحية :ظروف استثنائية ،حريات سياسية ،ديمقراطية.
Abstract:
Most international and internal legislation recognizes a set of guarantees
for the exercise of public rights and freedoms, the most important of which
is the existence of the State Constitution as a restriction on its authority,
reflected in the principle of the transcendence of the Constitution and the
control of the constitutionality of laws in both political and judicial aspects.
This study focuses on the set of legal controls by which rights and freedoms
can be protected, so that any act of power contrary to it is decided, but the
State may go through exceptional circumstances that would lead it out of
161
جميلة قدودو
normal legitimacy to protect the public interest, which could constitute a
flagrant infringement on public rights and freedoms, the most important of
which is political freedoms,
all of which leads us to wonder whether there are guarantees that we will
?exercise our political freedoms under these exceptional circumstances
key words: Exceptional circumstances, political freedoms, democracy.
ّ
مقدمة:
قال العالمة عبد الحميد ابن باديس« :حق اإلنسان في الحرية ،كحقه في الحياة ،ومقدار ما عنده من
حياة ،هو مقدار ما عنده من حرية " (امليلي .)1980 ،فالحرية ،الديمقراطية ،الحكم الراشد ،حقوق
اإلنسان و حرياته العامة من أكثر املصطلحات جاذبية و تداوال في التجمعات السياسية و الخطابات
و املقاالت الصحفية و غيرها ،فالحرية كانت والزالت سببا لتفجير العديد من الثورات الشعبية،
لهذا شغلت الحريات العامة حيزا كبيرا من الدراسات الوطنية والدولية بسبب االنتهاكات التي تلحق
بها نتيجة الحروب والتعسف في استعمال السلطة ،أو بدعوى الحفاظ على النظام العام واستتباب
األمن وغيرها ،لكنها لم تعرف هذا االهتمام من وجهة نظرية وعلمية إال من العقود األخيرة من القرن
األخير بالرغم من تطور النظرية الديمقراطية وممارستها ما يقارب القرنين من الزمن ،فموضوعاتها
كانت في ظل مرحلة القانون الدولي التقليدي حكرا على القانون الداخلي ،لتصبح بفعل التطورات
السريعة واملتالحقة التي شهدتها هذه املواضيع على الساحة الدولية محورا الهتمام القانون الدولي
املعاصر.
وقد ازداد الحديث اليوم عن الحريات العامة حتى كاد الدفاع عنها يعد شعيرة من الشعائر ،إذ
أصبحت األحزاب واملؤسسات بل والدساتير الوطنية تعمل على إبرازها وتأكيدها ،وأصبح مبدأ احترام
حقوق اإلنسان وحرياته األساسية أحد املعايير املهمة في تحديد العالقات واملعامالت الدولية وحتى
في قياس التطور السياس ي واالقتصادي للدول ،فاملفهوم اكتسب عاملية جديدة ذات فعالية أكبر بعد
أن كان مجرد شعار تتضمنه مواثيق األمم املتحدة عقب الحرب العاملية الثانية ،نظرا ملا عرفته تلك
الفترة من انتهاكات للحقوق والحريات.
واحتاللها مكانة هامة سواء في صلب الدساتير أو في إعالنات الحقوق ينطوي على أهمية بالغة
تقررت لها على مر األزمنة ،وسبقها إلى ذلك اإلسالم الذي قرر للناس كافة املبادئ والقيم امللزمة
عز ّ
وجل ،ذلك ما يعد تكريسا لكرامة اإلنسان باعتبارها والثابتة التي اعتبرت طاعتها من طاعة هللا ّ
مصدر الحقوق األساسية كلها ودليل إنسانية اإلنسان التي تميزه عن سائر املخلوقات .أما عن
الحريات السياسية موضوع ورقتنا البحثية فهي املرآة العاكسة ملدى ديمقراطية الدولة املجسدة فيها
162
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
كما أقرت معظم التشريعات الدولية والداخلية مجموعة من الضمانات ملمارسة الحقوق
والحريات العامة بصفة عامة والحريات السياسية بصفة خاصة ،أهمها وجود دستور الدولة كقيد
على سلطانها ،الفصل بين السلطات فالسلطة توقف السلطة ،مبدأ تدرج القوانين ليؤكد على مبدأ
سمو الدستور ،الرقابة على دستورية القوانين رقابة سياسية أو قضائية للتأكد من مدى مطابقة
العمل التشريعي والتنفيذي ألحكام الدستور ،فعدم التطابق يعني اإللغاء.
ويقصد بالضمانات الدستورية مجموعة الضوابط القانونية الحامية للنصوص الدستورية من
االنتهاك ،أي مجموعة الوسائل واألساليب القانونية املتنوعة التي يمكن بواسطتها توفير حماية
للحقوق والحريات من أن يعتدى عليها ،ومن مجموعة املبادئ املتعارف عليها في جميع الدول ذات
األنظمة الديمقراطية ،أما عن الضمانات القضائية فال يختلف شخصين بأن دور القضاء في حماية
ّ
الحقوق والحريات لن يكون فعاال إال بتوفير ضمانات قانونية تتالءم مع املبادئ الدستورية والدولية،
وخلق آليات وطنية تتمثل أساسا في ضمان استقاللية القاض ي وتوفير األمن القضائي وتجسيد
االزدواجية القضائية ومبدأ التخصص بالعمل بمحاكم متخصصة ،وإحداث هيئات قضائية عليا
تضمن توحيد ونزاهة وموضوعية الحكم .فالقضاء هو حامي الحقوق والحريات وميزان العدالة في
الدولة.
كما ال يمكن نكران دور منظمات املجتمع املدني التي ال تهدف إلى الوصول إلى السلطة عكس
األحزاب السياسية ،وإنما إلى املصلحة العامة واألمن االجتماعي بمختلف فروعه ،وإذا ما تم االعتداء
على الحريات العامة أقرت الدول القانونية مجموعة من الحلول لجبر الضرر الناتج عن ذلك والتي
قد تصل إلى إلغاء التصرف املخالف للمشروعية ،وهذا يتضح ببساطة في حالة الظروف
العادية ،أما املشكل فيطرح في حالة الظروف االستثنائية ال سيما الحريات السياسية،
ونهدف من خالل ورقتنا البحثية هذه تسليط الضوء على مصير الضمانات القانونية التي وفرها
املؤسس الدستوري ملمارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية ومدى تحصينها من أي
انتهاك أو تعد من خالل االعتماد على املنهج الوصفي والتحليلي ملجموع النصوص الدستورية الواردة
في التعديل الدستوري لسنة .2020
والسؤال الذي يطرح في هذا املوضوع ما موقف املؤسس الدستوري واملشرع الجزائري من
الحريات السياسية ،وما مصيرها خالل الظروف االستثنائية التي قد تمربها البالد؟.
لإلجابة على هذا اإلشكال البد من التعرض للعناصرالتالية:
املبحث األول /موقف املؤسس الدستوري الجزائري من الحريات السياسية.
163
جميلة قدودو
164
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
76-34يتعرض فيها إلى أبرز الحريات التي تضمنها الدولة الجزائرية للمواطنين من رعاياها والرعايا
األجانب املقيمين على إقليمها.
ويتضح من خالل قراءة موضوعية للتعديل الدستوري لسنة ،2020أنه سكت في الفصل األول
من الباب الثاني عن وصف الحقوق والحريات على مستوى العنوان من حيث كونها حريات فردية أو
جماعية أو سياسية أو اقتصادية بل اكتفى بإضافة مصطلح األساسية كما أنه من الصواب من
الناحية املنهجية وإعماال ملبدأ االنتقال من العمومية إلى التخصيص هذا من جهة ،ومن جهة أخرى
يعاب أيضا على التعديل أنه انتقل من الحريات الجماعية إلى الحريات الفردية دون أن ييهئ لذهن
القارئ هذا االنتقال.
ففي الوقت الذي يتحدث عن الحق في اكتساب الجنسية كحق شخص ي يثبت عالقة الوالء
بين املواطن ودولته في نطاق الحقوق السياسية في املادة ،36ثم حقوق شخصية فردية ،فسرعان ما
يعود في املادة 37إلى تناول املساواة في الحقوق السياسية واالجتماعية الجماعية املكفولة في مجال
للمواطنين ،أي االنتقال من املوضوعات السياسية إلى االقتصادية بطريقة غير مترابطة وغير
متوافقة.
لكن الجيد أنه أشار إلى األمن القانوني وسبل تحقيقه بضمان الوصول إلى تشريع الحقوق
والحريات ووضوحه واستقراره.
الفرع الثاني:تقسيم الحريات العامة في الدستور الجزائري
أصبحت الحريات العامة تتبوأ مكانا بارزا في صلب الدساتير وإعالنات الحقوق حتى أصبحت
قاعدة جوهرية وركيزة أساسية لكل تشريع أو نظام سياس ي كيفما كانت أسسه ومبادئه ،ومهما
اختلفت مقاصده وأهدافه (الشرقاوي ،)1979 ،إال أن دساتير الدول اختلفت في طريقة تقسيمها
لها ،وفيما يخص الدستور الجزائري فاملوضوعات املتناولة إجماال فيه تدور حول أربع مسائل هي:
-1الحريات السياسية :والتي تعترف بضرورة إعمال املساواة بين املواطنين وحقهم في
الجنسية التي يعود أمر تحديدها إلى القانون وحده – املادة 36منه -والحق في إنشاء األحزاب
السياسية -املادة 57منه ،-والذي يعتبر انقالبا على ما كان معمول به في دساتير سابقة التي كانت
دساتير أحادية ال تقبل النظام التعددي كحالة سياسية.
-2الحريات االقتصادية :كما أكد التعديل الدستوري لسنة 2020على أهم ما جاء به
دستور 1996وتعديل 2016في الباب االقتصادي وهو فتح باب التجارة ،وجعلها نشاطا حرا كمظهر
من مظاهر سياسة االنفتاح التي اعتمدتها الجزائر في السنوات األخيرة ،بعد أن كانت التجارة
165
جميلة قدودو
الخارجية حكرا على الدولة فقط ،وقد اعتبرت املادة 61من الدستور التجارة والصناعة حرة في
ممارستها في حدود ما يسمح به القانون وأضاف االستثمار واملقاولة وأكد على جهد الدولة في حماية
املستهلكين وضمان أمنهم وسالمتهم وصحتهم وحقوقهم االقتصادية.
-3الحريات الكفيلة بضمان األمن القضائي :يشمل هذا الصنف من الحريات على
بعض الحقوق التي يمكن أن توصف بالبعد الدفاعي وضمان فكرة املحاكمة العادلة (بودالي،
،)2011من حيث التأكيد على مبدأ املشروعية وقرينة البراءة وكذا إقرار الحق في التعويض عن
الخطأ القضائي ،فضال عن الحد من التعسف الذي يمكن أن يتعرض له املواطن إبان مرحلة جمع
االستدالالت والتحريات األولية إذ قيد التعديل الدستوري لسنة 2020اإليقاف للنظر ملدة 48
ساعة كأصل عام في املادة .46-45
-4الحريات ذات الطابع االجتماعي :ما جاء به هذا الصنف من الحريات ال يزيد إال
تأكيدا على التحويل الذي عرفته املنظومة الدستورية بالجزائر ،إذ أقرت صراحة الحق في العمل بل
وأحاطته بسياج منيع من الضمانات الليبرالية كالحق في تشكيل النقابات وحق ممارسة اإلضراب.
كما جاء في التعديل الدستوري 2020حقوق أخرى كالحق في التعليم والرعاية الصحية ولحق في
تأمين العيش الكريم للمواطنين العاجزين عن العمل من معوقين ومسنين ،هذا وتجدر اإلشارة في
األخير إلى أنه فضال عن اإلملام بمسائل الحريات العامة فإن واضعي الدستور 1996ذكروا في الباب
السابع والخاص بأحكام تعديل الدستور 178-174أنه ال يجوز أن يمس أي تعديل دستوري لبعض
األمور هي:
-1الطابع الجمهوري للدولة.
-2النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية.
-3اإلسالم باعتباره دين الدولة.
-4اللغة العربية باعتبارها لغة وطنية ورسمية.
-5الحريات األساسية وحقوق اإلنسان واملواطن.
-6سالمة التراب الوطني ووحدته.
وأكد على ذلك التعديل الدستوري لسنة 2016في املادة 212منه إال أنه أضاف:
-7العلم الوطني والنشيد الوطني باعتبارهما من رموز الثورة والجمهورية.
-8إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة فقط.
أما التعديل الدستوري األخير لسنة 2020فأضاف الطابع االجتماعي للدولة في النقطة 3قبل
اإلسالم باعتباره دين الدولة ،تمازيغت كلغة وطنية ورسمية.
166
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
لكن سنركز في ورقتنا البحثية هذه على الحريات السياسية التي اعتبرها اإلسالم حق األفراد في
املشاركة في سلطات الحكم ،إنشاء ،وإدارة ،توجيه وتنفيذ كل ما يتعلق بأمور الدولة وشؤونها
(قريش ي.)2005/2004 ،
املطلب الثاني :الحريات السياسية في الدستور الجزائري:
يعد موضوع ممارسة الحريات السياسية ذا أهمية بالغة في نظام الحريات بصفة عامة ،فإفساح
املجال للوصول إلى السلطة واملشاركة فيها يؤدي ال محالة إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية التي تحكم
التداول السلمي عليها بواسطة آليات دستورية ،وهذا يحقق االستقرار السياس ي في الدولة وما يترتب
عليه من استقرار اقتصادي واجتماعي ،وقد شهدت تطورا وتحوال جذريا عبر مختلف دساتير
الجزائر.
الفرع األول :تعريف الحريات السياسية
بالنظر إلى التقسيمات املختلفة للحريات العامة ومع تباين وجهات النظر حول مدى اعتبار
الحرية السياسية صورة من ذلك التقسيم من عدمه ،فنرى أنها ال تعد حرية باملعنى الفني الدقيق بل
ال تعدو أن تكون حق املواطنين في املساهمة في حكم الدولة وأو تلك التي تحكمها العالقة بين الحاكم
وا ملحكوم وتتصف بنشاط سياس ي كما يعتبرها البعض حرية حامية أي وسيلة فاعلة لحماية الحرية
الفردية إال أنه يقتصر التمتع بها على الوطنيين دون األجانب.
فالحرية السياسية تعتبر حق املواطن في املشاركة في شؤون الحكم والسلطة باملساهمة في
تكوين الهيئات الحاكمة عن طريق االنتخاب والترشيح أو باالشتراك معها في صنع القرارات ورسم
السياسات باالستفتاء وغيره من أوجه الديمقراطية كحق تكوين الجمعيات واألحزاب السياسية
والنقابات وغيرها ،فيمكن القول أن الشعب يمتلك حريته السياسية إذا كان يحكم نفسه بنفسه
باختياره لحكامه بإرادة حرة واملساهمة في صنع القوانين وهذا بحق التصويت والترشح وتولي
الوظائف العامة...
الفرع الثاني :نماذج عن الحريات السياسية في الدستور الجزائري
إن تحقق التنمية واالستقرار داخل املجتمع وهي الغاية املنشودة في كل مجتمع منظم ال يكون
إال من خالل كفالة الحريات السياسية ،وهي الحقوق التي يكتسبها الشخص شرعا ويساهم
بواسطتها في إدارة شؤون دولته أو في حكمها باعتباره من مواطنيها (الطعيمات ،)2000 ،وعلى رأسها
حرية التحزب أو االنضمام إلى األحزاب السياسية (ديفرجيه ،)2011 ،حرية اإلعالم وحرية إنشاء
الجمعيات واالنضمام إليها (رحموني.)2015 ،
167
جميلة قدودو
والذي يمكنه من االطالع بكيفية كاملة وموضوعية على مستجدات مختلف مناحي الحياة ،وهذه
الشروط اتسمت بعدم الدقة والغموض مثل احترام الهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع
والسيادة الوطنية والوحدة الوطنية ،ومتطلبات أمن الدولة ،واملصالح االقتصادية للبالد...
كما فرض قيودا على مبدأ حرية اإلصدار من خالل شكليات معززة وإجراءات اعتماد وغيرها
من الشروط ،التي تثقل كاهل مسؤول النشرية ،ومنح صالحيات واسعة لضبط الصحافة املكتوبة.
إال أنه تدارك هذا من خالل دستور الجزائر الجديدة 2020إذ نص صرحة على حرية
الصحافة املكتوبة والسمعية البصرية واإللكترونية كما كفل حماية لحرية تعبير وإبداع الصحفيين
وحتى متعاوني الصحافة واستقالليتهم ومنحهم الحق في انشاء الصحف والنشريات بمجرد التصريح
ومنع نه ائيا خضوع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية كما وال يمكن توقيف نشاط أي صحف أو
نشريات أو قنوات ..إال بمقتض ى قرار قضائي ،ونرى في هذا ضمانات دستورية هامة لحرية التعبير
والصحافة في الجزائر تؤهلها ألن تكون سلطة رابعة و قوة ضاغطة شريطة استغاللها للمصلحة
العامة وملصلحة البالد.
د-حرية االجتماع:
قبل تحديد املقصود من حرية االجتماع ينبغي أوال تعريف التجمع وتسليط الضوء على بعض
املفاهيم كاملظاهرة والتجمهر ،فالتجمع لغة من الجمع ،اسم لجماعة الناس ،وجمع املتفرق ضم
بعضه إلى بعض ،فيقال تجمع القوم أي انضم بعضهم إلى بعض ،اجتمعوا هنا وهناك ،وانضم
ّ
وتألف ،احتشد وتجمهر ،تكتل ،كما يقال جمع هللا القلوب أي ألفها ،واألمر الجامع هو ما يجتمع
الناس ألجله ،واإلجماع هو اتفاق الخاصة أو العامة على أمر من األمور ،ويقال استجمع القوم:
تجمعوا من كل صوب ،والجامع هو املسجد الجامع الذي تصلي فيه الجماعة.
وقد عرفه الفقيه هوريو" :االجتماع العام هو تجمع مؤقت لعدد من األفراد لتحقيق وحدتهم
أو التفكير معا" ،ويؤيده في ذلك الفقيه بارتيليمي قائال« :االجتماع العام عبارة عن تجمع مؤقت لعدد
من األشخاص بناء على تدبير أو تنظيم سابق ،بغية سماع وعرض األفكار أو تبادلها من أجل الدفاع
عن اآلراء أو املصالح املشتركة ،كما عرفه مجلس الدولة الفرنس ي في قضية DELMOTTEسنة
"1915االجتماع العام هو عبارة عن تجمع مؤقت يربط مجموعة من األفراد بهدف عرض اآلراء
واألفكار للتشاور من أجل الدفاع عن مصالحهم ".
بالتالي فحرية االجتماع هي تمكين األفراد من االجتماع فترة من الوقت ليعبروا عن آرائهم
باملناقشة أو تبادل الرأي أو الدفاع عن رأي معين وإقناع اآلخرين بالعمل به أو على سبيل التعليم
170
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
واملنفعة العامة (لعشب ،)2001 ،ويعرف االجتماع على أنه ما يعقد من قبل جمع من الناس لغرض
عام وفي محل أو في مكان خاص يستطيع دخوله أشخاص بال إذن وبال دعوة شخصية.
أما املظاهرة فتعني حشد منظم يسير في امليادين أو الشوارع العامة لغرض عام ،بخالف حرية
االجتماع فهي تمتع الفرد بالحق في االجتماع مع من يريد من األفراد اآلخرين في مكان معين و في
الوقت الذي يراه للتعبير عن اآلراء ووجهات النظر ،سواء بالخطب أو الندوات أو املحاضرات أو
النقاشات ،وتعني أيضا الحق في إصدار املنشورات و التوصيات الناتجة عن االجتماعات ،وال تعتبر
محكمة النقض الفرنسية – حكمها في - 1903/03/01ومجلس الدولة الفرنس ي أيضا في
- 1915/08/06التقاء مجموعة من الناس في مقهى على أنه اجتماع ،ونصت عليه املادة 20من
اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان" ،لكل شخص حرية االشتراك في تكوين جمعيات والجماعات
السلمية " ،واملادة 11من االتفاقية األوروبية واملادة 15من االتفاقية األمريكية ،كما نصت املادة 21
من االتفاقية الدولية للحقوق املدنية و السياسية على أنه "يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به،
و ال يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إال تلك التي تفرض طبقا للقانون ،وتشكل
تدابير ضرورية ،في مجتمع ديمقراطي ،لصيانة األمن القومي أو السالمة العامة أو النظام العام أو
حماية املصلحة العامة أو اآلداب العامة ،أو حماية حقوق اآلخرين وحرياتهم "،وتجدر اإلشارة إلى أن
حرية االجتماع شأنها شأن الحقوق و الحريات األخرى ترد عليها بعض القيود أهمها:
وجوب الحصول على إجازة أو رخصة سابقة من السلطة اإلدارية املختصة ،و حق هذه األخيرة
في تفريق االجتماع أو املظاهرة في حالة االبتعاد عن الهدف املسطر لها ،أو حدوث حالة فوض ى أو إذا
ارتكب فيها أعمال إجرامية تخل باألمن و النظام العام ،أو إذا تعرضت حياة األفراد و حرياتهم للخطر
(صوفي ،العدد ،)2011/08و نصت سابقا املادة 41من دستور 1996على حرية االجتماع بعد إقرار
التعددية الحزبية و النقابية بالقول "حريات التعبير و إنشاء الجمعيات و االجتماع مضمونة
للمواطن " ،و بعد التعديل جاء النص على هذه الحرية في املادة 48مع حرية التعبير و إنشاء
الجمعيات ،مع اإلشارة إلى أن قانون تكوين الجمعيات و األحزاب السياسية هو قانون عضوي
ويتفرع عن هذا الحق مباشرة الحقوق السياسية التي تمكن األفراد من املشاركة في الشؤون العامة
للدولة كالحق في الترشح و االنتخاب و االستفتاء (زغيب....)2004 ،
أما تعديل 2020فقد نص املؤسس الدستوري على حرية التعبير واالجتماع والتظاهر السلمي
في نفس املادة وخفف من إجراءاتها بأن سمح بممارسة هذه الحريات السياسية بمجرد التصريح
وليس بضرورة الترخيص.
171
جميلة قدودو
و يجدر التذكير أن نص املادة 49من تعديل 2016هو الذي قرر حرية التظاهر السلمي و التي
ينظمها القانون ،وهو املصطلح الذي أضافه املؤسس الدستوري ليدخل ضمن ما يتفرع عن الحق في
التجمع من حريات سياسية ،أما التجمهر فهو تجمع جمهور من الناس في مكان عام أو طريق عمومي
سواء كان مسلح أو غير مسلح ،بحيث يشكل هذا التجمع خطر على النظام العام ،والفرق بينه وبين
املظاهرة أن هذه األخيرة سلمية وغير مسلحة وتقودها مجموعة من املواطنين للتعبير عن أراءها في
بعض املسائل االجتماعية أو السياسية ،وال تعرقل الهدوء العمومي ألنها مرخصة من جهات مختصة
بعد التأكد من احترامها للقيود و الضوابط التي يفرضها القانون ،أما التجمهر فقد يشكل جريمة
يعاقب عليها قانون العقوبات إذا لم يمتثل املتجمهرين لنداء السلطات العامة املختصة بالتفريق.
ه-حرية الترشح واالنتخاب:
حرية الترشح في االنتخابات من الحريات السياسية التي تعتبر حديثا عصب الديمقراطية
وأساس التعبير واملشاركة السياسية الشعبية وتعني ضمان حق االنتخاب لتولي وظائف أو مناصب
عليا يسمح القانون تقلدها بهذا النمط والسماح للمواطنين بإبداء رأيهم باالستفتاء ،وتم النص عليها
في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في نص املادة " 21لكل فرد الحق في االشتراك في إدارة الشؤون
العامة لبالده إما مباشرة و إما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا" ،كما نصت عليه املادة 25من
العهد الدولي للحقوق املدنية والسياسية والتي جاء فيها " لكل مواطن الحق و الفرصة دون تمييز مما
ورد في املادة 2ودون قيود غير معقولة في -أ -أن يشارك في سير الحياة العامة إما مباشرة أو عن طريق
ممثلين مختارين بحرية-.ب -أن ينتخب وأن ينتخب في انتخابات دورية أصلية وعامة وعلى أساس من
املساواة على أن تتم االنتخابات بطريق االقتراع السري وأن تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين"
وقد أقر بدوره املؤسس الدستوري في نص املادة 56من التعديل الدستوري 2020على حق
املواطن في االنتخاب أو أن ينتخب متى توافرت فيه الشروط القانونية وهذا يمكن املواطنين من
تجسيد الديمقراطية التشاركية في تسيير شؤون الدولة عن طريق هيئات منتخبة على مستوى
الالمركزية املحلية وحتى بالنسبة للهيئة التشريعية عن طريق انتخاب من يمثلوهم في البرملان وغيره
من مؤسسات الدولة( .فراجي ع)2019 ،.
من خالل استعراضنا املختصر ألهم الحريات السياسية نالحظ ارتباطها وتأثيرها املباشر
بالنظام العام ،ال سيما األمن العام واستقرار الدولة ومؤسساتها لهذا قيد املؤسس الدستوري
واملشرع الجزائري ممارستها بعدة قيود و ضوابط البد من احترامها تحت طائلة عقوبات إدارية وأخرى
جزائية مثل ما هو منصوص عليه في قانون األحزاب السياسية ،هذا في ظل الظروف العادية ،فما
بالك في ظل الظروف االستثنائية ،وهذا ما سنتعرض له في النقطة التالية :إال أن املشرع تدارك
172
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
سلبيات كثرة التقييد العتباره كبحا و تقييدا لهذه الحريات و قرر ضمانات أكبر ملمارستها و خفف
من إجراءاتها و أهمها استبدال إجراء الترخيص بإجراء التصريح فقط.
173
جميلة قدودو
فإعماال ملبدأ املشروعية يتعين على اإلدارة االلتزام بالقانون في أي وقت وأيا كانت الظروف،
غير أن هذا املفهوم وإن كان صالحا في ظل ظروف وأزمة عادية يكون غير صالح في ظل ظروف وأزمة
استثنائية غير عادية ،حيث قد يترتب على اإلصرار في تطبيق اإلجراءات العادية استفحال األزمة مما
يؤدي إلى انهيار الدولة أو على األقل تعريض سالمتها و أمنها ملخاطرة شديدة ،و هذه الحاالت الطارئة
التي يتعرض لها املجتمع قد تكون بفعل اإلنسان كالحرب واالنقالب ،أو كوارث طبيعية كالفيضانات
والزالزل وانتشار األوبئة ،مما يهدد كيانه ويعرض تنظيمه السياس ي واالقتصادي ألخطار كبيرة ،وكلها
ظروف تتصف بالفجائية وعدم التوقع ومن خصائصها الخطورة وعدم االستمرار ،فهي بطبيعتها
مؤقتة فيما تحدثه من إخالل بالنظام العام (األخضر) ،و في مثل هذه الظروف االستثنائية البد أن
توسع اإلدارة من اختصاصات عملها حتى وإن خرجت هذه االختصاصات الجديدة عن الضوابط
املقررة في القوانين املعمول بها ،ألن هذه األخيرة لن تساعد اإلدارة في مواجهة تلك الظروف التي
تقتض ي سرعة التصرف حفاظا على سالمة البالد ،ودرأ األخطار عنها ألجل الحفاظ على مفهوم دولة
القانون .
ويرجع أصل النظرية إلى الحرب العاملية الثانية 1914بفرنسا ،حيث وقعت ظروف هددت
كيان الدولة أدى باإلدارة إلى الخروج عن مبدأ املشروعية ،وهذا ما أدى إلى املساس ببعض الحقوق
والحريات لألفراد الذين تقدموا بطعون أمام القضاء اإلداري لجبر الضرر الذي تسببت فيه اإلدارة
أثناء مجابهتها لهذه الظروف ،فوجد القاض ي اإلداري تبرير لإلدارة هو املصلحة العامة ،وأقر نظرية
سماها في البداية نظرية سلطات الحرب.
لكن القضاء الفرنس ي لم يقم بوضع تعريف جامع مانع للنظرية وال حتى وضع معيار لها وهذا
حتى ال يقيد نفسه وتبقى له االستقاللية في تكييف الظروف على أنها استثنائية أم ال.
جاهد الفقه من أجل تشييد نظرية عامة تحتوي فكرة املشروعية االستثنائية -مشروعية
األزمات -وذلك لكي يكون أساسا قانونيا ألي خروج عن الحدود التي تضعها القوانين الوضعية
القائمة ،كما قد عرفها vedelبأنها "وضع غير عاد وخطير يحتم ضرورة التصرف على وجه السرعة
من أجل الحفاظ على املصلحة العامة نظرا لعدم إمكان إعمال القواعد العادية" وأيده Birat et
.Odent
وفي هذا الشأن وألجل مجابهة هذه الظروف تتخير الدول الحلول التي ترى أنها أكثر مالئمة في
مواجهتها وفق أسلوبين:
174
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
الخاص بتنظيم مجابهة الطوارئ و حالة الحصار يتم تحديده بموجب قانون عضوي حسب ما
أكدته املادة 106من الدستور أعاله ،إال أنه في املادة 97من التعديل الدستوري لسنة 2020فقد
حدد مدة قصوى لحالة الطوارئ أو الحصار قدرت بثالثون يوما و ال يمكن تمديدها إال بعد
موافقة البرملان املنعقد بغرفتيه املجتمعتين معا .وهذا نظرا لخطورة اإلجراءات التي تترتب عن إعالن
هذه الحالة وقدر السلطة التقديرية التي تمنح للسلطات والتي من شأنها ال محالة املساس بالحريات
بصفة عامة والحريات السياسية بصفة خاصة ،كما أضاف رئيس املحكمة الدستورية بدل رئيس
املجلس الدستوري.
لينص املؤسس الدستوري في املادة املوالية املادة 98على الظروف االستثنائية في مادة مستقلة
بنصه" :يقرر رئيس الجمهورية الحالة االستثنائية إذا كانت البالد مهددة بخطر داهم يوشك أن
يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقاللها أو سالمة ترابها ملدة أقصاها 60يوما-على عكس التعديل
السابق لسنة 2016الذي لم يحدد مدة لها ،-وال يتخذ مثل هذا اإلجراء إال بعد استشارة رئيس
مجلس األمة ،ورئيس املجلس الشعبي الوطني ،ورئيس املحكمة الدستورية ،واالستماع إلى املجلس
األعلى لألمن ومجلس الوزراء.
نالحظ أنه ال يستشير الوزير األول أو رئيس الحكومة كما في حالة الطوارئ أو الحصار ،وال يمكننا
استنتاج الفرق بين املقصود بعبارة اجتماع املجلس األعلى لألمن في حالتي الحصار والطوارئ ،وبين
عبارة االستماع ملجلس األعلى لألمن في حالة الظروف االستثنائية ،كما أضاف استشارة أيضا مجلس
الوزراء أي يكتفي بالوزير األول في حالتي الحصار والطوارئ ،بينما يستمع ملجلس الوزراء كامال في
حالة الظروف االستثنائية.
كما يوجه رئيس الجمهورية خطابا لألمة إلعالمه بالوضعية االستثنائية وال يمكنه بأي حال تمديدها
إال بعد موافقة أغلبية أعضاء غرفتي البرملان املجتمعتين معا.
الفرع الثاني :ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية:
نصت املادة 98من التعديل الدستوري على " ...يعرض رئيس الجمهورية بعد انقضاء مدة الحالة
االستثنائية القرارات التي اتخذها أثناءها على املحكمة الدستورية إلبداء الرأي بشأنها" وفي نظرنا
هذه ضمانة من الضمانات التي تكفل جبر الضرر الناتج عن التعدي على الحريات العامة خالل هذه
الظروف لكن اإلشكال فيما يترتب عن هذا الرأي وهل هو ملزم للسلطة التنفيذية أم ال.
إذ تخول الحالة االستثنائية لرئيس الجمهورية اتخاذ اإلجراءات االستثنائية التي تستوجبها
املحافظة على استقالل األمة واملؤسسات الدستورية في الجمهورية ،ويجتمع البرملان وجوبا ،وهذا
177
جميلة قدودو
يعني أن الجزائر تتبع أسلوب النظام األنجلوسكسوني حيث تنتظر حدوث الظرف االستثنائي أو
وشوك وقوعه حتى تلجأ للبرملان الستصدار النص التشريعي الكفيل بمجابهتها ،وهذا هو الهدف من
اجتماع البرملان وجوبا املنصوص عليها في الدستور.
وهذا يؤكد ال محالة تهديد وامكانية انتهاك الحقوق والحريات العامة لألفراد حماية للمصلحة
العامة واستقرار الدولة وأمن مؤسساتها ومن بين األمثلة على القيود التي سبق اتخاذها في الجزائر
على ممارسة الحريات السياسية في ظل الظروف االستثنائية ما يلي:
-وضع قيود على حرية األشخاص في االجتماع واالنتقال واإلقامة واملرور في أماكن أو أوقات معينة.
-األمر بمراقبة الصحف والنشرات واملطبوعات واملحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية
واإلعالن قبل نشرها ،وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وتوقيفها وإغالق أماكن طبعها ،على أن تكون
الرقابة على الصحف واملجالت ووسائل اإلعالم مقصورة على األمور التي تتصل بالسالمة العامة
وأغراض األمن القومي.
-منع املظاهرات واإلضرابات ،وكل ما يحتمل فيه اإلخالل بالنظام العام والطمأنينة العمومية.
مع أن الكثير من هذه القيود قد ترد خالل الظروف العادية أو حالة ظروف استثنائية لم يعلن عنها
بطريقة رسمية ،مما يضطر بالقضاء اإلداري االستعجالي إلى اعتبار كل اإلضرابات التي قامت بها
جهات متعددة مثل األساتذة في قطاع التربية والتعليم واضراب األطباء املقيمين ،اضراب طلبة
املدارس العليا لألساتذة رغم أن بعضها اتبع ما ينص عليه القانون من اجراءات ليعتبر اإلضراب
مشروعا ،إال أن الهدف من ذلك هو حماية الدولة ،أمنها واستقرارها ضد ما يهددها على حدودها،
نفس الغاية هدفت إلى تحقيقها السلطات ملجابهة جائحة كورونا كوفيد ،19-فرغم أن الجميع اعتبر
مجموع اإلجراءات االستثنائية التي اتخذتها الدولة كبح وتعد على الحريات العامة والحريات
السياسية بالدرجة األولى إال أن كل ذلك يجد تبريره في املحافظة على املصلحة العامة.
إذ لجأت دول العالم إثر انتشار فيروس كورونا كوفيد 19-إلى تطبيق إجراءات استثنائية وتدابير
احترازية وقيودا اجتماعية نجمت عنها آثارا وخيمة على كافة املجاالت كالفقر ،البطالة ،اإلفالس،
انعدام األمن الغذائي ،تدهور قطاع التعليم...و هذا جعل العالم يقف يدا واحدة ليتضامن من أجل
التصدي لهذه الجائحة عن طريق األطر الدولية للتعاون االجتماعي املنصوص عليها في ميثاق األمم
املتحدة في الفصل التاسع في املواد ،60-55و إن شكلت هذه اإلجراءات حماية اجتماعية دولية من
ناحية إال أنها جسدت تقييدا و تعديا على الحقوق و الحريات العامة ،و إن وجدت تبريرا لها في
املحافظة على املصلحة العامة ،فمصر و املغرب و فرنسا أعلنت حالت الطوارئ الصحية ،أما
178
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
الجزائر فأعلنت حالة الحجر الصحي و هذا بهدف الحفاظ على النظام العام ،و هذا أثر بطبيعة
الحال على الحريات السياسية كذلك:
فبالنسبة لحرية الرأي والتعبير فقد اتخذت السلطة الجزائرية مجموعة من القرارات عن طريق
مراسيم تنفيذية من قبل الوزير األول صاحب االختصاص في مجال الضبط اإلداري وصلت ألكثر
من 22مرسوم تنفيذي اتخذت بموجبها تدابير وإجراءات الوقاية و مكافحة الفيروس ،فالكثير رأى
أن فيروس كورونا قد ضيق الخناق على حرية التعبير حين استعملت لتكميم األصوات من قبل
األنظمة الحاكمة و فرض الرقابة على الصحافة و تقييد الوصول إلى املعلومة ،فطالبت الصحافة
وغيرها من وسائل اإلعالم اتخاذ إجراءات أكثر شفافية على مستوى اإلفصاح عن البيانات
واملعلومات املتعلقة بأزمة تفش ي الفيروس ،وعدم تقييد حرية التعبير الرقمي للمواطنين عبر وسائل
التواصل االجتماعي إذ اتهم العديد من األشخاص بإثارة البلبلة وزعزعة االستقرار بنشر اإلشاعات
واألكاذيب ،و ال يمكن نكران أنه بالفعل هناك من فعل ذلك سواء من مواطني الدولة أو خارجها،
لكن سجلت أيضا اعتقاالت لصحفيين في بعض الدول و هم بصدد تغطية مواضيع متعلقة باألزمة
،بحجة الحرص على تفادي األخبار املزيفة املروجة عن طريق اإلنترنيت والتي خلقت أحيانا موجات
ذعر لدى املواطنين ،فجرمت العديد من الدول نشر معلومات كاذبة حول مواضيع الصحة العامة.
وكذلك بالنسبة لحرية االجتماع :وقد منعت عدة دول االحتجاجات ضد طريقة تسيير األزمة
بدعوى املخاوف بشأن التباعد االجتماعي أو استخدمت الوباء كمبرر لتفريق التجمعات املنتقدة
لسياسات الحكومة غير املتوقعة لفيروس كورونا.
إال أن هذا ال يعني إلغاء حق الجزائريين في ممارسة حرياتهم السياسية فالزالت الصحافة توصل
كل جديد للشعب ،والزالت األحزاب السياسية تقوم بدورها املنوط بها قانونا ،وكذا الجمعيات
وغيرها من الجماعات الضاغطة وحتى املجتمع املدني.
ويبقى القضاء اإلداري يبسط رقابته على أعمال اإلدارة العامة في ظل الظروف االستثنائية ،وهذا ما
استقر عليه القضاء اإلداري الفرنس ي.
خاتمة:
تلتزم الدول باملحافظة على مقوماتها من االنهيار والتعدي من الكوارث الطبيعية واألوبئة
والإستقرار السياس ي وغيرها ،بولوج باب اإلجراءات االستثنائية التي تشكل مساسا ال محالة بالحقوق
والحريات العامة ،لكن في هذا تغليب للمصلحة العامة على الخاصة وحفاظا على النظام العام ال
179
جميلة قدودو
تعسفا شريطة املحافظة قدر اإلمكان على صيانة الحقوق والحريات العامة والسياسية منها بصفة
خاصة ،و هذا ما توثقه املادة 34من التعديل الدستوري لسنة 2020التي تنص على ترقية مبدأ
إلزامية احترام األحكام الدستورية املتعلقة بالحقوق األساسية و الحريات العامة و ضماناتها لجميع
السلطات و الهيئات العمومية و أن ال يتم تقييدها إال بموجب قانون و ألسباب مرتبطة بالنظام
العام و األمن و حماية حقوق و حريات أخرى كرسها الدستور و باألخص حماية حرية التظاهر
السلمي و حرية التعبير و حرية الصحافة.
وقد اتضح لنا اتساع صالحيات اإلدارة في حالة تطبيق نظرية الظروف االستثنائية وتأثيرها على
الحريات السياسية أكثر مما هو عليه في ظل الظروف العادية من تقييد ،تحت طائلة الرقابة
القضائية التي تقر إما بإلغاء تصرف اإلدارة أو التعويض عنه وإما االثنان معا ،وهذا حماية ألمن
الدولة واستقرارها والحفاظ على مؤسساتها.
ومجموع الجهود التي بذلت وال تزال من قبل الدول ملكافحة فيروس كوفيد 19-تراعي الحرص
الكافي لحماية أكبر فئة ممكنة من البشر خاصة الضعيفة منها صحيا واقتصاديا ،فبعد أن أغلق
العالم بموجب الحجر الصحي واتباع مؤسسات الدولة وإداراتها تدابير احترازية ،كشف عن روح
املسؤولية والتضامن ألجل الحفاظ على وجود اإلنسان و سالمته ،و سد الباب أما األضرار التي
تصيب مجموع العمال و غيرهم ،حسب قدرا ت الدولة وإمكانياتها ال تخاد ما تستطيع من حلول لجبر
الضرر الناتج عن املساس بالحريات العامة بسبب اإلجراءات االستثنائية التي لم تتخذ تعسفا ،وإنما
حماية للمصلحة العامة وحفاظا على النظام العام بكل عناصره التقليدية منها والحديثة.
وقد كفل التعديل الدستوري لسنة 2020ممارسة املواطنين لحرياتهم السياسية و مساهمتهم في
تسيير شؤون الدولة بواسطتها كحق االنتخاب والترشح ،حرية الرأي و التعبير ،و مقارنة بالدساتير
السابقة الحظنا أن املؤسس الدستوري قد خفف كثيرا من القيود التي أوردها فيما سبق على
ممارسة الحريات السياسية فعلى سبيل املثال استبدل نظام الترخيص بأسلوب التصريح فقط مع
احترام الشروط و القوانين املنصوص عليها ،كما أقر بأنه ال يمكن إلغاء أو وقف أي تصرف مرتبط
بممارسة الحريات السياسية إال بأمر قضائي مثل وقف الصحف أو الجمعيات...كما ألغى أي عقوبة
سالبة للحرية ضد الصحفيين و حتى معاوني الصحافة و كفل لهم االستقاللية و حرية التعبير...وهذا
في ظل الظروف العادية وحتى االستثنائية التي حدد مدتها و ربط تمديدها بموافقة البرملان وأخضع
كل القرارات املتخذة خاللها من السلطات لرقابة الحقة للمحكمة الدستورية وفي كل هذا ضمانات
دستورية ملمارسة هذه الحريات التي تعكس مدى ديمقراطية الدولة.
180
ضمانات ممارسة الحريات السياسية خالل الظروف االستثنائية في الجزائر
-قراءة في التعديل الدستوري لسنة -2020
التوصيات:
-ضرورة اإلسراع في تعديل القوانين العضوية املتعلقة بتنظيم ممارسة الحريات السياسية كقانون
االنتخابات ،قانون الجماعات املحلية بما يضمن فاعلية تجسيد سبل ممارسة الديمقراطية
التشاركية ومساهمة املواطنين في تسيير شؤون الدولة.
-تفعيل كل ما من شأنه إبعاد املال الفاسد عن السياسة وضمان وصول املنتخب املناسب للمكان
املناسب ليمثل منتخبيه أحسن تمثيل ويضمن إيصال صوتهم ألصحاب القرار وتلبية حاجياتهم
وآمالهم لجزائر جديدة.
-اإلسراع في تفعيل اآلليات الجديدة في التعديل الدستوري لسنة 2020والتي من شأنها تجسيد
استقاللية تامة للقضاء كاستحداث املحكمة الدستورية باعتبار أن السلطة القضائية هي الضامن
والحارس للحقوق والحريات العامة والسياسية بصفة خاصة.
-مراعاة القضاء للظروف االستثنائية عند الفصل في كل املنازعات املتعلقة بممارسة حرية من
الحريات السياسية كقضايا الصحفيين مثال.
-تدعيم ثقافة التوعية السياسية في املؤسسات كلها وتضمينها في البرامج التربوية والتعليمية.
-تجسيد األمن القانوني في كل التشريعات املتعلقة بممارسة الحريات السياسية حتى ال يتفاجأ
املواطن بقرارات استثنائية وعقوبات وتكييفات خاطئة لتصرفات قام بها على أساس أنها حرية من
حرياته السياسية املضمونة ليجد نفسه أمام تهم تمس باألمن العام أو بالدولة وممتلكاتها...
-االهتمام أكثر بتطوير الوسائل التكنولوجية الحديثة وتعليمها للدور الكبير الذي عملته خالل
الجائحة بتنشيط ممارسة السياسة عن بعد كاالنتخاب اإللكتروني ،مع مراعاة توسيع نطاق الحماية
الخاصة به.
-الحكومات ملزمة بحماية الحق في حرية التعبير الذي يشكل أساس التمتع الكامل بحرية التجمع
ويسمح بتقييدها في إطار القانون حماية لألمن القومي أو النظام العام ،الصحة أو اآلداب العامة.
قائمة املراجع:
أوال /الكتب:
-أندريه هوريو ،1974 ،القانون الدستوري واملؤسسات السياسية ،ج ،1ترجمة علي مقلد وآخرون ،األهلية للنشر
والتوزيع ،بيروت.
-حسن ملحم ،د.س ،محاضرات في الحريات العامة ،ديوان املطبوعات الجامعية ،الجزائر.
-عماد ملوخية ،2012 ،الحريات العامة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية.
181
جميلة قدودو
-محفوظ لعشب ،2001 ،التجربة الدستورية في الجزائر ،املطبعة الحديثة للكتاب في الفنون املطبعية ،الجزائر.
-محمد عبيد القحطاني ،2002 ،الضبط اإلداري ،سلطاته وحدوده.
-موريس دي فرجيه ،2011 ،األحزاب السياسية ،ترجمة علي مقلد ،عبد املحسن سعد ،شركة أمل للنشر،
القاهرة.
-فاطمة مفتي ،2014 ،رؤية تحليلية لقوانين الحريات العامة في الجزائر-األحزاب السياسية ،الجمعيات واإلعالم،
دار بلقيس ،الجزائر.
-هاني سليمان الطعيمات ،2000 ،حقوق اإلنسان وحرياته األساسية ،دار الشروق ،عمان ،األردن.
-André POUILLE et Jean ROCHE,,2004 libertés publiques et droits de homme,14
Emme éd., Dalloz, France.
-Robert JACQUES,1982, liberté publique, Ed. Montchrestien, paris, 3eme éd.
ثانيا /األطروحات:
-رحموني محمد ،2015 ،تنظيم ممارسة حرية التجمع في القانون الجزائري ،الجمعيات واألحزاب السياسية ،رسالة
دكتوراه ،قسم القانون العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة تلمسان ،الجزائر.
-ابراهيم سالم األخضر ،الحريات العامة وحدود إجراءات الضبط اإلداري ،رسالة ماجستير.
-جالل مسعد ،2002 ،مبدأ املنافسة الحرة في القانون الوضعي ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون ،فرع
قانون أعمال ،كلية الحقوق ،مولود معمري ،تيزي وزو ،الجزائر.
-مريم عروس ،النظام القانوني للحريات العامة في الجزائر ،مذكرة ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة الجزائر.
-مريم جعفور ،2013 ،دور املجلس الدستوري في حماية الحقوق والحريات األساسية ،رسالة ماستر.
ثالثا /املقاالت:
-بن زحاف فيصل وعصمان ليلى ،2020 ،الحماية االجتماعية الدولية من جائحة كوفيد ،19-مجلة قانون العمل
والتشغيل ،املجلد ،05العدد .04
-محمد صوفي ،2011 ،املسؤولية عن مخاطر التجمهرات والتجمعات ،مجلة الحقوق والعلوم السياسية ،العدد
.08
-محمد عمارة ،2012 ،املفهوم اإلسالمي للحرية ،مجلة األزهر ،عدد أكتوبر ،الجزء .11
-محمد بودالي ،2011 ،الحقوق األساسية الخاصة بالخصومة املدنية ،مجلة الحقوق والعلوم السياسية ،العدد
.08
-أحمد سويقات ،2006 ،التجربة الحزبية في الجزائر ،2004-1962:مجلة الباحث ،عدد .4
-فراجي عاشور ،2019،مفهوم حرية الترشح لالنتخابات واختصاص املشرع الجزائري واملقارن بتنظيمها" مجلة
صوت القانون ،املجلد ،6العدد190-177 ،1
رابعا /املحاضرات:
-شهيدي محمد سليم ،2007/2006 ،محاضرات في الحريات العامة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة
جياللي ليابس بسيدي بلعباس ،الجزائر.
182