Professional Documents
Culture Documents
القرار الاداري
القرار الاداري
انّ دراسة النظام القانوني الذي يرعى تحضير ووضع القرار اﻻداري يفرض البحث في معرفة
وأخيرا
ً المرجع الصالح للقيام بهذا اﻷمر ،ومن ث ّم تحديد اﻷصول التي يجب ان تمر بها هذه العملية
تحديد تاريخ بدء نفاذه.
ليس كل مرجع اداري صال ًحا ﻹتّخاذ قرار اداري ،فهذا النوع من القرارات يقتصر اتّخاذه على
المرجع الصالح بمقتضى اﻷحكام المرعيّة.
فمن حيث مصادر قواعد اﻻختصاص ،انّ تحديد صﻼحيّة كلّ من السلطات اﻻدارية وارد مبدئيًا في
الدستور ،وفي القوانين واﻷنظمة ،ولكن هذه النصوص قد ﻻ تتضمن ك ّل قواعد اﻻختصاص ،اﻷمر
الذي يشكل فرا ًغا يعود لﻺجتهاد ملئه.
فإن قواعد اﻹختصاص ُملزمة لﻺدارة بصورة ﻻ تحتمل اي جدل ،وهذا اﻷمر ا ّما من حيث المدىّ ،
يظهر في مجاﻻت مختلفة:
انّ مخالفة هذه القواعد تتعلق باﻹنتظام العام ،اي انّه يمكن اثارة هذه المخالفة في ايّة درجة
عفوا من قبل القاضي نفسه. من درجات المحاكمة ،كما يمكن ان تثار ً
ان هذه القواعد تفسّر بصورة صارمة وضيّقة. ّ
الﻼشرعيّة التي ترافق القرار الصادر عن مرجع غير صالح ﻻ يمكن ازالتها بمجرد انّ ّ
موافقة السلطة الصالحة على القرار المذكور.
-1اﻹختصاص الموضوعي:
ان قاعدة اﻹختصاص تحدّد المواد التي تدخل ضمن اختصاص ك ّل سلطة .من هذا ّ
التطرق الى ترتيب الصﻼحيّات او اﻹختصاصات ودراسة طريقة ّ المنطلق يقتضي
توزيعها ونظام تفويضها.
أ -التوزيع التسلسلي للصﻼحيّات :انّ معرفة ما اذا كانت صﻼحيّة ما عائدة لسلطة
بمجرد تحديد المركز او الوظيفة في الهرم اﻹداري بشكل ّ اداريّة معيّنة تت ّم
ان التوزيع التسلسلي للصﻼحيّات يتّصف بالصفة اﻹلزاميّة عامودي ،من هنا ّ
ً
ونزوﻻ وذلك: في اﻹتّجاهين صعودًا
ﻷنّه ﻻ يجوز للسلطة الدنيا ان تتعدّى على صﻼحيّات السلطة العليا،
بينما قد يُجيز القانون للسلطة العليا تفويض بعض صﻼحيّاتها للسلطة
الدنيا.
40
ﻷنّه ﻻ يجوز للسلطة العليا ان تتعدى على صﻼحيات السلطة الدنيا،
عفوا مح ّل الموظف فالسلطة التسلسليّة ﻻ تملك حق احﻼل نفسها ً
ان حق اﻹحﻼل ﻻ يتم ّاﻻ بالحاﻻت التي يجيزها القانون. المرؤوس ّ
ب -نظام التفويض:
.1مفهومه :انّه اسلوب يتم بموجبه منح سلطة اداريّة من قبل سلطة
ادارية اخرى حق التصرف باسمها في حالة او مجموعة حاﻻت
معيّنة .هناك شروط لصحّة التفويض ،ولكن ﻻب ّد هنا من التمييز بين
نوعين من التفويض هما تفويض التوقيع وتفويض الصﻼحيّة:
تفويض التوقيع :وهذا يعني تفويض المرؤوس التوقيع نيابة
ظا بكامل صﻼحيّاته ،فالتوقيع عن رئيسه الذي يبقى محتف ً
باﻻنابة يتم باسم الرئيس ودائ ًما على مسؤوليته ،وهو يزول
المفوض او المرؤوس ّ بمجرد زوال صفة الرئيس ّ ُحك ًما
ان تفويض التوقيع يُعطى بالنظر الى المفوض اليه ،ذلك ّ ّ
ان هذا التفويض يبدو وكأنّه نوع من شخص ك ّل منهما ،اذ ّ
التنظيم الداخلي في جهاز اداري معيّن.
تفويض الصﻼحيّة :معناه تخلّي الرئيس عن بعض
مركزا معينًا بصورة ً صﻼحيّاته لصالح مرؤوس يشغل
ُجرده التفويض ّ ي الذي الرئيس مجردة وبصرف النظر عن ّ
من كامل صﻼحيّاتهفي المواضيع الواردة في التفويض،
وطالما بقي هذا التفويض قائ ًما ،باعتبار انّ التفويض هنا
غير شخصي ،فإنّه ﻻ يزول اﻻّ بالرجوع عنه صراحة
لمجرد تبديل شخصيّة الرئيس او ّ وبنص معاكس ،ﻻ
ً ّ
المرؤوس ،فمثل هذا التبديل ﻻ يُؤثر فيه اطﻼقا.
.2شروط صحّة التفويض :حتى يكون التفويض صحي ًحا ،ﻻ ب ّد ان
يتوافر فيه شرطان اساسيّان :الصراحة )يجب ان يكون صري ًحا وﻻ
مجال هنا للتفويض الضمني( واﻹجازة القانونيّة ) ﻻ تفويض ّإﻻ اذا
سمح القانون بذلك( ،وعدم التقيّد بهذين الشرطين مجتمعين يُعيب
التفويض.
صراحة التفويض :انّ اﻹجازة القانونية بالتفويض ﻻ تُولي
المفوضة بل
ّ بحد ذاتها السلطة المعنية حق ممارسة السلطة
يجب ان يكون هناك قرار صريح و ُمسبق بالتفويض تطبيقًا
لﻺجازة القانونيّة .غير انّه اذا كان التفويض الضمني غير
جائز فانّه بالمقابل ﻻ يجب ان يتعدّى عمل المرؤوس حدود
الصﻼحيّات التي يتمتع بها الرئيس في موضوع معيّن ،كما
انّه ﻻ يجوز ان يتعدّى الحدود المرسومة له في قرار
التفويض كأن يوقّع المدير قرارات تنظيميّة في حين ا ّن
التفويض المعطى له يتعلّق بتوقيع القرارات غير التنظيميّة
فقط .انّ قرار تفويض التوقيع والصﻼحيّة ﻻ يُعتبر صحي ًحا
ما لم يُنشر وفق اﻷصول )في الجريدة الرسميّة(.
اﻹجازة القانونيّة :المبدأ في القانون العام ،انّ الصﻼحيّة
يتصرف بها كيفما يشاء ،وإنّما ّ ليست حقًا او مل ًكا لصاحبها،
هي وديعة يُؤت َمن عليها ،وعليه ان يمارسها بنفسه دون
امكانيّة نقلها الى سواه .في حال عدم الوضوح لناحية النص،
يُفَسّر التفويض بأنّه تفويض توقيع وليس تفويض صﻼحيّة.
41
في فرنسا ،يُمكن ان تُعطى اﻹجازة بقانون او بمرسوم
حسبما تكون الصﻼحيّة ممنوحة للرئيس التسلسلي بقانون او
بمرسوم.
ا ّما في لبنان ،فالتفويض غير جائز ما لم يسمح به التشريع
نفسه .وبالتالي ،فإنّه ليس للنظام reglementان يُجيز هذا
التفويض .وهكذا وفي غياب نص تشريعي صريح ،ﻻ يجوز
ُفوض أيا من صﻼحيّاته الى مدير عام او للوزير مثﻼ ان ي ّ
ُمحافظ او اي موظف آخر ،وﻻ حتّى توقيعه ولو جزئيًا او
مؤقتًا.
ان النص الذي يُجيز التفويض يُحدّد عادة ما يُمكن وما ﻻ ّ
يُمكن تفويضه .مثﻼ ،القانون اللبناني أجاز للوزير تفويض
بعض صﻼحيّاته غير الدستوريّة .وفي كل حال ،ﻻ يجوز
ان يشمل التفويض ُمجمل اختصاصات الرئيس ،بل بعضها
طافقط .ويجب ان ﻻ يتناول صﻼحيّاته التي ترتبط ارتبا ً
وثيقًا بشخصيته َك ُمت ََو ٍّل لوظيفة معيّنة ،مثل صﻼحيّات
الوزير الدستوريّة .ويجب ان يتضمن هذا القرار التفويضي
فوضة الى المرؤوس بالتحديد .أ ّما مصير العمل المواد ال ُم ﱠ
المخالف لك ّل هذه القواعد واﻷصول فهو البطﻼن.
.3التفويض والنيابة و الوكالة :يختلف التفويض اختﻼفًا جذريًا عن ك ّل
من النيابة والوكالة.
النيابة :تتحقق بصورة تلقائيّة ودون الحاجة الى صدور نص
بها عن الرئيس كما هي الحال في التفويض ،فيكفي ان يسمح
وبمجرد غياب الرئيس ينوب عنه المرؤوس ّ القانون بها،
مثﻼ في حال غياب رئيس في الحاﻻت التي حددّها القانونً .
البلديّة ينوب عنه نائب الرئيس ،وفي حال غياب رئيس
الجامعة اللّبنانيّة ينوب عنه اكبر العمداء سنًا.
الوكالة :تحتاج الى قرار من السلطة الصالحة ،والغاية منها
تدارك امكانيّة توقف العمل في المرفق العام في حال شغور ُ
الوظيفة او غياب صاحبها ،وقد أخضعها قانون الموظفين
ﻷصول وشروط محددة.
-2اﻹختصاص المكاني:
تمتد صﻼحيّة السلطات المركزيّة على كل أراضي الدولة ،وفي المقابل تنحصر
صﻼحيّات السلطات اﻹقليميّة في نطاق جغرافي معيّن ،فﻼ يجوز ً
مثﻼ لمحافظ الشمال
ان يتّخذ تدبير معيّن يتعلق بمحافظة بيروت.
-3اﻹختصاص الزماني:
ّ
ان صﻼحيّات السلطات اﻹداريّة مرتبطة بمهلة زمنيّة محدّدة ،ومظاهر ذلك ثﻼثة:
ّ
اعتبارا من تاريخ توليها
ً ّ
ﻻ يجوز لسلطة اداريّة ممارسة صﻼحيّاتها اﻻ
الوظيفة.
ّ
انّ المجالس اﻹداريّة ﻻ يمكنها ان تتّخذ قراراتها بالتصويت إﻻ خﻼل انعقاد
دوراتها.
تفقد اي سلطة اداريّة صﻼحيّاتها فور انتهاء مدّة وﻻيتها ،غير انّه تفاديًا
لتوقف سير المرافق العامة وتأمينًا ﻻستمراريتها ،سلّم اﻹجتهاد بعدد ﻻ
بأس به من الحاﻻت اﻻستمرار بتصريف اﻷعمال حتى تعيين الخلف.
42
-4ضمانة قواعد الصﻼحيّة:
ينتج عن مخالفة قواعد الصﻼحيّة ﻻ شرعيّة خاصة يُطلق عليها اسم عدم الصﻼحيّة،
وهو احد العيوب التي يمكن ان تشوب القرار اﻻداري فتفسده .ولهذا العيب شكلين،
أولهما يتمثل في اغتصاب السلطة الذي يعني اتّخاذ قرار اداري بمعزل عن ايّة صفة
شرعيّة اي بتدخل اشخاص غرباء تما ًما عن الوظيفة العامة في شؤون هذه الوظيفة
عبر انتحالهم صفة الموظف العام ،ويُعتبر ايضًا اغتصاب للسلطة تدخل سلطة اداريّة
في موضوع يدخل ضمن اختصاص السلطة التشريعيّة او القضائيّة او في مهام سلطة
تقريريّة .ا ّما ثانيهما ،فيتمثّل في عدم اﻻختصاص الذي يعني تد ّخل سلطة اداريّة في
صﻼحيّات سلطة اداريّة أُخرى.
ثانيا :اﻹستثناء على قواعد الصﻼح ي ّة )نظر ي ّة الموظف الواقعي او الفعلي : ( Fonctionnaire de fait
-1تعريفها:
تُعتبر نظريّة الموظف الوقعي او الفعلي ُم َخ ِففًا من حدّة النتائج القانونيّة لعدم الصﻼحيّة.
فالموظف الواقعي هو من كان غير مكلّف بوظيفة عامة ،او من كان ُمكلّفًا بهذه الوظيفة
ان اعماله تُعتبر بالرغم من كل ذلك شرعيّة. بصورة غير شرعيّة ،إﻻّ ّ
-2مظاهرها:
يُمكن لنظريّة الموظف الواقعي ان تؤدّي دورها في نوعين من الظروف المختلفة ،إﻻّ ا ّنها
ﻻ ترتكز في الحالتين على اﻷساس نفسه ،ففي الظروف العاديّة يُمكن اللّجوء اليها على
اساس نظريّة الظواهر ،ا ّم ا في الظروف اﻻستثنائيّة فيُمكن تطبيقها على اساس حالة
الضرورة.
أ -نظريّة الموظف الواقعي على اساس الظواهر )في الحاﻻت العاديّة(:
قد يحدث ان يتعامل الغير مع احد اﻷشخاص على انّه ُمت ََولّي وظيفة ُمعيّنة ،في حين
انّه ﻻ يكون كذلك ،ودون ان يتمكن الجمهور من معرفة ﻻ شرعيّة هذا الموقف ،فﻼ
يجوز تحميله النتائج القانونيّة السلبيّة التي تترتب على هذه المخالفة ،في الوقت الذي
كان فيه هذا الشخص يبدو ظاهريًا كأنّه هو نفسه الموظف الشرعي .من هنا اعتبر
القضاء انّه ينبغي حماية حقوق اﻷفراد حسني النيّة ،وقال بشرعيّة التدابير المتّخذة
ضمن هذا اﻻطار .مثﻼ :اعتُبرت شرعيّة التدابير المتّخذة من قبل موظف معيّن
بصورة غير شرعيّة قبل صدور القرار القضائي يبطﻼن تعيينه ،كما اعتبرت شرعيّة
عقود الزواج التي اجراها عضو مجلس بلدي بتفويض غير شرعي من رئيس
المجلس.
ب -نظريّة الموظف الواقعي على اساس حالة الضرورة:
في الظروف اﻻستثنائيّة قد تتخلّى السلطات اﻹداريّة الشرعيّة عن مهامها ،وتختفي
عن مسرح الخدمات العامة ،في حين انّ هناك مرافق عامة ﻻ يجوز ان يتوقف سيرها
صا على المصلحة العامة .فتعتبر التدابير الصادرة عن اشخاص ﻻ صفة عامة حر ً
لهم والرامية الى تأمين هذه اﻻستمراريّة شرعيّة .وذلك عمﻼً بنظريّة الظروف
فروا بسبب الحرب ،فجاء احدهم واتّخذ اﻻستثنائيّة .مثﻼً ،أعضاء مجلس بلدي ّ
الﻼزمة مكانه ،اعتبرت هذه اﻷعمال بعد نهاية الحرب أعماﻻً شرعيّة عمﻼً القرارات ّ
بنظريّة الموظف الواقعي.
43
القسم الثاني :شكل وأصول اتّخاذ القرار اﻹداري:
يخضع القرار اﻻداري لكثير من المراسم واﻷصول التي تُعلّق صحته على مراعاتها ،ومجموع قواعد الشكل
واﻷصول هذه تس ّمى اﻷصول اﻻداريّة غير القضائيّة.
تُعلّق صحّة القرارات اﻻداريّة على مراعاة هذه القواعد واﻷصول ،ويُقضى ببطﻼنها في حال عدم تقيّدها بها .هذا
بأن القواعد واﻷصول ليست كلّها سواء ،فمنها ما هو جوهري وتؤدّي الى اﻹبطال، هو المبدأ ا ّما اﻻستثناء ،فيقول ّ
ومنها ما هو غير جوهري ﻻ يؤدي الى اﻹبطال.
اوﻻ :الصيغ:
أ -الصيغة الخطيّة والصيغة الشفهيّة:
القرار اﻹداري اصﻼً غير مقيّد بصيغة معيّنة ،فإذا كان يجب أن يكون من حيث المبدأ خطيًا،
فليس ما يمنع ان يكون شفهيًا .ﻻ سيّما وأنّ اﻹجتهاد ّ
أقر بإمكانيّة الطعن بالقرارات الشفهيّة،
ومنها القرارات الضمنيّة بالرفض التي تنتج عن السكوت لفترة معيّنة ،فالصيغة الخطيّة ليست
الزاميّة اﻻّ اذا فرضها القانون.
يتشدد القضاء في تطبيق القواعد المتعلّقة باشتراك الوزير المختص في توقيع المراسيم الى
جانب رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة على اعتبار انّها قواعد شكليّة ﻻ قواعد اختصاص.
من حيث المبدأ اﻹدارة ليست ملزمة بتعليل القرارات التي تتخذها ،اي ليست ملزمة بتبيان
تقرر ما قررته ،وهذا ما يميّز القرار اﻻداري عن القرار القضائي،
اﻷسباب التي دفعتها الى ان ّ
مبررا .ولكن اﻻدارة تكون ملزمة بتعليل قرارها اذات ما أوجب نص ً الذي يجب دائ ًما ان يكون
تشريعي او تنظيمي ذلك ،وفي هذه الحالة يُعتبر التعليل من الصيغ الجوهريّة وإغفله يؤدي الى
ابطال القرار ،غير انّه اذا كانت اﻻدارة غير ملزمة اصﻼ بتعليل قرارها فانّها تكون ملزمة
دائ ًما بتبيان اﻷسباب والدوافع اذا طلب منها القاضي ذلك .كما وأنّه اذا عللت اﻻدارة قرارها،
فيخضع هذا التعليل لرقابة القضاء.
44
ج -الصيغ الجوهريّة والصيغ غير الجوهريّة:
ان التمييز بين هذين النوعين من الصيغ له أهميّة خاصة في مجال الرقابة القضائيّة على العمل ّ
اﻻداري .ففي حين يؤدّي اغفال الصيغة الى ابطال العمل اﻻداري ،يبقى اغفال الصيغة غير
ان هناك صعوبة كبيرة ﻹعتماد معيار واضح للتمييز الجوهريّة دون تأثير من هذه الناحية .عل ًما ّ
بين هذه وتلك من الصيغ.
أحيانًا يفرض النص على اﻹدارة وجوب اصدارقرارها في مهلة محددة ،ولكن اﻻدارة ﻻ تكون
دائ ًما ملزمة بالتقيّد بهذه المهل .فالمبدأ هو ّ
ان هذه المهلة ﻻ تعتبر الزاميّة بل من قبيل التمني او
ان النص الذي فرضها أراد اعطائها صفة اﻹلزام .من هنا ،اعتبر اﻹجتهاد الحث ،ما لم يتّضح ّ
ان القرار اﻻداري الصادر بعد انقضاء المهلة المحددة له هو صحيح مبدئيًا .غير انّه اذا كانت ّ
صدور هذا القرار يجب ان يتم خﻼل مدّة فإنّ اﻻدارة غير مقيّدة بمهلة معيّنة ﻹصدار قرارها
معقولة ،délais raisonableيقدّرها القاضي بالنظر لظروف كل قضيّة ،حتّى اذا نجم عن
ضررا للغير اعتبرت اﻻدارة مسؤولة.ً هذا التأخير
كثيرا ما تكون القرارات اﻻداريّة مسبوقة باستشارة هيئة او لجنة او مجلس أُنيط بها بابداء الرأي
ً
ّ
بالتدبير المنوي اتخاذه .واﻻستشارات المسبقة ثﻼثة حاﻻت:
الحالة اﻷولى :اﻻستشارات اﻻختياريّة :وهي التي تطلبها اﻻدارة تلقائيًا
إ ّما ﻷنّها غير مفروضة بنص ،وإ ّما ﻷنّ النص الذي يشير اليها لم يعطها
صفة اﻹلزام .في هذه الحال تكون اﻹدارة غير ُملزمة أصﻼً بطلب
اﻹستشارة ،وإذا طلبتها تكون غير ملزمة بالتقيّد بها.
الحالة الثانية :اﻹستشارة اﻹلزاميّة :وهي التي يفرضها النص دون ان
تكون اﻹدارة ُملزمة بالتقيّد بها لدى اتّخاذها قرارها .هنا تكون اﻹدارة
ُملزمة بطلب الرأي دون ان تكون مقيّدة به .مثﻼ ،استشارة مجلس
شورى الدولة في مشاريع المراسيم التشريعيّة ،وفي مشاريع النصوص
التنظيميّة ،لذا يُعتبر المرسوم التنظيمي الصادر دون استشارة المجلس
معيوبًا ومستوجبًا اﻹبطال .تجدر المﻼحظة ايضًا ،انّه اذا كانت اﻻدارة
غير ُملزمة بالتقيّد بالرأي اﻻستشاري فإنّه بالمقابل ﻻ يجوز لها ان تعتمد
صا يختلف في جوهره عن النص موضوع اﻻستشارة. ن ً
الحالة الثالثة :الرأي الذي يُقيّد اﻹدارة :في هذه الحال ،تكون اﻹدارة
ان تقييد اﻹدارة على ُملزمة بطلب الرأي ،و ُمجبرة على التقيّد بنتيجتهّ .
هذا النحو ﻻ يمكن ان يتم ّاﻻ بنص صريح.
45
القسم الثالث :تاريخ بدء سريان مفعول القرار اﻹداري:
46
اعتبارا من تاريخ توقيعها من قبل المرجع الصالح بصرف النظر
ً تعطيهم الحق
عن تاريخ ابﻼغهم إيّاها.
اعتبارا من تاريخ نشرها او ابﻼغها ،وﻻ يجوز اعطاؤها اي ً إن القرارات او اﻷعمال اﻻداريّة النافذة ﻻ تطبّق اﻻّ ّ
ّ
مفعول رجعي ،وإﻻ كانت باطلة .وهذا المبدأ يُطبّق بالنسبة للقرارات التنظيميّة أو بالنسبة للقرارات الفرديّة .فتعتبر
ان المهلة المحددةمثﻼً ،معيوبة بالرجعيّة القرارات التي تُر ّفع بمفعول رجعي احد العمال ،او القرارات التي تعتبر ّ
فيها تبدأ بالسريان قبل تبليغها او نشرها.
ولكن استثنا ًءا من هذا المبدأ يجوز اعطاء القرار اﻹداري مفعوﻻً رجعيًا:
بالنسبة للقرارات التنظيميّة ليس هناك ما يحول وهذا التأجيل على ان يتم ذلك
صراحة وبكل وضوح.
ا ّم بالنسبة للقرارات الفرديّة ،فالتأجيل غير جائز باعتبار انّها تولي الغير حقوقًا
مكتسبة ،ويحق ﻷصحاب هذه الحقوق طلب تنفيذها منذ التوقيع وحتى قبل التبليغ.
في حال التأخير عن التنفيذ مدّة غير معقولة ،تعتبر اﻻدارة مسؤولة.
47
الجزء الثاني :مفهوم القرار اﻻداري النافذ
قرارا نافذًا.
ً انّ القرار اﻻداري النافذ هو عمل قانوني ،ولكن ليس ك ّل عمل تأتيه اﻻدارة يُش ّكل
قرارا نافذًا:
ً القسم الثاني :ليس كل عمل تأتيه اﻹدارة
يتميّز ويختلف القرار اﻻداري النافذ عن العقود التي تجريها اﻻدارة مع الغير والتي ﻻ تنتج مفاعيلها ا ّ
ﻻ
بالتقاء اﻻرادتين معًا ،وعليه فإنّ المعيار اﻷساسي الذي يمكن من خﻼله معرفة القرار اﻹداري النافذ ،هو
قابليته للطعن ،بخﻼف العقد اﻻداري الذي ﻻ يقبل الطعن عن طريق اﻻبطال .ولكي يكون هذا القرار
ضررا بحقوق الفرد او مصالحه ،لذلك يجب النظر الى ما يقرره هذا القرار ً قابﻼً للطعن يجب ان يُلحق
بغض النظر عن التعليل الوارد فيه .فالقضاء اﻻداري ير ّد المراجعة اذا قدّمت ض ّد التعليل وحده بحجّة
يضر بصاحب العﻼقة. ّ انّه
قرارا ناف ًذا فهي التالية:
ً ا ّما اﻷعمال اﻹداريّة التي ﻻ تشكل بح ّد ذاتها ومن حيث المبدأ
48
وهي التي تم ّهد ﻻتّخاذ القرار النهائي ،وهي تعتبر اعماﻻً اعداديّة ﻻ تشكل قراراً
ناف ًذا .مثﻼً ،اﻵراء اﻻستشاريّة ،قرارات اﻻحالة على المجلس التأديبي ،القرارات
اﻻعداديّة ،التقارير واﻻقتراحات ،العﻼمات..
من شأن القرارات اﻻداريّة النافذة ،تنظيميّة كانت ام فرديّة ،ان ترتب موجبات والتزامات على اﻷفراد ،ولكن قد
اللجوء الى وسائلﻻ يرضخ هؤﻻء رضائيًا وبسهولة لهذه الموجبات لذلك تتمتع اﻻدارة بسلطة مميّزة تمك ّنها من ّ
القوة مباشرة .هذه السلطة المميزة ﻻ نجدها في القانون الخاص ،فإذا كان ﻷحدهم إكراهيّة ،ابرزها امكانيّة استعمال ّ
ّ
حق تجاه آخر وتمنّع هذا اﻷخير عن الوفاء بالتزامه ،فليس لصاحب الحق اﻻ اللجوء الى القضاء للحصول على
القوة العامة عند الحاجة الى ذلك ،اذ انّه ﻻ يجوز
يكرس له هذا الحق على ان يطلب في ما بعد التنفيذ بواسطة ّ حكم ّ
ﻷحد انتزاع حقّه بيده تحت طائلة المسؤوليّة.
ان اﻻدارة بامكانها استعمال القوة في اي وقت وبجميع اﻷحوال؟ ولكن هل ّ
ّ ّ
من الخطأ التسليم بهذا المبدأ على نحو مطلق ،اذ ان هناك فئة من القرارات النافذة ﻻ يستوجب تنفيذها اللجوء الى
ايّة طريقة قسريّة .مثﻼً ،تعيين موظف او ترقية موظف ،عزل موظف بصورة تأديبيّة او انهاء خدماته لبلوغ السن
القانونيّة ،اذ يكفي في هذه الحاﻻت لتنفيذ القرار وقف دفع الرواتب.
القوة في حال امتنع المعنيون عن التنفيذمقابل ذلك ،هناك حاﻻت يستوجب تنفيذ القرار اﻻداري النافذ فيها استعمال ّ
القوة اذا امتنع المصادر عليه عن تسليم اﻷموال رضائيًا .مثﻼً ،ا ّن قرار مصادرة اموال منقولة يستوجب تنفيذه ّ
المصادرة من تلقاء نفسه.
القوة؟
ما هي الحاﻻت التي يجوز لﻺدارة فيها باستعمال ّ
49
جزائيّة تُفرض على من ﻻ يمتثل للقرار فإ ّنه يتوجب على اﻻدارة ان تلجأ الى المﻼحقة
القضائيّة لفرض العقوبة وبالتالي التنفيذ ،وﻻ يحق لها ان تقوم هي بنفسها في ذلك .مثﻼ:
ان الذين يخالفون احكامه يُعاقبون بغرامة معيّنةاو بالحبس لمدّة محدّدة. ينص القانون على ّ
كذلك ﻻ يحق لﻺدارة ان تنفذ قراراتها بنفسها اذا اتاح لها المشترع اللّجوء الى طريقة
قانونيّة اخرى تؤدّي الى الغاية ذاتها .كما انّه ﻻ يحق لﻺدارة ان تلجأ الى التنفيذ الذاتي او
يوفرها لها القانون.
ّ القصري اﻻّ في حال انعدام اي وسيلة قانونيّة اخرى
في حالة العجلة القسوة او في حالة الظروف اﻻستثنائيّة حيث يتوجب على اﻻدارة تأمين
بالقوة جائزة هنا حتى ولو لم ينص ّ بالقوة منعًا للفوضى وامكانيّة التنفيذ
ّ تنفيذ تدابيرها
القانون عليها وحتى اذا تضمن عقوبة جزائيّة او وسيلة قانونيّة.
القوة من قبل اﻻدارة ﻻ يعني ا ّنها ليست مسؤولة عن اﻷضرار التي قد تنجم عن ان امكانيّة استعمال ّ ّ
تصرفها هذا .فمن جهة تكون اﻻدارة ملزمة بالتعويض عن الضرر الذي تلحقه بالمنفّذ عليه ،ومن جهة ّ
تصرفها
ّ القوة بصورة غير قانونيّة الى تحميل اﻻدارة المسؤوليّة ،ويُعتبر عملها او
ثانية ،يؤدّي استعمال ّ
عمﻼً تعسفيًا او تع ّديًا تتحمل مسؤوليته امام القضاء العدلي.
50
الجزء الرابع :زوال القرار اﻻداري:
هناك مظهران لزوال القرار اﻻداري ،اﻷو ّل زواله نتيجة ظروف خارجة عن ارادة اﻻدارة ،والثاني
زواله بفعل من اصدره.
يمكن ان تكون هناك اسباب ماديّة خارجة عن ارادة السلطة اﻻداريّة من شأنها ان تضع حدا
لوجود القرار اﻹداري .مثﻼً ،زوال الموضوع الذي أوجب وجود القرار ،أو وفاة الشخص الذي
يعنيه القرار اﻻداري.
ثانيا :اﻹلغاء:
هو وسيلة اداريّة تلجأ اليها اﻻدارة لوضع ح ّد لمفعول قرارها النافذ .قرار اﻻلغاء هو قرار اداري نافذ،
وبالتالي ﻻ يتضمن مفعوﻻً رجعيًا ،فهو يضع حدا لمفعول القرار الملغى للمستقبل فقط.
يُستعمل اﻹلغاء عامةً للقرارات التنظيميّة دون القرارات الفرديّة التي تُكسِبُ حقًا للغير ،والتي ﻻ يجوز
الغاؤها .فالقرارات التنظيميّة ﻻ تُنشئ في المبدأ حقًا شخصيًا مكتسبًا لﻸفراد ،وانّما يتولد عنها حقوق
بمجرد تعديلها او الغائها ذلك انّه يحق
ّ ومنافع تبقى قائمة ما دامت هذه القرارات معموﻻً بها وتزول
لﻺدارة ان تعدّل او ان تلغي النظام في اي وقت ودون ان يكون للتعديل او اﻹلغاء اي مفعول رجعي اذ
ان اﻷنظمة التي ترعى شؤون موظفي القطاع العام ﻻ توليهم يقتصر مفعولهما على المستقبل فقط .مثﻼًّ ،
ّ
اي حق مكتسب وللسلطة بالتالي حق تعديلها كلما دعت الحاجة الى ذلك.
واﻹلغاء يكون صري ًحا عندما يتضمن القرار مادة تلغي صراحة القرار السابق ،ويكون ضمنيًا عندما يحل
قرار جديد محل قرار سابق ويحكم الوضع الذي كان يحكمه القرار السابق وفق قاعدة او قواعد مختلفة
عن القواعد السابقة.
51
ثالثا :الرجوع عن القرار اﻹداري او استرداده:
ان الرجوع عن القرار اﻹداري او استرداده يؤدّي الى ازالة مفعول هذا القرار ،ليس للمستقبل وحسب، ّ
وانّما ايضًا في الماضي فيعتبر وكأنه لم يكن .وهو يطال باﻹجمال القرارات الفرديّة.
ب على اﻹدارة احترامها ،فإذا لم تفعل امتنع عليها نهائيًا ان للرجوع عن القرار شروط محددة َو ُج َ اﻻّ ّ
تجوزا لحد السلطة .وﻻ يجوز الرجوع ً استرداده .فﻼ يجوز الرجوع عن القرار القانوني واﻻّ اعتبر ذلك
صاعن القرار غير القانوني الذي أكسب حقوقًا للغير اﻻّ ضمن مهلة المراجعة لدى القضاء ،وذلك حر ً
على استقرار اﻷوضاع والحقوق ،او اذا طلب صاحب العﻼقة ذلك شرط ان ﻻ يؤثر ذلك على حقوقه او
حقوق اطراف ثالثين.
فما هي هذه القرارات الفرديّة؟
يقتضي التمييز بين القرارات الفرديّة التي ﻻ تنشئ حقوق ،وتلك التي تُكسب الحقوق.
.1القرارات التي ﻻ تُنشئ حقو ًقا:
والتي يمكن الرجوع عنها بأي وقت ودون التقيّد بأي مهلة ،وهي:
القرارات السلبيّة :وهي التي ترمي الى رد طلب او حجب
عفوا أو جوابًا علىمنفعة شخصيّة ،سواء اتّخذتها اﻹدارة ً
طلب مقدّم اليها.
القرارات اﻹيجابيّة ذات الصفة اﻹعتراضيّة :اي التي
تعترف اﻹدارة بموجبها بحق قائم ،فهي ﻻ تُنشئ الحق بل
تُعلنه .مثﻼ ،قرار بتصفية راتب الموظف أو تعويضه ،اذ
انّ دفع الراتب للموظف ﻻ يوليه حق مكتسب اذا تبيّن في
ما بعد انّه غير متوجب له.
القرارات التي تتثبت من واقعة ماديّة .مثﻼ ،المصادقة على
ي حق ان هذا التصديق ﻻ يولي صاحب العﻼقة ا ّ شهادة ،اذ ّ
سا.
اذا كان المستند المصدّق غير صحيح اسا ً
القرارات ذات الوجه المالي ،شرط ان تقتصر على
استخﻼص النتائج الماليّة من أحكام نظام قائم ،فتكتفي
باﻹعتراض على حق موجود دون ان تُنشئ اي حق جديد.
مثﻼً ،القرارات المعلّقة على شرط لم يتحقق ،أو تلك التي
تتضمن شرط الغاء تحقق ،كقرار تعيين موظف عُلّق على
شرط قبوله هذا التعيين ،حتّى اذا رفضه اعتبر قرار التعيين
ملغى بصورة رجعيّة .كما انّ المادة 65من نظام الموظفين
تعتبر الموظف مستقيﻼً اذا لم يلتحق بوظيفته خﻼل 15يوم
من تاريخ تبلّغه مرسوم تعيينه ،وهذا يعني الغاء التعيين
بصورة رجعيّة.
القرارات المنعدمة الوجود ،اي التي ليس لها اي وجود
قانوني ،اذ يعتبرها القضاء باطلة وكأ ّنها لم تكن ،مثﻼ
التعيين في وظيفة غير شاغرة.
القرارات التي يلجأ اصحابها الى الخداع والحيلة للحصول
عليها ،مثﻼ ،اذا حصل شخص على الجنسيّة نتيجة استعماله
فإن مرسوم تجنيسهﻼ يُنشئ له حق. طرق ووسائل احتياليّةّ ،
القرارات التي حدد لها القانون مفعول مؤقت ،اذ تزول
بانقضاء المهلة المحددة لها.
القرارات التي تحتوي على تحفظات قانونيّة .مثﻼ ،اجازة
اﻹستيراد التي تتضمن بندًا يجيز سحبها قبل انقضاء أجلها،
إذا خالف صاحبها اﻷنظمة المرعيّة.
.2القرارات الفرديّة التي تُنشئ حقو ًقا:
52
وهي كل القرارات التي لم يرد ذكرها اعﻼه .ا ّما اﻹشكاليّة المطروحة،
فهي معرفة ما اذا كان لﻺدارة الحق في استرداد قراراتها المنشئة
للحق .كما ذكرنا القرارات المنشئة للحقوق والمتطابقة وأحكام القوانين
ﻻ يحق لﻺدارة الرجوع عنها او استردادها ،ا ّما تلك التي أكسبت
حقوقًا وهي مخالفة للقانون فيمكن الرجوع عنها خﻼل مهلة الطعن
بها )مهلة الشهرين( ويبدأ سريان المهلة من تاريخ تبليغ القرار او
نشره وليس من تاريخ توقيعه.
أن اﻻجتهاد اللّبناني طبّق في بعض قراراته مبدأ الرجعيّة في غير ّ
الغاء القرارات اﻻداريّة المخالفة للقوانين حتّى ولو كانت قد اكسبت
حقوقًا للغير ،فالقرار غير القانوني ،بنظر البعض ،ﻻ يُكسب حقوقًا،
وبالتالي يمكن لﻺدارة الرجوع عنه في اي وقت كان .مثﻼً ،اعتبر
مجلس شورى الدولة اللّبناني انّه يمكن لﻺدارة الرجوع في اي وقت
تدرج للعسكريين خﻼفًا للقانون) .قرارعن قرارات اعطت درجات ّ
رقم 93-92/14تاريخ ،1992/11/19يوسف سعدالله
الخوري/الدولة(.
53