Professional Documents
Culture Documents
يعنى التفويض اإلدارى فى مفهومه العام أن يعهد رئيس إدارى بجانب من اختصاصاته إلى بعض
مرؤوسيه ،يمارسونها تحت رقابته ،ومع عدم تخليه عن هذه االختصاصات .
ومعنى ذلك أن التفويض يكون من رئيس إدارى إلى أحد أو بعض مرؤوسيه أى أنه تفويض إلى أسفل ،
على أن التفويض يمكن أيضا ً أن يكون إلى موظف إدارى فى مستوى مماثل لمستوى الرئيس الذى
يفوض ،والتفويض من ناحية أخرى ال يعنى التنازل أو التخلى عن االختصاص ،فالرئيس المفوض يحتفظ
بالحق فى ممارسة العمل الذى كان محالً للتفويض ،ويتمتع بحق متابعة أعمال المرؤوس Jالمفوض
ومراقبتها ،ويظل مسئوالً عن هذا االختصاص أمام رؤسائه ويجوز له فى أى وقت سحب التفويض أو
انهاؤه أو تعديله .
والتفويض بذلك أسلوب لتوزيع السلطة اإلدارية وتقليل التركيز اإلدارى ،على أنه يختلف عن إجراءات قد
تقترب منه ،كالحلول واإلنابة والوكالة ..الخ ،على ما سنرى .
والتفويض كعملية إدارية يتحلل إلى عدة عناصر ،وتتمثل هذه العناصر التى يتكون منها التفويض ،
والمتضمنة فى مفهومه ،فى ثالث :واجبات تسند إلى المرؤوس ،وسلطة تمكنه من أدائها ،ومسئوليته
عن هذا األداء تجاه الرئيس .
-1الواجبات : Duties
بمقتضى التفويض يعهد الرئيس إلى المرؤوس بأداء واجبات معينة ،سواء فى صورة نشاط يؤديه أو فى
صورة نتائج محددة ليعمل على تحقيقها ،وميزة هذه الطريقة الثانية أنها توضح للمفوض إليه مهمة
واضحة محددة ،وتحمله على أن يبذل قصارى جهده للوصول إلى النتيجة وتمكن الرئيس وأجهزة الرقابة
من التعرف على مدى ما تحقق من إنجاز لألهداف والنتائج المطلوبة على أن استخدام هذه الطريقة يتطلب
أن تكون نتائج األعمال قابلة للقياس .
-2السلطة :
فأداء الواجبات الموكولة إلى المرؤوس Jيقتضى تزويده بالسلطة التى تمكنه من إنجازها ،وبدون إعطاء
المفوض بواجب معين القدر من السلطة المناسبة ،فلن يستطيع القيام به ،وال يقتصر مدلول السلطة على
السلطة القانونية التى تتمثل فى القدرة على إصدار قرارات ملزمة ،وعلى توقيع الجزاء عند مخالفتها ..
وإنما تشمل كذلك سائر اإلمكانيات المادية والبشرية الالزمة لإلنجاز .فيدخل فى نطاقها توفير االعتمادات
المالية ،وتهيئة مكان وأدوات العمل ،والعدد الالزم من الموظفين ،إلى جانب سلطة إصدار القرارات
الملزمة وتوقيع الجزاءات .
وإزاء لزوم السلطة إلنجاز الواجبات ..فإن تفويض الواجبات وتفويض السلطة يتالزمان وجوداً ،واألصل
كذلك أن يكونا متالزمين مقداراً .إذ يلزم أن تكون السلطة المفوضة على قدر الواجب المفوض حتى يتمكن
المفوض إليه من أدائه على خير وجه ،على أن مقدار السلطة الالزم يختلف بحسب شخصية المرؤوسJ
المفوض إليه ،فمرؤوس يتمتع بالكفاءة والصفات القيادية يستطيع بكفاءته أن يسد النقص فى سلطاته ..
بينما صاحب سلطة آخر ال يعرف – رغم كفايتها – كيف يستعملها أو يتهيب استعمالها ،فتبدو غير كافية .
-3المسئولية :
مع التفويض تظل مسئولية الرئيس عن العمل ،كما تتولد عن التفويض مسئولية جديدة على عاتق المفوض
إليه تجاه الرئيس ،فالرئيس يظل مسئوالً عن العمل الذى فوضه :يملك إنهاء التفويض ،ويكون مسئوالً
عن إنجاز المرؤوس ،ومن هنا قيل إن المسئولية ال تفوض وال تتأثر بالتفويض ،وعلى ذلك ..فإن
التفويض ينصرف إلى الواجبات والسلطة .
وبقاء مسئولية الرئيس أمر منطقى طالما أنه هو الذى رغب فى التفويض ،وطالما أنه يملك تعديله
وتقييده ،أو إنهاءه ،ولذا ..تستمر مسئولية الرئيس ولو أخطأ المرؤوس فى استعمال السلطة المخولة له ،
فإن رئيسه يكون مسئوالً عما يترتب على هذا الخطأ أمام المنظمة باعتبار أنه لم يحسن التقدير بتفويض
سلطات ال تتناسب والقدرة الفعلية للمرؤوس ، Jوألنه لم يحسن اإلشراف على مباشرة المرؤوس Jللسلطات
المفوضة له على الوجه السليم ،و طالما أن حسن التفويض هو أحد الجوانب األساسية لسلطة الرئيس
.وللرئيس أن يعيد النظر فى التفويض الممنوح منه طبقا ً لمدى نجاح العمل ،وطبقا ً لحسن مباشرة السلطات
المفوضة لهم ،والقول بأن التفويض يشمل الواجبات والسلطة والمسئولية ،يكون من شأنه – فى الواقع –
نقل االختصاص ذاته من وظيفة أخرى بما يخل بالتسلسل اإلدارى ،ويغير من وضع وظيفة كل من
الرئيس والمرؤوس .
فالتفويض يعنى أن يعهد الرئيس إلى المرؤوس بجزء من اختصاصاته ،يمارسها تحت إشراف الرئيس ،
ومسئوليته ،والتفويض – من ناحية أخرى – تتـــــولد عنه مســــئولية جــــديدة ،هى مسئولية المرؤوس، J
أى المفوض له ،تجاه رئيسه ،وتكون هذه المسئولية على قدر السلطة المفوضة ،وليس على قدر الواجبات
موضوع التفويض ،وإذا جاز للمرؤوس أن يفوض السلطة المفوضة إليه ،وإذا تكرر ذلك فى المستويات
األدنى ..فإن كل مرؤوس يكون مسئوالً عن السلطة المفوضة إليه تجاه رئيسه ،ويكون كل رئيس مسئوالً
عن إنجاز كل المسئولين فى المستويات األدنى مهما توالت ،وعلى ذلك ..يكون الوزير مثالً مسئوالً عن
العمل أصغر موظف فى وزارته ،وإن لم تكن هذه مسئولية جنائية أو مدنية ..فإنها يمكن أن تثير المسئولية
اإلدارية ،والمسئولية السياسية ( أمام البرلمان فى صورة توجيه أسئلة واستجوابات ،وسحب ثقة ..الخ ) ،
وفى القليل مسئولية أدبية .
ثانيا ً – قواعد التفويض :
يمكن إجمال القواعد واألحكام العامة واألساسية للتفويض فيما يلى :
-1األصل فى التفويض أن يكون جزئيا ً ،وذلك نتيجة أن االختصاص هو وظيفة ،وليس حقا ً ،أو امتيازاً
شخصيا ً حتى يتنازل الرئيس عن ممارسة اختصاصه لغيره ،ولذا فإذا جاز التفويض ..فإنه يلزم أن يكون
فى مسائل معينة ،أما التفويض الشامل فإنه يكون تخليا ً من الرئيس عن اختصاصه .
وللتفويض ( الجزئى ) صور وأشكال مختلفة ،فقد يأخذ شكل التفويض الكامل للسلطة ( فى مسألة أو
مسائل معينة ) أى دون وضع قيود أو ضوابط على سلطة المرؤوس ، Jوقد يكون تفويضا ً بجزء من
السلطة ،كالتفويض الذى يقتصر على مهمة التحضير أو اإلعداد ،أو التفويض المقترن بوجوب الرجوع
إلى الرئيس للحصول على الرأى أو التوجيه فى األمور الهامة .
-2النص اآلذن بالتفويض ،حيث يلزم إلجراء التفويض وجود نص قانونى يأذن به ،وذلك باعتبار أن
األصل هو الممارسة الشخصية لالختصاص الذى حدده القانون ،فال يجوز لصاحب االختصاص أن
يفوض فيه ما لم يرد نص يأذن به ،وهذا المبدأ مطبق فى مصر وفرنسا ..أما فى الواليات المتحدة
األمريكية فإن األصل هو جواز التفويض من مدير المنظمة ،ما لم يمنعه من ذلك نص خاص ،ويرجع
ذلك إلى اختالف أساس التنظيم اإلدارى األمريكي واختالف مفهوم التفويض بالتالى .
فالتنظيم اإلدارى بالواليات المتحدة األمريكية يقوم على تركيز السلطة اإلدارية فى رئيس الجمهورية ،
فالرئيس األمريكى هو صاحب السلطة التنفيذية تتجمع فيه اختصاصاتها والوحدات اإلدارية األخرى تحوز
اختصاصات مشتقة من اختصاصاته ،ويتمتع رؤساء تلك الوحدات بسلطتهم بتفويض منه ،هذا مع استثناء
الهيئات المستقلة التى تتبع الكونجرس وليس الرئيس وكذلك يستمد الموظفون فى داخل الوزارات Jسلطتهم
من الوزير بتفويض منه ،سواء فى ذلك موظفو العاصمة أو الفروع فى األقاليم .وليس هناك ما يمنع –
بالطبع – من أن يصدر قانون خاص يخول بعض السلطات مباشرة إلى بعض فئات الموظفين ،إال أن
األصل أن السلطة اإلدارية فى األجهزة اإلدارية األمريكية تتركز قانونا ً ،وبصفة عامة فى يد رئيس
الجهاز ،ويستمد مرؤوسوه اختصاصاتهم عادة بتفويضات من الرئيس ،وليس من القانون مباشرة.
-3تفويض التفويض :من المتفق عليه –بصفة عامة – أنه ال يجوز للمرؤوس المفوض إليه أن يعيد
تفويض السلطة المفوضة إليه إلى من هم أدنى منه فى هيكل السلم اإلدارى ،ذلك ألن الرئيس اإلدارى
يفوض جزء من سلطاته ليباشر تحت إشرافه ،ويظل مسئوالً عن ممارسته ،ولذا ..فمن المنطقى أال
يتوالى التفويض حتى ال تتأثر قدرة الرئيس على المتابعة و اإلشراف والتوجيه ،وحتى ال تضيع المسئولية
بين عدد من اإلداريين ،كما أنه يلزم حتى ينجح التفويض ويحقق الغرض منه أن يراعى الرئيس – قبل
إجراء التفويض – مدى كفاءة المرؤوس المفوض إليه وقدرته على أداء الواجبات واستخدام السلطات
المفوضة إليه ،وهذا يقتضى أال يقوم المرؤوس بتفويض االختصاصات المفوضة إليه إلى غيره .
على أن كتاب اإلدارة العامة يجيزون للمرؤوس تفويض غيره فيما فوض فيه ،إذا صرح له بذلك فى قرار
التفويض الصادر له .
ومن ناحية أخرى ..فإن ذلك ال يمنع المرؤوس Jالمفوض إليه من أن يلجأ هو بدوره إلى تفويض بعض
سلطاته األصلية لألسباب التى تدعو إلى التفويض ،خاصة وأنه قد ينوء بمباشرة جميع سلطاته األصلية ،
عالوة على السلطات المفوضة إليه .
-4عدم جواز التفويض فى المسائل الهامة :يذكر كتاب اإلدارة العامة عدة موضوعات يجب على الرئيس
اإلدارى األعلى أن يمارسها بنفسه ،بحيث ال يجوز التفويض فيها ،ومنها المسائل المالية ،والتصرف Jفى
الميزانية ،وتوزيع بنودها ،واقتراح التغيير فى السياسة العامة للمنظمة ،والتغيرات الكبرى فى طرائق
العمل وإجراءاته ،والتعيين فى الوظائف األساسية والكبرى فى اإلدارة ،ورفع التقارير والتوصيات إلى
الجهات العليا ( كرئيس الدولة والبرلمان ) ،والتصديق على قرارات المرؤوسين المباشرين فى الحاالت
التى تحتاج إلى تصديق ،والنظر فى التظلمات من تصرفاتهم ،والقرارات الكبرى المتعلقة بالتنظيم
الداخلى للمنظمة أو بعالقاتها بالمنظمات األخرى .
على أن هذه الموضوعات التى ال يجوز التفويض فيها ال يمكن تحديدها على سبيل الحصر ،وهى أمور
نسبية تختلف من منظمة إلى أخرى ،بل تختلف داخل المنظمة الواحدة تبعا ً لظروفها وظروف البيئة التى
تعمل فيها .وال يمكن القول بأن الموضوعات المذكورة تستعصى كلها بحسب طبيعتها ،وفى كل الظروف
على أن تكون محالً للتفويض.
-5وضوح حدود التفويض :يجب أن يكون التفويض واضحا ً ومحدداً حتى يكون المرؤوس متفهما ً لواجباته
وسلطاته ومسئولياته .وهذا من شأنه منع النزاع أو سوء الفهم عند ممارسة السلطات المفوضة ،وذلك
بإرساء أسس عالقات واضحة محددة سواء بين الرئيس والمرؤوسين أو بين المرؤوسين المفوض إليهم
بعض االختصاصات فيما بينهم ،أو بين المنظمة والجمهور أو المنظمات األخرى .ولذا يستحسن أن يكون
التفويض كتابيا َ ال شفويا ً ،وإذا ما تكشفت الممارسة عن أخطاء أو قصور أو غموض فى التفويض ،كان
على الرئيس إعادة النظر فى التفويض وتعديله إلصالح األخطاء أو جالء الغموض ،كما أن له أن ينهى
التفويض إذا وجد أن المصلحة العامة تقتضى ذلك ،أو لعدم قدرة المرؤوس على مباشرة السلطة المفوضة
إليه ،أو إن أساء استعمالها .
-6التفويض من أعلى إلى أسفل :بمعنى أن التفويض بطبيعته هو تخويل الرئيس بعض سلطاته لمن هم
أدنى منه فى التدرج اإلدارى ،وذلك تخفيفا ً للتركيز الشديد للسلطات عند قمة الجهاز اإلدارى حتى يتفرغ
الرئيس ألداء مهامه الرئيسية متخففا ً من األعمال األقل أهمية التى قد تعوقه عن أداء تلك المهام الرئيسية ،
ولذا ..يكون التفويض من أعلى إلى أسفل ،عــلى أنه يمكن أحيانا ً أن يكون التفويض لمن هو فى مستوى
مماثل لمستوى الرئيس المفوض .
إال أنه ال معنى ألن يكون التفويض من أسفل إلى أعلى ،أى من المرؤوس إلى رئيسه ،خاصة وأن
التفويض يفترض – على ما تقدم – استمرار مسئولية الرئيس عن ممارسة االختصاص المفوض ،وهو ما
يعنى حقه فى المتابعة واإلشراف والتوجيه والرقابة ،وهى أمور ال يتصور االعتراف بها للمرؤوس على
أعمال رئيسه ،وليس من المحتم أن يكون التفويض للمرؤوس المباشر ،أى للمستوى األدنى فى هيكل
السلم اإلدارى .فليس ثمة ما يمنع من أن ينزل التفويض عن هذا المستوى ،وذلك نظراً لقلة أهمية المسألة
موضوع التفويض ،وللسرعة الواجبة فى اتخاذ القرار ،ومدى اتصال المرؤوسين فى مستوى معين
بجمهور المنتفعين بخدمات المرفق ،وإلمامهم باحتياجاته ،وبالحقائق التى تمكنهم من اتخاذ القرارات .
فالقرارات ينبغى أن تتخذ أقرب ما يمكن إلى موضع التنفيذ ،فضالً عن مراعاة مدى قدرة المرؤوس
المفوض إليه ومهارته الشخصية وكفاءته ،كما يكون نزول التفويض – على هذا النحو – مقبوالً بالنسبة
لإلدارات الخارجية للوزارة ،فيفوض الوزير بعض اختصاصاته إلى رؤساء ومديرى اإلدارات التابعة
لوزارته فى األقاليم ،تحقيقا ً للسرعة والقرب من منبع الحاجة بالنسبة لبعض القرارات .
على أنه أيا كان األمر ..فإنه يجب أن يحدد المستوى الذى ينزل إليه التفويض أو الذى يجب أن يقف عنده
بالدقة الكافية ،كما يجب مراعاة المبادئ األساسية للتنظيم واإلدارة العامة ،ومنها فى هذا المقام مبدأ وحدة
الرئاسة ،فينبغى أال يؤدى التفويض إلى تعدد الرئاسات ،بالنسبة للمرؤوس الواحد إال فى أضيق الحدود
وذلك أن من مبادئ التنظيم وحدة األمر الذى يعنى أن المرؤوس Jيجب أن يتلقى أوامره من رئيس واحد ،
منعا ً لوقوع التضارب أو التعارض فى األوامر الصادرة إلى نفس المرؤوس ،وعلى ذلك ..ففى حالة
التفويض الصادر من رئيس إلى مرؤوس ال يليه مباشرة فى خط السلطة ..فإنه يلزم أال يرد هذا التفويض
على أمور تتصل بنطاق واجبات أو سلطات الرئيس المباشر للمفوض إليه ،فمثل هذا التفويض ال يؤدى
فقط إلى الخروج على مبدأ وحدة الرئاسة واألمر ،حيث يتلقى المرؤوس األوامر من رئيسه المباشر ومن
الرئيس األعلى ..بل قد يترتب عليه قلب نظام تدرج السلطة ،بإعطاء المرؤوس – Jعن طريق التفويض –
سلطة أعلى أو سلطة رقابية على رئيسه المباشر.
-7مراعاة مبادئ التنظيم اإلدارى :بصفة عامة إنه يلزم فى التفويض ( حتى ولو كان للمرؤوس المباشر )
عدم التعارض مع المبادئ العامة للتنظيم اإلدارى ،ومنها وحدة الرئاسة واألمر ،فيجب أال يؤدى التفويض
إلى تعدد الرئاسات ،بالنسبة للمرؤوس الواحد ،إال فى أضيق الحدود ،على ما تقدم ،ويتعارض مع هذا
المبدأ أن يتلقى المرؤوس Jتفويضا ً من جهتين رئاسيتين بشأن عمل واحد ،ولذا ..فإنه ال يجوز أن يفوض
المرؤوس من قبل أكثر من رئيس إال في أضيق الحدود ،نظراً لما يترتب عليه من اضطراب العمل
وارتباك المرؤوس Jإزاء أوامر قد تكون متناقضة ،عالوة على ما قد ينشب من خالف بين الرئيس األعلى
والرئيس المباشر ،بشأن عدم تنفيذ تعليمات كليهما.
ومن ناحية أخرى ..إذا تعددت التفويضات من الرئيس الواحد ألكثر من مرؤوس وجب التنسيق بينهم ،
بحـــيث يختص كل منهم بقطاع معين أو بقطاعات متكاملة ،أو بمنطقة معينة ،منعا ً لتضارب
االختصاصات أو ازدواج األنشطة .
-1ضعف بعض المرؤوسين ،وعدم ثقتهم في النفس ..مما يدفعهم إلى رهبة الرؤساء وتقديسهم ،
والرجوع إليهم في كل األمور ،تهيبا ً وخوفا ُ من المسئولية ،وهو سلوك يغرى بعض الرؤساء بالتمسك
بالسلطة وتوسيع دائرة السيطرة على المرؤوسين .
-2ضعف ثقة المرؤوسين في رؤسائهم وعدم اطمئنانهم إلى مسلكهم ،وهذا ما يدفع المرؤوسين إلى السلبية
واالستكانة خوفا ً من تصيد الرؤساء ألخطائهم .وعدم الثقة في تخويل الرؤساء لهم السلطة الكافية ألداء
الواجبات المفوضة .
-3كثرة أعباء المرؤوس في عمله األصلى ،أو كثرة أعبائه الخارجية التى قد تشغله خاصة إذا كانت
مجزية له من الناحية المادية أو األدبية ،هذا فضالً عن مشاكله االجتماعية أو الصحية .
-4المفاهيم والسلوكيات الخاطئة كالرغبة في االحتفاظ بالصداقة مع الزمالء في العمل ،مما يدفع بعض
المرؤوسين إلى التردد في قبول التفويض بما يخوله من سلطة وما يفرضه من أعباء .
-5عدم وجود نظام للحوافز المادية أواألدبية يشجع المرؤوسين Jعلى قبول األعباء الجديدة ومسئولياتها .
وإلى جانب المعوقات والصعوبات المتقدمة ،توجد صعوبات متفرقة ال ترجع إلى الرؤساء أو المرؤوسين
وحدهم .ومن أهم هذه المعوقات والصعوبات االعتبارات السياسية المختلفة ،ومدى تأثيرها على سير
اإلدارة العامة ،وعدم إدراك المبادئ األساسية للتنظيم واإلدارة العامة وطبيعة عمل المنظمة اإلدارية
ومدى حاجاتها إلى التفويض ،وحجم المنظمة اإلدارية ،فالمنظمة اإلدارية الكبيرة تكون في حاجة أكبر من
المنظمة الصغيرة Jلعملية التفويض للقضاء على التركيز في السلطات ،وما يسببه من تعقيدات ومشاكل .
رابعا ً – عالج معوقات التفويض :
يمكن إجمال أهم وسائل العالج فيما يلى :
واالسلوب الثاني ،لتوزيع السلطة داخل المنظمة هى التفويض ،حيث يعهد الرئيس Jاإلدارى إلى مرؤوسيه
ممارسة بعض اختصاصاته ،إذا وجد نص يأذن بذلك ،فالمرؤوس ال يستمد سلطته من ” القانون ”
مباشرة ،وإنما يستمدها بتفويضات من رئيسه اإلدارى ،اى بعمل إرادى من جانب صاحب االختصاص
األصيل ،وذلك لالعتبارات واألسباب التى سبق ذكرها ،والتى تدعو الرئيس إلى تفويض بعض
اختصاصاته للمرؤوس . Jويملك الرئيس اإلدارى إلغاء التفويض واسترداد االختصاص من المفوض إليه .
وأسلوب التفويض أكثر مرونة من إعادة توزيع االختصاصات داخل المنظمة ،ذلك ألن التفويض يتم بعمل
إرادى من جانب صاحب االختصاص األصيل الذى يملك – بحسب تقديره – إجراء التفويض أو عدم
إجرائه ،ويملك إطالق التفويض أو تقييده ،كما يستطيع إنهاءه في أى وقت ،كل ذلك في ضوء شخصية
المفوض إليه ومهاراته وقدراته ،وفى ضوء الظروف المحيطة بأعباء الرئيس ،وقد تكون ظروفا ً وقتية
فيفوض المرؤوس في ممارسة بعض اختصاصاته بدالً من منحه اختصاصا ً قد يصعب بعد ذلك المساس به
العتبارات قانونية أو عملية .هذا خاصة وأن إعادة توزيع االختصاص قد تقتضى تدخل جهات أعلى داخل
المنظمة ،بل خارجها ،كصدور قانون أو قرار جمهورى أو وزارى.
ويالحظ أخيراً أن كتابات اإلدارة العامة كثيراً ما تخلط بين عدم التركيز اإلدارى والالمركزية ،على ما
سبق أن ذكرناه ،فيطلق اصطالح ” الالمركزية ” على عملية توزيع أو تفويض االختصاصات داخل
المنظمة اإلدارية ،خاصة إذا لم يقتصر تقرير أو تفويض بعض السلطات على مستويات المركز ،وإنما ..
امتد إلى الفروع التى تمارس نشاطها ضمن نطاق إقليمي معين ويطلقون تعبير ” نقل السلطة ” عند األخذ
بنظام اإلدارة المحلية ،حيث تمارس الوحدات المحلية اختصاصات أصيلة نقلت إليها بكل عناصرها(من
واجبات وسلطة ومسئولية ) وتنتفى بذلك تبعية الوحدة المحلية للمركز ،وتنتفى مسئوليته عن إنجاز هذه
الوحدة ألعمالها ،هذا بعكس الفروع التى تتبع المركز رئاسيا ً وتؤدى واجباتها بتفويض منه ،مما يترتب
عليه بقاء مسئولية المركز عن أداء هذه الواجبات ،ويملك المركز إزاءها حق الرقابة والتوجيه وحق سحب
التفويض ،وهو ما ال يملكه المركز إزاء الوحدة المحلية التى تخلق مركز سلطة جديد خارج المركز
ومستقالً عنه .
– 2ويستقل الطرفان بتحديد نطاق الوكالة ووضع أحكامها ،بما ال يخالف النظام العام وحسن اآلداب
فالموكل ينيب عنه غيره في مصالحه الشخصية ويحدد العقد نطاق األعمال التى تشملها الوكالة ،بحيث
يمكن أن يعهد األصيل إلى الوكيل بكل شئون مصالحه ،اللهم إال األعمال المرتبطة بشخصه ،كحلف
اليمين .
-3وتخضع الوكالة في آثارها ألحكام القانون المدنى ،ومنها حق الوكيل في أن ينيب عنه غيره في تنفيذ
الوكالة ،حتى ولو لم يكن مرخصا ً له في ذلك ،على أن يكون مسئوالً عن عمل النائب كما لو كان العمل قد
صدر منه هو ( م 708مدنى ) ،والوكيل يعمل لحساب الموكل فما يبرمه الوكــيل من عقود باسم الموكل
تنصرف آثاره من حقوق والتزامات إلى هــذا األخير ( م 105مدنى ) وإذا كان الوكيل ملزما ً بتنفيذ الوكالة
دون أن يجاوز حدوده المرسومة ..إال أن القانون يجيز أحيانا ً هذا الخروج ،كما أن إجازة الموكل الالحـقة
– صـــــراحة أو ضمنا ً – قد تصحح تصرفات الوكيل الخارجة على حدود الوكالة ،وهى تصححها بأثر
رجعى بحيث يعتبر التصرف كما لو أنه قد صدر منذ البداية ضمن حدود الوكالة .ومن جهة أخرى يكون
الموكل مسئوالً عما يصيب الوكيل من ضرر دون خطأ منه بسبب تنفيذ الوكالة تنفيذاً معتاداً ( م 711مدنى
).
– 4ويجوز لكل من الموكل والوكيل إنهاء الوكالة في أى وقت ،كما تنتهى الوكالة بموت أيهما .
ويتبين من كل ما تقدم اختالف نظامى الوكالة والتفويض اختالفا ً جوهريا ً ،فالتفويض نظام من أنظمة
القانون العام ،ويتم من جانب واحد هو جانب صاحب االختصاص – وأحيانا ً من سلطة أعلى ،وال يتوقف
على إرادة المفوض إليه الذى ال يملك رفض التفويض ،وال يملك إنهاءه .
والرئيس اإلدارى المفوض هو الذى يحدد نطاق التفويض ،أى يحدد المسائل التى يفوضها إلى مرؤوسيه ،
على أن حريته في ذلك ليست كاملة ،فالتفويض ال يكون إال جزئيا ً ،حيث ال يجوز أن يمتد التفويض إلى
كل واجبات وسلطات الرئيس اإلدارى ،كما أن ثمة مسائل ال يجوز التفويض فيها ،على ما سبق ذكره .
ويخضع التفويض لقواعد القانون العام ولمبادئ اإلدارة العامة والتنظيم اإلدارى ،وال يجوز – قانونا ً –
تفويض االختصاصات المفوضة ،كما تتجه إلى ذلك مبادئ التنظيم اإلدارى بصفة عامة .وال يعمل
المفوض إليه لحساب الرئيس اإلدارى وال في مصالحه الخاصة ،وإنما يعمل كل من الرئيس صاحب
االختصاص والمرؤوس المفوض إليه في سبيل المصلحة العامة .وآثار تصرفات المفوض إليه من حقوق
أو التزامات قبل الغير ،ال تنصرف إلى الرئيس اإلدارى ،وإنما تتم لحساب الجهة اإلدارية ،وتضاف إليها
وتبطل تصرفات المفوض إليه إذا تجاوزت حدود التفويض .
وال يجوز للمفوض إليه إنهاء التفويض ،كما ال يتأثر التفويض في بعض صوره بتغير شخص األصيل أو
المفوض إليه ،فقد يتم التفويض لصاحب منصب أو موقع معين بصرف النظر عن شخص شاغله .
وإذا كان الجائز أن تمتد اإلنابة إلى كل اختصاصات األصيل ..إال أن االختصاصات التى توكل للنائب قد
يحددها النص اآلذن باإلنابة أو القرار الصادر بتعيين النائب .وإذا لم يتحدد هذا االختصاص في النص
القانونى اآلذن ،وال في قرار تعيين النائب ..فإن الرأى – في القانون العام وفى علم اإلدارة العامة – يميل
إلى القول بتحديد اختصاصات النائب في األعمال التى تفرض نفسها عادة عند غياب األصيل .والواقع أن
مقتضيات العمل تفرض مثل هذا التحديد ،خاصة عند غياب األصيل لمدة قصيرة ،حيث تبرر أن يقوم
النائب باألعمال العاجلة التى التحتمل التأخير ،ودون أن يعوق سياسة األصيل وتوجيهاته .
والنائب إذ يمارس اختصاصات األصيل ..فإن أعماله في هذا الشأن تعتبر – من حيث قوتها – كما لو
كانت صادرة من األصيل ،ويكون النائب مسئوالً عنها وهو يجمع أثناء النيابة بين اختصاصاته األصلية
واالختصاصات التى يمارسها بالنيابة عن األصيل الغائب .وتنتهى النيابة عادة بزوال الظروف التى أدت
إليها ،كحضور األصيل الغائب ،أو شغل وظيفة األصيل التى كانت شاغرة ،كما تنتهى بانتهاء المدة التى
قد تحدد لها في قرار تعيين النائب ..هذا فضالً عن جواز إنهاء النيابة في أى وقت ،فيصدر قرار بإنهائها
حتى قبل الموعد المحدد لها أو قبل زوال أسبابها ،وكذلك تنتهى النيابة بتعيين نائب جديد ،وغير ذلك من
األسباب التى تؤدى إلى انتهاء النيابة صراحة أو ضمنا ً .
والنص المقرر للحلول قد يحدد االختصاصات التى يحل الحال محل األصيل في مباشرتها .وعند سكوت
النص فاألصل أن يكون الحلول كامالً أى يشمل جميع اختصاصات األصيل ،خاصة في حالة الحلول الذى
يرجع إلى الغياب الطويل أو خلو وظيفة األصيل ( بالوفاة أو باالستقالة مثالً ) .أما في حالة الغياب القصير
..فإنه يكفى أن يقتصر الحلول على األعمال العاجلة التى ال تحتمل التأخير أو التى يضيرها االنتظار .
ويأخذ الحال مرتبة األصيل من ممارسة اختصاصه ،وتأخذ أعماله في هذا المجال ذات القوة القانونية
ألعمال األصيل وكأنها صادرة من هذا األخير ،وال يخضع الحال في ممارسة تلك االختصاصات لرقابة
أو إشراف األصيل ،إذ الفرض هو قيام عائق يحول دون مباشرة األصيل الختصاصه ،كما أن األصيل ال
يتحمل مسئولية تصرفات الحال ،وذلك على عكس التفويض ،حيث يتحمل األصيل مسئولية أعمال
المفوض إليه ،ألن المسئولية ال تفوض ،على ما تقدم .
وثمة صورة أخرى للحلول تختلف عن الفكرة المتقدمة ،ونعنى حلول جهة إدارية محل أخرى أدنى منها
في مباشرة بعض اختصاصات الجهة األخيرة التى امتنعت أو تقاعست عن أدائها ،فهو نوع من رقابة
سلطة عليا على التزام جهة أدنى منها بأداء اختصاصاتها الوجوبية ،ويحدث ذلك في نطاق العالقة بين
السلطة المركزية والهيئات الالمركزية الخاضعة لرقابتها .فاألصل في هذه الرقابة أو الوصاية اإلدارية
أنها ال تخول السلطة المركزية الحق في الحلول محل الهيئات المحلية في ممارسة اختصاصاتها ،ذلك أن
مقتضى االستقالل الالمركزى أن يكون لهذه الهيئات اختصاصات أصلية تمارسها ابتداء ،على أن يكون
لسلطة الرقابة – حفاظا ً على وحدة الدولة ،وحرصا ً على تنسيق نشاطها – حق التعقيب على األعمال التى
تمارس بها هذه االختصاصات ،على أن القانون يجيز هذا الحلول استثنا ًء ،وفى حاالت محددة وضيقة
وذلك خشية أن يؤدى امتناع الهيئات المستقلة عن أداء واجبها ،أو إهمالها فى أدائه ،إلى تعريض
المصلحة العامة للخطر أو إعاقة حركة الجهاز اإلدارى .ونظراً لخطورة هذا النوع األخير من الحلول ،
لما فيه من خروج على توزيع االختصاصات فى صورته المعتادة ..فإن القانون يحيط ممارسته بضمانات
أهمها :
-1أنه يتقرر استثناء بنص صريح ،وفى حدود ما ورد فيه النص.
-2أنه يتقرر فى حالة االختصاص المقيد إلى االختصاص الوجوبى الذى يلزم القانون الجهة اإلدارية بأدائه
،أى أنه يتقرر عندما يكون امتناع الهيئة المستقلة عن ممارسة اختصاصها ابتداء أمراًُ مخالفا ً للقانون ،وال
يصح اللجوء إلى الحلول ،بالنسبة لالختصاص التقديرى الذى يكون للجهة اإلدارية معه ممارسة عمل
معين أو عدم ممارسته ،وامتنعت عن إجرائه تقديراً لمالءمات العمل اإلدارى .
-3يشترط إعذار الجهة صاحبة االختصاص ،أى توجيه دعوة صريحة إليها للقيام بالعمل بداءة ،فتمتنع
عن القيام به رغم هذا اإلنذار .ومثال ذلك حق السلطة المركزية فى أن تدرج فى موازنة الهيئة المحلية ما
تهمل هذه فى إدراجه من مصروفات إلزامية ،وهى تلك التى يلزمها القانون برصد المبالغ الالزمة للوفاء
بها