You are on page 1of 14

‫الفصل الثالث‪ :‬النظام القانوني للقرار اﻻداري‬

‫الجزء اﻷول‪ :‬تحضير القرار اﻹداري‬

‫انّ دراسة النظام القانوني الذي يرعى تحضير ووضع القرار اﻻداري يفرض البحث في معرفة‬
‫وأخيرا‬
‫ً‬ ‫المرجع الصالح للقيام بهذا اﻷمر‪ ،‬ومن ث ّم تحديد اﻷصول التي يجب ان تمر بها هذه العملية‬
‫تحديد تاريخ بدء نفاذه‪.‬‬

‫القسم اﻷول‪ :‬نظريّة الصﻼحيّة اﻻداريّة‬

‫ليس كل مرجع اداري صال ًحا ﻹتّخاذ قرار اداري‪ ،‬فهذا النوع من القرارات يقتصر اتّخاذه على‬
‫المرجع الصالح بمقتضى اﻷحكام المرعيّة‪.‬‬
‫فمن حيث مصادر قواعد اﻻختصاص‪ ،‬انّ تحديد صﻼحيّة كلّ من السلطات اﻻدارية وارد مبدئيًا في‬
‫الدستور‪ ،‬وفي القوانين واﻷنظمة‪ ،‬ولكن هذه النصوص قد ﻻ تتضمن ك ّل قواعد اﻻختصاص‪ ،‬اﻷمر‬
‫الذي يشكل فرا ًغا يعود لﻺجتهاد ملئه‪.‬‬
‫فإن قواعد اﻹختصاص ُملزمة لﻺدارة بصورة ﻻ تحتمل اي جدل‪ ،‬وهذا اﻷمر‬ ‫ا ّما من حيث المدى‪ّ ،‬‬
‫يظهر في مجاﻻت مختلفة‪:‬‬
‫‪ ‬انّ مخالفة هذه القواعد تتعلق باﻹنتظام العام‪ ،‬اي انّه يمكن اثارة هذه المخالفة في ايّة درجة‬
‫عفوا من قبل القاضي نفسه‪.‬‬ ‫من درجات المحاكمة‪ ،‬كما يمكن ان تثار ً‬
‫ان هذه القواعد تفسّر بصورة صارمة وضيّقة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫الﻼشرعيّة التي ترافق القرار الصادر عن مرجع غير صالح ﻻ يمكن ازالتها بمجرد‬ ‫‪ ‬انّ ّ‬
‫موافقة السلطة الصالحة على القرار المذكور‪.‬‬

‫أوﻻ ‪ :‬عناصر تحديد اﻻختصاص‪:‬‬


‫يمكن اختصار هذه العناصر بثﻼثة عناوين هي‪:‬‬

‫‪ -1‬اﻹختصاص الموضوعي‪:‬‬

‫ان قاعدة اﻹختصاص تحدّد المواد التي تدخل ضمن اختصاص ك ّل سلطة‪ .‬من هذا‬ ‫ّ‬
‫التطرق الى ترتيب الصﻼحيّات او اﻹختصاصات ودراسة طريقة‬ ‫ّ‬ ‫المنطلق يقتضي‬
‫توزيعها ونظام تفويضها‪.‬‬
‫أ‪ -‬التوزيع التسلسلي للصﻼحيّات‪ :‬انّ معرفة ما اذا كانت صﻼحيّة ما عائدة لسلطة‬
‫بمجرد تحديد المركز او الوظيفة في الهرم اﻹداري بشكل‬ ‫ّ‬ ‫اداريّة معيّنة تت ّم‬
‫ان التوزيع التسلسلي للصﻼحيّات يتّصف بالصفة اﻹلزاميّة‬ ‫عامودي‪ ،‬من هنا ّ‬
‫ً‬
‫ونزوﻻ وذلك‪:‬‬ ‫في اﻹتّجاهين صعودًا‬
‫‪ ‬ﻷنّه ﻻ يجوز للسلطة الدنيا ان تتعدّى على صﻼحيّات السلطة العليا‪،‬‬
‫بينما قد يُجيز القانون للسلطة العليا تفويض بعض صﻼحيّاتها للسلطة‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ ‬ﻷنّه ﻻ يجوز للسلطة العليا ان تتعدى على صﻼحيات السلطة الدنيا‪،‬‬
‫عفوا مح ّل الموظف‬ ‫فالسلطة التسلسليّة ﻻ تملك حق احﻼل نفسها ً‬
‫ان حق اﻹحﻼل ﻻ يتم ّاﻻ بالحاﻻت التي يجيزها القانون‪.‬‬ ‫المرؤوس ّ‬
‫ب‪ -‬نظام التفويض‪:‬‬
‫‪ .1‬مفهومه‪ :‬انّه اسلوب يتم بموجبه منح سلطة اداريّة من قبل سلطة‬
‫ادارية اخرى حق التصرف باسمها في حالة او مجموعة حاﻻت‬
‫معيّنة‪ .‬هناك شروط لصحّة التفويض‪ ،‬ولكن ﻻب ّد هنا من التمييز بين‬
‫نوعين من التفويض هما تفويض التوقيع وتفويض الصﻼحيّة‪:‬‬
‫‪ ‬تفويض التوقيع‪ :‬وهذا يعني تفويض المرؤوس التوقيع نيابة‬
‫ظا بكامل صﻼحيّاته‪ ،‬فالتوقيع‬ ‫عن رئيسه الذي يبقى محتف ً‬
‫باﻻنابة يتم باسم الرئيس ودائ ًما على مسؤوليته‪ ،‬وهو يزول‬
‫المفوض او المرؤوس‬ ‫ّ‬ ‫بمجرد زوال صفة الرئيس‬ ‫ّ‬ ‫ُحك ًما‬
‫ان تفويض التوقيع يُعطى بالنظر الى‬ ‫المفوض اليه‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫ّ‬
‫ان هذا التفويض يبدو وكأنّه نوع من‬ ‫شخص ك ّل منهما‪ ،‬اذ ّ‬
‫التنظيم الداخلي في جهاز اداري معيّن‪.‬‬
‫‪ ‬تفويض الصﻼحيّة‪ :‬معناه تخلّي الرئيس عن بعض‬
‫مركزا معينًا بصورة‬ ‫ً‬ ‫صﻼحيّاته لصالح مرؤوس يشغل‬
‫ُجرده التفويض‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫الرئيس‬ ‫مجردة وبصرف النظر عن‬ ‫ّ‬
‫من كامل صﻼحيّاتهفي المواضيع الواردة في التفويض‪،‬‬
‫وطالما بقي هذا التفويض قائ ًما‪ ،‬باعتبار انّ التفويض هنا‬
‫غير شخصي‪ ،‬فإنّه ﻻ يزول اﻻّ بالرجوع عنه صراحة‬
‫لمجرد تبديل شخصيّة الرئيس او‬ ‫ّ‬ ‫وبنص معاكس‪ ،‬ﻻ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫المرؤوس‪ ،‬فمثل هذا التبديل ﻻ يُؤثر فيه اطﻼقا‪.‬‬
‫‪ .2‬شروط صحّة التفويض‪ :‬حتى يكون التفويض صحي ًحا‪ ،‬ﻻ ب ّد ان‬
‫يتوافر فيه شرطان اساسيّان‪ :‬الصراحة )يجب ان يكون صري ًحا وﻻ‬
‫مجال هنا للتفويض الضمني( واﻹجازة القانونيّة ) ﻻ تفويض ّإﻻ اذا‬
‫سمح القانون بذلك(‪ ،‬وعدم التقيّد بهذين الشرطين مجتمعين يُعيب‬
‫التفويض‪.‬‬
‫‪ ‬صراحة التفويض‪ :‬انّ اﻹجازة القانونية بالتفويض ﻻ تُولي‬
‫المفوضة بل‬
‫ّ‬ ‫بحد ذاتها السلطة المعنية حق ممارسة السلطة‬
‫يجب ان يكون هناك قرار صريح و ُمسبق بالتفويض تطبيقًا‬
‫لﻺجازة القانونيّة‪ .‬غير انّه اذا كان التفويض الضمني غير‬
‫جائز فانّه بالمقابل ﻻ يجب ان يتعدّى عمل المرؤوس حدود‬
‫الصﻼحيّات التي يتمتع بها الرئيس في موضوع معيّن‪ ،‬كما‬
‫انّه ﻻ يجوز ان يتعدّى الحدود المرسومة له في قرار‬
‫التفويض كأن يوقّع المدير قرارات تنظيميّة في حين ا ّن‬
‫التفويض المعطى له يتعلّق بتوقيع القرارات غير التنظيميّة‬
‫فقط‪ .‬انّ قرار تفويض التوقيع والصﻼحيّة ﻻ يُعتبر صحي ًحا‬
‫ما لم يُنشر وفق اﻷصول )في الجريدة الرسميّة(‪.‬‬
‫‪ ‬اﻹجازة القانونيّة‪ :‬المبدأ في القانون العام‪ ،‬انّ الصﻼحيّة‬
‫يتصرف بها كيفما يشاء‪ ،‬وإنّما‬ ‫ّ‬ ‫ليست حقًا او مل ًكا لصاحبها‪،‬‬
‫هي وديعة يُؤت َمن عليها‪ ،‬وعليه ان يمارسها بنفسه دون‬
‫امكانيّة نقلها الى سواه‪ .‬في حال عدم الوضوح لناحية النص‪،‬‬
‫يُفَسّر التفويض بأنّه تفويض توقيع وليس تفويض صﻼحيّة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫في فرنسا‪ ،‬يُمكن ان تُعطى اﻹجازة بقانون او بمرسوم‬
‫حسبما تكون الصﻼحيّة ممنوحة للرئيس التسلسلي بقانون او‬
‫بمرسوم‪.‬‬
‫ا ّما في لبنان‪ ،‬فالتفويض غير جائز ما لم يسمح به التشريع‬
‫نفسه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإنّه ليس للنظام ‪ reglement‬ان يُجيز هذا‬
‫التفويض‪ .‬وهكذا وفي غياب نص تشريعي صريح‪ ،‬ﻻ يجوز‬
‫ُفوض أيا من صﻼحيّاته الى مدير عام او‬ ‫للوزير مثﻼ ان ي ّ‬
‫ُمحافظ او اي موظف آخر‪ ،‬وﻻ حتّى توقيعه ولو جزئيًا او‬
‫مؤقتًا‪.‬‬
‫ان النص الذي يُجيز التفويض يُحدّد عادة ما يُمكن وما ﻻ‬ ‫ّ‬
‫يُمكن تفويضه‪ .‬مثﻼ‪ ،‬القانون اللبناني أجاز للوزير تفويض‬
‫بعض صﻼحيّاته غير الدستوريّة‪ .‬وفي كل حال‪ ،‬ﻻ يجوز‬
‫ان يشمل التفويض ُمجمل اختصاصات الرئيس‪ ،‬بل بعضها‬
‫طا‬‫فقط‪ .‬ويجب ان ﻻ يتناول صﻼحيّاته التي ترتبط ارتبا ً‬
‫وثيقًا بشخصيته َك ُمت ََو ٍّل لوظيفة معيّنة‪ ،‬مثل صﻼحيّات‬
‫الوزير الدستوريّة‪ .‬ويجب ان يتضمن هذا القرار التفويضي‬
‫فوضة الى المرؤوس بالتحديد‪ .‬أ ّما مصير العمل‬ ‫المواد ال ُم ﱠ‬
‫المخالف لك ّل هذه القواعد واﻷصول فهو البطﻼن‪.‬‬
‫‪ .3‬التفويض والنيابة و الوكالة‪ :‬يختلف التفويض اختﻼفًا جذريًا عن ك ّل‬
‫من النيابة والوكالة‪.‬‬
‫‪ ‬النيابة‪ :‬تتحقق بصورة تلقائيّة ودون الحاجة الى صدور نص‬
‫بها عن الرئيس كما هي الحال في التفويض‪ ،‬فيكفي ان يسمح‬
‫وبمجرد غياب الرئيس ينوب عنه المرؤوس‬ ‫ّ‬ ‫القانون بها‪،‬‬
‫مثﻼ في حال غياب رئيس‬ ‫في الحاﻻت التي حددّها القانون‪ً .‬‬
‫البلديّة ينوب عنه نائب الرئيس‪ ،‬وفي حال غياب رئيس‬
‫الجامعة اللّبنانيّة ينوب عنه اكبر العمداء سنًا‪.‬‬
‫‪ ‬الوكالة‪ :‬تحتاج الى قرار من السلطة الصالحة‪ ،‬والغاية منها‬
‫تدارك امكانيّة توقف العمل في المرفق العام في حال شغور‬ ‫ُ‬
‫الوظيفة او غياب صاحبها‪ ،‬وقد أخضعها قانون الموظفين‬
‫ﻷصول وشروط محددة‪.‬‬

‫‪ -2‬اﻹختصاص المكاني‪:‬‬
‫تمتد صﻼحيّة السلطات المركزيّة على كل أراضي الدولة‪ ،‬وفي المقابل تنحصر‬
‫صﻼحيّات السلطات اﻹقليميّة في نطاق جغرافي معيّن‪ ،‬فﻼ يجوز ً‬
‫مثﻼ لمحافظ الشمال‬
‫ان يتّخذ تدبير معيّن يتعلق بمحافظة بيروت‪.‬‬

‫‪ -3‬اﻹختصاص الزماني‪:‬‬
‫ّ‬
‫ان صﻼحيّات السلطات اﻹداريّة مرتبطة بمهلة زمنيّة محدّدة‪ ،‬ومظاهر ذلك ثﻼثة‪:‬‬
‫ّ‬
‫اعتبارا من تاريخ توليها‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬ﻻ يجوز لسلطة اداريّة ممارسة صﻼحيّاتها اﻻ‬
‫الوظيفة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬انّ المجالس اﻹداريّة ﻻ يمكنها ان تتّخذ قراراتها بالتصويت إﻻ خﻼل انعقاد‬
‫دوراتها‪.‬‬
‫‪ ‬تفقد اي سلطة اداريّة صﻼحيّاتها فور انتهاء مدّة وﻻيتها‪ ،‬غير انّه تفاديًا‬
‫لتوقف سير المرافق العامة وتأمينًا ﻻستمراريتها‪ ،‬سلّم اﻹجتهاد بعدد ﻻ‬
‫بأس به من الحاﻻت اﻻستمرار بتصريف اﻷعمال حتى تعيين الخلف‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ -4‬ضمانة قواعد الصﻼحيّة‪:‬‬
‫ينتج عن مخالفة قواعد الصﻼحيّة ﻻ شرعيّة خاصة يُطلق عليها اسم عدم الصﻼحيّة‪،‬‬
‫وهو احد العيوب التي يمكن ان تشوب القرار اﻻداري فتفسده‪ .‬ولهذا العيب شكلين‪،‬‬
‫أولهما يتمثل في اغتصاب السلطة الذي يعني اتّخاذ قرار اداري بمعزل عن ايّة صفة‬
‫شرعيّة اي بتدخل اشخاص غرباء تما ًما عن الوظيفة العامة في شؤون هذه الوظيفة‬
‫عبر انتحالهم صفة الموظف العام‪ ،‬ويُعتبر ايضًا اغتصاب للسلطة تدخل سلطة اداريّة‬
‫في موضوع يدخل ضمن اختصاص السلطة التشريعيّة او القضائيّة او في مهام سلطة‬
‫تقريريّة‪ .‬ا ّما ثانيهما‪ ،‬فيتمثّل في عدم اﻻختصاص الذي يعني تد ّخل سلطة اداريّة في‬
‫صﻼحيّات سلطة اداريّة أُخرى‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اﻹستثناء على قواعد الصﻼح ي ّة )نظر ي ّة الموظف الواقعي او الفعلي ‪: ( Fonctionnaire de fait‬‬
‫‪ -1‬تعريفها‪:‬‬
‫تُعتبر نظريّة الموظف الوقعي او الفعلي ُم َخ ِففًا من حدّة النتائج القانونيّة لعدم الصﻼحيّة‪.‬‬
‫فالموظف الواقعي هو من كان غير مكلّف بوظيفة عامة‪ ،‬او من كان ُمكلّفًا بهذه الوظيفة‬
‫ان اعماله تُعتبر بالرغم من كل ذلك شرعيّة‪.‬‬ ‫بصورة غير شرعيّة‪ ،‬إﻻّ ّ‬
‫‪ -2‬مظاهرها‪:‬‬
‫يُمكن لنظريّة الموظف الواقعي ان تؤدّي دورها في نوعين من الظروف المختلفة‪ ،‬إﻻّ ا ّنها‬
‫ﻻ ترتكز في الحالتين على اﻷساس نفسه‪ ،‬ففي الظروف العاديّة يُمكن اللّجوء اليها على‬
‫اساس نظريّة الظواهر‪ ،‬ا ّم ا في الظروف اﻻستثنائيّة فيُمكن تطبيقها على اساس حالة‬
‫الضرورة‪.‬‬
‫أ‪ -‬نظريّة الموظف الواقعي على اساس الظواهر )في الحاﻻت العاديّة(‪:‬‬
‫قد يحدث ان يتعامل الغير مع احد اﻷشخاص على انّه ُمت ََولّي وظيفة ُمعيّنة‪ ،‬في حين‬
‫انّه ﻻ يكون كذلك‪ ،‬ودون ان يتمكن الجمهور من معرفة ﻻ شرعيّة هذا الموقف‪ ،‬فﻼ‬
‫يجوز تحميله النتائج القانونيّة السلبيّة التي تترتب على هذه المخالفة‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫كان فيه هذا الشخص يبدو ظاهريًا كأنّه هو نفسه الموظف الشرعي‪ .‬من هنا اعتبر‬
‫القضاء انّه ينبغي حماية حقوق اﻷفراد حسني النيّة‪ ،‬وقال بشرعيّة التدابير المتّخذة‬
‫ضمن هذا اﻻطار‪ .‬مثﻼ‪ :‬اعتُبرت شرعيّة التدابير المتّخذة من قبل موظف معيّن‬
‫بصورة غير شرعيّة قبل صدور القرار القضائي يبطﻼن تعيينه‪ ،‬كما اعتبرت شرعيّة‬
‫عقود الزواج التي اجراها عضو مجلس بلدي بتفويض غير شرعي من رئيس‬
‫المجلس‪.‬‬
‫ب‪ -‬نظريّة الموظف الواقعي على اساس حالة الضرورة‪:‬‬
‫في الظروف اﻻستثنائيّة قد تتخلّى السلطات اﻹداريّة الشرعيّة عن مهامها‪ ،‬وتختفي‬
‫عن مسرح الخدمات العامة‪ ،‬في حين انّ هناك مرافق عامة ﻻ يجوز ان يتوقف سيرها‬
‫صا على المصلحة العامة‪ .‬فتعتبر التدابير الصادرة عن اشخاص ﻻ صفة عامة‬ ‫حر ً‬
‫لهم والرامية الى تأمين هذه اﻻستمراريّة شرعيّة‪ .‬وذلك عمﻼً بنظريّة الظروف‬
‫فروا بسبب الحرب‪ ،‬فجاء احدهم واتّخذ‬ ‫اﻻستثنائيّة‪ .‬مثﻼً‪ ،‬أعضاء مجلس بلدي ّ‬
‫الﻼزمة مكانه‪ ،‬اعتبرت هذه اﻷعمال بعد نهاية الحرب أعماﻻً شرعيّة عمﻼً‬ ‫القرارات ّ‬
‫بنظريّة الموظف الواقعي‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬شكل وأصول اتّخاذ القرار اﻹداري‪:‬‬

‫يخضع القرار اﻻداري لكثير من المراسم واﻷصول التي تُعلّق صحته على مراعاتها‪ ،‬ومجموع قواعد الشكل‬
‫واﻷصول هذه تس ّمى اﻷصول اﻻداريّة غير القضائيّة‪.‬‬
‫تُعلّق صحّة القرارات اﻻداريّة على مراعاة هذه القواعد واﻷصول‪ ،‬ويُقضى ببطﻼنها في حال عدم تقيّدها بها‪ .‬هذا‬
‫بأن القواعد واﻷصول ليست كلّها سواء‪ ،‬فمنها ما هو جوهري وتؤدّي الى اﻹبطال‪،‬‬ ‫هو المبدأ ا ّما اﻻستثناء ‪ ،‬فيقول ّ‬
‫ومنها ما هو غير جوهري ﻻ يؤدي الى اﻹبطال‪.‬‬

‫اوﻻ‪ :‬الصيغ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصيغة الخطيّة والصيغة الشفهيّة‪:‬‬

‫القرار اﻹداري اصﻼً غير مقيّد بصيغة معيّنة‪ ،‬فإذا كان يجب أن يكون من حيث المبدأ خطيًا‪،‬‬
‫فليس ما يمنع ان يكون شفهيًا‪ .‬ﻻ سيّما وأنّ اﻹجتهاد ّ‬
‫أقر بإمكانيّة الطعن بالقرارات الشفهيّة‪،‬‬
‫ومنها القرارات الضمنيّة بالرفض التي تنتج عن السكوت لفترة معيّنة‪ ،‬فالصيغة الخطيّة ليست‬
‫الزاميّة اﻻّ اذا فرضها القانون‪.‬‬

‫ب‪ -‬اشتراك الوزراء في توقيع المراسيم‪:‬‬

‫يتشدد القضاء في تطبيق القواعد المتعلّقة باشتراك الوزير المختص في توقيع المراسيم الى‬
‫جانب رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة على اعتبار انّها قواعد شكليّة ﻻ قواعد اختصاص‪.‬‬

‫ت‪ -‬تعليل القرار اﻻداري‪:‬‬

‫من حيث المبدأ اﻹدارة ليست ملزمة بتعليل القرارات التي تتخذها‪ ،‬اي ليست ملزمة بتبيان‬
‫تقرر ما قررته‪ ،‬وهذا ما يميّز القرار اﻻداري عن القرار القضائي‪،‬‬
‫اﻷسباب التي دفعتها الى ان ّ‬
‫مبررا‪ .‬ولكن اﻻدارة تكون ملزمة بتعليل قرارها اذات ما أوجب نص‬ ‫ً‬ ‫الذي يجب دائ ًما ان يكون‬
‫تشريعي او تنظيمي ذلك‪ ،‬وفي هذه الحالة يُعتبر التعليل من الصيغ الجوهريّة وإغفله يؤدي الى‬
‫ابطال القرار‪ ،‬غير انّه اذا كانت اﻻدارة غير ملزمة اصﻼ بتعليل قرارها فانّها تكون ملزمة‬
‫دائ ًما بتبيان اﻷسباب والدوافع اذا طلب منها القاضي ذلك‪ .‬كما وأنّه اذا عللت اﻻدارة قرارها‪،‬‬
‫فيخضع هذا التعليل لرقابة القضاء‪.‬‬

‫ث‪ -‬مبدأ موازاة اﻷصول اﻻداريّة‪Paralelisme des formes‬‬

‫يُقصد بهذا المبدأ ّ‬


‫ان القرار اﻹداري الذي يهدف الى الغاء او تعديل قرار اداري سابق‪ .‬ويُطلق‬
‫عليه اسم القرار المعاكس او المضاض ‪ .acte contraire‬فعندما ﻻ يعدّد النص صراحة‬
‫المرجع الصالح ﻹتّخاذ القرار المعاكس‪ ،‬يُطبّق مبدأ موازاة الصﻼحيّات الذي بموجبه يُعتبر‬
‫المرجع الذي اتّخذ القرار اﻷساسي هو نفسه المرجع الصالح ﻹلغائه او تعديله‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ج‪ -‬الصيغ الجوهريّة والصيغ غير الجوهريّة‪:‬‬

‫ان التمييز بين هذين النوعين من الصيغ له أهميّة خاصة في مجال الرقابة القضائيّة على العمل‬ ‫ّ‬
‫اﻻداري‪ .‬ففي حين يؤدّي اغفال الصيغة الى ابطال العمل اﻻداري‪ ،‬يبقى اغفال الصيغة غير‬
‫ان هناك صعوبة كبيرة ﻹعتماد معيار واضح للتمييز‬ ‫الجوهريّة دون تأثير من هذه الناحية‪ .‬عل ًما ّ‬
‫بين هذه وتلك من الصيغ‪.‬‬

‫ثان ي ًا‪ :‬اﻷصول‪:‬‬


‫أ‪ -‬المهل‪:‬‬

‫أحيانًا يفرض النص على اﻹدارة وجوب اصدارقرارها في مهلة محددة‪ ،‬ولكن اﻻدارة ﻻ تكون‬
‫دائ ًما ملزمة بالتقيّد بهذه المهل‪ .‬فالمبدأ هو ّ‬
‫ان هذه المهلة ﻻ تعتبر الزاميّة بل من قبيل التمني او‬
‫ان النص الذي فرضها أراد اعطائها صفة اﻹلزام‪ .‬من هنا‪ ،‬اعتبر اﻹجتهاد‬ ‫الحث‪ ،‬ما لم يتّضح ّ‬
‫ان القرار اﻻداري الصادر بعد انقضاء المهلة المحددة له هو صحيح مبدئيًا‪ .‬غير انّه اذا كانت‬ ‫ّ‬
‫صدور هذا القرار يجب ان يتم خﻼل مدّة‬ ‫فإنّ‬ ‫اﻻدارة غير مقيّدة بمهلة معيّنة ﻹصدار قرارها‬
‫معقولة ‪ ،délais raisonable‬يقدّرها القاضي بالنظر لظروف كل قضيّة‪ ،‬حتّى اذا نجم عن‬
‫ضررا للغير اعتبرت اﻻدارة مسؤولة‪.‬‬‫ً‬ ‫هذا التأخير‬

‫ب‪ -‬اﻻستشارات المسبقة‪:‬‬

‫كثيرا ما تكون القرارات اﻻداريّة مسبوقة باستشارة هيئة او لجنة او مجلس أُنيط بها بابداء الرأي‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫بالتدبير المنوي اتخاذه‪ .‬واﻻستشارات المسبقة ثﻼثة حاﻻت‪:‬‬
‫‪ ‬الحالة اﻷولى‪ :‬اﻻستشارات اﻻختياريّة‪ :‬وهي التي تطلبها اﻻدارة تلقائيًا‬
‫إ ّما ﻷنّها غير مفروضة بنص‪ ،‬وإ ّما ﻷنّ النص الذي يشير اليها لم يعطها‬
‫صفة اﻹلزام‪ .‬في هذه الحال تكون اﻹدارة غير ُملزمة أصﻼً بطلب‬
‫اﻹستشارة‪ ،‬وإذا طلبتها تكون غير ملزمة بالتقيّد بها‪.‬‬
‫‪ ‬الحالة الثانية‪ :‬اﻹستشارة اﻹلزاميّة‪ :‬وهي التي يفرضها النص دون ان‬
‫تكون اﻹدارة ُملزمة بالتقيّد بها لدى اتّخاذها قرارها‪ .‬هنا تكون اﻹدارة‬
‫ُملزمة بطلب الرأي دون ان تكون مقيّدة به‪ .‬مثﻼ‪ ،‬استشارة مجلس‬
‫شورى الدولة في مشاريع المراسيم التشريعيّة‪ ،‬وفي مشاريع النصوص‬
‫التنظيميّة‪ ،‬لذا يُعتبر المرسوم التنظيمي الصادر دون استشارة المجلس‬
‫معيوبًا ومستوجبًا اﻹبطال‪ .‬تجدر المﻼحظة ايضًا‪ ،‬انّه اذا كانت اﻻدارة‬
‫غير ُملزمة بالتقيّد بالرأي اﻻستشاري فإنّه بالمقابل ﻻ يجوز لها ان تعتمد‬
‫صا يختلف في جوهره عن النص موضوع اﻻستشارة‪.‬‬ ‫ن ً‬
‫‪ ‬الحالة الثالثة‪ :‬الرأي الذي يُقيّد اﻹدارة‪ :‬في هذه الحال‪ ،‬تكون اﻹدارة‬
‫ان تقييد اﻹدارة على‬ ‫ُملزمة بطلب الرأي‪ ،‬و ُمجبرة على التقيّد بنتيجته‪ّ .‬‬
‫هذا النحو ﻻ يمكن ان يتم ّاﻻ بنص صريح‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬تاريخ بدء سريان مفعول القرار اﻹداري‪:‬‬

‫اوﻻ‪ :‬متى يبدأ سريان القرار اﻻداري؟‬


‫ّ‬
‫ان تاريخ بدء سريان مفعول القرار اﻹداري ليس واحدًا بالنسبة لﻺدارة واﻷفراد‪ ،‬وذلك في ما خصّ‬
‫الموجبات الناجمة عنه‪:‬‬
‫إن تاريخ بدء سريان مفعول القرار اﻹداري هو تاريخ توقيعه‬ ‫‪ ‬فبالنسبة لﻺدارة ّ‬
‫صة‪ ،‬وبالتالي فإنّ الحقوق التي تترتب على القرار‬
‫ّ‬ ‫المخت‬ ‫ّة‬ ‫ي‬ ‫اﻹدار‬ ‫من قبل السلطة‬
‫بمجرد ثبوت توقيعه من قبل المرجع الصالح ﻹصداره‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻻداري النافذ‪ ،‬تنشأ‬
‫ّ‬
‫‪ ‬وبالنسبة لﻸفراد ﻻ يُعتبر القرار اﻹداري النافذ ذا مفعول اﻻ من تاريخ علمهم به‬
‫على وجه قانوني أصولي‪ ،‬ويكون ذلك ا ّما بالنشر او ابﻼغه من الشخص المعني‪،‬‬
‫وهما من الطرق اﻷكثر شيوعًا اذا لم تكن الوحيدتين‪ ،‬ﻹشهار او اعﻼن القرارات‬
‫اﻻداريّة النافذة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬متى يتوجب النشر‪ ،‬ومتى يتوجب اﻹبﻼغ؟‬
‫أ‪ -‬نشر القرار‪:‬‬
‫النشر عمليّة واجبة بالنسبة للقرارات اﻹداريّة ذات الصفة العا ّمة غير الشخصيّة او التنظيميّة‪ ،‬ويتم النشر‪:‬‬
‫‪ ‬ا ّما بإدراج القرار في الجريدة الرسيّة‬
‫‪ ‬او باستعمال وسيلة أخرى من وسائل اﻹعﻼن‪ ،‬مثل اللّصق على باب اﻹدارة‬
‫صة‪ ،‬أو المناداة‪.‬‬
‫المخت ّ‬
‫وفي لبنان تُصبح القوانين والمراسيم مرعيّة اﻹجراء‪ ،‬من اليوم الثامن الذي يلي نشرها في الجريدة‬
‫الرسميّة‪ ،‬ما لم يكن هناك نص مخالف‪ .‬وفي حالة الضرورة الناتجة عن ظروف خاصة‪ ،‬يمكن تقصير‬
‫هذه المهلة شرط ان يُؤ ّمن النشر بوسيلة من وسائل اﻹعﻼم اﻷخرى‪ ،‬وإذا لم ينص القانون على طريقة‬
‫معيّنة للنشر فانّه ينبغي اعتماد الطريقة المناسبة لذلك‪ ،‬كالنشر في الصحف المحليّة او بوسائل اﻹعﻼم‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫ب‪ -‬ابﻼغ القرار‪:‬‬
‫تتم عمليّة اﻹبﻼغ بالنسبة للقرارات اﻻداريّة النافذة‪ ،‬ذات الصفة الفرديّة‪ ،‬اي تلك التي ﻻ تتناول مجموع‬
‫المواطنين‪ ،‬وانّما شخ ً‬
‫صا معيّنًا او فئة معيّنة من اﻷشخاص‪ .‬وتبدأ مهلة المراجعة القضائيّة في هذه الحالة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫من تاريخ التبليغ‪ .‬ولكي يؤدّي التبليغ مفعوله القانوني‪ ،‬يجب ان يتم وفقا لﻸصول المتبعة في التبليغات‬
‫طﻼع على طبيعة القرار ومضمونه‪ ،‬والمرجع الذي اصدره‪،‬‬ ‫اﻻداريّة‪ ،‬بحيث يتم ّكن صاحب العﻼقة من اﻹ ّ‬
‫لكي يتمكن في ضوء ذلك من تقدير مدى قانونيته وطرق المراجعة فيه‪ .‬لذلك ﻻ ب ّد من ان يُسلّم نسخة عن‬
‫القرار الذي يعنيه‪ ،‬وﻻ يمكن اﻻستغناء عن اﻹبﻼغ الشخصيفي نشر القرار في الصحف او اﻹذاعة اذا‬
‫كان القانون يوجب اﻻبﻼغ شخصيًا‪.‬‬
‫ت‪ -‬مفعول القرار اﻻداري غير المنشور او غير المعلن‪:‬‬
‫ان عدم اعﻼن القرار اﻹداري ﻻ يؤثّر في صحته‪ ،‬لكنّه يبقى دون مفعول تحجاه الغير‪ ،‬وانطﻼقًا‬ ‫المبدأ هو ّ‬
‫من هذا المبدأ‪:‬‬
‫‪ ‬يمكن لﻺدارة ان تبادر الى تطبيق قرارها غير المعلن بنفسها دون ان يتناول‬
‫التطبيق والتنفيذ اﻷشخاص الثالثين الذين ﻻ تسري أحكامه عليهم اﻻّ بعد النشر‬
‫او التبليغ‪.‬‬
‫تتذرع بجهل القانون‪،‬‬‫‪ ‬تكون اﻻدارة مقيّدة بقرارها غير المعلن ﻷنّه ليس لﻺدارة ان ّ‬
‫ان القرار وان يكن غير منشور فهو صادر عنها‪ .‬ويعتبر اﻹجتهاد ّ‬
‫ان‬ ‫طالما ّ‬
‫القرارات التنظيميّة ﻻ تولي اﻷفراد حقوقًا ما لم تنشر‪ .‬ا ّما القرارات الفرديّة فانّها‬

‫‪46‬‬
‫اعتبارا من تاريخ توقيعها من قبل المرجع الصالح بصرف النظر‬
‫ً‬ ‫تعطيهم الحق‬
‫عن تاريخ ابﻼغهم إيّاها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مفعول القرار اﻻداري في الزمن‪ ،‬الﻼرجع ي ّة‪:‬‬

‫اعتبارا من تاريخ نشرها او ابﻼغها‪ ،‬وﻻ يجوز اعطاؤها اي‬ ‫ً‬ ‫إن القرارات او اﻷعمال اﻻداريّة النافذة ﻻ تطبّق اﻻّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫مفعول رجعي‪ ،‬وإﻻ كانت باطلة‪ .‬وهذا المبدأ يُطبّق بالنسبة للقرارات التنظيميّة أو بالنسبة للقرارات الفرديّة‪ .‬فتعتبر‬
‫ان المهلة المحددة‬‫مثﻼً‪ ،‬معيوبة بالرجعيّة القرارات التي تُر ّفع بمفعول رجعي احد العمال‪ ،‬او القرارات التي تعتبر ّ‬
‫فيها تبدأ بالسريان قبل تبليغها او نشرها‪.‬‬

‫ولكن استثنا ًءا من هذا المبدأ يجوز اعطاء القرار اﻹداري مفعوﻻً رجعيًا‪:‬‬

‫اذا أجاز القانون ذلك بنص صريح او ضمنًا‪،‬‬ ‫‪‬‬


‫اذا كانت احكام النص الجديد التي تلغي احكام نص سابق تتضمن تسوية للوضع‬ ‫‪‬‬
‫الناشئ عن النص السابق بشروط افضل للموظف‪،‬‬
‫اذا كانت الغاية من القرار الجديد تفسير قرارات سابقة او تصحيحها او اعﻼن‬ ‫‪‬‬
‫مكرس بقرار سابق‪ ،‬او المصادقة حيث ينسحب مفعول قرار سلطة الوصايا‬ ‫حق ّ‬
‫الى تاريخ القرار اﻷساسي الخاضع للرقابة‪.‬‬
‫اذا ابطل القرار او ت ّم استرداده من قبل اﻻدارة‪ ،‬مثﻼ‪ ،‬انّ ابطال قرار صرف‬ ‫‪‬‬
‫موظف من الخدمة او استرداد هذا القرار يفرض على اﻻدارة ليس فقط اعادة‬
‫ضا اعادة تكوين وضعه الوظيفي باعطائه الدرجات‬ ‫الموظف الى وظيفته‪ ،‬وانّما اي ً‬
‫التي كان سيحصل عليها فيما لو لم يصرف من الخدمة‪ ،‬وهذا يعني الرجوع الى‬
‫تاريخ صرفه بصورة غير قانونيّة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬ارجاء بدء سريان مفعول القرار اﻻداري‪:‬‬


‫يجب التمييز هنا بين القرارات التنظيميّة ذات الصفة العامة‪ ،‬وبين القرارات الفرديّة‪:‬‬

‫‪ ‬بالنسبة للقرارات التنظيميّة ليس هناك ما يحول وهذا التأجيل على ان يتم ذلك‬
‫صراحة وبكل وضوح‪.‬‬
‫‪ ‬ا ّم بالنسبة للقرارات الفرديّة‪ ،‬فالتأجيل غير جائز باعتبار انّها تولي الغير حقوقًا‬
‫مكتسبة‪ ،‬ويحق ﻷصحاب هذه الحقوق طلب تنفيذها منذ التوقيع وحتى قبل التبليغ‪.‬‬
‫في حال التأخير عن التنفيذ مدّة غير معقولة‪ ،‬تعتبر اﻻدارة مسؤولة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬مفهوم القرار اﻻداري النافذ‬

‫قرارا نافذًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫انّ القرار اﻻداري النافذ هو عمل قانوني‪ ،‬ولكن ليس ك ّل عمل تأتيه اﻻدارة يُش ّكل‬

‫القسم اﻷول‪ :‬القرار النافذ عمل قانوني‪:‬‬

‫تعبيرا عن ارادتها‪ ،‬وهي بذلك تغيّر‬


‫ً‬ ‫ان القرار اﻻداري النافذ هو عمل قانوني تنفرد اﻻدارة باصداره‬ ‫ّ‬
‫الوضع القانوني القائم من خﻼل ما تنشأه من حقوق وما تفرضه من واجبات‪.‬‬
‫قوة تنفيذيّة‪ ،‬ويقبل بالتالي المراجعة بشأنه‬ ‫ويعتبر اﻻجتهاد ّ‬
‫ان القرار اﻻداري النافذ هو الذي له بحد ذاته ّ‬
‫قرارا نافذًا ﻻ يمكن الطعن فيه امام‬
‫ً‬ ‫امام مجلس شورى الدولة‪ .‬في حين انّ العمل اﻻداري الذي ﻻ يعتبر‬
‫القضاء‪.‬‬

‫قرارا نافذًا‪:‬‬
‫ً‬ ‫القسم الثاني‪ :‬ليس كل عمل تأتيه اﻹدارة‬

‫يتميّز ويختلف القرار اﻻداري النافذ عن العقود التي تجريها اﻻدارة مع الغير والتي ﻻ تنتج مفاعيلها ا ّ‬
‫ﻻ‬
‫بالتقاء اﻻرادتين معًا‪ ،‬وعليه فإنّ المعيار اﻷساسي الذي يمكن من خﻼله معرفة القرار اﻹداري النافذ‪ ،‬هو‬
‫قابليته للطعن‪ ،‬بخﻼف العقد اﻻداري الذي ﻻ يقبل الطعن عن طريق اﻻبطال‪ .‬ولكي يكون هذا القرار‬
‫ضررا بحقوق الفرد او مصالحه‪ ،‬لذلك يجب النظر الى ما يقرره هذا القرار‬ ‫ً‬ ‫قابﻼً للطعن يجب ان يُلحق‬
‫بغض النظر عن التعليل الوارد فيه‪ .‬فالقضاء اﻻداري ير ّد المراجعة اذا قدّمت ض ّد التعليل وحده بحجّة‬
‫يضر بصاحب العﻼقة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫انّه‬
‫قرارا ناف ًذا فهي التالية‪:‬‬
‫ً‬ ‫ا ّما اﻷعمال اﻹداريّة التي ﻻ تشكل بح ّد ذاتها ومن حيث المبدأ‬

‫‪ -1‬التدابير الفرد ي ّة الداخل ي ّة‪:‬‬


‫اي التدابير التي تتخذها اﻻدارة حيال موظفيها في سبيل تنظيم سير المرفق العام‬
‫دون ان يكون لها اي تأثير على الوضع القانوني للموظفين‪ ،‬وبالتالي ﻻ يص ّح‬
‫الطعن فيها امام القضاء اﻻداري‪ .‬مثﻼ المﻼحظات التي يوجهها الوزير الى‬
‫الموظف مهما كانت قاسية والتي ليست من نوع العقوبة‪ .‬او القرار القاضي‬
‫برفض اعطاء مأذونيّة قصيرة‪.‬‬

‫‪ -2‬المستندات الداخل ي ّة‪:‬‬


‫اي التعاميم والتعليمات التي تصدر عن الرؤساء التسلسليين في اﻻدارة الى‬
‫مرؤوسيهم‪ ،‬وذلك لتفسير احكام القوانين واﻷنظمة المرعيّة او لتحديد كيفيّة تطبيق‬
‫هذه اﻷحكام‪.‬‬

‫‪ -3‬التنبيهات والغبات واﻹنذارات‪:‬‬


‫انّها عبارة عن مواقف تتخذها اﻻدارة على سبيل النصح او التمني او الترهيب‬
‫للقيام بعمل معيّن منصوص عليه في القوانين واﻷنظمة‪ ،‬وهي ﻻ تعتبر قرارات‬
‫نافذة وقابلة للطعن‪ .‬مثﻼ الغبة التي تبديها اﻻدارة باﻹيعاز الى موظف ليطلب‬
‫تضطر اﻻدارة الى اتّخاذ هذا التدبير بحقّه ً‬
‫عفوا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫احالته الى التقاعد كي ﻻ‬
‫‪ -4‬اﻷعمال التمهيد ي ّة‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫وهي التي تم ّهد ﻻتّخاذ القرار النهائي‪ ،‬وهي تعتبر اعماﻻً اعداديّة ﻻ تشكل قراراً‬
‫ناف ًذا‪ .‬مثﻼً‪ ،‬اﻵراء اﻻستشاريّة‪ ،‬قرارات اﻻحالة على المجلس التأديبي‪ ،‬القرارات‬
‫اﻻعداديّة‪ ،‬التقارير واﻻقتراحات‪ ،‬العﻼمات‪..‬‬

‫‪ -5‬اﻷجوبة على اسئلة النواب‪:‬‬


‫ﻻ تعتبر قرارات نافذة وﻻ تُقبل المراجعة بشأنها‪.‬‬

‫الجزء الثالث‪ :‬تنفيذ القرار اﻻداري‪:‬‬

‫من شأن القرارات اﻻداريّة النافذة‪ ،‬تنظيميّة كانت ام فرديّة‪ ،‬ان ترتب موجبات والتزامات على اﻷفراد‪ ،‬ولكن قد‬
‫اللجوء الى وسائل‬‫ﻻ يرضخ هؤﻻء رضائيًا وبسهولة لهذه الموجبات لذلك تتمتع اﻻدارة بسلطة مميّزة تمك ّنها من ّ‬
‫القوة مباشرة‪ .‬هذه السلطة المميزة ﻻ نجدها في القانون الخاص‪ ،‬فإذا كان ﻷحدهم‬ ‫إكراهيّة‪ ،‬ابرزها امكانيّة استعمال ّ‬
‫ّ‬
‫حق تجاه آخر وتمنّع هذا اﻷخير عن الوفاء بالتزامه‪ ،‬فليس لصاحب الحق اﻻ اللجوء الى القضاء للحصول على‬
‫القوة العامة عند الحاجة الى ذلك‪ ،‬اذ انّه ﻻ يجوز‬
‫يكرس له هذا الحق على ان يطلب في ما بعد التنفيذ بواسطة ّ‬ ‫حكم ّ‬
‫ﻷحد انتزاع حقّه بيده تحت طائلة المسؤوليّة‪.‬‬
‫ان اﻻدارة بامكانها استعمال القوة في اي وقت وبجميع اﻷحوال؟‬ ‫ولكن هل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من الخطأ التسليم بهذا المبدأ على نحو مطلق‪ ،‬اذ ان هناك فئة من القرارات النافذة ﻻ يستوجب تنفيذها اللجوء الى‬
‫ايّة طريقة قسريّة‪ .‬مثﻼً‪ ،‬تعيين موظف او ترقية موظف‪ ،‬عزل موظف بصورة تأديبيّة او انهاء خدماته لبلوغ السن‬
‫القانونيّة‪ ،‬اذ يكفي في هذه الحاﻻت لتنفيذ القرار وقف دفع الرواتب‪.‬‬
‫القوة في حال امتنع المعنيون عن التنفيذ‬‫مقابل ذلك‪ ،‬هناك حاﻻت يستوجب تنفيذ القرار اﻻداري النافذ فيها استعمال ّ‬
‫القوة اذا امتنع المصادر عليه عن تسليم اﻷموال‬ ‫رضائيًا‪ .‬مثﻼً‪ ،‬ا ّن قرار مصادرة اموال منقولة يستوجب تنفيذه ّ‬
‫المصادرة من تلقاء نفسه‪.‬‬
‫القوة؟‬
‫ما هي الحاﻻت التي يجوز لﻺدارة فيها باستعمال ّ‬

‫القسم اﻻول‪ :‬المبدأ‪:‬‬


‫يمس حقوقًا‬
‫ّ‬ ‫كثيرا ما‬
‫ً‬ ‫بالقوة بدون ان تلجأ الى القضاء‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ان تنفيذ القرار‬ ‫ﻻ يحق لﻺدارة ان تفرض تنفيذ قرارها ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫اساسيّة‪ ،‬كالحريّات العامة‪ ،‬وﻻ يجوز ان يتم ذلك اﻻ تحت رقابة القضاء وبموافقة منه‪ ،‬وخوفا من ان تتعسّف‬
‫ان هناك‬‫اﻹدارة في استعمال حقّها غير أنّه ﻻ يجوز اﻷخذ بهذا المبدأ على اطﻼقه‪ ،‬واﻻّ فقد القرار النافذ مفعوله‪ ،‬اذ ّ‬
‫حاﻻت يتعذّر فيها على اﻻدارة اللّجوء الى القضاء لعدم وجود نص قانوني‪ ،‬كما انّ هناك حاﻻت مستعجلة وطارئة‬
‫القوة عند اﻹقتضاء‪،‬‬ ‫تحتم التنفيذ السريع‪ ،‬من هنا نجد حاﻻت يُجاز فيها لﻺدارة تنفيذ قرارها بنفسها‪ ،‬واستعمال ّ‬
‫وهذه حاﻻت تشكل اﻻستثناء على المبدأ‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬اﻹستثناء‪:‬‬

‫وقسرا عند الحاجة‪ ،‬وهذه الحاﻻت‬


‫ً‬ ‫يُسلّم اﻻجتهاد بحاﻻت ثﻼث يحق فيها لﻺدارة اللّجوء الى تنفيذ قرارها بنفسها‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ ‬اﻻجازة بنصّ تشريعي صريح‪ ،‬فقد يجيز القانون لﻼدارة اللّجوء الى التنفيذ القسري‪.‬‬
‫‪ ‬عدم احتواء القانون على عقوبة جزائيّة ّ‬
‫بحق من لم يمتثل للقرار‪ ،‬هنا يحق لﻺدارة ان تلجأ‬
‫القوة‪ .‬ا ّما إذا كان القانون يقضي بعقوبة‬
‫الى وسائلها الذاتيّة لتأمين التنفيذ ومنها استعمال ّ‬

‫‪49‬‬
‫جزائيّة تُفرض على من ﻻ يمتثل للقرار فإ ّنه يتوجب على اﻻدارة ان تلجأ الى المﻼحقة‬
‫القضائيّة لفرض العقوبة وبالتالي التنفيذ‪ ،‬وﻻ يحق لها ان تقوم هي بنفسها في ذلك‪ .‬مثﻼ‪:‬‬
‫ان الذين يخالفون احكامه يُعاقبون بغرامة معيّنةاو بالحبس لمدّة محدّدة‪.‬‬ ‫ينص القانون على ّ‬
‫كذلك ﻻ يحق لﻺدارة ان تنفذ قراراتها بنفسها اذا اتاح لها المشترع اللّجوء الى طريقة‬
‫قانونيّة اخرى تؤدّي الى الغاية ذاتها‪ .‬كما انّه ﻻ يحق لﻺدارة ان تلجأ الى التنفيذ الذاتي او‬
‫يوفرها لها القانون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القصري اﻻّ في حال انعدام اي وسيلة قانونيّة اخرى‬
‫‪ ‬في حالة العجلة القسوة او في حالة الظروف اﻻستثنائيّة حيث يتوجب على اﻻدارة تأمين‬
‫بالقوة جائزة هنا حتى ولو لم ينص‬ ‫ّ‬ ‫بالقوة منعًا للفوضى وامكانيّة التنفيذ‬
‫ّ‬ ‫تنفيذ تدابيرها‬
‫القانون عليها وحتى اذا تضمن عقوبة جزائيّة او وسيلة قانونيّة‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬شروط لجوء اﻻدارة الى التنفيذ القسري‪:‬‬

‫هذه الشروط هي ثﻼثة‪:‬‬


‫‪ ‬الشرط اﻷول‪ :‬من الضروري ان تستند اﻻدارة في لجوئها الى التنفيذ القسري الى نص‬
‫قانوني صريح‪.‬‬
‫ان اللّجوء‬
‫تمرد على القانون او التدبير اﻻداري‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫ّ‬ ‫هناك‬ ‫يكون‬ ‫ان‬ ‫يجب‬ ‫‪ ‬الشرط الثاني‪:‬‬
‫القوة يجب ان يكون ضروريًا وﻻ ب ّد منه لفرض احترام القانون او النظام‪.‬‬‫الى ّ‬
‫القوة على تحقيق العمل اﻻداري الذي يفرضه‬ ‫ّ‬ ‫استعمال‬ ‫يقتصر‬ ‫ان‬ ‫يجب‬ ‫الثالث‪:‬‬ ‫‪ ‬الشرط‬
‫القانون‪ ،‬اي انّه ﻻ يجوز لﻺدارة ان تتجاوز من خﻼل تدابيرها القسريّة الهدف الذي حددّه‬
‫القانون ﻷنّه ﻻ يحق لها ان تفرض على اﻷفراد التزامات اضافيّة على تلك التي وردت في‬
‫القانون‪.‬‬

‫التصرف من قبل اﻻدارة‪:‬‬


‫ّ‬ ‫القسم الرابع‪ :‬المسؤوليّة في حال اساءة‬

‫القوة من قبل اﻻدارة ﻻ يعني ا ّنها ليست مسؤولة عن اﻷضرار التي قد تنجم عن‬ ‫ان امكانيّة استعمال ّ‬ ‫ّ‬
‫تصرفها هذا‪ .‬فمن جهة تكون اﻻدارة ملزمة بالتعويض عن الضرر الذي تلحقه بالمنفّذ عليه‪ ،‬ومن جهة‬ ‫ّ‬
‫تصرفها‬
‫ّ‬ ‫القوة بصورة غير قانونيّة الى تحميل اﻻدارة المسؤوليّة‪ ،‬ويُعتبر عملها او‬
‫ثانية‪ ،‬يؤدّي استعمال ّ‬
‫عمﻼً تعسفيًا او تع ّديًا تتحمل مسؤوليته امام القضاء العدلي‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الجزء الرابع‪ :‬زوال القرار اﻻداري‪:‬‬

‫هناك مظهران لزوال القرار اﻻداري‪ ،‬اﻷو ّل زواله نتيجة ظروف خارجة عن ارادة اﻻدارة‪ ،‬والثاني‬
‫زواله بفعل من اصدره‪.‬‬

‫القسم اﻷول‪ :‬زوال القرار اﻻداري ﻷسباب خارجيّة‪:‬‬

‫أوﻻ‪ :‬زوال الموضوع أو الوفاة‪:‬‬

‫يمكن ان تكون هناك اسباب ماديّة خارجة عن ارادة السلطة اﻻداريّة من شأنها ان تضع حدا‬
‫لوجود القرار اﻹداري‪ .‬مثﻼً‪ ،‬زوال الموضوع الذي أوجب وجود القرار‪ ،‬أو وفاة الشخص الذي‬
‫يعنيه القرار اﻻداري‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تبديل الظروف‬


‫يمكن ان يؤدي اي تبديل في الظروف التي املت وجود القرار اﻹداري الى زوال هذا القرار‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ابطال القرار‬


‫ان ابطال القرار اﻻداري من قبل القضاء اﻻداري سبب مه ّم من اﻷسباب الخارجيّة لزواله واعتباره كأنّه‬
‫لم يكن‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬زوال القرار اﻹداري بفعل مصدره‬

‫يزول القرار اﻹداري في حاﻻت ثﻼث‪:‬‬

‫أوﻻ‪ :‬تحديد م دّة النفاذ‪:‬‬


‫بمجرد‬
‫ّ‬ ‫قد تكون مدّة نفاذ القرار اﻹداري محددة اصﻼً في القانون او في القرار نفسه‪ ،‬فيزول مفعوله حك ًما‬
‫انتهاء هذه المدّة‪ .‬مثﻼً‪ ،‬ينتهي مفعول تعيين الموظف عند بلوغه السن القانونيّة‪ ،‬أوينتهي مفعول قرار‬
‫الترخيص بصيد الطيور بتاريخ ‪ 31‬ايّار من كل عام‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اﻹلغاء‪:‬‬
‫هو وسيلة اداريّة تلجأ اليها اﻻدارة لوضع ح ّد لمفعول قرارها النافذ‪ .‬قرار اﻻلغاء هو قرار اداري نافذ‪،‬‬
‫وبالتالي ﻻ يتضمن مفعوﻻً رجعيًا‪ ،‬فهو يضع حدا لمفعول القرار الملغى للمستقبل فقط‪.‬‬
‫يُستعمل اﻹلغاء عامةً للقرارات التنظيميّة دون القرارات الفرديّة التي تُكسِبُ حقًا للغير‪ ،‬والتي ﻻ يجوز‬
‫الغاؤها‪ .‬فالقرارات التنظيميّة ﻻ تُنشئ في المبدأ حقًا شخصيًا مكتسبًا لﻸفراد‪ ،‬وانّما يتولد عنها حقوق‬
‫بمجرد تعديلها او الغائها ذلك انّه يحق‬
‫ّ‬ ‫ومنافع تبقى قائمة ما دامت هذه القرارات معموﻻً بها وتزول‬
‫لﻺدارة ان تعدّل او ان تلغي النظام في اي وقت ودون ان يكون للتعديل او اﻹلغاء اي مفعول رجعي اذ‬
‫ان اﻷنظمة التي ترعى شؤون موظفي القطاع العام ﻻ توليهم‬ ‫يقتصر مفعولهما على المستقبل فقط‪ .‬مثﻼً‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اي حق مكتسب وللسلطة بالتالي حق تعديلها كلما دعت الحاجة الى ذلك‪.‬‬
‫واﻹلغاء يكون صري ًحا عندما يتضمن القرار مادة تلغي صراحة القرار السابق‪ ،‬ويكون ضمنيًا عندما يحل‬
‫قرار جديد محل قرار سابق ويحكم الوضع الذي كان يحكمه القرار السابق وفق قاعدة او قواعد مختلفة‬
‫عن القواعد السابقة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ثالثا‪ :‬الرجوع عن القرار اﻹداري او استرداده‪:‬‬
‫ان الرجوع عن القرار اﻹداري او استرداده يؤدّي الى ازالة مفعول هذا القرار‪ ،‬ليس للمستقبل وحسب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وانّما ايضًا في الماضي فيعتبر وكأنه لم يكن‪ .‬وهو يطال باﻹجمال القرارات الفرديّة‪.‬‬
‫ب على اﻹدارة احترامها‪ ،‬فإذا لم تفعل امتنع عليها نهائيًا‬ ‫ان للرجوع عن القرار شروط محددة َو ُج َ‬ ‫اﻻّ ّ‬
‫تجوزا لحد السلطة‪ .‬وﻻ يجوز الرجوع‬ ‫ً‬ ‫استرداده‪ .‬فﻼ يجوز الرجوع عن القرار القانوني واﻻّ اعتبر ذلك‬
‫صا‬‫عن القرار غير القانوني الذي أكسب حقوقًا للغير اﻻّ ضمن مهلة المراجعة لدى القضاء‪ ،‬وذلك حر ً‬
‫على استقرار اﻷوضاع والحقوق‪ ،‬او اذا طلب صاحب العﻼقة ذلك شرط ان ﻻ يؤثر ذلك على حقوقه او‬
‫حقوق اطراف ثالثين‪.‬‬
‫فما هي هذه القرارات الفرديّة؟‬
‫يقتضي التمييز بين القرارات الفرديّة التي ﻻ تنشئ حقوق‪ ،‬وتلك التي تُكسب الحقوق‪.‬‬
‫‪ .1‬القرارات التي ﻻ تُنشئ حقو ًقا‪:‬‬
‫والتي يمكن الرجوع عنها بأي وقت ودون التقيّد بأي مهلة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬القرارات السلبيّة‪ :‬وهي التي ترمي الى رد طلب او حجب‬
‫عفوا أو جوابًا على‬‫منفعة شخصيّة‪ ،‬سواء اتّخذتها اﻹدارة ً‬
‫طلب مقدّم اليها‪.‬‬
‫‪ ‬القرارات اﻹيجابيّة ذات الصفة اﻹعتراضيّة‪ :‬اي التي‬
‫تعترف اﻹدارة بموجبها بحق قائم‪ ،‬فهي ﻻ تُنشئ الحق بل‬
‫تُعلنه‪ .‬مثﻼ‪ ،‬قرار بتصفية راتب الموظف أو تعويضه‪ ،‬اذ‬
‫انّ دفع الراتب للموظف ﻻ يوليه حق مكتسب اذا تبيّن في‬
‫ما بعد انّه غير متوجب له‪.‬‬
‫‪ ‬القرارات التي تتثبت من واقعة ماديّة‪ .‬مثﻼ‪ ،‬المصادقة على‬
‫ي حق‬ ‫ان هذا التصديق ﻻ يولي صاحب العﻼقة ا ّ‬ ‫شهادة‪ ،‬اذ ّ‬
‫سا‪.‬‬
‫اذا كان المستند المصدّق غير صحيح اسا ً‬
‫‪ ‬القرارات ذات الوجه المالي‪ ،‬شرط ان تقتصر على‬
‫استخﻼص النتائج الماليّة من أحكام نظام قائم‪ ،‬فتكتفي‬
‫باﻹعتراض على حق موجود دون ان تُنشئ اي حق جديد‪.‬‬
‫مثﻼً‪ ،‬القرارات المعلّقة على شرط لم يتحقق‪ ،‬أو تلك التي‬
‫تتضمن شرط الغاء تحقق‪ ،‬كقرار تعيين موظف عُلّق على‬
‫شرط قبوله هذا التعيين‪ ،‬حتّى اذا رفضه اعتبر قرار التعيين‬
‫ملغى بصورة رجعيّة‪ .‬كما انّ المادة ‪ 65‬من نظام الموظفين‬
‫تعتبر الموظف مستقيﻼً اذا لم يلتحق بوظيفته خﻼل ‪ 15‬يوم‬
‫من تاريخ تبلّغه مرسوم تعيينه‪ ،‬وهذا يعني الغاء التعيين‬
‫بصورة رجعيّة‪.‬‬
‫‪ ‬القرارات المنعدمة الوجود‪ ،‬اي التي ليس لها اي وجود‬
‫قانوني‪ ،‬اذ يعتبرها القضاء باطلة وكأ ّنها لم تكن‪ ،‬مثﻼ‬
‫التعيين في وظيفة غير شاغرة‪.‬‬
‫‪ ‬القرارات التي يلجأ اصحابها الى الخداع والحيلة للحصول‬
‫عليها‪ ،‬مثﻼ‪ ،‬اذا حصل شخص على الجنسيّة نتيجة استعماله‬
‫فإن مرسوم تجنيسهﻼ يُنشئ له حق‪.‬‬ ‫طرق ووسائل احتياليّة‪ّ ،‬‬
‫‪ ‬القرارات التي حدد لها القانون مفعول مؤقت‪ ،‬اذ تزول‬
‫بانقضاء المهلة المحددة لها‪.‬‬
‫‪ ‬القرارات التي تحتوي على تحفظات قانونيّة‪ .‬مثﻼ‪ ،‬اجازة‬
‫اﻹستيراد التي تتضمن بندًا يجيز سحبها قبل انقضاء أجلها‪،‬‬
‫إذا خالف صاحبها اﻷنظمة المرعيّة‪.‬‬
‫‪ .2‬القرارات الفرديّة التي تُنشئ حقو ًقا‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫وهي كل القرارات التي لم يرد ذكرها اعﻼه‪ .‬ا ّما اﻹشكاليّة المطروحة‪،‬‬
‫فهي معرفة ما اذا كان لﻺدارة الحق في استرداد قراراتها المنشئة‬
‫للحق‪ .‬كما ذكرنا القرارات المنشئة للحقوق والمتطابقة وأحكام القوانين‬
‫ﻻ يحق لﻺدارة الرجوع عنها او استردادها‪ ،‬ا ّما تلك التي أكسبت‬
‫حقوقًا وهي مخالفة للقانون فيمكن الرجوع عنها خﻼل مهلة الطعن‬
‫بها )مهلة الشهرين( ويبدأ سريان المهلة من تاريخ تبليغ القرار او‬
‫نشره وليس من تاريخ توقيعه‪.‬‬
‫أن اﻻجتهاد اللّبناني طبّق في بعض قراراته مبدأ الرجعيّة في‬ ‫غير ّ‬
‫الغاء القرارات اﻻداريّة المخالفة للقوانين حتّى ولو كانت قد اكسبت‬
‫حقوقًا للغير‪ ،‬فالقرار غير القانوني‪ ،‬بنظر البعض‪ ،‬ﻻ يُكسب حقوقًا‪،‬‬
‫وبالتالي يمكن لﻺدارة الرجوع عنه في اي وقت كان‪ .‬مثﻼً‪ ،‬اعتبر‬
‫مجلس شورى الدولة اللّبناني انّه يمكن لﻺدارة الرجوع في اي وقت‬
‫تدرج للعسكريين خﻼفًا للقانون‪) .‬قرار‬‫عن قرارات اعطت درجات ّ‬
‫رقم ‪ 93-92/14‬تاريخ ‪ ،1992/11/19‬يوسف سعدالله‬
‫الخوري‪/‬الدولة(‪.‬‬

‫‪53‬‬

You might also like